فأما في غير الشعر فنحو قولك في جواب من سألك فقال لك 1: أي شيء عندك؟ زيد أو عمرو أو محمد الكريم أو علي العاقل. فإنما جوابه الذي لا يقتضي السؤال غيره أن يجيبه بنكرة في غاية "شياع مثلها"2 فيقول 3: جسم. ألا ترى أنه قد يجوز أن يكون في قوله: أيّ شيء عندك إنما أراد أن يستفصلك بين أن يكون عندك علم أو قراءة أو جود أو شجاعة, وأن يكون عندك جسم ما. فإذا قلت: جسم فقد فصلت بين أمرين قد كان يجوز أن يريد منك فصلك بينهما, إلّا أن جسمًا وإن كان قد فصل بين المعنيين فإنه مبالغ في إبهامه. فإن تطوّعت زيادة على هذا قلت: حيوان. وذلك أن حيوانًا أخص من جسم, كما أن جسمًا أخص من شيء, فإن تطوع شيئًا آخر قال في جواب أي شيء عندك: إنسان؛ (لأنه أخص من حيوان, ألا تراك تقول: كل إنسان حيوان, وليس كل حيوان إنسانًا, كما تقول: كل إنسان جسم, وليس كل جسم إنسانًا. فإن تطوَّع بشيء آخر قال: رجل. فإن زاد في التطوع شيئًا آخر4 قال: رجل عاقل, أو نحو ذلك. فإن تطوع شيئًا آخر قال: زيد أو عمرو "أو نحو ذلك"5.
فهذا كله تطوع بما لا يوجبه سؤال هذا السائل.
ومنه قول أبي دواد:
فقصرن الشتاء بعد عليه ... وهو للذود أن يقسمن جار6
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 في ش: "الشياع".
3 د، هـ، ز: "فنقول".
4 سقط هذا في ش.
5 كذا في ش، ز وسقط ما بين القوسين في د، هـ.
6 هذا في وصف فرس، يقول: إنه أوثر بلبن الإبل في الشتاء, فصارت الإبل مقصورات عليه، لا يشركه غير في ألبانهن, وذكر أن هذا الجراد جار للإبل وحام لها، إذ يمنع العدو أن يغير عليها فيتقسمها وينهبها. والذود: القطع من الإبل. وقوله. "فقصرن" في ش: "فقمن" وهو خطأ. وانظر اللسان "قصر"، والكتاب 1/ 111.(2/267)
فهذا جواب كم؛ كأنه قال: كم قصرن عليه؟ وكم1 ظرف2 ومنصوبة الموضع, فكان3 قياسه أن يقول: ستة أشهر؛ لأن كم سؤال عن قدر من العدد محصور, فنكرة هذا كافية من معرفته, ألا ترى أن قولك: عشرون والعشرون وعشروك "ونحو ذلك"4 فائدته في العدد واحدة, لكن المعدود معرفة مرة ونكرة أخرى. فاستعمل الشتاء وهو معرفة في جواب كم. وهذا تطوّع بما لا يلزم. وليس عيبًا بل هو زائد على المراد. وإنما العيب أن يقصر في الجواب عن مقتضى السؤال, فأمَّا إذا زاد عليه فالفضل معه واليد له.
وجاز أن يكون الشتاء جوابًا "لكم" من حيث كان عددًا في المعنى, ألا تراه ستة أشهر. وافقنا5 أبو علي -رحمه الله- على هذا الموضع من الكتاب وفسره ونحن بحلب, فقال: إلا في هذا البلد فإنه ثمانية أشهر. يريد طول الشتاء بها.
ومن ذلك قولك في جواب من قال لك: الحسن6 أو الحسين أفضل أم ابن الحنفية: الحسن أو قولك: الحسين. وهذا تطوع من المجيب بما لا يلزم. وذلك أن جوابه على ظاهر سؤاله أن يقول له: أحدهما ألا ترى أنه لما قال له: الحسن أو الحسين أفضل أم ابن الحنفية فكأنه قال: [أ] 7أحدهما أفضل أم ابن الحنفية, فجوابه على ظاهر سؤاله أن يقول: أحدهما. فقوله: "الحسن" أو قوله: الحسين فيه زيادة تطوع بها لم ينطو السؤال على استعلامها. ونظير قوله في الجواب على اللفظ أن يقول: الحسن "أو الحسين"؛ لأن قوله: "أو الحسين" بمنزلة أن
__________
1 في د، هـ، ز: "فكم".
2 سقط حرف العطف في ز.
3 في د، هـ، ز: "وكان".
4 سقط في ش.
5 في هـ: "وافقنا".
6 هذه المسألة من مسائل الإيضاح لأبي علي الفارسي. وانظر أمالي ابن الشجري 2/ 336.
7 زيادة خلت منها الأصول.(2/268)
يقول: أحدهما. والجواب المتطوع فيه أن يقول: "الحسن" ويمسك, أو أن يقول: الحسين ويمسك. فأما إن كان كيسانيًّا1 فإنه يقول: ابن الحنفية, هكذا كما ترى. فإن قال: الحسن "أفضل أم الحسين"2 أو ابن الحنفية, فقال: الحسن, فهو جواب لا تطوع فيه. فإن قال: أحدهما, فهو جواب لا تطوع فيه أيضًا. فإن قال: "الحسين" ففيه3 تطوع. وكذلك إن قال: "ابن الحنفية" فقد تطوّع أيضًا. فإن قال: الحسن أو ابن الحنفية أفضل أم الحسين, فقال له المجيب: الحسين, فهو جواب لا تطوع فيه. فإن قال: أحدهما, فهو أيضًا جواب لا تطوع فيه. فإن قال: الحسن, أو قال: ابن الحنفية ناصًّا على أحدهما معينًا فهو جواب متطوع فيه على ما بينا فيما قبل.
ومن التطوع المشام للتوكيد قول الله سبحانه: {إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} 4، {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} 5، وقوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 6 وقولهم: مضى أمس الدابر وأمس المدبر. وهو كثير. وأنشد الأصمعي:
وأبي الذي ترك الملوك وجمعهم ... بصهاب هامدةً كأمس الدابر7
وقال 8:
خبلت غزالة قلبه بفوارسٍ ... تركت منازله كأمس الدابر9
__________
1 الكيسانية: فرقة من الشيعة ينتسبون إلى كيسان؛ وهو المختار بن أبي عبيد الثقفي، يقولون بإمامة محمد بن الحنفية.
2 في د، هـ، ز: "أم الحسين أفضل".
3 في د، هـ، ز: "فقد".
4 آية: 51، سورة النحل.
5 آية: 2، سورة النجم.
6 آية: 13، سورة الحاقة.
7 ذكر ياقوت في صباب أنه موضع، ولم يحله بوصفه، وقد أورد الشطر الأخير نقلًا عن أبي علي في الحجية.
8 أي: عمران بن حطان، وانظر الكامل 9/ 154، والأغاني "بولاق" 16/ 155.
9 سقط هذا البيت في د، هـ، ز، وثبت في ش. وغزالة: امرأة من الخوارج كانت تحارب مع الخوارج الحجاج، ولما جخلت الكوفة بجيش الخوارج تحصَّن الحجاج منها وأغلق عليه قصره.(2/269)
ومن ذلك أيضًا الحال المؤكدة، كقوله 1:
كفى بالنأي من أسماء كاف
لأنه إذا2 كفى فهو كافٍ لا محالة.
ومنه قولهم: أخذته بدرهم فصاعدًا، هذه أيضًا حال مؤكدة, ألا ترى أن تقديره: فزاد الثمن صاعدًا, ومعلوم أنه إذا زاد الثمن لم يكن إلّا صاعدًا. غير أن للحال هنا مزية عليها في قوله:
كفى بالنأي من أسماء كافٍ
لأن صاعدًا ناب في اللفظ عن الفعل الذي هو زاد، "وكافٍ" ليس بنائب في اللفظ عن شيء, ألا ترى أن الفعل الناصب له ملفوظ به معه.
ومن الحال المؤكدة قول الله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} 3 وقول ابن دارة:
أنا ابن دارة معروفًا بها نسبي4
وهو باب منقاد.
__________
1 أي: بشر بن أبي خازم الأسلمي وعجزه:
وليس لحبها إذ طال شاف
وانظر الخزانة 2/ 261، والمفصل 6/ 51.
2 في ش: "أراد" وهو تصحيف.
3 آية: 25، سورة التوبة.
4 عجزه:
وهل بدارة بالتاس من عار
وانظر الخزانة 1/ 557.(2/270)
فأما قوله سبحانه: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} 1 فيكون من هذا, وقد يجوز أن يكون قوله سبحانه: {بِجَنَاحَيْهِ} مفيدًا. وذلك أنه قد يقال في المثل:
طاروا علاهنّ فشل علاها2
وقال آخر:
وطرت بالرحل إلى شملة ... إلى أمون رحلةٍ فذلَّت
ومن أبيات الكتاب:
وطرت بمنصلي في يعملات ... دوامي الأيد يخبطن السريحا4
وقال القطامي:
ونفخوا عن مدائنهم فطاروا5
__________
1 آية: 38، سورة الأنعام.
2 هذا الرجز أنشده أبو الغول لبعض أهل اليمن، كما في نوادر أبي زيد 58، 164، وفي الموطن الأول عن أبي حاتم أن أبا عبيدة اتهم المفضل بصنعه، وقوله: "فشل" أي: ارتفع واركب، وورد في اللسان "طير": "فشك"، وهو تحريف. وفي رواية اللسان "علا": "فطر" وعلاها لغة في عليها تنسب إلى الحارث بن كعب. وانظر النوادر واللسان.
3- الشملة: السريعة. والأمون: الناقة الوثيقة الحق التي يؤمن عليها العثار. الرحلة: القوية، وهو أصله القوة والقدرة على السير، يقال: يعبر ذر رحلة، قرصف بالمصدر.
4 ينسب هذا إلى مضرّس بن ربعي الأسدي. واليعملات جمع اليعملة وهي الناقة السريعة، والأيد هي الأيدي فحذف الياء تخفيفًا. والسريح: السير الذي تشد به الخدمة، وهي ما يشدّ في الرسخ والبيت في الكتاب 1/ 9، 2/ 291.
5 صدره:
ألم يخز التفرق جند كسرى
وقبله:
فما قومي هلمَّ إلى جميع ... وفيما قد مضى كان اعتبار(2/271)
وقال العجاج:
طرا إلى كل طوال أعوجا1
وقال العنبري 2:
طاروا إليه زرافاتٍ وأُحدانا
وقال النابغة الذبياني:
يطير فضاضًا بينها كل قونسٍ3
فيكون قوله تعالى: {يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} على هذا مفيدًا, أي: ليس الغرض تشبيهه بالطائر ذي الجناحين, بل هو الطائر بجناحيه البتة. وكذلك قوله -عز اسمه: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} 4 قد يكون قوله: {مِنْ فَوْقِهِمْ} مفيدًا. وذلك أنه قد يستعمل في الأفعال الشاقة المستثقلة على قول من يقول: قد سرنا5 عشرًا وبقيت علينا ليلتان؛ وقد حفظت القرآن وبقيت عليّ منه سورتان, وقد صمنا عشرين من الشهر وبقي علينا عشر. وكذلك يقال في الاعتداد على الإنسان بذنوبه
__________
1 من أرجوزته إلى أولها: ما هاج أحزانًا وشجوًا قد شجا
وقوله: "طرنا" جواب قوله قبل:
إنا إذا مذكى الحروب أرجا ... منها سعارًا واستشاطت وهجا
وانظر الديوان 10.
2 هو فريط بن أنيف وعجزه:
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم
وقوله: "أحدانا" كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "وحدانا", والهمزة بدل من الواو، والبيت من أولى قصائد الحماسة.
3 عجزه:
ويتبعها منهم فراش الحواجب
والقونس: أعلى بيضة الحديد. الفراش عظام رفاق على الخياشيم من داخل، وهو من قصيدته التي مطلعها:
كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
4 آية: 26، سورة النحل.
5 في د، هـ، ز: "سرينا".(2/272)
وقبيح1 أفعاله: قد أخرب عليّ ضيعتي وموّت2 عليّ عواملي وأبطل عليّ انتفاعي3, فعلى هذا لو قيل: فخرَّ عليهم السقف, ولم يقل: من فوقهم, لجاز أن يظن به أنه كقولك 4: قد خربت عليهم دارهم, وقد أهلكت5 عليهم مواشيهم وغلاتهم6, وقد تلفت عليهم تجاراتهم. فإذا قال: {مِنْ فَوْقِهِمْ} زال ذلك المعنى المحتمل, وصار معناه: أنه سقط وهم من تحته. فهذا معنى غير الأول.
وإنما "اطَّردت على"7 في الأفعال التي قدّمنا ذكرها, مثل: خربت عليه ضيعته, وموتت عليه عوامله, ونحو8 ذلك من حيث كانت "على" في الأصل للاستعلاء. فلمَّا كانت هذه الأحوال "كلفًا و"9 مشاق تخفض الإنسان وتضعه وتعلوه وتفرعه10 حتى يخضع لها ويخنع11 لما يتسدّاه12 منها, كان ذلك من مواضع على, ألا تراهم يقولون: هذا لك, وهذا عليك, فتستعمل اللام فيما تؤثره13، وعلى فيما تكرهه13، قالت 14:
سأحمل نفسي على آلة ... فإما عليها وإما لها
__________
1 في د، هـ، ز: "قبح".
2 في د، هـ، ز: "أعطب".
3 في د، هـ، ز: "ارتفاعي، والارتفاع: الغلة للضيعة ونحوها".
4 في د، هـ، ز: "كقوله".
5 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "هلكلت".
6 في ز: "غلالهم".
7 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "اطرد".
8 سقط في د، هـ، ز.
9 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "كلها".
10 أي: تعلوه. وفي د، هـ، ز: "تنفرعه". وما هنا في ش. وفي ج: "تقرعه".
11 في هـ، ز: "يختع" وهو محرق عن "يخنع" وفي د: "يخشع".
12 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "تسدّاه". ويقال: تسداه: ركبه وعلاه.
13 في د، هـ، ز: يؤثره" و"يكرهه".
14 كذا في د، هـ، ز وفي ش: "قال", والقائل هي الخنساء في مرثية أخيها معاوية، قتلته بنو مرة. وقوله: سأحمل" كذا في ش. وفي د، هـ، ز "لأحمل".(2/273)
وقال ابن حلزة:
فله هنالك لا عليه إذا ... دنعت أنوف القوم للتعس1
فمن هنا دخلت "على" هذه في هذه الأفعال التي معناها إلى الإخضاع والإذلال.
وما يُتَطوَّع به من غير وجوب كثير, وفيما مضى منه2 كافٍ ودالٍّ عليه بإذن الله.
__________
1 هذا في قصيدة مفضلية في مدح الملك قيس بن شراحيل بن مارية. ودنعت: ذلت, وفي أصول الخصائص "دفعت" وهو تصحيف. يقول: إذا حصل أفعال الناس ومآثره كان الفضل له، ولم يكن ما ينقم عليه.
2 سقط في د، هـ، ز.(2/274)
باب في التامِّ يزاد عليه فيعود ناقصًا 1:
هذا موضع ظاهره2 ظاهر التناقض, ومحصوله صحيح واضح.
وذلك قولك: قام زيد, فهذا كلام تام, فإن زدت عليه فقلت: إن قام زيد, صار شرطًا واحتاج إلى جواب. وكذلك قولك: زيد منطلق, فهذا كلام مستقل3، فإذا زاد عليه4 أن "المفتوحة فقال: أن زيدًا منطلق"5 احتاج إلى عامل يعمل في أن وصلتها, فقال: بلغني أن زيدًا منطلق, ونحوه. وكذلك قولك: زيد أخوك, فإن زدت عليه "أعلمت" لم تكتف بالاسمين فقلت: أعلمت "بكرًا زيدًا أخاك"6.
وجماع هذا أن كل كلام مستقل زدت عليه شيئًا غير معقود بغيره ولا مقتض لسواه فالكلام باقٍ على تمامه7 قبل المزيد عليه. فإن زدت عليه شيئًا مقتضيًا لغيره معقودًا به عاد الكلام ناقصًا لا لحاله الأولى, بل لما دخل عليه معقودًا بغيره.
__________
1 هذا البحث في الأشياء للسيوطي 1/ 295.
2 سقط في ش.
3 كذا في د، هـ، ز. وسقط في ش.
4 في د، هـ، ز: "على هذا".
5 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش.
6 كذا في ز. وفي ش: "زيدًا بكرًا أخال".
7 في د، هـ، ز "حاله".(2/274)
فنظير الأول قولك: زيد قائم, وما زيد قائم وقائمًا على اللغتين, وقولك: قام محمد, وقد قام محمد, وما قام محمد, وهل قام محمد, وزيد أخوك, وإن زيدًا أخوك, وكان زيد أخاك، وظننت زيدًا أخاك.
ونظير الثاني ما تقدَّم من قولنا: قام زيد, وإن قام زيد. فإن جعلت "إن" هنا نفيًا بقي على تمامه, ألا تراه بمعنى ما قام زيد.
ومن الزائد العائد بالتمام إلى النقصان قولك: يقوم زيد, فإن زدت اللام والنون فقلت: ليقومَنَّ زيد, فهو محتاج إلى غيره, وإن لم يظهر هنا في اللفظ, ألا ترى أن تقديره عند الخليل: أنه جواب قسم, أي: أقسم ليقومنَّ, أو نحو ذلك. فاعرف ذلك إلى ما يليه.(2/275)
باب في زيادة الحروف وحذفها:
وكلا ذينك ليس بقياس لما سنذكره.
أخبرنا أبو علي -رحمه الله- قال: قال أبو بكر: حذف الحروف ليس بالقياس. قال: وذلك أن الحروف إنما دخلت الكلام لضرب من الاختصار, فلو ذهبت تحذفها1 لكنت مختصرًا لها2 هي أيضًا, واختصار المختصر إجحاف به. تمت الحكاية2.
تفسير قوله: "إنما3 دخلت الكلام لضرب من الاختصار" هو أنك إذا قلت: ما قام زيد, فقد أغنت "ما " عن "أنفى "؛ وهي4 جملة فعل وفاعل. وإذا قلت: قام
__________
1 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "لحذفها".
2 سقط هذا في ش.
3 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "إنها".
4 في د، هـ، ز: "هو".(2/275)
القوم إلا زيدًا, فقد نابت "إلا " عن "أستثني ", وهي1 فعل وفاعل. وإذا قلت: قام زيد وعمرو, فقد نابت الواو عن "أعطف"2, وإذا قلت: ليت لي مالًا, فقد نابت "ليت" عن "أتمنى".
وإذا قلت: هل قام أخوك, فقد نابت " هل " عن "أستفهم". وإذا قلت: ليس زيد بقائم, فقد نابت الباء عن "حقًّا" و"البتة"، و"غير ذي شك". وإذا قلت: "فيما نقضهم ميثاقهم" فكأنك قلت: فبنقضهم ميثاقهم, فكأنك قلت: فبنقضهم ميثاقهم فعلنا كذا حقًّا أو يقينًا. وإذا قلت: أمسكت بالحبل, فقد نابت الباء عن قولك3: أمسكته مباشرًا له وملاصقة4 يدي له5. وإذا قلت: أكلت من الطعام, فقد نابت "من " عن البعض, أي: أكلت بعض الطعام. وكذلك بقية ما لم نسمه.
فإذا كانت هذه الحروف نوائب عمَّا هو أكثر منها من الجمل وغيرها لم يجز من بعد ذا أن تتخرّق6 عليها, فتنتهكها وتجحف بها.
ولأجل ما ذكرنا: من إرادة الاختصار بها لم يجز أن تعمل في شيء من الفضلات: الظرف والحال والتمييز والاستثناء وغير ذلك, وعلته أنهم قد أنابوها عن الكلام الطويل لضرب7 من الاختصار؛ فلو ذهبوا يعملونها فيما بعد لنقضوا ما أجمعوه, وتراجعوا عمَّا اعتزموه.
__________
1 في د، هـ، ز: "هما".
2 كذا في د، هـ، ز، والأشباه. وفي ش: "العطف".
3 سقط في ش.
4 في ش: "ملاصقًا".
5 في ش: "به".
6 في ش رسمت هذه الكلمة "تنخرق" من الانخراق، وفي ز، هـ: "تخرق" وفي د: "تخرف". وكأن "تنخرق" محرفة عن "نتخرق" أو تتخرق"، وكأن الأولى معناها ارتكاب الخرق ومجانبة الرفق، والتمزق يدور معناه على الضيق والضغط، وفي ج: "تحيف", وهي واضحة.
7 في ش: "بضرب".(2/276)
فلهذا لا يجوز ما زيد أخوك قائمًا, على ان تجعل "قائمًا" حالًا منك, أي: أنفي هذا في حال قيامي, ولا حالًا من "زيد", أي: أنفي هذا عن زيد في حال قيامه. ولا هل زيد أخوك يوم الجمعة, على أن تجعل يوم الجمعة ظرفًا لما دلت عليه "هل" من معنى الاستفهام.
فإن قلت: فقد أجازوا ليت زيدًا أخوك قائمًا, ونحو ذلك, فنصبوه1 بما في ليت من معنى التمني, وقال النابغة:
كأنه خارجًا من جنب صفحته ... سفود شرب نسوه عند مفتأد2
فنصب "خارجًا" على الحال, بما في "كأن" من معنى التشبيه, وأنشد أبو زيد:
كأنَّ دريئة لما التقينا ... لنصل السيف مجتمع الصداع3
فأعمل معنى التشبيه في "كأن" في الظرف الزماني الذي هو "لما التقينا".
قيل: إنما جاز ذلك في "ليت " و "كأن "4 لما اجتمع فيهما: وهو أن كل واحدة منهما فيها معنى الفعل "من التمني"5 والتشبيه, "وأيضًا"6 فكل "واحدة"7 منهما
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ونصبوه".
2 من قصيدته في مدح النعمان والاعتذار له عمَّا بلغه عنه. ومطلعها:
يا درامية بالعلياء فالسند ... أقوت وطال عليا سالف الأمد
والحديث عن الثور الوحشي الذي أنشب مدراه "قرنه" في كلب الصيد, فقوله: "كأنه" أي: المدري" يشبه المدري بسفود منسيّ عند مقتأد, أي: موضع قار. والسفود: الحديدة التي يشوى عليها اللحم. وانظر الخزانة 1/ 521.
3 هو لمرداس بن حصين. والدريئة: حلقه يتعلم عليها الطعن، ومجتمع الصداع الرأس. يذكر أنه حين لقي قرنه في القتال أنحى عليه بضرب السيف تعمّ رأسه، حتى كأن رأسه إذ يتردَّد عليه السيف "دريئة". وترى ابن جني يروي "كأن" التشبيهية. والذي في نوادر أبي زيد ص: "فكانَّ" بفاء العطف و"كان" الناقصة. وهذه الرواية تتسِقُ مع سابق الشعر. وانظر في النوادر.
4 في د، هـ، ز: "كأني".
5 في د، هـ، ز: "والتمني".
6 ما بين القوسين سقط في د، هـ، ز.
7 سقط في ز.(2/277)
رافعة وناصبة كالفعل القويّ المتعدي, وكل واحدة منهما متجاوزة عدد الاثنين, فأشبهت بزيادة عدتها الفعل, وليس كذلك ما كان على حرف, ولا ما كان على حرفين؛ لأنه لم يجتمع فيه ما اجتمع في ليت ولعل.
ولهذا كان ما ذهب إليه أبو العباس: من أن "إلّا" في الاستثناء هي الناصبة؛ لأنها نابت عن "أستثنى"، و"لا أعني" مردودًا عندنا لما في ذلك من تدافع الأمرين: الإعمال المبقِّي حكم الفعل, والانصراف عنه إلى الحرف1 المختصر به القول.
نعم، وإذا كانت هذه الحروف تضعف وتقلّ عن العمل في الظروف2, كانت من العمل في الأسماء الصريحة القوية التي ليست ظروفًا ولا أحوالًا ولا تمييزًا لاحقًا بالحال اللاحقة بالظروف أبعد.
فإن قلت: فقد قالوا: يا عبد الله, ويا خيرًا من زيد، فأعملوا "يا" في الاسم الصريح وهي حرف، فكيف القول3 في ذلك؟
قيل: ل"يا" في هذه خاصة4 في قيامها مقام الفعل ليست لسائر5 الحروف. وذلك أن "هل" تنوب عن "أستفهم"، و"ما" تنوب عن "أنفي"، و"إلّا" تنوب عن "أستثنى", وتلك الأفعال النائبة عنها هذه الحروف6 هي الناصبة في الأصل. فلمَّا انصرفت عنها إلى الحروف7 طلبًا للإيجاز ورغبة عن الإكثار, أسقطت عمل تلك الأفعال ليتمَّ لك ما انتحيته من الاختصار. وليس كذلك يا.
__________
1 في ش: "الحكم".
2 كذا في ش. وفي د، هـ، هـ، ز: "الظروف".
3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "على".
4 كذا في ش. في د، هـ، ز: "خاصية".
5 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "كسائر".
6 سقط في د، هـ، ز.
7 في د، هـ، ز: "الحرف".(2/278)
وذلك "أن يا"1 نفسها هي العامل الواقع على زيد, وحالها في ذلك حال "أدعو" و"أنادي" في كون كل واحد منهما هو العامل في المفعول, وليس كذلك ضربت وقتلت ونحوه. وذلك أن قولك: ضربت زيدًا وقلت عمرًا2, الفعل الواصل إليهما المعبّر بقولك: ضربت عنه ليس هو نفس "ض ر ب "3 إنما ثمّ4 أحدث هذه الحروف دلالة5 عليها؛ وكذلك القتل والشتم والإكرام ونحو ذلك. وقولك: أنادي عبد الله وأدعو عبد الله, ليس هنا فعل واقع على "عبد الله" غير هذا اللفظ, و "يا " نفسها في المعنى ك"أدعو"؛ ألا ترى أنك إنما تذكر بعد "يا" اسمًا واحدًا, كما تذكره بعد الفعل المستقل بفاعله إذا كان متعديًا إلى مفعول واحد؛ كضربت زيدًا, ولقيت قاسمًا, وليس كذلك حرف الاستفهام, وحرف النفي, إنما تدخلهما6 على الجمل المستقلة فتقول: ما قام زيد. وهل قام أخوك؟ فلما قويت "يا "7 في نفسها وأوغلت في شبه الفعل تولت بنفسها العمل.
فإن قلت: فإنما تذكر بعد "إلّا" اسمًا واحدًا أيضًا, قيل: الجملة قبل "إلّا" منعقدة بنفسها, وإلا8 فضلة فيها. وليس9 كذلك يا، لأنك إذا قلت: يا عبد الله, تَمَّ
__________
1 في د، هـ، ز: "أنها".
2 في د، هـ، ز: "بشرًا".
3 في د، هـ، ز: "ض ر ب". وفي ج. "صرب".
4 في د، هـ، ز: "هو". وذلك ضمير القصة والشأن.
5 في ج: "دالة".
6 في د، هـ، ز: "تدخلها".
7 سقط في د، هـ، ز.
8 في ش: "لا" وهو خطأ في النسخ.
9 في د، هـ، ز: "ليست".(2/279)
الكلام بها وبمنصوب بعدها, فوجب أن تكون هي كأنها الفعل المستقل بفاعله, والمنصوب هو المفعول بعدها, فهي في1 هذا الوجه كرويد2 زيدًا.
ومن وجه آخر أن قولك: يا زيد, لما اطرد فيه الضم, وتَمَّ به القول, جرى مجرى ما ارتفع بفعله أو بالابتداء, فهذا3 أدون حالي يا, أعنى: أن "يكون"4 كأحد جزأي5 الجملة. وفي القول الأول هي جارية مجرى الفعل مع فاعله. فلهذا قوي حكمها, وتجاوزت رتبة الحروف التي إنما هي إلحاق6 وزوائد على الجمل.
فلذلك عملت يا ولم تعمل هل, ولا ما, ولا شيء من ذلك النصب, بمعنى الفعل الذي دلّت عليه ونابت عنه. ولذلك ما وصلت تارة بنفسها في قولك: يا عبد الله, وأخرى بحرف الجر نحو قوله: يا لبكر, فجرت في ذلك مجرى ما يصل من الفعل تارةً بنفسه, وأخرى بحرف الجر نحو قوله 7: خشنت8 صدره وبصدره, وجئت زيدًا وجئت إليه, واخترت الرجال ومن الرجال, وسميته زيدًا وبزيد, وكنيته أبا علي وبأبي علي.
فإن قلت: "فقد"9 قال الله سبحانه: {أَلَّا يَسْجُدُوا} 9 وقد قال غيلان 10:
ألا يا أسلمي يا دارمي على البلى
__________
1 في د، هـ، ز: "من". وما هنا في ش، ج.
2 يريد بذلك أنها تشبه اسم للفعل كرويد زيدًا. وقد قال أبو علي أستاذ المؤلف بذلك, وأنها اسم فعل في بعض أقواله. وفي المسألة بحث انظر في شرح الرضي للكافية 1/ 132.
3 في ز: "فهو".
4 في د، هـ، ز: "يكون الفعل".
5 في ش: "حرفي".
6 جمع لحق -بالتحريك- وهو ما يلحق بالشي الأوّل.
7 سقط في ش.
8 أي: أوغر صدره عليه وأغضبه.
9 سقط في د، هـ، ز. وثبت في ش. انظر الآية ص198 من هذا الجزء.
10 في د، هـ، ز: "ذو الرمة". وعجزه:
ولا زال منهلًا بجرعاتك القطر(2/280)
وقال:
يا دار هند يا اسلمي ثم اسلمي1
فجاء بيا2 ولا منادى معها, قيل: يا في هذه الأماكن قد جرّدت من معنى النداء وخلصت3 تنبيهًا. ونظيرها في الخلع من أحد المعنيين وإفراد4 الآخر: "ألا"؛ لها في الكلام معنيان 5: افتتاح الكلام والتنبيه نحو قول الله سبحانه: {أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ} 6، وقوله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} 7 و"قول كثيّر "8:
ألا إنما ليلى عصا خيزرانة9
فإذا دخلت على "يا " خلصت "ألَا " افتتاحًا, وخص التنبيه بيا. وذلك كقول نصيب 10:
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد ... فقد زادني مسراك وجدًا على وجد
فقد صحَّ بما ذكرناه إلى أن قادنا إلى هنا أن حذف الحروف لا يسوغه القياس؛ لما فيه من الانتهاك والإجحاف.
وأما زيادتها فخارج11 عن القياس أيضًا.
__________
1 انظر ص198 من هذا الجزء.
2 في د، هـ، ز: "بها".
3 في د، هـ، ز: "أخلصت".
4 في د، هـ، ز: "إقرار".
5 في د، هـ، ز: "معنيين". وهو خطأ.
6 آية: 151، سورة الصافات.
7 آية: 12، سورة البقرة.
8 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "قوله: أعني كثيرًا". وانظر ديوانه 1/ 264.
9 عجزه:
إذا غمزهوها بالأكف تلين
10 في الأغاني "بولاق" 5/ 38 نسبته إلى يزيد بن الطثرية. وكذا في ذيل الأمالي 105.
11 أي: أمر خارج، ولولا هذا لقال: "خارجة".(2/281)
وذلك أنه إذا كانت1 إنما جيء بها اختصارًا وإيجازًا كانت زيادتها نقضًا لهذا الأمر وأخذًا له بالعكس والقلب؛ ألا ترى أن الإيجاز ضد الإسهاب, ولذلك لم يجز أبو الحسن توكيد2 الهاء المحذوفة من صلة الذي في نحو: "الذي ضربت زيد"، فأفسد أن تقول: الذي ضربت نفسه زيد. قال: لأن ذلك نقض من حيث كان التوكيد إسهابًا الحذف إيجازًا. وذلك أمر ظاهر التدافع.
هذا هو القياس: ألا يجوز حذف الحروف ولا زيادتها. ومع ذلك فقد حذفت تارة وزيدت أخرى.
أما حذفها فكنحو ما حكاه أبو عثمان عن أبي زيد من حذف حرف العطف في نحو3 قولهم: أكلت لحمًا سمكًا تمرًا. وأنشدني أبو الحسن:
كيف أصبحت كيف أمسيت مما ... يزرع الودّ في فؤاد الكريم
يريد: كيف أصبحت وكيف أمسيت, وأنشد ابن الأعرابي:
وكيف لا أبكي على علاتي ... صبائحي, غبائقي, قيلاتي4
أي: صبائحي وغبائقي وقيلاتي. وقد يجوز أن يكون بدلًا؛ أي: كيف لا أبكي على علاتي5 التي هي صبائحي وهي غبائقي وهي قيلاتي, فيكون هذا من بدل الكل. والمعنى6 الأول أن منها صبائحي, ومنها غبائقي, ومنها قيلاتي.
__________
1 في د، هـ، ز: "كان".
2 انظر ص288 من الجزء الأول، وينسب إلى الخليل وسيبويه جواز تأكيد المحذوف، فقد ورد في الكتاب 1/ 247 قوله: "وسألت الخليل عن مررت يزيد وأتاني أخوه أنفسهما فقال: الرفع على هما صاحباي أنفسها، والنصب على أعينهما". وانظر حاشية الصبان على الأشموني في مبحث المعرب والمبني "إعراب المبني", ومبحث المبتدأ "الإخبار بالظرف".
3 سقط في د، هـ، ز.
4 انظر ص291 من الجزء الأول.
5 في ج بعد "علاتي". "إبل".
6 في ج: "تقدير المعنى".(2/282)
ومن ذلك ما كان يعتاده رؤبة إذا قيل له: كيف أصبحت؟ فيقول: خير عافاك "أي: بخير"1 وحكى سيبويه: الله لا أفعل, يريد: والله. ومن أبيات الكتاب 2:
من يفعل الحسنات الله يشكرها ... والشر بالشر عند الله مثلان
أي: فالله يشكرها.
وحذفت همزة الاستفهام؛ نحو قوله 4:
فأصبحت فيهم آمنًا لا كمعشر ... أتوني وقالوا من ربيعة أو مضر؟
"يريد5 أمن ربيعة", وقال الكميت:
طربت وما شوقًا إلى البيت أطرب ... ولا لعبًا مني وذو الشيب يلعب6
أراد7: أو ذو الشيب يلعب, ومنه قول ابن أبي ربيعة8:
ثم قالوا تحبها قلت بهرًا ... عدد القطر والحصى والتراب
أظهر الأمرين فيه أن يكون أراد: أتحبها؛ لأن البيت الذي قبله يدل عليه، وهو قوله:
أبرزوها مثل المهاة تهادى ... بين خمس كواعب أتراب9
لهذا ونحوه نظائر. وقد كثرت.
__________
1 ثبت في د، هـ، ز، وسقط في ش.
2 انظر سيبويه 1/ 435.
3 نسب في كتاب سيبويه المطبوع إلى حسان بن ثابت. وفي الخزانة 3/ 645: "والبيت نسبه سيبويه وخدمته لعهد الرحمن بن حسان بن ثابت -رضي الله عنه "ورواه جماعة لكعب بن مالك الأنصاري" وانظر نوادر أبي زيد 31.
4 أي: عمران بن حطان, وهو من شعر يقوله في قوم من الأزد نزل به متنكرًا, ويشكر صنيعهم معه. وانظر الكامل 7/ 87.
5 ثبت في ش، وسقط في د، هـ، ز.
6 هذا مطلع إحدى هاشمياته. وانظر العيني على هامش الخزانة 3/ 111.
7 في د، ز: "أي".
8 أي: عمر, وهذا من قصيدة غزلية في الثريَّا بنت عبد الله لما صرمته. وانظر شواهد المغني للسيوطي 14.
9 هذا البيت قبل البيت السابق مع الفصل بستة أبيات. وقوله: "خمس" هو ما في ش. وهو يوافق ما في شواهد المغني. وفي ج، هـ، ز: "عشر".(2/283)
فأما تكريرها1 وزيادتها فكقوله 2:
لددتهم النصيحة كلّ لَدٍّ ... فمجوا النصح ثم ثنوا فقاءوا2
فلا والله لا يلفى لما بي ... ولا للمابهم أبدًا دواء4
وقد كثرت زيادة "ما" توكيدًا كقول الله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} 5 وقوله سبحانه: {عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} 6 وقوله عز قدره: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} 7.
وقال جل وعز: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} 8 "فالباء زائدة"9 وأنشد أبو زيد 10:
بحسبك في القوم أن يعلموا ... بأنك فقيهم غنيٌّ مضر11
فزاد الباء في المبتدأ, وأنشد لأمية:
طعامهم إذا أكلوا مهنًّا ... وما إن لا تحاك لهم ثياب12
__________
1 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "نكررها".
2 أي: مسلم بن معبد الوالبيّ، وهو شاعر إسلامي في الدولة الأموية، وانظر الخزانة 1/ 364، ومعاني القرآن للفراء 10/ 68.
3 "لددتهم النصيحة" أي: قدَّمتها لهم. وهو من قولهم: لدَّ المريض إذا أسقاه دواء في أحد شقي فمه، جعل النصيحة كالدواء المكروه، وقوله: "فقاءوا" أي: لفظوا النصيحة ولم يقبلوها.
4 "دواء" رواية الخزانة: "شفاء", وفيها: "فلا وأبيك" في مكان "فلا والله".
5 آية: 155، سورة النساء، وآية: 13 سورة المائدة.
6 آية: 40، سورة المؤمنين.
7 آية 25 سورة نوح.
8 آية: 195، سورة البقرة.
9 ثبت ما بين القوسين في د، هـ، ز. وسقط في ش.
10 انظر النادر 23.
11 مضر: يروح عليه ضرة من المال, أي: قطعة من الإبل والغنم، وهو من مقطوعة في الهجاء. وانظر اللسان "ضرر".
12 "إذا" كذا في ش وفي د، هـ، ز: "دائن".وقوله مهنا" كذا في ش, وفي النسخ الثلاثة "معن".(2/284)
فإن لتوكيد النفي كقول زهير:
ما إن يكاد يخليهم لوجهتهم1
ولا من بعدها زائدة.
وزيدت اللام في قوله -رويناه عن أحمد بن يحيى:
مرّوا عجالًا وقالوا كيف صاحبكم ... قال الذي سألوا أمسى لمجهودًا2
وفي قراءة سعيد بن جبير {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} 3 وقد تقدَّم ذكر ذلك.
وزيدت لا "قال أبو النجم "4:
ولا ألوم البيض ألّا تسخرا ... وقد رأين الشمط القفندرا5
"وقال6 العجاج:
بغير لا عصفٍ لا اصطراف7
وأنشدنا:
أبي جوده لا البخل واستعجلت به ... نعم من فتًى لا يمنع الجود قاتله8
__________
1 انظر ص111، من الجزء الأول.
2 انظر ص317 من الجزء الأول.
3 آية: 20، سورة الفرقان.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "في قول أبي النجم".
5 الشمط، الشيب، والقفندر: القبح المنظر. وانظر مجالس ثعلب 198.
6 ثبت ما بين القوسين في د، هـ، ز: وسقط في ش.
7 قبله: قد يكسب المال الهدان الجاف
والهدان: الأحمق النقيل. العصف: الكسب. والاصطراف، افتعال من الصرف، أي التصرف في وجوه الكسب.
8 انظر ص37 من هذا الجزء.(2/285)
فهذا على زيادة "لا" أي: أبى جوده البخل, وقد يجوز أن تكون "لا" منصوبة الموضع ب"أبى"، و"البخل" بدل منها.
وزيادة الحروف كثير، وإن كانت على غير قياس كما أن حذف المضاف أوسع وأفشى, وأعم وأوفى, وإن كان أبو الحسن قد1 نصَّ على ترك القياس عليه.
فأمَّا عذر حذف هذه الحروف فلقوة المعرفة بالموضع؛ ألا ترى إلى "قول امرئ القيس "2:
فقلت يمين الله أبرح قاعدًا3
لأنه لو أراد الواجب4 لما جاز؛ لأن "أبرح" هذه لا تستعمل في الواجب، فلا بُدَّ من أن يكون أراد: لا أبرح. ويكفي من هذا قولهم: رب إشارة أبلغ من عبارة.
وأمَّا زيادتها فلإرادة التوكيد بها, وذلك أنه قد سبق أن الغرض في استعمالها إنما هو الإيجاز والاختصار والاكتفاء5 من الأفعال وفاعليها, فإذا زيد ما هذه سبيله فهو تناهٍ في التوكيد به. وذلك كابتذالك في ضيافة ضيفك أعزَّ ما تقدر عليه, وتصونه من أسبابك, فذاك غاية إكرامك6 له, وتناهيك في الحفل به.
__________
1 ثبت في ش، وسقط في د، هـ، ز.
2 كذا في هـ، ز، وفي ش: "قوله"، وفي د: "قوله, أي: أمري القيس".
3 عجزه:
ولو قطعوا وأسى لديك وأوصالي
وهو من قصيدته التي أولها:
ألاهم صباحًا أيها الطلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي
4 يريد المثبت ضد المنفي.
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "في".
6 سقط في د، هـ، ز.(2/286)
باب في زيادة الحرف عِوضًا من آخر محذوف:
اعلم أن الحرف الذي يحذف فيجاء بآخر1 عوضًا منه على ضربين: أحدهما أصلي والآخر زائد.
الأول من ذلك على ثلاثة أضرب 2: فاء, عين, لام.
أما ما حذفت3 فاؤه وجيء بزائد عوضًا منه فباب فعله في المصادر4، نحو: عدة وزنة وشية وجهة. والأصل5 وعدة ووزنة ووشية ووجهة, فحذفت الفاء لما ذكر في تصريف ذلك، وجعلت التاء بدلًا6 من الفاء. ويدل على أن أصله ذلك قول الله سبحانه: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} 7 وأنشد أبو زيد:
ألم تر أنني -ولكل شيء ... إذا لم تؤت وجهته تعاد
أطعت الآمريّ بصرم ليلى ... ولم أسمع بها قول الأعادي8
وقد حذفت الفاء في أناس, وجعلت ألف فعال بدلًا منها "فقيل: ناس, ومثالها عال؛ كما أن مثال عدة وزنة علة.
__________
1 في د، هـ، ز بعده: "زائد".
2 في د، هـ، ز: "أحرف".
3 في د، هـ، ز: "حذف".
4 كذا في د، هـ، ز. وفي ش "المصدر".
5 بعده في د، هـ، ز: "في عدة".
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "عوضًا".
7 آية 148 سورة البقرة.
8 كأنه يريد نه صرم ليلى استجابة لمن أمره بذلك مع بقائه على حبها وإضمار الود لها، والإعراض عن القدح فيها. وفي المصنف للمؤلف 662 نسخة التيمورية: "عصيت" في مكان "أطعت" وهي واضحة.(2/287)
وقد حذفت الفاء وجعلت تاء افتعل عوضًا منها"1 وذلك قولهم 2: تقي يقتي, والأصل: اتَّقى يتقي فحذفت التاء فبقي تقي, ومثاله تعل ويتقي: يتعل, قال الشاعر 3:
جلاها الصيقلون فأخلصوها ... خفافًا كلها يتقي بأثر4
وقال أوس 5:
تقاك بكعب واحد وتلذه ... يداك إذا ما هز بالكف يعسل6
وأنشد أبو الحسن:
زيادتنا نعمان لا تنسينّها ... تق الله فينا, والكتاب الذي تتلو7
ومنه أيضًا قولهم: تجه يتجه, "وأصله اتّجه"8, ومثال تجه على هذا تعل كتقي سواء. وروى أبو زيد أيضًا فيما حدثنا به أبو علي عنه: تجه يتجه, فهذا من لفظ آخر وفاؤه تاء. وأنشدنا:
قصرت له القبيلة اذتجهنا ... وما ضاقت بشدّته ذراعي9
فهذا محذوف من اتَّجه كاتَّقى.
__________
1 ثبت ما بين القوسين في ش: وسقط في د، هـ، ز.
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "قولك".
3 سقط في ش. والشاعر هو خفاف بن ندية. وانظر اللسان "أثر" و"وقي".
4 هذا في وصف سيوف. وأثر السيف فرنده وديباجته ورونقه. أي: كلها يستقبلك بفرنده، أي: إذا نظر الناظر إليها اتَّصل شعاعها بعينه فلم يتمكن من النظر إليها، وانظر اللسان "أثر".
5 هو ابن حجر, وانظر النوادر 27.
6 يقال: عسل الرمح إذا اهتزَّ واضطرب من لينه ولدوتته.
7 قائله عبد الله بن همام السلولي. وبعده:
أيثبت ما زدتم وقلق زيادتي ... دمي إن أسيفت هذه لكم سحل
وانظر فوادر أبي زيد 4، واللسان "وقى" و"بسل".
8 ثبت ما بين القوسين في ش، وسقط في د، هـ، ز.
9 هذا لمرداس بن حصين، و"قصرت" أي: حبست. والقبيلة اسم فرسه, وأبو زيد يروي "تجهنا" في البيت بكسر الجيم، الأصمعي بفتحها. وانظر اللسان "وجه". وكأنَّ المؤلف لم يبلغه إلّا فتح الجيم فجعله محذوف اتجه، وانظر النوارد، وانظر بيتًا بعد هذا البيت سبق في ص277 من هذا الجزء.(2/288)
فأمَّا1 قولهم: اتخذت فليست تاؤه بدلًا من شيء, بل هي فاء أصلية بمنزلة اتَّبعت من تبع, يدل على ذلك ما أنشده الأصمعيّ من قوله 2:
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها ... نسيفًا كأفحوص القطاة المطرّق3
وعليه قول الله سبحانه: {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} 4 وذهب أبو إسحاق إلى أن اتخذت كاتقيت واتزنت, وأن الهمزة أجريت في ذلك مجرى الواو. وهذا ضعيف إنما جاء منه شيء شاذ؛ أنشد ابن الأعرابي:
في داره تقسم الأزواد بينهم ... كأنما أهله منها الذي اتّهلا5
وروى لها أبو علي عن أبي الحسن علي بن سليمان متَّمن6. وأنشد:
. . . . . . . . . بيض اتَّمن
والذي يقطع على أبي إسحاق قول الله -عز وجل: {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} . فكما أن تجه ليس من لفظ الوجه كذلك, ليس تخذ من لفظ الأخذ.
وعذر من قال: اتَّمن واتَّهل من الأهل, أن لفظ هذا إذا لم يدغم يصير إلى صورة ما أصله حرف لين. وذلك قولهم في افتعل من الأكل: ايتكل, ومن
__________
1 في د، هـ، ز: "وأما".
2 أي: الممزق العبدي، واسمه شأس بن نهار.
3 الغرز للناقة مثل الحزام للفرس، والغرز للجمل مثل الركاب للبغل, ويبدو أن المراد هنا المعنى الأول. والنسيف أثر العض الركض ونحو ذلك. والأفحوص: الميض، والمطرق وصف القطاة، يقال: طرقت القطاة إذا حان خروج بيضها، ووصف الأنثى بالمطرق كما يقال: مرضع وحائض.
4 آية: 77، وسورة الكهف، وهذه قراءة الحسن وابن مسعود، وانظر البحر 6/ 152.
5 "بينهم" كذا في ز. وهو يوافق ما في اللسان، وفي ش: "بينهما", وقوله: "أهله".
كذا في أصول الخصائص. وفي اللسان "أهل": "أهلنا"، وهو الأوفق بالمعنى، يريد ن هذا الممدوح يشرك ضيفه فيما عنده، ويتحدث الشاعر الضيف عن نفسه فيقول: كأنما أهلنا من الدار، وكأنما أهلنا أهله الذي اتهلهم, أي: اتخذهم أهلًا، فأهلنا وأهله سواء في داره.
6 وهو وصف من اتَّمن، افتعل من الأمان.(2/289)
الإزرة 1: ايتزر. فأشبه حينئذ ايتَّعد في لغة من لم يبدل الفاء تاء, فقال: اتَّهل واتَّمن لقول غيره: ايتهل وايتمن, وأجود اللغتين "إقرار الهمز"2 قال الأعشى:
أبا ثبيتٍ أما تنفكّ تأتكل3
وكذلك ايتزر يأتزر, فأما اتَّكلت عليه فمن الواو على الباب؛ لقولهم الوكالة والوكيل. وقد ذكرنا هذا الموضع في كتابنا في شرح تصريف أبي عثمان.
وقد حذفت الفاء همزة وجعلت "ألف فعال"4 بدلًا منها, وذلك قوله5:
لاه ابن عمِّك لا أفضلت في حسب6
في أحد7 قولى سيبويه. وقد ذكرنا ذلك.
__________
1 هو اسم هيئة من الاتئزاز، يقال: ائترز إزرة حسنة.
2 في د، هـ، ز: "إقرار ترك الهمز". ويبدو أنه كان هنا نسختان: "إقرار الهمز" و"ترك الهمز" فجمع بينهما.
3 صدره:
أبلغ يزيد بني شيبان مألكة
أبو ثبيت كنية يزيد، وهو ابن عم الأعشى، وكان بينهما ملاحاة, والمألكة: الرسالة، والائتكال: الغضب، كأن الغاضب يأكل بعضه بعضًا. وهذا البيت من معلقة الأعشى المشهورة.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "لام فعال". ورأى سيبويه أن العوض من همزة "إله" الألف واللام في لفظ الجلالة, فهل الأصل هنا: "الألف واللام" فحرف إلى ما وقع إلينا. وانظر ص226 من الجزء الأول.
5 أي: ذي الأصبع العدواني, وهو من قصيدة مفضلية.
6 عجزه:
عنى ولا أنت دياني فتخزوني
الديان: القائم بالأمر القاهر, ويقال: خزاه إذا ساسه ودبَّر أمره.
7 يريد بذلك أن لفظ الجلالة من "أله" والقول الآخر أنه من "ليه", يقال: لاه يليه إذا تَستَّر. والقول الأول في الكتاب 1/ 309، والقول الآخر رواه عنه الزجاج، وليس في الكتاب. وانظر الخزانة 4/ 335.(2/290)
وأما ما حذفت عينه وزيد هناك حرف عوضًا منها فأينق في أحد1 قولي سيبويه, وذلك أن أصلها أنوق, فأحد قوليه فيها أن الواو التي هي عين حذفت وعوضت منها ياء فصارت: أينق. ومثالها في2 هذا القول3 على اللفظ: أيفُل, والآخر: أن العين قدمت على الفاء فأبدلت ياء. ومثالها على هذا أعفُل.
وقد حذفت العين حرف علة, وجعلت ألف فاعل عوضًا منها, وذلك رجل خافٌ ورجل مالٌ ورجل3 هاعٌ لاعٌ. فجوّز أن يكون هذا فَعِلا كفَرِقَ, فهو فرِق, وبطر فهو بطِر. ويجوز أن يكون فاعلًا حذفت عينه وصارت ألفه عوضًا منها كقوله:
لاثٌ به الأشاء والعُبريّ4
ومما حذفت عينه وصار الزائد عوضًا منها قولهم: سيد وميت وهين ولين؛ قال 5:
هيْنون لينون أيسار ذوو يسرٍ ... سوّاس مكرمةٍ أبناءُ أيسار6
وأصلها فيعِل: سيد وميت وهين ولين, حذفت عينها وجعلت ياء فيعِل عوضًا منها. وكذلك باب قيدودة وصيرورة وكينونة, وأصلها فيعلولة حذفت عينها, وصارت ياء فيعلولة الزائدة3 عوضًا منها.
فإن قلت: فهلَّا كانت لام فيعلولة الزائدة عوضًا منها, قيل: قد صحَّ في فيعل من نحو: سيد وبابه, أن الياء الزائدة عوض من العين، وكذلك الألف
__________
1 انظر 1/ 226، 2/ 77 من هذا الكتاب.
2 كذا في د، هـ، ز: وفي ش: "على".
3 سقط في ش.
4 انظر ص131 من هذا الجزء.
5 أي: عبيد بن المريدس الكلابي. وانظر الكامل 2/ 3.
6 الأيسار. القوم يجتمعون على اليسر, واليسر: اللين والانقباد، وتسكن السين أيضًا.(2/291)
الزائدة في خافٍ و"هاع لاع"1 عوض من العين. وجوَّز سيبويه أيضًا ذلك في أينق, فكذلك أيضًا ينبغي أن تحمل فيعلولة على ذلك. وأيضًا فإن الياء أشبه بالواو من الحرف الصحيح في باب قيدودة وكينونة. وأيضًا فقد جعلت2 تاء التفعيل عوضًا من عين الفعّال. وذلك قولهم: قطعته تقطيعًا , وكسرته تكسيرًا, ألا ترى أن الأصل قطاع وكسار, بدلالة قول الله سبحانه: {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا} 3 وحكى الفراء قال: سالني أعرابي فقال: أحِلَّاق أحب إليك أم قِصَّار, فكما أن التاء الزائدة في التفعيل عوض من العين فكذلك ينبغي أن تكون الياء في قيدودة عوضًا من العين لا الدال4.
فإن قلت: فإن اللام أشبه بالعين من الزائد, فهلّا كانت لام القيدودة عوضًا من عينها, قيل: إن الحرف الأصلي القوي5 إذا حذف لحق بالمعتل الضعيف, فساغ لذلك أن ينوب عنه الزائد الضعيف. وأيضًا فقد رأيت كيف كانت تاء6 التفعيل الزائدة عوضًا من عينه, "وكذلك ألف فاعل كيف كانت عوضًا من عينه"7 في خاف وهاع ولاع ونحوه. وأيضًا فإن عين قيدودة وبابها, وإن كانت أصلًا فإنها على الأحوال كلها حرف علة ما دامت موجودة ملفوظًا بها، فكيف
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "هاغ ولاع".
2 انظر ص71 من هذا الجزء.
3 آية: 28، سورة النبأ.
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "اللام" يراد لام الميزان، فأما الدال فهي في الموزون "قيدودة". وكل صحيح.
5 سقط في ش.
6 في ش: "لام" وهو خطأ في النسخ.
7 سقط ما بين القوسين في ش.(2/292)
بها إذا حذفت1 فإنها حينئذ توغِل في الاعتلال والضعف. ولو لم يعلم تمكّن هذه الحروف في الضعف إلّا بتسميتهم إياها حروف العلة لكان كافيًا. وذلك أنها في أقوى أحوالها ضعيفة, ألا ترى أن هذين2 الحرفين إذا قويا بالحركة فإنك حينئذ3 مع ذلك مؤنس فيهما ضعفًا. وذلك أنّ تحملهما للحركة أشقّ منه في غيرهما. ولم يكونا كذلك إلا لأنَّ مبنى أمرهما على خلاف القوة. يؤكد ذلك عندك أن أذهب الثلاث في الضعف والاعتلال الألف. ولما كانت كذلك لم يمكن4 تحريكها البتة, فهذا أقوى دليل على أن الحركة إنما يحملها ويسوغ فيها5 من الحروف الأقوى لا الأضعف. ولذلك ما تجد أخف الحركات الثلاث6 -وهي الفتحة- مستثقلة7 فيهما8 حتى9 يجنح لذلك, ويستروح إلى إسكانها نحو قوله:
يا دار هند عفت إلا أثافيها10
وقوله:
كأن أيديهنّ بالقاع القرق11
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "انحذفت".
2 أي: الواو والياء.
3 سقط في ش.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "يكن".
5 في د، هـ، ز: "فيه".
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "الثلاثة", وإذا لم يذكر المعدود المؤنَّث بعد العدد جاز تذكير العدد وتأنيثه.
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "مستقلة".
8 كذا في ز. وفي ش: "فيها".
9 كذا في الأصول, والأقرب: "حين".
10 انظر ص308 من الجزء الأول, والبيت للحطيئة, انظر ديوانه تحقيق: نعمان أمين طه ص201 "المصحح" وعجزه:
بين الطوي فصارات فواديها
11 انظر ص307 من الجزء الأول.(2/293)
ونحو من1 ذلك قوله 2:
وأن يعرين إن كسى الجواري ... فتنبو العين عن كرم عجاف
نعم، وإذا كان الحرف1 لا يتحامل بنفسه حتى يدعو إلى اخترامه وحذفه كان بأن يضعف عن تحمل الحركة الزائدة عليه فيه أحرى وأحجى, وذلك نحو قول الله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} 2 و {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} 4 و {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} 5، وقوله 6:
... ... ... ... وما ... قرقر قمر الواد بالشاهق7
وقال الأسود "بن يعفر "8:
فألحقت أخراهم طريق ألاهم9
__________
1 سقط في ش.
2 أي: سعيد بن مسحوج الشيباني. وقد تمثّل بها أبو خالد القناني. وانظر الكامل 7/ 81، واللسان "كرم" و"كسا"، وكرم يريد: كريمات وهو من الوصف بالمصدر.
3 آية: 4 سورة الفجر.
4 آية: 64 سورة الكهف.
5 آية: 9 سورة الرعد.
6 أي: أبي الربيس التغلبي. وانظر اللسان "ودي".
7 قبله مع تمام بيته:
لا صلح بيني فاعلموه ولا ... بينكم ما حملت عاتقي
سيفي وما كنا بنجد وما ... قرقر قمر الواد بالشاهق
قرقر: صوّت. القمر: ضرب من الطهور. والشاهق، الجبل المرتفع، وفي اللسان: "قرر" أن قائله أبو عامر جد العباس بن مرداس.
8 سقط في د، هـ، ز. والأسود هو أعشى نهشل. وانظر الصبح المنير 302، والخزانة 4/ 525، والأغاني "طبعة دار الكتب" 11/ 138.
9 عجزه:
كما قيل نجم قد خوى متتابع(2/294)
يريد أولاهم، و {يَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} 1 و {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} 2 كتبت في المصحف بلا واو للوقف عليها كذلك. وقد حذفت الألف في نحو ذلك, قال رؤبة:
وصَّاني العجاج فيما وصني3
يريد: فيما وصاني. وذهب أبو عثمان في قول الله -عز اسمه: "يَا أَبَتَ"4 إلى أنه أراد يا أبتاه, وحذف الألف. ومن أبيات الكتاب قول لبيد:
رهط مرجوم ورهط ابن المعلّّ5
يريد المعلّي, وحكى6 أبو عبيدة وأبو الحسن وقطرب وغيرهم رأيت فرج, ونحو ذلك. فإذا كانت هذه الحروف تتساقط وتهي عن حفظ أنفسها وتحمل7 خواصَّها وعواني8 ذواتها, فكيف بها إذا جُشِّمت احتمال الحركات النّيفات على مقصور صورها.
نعم وقد أعرب بهذه الصور9 أنفسها, كما يعرب بالحركات التي هي أبعاضها. وذلك في باب أخوك وأبوك, وهناك وفاك, وحميك وهنيك, والزيدان والزيدون
__________
1 آية: 24، سورة الشورى.
2 آية 18، سورة العلق.
3 انظر الديوان 187.
4 ورد في عدّة سور. ومن ذلك في سورة يوسف آيتا 4، 10, والمعنى هنا القرءة بفتح تاء أبت, وهي قراءة ابن عامر وأبي جعر والأعرج وقراءة الجمهور كسر التاء.
5 قبله:
وقبيل من لكيز شاهد
لكيز من عبد القيس, ومرجوم من أشرافهم واسمه عامر بن مرّ, وابن المعلَّى جد الجارود بن بشير ابن عمرو بن المعلّى من عبد القيس, وقد نسب هذا البيت في التاج "رجم" إلى لبيد كما هنا، ولا يوجد في قصيدته اللامية التي على هذا الروي في ديوانه. انظر الكتاب 2/ 291.
6 انظر في هذه اللغة ص99 من هذا الجزء.
7 في د، هـ، ز: "عمل" وهو تحريف.
8 أي: ذواتها العواني, أي: الضعيفات، يقال: النساء عوان, أي: ضعيفات أو مأسورات عند أزواجهن.
9 في د، هـ، ز: "الحروف".(2/295)
والزيدين. " وأجريت"1 هذه الحروف مجرى الحركات في زيدٌ وزيدًا وزيدٍ, ومعلوم أن الحركات لا تحمل -لضعفها- الحركات. فأقرب أحكام هذه الحروف إن لم تمنع2 من احتمالها الحركات أن3 إذا تحملتها جفت عليها وتكاءدتها4.
ويؤكد عندك ضعف هذه الأحرف الثلاثة أنه5 إذا وجدت أقواهن -وهما الواو والياء- مفتوحًا ما قبلها فإنهما كأنهما تابعان لما هو منهما؛ ألا ترى إلى ما جاء عنهم من نحو: نوبة ونوب, وجوبة6 وجوب, ودولة ودول. فمجيء فَعْلة على فُعَل يريك أنها كأنها إنما جاءت عندهم من فُعْلة, فكأن دَولة دُولة, وجَوْبة جُوبة, ونَوبة نُوبة. وإنما ذلك لأنَّ الواو مما سبيله أن يأتي تابعًا للضمة.
وكذلك ما جاء من فَعلة مما عينه ياء على فِعَل؛ نحو: ضَيْعة وضِيع, وخيمة وخيم, وعَيبة7 وعِيب, كأنه إنما جاء على أن واحدته فِعلة نحو: ضِيعة وخِيمة وعِيبة. أفلا تراهما مفتوحًا ما قبلهما مجراتين مجراهما مكسورًا ومضمومًا ما قبلهما, فهل هذا إلّا لأنَّ الصنعة مقتضية لشياع الاعتلال فيهما.
فإن قلت: ما أنكرت ألا يكون ما جاء من نحو: فَعْلة على فُعَل -نحو: نُوب وجُوَب ودُول- لما ذكرته من تصور الضمة في الفاء, ولا يكون ما جاء من فَعلة على فِعَل, نحو: ضِيع وخِيم وعِيب لما ذكرته من تصور الكسرة في الفاء, بل لأنَّ ذلك ضرب من التكسير ركَّبوه فيما عينه معتلة, كما ركَّبوه فيما عينه صحيحة؛
__________
1 في د، هـ، ز: "فأجريت".
2 في د، هـ، ز: "يمتنع".
3 سقط في د، هـ، ز.
4 يقال: تكاءدة الأمر: شق عليه وصعب.
5 في د، هـ، ز: "أنك".
6 هي الحفرة، وفجوة ما بين البيوت.
7 هي وعاء من جلد يكون فيه المتاع.(2/296)
نحو لأمةٍ1 ولُؤَم وعَرْصة وعُرَص وقَرْية وقُرًى وبروة2 وبُرا -فيما ذكره أبو علي- ونَزْوة3 ونُزًا -فيما ذكره أبو العباس- وحَلْقة وحِلَق, وفَلْكة وفَلك.
قيل: كيف تصرفت الحال فلا اعتراض شكَّ في أن الياء والواو أين وقعتا وكيف تصرَّفتا معتدَّتان حرفي علة ومن أحكام4 الاعتلال أن يتبعا ما هو منهما. هذا، ثم إنَّا5 رأيناهم قد كسَّروا فَعْلة مما6 هما عيناه على فُعَل وفِعَل, نحو: جُوَب ونُوَب, وضِيَع وخِيَم, فجاء تكسيرهما تكسير ما واحدة مضموم الفاء ومكسورها. فنحن الآن بين أمرين 7: إما أن نرتاح لذلك ونعلله, وإما أن نتهالك فيه ونتقبله غُفْل الحال, ساذَجًا من الاعتلال. فإن يقال: إن8 ذلك لما ذكرناه من اقتضاء الصورة فيهما أن يكونا في الحكم تابعين لما قبلهما أولى من أن ننقض الباب فيه, ونعطي اليد عنوة به من غير نظر له ولا اشتمال من الصنعة عليه, ألا ترى إلى قوله: وليس شيء9 مما يضَّطرون إليه إلا هم يحاولون10 له وجهًا. " فإذا"11 لم يخل مع الضرورة من وجه من القياس محاول فهم لذلك مع الفسحة في حال السعة أولى بأن يحاولوه, وأحجى بأن يناهدوه12 فيتعللوا13 به ولا يهملوه.
فإذا ثبت ذلك في باب ما عينه ياء أو واو, جعلته الأصل في ذلك, وجعلت ما عينه صحيحة فرعًا له ومحمولًا عليه, نحو: حِلَقٍ وفِلكٍ وعُرَص ولُؤَم وقرى وبرا, كما أنهم لما أعربوا بالواو والياء والألف في الزيدون والزيدين والزيدان, تجاوزوا
__________
1 هي الدرع.
2 هي الحلقة في أنف البعير.
3 انظر سيبويه 2/ 188.
4 في د، هـ، ز: "أحكام أحكام".
5 في د، هـ، ز: "إنا قدر".
6 في د، هـ، ز: "فيما".
7 في د، هـ، ز: "الأمرين".
8 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "لك".
9 سقط في ش.
10 في د، هـ، ز: "به".
11 في د، هـ، ز: "فإن".
12 أي: يناهضوه ويقصدون.
13 في د، هـ، ز: "فيعللوا".(2/297)
ذلك إلى أن أعربوا بما ليس من حروف اللين. وهو النون في يقومان وتقعدين وتذهبون. فهذا1 جنس من تدريج اللغة الذي تقدَّم بابه فيما مضى من كتابنا هذا. وأما ما حذفت لامه وصار الزائد عوضًا منها فكثير.
منه باب سنة ومائة ورئة وفئة وعضة وضعة. فهذا ونحوه مما حذفت لامه وعوّض منها تاء التأنيث, ألا تراها كيف تعاقب اللام في نحو: برة وبرا, وثبة وثبا. وحكى أبو الحسن عنهم: رأيت مِئْيا بوزن مِعْيًا. فلما حذفوا قالوا: مائة.
فأما بنت وأخت, فالتاء عندنا بدل من لام2 الفعل وليست عوضًا.
وأما ما حذف لالتقاء السكانين من هذا النحو فليس الساكن الثاني3 عندنا بدلًا ولا عوضًا؛ لأنه ليس لازمًا. وذلك نحو: هذه عصًا ورحًا, وكلمت معلّى, فليس التنوين في الوصل ولا الألف التي هي بدل منها4 في الوقف -نحو: رأيت عصًا, عند5 الجماعة، وهذه عصا, ومررت بعصا, عند أبي عثمان والفراء- بدلًا من لام الفعل ولا عوضًا, ألا تراه غير لازم؛ إذ كان التنوين يزيله الوقف, والألف التي هي بدل منه يزيلها الوصل. وليست كذلك تاء مائة وعضة وسنة وفئة وشفة؛ لأنها ثابتة في الوصل ومبدلة هاء في الوقف. فأمَّا الحذف فلا حذف. وكذلك ما لحقه علم الجمع نحو: القاضون والقاضين والأعلَون والأعلَين, فعلم الجمع ليس عوضًا ولا بدلًا؛ لأنه ليس لازمًا.
__________
1 في د، هـ، ز: "وهذا".
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "لامي".
3 في د، هـ، ز: "الباقي".
4 في د، هـ، ز: "منه".
5 ذلك أنهم يرون اعتبار المقصور بالصحيح، فحكموا أن الألف في النصف ألف مجتلبة للوقف بدلًا من التنوين، كما نقول: رأيت زيدًا، فأما في حالتي الرفع والجر فالألف بدل من لام الكلمة عادت بعد حذف التنوين الذي كان سببًا في حذفها. فأما أبو عثمان والفراء فيريان أن الألف للوقف في الأحوال اللثلاث, وأن لام الكلمة لا تعود في الوقف في الأحوال جميعًا. وانظر الأشموني على الألفية في مبحث الوقف.(2/298)
فأمَّا قولهم: هذان وهاتان واللذان واللتان والذين واللذون, فلو قال قائل: إن علم التثنية والجمع فيها عوض من الألف1 والياء2 من حيث كانت هذه أسماء صيغت للتثنية والجمع, لا على حد رجلان وفرسان وقائمون وقاعدون, ولكن على حد3 قولك: هما وهم وهن, لكان مذهبًا, ألا ترى أن "هذين " من "هذا " ليس على "رجلين" من "رجل", ولو كان كذلك لوجب أن تنكره البتة, كما تنكر الأعلام نحو: زيدان وزيدين وزيدون وزيدين, والأمر في هذه الأسماء بخلاف ذلك, ألا تراها تجري مثناة ومجموعة أوصافًا على المعارف4 كما تجري عليها مفردة. وذلك قولك: مررت بالزيدين هذين, وجاءني أخواك اللذان في الدار. وكذلك قد توصف هي أيضًا بالمعارف نحو قولك: جاءني ذانك الغلامان, ورأيت اللذين في الدار الظريفين. وكذلك أيضًا تجدها في التثنية والجمع تعمل من نصب الحال ما كانت تعمله مفردة, وذلك نحو قولك 5: هذان قائمين الزيدان, وهؤلاء منطلقين إخوتك. وقد تقصينا القول في6 ذلك في كتابنا "في سر الصناعة".
وقريب من هذان واللذان قولهم: هيهات مصروفة "وغير مصروفة"7, وذلك أنها جمع هيهاة, وهيهاة عندنا رباعية مكررة8، فاؤها ولامها الأولى هاء، وعينها ولامها الثانية ياء. فهي -لذلك- من باب صِيِصية9. وعكسها باب يَلْيَل10 ويَهْيَاه11، قال ذو الرمة:
__________
1 أي: في اسم الإشارة.
2 أي: في اسم الموصول.
3 سقط في ش.
4 في د، هـ، ز: "المعرفة". وانظر في هذا البحث الكتاب 2/ 104.
5 سقط في ش.
6 في د، هـ، ز: "على".
7 سقط في د، هـ، ز، وثبت في ش.
8 فأصلها هيهية، فقلبت الياء الأخيرة ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها.
9 هي قرن الحيوان، وتطلق على ما يمتنع به كالحصن.
10 هو وادي ينبع.
11 هو صوت الاستجابة، يدعو الرجل صاحبه فيقول: ياء, أي: أقبل واستجب، فيقول صاحبه: يهياه أي: استجبت واستمعت.(2/299)
تلؤم يهياهٍ بياهٍ وقد مضى ... من الليل جَوْرٌ واسبطرَّتْ كواكبه1
وقال كُثيِّر:
وكيف ينال الحاجبية آلِفٌ ... بيليل ممساه وقد جاوزت2 رقدًا
فهيهاةُ من مضعَّف الياء بمنزلة المرمرة والقرقرة.
فكان قياسها إذا جمعت أن تقلب اللام ياء, فيقال: هيهيات كشوشيات3 وضوضيات؛ إلا أنهم حذفوا اللام؛ لأنها في آخر اسم غير متمكن ليخالف آخرها آخر الأسماء المتمكنة؛ نحو: رَحَيَان ومَوْليَان. فعلى هذا قد4 يمكن أن يقال: إن الألف والتاء في هيهات عوض من لام الفعل في هيهاةٍ؛ لأن هذا ينبغي أن يكون اسمًا صيغ للجمع بمنزلة الذين وهؤلاء.
فإن قيل: وكيف ذاك وقد يجوز تنكيره في قولهم: هيهات هيهات, وهؤلاء والذين لا يمكن تنكيرهما5؛ فقد صار إذًا هيهات بمنزلة قصاع وجفان "وكرام وظراف"6.
قيل: ليس التنكير في هذا الاسم المبني على حدّه في غيره من المعرب, ألا ترى أنه لو كانت هيهات من هيهاة بمنزلة أرطيات من أرطاة, وسعليات من سعلاة, لما كانت إلّا نكرة, كما أن سعليات وأرطيات لا تكونان7 إلا نكرتين.
__________
1 الحديث عن راع ضلّ صاحبه في الليل, فهو يتسمَّع الأصوات, أو يصبح يدعو صاحبه عسى أن يرد عليه، وهو يتلوّم في ذلك أي: يتمكث، والجوز، الوسط، واسبطرت: أي: امتدَّت للمغيب، وانظر الديوان 49.
2 في دبوا 2/ 174 هذا البيت في ثمانية أبيات على روي اللام، وفي "نخلا" بدل "رقدا". ويبدو أن ما ها مغير عمَّا في الديوان، والحاجبية عزة التي عرف بيا. وهذه النسبة إلى جدِّها الأعلى حاجب بن غفار من كنانة، وانظر الخزانة 2/ 381.
3 جمع شوشاة وهو وصف, يقال: ناقة شوشاة, أي: سريعة، وامرأة شوشاة: كثيرة الحديث.
4 سقط في ش.
5 في د، هـ، ز: "تنكيره".
6 ثبت ما بين القوسين في د، هـ، ز. وسقط في ش.
7 في د، هـ، ز: يكونان".(2/300)
فإن قيل: ولم لا تكون سعليات معرفة إذا جعلتها علمًا؛ كرجل أو امرأة سميتها بسعليات وأرطيات. وكذلك أنت في هيهات إذا عرَّفتها فقد جعلتها علمًا على معنى البعد, كما أن غاق فيمن لم ينون فقد جعل علمًا لمعنى الفراق, ومن نون فقال: غاقٍ غاقٍ, وهيهاة هيهاة, هيهاتٍ هيهاتٍ, فكأنه قال: بعدًا بعدًا, فجعل التنوين علمًا لهذا المعنى, كما جعل حذفه علمًا لذلك.
قيل: أما على التحصيل فلا تصح هناك حقيقة معنى العلمية. وكيف يصح ذاك وإنما هذه أسماء1 سمي بها الفعل في الخبر, نحو: شتان وسرعان وأف وأوتاه, وسنذكر ذلك في بابه. وإذا كانت أسماء للأفعال والأفعال أقعد شيء في التنكير وأبعده عن التعريف, علمت أنه تعليق لفظ متأول2 فيه التعريف على معنى لا يضامه إلا التنكير. فلهذا قلنا: إن تعريف باب هيهات لا يعتدّ تعريفًا. وكذلك غاق وإن لم يكن اسم فعل, فإنه على سمته, ألا تراه صوتًا بمنزلة حاء وعاء وهاء, وتعرّف الأصوات من جنس تعرّف الأسماء المسماة "بها الأفعال"3.
فإن قيل: ألا تعلم أن معك من الأسماء ما تكون4 فائدة معرفته كفائدة نكرته البتة. وذلك قولهم: غدوة هي في معنى غداة, إلا أن غُدوة معرفة, وغَداة نكرة. وكذلك أسَد وأُسامة وثعلب وثُعالة وذئب وذُؤالة وأبو جَعْدة وأبو مُعْطة. فقد تجد هذا التعريف المساوي5 لمعنى التنكير فاشيًا في3 غير ما ذكرته, ثم لم يمنع ذلك أسامة وثعالة وذؤالة وأبا جعدة وأبا معطة6 ونحو ذلك أن تُعدّ في الأعلام, وإن لم يخص الواجد من جنسه, فكذلك لم لا يكون هيهات كما ذكرنا؟
__________
1 في د، هـ، ز: "هي".
2 في ش "يتأول".
3 سقط في ش.
4 في د، هـ، ز: "يكون".
5 في د، هـ، ز: "المساوق".
6 أبو جعده وأبو معطة كنيتان للذئب, وسمي بالثاني لتمعط شعره, أي: انجراده عنه وسقوطه.(2/301)
قيل: هذه الأعلام وإن كانت معنياتها نكرات فقد يمكن في كل واحد منها أن يكون معرفة صحيحة كقولك: فرقت ذلك الأسد الذي فرقته, وتبركت1 بالثعلب الذي تبركت1 به، وخسأت الذئب الذي خسأته. فأما الفعل فمِمَّا لا يمكن تعريفه على وجه, فلذلك لم يعتد2 التعريف الواقع عليه لفظًا سمه خاصة ولا تعريفًا.
وأيضًا فإن هذه الأصوات عندنا في حكم الحروف, فالفعل إذًا أقرب إليها, ومعترض بين الأسماء3، وبينها, أوَلا ترى أن البناء الذي سرى في باب: صه ومه وحيهلا ورويدًا وإيه وأيها وهلمّ, ونحو ذلك من باب: نزال ودراك ونظار ومناع, إنما أتاها من قبل تضمن هذه الأسماء معنى لام الأمر؛ لأن أصل ما صَهْ اسم له -وهو اسكت- لتسكت؛ كقراءة4 النبي -صلى الله عليه وسلم: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} 5 وكذلك مَهْ هو اسم اكفُفْ, والأصل لتكفف. وكذلك نزال هو اسم انزل, والأصل: لتنزل. فلما كان معنى اللام عائرًا6 في هذا الشق وسائرًا في أنحائه, ومتصورًا في جميع جهاته دخله البناء من حيث تضمَّن هذا المعنى, كما دخل أين وكيف لتضمَّنهما7 معنى حرف الاستفهام, وأمس لتضمنه معنى حرف التعريف, ومن لتضمنه معنى حرف الشرط, وسوى ذلك. فأما أفّ وهيهات وبابهما مما هو اسم للفعل فمحمول في8 ذلك على أفعال الأمر. " وكأنَّ"9 الموضع في ذلك إنما هو لصهْ ومه ورويد ونحو ذلك, ثم حمل عليه باب أفّ وشتان ووشكان "من حيث"10 كان اسمًا سمي به الفعل.
__________
1 في د، هـ، ز: "تباركت".
2 في د، هـ، ز: "يعتد ذا" وكأن الأصل: "يعتدد" فحول إلى ما ترى. وهذا كما في الأشباه.
3 في د، هـ، ز: "الاسم".
4 يعني بقراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم: أن المحدثين نقلوها عنه، ولم يدونها القراء من طرفهم, وهذا اصطلاح للمفسرين. انظر شهاب البيضاوي 6/ 327.
5 آية: 58 سورة يونس.
6 أي: مترددًا, ومن أمثالهم: كلب عائر خير من كلب رابض.
7 في د، هـ، ز: "لنضمنها".
8 سقط هذا الحرف في ش.
9 في د، هـ، ز: "فكأن".
10 في د، هـ، ز: "وحيث".(2/302)
وإذا جاز لأحمد وهو اسم معرفة1 علم أن يشبه ب"أركب" وهو فعل نكرة, كان أن يشبه اسم سمِّي به الفعل في الخبر باسم سمِّي به الفعل في الأمر أولى؛ ألا ترى أن كل واحد منهما اسم, وأن المسمَّى به أيضًا فعل. ومع ذا فقد تجد لفظ الأمر في معنى الخبر نحو قول الله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} 2 وقوله عز اسمه: {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} 3 أي: فليمدنَّ. ووقع أيضًا لفظ الخبر في معنى الأمر نحو قوله سبحانه: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} 4, وقولهم: هذا الهلال. معناه: انظر إليه. ونظائره كثيرة.
فلمَّا كان أفّ كصه في كونه اسمًا للفعل5 كما أنَّ صه كذلك, ولم يكن بينهما إلّا أن هذا اسم لفعل مأمور به, وهذا اسم لفعل مخبر به6، وكان كل واحد من لفظ الأمر والخبر قد7 يقع موقع صاحبه, صار كأن8 كل واحد منها هو صاحبه, فكأن لا خلاف هناك في لفظ ولا معنى. وما كان على بعض هذه القربى والشبكة ألحق بحكم ما حمل عليه, فكيف بما ثبتت فيه ووقّت عليه واطمأنت به. فاعرف ذلك.
ومما حذفت لامه وجعل الزائد عوضًا منها فرزدق وفريزيد9 وسفرجل وسفيريج. وهذا10 باب واسع.
__________
1 زيادة في د، هـ، ز.
2 آية: 28، سورة مريم.
3 آية: 75، سورة مريم.
4 آية 223 سورة البقرة، وهو يريد قراءة "تضار" يرفع الراء مشدَّدة, وهي قراءة بن كثير وأبي عمرو ويعقوب وأبان عن عاصم. وانظر البحر 2/ 214.
5 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "الفعل".
6 في د، هـ، ز: "عنه".
7 سقط في ش.
8 سقط في د، هـ، ز.
9 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "فريزيق" وكلاهما صحيح.
10 في د، ز: "هو".(2/303)
فهذا طرف من القول على ما زيد من الحروف عوضًا من حرف أصلي محذوف, وأما الحرف الزائد عوضًا من حرف زائد فكثير. منه التاء في فرازنة وزنادقة وجحاجحة. لحقت عوضًا من ياء المد في زناديق وفرازين وجحاجيح.
ومن ذلك ما لحقته ياء المد عوضًا من حرف زائد حذف منه نحو قولهم في تكسير مدحرج وتحقيره: دحاريج ودحيريج, فالياء عوض من ميمه. وكذلك جحافيل وجحيفيل , الياء عوض من نونه1, وكذلك مغاسيل ومغيسيل , الياء عوض من تائه2. وكذلك زعافير3، الياء عوض من ألفه ونونه.
وكذلك الهاء في تَفْعِلة في المصادر عوض من ياء تفعيل أو ألف فعال. وذلك نحو: سليته تسلية, وربيته تربية 4: الهاء بدل من ياء تفعيل في تسلَّى وتربَّى, أو ألف سلاء ورباء. أنشد أبو زيد:
باتت تنزَّى دلوها تنزيًا ... كما تنزى شهلة صبيًّا5
ومن ذلك تاء الفعللة في الرباعي نحو: الهملجة6 والسرهفة؛ كأنها عوض من ألف فعلال نحو: الهملاج والسرهاف, قال العجاج:
سرهفته ما شئت من سرهاف7
__________
1 أي: نون جحنفل. وهو الغليظ الشفة.
2 أي: تاء مغتسل، بفتح التاء وهو موضع الاغتسال.
3 أي: في جمع زعفران.
4 في د، ز بعد هذا "ورثيته ترثية".
5 الشهلة: العجوز. وفي شرح شواهد الشافية 67: "وهذا الشعر مشهور في كتب اللغة وغيرها. ولم يذكر أحد تتمته ولا قائلة".
6 هي حسن سير الدابة في سرعة.
7 يقال: "سرهفة: أحسن غذاءه، وهذا من أرجوزة في الحديث عن ابنه رؤبة. وانظر الخزانة 1/ 249، والديوان، والسمط 788.(2/304)
وكذلك ما لحق بالرباعي من نحو: الحوقلة والبيطرة والجهورة والسلقاة. كأنها عوض من ألف حيقال وبيطار وجهوار وسلقاء.
ومن ذلك قول التغلبي 1:
متى كنَّا لأمك مقتوينا2
والواحد مقتويّ وهو منسوب إلى مقتي وهو مفعل من القَتْو وهو الخدمة؛ قال:
إني امرؤ من بني خزيمة لا ... أحسن قتو الملوك والحفدا3
فكان4 قياسه إذا جمع أن يقال: مقتويون ومقتويين, كما أنه إذا جمع بصري وكوفي قيل: كوفيون وبصريون, ونحو ذلك, إلا إنه جعل علم الجمع معاقبًا لياءي الإضافة, فصحت اللام لنية الإضافة, كما تصح معها. ولولا ذلك لوجب حذفها لالتقاء الساكنين, وأن يقال: مقْتَوْن ومقْتَيْن, كما يقال: هم الأعلَوْن وهم المصطَفَوْن, قال الله سبحانه: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} 5 وقال عز اسمه:
__________
1 أي: عمرو بن كلثوم صاحب المعلقة.
2 صدره:
تهدنا وأوعدنا رويدًا
وهو من معلقته.
3 الحفد: الخدمة، ويكون أيضًا لضرب من السير. وفي رواية اللسان "قتو": "الخببا" بدل "الحفدا", والحفد أصله السكون فحرك للوزن، كما قال رؤبة:
وقائم الأعماق خاوي المحترق ... مشتبه الأعماق لماع الخفق
فالخفق أصله الخفْق بالسكون فحرك لاستقامة الشعر. وانظر الجمهرة 2-27، وقد تقدَّم هذا في ص106 من هذا الجزء.
4 في د، هـ، ز: "وكان".
5 آية: 139، سورة آل عمران.(2/305)
{وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ} 1 فقد ترى إلى تعويض2 علم الجمع من ياءي3 الإضافة والجميع زائد.
وقال سيبويه4 في ميم فاعلته مفاعلة: إنها عوض من ألف فاعلته, وتتبَّع ذلك محمد بن يزيد فقال: ألف فاعلت5 موجودة في المفاعلة, فكيف يعوض من حرف هو6 موجود غير معدوم. وقد ذكرنا ما في هذا ووجه سقوطه عن6 سيبويه في موضع غير هذا7. لكن الألف في المفاعل بلا هاء هي ألف فاعلته لا محالة, "وذلك"8 نحو: قاتلته مقاتلًا وضاربته مضاربًا قال:
أقاتل حتّى لا أرى لي مقاتلًا ... وأنجو إذا لم ينج إلّا المكيس9
وقال:
أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلًا ... وأنجو إذا غم الجبان من الكرب10
__________
1 آية: 47، سورة ص.
2 في د، هـ، ز، بعده زيادة: "ياء".
3 في د، هـ، ز: "ياء".
4 الكتاب 2/ 243 وانظر هامش سيبويه في الموطن السابق.
5 في د، هـ، ز: "فاعلته".
6 في د، هـ، ز: "وهو".
7 في د، هـ، ز: "عند".
8 عقب السيوطي في الأشباه ج1 ص129، بقوله: "يعني في كتاب التعاقب" وفيه أن أبا علي رد قول المبرد في الجزء السنين من التذكرة، وحاصله أن الألف ذهبت وهذه غيرها، وفي زيادة لحقت المصدر؛ كما تلحق المصادر أصناف زيادتها بين ألف الإفعال وياء التفعيل.
9 سقط ما بين القوسين في د، هـ.
10 انظر ص368، من الجزء الأول من هذا الكتاب.(2/306)
فأما أقمت إقامة, وأردت إرادة "ونحو ذلك"1 فإن الهاء فيه على مذهب الخليل وسيبويه عوض من ألف إفعال الزائدة. وهي في قول أبي الحسن عوض من عين إفعال, على مذهبهما في باب مفعول من2 نحو: مبيع ومقول. والخلاف في ذلك قد عرف وأحيط بحال المذهبين فيه, فتركناه لذلك.
ومن ذلك الألف في يمانٍ وتهامٍ وشئامٍ: هي عوض من إحدى ياءي الإضافة في يمنيّ وتهاميّ وشأميّ. وكذلك ألف ثمان3. قلت لأبي علي: لم زعمتها للنسب فقال: لأنها ليست بجمع مكسر فتكون كصحارٍ. قلت له 4: نعم ولو لم تكن للنسب4 للزمتها الهاء البتة؛ نحو: عباقية5 وكراهية وسباهية6. فقال: نعم هو كذلك.
ومن ذلك أنَّ7 ياء التفعيل بدل من ألف الفعال, كما أن التاء في أوله عوض من إحدى عينيه.
ففي هذا كاف بإذن الله.
وقد أوقع هذا التعاوض في الحروف المنفصلة عن الكلم غير المصوغة فيها الممزوجة بأنفس صيغها. وذلك قول الراجز -على مذهب الخليل:
إن الكريم وأبيك يعتمل ... إن لم يجد يومًا على من يتَّكل8
__________
1 في د، هـ، ز: "نحوه".
2 سقط في د، هـ، ز.
3 في ش: "يمان" وهو تحريف.
4 سقط في د، هـ، ز.
5 من معانيها شجر له شوك يؤذي من علق به.
6 يقال: رجل سباهية: متكبر.
7 سقط في ش.
8 انظر الكتاب 1/ 443.(2/307)
أي: من يتكل عليه. فحذف "عليه" هذه, وزاد "على" متقدّمة, ألا ترى أنه يعتمل1 إن لم يجد من يتكل عليه. وندع ذكر قول غيره ههنا. وكذلك قول الآخر 2:
أولى فأولى يا امرأ القيس بعدما ... خصفن بآثار المطيّ الحوافرا
أي: خصفن بالحوافر آثار المطيّ, يعني: آثار أخفافها. فحذف الباء من "الحوافر", وزاد أخرى عوضًا منها في "آثار المطي".
هذا على قول من لم يعتقد القلب, وهو أمثل, فما وجدت مندوحة عن القلب لم ترتكبه.
وقياس هذا الحذف والتعويض قولهم: بأيهم تضرب أمرر, أي: أيهم تضرب أمرر به.
__________
1 هذا ما فهمه ابن جني في كلام سيبويه. وفهم الناس قديمًا فيه أنه: إن لم يجد على من يتكل عليه؛ نحو بمن تمرّ أمر به، فحذف "عليه", وقد اعترض على سيبويه في هذا أن "يجد" لا يتعدَّى بالحرف "على"؛ إذ هو متعدٍّ بنفسه. وانظر الخزانة 4/ 252.
2 هو مقاس العائذيّ, والبيت من قصيدة مفضَّلية يتوعَّد فيها أمرأ القيس بن بحر بن زهير بن جناب الكلبي، فقوله: "أولى فأولى" توعّد. وقوله: "خصفن" أي: الخيل, أي: تبعت الإبل - وهي المعنى بالمطي. وذلك على أن الإبل تسبق الخيل، وذلك ما كانوا يفعلون, ومن معاني الخصف الخرؤ والستر, فكأن السائر خلف آخر يستر أثره ويخصفه. وقد فسّر البيت على نسبة الخصف إلى الإبل, أي: إن الإبل تتبع الخيل. ويبدو أنه على هذا لا حذف ولا قلب. وانظر اللسان "خصف" وشرح المفضليات.(2/308)
باب في استعمال الحروف بعضها مكان بعض:
هذا باب يتلقاه الناس مغسولًا1 ساذجًا من الصنعة, وما أبعد الصواب عنه وأوقفه دونه.
__________
1 أي: هاربًا من الدقة، كأنه غسل منها، أو لتفاهته يستحق أن يغسل ويمحى. وانظر الأساس.(2/308)
وذلك أنهم يقولون: إن "إلى " تكون بمعنى مع. ويحتجّون لذلك بقول الله سبحانه: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} 1 أي: مع الله, ويقولون: إن2 "في " تكون3 بمعنى "على"، ويحتجون بقوله عز اسمه: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} 4 أي: عليها, ويقولون: تكون الباء بمعنى عن وعلى, ويحتجون5 بقولهم: رميت بالقوس أي: عنها وعليها, كقوله:
أرمي عليها وهي فرع أجمع6
وقال7 طفيل:
رمت عن قسي الماسخيّ رجالهم ... بأحسن ما يبتاع من نبل يثرب8
وأنشدني9 الشجري:
أرمى علي شريانة قذّاف ... تلحق ريش النبل بالأجواف10
__________
1 آية: 14، سورة الصف.
2 سقط في ش.
3 سقط في د، هـ، ز.
4 آية 71، سورة طه.
5 في د، هـ، ز: "بقوله".
6 هذا في الحديث عن قوس، وقوله: "فرع أجمع" أي: عملت من غصن ولم تعمل من شق عوده, وذلك أقوى لها. وبعده:
وهي ثلاث أذرع وإصبع
أي: هي تامة: انظر شرح الجواليقي لأدب الكاتب 353.
7 في د، هـ، ز: "قول".
8 قبله:
فما برحوا حتى رأوا في ديانه ... لواء كظل الطائر المنقلب
يقول: إنه أغار بقومه على عدوه، فرأى الأعداء لواء قومه في ديارهم. والماسخيّ: القواس. وقوله: "رجالهم", فالرواية في الديوان: "رجالنا". انظر الديوان 13.
9 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "أنشد".
10 الشريانة يريد بها قوسًا اتخذت من الشريان، وهو شجر من عضاه الجبال، تتخذ منه القسيّ. والقذاف: التي تبعد السهم, ويريد أن صهمها ينفذ في جوف المرميّ بها، حتى يختلط ريشها بالجوف.
وقوله: "أرمي" في د، هـ، ز "أرثني" وهي تحريف.(2/309)
وغير ذلك مما يوردونه.
ولسنا ندفع أن يكون ذلك كما قالوا, لكنا نقول: إنه يكون بمعناه1 في موضع دون موضع على حسب الأحوال2 الداعية إليه، والمسوغة3 له, فأما في كل موضع وعلى كل حال فلا، ألا ترى أنك4 إن أخذت بظاهر هذا القول غفلًا هكذا, لا مقيّدًا لزمك عليه أن تقول: سرت إلى زيد, وأنت تريد: معه, وأن تقول: زيد في الفرس, وأنت تريد: عليه, وزيد في عمرو, وأنت تريد: عليه في العداوة, وأن تقول: رويت الحديث بزيد, وأنت تريد: عنه, ونحو ذلك مما يطول ويتفاحش. ولكن سنضع في ذلك رسمًا يعمل عليه, ويؤمن التزام الشناعة لمكانه.
اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر, وكان أحدهما يتعدَّى بحرف والآخر بآخر, فإن العرب قد تتسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه إيذانًا بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر, فلذلك جيء معه بالحرف المعتاد مع ما هو في معناه. وذلك كقول الله -عز اسمه: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} 5 وأنت لا تقول: رفثت إلى المرأة, وإنما تقول: رفثت بها أو معها, لكنه لما كان الرفث هنا في معنى الإفضاء, وكنت تعدي أفضيت ب"إلى" كقولك: أفضيت إلى المرأة, جئت ب"إلى" مع الرفث إيذانًا وإشعارًا أنه بمعناه, كما صححوا عور وحول لمَّا كانا6 في معنى
__________
1 في د، هـ، ز: "معناه".
2 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "الحال".
3 سقط حرف الطف في د، ب، ز.
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "إذا".
5 آية 187، سورة البقرة.
6 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "كان".(2/310)
اعورَّ وأحولَّ. وكما جاءوا بالمصدر فأجروه على غير فعله لما كان في معناه؛ نحو قوله:
وإن شئتم تعاودونا عوادًا1
لما كان التعاود أن يعاود بعضهم بعضًا, وعليه جاء قوله 2:
وليس بأن تتبعه اتباعًا3
ومنه قول الله سبحانه: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} 4 , وأصنع من هذا قول الهذلي 5:
ما إن يمسُّ الأرض إلا منكب ... منه وحرف الساق طيّ المحمَل
فهذا على فعل ليس من لفظ هذا الفعل الظاهر, ألا ترى أن معناه: طوى طيّ المحمل, فحمل المصدر على فعل دلَّ أول الكلام عليه, وهذا ظاهر.
وكذلك قول الله تعالى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} 6 أي: مع الله, وأنت لا تقول: سرت إلى زيد, أي: معه, لكنه إنما جاء7 {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} لما كان معناه: من ينضاف في نصرتي إلى الله, فجاز لذلك أن تأتي هنا إلى, وكذلك قوله -عز اسمه: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} 9 وأنت إنما تقول: هل لك في كذا, لكنه لما كان على10
__________
1 هذا عجز بيت صدره مع بيت قبله:
صرحت على بلادكم جيادي ... فأدت منكم كومًا جلادا
بها لم تشكروا المعروف عندي ... ... .... .....
وهذا من قصيدة لشقيق بن جزء في فرحة الأديب. وانظر آخر الاقتضاب.
2 أي: القطامي. وانظر الديوان، والخزانة 1/ 391.
3 هذا عجز بيت صدره:
وخير الأمير ما استقبلت منه
4 آية: 8 سورة المزمل.
5 هو أبو كبير، والبيت من قصيدة يقولها في تأبط شرًّا, وهي في الحماسة.
6 آية: 52، سورة آل عمران. آية: 14، سورة الصف.
7 في د، هـ، ز: "جاز".
8 كذ في ش، وفي د، هـ، ز: "كذلك".
9 آية: 18، سورة النازعات.
10 سقط في د، هـ، ز.(2/311)
هذا دعاء منه صلى الله عليه وسلم صار تقديره: أدعوك وأرشدك إلى أن تزكَّى, وعليه قول الفرزدق:
كيف تراني قاليًا مجنِّي ... أضرب أمري ظهره للبطن
قد قتل الله زيادًا عنِّي1
لمَّا كان معنى قد قتله: قد صرفه، عدَّاه بعن.
ووجدت في اللغة من هذا الفنِّ شيئًا كثيرًا لا يكاد يحاط به, ولعله لو جمع أكثره "لا جميعه"2 لجاء كتابًا ضخمًا, وقد عرفت طريقه. فإذا مرَّ بك شيء منه فتقبله وأنس3 به, فإنه فصل من العربية لطيف حسن يدعو إلى الأنس بها والفقاهة فيها. وفيه أيضًا موضع يشهد على من4 أنكر أن يكون في اللغة لفظان بمعنى واحد حتى تكلَّف لذلك أن يوجد فرقًا بين قعد5 وجلس، وبين ذراع6 وساعد, ألا ترى أنه لما كان رفث بالمرأة في معنى أفضى إليها جاز أن يتبع الرفث الحرف الذي بابه الإفضاء وهو "إلى ". وكذلك لما كان "هل لك في كذا" بمعنى
__________
1 كان الفرزدق هرب من البصرة إلى المدينة واختفى فيها خوفًا من زياد بن أبيه لغضبة غضبها عليه، فلمَّا بلغه موت زياد وهو في المدينة ظهر وأنشد هذا الرجز إظهارًا للشماتة به وفرحًا بالسلامة منه. والمجنّ: الترس, وقاله كناية عن عدم الحاجة إليه. وكان موت زياد سنة 53هـ. وانظر شواهد المغني للبغدادي في آخر الكتاب.
2 سقط في ش.
3 في د، هـ، ز: "تأنس".
4 من هؤلاء ثعلب وابن فارس. وانظر المزهر 1/ 239.
5 فالقعود يكون عن قيام، والجلوس يكون عن حالة دونه، وذاك أن الجلوس مأخوذ من الجلس وهو المكان المرتفع, تقول: كان مضطجعًا ثم جلس. وانظر المزهر في مبحث الترادف.
6 فسَّر بعضهم الذراع بأنه الأسفل من الزندين، والساعد: الأعلى منهما، وانظر اللسان.(2/312)
أدعوك إليه, جاز أن يقال: هل لك إلى أن تزكّى "كما يقال أدعوك إلى أن تزكّى"1 وقد قال رؤبة ما قطع به العذر ههنا قال:
بالٍ بأسماء البلى يسمَّى
فجعل للبلى -وهو معنى واحد- أسماء.
وقد قدمنا هذا "فيما مضى من صدر كتابنا"2.
ومما جاء من الحروف في موضع غيره على نحو مما3 ذكرنا قوله 4:
إذا رضيت على بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها
أراد: عنِّى. ووجهه: أنها إذا رضيت عنه أحبته وأقبلت عليه, فلذلك استعمل "على" بمعنى "عن", وكان أبو علي يستحسن قول الكسائي في هذا؛ لأنه قال: لما كان "رضيت" ضد "سخطت" عدّى رضيت بعلى حملًا للشيء على نقيضه؛ كما يحمل على نظيره. وقد سلك سيبويه هذه5 الطريق في المصادر كثيرًا, فقال: قالوا كذا كما قالوا كذا, وأحدهما ضد الآخر. ونحو منه قول الآخر 6:
إذا ما امرؤ ولَّى علي بوده ... وأدبر لم يصدر بإدباره ودّي7
__________
1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش.
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "في صدر ما مضى من كتابنا".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ما".
4 أي: القحيف العقبلي يمدح حكيم بن المسيب القشيري، وانظر الخزانة 4/ 247، والنوادر 176.
5 في د، هـ، ز: "هذا".
6 هو دوسر بن غسان اليربوعي. وانظر الاقتضاب للبطليوسي، وشرح أدب الكاتب للجواليقي 355.
7 بعده:
ولم أتعذر من خلال تسوءه ... كما كان يأتي مثلهنَّ على عمد
لم يصدر: لم يرجع: أي: إذا جفاني امرؤ لم أطلب ودَّه، ولست أودّ من لا يودني. وأسوءه كما يسوءني ولا أعتذر من ذلك.(2/313)
أي: عنِّي. ووجهه أنه إذا ولَّى عنه بوده فقد استهلكه عليه, كقولك. أهلكت عليّ مالي, وأفسدت علي ضيعتي. وجاز أن يستعمل "على" ههنا؛ لأنه أمر عليه لا له. وقد تقدم نحو هذا.
وأما قول الآخر:
شدّوا المطيّ على دليل دائب ... من أهل كاظمةٍ بسيف الأبحر1
فقالوا معناه: بدليل. وهو عندي أنا على حذف المضاف, أي: شدوا المطي على دلالة دليل, فحذف المضاف. وقوي حذفه هنا شيئًا؛ لأن لفظ الدليل يدل على الدلالة. وهو كقولك: سر على اسم الله. و" على " هذه عندي حال من الضمير في سر وشدوا2، وليست موصلة3 لهذين الفعلين، لكنها متعلقة بمحذوف4؛ حتى5 كأنه قال: "سر معتمدًا على اسم الله"6؛ ففي الظرف إذًا ضمير لتعلقه بالمحذوف. وقال 7:
بطل كأن ثيابه في سرحة ... يحذى نعال السبت ليس بتوءم
أي: على سرحة "وجاز ذلك من حيث كان معلومًا أن ثيابه لا تكون في داخل سرحة"8؛ لأن السرحة لا تنشق فتستودع الثياب ولا غيرها, وهي بحالها سرحة.
__________
1 "بسيف" في ج: "فسيف"، وللسيف: ساحل البحر. وهذا البيت لعوف بن عطية بن الخرع، كما ذكره في الاقتضاب 449، وورد البيت غير معزو في اللسان "دلل".
2 كذا في ش, وهو يوافق ما في اللسان "دلل". وفي د، هـ، ز: "سار".
3 كذا في د، هـ، ز وفي ش، "مواصلة"، وفي اللسان: "موصولة".
4 كذا في نسخ الخصائص: وفي اللسان: "بفعل محذوف".
5 ثبت هذا الحرف في ش، وسقط في د، هـ، ز.
6 كذا في نسخ الخصائص, وفي اللسان: "شدوا المطي معتمد بن علي دليل دائب".
7 أي: عنترة في معلقته، والسرحة: شجرة فيها طول وإشراف، أي: أنه طويل الجسم. والنعال السبتية: المدبوغة بالقرظ. هي أجود النعال, وقوله: ليس بتوءم, أي: هو قوي لم يزاحمه أخ في بطن أمه فيكون ضعيفًا.
8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، وثبت في ش.(2/314)
فهذا من طريق المعنى بمنزلة كون الفعلين أحدهما في معنى صاحبه على ما مضى. وليس كذلك قول الناس: فلان في الجبل؛ لأنه قد يمكن أن يكون في غارٍ من أغواره, أو لصب1 من لصابه، فلا يلزم أن يكون عليه, أي: عاليًا فيه.
وقال:
وخضخضن فينا البحر حتى قطعنه ... على كل حال من غمارٍ ومن وحل2
قالوا: أراد بنا, وقد يكون3 عندي على حذف المضاف, أي: في سيرنا، ومعناه: في سيرهن بنا.
ومثل قوله: "كأن ثيابه في سرحة ": قول امرأة4 من العرب:
هم صلبوا العبدي في جذع نخلة ... فلا عطست شيبان إلا بأجدعا
لأنه معلوم أنه لا يصلب في داخل جذع5 النخلة وقلبها.
وأما قوله 6:
وهل يعمن من كان أحدث عهده ... ثلاثين شهرًا في ثلاثة أحوال
__________
1 هو شق في الجبل، أو هو مضيق فيه.
2 الغمار: جمع الغمر أو الغمرة؛ وهو الماء الكثير. وفي الانتضاب 437: هذا البيت لا أعلم قائله. وأحسبه يصف سفنًا، وفي شر الجواليق لأدب الكاتب 358: "أي: قطعن البحر بنا غمره وضحله، وضبط في اللسان بالقلم: "وحل" -بفتح الحاء وسكون اللام. وكذا في الاقتضاب. وضبط في ج بسكون الحاء.
3 في د، هـ، ز. "يجوز".
4 في اللسان "عبد" نسبته إلى سويد بن أبي كاهل, والعبدي: نسبة إلى عبد القيس، وقوله: "بأجدع" أي: بأنف أجدع، وانظر شواهد المغني للبغدادي 1/ 944، والكامل 6/ 244.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "شق"
6- أي: امرئ القيس, وقبله مطلع القصيدة وهو:
ألا عم صباحًا أيها الطلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي
وقوله: "أحدث" كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "آخر".(2/315)
فقالوا: أراد مع ثلاثة أحوال. وطريقه عندي أنه على حذف المضاف, يريد: ثلاثين شهرًا في عقب ثلاثة أحوال قبلها. وتفسيره: بعد ثلاثة أحوال, فالحرف إذًا على بابه؛ وإنما1 هنا حذف المضاف الذي قد شاع عند الخاص والعام. فأمَّا قوله 2:
يعثرن في حدِّ الظبات كأنما ... كُسِيَت برود بني تزيد الأذرع3
فإنه أراد: يعثر بالأرض في حد الظبات, أي: وهنّ في حد الظبات كقولك: خرج بثيابه, أي: وثيابه عليه, وصلّى في خفيه, أي: وخفاه عليه. وقال تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} 4 فالظرف إذًا متعلق بمحذوف؛ لأنه حال من الضمير, أي: يعثرن كائنات في حد الظبات.
وأما قول بعض الأعراب 5:
نلوذ في أمّ لنا ما تغتصب ... من الغمام ترتدي وتنتقب6
__________
1 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "بانما".
2 أي: أبي ذؤيب الهذلي. والبيت هو السادس والثلاثون عن عينيته المشهورة إلى مطلعها:
أمن المنون وربما تترجع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع
وانظرها في أواخر المفضليات، وديوان الهذلين "طبعة دار الكتب" 1/ 10.
3 هذا في الحديث عن حمر الوحش التي أصابتهن سهام الصيد. والظبات أطراف السهام, يقول: إن قوائمهن تضمخن بالدم؛ فكأنها كسبت برودًا تزيدية. وهي منسوبة إلى تزيد بن عمران بن الحاف بن فصاعة. وهذه البرود فيها خطوط حمر، فشبه طرائق الدم في أذرع الحمر بتلك الطرائق.
4 آية: 79، سورة القصص.
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "العرب" وهو من طيئ. وانظر الاقتضاب 438، والجواليق 358.
6 "تغتصب" كذا في د، هـ، ز، ش. وهو بالبناء للمجهول؛ أي: هي منيعة على من أرادها. وفي ج: "تعتصب" بالبناء للفاعل, أي: تشد عليها العصابة، أي: ليست بامرأة، وإنما هي الحقيقة جبل.(2/316)
فإنه1 يريد بأم 2 سلمى: أحد جبلي طيئ. وسماها أمّا لاعتصامهم بها وأويّهم إليها. واستعمل "في" موضع الباء, أي: نلوذ بها لأنهم إذا لاذوا بها فهم فيها لا محالة؛ إذ لا يلوذون ويعصمون3 بها إلّا وهم فيها؛ لأنهم إن4 كانوا بعداء عنها فليسوا لائذين بها, فكأنه قال: نسمك5 فيها6 ونتوقّل فيها. فلأجل ذلك ما استعمل "في" مكان الباء. فقس على هذا, فإنك لن تعدم إصابة بإذن الله ورشدًا.
باب في مضارعة الحروف للحركات والحركات للحروف:
وسبب ذلك أن الحركة حرف صغير, ألا ترى أن من متقدمي القوم من كان يسمٍّي الضمة الواو الصغيرة, والكسرة الياء الصغيرة, والفتحة الألف الصغيرة. ويؤكد ذلك عندك7 أنك متى أشبعت ومطلت الحركة أنشأت بعدها حرفًا من جنسها. وذلك قولك في إشباع حركات8 ضرب ونحوه: ضوريبا. ولهذا إذا احتاج الشاعر إلى إقامة الوزن مطل الحركة, "وأنشأ"9 عنها حرفًا من جنسها. وذلك قوله 10:
نفى الدراهيم تنقاد الصياريف11
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ر: "فإنما".
2 في القتضاب والجواليقي: "بالأمّ"، وفي اللسان "فيا": "بالأم لنا".
3 كذا في ش، وفي ز: "يعتصمون". ويقال: أعصم بالشيء واعتصم به: أمسك به.
4 في ش: "وإن".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "تستمك", وسمك: صعد وارتفع، وكذلك استمسك, وفي اللسان "في": "تسمئل فيها, أي: نتوقل". وهو من قولهم: اسمألّ الظل: ارتفع.
6 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "أو".
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "عندي".
8 سقط في د، هـ، ز.
9 في د. هـ. ز: "فأنشأ".
10 أي: الفرؤدق. انظر الخزانة 2/ 255، والكامل 5/ 91.
11 صدره:
تنفى يداها الحصى في كل هاجرة
وهو في وصف ناقته، يصفها بسرعة السير في الهواجر، فيقول: إن يديها لشدة وقعها في الحصى تنقيانه, فيفرع بعضه بعضًا, ويسمع له صليل كصليل الدراهم إذا انتقدها الصيرفي فنفَى رديئها عن جيدها. انظر الخزانة في الموطن السابق، والكتاب 1/ 10.(2/317)
وقوله -أنشدناه لابن هرمة:
وأنت من الغوائل حين ترمي ... ومن ذمّ الرجال بمنتزاح1
يريد: بمنتزح, وهو مفتعل من النزح2 وقوله:
وأنني حيث ما يسري الهوى بصري ... من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور3
فإذا ثبت أن هذه الحركات أبعاض للحروف4 ومن جنسها, وكانت متى أشبعت ومطلت تمَّت ووفت جرت5 مجرى الحروف, كما أن الحروف أنفسها قد تجد بعضها أتمَّ صوتًا من بعض, "وإن كانت كلها حروفًا يقع بعضها موقع بعض"6 في غالب الأمر.
فممَّا أجري من الحروف مجرى الحركات: الألف والياء والواو, إذا أعرب بهنّ في تلك الأسماء الستة: أخوك وأبوك ونحوهما, وفي التثنية والجمع على حد التثنية نحو: الزيدان والزيدون والزيدين.
ومنها النون إذا كانت علمًا للرفع في الأفعال الخمسة, وهي تفعلان ويفعلان وتفعلون ويفعلون وتفعلين. وقد حذفت7 أيضًا للجزم في لم8 يغزوا ولم يدع ولم يرم، ولم يخش. وحذفت أيضًا9 استخفافًا؛ كما تحذف الحركة لذلك. وذلك قوله:
فألقحت أخراهم طريق ألاهم ... كما قيل نجم قد خوى متتابع10
__________
1 انظر حاشية "6" ص43 من الجزء الأول.
2 في ج: "النزوح", وكلاهما معناه البعد.
3 "حيث ما يسري" كذا في ش. وفي د، هـ، "حوث ما يسري"، ويسري أي: يلقي من يريت الثوب عنى: ألقيته. ويروى "يشرب" بضم الياء, أي: يميل أو يحرك، وانظر الخزانة 1/ 95، واللسان "شرى" وص43 من الجزء الأول من هذا الكتاب.
4 سقط حرف العطف في ش.
5 في د، هـ، ز: "جرى".
6 سقط ما بين القوسين في ش.
7 أي: الحروف الأربعة: الواو والياء الألف والنون.
8 في الأصول: "يغز" الأجود ما أثبت.
9 سقط في ش.
10 سقط الشطر الأخير في ش. انظر البيت في ص294، من هذا الجزء.(2/318)
"يريد أولاهم"1 ومضى ذكره, وقال رؤبة:
وصَّاني العجاج فيما وصني
يريد: فيما وصاني, وقال الله -عز اسمه: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} 2 وقد تقدم نحو هذا. فنظير حذف هذه الحروف للتخفيف حذف الحركات أيضًا في نحو قوله:
وقد بدا هنك من المئزر3
وقوله:
فاليوم أشرب غير مستحقب4
وقوله:
إذا اعوججن قلت صاحب قوم5
وقوله:
ومن يتق فإن الله معه6
وقوله:
أو يرتبط بعض النفوس حمامها7
وقوله:
سيروا بني العم فالأهواز منزلكم ... ونهر تيري ولا تعرفكم العرب8
أي: "ولا"9 تعرفكم, فأسكن مضطرًا.
__________
1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
2 آية: 4، سورة الفجر.
3 انظر ص75 من الجزء الأول.
4 انظر ص75 من الجزء الأول.
5 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وانظر ص76 من الجزء الأول.
6 انظر ص307 من الجزء الأول.
7 انظر ص75 من الجزء الأول.
8 "فالأهواز" كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "والأهواز", وقوله: "ولا" في د، هـ، ز: "بلا", وانظر المرجع السابق.
9 في د، هـ، ز: "فلا".(2/319)
ومن مضارعة الحرف للحركة أن الأحرف الثلاثة: الألف والياء والواو إذا أشبعن ومطلن أدين إلى حرف آخر غيرهنّ, إلا أنه شبيه بهن, وهو الهمزة, ألا تراك إذا مطلت الألف أدتك إلى الهمزة, فقلت: آء, وكذلك الياء في قولك: إيء, وكذلك الواو في قولك: أوء. فهذا كالحركة "إذا مطلتها"1 أدتك إلى صورة أخرى غير صورتها, وهي الألف والياء الواو في: منتزاح, والصياريف, أنظور. وهذا غريب في موضعه.
ومن ذلك أن تاء التأنيث في الواحد لا يكون ما قبلها إلّا مفتوحًا, نحو: حمزة وطلحة وقائمة, ولا يكون ساكنًا. فإن كانت الألف وحدها من بين سائر الحروف جازت. وذلك نحو: قطاة وحصاة وأرطاة وحبنطاة2. أفلا ترى إلى مساواتهم بين الفتحة والألف حتى كأنها هي هي3. وهذ يدل على أن أضعف الأحرف الثلاثة الألف دون أختيها؛ لأنها قد خصت هنا بمساواة الحركة دونها.
ومن ذلك قوله:
ينشب في المسعل واللهاء ... أنشب من مآشر حداء4
قالوا: أراد حدادًا, فلم يعدد الألف حاجزًا بين المثلين. كما لم يعدد5 الحركة في ذلك6 في نحو: أمليت الكتاب في7 أمللت.
ومن ذلك أنهم قد بينوا الحرف بالهاء, كما بينوا الحركة بها, "وذلك"8 نحو قولهم: وازيداه وواغلامهماه وواغلامهوه, وواغلامهموه وواغلامهيه،
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش.
2 يقال امرأة حبنطاة: نصيرة دميمة غليظة البطن.
3 سقط في ش.
4 انظر ص223 في هذا الجزء.
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "يعتدد".
6 سقط في د، هـ، ز.
7 في د، هـ، ز: "ر".
8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.(2/320)
ووانقطاع ظهرهيه. فهذا نحو من قولهم: أعطيتكه, ومررت بكَهْ, واغزُهْ ولا تدعُهْ. والهاء في كله لبيان الحركة لا ضمير.
ومن ذلك أقعد الثلاثة في المدّ لا يسوغ تحريكه, وهو الألف, فجرت لذلك مجرى الحركة, ألا ترى أن الحركة لا يمكن تحريكها. فهذا وجه أيضًا من المضارعة فيها.
وأما شبه الحركة بالحرف ففي1 نحو: تسميتك امرأة بهند وجُمْل, فلك2 فيهما3 مذهبان: الصرف وتركه, فإن تحرك الأوسط ثقل الاسم، فقلت في اسم4 امرأة سميتها بقدم بترك الصرف معرفة5 البتة؛ أفلا ترى كيف جرت الحركة مجرى الحرف في منع الصرف. وذلك كامرأة سميتها بسعاد وزينب. فجرت الحركة في قدم وكبد ونحوه مجرى ألف سعاد وياء زينب.
ومن ذلك أنك إذا أضفت إلى الرباعي المقصور أجزت إقرار6، الألف وقلبها واوًا, نحو: الإضافة إلى حُبْلَى , إن شئت قلت: حُبْلَى, وهو الوجه. وإن شئت: حبلوىّ. فإذا صرت إلى الخمسة حذفت الألف البتة أصلًا كانت أو زائدة. وذلك نحو4 قولك في حُبَارَى: حُبَارِيّ, وفي مصطفى: مصطفيّ, وكذلك إن تحرك الثاني من الرباعي حذفت ألفه البتة, وذلك قولك في جمزى: حمزيّ’ وفي بشكى بشكيّ, ألا ترى إلى الحركة كيف أوجبت الحذف كما أوجبه الحرف الزائد على الأربعة, فصارت حركة عين جَمَزَى في إيجابها الحذف بمنزلة ألف حُبَارَى, وياء خَيْزَلى7.
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "ولك".
3 كذا في ز. وفي ش: "فيهما".
4 سقط في ش.
5 سقط في د، هـ، ز، وهو أسوغ.
6 في د، هـ، ز: "ألفه".
7 هي مشية في تثاقل.(2/321)
ومن مشابهة الحركة للحرف أنك تفصل بها ولا تصل إلى الإدغام معها, كما تفصل بالحرف ولا تصل إلى الإدغام معه. وذلك قولك: وتد ويطد. فحجزت الحركة بين المتقاربين كما يحجز الحرف بينهما، نحو: شمليل1 وحَبَرْبَر2.
ومنها أنهم قد أجروا الحرف المتحرك مجرى الحرف المشدد, وذلك أنه إذا وقع رويًّا في الشعر المقيد سكن؛ كما أن الحرف المشدد إذا وقع رويًّا في الشعر المقيد خفف. فالمتحرك نحو قوله:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق
فأسكن القاف وهي مجرورة. والمشدد نحو قوله:
أصحوت اليوم أم شاقتك هِرّ
فحذف إحدى3 الراءين كما حذف الحركة من قاف المخترق, وهذا إن شئت قلبته فقلت: إن الحرف أجري فيه مجرى الحركة, وجعلت الموضع في الحذف للحركة, ثم لحق بها فيه الحرف. وهو عندي أقيس.
ومنها استكراههم اختلاف4 التوجيه: أن يجمع5 مع الفتحة غيرها من أختيها6، نحو: جمعه7 بين المخترق وبين العقق8 والحمق. فكراهيتهم هذا نحو من امتناعهم من الجمع9 بين الألف مع الياء والواو ردفين.
__________
1 يقال: نافة شمبل: سريعة.
2 هو الجمل الصغير.
3 في د، هـ، ز: "أحد".
4 هو حركة ما قبل الروي المقيد.
5 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "تجمع".
6 في د، هـ، ز: "أختها", ويريد بأختيها الضمة والكسرة.
7 أي: رؤبة في أرجوزته التي أولها:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق.
8 كذا في ش، ج. وفي د، هـ، ز: "العنق", وقد ورد العقق في قوله:
سرا وقد أوّن تأوين المعقق
وورد العقق في قوله:
مأثرة العضدين مصلات العنق
وانظر الأرجوزة في الديوان، وفي الخزانة 1/ 38.
9 في د، هـ، ز: "جمع ما".(2/322)
ومن ذلك عندي أن حرفي العلة: الياء والواو قد صحَّا في بعض المواضع للحركة بعدهما, كما يصحان1 لوقوع حرف اللين ساكنًا بعدهما. وذلك نحو: القود والحوكة والخونة والغيب والصيد وحول2 وروع3 و"إِنَّ بُيُوتَنَا عَوِرَةٌ"4 فيمن5 قرأ كذلك. فجرت الياء والواو هنا في الصحة لوقوع الحركة بعدهما مجراهما فيها لوقوع حرف اللين ساكنًا بعدهما, نحو: القواد والحواكة والخوانة والغياب والصياد وحويل ورويع, وإن بيوتنا عويرة.
وكذلك ما صحَّ من نحو قولهم: هيؤ الرجل من الهيئة, هو جارٍ مجرى صحَّة هيوء لو قيل. فاعرف ذلك مذهبًا في صحة ما صحَّ من هذا النحو لطيفًا غريبًا.
__________
1 كذا في ش وفي د، هـ، ز: "صحا".
2 هو وصف من الحول في العين كالأحول.
3 أي: فزع خائف، وفي ش: "عور" وهو خطأ، وفي هـ، ز: "روع"، وانظر أشباه السيوطي 1/ 173.
4 آية: 13، سورة الأحزاب.
5 هي قراءة إسماعيل بن سليمان عن ابن كثير وابن عباس وآخرين. النظر البحر 7/ 218.(2/323)
باب محلّ "الحركات من الحروف" 1 أمعها أم قبلها أم بعدها:
أما مذهب سيبويه فإن الحركة تحدث بعد الحرف, وقال غيره: معه. وذهب غيرهما إلى أنها تحدث قبله.
قال أبو علي: وسبب هذا الخلاف لُطف الأمر وغموض الحال, فإذا2 كان هذا أمر يعرض للمحسوس الذي إليه تتحاكم النفوس فحسبك به لطفًا, وبالتوقف فيه لبسًا.
__________
1 في ش: "الحروف من الحركات".
2 كذا في ش: وفي د، هـ، ز: "وإذا".(2/323)
فمِمَّا يشهد لسيبويه بأن الحركة حادثة بعد الحرف وجودنا إياها فاصلة بين المثلين مانعة من إدغام الأول في الآخر, نحو: الملل والضعف1 والمشش2؛ كما تفصل الألف بعدها بينهما, نحو: الملال والضفاف والمشاش. وهذا مفهوم. وكذلك شددت ومددت, فلن تخلو3 حركة الأول من أن تكون قبله أو معه أو بعده. فلو كانت في الرتبة قبله لما حجزت عن الإدغام, ألا ترى أن الحرف المحرَّك بها كان يكون على ذلك بعدها حاجزًا بينها وبين ما بعده من الحرف الآخر.
ونحو من ذلك قولهم: ميزان وميعاد, فقلب الواو ياء يدل على أن الكسرة لم تحدث قبل الميم؛ لأنها لو كانت حادثة قبلها لم تلِ4 الواو, فكان يحب أن يقال: موزان وموعاد, وذلك أنك إنما تقلب الواو ياء للكسرة التي تجاورها من قبلها, فإذا كان بينها وبينها حرف حاجز لم تلها, وإذا لم تلها لم يجب أن نقلبها للحرف الحاجز بينهما. وأيضًا فلو5 كانت قبل حرفها لبطل الإدغام في الكلام؛ لأن حركة الثاني كانت تكون قبله حاجزة بين المثلين. وهذا واضح.
فإذا بطل أن تكون الحركة حادثة قبل الحرف المتحرّك بها من حيث أرينا, وعلى ما أوضحنا وشرحنا, بقي سوى مذهب سيبويه أن يظن بها6 أنها تحدث مع الحرف نفسه لا قبله ولا بعده. وإذا فسد هذا لم يبق إلا ما ذهب إليه سيبويه.
والذي يُفسِد كونها حادثة مع الحرف البتَّة هو أنا لو أمرنا مذكرًا من الطيّ, ثم أتبعناه أمرًا آخر7 له من الوجل من غير حرف عطف, لا بل بمجيء الثاني تابعًا للأول البتة, لقلنا 8: اطوايجل. والأصل فيه: اطو اوجل, فقلبت الواو التي هي فاء الفعل
__________
1 من معانيه: كثرة العيال.
2 من معانيه: بياض يعتري الإبل في عيونها.
3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "يخلو".
4 أي: لم تباشرها، والولي: الاتصال القرب من قبل ومن بعد، وإن اشتهر فيما يأت يبعد غيره.
5 كذا في ش، وي د، هـ، ز: "لو".
6 يادة في هـ.
7 سقط في د، هـ، ز، وضمير "له" للمذكر.
8 في د، هـ، ز: "لقلت".(2/324)
من الوجل ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. فلولا أن كسرة واو "اطو" في الرتبة بعدها, لما قلبت ياء1 واو "اوجل". وذلك أن الكسرة إنما تقلب الواو لمخالفتها إياها في جنس الصوت, فتجتذبها2 إلى ما هي بعضه ومن جنسه وهو الياء, وكما أن هناك كسرة في الواو فهناك أيضًا الواو, وهي وفق الواو الثانية لفظًا وحسًّا, وليست الكسرة على قول المخالف أدنى إلى الواو الثانية من الواو الأولى؛ لأنه يروم أن يثبتهما جميعًا في زمان واحد, ومعلوم أن الحرف أوفى صوتًا وأقوى جرسًا من الحركة, فإذا لم يقل لك: إنها أقوى من الكسرة التي فيها, فلا أقل من أن تكون في القوة والصوت مثلها. فإذا كان كذلك لزم ألا تنقلب3 الواو الثانية للكسرة قبلها؛ لأن بإزاء الكسرة المخالفة للواو "الثانية الواو"4 الأولى الموافقة للفظ الثانية. فإذا تأدَّى الأمر في المعادلة إلى هنا ترافعت الواو والكسرة أحكامهما, فكأن لا كسرة قبلها5 ولا واو. وإذا كان كذلك لم تجد أمرًا تقلب له الواو الثانية ياء, فكان يجب على هذا أن تخرج الواو الثانية من "اطو اوجل" صحيحة غير معتلة7، لترافع ما قبلها من الواو والكسرة وأحكامهما؛ وتكافؤهما فيما ذكرنا.
لا، بل دلَّ قلب الواو الثانية من "اطو اوجل" ياء حتى صارت "اطو ايجل" على أن الكسرة أدنى إليها من الواو قبلها, وإذا كانت أدنى إليها كانت بعد الواو المحركة بها لا محالة.
فهذا إسقاط قول من ذهب إلى أنها تحدث "مع الحرف وقول من ذهب إلى أنها تحدث"7 قبله8؛ ألا تراها لو كانت الكسرة في باب "اطو" قبل الواو لكانت
__________
1 سقط في ش.
2 في د، هـ، ز: "فتجذبها".
3 في د، هـ، ز: "تقلب".
4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
5 في د، هـ، ز "قبلهما".
6 في الأشباه 1/ 167: "معلة".
7 سقط بين القوسين في ش. وثبت في د، هـ، ز.
8 في ش: "قبلها".(2/325)
الواو الأولى حاجزة بينها وبين الثانية, كما كانت ميم ميزان تكون أيضًا حاجزة بينهما -على ما قدمنا, فإذا بطل1 هذان ثبت قول صاحب الكتاب, وسقطت عنه فضول المقال.
قال أبو علي: يقوّي قول من قال: إن الحركة تحدث مع الحرف أن النون الساكنة مخرجها مع حروف2 الفم من الأنف, والمتحركة مخرجها من الفم, فلو كانت حركة الحرف تحدث من بعده لوجب أن تكون النون المتحركة أيضًا من الأنف. وذلك أن الحركة إنما تحدث بعدها, فكان ينبغي عنها شيئًا، لسبقها هي الحركتها.
كذا قال -رحمه الله- ورأيته معنيًّا بهذا الدليل, وهو عندي ساقط عن سيبويه وغير لازم له.
وذلك3 "أنه لا ينكر"4 أن يؤثِّر الشيء فيما قبله من قبل وجوده؛ لأنه قد علم أن سيرد فيما بعد. وذلك كثير.
فمنه أن النون الساكنة إذا وقعت بعدها الباء قلبت النون ميمًا في اللفظ, وذلك نحو: عمبر وشمباء في عنبر وشنباء, فكما لا يشك في5 أن الباء في ذلك بعد النون وقد قلبت النون قبلها, فكذلك لا ينكر أن تكون حركة النون الحادثة بعدها تزيلها عن الأنف إلى الفم, بل إذا كانت الباء أبعد من6 النون قبلها7 من حركة النون فيها وقد أثَّرت على بُعْدها ما أثرته كانت حركة النون التي هي أقرب
__________
1 في د، هـ: "أبطل".
2 في د، هـ، ز: "حرف".
3 في د، هـ، ز: "وذلك الظاهر".
4 في د، هـ، ز: "لأنا لا ننكر".
5 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.
6 في د، هـ، ز: "عن".
7 في د، هـ، ز: "قبلهما".(2/326)
إليها وأشدَّ التباسًا بها, أولى بأن تجذبها وتنقلها من الأنف إلى الفم. وهذا كما تراه واضح.
ومما غُيِّر متقدمًا لتوقّع ما يرد من بعده متأخرًا1 ضمَّهم همزة الوصل لتوقعهم الضمة بعدها؛ نحو: اقُتل2، ادخل, اُستضعف, اخُرج1، اُستخرج.
ومما يقوِّي عندي قول من قال: إن الحركة تحدث قبل الحرف, إجماع النحويين على قولهم2: إن الواو في يعدو ويزن ونحو ذلك, إنما حذفت لوقوعها بين ياء وكسرة. يعنون: في يوعد ويوزن ونحوه2 "لو خرج على أصله"3. فقولهم: بين ياء وكسرة يدلُّ على أن الحركة عندهم قبل حرفها المحرك بها, ألا ترى أنه لو كانت الحركة بعد الحرف كانت4 الواو في يوعد بين فتحة وعين, وفي يوزن بين فتحة وزاي. فقولهم: بين ياء وكسرة يدل على أن الواو في نحو5: يوعد, عندهم بين الياء التي هي أدنى إليها من فتحتها, وكسرة العين التي هي أدنى إليها من العين بعدها. فتأمَّل ذلك.
وهذا وإن كان من الوضوح على ما تراه, فإنه لا يلزم من موضعين: أحدهما أنه لا يجب أن تكون فيه دلالة على اعتقاد القوم فيما نسبه هذا السائل إلى أنهم مريدوه ومعتقدوه, ألا ترى أنَّ مَنْ يقول: إن الحركة تحدث بعد الحرف, ومن يقول: إنها تحدث مع الحرف, قد أطلقوا جميعًا هذا القول الذي هو قولهم: إن الواو حذفت من يعد ونحوه لوقوعها بين ياء وكسرة, فلو كانوا يريدون ما عزوته إليهم وحملته عليهم, لكانوا مناقضين, وموافقين لمخالفهم, وهم لا يعلمون. وهذا أمر مثله لا ينسب إليهم ولا يظن بهم.
__________
1 سقط في ش.
2 سقط في د، هـ، ز.
3 سقط ما بين القوسين في ش.
4 في د، هـ، ز: "لكانت".
5 سقط في د، هـ، ز.(2/327)
فإذا كان كذلك علمت أن غرض القوم فيه ليس ما قدّرته ولا ما تصوّرته, وإنما هو أن قبلها ياء وبعدها كسرة, وهما مستثقلتان. فأمَّا أن تماسّا الواو وتباشراها على ما فرضته وادعيته فلا. وهذا كثير في الكلام والاستعمال, ألا ترى أنك تقول: خرجنا فسرنا, فلما حصلنا بين بغداد والبصرة كان كذا. فهذا كما تراه قول1 صحيح معتاد, إلّا أنه قد يقوله من حصل يدير العاقول, فهو -لعمري- بين بغداد والبصرة, وإن كان أيضًا بين جرجرايا2 والمدائن, وهما أقرب إليه من بغداد والبصرة. وكذلك الواو في يوعد هي لعمري بين ياء وكسرة, وإن كان أقرب إليها منهما فتحة الياء والعين. وكذلك يقال أيضًا: هو3 من عمره ما بين الخمسين إلى الستين, فيقال ذلك فيمن له خمس وخمسون سنة4، فهي5 لعمري بين الخمسين والستين, إلّا أن الأدنى إليها الأربع والخمسون والست والخمسون. وهذا جلي غير مشكل. فهذا أحد الموضعين.
وأما الآخر فإن أكثر ما في هذا أن يكون حقيقة عند القوم, وأن يكونوا مريديه ومعتقديه, ولو أرادوه واعتقدوه6 وذهبوا إليه لما كان دليلًا على موضع الخلاف. وذلك أن هذا موضع إنما يتحاكم فيه إلى النفس والحسّ, ولا يرجع فيه إلى إجماع ولا إلى سابق سنة ولا قديم ملة, ألا ترى أنَّ إجماع النحويين في هذا ونحوه لا يكون حجة؛ لأن كل واحد منهم إنما يرُدُّك ويرجع بك فيه إلى "التأمل والطبع"7 لا إلى التبعية8 والشرع. هذا لو كان لا بُدَّ من أن يكونوا قد
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 كذا في ز. وفي ش: جرجرى". وجرجرايا. مدينة بين بغداد وواسط.
3 كذا في الأصول. وقد يكون: "ممن".
4 سقط في د، هـ، ز.
5 في د، ز: "وهي".
6 سقط في ش.
7 في د، هـ، ز: "تأمّل الطبع".
8 كذا في أشباه السيوطي 1/ 168. وفي ش، د، هـ، ز: "التقية".(2/328)
أرادوا ما عزاه السائل إليهم واعتقده لهم1. فهذا كلّه يشهد بصحة مذهب سيبويه في أن الحركة حادثة بعد حرفها المحرّك بها.
وقد2 كنا قلنا فيه قديمًا قولًا آخر مستقيمًا, وهو أن الحركة قد ثبت أنها بعض حرف. فالفتحة بعض الألف, والكسرة بعض الياء, والضمة بعض الواو. فكما أن الحرف لا يجامع حرفًا آخر فينشآن معًا في وقت واحد, فكذلك بعض الحرف لا يجوز أن ينشأ مع حرف آخر في وقت واحد؛ لأن حكم البعض في هذا جارٍ مجرى حكم الكل. ولا يجوز أن يتصوّر أن حرفًا من الحروف حدث بعضه مضامًّا3 لحرف وبقيته من بعده في غير ذلك الحرف, لا في زمان واحد ولا في زمانين. فهذا يفسد قول من قال: إن4 الحركة تحدث مع حرفها المتحرك5 بها أو قبله أيضًا, ألا ترى أن الحرف الناشئ عن الحركة لو ظهر لم يظهر إلّا بعد الحرف المحرّك بتلك الحركة, وإلا فلو كانت قبله لكانت الألف في نحو: ضارب, ليست تابعة للفتحة لاعتراض الضاد بينهما, والحس يمنعك ويحظر عليك أن تنسب إليه قبوله اعتراض معترض بين الفتحة والألف التابعة لها في2 نحو: ضارب وقائم, ونحو ذلك. وكذلك القول في الكسرة والياء, والضمة والواو إذا تبعتاهما. وهذا تناهٍ في البيان, والبروز إلى حكم العيان. فاعرفه. وفي بعض ما أوردناه "من هذا"6 كافٍ بمشيئة الله.
__________
1 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "واعتقدوه معتقدًا".
2 سقط في د، هـ، ز.
3 كذا في ش، ج وفي د، هـ، ز: "مضافًا".
4 في د، هـ، ز: "بأن".
5 في د، هـ، ز: "المحرّك".
6 سقط ما بين القوصين في د، هـ، ز.(2/329)
باب الساكن 1 والمتحرّك:
أمَّا إمام ذلك فإن أوّل الكلمة لا يكون إلّا متحركًا, وينبغي لآخرها أن يكون ساكنًا. فأمَّا الإشمام2 فإنه للعين دون الأذن. ولكن رَوم3 الحركة يكاد الحرف يكون به متحركًا, ألا تراك تفصل به بين المذكر والمؤنث في قولك في الوقف: أنتَ وأنتِ, فلولا أن هناك صوتًا لما وجدت فصلًا.
فإن قلت: فقد نجد من الحروف4 ما يتبعه في الوقف صوت وهو مع ذلك ساكن, وهو الفاء والثاء والسين والصاد, ونحو ذلك تقول في الوقف: اِفْ: اِثْ اِسْ اِضْ.
قيل: هذا القدر من الصوت إنما هو متمِّم للحرف ومُوَفٍّ له في الوقف. فإذا وصلت ذهب أو كاد, وإنما لحقه في الوقف لأنّ الوقف يضعف الحرف, ألا تراك تحتاج إلى بيانه فيه بالهاء نحو: وا غلاماه ووا زيداه ووا غلامهوه ووا غلامهيهْ. وذلك أنك لما أردت تمكين الصوت وتوفيته ليمتدَّ ويقوى في السمع, وكان الوقف يضعف الحرف ألحقت الهاء ليقع الحرف قبلها5 حشوًا فيبين ولا يخفى.
ومع ذلك, فإن هذا الصوت اللاحق للفاء والسين ونحوهما, إنما هو بمنزلة الإطباق في الطاء, والتكرير في الراء, والتفشي في الشين, وقوة الاعتماد الذي في اللام.
__________
1 في د، هـ، ز: "في المتحرك والساكن".
2 الإشمام ضمّ الشفتين بعد تسكين الحرف الأخير في الوقف على المضموم.
3 رَوْم الحركة: الإشارة للحركة بصوت خفي.
4 هي حروف الهمس، وانظر ص58 من الجزء الأول.
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "بعدها".(2/330)
فكما أنَّ سواكن هذه الأحرف إنما تكال في ميزان العروض الذي هو عيار الحسّ "وحاكم القسمة والوضع"1 بما تكال به الحروف السواكن غيرها, فكذلك هي أيضًا سواكن. بل إذا كانت الراء -لما فيها من التكرير- تجري مجرى الحرفين في الإمالة، ثم2 مع ذلك لا تعد في وزن الشعر إلّا حرفًا واحدًا, كانت هذه الأحرف التي إنما فيها تمام وتوفية لهذا أحجى بأن تعد حرفًا لا غير.
ولأبي علي -رحمه الله- مسألتان: طويلة قديمة, وقصيرة حديثة, كلتاهما في الكلام على الحرف المبتدأ أيمكن أن يكون ساكنًا أم لا. فقد غنينا بهما أن نتكلف نحن شيئًا من هذا الشرح في معناهما.
ثم3 من بعد ذلك أن المتحرّك على ضربين: حرف متحرك بحركة لازمة, وحرف متحرك بحركة غير لازمة. أمّا المتحرك بحركة لازمة فعلى ضربين أيضًا: مبتدأ, وغير مبتدأ. فالمبتدأ ما دام مبتدأ فهو متحرك لا محالة, نحو: ضاد ضرب, وميم مهدد. فإن اتَّصل أول الكلمة بشيء غيره فعلى قسمين: أحدهما أن يكون الأول معه كالجزء منه, والآخر أن يكون على أحكام المنفصل عنه.
الأوّل من هذين القسمين أيضًا على ضربين: أحدهما أن يقرّ الأول "على ما"4 كان عليه من تحريكه, والآخر أن يخلط5 في اللفظ به فيسكن على حدّ التخفيف في أمثاله من المتصل.
فالحرف الذي ينزل مع ما بعده كالجزء منه فاء العطف, وواوه ولام الابتداء, وهمزة الاستفهام.
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ش. وفي ج: "حاكم الطبع".
2 في د، هـ، ز: "ثم الإدغام" ولم يظهر وجهها.
3 سقط في د، هـ، ز.
4 في د، هـ، ز: "عمَّا".
5 كذ في د، هـ، ز. وفي ش: "يختلط".(2/331)
الأوّل من هذين كقولك: وَهُو الله, وقول ك: فهُوَ ما ترى, ولَهُو أفضل من عمرو, وأهِى عندك. فهذا الباقي1 على تحريكه كأن لا شيء قبله.
والقسم الثاني منهما قولك: وهْو الله, وقولك: "فهْوَ يوم القيامة من المحضَرين"2 ولهْو أفضل من عمرو، وقوله3:
وقمت للطيف مرتاعًا وأرَّقني ... فقلت أَهْي سَرَتْ أم عادني حُلُم
ووجه هذا أنَّ هذه الأحرف لمَّا كنَّ على حرف واحد وضعفن4 عن انفصالها, وكان ما بعدها على حرفين؛ الأول منهما مضموم أو مكسور, أشبهت في اللفظ ما كان على فَعُل أو فَعِل, فخفف أوائل هذه كما يخفَّف ثواني هذه5، فصارت "وَهُو" كعَضُد "وصار وَهْو كعَضْد"6 كما صارت "أهِي" كَعِلم، وصار "أَهْي" بمنزلة عَلْم. وأما قراءة أهل الكوفة "ثم ليقطع"7 فقبيح8 عندنا؛ لأن ثُمَّ" منفصلة يمكن الوقوف عليها, فلا تخلط بما بعدها فتصير معه كالجزء الواحد. لكن قوله: "فلينظر" حسن جميل؛ لأن الفاء حرف واحد, فيلطف عن انفصاله وقيامه برأسه.
وتقول على هذا: مررت برجل بطنه كَحْضَجْر9، تريد: كحِضَجْر, ثم تسكن الحاء الأولى10، لأن كَحِضَ بوزن عَلِم, فيجري هذا الصدر مجرى11 كلمة ثلاثية.
__________
1 في د، هـ، ز: "الباقي".
2 التلاوة في الآية: 61، من سورة القصص {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِين} .
3 انظر ص306 من الجزء الأول.
4 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "ضعفت".
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، "هذا".
6 سقط ما بن القوسين في ش.
7 أي: في قوله تعالى في الآية: 15، من سورة الحج: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظ} .
8 أي: فأمر قبيح.
9 الحضجر: السقاء الضخم.
10 سقط في د، هـ، ز، وثبت في ش. وسقوطه أولى.
11 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "بمنزلة".(2/332)
وأما أوّل الكلمة إذا لم يخلط بما قبله فمتحرك لا محالة على ما كان عليه قبل اتصاله به. وذلك قولك 1: أحمد ضرب, وأخوك دخل, وغلامك خرج. فهذا2 حكم الحرف المبتدأ.
وأمّا المتحرك غير المبتدأ فعلى ضربين: حشو وطرف. فالحشو كراء ضرب, وتاء قتل, وجيم رجل, وميم جمل, ولام علم. وأما الطرف فنحو: ميم إبراهيم, ودال أحمد, وباء يضرب، وقاف يغرق.
فإن قلت: قد3 قدّمت أن هذا مما تلزم حركته, وأنت تقول في الوقف: إبراهيم وأحمد ويضرب ويغرق, فلا تلزم الحركة, قيل: "اعتراض الوقف لا يحفل به ولا يقع العمل عليه"4, وإنما المعتبر بحال الوصل ألّا تراك تقول في بعض الوقف: هذا بكر, ومررت ببكر, فتنقل حركة الإعراب إلى حشو الكلمة, ولولا أن هذا عارض جاء به الوقف لكنت ممن يدعي أن حركة الإعراب تقع قبل الآخر, وهذا خطأ بإجماع.
ولذلك أيضًا كانت الهاء في "قائمه" بدلًا عندنا من التاء في "قائمة" لمَّا كانت إنما تكون هاء في الوقف دون الوصل.
فإن قلت: ولم جرت الأشياء في الوصل على حقائقها دون الوقف؟
"قيل: لأن"5 حال الوصل أعلى رتبة من حال الوقف, وذلك أن الكلام إنما وضع للفائدة, والفائدة لا تُجْنَى من الكلمة الواحدة, وإنما تُجْنَى من الجمل ومدارج القول، فلذلك6 كان حال الوصل عندهم أشرف وأقوم وأعدل من حال الوقف.
__________
1 سقط في ش.
2 في د، هـ، ز: "وهذا".
3 في د، هـ، ز: "فقد".
4 في ز: "أعراض الوقف لا تحفل بها، ولا يقع العمل عليها".
5 في ز: "وذلك أن".
6 في هـ: "فكذلك".(2/333)
ويدلك على أن حركة الآخر قد تعتد لازمة وإن كانت في الوقف مستهلكه أنك تقلب حرف اللين لها وللحركة قبله, فتقول: عصا, وقفا, وفتى1، ودعا, وغزا, ورمى, كما تقلبه وسطًا لحركته وحركة ما قبله نحو: دار, ونار, وعاب, وقال, وقام, وباع.
فإن قلت: فإن الجزم قد يدرك الفعل فيسكّن في الوصل نحو: لم يضرب أمس, واضرب غدًا, وما كان كذلك.
قيل: إن الجزم لمَّا كان ثانيًا للرفع وإعرابًا كالنصب في ذينك جرى الانتقال إليه عن الرفع مجرى الانتقال عن الرفع إلى النصب, وحمل الجزم في ذلك على النصب كما حمل النصب على الجزم في الحرف نحو: لن يقوما, وأريد أن تذهبوا, وتنطلقى. قال أبو علي: وقد كان ينبغي أن تثبت النون مع النصب لثبات الحركة في الواحد. فهذا2 فرق وعذر.
فهذه أحكام الحركة اللازمة.
وأمَّا غير اللازمة فعلى أضرب:
منها حركة التقاء الساكنين, نحو: قم الليل, واشدد الحبل. ومنها حركة الإعراب المنقولة إلى الساكن قبلها, نحو: هذا بَكُرْ, وهذا عَمُرْو, ومررت ببِكَرْ, ونظرت إلى عَمِرْو. وذلك أن هذا أحد أحداث الوقف فلم يكن به3 حفل. ومنها الحركة المنقولة لتخفيف الهمزة نحو قولك في مسألة: مَسَلة, وقولك في يلؤم: يَلُم, وفي يزئر: يَزِر, وقوله: {لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} 4 فيمن سكن5 وخفف5. وعلى ذلك قول
__________
1 في ش: "قنى" والأولى أن يقرأ علا، فتكون ألفه عن ياء.
2 في هـ، ز: "هذا".
3 في هـ، ز: "فيه".
4 آية 3، سورة الإخلاص.
5 أي: سكَّن الفاء وخفَّف الهمزة بنقل حركتها على الفاء وحذفها، وهذه القراءة رواية عن نافع.(2/334)
الله تعالى: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} 1 أصله: لكن أنا, ثم خفف فصار "لكنَ نَا"2, ثم أجرى غير اللازم مجرى اللازم, فأسكن الأوَّل وأدغم في الثاني, فصار لكنَّا.
ومن التقاء الساكنين أيضًا قوله:
وذي ولد لم يلده أبوان3
لأنه أراد: لم يلده, فأسكن اللام استثقالًا للكسرة, وكانت الدال ساكنة فحركها لالتقاء الساكنين. وعليه قولك الآخر:
ولكنني لم أجْدَ من ذلكم بدّا4
أي: لم أجِدْ, فأسكن الجيم وحرَّك الدال على ما مضى.
ومن ذلك حركات الإتباع, نحو قوله:
ضربًا أليما بِسبْت يَلْعَجُ الجلدا6
وقوله 7:
مشتبه الأعلام لمَّاع الخَفَقْ8
__________
1 آية 38، سورة الكهف.
2 رسم في الأصول "لكننا", والأقرب ما أثبته.
3 صدره:
عجبت لمولود وليس له أب
وهو ينسب إلى رجل من أزد السراة، وأراد بالمولود الذي ليس له أب عيسى -عليه الصلاة والسلام، وبذي الولد الذي لم يلده أبوان آدم -عليه السلام. انظر الخزانة 1/ 397، والكتاب 1/ 341، 2/ 258.
4 في التاج "وجد" البيت هكذا:
فو الله لولا بغضكم ما سببتكم ... ولكنني لم أجد من سبكم بدّا
وفيه عن القزاز أن "جد" بكسر الدال، ومقتضى ما في الكتاب 2/ 258 فتح الدال، كما ضبطته.
5 أي: عبد مناف بن ربع الهذلي. وانظر اللسان "جلد", وديوان الهذليين طبعة دار الكتب 2/ 38، والخزانة 3/ 174، والنوادر 30.
6 صدره:
إذا تجارب نوح قامتا معه
والسبت: الجلد المدبوغ يتخذ منه النعال، ولعجه: آلمه.
7 هو رؤبة، وانظر الخزانة 1/ 38.
8 قبله مطلع الأرجوزة:
وقانم الأعماق خاوي المخترق
والأعلام الجبال يهتدى بها، وقوله: "لماع الخفق" أي: يلمع عند خفق السراب، وهو اضطرابه وتحركه.
وانظر ص322 من هذا الجزء.(2/335)
وقوله1:
. . . . . . . . . لم يُنْظَرْ به الحشكُ
وقوله 2:
ماء بشرقيّ سلمى فَيْدُ أو رَكَكُ3
وقوله:
قضين حجّا وحاجات على عجل ... ثم استدرن إلينا ليلة النفر4
وقوله:
وحامل المِيَن بعد المِيَن والألَفِ5
__________
1 أي: زهير, والبيت بتمامه:
كما استغاث بسيّء فز غيطلة ... خاف العيون فلم ينظر به الحشك
والفز: ولد البقرة، والغيطلة: البقرة الوحشية، والسيء، ما استوى من الأرض. والحشد: احتماع اللبن في الضرع، ويرى بعض اللغويين أن التحريك فيه ضرورة, وهو في وصف فرص فرّت من غلام واستغاثت منه بما خاضته، كما استغاث هذا الفزّ.
2 أي: زهيرًا أيضًا في القصيدة التي منها الشعر السابق.
3 صدره:
ثم استمروا وقالوا إن موعدكم
وفيد ورك: ماءان بالبادية، ويرى أنه سأل الأصمعي أعرابها بالموضع الذي ذكره زهير: هل تعرف رككًا؟ فقال الأعرابي: قد كان هنا ماء يسمَّى ركا. وانظر تصريف المازني بشرحه المتصف 601 من التيمورية. والإتباع في هذا وما بعده في موافقة الحرف ما قبله في الحركة.
4 يشبه أن يكون هذا من شعر عمر بن أبي ربيعة، ولم أقف عليه في ديوانه, وله بيت من بحر آخر فيه تحريك النفر -والمراد: النفر من منى- وهو:
قد هاج حزني وعادني ذكرى ... يوم التقينا عشية النفر
5 صدره:
وكان حاملكم منا ورائدكم
و"المين" يريد: المئين, فحذف الهمزة, وترى المؤلف جعل الألف مفردًا، حركت اللام بحركة الهمزة. وفي اللسان "ألف ومأى" أنه أراد: الآلاف, فحذف الألف بعد الهمزة والألف بعد اللام للضرورة, وعليه فلا اتباع.(2/336)
وأما قول الآخر:
علّمنا أخوالنا بنو عِجِلْ ... الشغزبي واعتقالًا بالرجِلْ1
فيكون إتباعًا ويكون نقلًا. وقول طرفة:
. . . . . . . . . ورادًا وشقر2
ينبغي أن يكون إتباعًا, يدلك على ذلك أنه تكسير أشقر وشقراء, وهذا قد يجيء فيه المعتل اللام "نحو: قُنْو3 وعُشْو وظُمْى وعُمْى, ولو كان أصله فُعُلا لما جاء في المعتل4"؛ ألا ترى أن ما كان من تكسير فَعِيل وفَعُول وفَعالِ وفِعالٍ, مما لامه معتلة لا يأتي على فُعُل. فلذلك لم يقولوا في كِساءِ: كُسْوٌ, ولا في رِداء: رُدْيٌ, ولا في5 صبيّ: صُبْوٌ, ولا نحو ذلك؛ لأن أصله فُعُل. وهي اللغة الحجازية القويّة. وقد جاء شيء من ذلك شاذًّا, وهو ما6 حكاه من قولهم: ثنيّ وثُنٍ. وأنشد الفراء:
فلو ترى فيهن سر العتق ... بين كماتيّ وحوّ بلق7
"فهذا جمع فلوّ"8 وكلا ذينك شاذّ.
__________
1 في العيني على هامش الخزانة 4/ 567 أن أبا عمرو سمع أبا سرار الغنوي ينشد هذا البيت. وانظر النوادر 30. والثغزبي: ضرب من المصارعة.
2 قبله مع تمام بينه:
نمسك الخيل على مكروهها ... حين لا يمسكها إلا الصبر
حين نادى الحي لما فزعوا ... ودعا الداعي وقد لجّ الذعر
أيها الفتيان في مجلسنا ... جرّدوا منها وروادًا وشقر
وترى الحديث عن الخيل. والوراد جمع المورد، وهو الأحمر كلون الورد, وقوله: "جردوا" أي: ألقوا عنها الجلال وأسرجوها؛ ليركبها الفرسان. وانظر الديوان 70.
3 جمع أقنى وقنوا: وصفان من قنا الأنف، وهو ارتفاع أعلاه واحد يداب وسطه.
4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
5 سقط في ش.
6 كأنه يريد سيبويه, وفي الكتاب 2/ 208: "ومثل ذل من بنات الياء ثني وثن".
7 الفلق جمع الفلق, والفلو: المهر الصغير. والكماني جمع الأكمت في معنى الكميت وإن لم يلفظ بلواحد، وهو الأحمر، والعتق: كرم الأصل، والحق: العمودة.
8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.(2/337)
ومثله ما أنشده أيضًا في قول الشاعر:
أسلمتموها فباتت غير طاهرة ... منى الرجال على الفخذين كالموم1
فكسر مِنيّا على مُنْى, ولا يقاس عليه. وإنما ذكرناه لئلّا يجيء به جاءٍ فترى أنه كسر للباب.
ومن حركات2 الإتباع قولهم: أنا أجوءك وانبؤك, وهو مُنْحُدُر من الجبل, ومِنْتن ومِغِيرة, ونحو "من ذلك"3 باب شِعير ورِغيف, وبِعير والزِئير, والجنة لمن خاف وعيد الله. وشبهت4 القاف بالخاء لقربها منها فيما حكاه أبو الحسن من قولهم: النِقِيذ كما شبِّهت الخاء5 والغين بحروف الفم حتى أخفيت النون معهما في بعض اللغات, كما تخفى مع حروف الفم. وهذا في فَعيل مما عينه حلقية مطّرد. وكذلك، فَعِل نحو: نَغِر6 ومِحك جئز7 وضحك، و {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} 8. وقريب من ذلك الحمدُ للهُ, والحمدِ للهِ, وقِتِّلوا وفِتِّحوا, وقوله 9:
تدافُعَ الشِيبِ ولم تِقِتّل10
__________
1 من أبيات لحسان يهجو بها بني المغيرة بن مخزوم, وقبله:
هلا منعتم من المخزانة أمكم ... عند الثنية من عمرو بن يحموم
ورواية الديوان: "ماء الرجال" والموم: الشمع.
2 انظر في هذا الأمثلة الكتاب 2/ 255 وما بعدها. وانظر أيضًا ص145 من هذا الجزء.
3 كذا في ز،. وفي ش: "قولك".
4 انظر ص366 من الجزء الأول.
5 في ش: "الحاء".
6 يقال: رجل نغر: يغلي صدره من الغيرة، وفي الكتاب 2/ 255: "غير نعر" والنعر: الذي تدخل النعر - على وزن لمزة- في أنفه, وهي ذباب أزرق العين.
7 يقال: جئز بالماء - من باب فرح- فهو جئز: غصّ به.
8 آية 58 سورة النساء.
9 أي: أبا النجم. وانظر الخزانة 1/ 401, والفوائد الأدبية 66.
10 من أرجوزته الطويلة, وقبله في وصف الإبل:
تثير أيديها عجاج القسطل ... إذ عصبت بالعطن المغربل
عصبت: دارت وأحاطت. والعطن: مبرك الأبل عند الماء. والمغربل لكثيرة الحركة عنده، وقوله: "تدافع الشيب" أي أن هذه الإبل تتزاحم كما يتزاحم الشيوخ, وهم لحلمهم يتجنبون القتال. فلذلك قال: "ولم تقتل"، وأصله: لم تقتتل.(2/338)
وقوله 1:
لا حِطِّبَ القومَ ولا القوم سقى2
ومن غير اللازم ما أحدثته همزة التذكّر نحو: أَلِيَ وقَدِيَ. فإذا وصلت سقطت؛ نحو: الخليل, وقد قام. ومن قرأ: {اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ} 3 قال في التذكير: اشترووا, ومن قرأ: "اشتروِا الضلالة" قال في التذكر: اشتروِى, ومن قرأ4: {اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ} قال في التذكر: اشتَرَوْا, ومن قال: "اشترو5 الضلالة" قال في التذكر: اشتَرَوا.
فهذه طريق هذه الحركات في الكلام.
وأما الساكن فعلى ضربين: ساكن يمكن تحريكه, وساكن لا يمكن تحريكه.
الأول منهما جميع الحروف إلّا الألف الساكنة المدّة, والثاني هو هذه6 الألف, نحو: ألف كتاب وحساب وباع وقام.
والحرف الساكن الممكن تحريكه على ضربين: أحدهما ما يبنى على السكون, والآخر ما كان متحركًا ثم أسكن.
الأول منها يجيء أولًا وحشوًا وطرفًا.
فالأول ما لحقته في الابتداء همزة الوصل, وتكون في الفعل نحو انطلق واستخرج واغدودن, وفي الأسماء العشرة: ابن7 وابنة وامرئ وامرأة واثنين
__________
1 أي: الشماخ. وانظر اللسان "حطب" والديوان 107.
2 قبله:
خب جروز وإذا جاع بكى
الخبّ: اللئيم. والجروز: الأكول، ويقال: احتطب للقوم: جمع لهم الخطب، وقد عدَّى الفعل هنا، وقد ورد في اللسان: "حطب القوم" من الثلاثي.
3 آية: 16، سورة البقرة.
4 كذا في ش. وفي د، ز: "قال".
5 حذفت ألف: اشتروا هنا للدلالة على حذفه في النطق.
6 في د، هـ، ز: "هذا".
7 في د، هـ، ز: "نحو: ابن".(2/339)
واثنتين "واسم واست"1 وابنم وايمن. وفي المصادر؛ نحو: انطلاق واستخراج واغديدان, وما كان مثله. وفي الحروف2 في لام التعريف؛ نحو: الغلام والخليل.
فهذا حال الحرف الساكن إذا كان أولًا.
وأما كونه حشوًا فككاف بكر, وعين جعفر, ودال يدلف. وكونه أخِرًا في نحو: دال قد, ولام هل. فهذه الحروف الممكن تحريكها؛ "إلّا أنها"3 مبنية على السكون.
وأمَّا ما كان متحركًا ثم أسكن فعلى ضربين: متصل ومنفصل, فالمتصل: ما كان ثلاثيًّا مضموم الثاني أو مكسوره, فلك فيه الإسكان تخفيفًا. وذلك كقولك4 في عَلم: قد عَلْمَ, وفي ظُرف: قد ظَرْف, وفي رَجُل رَجْل, وفي كِبد: كبْد. وسمعت الشجري وذكر طعنة في كتف فقال: الكتفية, وأنشد البغداديون:
رَجْلان من ضَبَّة أخبرانا ... إنا رأينا رجلًا عُريانا5
وقد سمع شيء من هذا الإسكان في المفتوح؛ قال الشاعر6:
وما كل مبتاع ولو سلف صفقه ... يراجع ما قد فاته برداد7
وقد8 جاء هذا فيما كان على أكثر من ثلاثة أحرف9؛ قال العجاج:
فبات منتصبًا وما تكردسا
__________
1 سقط ما بين القوسين في ز.
2 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "الخرف".
3 كذا في ز، وفي ش: "لأنها".
4 في د، هـ، ز: "قولك".
5 تكلم على هذا الرجز البغدادي في شرح شواهد المغني 2/ 659، ولم يعزه.
6 سقط في ش، والشاعر هو الأخطل. وانظر شرح شواهد الشافية 18.
7 سلف صفقه: وجب بيعه. "يراجع" كذا في ش. وفي ز: "يراجع" وهما روايتان، والرداد -بفتح الراء وكسرها- اسم من الاستراداد، وانظر الديوان 137.
8 في د، هـ، ز قبل هذا بعد البيت: "وقد ذكرته في كتابي في شرح تصريف المازني، وقال الآخر".
9 سقط في د، هـ، ز.(2/340)
وحكى صاحب الكتاب: أراك منتفخًا, وقالوا في قول العجاج:
بسَبْحل الدَّفَّين عيسجور1
أراد: سِبَحْل, فأسكن الباء وحرَّك الحاء وغيَّر حركة السين, وقال أبو عثمان في قول الشاعر:
هل عرفت الدار أم أنكرتها ... بين تبراك فشسى عَبَقُرْ2
أراد: عبْقَر, فغيَّر كما ترى إلّا أنه حرَّك الساكن, وقال غيره: أراد: عَبَيقُر, فحذف الياء كما حذفت من عَرَنْقُصان3 حتى صارت عَرَقُصانا, وكذلك قوله:
لم يلده أبوان, قد جاء فيه التحريك والتسكين جميعًا. وكذلك قوله:
ولكنني لم أجد من ذلكم بدًّا
وقد مضيا آنفًا.
وأمَّا المنفصل, فإنه شُبِّه بالمتصل, وذلك قراءة بعضهم "فَإِذَا هِيَ تَلْقَّفُ"5 "فَلَاتَّتَنَاجَوْا"6 فهذا مشبه بداية وخدب. وعليه قراءة بعضهم "إِنَّهُ مَنْ يَتَّقْ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ"7 وذلك أن قوله "يتَقِ وَ"8 بوزن عَلِمَ فأسكن، كما يقال: عَلْم, وأنشدوا:
ومن يَتَّقْ فإن الله معه ... ورزق الله مؤتاب وغاد9
__________
1 هذا في وصف ناقة. ردناها: جانباها. وسبحل الفين: عظيمتهما، والعيسجور: الكريمة النسب.
2 انظر ص282 من الجزء الأول.
3 في الأصول: "عربقصان" والأنسب بعرقصان ما أثبت، فإن المعروف فيه فتح العين والراء, وذلك وارد في عرنقصان بالنون، فأمَّا بالياء فعلى صيغة المصغّر وهو نبات. وانظر اللسان في المادة.
4 في د، هـ، ز: "كذلك".
5 انظر في هذه القراءة ص95 من الجزء الأول.
6 آية: 9، سورة المجادلة. وهذه قراءة ابن محيصن.
7 آية: 90، سورة يوسف. وهذه القراءة لم أقف عليها في هذه الآية، وإنما قرأ حفص: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ} في الآية 2 من سورة النور بسكون القاف.
8 هو "تق" من: يتق، و, او العطف من قوله. "ويصبر".
9 انظر ص307 من الجزء الأول.(2/341)
لأن "يَتقِ ف " بوزن عَلِم, وأنشد أبو زيد:
قالت سليمى اشتر لنا سويقًا1
لأن "تَراَ " كعلم, ومنها:
فاحذَرْ ولا تكتَرْ كرِيّا أعوجا2
وأما {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} و {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} فرواها القراء3 عن أبي عمرو بالإسكان, ورواها سيبويه بالاختلاس, وإن لم يكن كان أزكى فقد كان أذكى, ولا كان بحمد الله مُزَنّا برِيبة, ولا مغموزًا في رواية. لكن5 قوله:
فاليوم أشربْ غير مستحْقِب
وقوله:
وقد بدا هَنْكِ من المئزر
وقوله:
سيروا بني العمِّ فالأهوازُ منزلُكم ... ونهر تيرى ولا تعرفكم العربُ
فمسكّن كله, والوزن شاهد ومصدقه.
__________
1 بعده:
وهات برّ البخس أو دقيقا
البخص: الذي يزرع بماء السماء, وهذا من رجز ينسب للعذافر الكندي، وانظر شواهد الشافية 226.
2 بعده:
علجا إذا ساق بنا عفنججا
وفي شواهد الشافية 225: "أهوجا" في موضع "أعوجا" والعفنجج: الضخم الأحمق.
3 انظر ص73 من الجزء الأول.
4 سقط في ش: والحديث عن سيبويه.
5 انظر في هذا وما بعده ص75 من الجزء الأول.(2/342)
وأمَّا دفع أبي العباس ذلك فمدفوع وغير ذي مرجوع إليه1. وقد قال أبو علي في ذلك في عدة أماكن من كلامه وقلنا نحن "معه ما"2 أيّده وشدّ منه. وكذلك قراءة من قرأ: "بَلَى وَرُسْلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ"3 وعلى ذلك قال الراعي:
تأبى قضاعة أن تعرف لكم نسبا ... وابنا نزار فأنتم بَيْضة البلد
فإنه أسكن المفتوح, وقد روى "لا تعرفْ لكم" فإذا كان كذلك4 فهو أسهل؛ لاستثقال الضمة. وأما قوله:
ترّاك أمكنة إذا لم أرضها ... أو يرَتَبْط بعض النفوس حمامها5
فقد قيل فيه: إنه يريد: أو يرتبط على معنى "لألزمنه أو يعطيني حقي", وقد يمكن عندي أن يكون "يرتبط" معطوفًا على "أرضها", أي ما دمت حيًّا فإني لا أقيم, والأول أقوى معنى.
وأما قول أبي دواد:
فأبلوني بليَّتَكم لعلي ... أُصالُحكم وأستدرِجْ نَوَيّا6
فقد يمكن أن يكون أسكن المضموم تخفيفًا واضطرارًا, ويمكن أيضًا أن يكون معطوفًا على موضع لعل7؛ لأنه "مجزوم جواب الأمر"8، كقولك: زرني فلن أضيعك9 حقك وأعطك ألفًا؛ أي: زرني أعرف حقك وأعطِك ألفًا.
وقد كثر إسكان الياء في موضع النصب كقوله:
يا دار هند عفت إلّا أثافيها
__________
1 ثبت في ز. وسقط في ش.
2 في د، هـ، ز: "فيه بما".
3 آية: 80، سورة الزخرف، وتسكين السين قراءة أبي عمرو.
4 في د، هـ، ز: "كذا".
5 انظر ص75 من الجزء الأول.
6 انظر ص177 من الجزء الأول.
7 كذا في ش، وفي ز، ج: "لعل".
8 كذا في ش، ز، وفي ج: "في محل جزم على جواب الأمر".
9 في د، هـ، ز: "أضبع".(2/343)
وهو كثير جدًّا, وشبّهت الواو في ذلك بالياء كما شبهت الياء بالألف, قال الأخطل:
إذا شئت أن تلهو ببعض حديثها ... نزلن وأنزلن القطين المولّدا1
وقال الآخر 2:
فما سوَّدتني عامر عن وراثة ... أبى الله أن أسمو بأم ولا أب2
وقول الآخر 4:
وأن يعرين إن كسى الجواري ... فتنبو العين عن كرم عجاف5
__________
1 هذا في الحديث عن نسوة يشبب بهنّ, والقطين: الخدم والأتباع. يقول: إذا أردت الاستمتاع بحديثهن وهنّ سائرات في هوادجهن نزلن، ونزل معهنّ الخدم. وفي رواية الديوان 91، والخزانة 3/ 529: "رفعن" في مكان "نزلن", أي: رفعن في السير وعجلن، أو رفعن السجف.
2 هو عامر بن الطفيل. وانظر الخزانة 3/ 527، والكامل 2/ 176.
3 "فما" كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "وما" وهما روايتان. وانظر الخزانة في الموطن السابق.
4 كذا في ز، وفي ش: "قول".
5 انظر ص294 من هذا الجزء.(2/344)
باب في مراجعة الأصل الأقرب دون الأبعد:
هذا موضع1 قلَّما وقع تفصيله, وهو معنًى يجب أن ينبه عليه، ويحرر2 القول فيه. ومن ذلك قولهم في ضمة الذال من قولك: ما رأيته مذ اليوم؛ لأنهم يقولون في ذلك: إنهم لما حركوها لالتقاء الساكنين لم يكسروها, لكنهم ضموها؛ لأن أصلها الضم في منذ. وهو3 هكذا لعمري, لكنه الأصل الأقرب؛ ألا ترى أن أوّل حال هذه الذال أن تكون ساكنة، وأنها إنما ضمّت لالتقاء الساكنين إتباعًا لضمة
__________
1 في د، هـ، ز: "معنى", وفي الأشباه: "موضع بحث".
2 كذا في ز. وفي ش: "يتحرز" وهو تحريف عن "يتحرر".
3 سقط في ش.(2/344)
الميم. فهذا1 على الحقيقة هو الأصل الأول. فأما ضمّ ذال منذ فإنما هو في الرتبة بعد سكونها الأول المقدر. ويدلّك2 على أن حركتها إنما هي لالتقاء الساكنين أنه لما زال التقاؤهما سكنت الذال فلي مذ. وهذا واضح. فضمَّتك الذال إذًا من قولهم: مذُ اليوم, ومذُ الليلة, إنما هو ردٌّ إلى الأصل الأقرب الذي هو "مُنْذُ", دون الأبعد المقدَّر الذي هو سكون الذال في "مُنْذُ" قبل أن يحرك فيما بعده.
ولا يستنكر3 الاعتداد بما لم يخرج إلى اللفظ؛ لأن الدليل إذا قام على شيء كان في حكم الملفوظ به, وإن لم يجر على ألسنتهم استعماله, ألا ترى إلى قول سيبويه في سودد 4: إنه إنما ظهر تضعيفه لأنه ملحق بما لم يجئ. هذا وقد علمنا أن الإلحاق إنما هو صناعة لفظية, ومع هذا فلم يظهر ذاك الذي قدره ملحقًا هذا به, فلولا أن ما يقوم الدليل عليه مما لم يظهر إلى النطق به5 بمنزلة الملفوظ به لما ألحقوا سُرْدَدا وسُودَدا6 بما لم يفوهوا7 به، ولا تجشموا استعماله.
ومن ذلك قولهم: بعت وقلت, فهذه معاملة على الأصل الأقرب دون الأبعد، ألا ترى أن أصلهما فعل بفتح8 العين: بَيعَ وقَوَل, ثم نقلا فَعَل إلى فِعْل
__________
1 في د، هـ، ز: "وهو".
2 في د، هـ، ز: "يدل".
3 في د، هـ، ز: "تستنكر".
4 كذا في ش، وفي ز: "سردد", وسردد: موضع. وابن جني يريد أن سوددا -بفتح الدال الأولى- ملحق؛ إذ لولا هذا لجرى فيه الإدغام، ولا يثبت البصر يرون من أوزان الرباعي فعللا -بفتح اللام الأولى- حتى يلحق به, فمن ثَمَّ جعل ابن جني سيبويه إذ يقول بالإلحاق في نحو: سودد, يقول بالإلحاق بما لم يستعمل, وسيبويه في الكتاب 2/ 401 يجعل فعددا -ومثله سودد- ملحقًا بجندب وعنصل، وهما مزيدان. ومعنى هذا أن الإلحاق عند سيبويه يجوز أن يكون بالمزيد، وعلى هذا يكون سودد ملحقًا بما جاء واستعمل.
5 سقط في د، هـ، ز.
6 سقط في د، هـ، ز.
7 في د، هـ، ز: "يتفوّهوا".
8 في د، هـ، ز: "بفتحة".(2/345)
وفَعُل ثم قلبت الواو والياء في فعلت ألفًا1، فالتقى ساكنان: العين المعتلة المقلوبة ألفًا ولام الفعل, فحذفت العين لالتقائهما, فصار التقدير: قَلْت وبَعْت, ثم نقلت الضمة والكسرة إلى الفاء؛ لأن أصلهما قبل القلب فَعُلت وفَعِلت, فصار بِعت وقُلْت. فهذا2 -لعمري- مراجعة أصل، إلا أنه ذلك3 الأصل الأقرب لا الأبعد؛ ألا ترى أن أوّل4 أحوال هذه العين في صيغة5 المثال إنما هو فتحة العين التي أبدلت منها الضمة والكسرة. وهذا واضح.
ومن ذلك قولهم في مطايا وعطايا: إنهما لما أصارتهما الصنعة إلى مطاءا وعطاءا أبدلوا الهمزة على أصل ما في الواحد "من اللام"6 وهو الياء في مِطيّة وعطيّة, ولعمري إن لاميها ياءان, إلا أنك تعلم أن أصل7 هاتين الياءين واوان؛ كأنهما "في الأصل"8 مِطيَوة وعَطيَوة؛ لأنهما من مطوت وعطوت, أفلا تراك لم تراجع أصل الياء فيهما, وإنما لاحظت ما معك في9 مطية وعطية من الياء, دون أصلهما الذي هو الواو.
أفلا ترى إلى هذه المعاملة كيف هي مع الظاهر الأقرب إليك دون الأول الأبعد عنك. ففي هذا تقوية لإعمال الثاني من الفعلين؛ لأنه هو الأقرب إليك دون الأبعد عنك. فاعرف هذا.
وليس كذلك صرف ما لا ينصرف, ولا إظهار التضعيف؛ لأن هذا هو الأصل الأول على الحقيقة, وليس وراءه أصل, هذا أدنى إليك منه كما كان فيما
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 في د، هـ: "وهذا".
3 في د، هـ، ز: "مع ذلك".
4 سقط في ش.
5 في د، هـ، ز: "صنعة".
6 سقط في ش.
7 سقط في د، هـ، ز.
8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
9 في د، هـ، ز: "من".(2/346)
أريته1 قبل. فاعرف بهذا ونحوه حال ما يرد عليك مما هو مردود إلى أول وراءه2 ما هو أسبق رتبة منه, وبين ما يرد إلى أول ليست وراءه "رتبة متقدمة"3 له.
__________
1 في د، هـ، ز: "أريناه".
2 كذا في ز. وفي ش: "دونه".
3 في ش: "مقدمة".(2/347)
باب في مراجعة أصل واستئناف فرع:
اعلم أن كل حرف غير منقلب احتجت إلى قلبه فإنك حينئذ ترتجل له فرعًا ولست1 تراجع به أصلًا.
من ذلك الألفات غير2 المنقلبة الواقعة أطرافًا3 للإلحاق أو للتأنيث أو لغيرهما من الصيغة لا غير.
فالتي للإلحاق كألِف أرطى فيمن قال: مأروط4 وحبنطي ودَلَنظى, والتي للتأنيث كألف سكرى وغَضْبَى وجُمَادى, والتي للصيغة لا غير كألف ضَبَغْطَرى وقَبَعْثَرى وزِبَعْرًى. فمتى احتجت إلى تحريك واحدة من هذه الألفات للتثنية أو الجمع قلبتها ياء فقلت: أَرطَيانٍ وحَبَنْطَيانٍ وسكريان وجُمَادَيات وحُبَارَيات وضَبَغْطَرَيان وقبعثريان, فهذه الياء فرع مرتجل، وليست5 مراجعًا بها أصل6؛ ألا ترى أنه ليس واحدة منها منقلبة أصلًا لا عن ياء ولا غيرها.
وليست كذلك الألف المنقلبة كألف مغزى ومَدْعى؛ لأن هذه منقلبة عن ياء منقلبة عن واو في غزوت ودعوت وأصلهما7 مَغْزَوٌ، ومدْعَوٌ, فلما وقعت الواو
__________
1 في ش: "مقدمة".
2 في د، هـ، ز: "لست" بدون حرف العطف.
3 في ز: "الغير".
4 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "طرفا".
5 يقال: أديم مأروط؛ أي مدبوغ بورق الأرطي، وهو شجر، ووزن أوطي على هذا فعلي؛ إذ كان الهمزة الأولية أصلية, ومن العرب من يقول: أديم مرطي؛ فوزن أرطي على هذا أفعل, فتكون الألف أصلية.
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "لست.... أصلًا".
7 في د، هـ، ز: "فأصلهما".(2/347)
رابعة هكذا قلبت ياء, فصارت مَغْزَيٌ ومَدْعَيٌ, ثم قلبت الياء ألفًا فصارت مَدْعًى ومَغْزًى, فلمَّا احتجت إلى تحريك هذه الألف "راجعت بها الأصل"1 الأقرب وهو الياء, فصارتا ياء في قولك: مغزيان ومدعيان.
وقد يكون الحرف منقلبًا فيضطرّ إلى قلبه, فلا تردَّه إلى أصله الذي كان منقلبًا عنه, وذلك قولك في حمراء: حمراوي وحمراوات2. وكذلك صفراوي وصفراوات2. فتقلب الهمزة واوًا, وإن كانت منقلبة عن ألف التأنيث، كالتي في نحو3: بشرى وسكرى. وكذلك أيضًا إذا نسبت إلى شقاوة فقلت: شقاوي. فهذه الواو في "شقاوي" بدل من همزة مقدرة, كأنك لما حذفت الهاء فصارت الواو طرفًا أبدلتها همزة, فصارت في التقدير إلى شقاء, فأبدلت الهمزة واوًا فصار "شقاوي". قالوا إذًا في "شقاوي" غير الواو في "شقاوة". ولهذا نظائر في العربية كثيرة.
ومنها قولهم في الإضافة إلى عدوة: عدوي. وذلك أنك لما حذفت الهاء حذفت له4 واو فَعُولة؛ كما حذفت لحذف تاء حنيفة ياءها, فصارت في التقدير إلى "عَدُوٍ" فأبدلت من الضمة كسرة, ومن الواو ياء فصارت إلى "عَدِيٍ"5 فجرت في ذلك مجرى عَم, فأبدلت من الكسرة فتحة, ومن الياء ألفًا, فصارت إلى "عَدًا" كهُدًى. فأبدلت من الألف واوًا لوقوع ياءي الإضافة بعدها, فصارت إلى6 "عَدَوِيّ"
__________
1 في د، هـ، ز: "رجعت بها إلى الأصل".
2 أي: في جمع حمراء وصفراء. وحمراء وصفراء وصفين لا يجمعان بالألف والياء عند جمهور النحويين, فإن كانتا علمين جاز جمعهما هذا الجمع بلا خلاف.
3 سقط في ش.
4 في د، هـ، ز: "لها".
5 في الأصول عدا ط، "عد" والأجود ما أثبت.
6 سقط هذا الحرف في ش، ز.(2/348)
كهُدَويّ. فالواو إذًا1 في عَدَوِيّ ليست بالواو في عدُوَّة, وإنما هي بدل من ألف بدلٍ من ياء بدلٍ من الواو الثانية في عَدُوّة. فاعرفه.
__________
1 سقط في ش.(2/349)
باب فيما يراجع من الأصول مما لا يراجع:
اعلم أن الأصول المنصرف عنها إلى الفروع على ضربين: أحدهما ما إذا احتيج إليه جاز أن يراجع. والآخر ما لا تمكن مراجعته؛ لأن العرب انصرفت عنه فلم تستعمله.
الأول منهما: الصرف الذي يفارق الاسم لمشابهته الفعل من وجهين, فمتى احتجت إلى صرفه جاز أن تراجعه فتصرفه, وذلك كقوله1:
فلتأتينكَ قصائدٌ وليدفعًا ... جيشًا إليك قوادم الأكوار2
وهو باب واسع.
ومنه إجراء المعتل مجرى الصحيح؛ نحو قوله 3:
لا بارك الله في الغواني هل ... يصبحن إلا لهن مطلب
وبقية الباب.
ومنه إظهار التضعيف؛ كلححت4 عينه, وضبب البلد, وألِلَ السقاء, وقوله:
الحمد لله العليّ الأجلل
وبقية الباب.
__________
1 أي: النابغة. وانظر الخزانة 3/ 68.
2 من قصيدة يتوّعد فيها زرعة بن عمرو الكلابي يتهدده بقصائد الهجو، وبالحرب، والأكوار جمع الكور -بالضم- وهو الرحل. وقوله: ليدفعا جيشًا، في د، هـ، ط: "ليوكبن جيش".
3 أي: ابن قيس الرقيات. وانظر ص 263 من الجزء الأول.
4 انظر في تفسير هذه الألفاظ ص330 من الجزء الأول.(2/349)
ومنه قوله:
سماء الإله فوق سبع سمائيا1
ومنه2 قوله:
أهبني3 التراب فوقه إهبايا
وهو كثير.
الثاني 4 منهما: وهو ما لا يراجع من الأصول عند الضرورة, وذلك كالثلاثي المعتل العين نحو: قام وباع وخاف وهاب وطال, فهذا مما لا يراجع أصله أبدًا, ألا ترى أنه لم يأت عنهم5 في نثر ولا نظم شيء منه مصححًا, نحو: قوم ولا بيع ولا خوف ولا هيب ولا طول, وكذلك مضارعه نحو: يقوم ويبيع ويخاف ويهاب ويطول. فأما ما حكاه بعض الكوفيين من قولهم: هيؤ الرجل من الهيئة, فوجهه أنه خرج مخرج المبالغة, فلحق بباب قولهم: قضوا الرجل إذا جاد قضاؤه, ورمو إذا جاد رميه. فكما6 بني فَعُل مما لامه ياء كذلك خرج هذا على أصله في فَعُلَ مما عينه ياء. وعلتهما جميعًا أن هذا بناء لا يتصرف7 لمضارعته -بما فيه من المبالغة- لباب التعجب ولنعم وبئس. فلما لم يتصرف7 احتملوا فيه خروجه في هذا الموضع مخالفًا للباب, ألا تراهم إنما تحاموا أن يبنوا فَعُل مما عينه ياء مخافة انتقالهم من الأثقل إلى ما هو أثقل منه؛ لأنه كان يلزمهم أن يقولوا: بُعْتُ أبوع, وهو يبوع, ونحن نبوع، وأنت -أو هي- تبوع، وبوعا وبوعوا وبوعي, وهما يبوعان, وهم يبوعون, ونحو ذلك. وكذلك لو جاء فَعُل مما لامه ياء متصرفًا للزم أن يقولوا: رمُوتُ ورَمُوتَ, وأنا أرمو, ونحن نرمو, وأنت ترمو, وهو يرمو, وهم يرمون, وأنتما ترموان, وهن يرمون, ونحو ذلك, فيكثر قلب الياء واوًا، وهو8 أثقل من الياء.
__________
1 انظر ص212 من الجزء الأول.
2 سقط في ط، وهو أسوغ.
3 يقال: أهبى الفرس التراب: أثاره.
4 خبره محذوف، أي: هذا موضوع الكلام عليه.
5 في ش: "عندهم".
6 في د، هـ، ز: "كما".
7 في د، هـ، ز: "ينصرف".
8 في ز: "هي".(2/350)
فأما قولهم: لرمُوَ الرجل فإنه لا يصرف ولا يفارق موضعه هذا, كما لا يتصرف نعم وبئس, فاحتمل ذلك1 فيه لجموده عليه, وأمنهم تعدّيه إلى غيره. وكذلك احتمل هيؤ الرجل ولم يعل؛ لأنه لا يتصرف لمضارعته بالمبالغة فيه باب التعجب ونعم وبئس, ولو صرّف للزم إعلاله وأن يقال 2: هاء يهوء وأهوء وتهوء ونهوء, وهما يهوءان, وهم يهوءون, ونحو ذلك, فلمَّا لم يتصرف لحق بصحة الأسماء, فكما صحَّ نحو: القود والحوكة والصيد والغيب, كذلك صحّ هيؤ الرجل -فاعرفه3- كما صحَّ ما أطوله وما4 أبيعه, ونحو ذلك.
ومما لا يراجع من الأصول باب افتعل إذا كانت فاؤه صادًا أو ضادًا أو طاء أو ظاء, فإن تاءه تبدل5 طاء نحو: اصطبر واضطرب6 واطرد واظطلم7. وكذلك إن كانت فاؤه دالًا أو "ذالًا"8 أو زايًا, فإن تاءه تبدل دالًا. وذلك نحو قولك8: أدلج وادكر وازدان, فلا9 يجوز خروج هذه التاء على أصلها. ولم يأت ذلك في نثر ولا نظم. فأما ما حكاه خلف -فيما أخبرنا به أبو علي- من قول10 بعضهم: التقطت النوى واشتقطته واضتقطته, فقد يجوز أن تكون الضاد بدلًا من الشين في اشتقطته. نعم ويجوز أن تكون بدلًا من اللام في التقطته, فيترك إبدال التاء طاء مع الضاد ليكون ذلك إيذانًا بأنها بدل من اللام أو الشين, فتصح التاء مع الضاد, كما صحت مع ما الضاد بدل منه. ونظير ذلك قول بعضهم 11:
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 في ز: "أن" بدون حرف العطف.
3 في د، هـ، ز: "فاعرف ذلك".
4 سقط "ما" في ز.
5 في د، هـ، ز: "تقلب".
6 سقط في ش.
7 في ش: "أظلم", وفي ز: "إذ ظلم" وهو خطأ.
8 سقط في ش.
9 في د، هـ، ز: "ولا".
10 انظر ص264، من الجزء الأول.
11 انظر ص264 من الجزء الأول، وانظر أيضًا تهذيب الألفاظ 302.(2/351)
يا رب أباز من العفر صدع ... تقبض الذئب إليه واجتمع
لما رأى أن لادعه ولا شبع ... مال إلى أرطاة حقف فالطجع
فأبدل لام الطجع من الضاد, وأقر الطاء بحالها مع اللام؛ ليكون ذلك دليلًا على أنها بدل من الضاد. وهذا كصحة عور؛ لأنه بمعنى ما تجب صحته وهو اعورَّ. وقد مضى ذلك.
ومن ذلك امتناعهم من تصحيح الواو الساكنة بعد الكسرة, ومن تصحيح الياء الساكنة بعد الضمة. فأما قراءة أبي عمرو: "يَا صَالِحُ ايتِنَا"1 بتصحيح الياء بعد ضمة الحاء فلا يلزمه عليها2 أن يقول: يا غلام اوجل. والفرق بينهما أن صحة الياء في "يَا صَالِحُ ائْتِنَا" بعد الضمة له نظير وهو قولهم: قيل وبيع, فحمل المنفصل على المتصل, وليس في كلامهم واو ساكنة صحَّت بعد كسرة, فيجوز قياسًا عليه يا غلام اوجل.
فإن قلت: فإن الضمة في3 نحو: قيل وبيع لا4 تصح؛ لأنها إشمام ضمّ للكسرة, والكسرة في "يا غلام اوجل" كسرة صريحة5. فهذا فرق.
قيل: الضمة في حاء "يا صالحُ" ضمة بناء فأشبهت ضمة "قيل" من حيث كانت بناء, وليس لقولك: "يا غلام اوجل" شبيه فيحمل هذا6 عليه, لا كسرة صريحة ولا كسرة مشوبة. فأما تفاوت ما بين الحركتين في كون إحداهما ضمة صريحة والأخرى ضمة غير صريحة, فأمر تغتفر العرب ما هو أعلى وأظهر منه. وذلك أنهم قد اغتفروا اختلاف الحرفين مع اختلاف الحركتين في نحو جمعهم في القافية بين
__________
1 آية: 77، سورة الأعراف، وهذ القراءاة وردت في بديع ابن خالويه 44 وقد عزيت فيه أيضًا إلى عاصم في رواية عنه، وانظر أيضًا كتاب سيبويه 2/ 358.
2 كذ في د، هـ، ز. وفي ش: "عليه".
3 سقط "في" في د: هـ، ز.
4 في د، هـ، ز: "لم".
5 في د، هـ، ز: "صحيحة".
6 سقط في ش.(2/352)
سالم1 وعالم مع قادم وظالم, فإذا تسمَّحوا بخلاف الحرفين مع الحركتين كان تسمحهم بخلاف الحركتين وحدهما في "يَا صَالِحُ ائْتِنَا" وقيل وبيع أجدر بالجواز.
فإن قلت: فقد صحَّت الواو الساكنة بعد الكسرة نحو: اجلوَّاذ واخروَّاط, قيل: الساكنة هنا لما أدغمت في المتحركة فنبا اللسان عنهما جميعًا نبوة واحدة جرتا2 لذلك مجرى الواو المتحركة بعد الكسرة, نحو: طول وحول. وعلى أن بعضهم قد قال: اجليواذا فأعلّ, مراعاة لأصل ما كان عليه الحرف, ولم يبدل الواو بعدها لمكان الياء؛ إذ كانت هذه الياء غير لازمة, فجرى ذلك في الصحة مجرى ديوان فيها. ومن قال: ثيرة وطيال, فقياس قولهم هنا3 أن يقول: اجلياذا, فيقلبهما4 جميعًا إذ كانا قد جريا مجرى الواو الواحدة المتحركة.
فإن قيل: فالحركتان5 قبل الألفين في سالم وقادم كلتاهما فتحة, وإنما شيبت إحداهما بشيء من الكسرة, وليست كذلك الحركات في حاء {يَا صَالِحُ} وقاف قيل؛ من حيث كانت الحركة في جاء {يَا صَالِحُ} ضمة البتة وحركة قاف "قيل" كسرة مشوبة بالضم, فقد ترى الأصلين هنا مختلفين, وهما هناك -أعني في سالم وقادم- متفقان.
قيل: كيف تصرَّفت الحال, فالضمة في "قيل" مشوبة غير مخلّصة, كما أن الفتحة في سالم مشوبة غير مخلصة, نعم ولو تطمَّعت6 الحركة في قاف "قيل" لوجدت حصَّة الضم فيها أكثر من حصة الكسر، أو أدون حالها7 أن تكون في الذوق مثلها، ثم من
__________
1 يريد أن سالمًا وعالمًا حركتهما ممالة للكسرة بعد الألف مع عدم المانع، فأما قادم وظالم فيمنع الإمالة فيهما حرفا الاستعلاء القاف والظاء، فالفتحة في الأولين مشوية بكسرة، وفي الأخيرين خالصة.
2 في د، هـ، ز: "جريا".
3 سقط في د، هـ، ز.
4 في د، هـ، ز: "فيقلبها".
5 في ش: "فالحركات".
6 في د، هـ، ز: "قطعت".
7 في د، هـ، ز: "أحوالهما".(2/353)
بعد ذلك ما قدمناه من اختلاف الألفين في سالم وقادم؛ لاختلاف الحركتين قبلهما الناشئة هما عنهما, وليست1 الياء في "قيل" كذلك بل هي ياء2 مخلصة, وإن كانت الحركة قبلها مشوبة غير مخلصة. وسبب ذلك أن الياء الساكنة سائغ غير مستحيل فيها أن تصحَّ بعد الضمة المخلصة, فضلًا عن الكسرة المشوبة بالضمِّ, ألا تراك لا يتعذر عليك صحة الياء وإن خلصت3 قبلها الضمة في نحو: ميسر, في اسم الفاعل من أيسر, لو تجشمت إخراجه على الصحة, وكذلك لو تجشمت تصحيح واو موزان قبل القلب, وإنما ذلك تجشم الكلفة لإخراج الحرفين مصححين غير معلين4. فأما الألف فحديث غير5 هذا، ألا ترى أنه ليس في الطوق ولا من تحت القدرة صحة الألف بعد الضمة ولا الكسرة, بل إنما هي تابعة للفتحة قبلها, فإن صحَّت الفتحة قبلها صحت بعدها, وإن شيبت الفتحة بالكسرة نحي بالألف6 نحو الياء, نحو: سالم وعالم, وإن شيبت7 بالضمة نحى بالألف نحو الواو في الصلاة والزكاة, وهي ألف التفخيم. فقد بان لك بذلك فرق ما بين الألف وبين الياء والواو.
فهذا طرف من القول على ما يراجع من الأصول للضرورة مما يرفض فلا يراجع. فاعرفه وتنبه على أمثاله فإنه كثيرة.
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 سقط في ش.
3 في د، هـ، ز: "أخلصت".
4 في د، هـ، ز: "ممثلين".
5 في ز: "في غير".
6 في ش: "الألف".
7 كذا في ز، وفي ش: "شيب".(2/354)
باب في مراعاتهم الأصول تارة وإهمالهم إياها أخرى
...
باب في مراعاتهم الأصول للضرورة تارة, وإهمالهم إياها أخرى:
فمن الأول قولهم: صغت الخاتم, وحكت الثوب ونحو ذلك. وذلك أن فعلت هنا عدَّيت, فلولا أن أصل هذا فعلت -بفتح العين- لما جاز أن تعمل فعلت. ومن ذلك بيت الكتاب:
ليبك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط مما تطيح الطوائح1
ألا ترى أن أوّل البيت مبني على اطِّراح ذكر الفاعل, وأن آخره قد عوود فيه "الحديث عن الفاعل"2 لأن3 تقديره فيما بعد: ليبكه مختبط مما تطيح الطوائح. فدلَّ قوله: ليبك, على ما أراده من قوله: ليبكه. ونحوه قوله الله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} 4، {وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} 5، هذا مع قوله سبحانه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} 6 وقوله عز وجل: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} 7 وأمثاله كثيرة. ونحو من البيت قول الله تعالى: "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبَّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ"8 أي: يسبح له فيها رجال.
ومن الأصول المراعاة قولهم: مررت برجل ضارب زيد وعمرًا, وليس زيد بقائم ولا قاعدًا و {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} 9 وإذا جاز أن تراعى الفروع نحو قوله 10:
بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابقٍ شيئًا إذا كان جائيا
__________
1 هذا من أبيات لنهشل بن حري في رثاء يزيد بن نهشل. والبيت في الكتاب 1/ 145 منسوبًا إلى الحارث بن نهيك. وانظر الخزانة 1/ 147.
2 في د، هـ، ز: "ذكر الفاعلي".
3 في ش: "أن".
4 آية: 19، سورة المعارج.
5 آية: 28، سورة النساء.
6 آيتا: 1، 2 سورة العلق.
7 آيتا: 3، 4 سورة الرحمن.
8 آيتا: 36، 37 سورة النور, وقراءة فتح الباء في "يسبَّح" قراءة ابن عامر وأبي بكر.
9 آية 33، سورة العنكبوت.
10 أي: زهير. وانظر الكتاب 1/ 83، ونسب فيه في 1/ 154 لصرمة الأنصاري. قال ابن خلف: "وهو الصحيح", ويروى لابن رواحة كما في الخزانة 3/ 666. هذا وفي ط: "سابقًا" وبعد البيت: "وسابق أيضًا".(2/355)
وقوله 1:
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرةً ... ولا ناعبٍ إلا ببينٍ غرابها
كانت مراجعة2 الأصول أولى وأجدر.
ومن ضدَّ ذلك: هذان ضارباك, ألا ترى أنك لو اعتددت بالنون المحذوفة لكنت كأنك قد جمعت بين الزيادتين المعتقبتين في آخر الاسم3. وعلى هذا القياس4 أكثر الكلام: أن5 يعامل الحاضر فيغلّب حكمه لحضوره على الغائب لمغيبه, وهو شاهد لقوّة إعمال الثاني من الفعلين لقوته وغلبته على إعمال الأول لبعده. ومن ذلك قوله 6:
وما كل من وافى منًى أنا عارف7
فيمن نوّن أو أطلق مع رفع "كلُّ". ووجه ذلك أنه إذا رفع كلّا فلا بُدَّ من تقديره الهاء ليعود على المبتدأ من خبره ضمير, وكل واحد من التنوين في "عارف" ومدة الإطلاق في "عارفو" ينافي اجتماعه مع الهاء المرادة المقدَّرة, ألا ترى أنك لو جمعت بينهما فقلت: عارفنه أو عارفوه لم يجز شيء من ذينك. وإنما هذا لمعاملة الحاضر واطراح حكم الغائب. فاعرفه وقسه فإنه باب واسع.
__________
1 أي: الأخوص الرياحي. وانظر الكتاب 1/ 145، والخزانة 2/ 145، وشواهد المغني 2/ 770.
2 في د، هـ، ز، "مراعاة".
3 في د، هـ، ز: "الأسماء".
4 في د، هـ، ز، "القبيل".
5 في ش: "وأن".
6 هو مزاحم العقيلي. وانظر الكتاب 1/ 36، وشواهد العيني على هامش الخزانة 2/ 98، وص26 من الجزء الأول من هذا الكتاب.
7 صدره:
وقالوا تعرفها المنازل من منى(2/356)
باب في 1 حمل الأصول على الفروع:
قال أبو عثمان: لا يضاف ضارب إلى فاعله؛ لأنك لا تضيفه إليه مضمرًا, فكذلك لا تضيفه إليه مظهرًا. قال: وجازت إضافة المصدر إلى الفاعل لمَّا جازت إضافته إليه مضمرًا. كأنَّ أبا عثمان إنما اعتبر في هذا الباب2 المضمر فقدَّمه وحمل عليه المظهر من قِبَل أن المضمر أقوى حكمًا في باب الإضافة من المظهر. وذلك أن المضمر أشبه بما تحذفه الإضافة -وهو التنوين- من المظهر, ولذلك لا يجتمعان في نحو ضاربانك وقاتلونه؛ من حيث كان المضمر3 بلطفه وقوة اتصاله "مشابهًا للتنوين بلطفه وقوة اتصاله"4 وليس كذلك المظهر لقوته ووفور5 صورته, ألا تراك تثبت معه التنوين فتنصبه, نحو: ضاربان زيدًا وقاتلون عمرًا6. فلمَّا كان المضمر مما تقوَّى معه مراعاة الإضافة حمل المظهر -وإن كان هو الأصل- عليه، وأصاره -لما ذكرناه- إليه.
ومن ذلك قولهم: إنما استوى النصب والجر في المظهر في7 نحو: رأيت الزيدين, ومررت بالزيدين, لاستوائهما في المضمر نحو: رأيتك ومررت بك. وإنما كان هذا الموضع للمضمر حتى حمل عليه حكم8 المظهر من حيث كان المضمر عاريًا من الإعراب، فإذا9 عَرِيَ منه جاز أن يأتي منصوبه بلفظ مجروره وليس كذلك المظهر؛ لأن باب الإظهار أن يكون موسومًا بالإعراب, فلذلك حملوا الظاهر على المضمر في التثنية, وإن كان المظهر هو الأصل؛ إذ كان المراعى هنا أمرًا غير
__________
1 في ز: "من".
2 سقط في ش.
3 في د، هـ، ز: "مضمرًا".
4 سقط ما بين القوسين في ز.
5 كذا في ز، ط. وفي ش: "فوّة".
6 في د، هـ، ز: "بكرًا".
7 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.
8 سقط في د، هـ، ز.
9 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "وإذا".(2/357)
الفرعية والأصلية, وإنما هو أمر الإعراب والبناء. وإذا تأمَّلت ذلك علمت أنك في الحقيقة إنما حملت فرعًا على أصل لا أصلًا على فرع, ألا ترى أن المضمر أصل في عدم الإعراب, فحملت المظهر عليه؛ لأنه فرع في البناء, كما حملت المظهر على المضمر في باب الإضافة من حيث كان المضمر هو الأصل في مشابهته التنوين1 والمظهر فرع عليه في ذلك؛ لأنه إنما يتأصّل2 في الإعراب لا في البناء.
فإذا بدهتك هذه المواضع فتعاظمتك فلا تخنع لها, ولا تعط باليد مع أول ورودها, وتأت لها, ولاطف بالصنعة ما يورده الخصم منها, مناظرًا كان أو خاطرًا. وبالله التوفيق.
__________
1 في د، هـ، ز: "للتنوين".
2 في د، هـ، ز: "هو متأصّل".(2/358)
باب في الحكم يقف بين الحكمين 1:
هذا فصل موجود في العربية لفظًا, وقد أعطته مقادًا عليه وقياسًا. وذلك نحو كسرة ما قبل ياء المتكلم في نحو2: غلامي وصاحبي. فهذه الحركة لا إعراب ولا بناء. أمّا كونها غير إعراب فلأنَّ الاسم يكون مرفوعًا ومنصوبًا وهي فيه, نحو: هذا غلامي, ورأيت صاحبي, وليس بين "الكسر وبين"3 الرفع والنصب4 في هذا ونحوه نسبة ولا مقاربة. وأما كونها غير بناء فلأنَّ الكلمة معربة متمكنة, فليست الحركة إذن5 في آخرها6 ببناء, ألا ترى أن غلامي في التمكّن واستحقاق الإعراب كغلامك وغلامهم وغلامنا.
__________
1 في ز: "حكمين".
2 سقط في د، هـ، ز.
3 ما بين القوسين ساقط في د، هـ، ز.
4 بعده في د، هـ، ز: "والجر".
5 سقط في ش.
6 في ش: "آخره".(2/358)
فإن قلت: فما الكسرة في نحو: مررت بغلامي, ونظرت إلى صاحبي, أإعراب هي أم من جنس الكسرة في الرفع والنصب؟
قيل: بل هي من جنس ما قبلها وليست إعرابًا, ألا تراها ثابتة في الرفع والنصب. فعلمت بذلك أن هذه الكسرة يكره الحرف عليها, فيكون في الحالات ملازمًا لها, وإنما يستدل بالمعلوم على المجهول. فكما لا يشك أن هذه الكسرة في الرفع والنصب ليست بإعراب, فكذلك يجب أن يحكم عليها في باب الجر؛ إذ الاسم واحد, فالحكم عليه إذًا في الحالات واحد. إلّا أنَّ لفظ هذه الحركة في حال الجر وإن لم تكن إعرابًا لفظها1 لو كانت إعرابًا, كما أن كسرة الصاد في صِنْو غير كسرة الصاد في صِنْوان حكمًا وإن كانت إياها لفظًا2. وقد مضى ذلك وسنفرد لما يتصل به بابًا.
ومن ذلك ما كانت فيه اللام أو الإضافة نحو: الرجل وغلامك وصاحب الرجل. فهذه الأسماء كلها وما كان نحوها لا منصرفة3 ولا غير منصرفة. وذلك أنها ليست بمنونة, فتكون منصرفة, ولا مِمَّا يجوز للتنوين4 حلوله للصرف, فإذا لم يوجد فيه كان عدمه منه أمارةً لكونه غير منصرف؛ كأحمد وعمر وإبراهيم, ونحو
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "غير لفظها".
2 أورد ابن الشجري في أماليه 1/ 4 رأي ابن جني في كسرة المضاف لياء المتكلم ورد عليه، وفي رأي ابن الشجري أنها كسرة بناء, وفي رأي المتأخرين من النحاة أنها كسرة مناسبة والإعراب بحركات مقدَّرة. وانظر الرضي شرح الكافية 1/ 35، والأشموني في آخر مبحث "المضاف إلى ياء المتكلم".
3 المعروف أن هذه الأمثلة منصرفة؛ إذ ليس فيها شبه الفعل، ومنع التنوين لوجود المعاند له، وآية ذلك أنه إذا زال المعاند عاد الصرف.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "التنوين" و"حلول" على هذا بدل منه.(2/359)
ذلك. وكذلك التثنية والجمع على حدها, نحو: الزيدان والعمرين والمحمدون, وليس شيء من ذلك منصرفًا1 ولا غير منصرف, معرفة كان2 أو نكرة؛ من حيث كانت هذه الأسماء ليس مما ينون مثلها, فإذا لم يوجد فيها التنوين كان ذهابه عنها أمارة لترك صرفها.
ومن ذلك بيت الكتاب:
له زجل كأنه صوت حاد3
فحذف الواو من قوله4 "كأنه" لا على حد الوقف ولا على حد الوصل. أما الوقف فيقضي بالسكون: "كأنْه", وأما الوصل فيقضي بالمَطْل وتمكين الواو "كأنهو", فقوله إذًا "كأنهُ"5 منزلة بين الوصل والوقف.
وكذلك أيضًا سواءً قوله:
يا مرحباه بحمار ناجيه ... إذا أتى قربته للسانيه6
__________
1 هذا الضرب عند المتأخرين منصرف؛ لأنه لم يشبه الفعل، وفي صبان الأشموني في أول "ما لا ينصرف": "قال شيخ الإسلام زكريا: وظاهر كلامهم أن المتصف بالانصراف وعدمه إنما هو الأسم المعرب بالحركات، وإلّا فينبغي أن يستثنى أيضًا ما يعرب بالحروف؛ إذ يصدق عليه أنه فاقد لتنوين الصرف، مع أنه في الواقع منصرف حيث لا مانع".
2 سقط في د، هـ، ز.
3 انظر ص128 من الجزء الأول. وفي ز: "كأنه خلس", وكلمة "خلس" كانت موضوعة فوق "كأنه" فوضعت بعدها خطأ.
4 كذا في د، هـ، ز. وسقط في ش.
5 في ز، ط: "كأنه خلس", يريد اختلاس حركة الهاء فيها وعدم مدها.
6 ناجية: اسم صاحب الحمار. والسانية: الدلو العظيمة. وانظر الخزانة 4/ 400.(2/360)
فثبات الهاء في "مرحباه" ليس على حد الوقف ولا على حد الوصل , أما الوقف فيؤذن بأنها1 ساكنة: يا مرحباهْ, وأما الوصل فيؤذن بحذفها أصلًا: يا مرحبا بحمار ناجية. فثباتها إذًا في الوصل متحركة منزلة بين المنزلتين.
وكذلك سواء قوله 2:
ببازلٍ وجناءَ أو عَيْهلِّ2
فإثبات الياء مع التضعيف طريف, وذلك أن التثقيل من أمارة الوقف, والياء من أمارة الإطلاق. فظاهر هذا الجمع بين الضدين فهو إذًا منزلة بين المنزلتين, وسبب جواز الجمع بينهما أن كل واحد منهما قد كان جائزًا على انفراده, فإذا جمع بينهما فإنه على كل حال لم يكلف إلّا بما من عادته أن يأتي به مفردًا، وليس على4 النظر بحقيقة الضدين كالسواد والبياض, والحركة والسكون, فيستحيل اجتماعهما. فتضادهما إذًا إنما هو في الصناعة لا في الطبيعة. والطريق متلئّبة منقادة, والتأمل يوضحها ويمكنك منها.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "بهاء".
2 أي: منظور بن حبة. وحبة أمه. وأبوه مرثد، ومن ثَمَّ ينسب إلى منظور بن مرثد، وانظر شواهد الشافية 246.
3 قبله:
إن تبخل يا جمل أو تعتلي ... أو تصبحي في الظاعن المولي
نسل وجد الهائم المغتل
والبازل: من الإبل ما دخل في السنة التاسعة. الوجناء: الناقة الشديدة. والعميل، الناقة الطويلة. والمغتل: من به الغلة؛ وهي حرارة العطش، ويراد بها هنا حرارة الشوق. وانظر نوادر أبي زيد 53، وشواهد الشافية 246.
4 سقط في د، هـ، ز.(2/361)
باب في شجاعة العربية:
اعلم أن معظم ذلك إنما هو الحذف والزيادة والتقديم والتأخير والحمل على المعنى والتحريف.
الحذف:
قد حذفت العرب الجملة والمفرد والحرف والحركة, وليس شيء من ذلك إلّا عن دليل عليه, وإلا كان فيه ضرب من تكليف علم الغيب في معرفته.
فأمَّا الجملة فنحو قولهم في القسم: والله لا فعلت, وتالله1 لقد فعلت. وأصله: أقسم بالله, فحذف الفعل والفاعل وبقيت الحال -من الجار والجواب- دليلًا على الجملة المحذوفة. وكذلك الأفعال في الأمر والنهي والتحضيض نحو قولك: زيدًا, إذا أردت: اضرب زيدًا, أو نحوه. ومنه إياك إذا حذرته, أي: احفظ نفسك ولا تضعها, والطريق الطريق, وهلا خيرًا من ذلك. وقد حذفت الجملة من الخبر نحو قولك: القرطاس والله, أي: أصاب القرطاس. وخير مقدم؛ أي: قدمت خير مقدم. وكذلك الشرط في2 نحو قوله: الناس مجزيون بأفعالهم3 إن خيرًا فخيرًا, وإن شرًّا فشرًّا, أي: إن فعل المرء خيرًا جزي خيرًا, وإن فعل شرًّا جزي شرًّا. ومنه قول التغلبي 4:
إذا ما الماء خالطها سخينا
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "بالله".
2 سقط في د، هـ، ز.
3 في د، هـ، ز: "بأعمالهم".
4 هو عمرو بن كلثوم في معلقته المشهورة. وانظر ص290 من الجزء الأول.(2/362)
"أي: فشربنا سخينًا"1 وعليه قول الله سبحانه: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} 2 أي: فضرب فانفجرت, وقوله عز اسمه: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} 3 أي: فحلق فعليه فدية, ومنه قولهم 4: ألا تا, بلى فا, أي: ألا تفعل؟ بلى فافعل. وقول الآخر:
قلنا لها قفي لنا قالت قاف
أي: وقفت, وقوله 5:
. . . . . . . . . . . . . . . وكأن قد6
أي: كأنها قد زالت, فأما7 قوله:
إذا قيل مهلًا قال حاجزه قد8
فيكون على هذا أي قد قطع وأغنى9, ويجوز أن يكون معناه: قَدْك! أي: حسبك, كأنه قد فرغ ما قد أريد منه, فلا معنى لردعك وزجرك.
وإنما تحذف الجملة10 من الفعل والفاعل لمشابهتها المفرد بكون الفاعل في كثير من الأمر بمنزلة الجزء من الفعل, نحو: ضربت ويضربان, وقامت هند و {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ} 11 وحبذا زيد, وما أشبه ذلك مما يدل على شدة اتصال الفعل بالفاعل وكونه معه كالجزء الواحد. وليس كذلك المبتدأ والخبر.
وأما حذف المفرد فعلى ثلاثة أضرب: اسم وفعل وحرف.
__________
1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
2 آية: 60 سورة البقرة.
3 آية 196 سورة البقرة.
4 انظر في هذا وفي البيت بعده ص31 من الجزء الأول.
5 أي: النابغة. وهو من قصيدته في المنجردة.
6 تمام البيت:
أفد الترحل غير أن ركابنا ... لماتزل برحلنا وكأن قد
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "وأما".
8 ورد هذا الشطر في اللسان "قدد" دون عزو، ولا تكملة.
9 سقط في ش.
10 في ز: "الكلمة المركبة.
11 آية: 186 سورة آل عمران.(2/363)
حذف الاسم على أضرب:
قد حذف المبتدأ تارة؛ نحو: هل لك في كذا وكذا1؛ أي: هل لك فيه حاجة أو أرب, وكذلك قوله -عز وجل: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ} 2 أي: ذلك أو هذا بلاغ. وهو كثير.
وقد حذف الخبر نحو قولهم في جواب من عندك: زيد, أي: زيد عندي, وكذا قوله تعالى: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} 3 وإن شئت كان على: طاعة وقول معروف أمثل من غيرهما, وإن شئت كان على: أمرنا طاعة وقول معروف, وعليه قوله4:
فقالت على اسم الله أمرك طاعة ... وإن كنت قد كلفت ما لم أعود
وقد حذف المضاف, وذلك كثير واسع, وإن كان أبو الحسن لا يرى القياس عليه نحو قول الله سبحانه: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} 5 أي: بر من اتقى, وإن شئت كان تقديره: ولكن ذا6 البر من اتقى. والأول أجود؛ لأن حذف المضاف ضرب من الاتساع, والخبر أولى بذلك من المبتدأ؛ لأن الاتساع بالأعجاز أولى منه بالصدور, ومنه7 قوله -عز اسمه: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} 8 أي: أهلها.
وقد حذف المضاف مكررًا نحو قوله تعالى: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} 9 أي: من تراب10 أثر حافر فرس الرسول, ومثله مسألة11 الكتاب: أنت
__________
1 سقط في ش.
2 آية: 35، سورة الأحقاف.
3 آية 21، سورة محمد.
4 أي: عمر بن أبي ربيعة. وانظر شواهد المغني للبغدادي 2/ 967.
5 آية 177، سورة البقرة.
6 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "ذو".
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "مثله".
8 آية 82 سورة يوسف.
9 آية: 66، سورة طه.
10 كذا في ش. وسقط في د، هـ، ز.
11 في الكتاب 1/ 206، "وأما ما يرتقع من هذا الباب فقولك: هو مني فرسخان".(2/364)
مني فرسخان, أي: ذو مسافة فرسخين. وكذلك قوله -جل اسمه: {يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} 1 أي: كدوران عين2 الذي يغشى عليه من الموت3.
وقد حذف المضاف إليه نحو قوله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} 4 أي: من قبل ذلك ومن بعده. وقولهم: ابدأ بهذا أول, أي: أول ما تفعل. وإن شئت كان تقديره: أول من غيره, ثم شبه الجار والمجرور هنا بالمضاف إليه لمعاقبة المضاف إليه إياهما. وكذلك قولهم: جئت5 من علٍ, أي: من أعلى, كذا وقوله 6:
فملك بالليط الذي تحت قشرها ... كغرقيء بيضٍ كنّه القيض من علُ
فأما قوله 7:
كجلمود صخر حطَّه السيل من علٍ
فلا حذف فيه؛ لأنه نكرة, ولذلك أعربه فكأنه قال: حطه السيل من مكان عالٍ, لكن قول العجلي 8:
أقب من تحت عريض من علِ
هو محذوف المضاف إليه؛ لأنه معرفة, وفي موضع المبني على الضمِّ, ألا تراه قابل به ما هذه حاله وهو قوله: من تحت. وينبغي أن يكتب "عَلِي" في9 هذا بالياء.
__________
1 آية: 19، سورة الأحزاب.
2 سقط في ش.
3 في ز بعد هذا, "وقال آخر" ويليه بياض، وكتب في هامش: "بياض في الأصل".
4 آية: 4، سورة الروم.
5 سقط في د، هـ، ز.
6 أي: أوس بن حجر. والبيت في وصف قوس. والليط: القشر، والغرقي: والقشرة الملتزفة ببياض البيض. والقيض القشرة العاليا اليابسة. يقول: إن الفواس حين قشر قناة الفرس لم يستأصل قشرها، أبقى الليط يقويها بذلك ويملكها؛ يقال: ملكه: قوَّاه, وشبه الليط بالغرقي الذي فوقه للقيض. وانظر اللسان "ملك".
7 أي: أمرئ القيس في المعلقة.
8 أي: أبي النجم.
9 في د، هـ، ز: "هذه".(2/365)
وهو فعل في معنى فاعل, أي: أقب من تحته عريض من عاليه, بمعنى أعلاه. والسافل والعالي بمنزلة الأسفل والأعلى. قال:
ما هو إلا الموت يغلي غاليه ... مختلطًا سافله بعاليه
لا بدَّ يومًا أنني ملاقيه1
ونظير عالٍ وعلٍ هنا قوله 2:
وقد علتني ذرأة بادي بدي
أي: باديَ باديَ, وإن شئت كان ظرفًا غير مركب, أي: في بادي بدي كقوله -عز اسمه: {بَادِيَ الرَّأْيِ} 3 "أي: في بادي الرأي"4 إلّا أنه أسكن الياء في موضع النصب مضطرًا كقوله:
يا دار هند عفت إلّا أثافيها
وإن شئت كان مركَّبًا على حد قوله 5:
إذ نجن في غِرَّة الدنيا ولذتها ... والدار جامعة أزمان أزمانا
إلّا أنه أسكن لطول الاسم بالتركيب كمعدي كرب, ومثل فاعل وفعِل في هذا المعنى6 قوله 7:
__________
1 سقط الشطر الأخير في ش.
2 أي: أبي نخيلة. وبما البيت:
ورثية تنهض بالتشدد
والذرأة: الشيب، والرئية: وجع المفاصل. يصف كبره وشيخوخته. وانظر اللسان "ذرأ، وثا".
3 آية 27 سورة هود.
4 سقط في ز.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "قول جرير" ولم أجد هذا البيت في ديوان جرير المطبوع, والبيت في نوادر أبي زيد 184 غير معزوّ.
وقبله:
هل ترجعنّ ليال قد مضين لنا ... والعش منقلب إذ ذاك أفنانا
وبعده:
ولما ستمرَّ شيخان مبتجح ... بالبين عنك بما يراك شنآنا
6 سقط في ش.
7 أي: الضب فيما يزعم العرب، حين يقال له: وردا ياضب. والمراد: بنت في البادية، وكذلك الصليان والعنكث. وفي التكملة: "قوله: "ردا" تصحيف من القدماء، فتبعهم فيه الخلف، والراوية، "زردا" وهو السريع الازدراد, أي: الابتلاع. ذكره أبو محمد الأعرابي، وانظر اللسان "عرد".(2/366)
أصبح قلبي صِردا ... لا يشتهي أن يردا
إلا عرادًا عردا ... وصليِّانًا بردا
وعنكثًا ملتبدا
أراد: الإعراد عاردًا وصلِّيانا باردًا.
وعليه قوله:
كأن في الفرش القتاد العاردا
فأما قولهم: عرد الشتاء1؛ فيجوز أن يكون مخففًا من عرد هذا, ويجوز أن يكون مثالًا في الصفة على فعل كصَعْب ونَدْب.
ومنه يومئذ وحينئذ, ونحو ذلك, أي: إذ ذاك كذلك, فحذفت الجملة المضاف إليها. وعليه قول ذي الرمة:
فلمَّا لبسن الليل أو حين نصَّبت ... له من خذا آذانها وهو جانح2
أي: أو حين أقبل. وحكى الكسائي: أفوق تنام أم أسفل؛ حذف المضاف3 ولم يبن. وسمع4 أيضًا: "لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلِ وَمِنْ بَعْدِ" فحذف ولم يبن.
__________
1 كذا في ش، وفي ز: "النساء" وكأنه الصواب، يرادهن الرجل، ومن أوصافه العرد.
2 هذا في الحديث عن حمر الوحش، وخذا الأذن: استرخاؤها، وقوله: "هو جامح" يعني: الليل. وبعده:
حداهن شحاج كأن سحيله ... على حافَّتيهن ارتجاز مفاضح
يعني بالشحاج: الحمار، وسحيله: نهاقه "بارتجاز" أي: ذكر الرجز من الشعر يقوم به راجزان يتسابان ويفضح أحدهما صاحبه. وانظر الديوان 62.
3 كذا، والمناسب "المضاف إليه".
4 يريد أن هذا سمع عن بعض العرب؛ ولم ترد به قراءة، وإنما الوارد في القراءة غير الضم والكسر مع التنوين، وهي قراءة الحجدري والعقيلي، كما في البحر. ويبدو أن الأمر اشتبه على ابن هشام ومن تبعه, فظنَّ قراءتهما بدون تنوين فجعل ذلك قراءة، وممن تابعه الأشموني في مبحث الإضافة، ونسب الشيخ خالد في شرحه للتوضيح ذلك إلى الحجدري والعقيلي، وقد علمت أن قراءتهما بالتنوين.(2/367)
وقد حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه, وأكثر ذلك في الشعر. وإنما كانت كثرته فيه دون النثر من حيث كان القياس يكاد يحظره. وذلك أن الصفة في الكلام على ضربين: إما "للتخليص والتخصيص"1، وإما للمدح الثناء. وكلاهما من مقامات الإسهاب والإطناب لا من مظانِّ الإيجاز والاختصار. وإذا كان كذلك لم يلق الحذف به ولا تخفيف2 اللفظ منه. هذا مع ما ينضاف إلى ذلك من الإلباس وضد البيان. ألا ترى أنك إذا قلت: مررت بطويل, لم يستبن3 من ظاهر هذا اللفظ أن4 الممرور به إنسان دون رمح أو ثوب أو نحو ذلك. وإذا كان كذلك كان حذف الموصوف إنما هو متى5 قام الدليل عليه أو شهدت الحال به, وكلّما استبهم الموصوف كان حذفه غير لائق بالحديث.
ومما يؤكد عندك ضعف حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه أنك تجد من الصفات ما لا يمكن حذف موصوفه, وذلك أن تكون الصفة جملة نحو: مررت برجل قام أخوه, ولقيت غلامًا وجهه حسن. ألا تراك لو قلت: مررت بقام أخوه, أو لقيت وجهه حسن, لم يحسن.
فأما قوله:
والله ما زيد بنام صاحبه ... ولا مخالط الليان جانبه6
__________
1 في د، هـ، ز: "للتخصيص والتخليص".
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "تحيف".
3 كذا في ش. وي د، هـ، ز: "تستبن".
4 سقط في د، هـ، ز.
5 في د، هـ، ز: "شيء".
6 الروية المشهورة:
والله ما ليلى بنام صاحبه
والليان -بكسر اللام الملاينة وبفتحها: اللين والدعة. وانظر الخزانة 4/ 106، والعيني على هامش الخزانة 4/ 2، والكامل مع رغبة الآمل 4/ 80.(2/368)
فقد قيل فيه: إن "نام صاحبه" علم اسم لرجل1، وإذا كان كذلك جرى مجرى قوله:
بنى شاب قرناها. . . . . .2
فإن قلت فقوله:
ولا مخالط الليان جانبه
ليس علمًا وإنما هو صفة، وهو معطوف على "نام صاحبه", فيجب أن يكون قوله3: "نام صاحبه" صفة أيضًا.
قيل: قد يكون في الجمل إذا سمِّي بها معاني الأفعال فيها, ألا ترى أن "شاب قرناها تصر وتحلب" هو اسم علم, وفيه مع ذلك معنى الذم, وإذا كان كذلك جاز أن يكون قوله:
ولا مخالط الليان جانبه
معطوفًا على ما في قوله "ما زيد بنام صاحبه" من معنى الفعل, فأما قوله:
مالك عندي غير سهم وحجر ... وغير كبداء شديدة الوتر
جادت بكفي كان من أرمى البشر4
أي: بكفّي رجل أو إنسان كان من أرمى البشر, فقد روى غير هذه الرواية. روى: "بكفي كان من أرمى البشر"، بفتح ميم "من" أي بكفَّيْ من هو أرمى البشر, و"كان" على هذا زائدة. ولو لم تكن فيه إلا5 هذه الرواية لما جاز القياس عليه؛
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "وجل".
2 هذا قطعة من بيت تمامه:
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها ... بني شاب قرناها نصر وتحلب
وهو لشاعر من بني أسد, وأراد بالقرنين ضفيرتيْ المرأة, وقوله: "تصر" أي تشد ضرع الحلوبة إذا أرسلت إلى المرعى, وقوله: "تحلب" أي: إذا راحت عشيا. يصف أمهم أنها راعية عجوز. وانظر الكتاب 1/ 259، والكامل 4/ 80.
3 سقط في د، هـ، ز.
4 الكبداء: صفة للقوس. وهي التي يملأ الكف مقبضها, وقوله: "جادت بكفي ... " في العبارة قلب، أي جادت بها كفان إلخ. وانظر الخزانة 2/ 321.
5 سقط في ش. و"هذه الرواية" عليه هي الثانية، فأمَّا على ما أثبت فالمراد بها الأولى.(2/369)
لفروده1 وشذوذه عمَّا عليه عقد هذا الموضع. ألا تراك لا تقول: مررت بوجهه حسن, ولا نظرت إلى غلامه سعيد. فأما قولهم: بدأت بالحمدُ لله, وانتهيت من القرآن إلى {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} 2 ونحو ذلك, فلا يدخل على هذا القول من قبل أن هذه طريق الحكاية, وما كان كذلك فالخطب فيه أيسر, والشناعة فيه3 أوهى وأسقط. وليس ما كنَّا عليه مذهبًا له تعلق بحديث الحكاية, وكذلك إن كانت الصفة جملة لم يجز أن تقع فاعلة ولا مقامة مقام الفاعل, ألا تراك لا تجيز قام وجهه حسن، ولا4 ضرب قام غلامه, وأنت تريد: قام رجل وجهه حسن, ولا ضرب إنسان قام غلامه. وكذاك إن كانت الصفة حرف جر أو ظرفًا لا يستعمل استعمال الأسماء, فلو قلت: جاءني من الكرام, أي: رجل من الكرام, أو حضرني سواك, أي: إنسان سواك, لم يجسن؛ لأن الفاعل لا يحذف, فأما قوله5:
أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط ... كالطعن يهلك فيه الزيت والفتل
فليست الكاف هنا حرف جر, بل هي اسم بمنزلة مثل؛ كالتي في قوله:
على كالقطا الجونيّ أفزعه الزجر
وكالكاف الثانية من قوله 6:
وصالياتٍ ككما يؤثفين
__________
1 أي: لانفراده، يقال: فرد بهذا الأمر. وفي ط: "لنذوره", وهو محرف من: "لنزوره" أي: لقلته، أو "لندوره".
2 آية: 1، سورة النحل.
3 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "منه".
4 كذا. والوجه حذف هذا الحرف.
5 أي: الأعشى في معلقته المشهورة. والشطط: الجور. والفتل: جمع الفتيل، وهو هنا ما يستعمل في الجراحة. أراد طعنًا جائفًا نافذًا إلى الجوف بغيب فيه الزيت والفتل. انظر الخزانة 1/ 132.
6 أي: خصام المجاشعي, وقبله:
لم يبق من أي بها يحلين ... غير رماد وحطام كنفين
وهو يصف دارًا قد خلت من أهلها وبقي بها آثارهم، ومن تلك الآثار الصاليات، يريد الأثافي التي توضع عليها القدر، جعلها ساليات؛ لأنها صليت بالنار حتى اسودَّت. وانظر الخزانة 1/ 367 وشواهد الشافية 59.(2/370)
"أي كمثل ما يؤثفين"1 وعليه قول2 ذي الرمة:
أبيت على ميّ كئيبًا وبعلها ... على كالنقا من عالج يتبطح3
فأما قول الهذلي 4:
فلم يبق منها سوى هامد ... وغير الثمام وغير النؤيِّ
ففيه قولان: أحدهما أن يكون في "يبق" ضمير فاعل من بعض ما تقدَّم, كذا قال أبو علي -رحمه الله. والآخر أن يكون استعمل "سوى" للضرورة اسمًا فرفعه, وكأن هذا أقوى لأنَّ بعده: "وغير الثمام وغير النؤي" فكأنه5 قال: لم6 يبق منها غير هامد, ومثله ما أنشدناه للفرزدق7 من قوله:
ائته بمجلوم كأنَّ جبينه ... صلاءة ورس وسطها قد تفلقا8
وعليه قول الآخر 9:
في وسط جمع بني قريط بعدما ... هتفت ربيعة يا بني جواب
__________
1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
2 في د، هـ، ر: "بيت".
3 عالج: موضع بالبادية به رمل، وينبطح: يستلق على وجهه. وانظر الديوان 85، وفيه: "على مثل الأشافي" في مكان: "على مي كثيبا".
4 أي: أبي ذؤيب, ورواية ديوان الهذليين:
لم يبق منها سوى هامد ... وسفع الخدود معًا والنؤي
وانظر ديوان الهذليين "طبعة دار الكتب" 1/ 64 وما بعدها.
5 في د، هـ، ز: "وكأنه".
6 في د، هـ، ز: "فلم".
7 في د، هـ، ز: "الفرزدق".
8 المجلوم: المحلوق، أراد به هن المرأة، والصلاءة: مدق الطيب، والورس: نبت أصفر. والمؤلف يريد أن "وسطا" ساكن السين يكون ظرفًا, ولكن الفرزدق أخرجه عن الظرفية للشعر، كما "سوى": وكذا في البيت بعده.
9 نسبه في اللسان "وسط" إلى القتال الكلابي، وقريط -بالتصغير- وقريط - بالتكبير- بطنان من بني كلاب. ورواية البيت كما في اللسان والتاج:
مِن وَسْطِ جَمْعِ بَني قُرَيْظٍ بعدما ... هَتَفَتْ رَبِيعَةُ يا بَني خَوّارِ(2/371)
وقد أقيمت "الصفة الجملة"1 مقام الموصوف المبتدأ نحو قوله 2:
لو قلت ما في قومها لم تيثم ... يفضلها في حسب وميسم
أي: ما في قومها أحد يفضلها, وقال الله سبحانه: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} 3 أي: قوم دون ذلك, وأما قوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} 4 فيمن5 قرأه بالنصب فيحتمل أمرين: أحدهما أن يكون الفاعل مضمرًا, أي: لقد تقطع الأمر أو العقد أو الود -ونحو ذلك- بينكم, والآخر "أن يكون"6 ما كان يراه أبو الحسن من أن يكون "بينكم" وإن كان منصوب اللفظ مرفوع الموضع بفعله, غير أنه أقرت نصبة الظرف, وإن كان مرفوع الموضع لاطراد استعمالهم إياه ظرفًا. إلا أن استعمال الجملة التي هي صفة للمبتدأ مكانه أسهل من استعمالها فاعلة؛ لأنه ليس يلزم أن يكون المبتدأ اسمًا محضًا. كلزوم ذلك في الفاعل, ألا ترى إلى قولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه, أي: سماعك به خير من رؤيته. وقد تقصينا7 ذلك في غير موضع.
وقد حذفت الصفة ودلت الحال عليها. وذلك فيما حكاه صاحب الكتاب من قولهم 8: سير عليه ليل, وهم يريدون: ليل طويل. وكأنَّ هذا إنما حذفت فيه الصفة لما دلَّ من الحال على موضعها, وذلك أنك تحس في كلام القائل لذلك
__________
1 كذا في ش. وفي ز: "صفة الجملة" وفي ط: "الصفة الجملية".
2 أي: حكيم بن معية الربعي. وتيثم: أصله تأثم؛ فكسر حرف المضارعة وأبدل الهمزة ياء. والميسم: الحسن والجمال. انظر الكتاب 1/ 375، والخزانة 2/ 311.
3 آية: 11 سورة الجن.
4 آية: 94 سورة الأنعام.
5 في ز: "فمن قرأ". وهذه قراءة نافع وحفص والكسائي وأبي بكر, والباقون بالرفع، كما في الإتحاف.
6 ما بين القوسين سقط في د، هـ، ز.
7 في د، هـ، ز: "تقصيت".
8 كأنه يريد قول سيبويه في الكتاب 1/ 15, وكذلك سير عليه ليلًا ونهارًا ... إلّا أن تريد معنى سير عليه ليل طويل ونهار طويل.(2/372)
من التطويح والتطريح والتفخيم1 والتعظيم ما يقوم مقام قوله: طويل أو2 نحو ذلك. وأنت تحسّ هذا من نفسك إذا تأمَّلته, وذلك أن تكون في مدح إنسان والثناء عليه, فتقول: كان والله رجلًا, فنزيد في قوة اللفظ ب"الله" هذه الكلمة3، وتتمكَّن في4 تمطيط اللام5 وإطالة الصوت بها وعليها4, أي: رجلًا فاضلًا أو شجاعًا أو كريمًا أو نحو ذلك. وكذلك تقول: سألناه فوجدناه إنسانًا, وتمكّن الصوت بإنسان وتفخَّمه, فتستغني بذلك عن وصفه بقولك 6: إنسانًا سمحًا أو7 جوادًا أو نحو ذلك. وكذلك إن ذممته ووصفته بالضيق قلت: سألناه وكان إنسانًا! وتزوي وجهك وتقطبه, فيغني ذلك عن قولك: إنسانًا لئيمًا أو لحزًا أو مبخلًا أو نحو ذلك.
فعلى هذا وما يجري مجراه تحذف الصفة, فأمّا إن عريت من الدلالة عليها من اللفظ أو من الحال فإن حذفها لا يجوز, ألا تراك لو قلت: وردنا البصرة فاجتزنا بالأبلة على رجل, أو رأينا بستانًا, وسكت لم "تفد بذلك"8 شيئًا؛ لأن هذا ونحوه مما لا يعرى منه ذلك المكان9، وإنما المتوقع أن تصف من ذكرت أو ما7 ذكرت, فإن لم تفعل كلّفت علم ما "لم تدلل"10 عليه, وهذا لغو من11 الحديث وجور في التكليف.
__________
1 في د، هـ، ز: "التلخيم".
2 في د، هـ، ز: "ونحو".
3 في د، هـ، ز: "الجملة".
4 سقط في د، هـ، ز.
5 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "الكلام".
6 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "وقولك".
7 في د، هـ، ز: "و" بدل "أر".
8 في د، هـ، ز: "يفد ذلك".
9 سقط في ش.
10 في د، هـ، ز: "تدلك".
11 في د، هـ، ز: "في".(2/373)
ومن ذلك ما يروى في الحديث 1: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"، أي: لا صلاة كاملة أو فاضلة ونحو ذلك. وقد خالف في ذلك من لا يعد خلافه خلافًا.
وقد حذف المفعول به نحو قول الله تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} أي: أوتيت منه شيئًا, وعليه قول الله سبحانه: {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} 3 أي: غشاها إياه, فحذف المفعولين جميعًا, وقال الحطيئة:
منعّمة تصون إليك منها ... كصونك من رداء شرعبيّ4
أي: تصون الحديث منها, وله نظائر.
وقد حذف الظرف نحو قوله 5:
فإن مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقي عليّ الجيب يا ابنة معبد
أي: إن مت قبلك, هذا يريد لا محالة. ألا ترى أنه لا يجوز أن يشرط الإنسان موته؛ لأنه يعلم6 أنه مائت7 لا محالة, وعليه قول الآخر8:
أهيم بدعدٍ ما حييت فإن أمت ... أوكّل بدعدٍ من يهيم بها بعدي
__________
1 رواه الدارقطني والبيهقي عن جابر وأبي هريرة؛ كما في الجامع الصغير.
2 آية 23 سورة النمل.
3 آية 54 سورة النجم.
4 الشرعبي: ضرب من البرود, وقيل البيت:
أكل الناس تكتم حب هند ... وما تخفى بذلك من خفيّ
5 أي: طرفة في معلقته.
6 في د، هـ، ز: "لا يعلم".
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ميت".
8 هو نصيب: وانظر الموشّح 160، 189، والأغاني 11/ 19، 14/ 174 من طبعة بولاق.(2/374)
أي: فإن أمت قبلها لا بُدَّ أن يريد هذا, وعلى هذا قول الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} 1 أي: من شهد الشهر منكم صحيحًا بالغًا في مصرٍ فليصمه, وكان أبو علي -رحمه الله- يرى أن نصب الشهر هنا إنما هو على الظرف, ويذهب إلى أنّ المفعول محذوف, أي: فمن شهد منكم المِصْر في هذا الشهر فليصمه, وكيف تصرفت الحال فلا بُدَّ من حذف.
وقد حذف المعطوف تارة والمعطوف عليه أخرى. روينا عن أحمد بن يحيى أنهم يقولون: راكب الناقة طليحان, أي: راكب الناقة والناقة طليحان, وقد مضى ذكر هذا2. وتقول3: الذي ضربت وزيدًا جعفر، تريد4: الذي ضربته وزيدًا، فتحذف5 المفعول من الصلة.
وقد حذف المستثنى نحو قولهم: جاءني زيد ليس إلّا, وليس غير, أي: ليس إلّا إياه, وليس غيره.
وقد حذف خبر إنَّ مع النكرة خاصة نحو قول الأعشى:
إن محلًّا وإن مرتحلًا ... وإنّ في السفر إذ مضوا مهلا
أي: إن لنا محلًّا, وإن لنا مرتحلًا6
__________
1 آية: 185، سورة البقرة.
2 انظر ص290 من الجزء الأول.
3 في د، هـ، ز: "يقول".
4 في د، هـ، ز: "يريد".
5 في د، هـ، ز: "فيحذف".
6 سقط ما بين القوسين في ش.
وقال الأعلم: "والمعنى" إن لنا محلًّا في الدنيا، ومرتحلًا عنها إلى الآخرة, وأراد بالسفر من رحل من الدنيا؛ فيقول في رحيل من رحل ومضى مهل, أي: لا يرجع، وتراه فسَّر المهل بعدم الرجوع، والأصل فيه التراخي والرفق والأناة, وفسَّره بعضهم بالسبق. وانظر شرح الرضي للكافية 2/ 392، الكتاب 1/ 284، والخزانة 4/ 381 والصبح المنير 155.(2/375)
وأصحابنا يجيزون حذف خبر إنّ مع المعرفة, ويحكون عنهم أنهم إذ قيل لهم: إن الناس ألب عليكم فمن لكم. قالوا: إن زيدًا وإن عمرًا, أي: إن لنا زيدًا وإن لنا عمرًا. والكوفيون يأبون حذف خبرها إلا مع النكرة. فأما احتجاج أبي العباس عليهم بقوله 1:
خلا أن حيًّا من قريش تفضلوا ... على الناس أو أن الأكارم نهشلا
أي: أو أنَّ الأكارم نهشلا تفضلوا2, قال3 أبو علي: وهذا لا يلزمهم؛ لأن لهم أن يقولوا: إنما منعنا حذف خبر المعرفة مع إن المكسورة, فأما مع أنّ المفتوحة فلن نمنعه, قال: ووجه فصلهم فيه بين المكسورة والمفتوحة أنَّ المكسورة حذف خبرها كما حذف خبر نقيضها, وهو قولهم: لا بأسَ ولا شكّ, أي: عليك, وفيه. فكما أنّ "لا" تختص هنا بالنكرات فكذلك إنما "تشبهها نقيضتها"4 في حذف الخبر مع النكرة أيضًا.
وقد حذف أحد مفعولي ظننت, وذلك نحو قولهم: أزيدًا ظننته منطلقًا؛ ألا ترى أن تقديره: أظننت زيدًا منطلقًا ظننته منطلقًا؟ فلمَّا5 أضمرت الفعل فسَّرته بقولك: ظننته, وحذفت6 المفعول الثاني من الفعل الأول المقدَّر اكتفاء بالمفعول الثاني الظاهر في الفعل الآخر. وكذلك بقية أخوات ظننت.
__________
1 في الخزانة أن ابن الشجري في الأمالي, وابن يعيش في شرح المفصل نسباه إلى الأخطل. ويقول البغدادي: "وله في ديوانه قصيدة على هذا الوزن والروي ولم أجده فيها، وانظر الخزانة 4/ 385.
2 كذا في ز. وفي ش: "فضلوا".
3 في الخزانة في الموطن السابق. "فقد قال".
4 في ط: "يشبهها نقيضها".
5 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "فكما".
6 على هذا جرى ابن هشام في المغني في آخر مبحث الجملة المفسرة, وعبارة: "كما استغنى في نحو: أزيدًا ظننته قائمًا, بثاني مفعولي ظننت المذكورة عن ثاني مفعولي ظننت المقدورة، وعلق الدماميني على قول ابن هشام: "بأن مفعولي ظننت المذكورة، بقوله: "يقال: هو مفعول الأولى المحذوفة؛ لأنها مقصودة بالذات، والثانية ذكرت لضرورة التفسير، وعلى رأي الدماميني يجري المتأخرون من المعربين.(2/376)
وقد حذف خبر كان أيضًا في نحو قوله 1:
أسكرانُ كان ابنَ المراغة إذ هجا ... تميمًا ببطن الشأم أم متساكر
ألا ترى أن تقديره: أكان سكرانُ ابن المراغة, فلمَّا حذف الفعل الرافع2 فسَّره بالثاني فقال: كان ابن المراغة. و"ابن المراغة" هذا الظاهر خبر "كان " الظاهرة, وخبر "كان" المضمر محذوف معها؛ لأن " كان " الثانية دلّت على الأولى, وكذلك الخبر الثاني الظاهر دلَّ على الخبر الأول المحذوف.
وقد حذف المنادى فيما أنشده أبو زيد من قوله:
فخير نحن عند الناس منكم ... إذا الداعي المثوب قال يالا3
أراد: يا لبني4 فلان, ونحو ذلك.
فإن قلت: فكيف جاز تعليق5 حرف الجر, قيل: لما خلط "بيا"6 صار كالجزء منها. ولذلك شبه أبو علي ألفه التي قبل اللام بألف باب ودار, فحكم عليها حينئذ بالانقلاب, وقد ذكرنا ذلك. وحسن الحال أيضًا شيء آخر, وهو تشبث اللام الجارة بألف الإطلاق فصارت كأنها معاقبة للمجرور, ألا ترى أنك لو أظهرت ذلك المضاف إليه7 فقلت: يا لبني فلان, لم يجز إلحاق الألف هنا "وجرت ألف
__________
1 أي: الفرزدق يهجو جريرًا, وهو المعني بابن المراغة، والمراغة: الأتان التي لا تمتنع من المفحول, وكان جرير هجا بني دارنم رهط الفرزدق من تميم. وانظر الخزانة 4/ 65، والكتاب 1/ 23.
2 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "الراجع" وسقط هذا الوصف في عبارة ابن جني في الخزانة.
3 انظر ص77. من الجزء الأول, ورد البيت في المصباح "بأس" وفي "البأس" في مكان "الناس" وفسر البأس بالشدة والقوة, وقال: "أي: نحن عند الحرب إذا نادى بنا المنادي ورجع نداءه: ألا لا تفروا فإنا نكتر راجعين لما عندنا من الشجاعة، وأنتم تجعلون الفرّ فرارًا فلا تستطيعون الكنز.
4 في ط: "آل بني" وهذا لا يستقيم هنا، فقد جعل اللام حرف جر لا بعض آل.
5 يريد بتعليق الحرف: عدم ظهور عمله.
6 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "بلا".
7 يريد بالمضاف إليه المجرور. وذلك أن معنى الفعل أوما في معناه مضاف إليه بوساطة حرف الجر، وحروف الجر تسمَّى حروف الإضافة.(2/377)
الإطلاق"1 في منابها هنا عمَّا كان ينبغي أن يكون بمكانها, مجرى ألف الإطلاق في منابها عن تاء التأنيث في نحو قوله 2:
ولاعب بالعشيِّ بني بنيه ... كفعل الهِرِّ يحترش العَظَايا
فأبعد الإله ولا يؤبَّى ... ولا يعطَى من المرض الشفايا3
وكذلك نابت أيضًا واو الإطلاق في قوله 4:
وما كل من وافى مني أنا عارف5
-فيمن رفع كلًّا- عن الضمير الذي يزاد في عارفه6، وكما ناب التنوين في نحو: حينئذ ويومئذ, عن المضاف إليه إذْ, وعليه قوله 7:
نهيتك عن طلابك أمّ عمرو ... بعاقبة وأنت إذٍ صحيح8
فأما قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا} 9 فقد تقدَّم القول10 عليه: أنه ليس المنادى هنا محذوفًا ولا مرادًا كما ذهب إليه محمد بن يزيد, وأن "يا " هنا أخلصت للتنبيه مجردًا
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش.
2 انظر ص293 من الجزء الأول.
3 في د، هـ، ز: "بعوبي" في مكان: "يؤبى" وكأنه محرف عن "يعزى", وفيها: "يشفى" في مكان "يعطى".
4 أي: مزاحم العقيلي. انظر الكتاب 1/ 36، 356 من هذا الجزء.
5 صدره:
وقالوا تعرفها المنازل من منى
6 كذا في ط، وفي ش: "عارف"، وقوله: "يزاد" كذا في ش. وفي ط، ز: "يراد".
7 أي: أبي ذؤيب الهذلي. وانظر الخزانة 3/ 147، وديوان الهذلين "طبعة دار الكتب" 1/ 68.
8 قبله مطلع القصيدة:
جمالك أيها القلب الجريح ... ستلقى من تحب فتستريح
فتراه في قوله: "نهيتك" يخاطب قلبه أنه نصحه أن ينثني عن حب هذه المرأة وألا يتورط فيه. فيصعب عليه الخلوص من مشاقه، وقد كان ذلك في الوقت الذي يسهل عليه فيه الخروج منه. وقوله: "بعاقبة" أي: بآخر كلامي لك، أي: كانت النصيحة حتى آخر الكلام، ولم أغفل عنها آخذ معك في شأن آخر، فقد كان الحديث مقصورًا عليها, أو أنَّ المراد: نهيتك بتذكير عاقبة ما تفضي إليه لو مضيت في الحب.
9 في آية: 26، سورة النمل.
10 انظر ص198، 28 من هذا الجزء. وقوله: "عليه", كذا في ش وفي غيرها: "على".(2/378)
من النداء, كما أن "ها " من قول الله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ} 1 للتنبيه من غير أن تكون للنداء2. وتأوّل أبو العباس قول الشاعر 3:
طلبوا صلحنا ولات أوانٍ ... فأجبنا أن ليس حين بقاء4
"أي: إبقاء"5 على أنه حذف المضاف إليه أوان، بعوض6 التنوين منه، على حد قول الجماعة في تنوين إذْ, وهذا7 ليس بالسهل, وذلك أن التنوين في نحو هذا إنما دخل فيما لا يضاف إلى الواحد وهو إذ. فأمّا "أوان " فمعرب ويضاف إلى الواحد, كقوله 8:
فهذا أوان العرض حي ذبابه ... زنابيره والأزرق المتلمِّس9
__________
1 آية: 109 سورة النساء.
2 سقط في ش.
3 هو أبو زبيد الطائي. وانظر الخزانة 2/ 151.
4 هذا من قصيدة طويلة يخاطب قومًا كان بينهم وبين قومه ترة, وقبله:
كم أزالت رماحنا من قتيل ... قاتلونا بنكبة وشقاء
بعثوا حربنا إليهم وكانوا ... في مقام لو أبصروا ورخاء
ثم لما تشذَّرت وأفافت ... وتصلوا منها كريه الصلاء
وقوله: "تشذّرت" أي: الحرب. وتشذرها أن ترفع ذنبها، وكذلك إنافتها وذلك حين تشتد، وقوله: "تصلوا" أي: الأعداء صلوا بنار حربهم.
5 سقط ما بين القوسين في ش. وهو تفسير لقوله: "بقاء" في البيت. يقال: أبقى عليه إذا رحمه ورعاه، والبقاء في البيت اسم مصدر للإبقاء. وبقول البغدادي في الخزانة: "والمشهور أن الاسم منه البقيا "بالضم"، والبقوى "بالفتح"، وقال العيني -وتبعه السيوطي: المعنى بقاء الصلح".
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "وعوض".
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "فهذا".
8 أي: المتلمس. وانظر التبريزي شرح الحماسة "طبعة التجارية" 2/ 206.
9 قبله:
هلمَّ إليها قد أثيرت زروعها ... وعادت عليها المنجنون تكدس
وهو يخاطب النعمان بن المنذر خطاب تهكم, والضمير في "إليها" لليمامة موطنه. يقول: أغر على اليمامة فقد أخصبت وبدا فيها الربيع. والعرض: من أودية اليمامة, يقول: كثر فيه الزرع وحي ذبابه, والزنابير والأزرق ضربان من الذباب. وبهذا البيت لقب المتلبس. واسمه جرير بن المسيح.(2/379)
وقد كسَّروه على آونة, وتكسيرهم إياه يبعده عن البناء؛ لأنه أخذ به في شق التصريف والتصرف.
"قال:
أبو حنشٍ يؤرقنا وطلقٌ ... وعبادٌ وآونةً أثالا"1
وقد حذف المميز, وذلك إذا علم من الحال "حكم ما"2 كان يعلم منها به, وذلك قولك: عندي عشرون, واشتريت ثلاثين, وملكت خمسة وأربعين. فإن لم يعلم المراد لزم التمييز إذا قصد المتكلم الإبانة, فإن لم يرد ذلك وأراد الإلغاز وحذف جانب البيان لم يوجب على نفسه ذكر التمييز, وهذا إنما يصلحه ويفسده غرض المتكلم, وعليه مدار الكلام. فاعرفه.
وحذف الحال لا يحسن, وذلك أن الغرض فيها إنما هو توكيد الخبر بها, وما طريقه طريق التوكيد غير لائق به الحذف؛ لأنه ضد الغرض ونقيضه, و"لأجل ذلك"3 لم يجز أبو الحسن توكيد الهاء المحذوفة من الصلة؛ نحو الذي ضربت نفسه زيد على أن يكون "نفسه" توكيدًا للهاء المحذوفة من "ضربت", وهذا مما يترك مثله كما يترك إدغام الملحق إشفاقًا من انتقاض الغرض بادّغامه.
فأمَّا ما أجزناه من حذف الحال في قول الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} 4 أي: فمن شهده صحيحًا بالغًا فطريقه أنه لما دلت الدلالة عليه من
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش, والشاعر هو ابن أحمر الباهلي. وانظر العيني على هامش الخزانة 2/ 421، والكتاب 1/ 343. وهذا من قصيدة يذكر فيها جماعة من قومه لحقوا بالشأم، فصار يراه في النوم إذا أتى الليل, وقوله: "عباد" في رواية: "عمار".
2 كذا في ط. وفي ز، ش: "كما".
3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "ولذلك".
4 آية: 185، سورة البقرة.(2/380)
الإجماع والسنّة جاز حذفه تخفيفًا. وأما1 لو عريت الحال من هذه القرينة وتجرَّد الأمر دونها لما جاز حذف الحال على وجه.
ولم أعلم المصدر حذف في موضع, وذلك أن2 الغرض فيه إذا تجرَّد من الصفة أو التعريف أو عدد المرات فإنما هو لتوكيد الفعل, وحذف المؤكَّد لا يجوز.
وإنما كلامنا على حذف ما يحذف وهو مراد, فأما حذفه إذا لم يرد فسائغ لا سؤال فيه, وذلك كقولنا: انطلق زيد, ألا ترى هذا كلامًا تامًّا, وإن لم تذكر معه شيئًا من الفضلات مصدرًا ولا ظرفًا ولا حالًا ولا مفعولًا له ولا مفعولًا معه ولا غيره. وذلك أنك3 لم ترد الزيادة في الفائدة بأكثر من الإخبار عنه بانطلاقه دون غيره.
حذف الفعل:
حذف الفعل على ضربين:
أحدهما: أن تحذفه والفاعل فيه. فإذا وقع ذلك فهو حذف جملة, وذلك نحو: زيدًا ضربته؛ لأنك أردت: ضربت زيدًا, فلمَّا أضمرت "ضربت" فسَّرته بقولك: ضربته, وكذلك قولك 4: أزيدًا مررت به, وقولهم: المرء مقتول بما قَتَل به, إن سيفًا فسيف, وإن خنجرًا فخنجر, أي: إن كان الذي قَتَل به سيفًا فالذي يُقتل به سيف, فكان واسمها وإن لم تكن مستقلة5 فإنها تعتد اعتداد الجملة.
والآخر: أن تحذف الفعل وحده, وهذا هو غرض هذا الموضع.
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "فأمّا".
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "لأنّ".
3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "لأنّك".
4 سقط في ز، ش. وثبت في ط.
5 أي: لأنها ناقصة تحتاج إلى الخبر.(2/381)
وذلك أن يكون الفاعل مفصولًا عنه مرفوعًا به1, وذلك نحو قولك: أزيد قام, فزيد مرفوع بفعل مضمر محذوف خالٍ من الفاعل؛ لأنك تريد: أقام زيد, فلمَّا أضمرته فسَّرته بقولك: قام, وكذلك {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} 2 و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} 3 و {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} 4 و {لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} 5 ونحوه, الفعل6 فيه مضمر وحده, أي: إذا انشقَّت السماء, وإذا كورت الشمس, وإن هلك امرؤ, ولو تملكون, وعليه قوله 7:
إذا ابنُ أبي موسى بلالٌ بلغته ... فقام بفأس بين وصليك جازر8
أي: إذا بلغ ابن أبي موسى. وعبرة9 هذا أن الفعل المضمر إذا كان بعده اسم منصوب به ففيه فاعله مضمرًا. وإن كان بعده المرفوع به فهو مضمر مجردًا10 من الفاعل, ألا ترى أنه لا يرتفع فاعلان به. وربما جاء بعده المرفوع والمنصوب جميعًا, نحو قولهم: أما أنت منطلقًا انطلقتُ معك, "تقديره: لأن كنت منطلقًا انطلقتُ معك"11 فحذف الفعل فصار تقديره: لأن أنت منطلقًا, وكرهت12 مباشرة
__________
1 سقط في ش.
2 آية: 1 سورة الانشقاق.
3 آية: 1 سورة التكوير.
4 آية: 176 سورة النساء.
5 آية: 10 سورة الإسراء.
6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "والفعل".
7 أي: ذي الرمة. وانظر الكتاب 1/ 42، الخزانة 1/ 450، والديوان 253.
8 يخاطب في هذا البيت ناقته, وهو يدعو عليها أن يذبحها الجزار إذا بلغته بلالًا، إذ لا تكون إليها به حاجة حينئذ، لأن بلالًا يغتيه برفده من أن يرحل لأحد بعده, وبلال هو ابن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، قاضي البصرة ووليها في العصر الأموي، ومات سنة نيف وعشرين ومائة.
9 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "عبر".
10 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "مجرّد".
11 سقط ما بين القوسين في ش.
12 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "فكرهت".(2/382)
"أن " الاسم فزيدت "ما " , فصارت عوضًا من الفعل ومصلحة للفظ لنزول مباشرة "أن" الاسم. وعليه بيت الكتاب:
أبا خراشة أما أنت ذا نفر ... فإن قومي لم تأكلهم الضبع1
أي: لأن كنت ذا نفر قويت وشدّدت والضبع هنا السنة الشديدة.
فإن قلت: بم2 ارتفع وانتصب "أنت منطلقًا"؟
قيل: ب"ما"3؛ لأنها عاقبت الفعل الرافع الناصب, فعملت عمله من الرفع والنصب, وهذه طريقة أبي علي وجُلَّة أصحابنا من قبله في4 أنَّ الشيء إذا عاقب الشيء ولي من الأمر ما كان المحذوف يليه. من5 ذلك الظرف إذا تعلّق بالمحذوف6 فإنه يتضمّن الضمير الذي كان فيه, ويعمل ما كان يعمله: من نصبه الحال والظرف, وعلى ذلك صار قوله: "فاه إلى فيّ" من قوله: "كلمته فاه إلى في" ضامنًا للضمير الذي كان في "جاعلًا" لما عاقبه. والطريق واضحة فيه متلئبة.
حذف الحرف:
قد حذف الحرف في الكلام على ضربين: أحدهما حرف زائد7 على الكلمة مما يجيء لمعنى, والآخر حرف من نفس الكلمة, وقد تقدَّم فيما مضى ذكر حذف هذين الضربين بما أغنى عن إعادته.
ومضت الزيادة في الحروف وغيرها.
__________
1 هذا في أبيات للعباس بن مرداس في أبي خراشة خفاف بن ندبة، وكلاهما صحابي، وانظر الكتاب 1/ 148.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فبم".
3 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "بأما".
4 سقط هذا الحرف في ش.
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "ومن".
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بمجذوف".
7 في ش: "حرف زائد فيما على....".(2/383)
فصل في التقديم والتأخير:
وذلك على ضربين: أحدهما ما يقبله القياس, والآخر ما يسهله الاضطرار. الأول: كتقديم المفعول على الفاعل تارةً وعلى الفعل الناصبة أخرى, كضرب "زيدًا عمرو"1، وزيدًا ضرب عمرو, وكذلك الظرف نحو: قام عندك زيد, وعندك قام زيد, وسار يوم الجمعة جعفر, ويوم الجمعة سار جعفر. وكذلك الحال نحو: جاء ضاحكًا زيد, وضاحكًا جاء زيد. وكذلك الاستثناء نحو: ما قام إلا زيدًا أحد, ولا يجوز تقديم المستثنى على الفعل2 الناصب له. لو قلت: إلا زيدًا قام القوم, لم يجز لمضارعة الاستثناء البدل, ألا تراك تقول: ما قام أحد إلا زيدًا, وإلا زيد, والمعنى واحد. فما جارى الاستثناء البدل امتنع تقديمه.
فإن قلت: فكيف جاز تقديمه3 على المستثنى منه, والبدل لا يصح تقديمه3 على المبدل منه.
قيل: لما تجاذب المستثنى شبهان: أحدهما كونه مفعولًا, والآخر كونه بدلًا, خلِّيت4 له منزلة وسيطة فقدم على المستثنى منه وأخّر البتة عن الفعل الناصبة.
فأما قولهم: ما مررت إلا زيدًا بأحد, فإنما تقدّم على الباء؛ لأنها "ليست هي"5 الناصبة له, إنما الناصب له على كل حال نفس مررت.
وما يصح ويجوز تقديمه خبر المبتدأ, نحو: قائم أخوك, وفي الدار صاحبك, وكذلك خبر كان وأخواتها على أسمائها, وعليها أنفسها, وكذلك خبر
__________
1 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "زيد عمرًا".
2 كذا في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "تقدمه".
4 كذا في د، ز. وفي ش، ط، هـ: "طلبت".
5 كذا في ش، ط. وفي د: هـ، ز: "هي ليست".(2/384)
ليس؛ نحو: زيدًا ليس أخوك, ومنطلقين ليس أخواك. وامتناع أبي العباس من ذلك خلاف للفريقين: "البصريين والكوفيين"1 وترك لموجب القياس عند النظار والمتكلمين, وقد ذكرنا ذلك في غير مكان.
ويجوز تقديم المفعول له على الفعل الناصبة2؛ نحو قولك: طمعًا في برّك3 زرتك, ورغبة في صلتك4 قصدتك.
ولا يجوز تقديم المفعول معه على الفعل, نحو قولك: والطيالسة جاء البرد, من حيث كانت صورة هذه الواو صورة العاطفة, ألا تراك لا تستعملها5 إلّا في الموضع الذي لو شئت لاستعملت العاطفة فيه, نحو: جاء البرد والطيالسة. ولو شئت لرفت الطيالسة عطفًا على البرد, وكذلك: تركت والأسد لأكلك, يجوز أن ترفع الأسد عطفًا على التاء. ولهذا لم يجز أبو الحسن: جئتك وطلوع الشمس, أي مع طلوع الشمس؛ لأنك لو أردت أن تعطف بها هنا فتقول: أتيتك وطلوع الشمس, لم يجز؛ لأن طلوع الشمس لا يصح إتيانه لك6. فلما ساوقت حرف المعطف قبح, والطيلالسة جاء البرد, كما قبح وزيد قام عمرو, لكنه يجوز7 جاء والطيالسة البردُ؛ كما تقول: ضربت وزيدًا عمرًا, قال 8:
جمعتَ وفحشا غيبة ونميمة ... ثلاث خصال لست عنها بمرعو
__________
1 في ش: "الكوفيين والبصريين".
2 ش: "الناصب".
3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "معروفك".
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "برك".
5 انظر في هذا ص314 من الجزء الأول.
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "إليك".
7 هذا رأي ابن جني، وجمهور النحاة يمنعون هذا أيضًا, وراجع الأشموني في بحث المفعول معه.
8 أي: يزيد بن الحكم الثقفي من قصيدة تقدَّم بعضها في ص107، من هذا الجزء، وهو يعاتب فيها ابن عمه. وانظر الموطن السابق.(2/385)
ومما يقبح تقديمه الاسم المميز, وإن كان الناصبة فعلًا متصرفًا, فلا نجيز شحمًا تفقأت, ولا عرقًا تصببت. فأما ما أنشده أبو عثمان وتلاه فيه1 أبو العباس من قول المخبل2
أتهجر ليلى للفراق حبيها ... وما كان3 نفسًا بالفراق يطيب
فتقابله برواية4 الزجاجي وإسماعيل بن نصر وأبي إسحاق أيضًا:
وما كان نفسي بالفراق تطيب
فرواية برواية, والقياس من5 بعد حاكم6. وذلك أن هذا المميز هو الفاعل في المعنى؛ ألا ترى أن أصل الكلام تصبب عرقي, وتفقأ شحمي, ثم نقل الفعل فصار في اللفظ لي, فخرج الفاعل في الفاصل مميزًا, فكما لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل فكذلك لا يجوز تقديم المميز؛ إذ7 كان هو الفاعل في المعنى على الفعل.
فإن قلت: فقد تُقِّدم الحال على العامل فيها, وإن كانت الحال هي صاحبة الحال في المعنى, نحو قولك: راكبًا جئت, و {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} 8.
قيل: الفرق أن الحال "لم تكن"9 في الأصل هي الفاعلة, كما كان المميز10 كذلك؛ ألا ترى أنه ليس التقدير والأصل: جاء راكبي, كما أن أصل طبت به نفسًا
__________
1 سقط في د، هـ، ز. وسقط "تلاه فيه" في ط.
2 يريد المخبل السعدي, وينسب إلى أعشى همدان, وتجده كذلك مفردًا في الصبح المنير 312 وقد ينسب إلى قيس بن معاذ الملوح العامريّ. وانظر العيني على هامش الخزانة 3/ 235، والكتاب 1/ 88.
3 في د، هـ، ز: "أن".
4 كذا في ط. وفي ش، ز: "رواية أبي العباس", ولو كان ما هنا: "فنقابله" كان أجود. والزجاجي هو أبو القاسم عبد الرحمن تلميذ الزجاج، وابو إسحق هو الزجاج إبراهيم بن العمري.
5 سقط هذا الحرف في ش.
6 في ز: "جاءكم" وهو تحريف.
7 في ز: "إذا".
8 آية: 7، سورة القمر.
9 في ط: "لا تكون".
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "التمييز".(2/386)
طابت به نفسي، وإنما الحال مفعول فيها كالظرف, ولم تكن قط فاعلة فنقل الفعل عنها. فأمَّا كونها هي الفاعل في المعنى فككون خبر كان هو اسمها الجاري مجرى الفاعل في المعنى وأنت1 تقدمه2 على "كان" فتقول: قائمًا كان زيد, ولا تجيز تقديم اسمها عليها. فهذا فرق.
وكما لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل, فكذلك لا يجوز تقديم ما أقيم مقام الفاعل كضرب زيد.
وبعد فليس في الدنيا مرفوع يجوز تقديمه3 على رافعه. فأما خبر المبتدأ فلم يتقدَّم عندنا على رافعه؛ لأن رافعه ليس المبتدأ وحده, إنما الرافع له "المبتدأ والابتداء"4 جميعًا, فلم يتقدم الخبر عليهما معًا, وإنما تقدم على أحدهما وهو المبتدأ, فهذا "لا ينتقض"5. لكنه على قول أبي6 الحسن مرفوع بالمبتدأ وحده, ولو كان كذلك لم يجز تقديمه3 على المبتدأ.
ولا يجوز تقديم7 الصلة ولا شيء منها على الموصول, ولا الصفة على الموصوف, ولا المبدل على المبدل منه, ولا عطف البيان على المعطوف عليه, ولا العطف الذي هو نسق على المعطوف عليه، إلا8 في الواو وحدها, وعلى قلَّته أيضًا, نحو: قام وعمرو زيد, وأسهل منه ضربت وعمرًا زيدًا؛ لأن الفعل في هذا قد استقلّ
__________
1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فأنت".
2 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "تقدّمها".
3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "تقدّمه".
4 كذا في ش. وفي ز، ط: "الابتداء والمبتدأ".
5 في ط: "ما لا ينقض".
6 في شرح الرضي للكافية 1/ 87 أن هذا قول سيبويه وأبي علي وأبي الفتح بن جني, وقد يكون هذا رأيه في كتاب آخر.
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "تقدّم".
8 كذا في ش: ط وسقط هذا الحرف في ز.(2/387)
بفاعله، وفي قولك: قام وعمرو زيد, اتسعت في الكلام قبل الاستقلال والتمام. فأما1 قوله 2:
ألا يا نخلةً من ذات عرق ... عليك ورحمةُ الله السلام
فحملته الجماعة على هذا, حتى كأنه عندها: عليك السلام ورحمة الله, وهذا وجه, إلّا أن عندي فيه وجهًا لا تقديم فيه ولا تأخير من قبل العطف, وهو أن يكون "رحمة الله" معطوفًا على الضمير في "عليك", وذلك أن "السلام" مرفوع بالابتداء وخبره مقدَّم عليه وهو "عليك", ففيه إذًا ضمير منه مرفوع بالظرف، فإذا عطفت "رحمة الله" عليه ذهب عنك مكروه التقديم, لكن فيه العطف على المضمر المرفوع المتصل من غير توكيد له, وهذا أسهل عندي من تقديم المعطوف على المعطوف عليه, وقد جاء في الشعر قوله3:
قلت إذ أقبلت وزهرٌ تهادى ... كنعاج الملا تعسَّفن4 رملا
وذهب بعضهم في قول الله تعالى: {فَاسْتَوَى، وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} 5 إلى أنَّ "هو" معطوف على الضمير في "استوى".
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "وأما".
2 في الخزانة 1/ 193: "قال شراح أبيات الجمل وغيرهم: البيت لا يعرف قائله, وقيل: هو للأحوص, والبيت صلة في الخزانة في الموطن السابق. وقد كني بالنخلة عن المرأة.
3 أي: عمر بن أبي ربيعة، وانظر شواهد العيني على هامش الخزانة 4/ 161، والكتاب 1/ 39, والكامل 3/ 203.
4 بعده:
قد تنقبن بالحرير وأبد ... ين عيونًا حور المدامع نُجْلا
ولا يوجد في الديوان من هذه المقطوعة بعد هذا البيت غيره. وفي الأغاني "طبعة دار الكتب" 1/ 168، أبيات له في جارية تسمَّى حميدة على هذا الروي.
5 آية: 6، 7 سورة النجم.(2/388)
ومما يضعف تقديم المعطوف على المعطوف عليه من جهة القياس أنك إذا قلت: قام وزيد عمرو, فقد جمعت أمام زيد بين عاملين: أحدهما "قام"، والآخر الواو, ألا تراها قائمة مقام العامل قبلها, وإذا صرت إلى ذلك صرت كأنك قد أعملت فيه عاملين, وليس هذا كإعمال1 الأول أو الثاني في نحو: قام وقعد زيد؛ لأنك في هذا مخيّر: إن شئت أعملت الأول, وإن شئت أعملت الآخر, وليس ذلك في نحو: قام زيد وعمرو؛ لأنك لا ترفع عمرًا في هذا إلّا2 بالأول.
فإن قلت: فقد تقوّل في الفعلين جميعًا بإعمال أحدهما البتة كقوله 3:
كفاني ولم أطلب قليلٌ من المال4
قيل: لم يجب هذا5 في هذا البيت لشيء يرجع إلى العمل اللفظي, وإنما هو شيء راجع إلى المعنى, وليس كذلك قام وزيد عمرو؛ لأن هذا كذا حاله ومعناه واحد, تقدم أو6 تأخر. فقد عرفت ما في هذا الحديث.
ولا يجوز تقديم المضاف إليه على المضاف, ولا شيء مما اتصل به.
ولا يجوز تقديم الجواب على المجاب شرطًا كان أو قسمًا أو غيرهما, ألا تراك لا تقول: أقُمْ إن تَقُمْ, فأما قولك: أقوم إن قمت, فإن قولك: أقوم ليس جوابًا
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "كباب إعمال".
2 انظر ما الفرق بين المثالين: قام وعمرو زيد، وقام زيد وعمرو في هذا. وكأنَّ الواو في المثال الأول لم يظهر كونها للعطف لتأخر المعطوف عليه, وكانت بجائب العامل فاكتسبت عمله، وفي الآخر تمحضت للعطف، وكان العمل للعامل الأول بوساطتها, وقد يكون الأصل هنا حذف "إلّا" أي: "بالأول",ويكون الأمر جاريًا على ما يراه أن العمل لعامل مقدَّر, كما نسب إليه في سر الصناعة.
3 أي: امرئ القيس. وانظر الخزانة 1/ 158.
4 صدره:
ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة
5 سقط في د، هـ، ز.
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "أم".(2/389)
للشرط, ولكنه دال على الجواب, أي: إن قمت قمت, ودلت أقوم على قمت. ومثله: أنت ظالم إن فعلت, أي: إن فعلت ظلمت, فحذفت "ظلمت" ودل قولك: "أنت ظالم" عليه.
فأما1 قوله 2:
فلم أرقه إن ينج منها وإن يمت ... فطعنة لا غس ولا بمغمر3
فذهب أبو زيد إلى أنه أراد: إن ينج منها فلم أرقه, وقدم الجواب. وهذا عند كافة أصحابنا غير جائز. والقياس له دافع وعنه حاجز4, وذلك أن جواب الشرط مجزوم بنفس الشرط, ومحال تقدم المجزوم على جازمه, بل إذا كان الجار -وهو أقوى من الجازم؛ لأن عوامل الأسماء أقوى من عوامل الأفعال- لا يجوز تقديم ما انجرَّ به عليه, كان ألّا يجوز تقديم5 المجزوم على جازمه أحرى وأجدر. وإذا كان كذلك فقد وجب النظر في البيت. ووجه القول عليه أن الفاء في قوله: "فلم أرقه" لا يخلو أن تكون معلقة بما قبلها أو زائدة, وأيهما كان فكأنه قال: لم أرقه إن ينج منها, وقد علم أن لم أفعل "نفي فعلت"6 وقد أنابوا فعلت عن جواب الشرط, وجعلوه دليلًا عليه في قوله 7:
__________
1 في د: "وأما".
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "قول الآخر" وهو زهير بن مسعود كما في اللسان "غسس"، والنوادر 70، وتهذيب الألفاظ 143.
3 الغس: الضعيف اللئيم. والمغمر: الجاهل الذي لم يجرب الأمور. وما هنا "غس" هو ما في ش. وفي د، هـ، ز: "غش" والغش -بضم الغين: الغاش، ولا معنى له هنا, وقوله: "لم أرقه" يرى الحليس بن وهب. كان زهير طعنه في غارة على قومه.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "محاجز".
5 في د، هـ، ز: "تقدّم".
6 كذا في ز، ش. وفي ط: "بمعنى ما فعلت".
7 أي: رؤبة.(2/390)
يا حكم الوارث عن عبد الملك ... أوديت إن لم تحب حبو المعتنك1
أي: إن لم تحب أوديت. فجعل "أوديت" المقدَّمة دليلًا على "أوديت هذه المؤخَّرة. فكما جاز أن تجعل فعلت دليلًا على"2 جواب الشرط المحذوف, كذلك جعل نفيها الذي هو لم أفعل دليلًا على جوابه. والعرب قد تجري الشيء مجرى نقيضه, كما تجريه مجرى نظيره؛ ألا تراهم قالوا: جوعان3؛ كما قالوا: شبعان, وقالوا: علم4؛ كما قالوا: جهل, وقالوا: كثر ما5 تقومنّ؛ كما قالوا: قلَّما تقومنّ. وذهب الكسائي في قوله:
إذا رضيت عليّ بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها6
إلى أنه عدَّى "رضيت" بعلى لما كان ضدّ سخطت, وسخطت مِمَّا يعدَّى بعلى, وهذا واضح. وكان أبو علي يستحسنه من7 الكسائي, فكأنه قال: إن ينج منها ينج غير مرقيّ منها, وصار قوله: لم "أرقه" بدلًا من الجواب ودليلًا عليه.
__________
1 يريد الحكم بن عبد الملك بن بشر بن مروان. وبين الشطرين بضعة أشطار في الديوان. والمعتنك: البعير يصعد في العانك من الرمل، وهو المتعقد منه, ولا يقطعه البعير إلّا بجهد، والبعير قد يحبو حتى يقطعه، ويتلطف لذلك فهو يقول: إن لم تجهد في معونتي وتحتل لذلك وتتلطف فقد لحق بي الهلاك.
2 سقط ما بين القوسين في ش, وثبت في د، هـ، ز.
3 ذلك أن جوعان فعله جاع على فعل -بفتح العين- وفعلان قياس في الوصف من فعل بكسر العين كشبع، وإنما قياس الوصف من جاع جائع، ولكن جاء الوصف على وزان ضدّه وهو شبعان, فقيل: جوعان.
4 كأنه يريد أن "علم" بابه أن يكون على فعل -بضم العين- لكونه غريزة كما يقام حلم؛ ولكنه حمل على جهل فجاء على فعل -بكسر العين- وجهل جاء هكذا حملًا على حرد. وانظر الكتاب 2/ 225.
5 يريد أن نون التوكيد دخلت في "قلَّما تقومنَّ" لما في "قلما" من النفي الشبيه بالنهي، وقد حمل "كثر ما" على "قلما" فأكّد معها. وانظر ابن يعيش 9/ 43.
6 انظر ص313، من هذا الجزء.
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "على". وفي ط: "عن".(2/391)
فهذه وجوه التقديم والتأخير في كلام العرب. وإن كنا تركنا منها شيئًا فإنه معلوم الحال ولاحق بما قدمناه.
وأما الفروق1 والفصول فمعلومة المواقع2 أيضًا.
فمن قبيح الفرق بين المضاف والمضاف إليه, والفصل بين الفعل والفاعل بالأجنبيّ, وهو دون الأول, ألا ترى إلى جواز الفصل بينهما بالظرف نحو قولك: كان فيك زيد راغبًا, وقُبح الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف؛ نحو قول الفرزدق:
فلمّا للصلاة دعا المنادي ... نهضت وكنت منها في غرور3
وسترى ذلك.
ويلحق بالفعل والفاعل في ذلك المبتدأ والخبر في قبح الفصل بينهما.
" وعلى الجملة فكلَّما ازداد الجزءان اتصالًا قوي قُبْح الفصل بينهما"4.
فمن الفصول والتقديم والتأخير قوله:
فقد والشك بَيَّن لي عناء ... بوشك فراقهم صُرَدٌ يصيح5
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "الفرق".
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "المواضع".
3 هذا من غزل قصيدة يمدح فيها الوليد بن عبد الملك. وقد ذكر أنه زاره طيف محبوبته في المنام, وهو يقول فيه قبل هذا البيت:
فبت معانقًا أرنو وأرني ... ومرات على كفل وثير
وبتنا في الرداء معًا كأنا ... لنا ملك الخورنق والسدير
فقوله: "نهضت" أي: هببت من نومي وأيقظني أذان الفجر, وقوله: "وكنت منها في غرور" أي: كان متاعه بمحبوبته الحلم, فكان ذلك باطلًا. وانظر الديوان 1/ 349, والفصل فيه بين المضاف والمضاف إليه مبني على أن "لما" اسم بمعنى حين، مضاف إلى جملة "دعا المنادي" والعامل فيه "نهضت".
4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
5 انظر ص331 من الجزء الأول.(2/392)
أراد: فقد بيَّن لي صُرَدٌ يصيح بوشك فراقهم, والشك عناء. ففيه من الفصول ما أذكره. وهو الفصل بين "قد" والفعل الذي هو1 بين. " وهذا"2 قبيح لقوة اتصال "قد" بما تدخل عليه من الأفعال, ألا تراها تعتد مع الفعل كالجزء منه. ولذلك دخلت اللام المراد بها توكيد الفعل على "قد", في نحو قول الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} 3 وقوله سبحانه: {لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} 4 وقوله 5:
ولقد أجمع رجالي بها ... حذر الموت وإني لفرور6
وفصل بين المبتدأ الذي هو الشكّ وبين الخبر الذي هو عناء بقوله: "بيَّن لي"، وفصل بين الفعل الذي هو "بيَّن" وبين فاعله الذي هو "صُرَدٌ" بخبر المبتدأ الذي هو "عناء"، وقدَّم قوله: "بوشك فراقهم" وهو معمول "يصيح", ويصيح صفة لصرد على صرد, وتقديم الصفة أو ما يتعلق بها على موصوفها قبيح, ألا ترى أنك لا تجيز: هذا اليوم رجل ورد من موضع كذا؛ لأنك تريد: هذا رجل ورد اليوم من موضع كذا, وإنما يجوز وقوع المعمول فيه بحيث يجوز وقوع العامل, فكما لا يجوز تقديم الصفة على موصوفها كذلك لا يجوز تقديم ما اتَّصل بها على موصوفها, كما لا يجوز تقديم معمول المضاف إليه على نفس المضاف، لما7 لم يجز تقديم المضاف إليه عليه, ولذلك لم يجز قولك: القتال زيدًا حين تأتي, وأنت تريد: القتال حين تأتي زيدًا.
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "فهذا".
3 آية: 65 سورة الزمر.
4 آية: 102، سورة البقرة.
5 أي: عمرو بن معد يكرب الزبيدي. وانظر الحماسة بشرح التبريزي "التجارية" 1/ 176، ومعاني ابن قتيبة 49.
6 "أجمع رجليّ بها" الضمير في "بها" يعود إلى فرسة, تريد أنه يضم رجليه عليها، يستدرُّ جريها ويستحثها, يريد أنه يحجم ويفر في الحرب إذا كان في الفرار الحزم والنجاة. وليست الشجاعة أن يحمل الرجل نفسه على الهلكة، وانظر شعره في الموطن السالف.
7 كذا في ز. وفي ش: "كما".(2/393)
فمتى رأيت الشاعر قد1 ارتكب مثل هذه الضرورات على قبحها, وانخراق الأصول بها, فاعلم أن ذلك على ما جشمه منه وإن دلَّ من وجه على جوره وتعسفه, فإنه من وجه آخر مؤذِن بصياله وتخمطه2، وليس بقاطع دليل على ضعف لغته, ولا قصوره عن اختياره الوجه الناطق بفصاحته. بل مثله في ذلك عندي مثل مجرى الجموح بلا لجام, ووارد الحرب الضروس1 حاسرًا من غير احتشام. فهو وإن كان ملومًا في عنفه وتهالكه, فإنه مشهود له بشجاعته وفيض منته3؛ ألا تراه لا يجهل أن لو تكفر4 في سلاحه أو أعصم4 بلجام جواده لكان أقرب إلى النجاة وأبعد عن الملحاة5؛ لكنه جشم ما جشمه على علمه بما يعقب اقتحام مثله إدلالًا بقوة طبعه ودلالة على شهامة6 نفسه. ومثله سواءً ما يحكى عن بعض الأجواد أنه قال: أيرى7 البخلاء أننا لا نجد بأموالنا ما يجدون بأموالهم, لكنا نرى أن8 في9 الثناء بإنفاقها عوضًا9 من حفظها بإمساكها10. ونحو منه قولهم: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، وقول الآخر 10:
لا خير في طمع يدني إلى طبع ... وغفَّة من قوام العيش تكفيني
فاعرف بما ذكرناه حال ما يرد في معناه, وأن الشاعر إذا أورد منه شيئًا فكأنه
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 يقال: تخمط الفحل: هدر وثار. وتخمط: تكبر.
3 أي دخل في سلاحه وتغطى به واستتر.
4 في ز: "اعتصم"، والاعتصام والإعصام بمعنى واحد.
5 الملحاة: اللوم، وهو مفعلة من لحوت: قشرته.
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "شهومة".
7 كذا في ش، ز، ط. وفي ج: "يرى".
8 سقط في ز، ط.
9 سقط في ج. وفيها: "عوض".
10 كذا في ش. وفي د، ز، ط: "وإمساكها".
11 هو عروة بن أذينة, وانظر مجموعة المعاني 68، والأغاني 21/ 164, وفيها:
وغبّر من كفاف العيش يكفيني
وفي أمالي المرتضى هذا البيت في ضمن أبيات لثابت قطنة. والطبع: العيب. والعفة: ما يتبلغ به ويقتات, وقوله: "فوام" في ج: "صباب" والصباب: البقية.(2/394)
لأنسه بعلم غرضه وسفور مراده لم يرتكب صعبًا, ولا جشم إلّا أمما1، وافق بذلك قابلًا له, أو صادف غير آنس به, إلا أنه هو2 قد استرسل واثقًا, وبنى الأمر على أن ليس ملتبسًا.
ومن ذلك قوله:
فأصبحت بعد خط بهجتها ... كأنَّ قفرًا رسومها قلما3
أراد: فأصبحت بعد بهجتها قفرًا كأنَّ قلما خط رسومها, ففصل بين المضاف الذي هو "بعد"، والمضاف إليه الذي هو "بهجتها" بالفعل الذي هو "خط", وفصل أيضًا بخط بين "أصبحت" وخبرها الذي هو "قفرًا"، وفصل بين كأنّ واسمها الذي هو "قلَّما" بأجنبيين: أحدهما قفرًا, والآخر: رسومها4؛ ألا ترى أن رسومها4 مفعول خطَّ الذي هو خبر كأن, وأنت لا تجيز: كأن خبزًا زيدًا آكل. بل إذا لم تجز الفصل بين الفعل والفاعل على قوة الفعل في نحو5 كانت زيدًا الحُمَّى تأخذ6, كان ألا تجيز الفصل بين كأن واسمها بمفعول فاعلها أجدر7.
نعم وأغلظ من ذا أنه قدَّم خبر كأنَّ عليها, وهو قوله: خطَّ, فهذا ونحوه مما لا يجوز لأحد قياس عليه. غير أنَّ فيه ما قدمناه ذكره من8 سموّ الشاعر وتغطرفه9، وبأوه9، وتعجرفه9. فاعرفه واجتنبه.
ومن ذلك بيت الكتاب:
وما مثله في الناس إلا مملكًا ... أبو أمه حي أبوه يقاربه10
وحديث ما فيه معروف، فلندعه ولنعد عنه.
__________
1 هو اليسير، والبين من الأمر.
2 سقط في د، هـ، ز.
3 ورد البيت في اللسان "خطط" غير معزوّ.
4 في ش. "رسومًا".
5 سقط في ز.
6 في ش: "تأخذه".
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "أحرى".
8 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.
9 التغطرف: التكبر. والبأو: الفخر. والتعجرف: الإقدام في هوج وعدم المبالاة.
10 انظر من 147 من الجزء الأول.(2/395)
وأما1 قول الفرزدق:
إلى ملك ما أمه من محارب ... أبوه ولا كانت كليب تصاهره2
فإنه مستقيم ولا3 خبط فيه, وذلك أنه أراد: إلى ملك أبوه ما أمه من محارب, أي: ما أم أبيه من محارب, فقدَّم خبر الأب4 عليه، وهو جملة؛ كقولك: قام أخوها هند, ومررت بغلامهما5 أخواك.
وتقول على هذا: فِضَّته محرقة سرجها فرسك, تريد: فرسك سرجها فضته محرقة, ثم تقدَّم خبر السرج أيضًا عليه فتقول: فضته محرقة سرجها فرسك, فإن زدت على هذا شيئًا قلت: أكثرها محرق فضته سرجها فرسك, أردت: فرسك سرجها فضته أكثرها محرق, فقدَّمت الجملة التي هي خبر عن الفضة عليها, ونقلت الجمل عن مواضعها شيئًا فشيئًا, وطريق تجاوز هذا6 والزيادة في الأسماء والعوائد واضحة. وفي الذي مضى منه كافٍ بإذن الله.
فأما قوله:
معاوي لم ترع الأمانة فارعها ... وكن حافظًا لله والدين شاكر7
فإن "شاكر" هذه قبيلة. أراد: لم ترع الأمانة شاكر فارعها, وكن حافظًا لله والدين. فهذا شيء من الاعتراض, وقد قدمنا ذكره وعلة حسنه ووجه جوازه.
__________
1 في د، هـ، ز: "فأما".
2 من قصيدته في مدح الوليد بن عبد الملك, وفي الديوان طبع أوربا ص220: "أبوها". وهو المناسب لقوله بعد:
ولكن أبوها من رواحة ترتقي ... بأيامه قيس على من تفاخره
3 سقط حرف العطف في ش.
4 في د، هـ، ز: "الأم" وما هنا في ش، ط.
5 كذا في ش. وفي ج: "بغلاميهما" وفي ز: "بغلامها".
6 في ز: "أو".
7 انظر ص331، من الجزء الأول.(2/396)
وأما قوله 1:
يومًا تراها كمثل أردية العص ... ب ويومًا أديمها نِغَلا2
فإنه أراد: تراها يومًا كمثل أردية العصب, وأديمها يومًا آخر نغلا, ففصل بالظرف بين حرف العطف والمعطوف به على المنصوب من قبله, وهو "ها " من تراها. وهذا أسهل من قراءة من قرأ {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} 3 إذا جعلت "يعقوب" في موضع جر, وعليه تلقّاه القوم من4 أنه مجرور الموضع. وإنما كانت الآية أصعب مأخذًا من قِبَل أنَّ حرف العطف منها الذي هو الواو ناب عن الجار الذي هو الباء في قوله "بإسحاق"، وأقوى أحوال حرف العطف أن يكون في قوة العامل قبله, وأن يلي من العمل ما كان الأول يليه, والجار لا يجوز فصله من مجروره, وهو في الآية قد فُصِل بين الواو5 ويعقوب بقوله: {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ} . والفصل بين الجار ومجروره لا يجوز, وهو أقبح منه بين المضاف والمضاف إليه. وربما6 فرد الحرف منه فجاء منفورًا عنه؛ قال:
لو كنت في خلقاء أو رأس شاهق ... وليس إلى منها النزول سبيل7
__________
1 أي: الأعشى، وانظر اللسان "نغل"، والصبح المنير 155.
2 من قصيدته في مدح سلامة ذي فائش التي أوّلها:
إن محلًا وإن مر تحلًا ... وإن في السفر إذ مضوا مهلا
وقبل الشاهد:
والأرض حمالة لما حل الل ... هـ وما إن تردّ ما فعلا
والعصب: ضرب من البرود, والنغل: وصف من نغل إذا فسد، ونغل وجه الأرض: تهشمه من الجدوية. يريد أن الأرض في أيام الربيع تزدان بالنبات والأزهار، وفي غيره يجف أديمها ويبس.
3 آية: 71، سورة هود وقراءة فتح ياء يعقوب قراءة ابن عامر وحمزة وحفص. وقرأ الباقون بالرفع.
4 سقط في د، هـ، ز، ط.
5 كذا في ش، ز، في ط: "الجار".
6 أي: انفراد. وقوله. "منه" أي: من المجور. وفي ط: "يرد".
7 خلقاء أي: ملساء، هي صفة لمحذوف وهو صخرة. ويريد الشاهق جبلًا عاليًا.(2/397)
ففصل بين حرف الجر ومجروره بالظرف الذي هو "منها", وليس كذلك حرف العطف في قوله:
ويومًا أديمها نغلا
لأنه عطف على الناصب الذي هو ترى1, فكأن الواو أيضًا ناصبة, والفصل بين الناصب ومنصوبه ليس كالفصل بين الجار ومجروره.
وليس كذلك قوله 2:
فصلقنا في مراد صلقة ... وصداء ألحقتهم بالثلل3
"فليس منه"4 لأنه لم يفصل بين حرف العطف وما عطفه5، وإنما فيه الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالمصدر الذي هو "صلقة", وفيه أيضًا الفصل بين الموصوف الذي هو "صلقة" وصفته التي هي قوله "ألحقتهم بالثلل"6 بالمعطوف والحرف العاطفة, أعني قوله: وصداء, وقد جاء مثله أنشدنا 7:
أمرّت من الكتّان خيطًا وأرسلت ... رسولًا إلى أخرى جريًّا يعينها
أراد: وأرسلت إلى أخرى رسولًا جريًّا.
__________
1 كذا في ش. وفي ز، ط: "تراها".
2 أي: لبيد. وانظر اللسان "ثلل" و"صلق"، والديوان.
3 من قصيدته التي أولها:
إنّ تقوى ربنا غير نقل ... وبإذن الله ريثي وعجل
وبعد الشاهد:
ليلة العرقوب لما غامرت ... جعفر تدعى ورهط ابن شكل
يقال: صلق بني فلان وفي بني فلان: أوقع بهم وقعة منكرة. ومراد وصداه: قبيلتان. والثلل: الهلاك. ويوم العرقوب: من أيام العرب؛ كما في ياقوت. وانظر الديوان 2/ 14.
4 كذا في ز؛ ط. وسقط ما بين القوسين في ش.
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "عاطفة" وهو تحريف عن "عاطفه" على صيغة الفعل من المفاعلة.
6 في د، هـ، ز: "بالثلك" كما تقدَّم في البيت وهو تحريف كما سبق.
7 في د، هـ، ز: "أنشدنا"، والجريّ: الرسول لجريه في أداء رسالته.(2/398)
والأحسن عندي في يعقوب من قوله -عز اسمه: {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} فيمن فتح أن يكون في موضع نصب بفعل مضمر دلَّ عليه قوله: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} أي: وآتيناها يعقوب, فإذا فعلت ذلك لم يكن فيه فصل بين الجار والمجرور. فاعرفه.
فأما قوله:
فليست خراسان التي كان خالد ... بها أسد إذ كان سيفًا أميرها
فحديثه طريف. وذلك أنه -فيما ذكر- يمدح خالد بن الوليد ويهجو أسدًا, وكان أسد وليّها بعد خالد "قالوا فكأنه"1 قال: وليست خراسان بالبلدة التي كان خالد بها سيفًا؛ إذ كان أسد أميرها, ففي2 كان على هذا ضمير الشأن والحديث, والجملة بعدها التي هي "أسد أميرها" خبر عنها. ففي هذا التنزيل أشياء: منها الفصل بين اسم كان الأولى وهو خالد, وبين خبرها الذي هو "سيفًا" بقوله: "بها أسد إذ كان" فهذا واحد.
وثانٍ: أنه قدَّم بعض ما "إذ" مضافة إليه وهو أسد عليها, وفي تقديم المضاف إليه أو شيء منه على المضاف من القبح والفساد ما لا خفاء به ولا ارتياب, وفيه أيضًا أن "أسد" أحد جزأي الجملة المفسرة للضمير على شريطة التفسير, أعني: ما في3 كان منه. وهذا الضمير لا يكون تفسيره إلّّّّا من بعده. ولو تقدَّم تفسيره قبله لما احتاج إلى تفسير, ولما سمَّاه الكوفيون الضمير4 المجهول.
__________
1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فقالوا كأنه".
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "وفي".
3 سقط في هذا الحرف في د، هـ، ز.
4 في المغني "المواضع التي يعود الضمير فيها على متأخر لفظًا ورتبة": "ضمير المجهول".(2/399)
فإن قلت: فقد قال الله تعالى: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} 1 فقدَّم "إذا" وهي منصوبة ب"شاخصة", وإنما يجوز وقعوع المعمول بحيث يجوز وقوع العامل, فكأنه على هذا قال: فإذا هي2 شاخصة هي أبصار الذين كفروا, و"هي" ضمير القصة, وقد ترى كيف قدرت تقديم أحد الجزأين اللذين يفسرانها عليها, فكما جاز هذا "فكذلك يجوز"3 أيضًا أن يقدّم "أسد" على الضمير في "كان", وإن كان أسد أحد جزأي تفسير هذا الضمير.
قيل: الفرق أن الآية إنما تقدَّم4 فيها الظرف المتعلق عندك بأحد جزأي تفسير الضمير وهو5 شاخصة, والظرف مما يتسع الأمر6 فيه ولا تضيق مساحة7 التعذر8 له بأن تعلّقه بمحذوف يدل9 عليه شاخصة أو10 شاخصة أبصار الذين كفروا, كما تقول في أشياء كثيرة نحو قوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} 11
__________
1 آية: 97، سورة الأنبياء.
2 كذا في الأصول التي يهدي. والمقام يقضي بحذفها.
3 كذا في ش. وفي ز: "فكذلك ليجوزنّ". وفي ط: "كذلك فليجوزنّ".
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "يقدم".
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "هي". وفي ط: "وهو وهي".
6 سقط هذا اللفظ في ش. وعليه يقرأ "يتَّسع" بالبناء للمفعول.
7 في د: "ساحة".
8 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "العذر".
9 في ز: "تدل".
10 كذا في ش، ز. وفي ط: "أي".
11 آية 101 سورة المؤمنين, وهو يريد أن "إذا" في الآية نصبها ما في الجواب {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} وقد تقرر أن "لا" لها التصدر, فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها. والعذر في ذلك أن "إذا" ظرف يتوسّع في أمره.(2/400)
وقوله: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} 1 وقول الشاعر 2:
وكنت أرى زيدًا كما قيل سيدًا ... إذا إنه عبد القفا واللهازم
فيمن كسر إنّ.
وأمّا البيت فإنه قدّم فيه أحد الجزأين البتة وهو أسد. وهذا ما لا3 يسمح به، "ولا يُطوى كشح"4 عليه. وعلى أنه أيضًا قد يمكن أن تكون "كان" زائدة, فيصير تقديره: إذ أسد أميرها. فليس في هذا أكثر من شيء واحد, وهو ما قدَّمنا ذكره من تقديم ما بعد "إذ" عليها وهي مضافة إليه. وهذا أشبه من الأول, ألا ترى أنه إنما نعى على5 خراسان إذ أسد أميرها؛ لأنه إنما فضّل أيام خالد المنقضية بها على أيام أسد المشاهدة فيها, فلا حاجة به إذًا إلى "كان"؛ لأنه أمر حاضر مشاهد. فأما "إذ" هذه فمتعلقة بأحد شيئين: إمّا بليس وحدها, وإما بما دلت عليه من غيرها, حتى كأنه قال: خالفت خراسان إذ أسد أميرها حالتها التي كانت عليه6 لها أيام ولاية خالد لها, على حد ما تقول فيما يضمّ7 للظروف "لتتناولها، وتصل"8 إليها.
__________
1 آية: 7، سورة سبأ, وهو يريد كما سبق في الآية السالفة أن الجواب {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} لا يصلح للعمل في "إذا"؛ لأنّ "إن" لها الصدر أيضًا لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، والعذر هو ما سبق.
2 هذا من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف قائلها, وقوله: "أرى" بضم الهمزة، أي: أظن، والهازم: عروق القفا, ومعنى عبد القفار واللهازم: أن من ينظرهما يتبين عبوديته ولؤمه. وانظر الكتاب 1/ 472، والخزانة: 4/ 403.
3 في د، هـ، ز: "مما".
4 كذا في ز، وفي ش: "فطوى كشحًا".
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "حال".
6 سقط في ش.
7 كذا في ز. وفي ش: "يضمر".
8 كذا في ز. وفي ش: "ليتناولها ويصل".(2/401)
فإن قلت: فكيف يجوز لليس أن تعمل في الظرف1 وليس فيها تقدير حدث؟
قيل: جاز ذلك فيها من حيث جاز أن ترفع وتنصب, وكانت على مثال الفعل، فكما2 عملت الرفع والنصب وإن عريت من معنى الحدث, كذلك أيضًا تنصب الظرف لفظًا "كما عملت الرفع والنصب لفظًا"3، ولأنها على وزن الفعل. وعلى ذلك وجه أبو علي قول الله سبحانه: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} 4 لأنه أجاز في نصب "يوم" ثلاثة أوجه: أحدها5 أن يكون متعلقًا بنفس "ليس" من حيث ذكرنا من الشبه اللفظي, وقال لي أبو علي -رحمه الله- يومًا: الظرف يتعلق بالوهم مثلًا.
فأما قول الآخر:
نظرت وشخصي مطلع الشمس ظله ... إلى الغرب حتى ظله الشمس قد عقل
فقيل فيه: أراد نظرت6 مطلع الشمس وشخصي ظله إلى الغرب، حتى عقل الشمس ظله أي: حاذاها7، فعلى هذا التفسير قد فصل بمطلع الشمس بين المبتدأ وخبره, وقد يجوز ألّا يكون فصل8، لكن على أن يتعلق مطلع الشمس بقوله: إلى الغرب, حتى كأنه قال: شخصي ظله إلى الغرب وقت طلوع الشمس, فيعلق الظرف بحرف الجر الجاري خبرًا عن الظل؛ كقولك: زيد من الكرام يوم الجمعة, فيعلق الظرف بحرف الجر, ثم قدّم الظرف لجواز تقديم ما تعلق به إلى موضعه, ألا تراك تجيز أن تقول: شخصي إلى الغرب ظله, وأنت تريد: شخصي ظله إلى الغرب. فعلى هذا تقول: زيد يوم الجمعة أخوه من الكرام, ثم تقدم فتقول: زيد من الكرام يوم الجمعة أخوه. فاعرفه.
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "الظروف".
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "وكما".
3 سقط ما بين القوسين في ش.
4 آية: 8، سورة هود.
5 لم يأت في ش، د، هـ، ز، ط بقية الأوجه. وذلك أنه لا يتعلق غرضه إلا بما ذكره. وفي ج: "القول الثاني: بما دلت عليه من معنى. والثالث: بمصروف", وقوله: "من معنى" يريد معنى الانتفاء.
6 سقط سقط في د، هـ، ز.
7 في ز، ط: "فصلًا".
8 وذلك أن يحاذي صاحب الظل الشمس فتكون غير حائلة عنه، وذلك في الزوال إذا قام قائم الظهيرة. وتراه عدَّى الفعل، ورد في اللسان والقاموس لازما.(2/402)
وقال الآخر:
أيا بن أناس هل يمينك مطلق ... نداها إذا عُدَّ الفعال شمالها1
أراد: هل يمينك شمالها مطلق نداها. ف"ها" من "نداها" عائد إلى الشمال لا اليمين, والجملة خبر عن يمينها2.
وقال الفرزدق:
ملوك يبتنون توارثوها ... سرادقها المقاول والقبابا3
أراد: ملوك يبتنون المقاول والقباب توارثوها سرادقها. فقوله: "يبتنون المقاول والقباب " صفة لموك4. وقوله: توارثوها سرادقها صفة ثانية لملوك5، موضعها التأخير, فقدمها وهو يريد بها موضعها كقولك: مررت برجل مكلِّمها مارٍّ بهند, أي: مار بهند مكلمها, فقدَّم الصفة الثانية وهو معتقد تأخيرها. ومعنى يبتنون المقاول أي: أنهم يصطنعون المقاول ويبتنونهم؛ كقول المولّد:
يبني الرجال وغيره يبني القرى ... شتان بين قرى وبين رجال6
وقوله: "توارثوها" أي: توارثوا الرجال والقباب. ويجوز أن تكون الهاء ضمير المصدر؛ أي: توارثوا هذه الفعلات.
__________
1 "أيابن أناس" كذا في ش. وفي ج: "إياس" في مكان "أناس", وفي د، هـ، ز، ط: "أنا ابن أناس".
2 كذا في الأصول التي بيدي يريد يمين الشمال, والأولى: "يمينك".
3 قبله أول القصيدة:
أنا ابن العاصمين بني تميم ... إذا ما أعظم الحدثان نابا
تماني كل أصيد دارميّ ... أغرّ ترى لقبته حجابا
وانظر النقائض طبع أوربا 451. والمقاول: جمع المِقْوَل، بكسر الميم وسكون القاف؛ وهو كالقبل: الملك على قومه دون الملك الأعظم.
4 كذا في ش، ط. وفي ز: "الملوك".
5 كذا في ط. وفي ش، ز: "اللوك".
6 في المحاسن والمساوئ للبيهقي "ص174 طبعة بيروت 1960" هذا النص: "ونظر المأمون إلى ابنه العباس وأخيه المعتصم، وكان العباس يتخذ المصانع ويبني الضياع, والمعتصم يتخذ الرحال، فقال شعرًا:
يبني الرجال وغيره يبني القرى ... شتان بين قرى وبين رجال
فلق بكثرة ماله وضياعه ... حتى يفرقه على الأبطال(2/403)
فأما ما أنشده أبو الحسن من قوله 1:
لسنا كمن حلت إياد دارها ... تكريت ترقب حبها أن يحصدا
فمعناه: لسنا كمن حلت دارها ثم أبدل "إياد" من "من حلت دارها" , فإن حملته على هذا كان لحنًا؛ لفصلك بالبدل بين بعض الصلة وبعض, فجرى ذلك في فساده مجرى قولك: مررت بالضارب زيد جعفرًا. وذلك أن البدل إذا جرى على المبدل منه آذن بتمامه وانقضاء أجزائه, فكيف يسوغ لك أن تبدل منه وقد بقيت منه بقية هذا خطأ في الصناعة, وإذا كان كذلك والمعنى عليه أضمرت ما يدل عليه "حلت" فنصبت به الدار, فصار تقديره: لسنا كمن حلت إياد, أي: كإيادٍ التي حلت, ثم قلت من بعده: حلت دارها. فدلَّ "حلت" في الصلة على "حلت" هذه التي نصبت "دارها".
ومثله قول الله سبحانه: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ، يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} 2 "أي: يرجعه يومن تبلى السرائر"3 فدلَّ "رجعه" على يرجعه, ولا يجوز أن تعلق "يوم" بقوله: "لقادر"؛ لئلّا يصغر المعنى؛ لأن الله تعالى قادر يوم تبلى السرائر وغيره في كل وقت وعلى كل حال على رجع البشر وغيرهم. وكذلك قول4 الآخر.
__________
1 أي: الأعشى، وكان قومه أغاروا على سواد العراق، وهو في سلطان كسرى، فغضب كسرى وطلب منهم رهائن، فأبى قومه ذلك. ويذكر الأعشى في هذه القصيدة أتهم بدو لا يستذلون، وليسوا كإياد الذين أقاموا في تكريت -وهو بلد على دجلة- فعالجوا الزرع والحرث ورضوا بالهوان.
ويقول في مطلع خطابه لكسرى بعد غزل القصيدة:
من مبلغ كسرى إذا ما جاءه ... عني مآلك مخمشات شرّدا
آليت لا نعطيه من أبنائنا ... رهنًا لنفسدهم كمن قد أفسدا
وقوله: "كمن حلت" يروى: "كما حلت" وانظر الصبح المنير 150 وما بعدها، واللسان "منن".
2 آيتا: 8، 9 سورة الطارق.
3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.
4 في د، هـ، ز: "قوله".(2/404)
ولا تحسبنَّ القتل محضًا شربته ... نزارًا ولا أن النفوس استقرت1
ومعناه: لا تحسبن قتلك نزارًا محضًا شربته؛ إلا أنه وإن كان هذا معناه فإن إعرابه على غيره وسواه, ألا ترى أنك إن حملته على هذا جعلت "نزارًا" في صلة المصدر الذي هو "القتل", وقد فصلت بينهما بالمفعول الثاني الذي هو "محضًا"، وأنت لا تقول: حسبت ضربك جميلًا زيدًا, وأنت تقدره على: حسبت ضربك زيدًا جميلًا, لما فيه من الفصل بين الصلة والموصول بالأجنبي. فلا بُدَّ إذًا من أن تضمر لنزار ناصبًا يتناوله يدل عليه قوله: "القتل" أي: قتلت نزارًا. وإذا جاز أن يقوم الحال مقام اللفظ بالفعل كان اللفظ بأن يقوم مقام اللفظ أولى وأجدر.
وذاكرت المتنبيء شاعرنا نحوًا من هذا, وطالبته به في شيء من شعره فقال: لا أدري ما هو إلّا أن الشاعر قد2 قال:
لسنا كمن حلت3 إيادٍ دارها
البيت4. فعجبت من ذكائه وحضوره مع قوة المطالبة له5 حتى أورد ما هو في معنى البيت الذي تعقبته6 عليه من شعره, واستكثرت ذلك منه. والبيت قوله:
وفاؤكما كالربع ِأشجاه طاسمه ... بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه7
وذكرنا ذلك لاتصاله بما نحن عليه, فإن الأمر يذكر للأمر.
__________
1 المحض: اللبن الخالص لا رغوة فيه, ونزار: القبيلة التي أبوها نزار بن معد.
2 سقط هذا الحرف في ش.
3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "جعلت".
4 كذا في ش، ط. وفي ز:
تكريت تمنع حبها أن يحصدا
5 كذا في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "تعقبه".
7 فقوله: "بأن تسعدا" متعلق بقوله: "وفاؤكما", وكان صاحباه ما هداه على أن يسعد بالبكاء عند ربع الأحبة. فيقول: وفاؤكما بذلك كالربع, وذلك أن أبعثه على الحزن الدارس منه، وكذلك بكاؤهما لم يكن يسكب الدموع, فكان أشجى كالربع.
انظر شرح البيت وما قيل فيه, العكبري (بولاق 2/ 254"، وأمالي ابن الشجري "1/ 194".(2/405)
وأنشدنا أبو علي للكميت:
كذلك تلك وكالناظرات ... صواحبها ما يرى المسحل1
أي: وكالناظرات ما يرى المسحل صواحبها. فإن حملته على هذا ركّبت قبح الفصل, فلا بُدَّ إذًا أن يكون "ما يرى المسحل" محمولًا على مضمر يدل عليه قوله "الناظرات", أي: نظرن ما يرى المسحل.
وهذا الفصل الذي نحن عليه ضرب من الحمل2 على المعنى, إلا أنا3 أوصلناه بما تقدمه لما فيه من التقديم والتأخير في ظاهره, وسنفرد للحمل على المعنى فصلًا بإذن الله4.
وأنشدوا:
كأنَّ برذون أبا عصام ... زيدٍ حمار دق باللجام5
أي: كأن برذون زيديا أبا عصام حمار دقّ باللجام. والفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف وحرف الجر قبيح6 كثير؛ لكنه من ضرورة الشاعر, فمن ذلك قول7 ذي الرمة:
كأنَّ أصوات من إيغالهن بنا ... أواخر الميس أصوات الفراريج8
__________
1 "تلك" في ج: "تيك". والمسحل: جانب اللحية، وهو موطن الشيب.
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "المحمول".
3 كذا في ش. وفي ز، ط: "أنه وصلناه".
4 انظر ص413 من هذا الجزء.
5 انظر العيني 3/ 480.
6 سقط في ش، ط. وثبت في د، هـ، ز.
7 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "قوله".
8 هذا في وصف الإبل. والإيغال: الإبعاد في الأرض, وأراد به شدة السير، والميس: شجر تتخذ منه الرحال، وأراد به الرحل. الفراريج: صغار الدجاج. يريد أن رحالهم جدد وقد طال السير, فبعض الرحل يحك بعضًا فيكون له صوت يشبه صوت الفراريخ. انظر الكتاب 1/ 92، والخزانة 2/ 119، والديوان 76.(2/406)
"أي: كأن أصوات أواخر الميس من إيغالهن بنا أصوات الفراريج"1.
وقوله 2:
كما خُطَّ الكتاب بكفِّ يومًا ... يهودي يقارب أو يزيل
"أي: بكف يهودي"3.
وقوله:
هما أخوا في الحرب من لا أخاله ... إذا خاف يومًا نبوة فدعاهما4
أي: هما أخوا مَنْ لا أخا له في الحرب, فعلق الظرف5 بما في "أخوا" من معنى الفعل؛ لأن معناه: هما ينصرانه ويعاونانه.
وقوله 6:
هما خطتا إما إسارٍ ومنةٍ ... وإما دمٍ والقتل بالحرّ أجدر
ففصل7 بين "خُطَّتا" و"إسارٍ" بقوله "إما"، ونظيره8 هو غلام, إمّا زيد وإما عمرو. وقد ذكرت هذا البيت في جملة كتابي "في تفسير أبيات الحماسة"، وشرحت حال الرفع في إسار ومنة.
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش، وثبت في د، هـ، ز، ط.
2 أي: أبي حية التميري. يصف رسم الدار التي وقف عليها، ويشبهه بالكتابة، وكانت الكتابة يتعاطاها اليهود. وقوله: "يقارب" أي: يدني بعض خطه من بعض. وقوله: "يزيل" أي: تميز بين الحروف، ويباعد بينها، وانظر شواهد العيني 3/ 470، واللسان "عجم".
3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط.
4 انظر الكتاب 1/ 92، وحاشية الجزء الأول من هذا الكتاب 297.
5 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "في الظرف".
6 أي: تأبط شرًّا. وانظر الخزانة 3/ 356.
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "فصل".
8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "نظير هذا".(2/407)
ومن ذلك قوله:
فزججتها بمزَجَّة ... زجَّ القلوص أبي مزاده1
أي: زج أبي مزادة القلوص, ففصل بينهما بالمفعول به. هذا مع قدرته على أن يقول: زج القلوص أبو مزادة, كقولك: سرَّني أكل الخبز زيد, وفي هذا البيت عندي دليل على قوة إضافة المصدر إلى الفاعل عندهم, وأنه في نفوسهم أقوى من إضافته إلى المفعول, ألا تراه ارتكب ههنا الضرورة مع تمكنه من ترك ارتكابها لا لشيء غير الرغبة في إضافة المصدر إلى الفاعل دون المفعول.
فأما قوله2:
يطفن بحوزي المراتع لم يُرَعْ ... بواديه من قرع القسيّ الكنائن
فلم نجد فيه بدًّا من الفصل؛ لأن القوافي مجرورة. ومن ذلك قراءة "ابن عامر"3:
__________
1 يقال: زجه: طعنه بالزج هو سنان الرمح, والمزجة: رمح قصير, والقلوص: الناقة الفتية. وكأنّ الضمير في "زججتها" لراحلته. وقوله: "بمزجة" كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "متمكنًا" ويذكر الزمخشري في المفصل أن هذا البيت يوجد في بعض نسخ الكتاب، وأن سيبويه يرمي من عهدته، وانظر العيني 3/ 468، والخزانة 2/ 251، وابن يعيش 3/ 19.
2 أي: الطرماح. وقبله:
يخافتن بعض المضغ من خشية الردى ... وينصتن للسمع إنتصات القناقن
وهو في وصف بقر الوحش, والقناقن -بفتح القاف الأول- جمع القنقن -بكسر القافين, والقناقن -بضم القاف الأولى وكسر الثانية- وهو المهندس الذي يعرف الماء تحت الأرض. والحوزي: فحلها، وهو الأصل المتوحد، وقوله: "لم يرع بواديه" أي: يفزع بالوادي الذي هو فيه. وفي اللسان "حوز", والديون 169: "ترع بوادية", وضبط "ترع" بالبناء للقاعل، و"باديه" بفتح الباء جمع البادي، أو البادية. وفي شواهد العيني 3/ 464: "وأراد بالبوادي البوادر" وواحدها بادرة، وهي ما يظهر عند الغضب من حدة وغيرها. وقوله: "من قرع القسي الكنائن" أي: من تعرض الصاد له.
3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "من قرأ".(2/408)
{وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} 1 وهذا في النثر وحال السعة صعب2 جدًّا3، ولا سيما والمفصول به مفعول لا ظرف.
ومنه بيت الأعشى:
إلا بداهة أو علا ... لة قارح نهد الجزاره4
ومذهب5 سيبويه فيه الفصل بين "بداهة" و"قارح"؛ وهذا أمثل عندنا من مذهب غيره فيه؛ لما قدمنا6 في غير هذا الموضع. وحكى الفراء عنهم: برئت إليك من خمسة وعشري النخاسين, وحكى أيضًا: قطع الله الغداة يد ورجل من قاله, ومنه قولهم: هو خير وأفضل من ثَمْ, وقوله 7:
يا من رأى عارضًا أرقت له ... بين ذراعي وجبهة الأسد
فإن قيل: لو كان الآخر مجرورًا بالأول لكنت بين أمرين.
__________
1 آية 137 سورة الأنعام.
2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "ضعف", وظاهر أنه محرَّف عن "ضعيف".
3 سقط في د، هـ، ز.
4 هذا من قصيدة له يذكر فيها بأس قومه، وقبل البيت على ما في اللسان "جزر" والكتاب 1/ 76:
ولا نقاتل بالعص ... ي ولانرامي بالحجارة
والقارح من الخيل الذي أكل خمس سنين، وبداهته: أول جريه، وعلالته: بقية جريه, يريد أن قتالهم ليس بالعصي وليس بالحجارة، إنما هو الخيل يمتطيها الفوارس بالسلاح. ووقع هنا تقديم "بداهة" على "علالة", والواقع في الديوان وغيره عكس هذا الترتيب؛ كما وقع السابق على الشاهد على غير ما ذكرت. وانظر الخزانة 1/ 83، والصبح المنير 114، والكتاب 1/ 76.
5 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فذهب".
6 كذا في ش وي د، هـ، ز: "ذكرنا". وفي ط: "قد ذكرنا".
7 ينسب إلى الفرزدق, ولا يوجد في ديوانه قصيدة هذا البيت. والعارض: السحاب يعترض في الأفق. وذراعا الأسد وجبتهه من منازل القمر، ينسب إليهما المطر. انظر الخزانة 1/ 369، والديواني 1/ 215.(2/409)
أما أن تقول: إلا "علالة أو بداهته"1 قارحٍ, وبرئت إليك من خمسة وعشريهم النخّاسين, وقطع الله يد ورجله من قاله, ومررت بخير وأفضله مَنْ ثَمَّ, وبين ذراعي وجبهته الأسدِ؛ لأنك إنما تعمل الأول، فجرى ذلك2 مجرى: ضربت فأوجعته زيدًا, إذا أعملت الأول.
وإما أن تقدّر حذف المجرور من الثاني وهو مضمَر ومجرور كما ترى, والمضمر إذا كان مجرورًا قبح حذفه؛ لأنه يضعف أن ينفصل فيقوم برأسه.
فإذا لم تخل3 عند جرِّك الآخر بالأول من واحد من هذين, وكل واحد منهما متروك, وجب أن يكون المجرور إنما انجرَّ بالمضاف الثاني الذي وليه, لا بالأول الذي بَعُد عنه.
قيل: أما تركهم إظهار الضمير في الثاني, وأن يقولوا: بين ذراعي وجبهته الأسد ونحو ذلك, فإنهم لو فعلوه4 لبقي المجرور لفظًا لا جارّ له في اللفظ يجاوره, لكنهم لما قالوا: بين ذراعي وجبهة الأسد صار كأنَّ "الأسد" في اللفظ مجرور بنفس "الجبهة", وإن كان في5 الحقيقة مجرورًا بنفس الذراعين. وكأنهم6 في ذلك إنما أرادوا إصلاح اللفظ. وأما قبح حذف الضمير مجرورًا لضعفه عن الانفصال, فساقط عنا أيضًا, وذلك أنه إنما يقبح7 فصل الضمير المجرور متى خرج إلى اللفظ نحو: مررت بزيدوك, ونزلت على زيدوه لضعفه8 أن يفارق ما جره. فأما إذا لم يظهر إلى اللفظ
__________
1 لو جرى على ما سبق لعكس الترتيب.
2 كذا في ش، ط وفي د، هـ، ز "لذلك".
3 كذا في ش. وفي ط، ز: "يخل".
4 في د، هـ، ز: "فعلوا ذلك".
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "على".
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فكأنهم".
7 كذا في ش: ط. وفي د، هـ، ز: "قبح".
8 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "ولضعفه".(2/410)
وكان إنما هو مقدر في النفس غير مستكره عليه اللفظ فإنه لا يقبح, ألا ترى أن هنا أشياء مقدرة لو ظهرت إلى اللفظ قبحت, ولأنها غير خارجة إليه1 ما حسنت. من ذلك قولهم: اختصم زيد وعمرو, ألا ترى أن العامل في المعطوف غير العامل في المعطوف عليه, فلا بُدَّ إذًا من تقديره على: اختصم زيد واختصم عمرو, وأنت لو قلت ذلك لم يجز؛ لأن اختصم ونحوه من الأفعال -مثل اقتتل واستب واصطرع- لا يكون فاعله أقلّ من اثنين, وكذلك قولهم: رُبَّ2 رجل وأخيه, ولو قلت: ورب أخيه لم يجز, وإن كانت رُبَّ مرادة هناك ومقدرة.
فقد علمت بهذا وغيره أن ما تقدّره3 وهمًا ليس كما تلفظ3 به لفظًا. فلهذا يسقط عندنا إلزام سيبويه هذه الزيادة.
والفصل بين المضاف والمضاف إليه كثير, وفيما أوردناه منه كافٍ بإذن الله. وقد جاء الطائي الكبير بالتقديم والتأخير فقال:
وإن الغنى لي لو لحظت مطالبي ... من الشعر إلّا في مديحك أطوع4
وتقديره: وإن الغنى لي لو لحظت مطالبي أطوع من الشعر إلّا في مديحك, أي: فإنه يطيعني في مدحك ويسارع إلي. وهذا كقوله أيضًا معنًى لا لفظًا:
تغاير الشعر فيه إذ سهرت له ... حتى ظننت قوافيه ستقتتل5
وكقول الآخر:
ولقد أردت نظامها فتواردت ... فيها القوافي جحفلًا عن حجفل
__________
1 "ما" زائدة. ويقع ذلك في كلام المؤلف كثيرًا. وقد سقطت في ج. وفي ط: "ولو أنها غير خارجة إليه ما حسنت" وهي ظاهرة.
2 سقطت الواو في ز.
3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "يقدره.... بلفظ".
4 من قصيدته في مدح أبي سعيد محمد بن يوسف.
5 من قصيدته في مدح المعتصم.(2/411)
وذهب أبو الحسن في قول الله سبحانه: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} 1 إلى أنه أراد: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} من الجنة والناس {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} 2.
ومنه قول الله -عز اسمه: {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} 3 أي: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم, وقيل في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} 4 إن تقديره: والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة ثم يعودون "لما قالوا"5. ونحو من هذا اقدمنا ذكره من الاعتراض في نحو قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} 6 تقديره -والله أعلم- فلا أقسم بمواقع النجوم إنه لقرآن كريم, وإنه لقسم عظيم لو تعلمون.
وقد شبّه الجازم بالجار ففصل بينهما, كما فصل بين الجار والمجرور, وأنشدنا7 لذي الرمة:
فأضحت مغانيها قفارًا رسومها ... كأن لم سوى أهل من الوحش تؤهل8
__________
1 آيات: 4، 5، 6 سورة الناس.
2 سقط ما بين القوسين في ش.
3 آية 28 سورة النمل.
4 آية: 3 سورة المجادلة.
5 سقط في ش.
6 آيات: 75، 76، 77 سورة الواقعة.
7 سقط حرف العطف في ش.
8 قبله:
فيا أكرم السكن الذين تحملوا ... عن الدار والمتسخلف المتبدل
والسكن: جمع الساكن. وتؤهل من أهلت المكان: نزلت به. فالمرفوع لتؤهل ضمير الدار أو المغاني. وانظر الخزانة 3/ 626، والديوان 506.(2/412)
وجاء هذا1 في ناصب2 الفعل. أخبرنا محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى بقول الشاعر:
لما رايت أبا يزيد مقاتلًا ... أدع القتال3. . . . .
أي: لن أدع القتال ما رأيت أبا يزيد مقاتلًا, كما أراد في الأول: كأن لم تؤهل سوى أهل من الوحش. وكأنه شبَّه لن بأنَّ, فكما جاز الفصل بين أنَّ واسمها بالظرف في نحو قولك: بلغني4 أن في الدار زيدًا, كذلك شبَّه "لن" مع الضرورة بها ففصل بينها وبين منصوبها بالظرف الذي هو "ما رأيت أبا يزيد" أي: مدة رؤيتي.
فصل في الحَمْل على المعنى:
اعلم أن هذا الشَرْج5 غور من العربية بعيد, ومذهب نازح فسيح. قد ورد به القرآن وفصيح الكلام منثورًا ومنظومًا؛ كتأنيث المذكر, وتذكير المؤنيث, وتصوير معنى الواحد في الجماعة, والجماعة في الواحد, وفي حمل الثاني على لفظ قد يكون عليه الأول أصلًا كان ذلك اللفظ أو فرعًا, وغير ذلك مما تراه بإذن الله.
فمن تذكير المؤنث قوله 6:
فلا مزنة ودقَّت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 في د، هـ، ز: "نصب".
3 تتمته:.... ... وأشهد الهيجاء
والبيت يرد في كتب النحو في مبحث النواصب، وفي المغني "لما" دون عزو. و"لما" أصله "لن ما" وقد كنيت موصولة للإلقاز. وانظر شواهد المغني للبغدادي 2/ 109.
4 سقط في ش.
5 أي: النوع, وفي الأصول: "الشرح" وهو تصحيف.
6 أي: عامر بن جوين الطائي, ويصف أرضًا مخصبة بكثرة ما نزل بها من الغيث. وانظر الخزانة 1/ 21، والكتاب 1/ 240.(2/413)
ذهب بالأرض إلى الموضع والمكان, ومنه قول الله -عز وجل: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي} 1 أي: هذا الشخص أو هذا المرئي ونحوه, وكذلك قوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ} 2 لأن الموعظة والوعظ واحد, وقالوا في قوله سبحانه: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} 3 إنه أراد بالرحمة هنا المطر, ويجوز أن يكون التذكير هنا "إنما هو"4 لأجل فَعِيل على قوله 5:
بأعينٍ أعداءٍ وهن صديق
وقوله 6:
. . . ولا عفراء منك قريب
وعليه قول الحطيئة:
ثلاثة أنفس وثلاث ذَوْد ... لقد جار الزمان على عيالي7
ذهب بالنفس إلى الإنسان فذكَّر.
__________
1 آية: 78 سورة الأنعام.
2 آية: 275 سورة البقرة.
3 آية: 56 سورة الأعراف.
4 كذا في ش، ط. وسقط في ز.
5 أي: جرير، كما في اللسان "صدق"، 398. وفي زهر الآداب 1/ 93 نسبته لمزاحم العقيليّ. وصدره:
نصبن الهوى ثم أرتمين قلوبنا
6 أي: عروة بن حزام، والبيت بتمامه:
ليالي لا غفواء منك بعيده ... فتسلّى ولا عقراء منك قريب
وانظر السمط 401، واللسان "قرب".
7 الذود من الإبل ما بين الثلاثة إلى العشرة, ويعني بثلاثة الأنفس: نفسه وزوجه وابنه مليكة، والذود ثلاث من النوق كان يقوم بها على عياله، ففقد إحداهما، وانظر الكتاب 2/ 175، والخزانة 3/ 301.(2/414)
وأما بيت الحكمى 1:
ككمون النار في حجره
فيكون على هذا؛ لأنه ذهب إلى النور والضياء, ويجوز أن تكون الهاء عائدة على الكمون, أي: في حجر الكمون, والأول أسبق في الصنعة إلى النفس, وقال الهذلي 1:
بعيد الغزاة فما إن يزا ... ل مضطمرًا طرَّتاه طليحا
ذهب بالطرتين إلى الشعر, ويجوز أن يكون "طرتاه" بدلًا من الضمير إذا جعلته في مضطمر3؛ كقول الله سبحانه: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ} 4 إذا جعلت في "مفتحة" ضميرًا، وجعلت "الأبواب" بدلًا من ذلك الضمير, ولم يكن تقديره: الأبواب منها, على أن نخلي "مفتحة" من الضمير5. نعم, وإذا كان في "مفتحة"
__________
1 يريد بالحكميّ أبا نواس. وهذا عجز صدره:
كمن الشنان فيه لنا
وقبله:
وابن عم لا يكاشفنا ... قد لبسناه على غمره
وهو من قصيدة في مدح العباس بن عبد الله بن أبي جعفر المنصور.
2 هو أبو ذؤيب من قصيدة له في مدح عبد الله بن الزبير, وهذا ما في اللسان "طرر" وفي ديوان الهذليين "طبعة دار الكتب" 1/ 132 وما بعدها, هذا الوصف فيمن يوصي الشاعر صاحبته أن تصاحبه إذا هجرته وأرادت خلفًا له؛ وهو يرمي إلى أنه نفسه بهذا الوصف, والبيت في الهذليين على ما يأتي:
تريع الغزاة وما إن يري ... ع مضطمرًا طرَّتاه طليحا
وقوله: "تريع العزاة" أي: يرجعون، والريع: العود والرجوع. وهذا كقوله في رواية الكتاب: "بعيد الغزاة" غير أن "الغزاة" في رواية الكتاب بفتح الغين, أي: الغزو، وفي رواية الديوان بضم الغين جمع الغازي. وطرتاه: كشحاه، واضطمار الكشحين كناية عن ضمور البطن من الهزال، وطليحًا: معيبًا.
3 في ط: "مضطمرًا".
4 آية: 5 سورة ص.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ضمير".(2/415)
ضمير "والأبواب" بدل منه, فلا بُدَّ أيضًا من أن يكون تقديره1 "مفتحة لهم"2 الأبواب منها. وليس "منها" وفي "مفتَّحة" ضمير مثلها إذا أخليتها من ضمير. وذلك أنها إذا خلت "مفتحة" من ضمير فالضمير في "منها" عائد الحال3 إذا كانت مشتقة, كقولك: مررت بزيد واقفًا الغلام معه, وإذا كان في "مفتحة" ضمير فإن الضمير في "منها" هو الضمير الذي يرد به المبدل عائدًا على المبدل منه, كقولك: ضربت زيدًا رأسه, أو الرأس منه, وكلمت قومك نصفهم4 أو النصف منهم, وضرب زيد الظهر والبطن, أي: الظهر منه والبطن منه. فاعرف ذلك فرقًا بين الموضعين.
ومن تذكير المؤنّت قوله:
إن امرأ غرَّه منكنَّ واحدةٌ ... بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور5
لما فصل بين الفعل وفاعله حذف علامة التأنيث, وإن كان تأنيثه حقيقيًّا. وعليه قولهم: حضر القاضي امرأة, وقوله 6:
لقد ولد الأخيطل أم سوء ... على باب استها صلب وشام
وأما قول جران العود 7:
ألا لا يغرّن امرؤ نوفلية ... على الرأس بعدي أو ترائب وضّح
__________
1 سقط في ش.
2 سقط ما بين القوسين في ز.
3 كذا في ز، ط. وفي ش: "إلى الحال", والمراد بعائد الحال ما يعود منها على صاحبها.
4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بعضهم".
5 بعده:
أنسيت عهدي ولم تعنى بموثقي ... تبًّا لعلك والمفقود مهجور
6 أي: جرير يهجو الأخطل، يصف أن أمه نصرانية, والصلب: جمع الصاب، والشام: جمع الشامة. أراد أنه عارف بذلك الموضع. وانظر العيني 2/ 668.
7 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "الجران".(2/416)
فليست النوفليّة هنا امرأة, وإنما هي مشطة1 تعرف بالنوفلية؛ فتذكير الفعل معها2 أحسن.
وتذكير المؤنث واسع جدًّا؛ لأنه ردّ فرع إلى أصل. لكن تأنيث المذكر أذهب في التناكر والإغراب. وسنذكره.
وأما تأنيث المذكّر فكقراءة من قرأ3 {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} 4 وكقولهم: ما جاءت حاجتك, وكقولهم: ذهبت بعض أصابعه, أنَّث ذلك لما كان بعض السيارة سيارة في المعنى, وبعض الأصابع إصبعًا, ولما كانت "ما " هي الحاجة في المعنى, وأنشدوا:
أتهجر بيتًا بالحجاز تلفَّعت ... به الخوف والأعداء من كل جانب5
ذهب بالخوف إلى المخافة, وقال لبيد:
فمضى وقدمها وكانت عادة ... منه إذا هي عرَّدت إقدامها
إن شئت قلت: أنَّثَ الإقدام لما كان في معنى التقدمة, وإن شئت قلت: ذهب
__________
1 هذا اسم للهيئة من المشط، ويراد به ضرب منه. وفسَّر الأزهري النوفلية في البيت بشيء من صوف يحشى وتضعه المرأة على رأسها وتختمر عليه. وانظر اللسان "نفل".
2 كذا في ز، د، هـ، ط. وفي ش: "فيها".
3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بعضهم".
4 آية: 10 سورة يوسف. والقراءة بالتأنيث قراءة الحسن، كما في الإتحاف والبحر.
5 ورد البيت في اللسان "خوف" وفيه: "أم أنت زائره" في مكان: "من كل جانب". وورد أيضًا في حماسة ابن الشجري 150 منسوبًا إلى الحسين بن مطير هكذا:
أتهجر بيتًا بالحجاز تكنّفت ... جوانبه الأعداء أم أنت زائره
6 هو من معلقته المشهورة. والتعريد: الانهزام وترك القصد. والحديث من حمار الوحش يتبع أتانًا تحاول الفرار منه، فيذكر أن الحمار جعلها أمامه كيلا تهرب, وكذلك شأنه إذا هي حاولت الفرار وغردت أن يقدمها ويسوقها أمامه.(2/417)
إلى تأنيث العادة، كما ذهب إلى تأنيث الحاجة في قوله 1: " ما جاءت حاجتك"2 وقال 3:
يأيها الراكب المزجي مطيته ... سائل بني أسد ما هذه الصوت
ذهب إلى تأنيث الاستغاثة. وحكى4 الأصمعي عن أبي عمرو أنه سمع رجلًا من أهل اليمن يقول: فلان لغوب جاءته, جاءته كتابي فاحتقرها! فقلت له: أتقول: جاءته كتابي! فقال: نعم, أليس بصحيفة! قلت: فما اللغوب, قال: الأحمق. وهذا في النثر كما ترى, وقد علله.
وهذا مما قد5 ذكرناه "فيما مضى من"6 كتابنا هذا غير أنا أعدناه لقوته في معناه, وقال7:
لو كان في قلبي كقدر قلامةٍ ... حبًّا لغيرك قد أتاها أرسلي
كَسَّر رسولًا وهو مذكر على أَرْسُل, وهو من تكسير المؤنث؛ كأتان وآتُن, وعناق وأعنق, وعُقاب وأعُقب, لما كان الرسول هنا إنما يراد به المرأة؛ لأنها في غالب
__________
1 كذا في ز، ط. وفي د، هـ: "قولهم" وساقطة في ش.
2 سقط في ش.
3 هو رويشد بن كثير الطائي. وانظر الحماسة بشرح التبريزي 1/ 164.
4 انظر في هذا الحكاية ص250 من الجزء الأول.
5 هذه الكلمة في د، هـ, وساقطة في ش، ط، ز.
6 في د، هـ: "ذكرناه في كتابنا".
7 نسبه ابن بري إلى الهذلي. ولأبي كبير الهذلي قصيدة فيها البيت الآتي:
وجليلة الأنساب ليس كمثلها ... ممن تمنّع قد أتتها أرسلي
ويبدو أن ما هنا رواية في البيت. وانظر اللسان "رسل"، وديوان الهذليين "طبعة دار الكتب" 2/ 99. وفي الصناعتين "الحلبي" 344 لجميل:
لو كان في قلبي كقدر قلامة ... حبًّا وصلنك أو أتتك رسائلي(2/418)
الأمر مما يستخدم في هذا الباب, وكذلك ما جاء عنهم من جناح واجنح. قالوا: ذهب "في التأنيث"1 إلى الريشة.
وعليه قول2 عمر 3:
فكان مجنيّ دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوص كأعبان ومعصر
أنث الشخص؛ لأنه أراد به المرأة. وقال الآخر 4:
فإن كلابًا هذه عشرُ أبطُن ... وأنت بريء من قبائلها العَشْر
ذهب بالبطن إلى القبيلة، وأبان ذلك بقوله: من قبائلها.
وأما قوله 5:
كما شرقت صدر القناة من الدم
فإن شئت قلت: أنث لأنه أراد القناة, وإن شئت قلت: إن صدر القناة قناة. وعليه قوله 6:
مشين كما اهتزت رماحٌ تسفَّهت ... أعاليها مرُّ الرياح النواسم
__________
1 كذا في ش. وفي د، ز، ط: "بالتأنيث".
2 كذا في ش. وفي ز، ط: "قال".
3 أي: ابن أبي ربيعة, وهو من قصيدته الطويلة التي أولها:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر
وانظر الكتاب 2/ 175، والخزانة 3/ 312.
4 في الكتاب "2/ 174": "وهو رجل من كلاب", وقال الأعلم: هجا رجلا ادَّعى نسبه في بني كلاب. فذكر أن بطونهم عشرة ولا نسب له معلوم في أحدهم".
5 أي: الأعشى, وصدره:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته
وهو من قصيدة يهجو فيها عمير بن عبد الله الشاعر الذي كان يلقب جهنام باسم تابعه من الجنّ، كما كانوا يزعمون. وانظر الكتاب 1/ 25، والصبح المنير 94.
6 أي: ذي الرمة. وهو في وصف النساء, وقوله: "تسفَّهت أعاليها مر الرياح، أي: حركتها واستخفتها، والنواسم: التي تهب يضعف. يصفهن برقة المشي.(2/419)
وقول الآخر 1:
لما أتى خبر الزبير تواضعت ... سور المدينة والجبال الخشع
وقوله2:
طول الليالي أسرعت في نقضي
وقوله:
على قبضة موجوءة ظهر كفه3
وقول الآخر 4:
قد صرح السير عن كتمان وابتذلت ... وقع المحاجن بالمهريّة الذقن
وأما قول بعضهم: صرعتني بعير لي, فليس عن ضرورة؛ لأن5 البعير يقع على الجمل والناقة, وقال:
لا تشربا لبن البعير وعندنا ... عرق الزجاجة واكف المعصار
__________
1 هو جرير. والبيت من قصيدة يهجو بها الفرزدق, وكان من قومه عمرو بن جرموز قاتل الزبير -رضي الله عنه. وانظر الخزانة 2/ 196, والنقائض 969. وسقط في ش: "لما أتى خبر الزبير".
2 أي: العجاج، وقيل: الأغلب العجلي. وبعده:
أكلن بعضي وتركن بعضي
وانظر الكتاب 1/ 26، وشواهد المغني للسيوطي 298, وللبغدادي 2/ 802.
3 عجزه:
فلا المرء مستحي ولا هو طاعم
وقوله: "موجوءة" كذا في نسخ الخصائص, وفي معاني القرآن للفراء 1/ 187: "مرجوّة".
4 هو تميم بن أبي بن مقبل, وقوله: "صرّح السير" أي: كشف وبيّن عن هذا المكان. وذلك ببلوغهم إياه. وكتمان: اسم موضع. والمهرية يريد بها الإبل المنسوبة إلى مهرة إحدى قبائل اليمن, والذقن: جمع الذقون، وهي التي تميل ذقنها إلى الأرض، والمحاجن: العصيّ الموجعة، وفي الكلام قلب؛ أي ابتذلت المهرية بوقع المحجن عليها. وانظر اللسان "كتم", ومعاني القرآن 1/ 187.
5 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "من قبل أن".
6 "تشربا" كذا في ش، والألف فيه يجوز أن تكون للتثنية: ويحتمل أن يكون رسم النون الخفيفة للتوكيد. وفي ز، ط: "تشربي". وعرق الزجاجة يريد به الخمر, كأنها عرق للزجاجة تنضح، والمعصار آلة العصر كالمعصرة.(2/420)
عز اسمه: "وَمَنْ تَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ"1 لأنه أراد: امرأة.
ومن باب الواحد والجماعة قولهم: هو أحسن الفتيان وأجمله, أفرد الضمير؛ لأن هذا موضع يكثر فيه الواحد كقولك 2: هو أحسن فتى في الناس؛ قال ذو الرمة:
وميَّة أحسن الثقلين وجهًا ... وسالفة وأحسنه قذالًا3
فأفرد الضمير مع قدرته على جمعه, وهذا يدلك على قوة اعتقادهم أحوال المواضع4, وكيف ما يقع فيها, ألا ترى أن الموضع موضع جمع, وقد تقدَّم في الأول لفظ الجمع فتُرِكَ اللفظ وموجب الموضع إلى الإفراد؛ لأنه يؤلف في هذا المكان.
وقال سبحانه: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ} 5 فحمل على المعنى وقال: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} 6 فأفرد على لفظ من, ثم جمع من بعد، وقال عبيد 7:
فالقطبيات فالذنوب
__________
1 آية: 31، سورة الأحزاب. وقراءة "تقنت" بالتاء قراءة ابن عامر ويعقوب والجحدري. وانظر الكتاب 1/ 404.
2 كذا في ش، ط. وفي ز: "كقولهم".
3 هذا من قصيدة في مدح بلال بن أبي بردة، والسالفة: أعلى العنق، والقذال: مؤخر الرأس فوق القفا، وانظر الخزانة 4/ 108، والديوان 436، والكامل 6/ 185.
4 في ط: "الموضع".
5 آية: 82، سورة الأنبياء.
6 آية: 112، سورة البقرة. وفي ط: {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} وهذا لا يوافق التلاوة.
7 أي: ابن الأبرص. وصدر البيت:
أقفر من أهله ملحوب
وهو مطلع معلقته.(2/421)
وإنما القُطبيّة ماء واحد1 معروف. وقال الفرزدق:
فيا ليت داري بالمدينة أصبحت ... بأجفار فلج أو بسيف الكواظم2
يريد الجفر وكاظمة. وقال جرير:
بان الخليط برامتين فودعوا ... أو كلما ظعنوا لبين تجزع
وإنما رامة أرض واحدة معروفة.
واعلم أن العرب إذا حملت على المعنى لم تكد4 تراجع اللفظ؛ كقولك: شكرت من أحسنوا إلي على فعله "ولو قلت: شكرت من أحسن إلي على فعلهم, جاز"5. فلهذا ضعف عندنا أن يكون "هما" من "مصطلاهما" في قوله 6:
كميتًا الأعالي جونتا مصطلاهما7
__________
1 سقط في د، هـ، ز، وفي ط: "وهو".
2 من قصيدة له في مدح سليمان بن عبد الملك وهجو جرير. وانظر النقائض 343. وفي شرحها: "والكواظم يعني: كاظمة وما حولها". وفلج: واد بين البصرة وحمى ضربة. والجفر: البئر لم تطوه في اللسان "كظم": "بأعفار فلج" والأعفار جمع العفر وهو التراب. وكاظمة: موضع على سيف البرح قريب من البصرة، والسيف: الشاطئ, فقوله: "سيف الكواظم" يريد سيف البحر عندها.
3 مطلع قصيدة له في هجو الفرزدق. وانظر الديوان 340، والنقائض 961.
4 في ش "تكن".
5 ثبت ما بين القوسين في ش: وسقط في د، هـ، ز، ط.
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "قول الشماخ".
7 صدره:
أقامت على ربعيهما جارتا صفا
وقبله:
أمن دمنتين عرّس الركب فيهما ... بحقل الرخامي قد عفا طلاهما
والدمنة: الموضع الذي أثر فيه الناس بنزولهم فيه, وحقل الرخامي: موضع بعينه. ويريد بجارتي صفا الأثفيتين أضافهما إلى الصفا، أي: الجبل من الجل استنادهما إليه. وصف أن أعاليهما بلون الكمنة وهي الحمرة المائلة إلى السواد؛ لأنهما اتخذتا من صخر أحمر فيهما على حالهما الأولى، أو ذلك أثر اللهب أمّا موضع الاصطلاء بالنار وذلك في أسافلهما فهو مسوّد من الوقود. ويرى سيبويه أن الضمير في "مصطلاهما" لجارتي الصفا، ويرى غيره أن الضمير للأعالي، وقد ثنَّى الضمير حملًا على المعنى. والمؤلف يرد هذا الوجه كما ترى. وانظر الكتاب 1/ 102، والخزانة 2/ 198.(2/422)
عائدًا على الأعالي في المعنى؛ إذ كانا أعليين اثنين1، لأنه موضع قد ترك فيه لفظ التثنية حملًا على المعنى؛ لأنه جعل كل جهة منهما2 أعلى؛ كقولهم: شابت مفارقه, وهذا بعير ذو عثانين3, ونحو ذلك, أو لأن الأعليين شيئان من شيئين. فإذا كان قد انصرف عن اللفظ إلى غيره ضعفت معاودته إياه؛ لأنه انتكاث وتراجع, فجرى ذلك مجرى إدغام الملحق وتوكيد ما حذف. على أنه قد جاء منه شيء؛ قال:
رءوس كبيريهنّ ينتطحان4
وأما قوله 5:
كلاهما حين جدَّ الحرب بينهما ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي
فليس من هذا الباب، وإن كان قد عاد من بعد التثنية إلى الإفراد. وذلك أنه لم يقل: كلاهما قد أقلعا وأنفه راب, فيكون ما أنكرناه, لكنه قد أعاد "كلا" أخرى غير الأولى, فعاملها على لفظها. ولم يقبح ذلك؛ لأنه قد فرغ من حديث6 الأولى, ثم استأنف من بعدها أخرى, ولم يجعل الضميرين عائدين إلى كلا واحدة. وهذا كقولك: من يقومون أكرمهم, ومن يقعد أضربه. فتأتي ب"من" الثانية فتعاملها على ما تختار مما يجوز مثله. وهذا واضح فاعرفه. ولا يحسن "ومنهم من يستمعون إليك حتى إذا خرج7 من عندك" لما ذكرنا.
__________
1 كذا في ز، ط. وفي ش: "فاعلين".
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "منها".
3 واحده عثنون، وهو شعيرات عند مذبح البعير والتيس, وانظر في هذا المثال وما قبله الكتاب 2/ 138.
4 البيت الفرزدق، وهو من قصيدة في ديوانه "ص872، الصاوي" وصدره:
رأوا جبلًا دق الجبال إذا التقت
وانظر الخزانة 2/ 202، وتاريخ الطبري 8/ 111.
5 أي: الفرزدق يهجو جريرًا. وكان جرير زوّج ابنته من ابن زوجته ثم طلقها منه بفدية، فيذكر الفرزدق أن ابنة جرير وزوجها سارا معًا فى حياة الزواج وجدَّا في ذلك ووقعت الألفة بينهما، ثم انقطع الوثام وهما لا يودان ذلك، وذلك من فعل جرير وعسفه، وانظر شواهد المغني للبغدادي 2/ 51، والنوادر 162.
6 كذا في ش. وسقط في د، هـ، ز، ط.
7 في ش: "خرجوا".
وهو يشير إلى قوله تعالى في الآية16، من سورة محمد: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا} "المصحح".(2/423)
وأما قول الفرزدق:
وإذا ذكرت أباك أو أيامه ... أخزاك حيث تُقَبَّل الأحجار1
-يريد الحجر- فإنه جعل كل ناحية حجرًا, ألا ترى أنك لو مسست كل ناحية منه لجاز أن تقول: مسست الحجر. وعليه شابت مفارقه, وهو كثير العثانين. وهذا عندي هو سبب إيقاع لفظ الجماعة على معنى الواحد.
وأما2 قوله 3:
فقلنا أسلموا إنّا أخوكم ... فقد برئت من الإحن الصدور
فيجوز أن يكون جمع أخ قد4 حذفت نونه للإضافة, ويجوز أن يكون واحدًا وقع موقع الجماعة كقوله 5:
ترى جوانبها بالشحم مفتوقا
وقد توضع من للتثنية؛ وذلك قليل؛ قال 6:
نكن مثل مًنْ يا ذئبُ يصطحبان
__________
1 هذا من قصيدة يهجو فيها جريرًا. وقبله:
يابن المراغة أنت ألأم من مشى ... وأذلّ من لبنانه أظفار
وفي الكناية على النقائض أنه أراد بالأحجار الحجر الأسود والبيت الحرام ومقام إبراهيم -عليه السلام- في الحجر. وهو مذهب غير ما ذهب إليه المؤلف, وفيها في تفسير البيت: "يقول: أخزاك أبوكفي هذا المواضع التي يجتمع فيها الناس من كل فج عميق" وانظر النقائض 870.
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "فأمّا".
3 أي: العباس بن مرداس. وهو يخاطب ثقيفًا بعد هزيمتهم مع هوازن في غزوة حنين. وانظر سيرة ابن هشام على هامش الروض 2/ 292، واللسان "أخو".
4 ثبت هذا الحرف في د، هـ، ز. وسقط في ش، ط.
5 أي: الأسود بن يعفر. وصدره:
وجفنة كنضيح البئر متأفة
والنضيج: الحوض العظيم يكون قريبًا من البئر. ومتأفة: مملوءة. يريد بالجفنة قصعة الثريد. وانظر الأغاني "طبعة دار الكتب" 13/ 25.
6 أي: الفرزدق. وصدره:
تعال فإن عاهدتني لا تخونني
وقبله:
وأطلس عسال وما كان صاحبا ... رفعت لناري موهتًا فأتاني
وصف أنه أوقد نارًا وطرقه الذئب فدعاه إلى الصحبة. وانظر الكتاب 1/ 404.(2/424)
وأنشدوا:
أخو الذئب يعوي والغراب ومن يكن ... شريكيه تطمع نفسه كل مطمع1
أودع ضمير "من" في "يكن" على لفظ الإفراد وهو اسمها, وجاء ب"شريكيه" خبرًا ل"يكن" على معنى التثنية, فكأنه قال: و"أي اثنين"2 كانا شريكيه طمعت أنفسهما كل مطمع. على هذا اللفظ أنشدناه أبو علي, وحكى المذهب فيه عن الكسائي أعني: عود التثنية على لفظ "من"؛ إلا أنه عاود لفظ الواحد بعد أن حمل على معنى التثنية بقوله: تطمع نفسه "ولم يقل: تطمع أنفسهما"3. ولو ذهب فيه ذاهب إلى أنه من المقلوب لم أر به بأسًا, حتى كأنه قال: ومن يكن شريكهما تطمع نفسه كل مطمع. وحسن ذلك شيئًا العلم بأنه إذا كان شريكهما كانا أيضًا شريكيه, فشجع بهذا القدر على ما ركبه من القلب. فاعرف ذلك.
والحمل على المعنى واسع في هذه اللغة جدًّا, ومنه قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} 4 ثم قال: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} 5 قيل فيه: إنه محمول على المعنى, حتى كأنه قال: أرأيت كالذي حاج إبراهيم في ربه, أو كالذي مَرَّ على قرية، فجاء بالثاني على أن الأول قد سبق كذلك. ومنه إنشادهم بيت امرئ القيس:
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني ... كبرت وألّا يحسن اللهو أمثالي6
__________
1 من ثلاثة أبيات لغضوب, وهي امرأة من رهط ربيعة بن مالك تهجو سيبعًا. وانظر النوادر 119.
2 كذا في ش، ز. وفي ط: "إن اثنان".
3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
4 آية: 258، سورة البقرة.
5 آية: 259 سورة البقرة.
6 بسباسة: اسم امرأة من بني أسد. وانظر الخزانة 1/ 28.(2/425)
بنصب1 "يحسن", والظاهر أن يرفع؛ لأنه معطوف على أن الثقيلة, إلا أنه نصب أن هذا موضع قد كان يجوز "أن تكون"2 فيه أن الخفيفة3 حتى كأنه قال: ألا زعمت بسباسة أن يكبر فلان؛ كقوله تعالى: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} 4 بالنصب.
ومن ذلك قوله 5:
بدا لي أني لستُ مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئًا إذا كان جائيا
لأن هذا موضع يحسن فيه لست بمدرك ما مضى.
ومنه قوله سبحانه: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ} 6 وقوله:
فأبلوني بليتكم لعلِّي ... أصالحكم وأستدرج نويّا7
حتى كأنه قال: أصالحكم وأستدرج نوايا8.
ومن ذلك قول الآخر:
ليبك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط مما تطيح الطوائح9
لأنه لما قال: ليبك يزيد, فكأنه قال: ليبكه ضارع لخصومة. وعلى هذا تقول: أكل الخبز زيد, وركب الفرس محمد, فترفع زيدًا ومحمدًا بفعل ثانٍ يدل10 عليه الأول وقوله 11:
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "نصب".
2 سقط في د، هـ، ز، ط.
3 في ز، ط: "المخففة".
4 آية: 71 شورة المائدة.
5 في د، هـ، ز: "قول الشاعر", وهو زهير وانظر ص287 من ديوان زهير.
6 آية: 10 سورة المنافقين.
7 انظر ص177 من الجزء الأول.
8 سقط في د، هـ، ز.
9 انظر ص355 من هذا الجزء.
10 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "دل".
11 كذا في ش، ط. وفي ز: "قول جرير". ونسبته إلى جرير خطأ, والصواب نسبته إلى النابغة من قصيدته التي أولها:
عوجوا فحيوا لنعم دمنة الدار ... ماذا تحبون من تؤى وأحجار(2/426)
إذا تغنَّى الحمام الورق هيجني ... ولو تعزيت عنها أم عمَّار1
لأنه لما قال: هيجني دلَّ على ذَكَّرني, فنصبها به. " فاكتفى بالمسبب الذي هو التهييج من السبب الذي هو التذكير"2 ونحوه قول الآخر:
أسقى الإله عدوات الوادي ... وجوزه كل ملثٍّ غاد
كل أجشٍّ حالك السواد3
لأنه إذا أسقاها الله كل ملثٍّ فقد سقاها ذلك الأجشُّ.
وكذلك قول الآخر 4:
تواهق رجلاها يداها ورأسه ... لها قَتَبٌ خلف الحقيبة رادف
أراد: تواهق رجلاها يديها, فحذف المفعول وقد عُلِمَ أن المواهقة لا تكون من5 الرجلين دون اليدين, وأن اليدين مواهقتان كما أنهما مواهقتان. فأضمر لليدين فعلًا دلَّ عليه الأول, فكأنه قال: تواهق يداها رجليها, ثم حذف المفعول في هذا كما حذفه6 في الأول
__________
1 "تعزيت" كذا في نسخ الخصائص. وفي الكتاب 1/ 144، وجمهرة أشعار العرب: "تغربت"، والورق: جمع الورقاء والأورق من الورقة, وهي بياض إلى سواد.
2 قدَّم ما بين القوسين في ش على قوله: "لأنه لما قال ... ....".
3 عدوات الوادي جمع العدوة بتثليث العين، وهو شاطئ الوادي, وجوزه: وسطه، وفي ط: "جوفه" وهو يوافق ما في الكتاب. وفي ز: "جرفه", وهو محرَّف عن "جوفه". والملك من المطر الدائم الملازم والأجش، الشديد صوت الرعد، والحالك: الشديد السواد، وذلك أحلق للمطر. وانظر الكتاب 1/ 146.
4 أي: أوس بن حجر. وهو يصف حمارًا من حمر الوحش يجري وراء أتان؛ فرجلاها أي: مؤخرتا قوائمها توافقان يدي هذا الحمار, أي: مقدمتي قوائمه. التواهق: الموافقة في السير والتباري فيه. وقوله: "يداها" كذا في نسخ الخصائص، والأجود: "يداه" كما في الديوان واللسان "وهق", والكتاب 1/ 145 وقوله: "رأسه...." يريد أن هذا الحمار يضع رأسه خلفها في سيره, فرأسه كأنه قنب لها خلف حقبتها أي: عجزها. وفي ز، ط: "رأسها", والجيد ما أثبت كما في ش، والديوان، واللسان.
5 في د، هـ، ز: "إلّا من الرجلين".
6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "حذف".(2/427)
فصار على ما ترى: تواهق رجلاها يداها. فعلى هذه الصنعة1 التي وصفت لك تقول: ضارب "زيد عمرو"2 على أن ترفع عمرًا بفعل غير هذا الظاهر, ولا يجوز أن يرتفعا3 جميعًا بهذا الظاهر , فأمَّا قولهم: اختصم زيد وعمرو ففيه نظر. وهو أن عمرًا مرفوع بفعل آخر غير هذا الظاهر على حدِّ قولنا في المعطوف: إن العامل فيه غير العامل في المعطوف عليه, فكأنه قال: اختصم زيد واختصم عمرو, وأنت مع هذا لو نطقت بهذا الذي تقدِّره لم يصلح الكلام معه؛ لأن الاختصام لا يكون من أقل من اثنين. وعلة جوازه أنه لمَّا4 لم يظهر الفعل الثاني المقدَّر إلى اللفظ لم يجب تقديره وإعماله, كأشياء تكون في التقدير فتحسن, فإذا أنت أبرزتها إلى اللفظ قبحت, وقد ذكرنا ذلك فيما مضى.
ومن ذلك قول الآخر 6:
فكرّت تبتغيه فوافقته ... على دمه ومصرعه السباعا
وذلك أنه إذا وافقته والسباع معه, فقد دخلت السباع في الموافقة, فكأنه قال فيما بعد: وافقت السباع. وهو عندنا على حذف المضاف, أي: وافقت آثار السباع. قال أبو علي: لأنها لو وافقت7 السباع هناك لأكلتها معه. ف"على" الآن هذه الظرف8
__________
1 كذا في ش، ط. وفي ز: "الصيغة".
2 في د، هـ، ز: "عمرو زيد".
3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط "ترفعهما".
4 سقط في هذا الحرف ش.
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "فإن" وفي ط: "وإن".
6 هو القطاميّ. وصف بقرة وحشية فقدت ولدها فتطلبته، فوجدت السباع قد اغتالته, ويخطئ المبرد هذه الرواية ويرى أن الرواية الصحيحة:
فكرت عند فيفتها إليه ... فألفت عند مصرعه السباعا
وانظر النوادر 204، والكتاب وتعارق الأعلم على البيت في 1/ 143، والديوان 45.
7 كذا في ز، ط. وفي ش: "وافقتها".
8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "الظروف".(2/428)
منصوبة1 بالفعل المحذوف الذي نصب السباع في التقدير, ولو رفعت السباع لكانت "على" هذه مرفوعة الموضع لكونها خبرًا عن السباع مقدَّمًا, وكانت تكون متعلقة بالمحذوف؛ كقولنا في قولهم: في الدار زيد. " وعلى هذا"2 قال3 الآخر 4:
تذكرت أرضًا بها أهلها ... أخوالها فيها وأعمامها
لك فيها وجهان: إن شئت قلت: إنه أضمر فعلًا للأخوال والأعمام على ما تقدَّم, فنصبهما به, كأنه قال فيما بعد: تذكرت أخوالها فيها وأعمامها, ودلّ على هذا الفعل المقدَّر قوله: تذكرت أرضًا بها أهلها؛ لأنه إذا تذكَّر هذه الأرض فقد علم أن التذكر قد أحاط بالأخوال والأعمام؛ لأنهم فيها على ما مضى من الأبيات. وإن شئت جعلت أخوالها وأعمامها بدلًا من الأرض بدل الاشتمال, على قول الله سبحانه: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} 5.
فإن قلت: فإن البدل العامل عندك فيه هو غير العامل في المبدل منه, وإذا كان الأمر كذلك فقد آل الحديث إلى موضع واحد وهو إضمار الفعل, فلم قسمت الأمر فيهما إلى موضعين؟
قيل: الفرق قائم. ووجهه أن اتصال المبدل6 منه أشد من اتصال ما حمل على المعنى بما قبله, وإنما يأتي بعد استقرار الكلام الأوّل ورسوخه،
__________
1 ظاهر أن هذا حكم مجرورها، يريد نصبه في المعنى والمحل, وكذا رفعه فيما بعد.
2 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.
3 في ط: "قول".
4 أي: عمرو بن قميئة, وكان خرج مع امرئ القيس في سفره إلى قيصر الروم, وهو يتحدث عن ابنته إذ ذكرها في قوله قيل:
فسألتني بنت عمرو عن ال ... أرض التي تنكر أعلامها
فذكر أنها حين جاوزت أرض قومها ورأت بلادًا أنكرتها بكت، وهو يعني بذلك نفسه، فلم يعرف أنها كانت معه. وانظر الكتاب 1/ 144، الخزانة 2/ 147، ومعجم البلدان في ترجمة "ساتيدما".
5 آيتا: 4، 5 سورة البروج.
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "البدل".(2/429)
وليس كذلك البدل؛ لأنه وإن كان العامل فيه غير الأول عندنا فإنه مع ذلك مشابه للصفة وجارٍ مجراها.
نعم وقد خالف فيه أقوام, فذهبوا إلى أن العامل في الثاني هو العامل في الأول. وحدثنا أبو علي أن الزيادي1 سأل أبا الحسن عن قولهم: مررت برجل قائمٌ زيدٌ أبوه, أأبوه بدل أم صفة؟ قال: فقال أبو الحسن: لا أبالي بأيهما أجبتُ. أفلا ترى إلى تداخل الوصف والبدل, وهذا يدل على ضعف العامل المقدر مع البدل. وسألت أبا علي -رحمه الله- عن مسألة2 الكتاب: رأيتك إياك قائمًا الحال لمن هي؟ فقال: ل"إياك", قلت: فالعامل فيها ما هو؟ قال: "رأيت" هذه الظاهرة, قلت: أفلا تعلم أن "إياك" معمول فعل آخر غير الأول, وهذا يقود3 إلى أن الناصب للحال هو الناصب لصاحبها, أعني: الفعل المقدَّر؟ فقال: لما لم يظهر ذلك العامل ضعف حكمه, وصارت المعاملة مع هذا الظاهر. فهذا يدلك على ضعف العامل في البدل واضطراب حاله, وليس كذلك العامل إذا دلَّ عليه غيره نحو قوله:
تواهق رجلاها يداها. . .
وقوله:
ولو تعزّيت عنها أم عمار
ونحو ذلك؛ لأن هذا فعل مثبت, وليس محل ما يعمل فيه المعنى محل البدل, فلما اختلف هذان الوجهان من هذين الموضعين اعتددناهما قسمين اثنين.
__________
1 هو إبراهيم بن سفيان، ينتهي نسبه إلى زيادة بن أبيه. مات سنة 249هـ. له ترجمة في معجم الأدباء، والبغية.
2 انظر سيبويه: 1/ 393، ورأى في هذا المثال بصرية حتى تكون "قائمًا" حالًا. مثلًا سيبويه: "ضربته إياه قائمًا"،لم يكن صاحب الحال المبدل منه للفصل بالبدل، وهو في قوة جملة أخرى. وأنت إذا قلت: ضربت الرجل محمدًا قائمًا، كان صاحب الحال البدل لا محالة.
3 في ط: "يعود".(2/430)
ومن ذلك قوله 1:
لن تراها ولو تأمَّلت إلّا ... ولها في مفارق الرأس طيبا
وهذا هو الغريب من هذه الأبيات, ولعمري إن الرؤية إذا لحقتها فقد لحقت ما هو متصل بها, ففي ذلك شيئان:
أحدهما أن الرؤية وإن كانت مشتملة عليها فليس لها طريق إلى الطيب في مفارقها، اللهمَّ إلا أن تكون2 حاسرة غير مقنعة, وهذه بذلة وتطرح لا توصف به الخفرات ولا المعشقات3, ألا ترى إلى قول كثير:
وإني لأسمو بالوصال إلى التي ... يكون سناء وصلها وازديارها4
ومن كانت من النساء هذه حالها فليست رذلة ولا مبتذلة. وبه وردت الأشعار القديمة والمولدة؛ قال الطائي:
عالي الهوى مما يعذِّب مهجتي ... أروية الشعف التي لم تسهل5
وهي6 طريق مهيع. وإذا كان كذلك وكانت الرؤية لها ليس مما يلزم معه رؤية طيب مفارقها وجب أن يكون الفعل المقدَّر لنصب الطيب مما يصحب الرؤية لا الرؤية نفسها, فكأنه قال: لن تراها إلا وتعلم لها أو تتحقق لها في مفارق الرأس طيبًا, غير أن سيبويه حمله على الرؤية. وينبغي أن يكون أراد 7: ما تدل عليه الرؤية من الفعل الذي قدرناه.
__________
1 أي: ابن الرقيَّات. وانظر الكتاب 1/ 144, وشواهد المغني للبغدادي 2/ 929.
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "يكون".
3 كذا. وقد يكون: "المتعشفات".
4 في الديوان 1/ 92: "شفاء" في مكان "سناء".
5 من قصيدة له في مدح محمد بن حسان. والأروية: أنثى الوعول، والشعف رءوس الجبال، كنَّى بالأورية عن المرأة المتمنعة.
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "هو". وفي ط: "هذا".
7 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "أراد على". وفي ش: "على".(2/431)
والآخر أن هذه الواو في قوله: ولها كذا هي واو الحال, وصارفة للكلام إلى معنى الابتداء, فقد وجب أن يكون تقديره: لن تراها إلا وأنت تعلم أو تتحقق أو تشمّ, فتأتي بالمبتدأ وتجعل ذلك الفعل المقدَّر خبرًا عنه. فاعرف ذلك.
ومنه قوله 1:
قد سالم الحيات منه القدما ... الأفعوان والشجاع الشجعما
وذات قرنين ضموزا ضرزما
هو من هذا؛ لأنه قد علم أن الحيات مسالمة كما علم أنها مسالمة, ورواها الكوفيون بنصب الحيات، وذهبوا إلى أنه أراد: القدمان, فحذف النون. وينشدون في ذلك قوله:
لنا أعنز لبنٌ ثلاث فبعضها ... لأولادها ثنتًا وما بيننا عنز2
وينشدون قول الآخر 3:
كأن أذنيه إذا تشوَّفا ... قادمتا أو قلَّمَا محرّفا
__________
1 عُزِيَ هذا الرجز في الكتاب 1/ 145 لعبد بني عبس, وفي اللسان: "ضرؤم" نسبته لمساور ابن هند العبسي، وقد نسب لغيرهما. وهو من رجز طويل في وصف الإبل وراعيها. وهذه الأشطار الثلاثة في وصف الراعي. يصفه بخشونة القدمين وغلظ جلدهما، وأنّ الحيات لا تؤثر فيها. والشجاع، ضرب من الحيات، والشجعم: الطويل. ويريد بذات قرنين: حية لها قرنان من جلدها. والضموز: الساكنة المطرقة التي لا تصفرّ لخبثها، فإذا عرض لها إنسان ساورته وثبًا. والضرزم: المسنقة، وذلك أحبث لها. وانظر الخزانة 4/ 569.
2 اللبن جمع لبون، وهي ذات اللبن.
3 هو محمد بن ذؤيب العماني. وهو في صفة فرس. و"تشرّف" تطلع. والقادمة إحدى قوادم الطير وهي مقدّم ريشة، في كل جناح عشرة. وانظر الخزانة 4/ 292 والكامل 7/ 47.(2/432)
على أنه أراد: قادمتان أو قلمان محرفان. ورووه أيضًا: تخال أذنيه. . . " قادمة أو قلما للحرفا. فهذا على أنه يريد: كل واحدة من أذنيه"1, ومما ينسبونه إلى كلام الطير "قول الحجلة للقطاة"2 أقطي3 قطا, فبيضك ثنتًا, وبيضي مائتا, أي: ثنتان ومائتان.
ومن ذلك قوله 4:
يا ليت زوجك قد غدا ... متقلدًا سيفًا ورمحا
أي5 وحاملًا رمحًا. فهذا محمول على معنى الأوّل لا لفظه. وعليه:
علفتها تبنًا وماءً باردًا ... حتى شتت همَّالة عيناها6
أي: وسقيتها ماء باردًا, وقوله:
تراه كأنّ الله يجدع أنفه ... وعينيه إن مولاه ثاب له وفر7
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش. وثبت في د، هـ، ز. وكذلك في ط. غير أن فيه: "يحكى أنه يريد" في مكان "على أنه يريد".
2 سقط ما بين القوسين في ش.
3 "اقطي" أمر من قطا في مشيه إذا ثقل فيه وقارب الخطو. وفي ط: "أفطا" وهو محرف من قطا، وفي اللسان "حجل": "قال الأزهري: سمعت بعض العرب يقول: قالت القطا للحجل، حجل حجل، تفر في الجهل، من خشية الوجل. فقالت الحجل للقطا: قطا قطا، بيضك ثنناو بيضي مثنا".
وقوله: "فبيضي" كذا في ش. وفي ز، ط: "بيضي".
4 أي: عبد الله بن الزبعري. وانظر الكامل 3/ 234.
5 سقط حرف العطف في ش.
6 شتت أي: أقامت في الشتاء, والمراد: صارت.
7 من مقطوعة لخالد بن الطيفان" يذكر فيها مولى له -أي: ابن عم- يسيء إليه, والشاعر يحسن إليه, وقبله:
ومولى كمولى الزبرقان دملته ... كما دملت ساق تهاض، بها كسر
ومولى الزبرقان الذي يشير إليه هو علقمة بن هوذة، يقول فيه الزبرقان في أبيات:
لي ابن عم لا يزا ... ل يعيبني ويعين عائب
وانظر الحيوان 1/ 39، وأمالي المرتضي 4/ 169، ومختارات ابن الشجري في شعر الحطيئة 111.(2/433)
أي: ويفقأ عينيه, وقوله:
تسمع للأجواف منه صردا ... وفي اليدين جسأة وبددا1
أي: وترى في اليدين جسأة وبددا، وقوله 2:
فعلا فروع الأيهفان وأطفلت ... بالجلهتين ظباؤها ونعامها
أي: وأفرخت نعامها، وقوله3:
إذا ما الغانيات برزن يومًا ... وزجَّجن الحواجب والعيونا
أي: وكحلن العيون, ومن المحمول على المعنى قوله 4:
طافت أمامة بالركبان آونة ... يا حسنه من قوام ما ومنتقبَا
لأن الأول في معنى: يا حسنه قوامًا, وقول الآخر 5:
يذهبن في نجد وغورا غائرا
أي: ويأتين غورا.
__________
1 الجسأة: اليبس والصلابة, والبدد: التفرق, وقوله: "للأجواف" جمع الجوف باعتبار جوانبه، وفي أمالي المرتضي 4/ 170 "للأحشاء", وفيها: "لغطا" في مكان "صردا", واللغط: الأصوات المختلطة. والصرد: البرد، والمعنى عليه غير ظاهر.
2 أي: لبيد في معلقته, والأيهقان نبت كالجرجير, والجلهنان جانبا الوادي ... وأطفلت أي: كانت معها ولد طفل. يصف خصب الأرض والحيوان بعد المطر.
3 أي: الراعي النميري. ويذكر ابن بريّ أن صواب الرواية:
وهزّة نسوة من حي صدق ... يزججن الحواجب والعيونا
وبعده:
أثخنّ جمالهن بذات غسل ... سراة اليوم يمهدن الكدونا
وذات غسل موضع, والكدون: جمع الكدن -بفتح الكاف وكسرها وسكون الدال: وهو ما توطئ به المرأة مركبها. وسراة اليوم: وقت ارتفاع الشمس في السماء. وتزجيج الحواجب: تدقيقها وإطالتها.
وانظر اللسان "زجج"، وشواهد المغني 2/ 539.
4 أي: الحطيئة من قصيدة له في مدح بني أنف الناقة, والبيت مطلع القصيدة.
5 أي: العجاج: يصف ظعائن منتجعات، يأتين مرة جدًّا -وهو ما ارتفع من الأرض- ومرة غورًا، هو ما انخفض من الأرض، يريد تهامة. وانظر الكتاب 1/ 49.(2/434)
وقول1 الآخر 2:
فاذهب فأيّ فتى في الناس أحرزه ... من يومه ظُلم دعج ولا جَبَلُ
"حتى كأنه قال: ما أحد أحرزه ظلم ولا جبل"3.
ومنه قوله 4:
فإن كان لا يرضيك حتى تردَّني ... إلى قطري لا إخالك راضيًا
حمله الفراء على المعنى, قال: لأن معناه: لا يرضيك إلّا أن تردني, فجعل الفاعل متعلقًا على المعنى. وكان أبو علي يغلظ في هذا ويكبره ويتناكره ويقول: الفاعل لا يحذف, ثم إنه فيما بعد لان له وخفض5 من جناح تناكره. وعلى كل حال فإذا كان الكلام إنما يصلحه أو يفسده معناه، وكان "هذا معنى"6 صحيحًا مستقيمًا لم أر به بأسًا. وعلى7 أن المسامحة في الفاعل ليست بالمرضية؛ لأنه أصعب حالًا من المبتدأ. وهو8 في المفعول أحسن, أنشد أبو زيد:
وقالوا ما تشاء فقلت ألهو ... إلى الإصباح آثر ذي أثير9
__________
1 سقط الكلام من هنا إلى قوله: "ومنه بيت جميل" أول ص437 من هذا الجزء في ش.
2 هو المتنخل الهذلي، يقوله في رثاء ابنه أثيلة، يقول: إن أحدًا لا ينجو من الموت، ولو استتر بالظلم أو تحصَّن في الجبال. وورد في اللسان "فلا": "ولا خبل" في مكان "ولا جبل" وهو تحريف. وانظر ديوان الهذليين 2/ 35، ومعاني القرآن للفراء 10/ 164.
3 سقط ما بين القوسين في ط.
4 أي: سوار بن المضرب. وكان الحجاج دعاه أن يكون في حرب الخوراج، فهرب منه، وقطري هو ابن الفجاءة، كان على رأس الخوارج، وفي النوادر 450, وحماسة ابن الشجري 55: "فإن كنت لا يرضيك" غير أن في الحماسة: "ترضيك", ولا شاهد فيها. وانظر الكامل بشرح المرصفي 5/ 21.
5 هذا الحرف ثبت في ط.
6 كذا في ط. وفي ز: "معنى هذا".
7 ثبت حرف العطف في ز، ط.
8 أي: المسامحة. وذكر ضميرها لتأويلها بالتسامح.
9 هذا من شعر لعروة بن الورد. وكان سبى امرأة ثم أعتقها وتزوجها, ثم كان في بني النضير معها فعرض عليه أهلها أن يفتدوها منه، ففعل وهو سكران، وشرط عليهم أن يلهو بها ليلة، وقوله: "أثر ذي أثير" أي: أول كل شيء. وانظر الأغاني "طبعة دار الكتب" 3/ 76 وما بعدها.(2/435)
أراد: اللهو1، فوضع "ألهو" موضعه لدلالة الفعل على مصدره, ومثله قولك لمن قال لك: ما يصنع زيد؟: يصلي أو2 يقرأ, أي: الصلاة أو القراءة.
ومما جاء في المبتدأ من هذا قولهم: تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه, أي: سماعك به خير من رؤيتك له. وقال -عز وجل: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} 3 أي: منا قوم دون ذلك, فحذف المبتدأ وأقام الصفة التي هي الظرف مقامه. وقال جرير:
نفاك الأغرّ ابن عبد العزيز ... وحقك تُنْفَى عن المسجد4
فحذف "أن" من خبر المبتدأ، وهي: حقك أن تنفى عن المسجد.
وقد جاء ذلك في الفاعل، على عزته. وأنشدنا 5:
وما راعني إلّا يسير بشرطة ... وعهدي به فينا يفش بكير6
كذا أنشدناه "فينا", وإنما هو قَيْنا, أراد بقوله: "وما راعني إلّا يسير" أي: مسيره "على هذا وجهه"7. وقد يجوز أن يكون حالًا، والفاعل مضمر، أي: وما راعني إلّا سائرًا بشرطة.
__________
1 في ابن يعيش 4/ 28: "والمراد أن ألهو, أي: اللهو".
2 كذا في ط. وفي ز، هـ: "أم".
3 آية: 11، سورة الجن.
4 من قصيدة له في هجو الفرزدق. وانظر الديوان 127، والنقائض 798.
5 كذا في ز، ط. وفي د، هـ: "أنشدوا", وفاعل "أنشدنا" أستاذه أبو علي.
6 هذا من أبيات لرجل من بني أسد يقال له معاوية في هجو إبراهيم بن حوران الملقب بفروع أو فروخ, وقبله:
يعرض فروج بن حوران بنته ... كما عرضت للشترين جزور
فأما قريش فهي تعرض رغبة ... وما الموالي حولها فتدور
والقين: الحداد. والكير: الزق الذي ينفخ فيه الحداد، وانظر شواهد المغني 2/ 691, واللسان "فرج".
7 كذا في ط. وفي د، هـ، ز: "هذا وجهه", وفاعل، وجهه، أبو علي.(2/436)
ومنه بيت جميل:
جَزِعتُ حذار البَيْن يوم تحمَّلوا ... وحقّ لمثلي يا بثينة يجزع
أي: وحق لمثلي أن يجزع, وأجاز هشام يسرُّني تقوم, وينبغي أن يكون ذلك جائزًا عنده في الشعر لا في النثر. هذا أولى عندي من أن "يكون يرتكبه"1 من غير ضرورة.
وباب الحمل على المعنى بحر لا يُنْكَش2، ولا يُفْئج3 ولا يؤبى4 ولا يُغَرَّض5 ولا يُغضغض6. وقد رأينا وجهه, ووكلنا الحال إلى قوة النظر وملاطفة التأوّل7.
ومنه باب من هذه اللغة واسع لطيف طريف8، وهو اتصال الفعل بحرف ليس مما يتعدّى به؛ لأنه في معنى فعل يتعدى به. من ذلك قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} 9 لما كان في معنى الإفضاء عدَّاه بإلى, ومثله بيت الفرزدق:
قد قتل الله زيادًا عني
لما كان ذلك في معنى: صرفه عني, وقد ذكرناه10 فيما مضى. وكان أبو علي يستحسنه وينبه عليه.
ومنه قول11 الأعشى:
سبحان من علقمة الفاخر12
علق حر ف الجر بسبحان لما كان معناه: براءة منه.
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "تكون ترتكبه".
2 أي: لا ينزف وينتهي ماؤه. والأصل في ذلك قولهم نكش الشيء، أتى عليه وفرغ منه.
3 أي: لا يبلغ غوره, وفي ش: "يفتح", وفي ط: "يقبح" وكلاهما تصحيف.
4 أي: لا ينقطع من كثرته.
5 أي: لا ينزح.
6 أي: لا ينزح أيضًا, ويقرأ بالبناء للفاعل، والبناء للمفعول. يقال: غضفضت الشيء فغضغض, أي: نقَّصته فنقص.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "التأمل".
8سقط في د، هـ، ز. ط.
9 آية 187 سورة البقرة
10 انظر ص312 من هذا الجزء.
11 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بيت", وانظر في البيت ص199 من هذا الجزء.
12 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "الفاجر".(2/437)
فصل في التحريف:
قد جاء هذا الموضع في ثلاثة أضرب: الاسم والفعل والحرف.
فالاسم يأتي تحريفه على ضربين: أحدهما مقيس, والآخر مسموع "غير مقيس"1.
الأول ما غيَّره النسب قياسًا, وذلك قولك في الإضافة إلى نَمِر: نَمَريّ، وإلى شقِرة 2: شَقَرِيّ، وإلى قاض: قاضَوِيّ, وإلى حنيفة: حَنفيّ, وإلى عدِيّ: عَدَويّ, ونحو ذلك. وكذلك التحقير وجمع التكسير نحو: "رجل و"3 رُجَيل ورجال.
الثاني على أضرب: منه ما غيَّرته4 الإضافة5 على غير قياس كقولهم في بني الحُبْلَى6 حُبَلِيّ, وفي بني عَبِيدة7 وجَذِيمة: عُبَدِيّ وجُذَمِيّ, وفي زَبِينة 8: زَبانيّ, وفي أَمس: إمسيّ, وفي الأفُق: أَفَقيّ, وفي جَلولاء 9: جَلوليّ, وفي خرسان: خُرْسٍيّ, وفي دَسْتواء 10: دستوانيّ.
ومنه ما جاء في غير الإضافة, وهو نحو قوله 11:
من نسج داود أبي سلام
__________
1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.
2 هي قبيلة في بني ضبة.
3 سقط ما بين القوسين في ش.
4 كذا في ش، د، هـ، ز. وفي ط: "تحرفه".
5 في د، هـ، ز "بجرفي الإضافة", وظاهر أنه محرف عن: "بحرفي الإضافة".
6 هم بطن من الأنصار.
7 هم حي من بين عدي.
8 حي من باهلة بن عمرو بن ثعلبة؛ كما في اللسان "زبن".
9 هي قرية بناحية فارس.
10 في القاموس أنها بالقصر، وذكر أنها قوية بالأهواز, وفي التاج أن بعضهم حكى فيها المد، وفيه أنها في أصل الرشاطي بفتح التاي بضبط القلم. وانظر فيه "دست".
11 أي: الأسود بن يعفر. وصدره:
ودعا بمحكمة أمين نسجها
وهو في وصف الدرع. وانظر اللسان "سلم"، والصبح المنير309، والبيت فيه في مقطوعة في مدح الحارث بن هشام.(2/438)
يريد: أبي1 سليمان, وقول الآخر 2:
وسائلة بثعلبة بن سير ... وقد علقت بثعلبة العلوق
يريد: ثعلبة بن سيار, وأنشدنا أبو علي:
أبوك عطاء ألأم الناس كلهم3
يريد: عطية بن الخطفي, وقال العبد:
وما دمية من دُمَى ميسنا ... ن معجبة نظرًا واتصافًا4
أراد: ميسان, فغير5 الكلمة بأن زاد فيها نونًا فقال: ميسنان, وقال لبيد:
درس المنا بمتالع فأبان6
أراد: المنازل, وقال علقمة:
كأنّ إبريقهم ظبي على شرف ... مفدم بسبا الكتان ملثوم7
__________
1 سقط في د، هـ، ز، ط.
2 هو المفضل النكري. وهو من قصيدته المنصفة, يذكر أن ثعلبة بن سيار كان في أمره, وانظر اللسان في "سير" و"علق", والأصمعيات 53، وحماسة البحتري 48، والعلوق: المنية, يريد أن أسبابها علقت به ولم تجهز عليه، فإنه يرمي إلى أسره.
3 عجزه:
فقبح من فحل وقبحت من نجل
وهو للبعيت يهجو جيريرًا. وانظر اللسان "عطو", والنقائض 157.
4 انظر ص383 من الجزء الأول.
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط "فحرّف".
6 عجزه:
وتقادمت بالحبس فالسوبان
ومتالع وأبان والحبس والسوبان: مواضع، وانظر ص82 من الجزء الأول.
7 انظر ص81 من الجزء الأول.(2/439)
وقال:
واستحرَّ القتل في عبد الأشل
يريد الأشهل1.
" وقال:
بسبحل الدفين عيسجور2
أي: بسبحل"3.
وقال:
تحاذر وقع السوط خوصاء ضمَّها ... كلال فجالت في حجا حاجب ضمر4
يريد: في حجاج حاجب. " وقد مضى من التحريف في الاسم ما فيه كافٍ بإذن الله"5.
تحريف الفعل:
من ذلك ما جاء من المضاف مشبهًا بالمعتل, وهو قولهم في ظللت: ظلت، "وفي مسست: مِسَتْ"6 وفي أحسست: أحَسْت، قال 7:
خلا أن العتاق من المطايا ... أحسن به فهنّ إليه شوس
__________
1 انظر ص82، من الجزء الأول.
3 انظر ص241 من هذا الجزء.
3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وسقط التفسير: "أي: بسجل" في ط.
4 كأن هذا وصف ناقة والخوصاء من الحوص، وهو ضيق العين وغثورها. والحجاج: العظم المتسدير حول العين. والضمر: الضامر الهزيل. وجاء البيت في اللسان "حجج" محرفًا عمَّا هنا.
5 في ش، ط وضع ما بين القوسين بعد بيت علقمة السابق. وما هنا هو ما في د، هـ، ز.
6 سقط ما بين القوسين في ش.
7 أي: أبو زبيد الطائي, وهو من قصيدة يصف فيها الأسد. ذكر أن قومًا يسيرون والأسد يتبعهم فلم يشعر به إلّا المطايا. والشوس: واحده أشوس وشوساء من الشوس, وهو النظر بمؤخر العين تكبرًا أو تغيظًا. وانظر الأمالي 1/ 176، والسمط 438، والاقتضاب 299، والجواليقي 135.(2/440)
وهذا مشبَّه بخفت وأردت. وحكى ابن الأعرابي في ظننت ظَنْتُ. وهذا كله لا يقاس1 عليه؛ لا تقول في شممت: شَمْتُ ولا شِمْتُ؛ ولا في "أقضضت 2: أقضت".
فأما قول أبي الحسن في مثال اطمأنَّ من الضرب: اضرببَّ3، وقول النحويين فيه: اضربب فليس تحريفًا, وإنما هذا عند كل واحد من القبليلين هو الصواب.
ومن تحريف الفعل ما جاء منه مقلوبًا كقولهم في اضمحل َّ: امضحلَّ, وفي أطيب: أيطب, وفي اكفهرَّ: اكرهفَّو وما كان مثله. فأمَّا جذب وجبذ فأصلان؛ لأن كل واحد منهما متصرف وذو مصدر, كقولك: جذب يجذب جذبًا, وهو جاذب, وجبذ يجبذ جبذًا وهو جابذ, وفلان مجبوذ ومجذوب, فإذا4 تصرفا لم يكن أحدهما بأن يكون أصلًا لصاحبه أولى من أن يكون صاحبه أصلًا له.
وأما قولهم: أيس فمقلوب من يئس, ودليل ذلك من وجهين.
أحدهما "أن لا مصدر"5 لقولهم: أيس, فأما الإياس فمصدر أست, قال أبو علي: وسمّوا6 الرجل إياسًا كما سموه عطاء؛ لأن أست: أعطيت. ومثله
__________
1 حكى ابن مالك في التسهيل أن الحذف في مثل هذا لغة سليم، ومن ثَمَّ قال الشلوبين بالقياس فيه. وانظر الأشموني في مبحث الإعلال بالحذف في أواخر الكتاب.
2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "أفصصت: أفصت".
3 أصل اطمأننّ. فإذا أريد بناء مثالها من الضرب، فالنحويون يراعون أصل الزنة، فيقولون: أضربب بتشديد الباء الأولى، والأخفش يراعي ما عرض لاطمأنَّ من الإدغام ونقل الحركة, فيفعل كذلك في مثال من الضرب فيقول: اضربب بتشديد الباء الثانية ليكون كطمأن. وانظر شرح الرضي للشافية 3/ 298.
4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وإذا".
5 كذا في ز، ط، وفي ش: "المصدر".
6 كذا في ط. ز، وفي ش: "سمى".(2/441)
-عندي- تسميتهم إياه عياضًا1، فلمَّا لم يكن لأيس مصدر علمت أنه لا أصل له, وإنما المصدر اليأس. فهذا من يئست.
والآخر صحة العين في أيس, ولو لم يكن مقلوبًا لوجب فيه إعلالها وأن يقال: آس وإست كهاب وهبت, وكان يلزم في مضارع أواس كأهاب, فتلقب الفاء2 لتحركها وانفتاحها3 واوًا؛ كقولك في هذا أفعل من هذا من أممت: هذا أومّ من هذا, هذا قول أبي الحسن وهو القياس. وعلى قياس قول أبي عثمان أياس؛ كقوله: هذا4 أيمّ من هذا. فصارت صحة الياء في "أيس" دليلًا على أنها مقلوبة من يئس, كما صارت صحة الواو في عَوِرَ دليلًا على أنها في معنى ما لا بُدَّ من صحته وهو اعورّ. وهو باب. وكذلك قولهم: لم أبله5. وقد شرحناه في غير هذا.
تحريف الحرف:
قالوا: لا بَلْ ولابَنْ, وقالوا: قام زيد فُمَّ عمرو, كقولك: ثم عمرو. وهذا وإن كان بدلًا فإنه ضرب من التحريف. وقالوا في سوف أفعل: سوأفعل, وسَفْ6 أفعل. حذفوا تارة الواو، وأخرى الفاء. وخففوا رُبَّ وإنَّ وأنَّ، فقالوا:
رُبَ هَيْضَلٍ لجب لففتُ بهيضل
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "عوضًا".
2 يريد فاء الكلمة وهي الهمزة، وقد يكون الأصل، "ألفه".
3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "وانفتاح ما قبلها".
4 سقط في د، هـ، ز، ط.
5 انظر في هذا الكلمة الكتاب 2/ 392.
6 كذا في الأصول، وكأنه يرمي إلى أن الواقع من أحدهم يقع منهم جميعًا في اللغة. وهذا عجز بيت لأبي كبير الهذلي صدره:
أزهير إن يشب القذال فإنه
والهيضل: الجيش، ولف الجيش بالجيش: خلطها بالحرب. وقوله: "لجب" كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مرس" أي: شديد المراس والمعالجة للحرب. وهذا يوافق ما في ديوان الهذليين "طبعة دار الكتب" 2/ 80.(2/442)
وقال 1:
أن هالكٌ كلُّ منْ يحفى وينتعل
وقال الله سبحانه: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} 2. وقال 3:
سقته الرواعد من صيّف ... وإن من خريف فلن يعدما4
مذهب صاحب الكتاب أنه أراد: وإما من خريف, وقد خولف فيه.
__________
1 أي: الأعشى, وصدره:
في فنية كسيوف الهند قد علموا
وهو من معلقته، وقبله:
وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني ... شاو مشل شلول شلشل شول
والحانوت بيت الخمار. يقول: إنه غدا إلى بيت الخمار معه غلام يشوي اللحم خفيف في عمله في فتية كريمة يهينون ما لهم في اللذات؛ إذ هم على ثقة أنهم ميتون, فهم يبادرون اللذات قبل أن يخترمهم الأجل، وانظر الخزانة 3/ 547، والكتاب 1/ 82، 440، 480.
2 آية: 4، سورة الطارق. والمؤلف يريد قراءة تخفيف "لما" و"ما" عليها زائدة، فأمّا على قراءة التشديد فإن عليها قافية، وهي غير مخففة.
3 أي: النمر بن قولب, وانظر الكتاب 1/ 135، والخزانة 4/ 434.
4 الضمير في سقته يعود على الصدع المذكور في قوله قبل:
فلو أنَّ من حتفه ناجيًا ... لمكان هو الصدع الأعصما
والصدع، الوعل، والأعصم: الذي في يده بياض. وفي رواية: "سقتها" أي: المسجورة المذكورة في قوله:
إذا شاء طالع مسجورة ... ترى حولها النبع والساسما
ويراد بالمسجورة عين ماء مملوءة. والشاعر يتحدث أن أحدًا لا ينجو من الهلاك. ولو نجا أحد لكان أحق شيء أن يكون هذا الصدع, وقد وصفه أنه في جبل منيع، وفيه رعيه وشربه، فذكر في البيت الشاهد أنه يرتوي من رواعد الصيف، ومن مطر الخريف. والرواعد: السحب الماطرة معها رعد. والصيف: مطر الصيف.(2/443)
باب في فرق بين الحقيقة والمجاز:
الحقيقة: ما أقر في الاستعمال على أصل وضعه في اللغة, والمجاز: ما كان بضد ذلك.
وإنما يقع المجاز ويعدل إليه عن الحقيقة لمعانٍ ثلاثة, وهي: الاتساع والتوكيد والتشبيه. فإن عدم هذه الأوصاف كانت الحقيقة البتة.
فمن ذلك قول1 النبي -صلى الله عليه وسلم- في الفرس: "هو بحر" , فالمعاني الثلاثة موجودة فيه. أما الاتساع فلأنه زاد2 في أسماء الفرس التي هي: فرس وطرف وجواد, ونحوها البحر, حتى إنه إن احتيج إليه في شعر أو سجع أو اتساع استعمل استعمال بقية تلك الأسماء, لكن لا يفضي إلى ذلك إلا بقرينة تسقط الشبهة. وذلك كأن يقول الشاعر:
علوت مطا جوادك يوم يوم ... وقد ثمد الجياد فكان بحرًا3
وكأن يقول الساجع: فرسك هذا إذا سما بغرته كان فجرًا, وإذا جرى إلى غايته كان بحرًا, ونحو ذلك. ولو عَرِى الكلام من4 دليل يوضّح الحال لم يقع عليه بحر؛ لما فيه من التعجرف في المقال من غير إيضاح ولا بيان. ألا ترى أن لو5 قال رأيت بحرًا, وهو يريد الفرس لم يعلم بذلك غرضه, فلم يجز قوله؛ لأنه إلباس وإلغاز على الناس.
__________
1 في كتاب الجهاد من صحيح البخاري: "عن أنس بن مالك قال: كان فزع بالمدينة، فاستعار النبي -صلى الله عليه وسلم- فرسًا لنا يقال له مندوب. فقال: ما رأينا من فزع، وإن وجدوه لبحرًا".
2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "جاء".
3 يبدو أن هذا البيت من نظمه، ذكره مثالًا لما أراد. والمطا: الظهر. وقوله: "يوم يوم" أي: يوم اليوم الذي تعرفه. وانظر في هذا سيبويه 2/ 53, وقوله. "ثمد الجياد" أي: أعيين من قولهم: ماء مثمود: كثر عليه الناس حتى ففى وفقد إلا أقله.
4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "عن".
5 سقط هذا الحرف في ش.(2/444)
وأما التشبيه فلأن جريه1 يجر ي في الكثرة مجرى مائه.
أما التوكيد فلأنه شبه العرض بالجوهر, وهو أثبت في النفوس منه, والشبه في العرض منتفية عنه؛ ألا ترى أن من2 الناس من دفع الأعراض وليس أحد دفع الجواهر.
وكذلك قول الله سبحانه: {وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا} 3 هذا هو مجاز, وفيه الأوصاف الثلاثة.
أما السعة فلأنه كأنه زاد في أسماء الجهات والمحال اسمًا هو الرحمة.
وأما التشبيه فلأنه شبه4 الرحمة -وإن لم يصح دخولها- بما يجوز دخوله, فلذلك وضعها موضعه.
وأما التوكيد فلأنه أخبر عن العرض بما يخبر به عن الجوهر, وهذا تعال5 بالغرض، وتفخيم منه؛ إذ صير6 إلى حيز ما يشاهد ويلمس ويعاين، ألا ترى إلى قول بعضهم في الترغيب في الجميل: ولو رأيتم المعروف رجلًا لرأيتموه حسنًا
__________
1 تراه عقد التشبيه بين جرى الفرس وماء البحر، والتشبيه في ظاهره بين الفرس والبحر في كثرة ما يختص به كل منهما وسعته. فالفرس كثير الجري والبحر كثير الماء. وفي فتح الباري في كتاب الهبة 5/ 53: "قال الأصمعي: يقال للفرس بحر إذا كان واسع الجري، أو لأنّ جريه لا ينفد كا لا ينفد ماء البحر".
2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "في". وانظر في إنكار الأعراض الفصل لابن حزم 5/ 66 من طبعة الموسوعات.
3 آية: 75 سورة الأنبياء.
4كأن يميل إلى أن في الكلام استعارة بالكناية, فشبه الرحمة بمكان، ودل على ذلك بلازم المشبه به، وهو الإدخال، والمعروف أن في الآية تجوزًا بالرحمة عن الجنة من إطلاق السبب على المسبب، وهذا مجاز مرسل.
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "تغال".
6 في ط: "أصير".(2/445)
جميلًا وإنما يرغب فيه بأن ينبه عليه, ويعظم من قدره, بأن يصوره في النفوس1 على أشرف أحواله، وأنوه2 صفاته. وذلك بأن يتخيل شخصًا متجسمًا3 لا عرضًا متوهمًا. وعليه قوله 4:
تغلغل حب عثمة في فؤادي ... فباديه مع الخافي يسير
"أي: فباديه إلى الخافي يسير"5 أي: فباديه مضمومًا إلى خافيه يسير. وذلك أنه لما وصف الحب بالتغلغل فقد اتسع به6؛ ألا ترى أنه يجوز على هذا أن تقول 7:
شكوت إليها حبها المتغلغلا ... فما زادها شكواي إلا تدللا8
فيصف بالمتغلغل9 ما ليس في أصل اللغة أن يوصف بالتغلغل, إنما وصف يخصّ الجواهر لا الأحداث؛ ألا ترى أن المتغلغل في الشيء لا بُدَّ أن يتجاوز مكانًا إلى آخر. وذلك تفريغ مكان وشغل مكان. وهذه أوصاف تخص في الحقيقة الأعيان لا الأحداث. فهذا وجه الاتساع.
وأما التشبيه فلأنه شبَّه ما لا ينتقل ولا يزول بما يزول وينتقل, وأما المبالغة والتوكيد فلأنه أخرجه عن ضعف العرضية إلى قوة الجوهرية.
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "النفس".
2 ط: "أنزه".
3 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "مجسمًا". وفي ط: "بأن يتخيل جسمًا مصورًا، وشخصًا متجسمًا".
4 أي: عبيد الله بن عبد لله بن عتبة بن مسعود. وانظر الحماسة "التجارية" 3/ 298، والقالي 3/ 223، والأغاني 8/ 94. وفي المختار من شعر بشار 154, نسبته إلى الحارث بن خالد المخزومي.
5 سقط ما بين القوسين في ش.
6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "فيه".
7 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "يقول".
8 الشطر الأخير في ش هكذا:
فما زادني شكواي إلا تذللًا.
9 في ط: "بالتغلغل".(2/446)
وعليه "قول الآخر "1:
قرعت ظنابيب الهوى يوم عالج ... ويوم النقا حتى قسرت الهوى قسرا2
وقول الآخر:
ذهوب بأعناق المئين عطاؤه ... عزوم على الأمر الذي هو فاعله3
وقول الآخر 4:
غمر الرداء إذا تبسَّم ضاحكًا ... غلقت لضحكته رقاب المال
وقوله 5:
ووجهٍ كأن الشمس حلت رداءها ... عليه نقيّ اللون لم يتخدد
جعل للشمس رداء وهو جوهر؛ لأنه أبلغ في6 النور الذي هو العرض, وهذه الاستعارات كلها داخلة تحت7 المجاز.
__________
1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "قوله".
2 بعده:
فإن خفت يومًا أن يلج بك الهوى ... فإن الهوى يكفيكه مثله صبرا
الظنابيب واحدها ظنبوب، وهو حرف العظم اليابس من الساق. وتقول، قرعت ظنبوب البعير إذا ضربت ظنبوبه ليتنوخ لك فتركبه، وقيل من هذا: فرع ظنابيب الشيء إذا ذلَّلَه. يذكر أنه ذلَّل الهوى في هذين اليومين. وذلك بالتقائه بحبيبه، كما قال جرير:
ولما التقى الحبان ألقيت العصا ... ومات الهوى لما أصيبت مقاتله
وقد يكون تذليل الهوى بالصبر والتجلد للفراق، كما هو في البيت الثاني، وورد البيتان في اللسان "ظنب".
3 ورد الشطر الثاني في قصيدة لزهير في رواية الأعلم.
وصدره فيها:
فأعرضن منه من كريم عرزا
والشعر في مدح حصن بن حذيفة الفزاري, وذهاب عطائه بأعناق اللئين أن يهبها ويمنحها العفاة. وانظر شرح ديوان زهير "طبعة دار الكتب" 141.
4 هو كثير. والبيت من قصيدة له، كما في معاهد التنصيص 2/ 149، ولم يورد شيئًا من القصيدة، ولم أرها في الديوان المطبوع.
5 هو طرفة في معلقته. و"حلت رداءها" أي: خلعته وألبسته إياه. و"يتحدد": "يضطرب" مشتق من الحد لأنه يضطرب عند الأكل.
6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "من".
7 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "في حكم".(2/447)
فأما قولهم: ملكتُ عبدًا ودخلت دارًا وبنيت حمامًا فحقيقي هو ونحوه, لا استعارة فيه ولا مجاز في هذه المفعولات, لكن في الأفعال الواصلة إليها مجاز. وسنذكره. ولكن لو قال: بنيت لك في قلبي بيتًا, أو ملكت من الجود عبدًا خالصًا, أو أحللتك من رأيي وثقتي1 دار صدق؛ لكان ذلك مجازًا واستعارة لما فيه من الاتساع والتوكيد والتشبيه على ما مضى.
ومن المجاز كثير من باب الشجاعة في اللغة: من الحذوف2، والزيادات3، والتقديم والتأخير , والحمل على المعنى, والتحريف.
ألا ترى أنك إذا قلت: بنو4 فلان يطؤهم الطريق, ففيه من السعة إخبارك عمَّا لا يصح وطؤه بما صح وطؤه. فتقول على هذا: أخذنا على الطريق الواطئ لبني فلان, ومررنا بقوم موطوئين بالطريق, ويا طريق طأ بنا بني فلان, أي أدّنا إليهم. وتقول: بني فلان بيته على سنن المارة رغبة في طئة الطريق بأضيافه له. أفلا ترى إلى وجه الاتساع عن هذا المجاز.
ووجه التشبيه إخبارك عن الطريق بما تخبر به عن سالكيه, فشبهته5 بهم إذ كان هو المؤدي لهم, فكأنه هم.
وأما التوكيد6 فلأنك إذا أخبرت عنه بوطئه إياهم كان أبلغ من وطء سالكيه لهم, وذلك أن الطريق مقيم ملازم, فأفعاله مقيمة معه, وثابتة بثباته. وليس كذلك أهل الطريق؛ لأنهم قد يحضرون فيه ويغيبون عنه, فأفعالهم أيضًا كذلك
__________
1 في ط: "نفس".
2 كذا في ط، ج، وفي د، ز: "المحذوف", ويبدو أنه محرَّف عمَّا أثبت. وفي ش: "الحذف".
3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "الزيادة".
4 انظر الكتاب 1/ 159.
5 تراه يميل إلى الاستعارة بالكناية، فهو يشبه الطريق بقوم سائرين، وجعل الوطء دليل ذلك التشبيه.
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "توكيد".(2/448)
حاضرة وقتًا وغائبة آخر. فأين هذا مما أفعاله ثابتة مستمرة. ولما كان هذا كلامًا الغرض فيه المدح والثناء اختاروا له أقوى اللفظين؛ لأنه يفيد أقوى المعنيين.
وكذلك قوله1 سبحانه: {وَاسْأَلِ 2 الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا 3} فيه3 المعاني الثلاثة. أما الاتساع فلأنه استعمل لفظ السؤال مع ما لا يصح في الحقيقة سؤاله, وهذا نحو ما مضى, ألا تراك تقول: وكم من قرية مسئولة, وتقول: القرى وتسآلك؛ كقولك: أنت وشأنك. فهذا ونحوه اتساع.
وأما التشبيه فلأنها شبهت بما يصح سؤاله لما كان بها ومؤلفًا4 لها. وأما التوكيد فلأنه في ظاهر اللفظ إحالة بالسؤال "على من"5 ليس من عادته الإجابة. فكأنهم تضمنوا لأبيهم -عليه السلام- أنه إن سأل الجمادات والجبال أنبأته بصحة قولهم, وهذا تناهٍ في تصحيح الخبر. أي: لو سألتها لأنطقها الله بصدقنا, فكيف لو سألت مَن مِن عادته الجواب.
وكيف تصرَّفت الحال فالاتساع فاشٍ في جميع أجناس شجاعة العربية.
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش. "في قوله".
2 آية: 82، سورة يوسف.
3 سقط في ش.
4 هو وصف من قولهم: آلف المكان: ألفه وأحبه.
5 في ش: "عمن".(2/449)
باب في أن 1 المجاز إذا كثر لحق بالحقيقة:
اعلم أن أكثر اللغة مع تأمله مجاز لا حقيقة. وذلك عامة الأفعال نحو: قام زيد, وقعد عمرو, وانطلق بشر, وجاء الصيف, وانهزم2 الشتاء. ألا ترى أن الفعل يفاد منه معنى الجنسية, فقولك: قام زيد, معناه 3: كان منه القيام, أي: هذا
__________
1 سقط هذا الحرف في ش.
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط "انصرف".
3 كذا في د، هـ، ز، ط وسقط في ش.(2/449)
الجنس من الفعل, ومعلوم أنه لم يكن منه جميع القيام, وكيف1 يكون ذلك وهو جنس, والجنس يطبق2 جميع الماضي وجميع الحاضر وجميع الآتي, الكائنات من كل من وجد منه القيام. ومعلوم3 أنه لا يجتمع لإنسان واحد "في وقت واحد"4, ولا في مائة ألف سنة مضاعفة القيام كله الداخل تحت الوهم, هذا محال عند كل ذي لب. فإذا كان كذلك علمت أن "قام زيد" مجاز لا حقيقة, وإنما هو على وضع الكل موضع البعض للاتساع والمبالغة وتشبيه القليل بالكثير. ويدل على انتظام ذلك لجميع جنسه أنك تعلمه في جميع أجزاء ذلك الفعل فتقول: قمت قومة, وقومتين, ومائة قومة, وقيامًا حسنًا, وقيامًا قبيحًا. فأعمالك إياه في جميع أجزائه يدل على أنه موضوع عندهم على صلاحه لتناول جميعها. وإنما يعمل الفعل من المصادر فيما فيه عليه دليل؛ ألا تراك لا تقول: قمت جلوسًا, ولا ذهبت مجيئًا, ولا نحو ذلك لما لم تكن فيه دلالة عليه, ألا ترى إلى قوله:
لعمري لقد أحببتك الحب كله ... وزدتك حبًا لم يكن قبل يعرف5
"فانتظامه6 لجميعه يدل على وضعه على اغتراقه واستيعابه"7 وكذلك قول الآخر:
فقد يجمع الله الشتيتين بعدما ... يظنان كل الظنّ أن لا تلاقيا8
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "فكيف".
2 أي: يعم. يقال: طبق الغيث الأرض: عمهد, والمعروف أن الجنس يتناول القليل والكثير والواحد والتعدد، وهو إنما يطبق جميع أفراده بالصلاحية، وسيذكر بعد أن عمل الفعل في اسم المرة وغيره يدل على صلاحته لتناول جميعها. وعلى هذا فإذا أريد منه به بعض أفراده كان حقيقة لا مجازًا.
3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "فمعلوم".
4 ثبت ما بين القوسين في ش، ط, وسقط في د، هـ، ز.
5 سقط الشطر الثاني في ش.
6 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.
7 كذا في ط، وفي ش: "فاستيعابه", وقوله: "لجميعه" في ط: "بجميعه".
8 "فقد كذا في د، ز، ش، ط. وفي هـ: "وقد", وهو من قصيدة للمجنون.(2/450)
فقوله: "كل الظن" يدل على صحة ما ذهبنا إليه. قال لي أبو علي: قولنا: قام زيد, بمنزلة قولنا: خرجت فإذا الأسد, ومعناه أن قولهم: خرجت فإذا الأسد تعريفه هنا تعريف الجنس كقولك: الأسد أشد من الذئب, وأنت لا تريد أنك "خرجت وجميع الأسد"1 التي2 يتناولها الوهم على الباب. هذا محال واعتقاده اختلال3. وإنما أردت: خرجت فإذا واحد من هذا الجنس بالباب, فوضعت لفظ الجماعة على الواحد مجازًا لما فيه من الاتساع والتوكيد والتشبيه. أما الاتساع فإنك4 وضعت اللفظ المعتاد للجماعة على الواحد. وأما التوكيد فلأنك عظمت قدر ذلك الواحد، بأن جئت بلفظه على اللفظ المعتاد للجماعة, وأما التشبيه فلأنّك عظّمت قدر ذلك الواحد بالجماعة؛ لأن كل واحد منها مثله في كونه أسدًا.
وإذا كان كذلك فمثله قعد جعفر, وانطلق محمد, وجاء الليل, وانصرم النهار. وكذلك أفعال القديم سبحانه؛ نحو5: خلق الله السماء والأرض, وما6 كان مثله, ألا ترى -أنه عزَّ اسمه- لم يكن منه بذلك خلق أفعالنا, ولو كان حقيقة لا مجازًا لكان خالقًا للكفر والعدوان وغيرهما7 من أفعالنا -عز وعلا. وكذلك علم الله قيام زيد مجاز8 أيضًا؛ لأنه لست الحال التي علم عليها قيام زيد هي الحال التي علم عليها قعود عمرو. ولسنا نثبت له سبحانه علمًا؛ لأنه عالم بنفسه9, إلا أنَّا مع ذلك نعلم
__________
1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مررت بجميع الأسد".
2 كذا في ش. وفي ط، ز: "الذي".
3 في ز: "اعتلال".
4 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش، "فأن".
5 سقط في ش.
6 سقط في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.
7 كذا في ز. وفي ش، ط: "غيرها". وقد جرى في هذا على رأي أصحابه المعتزلة. وأهل السنة لا يرون شيئًا في خلق الكفر والعدوان، ولا يخرج شيء عن خلقه وقدرته.
8 في ش: "مجازًا".
9 كذا في ز. وفي ش، ط: "لنفسه". وتراه يتبع في نفي صفة العلم عن الله سبحانه مذهب المعتزلة، وأهل السنة بخلاف ذلك.(2/451)
أنه ليست1 حال علمه بقيام2 زيد هي حال علمه بجلوس عمرو ونحو ذلك. وكذلك قولك: ضربت عمرًا مجاز أيضًا من غير جهة التجوّز في الفعل -وذلك أنك إنما فعلت بعض الضرب لا جميعه- ولكن من جهة أخرى؛ وهو أنك إنما ضربت بعضه لا جميعه, ألا تراك تقول: ضربت زيدًا, ولعلك إنما ضربت يده أو إصبعه, أو ناحية من نواحي جسده, ولهذا إذا احتاط الإنسان واستظهر جاء ببدل البعض فقال: ضربت زيدًا وجهه أو رأسه. نعم, ثم إنه مع ذلك متجوز, ألا "تراه قد يقول "3: ضربت زيدًا رأسه4، فيبدل للاحتياط, وهو إنما ضرب ناحية من رأسه لا رأسه كله. ولهذا ما يحتاط بعضهم في نحو هذا فيقول: ضربت زيدًا جانب وجهه الأيمن, أو ضربته أعلى رأسه الأسمق5؛ لأن أعلى رأسه قد تختلف أحواله فيكون بعضه أرفع من بعض.
وبعد فإذا عرف التوكيد لم وقع في الكلام -نحو: نفسه وعينه وأجمع وكله وكلهم وكليهما, وما أشبه ذلك- عرفت منه "حال سعة"6 المجاز في هذا الكلام, ألا تراك قد7 تقول: قطع الأمير اللص, ويكون القطع له بأمره8 لا بيده, فإذا قلت: قطع الأمير نفسه اللص, رفعت المجاز من جهة الفعل وصرت إلى الحقيقة, لكن يبقى عليك التجوز من مكان آخر وهو قولك: اللص, وإنما لعله قطع يده أو رجله، فإذا9 احتطت قلت: قطع الأمير نفسه يد اللص أو رجله. وكذلك
__________
1 في ش: "ليست له".
2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "بقعود".
3 كذا في ش. وفي ط: "ترى كيف تقول" وفي ز: "تراه كيف تقول".
4 سقط في ش.
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "الأسمي".
6 كذلك في ش، ز. وفي ط: "سعة حال".
7 سقط في ش، ط، وثبت في د، هـ، ز.
8 في ش: "وبأمره".
9 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وإذا".(2/452)
جاء الجيش أجمع, ولولا أنه قد كان يمكن أن يكون إنما جاء بعضه1 -وإن أطلقت المجيء على جميعه- لما كان لقولك: أجمع معنى.
فوقوع التوكيد في هذه اللغة أقوى دليل على شياع المجاز فيها واشتماله عليها, حتى إن أهل العربية أفردوا له بابًا لعنايتهم به، وكونه مما2 لا يضاع ولا يهمل مثله, كما أفردوا لكل معنى أهمهم بابًا؛ كالصفة والعطف والإضافة والنداء والندبة والقسم والجزاء, ونحو ذلك.
وبينت منذ قريب لبعض منتحلي هذه الصناعة هذا الموضع -أعني: ما في3 ضربت زيدًا, وخلق الله, ونحو ذلك- فلم يفهمه إلّا بعد أن بات4 عليه, وراض نفسه فيه, واطلع في الموضع الذي أومأت له إليه, فحينئذ ما تصوره, وجرى على مذهبه في أن لم يشكره.
واعلم أن جميع ما أوردناه في سعة المجاز عندهم واستمراره على ألسنتهم دفع أبي الحسن القياس على حذف المضاف, وإن لم يكن حقيقة. أولا5 يعلم أبو الحسن كثرة المجاز غيره, وسعة استعماله وانتشار مواقعه, كقام أخوك, وجاء الجيش, وضربت زيدًا, ونحو ذلك, وكل ذلك مجاز "لا حقيقة"6 "وهو على غاية الانقياد والاطراد. وكذلك أيضًا حذف المضاف مجاز لا حقيقة"7 وهو مع ذلك مستعمل8.
__________
1 في ز، ط: "جاءك".
2 كذا في د، هـ، ط. وفي ش: "فيما".
3 سقط في هذا الحرف في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.
4 كذا في ش. وفي ط: "ثاب".
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "أفلا".
6 سقط ما بين القوسين في ش، ط. وثبت في د، هـ، ز.
7 ثبت ما بين القوسين في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مجاز مستعمل".(2/453)
فإن احتج أبو الحسن بكثرة هذه المواضع؛ نحو: قام زيد, وانطلق محمد, وجاء القوم, ونحو ذلك, قيل له: وكذلك حذف المضاف قد كثر؛ حتى إن في القرآن -وهو أفصح الكلام- منه أكثر من مائة موضع، بل ثلاثمائة موضع1، وفي الشعر منه ما لا أحصيه.
فإن قيل: يجيء من هذا أن تقول: ضربت زيدًا, وإنما ضربت غلامه وولده.
قيل: هذا الذي شنَّعت به بعينه جائز؛ ألا تراك تقول: إنما ضربت زيدًا بضربك غلامه, وأهنته بإهانتك ولده. وهذا باب إنما يصلحه ويفسده المعرفة به. فإن فهم عنك في قولك: ضربت زيدًا, أنك إنما أردت بذلك: ضربت غلامه أو أخاه أو نحو ذلك جاز, وإن لم يفهم عنك لم يجز, كما أنك إن فهم عنك2 بقولك: أكلت الطعام, أنك أكلت بعضه, لم تحتج إلى البدل, وإن3لم يفهم عنك وأردت إفهام المخاطب إياه لم تجد بدًّا من البيان, وأن تقول: بعضه أو نصفه أو نحو ذلك. ألا ترى أن الشاعر لما فهم عنه ما "أراد4 بقوله" قال 5:
صبَّحن من كاظمة الخُصِّ الخرب ... يحملن عباس بن عبد المطلب6
__________
1 سقط في ز.
2 سقط في ش. وثبت في د، هـ، ز، ط.
3 في ز: "لو".
4 كذا في ش, وفي ط "له أراد". وفي د، هـ، ز: "أراد".
5 كذا. والأولى حذفها.
6 كاظمة: موضع قريب من البصرة فيه آبار كثيرة. والحديث عن إيل. وانظر الكامل 7/ 132، والجمهرة 3/ 503.(2/454)
وإنما أراد: عبد الله بن عباس, ولو لم يكن على الثقة بفهم ذلك لم يجد بدًّا من البيان. وعلى ذلك قول الآخر 1:
عليم بما أعيا النطاسي حذيما
أراد: ابن حذيم.
ويدلك على لحاق المجاز بالحقيقة عندهم وسلوكه طريقته في أنفسهم أن العرب قد وكدته كما وكَّدت الحقيقة, وذلك قول الفرزدق:
عشيَّة سال المربدان كلاهما ... سحابة موت بالسيوف الصوارم2
وإنما هو مربد واحد, فثناه مجازًا لما يتصل به من مجاوره, ثم إنه مع ذلك وكَّده وإن كان مجازًا. وقد يجوز أن يكون سمَّى كل واحد من جانبيه مربدًا.
وقال الآخر:
__________
1 هو أوس بن حجر, وصدر البيت وقد جاء في ز:
فهل لكم فيها إليّ فإنني
وكان جاور في قوم غير قومه فاقتسموا معزاه، فهجاهم، وعرض عليهم أن يردوا إليه ماله فيخرجهم من مخزاة فعلتهم، فإنه كفيل بذلك طبيب به. وابن حذيم متطبب عند العرب. ويقول بعد هذا:
فأخرجكم من ثوب شمطاء عارك ... مشهرة بلت أسافله دما
فقوله: "فهل كلم فيها إلي" أي: في رد غنمي إلي, هذا وقد ذكر ابن السكيت في شرح ديوان أوس أن حذيمًا من تيم الرباب، وكان متطببًا عالمًا، وتبعه صاحب القاموس، وعليه فلا شاهد فيه. وانظر الخزانة 2/ 232.
2 من قصيدة له في هجاء جرير والتعريض بالبعيث, وقبله:
ومنا الذي أعطى يديه رهينة ... لفاري نزار يوم ضرب الجماجم
كفى كل أنثى ما تخلف على ابنها ... وهن قيام رافعات المعاصم
غارا نزار تميم وبكر، وهو تثنية غار، وهو الجمع الكثير من الناس, ويريد بالذي أعطى يديه رهينة عبد الله بن سفيان التميمي في قصة طويلة جرت بعد موت يزيد بن معاوية, بسطها أبو عبيدة في النقائض 720 طبع أوربا. والمربدان أراد به المربد، وهو موضع بالبصرة, والمربد -في الأصل- الموضع يحبس فيه الإبل وغيرها. وقوله: "سحابة" في ز: "عجاجة".(2/455)
إذا البيضة الصمَّاء عضت صفيحة ... بحربائها صاحت صياحًا وصلَّت1
فأكد "صاحت" وهو مجاز بقوله: صياحًا.
وأما2 قول الله -عز وجل: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} 3 فليس من باب المجاز "في الكلام"4, بل هو حقيقة, قال أبو الحسن 5: خلق الله لموسى6 كلامًا في الشجرة, فكلَّم به موسى, وإذا أحثَّه كان متكلمًا به. فأمَّا أن يحدثه في شجرة أو فم أو غيرهما, فهو شيء آخر, لكن الكلام واقع, ألا ترى أن المتكلم منا إنما يستحق هذه الصفة بكونه متكلمًا لا غير لا؛ لأنه أحدثه في آلة نظقه, وإن كان لا يكون متكلمًا حتى يحرك به آلات نطقه.
فإن قلت: أرأيت لو أن أحدنا عمل آلة مصوِّتة وحركها واحتذى بأصواتها أصوات الحروف المقطعة المسموعة في كلامنا, أكنت تسميه متكلمًا؟ وتسمي تلك الأصوات كلامًا؟
فجوابه ألا7 تكون تلك الأصوات كلامًا, ولا ذلك المصوِّت لها متكلمًا, وذلك أنه ليس في قوة8 البشر أن يوردوه بالآلات التي يصنعونها على سمت الحروف
__________
1 البيضة: الخوذة توضع على الرأس لتقيها السلاح. والحرباء: مسمار الدرع، وصليل الحرباء: صوته, وذلك أن يضرب الدرع بالسيف فلا تنفذ فيه الضربة وترتد فيكون لذلك صوت. وقد جعل الحرباء كما ترى للبيضة. والصفيحة: السيف العريض.
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "فأمَّا".
3 آية: 164، سورة النساء.
4 كذا في ز، ط. وسقط في ش.
5 هذا على أصل المعتزلة الذين ينكرون الكلام النفسي لله سبحانه, ويذكر المؤلف أن نسبة الكلام إلى الله سبحانه على هذا الرأي حقيقة لا مجاز. يرده أن الجاري في العربية نسبة الفعل إلى من يظهر منه، فلو كان الكلام في الشجرة لكانت أحق بنسبة الكلام إليها على سبيل الحقيقة.
6 سقط في ش. وثبت في د، هـ، ز، ط.
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط، "لا".
8 في ز، ط: "قدرة".(2/456)
المنطوق بها وصورتها "في النفس"1؛ لعجزهم عن ذلك. وإنما يأتون بأصوات فيها الشبه اليسير من حروفنا2؛ فلا يستحق لذلك أن تكون3 كلامًا، ولا أن يكون الناطق بها متكلمًا, كما أن الذي يصور الحيوان تجسيمًا أو ترقيمًا لا يسمَّى خالقًا للحيوان, وإنما يقال مصور وحاكٍ ومشبِّه. وأما القديم سبحانه فإنه قادر على إحداث الكلام على صورته الحقيقية وأصواته الحيوانية في الشجرة والهواء وما أحب سبحانه وشاء. فهذا فرق.
فإن قلت: فقد أحال سيبويه4 قولنا: أشرب ماء البحر, وهذا منه حظر للمجاز الذي أنت مدَّع شياعه وانتشاره.
قيل: إنما أحال ذلك على أن المتكلم يريد به الحقيقة, وهذا5 مستقيم إذ6 الإنسان الواحد لا يشرب جميع ماء البحر, فأما إن أراد به بضعه ثم أطلق هناك اللفظ يريد به جميعه, فلا محالة من جوازه, ألا ترى إلى "قول الأسود7 بن يعفر":
نزلوا بأنقرة يسيل عليهم ... ماء الفرات يجيء من أطواد8
"فلم يحصل"9 هنا جميعه؛ لأنه قد يمكن أن يكون بعض مائه مختلجًا قبل وصوله إلى أرضهم "بشرب10 أو بسقي" زرع ونحوه, فسيبويه إذًا إنما وضع هذه اللفظة
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش، وثبت في د، هـ، ز، ط.
2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "حروفها".
3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "يكون".
4 انظر الكتاب 1/ 8. وعبارته: "وأما المحال الكذب, فأن تقول: سوف أشرب ماء البحر أمس.
5 أي: الحكم بإحالة شرب ماء البحر على سبيل الحقيقة مستقيم وقد يكون الأصل: "وهذا غير مستقيم" أي: شرب ماء البحر على سبيل الحقيقة.
6 في ط: "لأن".
7 كذا في ز. وفي ش، ط: "قوله".
8 من قصيدة مفضلية. وأنقرة هنا موضع بالحيرة، وهي غير أنقرة التي في بلاد الروم، والتي هي الآن قصبة الدولة التركية. والأطواد: الجبال.
9 في ط: "وإن لم يحصل".
10 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "شرب أو لسقيا".(2/457)
في هذا الموضع على أصل "وضعها في اللغة"1 من العموم, واجتنب المستعمل فيه من الخصوص.
ومثل2 توكيد المجاز فيما مضى قولنا: قام زيد قيامًا, وجلس عمرو جلوسًا, وذهب سعيد3 ذهابًا، "ونحو ذلك4؛ لأن" قولنا: قام زيد ونحو ذلك قد قدَّمنا الدليل على أنه مجاز, وهو مع ذلك مؤكَّد بالمصدر. فهذا5 توكيد المجاز كما ترى, وكذلك أيضًا يكون قوله سبحانه: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} ومن هذا الوجه مجازًا على ما مضى.
ومن التوكيد في المجاز قوله تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} 6 ولم تؤت لِحْيَة ولا ذكرًا. ووجه هذا عندي أن يكون مما حذفت صفته حتى كأنه قال: وأوتيت من كل شيء تؤتاه المرأة الملكة7؛ ألا ترى "أنها8 لو" أوتيت لحية وذكرًا لم تكن امرأة أصلًا9، ولما قيل فيها: أوتيت, ولقيل أوتي. ومثله قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} 10 وهو سبحانه شيء. وهذا11 مما يستثنيه12 العقل ببديهته, ولا يحوج إلى التشاغل باستثنائه13؛ ألا ترى أن الشيء كائنًا ما كان لا يخلق نفسه, كما أن المرأة لا تؤتي لحية ولا ذكرًا.
__________
1 في ز، ط: "وضع اللغة".
2 كذا في ش، ز، ط. وفي ج: "من".
3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "سعد".
4 في ز، ط: "وذلك أن".
5 في ط: "وهو".
6 آية: 23، سورة النمل.
7 في ز: "المليكة".
8 كذا في ش، ط. وفي ز: "لو أنها".
9 سقط في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.
10 ورد في عدة آيات. من ذلك آية 116، سورة الرعد.
11 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "فهذا".
12 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "يستثبته".
13 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "باستثباته".(2/458)
فأما1 قوله سبحانه: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} 2 فحقيقة لا مجاز. وذلك3 أنه سبحانه ليس عالمًا بعلم؛ فهو إذًا العليم الذي4 فوق ذوي العلوم أجمعين. ولذلك5 لم يقل: وفوق كل عالم عليم؛ لأنه عزَّ اسمه عالم ولا عالم فوقه.
فإن قلت: فليس في شيء مما أوردته6 من قولك: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} و {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} 7 {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} اللفظ المعتاد للتوكيد.
قيل: هو وإن لم يأت تابعًا على سمت التوكيد فإنه بمعنى التوكيد البتة, ألا ترى أنك8 إذا قلت: عممت بالضرب جميع القوم, ففائدته فائدة قولك: ضربت القوم كلهم. فإذا كان المعنيان واحدًا كان ما وراء ذلك غير معتَدٍّ به ولغوًا.
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "وأمَّا".
2 آية: 76، سورة يوسف.
3 يريد المؤلف أن الله سبحانه لا يشمله ذو العلم، فهو غير داخل في مدلول الآية. وبنى كلامه على أصل المعتزلة أنه عالم بذاته، وليس له صفة العلم. وفاته أن اللسان العربي لا يعرف العالم إلّا لذي العلم، كما لا يعرف القائم إلا لذي القيام، وكان خيرًا له أن ينأى عن هذه المسائل الكلامية.
4 سقط في ز.
5 في ط: "وذلك أنه".
6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "في".
7 سقط ما بين القوسين في ش.
8 سقط في ش.(2/459)
باب في إقرار الألفاظ على أوضاعها الأول, ما لم يَدْعُ داعٍ إلى الترك 1 والتحول:
من ذلك2 "أو" إنما أصل وضعها أن تكون لأحد الشيئين أين كانت وكيف3 تصرفت, فهي عندنا على ذلك وإن كان بعضهم قد خفي عليه هذا من حالها في بعض الأحوال, حتى دعاه إلى أن4 نقلها عن أصل بابها, وذلك أن الفراء قال: إنها قد تأتي بمعنى بل, وأنشد بيت ذي الرمة:
__________
1 في ط: "نزوله".
2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وإنما".
3 في ط: "أين".
4 سقط هذا الحرف في ط، ش.(2/459)
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى ... وصورتها أو أنت في العين أملح1
وقال: معناه: بل أنت في العين أملح. وإذا أرينا أنها في موضعها وعلى2 بابها -بل إذا كانت هنا على بابها كانت أحسن معنًى وأعلى مذهبًا- فقد وفَّينا ما3 علينا.
وذلك أنها على بابها من الشك, ألا ترى أنه لو أراد بها معنى بل فقال: بل أنت في العين "أملح لم يف بمعنى أو في الشك؛ لأنه إذا قطع بيقين أنها في العين أملح"4 كان في ذلك سرف منه ودعاء إلى التهمة في الإفراط له، وإذا أخرج الكلام مخرج الشك كان في صورة المقتصد غير المتحامل ولا المتعجرف. فكان5 أعذب للفظه، وأقرب إلى تقبُّل قوله, ألا تراه نفسه أيضًا6 قال:
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النقا آأنت أَمْ أُمّ سالم7
__________
1 قرن الشمس: أعلاها. وقوله: "وصورتها" بالجر عطف على "قرن"، ويقول البغدادي في الخزانة 4/ 424: "والبيت نسبه ابن جني إلى ذي الرمة، ولم أجده في ديوانه", ولذي الرمة قصيدة طويلة على روي البيت، مطلعها:
أمنزلتي ميّ سلام عليكما
على النأي والنائي يود وينصح
وانظر معاني القرآن 10/ 72، والإنصاف 198.
2 سقطت واو العطف في ز.
3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بما".
4 سقط ما بين القوسين في ش، وثبت في د، هـ، ز، ط.
5 كذا في ش،، ط. وفي د، هـ، ز: "وكان".
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "كيف".
7 قبله:
أقول لدهناوية عوهج جرت ... لنا بين أعلى عرفة بالصرائم
العوهج: الطويلة العتق، وأراد بها ظبية, والدهناوية نسبة إلى الدهناء، وهي رمال في نجد، الرعساء، رملة وجلاجل -بالضم- موضع، ومن اللغويين من يرويه بفتح الجيم. وانظر الأمالي 2/ 61، والكامل 6/ 181، وسيبويه 2/ 168، وأمالي ابن الشجري 1/ 321.(2/460)
فكما1 لا يشك2 في3 أن كلامه ههنا خرج مخرج الشك لما فيه من عذوبته وظرف مذهبه, فكذلك ينبغي أن يكون قوله: أو أنت في العين أملح "أو" فيه باقية في موضعها وعلى شكلها.
وبعد فهذا مذهب الشعراء: أن يظهروا في هذا ونحوه شكًّا وتخالجًا4 ليروا قوة الشبه واستتكام الشبهة, ولا يقطعوا قطع اليقين البتة فينسبوا بذلك إلى الإفراط وغلوّ الأشطاط, وإن كانوا هم ومن بحضرتهم5 ومن يقرأ من6 بعد أشعارهم يعلمون أن لا حيرة هناك ولا شبهة, ولكن "كذا خرج"7 الكلام على الإحاطة بمحصول الحال.
وقال أيضًا:
ذكرتك أن مرت بنا أم شادن ... أمام المطايا تشرئب وتسنح8
وقال الآخر 9:
أقول لظبي يرتعي وسط روضة ... أأنت أخو ليلى فقال يقال
وما أحسن ما جاء به الطائي الصغير "في قوله"10:
عارضننا أصلًا فقلنا الربرب ... حتى أضاء الأقحوان الأشنب11
__________
1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فيما".
2 في ط: "تشك".
3 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.
4 أي: ترددًا، يقال: تخالجته الهموم, أي: تنازعته فنفت عنه الطمأنينة، فكان مضطربًا مترددًا.
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "يحضرهم" وفي ط: "يحضر منهم".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "فيما", وسقط كلاهما في ط.
7 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "هذا مخرج".
8 الشادن: ولد الظبية حين يقوى ويشتد, ويقال: اشرأبَّ إذا رفع رأسه. وتسنح: تمر من اليمين. وقوله: "أن" يروي: "إذا". وانظر الديان 80، والكامل 6/ 91.
9 هو المجنون.
10 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فقال".
11 "أضاء" كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "استبان". وهو من قصيدة له في مدح إسحق بن إبراهيم. انظر الديوان "الجوائب" 1/ 62.(2/461)
وقال الآخر 1:
فعيناك عيناها وجيدك جيدها ... سوى أنّ عظم الساق منكِ دقيق
وذهب قُطْرُب إلى أن "أو" قد تكون بمعنى الواو, وأنشد بيت النابغة:
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد2
فقال: معناه: ونصفه. ولعمري إن كذا معناه. وكيف لا يكون كذلك, ولا بُدَّ منه وقد كثرت فيه الرواية أيضًا بالواو: ونصفه. لكن هناك مذهب يمكن معه أن يبقى الحرف على أصل وضعه: من كون لا شَكَّ فيه, وهو أن يكون تقديره: ليتما هذا الحمام لنا "إلى حمامتنا"3 أو هو ونصفه. فحذف المعطوف عليها وحرف العطف, على ما قدمناه في قوله عز وجل: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} 4 أي5 فضرب فانفجرت. وعليه قول6 الآخر:
ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث ... إلى ذا كما ما غيبتني غيابيا
أي: شهرين أو شهرين ونصف ثالث, ألا تراك لا تقول مبتدئًا: لبثت نصف ثالث؛ لأن ثالثًا من الأسماء المضمنة7 بما معها. ودعانا إلى هذا التأوّل8 السعي في9 إقرار "هذه" اللفظة على أول أحوالها.
__________
1 هو مجنون بني عامرن يخاطب ظبية صيدت فأعطى الصائد مكانها شاة وأطلقها. وانظر الكامل 7/ 39 والخزانة 4/ 595.
2 من قصيدة له، يعتذر فيها للنعمان بن المنذر مما رمي به عنده، ويرجوه أن يكون حكيمًا نافذ البصر كزرقاء اليمامة, وكانت رأت حمامًا مرَّ بين جبلين فخزرته ستارستين، فقالت: ليت هذا الحمام ونصفه يكون لي مضافًا إلى حماميّ لتكمل المائة، فلما عد الحمام من كثب ألفوها صادقة، فضرب بها المثل في صدق البصر. وقولها: فقد أي فقط، وقد هنا اسم فعل، والكسر للروي. وقد يكون الأصل: فقدي بياء المتكلم, أي: يكفيني، ولم أر رسمها بالياء. وانظر الخزانة 4/ 297.
3 سقط في ش، ما بين القوسين.
4 آية: 60 سورة البقرة.
5 سقط في د، هـ، ز.
6 أي: ابن أحمر. وانظر أمالي ابن الشجري 2/ 317.
7 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "المنضمة".
8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "التأويل".
9 كذا في ش، ط وفي د، هـ، ز: "إلى".(2/462)
فأما قول الله سبحانه: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} 1 فلا يكون فيه "أو" على مذهب الفراء بمعنى بل, ولا على2 مذهب قطرب في أنها بمعنى الواو.
لكنها عندنا على بابها في كونها شكًّا. وذلك أن هذا كلام خرج حكاية من الله -عز وجل- لقول المخلوقين. وتأويله عند أهل النظر: وأرسلناه إلى جمع لو رأيتموهم لقلتم أنتم فيهم: هؤلاء مائة ألف أو يزيدون.
ومثله مما مخرجه منه تعالى على3 الحكاية قوله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} وإنما هو في الحقيقة الذليل المهان لكن معناه: ذق إنك أنت الذي كان يقال له: العزيز الكريم. ومثله قوله -عز وجل: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} 5 أي: يا أيها الساحر عندهم لا عندنا؛ وكيف6 يكون ساحرًا عندهم وهم به مهتدون, وكذلك قوله: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ} 7 أي: شركائي عندكم. وأنشدنا أبو علي لبعض اليمانية8 يهجو جريرًا:
أبلغ كليبًا وأبلغ عنك شاعرها ... أني الأغرّ وأني زهرة اليمن
قال: فأجابه جرير فقال:
ألم تكن في وسوم قد وسمت بها ... من حان موعظة يا زهرة اليمن 9
فسماه زهرة اليمن10 متابعة له وحكاية للفظه, وقد تقدَّم القول على هذا الموضع.
__________
1 آية: 147 سورة الصافات.
2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بمعنى".
3 سقط هذا الحرف في ش.
4 آية: 49، سورة الدخان.
5 آية 49 سورة الزخرف.
6 كذا في ش، ب. وفي د، هـ، ز: "فكيف".
7 ورد في عدة آيات؛ من ذلك آية 27، سورة النحل وآية 52 سورة الكهف.
8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "أهل اليمن".
9 الوسوم جمع وسم، وهو أثر الكي يريد أذى هجائه, وحان: أي هلك.
10 سقط في د، هـ، ز.(2/463)
ومن ذلك ما يدعيه الكوفيون من زيادة واو العطف؛ نحو قول الله -عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} 1 "قالوا: هنا زائدة مخرجة عن العطف, والتقدير عندهم فيها: حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها"2. وزيادة الواو أمر3 لا يثبته البصريون, لكنه عندنا على حذف الجواب, أي: حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها كذا وكذا صدقوا وعدهم وطابت نفوسهم, ونحو ذلك مما يقال في مثل هذا.
وأجاز أبو الحسن زيادة الواو في خبر كان؛ نحو قولهم: كان ولا مال له, أي: كان لا مال له. ووجه جوازه عندي شبه خبر كان بالحال، فجرى مجرى4 قولهم: جاءني ولا ثوب عليه, أي: جاءني عاريًا.
فأما "هل " فقد أخرجت عن بابها إلى معنى قد, نحو قول الله سبحانه: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} 5 قالوا: معناه: قد أتى عليه ذلك. وقد يمكن عندي أن تكون مبقاة في هذا الموضع على بابها من الاستفهام، فكأنه قال -والله أعلم: هل أتى على الإنسان هذا؟ فلا بُدَّ في جوابه من "نعم" ملفوظًا بها أو مقدرة، أي:6 فكما أن ذلك كذلك فينبغي للإنسان أن يحتقر نفسه، ولا يبأى7 بما فتح له. وهذا كقولك لمن تريد الاحتجاج عليه: بالله هل سألتني فأعطيتك! أم هل زرتني فأكرمتك! , أي:6 فكما أن ذلك كذلك فيجب أن تعرف حقي عليك وإحساني إليك. ويؤكد هذا عندك قوله تعالى: {إِنَّا 8 خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا، إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} 8 أفلا تراه -عز اسمه- كيف عدد عليه أياديه وألطافه له.
__________
1 آية: 73، سورة الزمر.
2 ثبت ما بين القوسين في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
3 سقط في د، هـ، ز.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "نحوًا من".
5 آية: 1، سورة الإنسان.
6 ثبت هذا الحرف في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
7 يفخر.
8 آيتا 2، 3، سورة الإنسان.(2/464)
فإن قلت: فما تصنع بقول الشاعر 1:
سائل فوارس يربوع بشدتنا ... أهل رأونا بسفح القف ذي الأكم
ألا ترى إلى دخول همزة الاستفهام على هل, ولو كانت على ما فيها من الاستفهام لم تلاق همزته لاستحالة اجتماع حرفين لمعنى واحد, وهذا يدل على خروجها2 عن الاستفهام إلى معنى الخبر.
قيل: هذا قول يمكن أن يقوله صاحب هذا المذهب.
ومثله خروج الهمزة عن الاستفهام إلى التقرير, ألا ترى أن التقرير ضرب من الخبر، وذلك ضد3 الاستفهام, ويدل على أنه قد فارق الاستفهام امتناع النصب بالفاء "في جوابه"4 والجزم بغير الفاء في جوابه, ألا تراك لا تقول: ألست صاحبنا فنكرمك؛ كما تقول: لست صاحبنا5 فنكرمك, ولا تقول في التقرير: أأنت في الجيش أثبت اسمك. كما تقول: ما اسمك أذكرك, أي: إن أعرفه أذكرك. ولأجل ما ذكرنا من حديث همزة التقرير ما صارت تنقل النفي إلى الإثبات والإثبات إلى النفي, وذلك كقوله 6:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
__________
1 هو زيد الخبل الطائي. والبيت في أبيات خمسة قالها في إغارته على بني يربوع. وبشدتنا، أي عنها. والشدة الحملة, والقف: جبل ليس بعال في السماء. وانظر شواهد المغني للبغدادي 2/ 527، والخزانة 4/ 506.
2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "من".
3 في ز: "بضد".
4 سقط ما بين القوسين في ش، ط. وثيت في د، هـ، ز.
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "بصاحبنا".
6 أي: جرير من قصيدته في مدح عبد الملك بن مروان ومطلعها:
أتصحو بل فؤادك غير صاح ... عشية هم صحبك بالرواح(2/465)
أي: "أنتم كذاكم"1 وكقول الله -عز وجل: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} 2 و {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} 3 أي: لم يأذن لكم، ولم تقل4 للناس: اتخذوني وأمي إلهين, ولو كانت استفهامًا محضًا لأقرت الإثبات على إثباته والنفي على نفيه. فإذا دخلت5 على الموجب نفته "وإذا دخلت على النفي نفته"6 و"نفي النفي عائد"7 به إلى الإثبات. ولذلك لم يجيزوا ما زال زيد إلّا قائمًا لما آل به المعنى "من النفي" إلى: ثبت زيد إلّا قائمًا. فكما لا يقال هذا فكذلك لا يقال ذلك. فاعرفه.
ويدل8 على صحة معنى التناكر في همزة التقرير أنها قد أخلصت للإنكار في نحو قولهم في جواب قوله9 ضربت عمر: أعمراه! ومررت بإبراهيم: أإبراهيماه. ورأيت جعفرًا: "أجعفرنيه10، وأجعفرًا إنيه! ". وهذا واضح.
واعلم أنه ليس شيء يخرج عن بابه إلى غيره إلّا لأمر قد كان وهو على بابه ملاحظًا له, وعلى صدد من الهجوم عليه.
وذلك أن المستفهِم عن الشي قد يكون عارفًا به مع استفهامه في الظاهر عنه, لكن غرضه في الاستفهام عنه أشياء. منها11 أن يرى المسئول أنه خفي عليه ليسمع جوابه عنه, ومنها أن يتعرف حال المسئول هل هو عارف بما السائل عارف به. ومنها أن يرى الحاضر غيرهما أنه بصورة السائل المسترشد لما له في ذلك من
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "أنت كذلك".
2 آية: 59، سورة يونس.
3 آية: 116، سورة المائدة.
4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "يقل".
5 أي: همزة التقرير.
6 سقط ما بين القوسين في ش.
7 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "بقي النفي عائدًا".
8 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "يدلك".
9 سقط في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
10 في ز، ": "أجعفراء".
11 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "ومنها".(2/466)
الغرض. ومنها أن يعد ذلك لما بعده مما يتوقعه، حتى إن1 حلف بعد أنه قد2 سأله عنه حلف صادقًا فأوضح بذلك عذرًا. و"لغير ذلك"3 من المعاني التي يسأل السائل عمَّا يعرفه لأجلها وبسببها.
فلمّا كان السائل في جميع هذه الأحوال قد يسأل4 عمَّا هو عارفه5، أخذ بذلك طرفًا من الإيجاب لا السؤال عن مجهول6 الحال. وإذا كان ذلك كذلك جاز لأجله أن يجرّد في بعض الأحوال ذلك الحرف لصريح ذلك المعنى. فمن هنا جاز أن تقع "هل" في بعض الأحوال موضع "قد"؛ كما جاز لأو أن تقع في "بعض الأحوال موقع"7 الواو؛ نحو قوله:
وكان سيان ألا يسرحوا نعما ... أو يسرحوه بها واغبَّرت السوح8
جاز لك لما كنت تقول: جالس الحسن أو ابن سيرين، فيكون9 مع ذلك متى جالسهما جميعًا كان في ذلك مطيعًا, فمن هنا جاز أن يخرد في البيت ونحوه إلى معنى الواو.
وكل10 حرف فيما بعد يأتيك قد أخرج عن بابه إلى باب آخر فلا بُدَّ أن يكون قبل إخراجه إليه قد كان يرائيه ويلتفت إلى الشق الذي هو فيه. فاعرف ذلك وقسه, فإنك إذا فعلته11 لم تجد الأمر إلا كما ذكرته, وعلى ما شرحته.
__________
1 في ط: "وإذا".
2 ثبت في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط.
3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "لغيره".
4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "يسلم", وكأنه محرف عن "يستفهم".
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "عارف بوقوعه". وفي ط: "عارف به لوقوعه".
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "المجهول".
7 كذا في ش، ط وفي د، هـ، ز: "بعض مواقع".
8 انظر ص349، من الجزء الأول, وقوله: "وكان" كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فكان" وفي ز: "اعفرت" بدل "اغبرت".
9 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "فتكون".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فكل".
11 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "فعلت ذلك".(2/467)
باب في إيراد المعنى المراد بغير اللفظ المعتاد:
اعلم أن هذا موضع1 قد استعملته العرب واتبعتها فيه العلماء. والسبب في هذا الاتساع أن المعنى المراد مفاد من الموضعين جميعًا, فلمَّا آذنَّا به وأديا إليه سامحوا أنفسهم في العبارة عنه؛ إذ المعاني عندهم أشرف من الألفاظ, وسنفرد لذلك بابًا.
فمن ذلك ما حكاه أبو الحسن: أنه سأل أعرابيًّا عن تحقير الحُبارى فقال: حبرور. وهذا2 جواب من قصد الغرض ولم يحفل باللفظ؛ إذ لم يفهم غرض أبي الحسن, فجاء بالحبرور لأنه فرخ الحبارى. وذلك أن هذا الأعرابي تلقَّى سؤال أبي الحسن بما هو الغرض عند الكافة في مثله, ولم يحفل بصناعة الإعراب التي إنما هي لفظية ولقوم مخصوصين، من بين أهل الدنيا أجمعين. ونحو من ذلك أني سألت الشجري فقلت: كيف تجمع المحرنجم, فقال: وأيش فرقه حتى أجمعه! وسألته يومًا فقلت 3: كيف تحقر الدمكمك4؟ فقال: شخيت4. فجاء بالمعنى الذي يعرفه هو، ولم يراع مذهب الصناعة.
ونحو من هذا ما يحكى عن أبي السّمال5 أنه كان يقرأ: "فحاسوا خلال الديار"، فيقال له: إنما هو فجاسوا, فيقول: جاسوا وحاسوا واحد6. وكان أبو مهدية إذا أراد الأذان قال: الله أكبر مرتين7، أشهد أن لا إله ِإلا الله مرتين, ثم كذلك إلى آخره. فإذا قيل له: ليست السنة كذلك, إنما هي: الله أكبر الله أكبر، أشهد
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "الموضع".
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ط: "فهذا".
3 زيادة في ط.
4 الدمكمك من الرجال والإبل: القوي الشديد, والشخيت: النحيف الجسم الضئيل.
5 هو قعنب العدوي القارئ, وهو من أصحاب القراءات الشاذة, وقراءة العامة "فجاسوا" في الآية 5 من سورة الإسراء.
6 إذا الجوس والحوس تردد الجيش الفارة.
7 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مرة".(2/468)
أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله إلى آخره, فيقول: قد عرفتم أن المعنى واحد والتكرار عي. وحكى عيسى بن عمر، "سمعت ذا الرمة ينشد "1:
وظاهر لها من يابس الشخت واستعن ... عليها الصبا واجعل يديك لها سترا2
فقلت: أنشدتني: من بائس, فقال "يابس وبائس"3 واحد. وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن عن العباس أحمد بن يحيى قال "أنشدني ابن الأعرابي "4:
وموضع زَبْن لا أريد مبيته ... كأني به من شدة الروع آنس5
فقال له شيخ من أصحابه: ليس هكذا أنشدتنا, إنما أنشدتنا: وموضع ضيق. فقال: سبحان6 الله! تصحبنا منذ كذا وكذا, ولا تعلم أن الزبن والضيق واحد, وقد قال الله سبحانه وهو أكرم قيلًا: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 7 وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: " نزل القرآن على سبع لغات كلها شافٍ كاف ".
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط. "سألت ذي الرمة عن قوله".
2 في ط: "فظاهر" وفيها. وفي د، هـ، ط: "احتبس" في مكان "استعن", وفي د، هـ، ز: "أقتت لها قيته قدرًا" في مكان: "أجعل يديك لها سترًا". والبيت في وصف النار، والشخت: الدقيق. والمراد الحطب، أي: ضع لها من دقيق الخطب، واسترها بيدك. وللبيت رواية أخرى في اللسان "قوت". وانظر الديوان 176، وموافقات الشاطبي في الأصول 2/ 54 من طبعة السلفية.
3 كذا في ش. وفي ز: "من يائس ومن يابش"، وفي ط: "ومن بائس ويائس".
4 كذا في ش، ط، وفي ط. وفي هـ، ز: "أنشد ابن الأعرابي". وفي د: "قال ابن الأعرابي".
5 من قصيدة للمرقش الأكبر في المفضليات. وبعده:
لتبصر عيني إن رآتني مكانها ... وفي النفس إن خلى الطريق الكوادس
وقوله: "مكائها" أي: مكان أسماء محبوبته، وقد سبق ذكرها في شعره، يقول: إنه نزل منزل الضيق وتحمّل وعثاء الطريق ليبصر مكانها.
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ط، ز: "يا سبحان".
7 آية: 110، سورة الإسراء.(2/469)
وهذا ونحوه -عندنا1- هو الذي أدَّى إلينا أشعارهم وحكاياتهم بألفاظ مختلفة، على معانٍ متفقة. وكان أحدهم إذا أورد المعنى المقصود بغير لفظه المعهود كأنه لم يأت إلا به، "ولا عدل"2 عنه إلى غيره؛ إذ الغرض فيهما واحد, وكل واحد منهما لصاحبه مرافد. وكان أبو علي -رحمه الله- إذا عبر عن معنى بلفظ3 ما فلم يفهمه القارئ عليه, وأعاد ذلك المعنى عينه بلفظ غيره ففهمه يقول: هذا إذا رأى ابنه في قميص أحمر عرفه, فإن رآه في قميص كحلي لم يعرفه.
فأما الحكاية عن الحسن -رضي الله عنه- وقد سأله رجل عن مسألة, ثم أعاد السؤال, فقال له الحسن: لبَّكت عليَّ. أي: خلطت, فتأويله عندنا أنه أفسد المعنى الأول بشيء جاء به في القول4 الثاني. فأما أن يكون الحسن تناكر الأمر لاختلاف اللفظين "مع اتفاق"5 المعنيين فمعاذ الله, و"حاشى أبا سعيد"6. ويشبه أن يكون الرجل لما أعاد سؤاله بلفظ ثانٍ قدَّر أنه بمعنى اللفظ الأول ولم يحسن7 ما فهمه الحسن8 -رضي الله عنه- كالذي يعترف عند القاضي بما يدعي عليه, وعنده أنه مقيم على إنكاره إياه. ولهذا نظائر. ويحكى أن قومًا ترافعوا إلى الشعبي في رجل بخص عين رجل فشرقت بالدم، فأفتى في ذلك بأن أنشد بيت الراعي:
لها أمرها حتى إذا ما تبوأت ... بأخفافها مأوًى تبوأ مضجعا9
__________
1 سقط في ط.
2 في ط: "لم يعدل".
3 ثبت في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "المعنى".
5 في ط: "الاتفاق".
6 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "حاش أبي سعيد"، وط: حاشا لله أبا سعيد". أبو سعيد كنية الحسن البصري.
7 في ش: "يحسس".
8 سقط في ش.
9 "أمرها" كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مالها"، وفي ز، ط: "مرعى" بدل "مأوى", وانظر ص180 من هذا الجزء.(2/470)
لم يزدهم على هذا. وتفسيره أن هذه العين ينتظر بها أن يستقرَّ أمرها على صورة معروفة محصلة، ثم حينئذ1 يحكم في بابها بما توجبه الحال من أمرها. فانصرف القوم بالفتوى، وهم عارفون بغرضه فيها.
وأما2 اتباع العلماء العرب في هذا النحو فكقول سيبويه: ومن العرب من3 يقول: لب4 فيجرّه كجرّ أمس وغاق، ألا ترى أنه ليس في واحد من الثلاثة جر؛ إذ الجر إعراب لا بناء وهذا الكلم كلها مبنية "لا معربة"5 فاستعمل لفظ الجر على معنى الكسر، كما يقولون6 في المنادى المفرد المضموم: إنه مرفوع, وكما يعبرون بالفتح عن النصب, وبالنصب عن الفتح وبالجزم عن الوقف "وبالوقف عن الجزم"7 كل ذلك لأنه أمر قد عُرِفَ غرضه والمعنى المعني به.
وإذا جاز أن يكون في أصول هذه اللغة المقررة اختلاف اللفظين8 والمعنى واحد, كان جميع ما نحن فيه جائزًا سائغًا ومأنوسًا به متقبلًا.
__________
1 ثبت في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فأمَّا".
3 ثبت هذا اللفظ في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
4 كذا في د، هـ، ز. وفي ط: "لب لب" وفي ش: "أو" وعبارة سيبويه في الكتاب 1/ 176: "ومن العرب من يقول: لب" فيجريه مجرى أمس وفاق"، وترى أن هذه العبارة ليس فيما ما نقله المؤلف، وهو "فيجره كجره كجر أمس وغاق". وقد يكون هذا في نسخة المؤلف، أو تصحف عليه نص الكتاب. ولب في معنى لبيك.
5 ثبت ما بين القوسين في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "يقول".
7 سقط ما بين القوسين في ش.
8 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "اللفظ".(2/471)
باب في ملاطفة الصنعة:
وذلك أن ترى العرب قد غيرت شيئًا من كلامها من صورة، إلى صورة, فيجب حينئذ أن تتأتى لذلك وتلاطفه, لا أن تخبطه وتتعسفه. وذلك كقولنا في قولهم في تكسير جَرْو ودَلْوِ: أَجرٍ وأَدلٍ , إن أصله أجرُوٌ وأدلُوٌ, فقلبوا الواو ياء. وهو -لعمري- كذلك، إلا أنه يجب عليك أن تلاين الصنعة ولا تعازّها, فتقول: إنهم أبدلوا1 من ضمة العين كسرة, فصار تقديره: أجرِوٌ وأدلِوٌ. فلمَّا انكسر ما قبل الواو -وهي لام- قلبت ياء فصارت أجرِيٌ وأدْلِيٌ, وإنما وجب أن يرتب2 هذا العمل هذا الترتيب من قبل أنك لما كرهت الواو هنا لما تتعرض3 له من الكسرة والياء في أدْلُوَ وأدلُوِيّ لو سميت4 رجلًا بأدلُو, ثم أضفت إليه, فلمَّا ثقل ذلك بدءوا بتغيير الحركة الضعيفة تغييرًا عَبْطا وارتجالًا. فلمَّا صارت كسرة تطرقوا بذلك إلى قلب5 الواو ياء تطرقًا صناعيًّا. ولو بدأت فقلبت الواو ياء بغير آلة القلب6 من الكسرة7 قبلها لكنت قد استكرهت الحرف8 على نفسه تهالكًا وتعجرفًا، لا رفقًا وتلطفًا9. ولما فعلت ذلك في الضمة كان أسهل منه في "الواو و"10 الحرف؛ لأن ابتذالك الضعيف أقرب مأخذًا من إنحائك على القوي. " فاعرف ذلك"11 "أصلًا في هذا الباب"12.
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "لما أبدلوا".
2 كذا في ش، ط. وفي ز: "ترتب".
3 كذا في ش، ط: وفي د، هـ، ز: "يتعرض".
4 شرط هذا لأنه جمع فلا ينسب إليه على لفظه إلا إذا كان علمًا، وإلا نسب إلى مفرده.
5 في ط: "أن قلبوا".
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "تقلب".
7 كذا في ش. وفي ز، ط: "الكسر".
8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بالحرف".
9 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "ملاطفًا".
10 زيادة في ط.
11 كذا في ش. ط. وفي د، هـ، ز: "فاعرفه".
12 سقط ما بين القوسين في ط.(2/472)
وكذلك باب فُعُول مما لامه واو, كدَلْوٍ ودِلِيّ, وحَقْوٍ وحِقِيّ, "أصله دُلُوّ وحُقُوّ"1. فلك في إعلال هذا إلى حِقِيّ ودِلِيّ طريقان.
إن شئت شبهت واو فُعُول المدغمة2 بضمة عين أفعُل في3 أدلوٍ وأحقُوٍ, فأبدلت "منها ياء؛ كما أبدلت"4 من تلك الضمة كسرة فصارت: حُقِيُّو, ثم أبدلت الواو التي هي لام ياء لوقوع الياء ساكنة قبلها فصارت حُقِيّ ثم أتبعت فقلت: حِقِيّ. وهذا أيضًا مما أبدلت من ضمة عينه كسرة، فتنقلب5 واو فعول بعدها ياء كالباب6 الأول. فصارت أول 7: حُقُوّ، ثم حقِيو، ثم حُقِيّ، "ثم حِقِيّ"8. فهذا وجه.
وإن شئت قلت: بدأت بدُلُوٍّ فأبدلت لامها لضعفها بالتطرف "وثقلها"9 ياء فصارت دُلُويٌ. ثم أبدلت الواو ياء لوقوع الياء بعدها فصارت حُثُيّ "ثم أبدلت من الضمة في العين كسرة لتصح الياء بعدها فصارت: حُقِيّ"10 ثم أتبعت فقلت: حِقِيّ "ودِلِيّ"11.
ومن ذلك قولهم: إن أصل قام قَوَمَ, فأبدلت الواو ألفًا. وكذلك باع أصله12 بَيَعَ ثم أبدلت الياء ألفًا، لتحركها13 وانفتاح ما قبلها13. وهو -لعمري-
__________
1 ثبت ما بين القوسين في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز، وقد رسم دلو وحقو فيهما بواو واحدة، وهو يريد الإدغام، ولولا هذا لرسما بواوين.
2 يجري الصرفيون الإعلال في مثل هذا قبل الإدغام: فإن الإدغام يقوي الحرف فيتأبَّى على الإعلال.
3 ثبت هذا الحرف في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
4 سقط ما بين القوسين في ش. وثبت في د، هـ، ز، ط: غير أن في ط: "فيها" بدل "منها".
5 في ز، ط: "لتنقلب".
6 كذا في ش، ط، وفي ز: "كالياءات".
7 كذا في ش، ز. وفي ط: "أوَّلًا".
8 زيادة في ز.
9 ثبت ما بين القوسين في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
10 سقط ما بين القوسين في ش.
11 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز: وثبت في ش، ط.
12 كذا في ش،. وفي د، هـ. ز. "أصلها".
13 في ز: "لتحركهما ... قبلهما".(2/473)
كذلك، إلا أنك لم تقلب واحدًا من الحرفين إلّا بعد أن أسكنته استثقالًا لحركته, فصار إلى1 قَوْمَ وبَيْعَ ثم انقلبا لتحركهما في الأصل وانفتاح ما قبلهما الآن. ففارقا بذلك باب ثوب وشيخ؛ لأن هذين ساكنا العينين ولم يسكنا عن حركة. ولو رمت2 قلب الواو والياء من نحو: قوم وبيع وهما متحركتان3 لاحتمتا4 بحركتيهما, فعزَّتا فلم تنقلب. فهذا واضح.
ومن ذلك ستّ, أصلها سدس, فلما كثرت في الكلام أبدلوا السين تاء كقولهم. النات في الناس, ونحوه فصارت سِدْت. " فما تقارب الحرفان في مخرجيهما أبدلت الدال تاء, وأدغمت في التاء فصارت ستّ"5. ولو بدأت6 هذا الإبدال عاريًا من تلك الصنعة لكان استطالة على الحرفين وهتكًا للحرمتين.
فاعرف بهذا النحو هذه الطريق ولا تقدمنَّ على أمر من التغيير إلّا7 لعذر فيه, وتأت له ما استطعت. فإن لم تجن8 على الأقوى كانت جنايتك على الأضعف لتتطرَّق9 به إلى10 إعلال الأقوى أعذر وأولى. فأبه11 له وقس عليه.
__________
1 ثبت هذا الحرف في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
2 كذا في د، هـ، ز، ط. وف ش: "لزمت".
3 في ش: "متحركان".
4 كذا في في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "لاجتمعتا".
5 سقط ما بين القوسين في ز.
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بدلت".
7 في ز، ط: بعذر".
8 كذا في ط. وفي د، هـ، ز: "تعن" وفي ش: "تكن".
9 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "ليتطرق".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "على".
11 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "فأبدله", ويقال به للشيء: فطن له.(2/474)
فأما قوله 1:
أو إلفًا مكَّة من ورق الحمى
فلم تكن الكسرة لتقلب الميم ياء, ألا تراك تقول: تظنيت وتقصيت, والفتحة هناك لكنه كسر للقافية.
ومن ذلك مذهب أبي الحسن في قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} 2 لأنه ذهب إلى أنه حذف حرف الجر فصار تجزيه, ثم حذف الضمير فصار تجزى. فهذا ملاطفة "من الصنعة"3. ومذهب سيبويه أنه حذف "فيه" دفعة واحدة.
__________
1 أي: العجاج, وقبله:
ورب هذا البلد المحرّم ... والفاطنات البيت غير الريم
يريد بالقاطنات البيت أي: الكعبة الحرام، والحمى أصله الحمم مخفف الحمام بحذف ألفه، فلما اجتمع مثلان أبدل من الثاني ياء، ثم كسر الميم الأولى للقافية، ولولا ذلك لقلب الياء ألفًا. ومن اللغويين من يرى أن الشاعر حذف ميم الحمام، وأبدل الألف ياء بعد كسر ما قبلها. فوزنه على الأول الفعل وعلى الثاني الفعي، وقد جرى المؤلف على الوجه الأول. وانظر اللسان.
2 آية 48 سورة البقرة.
3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.(2/475)
باب في التجريد:
اعلم أن هذا فصل من فصول العربية طريف حسن, ورأيت أبا علي -رحمه الله- به غريًا1 معنيًا، ولم "يفرد له"2 بابًا, لكنه وسمه في بعض ألفاظه بهذه السمة، فاستقريتها3 منه وأنقت لها. ومعناه أن "العرب قد تعتقد"4 أن5
__________
1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "غرى". ويقال غرى بالشيء: أولع به.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يعقد عليه".
3 في ط: "فاستقويتها".
4 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "تجرد وتعتقد".
5 كذا في د، هـ، ز، وسقط في ط. وفي ش: "أنه".(2/475)
في الشيء من نفسه معنى آخر, كأنه حقيقته ومحصوله. وقد يجري1 ذلك إلى ألفاظها لما عقدت عليه معانيها. وذلك نحو قولهم: لئن لقيت زيدًا2 لتلقين منه الأسد, ولئن سألته لتسئلن منه البحر. فظاهر هذا أن فيه من نفسه أسدًا وبحرًا, وهو عينه هو الأسد والبحر "لا3 أن" هناك شيئًا منفصلًا عنه وممتازًا منه.
وعلى هذا يخاطب الإنسان منهم نفسه، حتى كأنها تقابله أو4 تخاطبه.
ومنه قول الأعشى:
وهل تطيق وداعًا أيها الرجل5
وهو الرجل نفسه لا غيره, وعليه قراءة من قرأ: "قَالَ اعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"6 أي: اعلم أيها الإنسان, وهو نفسه7 الإنسان, وقال تعالى: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ} 8 وهي نفسها "دار الخلد"9.
وقال الأعشى:
لات هنا ذكرى جبيرة أم من ... جاء منها بطائف الأهوال10
وهي نفسها الجائية بطائف الأهوال.
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "يخرج" وفي ط: يخرج".
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "فلانًا".
3 كذا في ش. وفي ش: "إلا أن" وفي ز: "لأن".
4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "و".
5 صدره:
ودِّع هريرة إن المركب مرتحل
وهو مطلع معلقته.
6 آية: 259 سورة البقرة، وهذه القراءة بصيغة فعل الأمر قراءة حمزة والكسائي ويعقوب وخلف؛ كما في الإتحاف 162.
7 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "في نفسه".
8 آية: 28، سورة فصلت.
9 سقط ما بين القوسين في ش.
10 من قصيدة في مدح الأسود بن المنذر أخي النعمان. وهو أول قصيدة في الصبح المنير.(2/476)
وقد تستعمل الباء هنا فتقول: لقيت به الأسد, وجاورت به البحر, أي: لقيت بلقائي إياه الأسد. ومنه مسألة1 الكتاب: أما أبوك فلك أب, أي: لك منه أو به أو2 بمكانه أب3. وأنشدنا:
أفاءت بنو مروان ظلمًا دماءنا ... وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل4
وهذا غاية البيان والكشف, ألا ترى أنه لا يجوز أن يعتقد أن الله سبحانه ظرف لشيء ولا متضمن له، فهو إذًا على حذف المضاف، أي: في عدل الله عدل حكم عدل.
" وأنشدنا:
بنزوة لص بعد ما مرّ مصعب ... بأشعت لا يفلَى ولا يقمل5
ومصعب نفسه هو الأشعت"6. وأنشدنا:
جازت البيد إلى أرحلنا ... آخر الليل بيعفور خدر7
وهي نفسها اليعفور, ولعيه جاء قوله:
يا نفس صبرًا كل حي لاق ... وكل اثنين إلى افتراق
__________
1 انظر الكتاب 195/ 1.
2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "أي".
3 سقط في ش.
4 ورد هذا البيت في معاهد التنصيص 3/ 16 وفيه الشطر الأول هكذا:
أباحت بنو مروان ظلمًا دماءنا
ولم ينسبه. وورد في حماسة ابن الشجري 4في أبيات لأبي الخطار الكلبي هكذا:
أفادت بنو مروان قيسًا دماءنا ... وفي الله إن لم ينصفوا حكم عدل
وبعده:
كأنكم لم تشهدوا مرج راهط ... ولم تعلموا من كان ثمَّ له للفضل
5 الأشعت: الوتد، سمي بذلك لشعث رأسه, وقد وصفه بأنه لا يصيبه الفمل، فلا يحتاج إلى أن يفلى، ليميزه عن الأشعث من الناس. والبيت للأخطل وهو في القصيدة الأولى من ديوانه, وقد أورده المؤلف معزوًّا إليه في "المحتسب" في الكلام على سورة الفتحة.
6 سقط ما بين القوسين في ش.
7 انظر ص179 من هذا الجزء.(2/477)
وقول الآخر 1:
قالت له النفس إني لا أرى طمعًا ... وإن مولاك لم يسلم ولم يصد
وقول الآخر 2:
أقول للنفس تأساءً وتعزية ... إحدى يدي أصابتني ولم ترد
وأما3 قوله -عزَّ اسمه: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} 4 فليس من ذا، بل النفس هنا جنس, وهو5 كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} 6 ونحوه7. وقد دعا تردد هذا الموضع على الأسماع، ومحادثته8 الأفهام9، أن ذهب قوم10 إلى أن الإنسان هو معنى ملتبس بهذا الهيكل الذي يراه11، ملاق له, وهذا الظاهر مماس لذلك الباطن, كل جزء منه منطوٍ عليه ومحيط به.
__________
1 أي: النابغة الذبياني، وقبله:
لما رأى واشق إقعاص صاحبه ... ولا سبيل إلى عقل ولا قود
واشق: كلب غير ضمران, الذي يتحدث عنه الشاعر، وذلك أنه ذكر أن كلابًا سلط كلبه ضمران على ثور وحشي فصرعه الثور بقرنه، وذكر في البيت الشاهد أن واشفًا لما رأى ذلك حدثته نفسه باليأس من الثور، وقال في نفسه: إن مولاه لم يسلم ولم يصد. ويجوز أن يريد بمولاه الكلّاب صاحبه، وأن يريد به ضمران الذي هلك.
2 نسبه في الحماسة إلى أعرابي قتل أخوه ابنًا له، فقدم إليه ليقتاد منه فألقى السيف في يده، وقال الشعر. وبعده:
كلاهما خلف من فقد صاحبه ... هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي
وانظر الحماسة بشرح التبريزي "التجارية" 1/ 105.
3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فأمَّا".
4 آية 27، سورة الفجر.
5 كذا في ش، وفي د، هـ: "فهو".
6 آية: 6، سورة الإنفطار.
7 سقط في د، هـ، ز، ط.
8 في ط: "مجاذبته".
9 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "للأفهام".
10 يغزي مثل هذا القول إلى الإمام مالك -رضي الله عنه- في الروح، وهو في الحقيقة لأتباعه. وفي جوهرة التوحيد:
ولا تخص في الروح إذا ما وردا ... نص من الشارع لكن وجدا
لمالك هي صورة كالجسد ... فحسبك النص بهذا السند
11 كذا في ش، ز. وفي ط: "ذكرناه وأنه".(2/478)
باب في غلبة الزائد للأصلي:
أما إذا كان الزائد ذا معنى فلا نظر في استبقائه وحذف الأصلي لمكانه, نحو قولهم: هذا قاضٍ ومعطٍ, ألا تراك حذفت الياء التي هي لام للتنوين؛ إذ كان ذا معنى أعني الصرف. ومثل1 ذلك قوله:
لاثٌ به الأشاء والعبريّ2
حذفت عين فاعل وأقررت ألفه؛ إذ كانت دليلًا على اسم الفاعل. ومثله قوله 3:
شاك السلاح بطل مجرب
وهذا أحد ما يقوي قول أبي الحسن في أن المحذوف من باب مقول ومبيع إنما هو العين؛ من حيث كانت الواو دليلًا على اسم المفعول. وقال ابن الأعرابي في قوله 4:
في بئر لا حور سرى وما شعر
أراد: حوور أي: في بئر "لا حوور"5 لا رجوع. قال: فأسكنت الواو الأولى، وحذفت لسكونها وسكون الثانية بعدها. وكذلك حذفت لام الفعل لياءي الإضافة
__________
1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مثال".
2 "به" كذا في ش، ط. وفي و، هـ، ز: "بها" وانظر ص131 من هذا الجزء.
3 أي: مرحب اليهودي في غزوة خيبر وقبله:
قد علمت خيبر أني مرحب
وانظر السيرة على هامش الروض 2/ 228.
4 أي: العجاج. والشطر من أرجوزة طويلة يمدح بها عمر بن عبيد الله بن معمر, وكان أوقع بجيش للخوارج يقوده أبو فديك الحروري. ويذكر في هذا الشطر أن هذا الحروري سرى في بئر غير حؤرر -والحؤرر: الرجوع- أي: سرى في أمر لا يرجع عليه عليه بخير. وانظر الخزانة 2/ 95.
5 سقط ما بين القوسين في ز، ط. وثبت في ش.(2/479)
في نحو: مصطفيّ وقاضيّ ومراميّ "في1 مرامى". وكذلك باب يعد ويزن، حذفت فاؤه لحرف المضارعة الزائدة2 "كل3 ذلك" لما كان الزائد ذا معنى. وهذا أحد ما يدل على شرف المعاني عندهم ورسوخها في أنفسهم. نعم, وقد حذفوا الأصل عند الخليل للزائد وإن كانا متساويي المعنيين. وإذا كان ذلك جائزًا عندهم، ومسموعًا في لغتهم، فما ظنك بالحرف الزائد إذا كان ذا معنى. وذلك قوله:
بني عقيل ماذه الخنافق ... المال هَدْي والنساء طالق4
فالخنافق5 جمع خنفقيق, والنون زائدة, والقاف الأولى عند الخليل هي الزائدة، والثانية هي الأصل وهي المحذوفة -وقد قدمنا دليل ذلك- والنون والقاف جميعًا لمعنى واحد وهو الإلحاق.
فإذا6 كانوا قد حذفوا الأصل7 للزائد8 وهما في طبقة واحدة -أعني اجتماعهما على كونهما للإلحاق- فكيف -ليت شعري- تكون الحال إذا كان الزائد لمعنى والأصل المحذوف9 لغير معنى! وهذا واضح.
وفي قولهم: خنافق تقوية لقول سيبويه في تحقير مقعنسس وتكسيره "مقاعس ومقيعس"10 فاعرفه؛ فإنه قويّ في بابه.
__________
1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
2 في د، هـ، ز: "الزائدة".
3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "كذلك".
4 انظر ص64 من هذا الجزء.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "والخنافق".
6 كذا في ش. وفي د، ز، هـ، ط: "وإذا".
7 كذا في ش، ز. وفي ط: "الأصليّ".
8 كذا في ش، ط، هـ، وفي د، ز "للزوائد".
9 سقط في ط. وسقوطه أولي.
10 كذا في ش. وفي ط: "مقاعيس ومقيعيس" وهذا فيه زيادة الياء للتعويض من المحذوف، وهو جائز. والرأي المقابل لرأي سيبويه هو رأي المبرد: يؤثر حذف الميم، فيقول: قعاس، وقعيس.(2/480)
بل إذا كانوا قد حذفوا الملحق للملحق فحذف الملحق لذي المعنى -وهو الميم- أقوى وأحجى1. وكأنهم إنما أسرعوا إلى حذف الأصل للزائد2؛ تنويهًا به وإعلاءً له وتثبيتًا لقدمه في أنفسهم, وليعلموا بذلك قدره عندهم وحرمته في تصورهم ولحاقه بأصول الكلم في معتقدهم, ألا تراهم قد يقرونه في الاشتقاق مما هو فيه إقرارهم الأصول. وذلك قولهم: قرنيت السقاء إذا دبغته بالقَرْنُوة, فاشتق الفعل منها, وأقرت الواو الزائدة فيها حتى أبدلت ياء في قرنيت. ومثله قولهم 3: قَلْسيت الرجل, فالياء هنا بدل من واو قلنسُوة الزائدة4، ومن قال: قلنسته, فقد أثبت أيضًا النون وهي زائدة، وكذلك قولهم: تعفرت الرجل إذا خبث، فاشتق من العفريت وفيه التاء زائدة.
فنظير تقويتهم أمر الزائد وحذف الأصل له5 قول الشاعر6:
أميل مع الذمام على ابن عمِّي ... واحمل للصديق على الشقيق
وجميع ما ذكرناه من قوة الزائد عندهم وتمكّنه في أنفسهم يضعف قوْل من حقَّر تحقير الترخيم ومن كسر على حذف الزيادة, وقد ذكرنا هذا. إلّا أن وجه جواز ذلك قول الآخر 7:
كيما أعدّهم لأبعد منهم ... ولقد يجاء إلى ذوي الأحقاد
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "أعجب".
2 كذا في ز، ط، وفي ش: "للزيادة".
2 سقط في د، هـ، ز، ط.
4 سقط في ش.
5 ثبت في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
6 هو إبراهيم بن العباس الصولي. والذمام: الحق والحرمة. وفي الطرائف الأدبية 154: "مع الصديق" في مكان "مع الذمام". وفيها: "أقصى" في مكان "أحمل" وفي ز: "آخذ"، وبعده:
أفرّق بين معروف ومنى ... وأجمع بين مالي والحقوق
7 هو في الحماسة بعض بني فقمس، وعند أبي محمد الأعرابي مرداس بن جشيش، وانظر التبريزي "التجارية" 1/ 217.(2/481)
وقول1 المولد 2:
وأنف الفتى من وجهه وهو أجدع
وقول الآخر3:
أخاك أخاك إن من لا أخا له ... كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح
"وهو باب واسع"4.
__________
1 ش، ز: "قال".
2 هو أبو تمام في وصف الشيب, وقبله مع هذا الشطر:
له منظر في العين أبيض ناصع ... ولكنه في القلب أسود أسفع
ونحن نرجيه على الكرة والرضا ... وأنف الفتى من وجهه وهو أجدع
3 هو مسكين الدارميّ. كان معاوية -رضي الله عنه- يؤثر أهل اليمن بالعطاء، ولم يفرض لهذا المسكين فيه، فذكره أنه يشاركه في النسب إلى مصر، فهو أخوه، وهو أولى بعطائه من اليمانيين القحطانيين، وانظر الخزانة في الشاهد 167.
4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.(2/482)
باب في أن ما لا يكون للأمر وحده, قد يكون له إذا ضامَّ غيره:
من ذلك الحرف الزائد لا يكون للإلحاق أولًا؛ كهمزة أفعَل وأَفْعُل وإفعْلَ وأَفعِل وإفِعِلٍ, ونحو ذلك, وكذلك ميم مفعل ونحوه. فإذا انضمَّ إلى الزيادة أولًا زيادة أخرى صارت للإلحاق. وذلك "نحو: ألندد وألنجج، الهمزة والنون للإلحاق. وكذلك"1 يلندد ويلنجح "فإن زالت النون لم تكن الهمزة ولا الياء وحدهما للإلحاق. وذلك نحو: ألد ويلج"2.
وعلة ذلك أن الزيادة في أول الكلمة إنما بيابها معنى المضارعة, وحرف المضارعة إنما يكون مفردًا أبدًا, فإذا انضمَّ إليه غيره خرج بمضامته إياه عن أن يكون للمضارعة, فإذا خرج عنها وفارق الدلالة على المعنى جعل للإلحاق؛ لأنه قد أمن بما انضم إليه أن يصلح للمعنى.
__________
1 ثبت ما بين القوسين في د، هـ، ز، وسقط في ش، ط.
2 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.(2/482)
وكذلك ميم مفعول, جعلت واو مفعول وإن كانت للمد دليلة على معنى1 اسم المفعول, ولولا الميم لم تكن2 إلا للمد؛ كفعول وفعيل وفعال ونحو ذلك, إلا أنها وإن كانت قد أفادت هذا3 المعنى فإن ما فيها من المد والاستطالة معتدّ فيها مراعي من حكمها. ويدلك على بقاء المد فيها واعتقادها مع ما أفادته من معنى اسم المفعول له4 أن العرب لا تلقي عليها حركة الهمزة بعدها إذا آثرت تخفيفها؛ بل تجريها مجراها وهي للمد خالصة5؛ ألا تراهم يقولون في تخفيف مشنوءة بالإدغام البتة؛ كما يقولون في تخفيف شنوءة. وذلك قولهم: مَشْنُوَّة كشَنُوَّة, فلا يحركون واو مفعول, كما لا يحركون واو فعول, وإن كانت واو مفعول تفيد مع مدها اسم المفعول, وواو فعول مخلصة6 للمد البتة.
فإن قلت: فما7 تقول في أفعول نحو أسكوب, هل هو ملحق بجرموق؟ قيل: لا؛ ليس ملحقًا به بل الهمزة فيه للبناء, والواو فيه للمد البتة؛ لأن حرف المد إذا جاور الطرف لا يكون للإلحاق أبدًا8؛ لأنه كأنه إشباع للحركة كالصيارف ونحوه, ولا يكون أفعول إلا للمد؛ ألا ترى أنك لا تستفيد بهمزة أفعول وواوه معنى مخصوصًا, كما تستفيد بميم مفعول وواوه معنى مخصوصًا؛ وهو إفادة اسم المفعول. فهذا من طريق التأمل واضح. وإذا كان كذلك إفعيل لا يكون
__________
1 سقط في د، هـ، ز، ط.
2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "يكن".
3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "هنا".
4 سقط في ش. واعتقادها لله إحرازها له، من قولهم: اعتقد ضيعة أي قتناها.
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "خاصة".
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "خاصة".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ما".
8 سقط في د، هـ، ز.(2/483)
ملحقًا. وأبين منه باب إفعال؛ لأنه موضع للمعنى وهو المصدر؛ نحو الإسلام والإكرام. والمعنى أغلب على المثال من الإلحاق. وكذلك باب أفعال؛ لأنه موضوع للتكسير كأقتاب وأرسان.
فإن قلت: فقد جاء عنهم نحو: إمخاض1، وإسنام2، وإصحاب3، وإطنابة4، قيل: هذا في الأسماء5 قيل جدًّا, وإنما بابه المصادر البتة. وكذلك ما جاء عنهم من وصف الواحد بمثال أفعال6، نحو: برمة أعشار7، وجفنة أكسار8، وثوب أكباش9 وتلك الأحرف المحفوظة في هذا. إنما هي على أن جعل كل جزء منها عشرًا وكسرًا وكبشًا. وكذلك كبد أفلاذ10، وثوب أهباب11 وأخباب12، وحَبْل أرمام13 وأرماث وأقطاع وأحذاق وثوب أسماط13؛ كل هذا متأول فيه معنى الجمع14.
وكذلك مفعيل ومفعول ومفعال ومَفْعَل , ليس شيء من ذلك ملحقًا؛ لأن أصل زيادة الميم في الأول إنما هي لمعنى15، وهذه غير طريق الإلحاق. ولهذا أدغموه فقالوا: مِصَكَ16 ومِتلّ17 ونحوهما. وأمَّا أُفاعِل كأُحامِر18 وأجارِد19 وأباتر20 فلا تكون الهمزة فيه والألف للإلحاق بباب قُذَعْمِل21. ومن أدل الدليل على ذلك أنك
__________
1 من معانيه السقاء "أي: القربة" يمخص فيها اللبن.
2 هو ثمر الحلي، وهو من المراعي.
3 سقط في ش. ولم أقف على هذا اللفظ.
4 من معانيه المظلة.
5 في ش: "الإسلام".
6 في ط: "الأفعال".
7 أي: كسرت على عشر قطع أو عظيمة.
8 أي: عظيمة موصلة لكبرها أو لقدمها.
9 هو ضرب من برود اليمن, وفي ج: لضرب منها رديء النسج.
10 أي: قطع.
11 أي: متقطع.
12 أي: بال قديم.
13 أي: غير محشو ببطانة.
14 كذا في ش، ط. وفي ز: "الجميع".
15 في ز، ط: "للمعني".
16 هو القوي من الناس وغيرهم.
17 هو الشديد, يقال: رمح مثل.
18 هو اسم جبل، وموضع بالمدينة.
19 اسم موضع.
20 هو القاطع لرحمه.
21 هو الضخم من الإبل.(2/484)
لا تصرف شيئًا من ذلك علمًا. وذلك لما فيه من التعريف ومثال الفعل؛ لأنَّ1 أجارد2 وأباترا3 جارٍ مجرى أضارب وأقاتل. وإذا جرى مجراه فقد لحق في المثال به, والهمزة في ذلك إما هي في أصل هذا المثال للمضارعة, والألف هي ألف فاعل في جارد وباتر لو نطقوا4 به, وهي كما تعلم للمعنى كألف ضارب وقاتل. فكل واحد من الحرفين إذًا إنما هو للمعنى، وكونه5 للمعنى أشد شيء إبعادًا لها عن الإلحاق لتضادّ القضيتين6 عليه، من حيث كان الإلحاق طريقًا صناعيًّا لفظيًّا, والمعنى طريقًا مفيدًا معنويًّا. وهاتان طريقتان متعاديتان. وقد فرغنا منهما فيما قبل. وأيضًا فإن الألف لا تكون7 للإلحاق حشو أبدًا8، إنما تكون له9 إذا وقعت طرفًا لا غير، كأرطيّ ومعزي وحَبَنْطي. وقد تقدم ذلك أيضًا.
ولا يكون أجارد10 أيضًا ملحقًا بعذافر لما قدمناه: من أن الزيادة في الأوّل لا تكون للإلحاق، إلّا أن يقترن بها حرف غير مدٍّ كنون ألندد وواو إزْمَول11 وإسْحَوفٍ12 وإدْرَون13؛ لكن دُوَاسر14 ملحق بعُذافر15. ومثله عُيَاهِم16. وكذلك كَوَأْلَل17 ملحق
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "فعلت بذلك أن".
2 كذا في ز، ط، وفي ش: "أجاردا" وهو لا ينوَّن لأنه علم.
3 كذا في ش. وفي ز، ط: "أباتر", وهو مصروف لأنه ليس بِعَلَمٍ، إلّا إذا لوحظ أنه عَلَمٌ على اللفظ.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "نطق".
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "فكونه".
6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "القصتين".
7 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "يكون".
8 سقط في ش.
9 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "لهما" أو "بهما".
10 سقط في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
11 هو المصوت من الوعول وغيرها.
12 هي الناقة الكثيرة اللبن.
13 هو معطف الدابة.
14 هو الشديد الضخم.
15 هو الأسد، والعظيم الشديد من الإبل.
16 هو الماضي السريع من الإبل.
17 هو القصير.(2/485)
بسبهلل الملحق بهمرجل1. وأدلّ دليل على إلحاقه ظهور تضعيفه, أعني: كوأللًا. ومثله سبهلل. فاعرفه.
ومثل طومار -عندنا- ديماس2 فيمن قال: دياميس, وديباج فيمن قال: ديابيج, هو ملحق بقرطاس3؛ "كما أن طومارا ملحق بفسطاط"4. وساغ أن تكون الواو الساكنة المضموم ما قبلها والياء الساكنة المكسور ما قبلها للإلحاق؛ من حيث كانتا لا تجاوران الطرف بحيث يتمكن المد. وذلك أنك لو بنيت مثل طومار أو ديماس من سألت لقلت: سوآل وسيئال, فإن خفَّفت حركت كل واحد من الحرفين بحركة الهمزة التي بعده, فقلت: سوال وسيال, ولم تقلب الهمزة وتدغم فيها الحرف؛ كمقروّ والنسيّ؛ لأن الحرفين تقدَّما عن الموضع5 الذي يقوى فيه حكم المد وهو جواره الطرف. وقد تقدم ذلك.
فتأمل هذه المواضع التي أريتكها؛ "فإن أحدًا من أصحابنا لم يذكر شيئًا منها"6.
__________
1 هو الخفيف العجل.
2 من معانيه الحمام.
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بقسطاس".
4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.
5 في ز: "المكان".
6 سقط ما بين القوسين في ز.(2/486)
باب في أضعف المعتلين:
وهو اللام؛ لأنها أضعف من العين. يدل على ذلك قولهم في تكسير فاعل مما اعتلت لامه: إنه يأتي على فُعَلة, نحو: قاض وقضاة, وغاز وغزاة, وساع وسعاة. فجاء ذلك مخالفًا للتصحيح الذي يأتي على فَعَلة نحو: كافر وكفرة, وبار وبررة. هذا ما دام المعتل من فاعل لامه. فإن كان معتله العين فإنه يأتي مأتى الصحيح على فَعَلة. وذلك نحو: حائك وحَوَكة, وخائن وخوَنة, وخانة, وبائع وباعةٍ, وسائِد(2/486)
وسادة, أفلا ترى كيف اعتدَّ اعتلال اللام فجاء مخالفًا للصحيح, ولم يحفلوا باعتلال العين؛ لأنها لقوتها بالتقدم لحقت بالصحيح.
وجاء عنهم سريّ وسراة مخالفًا1. وحكى النضر سراة, فسراة في تكسير سري عليه بمنزلة شعراء من شاعر2. وذلك أنهم كما كسَّروا فاعلًا على فُعلاء, وإنما فعلاء لباب فعِيل؛ كظريف وظُرفاء, وكريم وكرماء, وكذلك3 كسَّروا أيضًا4 فعيلًا على فَعَلة, وإنما هي لفاعل.
فإن قلت: فقد قالوا: فَيْعِل مما عينه معتلة, نحو: سيد وميت, فبنوه على فيِعل, فجاء مخالفًا للصحيح الذي إنما بابه فيعل, نحو: صيرف وخيفق5، وإنما اعتلاله من قبل عينه, وجاءت أيضًا الفيعلولة6 في مصادر ما اعتلت عينه نحو: الكينونة والقيدودة, فقد أجروا العين في الاعتلال7 أيضًا مجرى اللام في أن خصوها بالبناء الذي لا يجود في الصحيح.
قيل: على كل حال اعتلال8 اللام أقعد في معناه من اعتلال8 العين, ألا ترى أنه قد جاء فيما عينه معتلة فيعل مفتوحة العين في قوله 9:
ما بال عيني كالشعيب العين
__________
1 أي: للقياس؛ فإن قياس معتل اللام ضم الفاء, وهو مخالف أيضًا من حيث إن القياس فيه: أسرياء؛ كما ذكره. وقد جاء القياس في اللغة.
2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "الشاعر".
3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "فكذلك".
4 ثبت في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
5 يقال: ناقة خيفق: سريعة جدًّا.
6 في ط: "الفيعولة".
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "الإعلال".
8 في ط: "إعلال".
9 أي: رؤبة. وهو أول الأرجوزة، والشعيب: القرية الصغيرة. والعين: اللبالية. شبه عينه لبكائها بالقربة القديمة التي يسل الماء من خرزها. وانظر الكتاب 2/ 372، وشواهد الشافية 59.(2/487)
وقالوا أيضًا: هَيَّبان1 وتيَّحان2 بفتح عينهما، ولم يأت في باب3 ما اعتلت لامه فاعل مكسرًا على فَعَلة. " فالاعتلال4 المعتد" إذًا إنما هو للام, ثم حملت العين عليها فيما5 ذكرت لك.
ويؤكد عندك قوة العين على اللام أنهما إذا كانتا6 حرفي علة صحت العين واعتلت اللام, "وذلك"7 نحو: نواة وحياة، والجوى8 والطوى, ومثله الضواة9 والحواة10. فأما آية وغاية وبابهما فشاذّ, وكأن فيه ضربًا من التعويض لكثرة اعتلال اللام مع صحة العين إذا كانت11 أحد الحرفين.
ويدلك على ضعف اللام عندهم أنهم12 إذا كسَّروا كلمة على فعائل, وقد كانت الياء ظاهرة في واحدها لا13 ما فإنهم مما14 يظهرون في الجمع ياء. وذلك نحو: مطية ومطايا وسبية وسبايا و"سوية وسوايا"15 فهذه اللام. وكذلك إن ظهرت الياء في الواحد زائدة فإنهم أيضًا مما16 يظهرونها في الجمع. وذلك نحو خطيئة وخطايا, ورزية ورزايا, أفلا ترى إلى مشابهة اللام للزائد17. " وكذلك أيضًا لو كسرت نحو
__________
1 من معانيه الجيان.
2 هو الكثير الحركة الذي يتعرض للشافي من الأمور.
3 سقط في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
4 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "والاعتداد"، وفي ط: "فالإعلال المعتد".
5 في ط: "كما".
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "كانا".
7 ثبت ما بين القوسين في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
8 كذا في ز، ط. وفي ش: "الخوي". وكلاهما صحيح.
9 هي الروم الصلب.
10 هي الصوت.
11 في ش: "كان".
12 سقط في ش.
13 ثبت في ش. وسقط في د، هـ. ز، ط.
14 في ط: "ربما".
15 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "سرية وسرايا", والسوية من معانيها قتب البعير، وهو رحله الذي يكون على قدر سنامه.
16 سقط في ط.
17 كذا في ش، ط. وفي ز: "الزائدة" وفي د، هـ: "الزائدة".(2/488)
عظاية وصلاية, لقلت: عظايا وصلايا"1. وأيضًا فإنك تحذفها كما تحذف الحركة. وذلك في نحو: لم يَدْعُ, ولم يرم, ولم يَخش. فهذا كقولك: لم يضرب، "ولم يقعد"2, وإن تقعد أقعد. ومنها أيضًا حذفهم إياها وهي صحيحة للترخيم في نحو: يا حار ويا مال. فهذا نحو حذفهم الحركات الزوائد في كثير من المواضع. ولو لم يكن من ضعف اللام إلّا اختلاف أحوالها3 باختلاف الحركات عليها4، نعم وكونها في الوقف على حالٍ يخالف حالها في الوصل, نحو: مررت بزيد يا فتى, ومررت بزيدْ، وهذه قائمة يا فتى وهذه قائمهْ- لكان5 كافيًا, أو لا ترى إلى كثرة حذف اللام نحو: يد ودم وغد وأب وأخ, وذلك الباب, وقلة حذف العين في سهٍ ومُذْ. فبهذا ونحوه يعلم أن حرف العلة في نحو: قام وباع أقوى منه في باب غزوت ورميت. فاعرفه.
__________
1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
2 ثبت ما بين القوسين في د، هـ، ز. وسقط في ش، ط.
3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "الأحوال عليها".
4 ثبت في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "كان".(2/489)
باب في الغرض في مسائل 1 التصريف:
وذلك عندنا على ضربين: أحدهما الإدخال "لما تبنيه"2 في كلام العرب والإلحاق له به. والآخر التماسك الرياضة به والتدرب بالصنعة فيه.
الأول: نحو قولك في مثل جعفر من ضرب: ضَرْبَب, ومثل حُبْرُج3: ضُرْبُب, ومثل صِفْرٍد4: ضِرْبِب, ومثل سِبَطْر: ضِرَبّ, ومثل فرزدق من جعفر: جَعَفْرَر. فهذا عندنا كله إذا بنيت شيئًا منه فقد ألحقته بكلام العرب وأدعيت بذلك أنه منه. وقد تقدَّم ذكر ما هذه سبيله فيما مضى.
__________
1 في ز: "بمسائل".
2 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
3 هو من طيور الماء.
4 هو طائر يقال له أبو المليح.(2/489)
الثاني: وهو1 نحو قولك في مثل فيعول2 من شويت: شَيْوِيّ, وفي فعول منه: شُووٍيّ3، وفي مثل عَصْرفُوط من الآءة: أَوْ أَيُوء, ومنها مثل صُفُرُّق4: أُوُؤْيُؤ, ومن يوم مثل مَرْمَريس: يَوْيَوِيم, ومثل ألندد أيَنْوَم, ومثل قولك في نحو5 افعوعلت من وأيت: ايأوْأيت.
فهذا ونحوه إنما الغرض فيه التأنس به وإعمال الفكرة فيه لاقتناء النفس القوة على ما يرد مما فيه نحو مما فيه. ويدلك على ذلك أنهم6 قالوا في مثال إوزة من أويت: إياة, والأصل فيه على الصنعة إيَويَة, فأعلت فيه الفاء والعين واللام جميعًا. وهذا مما لم يأت عن العرب مثلهُ. نعم, وهم لا يوالون بين إعلالين إلا لمحًا شاذًّا ومحفوظًا نادرًا, فكيف بأن يجمعوا بين ثلاثة7 إعلالات 8! هذا مما لا "ريب فيه"9 ولا تخالج شك في شيء منه.
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "يعلول".
3 ويجوز في تباين مشددتين، وهذا وجه التصريف، والوجه الذ أثبت في الكتاب سببه الفرار من ثقل تكرار الياء. انظر الكتاب 2/ 393، وشرح الرضي للشافية 3/ 192، والأشباه والنظائر للسيوطي 3/ 187.
4 هو نبت.
5 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش، "مثل".
6 أي: الصرفيين للتدريب لا العرب.
7 كذا في ش، ط وفي د، هـ، ز: "ثلاث".
8 في ط: "اعتلالات".
9 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "ثبت به".(2/490)
باب في اللفظ يرد محتملًا لأمرين أحدهما أقوى من صاحبه 1:
أيجازان جميعًا فيه2، أم يقتصر على الأقوى منهما دون صاحبه؟
اعلم أن المذهب في هذا ونحوه أن يعتقد الأقوى منهما مذهبًا, ولا يمتنع "مع ذلك"2 أن يكون الآخر مرادًا وقولًا. من ذلك قوله 3:
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
__________
1 في ط: "الآخر".
2 سقط في ش.
3 أي: سحيم, والشطر عجز مطلع قصيدة طويلة له في الديوان المطبوع في دار الكتب، صدره:
عميرة ودع إن تجهزت غاديا(2/490)
فالقول أن يكون "ناهيًا" اسم الفاعل من نهيت كساعٍ من سعيت وسار من سريت, وقد يجوز مع هذا أن يكون "ناهيًا" هنا مصدرًا كالفالج1 والباطل والعائر2 والباغز3 ونحو ذلك مما جاء فيه المصدر على فاعل حتى كأنه قال: كفى الشيب والإسلام للمرء نهيًا وردعًا, أي: ذا نهي فحذف المضاف وعلقت اللام بما يدل عليه الكلام, ولا تكون على هذا معلقة بنفس الناهي؛ لأن المصدر لا يتقدم شيء من صلته عليه. فهذا4 وإن كان عسفًا فإنه جائز للعرب5؛ لأن العرب قد حملت عليه فيما لا يشك فيه, فإذا أنت أجزته هنا فلم تجز إلّا جائزًا مثله, ولم تأت إلا ما أتوا بنحوه.
وكذلك قوله 6:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
فظاهر هذا أن يكون "جوازيه" جمع جازٍ, أي: لا يعدم شاكرًا عليه, ويجوز أن يكون جمع جزاء, أي: لا يعدم جزاء عليه, وجاز أن يجمع جزاء على جوازٍ لمشسابهة المصدر اسم الفاعل, فكما جمع سيل على سوائل؛ نحو قوله 7:
وكنت لقي تجري عليه السوائل
__________
1 هو الداء المعروف بالشلل.
2 هو بئر يكون في جفن العين الأسفل.
3 هو النشاط في الإبل.
4 سقط في ش.
5 ثبت في ز.
6 أي: الحطيئة. وعجزه:
لا يذهب العرف بين الله والناس
7 أي: الأعشى يذكر قيس بن مسعد الشيباني. وصدر البيت:
وليتك حال البحر دونك كله
وقوله: "وكنت" كذا في ز، ط، د، هـ، وفي ش: "فكنت"، وانظر الصبح المنير 128.(2/491)
"أي: السيول"1 كذلك2 يجوز أن يكون "جوازيه" جمع جزاء, ومثله قوله 3:
وتترك أموال عليها الخواتم
يجوز أن يكون جمع خاتم, أي: آثار الخواتم, ويجوز أن يكون جمع ختم على ما مضى. ومن ذلك قوله 4:
ومن الرجال أَسِنَّة مذروبة ... ومزنَّدون شهودهم كالغائب
يجوز أن يكون "شهودهم" جمع شاهد, وأراد: كالغياب, فوضع الواحد موضع الجمع على قوله:
على رءوس كرءوس الطائر
"يريد الطير"5 ويجوز أن يكون "شهودهم" مصدرًا, فيكون الغائب هنا مصدرًا أيضًا، كأنه6 قال: شهودهم كالغيبة أو المغيب, ويجوز أيضًا أن يكون على حذف المضاف, أي: شهودهم كغيبة الغائب.
__________
1 سقط في ش.
2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فكذلك".
3 أي: الأعشى. وهو من قصيدة يعاتب فيها يزيد بن مسهر الشهبانيّ، وقبله معه:
فأقسم بالله الذي أنا عبده ... لنصطفقن يومًا عليك المآثم
يقلن حرام ما أحل بربنا ... وتترك أموال عليها الخواتم
المآثم جمع المآثم، وأراد هنا النساء يجتمعن في الحزن، واصطفاقهن: اضطرابهن يهدده أنه سيقتله، فتجتمع النساء في الحزن عليه، ويستنكرن ما حل بربهنَّ, أي: سيدهن وحاميهن، وهو يزيد، ويذكر أنه سيترك ما خلعه من المال بختمه. ويقول المرصفي في رغبة الآمل 6/ 34 في شرح اصطفاق المآتم: "يريد: لتضطربن عليك رجال قيس" ورجال قيس هم رجال الأعشى، وقد سوّغ له هذا التفسير أن المآتم مجتمع الرجال والنساء في الغم والفرح، ولو أنَّ المرصفى اطَّلع على البيت الثاني لذهب إلى ما ذكرته.
وقد فسر المآتم بالنساء في البيت ابن الأنباري في شرح ديوان عامر بن الطفيل: 14. وانظر الصبح المنير 58، وفي الشطر الشاهد المخصص 10/ 18.
4 أي: موسى بن جابر الحنفي. والمذروية: المحددة. والمزندون: البخلاء. وانظر تبريزي الحماسة "التجارية" 1/ 342.
5 سقط ما بين القوسين في ش.
6 كذا في ش، وف د، هـ، ز، ط: "فكأنه".(2/492)
ومن ذلك قوله 1:
إلّا يكن مال يثاب فإنه ... سيأتي ثنائي زيدًا ابن مهلهل
فالوجه أن يكون "ابن مهلهل" بدلًا من زيد لا وصفًا له؛ لأنه لو كان وصفًا لحذف تنوينه فقيل: زيد بن مهلهل, ويجوز أيضًا أن يكون وصفًا أخرج على أصله, ككثير من الأشياء تخرج على أصولها تنبيهًا على أوائل أحوالها كقول الله سبحانه: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} ونحوه3.
ومثله قول الآخر 4:
جارية من قيس ابن ثعلبه
القول في البيتين سواء.
والقول في هذا واضح, ألا ترى أن العالم الواحد قد5 يجيب6 في الشيء الواحد أجوبة وإن كان بعضها أقوى من بعض, ولا تمنعه قوة القويّ من إجازة الوجه الآخر؛ إذ كان من7 مذاهبهم8 وعلى سمت كلامهم9، كرجل له عدّة أولاد فكلهم ولد له, ولاحق به وإن تفاوتت أحوالهم في نفسه. فإذا رأيت العالم قد أفتى في شيء من ذلك بأحد الأجوبة الجائزة فيه, فلأنه وضع يده على أظهرها عنده، فأفتى به
__________
1 أي: الحطيئة يمدح زيد الخيل الطائي، وكان أسر الشاعر فمنَّ عليه, وقوله: "يثاب" في الديوان المطبوع: "بآت".
2 آية 19 سورة المجادلة.
3 ثبت في ش. وسقط في د، هـ، ز، ط.
4 هو الأغلب العجلي, والشطر من أرجوزة يذكر فيها امرأة كان يهاجيها، تسمَّى كلبة, وقد عناها بالجارية، وانظر الخزانة في الشاهد الحادي والعشرين بعد المائة، والكتاب 2/ 118.
5 سقط في ط.
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "يجيز".
7 في ط: "على".
8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مذهبهم".
9 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "من كلامهم".(2/493)
وإن كان مجيزًا للآخر وقائلًا به, ألا ترى إلى قول سيبويه1 في قولهم: له مائة بيضًا: إنه حال من النكرة، وإن كان جائزًا أن يكون "بيضًا" حالًا من الضمير المعرفة المرفوع في "له". وعلى ذلك حمل قوله2:
لعزة موحشًا طلل
فقال فيه: إنه حال من النكرة, ولم يحمله على الضمير3 في الظرف. أفيحسن بأحد "أن يدَّعى على أحد"4 متوسطينا أن يخفى هذا الموضع عليه, فضلًا عن المشهود له بالفضل: سيبويه.
نعم, وربما5 أفتى بالوجه الأضعف عنده، لأنه6 على الحالات وجه صحيح. وقد فعلت العرب ذلك عينه ألا ترى إلى قول عمارة لأبي العباس وقد سأله عمَّا أراد بقراءته 7: {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} 8 فقال له: ما أردت؟ فقال: أردت: سابقُ النهار, فقال له أبو العباس: فهلَّا قلته؟ فقال: لو قلته لكان أوزن, أي: أقوى. وهذا واضح. فاعرف ذلك ونحوه مذهبًا يقتاس به ويفزع إليه.
__________
1 انظر الكتاب 1/ 272.
2 أي: كثير عزة، ومن رواه: "لمبة" نسبة إلى ذي الرمة, وإيراد الشطر الأوّل كما هو هنا, هو وفق ما في ش. وبعد:
يلوح كأنه خلل
وفي د، هـ، ز، ط:
لعزّة موحشًا طلل قديم
وبعده:
عفا كل أسحم مستديم
والخلل جمع الخلة، بكسر الخاء وفتح اللام مشدَّدة، وهي بطانة تغشى بها أجفان السيوف منقوشة بالذهب وغيره. والأسحم: الأسود, وأراد به السحاب؛ لأنه إذا كان ذا ماء يرى أسود لامتلائه. وانظر الكتاب 1/ 276, والخزانة 1/ 531.
3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "المضمر".
4 سقط ما بين القوسين في ش.
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "قد".
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "إلا أنه".
7 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "بقوله".
8 آية: 40، سورة يس.(2/494)
باب فيما يحكم به القياس مما لا يسوغ به النطق 1:
وجماع ذلك التقاء الساكنين المعتلين في الحشو, وذلك كمفعول مما عينه حرف علة, نحو: مقول ومبيع, ألا ترى أنك لما نقلت حركة العين من مقوول ومبيوع إلى الفاء, فصارت في التقدير إلى مقُوْوْل ومَبُيوْع تصورت حالًا لا يمكنك النطق بها, فاضطررت حينئذ إلى حذف أحد الحرفين على اختلاف المذهبين. وعلى ذلك قال أبو إسحاق لإنسان ادَّعى له2 أنه يجمع في كلامه بين ألفين وطول الرجل "الصوت3 بالألف", فقال له أبو إسحاق: لو مددتها إلى العصر لما كانت إلّا ألفًا واحدة.
وكذلك فاعل مما "اعتلَّت عينه"4 نحو: قائم وبائع, ألا تراك لما جمعت بين العين وألف فاعل ولم تجد إلى النطق بهما على ذلك سبيلًا حركت العين فانقلبت همزة. ومنهم من يحذف فيقول:
شاك السلاح بطل مجرَّب5
ويقول6 أيضًا:
لاثٌ به الأشاء والعبري7
وعلى ذلك أجازوا في يومٍ راح, ورجل خاف أن يكون فعلًا, وأن يكون فاعلًا محذوف العين لالتقاء الساكنين. فإن اختلف الحرفان المعتلَّان جاز تكلّف جمعهما حشوًا نحو: قاوْت وقايْت وقْيوت8. فإن تأخَّرَت الألف في نحو هذا لم يمكن النطق بها, كأن تتكلَّف النطق بقوَّات أو بقيات. وسبب امتناع ذلك لفظًا أن الألف
__________
1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "اللسان".
2 سقط في ش.
3 كذا في ز، ط. وفي ش: "في الصوت الألف".
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "عينه معتلة".
5 انظر ص479 من هذا الجزء.
6 كذا في ش. وفي ط: "تقول". وفي د، هـ، ز: "قال".
7 انظر ص131، 479 من هذا الجزء.
8 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "غير بت".(2/495)
لا سبيل إلى1 أن تكون ما قبلها إلّا مفتوحًا, وليست2 كذلك الياء والواو. فأنت إذا تكلَّفت نحو: قاوْتٍ وقايْتٍ, فكأنك إنما مطلت الفتحة, فجاءت الواو والياء كأنهما بعد فتحتين, وذلك جائز نحو: ثوب وبيت, ولو رمت مثل ذلك في نحو:3 قيات أو قُوْات, لم تخل من أحد أمرين, كل واحد منهما غير جائز: أحدهما أن تثبت حكم الياء والواو حرفين ساكنين فتجيء الألف بعد الساكن, وهذا ممتنع غير جائز. والآخر أن تسقط4 حكمهما لسكونهما وضعفهما, فتكون الألف كأنها تالية للكسرة والضمة, وهذا خطأ بل محال.
فإن قلت: فهلَّا جاز على هذا أن تجمع بين الألفين وتكون الثانية كأنها إنما هي تابعة للفتحة "قبل الأولى؛ لأن الفتحة"5 مما تأتي قبل الألف لا محالة, وأنت الآن آنفًا تحكي عن أبي إسحاق أنه قال: لو مددتها إلى العصر لما كانت إلّا ألفًا واحدة؟
قيل: وجه امتناع ذلك أنك لو تكلَّفت ما هذه حاله للزمك للجمع6 بين الساكنين اللذين هما الألفان اللتان نحن في حديثهما أن تمطل الصوت بالأولى تطاولًا به إلى اللفظ بالثانية, ولو تجشَّمت ذلك لتناهيت7 في مد الأولى، فإذا صارت إلى ذلك تَمَّت ووفَّت فوقفت8 بك بين أمرين كلاهما ناقض عليك ما أعلقت به يديك:
أحدهما: أنها لما طالت وتمادت ذهب ضعفها وفقد خفاؤها, فلحقت لذلك بالحروف الصحاح, وبعدت عن شبه الفتحة الصغيرة9 القصيرة الذي10 رمته.
__________
1 سقط في ش.
2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "ليس".
3 سقط في ش.
4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بسقط".
5 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، وثبت في ش، ط.
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "والجمع".
7 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "لتناهت".
8 سقط في ش.
9 ثبت في ط. وسقط في ش، ز.
10 كذا في ش. وفي ز، ط: "التي".(2/496)
والآخر: أنها تزيد صوتًا على ما كانت عليه, وقد كانت قبل أن تشبع مطلها أكثر من الفتحة قبلها, أفتشبهها بها من بعد أن صارت للمدِّ أضعافها. هذا جور في القسمة, وإفحاش في الصنعة, واعتداء على محتمل الطبيعة والمنَّة1. ولذلك لم يأت عنهم شيء من مقول ومبيع على الجمع بين ساكنيهما وهما مقوول ومبيوع؛ لأنك إنما تعتقد أن الساكن الأول منهما كالحركة ما لم تتناه2 في مطله وإطالته, وأما3 والجمع بينهما ساكنين حشوًا يقتادك إلى تمكين الحرف الأول وتوفيته حقَّه ليؤدّيك إلى الثاني والنطق به, فلا يجوز حينئذ وقد أشبعت الحرف وتماديت فيه أن تشبهه بالحركة؛ لأن في ذلك إضعافًا له بعد أن حكمت بطوله وقوته, ألا ترى أنك إنما4 شبهت باب عصيّ بباب أدْلٍ وأحْقٍ لما خفيت "واو فعول"5 بإدغامها فحينئذ جاز أن تشبهها بضمة أفعل. فأما وهي على غاية جملة6 البيان والتمام فلا. وإذا لم يجز هذا التكلف في الواو والياء وهما أحمل له, كان مثله في الألف للطفها وقلة احتمالها ما تحتمله الياء والواو أحرى وأحجى. وكذلك الحرفان الصحيحان يقعان حشوًا، وذلك غير جائز نحو: قصْبْل ومرطل7؛ هذا خطأ بل8 ممتنع.
فإن كان الساكنان المحشوّ بهما الأول منهما حرف معتل, والثاني حرف صحيح تحامل النطق بهما. وذلك "نحو: قالب، وقولب، وقيلبٍ"9. إلّا أنه وإن كان سائغًا ممكنًا, فإن العرب قد عدته وتخطته10؛ عزوفًا عنه وتحاميًا لتجشم الكلفة فيه, ألا ترى
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ط: "البتة". والمنة: القوة.
2 كذا في ش: وفي ط: "يتناه".
3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "تامًّا".
4 في ش: "لما".
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "الواو".
6 سقط في ش.
7 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "قصبل".
8 ثبت في ش. وسقط في ز، ط.
9 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "قالت، وقولت، وقبلت".
10 كذا في ش. وفي ز، ط: "تخاطأته".(2/497)
أنهم لما سكنت عين فَعَلتْ ولامه حذفوا العين البتة فقالوا: قلت وبعت وخفت, ولم يقولوا: قُولْت ولا بيعْت ولا خِيفْت, ولا نحو ذلك مما يوجبه القياس, وإذا1 كانوا قد يتنكَّبون ما دون هذا في الاستثقال نحو قول عمارة2 {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} مع أن إثبات التنوين هنا ليس بالمستثقل استثقال قُولْت وبيعت وخِيفت كان ترك هذا البتة واجبًا.
فإن كان الثاني3 الصحيح مدغمًا كان النطق به جائزًا حسنًا, وذلك نحو: شابة ودابة وتمودّ الثوب وقوصّ بما عليه, وذلك أن الإدغام أنبى اللسان عن المثلين نبوة واحدة، فصارا4 لذلك5 كالحرف الواحد.
فإن تقدَّم الصحيح على المعتل لم يلتقيا حشوًا ساكنين؛ نحو:6 ضَرْوْب وضَرْيْب, وأما الألف فقد كفينا التعب بها؛ إذ كان لا يكون ما قبلها أبدًا ساكنًا. وذلك أن الواو والياء إذا سكنتا قويتا شبهًا بالألف. وإنما جاز7 أن يجيء ما قبلهما من الحركة ليس منهما نحو: بيت وحوض؛ لأنهما على كل حالٍ محرك ما قبلهما, وإنما النظر في تلك الحركة ما هي أمنهما أم من غير جنسهما, فأمَّا أن يسكن ما قبلهما وهما ساكنتان حشوًا فلا, كما أن سكون ما قبل الألف خطأ. فإن سكن ما قبلهما وهما ساكنان طرفًا جاز, نحو: عَدْوْ وظَبْىْ. وذلك أن آخر الكلمة أحمل لهذا النحو من حشوها ألا تراك تجمع8 فيه بين الساكنين وهما صحيحان نحو: بَكْرْ وحَجْرْ وحِلْسْ, وذلك أن9 الطرف ليس سكونه بالواجب, ألا تراه في غالب الأمر محركًا في الوصل وكثيرًا ما يعرض له10 روم الحركة في الوقف, فلمَّا كان الوقف مظنَّة من السكون،
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فإذا".
2 انظر ص494 من هذا الجزء.
4 كذا في ش. وفي ز، ط: "فصار".
5 سقط في ز، ط.
6 سقط في ش.
7 في ط: "جاز أبدًا".
8 سقط في ش.
9 ثبت في ش: ط، وسقط في د، هـ، ز.
10 هو الإعادة إلى الحركة بصوت خفي.(2/498)
وكان له من اعتقاب الحركات عليه1 في الوصل ورومها فيه عند الوقف ما قدمناه, تحامل الطبع به، وتساند2 إلى تلك التعلّة فيه.
نعم, وقد تجد في بعض الكلام التقاء الساكنين الصحيحين في الوقف, وقيل الأول منهما حرف مد, وذلك في لغة العجم نحو قولهم: آردْ3، وماسْت4, وذلك أنه في لغتهم مشبه بدابّة وشابة في لغتنا.
وعلى ما نحن عليه فلو أردت تمثيل أهرقت على لفظه لجاز فقلت: أهفلت, فإن أردت تمثيله على أصله لم يجز من قِبَل أنك تحتاج إلى أن تسكن فاء أفعلت, وتوقع قبلها هاء أهرقت وهي ساكنة, فيلزمك على هذا أن تجمع حشوًا5 بين ساكنين صحيحين. وهذا على ما قدمناه وشرحناه فاسد غير مستقيم.
فاعرف مما6 ذكرناه حال الساكنين حشوًا, فإنه موضع مغفول عنه, وإنما "يسفر ويضح"7 مع الاستقراء له والفحص عن حديثه.
ومن ذلك أنك لما حذفت حرف المضارعة من يضرب ونحوه وقعت الفاء ساكنة مبتدأة. وهذا ما لا سبيل إلى النطق به, فاحتجت إلى همزة الوصل تسببًا على النطق به.
__________
1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "له".
2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مشابه".
3 كذا في ط, وهو يوافق ما في ص91 من الجزء الأول. وفي ش، ز: "آرت". وآرد كلمة فارسية معناها الدقيق.
4 هو اللبن. وانظر المرجع السابق.
5 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: وضع هذا اللفظ بعد قوله: "ساكنين".
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "بما".
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "يصحّ ويستفزّ". وفي ط: "يستقر ويصح".(2/499)
فهرس الجزء الثاني من الخصائص:
55- باب في ترك الأخذ عن أهل المدر، كما أخذ عن أهل الوبر 7-12:
فساد لسان البادية في عهد المؤلف 7. خطائي ونحوها 8. كأن فاى 9. اللحن في عهد الرسول -عليه الصلاة والسلام، وفي عهد عمر وعلى -رضي الله عنهما، وأولية وضع النحو 15. مذهب البغدادي والكوفيين في نحو محموم 11. وما بعدها.
56- باب اختلاف اللغات وكلها حجة 12-14:
التعادل في اللغات والترجيح بينها 12. المال له ومررت به بكسر اللام وفتح الباء 12. براءة لغة قريش من عيوب اللغات الأخرى كالكشكشة والكسكسة والتضجع والعجرفية واللئلة والعنعنة 13. اتباع اللغة الرديئة ليس خطأ 14.
57- باب في العربي الفصيح ينتقل لسانه 14-15:
استأصل الله عرقاتهم 15. وانظر 385 من الجزء الأول.
58- باب في العربيّ يسمع لغة غيره، أيراعيها ويعتمدها، أم يلغيها ويطرح حكمها؟ 16-19:
يا تزن في يتَّزن 16. ضربت أخواك ومررت بأخواك 16. ياس في يأس 16. قلب الألف همزة في الوقف 19.
59- باب في الامتناع من تركيب ما يخرج عن السماع 19-23:
في هذا الباب مسائل يمتنع فيها الإضمار أو يجوز مع بعض تغيير. وهاء الضمير لا تكون رويًّا إذا تحرك ما قبلها 19. قيامك أمس حسن وهو اليوم قبح 21 وما بعدها. يجوز أن يعمل في الحال غير العامل في صاحبها 22.
60- باب في الشيء يسمع من الفصيح لا يسمع من غيره 23-30:
في هذا الباب ألفاظ من العربية انفرد بها ابن أحمر. الثغرور في الثغر 26. ارتجال رؤبة وأبيه للغة 27. الإلحاق بتضعيف اللام 27. الشجري وابن عمه يصغران ألفاظ 28. استنكار العرب لزيغ الإعراب 28. قصة لأبي مهدية وأخرى للمتنبي 29. ثِبْ في لغة اليمن وقصة من دخل ظفار حمرّ 30.(2/501)
61- باب في هذه اللغة أفي وقت واحد وضعت أم تلاحق تابع منها بفارط؟ 30-42:
كلام أهل الحضر لا يختلف عن كلام الفصحاء إلا في أشياء الإعراب 31. الاختلاف في اللغة حدث في أول وضعها 36. مراتب الكلم الثالث في الوضع 32. رتبة الحاضر والمستقبل 33. ما غير لكثرة الاستعمال غيرته العرب قبل وضعه 31. مشقة الإعراب في الكلام 34. تدبير الأوّل بما يتوقع بعد 34. المضارع أسبق من الماضي 36. الاشتقاق من الحرف 36. مادة "ن ع م" ترجع إلى نعم 37. الإضافة تنافى البناء 38. الحروف يشتق منها ولا تشتق هي 31. الأفعال يجري فيها الحذف اعتباطًا 39. أمثلة الفعل تجري مجرى المثال الواحد 40. وقعت اللغة طبقة وادحة 42. اشتقاق الأفعال من الأصوات الجارية مجرى الحروف 42. كتاب للمؤلف في الزجر 42.
62- باب في اللغة المأخوذة قياسا 42-45:
كلام العرب منه ما لا يدخل تحت قياس كباب ودار، ومنه ما يدخل تحت القياس 44.
63- باب في تداخل الأصول الثلاثية والرباعية والخماسية 46-57:
ليس في كلامهم نحو حيوت 48. باب طويت أكثر من باب حييت 48. نوع من التجنيس 49. كتاب له في شرح المقصور والممدود والممدود من ابن السكيت 50. خطأ لثعلب في القول بزيادة بعض الحروف وفي الاشتقاق 51. رأى الخليل في نحو دلامص 53. رأي الزجاج في وزن نحو صلصل 54. إبدال السين تاء في نحو الناس 54. اختصاص المعتل بنحو سيد وقضاة وقيدودة 55. ظللت وتقصيت 56. بيئس 56. رأي البغداديين وابن السراج في نحو حثحث 56.
64- باب في المثلين كيف حالهما في الأصلية والزيادة. وإذا كان أحدهما زائدًا وأيهما هو؟ 58-71:
ألندد وألنجج 59. امَّحى 62. الصباغ في الصواغ 67. وزن ما دخله الزحاف في العرض 69. صمحمح 70. التاء في تفعيل عوض عن ألف فعال 71.
65- باب في الأصلين يتقاربان في التركيب والتأخير 71-84:
آن مقلوب 72. أيس وإياس 73. وما بعدها. اطمأنَّ 76. أينق 77. الحاء والقسيّ 78.(2/502)
66- باب في الحرفين المتقاربين يستعمل أحدهما مكان صاحبه 84-90:
طبرؤل 84. بن في بل 86. فُمَّ في ثُمَّ 86. قربان وكربان وجعشوش وجعسوس 88. فسطاط ولغاتها 89. وعد أن يشرح كتاب القلب والإبدال لابن السكيت 90. مسألة من القياس أجل من كتاب لغة 90.
67- باب في قلب لفظ إلى لفظ بالصنعة والتلطف، لا بالإقدام والتعجرف 90-95:
فوعل وفوعال من وأيت 91. الأوار 91. أفعوعلت من رأيت 92. فعل من رأيت 92. النسب إلى محيًّا 92. بناء مثل محويّ من ضرب 94. بناء مثل تحويّ من نشف 94. قد يكون الغرض في مسائل العلم رياضة الفكر لا العمل 94.
68- باب في اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين في الحروف والحركات والسكون 95-105:
وقوع هذا في الحروف 96. الوقف على المنصوب المنون دون ألف 99. المعرب في شرح قوافي الأخفش 101. وقوع هذا في الحركات 101. التسمية بأسماء الإشارة والاستفهام ونحوهما 101. السكون 104.
69- باب في اتفاق المصاير، على اختلاف المصادر 105-109:
اغزوى عند البصريين واغزوّ عند الكوفيين 106. فُعْل من جئت على مذهب التخفيف 107. النسبة إلى مئة 108. النسب إلى فَعْلَة وفِعْلة عند يونس 108. بناء مثل إصبع من غزوت 109. جمع تعزية وتعزوة 109.
70- باب في ترافع الأحكام 110-115:
أمة وآم ورفبة وأرقب 115 وما بعدها. النسبة إلى حنيفة وشأم ويمن وتهامة 112. مكان الحركة من الحرف 112. إتّباع الثاني للأول وعكسه 114. ألفاظ في الزكام 114.
71- باب في تلاقي المعاني، على اختلاف الأصول والمباني 115-135:
مرادفات للطبيعة والخليقة 115 وما بعدها. المسك والصوار 119 وما بعدها. اشتقاق الطفيل 121. اشتقاق الرطل 122. اشتقاق الناقة والجمل 123.(2/503)
كلمات جرت على السلب 125. الفضة واللجين 125. مرادفات الذهب 126 وما بعدها. السحاب والحلبيّ 128. مرادفات الحاجة 129. مرادفات الحافظ لملال 131. مرادفات الدم 134.
72- باب في الاشتقاق الأكبر 135-141:
لابن السراج رسالة في الاشتقاق 136. تقاليب "ج ب ر" 137. تقاليب "ق س ر" 138. تقاليب "س م ل" 139. لام أثفية 141.
73- باب في الإدغام الأصغر 141-147.
اتحى وأثاقل 142. الإمالة 143. قلب تاء الافتعال طاء 143. قلب تاء الافتعال دالًا 144. الصوق في السوق 145. شِعير في شَعير 145. منن ومنتن وأجوءك 145. الحمد لله والحمد لله بضم الدال واللام وكسرها 146. مزدر في مصدر 146. الإشمام 146. همزة بين بين 146. الروم 147.
74- باب في تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني 147-154:
هز وأز والأسف والعسف 148. القرمة 149. العمل والعلب 150. السحيل والصهيل 151.
75- باب في إمساس الألفاظ أشباه المعاني 154-170:
الفعلان 154. الفعلة والفعلى واستفعل 155. العين أقوى من الفاء واللام 157. الخضم والقضم 159. النضح والنضخ، القد والقط، قرت وقرد وقرط 160. بحث في إعراب قوله تعالى: {كونوا قردة خاسئين} 160. حكمة العربية 166. كلمات جاءت حكاية للصوت 167. خواص اجتماع بعض الحروف.
76- باب في مشابهة معاني الإعراب معاني الشعر 170-180:
لا التبرئة 170. وما أدري أأذن أو أقام 171. لا يبني من ضرب مثل عنسل 171. التنازع في العمل 172. حكاية في الجر بالمجاورة 172. بحث في قوله تعال: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون" 174. تشبيه الضارب الرجل بالحسن الوجه 178.(2/504)
77- باب في خلع الأدلة 181-198:
بحث في قوله تعالى: {إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} 184. الإضافة لا تنافي البناء 185. وانظر ص38 من هذا الجزء. وقوق الألف في "ذلك" تأسيسًا 187 وما بعدها. تجنب مخاطبة الملوك بأسمائهم 190. اللواحق في نحو إياك 191. أرأيتك زيدًا ما صنع 192. إيثار الضمير المتصل على المنفصل 194. قوله تعالى: {ألا يا اسجدوا} في قراءة التخفيف 197. واو المعية وفاء جواب الشرط 198.
78- باب في تعليق الأعلام على المعاني دون الأعيان 199-202:
كتابه في تفسير أسماء شعراء الحماسة 199. أسماء الأعداد تقع أعلامًا 200. فعال علمًا 200 وما بعدها. الأوزان الصرفية 201.
79- باب في الشيء يرد مع نظيره مورده مع نقيضه 203-212:
التاء في نحو علامة 203. رجل عدل 204. عمل المصدر مجموعا 209. ناقة ضامر 211.
80- باب في ورود الوفاق مع وجود الخلاف 212-215:
غاض الماء وغضته 212. قوله تعالى: {وإن منها لما يهبط من خشية الله} 213. فعل العبد مكتسب له أو مخلوق 215.
81- باب في نقض العادة 216-228:
كسى وكسوته 216. أقشع للغيم وقشعته الريح 227. مسألة في المنسرح 217. أحبه فهو محبوب 218. عنيت بحاجتك وبابه وفصيح ثعلب 221. أورس الرمث فهو وارس 221. مجيء الكلمة على حذف الزيادة 222. الوصف بالجوهرة لما فيه من معنى الفعل 223. جواد وأجواد 224. نعمة وأنعم 225. فعل المغالبة نحو ضار بني فضربته أضربه 225. مسألة فيها قائمًا رجل، ما جاءني إلا زيدًا أحد 226. فعل التعجب نحو ما أحسنه سنقول عن فعل 227.
82- باب في تدافع الظاهر 229-235:
تأليف الكلمة من الحروف المتقاربة 229. النسب إلى مثنى 229. الحرف المشدد إذا وقع رويًّا في الشعر المقيد سكن كما يسكن المتحرك إذا وقع رويًّا فيه 230. فعل من القول(2/505)
231. تاء الأفتعال 231. الفتوى 232. تقي وتقواء، ومضواء 233. أمليت وبابه 233. أميى ومهيبمي 234.
83- باب في التطوع بما لا يلزم 236-274:
هو لزوم ما لا يلزم. أرجوزة طائية 236. أرجوزة رائية التزم التصغير في قوافيها إلا قليلًا 237. أرجوزة لامية 241. أرجورة لأبي العالية 246. قطعة من الرحز في وصف قرية 248. أرجوزة للأعور الشني وقد حمل على بعيره محملان أول ما عملت المحامل 248. أرجوزة همزية لغيلان الربعي 252. قصيدة لامية لعبيد بن الأبرص التزم في آخر المصراع الأول من أبياتها لام التعريف ما عدا بيتًا واحدًا 257. مسألة عروضية في الروي 260 وما بعدها. كناية المعرب 263. التزام ما لا يلزم عند المحدثين 264. ضرب من الموزون يسميه الأخفش والخليل سجعًا 165. التزام ما لا يلزم في غير الشعر 267. مسألة الحسن والحسين أفضل أم ابن الحنفية 268. الحال المؤكدة 270. قوله تعالى: {ولا طائر يطير بجناحيه} 271. قوله تعالى: {فخر عليهم السقف من فوقهم} 272. استعمال "على" في المكروه واللام في المحبوب 273.
84- باب في التام يزاد عليه فيعود نقاصًا 274-275:
85- باب في زيادة الحروف وحذفًا 275-286:
الحروف قائمة مقام جمل 275 وما بعدها. لا تعمل الحروف في الفضلات 276. عمل يا في النداء 278. توكيد الضمير المحذوف نحو الذي ضربت نفسه زيد 282. شواهد لحذف الحرف 283. تكرير الحروف وزيادتها 284. المنسوغ للحذف والزيادة 286.
86- باب في زيادة الحرف عوضًا من آخر محذوف 287-308:
تقي وتجه 288. اتخذ واتهل 289 وما بعدها. كتاب شرح تصريف المازني 290. ما حذفت عينه 291. أينق، خاف، هين، قيدودة 291. ياء التفعيل عوض عن عين فعال 292. ضعف حروف العلة 294. نوبة ونوب وخيمة وخيم 296. عرصة وعرص 297. ما حذفت لامه مع التعويض 298. الألف في عصا ورحى عند الوقف عليهما 298 كتاب سر الصناعة 299. هيهات 299. علم الجنس 301. وجه بناء أسماء الأفعال 302. قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم-(2/506)
203. ما زيد من الحروف عوضًا من حرف محذوف 304. زنادقة، زعافير 304. تاء التأنيث في التفعلة عوض من ياء تفعيل وألف فعال 304. بحث في مقتوين 305. ميم مفاعلة عوض من ألف فاعلته 306. الألف في يمان وشآم وثمان 307. تاء التفعيل بدل من ألف الفعال 307. وانظر 292 من هذا الجزء. تبادل الحروف في مواضعها 357.
87- باب في استعمال الحروف بعضها مكان بعض 308-317:
بحث في التضمين 310. أنكر بعض اللغويين أن يكون لفظان لمعنى واحد 312. حمل اللفظ على نقيضه في التعدية والمصدر 313. استعمال "على في المكروه 314. وانظر ص273 من هذا الجزء.
88- باب في مضارعة الحروف للحركات والحركات للحروف 317-323:
أضعف حروف العلة الألف 320. هاء السكت 321. شبه الحركة بالحرف في منع الصرف والنسب 321. الحرف المشدد يقع رويًّا في الشعر المقيد 323. وانظر 230 من هذا الجزء. اختلاف التوجيه في العروض 322. باب القود والحوكة والخونة، هيؤ 323.
89- باب محل الحركات من الحروف أمعها أم قبلها أم بعدها 323-329:
عنبر وشنياه لما يتوقع 326 وما بعدها. المسائل الصرفية يرجع فيها إلى النفس والحس لا إلى الإجماع، وإجماع النحو بين ليس حجة فيها 328.
90- باب الساكن والمتحرك 330-344:
الإشمام والروم 330. حروف الهمس يتبعها في الوقف صوت 330. التسكين في نحو فهو 332. الأشياء تجري على حقائقها في الوصل دون الوقف 333. حركة التقاء الساكنين وحركة النقل وما ماثلهما 334 وما بعدها. حركة الإتباع 335. أجوءك وأنبؤك وبابهما 338. همزة التذكر 339. عَلْم في عِلَم وبابه 340. "إنه من يتق ويصبر" بسكون القاف 341. تسكين المتحرك بحركة إعرابية 342 وما بعدها.
91- باب في مراجعة الأصل الأقرب دون الأبعد 344-347:
سودد محلق بما لم يجئ عن العرب 345.(2/507)
92- باب في مراجعة أصل واستئناف فرع 347-349:
النسب إلى حمراء وشقاوة وعدوة 348.
93- باب فيما يراجع من الأصول مما لا يراجع 349-354:
هيز وقضو ورو 350. تاء الافتعال, وفيه التقطت النوى 351. قراءة أبي عمرو: "يا صالح ابتنا" بتصحيح الياء 352. اجليوذ في اجاؤاذ 352.
94- باب في مراعاتهم الأصول تارة وإهمالهم إياها أخرى 354-356:
قوله تعالى: {يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال} بببناء "يسبح" للمفعول 355. مسألة {إنا منجوك وأهلك} 355 وما بعدها.
95- باب في حمل الأصول على الفروع 357-358:
المضمر أقوى حكمًا في باب الإضافة من المظهر 357.
96- باب في الحكم يقف بين الحكمين 358-361:
الكسرة في نحو غلامي ليست بإعراب ولا بناء 358. والرحل عند المؤلف بين المنصرف وغير المنصرف، وكذلك التثنية والجمع على حدة 359 وما بعدها. ما جاء غير جار على حد الوصل ولا على حد الوقف 365 وما بعدها.
97- باب في شجاعة العربية 362-344:
الحذف 362-383.
حذف الجملة 362 وما بعدها.
حذف الاسم 364-381:
حذف المبتدأ 364. حذف الخبر 364. حذف المضاف 364. حذف المضاف إليه 365. ابدأ يهدأ أول 365. بادي بدي 366. قوله تعالى: {لله الأمر من قبل ومن بعد} 367. حذف الموصوف 368. منع حذفه إذا كان الوصف جملة 368. منع حذف الموصوف إذا كان الوصف جارًّا أو مجرورًا أو ظرفًا 370. حذف الصفة الجملة 372. قوله تعالى: {لقد تقطع بينكم} حذف الصفة لدلالة الحال 372. دلالة ملابسات الكلام والنطق به كتمكين الصوت وتقطيب الوجه(2/508)
373. حذف المفعول به 374. حذف الظرف 374. المحذوف في قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} 375. حذف المعطوف والمعطوف عليه 375. حذف المستثنى 375. حذف خبر إن مع النكرة 375. حذف إن مع المعرفة عند البصريين 376. حذف المفعول الثاني في أزيد أظننته منطلقًا 376. حذف خبر كان 372. حذف المنادى 377. لات أوان 379. حذف التمييز 380. الحذف إنما يصلحه ويفسده غرض المتكلم 380. حذف الحال 385. حذف المصدر 381. حذف الفضلة 381.
حذف الفعل 381-383:
حذف الفعل مع الفاعل 381. حذف الفعل وحده 381. الرافع في قولهم: أما أنت منطلقًا 383.
حذف الحرف 383-383
فصل في التقديم والتأخير 384-392:
تقديم المفعول به 384. تقديم المستثنى 384. تقديم خبر المبتدأ 384. تقديم خبر الأفعال الناسخة 384. تقديم المفعول لأجله 385. تقديم المفعول معه 385. لا يجيز الأخفش آتيك وطلوع الشمس على المفعول معه 385. تقديم المعطوف على المعطوف عليه 385. تقديم التمييز 386. لا يجوز تقديم مرفوع على رافعه 387. ضروب من الكلام يمتنع تقديمها كالصلة والصفة 387. تقديم المعطوف 387. تقديم جواب الشرط 389. إجراء الشيء مجرى نقيضه 391.
الفروق والفصول 392-413:
الفصل بين المضاف والمضاف إليه، وبين الفعل والفاعل بأجنبي، وبين المبتدأ والخبر 392. تقديم معمول الصفة على الموصوف 393. ركوب الشاعر الضرورة قد يدل على قوته وفصاحته 394. أشعار فيها تقديم وتأخير على غير وجه 395. وما بعدها. قضته محرفة سرجها فرسك 396. قوله تعالى: {فبشرناها بإسحاق ومن وارء إسحاق يعقوب} 397. الفصل بين الصفة والموصوف 398. بحث في ضمير الشأن 399. عمل ليس في الظرف, وقوله تعالى: {ألا يوم يأتيهم ليس مصروفًا عنهم" 402. الفصل بين الصلة والموصول بأجنبي 404. الفصل بين المضاف إليه 406. المقدَّر قد يقبح ظهوره في اللفظ 411. الفصل بين الجازم والمجزوم 412. الفصل بين الفعل وناصبه 413.(2/509)
فصل في الحمل على المعنى 413-437:
تذكير المؤنث 413. تأنيث المذكر 417. قول عربي جاءته كتابي فاحتقرها 418، وضع الواحد موضع الجماعة 421. قوله تعالى: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه} 425. العطف على المعنى 426. رفع الفاعل بفعل محذوف 426. نصب المفعول بمضمر 428. العامل في البدل 429. حذف نون المثنى في غير الإضافة 432. علفتها تبنًا وماء باردًا 433. عطف المنصوب على المجرور 434. وضع الفعل موضع المصدر 435. التضمين 437. وانظر 312 من هذا الجزء.
فصل في التحريف 438-443:
تغييرات النسب القياسية وغير القياسية 438. تغيير الأعلام 438. التغيير بالحذف 439.
تحريف الفعل 440-442:
الحذف في المضعف نحو ظلت 440. بناء مثل اطمأن من الضرب 441. المقلوب 441. لم أبله 442.
تحريف الحرف 442-443:
ابن في بل، وفم في ثم.
98- باب فرق بين الحقيقة والمجاز 444-449:
بنو فلان يطؤهم الطريق 448. قوله تعالى: {واسأل القرية} 449.
99- باب في أن المجاز إذا كثر لحق بالحقيقة 449-459:
نحو قام زيد مجاز 449. خلق الله السماوات مجاز 451. ضربت عمرًا مجاز 452. لم وقع التوكيد في الكلام 452. حذف المضاف قياس عنده خلافًا للأخفش 453. حذف المضاف مع الإلياس 454. توكيد المجاز 455. {وكلم الله موسى تكليمًا} 456. {وأوتيت من كل شيء} 458. {وفوق كل ذي علم عليم} 459.
100- باب في إقرار الألفاظ على أوضاعها الأول، ما لم يدع داعٍ إلى الترك والتحول 459-467:
أو بمعنى بل 460. أو بمعنى الواو 462. {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} 463. {ذق إنك أنت العزيز الكريم} . زيادة واو العطف 464. هل في معنى(2/510)
قد 464. لا ينصب المضارع في جواب الاستفهام التقريري، الاستفهام التقريري ينقل النفي إلى الإثبات والإثبات إلى النفي 465 وما بعدها.
101- باب في إيرد المعنى المراد، بغير اللفظ المعتاد 468-471:
الحبرور وفي تصغير الحباري، وألفاظ عن ابن الشجري 468، "فحاسوا خلال الديار" في فجاسوا 468. طريقة لأبي مهدية في الأذان 468. الاختلاف في رواية الأشعار والحكايات 468. قول أبي علي فيمن يفهم عنه إذا أجابه بعبارة دون عبارة تماثلها، وقصة للحسن البصر في ذلك 470. عبارة لسيبويه لم يتوخ فيها الدقة 471.
102- باب في ملاطفة الصنعة 472-475:
أجر وأدل 472. ولي حقي 473. إعلال قام وباع 473. ست والنات 474.
103- باب في التجريد 475-478:
استعمال في التجريد 476. استعمال الباء وفي في التجريد 477. رأي في معنى الإنسان 478.
104- باب في غلبة الزائدة للأصلي 479-482:
حذف الحرف الأصلي للزائد ذي المعنى 479. قرنيت من الفرنوة 481.
105- باب في أن ما لا يكون للأمر وحده يكون له إذا صام غيره 482-486:
الزائد في أول الكلمة قد يكون للإلحاق إذا انضمَّ إليه غيره 482. حرف المد إذا جاور الطرف لا يكون للإلحاق 483. ما جاء على إفعال من غير المصادر 484. ما جاء على أفعال وصفًا للمفرد 484. ما جاء على أفاعل بضم الهمزة 484. الألف لا تكون للإلحاق حشوًا 485. مثل طومار وديماس ملحق 486.
106- باب في أضعف المعتلين 486-489:
سراة وسراة بفتح السين وضمها في جمع سرى 487. مشابهة اللام للزائد 488. مظاهر لضعف اللام 489.(2/511)
107 باب في الغرض في مسائل التصريف 489-490:
فيعول وفعلول من شويت، ونحو هذا، "490".
108- في اللفظ يرد محتملًا لأمرين أحدهما أقوى من صاحبه, أيجازان جميعًا فيه، أم يقتصر على الأقوى منهما دون صاحبه؟ 490-494. قد يجيب العالم في الشيء الواحد بأجوبة إن كان بعضها أقوى من بعض 493. ربما أفتى العالم بالوجه الضعيف عنده 494.
109- باب فيما يحم به القياس مما لا يسوغ به النطق 495-499:
إعلال قائل وبائع 495، يوم راحٍ ورجل خافٍ 495. الجمع بين الساكنين 495، التقاء الساكنين في الوقف 498. التقاء الساكنين في لغة العجم 499. وزن أعرقت 499.(2/512)
المجلد الثالث
باب في حفظ المراتب
...
بسم الله الرحمن الرحيم
باب في حفظ المراتب:
هذا موضع يتسمح الناس فيه فيخلون ببعض رتبه تجاوزًا لها وربما كان سهوًا عنها. وإذا تنبهت على ذلك من كلامنا هذا قويت به1 على ألا تضيع مرتبة يوجبها القياس بإذن الله.
فمن ذلك قولهم في خطايا: إن أصله2 كان3 خطائئ ثم التقت الهمزتان غير عينين فأبدلت الثانية على حركة الأولى فصارت ياء: خطائي، ثم أبدلت الياء ألفا لأن الهمزة عرضت في الجمع واللام معتلة فصارت خطاءا، فأبدلت الهمزة على ما كان في الواحد وهو الياء فصارت خطايا. فتلك أربع مراتب: خطائئ ثم خطائي ثم خطاءا ثم خطايا. وهو -لعمري- كما ذكروا، إلا أنهم قد أخلوا من الرتب بثنتين: أما إحداهما فإن أصل هذه الكلمة قبل أن تبدل ياؤها همزة خطايئ بوزن خطايع ثم أبدلت الياء همزة فصارت: خطائئ بوزن خطاعع. والثانية أنك لما صرت إلى خطائي فآثرت إبدال الياء ألفا لاعتراض الهمزة في الجمع مع اعتلال اللام لاطفت الصنعة فبدأت بإبدال الكسرة فتحة لتنقلب الياء ألفا فصرت من خطائي إلى خطاءي بوزن خطاعي ثم أبدلتها لتحركها وانفتاح ما قبلها، على حد4 ما تقول في إبدال لام5 رحى وعصا، فصارت خطاءا بوزن خطاعي ثم أبدلت الهمزة
__________
1 سقط في د، هـ، ط، وثبت في ش.
2 كذا في ش. وفي هـ، ط: "أصلها".
3 ثبت في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
4 ثبت في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
5 سقط في ش.(3/7)
ياء على مضى فصارت خطايا. فالمراتب إذًا ست لا أربع. وهي خطايئ ثم خطائئ ثم خطائي ثم خطاءي ثم خطاءا ثم خطايا. فإذا أنت حفظت هذه المراتب ولم تضع موضعًا منها قويت دربتك بأمثالها وتصرفت بك الصنعة فيما هو جارٍ مجراها.
ومن ذلك قولهم: إوَزَّة. أصل وضعها إوْزَزَة. فهناك الآن عملان:
أحدهما قلب الواو ياء1 لانكسار ما قبلها ساكنة والآخر وجوب الإدغام. فإن قدرت أن الصنعة وقعت في الأول من العملين فلا محالة أنك أبدلت من الواو ياء فصارت إيززة ثم أخذت في حديث الإدغام فأسكنت الزاي الأولى ونقلت فتحتها إلى الياء قبلها فلما تحركت قويت بالحركة فرجعت إلى أصلها -وهو الواو- ثم ادّغمت الزاي الأولى في الثانية فصارت: إوزة كما ترى. فقد عرفت الآن على هذا أن الواو في إوزة إنما هي بدل من الياء التي في إيززة وتلك الياء المقدرة بدل من واو إوززة2 التي هي واو وز.
وإن أنت قدرت أنك لما بدأتها فأصرتها إلى إوززة أخذت3 في التغيير من آخر الحرف فنقلت الحركة من العين إلى الفاء فصارت إوزة فإن الواو فيها على هذا التقدير هي الواو الأصلية لم تبدل ياء فيما قبل ثم أعيدت إلى الواو كما قدرت ذلك في الوجه الأول. وكان أبو علي -رحمه الله- يذهب إلى أنها لم تصر إلى إيززة. قال: لأنها لو كانت كذلك لكنت إذا ألقيت الحركة على الياء بقيت بحالها ياء4، فكنت تقول: إيزة. فأدرته عن5 ذلك وراجعته فيه6 مرارا فأقام عليه. واحتج
__________
1 سقط في ش.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "إوزة".
3 كذا في ش، في د، هـ، ز، ط: "وأخذت".
4 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
5 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "على".
6 ثبت في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط.(3/8)
بأن الحركة منقولة إليها فلم تقو بها. وهذا ضعيف جدًَّا ألا ترى أنك لما حركت عين طيّ فقويت رجعت واو في طووي وإن كانت الحركة1 أضعف من تلك لأنها مجتلبة زائدة وليست منقولة من موضع قد كانت فيه قوية معتدة.
ومن ذلك بناؤك2 مثل فعلول من طويت. فهذا لا بد أن يكون أصله: طويويٌ. فإن بدأت بالتغيير من الأول فإنك أبدلت الواو الأولى ياء لوقوع الياء بعدها فصار التقدير إلى طييوي ثم ادغمت الياء في الياء فصارت طيويٌ "ثم أبدلت من الضمة كسرة فصارت طيوي"3 ثم أبدلت من4 الواو ياء فصارت إلى طيي ثم أبدلت من الضمة قبل واو فعلول كسرة فصارت طيي ثم ادغمت الياء المبدلة من واو فعلول في لامه فصارت طيِّيّ. فلما اجتمعت أربع ياءات ثقلت فأردت التغيير لتختلف5 الحروف فحركت الياء الأولى بالفتح لتنقلب الثانية ألفا فتنقلب الألف واوا فصار بك التقدير إلى طييّ فلما تحركت الياء التي هي بدل من واو طويوي الأولى قويت فرجعت بقوتها إلى الواو فصار التقدير: طويي فانقلبت الياء الأولى التي هي لام فعلول الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت طواى ثم قلبتها واوا لحاجتك إلى حركتها -كما أنك لما احتجت إلى حركة اللام في الإضافة إلى رحى قلبتها واوا- فقلت: طووي كما تقول في الإضافة إلى هوى علما: هووى. فلابد أن تستقرئ هذه المراتب شيئًا فشيئًا ولا تسامحك الصنعة بإضاعة شيء منها.
__________
1 كذا في ز، ط، ش. يريد حركة "طووي"، ولو كان "هذه الحركة" كان أظهر. وفي ج: "حركتها" وهي ظاهرة.
2 انظر هذه المسألة في الأشباه والنظائر للسيوطي 3/ 187، والكتاب لسيبويه 2/ 393.
3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
4 كذا في ش، ط. وسقط هذا الحرف في د، هـ، ز.
5 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "لتخلف".(3/9)
وإن قدرت أنك بدأت بالتغيير من آخر المثال فإنك لما بدأته على طويوى أبدلت واو فعلول ياء فصار1 إلى2 طوينيي ثم ادغمت3 فصار إلى طوييٍّ4 "وأبدلت من ضمة العين كسرة فصار التقدير طويي"5 ثم أبدلت من الواو ياء فصار طييٌّ ثم ادغمت الياء الأولى في الثانية طيِّيّ ثم عملت فيما بعد من تحريك6 الأولى7 بالفتح وقلب الثانية ألفا ثم قلبها واوا ما كنت عملته في الوجه الأول. ومن شبه ذلك يلي جمع قرن ألوى8 فإنه يقول: طيي وشيي. ومن قال: لي فضم فإنه يقول: طيِّي وشييّ فيهما9 من طويت وشويت.
فاعرف بهذا10 حفظ المراتب فيما يرد عليك من غيره ولا تضع رتبة البتة فإنه أحوط عليك وأبهر11 في الصناعة بك بحول الله.
بأي التغييرين في المثال الواحد يبدأ؟
باب في التغييرين في المثال الواحد بأيهما يبدأ اعلم أن القياس يسوغك أن تبدأ بأي العملين شئت: إن شئت بالأول وإن شئت بالآخر.
أما12 وجه علة الأخذ في الابتداء بالأول فلأنك تغير لتنطق بما تصيرك الصنعة إليه وإنما13 تبتدئ14 في النطق بالحرف من أوله لا من آخره. فعلى هذا
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فصارت".
2 سقط في ط.
3 في ط: "أدغم".
4 ثبت هنا الحرف في ز.
5 ثبت ما بين القوسين في ش، ط. وسقط في ز. وقوله: "ضمة العين" هذا سهو. والصواب: ضمة اللام الأول.
6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "تحريكك".
7 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "الأول".
8 أي معوج.
9 كذا في ز، ط. وفي ش: "فهما".
10 كذا في ز، ط، وفي ش: "هذا".
11 كذا في ش، ط. وفي ز، هـ: "أمهر".
12 في ش: "وأما".
13 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فإنما".
14 كذا في ش، ط: وفي د، هـ، ز: "تبدأ".(3/10)
ينبغي أن يكون التغيير من أوله لا من آخره لتجتاز بالحروف وقد رتبت على ما يوجبه العمل فيها وما تصير بك الصنعة عليه إليها إلى أن تنتهي كذلك1 إلى آخرها فتعمل2 ما تعمله ليرد اللفظ بك مفروغًا منه.
وأما وجه علة وجوب الابتداء بالتغيير من الآخر فمن قبل أنك إذا أردت التغيير فينبغي أن تبدأ به من أقبل المواضع له3. وذلك الموضع آخر الكلمة لا أولها لأنه أضعف الجهتين.
مثال ذلك قوله4 في مثال5 إوزة من أويت: إياة. وأصلها إئوية. فإبدال الهمزة التي هي فاء واجب وإبدال الياء6 التي هي اللام واجب أيضًا. فإن بدأت بالعمل من الأول صرت إلى إيوية ثم إلى إييية ثم إلى إياة. وإن بدأت بالعمل من آخر المثال صرت أول إلى إئواة ثم إلى إيواةٍ ثم إياةٍ. ففرقت العمل في هذا الوجه ولم تواله كما واليته في الوجه الأول لأنك لم تجد طريقًا إلى قلب الواو ياء7 إلا بعد أن صارت الهمزة قبلها ياء. فلما صارت إلى إيواة أبدلتها ياء فصارت إياة كما ترى.
ومن ذلك قوله في مثال جعفر من الواو: أوى. وأصلها وووٌ8. وههنا عملان واجبان.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "بذلك".
2 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "تعمل".
3 ثبت في ش، ط،. وسقط في د، هـ، ز.
4 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "قولك".
5 سقط في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.
6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "الهمزة" وهو سبق قلم.
7 سقط في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.
8 رسم في ط: "وووو".(3/11)
أحدهما إبدال الواو الأولى همزة لاجتماع الواوين في أول الكلمة. والآخر إبدال الواو الآخرة ياء لوقوعها رابعة وطرفا ثم إبدال الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.
فإن بدأت العمل من أول المثال صرت إلى أووٍ1، ثم إلى أوي2؛ ثم إلى أوى. وإن قدرت ابتداءك3 العمل من آخره فإنك تتصور أنه كان وَوّوٌ4 ثم صار إلى وويٍ ثم إلى وويّ5، ثم إلى أوي. هكذا موجب القياس على ما قدمناه.
وتقول على هذا إذا أردت مثال فعل من وأيت: وؤي. "فإن خففت الهمزة فالقياس أن تقر المثال على صحة أوله وآخره فتقول: وويٌ"6 فلا تبدل الواو الأولى همزة لأن الثانية ليست بلازمة فلا تعتد إنما هي همزة وؤي خففت فأبدلت في اللفظ واوا وجرت مجرى واو رويا تخفيف رؤيا. ولو اعتددتها واو البتة لوجب أن تبدلها للياء التي بعدها. فتقول: وي أو أي على ما نذكره بعد.
وقول الخليل في تخفيف7 هذا المثال: أوي طريف وصعب ومتعب. وذلك أنه قدر الكلمة تقديرين ضدين لأنه اعتقد صحة الواو المبدلة من الهمزة حتى "قلب لها"8 الفاء فقال: أوي. فهذا وجه اعتداده إياها. ثم إنه مع ذلك لم يعتددها ثابتة9 صحيحة ألا تراه لم يقلبها ياء للياء بعدها. فلذلك قلنا: إن في مذهبه هذا
__________
1 رسم في ط: "أووو".
2 رسم في ط: "أووي".
3 كذا في، ط. وفي د، هـ، ز: "ابتداء".
4 سقط في ش.
5 كذا في ز، ط. وفي ش: "أووا".
6 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
7 ثبت في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز. وانظر ص92 من الجزء الثاني.
8 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "قلب الياء" وفي ط: "قلبها".
9 كذا في، وفي ز، ش: "ثانية".(3/12)
ضربا من التنتاقض. وأقرب ما يجب أن نصرفه إليه أن نقول1: قد فعلت العرب مثله في قولهم: مررت بزيد ونحوه. ألا تراها تقدر الباء تارة كالجزء من الفعل وأخرى كالجزء من الاسم. وقد ذكرنا هذا فيما مضى. يقول2: فكذلك يجوز لي أنا أيضًا أن أعتقد في العين من ووى من وجه أنها في تقدير الهمزة3 وأصحها ولا أعلها للياء بعدها ومن وجه آخر أنها في حكم الواو لأنها بلفظها فأقلب لها الفاء4 همزة. فلذلك قلت: أوي. وكأن " أبا عمر"5 أخذ هذا الموضع من الخليل فقال في همزة6 نحو رأس وبأس7 إذا خففت في موضع الردف جاز أن تكون ردفا. فيجوز8 عنده اجتماع راس9 وباس مع ناس. وأجاز10 أيضًا أن يراعى ما فيها من نية11 الهمزة فيجيز اجتماع راس مع فلس12. وكأن أبا عمر إن13، 14 كان أخذ هذا الموضع أعذر فيه من الخليل في مسئلته تلك. وذلك أن أبا عمر لم يقض بجواز كون ألف راس ردفا وغير ردف في قصيدة واحدة. وإنما أجاز ذلك في قصديتين إحداهما قوافيها نحو حلس وضرس والآخرى قوافيها نحو ناس وقرطاس وقرناس. والخليل جمع في لفظة واحدة أمرين متدافعين. وذلك أن صحة الواو الثانية في ووى منافٍ15 لهمزة الأولى
__________
1 كذا في ش. وفي ز، ط: "تصرفه ... تقول".
2 أي الخليل. وسقط هذا في د، هـ، ز، ط. ثبت في ش.
3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "الهمز".
4 سقط في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.
5 كذا في ش: وفي ز، ط "أبا عمرو" وكأنه يريد الجرمي.
6 سقط في ش. وثبت في د، هـ، ز، ط.
7 كذا في ش، ز. وفي ط: "يأس".
8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فيكون".
9 كذا في ش، ز. وفي ط: "ياس".
10 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "جاز".
11 كذا في ش، ز، وفي ط: "رتبة".
12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فاس".
13 في ط: "وإن".
14 سقط في ز.
15 أي أمر مناف. ولولا هذا لقال: منافية.(3/13)
منهما. وليس له عندي إلا احتجاجه بقولهم: مررت بزيد ونحوه وبقولهم: لا أبا لك. وقد ذكر ذلك في باب1 التقديرين المختلفين لمعنيين مختلفين.
ولندع هذا إلى أن نقول: لو وجد في الكلام تركيب "ووي" فبنيت منه فعلًا لصرت إلى ووي. فإن بدأت بالتغيير2 من الأول وجب أن تبدل الواو التي هي فاء همزة فتصير حينئذ إلى أوىٍ ثم تبدل الواو العين ياء لوقوع اللام بعدها ياء فتقول: أي.
فإن قلت: أتعيد الفاء واوا لزوال الواو من بعدها "فتقول: وي أو3 تقرها على قلبها السابق إليها فتقول: أي؟ "4 فالقول عندي إقرار الهمزة بحالها وأن تقول: أي. وذلك أنا رأيناهم إذا قلبوا العين وهي حرف علة همزة أجروا تلك الهمزة مجرى الأصلية. ولذلك قال5 في تحقير قائم: هو قوئيم فأقر الهمزة وإن زالت ألف فاعل عنها. فإذا فعل هذا في العين كانت الفاء أجدر به لأنها6 أقوى من العين.
فإن قلت: فقد قدمت في إوزة أنها لما صارت في التقدير7 إلى إيززة ثم أدرت إليها الحركة الزاي بعدها فتحركت بها. أعدتها إلى الواو فصارت إوزة فهلا أيضًا أعدت همزة أي إلى الواو لزوال العلة التي كانت8 قلبتها9 همزة أعني واو أوي
__________
1 انظر ص342، 343 من الجزء الأول.
2 كذا في ش، وفي د. هـ، ز، ط: "التغيير".
3 كذا والمعروف في معادلة الهمزة أم.
4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.
5 أي سيبويه. انظر كتابه 2/ 127.
6 كذا في ط، ز. وفي ش: "لأنه".
7 كذا في ز، ط. وفي ش: "التغيير".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كنت".
9 في ش: "قبلها".(3/14)
قيل: انقلاب حرف العلة همزة فاء أو عينا ليس كانقلاب الياء واوا ولا الواو ياء بل هو أقوى من انقلابهما إليهما ألا ترى إلى قولهم: ميزان ثم لما زالت الكسرة عادت الواو في موازين ومويزين. وكذلك عين ريح قلبت للكسرة ياء "ثم لما"1 زالت الكسرة عادت واوا فقيل2: أرواح ورويحة. وكذلك قولهم: موسر وموقن لما زالت الضمة عادت الياء فقالوا: مياسر3، ومياقن4. فقد ترى إن انقلاب حرف اللين إلى مثله لا يستقر ولا يستعصم لأنه بعد القلب وقبله كأنه صاحبه والهمزة حرف صحيح وبعيد المخرج فإذا قلب حرف اللين إليه أبعده عن جنسه واجتذبه إلى حيزه فصار5 لذلك من وادٍ آخر وقبيل غير القبيل الأول. فلذلك أقر على ما صار إليه وتمكنت6 قدمه فيما7 حمل عليه. فلهذا وجب عندنا أن يقال فيه: أي.
"وأما إن8" أخذت العمل من آخر المثال فإنك تقدره على ما مضى: ووى ثم تبدل العين للام فيصير: وي فتقيم9 حينئذ عليه ولا تبغي بدلا به لأنك لم تضطر إلى تركه لغيره.
وكذلك أيضًا يكون هذان الجوابان إن اعتقدت في عين وؤي أنك أبدلتها إبدالا ولم تخففها تخفيفًا: القول في الموضعين واحد. ولكن لو ارتجلت هذا المثال من وأيت على ما تقدم فصرت10 منه إلى وؤي ثم همزت الواو التي هي الفاء همزا11
__________
1 في د، هـ، ز، ط "فلما".
2 في ط: "وقيل".
3 كذا في ش. وفي ز، ط، "مياسير".
4 كذا في ش، ز. وفي ط: "مياقبن".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وصار".
6 كذا في ش. وفي ز، ط: "مكنت".
7 في ش: "وما".
8 كذا في ش. وفي د، هـ، ز "وأما إذا" وفي ط: "وإذا".
9 في ش: "فيقيم".
10 في ش: "لصرت".
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "همزة".(3/15)
مختارًا لا مضطرًا إليه لكن قولك في وجوه: أجوه وفي وقتت: أقتت لصرت إلى أؤي فوجب إبدال الثانية واوا خالصة؛ فإذا خلصت كما ترى لما تعلم وجب إبدالها للياء بعدها فقلت: أي لا غير. فهذا وجه آخر من العمل غير جميع ما تقدم.
فإن قلت: فهلا استدللت بقولهم في مثال فعول من القوة: قيو على أن التغيير إذا وجب في الجهتين فينبغي أن يبدأ بالأول منهما ألا ترى أن أصل هذا قوو فبدأ بتغيير الأوليين1 فقال2: قيو ولم يغير الأخريين فيقول: قوي؟
قيل: هذا اعتبار فاسد3. وذلك أنه لو بدأ فغير من الآخر لما وجد بدا من أن يغير الأول أيضًا "لأنه لو أبدل الآخر فصار إلى قوي للزمه أن يبدل الأول أيضًا"4 فيقول: قيّيّ: فتجتمع له أربع ياءات فيلزمه أن يحرك الأولى لتنقلب الثانية ألفا فتنقلب5 واوا فتختلف الحروف6، فتقول: قووي7، فتصير من عمل إلى عمل ومن صنعة إلة صنعة. وهو مكفي ذلك وغير محوج إليه. وإنما كان يجب عليه أيضًا تغيير الأولين لأنهما ليستا عينين فتصحا؛ كبنائك فعلًا من قلت: قول وإنما هما عين وواو زائدة.
__________
1 كذا في ط. وفي ش، ز: "الأولين".
2 في ش: "فقيل". وقوله: "فقال" أي سيبويه. وانظر الكتاب 2/ 396.
3 في ط: "ما نريد"، وكأنه مصحف عما أثبت.
4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
5 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز، "فينقلب".
6 في ش: "الحركات" وهو خطأ في النسخ.
7 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "قوي".(3/16)
ولو قيل لك: ابن مثل خروع من قلت لما قلت إلا قيل لأن واو فعول لا يجب أن يكون أبدا من لفظ العين ألا ترى إلى خروع وبروع اسم ناقة فقد روى بكسر الفاء وإلى جدول1 فقد رويناه عن قطربٍ بكسر الجيم. وكل ذلك لفظ عينه مخالف لواوه وليست كذلك العينان لأنهما لا يكونان أبدا إلا من لفظ واحد فإحداهما2 تقوى صاحبتها وتنهض منتها. فإن قلت: فإذا كنت تفصل بين العينين وبين العين الزائد بعدها فكيف تبنى مثل عليب3 من البيع فجوابه على قول النحويين سوى الخليل بيع. ادغمت عين فعيل فى يائه فجرى اللفظ مجرى فعل من الياء نحو قوله4:
وإذا هم نزلوا فمأوى العيل
وقوله5:
كأن ريح المسك والقرنفل ... نباته بين التلاع السيل
فإن قلت6: فهلا فصلت فى فعيل بين العين والياء وبين العينين "كما فصلت فى فعول وفعل7 بين العين والواو وبين العينين"8؟
__________
1 كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "جرول" والذي في اللسان "جدل" هو ما أثبت.
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ط: "وإحداهما".
3 هو واد على طريق اليمن.
4 أي أبي كبير الهذلي من قصيدته في تأبط شرا. وصدره:
يحمي الصحاب إذا تكون عظيمة
والعيل جمع العائل، وهو الفقير. وانظر الحماسة بشرح التبريزي "التجارية 1/ 89، وابن يعيش 10/ 31".
5 أي أبي النجم. وهذا آخر أرجوزته الطويلة التي أولها:
الحمد لله الوهوب المجزل
وهذا في وصف واد ترعى فيه الإبل. وانظر الطرائف الأدبية.
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "قيل".
7 كذا في ط. وفي ش: "فعيل" وكتب فوقه: "صح".
8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.(3/17)
قيل: الفرق أنك لما أبدلت عين قول وأنت تريد1 به مثال فعول صرت إلى قيول فقلبت أيضا الواو ياء فصرت إلى قيل. وأما فعيل من البيع فلو أبدت عينه واوا للضمة قبلها لصرت إلى بويع. فإذا2 صرت إلى هنا لزمك أن تعيد الواو ياء لوقوع الياء بعدها فتقول بيع ولم تجد طريقًا إلى قلب الياء واوًا لوقوع الواو قبلها كما وجدت السبيل إلى قلب الواو فى قيول ياء لوقوع الياء قبلها؛ لأن الشرط فى اجتماع الياء والواو أن تقلب والواو للياء لا أن تقلب الياء للواو. وذلك3 كسيد وميت وطويت طيا وشويت شيا. فلهذا قلنا فى فعيل من البيع: بيع فجرى فى اللفظ مجرى فعل منه وقلنا فى فعول من القول: قيل فلم يجر مجرى فعل منه.
وأما قياس قول الخيل فى فعيل من البيع فأن تقول: بويع؛ ألا تراه يجرى الأصل فى نحو هذا مجرى الزائد فيقول4 في فعل5 من أفعلت من اليوم على من قال: أطولت: أووم فتجرى ياء أيم الأولى وإن كانت فاء مجرى ياء فيعل6 من القول إذا قلت: قيل. فكما7 تقول الجماعة في فعل من قيل هذا قوول وتجري ياء فيعل مجرى ألف فاعل كذلك قال الخليل في فعل مما ذكرنا: أووم. فقياسه هنا أيضًا أن
__________
1 سقط في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.
2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وإذا".
3 سقط في ش.
4 انظر الكتاب 2/ 376.
5 كذا في ز، ش. يريد صيغة المبني للمجهول، وإن لم تكن في التصريف على وزن فعل. وفي ط: "أفعل".
6 كذا في ط. وفي ش، ز: "فعيل".
7 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "كما".(3/18)
يقول1 في فيعل من البيع: بويع. بل إذا لم يدغم الخليل الفاء في العين -وهي أختها "وتليتها"2 وهي مع ذلك من لفظها- في أووم حتى أجراها مجرى قوله3:
وفاحم دووي حتى اعلنكسا
فألا يدغم4 عين بويع في يائه -ولم يجتمعا في كونهما أختين ولا هما أيضًا في اللفظ الواحد شريكتان-5 أجدر بالوجوب.
ولو بنيت مثل عوارة6 من القول لقلت على مذهب الجماعة: قوالة بالادغام وعلى قول الخليل أيضًا كذلك لأن العين لم تنقلب فتشبه عنده ألف فاعل. لكن يجيىء على قياس قوله أن يقول في فعول من القول: قيول لأن العين لما انقلبت أشبهت الزائد. يقول: فكما لا تدغم بويع فكذلك لا تدغم قيول. اللهم إلا أن تفضل فتقول: راعيت في بويع ما لا يدغم وهو ألف فاعل فلم أدغم وقيول بضد ذلك لأن ياءه بدل من عين القول وادغامها في قول وقول والتقول ونحو ذلك جائز حسن، فأنا أيضا أدغمها فأقول: قيل. وهذا وجه حسن.
فهذا فصل اتصل بما كنا عليه. فاعرفه متصلا به بإذن الله.
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "نقول".
2 سقط ما بين القوسين في ط. والتليه التابعة. وهي مؤنث التلي: فعيل من تالاه أي تابعه، كالأكيل والجليس. ولم أقف على هذا الوصف.
3 أي العجاج، والذي في ديوانه 31:
أزمان غراء تروق العنسا ... بفاحم دووى حتى اعلنكسا
وغراء اسم امرأة والعنس جمع العانس، وهو الذي بقي زمانا لا يتزوج بعد أن أدرك من الزواج، ويريد بالفاحم شعرها الأسود، وقوله: دووى أي عولج بالدهان، واعلنكس: اشتد سواده وكثر. وانظر ص96 من الجزء الأول من هذا الكتاب.
4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "تدغم".
5 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "شريكان".
6 كذا في ط. وفي ش، ز: "عتوارة".(3/19)
باب: في العدول عن الثقيل إلى ما هو أثقل منه لضرب من الاستخفاف
اعلم أن هذا موضع يدفع ظاهره إلى أن يعرف1 غوره وحقيقته. وذلك أنه أمر يعرض للأمثال إذا ثقلت لتكريرها فيترك الحرف إلى ما هو أثقل منه ليختلف2 اللفظان فيخفا على اللسان.
وذلك نحو الحيوان ألا ترى أنه عند الجماعة3 -إلا أبا عثمان- من مضاعف الياء وأن أصله حييان فلما ثقل عدلوا عن الياء إلى الواو. وهذا مع إحاطة العلم بأن الواو أثقل من الياء لكنه لما اختلف الحرفان ساغ ذلك. وإذا كان اتفاق الحروف الصحاح القوية الناهضة يكره عندهم حتى يبدلوا أحدها4، ياء نحو دينار وقيراط وديماس5 وديباج "فيمن قال: دماميس ودبابيج6" كان اجتماع حرفي العلة مثلين أثقل عليهم.
نعم، وإذا كانوا قد أبدلوا الياء واوا كراهية لالتقاء المثلين في الحيوان فإبدالهم "الواو ياء7" لذلك أولى بالجواز وأحرى. وذلك قولهم: ديوان "واجليواذ8". وليس لقائل أن يقول: فلما9 صار دوان إلى ديوان فاجتمعت الواو والياء وسكنت الأولى هلا أبدلت الواو ياء لذلك10، لأن11 هذا ينقض الغرض ألا تراهم إنما
__________
1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "نعزف".
2 في ز: "ليتخلف".
3 انظر الكتاب 2/ 294.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "أحدهما".
5 هو الحمام.
6 سقط ما بين القوسين في ط. وفي ش، ز: "دياميس وديابج" والصواب ما أثبت.
7 كذا في ش، ط. وفي د، ز: "الياء واوا".
8 ثبت ما بين القوسين في ط. وسقط في ز، ش.
9 كذا في ز. وفي ش: "فلم" وفي ط: "فإنما".
10 في ش: "كذلك".
11 هذا متعلق بقوله: "وليس لقائل أن يقول ... ".(3/20)
كرهوا التضعيف في دوان فأبدلوا ليختلف الحرفان فلو أبدلوا الواو فيما بعد للزم أن يقولوا: ديان فيعودوا1 إلى نحو مما2 هربوا منه من التضعيف وهم قد أبدلوا الحييان إلى الحيوان ليختلف الحرفان فإذا أصارتهم الصنعة إلى اختلافهما في ديوان لم يبق هناك مطلب. وأما حيوة فاجتمع إلى استكراههم التضعيف فيه وأن يقولوا: حية أنه3 علم والأعلام يحتمل4 لها كثير من كلف الأحكام.
ومن ذلك قولهم في الإضافة إلى آية وراية: آئى ورائى. وأصلهما: أيى ورايى إلا أن بعضهم كره ذلك فأبدل الياء همزة لتختلف الحروف ولا تجتمع ثلاث ياءات. هذا5 مع إحاطتنا علما بأن الهمزة أثقل من الياء. وعلى ذلك أيضًا قال بعضهم فيهما: راوي وآوي فأبدلها6 واوا ومعلوم أيضًا أن الواو أثقل من الياء.
وعلى نحو من هذا أجازوا في فعاليل من رميت: رماوي ورمائي فأبدلوا الياء من رمايى تارة واوا وأخرى همزة -وكلتاهما أثقل من الياء- لتختلف الحروف.
وإذا كانوا قد هربوا من التضعيف إلى الحذف نحو ظلت ومست وأحست وظنت، ذاك أي ظننت، كان الإبدال أحسن وأسوغ؛ لأنه أقل فحشا من الحذف، وأقرب.
ومن الحذف لاجتماع الأمثال قولهم في تحقير أحوي: أحي فحذفوا من الياءات الثلاث واحدة وقد حذفوا7 أيضًا من الثنتين في نحو هين ولين وسيد وميت وهذا واضح فاعرف وقس.
"ومن ذلك قولهم عمبر أبدلوا النون ميما في اللفظ وإن كانت الميم أثقل من النون فخففت الكلمة ولو قيل عنبر بتصحيح النون لكان أثقل"8.
__________
1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "ويعودوا".
2 كذا في ش. وفي ز، ط: "ما".
3 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "لأنه". وفي الكتاب 2/ 389: "وقالوا: حيوة كأنه في حيوت وإن لم يقل" ومقتضى هذا أن الواو غير مبدلة.
4 سقط في د، هـ، ز: وثبت في ش، ط.
5 سقط في د، هـ، ز، ط. وانظر في المسألة الكتاب 2/ 396.
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وأبدلوا".
7 في ش: "حذفوها".
8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وفي زبد له: "والسلام" وثبت في ش.(3/21)
باب: في إقلال الحفل بما يلطف من الحكم
وهذا أمر في باب ما لا ينصرف كثيرا ألا ترى أنه إذا كان في الاسم سبب واحد من المعاني الفرعية فإنه يقل عن الاعتداد به فلا يمنع الصرف له فإذا انضم إليه سبب آخر اعتونا فمنعا.
ونحو من ذلك جمعهم في الاستقباح بين العطف على الضمير المرفوع المتصل الذي لا لفظ له وبينه إذا كان له لفظ. فقولك: قمت وزيد في الاستقباح كقولك: قام وزيد وإن لم يكن في قام لفظ بالضمير. وكذلك أيضًا سووا في الاستقباح بين قمت وزيد وبين قولنا قمتما وزيد وقمتم ومحمد من حيث كانت تلك الزيادة التي لحقت التاء لا تخرج الضمير من أن يكون مرفوعًا متصلا يغير له الفعل. ومع هذا فلست أدفع أن يكونوا قد أحسوا فرقا بين قمت وزيد وقام وزيد إلا أنه محسوس عندهم غير مؤثر في الحكم ولا محدث أثرا في اللفظ كما قد نجد أشياء كثيرة معلومة ومحسوسة إلا أنها غير معتدة كحنين الطس1 وطنين البعوض وعفطة2 العنز وبصبصة3 الكلب.
__________
1 في ط: الطست.
2 أي ضرطتها.
3 هو تحريك ذنبه.(3/22)
ومن ذلك قولهم: مررت بحمار قاسم ونزلت سفار1 قبل فكسرة الراء في الموضعين عندهم إلى أثر2 واحد وإن كانت في "حمار" عارضة، وفي "سفار" لازمة.
ومن ذلك قولهم3: الذي ضربت زيد واللذان ضربت الزيدان؛ فحذف الضمير العائد عندهم على سمت واحد وإن كنت في الواحد إنما حذفت حرفا واحدا وهو الهاء في ضربته وأما4 الواو بعدها فغير لازمة في كل لغة والوقف أيضًا يحذفها وفي التثنية قد حذفت ثلاثة أحرف ثابتة في الوصل والوقف وعند كل قوم وعلى كل لغة.
ومن ذلك جمعهم في الردف بين عمود ويعود من غير تحاشٍ ولا استكراه وإن كانت واو عمود أقوى5 في المد من واو6 يعود من حيث كانت هذه متحركة7 في كثير من المواضع نحو هو8 أعود منك9، وعاودته وتعاودنا قال10:
وإن شئتم تعاودنا عوادا
__________
1 هو اسم بئر.
2 يريد بالأثر تسويغ الإمالة مع حرف الاستعلاء بعد وهو القاف، ولولا الكسر ما ساغ ذلك، وانظر الكتاب 2/ 296 وقد سقط في ط قوله:"إلى أثر".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قولك".
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "فأما".
5 سقط في د، هـ، ز.
6 في ش: "باب".
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "محركة".
8 كذا في ش. وسقط في ط. وفي د، هـ، ز: "هذا".
9 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "من هذا".
10 أي شقيق بن جزء. وانظر ص41 من الجزء الثاني.(3/23)
وأصلها أيضًا في يعود يعود. فهو1 وإن كان كذلك فإن ذلك القدر بينهما مطرح2 وملغى3 غير محتسب. نعم وقد سانوا4 وسامحوا فيما هو على "من ذا"5 وأنأي أمدا. وذلك أنهم جمعوا بين الياء والواو ردفين نحو سعيد وعمود. هذا مع أن الخلاف خارج إلى6 اللفظ فكيف بما7 تتصوره8 وهما ولا تمذل9 به لفظا.
ومن ذلك جمعهم بين باب وكتاب ردفين وإن كانت ألف كتاب مدا صريحا وهي في باب أصل غير زائدة ومنقلبة عن العين المتحركة في كثير من الأماكن10؛ نحو بويب وأبواب ومبوب وأشباهه.
ومن ذلك جمعهم بين الساكن والمسكن في الشعر المقيد على اعتدال عندهم وعلى11 غير حفل محسوس منهم نحو قوله:
لئن قضيت الشأن من أمري ولم ... أقض لباناتي وحاجات النهم
لأفرجن صدرك شقا بقدم12
__________
1 كذا في د، هـ ز، ط. وسقط في ش.
2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مطروح".
3 سقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
4 أي قارنوا وصانعوا. يقال: ساناه: راضاه: راضاه وأحسن عشرته.
5 كذا في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
6 كذا في ز، ط. وفي ش: "عن".
7 كذا في ز. وفي ط: "مما"، وفي ش: "ما".
8 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "يتصوره" وفي ط: "يتصور".
9 في ط: "يمذل"، يقال: مذل بسره: إذا باح به.
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المواضع".
11 سقط حرف "على" في ز، ش، وثبت في ط.
12 النهم إفراط الشهوة. وضبط في ش "صدرك" بكسر الكاف، وضبط في ط بفتحها.(3/24)
فسوى في الروي بين سكون ميم "لم" وسكون الميمات فيما معها.
ومن ذلك وصلهم الروى بالياء الزائدة للمد والياء الأصلية نحو الرامي والسامي مع الأنعامي والسلامي1.
ومن ذلك أيضًا قولهم: إني وزيدا قائمان وأني وزيدا قائمان لا يدعي أحد أن العرب تفصل بين العطف على الياء وهي ساكنة وبين العطف عليها وهي مفتوحة. فاعرف هذا مذهبا لهم وسائغا2 في استعمالهم حتى إن3 رام رائم أو هجر4 حالم بأن القوم يفصلون في هذه الأماكن وما كان سبيله في الحكم سبيلها بين بعضها وبعضها فإنه مدع لما لا يعبئون به وعازٍ إليهم ما لا يلم5 بفكر أحد منهم بإذن الله.
فإن انضم شيء إلى ما هذه حاله كان مراعى معتدًا ألا تراهم يجيزون جمع دونه مع دينه ردفين. فإن6 انضم إلى هذا الخلاف آخر لم يجز نحو امتناعهم إن يجمعوا بين دونه ودينه لأنه انضم إلى خلاف الحرفين تباعد الحركتين وجاز دونه مع دينه وإن كانت الحركتان مختلفتين لأنهما وإن اختلفا لفظا فإنهما قد اتفقتا حكما ألا ترى أن الضمة قبل الواو رسيلة الكسرة قبل الياء والفتحة ليست من هذا في شيء لأنها ليست قبل الياء ولا الواو وفقا لهما كما تكون وفقا للألف. وكذلك أيضًا نحو عيده مع عوده، وإن كانوا لا يجيزونه مع عوده. فاعرف ذلك فرقا.
__________
1 هكذا رسم في د، هـ، ز، ط. وفي ش "الأنعام ي، والسلام ي".
2 كذا في ش، ز وفي ط: "شائعا".
3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "إذ".
4 يقال: هجر في نومه أو مرضه: هذي.
5 في ط: "يهم".
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز "فإذا".(3/25)
باب: في إضافة الاسم إلى المسمى، والمسمى إلى الاسم
هذا موضع كان يعتاده أبو علي -رحمة الله- كثيرًا1 ويألفه ويأنق له ويرتاح لاستعماله. وفيه دليل نحوي2 غير مدفوع يدل على فساد قول من ذهب إلى أن الاسم هو المسمى. ولو كان إياه لم تجز إضافة واحد منهما إلى صاحبه لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه.
"فإن قيل: ولم لم يضف الشيء إلى نفسه"3.
قيل: لأن الغرض في الإضافة إنما هو التعريف والتخصيص والشيء إنما يعرفه غيره لأنه لو كانت نفسه تعرفه لما احتاج أبدا أن يعرف بغيره لأنه نفسه في حالي تعريفه وتنكيره واحدة وموجودة غير مفتقدة4. ولو كانت نفسه هي المعرفة له أيضًا لما احتاج إلى إضافته إليها لأنه ليس فيها إلا ما فيه فكان يلزم الاكتفاء به5، عن إضافته إليها. فلهذا لم يأت عنهم نحو هذا غلامه ومررت بصاحبه والمظهر هو المضمر المضاف إليه. هذا مع فساده في المعنى لأن الإنسان لا يكون أخا نفسه ولا صاحبها.
فإن قلت: فقد تقول: مررت بزيد نفسه وهذا نفس الحق يعني أنه6 هو الحق لا غيره.
قيل: ليس الثاني هو ما أضيف إليه من المظهر وإنما النفس هنا بمعنى خالص الشيء وحقيقته. والعرب تحل نفس الشيء من الشيء محل البعض من
__________
1 سقط في ش، ط. وثبت في د، هـ، ز.
2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش "فحرى".
3 سقط ما بين القوسين في ش. وثبت في د، هـ، ز، ط.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط "مفقودة".
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "بها".
6 سقط في ط.(3/26)
الكل وما1 الثاني منه ليس بالأول ولهذا حكوا عن أنفسهم مراجعتهم إياها وخطابها لهم وأكثروا من ذكر التردد بينها وبينهم ألا ترى إلى قوله2:
ولي نفس أقول لها إذا ما ... تنازعني لعلي أو عساني
وقوله:
أقول للنفس تأساء وتعزية ... إحدى يدي أصابتني ولم ترد3
وقوله:
قالت له النفس تقدم راشدا ... إنك لا ترجع إلا حامدا4
وقوله:
قالت له النفس إني لا أرى طمعا ... وإن مولاك لم يسلم ولم يصد5
وأمثال هذا كثيرة جدا6 "وجميع هذا"7 يدل على أن نفس الشيء عندهم غير الشيء. فإن قلت: فقد تقول: هذا أخو غلامه وهذه "جارية بنتها"8 فتعرف الأول بما أضيف إلى ضميره والذي أضيف إلى ضمير9 "فإنما يعرف"10 بذلك الضمير ونفس المضاف الأول متعرف بالمضاف إلى ضميره فقد ترى على هذا أن التعريف
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "أما".
2 أي عمران بن حطان. وانظر الكتاب 1/ 388، والخزانة 2/ 435، والعيني على هامش الخزانة 1/ 227؟
3 انظر ص478 من الجزء الثاني من هذا الكتاب.
4 انظر ص23 من الجزء الأول.
5 انظر ص478 من الجزء الثاني.
6 سقط في د، هـ، ز، ط.
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "جميعه".
8 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "جارة بيتها".
9 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "ضميره".
10 كذا في د، هـ، ز. وفي ط: "فإنما تعرف".(3/27)
الذي استقر1 في جارية2 من قولك هذه "جارية3 بنتها" إنما أتاها من قبل ضميرها وضميرها هو هي فقد آل الأمر إذًا إلى أن الشيء قد يعرف نفسه وهذا خلاف ما ركبته وأعطيت يدك به.
قيل: كيف تصرفت الحال فالجارية4 إنما تعرفت بالبنت5 "التي6 هي" غيرها وهذا شرط التعريف من جهة الإضافة. فأما ذلك المضاف إليه أمضاف هو أم غير مضاف فغير قادح فيما مضى. والتعريف الذي أفاده ضمير الأول لم يعرف الأول وإنما عرف ما عرف الأول. والذي عرف الأول غير الأول فقد استمرت الصفة وسقطت المعارضة.
ويؤكد ذلك أيضًا أن الإضافة في الكلام على ضربين: أحدهما ضم الاسم إلى اسم هو غيره بمعنى اللام نحو غلام زيد وصاحب بكر. والآخر ضم اسم إلى اسم هو بعضه بمعنى من نحو هذا ثوب خز وهذه جبة صوف وكلاهما ليس الثاني فيه بالأول ألا ترى أن الغلام ليس بزيد، وأن الثوب ليس بجميع الخز، واستمرار7 هذا عندهم وفشوه في استعمالهم وعلى أيديهم يدل على أن المضاف ليس بالمضاف إليه البتة. وفي هذا كافٍ.
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "اشتهر".
2 كذا في ش. وفي ط: "جارة من قولك هذه" وسقط في د، هـ، ز.
3 في ط: "جارة بيتها". وفي د، هـ، ز "جارية بيتها". وما هنا في ش.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ط: "فالجارة".
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "بالبيت".
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "الذي هو"، وفي ط: "الذي هي".
7 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فاستمرار".(3/28)
فمما جاء عنهم من إضافة المسمى إلى الاسم قول الأعشى:
فكذبوها بما قالت فصبحهم ... ذوآل حسان يزجي الموت والشرعا1
فقوله: ذوآل حسان معناه: الجمع المسمى بهذا الاسم الذي هو آل حسان2 ومثله قول كثير:
بثينة من آل النساء وإنما ... يكن للأدنى لا وصال لغائب3
أي بثينة من هذا القبيل المسمى بالنساء هذا الاسم. وقال الكميت:
إليكم ذوي آل النبي تطلعت ... نوازع من قلبي ظماء وألبب4
أي إليكم يا أصحاب هذا الاسم الذي هو قولنا: آل النبي. وحدثنا أبو علي أن أحمد5 بن إبراهيم أستاذ ثعلب روى عنهم: هذا ذو زيد ومعناه: هذا زيد أي هذا صاحب هذا الاسم الذي هو زيد "وأنشد"6:
وحي بكر طعنا طعنة فجرى7
__________
1 هذا من شعر يتحدث فيه عن زرقاء اليمامة إذ أبصرت من مسيرة ثلاثة أيام جيش حسان بن تبع ملك اليمن زاحفا على اليمامة. فأنذرت قومها فلم يصدقوها، وفجئهم الجيش فاستباحهم. ويزجى: يسوق. والشرق جمع الشرعة، وهي الوتر الرقيق. وانظر الصبح المنير 83.
2 كذا في ش. وفي ز، ط: "منه".
3 ورد هذا البيت في الصاحبي 217 غير منسوب. وفيه: "لأدنى".
4 هذا من إحدى هاشمياته والنوازع من النزاع إلى الشيء وهو الحنين والميل إليه، والألبب جمع اللب، وهو العقل. وانظر الخزانة 2/ 205.
5 هو أبو عبد الله النديم كان خصيصا بالمتوكل ونديما له. قرأ عليه ثعلب قبل ابن الأعرابي وله ترجمة في البغية 126، ومعجم الأدباء "الحلبي" 2/ 204.
6 سقط ما بين القوسين في ش.
7 "فجرى" كتب في ش فوقه "بحرا" وهذا رواية أخرى، اقتصر عليها في الخزانة 2/ 210.(3/29)
أي وبكرا طعنا وتلخيصه: والشخص الحي1 المسمى بكرا طعنا "فحي ههنا مذكر حية أي وشخص بكر الحي طعنا"2 وليس الحي هنا هو الذي "يراد به"3 القبيلة كقولك: حي4 تميم وقبيلة بكر إنما هو كقولك: هذا رجل حي وامرأة حية. فهذا من باب إضافة المسمى إلى اسمه وهو ما نحن عليه.
ومثله قول الآخر5:
ياقر إن أباك حي خويلد ... قد كنت خائفه على الإحماق
أي أن أبك خويلدا من أمره كذا فكأنه قال: إن أباك الشخص الحي خويلدا من حاله كذا. وكذلك قول الآخر6:
ألا قبح الإله بني زيادٍ ... وحي أبيهم قبح الحمار
أي7: وأباهم الشخص الحي. وقال عبد الله بن سبرة الحرشي:
وإن يبغ ذا ودي أخي أسع مخلصا ... ويأبى فلا يعيا على حويلي8
__________
1 سقط لفظ "الحي" في ش.
2 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يراسل".
4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وحي".
5 هو جبار بن سلمى بن مالك، وفر مرخم فرة. والإحماق ولادة الأحمق، يهجو قرة بن خويلد. ويذكر أنه كان يخشى أباه أن يلد أحمق، وقد تحقق ما خشيه بولادة فرة. وفي د، هـ، ز: "الإخلاق" في مكان "الإحماق". وانظر الخزانة 2/ 616، والنوادر 161.
6 هو يزيد بن ربيعة بين مفزع الحميري، وزياد هو ابن سمية المشهور بزياد بن أبيه. وانظر الخزانة 2/ 210.
7 سقط حرف العطف في ش.
8 الحويل جودة النظر والقدرة على التصرف، وهي الحيلة.(3/30)
أي إن يبغ ودي. وتلخيصه: إن يبغ أخي المعنى المسمى بهذا الاسم الذي هو ودي. وعليه قول الشماخ:
وأدمج دمج ذي شطن بديع1
أي دمج شطن بديع أي أدمج2 دمج الشخص3 الذي يسمى شطنا صاحب هذا الاسم.
وقد دعا خفاء هذا الموضع أقواما4 إلى أن ذهبوا إلى زيارة ذي وذات5 في "هذه المواضع"6 أي وأدمج دمج شطن وإليكم آل النبي وصبحهم آل حسان. وإنما ذلك بعد عن إدراك7 هذا الموضع. وكذلك "قال أبو عبيدة"8 في قول لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر9
"كأنه قال"10: ثم11 السلام عليكما. وكذلك قال في قولنا بسم الله: إنما هو بالله واعتقد زيادة "اسم". وعلى هذا عندهم قول غيلان12:
لا ينعش الطرف إلا ما تخونه ... داعٍ يناديه باسم الماء مبغوم
__________
1 صدره:
أطار عقيقه عنه نسالا
وهو في وصف حمار الوحش. فقوله "أطار" أي الحمار. والعقبق: شعر المولود. وأدمج: اشتد وصلب لسمنه، ونسال الطير: ما سقط من ريشه. والشطن: الحبل. والبديع: الذي ابتدئ قتله ولم يكن حبلا فنكث ثم غزل وأعيد قتله.
2 سقط في ش.
3 في الخزانة 2/ 205. نقلا عن إعراب الحماسة للمؤلف: "الشيء".
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "قوما".
5 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "ذا".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هذا الموضع".
7 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط "استدراك".
8 في ط: "قول أبي عبيدة"، وانظر مجاز القرآن 1/ 16.
9 هذا من أبيات يقولها لابنتيه حين حضرته الوفاة يوصيهما أن تذكراه وترثياه من غير خمس الوجه ولا حلق الشعر، وتظلا كذلك إلى الحول. وانظر الخزانة 2/ 217.
10 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "قال كأنه".
11 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.
12 هو ذو الرمة. والبيت في وصف ولد ظبية يظل في نومه حتى تدعوه أمه بصوتها: ماء. وتخونه: تعهده. وداع أي صوت، ومبغوم: غير بين، وانظر الخزانة 2/ 220، وقوله: "يناديه" في ج: "تناديه". وفيها "منعوم" بدل "مبغوم".(3/31)
"أي الماء"1؛ كما "أنشدنا أيضا"2:
يدعونني بالماء ماء أسودا
والماء: صوت الشاء أي يدعونني -يعني الغنم- بالماء، أي يقلن لي3: أصبت ماء أسود. فأبو عبيدة يدعى زيادة ذي واسم ونحن نحمل الكلام على أن هناك محذوفًا. قال أبو علي: وإنما هو على حد4 حذف المضاف أي: ثم اسم معنى السلام عليكما واسم معنى السلام هو السلام فكأنه قال: ثم السلام عليكما. فالمعنى -لعمري- ما قاله أبو عبيدة ولكنه5 من غير الطريق6 التي أتاه هو منها ألا تراه هو اعتقد زيادة شيء واعتقدنا نحن نقصان شيء.
ونحو من هذا اعتقادهم زيادة مثل في نحو قولنا: مثلي لا يأتي القبيح ومثلك لا يخفى عليه الجميل أي أنا كذا وأنت كذلك. وعليه قوله:
مثلي لا يحسن قولا فعفع7
أي أنا لا أحسن ذاك. وكذلك هو لعمري إلا أنه على غير التأول الذي رأوه8: من زيادة مثل وإنما تأويله: أي9 أنا من جماعة لا يرون القبيح وإنما جعله10
__________
1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
2 في ط: "قال".
3 كذا في ز، ط. وفي ش: "إني"، وقوله: "أصبت" في ط: "أصيب".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "عد". وسقط هذا في ط.
5 سقط حرف العطف في ش.
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "الذي".
7 قبله:
لا تأمريني بينات أسفع
وبعده:
والشاة لا تمشي على الهملع
وفعفع: زجر الغنم ودعاؤها. ورسم في التاج: فع فع. وبنات أسفع: الغنم، أضيفت إلى أسفع، وهو فحل لها. والشاة هنا في معنى الجمع، وتمشي: تنمو وتكثر. والهملع: الذئب. كأنه يخاطب زوجه وقد أمرته باقتناء الغنم ورعيتها، فقال: لا أحسن ذلك. وانظر الجمهرة 1/ 111، اللسان.
8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "رواه".
9 كذا في ش، ط. وسقط في د، هـ، ز.
10 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "معناه".(3/32)
من جماعة هذه حالها ليكون أثبت للامر إذ كان له فيه أشباه وأضراب ولو انفرد هو به لكان غير مأمون انتقاله منه وتراجعه عنه. فإذا1 كان له فيه نظراء كان حري2 أن يثبت عليه وترسو قدمه فيه. وعليه قول الآخر3:
ومثلي لا تنبو عليك مضاربه
فقوله إذًا: باسم الماء واسم السلام إنما4 هو من باب إضافة الاسم إلى المسمى بعكس الفصل الأول. ونقول على هذا: ما هجاء سيف فيقول "في الجواب"5: س ي ف. فسيف هنا اسم لا مسمى أي ما هجاء هذه الأصوات المقطعة؟ ونقول: ضربت بالسيف فألسيف هنا جوهر الحديد هذا6 الذي يضرب به فقد يكون الشيء7 الواحد على وجه اسما وعلى آخر مسمى. وإنما يخلّص هذا من هذا موقعه والغرض المراد به.
ومن إضافة المسمى إلى اسمه قول الآخر:
إذا ما كنت مثل ذوي عدي ... ودينار فقام علي ناع8
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "وإذا".
2 في ط: "أحرى".
3 هو البختري بن المغيرة أخي المهلب، وقبله معه بخاطب المهلب:
فيا عم مهلا واتخذني لنوبة
تلتم فإن الدهر جم نوائبه
أنا السيف إلا أن السيف تبوة
ومثلي لا تنبو عليك مضاربه
وانظر الأمالي 2/ 312 وما بعدها.
4 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وإنما".
5 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
6 سقط في ش.
7 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "للشيء".
8 "ناع" في ش: "فاع ي". و"عدي" في اللسان "ذا في باب الألف اللينة" بدله: "عويف".(3/33)
أي مثل كل واحد من الرجلين المسميين عديًا ودينارًا. وعليه قولنا: كان عندنا ذات مرة وذات صباح، أي صباحًا أي الدفعة المسماة مرة، والوقت المسمى صباحًا؛ قال1:
عزمت على إقامة ذي صباح ... لأمر ما يسود من يسود
"ما مجرورة الموضع؛ لأنها وصف لأمر، أي لأمر معتد أو مؤثر يسود من يسود"2.
واعلم أن هذا الفصل من العربية غريب وقل من يعتاده أو يتطرفه. وقد ذكرته لتراه. فتنبه على ما هو في معناه إن شاء الله.
__________
1 أي أنس بن مدركة الخثعمي وكان قصد قوما من العرب بالغزو هو ورئيس من قومه، وكل منهما له أصحابه في الغزو، فرجع صاحبه، وبقي هو وصاحبته، فبات قريبا من القوم وصبحهم فغنم وغنم أصحابه، وانظر الخزانة في الشاهد 170، والكتاب 1/ 116.
2 سقط ما بين القوسين في ش.(3/34)
باب: في اختصاص الأعلام بما 1 لا يكون مثله 2 في الأجناس
وقد ذكرنا هذا3 الشرح من العربية في جملة كتابنا في تفسير أبيات الحماسة عند4 ذكرنا أسماء شعرائها. وقسمنا هناك الموقع عليه الاسم العلم5 وأنه شيئان: عين، ومعنى. فالعين: الجوهر؛ كزيد وعمرو. والمعنى: هو العرض؛ كقوله:
سبحان من علقمة الفاخر6
وقوله:
وإن قال غاوٍ من تنوخ قصيدة ... بها جرب عدت علي بزو برا7
__________
1 سقط في ش.
2 في ط: "من".
3 كذا في الأصول، والأقرب: "الشرج" أي النوع والضرب.
4 في ش: "وعند".
5 كذ في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "اسم".
6 انظر ص199 من الجزء الثاني.
7 انظر ص200 من الجزء الثاني.(3/34)
وكذلك الأمثلة الموزون بها؛ نحو أفعل، ومفعل، وفعلة، وفعلان، وكذلك أسماء الأعداد نحو قولنا: أربعة نصف ثمانية، و"ستة ضعف ثلاثة"1 وخمسة نصف عشرة. وغرضنا هنا أن نرى2 مجيء ما جاء منه3 شاذا عن القياس لمكان كونه علما معلقا4 على أحد الموضعين اللذين ذكرنا.
فمنه ما جاء مصححا مع وجود سبب العلة فيه، وذلك نحو محببٍ، وثهلل5، ومريم، ومكوزة، ومدين. ومنه6 معدي كرب؛ ألا تراه بني مفعلا مما لامه حرف علة، وذلك غير معروف في هذا7 الموضع. وإنما يأتي "في ذلك8 مفعل" بفتح العين؛ نحو المدعي والمقضي والمشتي. وعلى أنه قد شذ في الأجناس شيء من ذلك وهو قول بعضهم: مأوى الإبل بكسر العين. فأما مأقٍ9 فليس من هذا.
ومن ذلك قولهم في العلم: موظب، ومورق وموهب. وذلك أنه بنى مما فاؤه واو مثال10 مفعل. وهذا إنما يجيء أبدا11 على مفعل -بكسر العين- نحو الموضع، والموقع، والمورد12، والموعد13، والموجدة.
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ثلاثة نصف سنة".
2 سقط في ش.
3 سقط في ش، ط.
4 في ش: "معلق".
5 كذا في ش. وفي ط، ز، "تهلل".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مثله".
7 في ش، ز، ط: "غير هذا".
8 في ش: "ذلك مفعلا".
9 وذلك لأن الميم في المأقي أصلية، فهو على وزان الفعل لا المفعل. وانظر اللسان "مأق".
10 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "مثل".
11 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
12 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "الموردة".
13 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الموعدة".(3/35)
وأما موءلة علما فإن كان من وأل أي نجا فهو1 من هذا؛ وإن كان من قولهم: جاءني وما "مألت مأله"2 وما شأنت3
شأنه، فإنه فوعل، و"هذا على هذا"4 سرحٌ5: سهل.
ومن ذلك قولهم في العلم: حيوة. وهذه صورة لولا العلمية لم يجز مثلها؛ لاجتماع الياء والواو، وسبق الأولى منهما بالسكون. وعلة مجيء هذه الأعلام مخالفة للأجناس هو ما "هي عليه"6 من كثرة استعمالها، وهم لما كثر استعماله أشد تغييرا. فكما جاءت هذه الأسماء في الحكاية مخالفة لغيرها؛ نحو قولك في جواب مررت بزيد: من زيدٍ، ولقيت عمرا: من
عمرا، كذلك تخطوا إلى تغييرها في ذواتها بما قدمناه ذكره. وهذا من تدريج اللغة الذي قدمنا شرحه
"فيما مضى "7.
__________
1 ومن هذا الرأي سيبويه في الكتاب 2/ 249.
2 يقال: هذا الأمر ما مألت مأله، أي لم أستعد له ولم أشعر به ولم أتهيأ له، وإثبات هذه الصبغة على ما في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ما مألت به مأله".
3 يقال: أتاني هذا الأمر وما شأنت شأنه، أي ما علمت به، وفي د، هـ، ز، ط: "ما شأنت به شأنه" وما هنا في ش.
4 كذا في ش، وفي ط: "على هذا". وفي د، هـ، ز، "هذا".
5 وردت في ش. بإهمال السين، ويقرأ بضم الأول والثاني، أي سهل يسير. وفي د، هـ، ز، ط: "شرح". وقد يكون مصحفا عن "شرج" أي ضرب.
6 في ش: "بني عليه".
7 كذا في د، هـ، ز وسقط في ش، ط، وانظره في تدريج اللغة ص348 من الجزء الأول.(3/36)
باب: في تسمية الفعل
أعلم أن العرب قد سمت الفعل بأسماء، لما سنذكره. وذلك على ضربين:
أحدهما في الامر والنهي، والأخرين في الخبر.
الأول منهما نحو قولهم: صه فهذا اسم اسكت؛ ومه، فهذا: اكفف، ودونك، اسم خذ. وكذلك عندك ووراءك1 اسم تنح، ومكانك اسم اثبت. قال2:
وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي
فجوابه بالجزم دليل على أنه3 كأنه قال: اثبتي تحمدي أو تستريحي. وكذلك قول الله جل اسمه: {مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُم} 4 فـ"أنتم" توكيد للضمير في مكانكم5؛ كقولك: اثبتوا أنتم وشركاؤكم، وعطف على ذلك الضمير بعد أن وكده "الشركاء ". ويؤكد ذلك عندك قول بعضهم: مكانكني؛ فإلحاقه النون كما تلحق النون نفس الفعل في "أكرمني" ونحوه دليل على قوة شبهه بالفعل. ونحوه قولهم أيضا: كما أنتني؛ كقولك: انتظرني.
ومنها هلم، وهو6 آسم ائت. وتعال. قال الخليل: هي مركبة؛ وأصلها عنده "ها" للتنبيه، ثم قال: "لم" أي لم بنا، ثم كثر استعمالها فحذفت الألف تخفيفًا، ولأن7 اللام بعدها وإن كانت متحركة فإنها في حكم السكون؛ ألا ترى أن الأصل وأقوى اللغتين -وهي الحجازية- "أن تقول فيها: المم بنا"8 فلما كانت لام "هلم" في تقدير السكون حذف لها ألف "ها"، كما تحذف لالتقاء الساكنين، فصارت هلم. وقال9 الفراء: أصلها "هل" زجر وحث، دخلت على أم؛ كأنها كانت "هل أم" أي اعجل
__________
1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وراء".
2 أي عمرو بن الإطناب. وقوله: "جئات وجاشت" يريد نفسه، وجشأت أي نهضت وارتفعت من شدة الفزع. وكذلك جاشت، وانظر الأمال 1/ 258.
3 سقط في ش.
4 آية 28 سورة يونس.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ومكانكم".
6 سقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط.
7 سقط الواو في ج.
8 كذا في شيء. وفي د، هـ، ز: "إنما يقول: "ما المم" وفي ط: "إنما تقول منها: المم".
9 سقط حرف العطف د، هـ.(3/37)
واقصد، وأنكر أبو علي عليه ذلك، وقال: لا مدخل هنا للاستفهام. وهذا عندي لا يلزم الفراء؛ لأنه لم يدع أن "هل" هنا حرف استفهام؛ وإنما هي عنده زجر وحث1 وهي التي في قوله2:
ولقد يسمع قولي حيهل
قال الفراء: فألزمت الهمزة في "أم" التخفيف، فقيل: هلم.
وأهل3 الحجاز يدعونها في كل حال على لفظ واحد، فيقولون للواحد والواحدة4 والاثنين والاثنتين5 والجماعتين: هلم يا رجل، وهلم يا امرأة، وهلم يا رجلان، وهلم يا امرأتان، وهلم يا رجال، وهلم يا نساء. وعليه قوله:
يا أيها الناس ألا هلمه6
وأما التميميون فيجرونها مجرى "لم" فيغيرونها بقدر المخاطب. فيقولون: هلم، وهلما، وهلمي، وهلموا، وهلممن يا نسوة. وأعلى اللغتين الحجازية، وبها نزل القرآن؛ ألا ترى إلى قوله -عز اسمه- {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} 7. وأما التميميون فإنها عندهم أيضًا اسم سمي به الفعل وليست مبقاة على ما كانت عليه قبل التركيب والضم. يدل على ذلك أن بني تميم يختلفون في آخر الأمر من المضاعف، فمنهم
__________
1 سقط في ش.
2 أي لبيد، وقوله: "يسمع" كذا في ز. وفي ش: "تسمع" وصدره:
يتمارى في الذي قلت له
وهو يتحدث عن صاحبه في السفر، آذنه بالصبح ليستيقظ من النوم، فلم يصدقه وشك في خبره لغلبة النوم عليه.
وانظر "الخزانة" في الشاهدين 228، 461.
3 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "فأهل".
4 سقط في ش.
5 في ز: "الثنتين".
6 ورد هذا الرجز في الكتاب لسيبويه 2/ 279.
7 آية 18 سورة الأحزاب.(3/38)
من يتبع فيقول: مدُّ وفرِّ وعضَّ، ومنهم من يكسر، فيقول: مدِّ وفرِّ وعضِّ، ومنهم من يفتح لالتقاء الساكنين، فيقول: مدَّ وفرَّ وعضَّ. ثم رأيناهم كلهم مع هذا مجتمعين على فتح آخر هلم، وليس أحد يكسر الميم ولا يضمها. فدل ذلك على أنها قد خلجت1 عن طريق الفعلية وأخلصت اسمًا للفعل بمنزلة دونك عندك ورويدك وتيدك2: اسم اثبت وعليك بكرا: اسم خذ "وهو3 كثير".
ومنه4 قوله:
أقول وقد تلاحقت المطايا ... كذاك القول إن عليك عينا
فهذا5 اسم احفظ القول أو اتق القول.
وقد جاءت هذه التسمية للفعل في الخبر، وإنما بابها الأمر والنهي؛ من قبل أنهما لا يكونان إلا بالفعل، فلما قويت الدلالة فيهما على الفعل حسنت6 إقامة غيره مقامه. وليس كذلك الخبر، لأنه لا يخص بالفعل، ألا ترى إلى قولهم: زيد أخوك، ومحمد صاحبك؛ فالتسمية للفعل في باب الخبر ليست في قوة "تسميته في"7 باب الأمر والنهي. وعلى ذلك فقد مرت بنا منه8 ألفاظ صالحة جمعها طول التقري لها. وهي قولهم: أفَّ اسم الضجر، وفيه ثماني لغات أفِّ وأفٍ وأفَّ وأفٌ وأفَّ وأفَّا وأفّي ممال، وهو الذي تقول فيه العامة: أفي9 وأف خفيفة. والحركة
__________
1 أي انتزعت ونحبت.
2 النيد في الأصل: الرفق. وقوله: "اسم اثبت" في اللسان: "وتيدك يا هذا أي اتئد".
3 سقط ما بين القوسين من ش.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "مثله".
5 كتب في هامش ش: "صوابه: فكذاك" وورد البيت في اللسان "لحق" وفيه "كفاك القبول" وفيه عقب البيت: "كفاك القول، أي ارفق وأمسك عن القول".
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "رجعت"؛ وقد يكون محرفا عن "رجحت".
7 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "تسمية".
8 سقط من ش.
9 أي بإخلاص الباء. وانظر ابن يعيش 4/ 38.(3/39)
في جميعها لالتقاء الساكنين. فمن كسر فعلى أصل الباب، ومن ضم فللإتباع، ومن فتح فللاستخفاف، ومن لم ينون أراد التعريف، ومن نون أراد التنكير. فمعنى التعريف: التضجر، ومعنى التنكير: تضجرا1. ومن أمال بناه على فعلى. وجاءت ألف التأنيث مع2 البناء كما جاءت تاؤه معه في ذيَّة وكيَّة، نعم، وقد جاءت ألفه فيه أيضًا في قوله3:
هنّا وهنَّا ومن هنَّا لهن بها
ومنها آوتاه "وهي اسم أتألم. وفيها لغات"4: آوَّتاه وآوَّه وأوَّه وأَوهُ وأَوهِ وأَوهَ وأَوِّ قال:
فأَوهِِ من الذكرى إذا ما ذكرتها ... ومن بعد أرض بيننا وسماء5
ويروى: فأوِّ لذكراها. والصنعة في تصريفها طويلة حسنة. وقد كان أبو علي -رحمه الله- كتب إلي من حلب -وأنا بالموصل- مسئلة أطالها في هذه اللفظة جوابًا على سؤالي إياه عنها وأنت، تجدها في مسائله الحلبيات، إلا أن جماع القول عليها أنها "فاعلة" فاؤها همزة، وعينها ولامها واوان، والتاء فيها للتأنيث. وعلى ذلك قوله: فأوِّ لذكراها قال: فهذا كقولك في مثال الأمر من قويت: قوِّ زيدا ونحوه.
ومن قال: فأوهِ أو فأوِّه فاللام عنده هاء، وهي من لفظ قول العبدي6:
إذا ما قمت أرحلها بليل ... تأوه آهة الرجل الحزين
__________
1 في ط: "أي أتضجر تضجرا".
2 كذا ف ش، ط. وفي ز: "الياء".
3 أي ذي الرمة وعجزه:
ذات الشمائل والإيمان هينوم
وقبله:
للجن بالليل في حاجاتها زجل ... كما تنارح يوم الريح عيشوم
وقوله: "في حافاتها" أي حافات بهما، أي صحراء. وزجل: صوت. والعيشوم. شجر له صوت مع الريح، والهينوم: الكلام الحفي.
4 سقط ما بين القوسين من ز، ط.
5 انظر ص 91 من الجزء الثاني من الخصائص.
6 هو المثقب. والبيت من قصيدة مفضلية.(3/40)
ومثلها مما اعتقب عليه الواو والهاء لاما قولهم: سنة وعضة1؛ ألا تراهم قالوا: سنوات وعضوات، وقالوا أيضًا: سانهت؛ وبعير عاضه والعضاه. وصحت الواو في آوة ولم تعتل إعلال2 قاوية وحاوية إذا أردت فاعلة من القوة والحوة من قبل أن هذا بني على التأنيث أعني آوة، فجاء على الصحة كما صحت واو3 قرنوة وقلنسوة لما بنيت الكلمة على التأنيث البتة.
ومنها سرعان4، فهذا اسم سرع، ووشكان: اسم وشك، وبطئان5: اسم بطؤ. ومن كلامهم: سرعان ذي إهالةً أي سرعت هذه6 من إهالة. فأما أوائل الخيل فسرعانها بفتح الراء7 قال8:
فيغيفون ونرجع السرعانا
__________
1 هي من الشجر ما له شوك.
2 كذا في ش. وفي ي، هـ، ز، ط: "اعتلال".
3 هي عشب يدبغ به.
4 بتثليث أول الكلمة.
5 بضم الباء وفتحها.
6 في ط: "ذي أو هذه" والمعروف في المثل: "سرعان ذا إهالة". والإهالة الشحم المذاب؛ وفي القاموس: "فأصله أن رجلا كانت له نعجة عجفا، ورغامها يسهل من منخريها لهزالها، فقيل له: ما هذا؟ فقال: ودكها فقال السائل ذلك ... يضرب لن يخبر بكينونة الشيء قبل وفيه.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "العين" يراد عين الكلمة وهي الراء ومن اللغويين من يجيز تسكين الراء في هذا المعنى.
8 أي القطامي. وصدره:
وحسبتنا نزع الكنيبة غدرة
و"حسبتنا" بضم التاء التكلم، وقال شارح الديوان: "حسبتنا: علمننا. نزع: فكف" وفيه أنه روى "نورع" في مكان "نرجع" هنا، وفسره فقال: "ويقال: أورعة إذا كفه، و"يغيفون" أي ينهزمون. يفخر بشجاعة قومه، وأنهم إذا غدت عليهم كتيبة أي غزاة صباحا كفوهم فيهزمون ورجعوا سرعان الكتيبة وردوهم على أعقابهم. وانظر الديوان، واللسان "غيف".(3/41)
وقد قالوا: وشكان وأشكان. فأما أشك ذا "فماض، وليس"1 باسم، وإنما أصله وشك فنقلت حركة عينه كما قالوا في حسن: حسن ذا؛ قال 2:
لا يمنع الناس مني ما أردت ولا ... أعطيهم ما أرادوا حسن ذا أدبا
ومنها حس اسم أتوجع، ودهدرين: اسم بطل. ومن كلامهم: دهدرين سعد3 القين، وساعد القين، أي هلك سعد القين.
ومنها لب "وهو اسم اسم لبيك4"، وويك: اسم أتعجب. وذهب الكسائي إلى أن "ويك" محذوفة من ويلك؛ قال5:
... ... ويك عنتر أقدم
والكاف عندنا للخطاب حرف عارٍ من الأسمية. وأما قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء} فذهب سيبويه7 والخليل إلى أنه وي، ثم قال: كأن الله. وذهب
__________
1 كذا في ز، ط. وفي ش، ج: "قماص فليس". وعلى هذا "ذا" في معنى صاحب مضاف إلى قاص، وهو وثب الحيوان وعدم صبره.
2 أي سهم بن حنظلة لغنوي. وقوله: "لا يمنع" في اللسان "حسن": "لم يمنع". يريد أنه يقهر النس فلا يمنعون ما يريده منهم، وهو لعزته يمنع ما يريدونه منه، وقيل: إنه ينكر على نفسه هذا العمل: أن يعطيه الناس ما أراد، ولا يعطيهما هو ما أرادوا، وانظر الخزانة 4/ 123، وإصلاح المنطق 41، والأصمعيات 7.
3 هو حداد كان في البادية: أي استغنى عنه لتشاغل على الناس بالقحط من صنع آلات الحديد، فلا أرب لهم فيه. وهذا مثل، وفيه تفاسير أخرى. وقد ضبط وسط" بالتنوين في القاموس، ودون تنوين في اللسان. وانظر اللسان "فين"، والقاموس "دهدر".
4 كذا في شيء. وفي د، هـ، ز: "اسم أجبتك". وفي ط: "هي اسم أحببك".
5 أي عنترة في معلقته، والبيت شمامه:
ولقد شفي نفسي وأبرأ سقمها ... قيل الفوارس ويك عنتر أقدم
6 آية 82 سورة القصص.
7 انظر الكتاب 1/ 290.(3/42)
أبو الحسن إلى أنها ويك حتى كأنه قال عنده1: أعجب أن2 الله يبسط الرزق.
ومن أبيات الكتاب:
وي كأن من يكن له نشب يحـ ... ـبب ومن يفتقر يعش ضر3
والرواية تحتمل التأويلين جميعًا.
ومنها هيهات، وهي عندنا من مضاعف الفاء4 في ذوات الأربعة. ووزنها فعللة، وأصلها هيهية؛ كما أن أصل الزوزاة5 والقوقاة والدوداة6 والشوشاة7: الزوزوة والقوقوة والدودوة والشوشوة، فانقلبت "اللام8 ألفا" فصارت هيهاة.
والتاء فيها للتأنيث، مثلها9 في القوقاة والشوشاة. والوقوف عليها بالهاء. وهي مفتوحة فتحة المبنيات. ومن كسر التاء فقال: هيهات فإن التاء تاء جماعة التأنيث، والكسرة فيها كالفتحة في الواحد10. واللام عندنا محذوفة لالتقاء الساكنين، ولو جاءت غير محذوفة لكانت هيهيات، لكنها حذفت لأنها في آخر اسم غير متمكن، فجاء
__________
1 سقط من د، هـ، ز، ط.
2 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "لأن".
3 في د، هـ، ز، قبله البيت الآتي:
سالتاني الطلاق أن رأتاني ... قل مال قد جتماني بنكر
وهما من مقطوعة لزيد بن عمرو بن نفيل القرشي، وقيل: لغيره، والنشب: المال الأصيل من الناطق والصامت. وانظر الخزانة 3/ 95، والكتاب 1/ 290.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "الباء".
5 هو مصدر زوزي الرجل: نصب ظهره وقارب الخطو.
6 هي أثر الأرجوحة.
7 يقال: ناقة شوشاة، سريعة.
8 كذا في ط. وفي ش، ز: "اللام ياء ثم انقلبت ألفا".
9 كذ في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "مثالها".
10 في ط: "الواحد".(3/43)
جمعه مخالفا لجمع المتمكن؛ نحو الدوديات والشوشيات، كما حذفت في قولك: ذان وتان واللذان واللتان.
وأما قول أبي الأسود:
على ذات لوث أو بأهوج شوشوٍ ... صنيع نبيل يملا الرحل كاهله1
فسألت2 عنه أبا علي، فأخذ ينظر فيه. فقلت له: ينبغي أن يكون بني من لفظ الشوشاة مثال جحمرش3، فعاد إلى شوشووٍ، فأبدل اللام الثالثة4 ياء لانكسار ما قبلها، فعاد: شوشوٍ، فتقول على هذا في نصبه: رأيت شوشويًا، فقبل ذلك ورضيه. ويجوز فيه عندي وجه آخر، وهو أن يكون أراد: شوشويًا، منسوبًا إلى شوشاة، ثم خفف إحدى ياءي الإضافة.
وفي هيهات لغات: هيهاة، وهيهاةً، وهيهاتِ، وهيهاتٍ، وأيهاتَ، وأيهاتِ، وأيهاتٍ، وأيهاتًا، وأيهانِ بكسر النون، حكاها لنا أبو علي عن أحمد بن يحيى5 وأيها والاسم بعدها مرفوع على حد ارتفاع الفاعل بفعله؛ قال جرير:
فهيهات هيهات العقيق ومن به ... وهيهات خل بالعقيق نواصله6
__________
1 اللوث: القوة، أراد ناقة قوية على السير، وأراد بالأعوج بعيرا شديد السير كأن به هوجا أي حمقا من سرعته، والشوشوي: السريع، والصنيع: الذي أحسن القيام عليه وتربيته. والنبيل: الحسن الغليظ.
وجاء البيت في ديوان أبي الأسود المطبوع في بغداد هكذا:
على ذات لوث يجعل الوضع مشيها ... كما انقض غير الصخرة المرتقب
وكأن ما أورده المؤلف هنا رواية للبيت.
2 في ش: "وسألت".
3 من معانيها العجوز الكبيرة.
4 كذا في د، هـ، ز، ط وفي ش "الثانية".
5 سقط في د، هـ، ز، ط.
6 من قصيدة له يحب فيها الفرزدق على أحدى نقائضه، أزلها:
ألم تر أن الجهل أقصر باطله ... وأمسى عماء قد تجلت مخايله
وفي النقائض 632: "تواصله". ويقول أبو عبيدة عقب البيت: "العقيق واد لبني كلاب بالمعالية".(3/44)
وقال أيضًا:د
هيهات منزلنا بنعفٍ سويقة ... كانت مباركةً من الأيام1
وأما قوله2:
هيهات من منخرق هيهاؤه
فهذا كقولك: بعد بعده، وذلك أنه بني من هذا3 اللفظ فعلالا، فجاء به مجيء القلقال والزلزال. والألف في هيهات4 غير الألف في هيهاؤه، هي في هيهات لام الفعل الثانية كقاف5 الحقحقة الثانية، وهي في هيهاؤه6 ألف الفعلال الزائدة.
وهي في هيهات فيمن كسر غير تينك، إنما هي التي تصحب تاء الهندات والزينبات. وذكر سيبويه أن7 منهم من يقال له: إليك، فيقول: إلي "إلي"8؛ فإلي9 هنا: اسم أتنحى10. وكذلك قول من قيل له: إياك، فقال: إياي أي إياي
لأتقين 11.
__________
1 "منزلنا" في ش: "منزلها". ونصف سويقة: موضع. وقوله: "كانت مباركة" قال الأعلم: "أي كانت تلك الأيام التي جمعنا ومن تحب؛ فأضمرها ولم يجر لما ذكر لما جاء بعد ذلك من التفسير، وانظر الكتاب 2/ 299.
2 في ش: "قال". والرجز العجاج. ورواية الديوان: "في منخرق".
3 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "من ذلك".
4 سقط في ش.
5 سقط في د، هـ، ز.
6 في د، هـ، ز: "غير الألف في هيهاؤه".
7 انظر الكتاب 1/ 126.
8 ما بين القوسين سقط في ط، ز.
9 كذ في ش. وفي ز، ط: "وإلى".
10 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "الممحي".
11 في د، هـ، ز بعده "ويقال: لأتقين" وكأن اللام في الأول مفتوحة، وهي لام القسم، وفي الثاني مكسورة، وهي لام الأمر.(3/45)
ومنها قولهم: همهام، وهو1 اسم فني2. وفيها لغات: همهمامِ وحمحامِ ومحماحِ، وبحباحِ. أنشد أحمد بن يحيى:
أولمت يا خنوت شر إيلام ... في يوم نحسٍ ذي عجاجٍ مظلام
ما كان إلا كاصطفاق الأقدام ... حتى أتيناهم فقالوا: همهام3
فهذا اسم فني، وقوله سبحانه: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} 4 هو اسم دنوت من الهلكة. قال الأصمعي في قولها5:
فأولى لنفسي أولى لها
قد دنت من الهلاك. وحكى أبو زيد: هاهِ6 الآن وأولاة الآن، فأنث أولى، وهذا يدل على أنه اسم لا فعل كما يظن؛ وهاه اسم قاربت، وهي نحو أولى لك.
فأما الدليل على أن هذه الألفاظ أسماء فأشياء وجدت7 فيها لا توجد إلا في الأسماء. منها التنوين الذي هو علم التنكير.
وهذا لا يوجد إلا في الاسم؛ نحو قولك: هذا سيبويه وسيبويهٍ آخر. ومنها التثنية، وهي من خواص الأسماء، وذلك قولهم دهدرين. وهذه التثنية لا يراد بها ما يشفع الواحد مما هو دون الثلاثة. وإنما الغرض فيها التوكيد بها، والتكرير لذلك المعنى؛ كقولك: بطل بطل، فأنت8 لا تريد
__________
1 سقط حرف العطف في ش.
2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "ما بقي" و"ما" فيه نافية.
3 "أولمت" بالبناء للفاعل، من الوليمة؛ وهذ الضبط وفق ما في اللسان "همم"، وفي "ظلم" ضبطه بالبناء للمفعول من الإيلام. والخنوت: العيي الأبلة، كأن رجلا صنع وليمة فلم يرضها الشاعر ولم يطعم فيها المدعوون حاجتهم، وأنهم حين طلبوا الطعام قيل لهم: قد فني ونفد. وقوله: "كصطفاق" في ش: "كصطفاف".
4 آية 34 سورة القيامة.
5 أي الخنساء، وصدره:
هممت بنفس كل الهموم
6 هي كلمة وعيد.
7 سقط في ش.
8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وأنت".(3/46)
أن تنفي1 كونه مرة واحدة بل غرضكم فيه متابعة نفيه وموالاة ذلك؛ كما أن قولك: لا يدين بها لك، لست تقصد بها2 نفي يدين ثنتين، وإنما تريد نفي جميع قواه وكما قال الخليل في قولهم: لبيك وسعديك، إن معناهما أن كلما3 كنت في أمر فدعوتني إليه أجبتك وساعدتك عليه. وكذلك قوله 4:
إذا شق بردٌ شق بالبرد مثله ... دواليك حتى ليس للبرد لابس
أي مداولةً بعد مداولة. فهذا على العموم، لا على دولتين ثنتين. وكذلك قولهم: دهدرين أي بطل بطلا بعد بطل.
ومنها وجود الجمع فيها في هيهات، والجمع مما "يختص بالاسم"5. ومنها وجود التأنيث فيها6 في هيهاة وهيهات وأولاة الآن7 وأفي والتأنيث بالهاء والألف من خواص الأسماء. ومنها الإضافة وهي قولهم: دونك وعندك ووراءك، ومكانك، وفرطك8، وحذرك. ومنها وجود لام التعريف فيها؛ نحو النجاءك. فهذا اسم انج. ومنها التحقير، وهي من خواص الأسماء. وذلك قولهم: رويدك. وببعض هذا "ما يثبت ما دعواه"9 أصغاف10 هذا.
__________
1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز "ثبق".
2 كذا في شيء وفي د، هـ، ز، ط: "به".
3 كذا في د، هـ، ز. وسقط في ش، ط.
4 هو سحيم عبد بني الحسحاس، ورواية البيت كما هنا فيها إقواء، فإن القافية مجرورة، وفي الديوان: "حتى كلنا غير لابس" ولا أقواء فيه. وانظر الكتاب 1/ 175، ومجالس ثعلب 157 والديوان 16,
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "يخص الاسم".
6 سقط في ش.
7 في د، هـ، ز بعده: "وأولى".
8 أي تقدم، أو احذر من قدامك؛ كما في رضي الكافية 662.
9 كذا في ش. وفي د، هـ، ز "تثبت دعوانا".
10 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "لأضعاف".(3/47)
فإن قيل: فقد ثبت بما أوردته كون هذه الكلم أسماء، ولكن ليت شعري ما كانت الفائدة في التسمية لهذه الأفعال بها؟
فالجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه:
أحدها السعة في اللغة، ألا تراك لو احتجت في قافية بوزن قوله1:
قدنا إلى الشأم جياد المصرين2
لأمكنك أن تجعل إحدى قوافيها "دهدرين"، ولو جعلت هنا ما هذا اسمه -وهو بطل- لفسد وبطل. وهذا واضح.
والآخر المبالغة. وذلك أنك في المبالغة لا بد أن تترك موضعًا إلى موضع؛ إما لفظًا إلى لفظ، وإما جنسًا إلى جنس، فاللفظ3 كقولك: عراض، فهذا قد تركت فيه لفظ عريض. فعراض إذًا أبلغ من عريض. وكذلك رجل حسان ووضاء؛ فهو4 أبلغ من قولك: حسن، ووضئ، وكرام أبلغ من كريم؛ لأن كريمًا على كرم وهو الباب وكرام خارج عنه. فهذا5 أشد مبالغة من كريم. قال الأصمعي: الشيء إذا فاق في جنسه6 قيل له: خارجي. وتفسير هذا ما نحن بسبيله، وذلك أنه لما خرج عن معهود حاله أخرج أيضًا عن معهود لفظه. ولذلك أيضًا إذا أريد بالفعل المبالغة في معناه، أخرج عن معتاد حاله من التصرف فمنعه. وذلك نعم وبئس وفعل التعجب. ويشهد لقول الأصمعي بيت طفيل:
وعارضتها رهوا على متتابعٍ ... شديد القصيرى خارجي محنب7
__________
1 سقط في ش.
2 ورد في اللسان "جفف" منسوبا لأبي ميمون العجلي وبعده:
من قيس عيلان وخيل الجفين
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "واللقظ".
4 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "وهو".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فهو". وقد ورد في كرام تشديد الراء وتخفيفها.
6 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "حسنه".
7 عارضتها أي الخيل المذكورة قبل هذا البيت، ورهوا أي عدوا سهلا، ويريد بالمتتابع فرسا مطرد الخلق مشتبه، وش: "متتابع" أي متهالك في السرعة إن صحت الرواية، والقصيري: ضلع الخلف، والمحنب: الذي في ذراعه ما يشبه التحدب، والبيت من قصيدة في أول ديوانه.(3/48)
والثالث ما في ذلك من الإيجاز والاختصار، وذلك أنك تقول للواحد: صه وللاثنين: صه1 و"للجماعة: صه"2، وللمؤنث. ولو أردت المثال نفسه لوجب فيه التثنية والجمع والتأنيث، وأن تقول: اسكتا واسكتوا3 واسكتي واسكتن. وكذلك
جميع الباب.
فلما اجتمع في تسمية هذه الأفعال ما ذكرناه من الاتساع ومن3 الإيجاز ومن المبالغة عدلوا إليها بما ذكرنا من حالها. ومع ذلك فإنهم أبعدوا أحوالها من أحوال الفعل المسمى بها، وتناسوا تصريفه لتناسيهم، حروفه. يدل على ذلك أنك لا تقول: صه فتسلم كما تقول: اسكت فتسلم، ولامه فتستريح، كما تقول: اكفف فتستريح. وذلك أنك إذا أجبت4 بالفاء فإنك إنما تنصب لتصورك في الأول معنى المصدر، وإنما يصح ذلك لاستدلالك عليه بلفظ فعله؛ ألا تراك إذا قلت: زرني فأكرمك فإنك إنما نصبته لأنك تصورت فيه: لتكن زيارة منك فإكرام مني.
فـ"زرني" دل على الزيارة؛ لأنه من لفظه، فدل الفعل على مصدره كقولهم: من كذب كان شرًّا له، أي كان الكذب؛ فأضمر الكذب لدلالة فعله -وهو كذب- عليه، وليس كذلك صه؛ لأنه ليس من5 الفعل في قبيلٍ6 ولا دبيرٍ، وإنما هو صوت أوقع موقع حروف الفعل، فإذا لم يكن صه فعلًا ولا من لفظه قبح أن يستنبط منه معنى المصدر لبعده عنه.
__________
1 سقط في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "والجماعة كذلك".
3 سقط في ش.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "جئت".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "في".
6 أصل هذا المثل: ما يعرف قبيلا من دببر، وقد تصرف فيه المؤلف، والقبيل: القبل، والدبير، الدبر، وقد فسرا بغير هذا.(3/49)
فإن قلت: فقد تقول: أين بيتك فأزورك، وكم مالك فأزيدك عليه، فتعطف بالفعل المنصوب وليس قبله فعل ولا مصدر، فما الفرق بين "ذلك وبين صه"1؟
قيل: هذا كلام محمول على معناه؛ ألا ترى أن قولك: أين بيتك قد دخله معنى أخبرني، فكأنه قال: ليكن منك تعريف لي ومني زيارة لك.
فإن قيل: "وكيف ذلك"2 أيضًا؟ هلا جاز صه فتسلم لأنه محمول على معناه؛ ألا ترى أن قولك3: صه في معنى: ليكن منك سكوت فتسلم.
قيل: يفسد هذا من قبل أن صه قد انصرف إليه عن لفظ الفعل الذي هو اسكت، وترك له، ورفض من أجله. فلو ذهبت تعاوده وتتصوره أو تتصور مصدره لكانت تلك معاودة له ورجوعًا إليه بعد الإبعاد عنه، والتحامي للفظ به فكان ذلك يكون كإدغام الملحق، لما فيه من نقض الغرض. وليس كذلك أين بيتك؛ لأن هذا ليس لفظًا عدل إليه عن: "عرفني بيتك" على وجه التسمية له به، ولأن4 هذا قائم في ظله الأول من كونه مبتدأ وخبرا؛ وصه5 ومه قد تنوهي في إبعاده عن الفعل البتة؛ ألا تراه يكون مع الواحد والواحدة والاثنين والاثنتين وجماعة الرجال والنساء: صه على صورة واحدة ولا يظهر فيه ضمير على قيامه6 بنفسه وشبهه7 بذلك بالجملة المركبة. فلما تناءى عن الفعل هذا التنائي، وتنوسيت أغراضه فيه هذا التناسي، لم يجز فيما بعد أن تراجع أحكامه، وقد درست معارفه وأعلامه؛ فآعرف ذلك
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "صه وبينه".
2 كذا في ش، وفي ز، هـ: "فكذلك"، وفي ط "وكذلك".
3 كذا في، وسقط في د، هـ، ط.
4 سقط حرف العطف في ش.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "بابه".
6 في هـ: "قياسه".
7 في ط: "لا شبهة".(3/50)
فأما دراك ونزال ونظار فلا أنكر النصب على الجواب بعده، فأقول: دراك زيدًا1 فتظفر به ونزال إلى الموت فتكسب الذكر الشريف به2؛ لأنه وإن لم يتصرف فإنه من لفظ الفعل، ألا تراك تقول: أأنت3 سائر فأتبعك فتقتضب4 من لفظ اسم الفاعل معنى المصدر وإن لم يكن فعلًا كما قال5 الآخر:
إذا نهي السفيه جرى إليه ... وخالف والسفيه إلى خلاف6
فاستنبط من السفيه معنى السفه، فكذلك ينتزع من لفظ دراك معنى المصدر وإن لم يكن فعلا.
هذا حديث هذه الأسماء في باب النصب.
فأما الجزم في جواباتها فجائز حسن، وذلك قولك: صه تسلم، ومه تسترح، ودونك زيدا تظفر بسلبه؛ ألا تراك في الجزم لا تحتاج إلى تصور معنى المصدر؛ لأنك لست تنصب الجواب فتضطر إلى تحصيل معنى المصدر الدال على7 أن والفعل. وهذا واضح.
فإن قيل: فمن أين وجب بناء هذه الأسماء؟ فصواب القول في ذلك أن علة بنائها إنما هي تضمنها8 معنى لام الأمر، ألا ترى أن صه بمعنى اسكت وأن أصل اسكت لتسكت؛ كما أن أصل قم لتقم، واقعد لتقعد؛ فلما ضمنت هذه الأسماء معنى لام الأمر شابهت الحرف فبنيت؛ كما أن كيف ومن وكم لما تضمن كل واحد منها معنى حرف الاستفهام بني؛ وكذلك بقية الباب.
__________
1 سقط في ز، ط.
2 سقط في ش. وفي ط: "له".
3 في ط: "آنت" وفي ز: "اآنت" وفي ش: "انت".
4 في ز: "فتقتصب".
5 سقط في ش.
6 أورد هذا البيت الفراء في معاني القرآن 1/ 104 من غير عزو: وانظر الخزانة 2/ 383.
7 كذا والأنسب: "عليه".
8 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "لتضمنها".(3/51)
فأما قول من قال نحو هذا: إنه إنما بني لوقوعه موقع المبني يعني أدرك واسكت؛ فلن يخلو من أحد أمرين: إما أن يريد أن علة بنائه إنما هي نفس وقوعه موقع المبني لا غير، وإما أن يريد أن وقوعه موقع فعل1 الأمر ضمنه معنى حرف الأمر. فإن أراد الأول فسد؛ لأنه إنما علة بناء الاسم تضمنه معنى الحرف، أو وقوعه موقعه. هذا هو علة بنائه لا غير، وعليه قول سيبويه والجماعة.
فقد ثبت بذلك أن هذه الأسماء، نحو صه وإيه وويها وأشباه ذلك، إنما بنيت لتضمنها معنى حرف الأمر1 لا غير.
فإن قيل: ما أنكرت من فساد هذا القول، من قبل أن الأسماء التي سمي بها الفعل في الخبر مبنية أيضًا، نحو أف وآوتاه وهيهات، وليست بينها وبين لام الأمر نسبة قيل: القول هو الأول. فأما2 هذه فإنها محمولة في ذلك على بناء الأسماء المسمى بها الفعل في الأمر والنهي ألا ترى أن الموضع في ذلك لها، لما قدمناه من ذكرها، وأنهما3 بالأفعال لا غير، ولا يكونان إلا به4، والخبر قد يكون بالأسماء من غير أعتراض فعل فيه، نحو أخوك زيد وأبو5 جعفر. فلما كان الموضع في ذلك إنما هو لأفعال الأمر والنهي، وكانا لا يكونان إلا بحرفيهما
: اللام ولا، حمل ما سمي به الفعل في الخبر على ما سمي به في الأمر والنهي، كما يحمل هذا الحسن الوجه على هذ الضارب الرجل، وكما حمل6 أنت الرجل العبد7 "على أنت الرجل العلم والحلم"8 ونحو ذلك.
__________
1 سقط في ش.
2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "وأما".
3 كذا في ط، وفي ش، ز: "أنها" والحديث عن الأمر والنهي.
4 أي بالفعل، ولو نظر إلى الأفعال لقال "بها".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ابنك".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "حملت".
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "العبيد" وسقط في ط.
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "على أنت الرجل العليم والحليم" وفي ط: "والعلم والحلم".(3/52)
فإن قيل: هذا يدعوك إلى حمل شيء على شيء، ولو سلكت طريقتنا لما احتجت إلى ذلك1؛ ألا ترى أن الأسماء المسمى بها الفعل في الخبر واقعة موقع المبني وهو الماضي، ما أنها في الأمر واقعة موقع المبني، وهو اسكت.
قيل: ما أحسن هذا لو سلم أول، ولكن من لك بسلامته؟ أم من يتابعك على أن علة بناء الأسماء في العربية كلها شيء غير مشابهتها للحرف؟ فإذا كان كذلك لم يكن لك مزحل عما قلناه، ولا معدل عما أفرطناه وقدمناه. وأيضا فإن اسكت -لعمري- مبني، فما تصنع بقولهم: حذرك زيدا الذي هو نهي؟ أليس في موضع لا تقرب زيدا، و"تقرب" من لا تقرب معرب، ولهذا سماه سيبويه نهيا؟ فإن قلت: إن النبي في هذا محمول على الأمر صرت إلى ما صرفتنا عنه، وسوأت إلينا التمسك به، فآعرف هذ فإنه واضح.
باب في أن سبب الحكم قد2 يكون سببًا لضده "على3 وجه".
هذا سبب ظاهره4 التدافع وهو مع استغرابه5 صحيح واقع؛ وذلك نحو قولهم: القود والحوكة، والخونة وروع6 وحول، وعور و"عوز، لوز"7 وشول؛ قال8:
شاوٍ مشل شلول شلشل شول
__________
1 في د، هـ، ز، بعده: "به"؛ ويبدو أنه محرف ص "يتة".
2 سقط في ش.
3 في ط وضع ما بين القوسين بعد "يكون" وفي ش: "وجهه".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ظاهر".
5 في ش: "استقر به"؛ ويبدو أنه محرف عما أثبت، وفي د، هـ، ز، ط: "استقرائه".
6 روع أي مرتاع خائف، وحول: أحول العين.
7 عوز: وصف من عوز الرجل كفرح، إذا افتقر، ولوز: اتباع له.
8 أي الأعشى في معلقته وصدره:
وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني
والحانوت: بيت الخمار، والشاوي: الذي يشوي اللحم، والمثل: الخفيف، والشلشل: المتحرك، والشول: الخفيف في العمل والخدمة.(3/53)
وتلخيص هذه الجملة أن كل واحد من هذه الأمثلة قد جاء مجيئا مثله مقتضٍ للإعلال، وهو مع ذلك مصحح، وذلك أنه قد تحركت عينه، وهي معتلة وقبلها فتحة، وهذا يوجب قلبها ألفا، كباب، ودار، وعابٍ، ونابٍ، ويومٍ راحٍ، وكبشٍ صافٍ، إلا أن سبب صحته طريف، وذلك أنهم شبهوا حركة العين التابعة لها بحرف اللين التابع لها فكأن فعلًا1 فعال كأن فعلا فعيل. فكما يصح نحو جواب، وهيام، وطويل، وحويل، فعلى نحوٍ من ذلك صح باب القود والحوكة والغيب2 الروع والحول والشول، من حيث شبهت فتحة العين بالألف من بعدها "وكسرتها بالياء من بعدها"3.
ألا ترى إلى حركة العين التي هي سبب الإعلال كيف4 صارت على وجه آخر "سببا للتصحيح"5 وهذا6 وجه غريب المأخذ. وينبغي أن يضاف هذا إلى احتجاجهم فيه بأنه7 خرج على أصله منبهة8 على ما غير من أصل بابه. ويدلك على أن فتحة العين قد أجروها في بعض الأحوال مجرى حرف اللين قول مرة بن محكان:
في ليلةٍ من جمادى ذات أنديةٍ ... لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا9
__________
1 كذا في ش، وفي ز، ط: "فعل".
2 جمع الغائب.
3 سقط ما بين القوسين في ش.
4 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "كما".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: سبب التصحيح".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مذهب".
7 في ش: "وبأنه".
8 في ط: "مشبهة".
9 قبله:
يا ربة البيت قومي غير صاغرة ... ضمي إليك رحال القوم والقربا
وهو يخاطب امرأته أن تعنى بأمتعة الضيوف الذين نزلوا به في ليلة باردة، فهم عنده في قوى ودفء، وقوله: "من جمادى" فقد كانوا يجعلون شهر البرد جمادى، وإن لم يكن جمادى في الحقيقة؛ قال أبو حنيفة الدينوري -كما في اللسان: "جمادى عند العرب الشتاء كله" في جمادى كان الشتاء أو في غيرها. والطنب: حيل الخباء، والشعر من قصيدة في الحماسة، وانظر شرح التبريزي لها "التجارية" 4/ 132.(3/54)
فتكسيرهم ندًى على أندية يشهد بأنهم أجروا ندًى -وهو فعل- مجرى فعال فصار لذلك ندى وأندية كغداء وأغدية. وعليه قالوا: باب وأبوبة و"خال1 وأخولة". وكما أجروا فتحة العين مجرى الألف الزائدة بعدها، كذلك أجروا الألف الزائدة بعدها مجرى الفتحة. وذلك قولهم: جواد وأجود وصواب وأصواب، جاءت في شعر الطرماح. وقالوا: عراء2 وأعراء حياء3 وأحياء، وهباء4 وأهباء. فتكسيرهم فعالا على أفعال كتكسيرهم فعلا على أفعلة هذا هنا، كذلك ثمة. وعلى ذلك -عندي- ما جاء عنهم من تكسير فعيل على أفعال؛ نحو يتيم وأيتام، وشريف وأشراف حتى كأنه إنما كسر فعل لا فعيل كنمر وأنمار وكبد وأكباد، وفخذ وأفخاذ. ومن ذلك قوله5:
إذا المرء لم يخش الكريهة أوشكت ... حبال الهوينى بالفتى أن تقطعا
وهذا عندهم قبيح، وهو إعادة الثاني مظهرا بغير لفظه الأول؛ وإنما سبيله أن يأتي مضمرًا نحو: زيد مررت به. فإن لم يأت مضمرًا وجاء مظهرا فأجود ذلك أن يعاد لفظ الأول البتة؛ نحو: زيد مررت بزيد، كقول الله سبحانه: {الْحَاقَّةُ، مَا الْحَاقَّةُ} 6 و {الْقَارِعَةُ، مَا الْقَارِعَةُ} 7 وقوله 8:
لا أرى الموت يسبق الموت شيءٌ ... نغض الموت ذا الغنى والفقيرا
ولو قال: زيد مررت بأبي محمد "وكنيته أبو محمد"9 لم "يجز عند"10 سيبويه، وإن كان أبو الحسن قد أجازه. وذلك أنه لم يعد على الأول ضميره، كما يجب،
__________
1 كذا في ش، ط، وفي هـ، ز: "حال وأحولة" وفي اللسان: الأخولة جمع الخال أخى الأم.
2 هو المكان الفضاء الذي لا يستتر فيه شيء.
3 هو لغة في الحيا للخصب والمطر.
4 هو التراب الذي تطيره الريح.
5 أي الكلحبة العرني، وهو من مقطوعة في المفضليات، والخزانة 1/ 183.
6 آية 1، 2 سورة الحاقة.
7 آية 1، 2 سورة القارعة.
8 أي سوادة بن عدي، وقيل: أمية بن أبي الصلت، وانظر الكتاب 1/ 30.
9 سقط ما بين القوسين من ش.
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يجزه".(3/55)
ولا عاد عليه لفظه. فهذا1 وجه القبح. ويمكن أن يجعله جاعل سبب الحسن. وذلك أنه لما لم يعد لفظ الأول البتة، وعاد مخالفا للأول شابه -بخلافه له- المضمر الذي هو أبدا2 مخالف للمظهر. وعلى ذلك قال:
............. أوشكت ... حبال الهوينى بالفتى ... ...
ولم يقل: "به3 ولا" بالمرء. أفلا ترى أن القبح الذي كان في مخالفة الظاهر الثاني للأول قد عاد4 فصار بالتأويل من حيث أرينا حسنا. وسببهما جميعا واحد. وهو وجه المخالفة في الثاني للأول.
وأما قول ذي الرمة:
ولا الخرق منه يرهبون ولا الخنا ... عليهم ولكن هيبة هي ما هيا5
فيجوز أن تكون "هي" الثانية فيه إعادة للفظ الأول كقوله6 -عز وجل: {الْقَارِعَةُ، مَا الْقَارِعَةُ} وهو الوجه. ويجوز أن تكون "هي" الثانية ضمير "هي" الأولى؛ كقولك: هي مررت بها. وإنما كان الوجه الأول؛ لأنه إنما يعاد لفظ الأول في مواضع7 التعظيم والتفخيم وهذا من مظانه؛ لأنه في مدحه وتعظيم أمره.
ومن ذلك أنهم قالوا: أبيض لياح. فقلبوا الواو التي في تصريف لاح يلوح للكسرة قبلها، على ضعف ذلك لأنه ليس جمعا كثياب ولا مصدرا
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".
2 سقط في د، هـ، ز، وصبت في ش، ط.
3 سقط ما بين القوسين في ش.
4 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "جاز"، وفي ش "جاء".
5 هذا هو البيت السابع والثلاثون من قصيدته في مدح بلال بن أبي بردة، ويجوز في "هيبة" الرقع، أي ولكن أمره هيبة، والنصب أي يهاب هيبة، وهي في الديوان، وانظر الكامل بشرح المرصفي 4/ 188.
6 كذا في ش، ط، وفي د، ز: "الأول".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز "موضع".(3/56)
كقيام. وإنما استروح إلى قلب الواو ياء لما يعقب من الخف كقولهم في صوار البقر: صيار وفي الصوان للتخت1 صيان. وكان2 يجب على هذا أن متى زالت هذه الكسرة عن لام "لياح" أن تعود الواو. وقد قالوا مع هذا: أبيض لياح، فأقروا القلب بحاله مع زوال ما كانوا سامحوا أنفسهم في القلب به3 على ضعفه. ووجه4 التأول منهم في5 هذا أن قالوا: لما لم يكن القلب مع الكسر عن وجوب واستحكام وإنما ظاهره وباطنه العدول عن الواو إلى الياء هربا منها إليها وطلبا، لخفتها، لم تراجع6 الواو لزوال الكسرة؛ إذا مثلها في هذا الموضع في غالب الأمر ساقط غير مؤثر نحو خوان وزوان7 وقوام وعواد مصدري قاومت وعاودت فمضينا8 على السمت في الإقامة على الياء. أفلا ترى إلى ضعف9 حكم الكسرة في "لياح" الذي كان مثله قمنا بسقوطه لأدنى عارض يعرض له فينقضه كيف صار سببا وداعيا إلى استمراره والتعدي به10 إلى ما يعرى عنه، والتعذر11 في إقرار الحكم به. وهذا ظاهر.
ومن ذلك أن الإدغام يكون في المعتل سببا للصحة؛ نحو قولك في فعل من القول: قول، وعليه جاء اجلواذ، والإدغام نفسه يكون في الصحيح سببا للإعلال؛ ألا تراهم كيف جمعوا حرة بالواو والنون فقالوا: إحرون12؛ لأن العين أعلت بالادغام، فعوضوا من ذلك الجمع بالواو والنون. وله نظائر فاعرفه.
__________
1 هو ما تصان فيه الثياب وهو في الأصل لفظ فارسي.
2 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فكذلك".
3 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "حملا"، وسقط في ط.
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أو وجه".
5 سقط في هذا الحرف في د، هـ، ز.
6 كذا في ش، ط، وفي د: هـ، ز: "يراجعوا".
7 هو حب يخالط الحنطة، وفي زايه للضم أيضا.
8 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فمضنا".
9 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "ثبوت".
10 سقط في ش.
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "التعدد".
12 كذا في ش، وفي ز، ط، ج: "حررن" والحرة: أرض ذات حجارة سود نخرات. ويرى ثعلب فتح الهمزة في الجمع، كما في اللسان.(3/57)
باب: في اقتضاء الموضع 1 لك لفظا هو 2 معك إلا أنه ليس بصاحبك 3:
من ذلك قولهم: لا رجل عندك ولا غلام لك فـ"ـلا" هذه4 ناصبة اسمها وهو مفتوح، إلا أن الفتحة فيه ليست فتحة النصب التي تتقاضاها "لا" إنما هذه فتحة بناء وقعت موقع فتحة الإعراب الذي هو عمل لا في المضاف، نحو لا غلام رجل عندك والممطول5؛ نحو لا خيرا من زيد فيها.
وأصنع من هذا قولك: لا خمسة عشر لك فهذه الفتحة الآن فى راء " عشر" فتحة بناء التركيب فى هذين الاسمين، وهى واقعة موقع فتحة البناء فى قولك: لا رجل عندك، وفتحة لام رجل واقعة موقع فتحة الإعراب فى قولك: لا غلام رجل فيها ولا خيرا منك عنده. ويدل على أن فتحة راء6 "عشر " من قولك لا خمسة عشر عندك هى فتحة تركيب الاسمين، لا التى تحدثها " لا " فى نحو7 قولك: لا غلام لك أن " خمسة8 عشر " لا يغيرها العامل الأقوى أعني الفعل فى قولك جاءني خمسة عشر، والجار فى نحو9 قولك: مررت بخمسة عشر. فإذا كان العامل الأقوى لا10 يؤثر فيها
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المواضع".
2 في د، هـ، ز: "وهو".
3 كذا في ز، ط، وفي ش: "يصاحيك".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هي".
5 هو ما يعرف بالشبيه بالمضاف في كتب المتأخرين.
6 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "خمسة".
7 سقط في ش، ط.
8 في ش: "خمسة".
9 سقط في د، هـ، ز.
10 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.(3/58)
فالعامل الأضعف الذي هو "لا " أحجى بألا يغير. فعلمت بذلك أن فتحة راء عشر من قولك: لا خمسة عشر لك إنما هي فتحة "للتركيب لا فتحة للإعراب؛ فصح بهذا أن فتحة راء عشر من قولك: لا خمسة عشر لك إنما هي فتحة"1 بناء واقعة موقع حركة2 الإعراب، والحركات كلها من جنس واحد وهو الفتح.
ومن ذلك قولك: مررت بغلامي. فالميم موضع جرة الإعراب المستحقة بالباء، والكسرة فيها ليست الموجبة بحرف الجر، إنما هذه3 هي التي تصحب ياء المتكلم في الصحيح، نحو هذا غلامي ورأيت غلامي، فثباتها4 في الرفع والنصب يؤذنك أنها ليست كسرة الإعراب وإن كانت بلفظها.
ومن ذلك قولهم5: يسعني حيث يسعك فالضمة في "حيث" ضمة بناء واقعة موقع رفع الفاعل. فاللفظ واحد التقدير مختلف. "ومن ذلك قولك: جئتك الآن. فالفتحة فتحة بناء في "الآن" وهي واقعة موقع فتحة نصب الظرف "6.
ومن ذلك قولك: كنت عندك في أمس. فالكسرة الآن كسرة بناء. وهي واقعة موقع كسرة الإعراب المقتضيها الجر. وأما قوله:
وإني وقفت اليوم والأمس قبله ... ببابك حتى كادت الشمس تغرب7
__________
1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز. وثبت في ش، ط.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فتحة".
3 سقط في د، هـ، ز، وثبت في ش، ط.
4 في ز: "فبناؤها"، وهو محرف عن: "فبقاؤها".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قولك"، وترى في المثال الذي أورده "حيث"، في موضع رفع، والمعروف فيها أن تكون في موضع تعب أوجر، ونقل في المغني "حيث" عن أبي علي الفارسي أنها تقع مفعولا به، ولم يذكر ورودها فاعلا.
6 سقط ما بين القوسين في ش.
7 انظر ص395 من الجزء الأول.(3/59)
فيروى: "والأمس" جرا ونصبا. فمن نصبه فلانه لما عرفه باللام الظاهرة وأزال عنه تضمنه إياها أعربه والفتحة1 فيه نصبه الظرف؛ كقولك أنا آتيك اليوم وغدا2. وأما من جره فالكسرة فيه كسرة البناء التي في3 قولك: كان هذا أمس، واللام فيه زائدة كزيادتها في الذي والتي
وفي قوله:
ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلًا ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر4
قال أبو عثمان: سألت الأصمعي عن هذا، فقال: الألف واللام في "الأوبر" زائدة. وإنما تعرف "الأمس"5 بلام أخرى مرادةٍ غير هذه مقدرة.وهذه الظاهرة ملقاة زائدة للتوكيد.
ومثله مما تعرف بلام6 مرادة "وظهرت"7 فيه لام أخرى غيرها زائدة قولك: الآن. فهو8 معرف بلام مقدرة وهذه الظاهرة فيه زائدة. وقد ذكر أبو علي هذا قبلنا وأوضحه وذكرناه نحن أيضًا في غير هذا الموضع من كتبنا. وقد ذكرت9 في كتاب التعاقب في العربية من هذا الضرب نحوا كثيرا. فلندعه هنا.
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فالفتحة".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أو".
3 كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "الذي".
4 جنيتك: جنيت لك، والأكمؤ جمع الكم، وهو من النبات، والمسافل: الكبار البيض الجياد من الكمأة، وبنات أوبر: كمأة لها زغب، وهي رديئة، وانظر مجالس ثعلب 624.
5 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "الاسم".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "باللام".
7 سقط ما بين القوسين في ش.
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "وهو".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ذكرنا" وانظر 395 من الجزء الأول.(3/60)
باب في احتمال القلب لظاهر الحكم:
هذا موضع يحتاج إليه مع السعة؛ ليكون معدا عند الضرورة.
فمن1 ذلك قولهم: أسطر. فهذا وجهه أن يكون جمع سطر ككلب وأكلب وكعب وأكعب. وقد يجوز أيضًا2 أن يكون جمع سطر فيكون حينئذ كزمن وأزمن، وجبل وأجبل؛ قال:
إني لأكني بأجبالٍ عن اجلبها ... وباس أودية عن اسم واديها3
ومثله أسطار، فهذا وجهه أن يكون جمع سطرٍ "كجبل4 وأجبال" وقد يجوز أيضًا أن يكون جمع سطر كثلج وأثلاج وفرخ وأفراخ قال الحطيئة 5:
ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ ... زغب الحواصل لا ماءٌ ولا شجر
ومثله قولهم: الجباية في الخراج ونحوه: الوجه أن يكون مصدر جبيته، ويجوز أن يكون من جبوته؛ كقولهم: شكوته شكاية. وأصحابنا يذهبون في قولهم: الجباوة إلى أنها مقلوبة عن الياء في جبيت، ولا يثبتون جبوت.
ونحو من ذلك قولهم6: القنية يجب على ظاهرها أن تكون7 من قنيت.
وأما أصحابنا فيحملونها على أنها من قنوت أبدلت لضعف الحاجز -لسكونه- عن الفصل به بين الكسرة وبينها.
على أن أعلى اللغتين قنوت.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "من".
2 سقط في ش، ط.
3 ورد هذا البيت في الكامل بشرح المرصفي 1/ 204 وله صلة في الشرح.
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كقدم وأقدام رفدان، وأفدان".
5 سقط في ش، ط، والبيت أول قصيدة له، يخاطب عمر رضي الله عنه وكان حبسه لهجره الزبرقان بن بدر، ويريد بالأفراخ أولاده، وذو مرخ موضع، ويقول الشيخ خالد في التصريح في مبحث جمع التكسير: إنه واد كثير الشجر قريب من فدك، ولاحظ الشيخ يس في كتابته عليه أن هذا يتعارض مع قول الشاعر: لا ماء ولا شجر، وقال في الجواب: إن المقام للشكوى وذكر سوء الحال فذكر ذلك وإن كان عمر عالما بكثرة شجره، وفي ياقوت أن الرواية المشهورة: "بذي أمر".
6 سقط في د، هـ، ز، ط.
7 في د، هـ، "يكون".(3/61)
ومن ذلك قولهم: الليل يغسى1، فهذا يجب أن يكون من غسى كشقى يشقى، ويجوز أن يكون من غسا فقد قالوا: غسى يغسى وغسا، يغسو ويغسى أيضًا وغسا يغسى نحو أبى يأبى، وجبا2 الماء يجباه.
ومن ذلك زيد مررت به واقفا الوجه أن يكون "واقفا" حالا من الهاء "في3 به"، وقد يجوز أن يكون حالا من نفس "زيد" المظهر ويكون مع هذا العامل فيه ما كان عاملا فيه وهو حال من الهاء؛ ألا ترى أنه قد يجوز أن يكون العامل في الحال هو "غير العامل في صاحب"4 الحال ومن ذلك قول الله سبحانه: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} 5 فـ"مصدقا" حال من "الحق" والناصب له غير الرافع للحق، وعليه البيت:
أنا ابن دارة معروفًا بها نسبي ... وهل بدارة يا للناس من عار6
وكذلك عامة ما يجوز فيه وجهان أو أوجه ينبغي أن يكون جميع ذلك7 مجوزًا فيه8. ولا يمنعك9 قوة القوى من إجازة الضعيف أيضًا10؛ فإن العرب تفعل ذلك؛ تأنيسًا10 لك بإجازة الوجه الأضعف لتصح به طريقك ويرحب به11 خناقك إذا12 لم تجد وجها غيره، فتقول: إذا أجازوا نحو هذا ومنه بد وعنه مندوحة فما ظنك بهم إذا لم يجدوا
__________
1 أي يظلم.
2 أي جمعه.
3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
4 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "العامل في غير صاحب".
5 آية 91 سورة البقرة.
6 هذا لسالم بن دارة، يهجو زميلا الفزاري ويفتخر عليه، ودارة أمه، وقيل: جده، ولذلك يروى: "معروفا له نسبي" وفي ش، ط: "لها" في مكان "بها"، وانظر الخزانة "السلفية 3/ 24، وص270 من الجزء الثاني من هذا الكتاب.
7 سقط في ش.
8 كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "عليه".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تمنعك".
10 سقط في ش.
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "عنه" وفي ط: "فيه".
12 في ش: "فإذا".(3/62)
منه بدلا، ولا عنه معدلا ألا تراهم كيف يدخلون تحت قبح الضرورة مع قدرتهم على تركها، ليعدوها لوقت الحاجة إليها. فمن1 ذلك قوله2:
قد أصبحت أم الخيار تدعى ... على ذنبًا كله لم أصنع
أفلا3 تراه كيف دخل تحت ضرورة الرفع، ولو نصب لحفظ الوزن وحمى جانب الإعراب من الضعف. وكذلك قوله 4:
لم تتلفع بفضل مئزرها ... دعدٌ ولم تغذ دعد في العلب
كذا5 الرواية بصرف "دعد" الأولى، ولو لم يصرفها لما كسر وزنا وأمن الضرورة أو ضعف إحدى اللغتين. وكذلك قوله:
أبيت على معاري فاخرات ... بهن ملوب كدم العباط6
هكذا أنشده: على معاري بإجراء المعتل مجرى الصحيح ضرورة، ولو أنشد: على معارٍ فاخرات لما كسر وزنا ولا احتمل ضرورة.
__________
1 كذا في ش، وفي ط: "ومن" وفي د، هـ، ز: "من".
2 أي أبي النجم، وأم الخيار امرأته، وقد فسر الذئب بعد بأنه الشيب، وانظر الخانة في الشاهد السادس والخمسين.
3 كذا في، ط، وفي د، هـ، ز: "أ".
4 أي جرير، والتلفع "الاشتمال بالثوب كلبسة نساء الأعراب والعلب واحدها علبة، وهي قدح من جلد يشرب فيه اللبن، وانظر اللسان "دعد" والكتاب 2/ 23.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "هكذا".
6 "فاخرات" كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "واضحات" والمعاري قيل أراد بها ما لا بد المرأة من إظهاره، كاليدين، وقد عنى به المرأة نفسها، وقد شبه الملاب في حمرته بدم العباط وأحد العبيط والعبيطة، وهو ما نحر لغير علة، وانظر 335 من الجزء الأول.(3/63)
باب في الشئ يرد فيوجب له القياس حكما ويجوز أن يأتي السماع بضده، أيقطع بظاهره، أم يتوقف إلى أن يرد السماع بجلية حاله
...
باب في الشيء 1 يرد فيوجب له القياس حكما ويجوز أن يأتي السماع 2 بضده، أيقطع بظاهره، أم يتوقف إلى أن يرد السماع بجلية حاله:
وذلك نحو عنتر وعنبر وحنزقر3 وحنبتر4 وبلتع5 وقرناس6.
فالمذهب7 أن يحكم في جميع هذه النونات والتاءات وما يجري مجراها -مما هو واقع موقع الأصول مثلها- بأصليته، مع تجويزنا أن يرد دليل على زيادة شيء منه كما ورد في عنسل وعنبس ما قطعنا به على زيادة نونهما، وهو الاشتقاق8 المأخوذ من عبس وعسل، وكما9 قطعنا على زيادة نون قنفخر10 لقولهم: امرأة قفاخرية11. وكذلك تاء تألب12؛ لقولهم: ألب13 الحمار طريدته يألبها، فكذلك يجوز أن يرد دليل يقطع به على نون عنبر في الزيادة، وإن كان ذلك كالمتعذر الآن لعدم المسموع من الثقة المأنوس14 بلغته، وقوة طبيعته15؛ ألا ترى أن هذا ونحوه مما16 لو كان له أصل لما تأخر أمره، ولوجد في اللغة ما يقطع له به. وكذلك ألف آءةٍ حملها الخليل -رحمه الله- على أنها منقلبة عن الواو، حملا على الأكثر، ولسنا ندفع مع ذلك17 أن يرد شيء من السماع
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أن الشيء".
2 سقط في ش.
3 هو القصير الدميم.
4 هو الشدة.
5 يقال رجل بلتع: حاذق ظريف متكلم.
6 بضم القاف وكسرها، وهو شبيه الأنف يتقدم الجيل.
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "والمذهب".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هما".
9 سقط حرف العطف في ش.
10 هو الفائق في نوعه.
11 مؤنث القفاخري، وهو النار الناعم الضخم الجثة.
12 هو الشديد الغليظ من حمر الوحش.
13 أي طردها طردا شديدا.
14 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المأخوذ".
15 في ط: "طبعه".
16 سقط في ط.
17 في ش: "من".(3/68)
يقطع معه بكونها منقلبة عن ياء، على ما قدمناه1 من بعد نحو ذلك وتعذره.
ويجيء على قياس ما نحن عليه أن تسمع نحو بيت وشيخ فظاهره -لعمري- أن يكون فعلا مما عينه ياء، ثم لا يمنعنا هذا أن نجيز كونها2 فيعلا مما عينه واو؛ كميت وهين. ولكن إن وجدت في تصريفه نحو شيوخ وأشياخ ومشيخة قطعت بكونه من باب: بيع وكيل. غير أن القول وظاهر العمل أن يكون من باب بيع. بل إذا كان سيبويه قد حمل سيدا3 على أنه من الياء تناولا4 لظاهره مع توجه كونه فعلا مما عينه واو كريح وعيد, كان حمل نحو5 شيخ على أن يكون من الياء لمجيء الفتحة قبله أولى وأحجيى.
فعلى نحوٍ من هذا فليكن العمل فيما يرد من هذا.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فدمناه".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كونه".
3 انظر ص252 من الجزء الأول.
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "منأولا".
5 سقط في ش.(3/69)
باب في الاقتصار في التقسيم على ما يقرب ويحسن، لا على ما يبعد ويقبح:
وذلك1 كأن تقسم2 نحو3 مروان إلى4 ما يحتمل حاله من التمثيل له فنقول5: لا يخلو6 من أن يكون فعلان أو مفعالا أو فعوالا. فهذا7 ما يبيحك8 التمثيل في بابه.
فيفسد كونه مفعالا أو فعوالا أنهما مثالان لم يجيئا, وليس لك9أن تقول10ي تمثيله: لا يخلو11ن يكون مفلان أو12فوالا أو فعوان أو مفوان13ونحو ذلك، لأن هذه14نحوها15ما16ي" أمثلة ليست موجودة أصلا ولا قريبة من الموجودة كقرب فعوال ومفعال من الأمثلة الموجودة17ألا ترى أن فعوالا أخت فعوال كقرواش18وأخت فعوال كعصواد19 وأن مفعالا أخت مفعال كمحراب02 وأن كل واحد من مفلان ومفوان وفعوان لا يقرب منه شيء من أمثلة كلامهم.
وتقول على ذلك في تمثيل21 أيمن من قوله22:
يبري لها من أيمن وأشمل
لا يخلو أن يكون أفعلا أو فعلنا أو أيفلا أو فيعلا. فيجوز هذا كله لأن بعضه له نظير "وبعضه قريب مما له نظير"23، الا ترى أن أفعلا24 كثير النظير، كأكلب
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كذلك".
2 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "يقسم".
3 في ز: "من نحو".
4 ثبت في هذا الحرف في ط.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيقول".
6 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط، وثبت في ش.
7 في ز: "مما".
8 كذا في ش، وفي ط: "يحتمل" وفي د، هـ، ز: "ينتجك".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "له".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز "يقول".
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط، "يجوز".
12 في ط: "ولا".
13 كذا في ز، ط، وفي ش: "معوان".
14 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "هذا".
15 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "نحوه".
16 سقط ما بين القوسين في ش، ط.
17 سقط في ش.
18 هو الطفيل.
19 من معانيه الجلبة والاختلاط.
20 سقط في ش.
21 سقط في ش.
22 أي أبي النجم في أرجوزته الطويلة وهي مبثتة في الفوائد الأدبية، والبيت في وصف الراعي لإبل أطال في وصفها، و"يبرى لها": يعارضها.
23 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
16 في ط: "أفعل".(3/70)
إذا قسمته: لا يخلو أن يكون فعولا كثدي، أو فعيلا كشعير، أو فعيا كمئي إذا نسبت إلى مائة ولم تردد لامها أو فعلا، كطمر. ولا تقول في قسمتها: أو فوعلًا أو إفعلا أو فويًا أو إفلعا1 أو نحو ذلك؛ لبعد هذه الأمثلة مما جاء عنهم. فإذا تناءت عن مثلهم إلى ههنا لم تمرر2 بها في التقسيم؛ لأن مثلها ليس مما يعرض الشك فيه، ولا يسلم الفكر به ولا توهم الصنعة كون مثله.
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "أفعلا".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يمرر".(3/72)
باب في خصوص ما يقنع 1 فيه العموم من أحكام صناعة الإعراب:
وذلك كأن تقول في تخفيف همزة نحو صلاءة وعباءة: لا تلقى حركتها على الألف؛ لأن الألف لا تكون مفتوحة أبدا. فقولك: "مفتوحة" تخصيص لست2 بمضطر إليه؛ ألا ترى أن الألف لا تكون متحركة أبدا بالفتحة ولا غيرها. وإنما صواب ذلك أن تقول: لأن الألف لا تكون متحركة أبدا.
وكذلك3 لو قلت: لأن4 الألف لا تلقى عليها حركة الهمزة لكان -لعمري- صحيحًا كالأول؛ إلا أن فيه تخصيصًا يقنع منه5 عمومه.
فإن قلت: استظهرت بذلك للصنعة قيل: لا بل، استظهرت به عليها، ألا ترى أنك إذا قلت: إن الألف لا تكون مفتوحة أبدا جاز أن يسبق إلى نفس
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "يقع".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ليس".
3 في د، هـ: "لذلك".
4 في ش: "إن".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيه".(3/72)
من يضعف نظره أنها وإن تكن مفتوحة فقد يجوز أن تكون مضمومة أو مكسورة. نعم وكذلك إذا قلت: إنها لا تلقي عليها حركة الهمزة جاز أن يظن أنها1 تلقى عليها حركة غير الهمزة. "فإذا أنت قلت: لا يلقى عليها الحركة"2 أو لا تكون متحركة أبدا احتطت للموضع واستظهرت للفظ والمعنى.
وكذلك لو قلت: إن ظننت وأخواتها تنصب مفعوليها3 المعرفتين -نحو طننت أخاك أباك لكنت -لعمري- صادقا إلا انك مع ذلك كالموهم به أنه4 إذا كان مفعولاها نكرتين كان لها حكم غير حكمها إذا كانا معرفتين. ولكن إذا قلت: ظننت وأخواتها تنصب مفعوليها عممت الفريقين بالحكم5 وأسقطت الظنة عن المستضعف الغمر، وذكرت هذا النحو من هذا اللفظ حراسة له6، وتقريبًا منه ونفيًا لسوء المعتقد عنه 7.
__________
1 في د، هـ، ز: "أن".
2 سقط ما بين القوسين في ش.
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مفعوليهما".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أنها".
5 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
6 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "لها".
7 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فيه".(3/73)
باب في تركيب المذاهب:
قد كنا أفرطنا في هذا الكتاب تركيب1 اللغات. وهذا الباب نذكر فيه كيف تتركب المذاهب إذا ضممت بعضها إلى بعض وأنتجت2 بين ذلك مذهبا.
وذلك أن أبا عثمان كان يعتقد مذهب يونس في رد المحذوف في التحقير وإن غنى المثال عنه فيقول3 في تحقيرها هارٍ: وهو يئر، وفي يضع4 اسم رجل: يويضع5،وفي بالة من قولك6 ما7 باليت به بالة: بويلية. وسيبويه إذا استوفى التحقير8 مثاله لم يردد ما كان قبل ذلك محذوفًا. فيقول هوير ويضيع9، وبويلة.
وكان أبو عثمان أيضًا يرى رأي سيبويه في صرف10 نحو جوارٍ علما وإجرائه بعد العلمية على ما كان عليه قبلها. فيقول11 في رجل أو امرأة اسمها جوارٍ12 أو غواشٍ بالصرف في الرفع والجر على حاله قبل نقله، ويونس لا يصرف ذلك ونحوه علما ويجريه مجرى الصحيح في ترك الصرف.
فقد تحصل إذا لأبي عثمان مذهب مركب من مذهبي الرجلين، وهو الصرف على مذهب سيبويه، والرد على مذهب يونس. فتقول13 على قول أبي عثمان في تحقير اسم رجل سميته بيري: هذا يرىءٍ كيريع 14. فترد الهمزة على قول يونس وتصرف على قول سيبويه. ويونس يقول في هذا: يربئى "بوزن14 يريعي" فلا يصرف وقياس قول سيبويه يرى، فلا يرد، وإذا لم يرد لم يقع الطرف بعد كسرة فلا يصرف إذًا، كما لا يصرف أحي تصغير15 أحوي. وقياس قول أن يصرف16 فيقول17: يريٌ؛ كما يصرف18 تحقير أحوي: أحيٌ.
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز "تركب"، وانظر ص275 من الجزء الأول.
2 في ط: "فافتتحت".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز، ط: "فنقول". وانظر في مذهب يونس الكتاب 2/ 125.
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تضع".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تويضع".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قولهم".
7 سقط هذا الحرف في ش.
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "في التحقير".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تضيع".
10 يريد بالصرف التنوين، ومعروف أنه تنوين عوض لا تنوين صرف.
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فنقول".
12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "و".
13 كذا في ش، ط، وف يد، هـ، ز: "فنقول".
14 سقط في ش، ط، وثبت في ز.
15 سقط ما بين القوسين في ش، وثبت في ط، ز.
16 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تحقير".
17 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فنقول".
18 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تصرف".(3/74)
فقد عرفت إذًا تركب مذهب أبي عثمان من1 قولي2 الرجلين.
فإن خففت همزة يرىءٍ قلت يريى فجمعت3 في اللفظ بين ثلاث ياءات، والوسطى4 مكسورة. ولم5 يلزم حذف الطرف للاستثقال، كما حذف في تحقير أحوي إذا قلت: أحي؛ من قبل أن الياء الثانية ليست ياء مخلصة، وإنما هي همزة مخففة فهي6 في تقدير الهمز7. فكما لا تحذف في قولك: يرىءٍ، كذلك لا تحذف في قولك: يريى. ولو رد عيسى كما رد يونس8 للزمه ألا يصرف في النصب لتمام مثال الفعل؛ فيقول: رأيت يريئ ويريى، وأن يصرف في الرفع والجر على مذهب سيبويه، حملا لذلك على صرف جوارٍ.
و"من ذلك"9 قول أبي عمر10 في حرف التثنية: إن الألف حرف الإعراب ولا إعراب فيها، وهذا هو11 قول سيبويه. وكان يقول: إن انقلاب الألف إلى الياء هو الإعراب. وهذا12 هو قول الفراء أفلا تراه كيف تركب له في التثنية مذهب ليس بواحد من المذهبين الآخرين.
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "في".
2 كذا في ط، وفي ش: "قول".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فجعلت".
4 سقط حرف العطف في ط.
5 كذا في ط، وسقط حرف العطف في ز، ش.
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهي".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الهمزة".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "على يونس".
9 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "كذلك".
10 هو الجرمي، وانظر في الإنصاف المسألة الثالثة.
11 سقط في ش، ط.
12 سقط الضمير في ش.(3/75)
وقال أبو العباس في قولهم: "أساء سمعا فأساء جابة": إن أصلها إجابة، ثم كثر فجرى مجرى المثل، فحذفت همزته تخفيفًا فصارت جابة. فقد تركب الآن من قوله هذا وقولي1 أبي الحسن والخليل مذهب طريف. وذلك أن أصلها اجوابة فنقلت الفتحة من العين إلى الفاء فسكنت العين "وألف إفعالة بعدها ساكنة فحذفت الألف على قول الخليل، والعين"2 على قول3 أبي الحسن، جريا على خلافهما4 المتعالم من مذهبيهما في مقول ومبيع. فجابة على قول الخليل إذا ضامه "قول أبي العباس"5 فعلة ساكنة العين، وعلى قول أبي الحسن إذا ضامه قول أبي العباس فالة 6.
"أفلا ترى"7 إلى هذه الذي أدى إليه مذهب أبي العباس في هذه اللفظة "وأنه8 قول" مركب ومذهب لولا ما أبدعه فيه أبو العباس لكان غير هذا.
وذلك أن الجابة -على الحقيقة- فعلة مفتوحة العين، جاءت على أفعل بمنزلة أرزمت9 السماء رزمة، وأجلب القوم جلبة. ويشهد أن10 الأمر كذا، ولا11 كما ذهب إليه أبو العباس قولهم: أطعت طاعة، وأطقت طاقة. وليس واحدة12 منهما بمثل ولا كثرت13 فتجري مجرى المثل فتحذف همزتها، إلا أنه تركب من قول أبي العباس فيها إذا سبق على مذهبي الخليل وأبي الحسن ما قدمناه: من كونها فعلة ساكنة العين "أو فالة"14 كما ترى. وكذا كثير من المذاهب التي هي مأخوذة من قولين ومسوقة على أصلين: هذه حالها.
__________
1 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "قول".
2 ما بين القوسين سقط في د، هـ، ز.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "مذهب".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "مذهبهما خلافهما".
5 سقط ما بين القوسين في ش.
6 سقط في ش.
7 في ز: "ألا يرى".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "فإنه مقول".
9 أي كان للرعد فيها صوت.
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "لأن".
11 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "ما".
12 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "واحد".
13 في د، هـ، ز: "إن".
14 سقط ما بين القوسين في ش.(3/76)
باب في السلب:
نبهنا أبو علي -رحمه الله- من هذا الموضع على ما أذكره وأبسطه، لتتعجب1 من حسن الصنعة فيه.
اعلم أن كل فعل أو اسم مأخوذٍ من الفعل أو فيه معنى الفعل، فإن وضع ذلك في كلامهم على إثبات معناه لا سلبهم إياه.
وذلك قولك2: قام فهذا لإثبات القيام، وجلس لإثبات الجلوس، وينطلق لإثبات الانطلاق، وكذلك الانطلاق ومنطلق: جميع ذلك وما كان مثله إنما هو لإثبات هذه المعاني لا لنفيها. ألا ترى أنك إذا أردت نفي شيء منها ألحقته حرف النفي فقلت: ما فعل، ولم يفعل، ولن يفعل "ولا تفعل"3 ونحو ذلك.
ثم إنهم مع هذا قد استعملوا ألفاظا من كلامهم من الأفعال ومن4 الأسماء الضامنة لمعانيها، في سلب تلك المعاني لا إثباتها. ألا ترى أن تصريف "ع ج م" أين وقعت في كلامهم إنما "هو5 للإبهام" وضد البيان. ومن ذلك العجم لأنهم6 لا يفصحون، وعجم7 الزبيب ونحوه لاستتار في ذي العجم ومنه عجمة الرمل لما استبهم منه على سالكيه فلم يتوجه8 لهم. ومنه عجمت العود ونحوه إذا عضضته: لك فيه وجهان: إن شئت قلت: إنما ذلك لإدخالك إياه في فيك وإخفائك9 له،
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لتعجب".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "نحو قولهم".
3 سقط ما بين القوسين في ش، ط.
4 سقط هذا الحرف في ش.
5 كذا في ط، وفي ش: "هي للإبهام"، وفي د، هـ، ز: "هو الإبهام".
6 سقط في د، هـ، ز.
7 عجم الزبيب، نواه.
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تتوجه".
9 في ط: "إياه".(3/77)
وإن شئت قلت: "إن1 ذلك" لأنك لما عضضته ضغطت2 بعض ظاهر3 أجزائه "فغارت"4 في المعجوم، فخفيت. ومن ذلك استعجمت الدار إذا لم تجب سائلها، قال5:
صم صداها وعفا رسمها ... واستعجمت عن منطق السائل
ومنه "جرح6 العجماء جبار"، لأن البهيمة لا تفصح عما في نفسها. ومنه "قيل لصلاة"7 الظهر والعصر: العجماوان لأنه لا يفصح فيهما بالقراءة. "وهذا"8 كله على ما تراه من الاستبهام9 وضد البيان، ثم إنهم قالوا: أعجمت الكتاب إذا بينته10 وأوضحته. فهو11 إذًا لسلب معنى الاستبهام لا إثباته.
ومثله12 تصريف "ش ك و" فأين13 وقع ذلك فمعناه إثبات الشكو والشكوى والشكاة وشكوت واشتكيت. فالباب فيه كما تراه لإثبات هذا المعنى، ثم إنهم
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش.
2 في ط: "وضغطت".
3 سقط في ش.
4 كذا في ش، وفي ط: "غارت"، وسقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
5 أي امرؤ القيس.
6 أي إذا أتلفت العجماء شيئا إذا تفلتت من صاحبها فلا ضمان عليه، والجبار: الهدر.
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: في مكان ما بين القوسين: "صلاة".
8 كذا في ش، وفي ط: "هذا"، وفي د، هـ، ز: "فهذا".
9 في ز، ش: "الاستفهام" وهو تحريف.
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ابنته".
11 كذا في ش، وفي ط: "فهذا": وفي د، هـ، ز: "وهذا".
12 كذا في ش، ط: "وفي د، هـ، ز: "سنه".
13 كذا في ش: وفي د، هـ، ز: "أين".(3/78)
قالوا: أشكيت الرجل إذا "زلت له عما يشكوه"1 فهو2 إذًا لسلب معنى الشكوى لا لإثباته أنشد أبو زيد:
تمد بالأعناق أو تلويها ... وتشتكي لو أننا نشكيها
مس حوايا قلما نجفيها3
وفي الحديث4: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حر الرمضاء فلم يشكنا، أي فلم5 يفسح لنا في إزالة ما شكوناه من ذلك إليه.
ومنه6 تصريف "م ر ض" "إنها لإثبات معنى"7 المرض، نحو مرض يمرض وهو مريض "ومارض"8 ومرضى ومراضى.
ثم إنهم قالوا: مرضت الرجل أي داويته من مرضه حتى أزلته عنه أو لتزيله عنه.
وكذلك تصريف "ق ذ ي" إنها9 لإثبات معنى القذى منه "قذت عينه وقذيت وأقذيتها ثم إنهم مع هذا يقولون: قذيت عينه"10 إذا أزلت عنها القذى وهذا11 لسلب القذى لا لإثباته.
__________
1 كذا في ش، وفي ط: "أزلت عنه ما يشكوه"، وفي د، هـ، ز: "أزلت شكواه".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "وهذا"، وفي ط: "فهذا".
3 قال ابن السيرافي: "وصف إبلا قد أتعبها السير، فهي تمد أعناقها"، والإبل إذا أعيت ذلت ومدة أعناقها أو لونها، وقوله: "مس حوايا" مفعول "تشتكي" والحوايا جمع الحوية، وهي كساء محشو حول سنام البعير، وقوله: "نجفيها" أي تزيل عنها الحوايا، وذلك بترك الرحيل. وانظر الخزانة 4/ 530، واللسان "جفو".
4 رواه مسلم في أوقات الصلاة، والرمضاء: الرمل الذي اشتد حمرته، وكانوا سألوه تأخير صلاة الظهر، وقيل: إذا هذا نسخة حديث الإبراد، وانظر شرح النووي.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لم".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مثله".
7 في ط: "إنما هي إثبات معان هي".
8 سقط ما بين القوسين في ش.
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "إنما هي".
10 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فهذا".(3/79)
ومنه حكاية الفراء عن أبي1 الجراح: بي إجل فأجلوني، أي داووني ليزول عني. والإجل: وجع في العنق.
ومن ذلك تصريف "أث م" أين هي وقعت لإثبات معنى الإثم؛ نحو أثم يأثم وآثم وأثيم وأثوم "والمأثم"2 وهذا كله لإثباته.
ثم إنهم قالوا: تأثم أي ترك الإثم. ومثله تحوب أي ترك الحوب.
فهذا كله كما3 تراه في الفعل وفي ذي الزيادة لما سنذكره.
وقد وجدته أيضًا في الأسماء غير الجارية على الفعل إلا أن فيها معاني الأفعال، كما أن مفتاحًا فيه معنى الفتح وخطافًا فيه معنى الاختطاف4، وسكينًا فيه معنى التسكين وإن لم يكن واحد من ذلك جاريًا على الفعل.
فمن تلك الأسماء قولهم: التودية لعودٍ5 يصر على خلف الناقة ليمنع6 اللبن. وهي7 تفعلة من ودى يدى، إذا سال وجرى، وإنما هي لإزالة الودى لا لإثباته. فآعرف ذلك.
ومثله8 قولهم السكاك للجو، هو لسلب معنى تصريف9 "س ك ك" ألا ترى أن ذلك للضيق أين وقع. منه أذن سكاء أي9 لاصقة، وظليم أسك: إذا ضاق ما بين منسميه، وبئر سك، أي ضيقة10 الجراب. ومنه11 قوله:
ومسك سابغةٍ هتكت فروجها
يريد ضيق حلق الدرع. وعليه بقية الباب. ثم قالوا للجو -ولا أوسع منه: السكاك؛ فكأنه سلب ما في غيره من الضيق.
__________
1 في اللسان "أجل": "ابن الجراح".
2 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "على ما".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الخطف".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "للعود".
6 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "لمنع".
7 سقط حرف العطف في د، هـ، ز.
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "منه".
9 سقط في ش.
10 جراب البئر: جوفها من أعلاها إلى أسفلها، وفي ط: "الجوانب".
11 أي عنترة في معلقته، وصدره:
بالسيف من حامي الحقيقة معلم
والسابغة: الدرع، ومسكها حيث تسمر وتشبك، ويريد بحامي الحقيقة المعلم نفسه.(3/80)
ومن ذلك قولهم: النالة لما حول الحرم. والتقاؤهما أن من كان فيه لم تنله اليد؛ قال الله -عز اسمه: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} 1. فهذا لسلب هذا المعنى لا لإثباته.
ومنه: المئلاة للخرقة في يد النائحة تشير بها. قال2 لي أبو علي: هي من ألوت، فقلت له: فهذا إذًا من "ما ألوت"؛ لأنها لا تألو أن تشير بها؛ فتبسم رحمه الله إلي3 إيماء؛ إلى ما نحن إليه وإثباتًا له واعترافًا به. وقد مر بنا من ذلك ألفاظ غير هذه.
وكان أبو علي -رحمه الله- يذهب في الساهر إلى هذا، ويقول: إن قولهم: سهر فلان أي نبا جنبه عن الساهرة "وهي وجه الأرض"4 قال الله عز وجل: {فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ} 5 فكأن6 الإنسان إذا سهر قلق جنبه عن مضجعه ولم يكد يلاقي الأرض فكأنه سلب الساهرة.
ومنه تصريف "ب ط ن" إنما هو لإثبات معنى البطن نحو بطن، وهو بطين ومبطان، ثم قالوا: رجل مبطن7 للخميص البطن8 فكأنه9 لسلب هذا المعنى؛ قال الهذلي 10:
مخطوف الحشا زرم
وهذا مثله سواءً.
__________
1 آية 97 سورة آل عمران.
2 سقط في د، هـ، ز.
3 سقط في ش.
4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
5 آية 14 سورة النازعات.
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وكأن".
7 في د، هـ، ز بعده: "إذا كان".
8 سقط في د، هـ، ز، ط.
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وكأنه".
10 هو ساعدة بن جؤية، والبيت بتمامه:
موكل بشدوف الصوم يرقبه ... من المعازب مخطوف الحشا زرم
والصوم: شجر على شكل الإنسان، وشدوفه: شخرصه، والمعازب: الأمكنة البعيدة، ومخطوف الحشا: ضامره، وزرم: لا يثبت في مكان، وهو يصف ثورا، قال الأصمعي: إنه يرقب شجر الصوم يخشى أن يكون إنسانا، وانظر الأمالي جـ1/ 25.(3/81)
وأكثر ما وجدت هذا1 المعنى من الأفعال فيما كان ذا زيادة؛ ألا ترى أن أعجم ومرض وتحوب وتأثم كل واحد منها ذو زيادة. فكأنه إنما كثر فيما كان ذا زيادة من قبل أن السلب معنى حادث على إثبات الأصل الذي هو الإيجاب2؛ فلما كان السلب معنى زائدًا حادثًا لاق به من الفعل ما كان ذا زيادة؛ من حيث كانت الزيادة حادثة طارئة على الأصل الذي هو الفاء والعين واللام كما أن التأنيث لما كان معنى3 طارئًا4 على التذكير احتاج إلى زيادة في اللفظ علمًا له كتاء طلحة وقائمة وألفى بشرى وحمراء وسكرى5؛ وكما أن التعريف لما كان طارئًا على التنكير احتاج إلى زيادة لفظ به كلام التعريف في الغلام والجارية ونحوه6.
فأما سهر فإن في بابه وإنه7 خرج إلى سلب8 أصل الحرف بنفسه من غير زيادة فيه؛ فلك فيه عذران:
إن شئت قلت: إنه وإن عري من زيادة الحروف فإنه9 لم يعر من زيادة ما هو مجارٍ للحرف وهو ما فيه من الحركات. وقد عرفت10 من غير وجهٍ مقاربة الحروف للحركات والحركات للحروف فكأن في "سهر" ألفًا وياء حتى كأنه ساهير فكأنه11 إذًا ليس بعار من الزيادة؛ إذ كان فيه ما هو مضارع للحرف، أعني الحركة. فهذا وجه.
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الإثبات".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أمرا".
4 في ش: "حادثا".
5 سقط في ش.
6 سقط في د، هـ، ز.
7 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "إنما" وفي ط: "إنه".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "السلب".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وإنه".
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "عرفنا".
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وكأنه".(3/82)
وإن شئت قلت: خرج "سهر" منتقلًا عن أصل بابه إلى سلب معناه منه1؛ كما خرجت الأعلام عن شياع الأجناس إلى خصوصها بأنفسها لا بحرف يفيد التعريف فيها؛ ألا ترى أن بكرًا وزيدًا ونحوهما من الأعلام إنما تعرفه بوضعه، لا بلام التعريف2 فيه، كلام الرجل والمرأة وما أشبه ذلك. وكما أن ما كان مؤنثًا بالوضع كذلك أيضًا، نحو هند وجملٍ وزينب وسعاد فاعرفه. ومثل سهر في تعريه من الزيادة قوله 3:
يخفي النراب بأظلاف ثمانية
ومن ذي الزيادة منه قولهم: أخفيت الشيء أي4 أظهرته.
وأنا أرى أن في هذا الموضع من العربية ما أذكره لك، وهو أن هذا المعنى الذي وجد في الأفعال من الزيادة على معنى الإثبات بسلبه5 كأنه مسوق على ما جاء من الأسماء ضامنًا لمعنى الحرف، كالأسماء المستفهم بها، نحو: كم6 ومن وأي وكيف ومتى وأين7 وبقية الباب. فإن الاستفهام معنى حادث فيها على ما وضعت له الأسماء
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فيه".
2 كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "تعريف".
3 أي عبدة بن الطبيب، وعجزه:
في أربع مسهن الأرض تحليل
وهو من قصيدة طويلة مفضلية، يصف فيه ثورا وحشيا صارع كلاب الصيد، ونجا منها وأسرع السير، وهو في عدوه يستخرج التراب ويظهره بأظلافه الثمانية في أربع قوائمه، في كل قائمة ظلفان، وذكر أن القوائم تلمس الأرض لمسا خفيفا، كمن يفعل الشيء لتحليل القسم على فعله، لا رغبة فيه.
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "إذا".
5 كذا في د، ز، وفي ش، ط: "لسلبه".
6 ثبت هذا اللفظ في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط.
7 سقط في ش.(3/83)
من إفادة معانيها. وكذلك الأسماء المشروط بها: من وما وأي، وأخواتهن، فإن الشرط معنى زائد على مقتضاهن: من معنى الأسمية. فأرادوا ألا تخلو الأفعال من شيء من هذا الحكم -أعني1 تضمنها معنى حرف النفي- كما تضمن الأسماء معنى حرف الإستفهام، ومعنى حرف الشرط2 ومعنى حرف التعريف في أمس والآن، ومعنى حرف الأمر في تراك وحذار وصه ومه ونحو ذلك. وكأن الحرف الزائد الذي لا يكاد3 ينفك4 منه أفعال السلب يصير كأنه عوض من حرف5 السلب. وأيضًا فإن الماضي وإن عرى من حرف6 الزيادة فإن المضارع لا بد له من حرف المضارعة والأفعال كلها تجري مجرى المثال الواحد. فإذا وجد في بعضها شيء فكأنه موجود في بقيتها.
وإنما جعلنا هذه الأفعال في كونها ضامنة لمعنى حرف النفي ملحقة بالأسماء في ذلك، وجعلنا الأسماء أصلا فيه، من حيث كانت الأسماء أشد تصرفًا في هذا ونحوه من الأفعال، إذ كانت هي الأول، والأفعال توابع وثوانٍ لها، وللأصول من الاتساع والتصرف ما ليس للفروع.
فإن قيل: فكان يجب على هذا أن يبنى من الأسماء ما تضمن هذا المعنى، وهو ما ذكرته: من التودية والسكاك7 والنالة والمئلاة وأنت ترى كلا من ذلك معربا.
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "عن".
2 كذا في د، هـ، ط، وفي ش: "النفي".
3 سقط في ش.
4 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "تنفك" وفي ط: "يخلو".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "حروف".
6 كذا في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "سكاك".(3/84)
قيل: الموضع في هذا المعنى من السلب إنما هو للفعل، وفيه كثرته، فلما لم يؤثر هذا المعنى في نفس الفعل كان ألا يؤثر فيما هو محمول عليه "أولى1 و" أحرى بذلك.
فإن قيل: وهلا أثر هذا المعنى في الفعل أصلا، كما يؤثر تضمن معنى الحرف في الاسم؟
قيل: البناء لتضمن معنى الحرف أمر "يخص2 الاسم" ككم وأين وكيف ومتى ونحو ذلك، والأفعال لا تبنى لمشابهتها الحروف. أما الماضي فلأن فيه من البناء ما يكفيه، وكذلك فعل الأمر العارى من حروف المضارعة، نحو افعل. وأما المضارع فلأنه لما أهيب3 به ورفع عن ضعة4 البناء إلى شرف الإعراب لو يروا أن يتراجعوا به إليه وقد انصرفوا5 به عنه لئلا يكون ذلك نقصا.
فإن قلت: فقد بنوا من الفعل المعرب ما لحقته نون التوكيد نحو لتفعلن.
قيل: لما خصته النون بالاستقبال، ومنعته الحال التي المضارع أولى بها جاز أن يعرض له البناء. وليس كذلك السين وسوف؛ لأنهما لم يبينا معه بناء نون التوكيد فيبنى هو، وإنما هما فيه كلام التعريف "الذي لا يوجب"6 بناء الاسم فاعرفه.
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش.
2 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "يختص الاسم"، وفي ط: "يختص في الاسم".
3 يقال: أهاب به أي دعاه، وإذا دعاه فإنه لم يهمله بل ذكره ورفع منه، وهذا ما عناه المؤلف.
4 في د: "ضعفة".
5 سقط في ش، ط.
6 كذا في ش، وفي ط: "التي لا توجب"، وفي د، هـ، ز: "التي توجب".(3/85)
باب في وجوب الجائز 1:
وذلك في الكلام على ضربين:
أحدهما أن توجبه الصنعة فلا بد إذًا منه.
والآخر أن تعتزمه العرب فتوجبه وإن كان القياس يبيح غيره.
الأول: من ذلك كأن تقول في تحقير أسود: أسيد. وإن شئت صححت فقلت: أسيود. والإعلال فيه أقوى لا جتماع الياء والواو وسبق الأولى منهما بالسكون. وكذلك جدول تقول فيه: جديل. وإن شئت صححت فقلت: جديول. فإذا صرت إلى تحقير نحو2 عجوز، ويقوم اسم رجل، قلت بالإعلال لا غير: عجيز، ويقيم. وفي مقام: مقيم البتة. وذلك أنك إنما كنت تجيز أسيود وجديولا3 لصحة الواو في الواحد، وظهورها في الجمع؛ نحو أساود وجداول. فأما مقام يقوم علمًا فإن العين وإن ظهرت في تكسيرهما -وهو مقاوم ويقاوم- فإنها في الواحد معتلة؛ ألا "ترى4 أنها" في "مقام" مبدلة وفي "يقوم" مضعفة بالإسكان لها ونقل الحركة إلى الفاء عنها. فإذا كنت تختار فيما تحركت5 واو واحدة وظهرت في جمعه الإعلال، صار القلب فيما ضعفت واوه بالقلب، وبألا تصح في جمعه واجبًا لا جائزًا. وأما واو عجوز فأظهر أمرًا في وجوب الإعلال من يقوم ومقام6؛
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الجواز".
2 كذا في د، هـ، ز، وسقط في ش، ط.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "جديول".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تراها".
5 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "تحرك".
6 كذا في ط، وفي ش، ز "مقاوم".(3/86)
فذهب الكسائي فيه إلى أن أصله وآر، وأنه فعال من وأرت النار إذا حفرت لها الإرة1، فخففت الهمزة فصارت لفظًا إلى ووار فهمزت الفاء البتة فصارت: أوار. ولم يأت منهم2 على أصله: وآر ولا3 مخففا "مبدل4 العين": ووار. وكلاهما يبيحه القياس ولا يحظره.
فأما قول الخليل في فعل من وأيت إذا خففته: أويٌ فقد رده أبو الحسن وأبو عثمان وما أبيا منه عندي5 إلا مأبيًا.
وكذلك البرية فيمن أخذها6 من برأ الله الخلق -وعليه أكثر الناس، والنبي عند سيبويه7 ومن تبعه فيه، والذرية فيمن أخذها من ذرأ الله الخلق. وكذلك ترى وأرى ونرى ويرى في أكثر الأمر، والخابية، ونحو ذلك مما ألزم التخفيف. ومنه ما ألزم البدل، وهو النبي -عند سيبويه، وعيد؛ لقولهم: أعياد، وعييد.
ومن ذلك ما يبيحه8 القياس في نحو يضرب ويجلس ويدخل ويخرج: من اعتقاب الكسر والضم على كل واحدة9 من هذه العيون وأن يقال: يخرج ويخرج، ويدخل ويدخل، ويضرب ويضرب، ويجلس ويجلس، قياسًا على ما اعتقبت على عينه الحركتان معًا؛ نحو يعرش ويعرش ويشنق ويشنق10 ويخلق ويخلق11، وإن كان
الكسر في عين12 مضارع فعل أولى به من يفعل؛ لما قد ذكرناه في شرح تصريف أبي عثمان، فإنهما على كل حال مسموعان أكثر السماع في عين مضارع فعل.
فاعرف ذلك ونحوه مذهبًا للعرب، فمهما ورد منه فتلقه عليه
__________
1 هو موقد النار.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "عنهم".
3 سقط في د، هـ، ز.
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "غير مبدل العين"، وفي ش: "غير مبدل الفاء".
5 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
6 ويأخذها بعض اللغويين من البرى أي التراب.
7 انظر الكتاب 2/ 170.
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ينتجه".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "واحد".
10 كذا في ط، وفي ز، ش: "يسبق، ويسبق"، وأما أثبت موافق لما في المعاجم.
11 كذا في ز، ط، وفي ش: "يخلق ويحلق" وهو تصحيف، وفي الجمهرة 3/ 449: "ويحلقون ويخلقون" بضم اللام وكسرها.
12 سقط في ش.(3/88)
باب في وجوب الجائز
...
لأنها1 لاحظ لها في2 الحركة. ولا تظهر أيضًا في التكسير، إنما تقول: عجائز ولا يجوز3 عجاوز على كل4 حال.
وكذلك تقول: ما قام إلا زيدًا أحدٌ فتوجب النصب إذا تقدم المستثنى، إلا في لغة ضعيفة. وذلك أنك قد كنت تجيز: ما قام أحد إلا زيدًا، فلما قدمت المستثنى لم تجد قبله ما تبدله منه، فأوجبت من النصب له ما كان جائزًا فيه. ومثله: فيما قائمًا رجل. وهذا معروف.
الثاني منهما وهو اعتزام أحد الجائزين. وذلك قولهم5: أجنة في الوجنة.
قال أبو حاتم: ولا6 يقولون7: وجنة، وإن كانت جائزة. ومثله قراءة بعضهم: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} 8 وجمع وثن ولم يأت فيه التصحيح: وثن. فأما أقتت ووقتت، ووجوه وأجوه "وأرقة9 وورقة" ونحو ذلك فجميعه مسموع.
ومن ذلك قوله10:
وفوارسٍ كأوار حـ ... ـر النار أحلاس الذكور
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 في ط: "من".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تقول".
4 سقط في د، هـ، ز، ط.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قولك".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فلا".
7 في ط: "تقولن" وكأن هذا رأي أبي حاتم، وقد أثبت اللغويون الوجنة: وهي لغة في الوجنة بفتح الواو.
8 هذا في آية 117 من سورة النساء، وقد قرئ أيضا: "وثنا" بالتصحيح.
9 ما بين القوسين سقط في ش، والورقة من الألوان: سواد في غبرة، أو سواد وبياض.
10 أي المنخل اليشكري: وهو من قصيدة في الحماسة، وانظر شرح التبريزي "التجارية" 2/ 103.(3/78)
باب في إجراء اللازم مجرى غير اللازم وإجراء غير اللازم مجرى اللازم:
الأول منهما كقوله1:
الحمد لله العلي الأجلل
وقوله:
تشكو الوجى من أظللٍ وأظلل2
وقوله:
وإن رأيت الحجج الرواددا ... قواصرا بالعمر أو مواددا3
ونحو ذلك مما ظهر تضعيفه. فهذا عندنا على إجراء اللازم مجرى غير اللازم من المنفصل؛ نحو جعل لك وضرب4 بكر؛ كما شبه غير اللازم "من ذلك"5 باللازم فادغم؛ نحو ضر بكر وجعلك؛ فهذا6 مشبه في اللفظ بشد ومد واستعد ونحوه مما لزم فلم يفارق.
ومن ذلك ما حكوه من قول بعضهم: عوى الكلب عوية. وهذا عندي وإن كان لازمًا فإنه أجرى مجرى بنائك من باب طويت فعلة وهو قولك: طوية.
__________
1 أي أبي النجم، وهو أول أرجوزته الطويلة.
2 انظر ص162 من الجزء الأول.
3 "مواددا" كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "صواددا" وانظر ص162 من الجزء الأول.
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فعل".
5 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ: "وهذا".(3/89)
كقولك: امرأة1 جوية ولوية من الجوي2 واللوي3؛ فإن4 خففت حركة العين فأسكنتها قلت: طوية وجوية ولوية فصححت العين ولم تعلها5 بالقلب والادغام لأن الحركة فيها منوية.
وعلى ذلك قالوا6 في فعلان من قويت: قويان، فإن أسكنوا صححوا العين أيضًا فقالوا: قويان، ولم يردوا اللام7 أيضًا وإن زالت الكسرة من قبلها؛ لأنها مرادة في العين، فكذلك قالوا: عوى الكلب عوية تشبيهًا "بباب8 امرأة" جوية ولوية وقويان، هذا الذي نحن بصدده.
فإن قلت: فهلا قالوا أيضًا9 على قياس هذا: طويت الثوب طوية وشويت اللحم شوية، رجع الجواب الذي تقدم في أول الكتاب: من أنه لو فعل ذلك لكان قياسه قياس ما ذكرنا10، وأنه ليست لعوى فيه مزية على طوى وشوى؛ كما لم يكن لجاشم11 ولا قاثم مزية يجب لها العدل بهما إلى جشم وقثم على مالك وحاتم، إذ لم يقولوا: ملك ولا حتم. وعلى أن ترك الاستكثار مما فيه إعلال أو استثقال هو القياس.
__________
1 في ط بعده: "طويلة و".
2 هو الحرقة وشدة الوجد من عشق أو حزن.
3 هو وجع في المعدة.
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "وإن".
5 كذا في ش، وفي ز، ط: "تعللها".
6 في ط: "ما قالوا".
7 أي وهي الواو، فلم يقولوا: "قووان".
8 كذا في ش، وفي د، هـ: "بامرأة" وفي ز: "امرأة".
9 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
10 في د، هـ، ز: "ذكرناه".
11 انظر ص53، 78 من الجزء الأول.(3/90)
ومن ذلك قراءة ابن مسعود: "فقلا له قولا لينا"1 وذلك أنه أجرى حركة اللام ههنا -وإن كانت لازمة- مجراها إذا2 كانت غير لازمة في نحو قول الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمّ} 3 و {قُمِ اللَّيْلَ} 4، وقوله:
زيادتنا نعمان لا تنسينها ... خف الله فينا والكتاب الذي تتلو5
ويروى "تق الله فينا"6. ويروى:
.....تنسينها اتـ ... ـق الله فينا
ونحوه ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر:
وأطلس يهديه إلى الزاد أنفه ... أطاف بنا والليل داجي العساكر
فقلت لعمروٍ صاحبي إذ رأيته ... ونحن على خوٍص دقاقٍ عواسر7
أي عوى الذئب فسر أنت. فلم يحفل الراء فيرد العين التي كانت حذفت لالتقاء الساكنين فكذلك شبه ابن مسعود حركة اللام من قوله: "فقلا له"8 -وإن كانت لازمة- بالحركة لالتقاء الساكنين في {قُلِ اللَّهُمّ} و {قُمِ اللَّيْلَ} وحركة الإطلاق الجارية مجرى حركة9 التقائهما في سر10.
__________
1 آية 44 سورة طه.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وإن".
3 آية 26 سورة آل عمران.
4 آية 2 سورة المزمل.
5 انظر ص288 من الجزء الثاني.
6 سقط ما بين القوسين في ش.
7 الأطلس: الذئب، وهو وصف غالب له، من الطلسة، وهي غبرة إلى سواد، وذلك لون الذئب. ويريد بالخوص الدقاق: الرواحل التي قد جهدها السير، و"عواسر" في ظاهره وصف "خوص دقاق" والعواسر من النوق: التي ترفع أذنابها عند السير من نشاطها، والمراد غير هذا كما ذكر المؤلف. وقد كتب "عوا" بالألف للإلغاز، هذا وفي ش، ج: "ورأيته" وما هنا في ز، ط.
8 سقط لفظ "له" في ش، ط.
9 سقط في د، هـ.
10 في ط: "شد".(3/91)
ومثله قول الضبي:
في فتيةٍ كلما تجمعت الـ ... ـبيداء لم يهلعوا ولم يخموا1
يريد: ولم يخيموا. فلم يحفل بضمة2 الميم، وأجراها مجرى غير اللازم فيما ذكرناه3 وغيره فلم يردد العين المحذوفة من لم يخم. وإن شئت قلت في هذين: إنه اكتفى بالحركة من الحرف، كما اكتفى الآخر بها منه في قوله:
كفاك كف ما تليق درهما ... جودا وأخرى تعط بالسيف الدما
وقول الآخر:
... بالذي تردان
أي بالذي4 تريدان5. وسيأتي هذا في بابه.
الثاني منهما وهو إجراء غير اللازم مجرى اللازم وهو كثير. من ذلك قول بعضهم في الأحمر إذا خففت همزته: لحمر حكاها أبو عثمان. ومن قال: الحمر قال: حركة اللام6 غير لازمة، إنما هي لتخفيف الهمزة والتحقيق لها جائز فيها. ونحو ذلك قول الآخر:
قد كنت تخفي حب سمراء حقبةً ... فبح لان منها بالذي أنت بائح7
فأسكن الحاء التي كانت متحركة لالتقاء الساكنين في بح الآن لما8 تحركت للتخفيف9 اللام.
__________
1 "تجمعت البيداء" أي تجمع أهلها للحرب، و"لم يخموا": لم يجبنوا ورد في اللسان "جمع" معزوا إلى محمد بن شحاذ الضبي.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بضم".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مما".
4 سقط في ش، ط.
5 في ط: "يريدان".
6 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "الحاء".
7 في ش: "خيفة" في مكان "حقبة".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كما".
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لتخفيف".(3/92)
وعليه قراءة من قرأ: {قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} 1 فأثبت واو "قالوا" لما تحركت لام لان. والقراءة القوية: "قاللان" بإقرار الواو على حذفها لأن الحركة عارضة للتخفيف.
وعلى القول الأول قول الآخر2:
حدبدبي بدبدبي منكم لان ... إن بني فزارة بن ذيبان
قد طرقت ناقتهم بإنسان ... مشيأ سبحان ربي الرحمن
أسكن ميم "منكم" لما تحركت لام "لان" وقد كانت مضمومة عند التحقيق في قولك: منكم الآن، فاعتد3 حركة التخفيف، وإن لم تكن لازمة. وينبغي أن تكون قراءة أبي عمرو: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى} 4 على هذه اللغة، وهي قولك مبتدئًا: لولى، لأن الحركة على هذا في اللام أثبت منها على قول من قال: الحمر. وإن كان حملها أيضًا على هذا جائزًا، لأن الادغام وإن كان بابه أن يكون في المتحرك فقد أدغم أيضًا في الساكن فحرك في شد ومد وفرّ يا رجل وعض ونحو ذلك. ومثله ما أنشده أبو زيد:
ألا يا هند هند بني عميرٍ ... أرثٌ لان وصلك أم جديد
ادغم تنوين رثّ في لام لان.
__________
1 آية 71 سورة البقرة والقراءة بإثبات الواو إحدى الروايتين عن نافع، وانظر البحر 1/ 257.
2 هو سالم بن دارة يهجو مر بن رافع الفزاري، يرمي فزارة بإتيان النياق، وحدبدني: لعبة للصبيان، والتطريق: أن يخرج بعض الوالد ويعسر انفصاله حين الوضع؛ والمشيأ: القبيح المنظر، وانظر اللسان "حدب"، وفيه "يا صبيان" في مكان "منكم لان"، وفي التكملة للصاغاني رواية أخرى لهذا الشعر، وفي د، هـ، ز، ط: "مشتأ" في مكان: "مشيأ"، وفي اللسان "أين" عزى هذا الرجز إلى أبي المنهال.
3 في ط: "فاعتقد".
4 آية 50 سورة النجم، يريد القراءة بإدغام التنوين في لام "لولي".(3/93)
ومما نحن على سمته قول الله -عز وجل- {لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} 1 وأصله: لكن أنا فخففت الهمزة "بحذفها2 وإلقاء" حركتها على نون لكن فصارت لكننا3 فأجرى غير اللازم مجرى اللازم فاستثقل التقاء المثلين متحركين فأسكن الأول وادغم في الثاني فصار: لكنا كما ترى. وقياس قراءة من قرأ: قاللان فحذف الواو ولم يحفل بحركة اللام أن يظهر النونين4 هنا لأن حركة الثانية غير لازمة فيقول: لكننا بالإظهار كما تقول في تخفيف حوأبة5 وجيئل6: حوبة وجيل، فيصح حرفا اللين هنا، ولا يقلبان لما كانت حركتهما غير لازمة.
ومن ذلك قولهم في تخفيف رؤيا ونؤي: رويا ونوي فتصح الواو هنا وإن سكنت قبل الياء من قبل أن التقدير فيهما7 الهمز8 كما صحت في ضوٍ ونوٍ تخفيف ضوء ونوء لتقديرك الهمز وإرادتك إياه. وكذلك أيضًا صح نحو شى وفي في تخفيف شيء وفيء لذلك9.
وسألت أبا علي -رحمه الله- فقلت: من أجرى غير اللازم مجرى اللازم فقال: لكنا كيف قياس قوله إذا خفف نحو حوءبة وجيئل أيقلب فيقول: حابة وجال أم يقيم "على التصحيح فيقول حوبة وجيل"10 فقال: القلب هنا لا سبيل إليه. وأومأ إلى أنه أغلظ من الادغام فلا يقدم عليه.
__________
1 آية 38 سورة الكهف.
2 في ط: "فحذفوها وألقوا".
3 الأوفق في الرسم: "لكن نا".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "التنوين".
5 هي الدلو الضخمة.
6 هي الضبع.
7 كذا في ش، يريد رويا ونويا، وفي د، هـ، ز، ط: "فيها" أي الواو.
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الهمزة".
9 كذا في ش، وفي ط: "كذلك"، وسقط في د، هـ، ز.
10 في ط: "فيقول: حوبة وجيل مقيما على التصحيح".(3/94)
فإن قيل فيما بعد؛ فقد قلبت العرب الحرف للتخفيف، وذلك "قول بعضهم"1 ريا ورية في تخفيف رؤيا ورؤية "وهذا واضح، قيل: الفرق أنك لما صرت إلى لفظ رويا وروية"2 ثم قلبت الواو "إلى3 الياء" فصار4 إلى ريا ورية، إنما5 قلبت حرفا إلى آخر كأنه هو؛ ألا ترى إلى قوة شبه الواو بالياء، وبعدها عن الألف فكأنك لما قلبت مقيم على الحرف نفسه ولم تقلبه لأن الواو كأنها هي الياء نفسها وليست كذلك الألف لبعدها عنهما بالأحكام الكثيرة التي قد أحطنا بها علمًا. وهذا فرق. وما6 يجري من كل واحد من الفريقين مجرى صاحبه كثير وفيما مضى من جملته كاف.
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قولهم".
2 سقط ما بين القوسين في ش.
3 كذا في ش، وفي ط: "للياء" وسقط هذا في د، هـ، ز.
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فصارت".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "إنما" وهو محرف عن "فإنما".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مما".(3/95)
باب في إجراء المتصل مجرى المنفصل، وإجراء المنفصل مجرى المتصل:
فمن الأول قولهم: اقتتل القوم واشتتموا. فهذا بيانه "نحو من بيان"1 "شئت تلك"2 وجعل لك إلا أنه أحسن من قوله:
الحمد لله العلي الأجلل
وهذا3 لأن إنما يظهر مثله ضرورة وإظهار4 نحو اقتتل واشتتم مستحسن وعن غير ضرورة.
وكذلك باب قولهم: هم يضربونني وهما يضربانني أجري -وإن كان متصلًا- مجرى يضربان نعم ويضربون5 نافعًا. ووجه الشبه بينهما أن نون الإعراب هذه6 لا يلزم7 أن يكون بعدها نون؛ ألا ترى أنك تقول: يضربان زيدًا ويكرمونك ولا تلزم8 هي أيضًا، نحو لم يضرباني. ومن ادغم نحو هذا واحتج بأن المثلين في كلمة واحدة فقال: يضرباني و"قال9 تحاجونا" فإنه يدغم أيضًا نحو اقتتل، فيقول: قتل. ومنهم من يقول: قتل ومنهم من يقول: قتل. ومنهم من يقول: اقتل، فيثبت همزة الوصل مع حركة القاف، لما كانت الحركة عارضة للنقل أو لالتقاء10 الساكنين وهذا مبين في فصل الادغام.
ومن ضد ذلك11 قولهم: ها الله ذا12، أجرى مجرى دابةٍ وشابةٍ. وكذلك قراءة من قرأ {فَلَا تَتَنَاجَوْا} 13 و {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا} 14 ومنه -عندي- قول الراجز -فيما أنشده15 أبو زيد:
من أي يومي من الموت أفرّ ... أيوم لم يقدر أم يوم قدر
__________
1 كذا في ط، وفي ز: "نحو" وفي ش: "بيان"، ويريد بالبيان الإظهار وترك الإدغام.
2 كذا في الأشباه للسيوطي، وفي ط: "سيت تلك" وهو محرف عما أثبت، وفي ش: "سبب تلك"، وفي د، هـ، ز: "ضرب بكر".
3 كذا في ش، وفي ط؛ "وبابه" وسقط في د، هـ، ز.
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز:"إظهاره.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يشتمان".
6 سقط في ط.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تلزم".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يلزم".
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قل أتحاجونا".
10 في د، هـ، ز: "النقاء".
11 سقط في د، هـ، ز.
12 سقط في ش، ط: ويريد إثبات ألف "ها" فتلتقي ساكنة مع اللام الأولى من لفظ الجلالة.
13 آية 9 سورة المجادلة، وفي الأسول: "ولا تناجوا" وهو غير التلاوة، وهو يريد القراءة بإدغام التاءين في "تتناجوا" وهي قراءة ابن محيصن، وانظر البحر 8/ 236.
14 آية 38 سورة الأعراف، وهو يريد القراءة بإثبات ألف "إذا" على الجمع بين الساكنين، وهي قراءة عصمة عن أبي عمرو، وانظر تفسير القرطبي 7/ 204.
15 انظر النوادر 13، وحماسة البحتري 45، والعقد الفريد في "فضائل الشعر" ففيه أن عليا رضي الله عنه تمثلى به، وفيه بيت آخر بعده.(3/96)
كذا أنشده أبو زيد: لم يقدر بفتح الراء وقال: أراد النون الخفيفة فحذفها وحذف نون التوكيد وغيرها من علاماته جارٍ عندنا مجرى ادغام الملحق في أنه نقض الغرض إذ كان التوكيد من1 أماكن الإسهاب والإطناب والحذف من مظان الاختصار والإيجاز. لكن القول فيه عندي أنه أراد: أيوم2 لم يقدر أم يوم قدر ثم خفف همزة "أم" فحذفها وألقى حركتها على راء "يقدر" فصار تقديره "أيوم لم يقدرم3، ثم أشبع فتحة الراء فصار تقديره"4: أيوم لم يقدر ام، فحرك الألف لالتقاء الساكنين، فانقلبت همزة، فصار تقديره أم واختار5 الفتحة إتباعًا لفتحة الراء. ونحو من هذا التخفيف قولهم في المرأة والكمأة "إذا خففت الهمزة: المراة والكماة"6. وكنت ذاكرت الشيخ أبا علي -رحمه الله- بهذا منذ بضع عشرة سنة فقال: هذا إنما يجوز في المتصل. قلت له7: فأنت أبدًا تكرر ذكر إجرائهم المنفصل مجرى المتصل فلم يرد8 شيئًا. وقد ذكرت قديما هذا الموضع في كتابي "في سر صناعة الإعراب".
ومن إجراء المنفصل مجرى المتصل قوله9:
وقد بدا هنك من المئزر
فشبه "هنك" بعضد فأسكنه10؛ كما يسكن نحو ذلك.
__________
1 كذا في ش، ط: وفي د، هـ، ز: "في".
2 في ش: "يوم".
3 "بقدوم" كذا في الأشباه، وفي ز، ط: "يقدر".
4 سقط ما بين القوسين في ش.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فاختار".
6 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
7 سقط في ش، ط.
8 كذا في ز، وفي ش، ط: "يزد".
9 انظر ص75 من الجزء الأول وص309 من الجزء الثاني.
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فأسكن".(3/97)
ومنه:
فاليوم أشرب غير مستحقب1
كأنه شبه "ر ب غ" بعضد. وكذلك ما أنشده أبو زيد:
قالت سليمى اشتر لنا سويقًا2
وهو مشبه بقولهم في علم: علم لأن "ترل"2 بوزن علم. وكذلك ما أنشده أيضًا من قول الراجز:
فاحذر ولا تكتر كريا أعوجا3
لأن "ترك" بوزن علم. وهذا الباب نحو من الذي قبله. وفيه ما يحسن ويقاس وفيه مالا يحسن ولا يقاس. ولكلٍّ وجه فاعرفه إلى ما يليه من نظيره.
__________
1 انظر ص75 من الجزء الأول، ص342 من الجزء الثاني.
2 كذا في ش، وفي ط: "ترك" وفي د، هـ، ز: "ترك لام" ويبدو أن الأصل "ترك" ولما كانت اللام تشتبه في كنايتها بالكاف كتب الكاتب فوقها "لام" فظن الناسخ بعد أنه من متن الحديث فأدرجه في الكتاب.
3 انظر ص342 من الجزء الثاني.(3/98)
باب في احتمال اللفظ الثقيل لضرورة التمثيل:
هذا موضوع يتهاداه أهل هذه الصناعة بينهم، ولا يستنكره -على ما فيه- أحد منهم.
وذلك كقولهم1 في التمثيل من الفعل في حبنطى: فعنلى. فيظهرون النون ساكنة قبل اللام. وهذا شيء ليس موجودًا في شيء من كلامهم ألا ترى أن صاحب الكتاب قال2: ليس في الكلام مثل قنرٍ وعنل. وتقول في تمثيل عرند3: فعنل وهو كالأول. وكذلك مثال جحنفل: فعنلل ومثال عرنقصان4: فعنللان.
وهذا لا بد أن يكون هو ونحوه مظهرًا، ولا يجوز ادغام النون في اللام في هذه الأماكن؛ لأنه لو فعل ذلك لفسد الغرض. وبطل المراد المعتمد؛ ألا تراك لو ادغمت نحو هذا للزمك أن تقول في مثل عرندٍ: إنه فعل فكان إذًا لا فرق بينه وبين قمدًّ5، وعتل6، وصمل7،. وكذلك لو قلت في تمثيل جحنفل: إنه فعلل لالتبس8 ذلك بباب سفرجل وفرزدق، وباب عدبس وهملع وعملس. وكذلك لو ادغمت مثال9 حبنطى فقلت: فعلى10 لالتبس بباب صلخدى وجعلبى.
وذكرت ذرأ11 من هذا ليقوم وجه العذر فيه بإذن الله. وبهذا تعلم أن التمثيل للصناعة ليس ببناء معتمد ألا تراك لو قيل لك12: ابن من دخل مثل جحنفل لم يجز لأنك كنت تصير به إلى دخنلل فتظهر النون ساكنة قبل اللام وهذا غير موجود. فدل أنك في التمثيل لست ببانٍ. ولا جاعل ما تمثله من جملة كلام العرب كما تجعله منها إذا بنيته غير ممثل. ولو كانت عادة هذه الصناعة أن يمثل فيها من الدخول كما مثل من الفعل لجاز أن تقول: وزن جحنفل من دخنلل، كما قلت في التمثيل: وزن جحنفل من الفعل فعنلل، فاعرف ذلك فرقا بين الموضعين.
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "قولهم".
2 انظر الكتاب 2/ 416.
3 هو الشديد من كل شيء.
4 هو نبت.
5 هو القوي الشديد.
6 هو الأكول الغليظ.
7 هو الشديد الخلق.
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لألبس".
9 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "مثل".
10 كذا في ط، ورسم في ز، ش: "فعلا".
11 أي طرفا وشيئا يسيرا، هذا ز، ط: "دورا" وهو تحريف عن "ذروا" في معنى ذره.
12 سقط في د، هـ، ز.(3/99)
باب في الدلالة اللفظية والصناعية والمعنوية:
اعلم أن كل واحد1 من هذه الدلائل معتد مراعىً مؤثر؛ إلا أنها في القوة والضعف على ثلاث مراتب:
فأقواهن الدلالة اللفظية ثم تليها الصناعية ثم تليها المعنوية. ولنذكر من ذلك ما يصح به الغرض.
فمنه جميع الأفعال. ففي كل واحد منها الأدلة الثلاثة. ألا ترى إلى قام و"دلالة لفظه على مصدره"2 ودلالة بنائه على زمانه، ودلالة معناه على فاعله. فهذه ثلاث دلائل من لفظه وصيغته ومعناه. وإنما كانت الدلالة الصناعية أقوى من المعنوية من قبل أنها وإن لم تكن لفظًا فإنها3 صورة يحملها اللفظ. ويخرج عليها ويستقر على المثال المعتزم بها. فلما كانت كذلك لحقت بحكمه وجرت مجرى اللفظ المنطوق به فدخلا بذلك في باب المعلوم بالمشاهدة. وأما المعنى فإنما دلالته لاحقة بعلوم4 الاستدلال، وليست في حيز الضروريات5؛ ألا تراك حين تسمع ضرب قد عرفت حدثه وزمانه ثم تنظر فيما بعد فتقول: هذا فعل، ولا بد6 له من فاعل، فليت شعري من هو؟ وما هو؟ فتبحث حينئذ إلى أن تعلم الفاعل من7 هو وما حاله8، من موضع آخر لا من مسموع ضرب؛ ألا ترى أنه
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "واحدة".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "دلالته على مصدره لفظا".
3 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فلأنها".
4 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "بمعلوم".
5 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "الضرورات".
6 ثبت حرف العطف في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
7 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "ما".
8 كذا في ش، ط، وفي ز: "هو حالة".(3/100)
يصلح أن يكون فاعله كل مذكر يصح منه1 الفعل، مجملًا غير مفصل. فقولك: ضرب زيد، وضرب عمرو وضرب جعفر ونحو ذلك شرع سواء وليس لضرب بأحد الفاعلين هؤلاء "ولا"2 غيرهم خصوص ليس له بصاحبه؛ كما يخص بالضرب دون غيره من الأحداث، وبالماضي دون غيره من الأبنية. ولو كنت إنما تستفيد الفاعل "من3 لفظ" ضرب لا معناه للزمك إذا قلت: قام أن تختلف دلالتهما على الفاعل لاختلاف لفظيهما، كما اختلفت دلالتهما على الحدث لاختلاف لفظيهما، وليس الأمر في هذا كذلك، بل دلالة ضرب على الفاعل كدلالة قام وقعد وأكل وشرب وانطلق واستخرج عليه لا فرق بين جميع ذلك.
فقد علمت أن دلالة المثال على الفاعل من جهة معناه، لا4 من جهة لفظه، ألا ترى أن كل واحد من هذه الأفعال وغيرها يحتاج5 إلى الفاعل حاجة واحدة، وهو استقلاله به، وانتسابه إليه، وحدوثه عنه أو كونه6 بمنزلة الحادث عنه، على ما هو مبينٌ في باب الفاعل. وكان أبو علي يقوي قول أبي الحسن في نحو قولهم: إني لأمر بالرجل مثلك: إن اللام زائدة حتى كأنه قال: إني لأمر برجل مثلك، لما لم يكن الرجل هنا مقصودًا معينًا على قول الخليل: إنه تراد7 اللام في المثل، حتى كأنه قال: إني لأمر بالرجل المثل لك، أو نحو ذلك؛ قال8: لأن الدلالة
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "به".
2 كذا في ط، وفي ز: "بر" وسقط في ش.
3 كذا في د، هـ، ز، وفي ط: "بلفظ" وفي ش: "من نفس".
4 سقط في د، هـ، ز.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "محتاج".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "و".
7 في ش: "تزاد" وهو تحريف عما أثبت، وفي د، هـ، ز، ط: "يريد"، وانظر الكتاب 1/ 224.
8 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فقال".(3/101)
اللفظية أقوى من الدلالة المعنوية، أي أن اللام "في قول أبي الحسن"1 ملفوظ بها، وهي في قول الخليل مرادة مقدرة.
واعلم أن هذا القول من أبي علي غير مرضي عندي؛ لما أذكره لك. وذلك أنه جعل لفظ اللام دلالة على زيادتها وهذا محال2، وكيف يكون لفظ الشيء دلالة على زيادته وإنما جعلت الألفاظ أدلة على إثبات معانيها، لا3 على سلبها، وإنما الذي يدل على زيادة اللام هو كونه مبهمًا لا مخصوصًا؛ ألا ترى أنك لا تفصل بين معنيي قولك: إني لأمر بالرجل مثلك، وإني لأمر برجل مثلم في كون كل واحد منهما منكورًا4 غير معروف ولا مومأ به3 إلى شيء بعينه فالدلالة أيضًا من هذا الوجه "كما ترى"5 معنوية؛ كما أن إرادة الخليل اللام في "مثلك" إنما دعا إليها جريه صفة على شيء هو في اللفظ معرفة، فالدلالتان إذًا كلتاهما معنويتان.
ومن ذلك قولهم للسلم6: مرقاة وللدرجة7 مرقاة فنفس اللفظ يدل8 على الحدث الذي هو الرقي، وكسر9 الميم يدل على أنها مما10 ينقل ويعتمل11 عليه12 وبه كالمطرقة والمئزر والمنجل13، وفتحة ميم مرقاة تدل14 على أنه مستقر في موضعه،
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش.
2 سقط حرف العطف في ش.
3 سقط في د، هـ، ز.
4 في د، هـ، ز: "منكرا".
5 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "السلم".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الدرجة".
8 كذا في ش، وفي ط، ز: "تدل".
9 كذا في ش، وفي ز، ط: "كسرة".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تنقل".
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يعتمد".
12 سقط في ط.
13 في هـ: "المنخل".
14 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "يدل".
وترى المؤلف فرق بين السلم والدرجة، فالسلم ما ينقل والدرجة ما يبنى، وجعل الأول المرقاة بكسر الميم، والآخر المرقاة بفتحها، ويبدو أن هذا الفرق بشقيه أغلبي، كما يؤخذ من اللغة.(3/102)
كالمنارة والمثابة1. ولو كانت المنارة مما يجوز كسر ميمها لوجب تصحيح عينها وأن تقول فيها2: منورة "لأنه3 كانت" تكون حينئذ منقوصة، من مثال مفعال؛ كمروحة ومسورة4 ومعول ومجول5، فنفس "ر ق ي" يفيد معنى الارتقاء و"كسرة الميم وفتحتها تدلان"6 على ما قدمناه: من معنى الثبات أو الانتقال. وكذلك الضرب والقتل: نفس اللفظ يفيد الحدث فيهما ونفس الصيغة تفيد فيهما صلاحهما للأزمنة الثلاثة على ما نقوله في المصادر. وكذلك اسم الفاعل -نحو قائم وقاعد- لفظه يفيد الحدث الذي هو7 القيام والقعود وصيغته وبناؤه يفيد كونه صاحب الفعل. وكذلك قطع وكسر، فنفس اللفظ ههنا8 يفيد معنى الحدث، وصورته تفيد شيئين: أحدهما الماضي، والآخر تكثير الفعل؛ كما أن ضارب يفيد بلفظه الحدث، وببنائه الماضي وكون الفعل من اثنين وبمعناه على9 أن له فاعلًا. فتلك أربعة معانٍ. فاعرف ذلك إلى ما يليه، فإنه كثير، لكن هذه طريقه.
__________
1 في ط: "المثانة".
2 سقط لفظ "فيها" في ش.
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لأنها".
4 هو متكأ من جلد.
5 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "محول"، والمجول: ثوب للنساء أو الصغير، والخلخال.
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "كسر الميم وفتحها يدلان".
7 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "به".
8 سقط في ش، ط.
9 كذا، والأولى سقوط هذا الحرف.(3/103)
باب في الاحتياط:
أعلم أن العرب إذا أرجات المعنى مكنته واحتاطت1 له.
فمن ذلك التوكيد، وهو على ضربين:
أحدهما تكرير الأول1 بلفظه. وهو نحو قولك: قام زيد "قام2 زيد" و"ضربت3 زيدًا ضربت" وقد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، والله أكبر الله أكبر4، وقال5:
إذا التياز ذو العضلات قلنا ... إليك إليك ضاق بها ذراعا
وقال6:
وإياك إياك المراء فإنه ... إلى الشر دعاء وللشر جالب
وقال:
إن قومًا منهم عمير وأشبا ... هـ عميرٍ ومنهم السفاح
لجديرون بالوفاء إذا قا ... ل أخو النجدة: السلاح السلاح7
وقال:
أخاك أخاك إن من لا أخاله ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح8
وقال:
أبوك أبوك أربد غير شك ... أحلك في المخازى حيث حلا9
__________
1 في ش: "فاختاطت".
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز، ط: "الأولى.
2 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "قام"، وفي ط: "زيد".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ضربت عمرا ضربت عمرا".
4 سقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط.
5 أي القطامي، والبيت من شعر في وصف ناقة أحسن القيام عليها إلى أن قويت وصارت بحيث لا يقدر على ركوبها لقوتها وعزة نفسها، فالتيار -وهو القوي من الرجال- إذا دفعت إليه ليركبها ضاق ذرعا بها، وانظر اللسان "تيز".
6 أي الفضل بن عبد الرحمن القرشي، وانظر معجم الشعراء للرزباني 310، وطبقات الزبيدي 50، والكتاب 1/ 141 وهو فيه غير منسوب.
7 ورد البيتان في معاني القرآن للفراء 1/ 188، وقال في تقديمهما: "أنشدني بعضهم".
8 انظر ص482 من الجزء الثاني.
9 ورد في الحماسة مع بيت آخر غير منسوب، وانظر شرح التبريزي 1/ 299.(3/104)
يجوز أن يكون من هذا تجعل1 أبوك الثاني منهما2 تكريرًا للأول، وأريد الخبر، ويجوز أن يكون أبوك الثاني خبرًا عن الأول أي أبوك الرجل المشهور بالدناءة والقلة: وقال:
قم قائمًا قم قائمًا ... رأيت عبدًا نائمًا
وأمة مراغمًا ... وعشراء رائمًا3
هذا رجل يدعو لابنه وهو صغير وقال:
فأين إلى أين النجاء ببغلتي ... أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس4
وقالوا في قول امرئ القيس:
#نطعنهم سلكى ومخلوجةً
كر كلامين على نابلٍ5#
قولين: أحدهما ما نحن عليه، أي6 تثنية كلامين على ذي النبل إذ قيل له: ارم ارم، والآخر: كرك لامين، وهما السهمان، أي كما ترد السهمين على البراء للسهام إذا أخذتهما لتنظر إليهما ثم رميتهما إليه فوقعا مختلفين: هكذا أحدهما وهكذا الآخر. وهذا الباب كثير جدًّا. وهو في الجمل والآحاد جميعًا.
__________
1 كذا في ش، وفي ط: "على أن تجعل"، وفي د، هـ، ز: "يجعل".
2 ثبت في ط، وسقط في ش.
3 "قم قائما" أي قم قياما، فهو من إقامة اسم الفاعل مقام المصدر، و"أمة مراغما" أي مغاضبة، وقد وصفها بوصف المذكر، كما يقال: امرأة حائض، والعشراء من النوق: التي أتى على حملها عشرة أشهر، ويستمر لها هذا الوصف حتى تضع، والمراد هنا التي وضعت، والرائم: التي تعطف على ولدها، وانظر الصاحبي 250.
4 النجا: النجاة والخلاص، وفي الخزانة 2/ 353: "وهذا البيت مع شهرته لم يعلم له قائل ولا تتمة". وستأتي فيه رواية: "اللاحقوك" في مكان "اللاحقون".
5 السلكي: الطعنة المستقيمة، والمحلوجة: التي في جانب، و"لامين" على القول الثاني تثنية لام وأصله الهمزة وهو السهم المريش بريش لؤام يكون بطن الريشة إلى ظهر أختها، والبيت من قصيدة له في بني أسد الذين قتلوا أباه وثأر له من أحياء منهم ذكرهم في قوله قبل:
قد قرت العينان من مالك ... ومن بني عمرو ومن كاهل
6 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "في".(3/105)
والثاني1 تكرير الأول بمعناه. وهو على ضربين: أحدهما للإحاطة2 والعموم والآخر للتثبيت3 والتمكين.
الأول كقولنا: قام القوم كلهم، ورأيتهم أجمعين -ويتبع ذلك4 من اكتع وأبضع5 وأبتع وأكتعين وأبضعين6 وأبتعين ما هو معروف- "مررت بهما كليهما"7.
والثاني نحو قولك: قام زيد نفسه ورأيته نفسه8.
ومن ذلك الاحتياط في التأنيث، كقولهم: فرسة، وعجوزة. ومنه ناقة؛ لأنهم لو اكتفوا بخلاف مذكرها لها -وهو جمل- لغنوا بذلك.
ومنه الاحتياط في إشباع معنى الصفة كقوله9:
والدهر بالإنسان دوارى
أي دوار، وقوله10:
غضف طواها الأمس كلابي
__________
1 سقط حرف العطف في د، هـ، ز.
2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "الإحاطة".
3 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "التثبيت".
4 كذا في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط.
5 في ش كتب: "أبضع" بنقطة فوق الضاد المعجمة، ونقطة تحتها، وهي علامة الإهمال، وكتب فوقها "معا" أي أنها بالضاد المعجمة، والصاد المهملة، وفي اللسان: "وأبصع كلمة يؤكد بها وبعضهم يقوله بالضاد المعجمة، وليس بالعالي" وفي ط، ز: "أبصع".
6 كتب أيضا في ش: "أبضعين" بنقطة فوق الضاد ونقطة تحتها وهي علامة الإهمال، وهذا دلالة على أنها فيها لغتين، كما ذكر في "أبضع"، وفي ز، ط: "أبصمين".
7 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "عينه".
9 أي العجاج.
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز، "قول الآخر"، والشطر من أرجوزة طويلة للعجاج. ومنها الشطر السابق، وقوله: "غضف" كذا في نسخ الخصائص، وفي الأرجوزة "غضفا" بالنصب مفعل "رأى" في البيت قبله، وهو في وصف ثور وحشي رأى كلاب صيد ضمرها صاحبها، فقوله: "غضفا" أي كلابا مسترخية الآذان، وهو وصف غالب لكلاب الصيد، وانظر أراجيز العرب للبكري.(3/106)
أي كلاب، وقوله:
كان حداءً قراقريًّا1
أي قراقرًا. حدثنا أبو علي قال: يقال خطيب مصقع، وشاعر مرقع، وحداء قراقر، ثم أنشدنا البيت، وقد ذكرنا من أين صارت ياء الإضافة إذا لحقتا الصفة قوتا معناها.
وقد يؤكد بالصفة كما تؤكد2 هي، نحو قولهم: أمس الدابر، وأمس المدبر وقول3 الله -عز اسمه- {إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} 4 وقوله تعالى: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} 5 وقوله سبحانه: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 6.
ومنه قولهم: لم يقم زيد. جاءوا فيه بلفظ المضارع وإن كان معناه المضى. وذلك أن المضارع أسبق رتبة في النفس من الماضي ألا ترى أن أول7 أحوال الحوادث أن تكون معدومة ثم توجد فيما بعد. فإذا نفى المضارع الذي هو الأصل فما ظنك بالماضي الذي هو الفرع.
وكذلك قولهم: إن قمت قمت فيجيء8 بلفظ الماضي والمعنى "معنى المضارع"9. وذلك أنه أراد الاحتياط للمعنى، فجاء بمعنى المضارع المشكوك في وقوعه بلفظ "الماضي10 المقطوع" بكونه حتى كأن هذا قد وقع واستقر "لا أنه"11 متوقع مترقب. وهذا تفسير أبي علي عن أبي بكر، وما أحسنه!
__________
1 في اللسان "قرر": "وكان".
وفي الجمهرة 3/ 433، والقرقرة: صفاء هدير الفحل وارتفاعه، ثم قيل للحسن الصوت فرقان قال الراجز:
أبكم لا يكلم المطيا
وكان حداء قراقريا
2 في ز: "يؤكد".
3 في ش: "قال".
4 آية 51 سورة النحل.
5 آية 20 سورة النجم.
6 آية 13 سورة الحاقة.
7 سقط في ش.
8 في ط: "فجيء"، وفي د، هـ، ز: "يجيء".
9 كذا في ش، ط، وفي د، ز: "لفظ المضارع" وفي هـ: "بلفظ المضارع".
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لأنه".(3/107)
ومنه قوله1:
قالت بنو عامر خالوا بني أسدٍ ... يا بؤس للجهل ضرارًا لأقوام
أي يا بؤس الحرب، فأقحم لام الإضافة "تمكينًا واحتياطًا لمعنى الإضافة"2 وكذلك قول الآخر3:
يا بؤس للحرب التي ... وضغت أراهط فاستراحوا
أي4 يا بؤس الحرب إلا أن الجر في هذا ونحوه إنما هو اللام الداخلة عليه وإن كانت زائدة. وذلك أن الحرف العامل وإن كان زائدًا فإنه لا بد عامل، ألا ترى إلى قوله5:
بحسبك في القوم أن يعلموا ... بأنك فيهم غني مضر
فالباء زائدة وهي "مع ذا"6 عاملة، وكذلك قولهم: قد كان من مطر، وقد كان من حديث فخل عني؛ فـ"من" زائدة وهي جارّة ولا يجوز أن تكون7 "الحرب" من قوله:
__________
1 سقط في د، هـ، ز. والبيت للنابغة، من قصيدة يقولها في بني عامر، وكانوا عرضوا على بني ذبيان أن يقطعوا حلفهم مع بني أسد، ويحالفوهم هم فذكر النابغة فيولة هذا الرأي، وضعفه ورمى بني عامر بالجهل إذ يسعون في ترك بني أسد، وهم حلفاء صدق، وخالوا، أي اتركوا، والمخالاة، المتاركة. وانظر الخزانة "السلفية" 2/ 112، والكتاب 1/ 346.
2 سقط ما بين القوسين في ش.
3 هو سعد بن مالك البكري، والبيت مع قصيدة له في الحرب التي تشبت بين بكر وتغلب لمقتل كليب من تغلب، وهو فيها يحضض على الحرب ويعرض بالحارث بن عباد البكري الذي كان اعتزل الحرب، وقوله: "وضعت أراهط" أي حطت قوما بالقعود عنها، وأسقطتهم عن مرتبة الشرف، فاستراحوا وآثروا السلامة كالنساء، ولم يعانوا أخطار المجد والسيادة، وانظر الخزانة "السلفية" 1/ 421، وشرح الحماسة للتبريزي "التجارية" 2/ 73.
4 سقط حرف النداء في ش.
5 أي الأشعر الرقبان الأسلمي، والبيت من قطعة له يهجو فيما ابن عمه رضوان، والمضر: الذي له ضرة، وهي القطعة العظيمة من الإبل والغنم. وانظر اللسان "ضرر" والنوادر لأبي زيد 73، وص284 من الجزء الثاني من الخصائص.
6 كذا في ش، وفي ط: "مع ذاك"، وسقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يكون".(3/108)
يا بؤس مجرورة بإضافة "بؤس" إليها، واللام معلقة من قبل أن تعليق اسم1 المضاف والتأول له أسهل من تعليق حرف الجر والتأول له، لقوة الاسم وضعف الحرف فأما قوله2:
لو كنت في خلقاء من رأس شاهقٍ ... وليس إلى منها النزول سبيل3
فإن هذا إنما هو فصل بحرف الجر لا تعليق.
فإن قلت: فما4 تقول في قوله:
أني جزوا عامرًا سوءًا بفعلهم ... أم كيف يجزونني السوءى من الحسن5
وجمعه بين أم وكيف؟ فالقول أنهما ليسا لمعنى واحد. وذلك أن "أم" هنا جردت لمعنى الترك6 والتحول، وجردت من معنى الاستفهام "وأفيد"7 ذلك من "كيف" لا منها. وقد دللنا على ذلك فيما مضى.
فإن قيل: فهلا وكدت إحداهما الأخرى8 كتوكيد9 اللام لمعنى الإضافة وياءي10 النسب لمعنى الصفة.
قيل: يمنع من ذلك أن "كيف" لما بنيت واقتصر بها على الاستفهام البتة11، جرت مجرى الحرف البتة وليس في الكلام اجتماع حرفين لمعنى واحد؛ لأن في ذلك نقضًا
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الاسم".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "وأما".
3 انظر ص397 من الجزء الثاني، والرواية هناك: "أو رأس شاهق" في مكان: "من رأس شاهق".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ما".
5 "للسوءى" كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "شيئا" وهو محرف عن "شيئا" وانظر ص186 من الجزء الثاني.
6 يريد الإضراب.
7 في ط: "فأفيد".
8 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "بالأخرى".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لتوكيد".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ياء".
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ليس إلا".(3/109)
لما اعتزم عليه1 من الاختصار في استعمال الحروف. وليس كذلك يا بؤس للحرب وأحمري وأشقري. وذلك أن هنا إنما انضم الحرف إلى الاسم فهما مختلفان فجاز أن يترادفا في موضعهما لاختلاف جنسيهما.
فإن قلت: فقد قال2:
وما إن طبنا جبنٌ ولكن
وقال3:
ما إن يكاد يخليهم لوجهتهم
فجمع بين ما وإن، وكلاهما لمعنى النفي، وهما -كما ترى- حرفان.
قيل: ليست إن من قوله:
ما إن يكاد يخليهم لوجهتهم4
بحرف نفي5 فيلزم ما رمت إلزامه، وإنما هي حرف يؤكد به، بمنزلة ما ولا والباء ومن وغير ذلك ألا ترى إلى قولهم في الاستثبات عن زيد من نحو قولك6 جاءني زيد: أزيد إنيه؟، وفي باب7 رأيت زيدًا: أزيدا إنيه؟ فكما زيدت "إن" هنا توكيدًا مع غير8 "ما"، فكذلك زيدت مع "ما" توكيدًا.
وأما قوله9:
طعامهم لئن أكلوا معدٌ ... وما إن لا تحاك لهم ثياب
__________
1 سقط في د، هـ، ز، ط.
2 أي فروة بن مسيك المرادي، وعجزه:
منا يانا ودولة آخرينا
والطب: العادة، وانظر الخزانة 2/ 121.
3 أي زهير، وانظر ص111 من الجزء الأول.
4 سقط "لوجهتهم" في ش.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "النفي".
6 كذا في ش، وفي ط: "قولهم" وسقط في د، هـ، ز.
7 سقط في د، هـ، ز.
8 كذا في ط، وفي ش، ز: "غيرها".
9 في ش: "قولهم"، وانظر في البيت ص284 من الجزء الثاني.(3/110)
فإن "ما" وحدها ايضًا للنفي "وإن" و"لا" جميعًا للتوكيد، ولا ينكر اجتماع حرفين للتوكيد لجملة الكلام. وذلك أنهم قد وكدوا1 بأكثر من الحرف الواحد في غير هذا. وذلك قولهم: لتقومن ولتقعدن. فاللام2 والنون جميعًا للتوكيد. وكذلك قول الله -جل وعز: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} 3 فما والنون جميعًا مؤكدتان. فإما اجتماع الحرفين في قوله:
وما إن لا تحاك لهم ثياب
وافتراقهما في لتفعلن وإنا ترين فلأنهم أشعروا لجمعهم إياهما في موضع واحد بقوة عنايتهم بتوكيد ما هم عليه لأنهم كما جمعوا بين حرفين لمعنى5 واحد، كذلك أيضًا جعلوا اجتماعهما وتجاورهما تنويهًا وعلمًا على قوة العناية بالحال. وكأنهم حذوا ذلك على الشائع الذائع عنهم من احتمال6 تكرير الأسماء المؤكد بها في نحو أجمع7 وأكتع وأبضع8 وأبتع وما يجري مجراه. فلما شاع ذلك وتنوزع9 في غالب الأمر في الأسماء لم يخلو10 الحروف من نحوٍ منه، إيذانًا بما هم عليه مما11 اعتزموه ووكدوه. وعليه أيضًا ما جاء عنهم من تكرير الفعل فيه نحو قولهم: اضرب اضرب وقم قم وارم وارم وقوله:
أتاك أتاك اللاحقوك احبس احبس12
__________
1 سقط في د، هـ، ز، ط.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "واللام".
3 آية 26 سورة مريم.
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مؤكدان".
5 في ط: "بمعنى".
6 في ش: "اجتماع".
7 سقط الواو في ط، وكذا فيما بعده.
8 كتب في ش: "أبضع" بنقطة فوق الضاد ونقطة تحتها، وكتب فوقها "معا" وهذا علم على النطق فيها بالضاد المعجمة والصاد المهملة، وقد تقدم مثل هذا. انظر ص106 من هذا الجزء.
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "توزع".
10 في د، هـ: "تخل".
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيما".
12 انظر ص105 من هذا الجزء.(3/111)
فاعرف ذلك فرقًا بين توكيد المعنى الواحد -نحو الأمر والنهي والإضافة- وتوكيد معنى الجملة في "امتناع اجتماع"1 حرفين لمعنى واحد، وجواز اجتماع حرفين لمعنى جملة الكلام في لتقربن وإما ترين؛ ألا ترى أنك إذا قلت: هل تقومن فـ"هل" وحدها للاستفهام؛ وأما النون فلتوكيد جملة الكلام. يدل2 على أنها لذلك3 لا لتوكيد معنى الاستفهام وحده وجودك إياها في الأمر نحو اضربن زيدًا، وفي4 النهي في لا تضربن زيدًا، والخبر في لتضربن زيدًا، والنفي في نحو قلَّما تقومن5. فشياعها في جميع هذه المواضع أدل دليل على ما نعتقده6: من كونها توكيدًا لجملة القول لا لمعنى مفرد منه مخصوص لأنها لو كانت موضوعة له وحده لخصت به ولم تشع في غيره كغيرها من الحروف.
فإن قلت: يكون من الحروف ما يصلح من المعاني لأكثر من الواحد نحو: من فإنها تكون تبغيضًا وابتداء ولا تكون نفيًا ونهيًا وتوكيدًا، وإن فإنها تكون شرطًا ونفيًا وتوكيدًا.
قيل: هذا إلزام يسقطه تأمله. وذلك أن من ولا وإن ونحو ذلك لم يقتصر بها على معنى واحد؛ لأنها حروف وقعت مشتركة كما وقعت الأسماء مشتركة؛ نحو الصدى؛ فإنه ما يعارض الصوت، وهو بدن الميت، وهو طائر يخرج فيما يدعون
__________
1 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "امتناع"، وفي ط: "اجتماع".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تدل".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كذلك".
4 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط.
5 كذا في ش، وفي ز: "تقولن ذلك"، وفي ط: "تقولن ذاك".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يعتقده".(3/112)
من رأس القتيل إذا لم يؤخذ بثأره. وهو أيضًا الرجل الجيد الرعية1 للمال في قولهم: هو صدى مالٍ، وخائل مالٍ، وخال مال، وسر سور مال، وإزاء مالٍ، و"نحو ذلك من"2 الشوى3 ونحوه4 مما اتفق لفظه واختلف معناه. وكما وقعت الأفعال مشتركة، نحو وجدت في الحزن، ووجدت في الغضب ووجدت في الغنى ووجدت في5 الضالة، ووجدت بمعنى علمت ونحو ذلك فكذلك جاء نحو هذا في الحروف. وليست كذلك النون؛ لأنها وضعت لتوكيد ما قد أخذ مأخذه، واستقر من الكلام بمعانيه المفادة من أسمائه وأفعاله وحروفه. فليست لتوكيد شيء مخصوص من ذلك دون غيره، ألا تراها للشيء وضده نحو اذهبن، ولا تذهبن والإثبات في لتقومن والنفي في قلما تقومن. فهي إذًا لمعنى واحد وهو التوكيد لا غير.
ومن الاحتياط إعادة العامل في العطف، والبدل. فالعطف نحو مررت بزيد وبعمرو؛ فهذا أوكد معنى من مررت بزيد وعمرو. والبدل كقولك: مررت بقومك بأكثرهم؛ فهذا أوكد معنى من قولك: مررت بقومك أكثرهم.
ووجوه الاحتياط في الكلام6 كثيرة، و"هذا طريقها"7 "فتنبه عليها"8
__________
1 في ش: "للرعية".
2 في ط: "نحو من ذلك".
3 في د، هـ، ز: "السوى" والشوى من معانيه الأمر الهين، ورذال المال، واليدان والرجلان، والأطراف.
4 كذا في ش، وفي ز، ط: "غيره".
5 ثبت هذا الحرف في د، هـ، ز، وسقط في ش، ط.
6 في ز، ط: "كلامهم".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هذه طريقه".
8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.(3/113)
باب في فك الصيغ:
أعلم أن هذا موضع من العربية لطيف، ومفعول عنه وغير مأبوه له. وفيه من لطف المأخذ وحسن الصنعة ما أذكره، لتعجب منه، ونانق له.
وذلك أن العرب إذا حذفت من الكلمة حرفًا، إما1 ضرورة أو إيثارًا، فإنها تصور تلك الكلمة بعد الحذف2 منها تصويرًا تقبله3 أمثله كلامها، ولا تعافه وتمجه لخروجه4 عنها، سواء كان ذلك الحرف المحذوف أصلًا أم5 زائدًا. فإن كان ما يبقى بعد ذلك الحرف مثالًا تقبله مثلهم أقروه عليه. وإن نافرها وخالف ما عليها أوضاع كلمتها نقض عن تلك الصورة وأصير إلى احتذاء رسومها.
فمن6 ذلك أن تعتزم تحقير نحو منطلق أو تكسيره؛ فلا بد من حذف نونه. فإذا أنت حذفتها بقي لفظه بعد حذفها: مطلق، ومثاله مفعل. وهذا وزن ليس في كلامهم؛ فلا بد إذًا من نقله إلى أمثلتهم. ويجب حينئذ أن ينقل في التقدير إلى أقرب المثل منه ليقرب المأخذ ويقل التعسف. فينبغي أن تقدره قد صار بعد حذفه إلى مطلق؛ لأنه أقرب إلى مطلق من غيره، ثم حينئذ من بعد تحقره، فتقول: مطيلق، وتكسره، فتقول: مطالق كما تقول في تحقير مكرم وتكسيره: مكيرم ومكارم. فهذا7 باب قد استقر ووضح، فلتغن به عن إطالة القول بإعادة مثله. وسنذكر العلة التي لها ومن أجلها وجب عندنا اعتقاد هذا فيه8 بإذن الله. فإن كان حذف9 ما حذف
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 كذا في ش، وفي ط: "ما حذفت"، وفي د، هـ، ز: "ما حذفته".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يقبله".
4 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "لخروجها".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أو".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "من".
7 هكذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".
8 سقط في ش.
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يحذف".(3/114)
من الكلمة يبقي منها بعده مثالًا مقبولًا1 "لم يكن لك بد في الاعتزام عليه وإقراره"2 على صورته تلك3 البتة. وذلك كقولك في تحقير حارث على الترخيم: حريث. فهذا4 لما حذفت ألفه بقي من بعد على حرث فلم يعرض5 له بتغيير6؛ لأنه كنمر، وسبط وحذر.
فمن مسائل هذا الباب أن تحقر جحنفلًا أو تكسره؛ فلا بد من حذف نونه، فيبقى بعد7: جحفل، فلا بد من إسكان عينه إلى أن يصير: جحفل. ثم بعد ما تقول: جحيفل وجحافل. وإن شئت لم تغير واحتججت بما جاء عنهم من قولهم في عرنتن: عرتن. فهذا وجه. ومنها تحقير سفرجل. فلا بد من حذف لامه فيبقى: سفرج وليس من أمثلتهم فتنقله8 إلى أقرب ما يجاوره وهو سفرج كجعفر فتقول9: سفيرج. وكذلك إن استكرهته على التكسير فقلت: سفارج. فإن كسرت حبنطى أو حقرته بحذف نونه بقي معك: حبطىً. وهذا مثال لا يكون في الكلام وألفه للإلحاق، فلا بد أن تصيره إلى حبطى ليكون كأرطى. ثم تقول: حبيطٍ وحباطٍ كأريطٍ وأراطٍ. فإن حذفت ألفه بقي حبنط، وهذا مثال غير معروف؛ لأنه ليس في الكلام فعنل فتنقله أيضًا إلى حبنط ثم تقول: حبينط وحبانط. فإن قلت: ولا في الكلام أيضًا فعنل قيل: هو وإن لم يأت اسمًا فقد أتى فعلًا وهو قلنسته فهذا فعنلته
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "مقولا".
2 كذا في ش، وإن كان فيها "يد" في مكان "يد". وفي ط: "فسلم يكن لك بد من الاعتراض عليه وأقررته"، وفي د، هـ، ز: "فلم يكن لك بد فمن الاعتراض عليه وأقررته".
3 سقط في ش.
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".
5 في ط: "تعرض".
6 في ز: "تغيير".
7 سقط في د، هـ، ز، ط.
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فينقله".
9 كذا في ش: وفي د، هـ، ز، ط: "ثم تقول".(3/115)
وتقول في تحقير جردحلٍ: جريدح. وكذلك إن استكرهته على التكسير فقلت: جرادح، وذلك أنك لما حذفت لامه بقي: جردح، وهذا مثال معروف كدرهم وهجرع فلم يعرض للبقية1 بعد حذف الآخر. فإن حقرت أو كسرت مستخرج2 حذفت السين والتاء فبقي: مخرج فلم تغيره؛ فتقول3: مخيرج ومخارج. فإن سميت رجلًا دراهم، ثم حقرته حذفت الألف، فبقي: درهم فأقررته على صورته ولم تغيره؛ لأنه مثال قد جاء عنهم وذلك قولهم: جندل، وذلذل4، وخنثر5. فتقول: دريهم. ولا تكسره؛ لأنك تعود إلى اللفظ الذي انصرفت عنه. فإن حقرت نحو عذافر فحذفت ألفه لم تعرض6 لبقيته؛ لأنه يبرد في يدك حينئذ عذفر، وهذا قد جاء عنهم، نحو علبط7 وخزخز8 و"عجلط وعكلطٍ"9 ثم تقول: عذيفر، وفي تكسيره: عذافر. فإن حقرت نحو قنفخرٍ حذفت نونه ولم تعرض10 لبقيته، لأنه يبقى: قفخر. وهذا نظير11 دمثرٍ وحبجرٍ12؛ فتقول: قفيخر، وقفاخر. فإن حقرت نحو عوارض13 ودواسرٍ14 حذفت الألف، فبقي عورض ودوسر، وهذا مثال ليس من كلامهم، لأنه فوعل
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مستخرجا".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فقلت".
4 هو مقصور الذلاذل، وذلاذل القميص ما يلي الأرض من أسافله، واحدا ذلذل على زنة قنفذ.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "خبتر" وفي ط: "خثتر" والحنثر: الشيء الخسيس يبقى من متاع القوم في الدار إذا تحملوا.
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يعرض".
7 من معانية الضخم والغليظ واللين الخاثر.
8 هو القوي الشديد.
9 كذا في ط، وهو ما في ش غير أن فيه: "كعلط" في مكان "عكلط" وفي د، هـ، ز: "عكلط" بدل ما بين القوسين، والعجلط: اللبن الحاثر الطيب، والعكلها: هو أيضا اللبن الحاثر.
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يعرض".
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "نظيره".
12 هو الغليظ.
13 هو جبل ببلاد طيء.
14 هو الشديد الضخم.(3/116)
إلا أنك مع ذلك لا تغيره؛ لأنه هو فواعل وإنما حذفت الألف وهي1 في تقدير الثبات. ودليل ذلك توالي حركاته كتوالي حركات علبطٍ وبابه، فتقول في تحقيره وتكسيره: عُويرض، وعَوارض. ومثله هُداهد، وهَداهد، وقُناقن، وقَناقن، وجُوالق، وجَوالق. فإن حقرت نحو عنتريسٍ أو كسرته حذفت نونه، فبقي في التقدير عتريس. وليس في الكلام2 شيء على فعليل، فيجب أن تعدله إلى أقرب الأشياء منه، فتصير إلى فعليل: عتريسٍ فتقول: عتيريس، وعتاريس. فإن حقرت خنفقيقًا حذفت القاف الأخيرة، فيبقى3: خنفقي، وهذا فنعلي، وهو مثال غير معهود، فتحذف الياء فيبقى خنفق: فنعل كعنبس4 وعنسل، فتقول فيه: خنيفق وخنافق. وعليه قول الراجز5:
بني عقيل ماذه الخنافق
وليس عنتريس كخنفقيق؛ لأنه رباعي، فلا بد من حذف نونه وخنفقيق ثلاثي، فإحدى قافية زائدة، فلذلك حذفت الثانية وفيه شاهد لقول يونس في أن الثاني من المكرر هو الزائد.
والذي يدل على أن العرب إذ حذفت من الكلمة حرفًا راعت حال ما بقي منه، فإن كان مما تقبله أمثلتهم أقروه على صورته وإن خالف ذلك مالوا به إلى نحو صورهم6 قول الشماخ:
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هو".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الأربعة.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فبقي".
4 في ش: "كقنبس".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الآخر"، وانظر ص64 من الجزء الثاني.
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "صيغهم".(3/117)
حذاها من الصيداء نعلًا طراقها ... حوامي الكراع المؤيدات العشاوز1
ووجه الدلالة من ذلك أنه تكسير عَشَوزَن، فحذف النون لشبهها بالزائد، كما حذفت2 الهمزة3 في تحقير إسماعيل وإبراهيم لشبهها بالزائد في قولهم: بُريهيم وسُميعيل، وإن كانت عندنا أصلًا. فلما حذف النون بقي معه عَشَوز وهذا مثال فَعَول وليس من صور أبنيتهم، فعدله4 إلى عَشوَز وهذا مثال فَعول، ليلحق بجدول وقَسور، ثم كسره فقال: عشاوِز. والدليل على أنه قد نقله من عَشَوز إلى عَشوز أنه لو كان كسره وهو على ما كان عليه من سكون واوه دون أنت يكون قد حركها لوجب عليه همزها وأن يقال: عشائز لسكون الواو في الواحد كسكونها في عجوز ونحوها. فأما انفتاح ما قبلها في عَشَوزٍ فلا يمنعها الإعلال. وذلك أن سبب همزها في التكسير إنما هو سكونها في الواحد لا غير. فأما اتباعها ما قبلها وغير اتباعها إياه فليس مما يتعلق عليه حال وجوب الهمز5 أو تركه. فإذا ثبت بهذه المسئلة حال هذا الحرف قياسًا وسماعًا جعلته أصلًا في جميع ما يعرض له شيء من هذا التحريف. ويدل عليه أيضًا قولهم في تحقير ألنددٍ أليد؛ ألا ترى أنه لما حذف النون بقي معه ألدد،
__________
1 سقط الشطر الأول في ش، وقبله:
ولما دعاها من أباطح واسط ... دوائر لم تضرب عليها الجزامر
والحديث عن حمر الوحش، والدوائر يريد بها المنافع للماء قديمة، والجرامز جمع الجرموز وهو الحوض الصغير، يقول: إن هذه المنافع لم تضرب عليها حياض، وهذه المياه دعت الأتن لتشرب منها، وقوله: حذاها أي عيرها، يقول: ساقها فسارت في حصى والصيداء الحصى، فكأنه حذاها فعلا من الحصى، والحوامي: الحجارة، والمؤبدات القوية، والعشاوز الخشنة.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "حذفوا".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "من".
4 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فعدل".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز "الهمزة"، وترى أن المؤلف لا يشترط في إبدال واو نحو عجوز همزا في الجمع أن تكون مدة في المفرد، وابن مالك يشترط هذا في قوله:
والمد زيد ثالثا في الواحد ... همزا يرى في مثل كالقلائد
وقد يشهد للمؤلف ما في كتاب سيبويه 2/ 367.(3/118)
وهذا مثال منكور، فلما نبا عنه أماله إلى أقرب الأمثلة منه، وهو أفعَل فصار ألدد فلما أفضى إلى ذلك ادغمه، فصار ألد؛ لأنه جرى حينئذ مجرى ألد الذي هو مذكر لداء؛ إذ1 كان صفة وعلى2 أَفعل، فانجذب حينئذ إلى باب أصم من صماء وأيل3 من يلاء، قال:
وكوني على الواشين لداء شغبةً ... كما أنا للواشي ألد شغوب4
فلذلك قالوا في تحقيره: أليد، فادغموه ومنعوه الصرف. وفي هذا بيان ما نحن عليه. فأما قول سيببويه في نحو سفيرج وسفارج: إنه إنما حذف آخره لأن مثال التحقير والتكسير انتهى دونه فوجه آخر من الحجاج. والذي قلناه نحن شاهده العشاوز وأُليد.
ومن فك الصيغة أن تريد البناء من أصلٍ ذي زيادة فتلقيها5 عنه، ثم ترتجل البناء منه مجردًا منها. وذلك كأن تبني من ساعدٍ أو كاهل مثل جعفر أو غيره من الأمثلة فتفك عنه زائده وهو الألف فيبقى "ك هـ ل" و"س ع د" لا عليك على6 أي صورة بقي بعد حذف زائده7 -لأنه إنما غرضك البناء من هذه المادة مرتبة من تقديم حروفها وتأخيرها على هذا الوضع- أفَعلا8 كانت أم9 فُعلا أم9 فِعلا أم9 غير ذلك؛ لأنه على أيها بقي فالبناء منه سَعدَد وكَهلَل. وكذلك إن أردت البناء من منصور مثل قَمَحدُوة10 قلت11: نَصرُّوة. وذلك أنك لما أردت ذلك حذفت ميمه وواوه فبقي معك "ن ص ر" ولا عليك على أي مثال بقي، على ما مضى.
__________
1 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "ط: "إذا".
2 سقط حرف العطف في ط.
3 هو وصف من اليلل -بالتحريك- وهو قصر الأسنان العليا.
4 لداء وصف من اللدد وهو شدة الخصومة وشغبة بسكون الغين وأصلها الكسر وصف من الشغب وهو الخلاف وتهييج الشر، والبيت أحد بيتين لكثير، وقبله:
وقل أم عمرو داؤه وشفاؤه ... لديها ورياها إليه طبيب
وانظر الديوان 1/ 185.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فتلغيها".
6 سقط هذا الحرف في ش.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "زائدته".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "فعلا".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أو".
10 هي ما أشرف على القفا من عظم الرأس.
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فتقول".(3/119)
ومن ذلك جميع ما كسرته1 العرب على حذف زائده كقولهم في جمع كَروان: كِروان. وذلك أنك لما حذفت ألفه ونونه بقي معك كَرَو فقلبت واوه ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها طرفًا فصارت كرا ثم كسرت "كرا"2 هذا على كِروان؛ كشبث3 وشِبثان4 وخرَب وخربان. وعليه قولهم في المثل: أطرق كرا إنما هو عندنا ترخيم كَروان على قولهم: يا حار. وأنشدنا5 لذي الرمة:
من آل أبي موسى ترى الناس حوله ... كأنهم الكِروان أبصرن بازيا6
"قالوا والآن في كروان إنما هي بدل من ألف كرا المبدلة من واو كروان"7.
ومنه قول الله سبحانه: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} 8 وهو عند سيبويه تكسير شدة على حذف زائدته9. وذلك أنه لما حذف التاء بقي الاسم على شد ثم كسره10 على أشد فصار كذئب وأذؤب وقطع وأقطع. ونظير شدة وأشد قولهم: نعمة وأنعم وقال11 أبو عبيدة: هو جمع أشد على حذف الزيادة. قال: وربما استكرهوا على ذلك في الشعر وأنشد بيت عنترة:
عهدي به شد النهار كأنما ... خضب اللبان ورأسه بالعظلم12
__________
1 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "حقرته" وفي ط: "كسرته حقرته".
2 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "هذه" وفي ش: "على هذا".
3 من معاني الشبث العنكبوت.
4 من معانيه ذكر الحيارى، وهو طائر.
5 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "أنشد".
6 يريد أبا موسى الأشعري، وهو من قصيدة في مدح بلال بن أبي بردة بن أبي موسى.
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "قالوا والآن في كروان إنما هي بدل من ألف كرا المبدلة من واو كروان" وفي ط: "وقالوا في ألف كروان إنما هي بدل من ألف كرا المبدلة من واو كروان".
8 آية 15 سورة الأحقاف.
9 كذا في ش، وفي ط: "زائدة" وفي د، هـ، ز: "زيادته".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كسرته".
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قال" دون حرف العطف.
12 "اللبان" المعروف في الرواية "البنان"، واللبان: الصدر: والعظلم: صبغ أحمر، يريد به ما علاه من الدم، وعنتره يتحدث عن قرن له في الحرب، نازله فقتله.(3/120)
ألا تراه لما حذف همزة أشد بقي معه شد كما ترى فكسره على أشد فصار كضَب وأضب وصَك وأصُك.
ومن فك الصيغة -إلا أن ذلك إلى الزيادة لا إلى النقص- ما حكاه الفراء من قولهم في جمع أتون: أتاتين. فهذا كأنه زاد على عينه عينًا أخرى فصار من1 فَعُول مخفف العين إلى فعوُّل مشددها فتصوره2 حينئذ على أتون فقال فيه: أتاتين كسفّود وسفافيد وكلّوب وكلاليب. وكذلك قولهم في تحقير رجل: رويجل "فهذا ليس"3 بتحقير رجل، لكنه نقله من فَعُل إلى فاعل فصار إلى راجل ثم حينئذ قال في تحقيره: رويجل. وعليه عندي4 قولهم في جمع دانق: دوانيق. وذلك أنه زاد على فتحة عينه ألفًا فصار دأناق ثم كسره على دوانيق كساباط وسوابيط. ولا يحسن أن يكون زاد حرف اللين على المكسور العين منهما لأنه كان يصير حينئذ إلى دانيق وهذا مثال معدوم عندهم ألا ترى أنه ليس في كلامهم فاعيل. ولك في دانق لغتان: دانَق ودانِق كخاتَم وخاتِم وطابَق وطابِق. وإن شئت قلت: لما كسره5 فصار إلى دوانق أشبع الكسرة فصار: دوانيق كالصياريف والمطافيل6 وهذا التغيير المتوهم كثير. وعليه باب7 جميع ما غيرته الصنعة عن حاله ونقلته من صورة إلى صورة ألا تراك أنك لما أردت الإضافة إلى عدي حذفت ياءه الزائدة بقي معك عديٌ فأبدلت من الكسرة فتحة فصار إلى عدَيٍ8 ثم أبدلت من يائه ألفًا فصار إلى عَدًا9 ثم وقعت ياء الإضافة من
بعد، فصار التقدير به إلى عداي، ثم احتجت إلى حركة الألف التي هي لام لينكسر ما قبل ياء الإضافة، فقلبتها واوًا فقلت: عَدَوي. فالواو الآن في "عَدَوِي"، إنما هي بدل من ألف عداي، وتلك الألف بدل من ياء عدي وتلك الياء10 بدل واو عدوت11؛ على ما قدمنا كمن حفظ المراتب فاعرف ذلك.
ومن فك الصيغة قوله:
قد دنا الفصح فالولائد ينظـ ... ـم ن سراعًا أكلة المرجان12
فهذا13 جمع إكليل، فلما حذفت الهمزة وبقيت الكاف ساكنة فتحت، فصار إلى كليل، ليكون كدليل، ونحوه فعليه جاء أكلة؛ كدليل وأدلة.
__________
1 سقط حرف الجر في ش، وكذا في عبارة اللسان "أتن" وفي اللسان في المفرد التشديد عن ابن خالويه.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فتصور" وفي اللسان "أتن": "فيصوره".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ط: "وليس هذا".
4 سقط في ش.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كسروه".
6 سقط في ش.
7 سقط في ش.
8 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.
9 رسم في ش: "عدى".
10 في ش: "الواو" وهو سهو من الناسخ.
11 في ش: "عدوى".
12 من قصيدة لحسان في مدح جبلة بن الأيهم، والفصح: عيد النصارى بعد صومهم وهو عيد تذكاري قيامة المسيح في زعمهم، والولائد: الجواري.
13 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هو".(3/121)
باب في كمية 1 الحركات:
أما ما في أيدي الناس في ظاهر الأمر فثلاث. وهي2 الضمة والكسرة والفتحة. ومحصولها3 على الحقيقة ست. وذلك أن بين كل حركتين حركة. فالتي بين الفتحة والكسرة هي الفتحة قبل الألف الممالة؛ نحو فتحة عين عالم، وكاف كاتب. فهذه حركة بين الفتحة والكسرة؛ كما أن الألف التي بعدها بين الألف والياء والتي بين الفتحة والضمة هي التي قبل ألف التفخيم؛ نحو فتحة لام الصلاة والزكاة4 والحياة. وكذلك ألف5 قام وعاد. والتي بين الكسرة والضمة، ككسرة قاف قيل و"سين سير"6 فهذه الكسرة المشمة ضمًا. ومثلها الضمة المشمة كسرًا، كضمة قاف المنقر7، وضمة عين مذعور، و"باء ابن بور"8 فهذه ضمة أشربت كسرًا، كما أنها في قيل وسير كسرة أشربت ضمًا. فهما لذلك كالصوت الواحد، لكن ليس في كلامهم ضمة مشربة فتحة، ولا كسرة مشربة فتحة. فاعرف ذلك. ويدل على أن هذه الحركات9 معتدات اعتداد سيبويه بألف الإمالة وألف التفخيم حرفين غير الألف "المفتوح ما قبلها"10.
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مطل" وهو سهو من الناسخ.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هن".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "محصوله".
4 سقط في د، هـ، ز.
5 سقط في ش.
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "سبق وشير".
7 كذا في ز، ش، وفي ط: "منقور"، يريد المنقر في قولك: شربت من المنقر عند من يشم ضمة القاف الكسر لمناسبة كسر الراء والمنقر: البئر الكثيرة الماء وانظر الكتاب 2/ 270.
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ابن بور". وفي ط: "نون نور".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "حركات".
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "المفتوحة".(3/122)
باب في مطل الحركات:
وإذا فعلت العرب ذلك أنشأت عن الحركة الحرف من جنسها. فتنشئ بعد الفتحة الألف، وبعد الكسرة الياء، وبعد الضمة الواو. فالألف المنشأة عن إشباع الفتحة ما أنشدناه1 أبو علي لابن هرمة يرثي ابنه: من قوله:
فأنت من الغوائل حين ترمى ... ومن ذم الرجال بمنتزاح2
أراد: بمنتزح: مفتعَل من النازح. وأنشدنا أيضًا لعنترة:
ينباع من ذفرى غضوبٍ جسرة3
وقال: أراد ينبع، فأشبع الفتحة، فأنشأ عنها ألفًا. وقال الأصمعي: يقال انباع الشجاع4، ينباع انبياعًا إذا انخرط بين5 الصفين ماضيًا وأنشد فيه:
يطرق حلمًا وأناةً معًا ... ثمت ينباع انبياع الشجاع6
فهذا7: انفعل ينفعل انفعالًا والألف فيه عين. وينبغي أن تكون عينه واوًا؛ لأنها أقرب معنى من الياء هنا. نعم8، وقد يمكن عندي أن تكون هذه لغة تولدت. وذلك أنه لما سمع "ينباع" أشبه في اللفظ ينفعل9، فجاءوا منه بماض ومصدر، كما ذهب أبو بكر فيما حكاه أبو زيد من قولهم: ضفن الرجل يضفن إذا جاء ضيفًا مع الضيف. وذلك أنه لما سمعهم يقولون: ضيفنٌ، وكانت فيعل أكثر في الكلام من فعلن، توهمه فيعلا فاشتق الفعل منه، بعد أن سبق إلى وهمه هذا فيه، فقال: ضفن يضفن. فلو سئلت عن مثال ضفن يضفن على هذا القول لقلت إذا مثلته على لفظه: فلن يفلن؛ لأن العين قد حذفت. ولهذا موضع نذكره فيه مع بقية أغلاط العرب.
ومن مطل الفتحة عندنا قول الهذلي10:
بينا تعنقه الكماة وروغه ... يوما أتيح له جريء سلفع11
أي بين أوقات تعنقه، ثم أشبع الفتحة فأنشأ عنها ألفا.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "أنشدنا" وفي ط: "أنشده".
2 انظر حاشية.
3 ص34 من الجزء الأول، ص318 من الجزء الثاني، وقوله: "يرثي ابنه" أورده في الحماسة البصرية في قطعة في مدح عبد الواحد، وهو أحد القرشيين كان قاضيا لجعفر بن سلمان وأولها:
أعبد الواحد المحمود إني ... أعص حذار سخطك بالقراح
وانظر الحماسة البصرية الورقة 81 وشواهد الشافية 25.
صدره:
زياقة مثل الفنيق المقرم
وقوله: ينباع أي العرق، والذفرى: العظم الشاخص خلف الأذن، وغضوب جسرة إلى آخر الأوصاف من وصف ناقته، يذكر أن عرق ناقته يسيل من جهدها في السير، والبيت في المعلقة.
4 هو الحية الذكر.
5 في ط: "من بين".
6 البيت من مقطوعة مفضلية للسفاح بن كثير اليربوعي، رثى بها يحيى بن ميسرة، صاحب مصعب بن الزبير، وانظر الخزانة 2/ 536، وشرح المفضليات لابن الأنباري 631.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".
8 سقط الكلام من هنا إلى "ومن مطل الفتحة" في ش.
9 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "متفعل" وهو تحريف.
10 هو أبو ذؤيب في مرثيته العينية المشهورة، والقصيدة في آخر المفضليات.
11 تعنقه الكماة: دنوة منهم في الحرب والتزامه لهم، كما يتعانق الرجلان، وروغه أن يحيد عن ضرباتهم، والسلفع: الجسور السليط، يذكر شجاعا يدل بقوته وعلمه بفن الحرب، فهو يعتنق قرنه حينا، ويروغ من ضربه حينا آخر، وبينما هو في المعمعة ومنازلة أقرانه جاءه من لا يأبه له فصرعه، وذلك جريء سليط ما كان ليحسب له حسابا، وقد ساق هذا مثلا لأن الدهر لا ينجو عليه أحد.(3/123)
وحدثنا أبو علي أن أحمد بن يحيى حكى: خذه من حيث وليسا قال: وهو إشباع ليس. وذهب إلى مثل ذلك في قولهم1 آمين، وقال: هو إشباع "فتحة2 الهمزة من أمين". فأما قول أبي العباس: إن آمين بمزلة عاصين، فإنما3 يريد به أن الميم. خفيفة كعين عاصين. وكيف يجوز أن يريد به حقيقة الجمع، وقد حكى عن الحسن رحمه الله أنه كان يقول: آمين: اسم من أسماء الله عز وجل. فأين بك من أعتقاد معنى الجمع من هذا التفسير تعالى الله علوا كبيرا.
وحكى الفرّاء عنهم: أكلت لحما شاةٍ، لحم شاة، فمطل الفتحة، فأنشأ عنها ألفا.
ومن إشباع الكسرة ومطلها4 ما جاء عنهم من الصياريف، والمطافيل، والجلاعيد. فأما ياء مطاليق ومطيليق فعوض من النون المحذوفة وليست مطلا. قال أبو النجم:
منها المطافيل وغير المطفل5
وأجود من ذلك قول الهذلي6:
جنى النحل في ألبان عوذٍ مطافل
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "قوله".
2 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "فتحة الميم" وفي ش: "كسرة الميم".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فإنه إنما".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مطالها".
5 هو الشطر التاسع من أرجوزته الطويلة، وقد صدرها بوصف الإبل، وقبله:
حتى تراعت في النعاج الخذل
والنعاج الخذل: بقر الوحش، يريد أن الإبل رعت مع البقر، والمطفل: التي معها طفل وهي حديثة عهد بالولادة، يكون في السوق والبقر والنعم، فقوله: منها المطافيل. يحتمل عودة للإبل، وعودة للنعاج، وهو الأقرب.
6 أي أبي ذؤيب: وصدره:
وإن حديثا منك لو تبذلينه
والعوذ: جمع العائذ، وهي حديثة العهد بالنتاج من النوق، ويريد بجني النحل عسله.(3/125)
وكذلك قول الآخر:
الخضر الجلاعيد1
وإنما هي الجلاعد، جمع جلعد وهو الشديد.
ومن مطل الضمة قوله -فيما أنشدناه وغيره2:
وأنني حيث ما يشرى الهوى يصرى ... من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور3
"يشرى: يحرك ويقلق. ورواه لنا يسرى"4.
وقول5 الآخر:
ممكورة جم العظام غطبول ... كأن في أنيابها القرنفول6
فهذه هي الطريق. فما7 جاء منها قسه8 عليها.
__________
1 هو من شعر لحسان يهجو فيه مسافع بن عياض التيمي، وفي هذا الشعر:
لو كنت من هاشم أو من بني أسد ... أو عبد شمس أو أصحاب اللوى الصيد
أو من بني نوفل أو رهط مطلب ... لله درك لم تهمم بتهديد
أو من الذؤابة عن قوم ذوي حسب ... لم تصبح اليوم نكسا ثاني الجيد
أو في السرارة من تيم رضيت بهم ... أو من بني خلف الخضر الجلاعيد
انظر الكامل للمبرد 1/ 141 طبع أوروبا.
2 سقط حرف العطف في ش.
3 انظر ص318 من الجزء الثاني.
4 ثبت ما القوسين في ط، وسقط في ش، د، هـ، ز، وفي ط: "ورواه لنا يشري" ويبدو أن "يشري" فيه محرف عما أثبت.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قال".
6 ورد البيت في اللسان "قرنفل"، والممكورة المطوية الخلق الحسنة و"جم العظام" يُقرأ بضم الجيم جمع أجم، وقد جمع نظرا إلى المضاف إليه، والفصيح غير هذا، وقد يكون الأصل: جاه العظام فقصر الممدود، وحذفت الألف في الرسم، ويقال: عظم أجم: وافر اللحم.
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فيما".
8 كذا في ش، وفي ط، د، هـ: "فقسه" وفي ز: "فسقه"(3/126)
باب في مطل الحروف:
والحروف الممطولة هي الحروف الثلاثة اللينة1 المصوتة. وهي الألف والياء والواو. اعلم أن هذه الحروف أين وقعت وكيف وجدت "بعد أن تكون سواكن يتبعن بعضهن غير مدغمات"2 ففيها امتداد ولين؛ نحو قام، وسير3 به، وحوتٍ4، وكوز، وكتاب، وسعيد، وعجوز. إلا أن الأماكن التي يطول فيها5 صوتها، وتتمكن6 مدتها ثلاثة. وهي أن تقع بعدها7 -وهي سواكن توابع لما "هو8 منهن" وهو الحركات من جنسهن- الهمزة، أو الحرف المشدد، أو أن يوقف عليها عند التذكر.
فالهمزة نحو كساء ورداء، و"خطيئة ورزيئة"9، ومقروءة، ومخبوءة. وإنما تمكن المد فيهن10 مع الهمز أن الهمزة11 حرف نأى نشؤه وتراخى مخرجه فإذا12 أنت نطقت بهذه الأحرف المصوتة قبله، ثم تماديت بهن نحوه طلن وشعن في الصوت فوفين له، وزدن "في بيانه"13 ومكانه14 وليس كذلك إذا وقع بعدهن غيرها وغير المشدد، ألا تراك إذا قلت: كتاب، وحساب، وسعيد، وعمود15، وضروب، وركوب لم تجدهن لدنات ولا ناعمات ولا وافيات مستطيلات16؛ كما تجدهن كذلك إذا تلاهن الهمز17 أو الحرف المشدد.
__________
1 سقط في ش.
2 سقط ما بين القوسين في ش، ط، وثبت في د، هـ، ز.
3 سقط في د، هـ، ز.
4 في ز: "حوب"، والحوب -بالضم: الهلاك.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بها".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يتمكن".
7 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
8 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "هن منه".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "خطيئات ورزيئات".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيه".
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "لأن".
12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وإذا".
13 كذا في ش، وفي د، هـ: "لبيانه" وفي ز، ط: "لينايه" وكأنه محرف عن "لبنابه".
14 كذا في ش، وفي ز: "لمكانه" وسقط في ط.
15 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "عميد".
16 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ومستطيلات".
17 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الهمزة".(3/127)
وأما سبب نعمتهن ووفائهن وتماديهن إذا وقع المشدد بعدهن1 فلأنهن -كما ترى- سواكن وأول المثلين مع التشديد ساكن فيجفو عليهم أن يتلقى الساكنان حشوا في كلامهم، فحينئذ ما ينهضون بالألف2 بقوة الاعتماد عليها، فيجعلون طولها ووفاء الصوت بها عوضًا مما كان يجب لالتقاء الساكنين: من تحريكها إذا لم يجدوا عليه تطرقًا، ولا بالاستراحة إليه3 تعلقًا. وذلك نحو شابة، ودابة، وهذا قضيب بكر في قضيب بكر وقد تمود الثوب وقد قوص بما عليه. وإذا كان كذلك فكلما رسخ4 الحرف في المد كان حينئذ محفوظًا5 بتمامه، وتمادى الصوت به6، وذلك الألف، ثم الياء ثم الواو. فشابة إذًا أوفى صوتًا وأنعم جرسا من أختيها وقضيب بكر أنعم وأتم من قوص به. وتمود ثوبه لبعد الواو من أعرق الثلاث في المد -وهي الألف- وقرب الياء إليها. نعم وربما لم يكتف من تقوى لغته، ويتعالى7 تمكينه وجهارته بما تجشمه من مد الألف في هذا الموضع، دون أن يطغى8 به طبعه ويتخطى9 به اعتماده ووطؤه، إلى أن يبدل من هذه الألف همزة فيحملها الحركة التي كان كلفا10 بها، و"مصانعًا11 بطول" المدة عنها، فيقول: شأبة ودأبة. وسنأتي بنحو هذا في بابه؛ قال كثير.
إذا ما العوالي بالعبيط احمأرت12
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "من بعدهن".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الألف"، وكأنه اقتصر على الألف لأنه الأصلي؛ كما سيأتي له، وقد يكون سقط: "والياء والواو"، والأقرب أنه محرف عن: "بالأحرف".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "عليه".
4 في ط: "وضح".
5 كذا في ش، وفي هـ، ز، ط: "محقوقا" وفي د: "محفوفا".
6 سقط في ط.
7 في ط ما يقرب من "يتغالى".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يطغى".
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ينحط".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كلفها".
11 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "مطالعا لطول".
12 الوارد في الديوان 2/ 97 الشطر من بيت هكذا:
وأنت ابن لبلى خير قومك مشهدا ... إذا ما احمارت بالعبيط العوامل
وهكذا ورد البيت في اللسان "حنن" وهو من قصيدة في مدح عبد العزيز بن مروان.(3/128)
وقال1:
وللأرض أما سودها فتجللت ... بياضا وأما بيضها فاسوأدت
وهذا الهمز الذي تراه أمر يخص الألف دون أختيها. وعلته في اختصاصه بها دونهما أن همزها في بعض الأحوال إنما هو لكثرة ورودها ساكنة بعدها الحرف المدغم فتحاملوا وحملوا أنفسهم على قلبها همزة تطرقًا إلى الحركة وتطاولا إليها إذ لم يجدوا إلى تحريكها هي2 سبيلًا، لا في هذا الموضع ولا في غيره. وليست كذلك أختاها لأنهما وإن سكنتا في نحو هذا قضيب بكر وتمود الثوب فإنهما قد تحركان كثيرًا في غير هذا الموضع. فصار تحركتهما3 في غير هذا الموضع عوضًا من سكونهما فيه. فاعرف ذلك فرقًا.
وقد أجروا الياء والواو الساكنتين المفتوح ما قبلهما مجرى التابعتين لما هو منهما. وذلك نحو قولهم4: هذا جيب5 بكر أي جيب بكر وثوب6 بكر، أي ثوب بكر. وذلك أن الفتحة وإن كانت مخالفة الجنس للياء والواو، فإن فيها سرا له، ومن أجله جاز أن تمتد الياء والواو بعدها في نحو ما رأينا7. وذلك أن أصل المد وأقواه، وأعلاه، وأنعمه، وأنداه إنما هو للألف8. وإنما الياء والواو في ذلك محمولان عليها، وملحقان9 في الحكم بها، والفتحة بعض الألف،
__________
1 أي كثير من قصيدة في مرثية عبد العزيز بن مروان وقبله -وإن لم يكن على ترتيب الديوان:
عجبت لأن النائحات وقد علت ... مصيبته فهرا فعمت وصمت
تعين ولو أسمعن أعلام صندد ... وأعلام رضوى ما يقلن أدرهمت
وهو يريد بتجلل الأرض بياضا واسوداد بياضها اضطرابها أو يريد أن قبورها أصبحت بيضا به، وظهرها أصبح أسود بزواله عنه، وفي الديوان المطبوع تحقيق د. إحسان عباس عام 1971 ص323 "اد هأمت" بدلا من "اسوأدت" "المصحح".
2 سقط في ش.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تحريكهما".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قولك".
5 كتب في الأصول: "جيبكر".
6 رسم في الأصول: "ثو بكر" غير أن في ط: "ثو بيكر".
7 كذا في ش، وفي ز، ط: "أرينا".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الألف".
9 في ط: "يلحقان".(3/129)
فكأنها إذا قدمت قبلهما1 في نحو بيت وسوط إنما قدمت2 الألف؛ إذ كانت الفتحة بعضها، فإذا جاءتا بعد الفتحة جاءتا في موضع3 قد سبقتهما4 إليه الفتحة التي هي ألف صغيرة، فكان ذلك سببًا للأنس بالمد لا سيما وهما بعد الفتحة5 -لسكونهما- أختا الألف وقويتا6 الشبه بها؛ فصار7 ثوب وشيخ نحوًا من شاخ وثاب، فلذلك ساغ وقوع المدغم بعدهما، فاعرف ذلك.
وأما مدها8 عند التذكر فنحو قولك: أخواك ضربا، إذا كنت متذكرا للمفعول "أو الظرف أو نحو ذلك"9 أي ضربا زيدا ونحوه. وكذلك تمطل الواو إذا تذكرت في نحو ضربوا، إذا كنت تتذكر المفعول أو الظرف أو نحو ذلك: أي ضربوا زيدا، أو ضربوا يوم الجمعة أو ضربوا قياما فتتذكر الحال. وكذلك الياء في نحو اضربي أي اضربي زيدا ونحوه.
وإنما مطلت ومدت هذه الأحرف10 في الوقف وعند التذكر، من قبل أنك لو وقفت عليها غير ممطولة ولا ممكنة المدة، فقلت: ضربا وضربوا واضربي وما كانت11 هذه حاله وانت مع ذلك متذكر لم "توجد في"12 لفظك دليلا على أنك متذكر شيئًا ولأوهمت13 كل الإيهام أنك قد أتممت كلامك ولم يبق من بعده مطلوب متوقع لك؛ لكنك لما وقفت ومطلت الحرف علم بذلك أنك متطاول إلى كلام تالٍ14 للأول منوطٍ به، معقود ما قبله على تضمنه وخلطه بجملته.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قبلها".
2 سقط في د، هـ، ز.
3 في ز: "موضع واحد".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "سبقهما".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الصحة".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قريبا".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فصا".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مدهما".
9 ثبت ما بين القوسين في ط، وسقط في ش، ز.
10 كذا في ش، ط، وفي د، وفي د، هـ، ز: "الألف".
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كنت".
12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يوجد".
13 في ش: "لا أوهمت".
14 في ط: "ثان".(3/130)
ووجه الدلالة من ذلك أن حروف اللين هذه الثلاثة إذا وقف عليهن ضعفن، وتضاءلن، ولم يف مدهن، وإذا وقع بين الحرفين تمكن، واعترض الصدى معهن. ولذلك قال أبو الحسن: إن الألف إذا وقعت بين الحرفين كان لها صدى. ويدل ذلك على أن العرب لما أرادت مطلهن للندبة وإطالة الصوت بهن في الوقف وعلمت أن السكوت1 عليهن ينتقصهن ولا يفي بهن أتبعتهن الهاء في الوقف توفية لهن وتطاولا إلى إطالتهن. وذلك قولك2: وازيداه، واجعفراه. ولابد من الهاء في الوقف فإن وصلت أسقطتها، وقام التابع غيرها في إطالة الصوت مقامها. وذلك قولك: وازيدا3، واعمراه. وكذلك أختاها. وذلك قولهم4: وانقطاع ظهرهيه، وواغلامكيه، وواغلامهوه، وواغلامهموه. وتقول في الوصل: اغلامهمو لقد كان كريما! وانقطاع ظهرهي من هذا الأمر!
والمعنى الجامع بين التذكر والندبة قوة الحاجة إلى إطالة الصوت في الموضعين. فلما كانت هذه حال هذه الأحرف وكنت عند التذكر كالناطق بالحرف5 المستذكر6؛ صار كأنه هو ملفوظ به. فتمت هذه الأحرف وإن وقعن أطرافا، كما يتممن7 إذا وقعن حشوا لا أواخر. فاعرف ذلك. "فهذه حال الأحرف الممطولة"8.
وكذلك الحركات عند التذكر يمطلن حتى يفين9 حروفا. فإذا صرنها10 جرين مجرى الحروف المبتدأة توام، فيمطلن أيضًا حينئذ؛ كما تمطل الحروف. وذلك11 قولهم
__________
1 كذا في ز، ط، د، وفي ش، هـ: "السكون".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قولهم".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "زيداه".
4 في ز: "قولك".
5 سقط في ش.
6 في ط: "والمستذكر".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تتممن".
8 ذكر ما بين القوسين في ش قبل قوله فيما سبق "فلما كانت هذه حال هذه الأحرف ... ".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بقين".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "صرفها حتى".
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "من ذلك".(3/131)
عند التذكر مع الفتحة في قمت: قمتا، أي قمت يوم الجمعة، ونحو ذلك، ومع الكسرة: أنتى، أي أنت عاقلة، ونحو ذلك، ومع الضمة: قمتو في1 قمت إلى زيد، ونحو ذلك.
فإن كان الحرف الموقوف عليه ساكنا فعل ضربين: "صحيح ومعتل"2.
فالصحيح في نحو هذا يكسر؛ لأنه لا يجرى الصوت في الساكن، فإذا حرك3 انبعث الصوت في الحركة، ثم انتهى إلى الحرف، ثم أشبعت ذلك الحرف ومطلته. وذلك قولك في نحو قد وأنت تريد قد قام ونحوه إلا أنك تشك، أو تتلوم لرأي تراه من ترك المبادرة4 بما5 بعد ذلك: قدي، وفي من: مني، وفي هل: هلي وفي نعم: نعمي أي نعم قد كان، أو نعم هو هو "أو نحوه"6 مما تستذكر7 أو "تراخي8 بذكره". وعليه تقول في التذكر إذا وقفت على لام التعريف: إلى وأنت تريد: الغلام أو الخليل أو نحو ذلك.
وإنما كانت حركة هذا ونحوه الكسرة دون أختيها من قبل أنه ساكن قد احتيج إلى حركته فجرت حركته إذًا مجرى حركة التقاء الساكنين في9 نحو {قُلِ اللَّهُمَّ} 10 و {قُمِ اللَّيْلَ} 11 وعليه أطلق المجزوم والموقوف في القوافي المطلقة إلى الكسر12؛ نحو قوله13:
وأنك مهما تأمرى القلب يفعل
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "أي".
2 سقط ما بين القوسين في ش.
3 كذا في ش، ط، وفي هـ، ز: "تحرك" وفي د: "تحركت".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المبارزة".
5 في ط: "مما".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ونحو ذلك".
7 في د، هـ، ز: "يستذكره".
8 في د، هـ، ز: "يتراخى ذكره".
9 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط، وثبت في ش.
10 آية 26 سورة آل عمران.
11 آية 2 سورة المرتل.
12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الكسرة".
13 أي امرئ القيس في معلقته، وصدره:
أغرك منى أن حبك قاتل(3/132)
وقوله1:
لما تزل برحالنا وكأن قد
ونحو مما نحن عليه حكاية الكتاب2: هذا سيفنى وهو يريد: سيف من أمره كذا، أو من حديثه كذا. فلما أراد الوصل أثبت التنوين، ولما كان ساكنا صحيحا لم يجر الصوت فيه3، فلما لم يجر فيه4 حرّكة بالكسر -كما يجب في مثله- ثم أشبع كسرته، فأنشا عنها ياء فقال: سيفنى.
هذا5 حكم الساكن الصحيح عند التذكر.
وأما الحرف المعتل فعلى ضربين: ساكن تابع6 لما قبله؛ كقاما، وقاموا، وقومى؛ وقد قدمنا ذكر هذا، ومعتل غير تابع لما قبله، وهو الياء والواو الساكنتان بعد الفتحة نحو، أي وكي ولو وأو فإذا وقفت على شيء من ذلك مستذكرا كسرته7، فقلت: قمت كي أي كي تقوم ونحوه. وتقول في العبارة: قد فعل كذا أبي معناه: أي أنه كذا ونحو ذلك. ومن كان من لغته أن يفتح أو يضم لالتقاء الساكنين فقياس قوله أن يفتح أيضًا أو يضم عند التذكر. روينا ذلك8 عن قطرب: قم الليل وبع الثوب، فإذا تذكرت قلت: قما وبعا وفي سر: سرا. وليس كذلك قراءة ابن مسعود: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} 9 لأن الألف علم ضمير
__________
1 أي النابغة في قصيدته في المتجردة، وصدره:
أزف الترحل غير أن ركابنا
2 انظر الكتاب 2/ 304.
3 في ز، ط: "به".
4 في د، هـ، ز، بعده: "الصوت" وقد ضرب عليها في ش.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فهذا".
6 في ش: "وتابع".
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كسرتهما".
8 سقط في ش.
9 آية 44 سورة طه.(3/133)
تثنية موسى وهارون، عليهما السلام. وأيضًا فإنه لم يقف عليه؛ ألا ترى أن بعده {لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} وإنما هذه لغة لبعضهم، يجري1 حركة ألف التثنية وواو الجمع مجرى حركة التقاء الساكنين فيقول2 في التثنية: بعا يا رجلان ويا رجال3 بعوا، ويا غلامان قما. وعليه قراءة اين مسعود هذه وبيت الضبي4:
... لم يهلعوا ولم يخموا
يريد: يخيموا، فجاء به على ما ترى. وروينا عن قطرب أن منهم من يقول: شم يا رجل. فإن تذكرت على هذه اللغة مطلت الضمة فوفيتها واوا، فقلت: شمو. ومن العرب من يقرأ5 {اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ} 6 ومنهم من يكسر فيقول: اشتروا الضلالة. ومنهم من يفتح فيقول: اشتروا الضلالة. فإن مطلت متذكرا7 قلت على من ضم: اشترووا، وعلى من كسر: اشتروى، وعلى من فتح: اشتروا.. وروينا عن محمد بن محمد عن أحمد بن موسى عن محمد بن الجهم عن يحيى بن زياد قول الشاعر:
فهم بطانتهم وهم وزراؤهم ... وهم القضاة ومنهم الحكام
فإن وقفت على "هم" من قوله: وهم القضاة، قلت: همي. وكذلك الوقوف على منهم الحكام: منهمي. فإن وقفت على هم من قوله: "وهم" وزراؤهم قلت: همو9؛ لأنك كذا رأيته فعل الشاعر لما قال في أول البيت: فهمو، ففصلت بين حركة
__________
1 في د، هـ، ز: "تجري".
2 في ط: "فتقول".
3 سقط حرف العطف في د، هـ، ز.
4 انظر ص62 من هذا الجزء.
5 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "يقول".
6 آية 16 سورة البقرة.
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مستذكرا".
8 هو الفراء.
9 في ش: "وهم".(3/134)
التقاء الساكنين وغيرها كما فصل، وإن شئت قلت1: وهمي، تريد: وهم وزراؤهم وقلت: وهمو تريد: وهم القضاة، حملا على قوله: فهم بطانتهم؛ لأنك إذا فعلت ذلك لم تعد2 أن حملت على نظير. وكلما جاز شيء من ذلك عند وقفة التذكر جاز في القافية البتة على ما تقدم. وعليه تقول: عجبت منا إذا3 أردت: من القوم على من فتح النون4. ومن كسرها فقال: من القوم قال: منى. فاعرف ذلك إلى ما يليه إن شاء الله.
باب في إنابة الحركة عن الحرف والحرف عن الحركة:
الأول منهما أن تحذف الحرف وتقر الحركة قبله نائبةً عنه. ودليلةً5 عليه، كقوله:
كفاك كفٌ لا تليق درهما ... جودًا وأخرى تعط بالسيف الدما6
يريد: تعطى. وعليه بيت الكتاب:
وأخو الغوان متى يشأ يصر منه7
وبيته:
دوامي الأيد يخبطن السريحا8
__________
1 سقط في ش، ط.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يعد".
3 كذا في د، هـ، زز وفي ط: "منها إذا" وفي ش: "مما".
4 في ش بعده: "منا".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "دليلا".
6 لا تليق درهما أي لا تمسكه وتحبسه، يصفه بالبذل والإنفاق، وورد البيت في اللسان "لاق" غير منسوب، وفي أمالي ابن الشجري 2/ 72.
7 ينسب إلى الأعشى، وعجزه:
ويكن أعداء بعيد وداد
وانظر الكتاب 1/ 10، والصبح المنير 99، وفيه: "وأخو النساء".
8 انظر ص271 من الجزء الثاني.(3/135)
ومنه قول الله تعالى: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} 1 وهو كثير في الكسرة. وقد جاء في الضمة منه قوله:
إن الفقير بيننا قاضٍ حكم ... أن ترد الماء إذا غار النجم2
يزيد النجوم، فحذف الواو، وأناب عنها الضمة، وقوله:
حتى إذا بلت حلاقيم الحلق3
يريد الحلوق. وقال الأخطل:
كلمع أيدي مثاكيل مسلبة ... يندبن ضرس بنات الدهر والخطب4
ومنه قول الله عز اسمه {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} 5 و {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} 6 و {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} 7 وكتب ذلك بغير واو "دليلا في الخط على الوقوف عليه بغير واو"8 في اللفظ. وله نظائر وهذا9 في المفتوح قليل10؛ لخفة الألف، قال:
مثل النقا لبده ضرب الطلل11
ونحو منه قوله:
ألا لا بارك الله في سهيلٍ ... إذا ما الله بارك في الرجال12
__________
1 آية 16 سورة الزمر.
2 في ط: "يرد" وفي البحر لأبي حيان 5/ 481:
إن الذي قضى بذا قاض حكم
3 في اللسان "حلق": "ابتلت" في مكان "بلت".
4 من قصيدة له في مدح الوليد بن عبد الملك، وهو في وصف الإبل، يذكر أنهن يرفض أيديهن في السير، وشبه ذلك بلمع نوائح بحزق، والمسلبة: لابسات السلاب، وهو ثوب الحداد، وضرب بنات الدهر إصابتها الناس بالشر، وانظر الديوان 188، واللسان "ضرس".
5 آية 24 سورة الشورى.
6 آية 6 سورة القمر.
7 آية 18 سورة العلق.
8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، وثبت في ش، ط.
9 سقط في ش.
10 في ش: "قليلة".
11 الطلل أصله الطلال، وهو جمع الطل، وهو المطر القليل الدائم، ويرويه بعضهم بفتح الطاء، وأصله الطل، ففك التضعيف، وانظر اللسان "طلل".
12 ورد البيت في اللسان "أله" غير منسوب.(3/136)
فحذف الألف من هذه اللفظة "الله". ومنه بيت الكتاب:
أو الفًا مكة من ورق الحمى1
يريد الحمام، فحذف الألف فالتقت الميمان فغير على ما ترى. وقال أبو عثمان في قول الله سبحانه {يَا أَبَتِ} 2 أراد: يا أبتا، فحذف الألف. وأنشد أبو الحسن وابن الإعرابي:
فلست بمدرك ما فات منى ... بلهف ولا بليت ولا لو أني3
يريد بلهفى وقد مضى نحو هذا.
الثاني منهما، وهو إنابة الحرف عن الحركة. وذلك في بعض الآحاد وجمع التثنية وكثير من الجمع.
فالآحاد نحو أبوك وأخوك وحماك وفاك وهنيك وذي مال. فالألف والياء والواو في جميع هذه الأسماء الستة دواخل على الفتح والكسر والضم. ألا تراها تفيد من الإعراب ما تفيده الحركات: الضمة والفتحة والكسرة.
والتثنية نحو الزيدان والرجلين.
والجمع نحو الزيدون والمسلمين.
وأعربوا بالنون أيضًا، فرفعوا بها في الفعل: يقومان ويقومون وتقومين4 فالنون في هذا نائبة عن الضمة في يفعل. وكما أن ألف التثنية وواو الجمع نائبتان عن الضمة والياء، فهما نائبتان عن الكسرة والفتحة، وإنما الموضع في الإعراب للحركات، فأما الحروف فدواخل عليها.
وليس من هذا الباب إشباع الحركات في نحو منتزاح، وأنظور، والمطافيل، لأن الحركة في نحو هذا لم تحذف وأنيب الحرف عنها بل هي موجودة5 ومزيد فيها لا6 منتقص منها.
__________
1 هو للعجاج، وهو من وصف حمام الكعبة، أقسم به، يريد المؤلف أن الشاعر حذف ألف الحمام فصار الحمم، فأبدل من الميم الثانية ياء فرارا من التضعيف؛ كما قيل في تظننت: تظنيت، وانظر اللسان "حم" والكتاب 1/ 8.
2 آية 4 سورة يوسف.
3 ورد في العيني على هامش الخزانة 4/ 248 ولم ينسبه، وفي الخزانة 1/ 63.
4 سقط في د، هـ، ز.
5 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "لا.
6 في ش: "ولا".(3/137)
باب في هجوم الحركات على الحركات:
وذلك على ضربين: أدهما كثير مقيس1، والآخر قليل4 غير مقيس2.
الأول منهما، وهو قسمان: أحدهما أن تتفق فيه الحركتان والآخر أن تختلفا3 فيه، فيكون الحكم للطارئ منهما، على ما مضى.
فالمتفقان4 نحو قولك: هم يغزون ويدعون. وأصله يغزوون، فأسكنت الواو الأولى التي هي اللام، وحذفت لسكونها وسكون واو الضمير والجمع بعدها، ونقلت تلك الضمة المحذوفة على اللام إلى الزاي التي هي العين، فحذفت لها الضمة الأصلية في الزاي؛ لطروء الثانية المنقولة من اللام إليها عليها. ولا بد من هذا التقدير في هجوم الثانية الحادثة على الأولى الراتبة5؛ اعتبارا في ذلك بحكم المختلفتين6؛ ألا تراك تقول في العين الكسورة بنقل الضمة إليها مكان كسرتها؛ وذلك نحو يرمون ويقضون ألا تراك7 نقلت ضمة ياء يرميون8 إلى ميمها فابتزت9 الضمة الميم كسرتها، وحلت
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "متفش".
2 سقط في ط.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يختلفا".
4 في ط: "فالمتفقتان".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المراتبة".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "المختلفين".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ترى أنك".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يرمون".
9 أي سلبت.(3/138)
محلها فصار1: يرمون. فكما لا يشك في أن ضمة ميم يرمون غير كسرتها في يرميون لفظا، فكذلك فلنحكم2 على أن ضمة زاي يغزون غير ضمتها في يغزوون3 تقديرا وحكما.
ونحو من ذلك قولهم في جمع مائة: مئون. فكسرة ميم مئون غير كسرتها في مائة؛ اعتبارا بحال المختلفين في سنة وسنين4. وبرة وبرين5. ومثله ترخيم برثن ومنصور فيمن قال: يا حار إذا قلت: يا برث، ويا منص فهذه الضمة في ثاء6 برث وصاد منص غير الضمة فيمن قال: يا برث ويا منص علي يا حار على يا حار؛ اعتبارا بالمختلفتين7. فكما لا شك في أن ضمة راء يا حار غير كسرة راء يا حار سماعا ولفظا فكذلك الضمة على يا حار في يا برث ويا منص غير الضمة فيهما على يا حار تقديرا وحكما. وعلى ذلك كسرة صاد صنو وقاف قنو غير كسرتها في قنوانٍ وصنوانٍ. وهذا باب؛ وقد8 تقدم في فصله.
وكذلك كسرة ضاد تقضين غير كسرتها المقدرة فيها في أصل حالها، وهو تقضيين. والقول هنا هو ما تقدم في يدعون ويغزون.
فهذا حكم الحركتين المتفقتين.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فصارت"، وقوله: "فصار" أي مد حذف الياء؛ كما هو معلوم، وكذا يقال فيما يأتي من الأمثلة، فهو قد يترك الكلام على حذف اللام للعلم به.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فليحكم".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يغزون".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "سنون".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يرون". والبرة: الخلخال، وحلقة في أنف البعير.
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يا".
7 كذا في ش، وفي ز، ط: "بالمحلفين".
8 سقط حرف العطف في ش، ط.(3/139)
وأما1 المختلفتان فأمرهما واضح. وذلك نحو يرمون ويقضون. والأصل: يرميون ويقضيون، فأسكنت الياء استثقالا للضمة عليها، ونقلت إلى ما قبلها فابتزته كسرته2، لطروئها3 عليها4؛ فصار: يرمون ويقضون. وكذلك قولهم: أنت تغزين، أصله تغزوين، فنقلت الكسرة من الواو إلى الزاي، فابتزتها ضمتها فصار: تغزين. إلا أن منهم من يشم الضمة أرادة للضمة المقدرة ومنهم من يخلص الكسرة فلا يشم. ويدلك على مراعاتهم لتلك الكسرة والضمة المبتزتين5 عن هذين الموضعين أنهم إذا أمروا ضموا همزة الوصل وكسروها إرادة لهما6؛ وذلك كقولهم7: اقضوا، ابنوا8، وقولهم: اغزى، ادعى9. فكسرهم مع ضمة10 الثالث، وضمهم مع كسرته يدل على قوة مراعاتهم للأصل المغير، وأنه عندهم مراعىً معتد مقدر.
ومن المتفقة حركاته ما كانت في الفتحتان، نحو اسم المفعول11 من12 نحو اشتد واحمر وذلك قولهم: مشتد ومحمر، ومن قولك: هذا رجل مشتد عليه، وهذا مكان محمر فيه "وأصله مشتددٌ ومحمررٌ"13 فأسكنت الدال والراء14 الأوليان، وادغمتا في مثلهما من بعدهما، ولم ننقل15 الحركة إلى ما قبلها، فتغلبه16 على حركته التي فيه،
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فأما".
2 في ط: "وكسرته".
3 كذا في ز، ط، وفي ش: "لطروءه".
4 في ز: "عليه".
5 كذا في ط، وفي ش، ز: "المبتزة".
6 في ش: "لها".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قولك".
8 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "وارموا".
9 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "وادعى".
10 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "الضمة".
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "المفعولين".
12 سقط هذا الحرف في ز.
13 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، وثبت في ش، ط.
14 في ش: "الواو".
15 كذا في ش، وفي ط: "تنقل" وفي د، هـ، ز: "ينقل".
16 في ط: "فغلبت"، وفي ش: "فنقلبه"، وهو تصحيف.(3/140)
كما تغلب1 في يغزون ويرمين. يدل على أنك لم تنقل الحركة هنا كما نقلتها هناك قولهم في اسم الفاعل أيضًا كذلك، وهو "مشتد ومحمر ألا ترى أن أصله"2 مشتد ومحمرر. فلو نقلت هذا لوجب أن تقول: مشتّد ومحمرّ. فلما لم تقل ذلك وصح في المختلفين3 اللذين النقل فيهما موجود لفظا امتنعت من الحكم به فيما تحصل الصنعة فيه تقديرا ووهما. وسبب ترك النقل في المفتوح انفراد الفتح عن الضم والكسر في هذا النحو لزوال الضرورة فيه ومعه ألا ترى إلى صحة الياء والواو جميعا بعد الفتحة وتعذر الياء الساكنة بعد الضمة والواو الساكنة بعد الكسرة. وذلك أنك لو حذفت الضمة في4 يرميون ولم تنقلها إلى الميم لصار التقدير إلى يرمون، ثم وجب قلب الواو ياء، وأن تقول: هم يرمين، فتصير إلى لفظ جماعة المؤنث. وكذلك لو لم تنقل كسرة الواو في تغزوين إلى الزاى لصار التقدير إلى تغزين. فوجب أن تقلب الياء لانضمام الزاى قبلها واوا، فتقول5 للمرأة: أنت تغزون؛ فيلتبس6 بجماعة المذكر.
فهذا حكم المضموم مع المكسور. وليس كذلك المفتوح؛ ألا ترى الواو والياء صحيحتين بعد الفتحة، نحو هؤلاء يخشون ويسعون، وأنت ترضين وتخشين. فلما لم تغير الفتحة هنا في المختلفين اللذين تغييرهما واجب، لم تغير الفتحتان اللتان إنما هما في التغيير محمولتان على الضم مع الكسر. فإن قلت7: فقد يقع اللبس أيضًا بحيث
__________
1 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "نقلت"، وفي ش: "تقلب" وهو تصحيف.
2 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
3 في ش: "المختلفين".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "من".
5 كذا في ش، ط، وفي د، ز: "فيقول".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيلتبسن".
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قيل".(3/141)
رُمت الفرق؛ ألا تراك تقول للرجال: أنتم تغزون، "وللنساء: أنتنّ تغزون"1، وتقول للمرأة: أنت ترمين، ولجماعة النساء: أنتنّ ترمين.
قيل: إنما احتُمل هذا النحو في هذه الأماكن ضرورة، ولولا ذلك لما احتمل. ووجه الضرورة أن أصل أنتم تغزون: تغزوون، فالحركتان -كما ترى- متفقتان؛ لأنهما ضمتان. وكذلك أنت ترمين، الأصل فيه ترميين، فالحركتان أيضًا متفقتان؛ لأنهما كسرتان. فإذا أنت أسكنت المضموم الأول ونقلت2 إليه ضمة الثاني، وأسكنت المكسور الأول ونقلت إليه كسرة الثاني، بقى اللفظ بحاله، كأن لم تنقله ولم تغيّر شيئًا منه، فوقع اللبس، فاحتمل، لما يصحب الكلام من أوله وآخره3؛ كأشياء كثيرة يقع اللبس في لفظها، فيعتمد في بيانها على ما يقارنها4؛ كالتحقير والتكسير وغير ذلك فلما وجدت إلى رفع اللبس بحيث وجدته5 طريقا سلكتها، ولما لم تجد إليه طريقا في موضع آخر احتملته، ودللت بما يقارنه6 عليه.
فهذه أحوال الحركات المنقولة، وغير المنقولة فيما7 كان فيه الحرفان جميعا متحركين.
فأما إن سكن الأول فإنك تنقل الحركات جُمع8 إليه. وذلك نحو أقام، ومُقيم، ومُقام، وأسار، ومُسِير، ومُسَار؛ ألا ترى أن أصل ذلك أقوَم، وأسيَر، ومُقوِم، ومُسيِر، ومُقوَم، ومُسيَر، وكذلك يقوم ويسير: أصلهما يَقوُم ويَسيِر، فنقل ذلك كله؛ لسكون الأول.
__________
1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فنقلت".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "إلى آخره".
4 في ش، ز: "يقاربها".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "وجدت".
6 في ش، ز: "يقاربه".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مما".
8 كذا في ز، وفي د، هـ: "جميعا" وسقط في ش، ط.(3/142)
والضرب1 الثاني مما2 هجمت فيه الحركة على الحركة من غير قياس. وهو كبيت3 الكتاب:
وقال اضرب الساقين إمك هابل4
وأصله: امك هابل، إلا أن همزة "أمك" كسرت لانكسار ما قبلها، على حد قراءة من قرأ: {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} 5 فصار: إمك هابل، ثم أتبع الكسر الكسر، فهجمت كسرة الإتباع على ضمة الإعراب، فابتزتها موضعها6، فهذا شاذٌ لا يقاس عليه، ألا تراك لا تقول: قدرك واسعة، ولا7 عدلك ثقيل، ولا بنتك عاقلة.
ونحو من ذلك في الشذوذ قراءة الكسائي "بما أنزليك"8. وقياسه في تخفيف الهمزة أن تجعل الهمزة بين بين فتقول: بما أنزل إليك؛ لكنه حذف الهمزة حذفا، وألقى حركتها9 على لام أنزل، وقد كانت مفتوحة فغلبت10 الكسرة الفتحة على الموضع، فصار تقديره: بما أنزلليك، فالتقت اللامان متحركتين، فأسكنت الأولى وادغمت في الثانية كقوله تعالى {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} 11.
ونحو منه ما حكاه لنا أبو علي عن أبي عبيدة أنه سمع: دعه في حر أمه. وذلك أنه نقل ضمة12 الهمزة -بعد أن حذفها- على الراء وهي مكسورة، فنفى13 الكسرة، وأعقب منها ضمة.
__________
1 سقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط.
2 كذا في ش، ط، ز، والأنسب: "ما".
3 كذا في ش، وفي ط، وفي ز: "بيت".
4 انظر ص147 من الجزء الثاني من هذا الكتاب، وص272 ج2 من سيبويه.
5 آية 11 سورة النساء وهو يريد القراءة بكسر همزة أمه في الآية، وهي قراءة حمزة والكسائي، وانظر البحر 3/ 184.
6 سقط في ش.
7 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.
8 آية 4 سورة البقرة، ولم أر من نسب هذه القراءة إلى الكسائي، وفي البحر 1/ 41 أنها شاذة ولم ينسبها.
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كسرتها".
10 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "وقلب".
11 آية 38 سورة الكهف.
12 سقط في ش.
13 في ط: "فبقي".(3/143)
ومنه ما حكاه أحمد بن يحيى في خبر له مع ابن الأعرابي بحضرة سعيد بن سلم، عن امرأة قالت لبنات لها وقد خلون إلى أعرابي كان1 يألفهن: أفي السو تنتنه! قال أحمد بن يحيى فقال لي ابن الأعرابي: تعالى إلى هنا، اسمع ما تقول2. قلت: وما في هذا! أرادت: أفي السوأة أنتنه! فألقت فتحة "أنتن" على كسرة3 الهاء، فصارت بعد تخفيف همزة السوأة: أفي السو تنتنه. فهذا4 نحو مما نحن بسبيله. وجميعه غير مقيس؛ لأنه ليس على حد التخفيف القياسي، ألا ترى أن طريق قياسه أن يقول: في حرأمه، فيقر كسرة الراء عليها، ويجعل همزة أمه بين بين أي بين الهمزة والواو لأنها مضمومة، كقول الله سبحانه: يَسْتَهْزِئُون، فيمن خفف، أو في حريمه، فيبدلها ياء البتة "على يستهزيون وهو رأي أبي الحسن"5 وكذلك قياس تخفيف قولها: أفي السوأة أنتنه: أفي السوءة ينتنه، فيخلص همزة "أنتنه يه" البتة، لانتفاخها وانكسار ما قبلها كقولك في تخفيف مئر6: مير. وسنذكر شواذ الهمز في بابه بإذن الله.
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 في ز: "يقول".
3 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "كسر".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فهو".
5 سقط ما بين القوسين في ش.
6 جمع المئرة، وهي الذحل والعداوة.(3/144)
باب في شواذ الهمز:
وذلك في كلامهم على ضربين، وكلاهما غير مقيس.
أحدهما أن تقر الهمزة الواجبة تغييرها، فلا تغيرها1.
والآخر أن ترتجل همزا لا أصل له، ولا قياس يعضده.
الأول من هذين ما حكاه عنهم أبو زيد وأبو الحسن من قولهم: غفر الله له خطائئه. وحكى أبو زيد وغيره: دريئة2 ودرائئ. وروينا عن قطرب: لفيئة3 ولفائئ. وأنشدوا:
فإنك لا تدري متى الموت جائئٌ ... إليك ولا ما يحدث الله في غد4
وفيما جاء من هذه الأحرف دليل على صحة ما يقوله النحويون دون الخليل: من أن هذه5 الكلم6 غير مقلوبة وأنه قد كانت التقت فيها7 الهمزتان، على ما ذهبوا إليه، لا ما رآه هو.
ومن شاذ الهمز عندنا قراءة الكسائي "أئمة" بالتحقيق فيهما. فالهمزتان لا تلتقيان8 في كلمة واحدة إلا أن تكونا9 عينين، نحو سئال وسئار وجئار10 فأما التقاؤهما على التحقيق من كلمتين فضعيف عندنا، وليس لحنا. وذلك نحو قرأ أبوك، و {السُّفَهَاءُ أَلا} 11 و {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ} 12، و {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ} 13 فهذا14 كله جائز عندنا على ضعفه، لكن التقاؤهما في كلمة واحدة غير عينيين لحن، إلا ما شذ مما حكيناه من خطائئ وبابه. وقد تقدم. وأنشدني بعض من ينتمي إلى الفصاحة شعرا لنفسه مهموزا يقول فيه: أشاؤهما
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يغيرها".
2 هي الحلقة التي يتعلم الرامي الطعن والرمي عليها.
3 هي القطعة من اللحم.
4 انظر ص8 من الجزء الثاني.
5 سقط في د، هـ، ز.
6 سقط في ط.
7 في ز: "فيهما" وفي ط: "فيه".
8 في ز: "يلتقيان".
9 في ز: "يكونا".
10 كذا في ز، وفي ط: "خأار" أي خئار، وسقط هذا في ش.
11 آية 12 سورة البقرة.
12 آية 65 سورة الحج.
13 آية 31 سورة البقرة، وفي ش، ز: "ائتوني" في مكان "انبئوني" وهو غير التلاوة وما أثبت في ط.
14 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".(3/145)
وأدأؤها فنبهته عليه فلم يكد يرجع عنه وهذا1 مما لو كان "همزه أصلا"2 لوجب تركه وإبداله، فكيف أن يرتجل همزا لا أصل له، ولا عذر في إبداله من حرف لين ولا غيره.
الثاني من الهمز. وهو ما جاء من غير أصل له، ولا إبدال "دعا قياس إليه"3 وهو كثير.
منه قولهم: مصائب. وهذا مما لا ينبغي همزه في وجه من4 القياس. وذلك أن مصيبة مفعلة. وأصلها مصوبة، فعينها كما ترى متحركة5 في الأصل، فإذا احتيج إلى حركتها في الجمع6 حملت الحركة. وقياسه7 مصاوب. وقد جاء ذلك أيضا؛ قال:
يصاحب الشيطان من يصاحبه ... وهو أذيٌّ جمة مصاوبه8
ويقال فيها أيضًا: مصوبة ومصابة. ومثله قراءة أهل المدينة: "معائش" بالهمز. وجاء9 أيضا في شعر الطرماح مزائد جمع مزادة، وصوابها مزايد10. قال11:
مزائد خرقاء اليدين مسيفةٍ
__________
1 كذا في د، هـ، ز، وفي ط: "فهذا"، وفي ش: "هذا".
2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "أصله همزا"، وانظر في "أشأؤها" و"أداوها" ص8 من الجزء الثاني.
3 كذا في ش، وفي ز: "دعا بقياس إليه"، وفي ط: "بقاس عليه".
4 سقط هذا الحرف في ط.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "محركة".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "جمع".
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فقياسه".
8 الأذى: الذي يتأذى بالشيء، وفي اللسان "أذى" بعد إنشاد البيت: "وقد يكون الأذى المؤذي"، وقوله: "جمة" في اللسان: "حمة"، وكتب مصححه في الهامس: "قوله" جمة كذا في الأصل بالحاء المهملة مرموزا لها بعلامة الإهمال، وانظر ص330 من الجزء الأول.
9 كذا في ش، ط، وفي ز: "وقد جاء".
10 في ش: "مزاود".
11 أي الطرماح، وانظر ص329 من الجزء الأول.(3/146)
وقالوا أيضا: منارة ومنائر، وإنما صوابها: مناور، لأن الألف عين وليست بزائدة. ومن الجيد قول الأخطل:
وإني لقوام مقاوم لم يكن ... جريرٌ ولا مولى جريرٍ يقومها1
ومن شاذ الهمز ما أنشده ابن الأعرابي لابن كثوة:
ولى نعام بني صفوان زوزأةً ... لما رأى أسدا في الغاب قد وثبا2
وإنما هي زوزاة: فعللة من مضاعف الواو، بمنزلة االقوقاة والضوضاة.
وأنشدوا بيت امرؤ القيس:
كأني بفتخاء الجناحين لقوةٍ ... دفوفٍ من العقبان طاطات شئمالي3
يريد شماله، أي خفضها بعنان فرسه. وقالوا: تأبلت القدر بالهمز4. ومثله التأبل والخأتم والعألم5. ونحو منه ما حكوه من قول بعضهم: بأز بالهمز، وهي البئزان بالهمز أيضًا. وقرأ ابن كثير: {وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا} 6 وقيل في جمعه: سؤق مهموزا على فعل. وحكى أبو زيد: شئمة للخليقة بالهمز وأنشد الفراء7:
يا دارمي بدكاديك البرق ... صبرا فقد هيجت شوق المشتئق8
يريد المشتاق. وحكى أيضًا رجل مثل "بوزن9 معل" إذا كان كثير المال. وحكوا أيضا: الرئبال بالهمز. وأما شأمل، وشمأل، وجرائض، وحطائط بطائط10، والضهيأ11،
__________
1 من قصيدة له يمدح فيها بشر بن مروان، وانظر الديوان 123.
2 ورد في اللسان "زرى". ويقال: زرزى: نصب ظهره وقارب خطوه في سرعة.
3 انظر ص11 من الجزء الأول، ويريد المؤلف أن الشمال في البيت أصلها: الشيمال، ولغة في الشمال ضد اليمين.
4 سقط في د، هـ، ز.
5 سقط في ش.
6 آية 44 سورة "النمل".
7 سقط في د، هـ، ز.
8 الدكاديك جمع الدكداك وهو الرمل المتلبد في الأرض لم يرتفع، والبرق جمع البرقة وهي غلظ في حجارة ورمل. وفي شواهد الشافعية للبغدادي 176: "قال ابن المستوفى: هذان البيتان أنشدهما القراء لرؤبة".
9 كذا في ط، وفي ز: "بوزن فعل" وسقط في ش.
10 سقط في د، هـ، ز، والحطائط: الصغير من الناس وغيرهم. والبطائط إتباع له، كما يقال: حسن بسن.
11 هي التي لا ثدي لها، أو هي التي لا تحيض.(3/147)
فمشهور بزيادة الهمز فيه. وحكى لنا أبو علي في النيدلان1: النئدلان بالكسر، ومثاله2 فئعلان. وأنشدوا لجرير:
لحب المؤقدان إلى مؤسى3
بالهمز في "الموقدان" و"موسى" وحكى أنه وجد بخط الأصمعي: قطا جؤنى.
وحكى عنه أيضًا فيه4 جوني.
ومن ذلك قولهم: لبأت بالحج، ورثأت زوجي بأبيات، وحلأت السويق، واستلأمت الحجر، وإنما هو استلمت: افتعلت، قال5:
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
فوزن استلأم على ما ترى: افتعأل، وهو مثال مبدع غريب.
ونحو منه ما رويناه عن أحمد بن يحيى لبلال بن جرير جد عمارة:
إذا ضفتهم أو سآيلتهم ... وجدت بهم علة حاضرة6
يريد: ساءلتهم. فإما زاد الياء وغير الصورة7 فصار مثاله، فعايلتهم. وإما8 أراد: ساءلتهم كالأول؛ إلا أنه زاد الهمزة الأولى، فصار تقديره: سئاءلتهم بوزن: فعاءلتهم، فجفا عليه9 التقاء الهمزتين هكذا، ليس بينهما إلا الألف10، فأبدل الثانية ياء، كما أنه لما كره أصل تكسير ذؤابة -وهو ذآئب- أبدل الأولى واوًا. ويجوز أن يكون
__________
1 هو الكابوس.
2 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "مثله".
3 انظر ص177 من الجزء الثاني.
4 كذا في ط، وفي ش: "منه" وسقط في د، هـ، ز.
5 أي الفرزدق من قصيدة يمدح فيها زين العابدين علي بن الحسين، وينسب هذا البيت مع آخر لشاعر اسمه داود بن سلم في قثم بن العباس، وهناك قصيدة للحز بن تشتبه مع قصيدة الفرزدق، وانظر الأغاني في ترجمة الحزين 14/ 78 من طبعة بولاق.
6 انظر البحر 1/ 235.
7 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "للضرورة".
8 كذا في ش، وفي ز، ط: "إنما".
9 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "عنه".
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ألف".(3/148)
أراد: ساءلتهم ثم أبدل من الهمزة ياء1، فصار: سايلتهم، ثم جمع بين المعوض2 والمعوض منه3 فقال: سآيلتهم، فوزنه الآن على هذا: فعاعلتهم.
ومثله مما جمع فيه بين العوض والمعوض منه في العين ما ذهب إليه4 أبو إسحاق وأبو بكر في قول الفرزدق:
هما نفثا في فيَّ من فمويهما5
فوزن "فمويهما" على قياس6 مذهبهما: فععيهما.
وأنا أرى ما ورد عنهم من همز الألف الساكنة في بأز وسأق وتأبل ونحو ذلك إنما هو عن تطرق وصنعة، وليس اعتباطًا هكذا من غير مسكة. وذلك أنه قد ثبت عندنا من عدة أوجه أن الحركة إذا جاورت الحرف الساكن فكثيرًا ما تجريها العرب مجراها فيه، فيصير7 لجواره إياها كأنه محرك8 بها. فإذا كان كذلك فكأن فتحة باء باز إنما هي في نفس الألف. فالألف لذلك وعلى هذا التنزيل كأنها9 محركة10 وإذا11 تحركت الألف انقلبت همزة. من ذلك قراءة أيوب السختياني: "غير المغضوب عليهم ولا الضألين". وحكى أبو العباس عن أبي عثمان عن أبي زيد قال:
__________
1 ثبت في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط.
2 كذا في ش، وفي د، ز، ط: "العوض".
3 في د، هـ، ز، ط، بعده: "في العين".
4 سقط في د، هـ، ز.
5 انظر ص171 من الجزء الأول.
6 سقط في ش.
7 في ط: "فتصير".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يتحرك".
9 سقط في د، هـ، ز.
10 في ط: "متحركة.
11 كذا في ش، وفي ز، ط: "فإذا".(3/149)
سمعت عمرو بن عبيد يقرأ: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} 1 "فظننت أنه"2 قد لحن، إلى أن سمعت العرب تقول: شأبة، ودأبة. وقال كثير:
إذا ما العوالي بالعبيط احمأرت3
"يريد احمارت"4 وقال أيضًا:
وللأرض أما سودها فتجللت ... بياضا وأما بيضها فاسوأدت5
وأنشد قوله:
يا عجبًا لقد رأيت عجبا ... حمار قبان يسوق أرنبا
خاطمها زأمها أن تذهبا6
وقال دكين:
وجله حتى ابيأض ملببه
فإن قلت: فما أنكرت أن يكون ذلك فاسدا، لقولهم في جمع بأز: بئزان بالهمز7. وهذا يدل على كون8 الهمزة فيه9 عينًا أصلًا كرأل10 ورئلانٍ.
قيل: هذا غير لازم. وذلك أنه لما وجد الواحد -وهو بأز- مهموزًا -نعم وهمزته غير مستحكمة السبب- جرى عنده وفي نفسه مجرى ما همزته أصلية، فصارت بئزان كرئلان. وإذا11 كانوا ما قويت علة قلبه مجرى الأصلي في قولهم:
ميثاق ومياثق كان إجراء بأز مجرى رأل أولى وأحرى. وسيأتي نحو هذا في باب له.
وعليه أيضًا قوله:
لحب المؤقدان إلي مؤسى12
ألا ترى أن ضمة الميم في "الموقدان" و"موسى" لما جاورت الواو الساكنة صارت كأنها فيها، والواو إذا انضمت ضما لازما همزت؛ نحو أجوه وأقتت، فاعرف ذلك، وعليه جاء قوله:
... فرأٌ متار13
يريد: متأرا، فلما جاورت الفتحة في الهمزة التاء صارت كأنها فيها، فجرى ذلك مجرى متأر، فخفف على نحو من تخفيف رأس وبأس. وسيأتي ذلك في بابه بإذن الله.
__________
1 آية 39 سورة الرحمن.
2 كذا في ش، وفي ز، ط: "فظننته".
3 انظر ص128 من هذا الجزء.
4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
5 انظر ص129 من هذا الجزء.
6 حمار قبان دويبة أصفر من الخنفساء، والشعر جاء على تكاذيب الأعراب وتعاجيبهم، فإنه يذكر أن هذه الدويبة تركب أرنبا، وهي تسوقها ممسكة بخطامها رؤمامها لئلا تذهب وتشرد منها، وقد سأل الشاعر حمار فيان أن يركبه خلفه فرحب بذلك، وانظر شواهد الشافية 167.
7 سقط في د، هـ، ز.
8 في ش: "أن كون".
9 سقط في د، هـ، ز.
10 هو ولد النعام.
11 في د، هـ، ز: "إن".
12 انظر ص177 من الجزء الثاني، ص148 من هذا الجزء.
13 انظر ص178 من الجزء الثاني.(3/150)
باب في حذف الهمز 1 وإبداله:
قد جاء هذا الموضع في النثر والنظم جميعًا. وكلاهما غير مقيس عليه، إلا عند2 الضرورة.
فإن قلت: فهلا قست على3 ما جاء منه في النثر4؛ لأنه ليس موضع اضطرار؟
قيل: تلك مواضع كثر استعمالها5، فعرفت أحوالها، فجاز الحذف فيها -وسنذكرها- كما حذفت لم يك، "ولم يبل"6، ولا أدر في النثر، لكثرة الاستعمال، ولم يقس عليها غيرها.
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الهمزة".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مع".
3 سقط في ز.
4 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "التنزيل".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "استعماله".
6 كذا في ش، وفي د، هـ: "لا يبل"، وفي ط: "لا تبل".(3/151)
فمما جاء من ذلك في النثر قولهم: ويلمه. وإنما أصله ويل لأمه. يدل على ذلك ما أنشده الأصمعي:
لأم الأرض ويل! ما أجنت ... غداة أضر بالحسن السبيل1
فحذف لام "ويل" وتنوينه لما ذكرنا، وحذفت همزة أم، فبقي: ويلمه. فاللام الآن لام الجر؛ ألا تراها مكسورة. وقد يجوز أن تكون اللام المحذوفة هي لام الجر؛ كما حذف حرف الجر من قوله: الله أفعل، وقول رؤبة: خيرٍ عافاك الله، وقول2 الآخر3:
رسم دارٍ وقفت في طلله
"وهو من المقلوب، أي طلل دار وقفت في رسمه"4 وعليه قراءة الكسائي: "بما أنزليك"5 -وقد ذكرناه- وقراءة ابن كثير: "إنها لحدى الكبر"6 وحكاية7 أحمد ابن يحيى قول المرأة لبناتها وقد خلا الأعرابي بهن: أفي السوتنتنه "تريد: أفي السوءة أنتنه"8 ومنه قولهم: الله9 في هذه الكلمة في أحد قولي سيبويه وهو أعلاهما. وذلك أن يكون أصله إلاه، فحذفت الهمزة التي هي فاء. وكذلك الناس؛ لأن أصله أناس قال10:
وإنا أناس لا نرى القتل سبة ... إذا ما رأته عامر وسلول
__________
1 من شعر لعبد الله بن عتمة الضبي يرثي فيه بسطام بن قيس الشيباني. وبعده:
يقسم ما له فينا فندعو ... أبا الصهبا إذا جنح الأصبل
والحسن: جبل أورمل في بلاد تميم، ويقال: أضر الطريق بالمكان أي دنا منه، يقول هذا على جهة التعجب، فيقول: أجنت الأرض في هذا المكان كرما وخيرا، وأبو الصهباء، هو بسطام بن قيس. وانظر اللسان "ضرر"، ومعجم ياقوت.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قال".
3 أي جميل، وانظر ص286 من الجزء الأول.
4 سقط ما بين القوسين في ش، ط.
5 آية 4 سورة البقرة.
6 آية 35 سورة المدثر.
7 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "حكى".
8 سقط ما بين القوسين في ش.
9 لم يذكر لفظ الجلالة في د، هـ، ز.
10 أي السموءل بن عادياء، من قصيدته المشهورة، وانظر شرح التبريزي للحماسة 1/ 111.(3/152)
ولا تكاد الهمزة تستعمل مع لام التعريف؛ غير أن أبا عثمان أنشد:
إن المنايا يطلعـ ... ـن على الأناس الآمنينا1
ومنه قولهم: لن، في قول الخليل. وذلك أن أصلها عنده "لا أن" فحذفت الهمزة عنده2؛ تخفيفا لكثرته في الكلام، ثم حذفت الألف لسكونها وسكون النون بعدها. فما جاء من نحوه فهذه سبيله. وقد اطرد الحذف في كل وخذ ومر. وحكى أبو زيد: لاب لك "يريد: لا أب لك"3 وأنشد أبو الحسن:
تضب لثات الخيل في حجراتها ... وتسمع من تحت العجاج لها ازملا4
وأنشدنا أبو علي:
إن لم أقاتل فالبسوني برقعا
وحكي لنا عن أبي عبيدة: دعه في حرامه، وروينا عن أحمد بن يحيى:
هوي جند ابليسٍ المريد5
"وهو كثير"6 ومنه قوله:
أرأيت إن جئت به أملودا7
وقوله:
حتى يقول من رآه قد راه8
وهو كثير.
__________
1 البيت من مقطوعة لذي جدن الحميري، وانظر الخزانة في الشاهد السابع والعشرين بعد المائة.
2 سقط في ش.
3 سقط ما بين القوسين في ز.
4 كأنه يصف ساحة حرب وتضب لئات الخيل أي تسيل بالدم، وحجراتها: نواحيها. والعجاج: الغبار، والأزمل: الصوت.
5 المؤيد: مبالغة المارد وهو العاتي.
6 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط.
7 في شرح الكامل للمرصفي 1/ 97 عن السكري أنه في رجز لرجل من هذيل، وانظره هناك.
8 في اللسان "دلم" أن ابن جني عزاه إلى شاعر اسمه دلم، بفتح الدال واللام وانظر ص268 من الجزء الأول.(3/153)
فأما الإبدال على غير قياس فقولهم1: قريت، وأخطيت، وتوضيت. وأنشدني بعض أصحابنا لابن هرمة:
ليت السباع لنا كانت مجاورة ... وأننا لا نرى ممن نرى أحدا
إن السباع لتهدا عن فرائسها ... والناس ليس بهادٍ شرهم أبدا
ومن أبيات الكتاب لعبد الرحمن بن حسان:
وكنت أذل من وتد بقاع ... يشجج رأسه بالفهرواجي2
يريد: واجئ؛ كما أراد الأول: ليس بهادئ. ومن أبياته أيضًا:
راحت بمسلمة البغال عشية ... فارعى فزارة لا هناك المرتع3
ومن حكاياته بيس في بئس4، أبدل الهمزة ياء. ونحوه قول ابن ميادة:
فكان لها يومذٍ أمرها
__________
1 سقط في د، هـ، ز، ط.
2 من قطعة يهجو فيما عبد الرحمن بن الحكم أخا مروان، وقبله:
وأما قولك الخلفاء منا ... فهم منعوا وريدك من وداج
ولولاهم لكنت كحوت بحر ... هوى من مظلم الغمرات داج
كان عبد الرحمن افتخر على الشاعر بأن الخلفاء منهم إذ كان من قريش وابن حسان من الأنصار، فقال له الشاعر، لولا الخلفاء وانتسابك إليهم لكنت مغمورا كحوت في بحر مظلم، وكنت أذل من الوتد بقاح -أي مستوى من الأرض- يدق رأسه بالحجر والعرب تضرب المثل في الذلة بالوتد، وقوله: "واج" أصله واجيء وصف من رجأ عنقه أي دقها، والفهر: الحجر ملء الكف، وانظر شرح شواهد الشافية 341، والكتاب 2/ 170.
3 البيت للفرزدق، من قطعة قالها حين عزل مسلمة بن عبد الملك عن العراق ووليها عمر بن هبيرة الفزاري، ويقول الأعلم: "فهجاه الفرزدق ودعا لقومه ألا يهنئوا النعمة بولايته، وأراد بغال البريد التي قدمت بمسلمة عند عزله" وانظر الكتاب 2/ 170.
4 في د، هـ، ز: "معنى بئس".(3/154)
وقرأ عاصم في رواية حفص: "أن تبويا"1 في الوقف، أي2 تبوءا. وقال:
تقاذفه الرواد حتى رموا به ... ورا طرق الشأم البلاد الأقاصيا
أراد: وراء طرق الشام فقصر الكلمة. فكان ينبغي إذ ذاك أن يقول: ورأ، بوزن قرأ؛ لأن الهمزة أصلية عندنا، إلا أنه أبدلها ضرورة "فقلبها ياء؛ وكذلك ما كان من3 هذا النحو فإنه إذا أبدل"4 صار5 إلى أحكام ذوات الياء؛ ألا ترى أن قريت مبدلة من قرأت، بوزن قريت من قريت الضيف ونحو ذلك. ومن البدل البتة النبي في مذهب سيبويه. وقد ذكرناه. وكذلك البرية عند غيره. ومنه الخابية، لم تسمع مهموزة. فإما أن يكون تخفيفا اجتمع عليه؛ كيرى وأخواته، وإما أن يكون بدلًا؛ قال6:
أري عيني ما لم ترأياه ... كلانا عالمٌ بالترهات
والنبوة عندنا مخففة لا مبدلة. وكذلك الحكم على ما جاء من هذا: أن يحكم عليه بالتخفيف إلى أن يقوم الدليل فيه7 على الإبدال. فاعرف ذلك مذهبا للعرب نهجا بإذن الله. وحدثنا أبو علي قال: لقي أبو زيد سيبويه فقال له: سمعت العرب تقول: قريت وتوضيت. فقال له8 سيبويه: كيف9 تقول في أفعل منه؟ قال: أقرأ. وزاد أبو العباس هنا: فقال له سيبويه: فقد تركت مذهبك، أي لو كان البدل قويًا للزم ووجب10 أن تقول: أقري؛ كرميت أرمي. وهذا بيان.
__________
1 آية 87 سورة يونس، والقراءة التي نسبها إلى حفص هي رواية هبيرة عنه؛ كما في البحر 5/ 186، وقد أنكر هذه الرواية بعض القراء، كما في شرح أبي شامة للشاطبية 345.
2 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "أن".
3 في ط: "في".
4 سقط ما بين القوسين في ش.
5 في ش: "فصار".
6 أي سراقة البارقي. كان وقع في أسر المختار الثقفي، فزعم له أنه رأى ملائكة على خيل بلق تحارب في جيش المختار فأطلق سراحه، وقبله:
ألا أبلغ أبا إسحاق أني ... رأيت الخيل دهما مصمتات
وأبو إسحاق هو المخترا، وانظر تاريخ الطبري 7/ 123 في حوادث سنة 66هـ.
7 سقط في د، هـ، ز.
8 سقط في ش.
9 في ز، ط: "فكيف".
10 سقط في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.(3/155)
باب في حرف اللين المجهول:
وذلك مدة الإنكار؛ نحو قولك في جواب من قال: رأيت بكرا: أبكرنيه، وفي جاءني محمد: أمحمدنيه، وفي مررت على قاسم: أقاسمنيه! وذلك أنك ألحقت مدة الإنكار، وهي لا محالة ساكنة، فوافقت التنوين ساكنًا، فكسر "لالتقاء الساكنين"1 فوجب أن تكون المدة ياء لتتبع الكسرة. وأي المدات الثلاث كانت فإنها لا بد أن توجد في اللفظ بعد كسرة التنوين2 ياء؛ لأنها إن كانت في الأصل ياء فقد كفينا النظر في أمرها. وإن كانت ألفًا أو واوًا فالكسرة قبلها تقلبها إلى الياء البتة.
فإن قيل: أفتنص في هذه المدة على حرف3 معين: الألف أو الياء أو الواو؟.
قيل: لم تظهر4 في شيء من الإنكار على صورة مخصوصة فيقطع بها عليها دون أختيها، وإنما تأتي تابعة لما قبلها، ألا تراك تقول في قام عمر: أعمروه وفي رأيت أحمد: أأحمداه وفي مررت بالرجل آلرجليه، وليست كذلك مدة الندبة؛ لأن تلك ألف لا محالة، وليست مدة مجهولة مدبرة بما قبلها، ألا تراها تفتح ما قبلها أبدًا، ما لم تحدث هناك لبسًا، ونحو ذلك نحو وا زيداه، ولم يقولوا: وا زيدوه وإن
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لالتقائهما".
2 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "النون".
3 كذا في ش: ط. وفي د، هـ، ز: "أنها حرف".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يظهر".(3/156)
كانت الدال مضمومة في وا زيد. وكذلك وا عبد الملكاه، ووا غلام زيداه، لما حذفت لها التنوين "من زيد"1 صادفت الدال مكسورة ففتحتها.
غير أننا نقول: إن أخلق الأحوال بها أن تكون ألفًا من موضعين.
أحدهما أن الإنكار مضاهٍ للندبة. وذلك أنه موضع أريد فيه معنى الإنكار والتعجب فمطل الصوت به2 وجعل ذلك أمارة لتناكره؛ كما جاءت مدة الندبة إظهارًا، للتفجع وإيذانًا بتناكر3 الخطب الفاجع، والحدث الواقع. فكما أن مدة الندبة ألف، فكذلك ينبغي أن تكون مدة الإنكار ألفا.
والآخر أن الغرض في الموضعين جميعًا إنما هو مطل الصوت، ومده وتراخيه، والإبعاد فيه لمعنى الحادث هناك. وإن كان الأمر كذلك فالألف أحق به دون أختيها؛ لأنها أمدهن صوتًا، وأنداهن4، وأشدهن إبعادا "وأنآهن"5. فأما مجيئها تارة واوا، وأخرى ياء فثانٍ لحالها، وعن ضرورة دعت "إلى ذلك"6؛ لوقوع الضمة والكسرة قبلها. ولولا ذلك لما كانت إلا ألفًا أبدا.
فإن قلت: فهلا تبعها ما قبلها7 في الإنكار؛ كما تبعها في الندبة، فقلت في جاءني عمر: أعمراه؛ كما تقول الندبة: واعمراه؟.
قيل: فرق ما بينهما8 أن الإنكار جارٍ مجرى الحكاية، ومعنى الجامع بينهما أنك مع إنكارك للأمر مستثبت، ولذلك قدمت في أول كلامك همزة الاستفهام.
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "له" وسقط في ط.
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يتناكره".
4 في ط: "أبداهن".
5 سقط في ش، ط، وثبت في د، هـ، ز.
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لذلك".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كانت قبلها".
8 سقط في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.(3/157)
فكما تقول في جواب رأيت زيدا: من زيدا؟ كذلك قلت أيضًا في جواب جاءني عمر: أعمروه.
وأيضًا فإن مدة الإنكار لا تتصل بما قبلها اتصال مدة الندبة بما قبلها؛ ألا ترى التنوين فاصلا بينهما في نحو أزيدنيه، ولا يفصل به بين المندوب ومدة الندبة في نحو وا غلام زيداه، بل تحذفه1 لمكان مدة الندبة، وتعاقب2 بينهما، لقوة اتصالها به؛ كقوة اتصال التنوين به، فكرهوا أن يظاهروا بينهما في آخر الاسم؛ لتثاقله عن احتمال زيادتين في آخره3. فلما حذف التنوين لمدة الندبة قوى اتصالها بالمندوب، فخالطته فأثرت فيه الفتح. ولما تأخرت4 عنه مدة الإنكار ولم تماسه مماسة مدة الندبة له لم تغيره5 تغييرها إياه. ويزيدك في علمك ببعد مدة الإنكار عن الاسم الذي تبعته وقوع "إن" بعد التنوين فاصلة بينهما؛ نحو أزيدا إنيه! وأزيدٌ إنيه! وهذا ظاهر للإبعاد لها عنه. وأغرب من هذا أنك قد تباشر بعلامة الإنكار غير اللفظ الأول. وذلك في قول6 بعضهم وقد قيل له: أتخرج إلى البادية إن أخصبت؟ فقال: أنا إنيه! فهذا أمر7 آخر أطم من الأول؛ ألا تراك إذا ندبت زيدا ونحوه فإنما تأتي بنفس اللفظ الذي هو عبارة عنه، لا بلفظ آخر ليس بعبارة عنه. وهذا تناهٍ في ترك مباشرة مدة الإنكار للفظ الاسم المتناكرة حاله؛ وما أبعد هذا عن حديث الندبة!
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يحدفه".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يعاقب".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "من".
4 كذا في ش وفي د، هـ، ز، ط: "تراخت".
5 في ش: "يغيره".
6 انظر الكتاب 1/ 406.
7 سقط في ش.(3/158)
فإن قلت: فقد تقول في ندبة زيد "وا أبا محمداه"1 فتأتي بلفظ آخر، وكذلك إذا ندبت جعفرا قلت: وا من كان كريماه2! فتأتي بلفظ غير لفظ زيد وجعفر.
قيل: أجل، إلا أن "أبا محمد" و"من كان كريما" كلاهما عبارة عينيهما3، وقوله4: أنا إنيه ليس باللفظ الأول، ولا بعبارة عن معناه. وهذا كما تراه واضح جلي.
ومثل مدة الإنكار هذه البتة في جهلها5، مدة التذكر في قولك إذا تذكرت الخليل ونحوه: الي وعني ومنا6 ومنذو، أي الخليل وعن الرجل ومن الغلام ومنذ الليلة.
__________
1 في ز، ط: "وابا محمداه" وفي ش: "وأبي محمد".
2 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "كريما".
3 كذا في ش، وكتب فوقها: "صح"، وفي ز، ط: "عنهما".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قولك".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "حملها".
6 كذا في ط، ز، وفي ش: "منى".(3/159)
باب في بقاء الحكم مع زوال العلة:
هذا موضع ربما أوهم فساد العلة. وهو مع التأمل بضد ذلك؛ نحو قولهم فيما أنشده أبو زيد:
حمى لا يحل الدهر إلا بإذننا ... ولا نسأل الأقوام عقد المياثق1
ألا ترى أن فاء ميثاق -التي هي واو وثقت- انقلبت للكسرة قبلها ياء؛ كما انقلبت في ميزان وميعاد؛ فكان يجب على هذا لما2 زالت الكسرة في التكسير أن تعاود الواو فتقول على قول الجماعة: المواثيق3؛ كما تقول: الموازين4، والمواعيد. فتركهم الياء بحالها ربما أوهم أن5 انقلاب هذه الواو ياء ليس6 للكسرة قبلها، بل هو لأمر آخر غيرها؛ إذ لو كان لها لوجب زواله مع زوالها. ومثل ذلك "ما أنشده"7 خلف الأحمر من8 قول الشاعر9:
عداني أن أزورك أم عمرو ... دياوين تشقق بالمداد
فللقائل أيضًا أن يقول: لو أن ياء ديوان إنما قلبت عن واو دوان للكسرة قبلها لعادت عند زوالها.
وكذلك للمعترض في هذا أن يقول: لو كانت ألف باز إنما قلبت همزة في لغة من قال: بأز؛ لأنها جاورت الفتحة فصارت الحركة كأنها فيها، فانقلبت همزة؛ كما انقلبت لما حركت9 في نحو شأبة ودأبة، لكان ينبغي أن تزول الهمزة
__________
1 نسبه أبو زيد في النوادر 64 إلى عياض بن أم درة الطائي، وروى الأخفش عن أبي سعيد أنه عياض بن درة، وقبله:
وكنا إذا الدين الغلبي يرى لنا ... إذا ما حللناه مصاب البوارق
والدين: الطاعة، والغلبي: الغابة، أي إذا كانت الطاعة سببها الغلبة والقوة للمطاع، وقوله: "برى" أي عرض، وفاعله "حمى" ومصاب البوارق: مكان نزول المطر، وفي تهذيب إصلاح المنطق 1/ 218: "يرى" و"حمى" نائب الفاعل، وفسره فقال: "يقول: كنا في الزمن الذي لا يطيع الناس بعضهم بعضا يرى حمى لا يحل إلا بإذننا"، وانظر شواهد الشافية 96.
2 في ش: "كما".
3 في ط: "المواثق".
4 في ط: "في الموازين".
5 سقط هذا الحرف في ز.
6 سقط في د، هـ، ز.
7 كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "إنشاد".
8 سقط في ش، ط.
9 كذا في د، هـ، ز، وفي ط: "الآخر"، وفي ش: "الراجز"، وكتب في هامشه: "صوابه: الشاعر لا الراجز؛ لأن البيت من الوافر لا من الراجز"، وجاء البيت في اللسان "دون". وفيه: "تنفق" بدل "تشقق" يريد الشاعر أنه مثبت في ديوان الجند، وهو لذلك لا يمكنه زيارة هذه المرأة، فإنه إذا غاب عن الجند كتب غيابه في الديوان أي كتاب الجند، وحرم العطاء.
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تحركت".(3/160)
عند زوال الألف في قولهم: بئزان، فقد1 حكيت2 أيضًا بالهمز3؛ إذ كانت الياء "إذا تحركت"4 لم تقلب5 همزة في6 نحو قول جرير:
فيومًا يجازين الهوى غير ماضيٍ ... ويومًا ترى منهن غولًا تغول7
وكذلك لو كانت الواو إنما انقلبت في صبية وقنية وصبيان ولياح للكسرة قبلها، لوجب إذا زالت الكسرة أن تعود الواو، فتقول: صبوة وصبوان، وقنوة ولواح لزوال الكسرة.
والجواب عن هذا وغيره مما هذه حاله أن العلة في قلب هذه الأشياء هو ما ذكره القوم: من وقوع الكسرة قبلها لأشياء.
منها أن أكثر اللغة8 وشائع الاستعمال هو إعادة الواو عند زوال الكسرة.
وذلك قولهم: موازين ومواعيد وقولهم في ريح: أرواح، وفي قيل: أقوال، وفي ميثاق: مواثيق، وفي ديوان: دواوين. فأما مياثق ودياوين فإنه لما كثر عندهم واطرد في الواحد القلب، وكانوا كثيرًا ما يحملون الجمع على حكم الواحد؛ وإن لم يستوف لجمع جميع أحكام الواحد نحو ديمة وديم، وقيمة وقيم، صار الأثر في الواحد كأنه ليس عندهم مسببًا عن أمر، ومعرضًا لانتقاله بانتقاله بل تجاوزوا به ذلك، وطغوا به9 إلى ما وراءه، حتى صار الحرف المقلوب إليه لتمكنه في القلب كأنه أصل
__________
1 كذا في ز، وفي ش، ط: "وقد".
2 كذا في ز، ط وفي ش: "حكمت".
3 في ز: "بالهمزة".
4 كذا في ش، وفي ز، ط: "لما".
5 في ش قبله: "بالهمزة".
6 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
7 من غزل قصيدة له في هجو الأخطل، وانظر الديوان، والكتاب 2/ 59، وفيه: "يوافيني" بدل "يجازين".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز:"اللغات".
9 سقط هذا الحرف في ش.(3/161)
في موضعه، وغير مسبب عندهم عن علة، فمعرضٍ1 لانتقاله بانتقالها2، حتى أجروا ياء ميثاق مجرى الياء الأصلية3؛ وذلك كبنائك من اليسر مفعالا، وتكسيرك إياه على مفاعيل، كميسار ومياسير، فمكنوا قدم الياء في ميثاق4؛ أنسابها، واسترواحًا إليها، ودلالة على تقبل الموضع5 لها.
وكذلك -عندي- قياس تحقيره على هذه اللغة أن تقول: مييثيق.
ومنها أن الغرض في هذا القلب إنما هو طلب للخفة؛ فمتى وجدوا طريقًا أو شبهة في الإقامة عليها، والتعلل بخفتها سلكوها، واهتبلوها. وليس غرضهم وإن كان قلبها6 مسببًا عن الكسرة أن يتناهوا في إعلامنا ذلك بأن يعيدوها واوًا مع زوالها. وإنما غالب الأمر ومجموع الغرض القلب لها7؛ لما يعقب من الاسترواح إلى انقلابها. فكأنهم قنعوا أنفسهم بتصور القلب في الواحد لما انتقلوا عنه إلى الجمع ملاحظة لأحواله، ومحافظة على أحكامه، واسترواحًا إلى خفة المقلوب إليه، ودلالة على تمكن القلب في الواحد حتى ألحقوه بما أصله الياء.
وعندي مثل يوضح "الحال في"8 إقرار الحكم مع زوال العلة، على قلة ذلك في الكلام9، وكثرة ضده في الاستعمال، وهو العود تقطعه10 من شجرته11 غضًا12 رطيبًا13،
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "ومعرض" وهو معطوف على: "مسبب".
2 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "بانتقاله".
3 سقط في ش.
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الميثاق".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المواضع".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قلبا".
7 سقط في ش.
8 كذا في ط، وفي ش، ز: "حال".
9 في ط: "القلب في الواحد".
10 في ز: "يقطعه".
11 في ط: "شجرة".
12 في ط: "غصنا".
13 كذا في ش، وفي ط "رطبا" وسقط في د، هـ، ز.(3/162)
فيقيم على ذلك زمانا، ثم يعرض له فيما بعد من الجفوف واليبس ما يعرض لما هذه سبيله، فإذا استقر على ذلك اليبس وتمكن فيه "حتى ينخر"1 لم يغن عنه فيما بعد أن تعيده2 إلى قعر البحر فيقيم فيه مائة عام؛ لأنه قد كان بعد عن الرطوبة بعدا أوغل فيه، حتى أيأس من معاودته البتة إليها3.
فهذه حال إقرار الحكم مع زوال العلة، وهو الأقل في كلامهم. وعلى طرف من الملامحة له قول الله عز وجل: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} 4.
ومنها أنهم قد5 قلبوا الواو ياء قلبًا صريحًا لا عن علة مؤثرة أكثر من الاستخفاف، نحو قولهم: رجل غديان6، وعشيان6، والأريحية7، ورياح، ولا كسرة هناك، ولا اعتقاد كسرة فيه قد7 كانت في واحده، لأنه ليس جمعًا فيحتذى به8 ويقتاس9 به10 على حكم واحده. وكذلك قول الآخر:
جول التراب فهو جيلاني11
فإذا12 جنحوا إلى الياء هذا الجنوح العاري من السبب المؤثر13 سوى ما فيه من الاسترواح إليه، كان قلب الأثقل إلى الأخف وبقاؤه على ذلك لضرب من التأول أولى وأجدر.
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش كلمة غير واضحة تحتمل "بجد" أو "ببحر".
2 كذا في ط، وفي ز، ش: "يعيده".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط:"إليه".
4 آية 91 سورة يونس، والإشارة التي بعينها المؤلف في الآية أن فرعون حقت عليه اللعنة لعنوة وبقيت عليه اللعنة عند توبته في آخر أمره، فهذا يشبه بقاء الحكم مع زوال العلة.
5 سقط في د، هـ، ز.
6 غديان أي تغدى، وعشيان أي تعشى.
7 في ش: "وقد".
8 سقط في ش، ط.
9 كذا في ش، وفي ز، ط: "يقاس".
10 سقط في ط.
11 في ط بعد هذا الشطر: "جولاني"، وكأنه يريد أنه روى بالوجهين: الياء والواو، وجول التراب: انتشاره ويقال: يوم جولاني وحيلاتي: كثير التراب والريح.
12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وإذا".
13 سقط في ش، وثبت في د: هـ، ز، ط.(3/163)
نعم، وإذا كانوا قد أقروا حكم الواحد على تكسيره مع ثقل ما صاروا إليه مراعاة لأحكامه؛ نحو بأز وبئزان حتى شبهوه برأل ورئلان، كان إقرار قلب الأثقل إلى الأخف عند التكسير أولى وأجدر1؛ ألا ترى أن الهمزة أثقل من الياء. وكذلك قولهم لياح -وإنما هو فعال من لاح يلوح لبياضه- قد راعوا فيه انقلاب عينه مع الكسرة في "لياح" على ضعف هذا الأثر؛ لأنه ليس بجمع "كحياض ورياض"2 ولا مصدر كقيام وصيام. فإقرار الحكم القوي الوجوب3 في الواحد عند تكسيره أجدر بالجواز.
وكذلك حديث قنية وصبيان وصبية في إقرار الياء بحالها، مع زوال الكسرة في صبيان وقنية. وذلك أن القلب مع الكسرة لم يكن له قوة في القياس، وإنما كان مجنوحًا به إلى الاستخفاف. وذلك أن الكسرة لم تل الواو؛ ألا ترى أن بينهما حاجزًا وإن كان ساكنًا فإن مثله في أكثر اللغة يحجز. وذلك نحو جرو وعلوٍ، وصنو، وقنو، ومجولٍ، ومقولٍ4، و"قرواح، وجلواخ، وقرواش، ودرواس"5 وهذا كثير فاشٍ. فلما أعلوا في صبية وبابه، علم أن أقوى سببي القلب إنما هو طلب الاستخفاف، لا متابعة الكسر مضطرًا إلى الإعلال. فلما كان الأمر كذلك أمضوا العزمة في ملازمة الياء؛ لأنه لم يزل من الكسرة مؤثر يحكم القياس
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أجرى".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "مثل رياض وحباض".
3 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "الوجوه".
4 كذا في ش، وكتب تحت قاف "مقول" حرف عين صغيرة، وكتب فوق الكلمة "معا" دلالته على أنها تقرأ بالقاف وبالعين، وفي ز، ط: "معول".
5 سقط ما بين القوسين في ش، والقرواح من معانيه الناقة الطويلة القوائم؛ والجلواخ: الوادي الواسع الممتلئ، والقرواش: الطفيلي والعظيم الرأس، والدرواس من معانيه الأسد.(3/164)
له بقوة فيدعو زواله إلى المصير إلى ضد1 الحكم الذي كان وجب به. وليس هذا كمياثق2؛ من قبل أن القلب في ميثاق واجب، والقلب في قنية وصبية ليس بواجب. فكأن باب ميثاق أثر في النفس أثرًا قوي الحكم فقرره3 هناك، فلما زال بقي حكمه دالًّا على قوة الحكم الذي4 كان به، وباب صبية وعلية أقر حكمه5 مع زوال الكسرة عنه6، اعتذارًا في ذلك بأن الأول لم يكن عن وجوب فيزال عنه لزوال ما دعا إليه، وإنما كان استحسانًا، فليكن مع زوال الكسر أيضًا استحسانًا.
أفلا ترى إلى اختلاف حال الأصلين في الضعف والقوة، كيف صرت له7 بهما إلى فرع واحد، وهو القلب. فإنه جيد في معناه، ونافع في سواه، مما شرواه8. "ومن بعد"9 فقد قالوا أيضًا: صبوان وصبوة وقنوة؛ وعلى أن البغداديين قالوا: قنوت، وقنيت، وإنما كلامنا على ما أثبته أصحابنا، وهو قنوت لا غير.
ومن بقاء الحكم مع زوال علته قول الراجز10:
لما رأى أن لادعه ولا شبع ... مال إلى أرطاة حقفٍ فالطجع
وهو افتعل من الضجعة. وأصله: "فاضتجع فأبدلت التاء طاء لوقوع الضاد قبلها11، فصارت"12: فاضطجع، ثم أبدل الضاد لامًا. وكان سبيله "إذ أزال"13 جرس الضاد أن تصح14 التاء، فيقال: فالتجع؛ كما يقال: التحم15، والتجأ، لكنه أقرت16 الطاء
بحالها؛ إيذانًا بأن هذا القلب الذي دخل الضاد إلى اللام لم يكن عن استحكام، ولا عن وجوب؛ كما أن صحة الواو في17 قوله18:
وكحل العينين بالعواور
إنما جاء لإرادة الياء في العواوير19، وليعلم أن هذا الحرف ليس بقياس ولا منقاد.
فهذه طريق بقاء الأحكام، مع زوال العلل والأسباب. فاعرف ذلك؛ فإنه كثير جدًّا.
__________
1 في ز: "صدر".
2 في ز، ط: "كميثاق".
3 في ط: "وقرره".
4 سقط في ش، ط.
5 في ط: "هلى حكمه".
6 سقط في د، هـ، ز.
7 سقط في د، هـ، ز، ط.
8 شروى الشيء مثله.
9 في ط: "وبعده".
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "الآخر"، وفي ط "جرير" وهو سهو في النسخ، وانظر في الرجز ص264 من الجزء الأول، وتهذيب الألفاظ 302.
11 كذا في د، هـ، ز، وفي ط: "فاء".
12 سقط ما بين القوسين في ش.
13 في ط: "إذ زال".
14 كذا في ش، وفي ز، ط: "يصح".
15 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "النجم".
16 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أقر".
17 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "من".
18 أي جندل بن المثنى الطهوي، وقبله:
غرك أن تقاربت أباعري ... وأن رأيت الدهر ذا الدوائر
حتى عظامي وأراه ثاغري
وتقارب أباعره كتابة عن فلتها، وقوله: "وكحل" ففاعله الدهر كما رأيت، والعواور جمع العوار -كرمان- وهو وجع العين، وقد جعل إصابة العين بالوجع كحلا على سبيل التشبيه، وانظر الكتاب 2/ 374، وشواهد الشافية 274.
19 كذا في ش، ط، وفي ز: "العواور".(3/165)
باب في توجه اللفظ الواحد إلى معنيين اثنين:
وذلك في الكلام على ضربين:
أحدهما -وهو الأكثر- أن يتفق اللفظ البتة، ويختلف في تأويله.
وعليه عامة الخلاف؛ نحو قولهم: هذا أمر لا ينادى وليده؛ فاللفظ غير مختلف فيه، لكن يختلف في تفسيره.
فقال قوم1: إن الإنسان يذهل عن ولده لشدته، فيكون هذا كقول الله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} 2 وقوله سبحانه: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} 3 "والآي في هذا المعنى كثيرة"4.
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بعضهم".
2 آية 2 سورة الحج.
3 آيتا 34، 35 سورة عبس.
4 كذا في ش، وفي ز، ط: "ونحوه من الآي في هذا المعنى".(3/166)
وقال قوم: أي هو أمر عظيم فإنما ينادى فيه الرجال والجلة لا الإماء والصبية.
وقال آخرون: الصبيان1 إذا ورد الحي كاهن أو حواء أو رقاء حشدوا عليه، واجتمعوا له2. أي ليس هذا اليوم بيوم أنس ولهو، إنما هو يوم تجرد، وجد.
وقال آخرون -وهم أصحاب المعاني: أي لا وليد فيه فينادي "وإنما فيه الكفاة والنهضة"3 ومثله قوله4:
على لا حل لا يهتدي بمناره
أي لا منار فيه فيهتدى به5، وقوله أيضًا:
لا تفزع الأرنب أهوالها ... ولا ترى الذئب بها ينجحر6
أي لا أرنب بها فتفزعها7 أهوالها.
ونحوه -عندي- بيت الكتاب:
وقدرٍ ككف القرد لا مستعيرها ... يعار ولا من يأتها يتدسم8
__________
1 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "إليه"، وفي ط: "لديه".
3 سقط ما بين القوسين في ش، وفي ز، هـ: "نهضة" في مكان "النهضة"، والنهضة -بالتحريك- جمع النهاض.
4 أي امرئ القيس، وعجزه:
إذا ساقه العود الديافي جرجرا
واللاحب: الطريق الواسع، وسافه: شمه، والعود: البعير المسن، والديافي نسبة إلى دياف، وهي قرية بالشام تنسب إليها النجائب، والجرجرة تردد صوت الفحل وهديره، يقول: إن الجمل إذا شم تربته جرجر جزعا من بعده وقلة مائه، وانظر اللسان "سوف".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "له".
6 في ز: "يفزع" و"الضب" في مكان "الذئب"، وفي ط: "يفتقر" في مكان "ينجحر" وقد نسب هذا البيت ابن الأنباري في شرح المفضليات 59 إلى عمرو بن أحمر.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيفزعها".
8 البيت لابن مقبل، قال الأعلم: "هجا قوما فجعل قدرهم في الصغر ككف القرد، وجعلها لا تعار ولا ينال من دسمها للؤمهم" وانظر الكتاب 1/ 441.(3/167)
أي لا مستعير يستعيرها فيعارها؛ لأنها -لصغرها ولؤمها- مأبية معيفة1. وكذلك قوله2:
زعموا أن كل من ضرب العيـ ... ـر مولٍ لنا وأنا الولاء
على ما فيه من الخلاف3.
وعلى ذلك عامة ما جاء في القرآن، وفي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعده رضوان الله عليهم، وما وردت به الأشعار، وفصيح الكلام.
وهذا باب في نهاية الانتشار، وليس عليه عقد هذا الباب. وإنما الغرض الباب الآخر الأضيق الذي ترى لفظه على صورة، ويحتمل أن يكون على غيرها، كقوله4:
نطعنهم سلكى ومخلوجةً ... كرك لامين على نابل
فهذا ينشد على أنه ما تراه5: كرك لامين "أي ردك لامين"6 -وهما سهمان- على نابل. ذلك أن تعترض7 من8 صاحب النبل شيئًا منها فتتأمله9 ترده10 إليه، فيقع
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "معنقة".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قول الحارث"، وهو الحارث بن حلزة في قصيدة التي أولها:
آذنتنا ببينها أسماء ... رب ثاو يمل منه الثواء
3 أورد صاحب التاج "عبر" فيه عشرة أقوال، ومنها أن المراد بالعير كليب، والعير السيد لأنه كان سيدا ملكا، وقيل: المراد به المنذر بن ماء السماء، وكان قد قتل، ومنها: أن العير السيد مطلقا، وقوله: "موال لنا" أي تتحمل جنايته كما يتحمل المولى أي الحليف أو ابن العم جناية مولاه.
4 هذا على ما في ز، وإن كان فيها "لقوله" وهو تحريف، وفي ش، ط: "كقولهم"، وانظر في البيت ص104 من هذا الجزء.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يراه".
6 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
7 في د، هـ، ز: "يعترض".
8 سقط في ز.
9 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "فيتأمله" وسقط في ش.
10 في د، هـ، ز: "برده".(3/168)
بعضه كذا وبعضه كذا. فكذلك قوله1: كرك لامين أي طعنًا مختلفًا: بعضه كذا وبعضه كذا. ويروى أيضًا على أنه: كر كلامين أي كرك كلامين على صاحب النبل؛ كما تقول2 له: ارم ارم، تريد السرعة والعجلة. ونحو من ذلك -وإن كان فيه أيسر خلافٍ- بيت المثقب العبدي:
أفاطم قبل بينك نوليني ... ومنعك ما سألت كأن تبيني3
فهذه رواية الأصمعي: أي منعك كبينك، وإن كنت مقيمة. ومثله: "قول الطائي"4 الكبير:
لا أظلم النأي قد كانت خلائقها ... من قبل وشك النوى عند نوًى قدفا5
ورواه6 ابن الأعرابي:
ومنعك ما سألتك أن تبيني
أي منعك7 إياي ما سألتك هو بينك. ورواية الأصمعي أعلى وأذهب في معاني الشعر.
ومن ذلك ما أنشده أبو زيد:
وأطلس يهديه إلى الزاد أنفه ... أطاف بنا والليل داجي العساكر
فقلت لعمرو صاحبي إذ رأيته ... ونحن على خوص دقاق عواسر
أي عوى هذا الذئب، فسر أنت.
__________
1 سقط في هـ، ز، ط.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يقول".
3 هو مطلع قصيدة في المفضليات.
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "للطائي".
5 نوى قذفا أي فراقا بعيدا، والبيت من قصيدة لأبي تمام في مدح أبي دلف القاسم بن عيسى العجلي.
6 كذا في ش، وفي ز، ط: "رواها".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ومنعك".(3/169)
وأنشدنا أبو علي:
خليلي لا يبقى على الدهر فادر ... بتيهورة بين الطخا فالعصائب1
أي بين هذين الموضعين، وأنشدناه أيضًا: بين الطخاف العصائب.
وأنشد أيضًا2:
أقول للضحاك والمهاجر ... إنا ورب القلص الضوامر3
إنا أي4 تعبنا، من الأين، وهو التعب والإعياء. وأنشد5 أبو زيد:
هل تعرف الدار ببيدا إنه ... دار لخود قد تعفت إنه
فانهلت العينان تسفحنه ... مثل الجمان جال في سلكنه
لاتعجبي مني سليمى إنه ... إنا لحلالون بالثغرنه
وهذه أبيات عملها6 أبو علي في المسائل البغدادية. فأجاز في جميع قوافيها أن يكون أراد: إن، وبين الحركة بالهاء، وأطال فيها هناك. وأجاز أيضًا أن يكون أراد: ببيداء7 ثم صرف وشدد التنوين للقافية8، وأراد: في سلك، فبنى منه فعلنًا كفرسن،
__________
1 انظر ص82 من الجزء الثاني.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أصحابنا".
3 قوله: "للضحاك" كذا في ش، ط، وفي د، ز: "للصباح"، وجاء في اللسان "أين" الشطر الأخير من غير عزو، وفي التاج بعد أن أورد ما في اللسان: "قلت" ووجدت في هامش الصحاح من نصه: قال الأصمعي: يصرف الأين وأبو زيد بدلا بصرفه، قال أبو محمد: لم يصرف الابن إلا في بيت واحد وهو:
قد قلت للصباح والهواجر ... إنا ورب الفلص الضوامر
الصباح التي يقال لها: ارتحل فقد أصبحنا، والهواجر التي يقال له: سر فقد اشتدت الهاجرة. وإنا من الأين.
4 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
5 انظر النوادر 59، ونسبها أبو زيد عن المفضل إلى رجل من الأشعريين يكنى أبا الحصيب. وقد رسمت في النوادر باختلاف عما هنا، وانظر ص332 من الجزء الأول.
6 أي شرحها، وانظر المرجع السابق.
7 في ش: "بيداء".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لأجل للقافية".(3/170)
ثم شدده لنية الوقف، فصار؛ سلكن. وأراد: بالثغر، فبنى منه للضرورة1 فعلنا2، وإن لم يكن3 هذا مثالًا معروفًا؛ لأنه أمر ارتجله مع الضرورة إليه، وألحق الهاء في سلكنه والثغرنه؛ كحكاية الكتاب4: أعطني أبيضه. وأنشدوا قوله:
نفلق هاما لم تنله سيوفنا ... بأيماننا هام الملوك القماقم
وإنما هو: ها من لم تنله سيوفنا. فـ"ها" تنبيه، و"من لم تنله سيوفنا" نداء أي يا من لم ننله سيوفنا خفنا فإنا5 من عادتنا أن نفلق بسيوفنا هام الملوك، فكيف من سواهم.
ومنه المثل السائر: زاحم بعود أو دع، أي زاحم بقوة أو فاترك ذلك، حتى توهمه بعضهم: بعود أو دع، فذهب إلى أن "أودع" صفة لعود؛ كقوله6: بعود أو قص أو أوطف أو نحو ذلك مما جاء على أفعل وفاؤه واو.
ومن ذلك قول الله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} 7. فذهب8 الخليل وسيبويه فيه إلى9 أنه وي مفصول، وهو اسم سمي به الفعل في الخبر، وهو معنى10 أعجب، ثم قال مبتدئًا: كأنه لا يفلح الكافرون وأنشد فيه:
وي كأن من يكن له نشب يحـ ... ـبب ومن يفتقر يعش عيش ضر11
__________
1 سقط في ش.
2 كذا في ش، وفي ز، ط: "فعلن".
3 سقط في د، هـ، ز.
4 انظر سيبويه 2/ 283.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فإن".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كقولك".
7 آية 82 سورة القصص.
8 كذا في ش، وفي ز، ط: "مذهب".
9 سقط في د، هـ، ز، ط.
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "اسم".
11 انظر ص43 من هذا الجزء.(3/171)
وذهب أبو الحسن فيه إلى أنه: ويك أنه لا يفلح الكافرون، أراد: ويك أي أعجب أنه لا يفلح الكافرون، أي أعجب لسوء اختيارهم "ونحو ذلك"1 فعلق "أن" بما في "ويك" من معنى الفعل، وجعل الكاف حرف خطاب بمنزلة كاف ذلك وهنالك. قال أبو علي ناصرًا لقول سيبويه: قد جاءت كأن كالزائدة، وأنشد بيت عمر2:
كأنني حين أمسي لا تكلمني ... ذو بغية يشتهى ما ليس موجودا
أي أنا كذلك. وكذلك3 قول الله سبحانه {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} أي "هم لا يفلحون"4. "وقال الكسائي: أراد: ويلك ثم حذف اللام"5.
ومن ذلك بيت الطرماح:
وما جلس أبكار أطاع لسرحها ... جنى ثمر بالواديين وشوع6
قيل فيه قولان: وشوع أي كثير7. ومنه قوله:
إني امرؤ لم أتوشع بالكذب
أي لم أتحسن به ولم أتكثر به. وقيل: إنها واو العطف والشوع: ضرب من النبت.
__________
1 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
2 يريد عمر بن أبي ربيعة، ونسبه في اللسان في أبيات في مدح سليمان بن عبد الملك إلى يزيد بن الحكم الثقفي، وانظر اللسان "عود"، والبيت في ديوان عمر في ستة أبيات.
3 سقط في ز.
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هم كذلك".
5 سقط ما بين القوسين في ش.
6 الجلس: العسل، ويريد أبكار النحل أي أفراخها وأحداثها، و"شوع" بفتح الواو، الواو -كما ذكر المؤلف- يحتمل أن تكون للعطف، والشوع ضرب من النبت وهو شجر البان، وهو معطوف على "جنى ثمر" ويحتمل أن يكون "وشوع" أي كثير من وشع، وروى "وشوع" بضم الواو، جمع وشع وهو زهر البقول، ولم يذكر المؤلف هذه الرواية، وانظر اللسان "وشع".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كبير".(3/172)
ونحو من ذلك ما أنشده أبو زيد "من قول الشاعر"1:
خالت خويلة أني هالك ودأ
قيل: إنه2 واو عطف أي إني هالك وداء1 من قولهم: رجل داءٌ أي دوٍ، ثم قلب. وحدثنا عن ابن سلام أن أعرابيًا قال للكحال: كحلني بالمكحال الذي تكحل به العيون الداءة. وأجاز أيضًا في قوله: "ودأ" أن يكون فعلا من قوله3:
وللأرض كم من صالح قد تودأت ... عليه فوارته بلماعةٍ قفر
أي غطته وثقلت عليه. فكذلك يكون قوله: إني هالك كدًا4 وثقلًا، وكان يعتمد التفسير الأول، ويقول: إذا كانت الواو للعطف كان المعنى أبلغ وأقوى5 وأعلى؛ كأنه ذهب6 إلى ما يراه أصحابنا من قولهم في التشهد: التحيات لله، والصلوات لله7، والطيبات. قالوا: لأنه إذا عطف كان أقوى له8، وأكثر لمعناه، من أن يجعل
__________
1 سقط في د، هـ، ز، وما أورده عن أبي زيد صدر بيت عجزه:
والطاعنيون لما خالفوا الغيرا
وقال أبو زيد بعده: "ودأ أي هلاكا على وزن ودعا" وثرى أن "ودأ" عند أبي زيد منصوب في معنى هلاكا، وهذا يساير الوجه الثاني هنا، ولا يأتي مع وجه العطف والوجه الذي يريده المؤلف يقرأ عليه "دأ" بكسر الهمزة مع التنوين؛ إذ هو منقوص وأصله: دنو، وانظر النوادر 106.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "إنها".
3 أي هدبة بن خشرم، وقبله:
ألا يالقوم للنوائب والدهر ... وللمرء يأتي حتفه وهو لا يدري
اللماعة: الفلاة يلمع فيها السراب، وانظر اللالئ 639.
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ودأ".
5 سقط في ش، ط.
6 سقط في د، هـ، ز، ويريد بأصحابه فقهاء الحنفية.
7 لم يرد هذا في د، هـ، ز، ط.
8 سقط في د، هـ، ز.(3/173)
الثاني مكررًا على الأول بدلًا أو وصفًا. وقال الأصمعي في قوله1:
وأخلفوك عدا الأمر الذي وعدوا
أراد جمع عدة. وقال2 الفراء: أراد عدة3 الأمر، فلما أضاف حذف الهاء؛ كقول الله سبحانه: {وَأَقَامَ الصَّلَاةَ} 4 وهذا يجيء في قول الأصمعي على القلب؛ فوزنه على قوله: علف الأمر.
وهذا باب واسع. وأكثره في الشعر. فإذا مر بك فتنبه عليه "ومنه5 قوله:
وغلت بهم سجحاء جارية ... تهوي بهم في لجة البحر6
__________
1 أي الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، وصدره:
إن الخليط أجدرا البين فانجردوا
والخلط: المخالط، ويريد: الفريق المخالط في الإقامة في وقت النجعة، وأجدر البين أحدثوه، وانجردوا: بعدوا، وانظر شواهد الشافية 64، وقوله: "عدا" فهو يكتب بالألف على رأي الأصمعي وأنه جمع عدة على القلب، وعلى رأي الفراء يكتب "عد" بدون ألف.
وهذا ذهب خالد بن كلثوم في "عدي الأمر" مذهبا آخر، هو أن "عدى" جمع عدوة في معنى الناحية، فعدى الأمر: نواحيه، وانظر المخصص 14/ 188.
2 سقط حرف العطف في د، هـ، ز.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "جمع عدة".
4 آية 37 سورة النور.
5 ثبت ما بين القوسين في ط، وسقط في ز، ش.
6 من قصيدة للمسيب بن علس منيته في الصبح المنير 325 وفيها:
نظرت إليك بعين جازئة ... في ظل باردة من السدر
كجمانة البحري جاء بها ... غواصها من لجة البحر
صلب الفؤاد رئيس أربعة ... متخالفي الألوان والنجر
فتنازعوا حتى إذا اجتمعوا ... ألقوا إليه مقالد الأمر
وغلت بهم سجحاء خادمة ... تهوي بهم في لجة البحر
حتى إذا ما ساء ظنهم ... ومضى بهم شهر إلى شهر
ألقى مراسية بتهلكة ... ثبتت مزاميها فما تجري
والسجحاء: الطويلة الظهر، وأراد بها السفينة.
وقد أورد صاحب الخزانة هذه الأبيات مع غيرها من القصيدة في شواهد الحال، وذكر أنها تنسب إلى أعشى قيس.(3/174)
يكون: فعلت من التوغل. وتكون الواو أيضًا عاطفة فيكون من الغليان. ومنه قوله1:
غدوت بها طيًّا يدي برشائها
يكون فعلى من طويت. ويجوز أن يكون تثنية طي، أي طيا يدي، وأراد: طياها2 بيدي فقلب".
ومنه بيت أوس:
فملك بالليط الذي تحت قشرها ... كغرقئ كنه بيض القيض من عل3
"الأصمعي: هو من الملك وهو التشديد. وقال ابن الأعرابي"4: أراد: من لك بهذا الليط.
ومنه بيت الخنساء:
أبعد ابن عمرو من آل الشريـ ... ـد حلت به الأرض أثقالها5
هو من الحلية أي زينت به موتاها. وقال ابن الأعرابي: هو من الحل كأنه لما مات "انحل به"6 عقد الأمور.
__________
1 أي الفرزدق، وصدره:
ووفراء لم تخرز بسير وكيعة
يريد بالوفراء فرسا وافرة الشعر، ووصفها أنها لم تخرز بسير للاحتراز عن القرية ووصفها بأنها وكيعة أي وثيقة الخلق، وفي اللسان "وكع" و"عمى": "طبا" بالباء من الطب أي فطنا وخبيرا، ويبدو أنه تصحف على ابن جني فقرأه بالياء بدل الياء.
2 المناسب: "طبا رشائها".
3 انظر ص365 من الجزء الثاني.
4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
5 من قصيدة لها في رثاء أخيها معاوية.
وقبله مطلع القصيدة:
ألا ما لعينك أم ما لها ... لقد أخضل الدمع سربالها
6 كذا في ش، وفي ط: "انحل" وفي د، هـ، ز: "انحلت" ويقرأ "عقد" عليه بضم العين وفتح القاف، جمع عقدة وقال الأصمعي وغيره: تريد أن معاوية كان ثقيلا على الأرض؛ لأنه كان هو وأصحابه يركضون على الأرض ويقاتلون عليها، فلما مات انحل ذلك الثقل الذي كان عليها.(3/175)
باب في الاكتفاء بالسبب من المسبب وبالمسبب من السبب:
هذا موضع1 من العربية شريف لطيف، وواسع لمتأمله كثير. وكان أبو علي -رحمه الله- يستحسنه، ويعنى به. وذكر منه مواضع قليلة. ومر بنا نحن منه2 ما لا نكاد نحصيه.
فمن ذلك قول الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} 3 وتأويله4 -والله أعلم: فإذا أردت قراءة القرآن؛ فاكتفى بالمسبب الذي هو القراءة من السبب الذي هو الإرادة. وهذا أولى من تأول من ذهب إلى أنه أراد: فإذا استعدت5 فاقرأ؛ لأن فيه قلبًا لا ضرورة بك إليه. وأيضًا فإنه ليس كل مستعيذ بالله واجبةً عليه القراءة ألا ترى إلى قوله:
أعوذ بالله وبابن مصعب ... الفرع من قريشٍ المهذب6
وليس أحد أوجب عليه من طريق الشرع القراءة في هذا الموضع.
وقد يكون على ما قدمنا قوله عز اسمه: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} 7 أي إذا أردتم القيام لها، والانتصاب فيها.
ونحو منه ما أنشده أبو بكر8:
قد علمت إن لم أجد معينا ... لأخلطن بالخلوق طينا
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "باب".
2 كذا في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط.
3 آية 98 سورة النحل.
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "تأويله".
5 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "تعوذت".
6 كأنه يريد ابن مصعب بن الزبير، والفرع من القوم: شريفهم.
7 آية 6 سورة المائدة.
8 يريد أبا بكر بن دريد، والحلوق: ضرب من الطيب، وانظر الأمالي 2/ 144.(3/176)
يعني امرأته. يقول1: إن لم أجد من يعينني على سقي الإبل قامت فاستقت معي، فوقع الطين على خلوق يديها2. فاكتفى بالمسبب الذي هو اختلاط الطين بالخلوق من السبب الذي هو الاستقاء معه.
ومثله قول الآخر:
يا عاذلاتي لا تردن ملامتي ... إن العواذل لسن لي بأمير3
أراد: لا تلمنني، فاكتفى بإرادة اللوم منه، وهو تالٍ لها ومسبب عنها. وعليه قول الله تعالى {فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} 4 أي فضرب فانفجرت؛ فاكتفى بالمسبب الذي هو الانفجار من السبب الذي هو الضرب. وإن شئت أن تعكس هذا5 فتقول: اكتفى بالسبب الذي هو القول، من المسبب الذي هو الضرب.
ومثله قوله:
إذا ما الماء خالطها سخينا6
إن شئت قلت: اكتفى بذكر مخالطة الماء لها -وهو السبب- من الشرب وهو المسبب. وإن شئت قلت اكتفى بذكر السخاء -وهو المسبب- من ذكر الشرب وهو السبب.
ومثله قول الله عز اسمه: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} 7 أي فحلق فعليه فدية. وكذلك قوله: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 8 أي فأفطر فعليه كذا.
__________
1 في ز: "تقول".
2 كذا في ش، ط، د، هـ، ز: "بدنها".
3 ورد هذا البيت في المعنى، ويقول البغدادي في شرح شواهده ج2 ص71: "والبيت مشهور بتداول العلماء إياه في مصنفاتهم، ولم أقف على قائله".
4 آية 60 سورة البقرة.
5 كذا في د، هـ، ز، وفي ط: "هنا" وسقط في ش.
6 انظر ص290 من الجزء الأول.
7 آية 196 سورة البقرة.
8 آية 185 سورة البقرة.(3/177)
ومنه1 قول رؤبة:
يا رب إن أخطأت أو نسيت ... فأنت لا تنسى ولا تموت2
وذلك أن حقيقة الشرط وجوابه، أن يكون الثاني مسببًا عن الأول "نحو قوله: إن زرتني أكرمتك فالكرامة مسببة عن الزيارة"3 وليس كون الله سبحانه غير ناس ولا مخطئا أمرا4 مسببا عن خطأ رؤبة، ولا عن إصابته، إنما تلك صفة له -عز اسمه- من صفات نفسه5. لكنه كلام6 محمول على معناه، أي إن أخطأت أو نسيت فاعف عنى؛ لنقصي وفضلك. فاكتفى بذكر الكمال والفضل -وهو السبب- من العفو وهو المسبب.
ومثله بيت الكتاب:
إني إذا ما جئت نار لمرملة ... ألفى بأرفع تل رافعا نارى7
وذلك "أنه إنما"8 يفخر ببروز بيته لقرى الضيف وإجارة9 المستصرخ؛ كما أنه إنما يذم من أخفى بيته وضاءل شخصه، بامتناعه من ذلك. فكأنه قال إذًا10: إني11 إذا منع غيري وجبن، أعطيت وشجعت12. فاكتفى بذكر السبب -وهو "التضاؤل والشخوص"13- من المسبب وهو المنع والعطاء.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مثله".
2 هذا مطلع أرجوزة له في مدح مسلمة بن عبد الملك بن مروان.
3 سقط ما بين القوسين في ش.
4 سقط في ش.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "اسمه".
6 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
7 البيت للأحوص، وانظر الكتاب 1/ 463.
8 كذا في ط، وفي ش: "أنه" وفي د، هـ، ز: "إنما".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "إجازة".
10 سقط في د، هـ، ز، ط.
11 سقط في ط.
12 في ط: "تشجعت".
13 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "تضاؤل الشخص".(3/178)
ومنه بيت الكتاب:
فإن تنجل سدوس بدرهيهما ... فإن الريح طيبة قبول1
أي إن بخلت تركناها وانصرفنا عنها. فاكتفى بذكر طيب الريح المعين على الارتحال عنها.
ومنه قول الآخر: د
فإن تعافوا العدل والإيمانا ... فإن في أيماننا نيرانا2
يعنى سيوفا3، أي فإنا4 نضركم بسيوفنا. فاكتفى بذكر السيوف من ذكر الضرب بها4. وقال:
يا ناق ذات الوخد والعنيق ... أما ترين وضح الطريق5
أي فعليك بالسير6. وأنشد أبو العباس:
ذر الآكلين الماء ظلما؛ فما أرى ... ينالون خيرا بعد أكلهم الماء7
وقال: هؤلاء قوم كانوا يبيعون الماء، فيشترون بثمنه ما يأكلون، فقال: الآكلين الماء؛ لأن ثمنه سبب أكلهم ما يأكلونه. ومر بهذا الموضع8 بعض9 مولدى البصرة، فقال:
جزت بالساباط يوما ... فإذا القينة تلجم
__________
1 البيت للأخطل، ويقول الأعلم: "ومعنى البيت أن الأخطل مدح سيدا من سادات بني شيبان، ففرض له على أحياء شيبان على كل رجل منهم درهمين، فأدت إليه الأحياء إلا بني سدوس. فقال لهم هذا معاتبا لهم ومعنى فإن الريح طيبة قبول أي قد طاب لي ركوب البحر والانصراف عنكم مستغنيا عن درهميكم عاتبا عليكم" وانظر الكتاب 2/ 26، والديوان 126.
2 أورده في معاهد التنصيص 2/ 131، ولم ينسبه.
3 كذا في ز، ط، وفي ش: "سيوفنا".
4 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
5 الوخد والعنبق ضربان من سير الإبل.
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "السير".
7 انظر ص153 من الجزء الأول.
8 كذا في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
9 في معجم الشعراء للمرزباني 434 في ترجمة محمد بن أبي الحارث الكوفي: وكان لبعض إخوانه جارية مغنية فباعها وأخذ بثمنها برذونا فقال محمد:
قينة كانت تغني ... مسخت برذون أدهم
عجت بالساباط يوما ... فإذا القينة تلجم
وترى أن الشاعر من مولدي الكوفة لا البصرة كما ذكر المؤلف، وقوله: "برذون أدهم" كذا في معجم الشعراء، ولعل الأسل: "برذونا أدهم".(3/179)
وهذا إنسان كانت له جارية تغنى، فباعها، واشترى بثمنها برذونا، فمر به هذا الشاعر وهو يلجم، فسماه قينة؛ إذ كان شراؤه مسببًا عن ثمن القينة. وعليه قول الله سبحانه: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} 1 "وإنما يعصر عنبا يصير خمرا"2 فاكتفى بالمسبب الذي هو الخمر من السبب الذي هو العنب3. وقال الفرزدق:
قتلت قتيلا لم ير الناس مثله ... أقبله ذا تومتين مسورا4
وإنما قتل حيا يصير بعد قتله قتيلا، فاكتفى بالمسبب من السبب. وقال:
قد سبق الأشقر وهو رابض ... فكيف لا يسبق إذا يراكض
يعنى مهرا سبقت أمه وهو في جوفها؛ فاكتفى بالمسبب الذي هو المهر، من السبب الذي هو الأم. وهو كثير جدًا. فإذا مر بك فاضممه إلى ما "ذكرنا منه"5:
باب في كثرة الثقيل، وقلة الخفيف:
هذا موضع من كلامهم طريف، وذلك أنا قد أحطنا6 علما بأن الضمة أثقل من الكسرة، وقد ترى مع ذلك إلى كثرة7 ما توالت فيه الضمتان؛ نحو طُنُب، وعُنُق، وفُنُق8، وحُشُد9، وجُمُد10، وسُهُد11، وطُنُف12، وقلة نحو إبل. وهذا موضع محتاج إلى نظر.
وعلة ذلك عندى أن بين المفرد والجملة أشباها.
__________
1 آية 36 سورة يوسف.
2 ثبت ما بين القوسين في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
3 في ز بعده: "ألا تراه إنما يعصر عنبا يصير خمرا".
4 التومة: اللؤلؤة. والمسور: لابس السوار.
5 سقط في د، هـ، ز.
6 رسم في ش: "أحطانا".
7 سقط في ش.
8 يقال جارية فنق: منصة.
9 جمع حاشد، وهو الذي يبذل جهده في النصرة والإغاثة.
10 كذا في ش، وفي ط: "حسد" والجمد: ما ارتفع من الأرض، والحسد جمع حسود.
11 كذا في ش، وفي ز، ط: "شهد".
12 من معانيه ما تنأ من الجبل.(3/180)
منها وقوع الجملة موقع المفرد من الصفة، والخبر، والحال. فالصفة نحو مررت برجل وجهُه حسن. والخبر نحو زيد قام أخوه. والحال كقولنا: مررت بزيد فرسه واقفة.
ومنها أن بعض الجمل قد1 تحتاج2 إلى جملة ثانية احتياج المفرد إلى المفرد. وذلك في الشرط وجزائه3، والقسم وجوابه.
فالشرط نحو قولك: إن قام زيد قام عمرو. والقسم نحو قولك: أقسم ليقومن زيد. فحاجة4 الجملة الأولى إلى الجملة5 الثانية كحاجة الجزء الأول من الجملة إلى الجزء الثاني؛ نحو زيد أخوك، وقام أبوك.
ومنها أن المفرد قد أوقع موقع الجملة في مواضع؛ كنعم، ولا؛ لأن كل واحد من هذين الحرفين نائب6 عن الجملة، ألا ترى إلى7 قولك: نعم في موضع قد كان ذاك، "ولا في موضع لم يكن ذاك"8 وكذلك صه، ومه، وإيه، وأف، وآوتاه، وهيهات: كل واحد منها جزء مفرد وهو قائم برأسه، وليس للضمير الذي فيه9 استحكام الضمير في الفعل. "يدل على ذلك أنه لما ظهر في بعض أحواله ظهر مخالفا للضمير في الفعل"10 وذلك قول الله سبحانه: {هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ} 11 وأنت لا تقول في الفعل: اضربُم ولا ادخلُم ولا اخرجُم، ولا نحو ذلك.
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 في د، هـ: "يحتاج".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "جوابه".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فلحاجة".
5 سقط في ش، ط.
6 في ط: "نابت".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أن".
8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
9 سقط في د، هـ، ز.
10 سقط ما بين القوسين في ش، ط.
11 آية 13 سورة الحاقة.(3/181)
فلما كانت بين المفرد1 وبين الجملة هذه الأشباه والمقاربات وغيرها، شبهوا توالي الضمتين في نحو سُرُح2 وعُلُط3، بتواليهما في4 نحو زيد قائم، ومحمد سائر5. وعلى ذلك قال بعضهم: الحمدُ لُله، فضم لام الجر إتباعا لضمة الدال، وليس كذلك الكسر في نحو إبل، لأنه لا يتوالى في الجملة الجرّان؛ كما يتوالى الرفعان.
فإن قلت: فقد قالوا: "الحمدِ لِله" فوالوا بين الكسرتين، كما والوا بين الضمتين، قيل: الحمدُ لُله هو الأصل، ثم6 شبه به الحمد لله؛ ألا ترى أن إتباع الثاني للأول -نحو مُد وفِر وضَن- أكثر من إتباع الأول للثاني؛ نحو: اُقتُل. وإنما كان كذلك7 لأن تقدم السبب أولى من تقدم المسبب؛ لأنهما يجريان مجرى العلة والمعلول8؛ وعلى أن ضمة الهمزة في نحو: اقتل لا تعتد9، لأن الوصل يزيلها، فإنما10 هي عارضة، وحركة نحو مُد وفِر وعَض ثابتة مستمرة في الوصل الذي هو العيار، وبه الاعتبار11. وأيضا فإنه12 إذا انضم الأول، وأريد تحريك الثاني كانت الضمة أولى به من الكسرة والفتحة. أما الكسرة فلأنك تصير إلى لفظ فُعِل13، وهذا مثال لا حظَّ فيه للاسم، وإنما هو أمر يخصّ الفعل. وأما دُئل فشاذّ. وقد يجوز أن يكون منقولا أيضا كبَدَّر14 وعَثَّر15.
__________
1 كذا في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط.
2 يقال: ناقة سرح في سيرها، سريعة.
3 يقال: ناقة علط: لا سمة عليها ولا خطام.
4 سقط في د، هـ، ز.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "جالس".
6 سقط في ش.
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ذلك". وفي ط: "ذاك".
8 ثبت حرف العطف في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط.
9 في ط: "تعد".
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "وإنما".
11 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "الاعتماد".
12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وأنه".
13 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "افعل".
14 هو اسم ماء بمكة.
15 هو اسم موضع.(3/182)
فإن قيل: فإن دئلا نكرة غير علم، وهذا النقل إنما هو أمر يخص العلم، نحو يشكر ويزيد وتغلب.
قيل: قد يقع النقل في النكرة أيضًا. وذلك الينجلب1. فهذا منقول من مضارع انجلب الذي هو مطاوع2 جلبته؛ ألا ترى إلى قولهم3 في التأخيذ: أخذته بالينجلب، فلم يحر4 ولم يغب. ومثله رجل أباترٌ. وهو5 منقول من مضارع باترت، فنقل فوصف به. وله نظائر.
فهذا6 حديث فعل.
وأما فعل فدون فعل أيضًا. وذلك أنه كثيرًا ما يعدل عن أصول كلامهم، نحو عمر، وزفر، وجشم، وقثم، وثعل، وزحل. فلما كان كذلك لم يتمكن عندهم تمكن فعل الذي ليس معدولا. ويدلك على انحراف فعل عن بقية الأمثلة الثلاثية7 غير ذوات الزيادة انحرافهم8 بتكسيره عن جمهور تكاسيرها. وذلك نحو جعلٍ وجعلان، وصرد، وصردان، ونغر، ونغران، "وسلك، وسلكان"9، فاطراد هذا في فعل مع عزته في غيرها، يدلك على أن له فيه خاصية انفرد بها، وعدل عن نظائره إليها. نعم، وقد ذهب أبو العباس إلى أنه "كأنه منقوص"10 من فعالٍ. واستدل على ذلك
__________
1 هو حجرة للنأخيذ، وهو نوع من السحر تمنع به المرأة زوجها عن غشيان غيرها من النساء.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مضارع".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قوله".
4 كذا في ش، أي لم يرجع عن حبها، وفي ز: "يجز"، وفي د، هـ: "يجر".
5 كذا في ش، وسقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط.
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".
7 في ش: "الثلاثة".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وانحرافهم".
9 سقط ما بين القوسين في ش والسلك: فرخ القطا أو الحجل.
10 كذا في ش، وفي ز: "كان منقوصا" وفي ط: "كان منقوص" و"كان" عليه زائدة.(3/183)
باستمراره على فعلان؛ قال: فجرذان وصردان في بابه كغراب وغربان، وعقاب وعقبان. وإذا كان1 كذلك ففيه تقوية لما نحن عليه؛ ألا ترى أن
فعُالأ أيضًا مثال2 قد يؤلف العدل3، نحو أحاد، وثناء وثلاث، ورباع. وكذلك إلى4 عشار، قال5:
ولم يستريثوك حتى علو ... ت فوق الرجال خصالا عشارا
ومما يسأل عنه من هذا الباب كثرة الواو فاءً، وقلة الياء هناك. وذلك نحو وعد، ووزن، وورد، ووقع، ووضع، ووفد6، على قلة باب يمن ويسر. وذلك أن سبب كثرة الواو هناك7 أنك قادر متى انضمت8 أو انكسرت أن تقلبها همزة. وذلك نحو أعد وأجوهٍ وأرقة واصلة وإسادة وإفادة. وإذا تغير الحرف الثقيل فكان تارة كذا وأخرى كذا كان أمثل من أن يلزم محجة واحدة. والياء "إذا وقعت أولا و"9 انضمت أو8 انكسرت لم تقلب همزة ولا غيرها.
فإن قلت فقد قالوا: باهلة بن أعصر ويعصر، وقالوا10:
طاف والركب بصحراء يسر
وأسر، وقالوا: قطع الله يديه وأديه.
__________
1 في ط: "كانت".
2 سقط في ش.
3 كذا في ش، وفي ز، ط: "للعدل"، وقوله: "يؤلف" أي يألف ويصاحب.
4 سقط في د، هـ، ز.
5 أي الكميت بن زيد، والبيت من قصيدة يمدح بها أبان بن الوليد، يذكر أنه بلغ مبلغ الرجال في سن الحداثة، بل علاهم بعشر خصال، فلم يسترثه الناس أي لم يستبطئوه في السيادة والنضج، وانظر الاقتضاب 497، وشرح أدب الكاتب للجواليقي 393.
6 كذا في، وفي د، هـ، ز: "وفر".
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ههنا".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ر".
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "إن"، وفي ط: "إذا".
10 الشطر من بيت لطرفة صدره:
أرق العين خيال لم يقر
ولما كان العرب رووه وأقروه نسب المؤلف القول إليهم، وانظر معجم البلدان "يسر" حيث ذكر أن يسره وضع بالدهناء لبني يربوع، وأورد البيت في أربعة من القصيدة.(3/184)
قيل: أما أعصر فهمزته هي الأصل، والياء في يعصر بدل منها. يدل على هذا أنه إنما بذلك1 لبيت قاله؛ وهو:
أبني إن أباك شيب رأسه ... كر الليالي واختلاف الأعصر
فالياء في يعصر إذًا بدل من همزة أعصر. وهذا ضد ما أردته، وبخلاف ما توهمته. وأما أسر ويسر فأصلان، كل واحد منهما قائم بنفسه، كيتن2، وأتن وألملم3، ويلملم. وأما أديه ويديه فلعمري إن الهمزة فيه بدل من الياء؛ بدلالة يديت إليه وأيدٍ ويدي ونحو ذلك، لكنه ليس البدل من ضرب إبدال الواو همزة. وذلك أن الياء مفتوحة والواو إذا كانت مفتوحة شذ فيها البدل، نحو أناة وأجم4. فإذا كان هذا حديث الواو التي يطرد إبدالها فالياء حرى ألا يكون البدل فيها إلا لضرب من الاتساع، وليس طريقه الاستخفاف والاستثقال.
فإن قلت: فالهمزة5 على كل حال أثقل من الواو، فكيف عدل عن الأثقل إلى ما هو أثقل منه؟.
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بهذا"، وانظر في أعصر وشعره ص88 من الجزء الثاني، وفي معجم الشعراء للمرزباني 466: "أعصر -واسمه منبه بن سعد بن قيس عيلان- وهو أبو القبائل، باهلة وغنى والطفاوة، وهو القائل:
قالت عميرة ما لرأسك بعدما ... فقد الشباب أتى بلون منكر
أعمير إن أباك غير لونه ... كنز الليالي واختلاف الأعصر
فلهذا البيت سمي أعصر، وقوم يقولون: يعصر وليس بشيء"، وهو منقول عن طبقات ابن سلام.
2 يقال: ولدته أمه بنتا واننا إذا خرجت رجلاه قبل رأسه.
3 الملم ويلملم موضع، وهو ميقات أهل اليمن للإحرام بالحج.
4 وأصله وجم من الوجوم، وهو العبوس.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "إن الهمزة".(3/185)
قيل1: الهمزة وإن كانت أثقل من الواو على الإطلاق، فإن إذا انضمت كانت أثقل من الهمزة، لأنه ضمتها تزيدها ثقلا. فأما إسادة فإن الكسرة فيهما محمولة على الضمة في أقنت، فلذلك قل نحو إسادة، وكثر نحو أجوه، وأرقة، حتى أنهم قالوا في الوجنة: الأجنة، فأبدلوها مع الضمة البتة، ولم يقولوا: وجنة.
وأيضًا فإن الواو إذا وقعت بين ياء وكسرة في نحو يعد ويرد ويرد حذفت، والياء ليست، كذلك ألا ترى إلى صحتها في نحو ييعر2 وييسر3 "وكأنهم إنما"4 استكثروا مما هو معرض تارة للقلب. أخرى للحذف، وهذا غير موجود في الياء. فلذلك قلت بحيث كثرت الواو.
فإن قلت: فقد كثر عنهم توالي الكسرتين في نحو سدراتٍ، وكسراتٍ، وعجلاتٍ.
قيل: هذا إنما احتمل لمكان الألف والتاء كما احتمل لهما5 صحة الواو في نحو خطوات وخطوات. ولأجل ذلك ما أجاز6 في جمع ذيت7 إذا سميت بها8 ذياتٍ9
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قلت".
2 يقال: يعوت العنز: صاحت.
3 يقال: يسر الرجل إذا دخل في الميسر.
4 كذا في ط، وفي ش: "فكأنهم" وفي د، هـ، ز: "وكأنهما إنما".
5 يريد أن خطوات بضم الطاء كانت الواو فيه تستحق الإعلال بقلبها ياء؛ إذ هي لام قبلها ضمة؛ كالأجرى والأدلى، ولكن عصمها من الإعلال أن الألف والتاء بعدها جعلاها في الحشور وكأنها ليست لاما، وفي خطرات بفتح الطاء تستحق الواو قلبها ألفا، ولكن الألف بعدها عصمتها من هذا؛ إذ لوقلبت ألفا لاجتمعت مع الألف بعدها، وكان هذا يقضي بحذف أحدهما فتجنبوا القلب لهذا.
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "جاز"، وفاعل "أجاز" سيبويه، وانظر الكتاب 2/ 12 وضبط فيه "ذبات" بشد الباء، وهو خطأ في الطبع.
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ذئب".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "به" وفي ط بعده: "بتخفيف الياء".
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ذباب".(3/186)
بتخفيف الياء، وإن كان يبقى معك من الاسم حرفان، والثاني منهما حرف لين. ولأجل ذلك ما صح1 في لغة هذيل قولهم1: جوزات وبيضات، لما كان التحريك أمرا عرض مع تاء جماعة المؤنث؛ قال2:
أبو بيضات رائح متأوب ... رفيق بمسح المنكبين سبوح
فهذا3 طريق من الجواب عما تقدم من السؤال في هذا الباب.
وإن شئت سلكت فيه مذهب الكتاب، فقلت: كثر فعل، وقل فعل، وكثرت الواو فاء، وقلت الياء هنالك لئلا يكثر في كلامهم ما يستثقلون. ولعمري إن هذه محافلة4 في الجواب5، وربما أتعبت وترامت "ألا6 ترى أن" لقائل أن يقول: فإذا كان الأمر كذلك فهلا كثر أخف الأثقلين لاأثقلهما فكان7 يكون أقيس المذهبين لا أضعفهما.
وكذلك قولهم: سرت8 سوورا، وغارت عينه غوورا، وحال عن العهد حوولا؛ هذا9 مع عزة باب سوك10 الإسحل، وفي غوور وسوور فضل واو، وهي واو فعول.
__________
1 سقط في ش، وانظر في لغة هذيل الكتاب 2/ 191.
2 أي بعض شعراء هذيل، ويقول في الخزانة 3/ 429: "والبيت مع كثرة وجوده في كتب النحو والصرف لم أطلع على قائله ولا على تتمته" وهو في وصف ذكر النعام.
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".
4 كذا في ز، ط، وكأنه يريد أن هذه مكاثرته لا غناء فيها، وفي ش: "مخالفة".
5 في ط: "هذا الجواب".
6 كذا في ط، وهو ما في ز، ببعض تحريف، وفي ش: "إلا أن" وهو محرف عن: "لأن".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وكان ذلك".
8 يقال: سار الرجل: وثب وثار.
9 سقط في ط.
10 أي في قول عبد الرحمن بن حسان:
أغر الثنايا أحم اللثا ... ت تمنحه سوك الإسحل(3/187)
وجواب هذا أن الواو وإن1 زادت في عدة المعتد فإن الصوت أيضًا "بلينها يلذ وينعم"2، ألا ترى أن غوورا وحوولا وإن كان3 أطول من سوك وسور4 فإنه ليس فيه قلق سوك وسور؛ فتوالي5 الضمتين مع الواو غير "موف لك"6 بلين الواو المنعمة للصوت. يدل على ذلك أنهم إذا أضافوا إلى نحو أسيد حذفوا الياء المحركة، فقالوا: أسيدي كراهية لتقارب أربع ياءات، فإذا أضافوا إلى نحو مهييم لم يحذفوا فقالوا مهييمي فقاربوا7 بين خمس ياءات لما مطل الصوت فلان بياء المد. وهذا واضح. فمذهب الكتاب -على شرفه، وعلو طريقته- يدخل عليه هذا. وما قدمناه نحن فيه لا يكاد يعرض شيء من هذا الدخل8 له. فاعرفه وقسه وتأت له ولا تحرج صدرا به.
__________
1 سقط الوراق في ش، ز، وثبتت في ط.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "بلبنها بلذة وتنعم".
3 في د، هـ: "كانا".
4 أي في قول عدي بن زيد:
عن مبرقات بالبر بن وتبـ ... ـدو بالأكف اللامعات سور
وانظر شواهد الشافية 121.
5 كذا في ط، ز، وفي ش: "لتوالي".
6 كذا في ط، وفي ش: "موفر ذلك". وفي ز: "مؤثر ذلك".
7 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فوالوا".
8 هو الفساد والعيب.(3/188)
باب القول على 1 فوائت الكتاب:
اعلم أن الأمثلة المأخوذة على صاحبه سنذكرها ونقول فيها ما2 يدحض عنه ظاهر معرتها لو صحت عليه. ولو3 لم تكن4 فيها حيلة تدرأ شناعة إخلاله بها عنه، لكانت معلاة له لا مزراة5 عليه، وشاهدة بفضله ونقص المتتبع "له بها"6 لا نقصه، إن كان أوردها مريدًا بها حط رتبته، والغض من فضيلته. وذلك لكلفة هذا الأمر وبعد أطرافه، وإيعار7 أكنافه أن يحاط بها، أو يشتمل تحجر عليها. وإن إنسانًا أحاط بقاصي هذه اللغات المنتشرة، وتحجر8 أذراءها9 المترامية، على سعة البلاد، وتعادي ألسنتها اللداد10، وكثرة التواضع بين أهليها من حاضر وباد، حتى اغترق11 جميع كلام الصرحاء والهجناء، والعبيد والإماء، في أطرار12 الأرض، ذات الطول والعرض، "ما بين"13 منثور إلى منظومٍ، ومخطوب به "إلى مسجوع"14، حتى لغات الرعاة الأجلاف، والواعي ذوات15 صرار16 الأخلاف، وعقلائهم والمدخولين، وهذاتهم17 الموسوسين18، في جدهم وهزلهم، وحربهم وسلمهم، وتغاير الأحوال عليهم، فلم يخلل من جميع ذلك -على سعته19 وانبثاثه وتناشره20 واختلافه- إلا بأحرف تافهة المقدار، متهافتةٍ على البحث والاعتبار -ولعلها21 أو أكثرها مأخوذة22 عمن فسدت لغته، فلم تلزم عهدته- لجدير أن يعلم بذلك توفيقه، وأن يخلي له إلى غايته طريقه.
__________
1 في د: "في". ويذكر البغدادي في الخزانة 4/ 473 أنها على ما ذكره ابن جني هنا ثمانية وخمسون وزنا.
2 في ط: "بما"، وقوله: "يدحض" أي يبطل، يقال: دحضت حجته وأدحضتها إذا أبطلتها، وأصل معناه الإزلاق، ويبدو أن "يدحض" محرفة عن "يرحض" أي يغسل، يقال: رحض سوءته، أي غسلها ومحاها على المثل.
3 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط.
4 في ز، ط: "يكن".
5 في ط: "مرزاة".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بهاله".
7 في ز، ط: "إبعاد".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "تكلف" وفي ط: "تحجر وتكلف".
9 أي حواشيها وأطرافها، الواحد ذرو، أو ذره.
10 كذا في ش، وفي ز، ط: "النداد" واللداد جمع الألد من اللدد وهو قوة الخصومة والنداد جمع الناد، أي التي تذهب في كل فن من القول.
11ي استوعب.
12ي نواحيها، الواحد طر بضم الطاء.
13قط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
14ي د، هـ، ز: "ومسموع".
15ذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ذات".
16هو خيط يشد فوق خلف الحلوية لئلا يرضعها ولدها، والأخلاف جمع الخلف -بكسر الخاء وسكون اللام- وهو للحيوان كالثدي للإنسان.
17ذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هداتهم".
18كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المرسوسين"، والموسوسي الذي تحدثه نفسه بالوساوس.
19كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "سعيه".
20 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تشاهده".
21 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "و".
22 في ز: "مأخوذ".(3/189)
ولنذكر ما أورد عليه معقبًا1 به2، ولنقل3 فيه ما يحضرنا من إماطة الفحش به عنه بإذن الله.
ذكر الأمثلة الفائتة للكتاب:
وهي: تلقامة4 وتلعابة، فِرناس، فُرانس، تنوفى، ترجمان، شحم أمهج، مهوأن، عياهم، ترامز5، وتماضر، ينابعات، دحندح، عفرين6، ترعاية، الصنبر، زيتون، ميسون، كذبذب، وكذبذب7، هزنبزان8، عفزران، هديكر، هندلع، درداقس، خزرانق، شمنصير، مؤقٍ، مأقٍ، جبروة، مسكين، منديل، حوريت، ترقؤة، خلبوت، حيوت، سمرطول، قرعبلانة، عقربان، مألك، إصري، إزلزل، إصبع، خرفع، زئبر، ضئبل، خرنباش، زرنوق، صعفوق، كنادر9، الماطرون، خزعال، قسطال، ويلمة، فرنوس، سراوع، ضهيد، عتيد، الحبليل، الأربعاوى، مقبئن، "يرنأ، تعفرت"10.
أما تلقامة11، وتلعابة12، فإنه13 وإن لم يذكر ذلك في الصفات فقد ذكر14 في المصادر تفعّلت15 تِعِفّالًا؛ نحو تحملت16 تِحمالًا ومثله تقربت تِقرابًا. ولو أردت الواحدة من
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "متعقبا".
2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "ثم" بدل الواو.
3 في ط: "لنذكر".
4 سقط حرف العطف في ش، ط.
5 كذا في ش، ط، وفي د: "تراهن"، وفي هـ: "تراض".
6 كذا في ط، وفي ش، ز: "فعلين: عفرين".
7 زياد في ز.
8 كذا في ط، ز، وفي ش: "هزنبران".
9 ورد في ط.
10 زيادة في ز، ط.
11 يقال: رجل تلقامة أي عظيم اللقم في الأكل.
12 هو كثير اللعب.
13 أي سيبويه.
14 كذا في ز، وفي ش، ط: "ذكره".
15 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تفعل".
16 الكتاب 2/ 243.(3/190)
هذا لوجب أن تكون تِحمالة. فإذا ذكر تفعالًا فكأنه قد1 ذكره بالهاء. وذلك لأن الهاء زائدة1 أبدًا في تقدير الانفصال على غالب الأمر.
وعلى الجملة فإن هذه الفوائت عند أكثر الناس إذا فحص عن حالها، وتؤملت حق تأملها، فإنها -إلا مالا بال به- ساقطة2 عن صاحب الكتاب، وذلك أنها على أضرب.
فمنها3 ما ليس قائله فصيحًا عنده.
ومنها لم يسمع إلا في الشعر، والشعر موضع إضطرار، وموقف اعتذار. وكثيرًا ما يحرف4 فيه الكلم عن أبنيته وتحال فيه المثل عن أوضاع صيغها5 لأجله.
ألا ترى قوله6:
أبوك عطاء ألأم الناس كلهم
يريد عطية. وقالت امرأة7 ترثي ابنًا لها يقال له حازوق:
أقلب طرفي في الفوارس لا أرى ... حزاقًا وعيني كالحجاة من القطر8
وأمثاله كثيرة9. وقد ذكرناها في فصل10 التحريف.
__________
1 سقط في ش.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ساقط.
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "منها".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يحترف".
5 في ش: "صيغتها".
6 أي البعيث يهجو جريرا، وعجزه:
فقبح من فحل وقبحت من نجل
ومطية أبو جرير. انظر اللسان "عطا"، وص439 من الجزء الثاني.
7 أورد في اللسان "حزق" أقوالا في الشعر، ولم يذكر منها ما قاله المؤلف، ومما جاء فيه: "وقال ابن بري: هو لخزنق ترثي أخاها حازوقا" وكان بنو شكر قتلوه، وهم الأزد".
8 "طرفي" كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "عيني" والحجاة: نفاخة الماء، وفي ز: "كالحجارة" وهو خطأ في النسخ.
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كثير".
10 انظر ص438 من الجزء الثاني.(3/191)
ومنها ما هو لازم له. وعلى أنا قد قلنا في ذلك، ودللنا به على أنه من مناقب هذا الرجل ومحاسنه: أن يستدرك عليه من هذه اللغة الفائضة السائرة المنتشرة ما هذا قدره وهذه حال محصوله.
وليس لقائل أن يدعى أن تِلِقامة، وتلعابة في الأصل المرة الواحدة، ثم وصف بها1 على حد2 ما يقال في المصدر "يوصف3 به"؛ نحو قول الله سبحانه: {إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} 4 أي غائرًا، ونحو قولها5:
فإنما هي إقبالٌ وإدبار
وما كان مثله؛ من قبل أن من وصف بالمصدر فقال: هذا رجل زور، وصوم، ونحو ذلك، فإنما ساغ ذلك لأنه أراد المبالغة، وأن يجعله هو نفسه الحدث، لكثرة ذلك منه، والمرة الواحدة هي أقل القليل من ذلك الفعل؛ فلا يجوز أن يريد معنى غاية الكثرة، فيأتي لذلك بلفظ غاية القلة. ولذلك لم يجيزوا: زيد إقبالة وإدبارة قياسًا6 على زيد إقبال وإدبار. فعلى هذا لا يجوز أن يكون قولهم: تِلِقامة على حد قولك: هذا رجل صوم لكن الهاء فيه كالهاء في علامة ونسابة للمبالغة. وإذا كان كذلك فإنه قد "كاد7 يفارق" مذهب الصفة؛ ألا ترى أن من شرط الصفة أن تطابق موصوفها8 في تذكيره، وتأنيثه، فوصف المذكر بالمؤنث، ووصف المؤنث، بالمذكر ليس متمكنًا في الوصف تمكن وصف المونث بالمؤنث والمذكر بالمذكر. فقولك إذًا: هذا رجل عليم أمكن في الوصف من قولك: هذا رجل
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "به".
2 سقط في ز.
3 سقط ما بين القوسين في ش.
4 آية 30 سورة الملك.
5 انظر ص 205 من الجزء الثاني.
6 سقط في ش.
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "بفارق"، وفي ط: "فارق".
8 في ز: "موضعها".(3/192)
علامة؛ كما أن قولك: مررت بامرأة كافرة أمكن في الوصف من قولك: مررت بامرأة كفور. وإذا كان كذلك جرى تِلِقامة من قولك "مررت1 برجل" تلقامة نحوًا من مجرى مررت بنسوة أربع، في أن أربعًا2 ليس بوصف متمكن "ولذلك صرفته"3، وإن كان "صفة وصف"4 على أفعل. فكأن تلقامة بعد ذلك كله اسم لا صفة5، وإذا كان اسما أو كالاسم سقط الاعتذار منه؛ لأن سيبويه قد ذكر في المصادر تفعّلت تِفِعالًا، فإذا6 ذكره أغنى عن ذكره في الأبنية، ولم يجز لقائل أن يذكره مثالًا معتدًا عليه.
كما أن ترعاية7 في8 الصفات تسقط عنه أيضًا من هذا الوجه؛ ألا تراه صفة مؤنثة جرت على موصوف مذكر، فأوحش ذلك منها في الوصف، وجرى لذلك مجرى: مررت برجال أربعة، في أن أربعة ليس وصفًا محضًا، وإنما هو اسم عدد بمنزلة نسوة9 أربع؛ كما أن أربعة لما لم يخص المؤنث دون المذكر جرى لذلك مجرى الاسم، فلذلك قالوا في جمعه: ربعات، فحركوا كما يحركون الاسم نحو9 قصعات.
و"إذا كان كذلك سقط عنه أيضًا أن لم يذكر تِفِعالا في الصفة. و"10 كذلك11 ما حكاه الأصمعي من قولهم ناقة تضراب12؛ لأنها لما كانت صفة مذكرة جارية على مؤنث لم تستحكم في الصفة.
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "رجل".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز:"أربع".
3 سقط ما بين القوسين في ش.
4 سقط في د، هـ، ز.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "وصف".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وإذا".
7 يقال: رجل ترعاية إذا كان يجيد رعية الإبل، وفي تائه الضم أيضا.
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "من".
9 سقط في ش.
10 سقط ما بين القوسين في ش.
11 كذا والأسوغ: "ذلك".
12 يقال: ناقة تضراب أي ضربها الفحل وطرقها.(3/193)
وأما فِرناس1 فقد ذكره2 في الأبنية في آخر ما لحقته الألف رابعة مع3 غيرها من الزوائد.
وأما فُرانس4 فلعمري إنه لم يذكره. وظاهر أمره أنه فُعانل من لفظ الفرس قال:
أأن رأيت أسدًا فرانسًا ... الوجه كرهًا والجبين عابسا5
وأما تنوفى6 فمختلف في أمرها. وأكثر أحوالها ضعف روايتها، والاختلاف الواقع في لفظها. وإنما رواها السكري وحده. وأسندها إلى امرىء القيس "في قوله"7:
كأن دثارًا حلقت بلبونه ... عقاب تنوفى لا عقاب الفواعل8
والذي9 رويته عن أحمد بن يحيى:
عقاب تنوف لا عقاب الفواعل
__________
1 هو من أسماء الأسد.
2 الكتاب 2/ 323.
3 كذا في ز، ط. وفي ش: "من".
4 هو من أوصاف الأسد، يقال أسد فرانس أي بفرس ويدق العنق.
5 "رأيت" كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز،: "رأتني.
6 عي اسم موضع.
7 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
8 دثار راعي إبل امرئ اليس. واللبون: الإبل ذوات اللبن. والقواعل: الجبال الصغار. كان امرؤ القيس نزل في طيئ، فأغير على إبله ونهبت، فهو يقول: كأنما اختطفتها عقاب فحلفت بها في الجو -والتحليق: ارتفاع الطائر- فلا يرجا رجوعها. ووصف أ، العقاب عقاب هضبة عالية ليكون أقوى لها، وانظر الخزانة 4/ 471.
9 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فالذي".(3/194)
وقال القواعل إكام حولها، وقال أبو حاتم: هي ثنية طيئ "وهي مرتفعة"1. وكذا رواها ابن الأعرابي وأبو عمرو الشيباني. ورواية أبي عبيدة: تنوفى. وأنا أرى أن تنوف2 ليست3 فعولًا4؛ بل هي تفعل من النوف، وهو الارتفاع. سميت بذلك لعلوها. ومنه أناف على الشيء إذا ارتفع عليه والنيف في العدد من هذا هو فَيعَل بمنزلة صيب وميت. ولو كسرت النيف على مذهب أبي الحسن لقلت: نياوف، فأظهرت عينه. فتنوف -في أنه علم على تفعل- بمنزلة يشكر ويعصر. وقلت مرة لأبي علي "وهذا الموضع يقرأ عليه من كتاب أصول أبي بكر رحمه الله"5: يجوز أن يكون "تنوفى" مقصورة من تنوفاء بمنزلة بروكاء6، فسمع ذلك وعرف صحته.
وكذلك القول عندي في مسولي7 في بيت المرار:
فأصبحت مهمومًا كأن مطيتي ... بجنب مسولي أو بوجرة ظالع8
ينبغي أن تكون مقصورة من مسولاء؛ بمنزلة جلولاء.
فإن قلت: فإنا9 لم نسمع بتنوفى ولا مسولى ممدودين، ولو كانا أو أحدهما ممدودًا لخرج ذلك إلى10 الاستعمال.
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تتوفى".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ليس".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فعولي".
5 سقط ما بين القوسين في ط.
6 هي الثبات في الحرب والجد.
7 هي اسم موضع.
8 "بجنب" كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "بحيث". وفي اللسان "مسل": "ببطن"، ووجرة: موضع، وفي اللسان عقب البيت: "أي طال وقوفي حتى كأن ناقتي ظالع". وظالع من الظلع، وهو عرج يسير، وانظر معجم ياقوت في "مسولا" ففيه البيت مع ثلاثة قبله.
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "إنا".
10 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "في".(3/195)
قيل: ولم1 يكثر أيضًا استعمال هذين الاسمين، وإنما جاءا في هذين الموضعين. بل2 لو كثر استعمالها مقصورين لصح ما أردته3 ولزم ما أوردته، فإنه يجوز أن يكون ألف "تنوفى" إشباعًا للفتحة، لا سيما وقد رويناه "تنوف" مفتوحًا كما ترى، وتكون هذه الألف ملحقة مع الإشباع لإقامة الوزن، ألا تراها مقابلة لياء مفاعيلن4؛ كما أن الألف في قوله5:
ينباع من ذفرى غضوب جسرة
إنما هي إشباع للفتحة طلبًا لإقامة الوزن؛ ألا ترى أنه لو قال: "ينبع من ذفرى" لصح الوزن؛ إلا أن فيه زحافًا هو الخزل6؛ كما أنه لو قال: "تنوف" لكان الجزء مقبوضًا. فالإشباع7 إذًا في الموضعين إنما هو مخافة8 الزحاف الذي مثله جائز.
وأما9 ترجمان فقد حكى فيه ترجمان بضم أوله. ومثاله فُعلُلان؛ كعُترُفان10، ودُحمُسان11 وكذلك التاء أيضًا فيمن فتحها أصليةٌ، وإن لم يكن في الكلام مثال جعفر؛ لأنه قد يجوز مع الألف والنون من الأمثلة ما لولاهما لم يجز. ومن ذلك عُنفُوان، ألا ترى أنه ليس في الكلام فُعلُوٌ. وكذلك خِنظِيان12؛ لأنه ليس في الكلام فِعلِيٌ إلا بالهاء نحو حِدرِية13 وعِفرِية14؛ كما أنه ليس فيه فُعلُو إلا بالهاء نحو عُنصُوة15.
__________
1 سقط حرف العطف في ط.
2 في د، هـ، ز: "بلى".
3 سقط في ش.
4 رسم في ز، ط: "مفاعي لن".
5 أي عنترة، وتقدم هذا ص123 من هذا الجزء.
6 البيت من الكامل، وهو تكرار متفاعلن، والخزل فيه تسكين التاء وسقوط الألف، هذا وفي ط: "الجزل" وهو مرادف للخزل.
7 في ط: "والإشباع".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مخالفة".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فأما".
10 هو الديك، وهو أيضا ثبت من نبات الربيع.
11 يقال: رجل دحمسان: أي أسود سمين.
12 يقال: رجل حنظيان وخنظيان أي فحاش بذيء.
13 هي الأرض الغليظة.
14 يقال: رجل عفرية أي خبيث ماكر.
15 من معانيها الخصلة من الشعر، والقطعة من الكلا.(3/196)
وكذلك الريهقان1؛ لأنه ليس في الكلام فَيعُل. ونظير ذلك كثير. فكذلك2 يكون ترجمان فَعلُلانًا، وإن لم يكن في الكلام فَعلُل ومثله قوله:
وما أيبلىٌ على هيكلٍ3
هو فَيعُلي؛ لأنه4 قد5 يجىء مع ياءي6 الإضافة ما لولاهما لم يجىء؛ نحو قولهم: تحوى في الإضافة إلى تحية وهو7 تفلى.
وأما شحم أمهج8 فلعمري إن سيبويه قد حظر في الصفة أفعل. وقد يمكن أن يكون محذوفًا من أمهوج9 كأسكوب. وجدت بخط أبي علي عن الفراء: لبن أمهوج. فيكون أمهج هذا مقصورًا منه لضرورة الشعر وأنشد10 أبو زيد:
يطعمها اللحم وشحمًا أمهجا11
__________
1 هو الزعفران.
2 كذا في ط، ش، وفي د، هـ، ز: "لذلك".
3 هو للأعشى. وعجزه:
بناء وصلب فيه وصار
والأيبلي: الراهب، وصلب: رسم الصليب، وصار: صور، وفي شرح ثعلب لديوان الأعشى: "وصارا: سكن" وكأنه أخذه من صريت، ومن معانيه البقاء، ويكتب على هذا: صارى بالباء، وخبر "ما أيبلي" في بيت بعد هذا ببيت، وهو:
بأعظم منه تقي في الحساب ... إذا النسمات نفضن النهارا
وهما من قصيدة طويلة في مدح قيس بن معديكرب، وانظر الصبح المنير 40 وما بعدها.
4 في الأصول: "إلا أنه" ويبدو أن الصواب ما أثبت، يريد أن فيعلا بفتح الفاء وضم العين لم يسمع في الأوزان، ولكنه قد يجيء مع ياءي النسب ما لا يجيء دونها.
5 سقط في ز.
6 في ز، ط: "ياء".
7 ثبت هذا الحرف في ز، وسقط في ش، ط.
8 أي رقيق أونيء.
9 هو الذي سكنت رغوته وخلص ولم يحثر.
10 ثبت حرف العطف في ط.
11 "بطعمها" كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "نطعمها".(3/197)
ولم نسمعه في النثر أمهجا. وقد يقال: لبن أمهجان، وماهج قال هميان بن قحافة:
وعرضوا المجلس محضا ماهجا1
"ويروى: وأروت المجلس"2 وكنت قلت لأبي علي -رحمه الله- وقت القراءة:
يكون3 أمهج محذوفًا من أمهوج فقبل ذلك ولم يأبه.
وقد يجوز أن يكون أمهج في الأصل اسمًا4 غير صفة، إلا أنه وصف به، لما فيه من معنى الصفاء والرقة5، كما يوصف بالأسماء الضامنة لمعاني6 الأوصاف، "كما أنشد أبو عثمان من"7 قول الراجز:
مئبرة العرقوب إشفى المرفق8
فوصف بإشفى "وهو اسم"9 لما فيه من معنى الحدة، وكقول الآخر:
فلولا الله والمهر المفدى ... لرحت وأنت غربال الإهاب10
فهذا كقولك: وأنت مخرق الإهاب وله نظائر.
وأما مهوأن11 ففائت للكتاب. وذهب بعضهم إلى أنه بمنزلة مطمأن. وهذا سهو ظاهر. وذلك لأن الواو لا تكون أصلًا في ذوات الأربعة إلا عن تضعيف.
__________
1 "محضا" كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "مهجا"، والمحض: اللبن لا ماء فيه.
2 سقط ما بين القوسين في ش.
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيكون".
4 في ط: "أفعلا".
5 سقط في د، هـ، ز.
6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "لمعنى".
7 كذا في ش، وفي ط: "كما أنشدنا عن أبي عثمان من" وفي د، هـ، ز: "أنشدنا عن أبي عثمان".
8 انظر ص223 من الجزء الثاني.
9 سقط ما بين القوسين في ش.
10 انظر ص223 من الجزء الثاني.
11 هو ما اطمأن من الأرض واتسع.(3/198)
فأما1 ورنتل فشاذ. فمهوأن إذًا مفوعل. كأنه جارٍ على اهوأن. وقد قالوا: اكوهد2 واقوهد وهو افوعل "ونحوه"3 قول4 الهذلي5:
فشايع وسط ذودك مقبئنًا ... لتحسب سيدًا ضبعًا تبول
مقبئنًا: منصبًا. فهذا مفعلل كما ترى. وشبه هذا المجوز لأن يكون مهوأن بمنزلة مطمأن الواو فيه بالواو في غوغاء وضوضاء، وليس هذا من خطأ أهل الصناعة؛ لأن غوغاء وضوضاء من ذوات تضعيف الواو، بمنزلة ضوضيت وقوقيت. وقد يجوز من وجه آخر أن يكون واو مهوأن أصلًا. وذلك بأن يكون سيبويه قد سأل جماعة من الفصحاء عن تحقير مهوأن6 على الترخيم، فحذفوا الميم وإحدى النونين ولم يحذفوا الواو البتة، مع حذفهم واو كوثر على الترخيم "في قولهم"7: كثير، وحذفهم واو جدول، وقولهم: جديل وامتنعوا من حذف8 واو مهوأن، فقطع سيبويه بأنها أصل فلم يذكره. وإذا كان هذا جائزًا، وعلى مذهب إحسان الظن به سائغًا، كان فيه نصرة له و"تجميل9 لأثره" فاعرفه10؛ فتكون الواو مثلها في ورنتلٍ. وكذلك يمكن أن يحتج بنحو هذا في فرانسٍ وكنادر11؛ فتكون النون فيهما أصلًا.
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وأما".
2 يقال: اكوهد الفرخ إذا ارتعد إلى أمه لتزقه.
3 في ش: "نحو".
4 في د، هـ، ز: "قال".
5 هو حبيب الأعلم: والبيت من قصيدة يهجو فيها رجلا اسمه عبد الله، وقوله: "فشايع" في ديوان الهذليين: "تشايع" والمشايعة دعاء الإبل لتجتمع وتنساق، والذود القطعة من الإبل، يذكر أنه ذو مال، وهو يعنى به ليسود عند الناس، وقوله "ضبعا تبول" فالكلام على النداء، أي يا ضبعاء وفي ط: "تنول" أي تحرك استها، وانظر ديوان الهذليين 2/ 86.
6 في د، هـ، ز بعده: "أصلا".
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "وقولهم" وفي ط: "وهو قولهم".
8 سقط في ش.
9 في ط: "تحميل لأمره" وفي ش "تجميل ألا تراه" وهو محرف عما أثبت.
10 أخر في ز عن قوله: "ورتثل".
11 هو الغليظ القصير مع شدة.(3/199)
وأما عياهم1 فحاكيه صاحب العين، وهو مجهول. وذاكرت أبا علي -رحمه الله- يومًا بهذا2 الكتاب فأساء نثاه3. فقلت له: إن تصنيفه أصح وأمثل من تصنيف الجمهرة، فقال: الساعة لو صنف إنسان لغة بالتركية تصنيفًا جيدًا أكانت4 تعتد عربية لجودة تصنيفها؟ أو كلاهما هذا نحوه. وعلى5 أن صاحب العين أيضًا إنما قال فيها: وقال بعضهم: عياهمة وعياهم؛ كعذافرة وعذافر. فإن صح فهو فُياعل، ملحق بعذافر وقلت فيه لأبي علي: يجوز أن تكون العين فيه بدلًا من همزة؛ كأنه أياهم كأباتر وأحامر فقبل ذلك.
وأما تماضر وترامز فذهب أبو بكر إلى أن التاء فيهما زائدة. ولا وجه لذلك؛ لأنها6 في موضع عين7 عذافر فهذا8 يقضى بكونها أصلًا، وليس معنا اشتقاق فيقطع بزيادتها. قال أبو زيد: وهو الجمل9 القوي الشديد؛ وأنشد:
إذا أردت طلب المفاوز ... فاعمد لكل بازلٍ ترامز
وذهب بعضهم في تماضر إلى أنه تُفاعل، وأنه فعل منقول؛ كيزيد وتغلب. ولا حاجة به إلى ذلك، بل تماضر رباعي وتاؤه فاء كترامز. فإن توهم ذلك لامتناع صرفه في قوله10:
حيوا تماضر واربعوا صحبي ... وقفوا فإن وقوفكم حسبي
__________
1 يقال: رجل عياهم أي ماض سريع.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "في هذا"، وفي ط: "هذا".
3 أي وصفه وذكره، والنثا: ما أخيرت به عن الشيء من حسن أو سيئ.
4 كذا في ش، وفي ز، ط: "لكانت" وهو تحريف.
5 سقط حرف العطف في د، هـ، ز.
6 في د، هـ، ز: "لأنهما".
7 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "غير"، وسقط في ش.
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "وهذا".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هو".
10 أي دريد بن الصمة، وانظر ديوان الخنساء.(3/200)
فليس شيئا؛ لأن تماضر علم مؤنث، وهو اسم الخنساء الشاعرة. وإنما منع الصرف لاجتماع التأنيث والتعريف، كامرأة سميتها بعذافر وعماهج. وهذا واضح.
وأما ينابعات1 فما أظرف أبا بكر أن أورده2 على أنه أحد الفوائت! ألا يعلم أن سيبويه قد3 قال4: ويكون على يفاعل نحو اليحامد5 واليرامع6. فأما لحاق علم التأنيث والجمع به7 فزائد على المثال، وغير8 محتسب به فيه9 وإن رواه راوٍ ينابعات فينابع يفاعل؛ كيضارب ويقاتل، نقل وجمع.
وأما دحندح فإنه صوتان: الأول منهما منون10: دحٍ، والآخر منهما11 غير منون: دح "وكأن الأول نون للوصل. ويؤكد ذلك قولهم في معناه: دح دح"12 فهذا كصهٍ صهٍ في النكرة، وصه صه في المعرفة. فظنته الرواة كلمة واحدة. ومن هنا قلنا: إن صاحب اللغة إن لم يكن له نظر أحال كثيرًا منها وهو يرى أنه على صواب. ولم يؤت من أمانته وإنما أتي من معرفته. ونحو هذا الشاهد إذا13 لم يكن فقيها: يشهد14 بما لا يعلم وهو يرى أنه يعلم. ولذلك ما استد15 عندنا أبو عمرو الشيباني
__________
1 هو اسم موضع.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بورده".
3 سقط في ش، ط.
4 الكتاب 2/ 319.
5 اليحامة: المنسوبون إلى يحمد -في وزن يمنع- وهي قبيلة من الأزد.
6 جمع اليرمع، ومن معانيها حجارة رخوة إذا فتت تفتتت.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيه".
8 سقط حرف العطف في د، هـ، ز.
9 سقط في د، هـ، ز.
10 سقط في ش.
11 سقط في ش، ط.
12 سقط ما بين القوسين في ش.
13 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "إن".
14 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "شهد" وفي ط: "شهيد" وهو محرف عن "شهد".
15 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "اشتد"، واسند من السداد، وكانت وفاة أبي عمرو سنة 216، ووفاة يونس بن حبيب سنة 183هـ.(3/201)
لملازمته1 ليونس وأخذه عنه. ومعنى هذه الكلمة فيما ذكر "محمد2 بن الحسن أبو بكر3: قد4 أقررت فاسكت" "وذكر محمد بن حبيب أن دحندح دويبة صغيرة: يقال: هو أهون علي من دحندح"5 ومثل هذين الصوتين عندي قول الآخر:
إن الدقيق يلتوى بالجنبخ ... حتى يقول بطنه جخٍ جخ6
وأما عفرين فقد ذكر سيبويه7 فعلا8 كطمر وحبر9. فكأنه ألحق علم الجمع كالبرحين10 والفتكرين11. إلا أن بينهما فرقًا. وذلك أن هذا يقال فيه: البرحون والفتكرون، ولم يسمع في عفرين الواو. وجواب هذا أنه لم يسمع عفرين12 في الرفع13 يالياء، وإنما سمع في موضع الجر، وهو قولهم: ليث عفرين. فيجب أن يقال فيه14 في الرفع: هذا عفرون. لكن لو سمع في موضع الرفع بالياء لكان أشبه بأن يكون فيه النظر. فأما15 وهو في موضع الجر فلا يستنكر فيه الياء.
__________
1 في ز: "بملازمته".
2 سقط ما بين القوسين في ز، هـ.
3 سقطت هذه الكنية في ش، وهو ابن دريد.
4 سقط في ط.
5 سقط ما بين القوسين في ش، وسقط قوله: "وذكر" في د، هـ، ز.
6 في ط: "الرقيق" في مكان "الدقيق"، والدقيق يريد به دقيق الجسم الشخت. وفي رواية اللسان في جنبخ: "القصير"، والجنبخ: الطويل، يريد أن القصير والطويل إذا تصارعا فإن القصير يثني الطويل ويلويه، وانظر اللسان.
7 انظر الكتاب 2/ 330.
8 في ط: "عفرا".
9 هو اسم موضع.
10 هو بكسر الباء وضمها، أي الشدائد.
11 هو أيضا بكسر الفاء وضمها أي الشدائد والدواهي كالبرحين.
12 كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "في عفرين" وعفرين: مأسدة، ويقال: ليث عفرين لكل ضابط قوي.
13 في ز: "و".
14 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "له".
15 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وأما".(3/202)
وأما ترعاية فقد قيل فيه أيضا: رجل ترعية، وترعاية. وكان أبو علي صنع ترعاية فقال: أصلها ترعية ثم أبدلت الياء الأولى للتخفيف ألفا؛ كقولهم في الحيرة: حارى. وإذا كان ذاك1 أمرا محتملا لم يقطع بيقين على أنه مثال فائت في الصفات. ولكن قد2 حكى الأصمعي: ناقة تضراب إذا ضربها الفحل. فظاهر3 هذا أنه4 تفعال في الصفة كما ترى. وقد ذكرنا ما فيه في أول الباب.
وأما الصنبر فقد كنت قلت فيه في هذا الكتاب في قول طرفة:
بجفان تعترى نادينا ... وسديف حين هاج الصنبر5
ما قد مضى، وإنه يرجع بالصنعة إلى أنه من نحو مررت ببكر. وذهب بعضهم إلى أنه كسر الباء لسكونها وسكون الراء. وفيه ضعف. وذلك أن الساكنين إذا التقيا من كلمة واحدة حرك الآخر منهما، نحو أمس6، وجير، وأين، وسوف، ورب. وإنما يحرك الأول منهما إذا كانا من كلمتين، نحو قد انقطع، وقم الليل، وأيضا فإن الساكنين لا ينكر اجتماعهما في الوقف.
فإن قلت: فالوزن اقتضى تحريك الأول، قيل: أجل إلا أنه لم يقتضك فساد الاعتلال7. فإذا8 قلت ما قلنا نحن في هذا فيما مضى من كتابنا سلم على يديك، وثلج به صدرك إن شاء الله.
فإن قلت: فقد قالوا في الوقف: ضربته9.
__________
1 سقط في ش.
2 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وظاهر".
4 سقط في ط.
5 في ش: "من سديف"، وانظر ص282 من الجزء الأول.
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ليس".
7 في ط: "الإعلال".
8 كذا في ش، وفي د، ط: "وإذا".
9 أي في ضربته من قولك: محمد ضربته زينب، والوقف بكسر تاء التأنيث لغة بني عدي من تميم، وانظر الكتاب 2/ 287.(3/203)
قيل: هذا أمر يخص تاء التأنيث، رغبة في الكسرة الدالة على التأنيث. وأيضًا فإن التاء آخر الكلمة، والهاء زائدة1 من بعدها، ليست منها. وكذلك القول في ادعه2، واغزه، ألا ترى "أن الهاء زائدة"3 من بعد الكلمة. وعلى أنه قد يجوز أن تكون الكسرة فيهما4 إنما هي على حد قولك: ادع واغز، ثم لحقت الهاء. ونحوه ما أنشده أبو سهل أحمد بن زياد القطان5:
كأن ريح دبرات خمس ... وظربانا بينهن يفسى
ريح ثناياها بعيد النعس6
أراد: يفسو، ثم حذف الواو استخفافا، وأسكن السين، والفاء قبلها ساكنة، فكسر السين لالتقائهما، ثم أشبع للإطلاق فقال: يفسى. فاعرف ذلك.
وأما هزنبزان7 وعفزران فقد ذكرا في بعض نسخ الكتاب. والهزنبزان السيء الخلق، قال:
لقد منيت بهزنبران ... لقد نسيت غفل الزمان8
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "زيادة".
2 أي بكسر العين، ويقول سيبويه في الكتاب 2/ 278: "وزعم أبو الخطاب أن ناسا من العرب يقولون: ادعه من دعوت، فيكسرون العين، كأنها لما كانت في موضع الجزم توهموا أنها ساكنة؛ إذ كانت آخر شيء في الكلمة في موضع الجزم"، فكسروا حيث كانت الدال ساكنة لأنه لا يلتقي ساكنان".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "أنها زيادة"، وفي ط: "الهاء زيادة".
4 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فيها" يريد الكسرة في ادعه وأعزه، يريد في هذا الوجه أنك قدرت سكون العين للوقف فالتفت ساكنة مع الفاء، فحركت العين للساكنين، ثم ألحقته الهاء، فبقي الكسر للعين، وهذا غير الوجه الأول، فإنه يراعى في الساكنين العين والهاء، وترى هذا الوجه الثاني هو ما في الكتاب، على ما سلف لك.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أنشدناه" والقطان هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد وكانت وفاته سنة 350 كما في النجوم الزاهرة 3/ 328.
6 كأنه يريد بالديرات نياقا دبر ظهرها، والدير فرح فيها، والظربان يضرب به المثل في الفساء، يهجو امرأة بخبث رائحتها، وقوله: "ظربانا" كذا وقد يكون "ظربانا" بالجر عطفا على "دبرات" أو بالرفع على أن الجملة حالية.
7 كذا في ط، وبالزاي، وهذا يوافق تفسيره بالسيئ الخلق، وفي ش: "عزنبران" وهو عند صاحب القاموس تبعا للصاغاني: الكيس الحاد الرأس، وقد وهما الجوهري في تفسيره الكلمتين بالسيئ الخلق وانظر القاموس والتاج في "هزبر".
8 يريد بغفل الزمان سعة العيش، كأن الزمان غفل عن إساءته وفي ز، ط: "عقل" وهو تصحيف.(3/204)
وعفزران: اسم رجل. وقد يجوز أن يكون أصله: عفزر، كشعلع وعديس، ثم ثنى1 وسمي به، وجعلت النون حرف إعراب، كما حكى أبو الحسن عنهم في اسم رجل: خليلان. وكذلك أيضًا ذهب في قوله2:
ألا يا ديار الحي بالسبعان
إلى أنه تثنية سبع وجعل النون حرف إعراب. وليس لك3 مثل هذا التأويل في هزنبزان؛ لأنه نكرة وصفة للواحد. وهذا "يبعده عن"4 العلمية والتثنية.
وأما هديكر فقال أبو علي: سألت محمد بن الحسن عن الهيدكر فقال: لا أعرفه، وأعرف الهيدكور. قال أبو بكر: وإن سمع فلا يمتنع. هذا حديث الهيدكر وأما5 الهديكر فغير محفوظ عنهم، وأظنه من تحريف النقلة، ألا ترى إلى بيت طرفة:
فهي بداء إذا ما أقبلت ... فخمة الجسم رداح هيدكر6
وكأن7 الواو حذفت من هيدكور ضرورة. فإذا جاز أن تحذف الواو الأصلية لذلك في قول "الأسود بن يعفر"8.
فألحقت أخراهم طريق ألاهم
__________
1 كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "بني".
2 أي ابن مقبل أو ابن أحمر، وعجزه:
أمل عليها بالبلى الملوان
والسبعان: موضع في ديار قيس، وانظر معجم البلدان، والخزانة 3/ 275، والكتاب 2/ 322.
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كذلك".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يبعد في".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فأما".
6 البداء: المرأة الكثيرة لحم الفخذين، والرداح: ضخمة العجيزة.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كذلك".
8 كذا في د، هـ، ز، وفي ط: "الأسود"، وفي ش: "أبي الأسود"، وانظر في البيت ص294 من الجزء الثاني.(3/205)
كان حذف الزيادة1 أولى. ويقال: تهدكرت المرأة تهدكرا في مشيها2. وذلك إذا ترجرجت.
وأما زيتون فأمره واضح، وأنه فعلون، ومثال فائت. والعجب أنه في القرآن، وعلى أفواه الناس للاستعمال3. وقد كان بعضهم قد تجشم أن أخذه من الزتن، وإن كان أصلا مماتا فجعله فيعولا. وصاحب هذا القول ابن كيسان أو ابن دريد: أحد الرجلين.
ومثل زيتون -عندي- ميسون بنت بحدل الكلبية أم يزيد بن معاوية. وكان4 سمعها تهجوه، فقال لها: الحقي بأهلك.
وأما قيطون فإنه فيعول5، من قطنت بالمكان؛ لأنه بيت في جوف بيت.
وأما الهندلع فبقلة، وقيل: إنها غريبة6 ولا تنبت في كل سنة. وما كانت هذه سبيله كان الإخلال بذكره قدرا مسموحا به، ومعفوا عنه. وإذا صح أنه من كلامهم فيجب أن تكون نونه زائدة؛ لأنه لا أصل بإزائها فتقابله7. فهى إذا كنون كنتأل8. ومثال الكلمة على هذا: فنعلل. ومن ادعى أنها أصل، وأن الكلمة بها خماسية، فلا دلالة له ولا برهان معه. ولا فرق بين أن يدعى أصلية هذه النون وبين ادعائه أصلية نون كنتأل وكنهبل9.
__________
1 كذا في ش، وفي هـ، ز، ط: "الزائدة"، وفي د: "الزائد".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مشيتها".
3 كذا في د، هـ، ز، ظ، وفي ش: "له استعمال".
4 أي معاوية رضي الله عنه، وذلك في قولها في شعرها المشهور:
وخرق من بني عمي نحيف ... أحب إلي من علج عنيف
5 أهل اللغة على أنه أعجمي، وقد نص على ذلك ابن دريد في الجمهرة 3/ 388 والجواليقي في المعرب 272، وعلى ذلك لا يرد النقض به على صاحب الكتاب، ولا يتكلف له اشتقاق.
6 كذا في ز، وفي ش، ط: "عربية".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيقابله".
8 هو القصير.
9 هو ضرب من الشجر.(3/206)
وأما كذبذب خفيفا، وكذبذب ثقيلا ففائتان. ونحوهما ما رويته عن بعض أصحابنا من قول بعضهم: ذرحرح في هذا "الذرحرح بفتح الرائين"1 "أنشد أبو زيد"2:
وإذا أتاك بأنني قد بعتها ... بوصال غانية فقل كذبذب
ولسنا نعرف كلمة فيها ثلاث عينات غير3 كذبذب وذرحرح. وقد4 أنشد بعض البغدادين "قول الشاعر"5:
بات يقاسي ليلهن زمام ... والفقعسي حاتم بن همام
مسترعفات ليصللخم سام
"اللام الأولى هي الزائدة هنا، لأنه لا يلتقي عينان إلا6 والأولى ساكنة"7، وهذا مصنوع للضرورة" يريد: لصلخم8، فاحتاج لإقامة الوزن، فزاد على العينين أخرى، فصار من فعل إلى فععل.
وأما الدرداقس فقيل فيه: إنه أعجمي، وقال الأصمعي: أحسبه روميا، وهو طرف العظم الناتئ فوق القفا. وأنشد أبو زيد:
من زل عن قصد السبيل تزايلت ... بالسيف هامته عن الدرداقس9
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الذروح"، وهي دويبة حمراء منقطعة بسواد تطير.
2 في ط: "في هذا البيت الذي أنشده أبو زيد" والشعر لجريبة بن الأشيم في أبيات أخر في النوادر 72، وفيها: "بعته" في مكان: "بعتها" وهو وصف جمله.
3 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "كعين".
4 سقط في ز.
5 كذا في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط، وقوله: "يقاسين" أي يقاسي إبلا يسير بها، ومسترعفات: سابقات، والصلخم: الجسيم الماضي، و"سام" أي سامي الطرف مرتفعة وهو وصف لبعير أو لحاد، وورد في اللسان "صلخم":
مسترعلات لصللخم سامي
6 سقط هذا الحرف في ط.
7 سقط ما بين القوسين في ش، وهو في د، هـ، ز، بعد: "لإقامة الوزن"، وما هنا وفق ما في ط.
8 في ط: "الصلخم".
9 في ش: "على الدردافس".(3/207)
وكذلك الخزرانق أعجمي1 أيضا. وهو فارسي، يعنى به ضرب من ثياب الديباج.
ويجب أن تكون "نونه زائدة"2 إن كان الدرداقس أعجميا. فإن كان عربيا فيجب أن تكون نونه3 أصلا، لمقابلتها قاف درداقس العربي.
وأما شمنصير ففائت أيضا إن كان عربيا. قال الهذلي4:
لعلك هالك إما غلام ... تبوأ من شمنصير مقاما
وقد يجوز5 أن يكون محرقا من شمنصير6 لضرورة الوزن.
وأما مؤقٍ فظاهر أمره أنه فعلٍ وفائت. وقد يجوز أن يكون مخففًا من فعلي، كأنه في الأصل مؤقي بمعنى مؤقٍ، وزيدت الياء لا للنسب، بل كزيادتها في كرسي وإن كانت في كرسي لازمة وفي مؤقي غير لازمة لقولهم فيه: مؤقٍ. لكنها في أحمري وأشقري غير لازمة. وأنشدنا أبو علي:
كان حداء قراقريا7
"يريد قراقرا"8 وأنشدنا أيضًا للعجاج:
غضف طواها لأمس كلابي9
"أي كلاب يعنى صاحب كلاب"10 وأنشدنا أيضًا له11:
والدهر بالإنسان دواري12
__________
1 انظر معرب الجواليقي 127.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "زائد النون".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "نون جزرانق".
4 هو صخر الغي، والبيت ختام قصيدة يرثي فيها ابنه تليدا، وشمتصير جهل في بلاد هذيل دفن فيه ابنه، يخاطب نفسه فيقول: لعلك تموت إن مات غلام دفن في هذا المكان، ولعل للإشفاق، ويعني بالغلام ابنه، وانظر ديوان الهذليين "طبعة دار الكتب" 2/ 66. ومعجم البلدان.
5 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط، وثبت في ش.
6 كذا في ش، وفي ز، ط: "شمصير".
7 انظر ص107 من هذا الجزء.
8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
9 انظر ص106 من هذا الجزء.
10 سقط ما بين القوسين في ش، ط، وثبت في د، هـ، ز.
11 كذا في ش، وسقط في د، هـ، ز، ط.
12 انظر ص106 من هذا الجزء.(3/208)
أي دوار؛ إلا أن زيادة هذه الياء فى الصفة أكثر منها في الاسم، لأن الغرض فيها توكيد الوصف.
ومثل مؤقٍ في هذه القضية ما رواه الفراء من قول بعضهم فيه: ماقٍ. فيجب أيضًا أن يكون مخففًا1 من ثقيله. وأما ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر:
يا من العين لم تذق تغميضا ... وماقيين اكتحلا مضيضا2
فمقلوب. وذلك أنه أراد من المأق مثال فاعل فكان قياسه مائق، إلا أنه قد قلبه إلى فالع، فصار: مأقٍ بمنزلة شاكٍ ولاثٍ في شائك ولائث. ومثله قوله3:
وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي
أراد: الخائل: فاعلا من الخيلاء.
وجبروة من قبل الكوفيين. وهو فائت. ومثاله فعلوة.
وأما مسكين ومنديل فرواهما اللحياني. وذاكرت يومًا أبا علي بنوادره4 فقال: كناش5. وكان أبو بكر -رحمه الله- يقول: إن كتابه لا تصله به6 رواية، قدحًا فيه، وغضًا منه.
__________
1 فأصله مأفي، وبعد تخفيفه صار كقاض.
2 المضيض: الهم والحزن، والرضيض: المدقوق، وانظر النوادر 52.
3 أي امرئ القيس، وما أورده شطر في بيتين هما:
لقد زعمت بسباسة اليوم أنني ... كبرت وألا يحسن السر أمثالي
كذبت لقد أصبى على المرء عرسه ... وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي
وبسباسة: اسم امرأة، والسر: اللهو بالنساء ويزن: يتهم.
4 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "في نوادر".
5 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "كناسة"، وقد يكون محرفا عن "كناشة"، وفي التاج "كنش" أن الكناشة أوراق تجعل كالدفتر يقيد فيها الفوائد والشوارد للضبط، وأبو علي يريد أنه ليس فيه مسكة التصنيف.
6 في ط: "وفيه".(3/209)
وأما حوريت فدخلت يومًا على أبي علي -رحمه الله- فحين رأنى قال: أين أنت! أنا أطلبك. قلت؛ وما هو؟ قال: ما تقول في حوريت1؟ فخضنا فيه، فرأيناه خارجًا عن الكتاب. وصانع أبو علي عنه بأنه قال: إنه2 ليس من لغة ابني نزار3، فأقل الحفل به لذلك. وأقرب ما ينسب إليه أن يكون فعليتا4، قريبًا من عفريت. ونحوه ما أخبرنا به أبو علي من قول بعضهم في الخلبوت5: الخلبوت، وأنشد:
ويأكل الحية والحيوتا6
وهو ذكر الحيات، فهذان7 فعلوت8.
وأما ترقؤة فبادي أمرها أنها فائتة؛ لكونها فعلؤة. ورويناها9 عن قطرب، وذكر أنها لغة لبعض عكل. ووجه القول عليها -عندي- أن تكون10 مما همز من غير المهموز، بمنزلة استلأمت الحجر، واستنشأت الرائحة -وقد ذكرنا ذلك في بابه- وأصلها ترقوة، ثم همزت على ما قلناه.
وأما سمرطول11 فأظنه تحريف سمرطول بمنزلة عضرفوط11، ولم نسمعه في نثر12. قال:
على سمرطولٍ نيافٍ شعشع13
__________
1 ضبط في ش بفتح الواو وتشديد الراء مكسورة، وحوريت: اسم موضع.
2 سقط في ش.
3 يريد: ربيعة ومضر.
4 ضبط في ش: "فتح الثاني وكسر الثالث مع التشديد".
5 هو الخداع الكذاب.
6 هو من رجز أورده اللسان في دمق وفي حبي، وبعده:
ويدمق الأقفال والتابوتا
أي يكسر الأقفال والتابوت وهو الصندوق، وذلك جريا وراء ما ادحر فيه من الطعام، يصف امرأ بالشره وأنه يطعم ما وجده، حتى ليأكل الحيات.
7 في د، هـ، ز: "وهذان".
8 في ز: "فعلونا".
9 سقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط.
10 في ش: "يكون".
11 سمر طول أي طويل مضطرب، والعضرفوط: ذكر العظاء، والعظاء واحدها العظاية، وهي دابة كسام أبرص.
12 بعده في اللسان "سمرطيل". "وإنما سمعتاه في الشعر".
13 يريد بالسمر طول حملا طويلا، و"نياف" أي طويل فهو تأكيد لما في "سمرطول" من الطول، والثمثع: الطويل العنق.(3/210)
وإذا استكرهوا في الشعر لإقامة الوزن خلطوا فيه قال:
بسحبل الدفين عيسجور
أراد سبحلا، فغير كما ترى. وله نظائر قد ذكرت في باب1 التحريف.
وقرعبلانة كأنها2 قرعبل، ولا اعتداد بالألف والنون وما بعدهما. ويدلك على إقلالهم الحفل بهما3، ادغامهم الإمدان4؛ كما يدغم أفعل من المضاعف؛ نحو أرد وأشد، ولو كانت الألف والنون معتدة لخرج بهما المثال عن وزن الفعل فوجب إظهاره، كما يظهر ما5 "خرج عن مثاله، نحو حضض6، وسُرر7، وسَرر7. وعلى أن هذه اللفظة" لم تسمع إلا من كتاب العين. وهي -فيما ذكر- دويبة. وفيه وجه آخر. وهو أن الألف والنون قد عاقبتا تاء التأنيث وجرتا مجراها. وذلك في "حذفهم لهما"8 عند إرادة الجمع كما تحذف9؛ ألا تراهم قالوا في استخلاص الواحد من الجمع بالهاء وذلك شعير وشعيرة وتمر وتمرة وبط وبطة، وسفرجل وسفرجلة. فكذلك انتزعوا الواحد من الجمع بالألف والنون أيضًا. وذلك قولهم: إنس، فإذا أرادوا الواحد قالوا: إنسان، وظرب، فإذا أراد الواحد قالوا: ظربان قال10:
قبحتم يا ظربا مجحره
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فصل". وانظر ص438 من الجزء الثاني.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كأنه".
3 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "بها".
4 كذا في ش، وهو الماء الملح، وفي ز، ط: "الأمران" وهو تثنية الأمر.
5 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
6 من معانيه دراء يتخذ من أبوال الإبل.
7 هو ما على الكمأة من القشور والطين.
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "حذفهما".
9 كذا في ش، ط، ط، وفي د، هـ، ز: "يحذف".
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أنشدنا" ولم أقف لهذا الشطر على تكملة وقوله "مجحرة" أي تدخل الضب وتحره الجحر من خبث قبائها، وفي ز، ط: "محجرة" بتقديم الحاء على الجيم(3/211)
وكذلك أيضًا حذفوا الألف والنون لياءي1 الإضافة؛ كما حذفت2 التاء لهما؛ قالوا في خراسان: خراسي، كما يقولون في خراشة3: خراشي. وكسروا أيضًا الكلمة على حذفهما، كما يكسرونها على حذف التاء. وذلك قولهم: كَروان وكِروان "وشَقذان وشِقذان"4 كما قالوا: بَرق5 وبِرقان، وخرب6 خربان. فنظير هذا قولهم: نعمة وأنعم. وشدة وأشد عنده سيبويه. فهذا نظير7 ذئب وأذؤب وقطح8 وأقطع، وضرس وأضرس، قال:
وقرعن نابك قرعة بالأضرس9
وقالوا أيضًا: رجل كذبذب وكذبذبان، حتى كأنهما مثال واحد، كما أن دمًا ودمة وكوكبًا وكوكبة مثال واحد. ومثله الشعشع10 والشعشان10، والهزنبر11 والهزنبران11 و"الفرعل والفرعلان"12.
فلما تراسلت الألف والنون، والتاء في هذه المواضع وغيرها جرتا مجرى المتعاقبتين13، فإذا التقتا في مثال واحد ترافعتا أحكامهما، على ما "قدمناه14 في" ترافع الأحكام. فكذلك قرعبلانة لما اجتمعت15 عليه16 التاء مع الألف والنون ترافعتا17
__________
1 كذا في ش، ط، وفي ز: "لياء".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تحذف".
3 في ش: "خراسة: خراسي"، وخراشة من أسماء العرب، وأبو خراشة خفاف بن ندبة.
4 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "شقران وشقران" وسقط ما بين القوسين في ش، والشقذان: الحرباء.
5 هو الحمل -كسبب- وهو الصغير من أولاد الضأن.
6 هو ذكر الحبارى.
7 كذا في ش، ط، وفي ز: "نظيره".
8 هو نصل صغير عريض.
9 انظر ص225 من الجزء الثاني.
10 هو الطويل الحسن.
11 هو السيئ الخلق.
12 كذا في د، هـ، وفي ز: "الفرعل والفرعل"، وفي ش، ط: "القوعيل والقرعيلان"، والفرعل والفرعلان ولد الضبع.
13 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "المتعاقبين".
14 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "بيناه في باب". انظر ص110 من الجزء الثاني.
15 في ز: "اجتمع".
16 سقط في ز، ط.
17 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ترافعت".(3/212)
أحكامهما، فكأن لا تاء هناك ولا ألف ولا نونًا، فبقى الاسم على هذا كأنه قرعبل. وذلك ما أردنا بيانه. فاعرفه.
وأما عقربان "مشدد1 الباء" فلك فيه أمران: إن شئت قلت: إنه لا اعتداد بالألف والنون فيه -على ما مضى- فيبقى حينئذ كأنه عقرب، بمنزلة قسقب2 وقسحب2 وطرطب3. وإن شئت ذهبت مذهبا أصنع من هذا. وذلك أنه قد جرت الألف والنون من حيث ذكرنا في كثير من كلامهم مجرى ما ليس موجودًا على بيننا. وإذا كان كذلك كانت الباء لذلك كأنها حرف الإعراب وحرف الإعراب قد يلحقه التثقيل في الوقف، نحو هذا خالد، وهو يجعل. ثم إنه قد يطلق ويقر تثقيله عليه نحو الأضخما4، وعيهل5. فكأن عقربانًا6 لذلك عقرب، ثم لحقتها التثقيل لتصور معنى الوقف عليها عند اعتقاد حذف الألف والنون من بعدها، فصارت كأنها عقرب ثم لحقها7 الألف والنون فبقي على تثقيله كما بقى "الأضخما" عند إطلاقه على تثقيله إذا8 أجرى9 الوصل مجرى الوقف، فقيل: عقربان، على ما شرحنا وأوضحنا. فتأمله ولا "يجف عليك"10 ولا تنب عنه، فإن له نظيرًا، بل نظراء، ألا تراهم قالوا في الواحد: سيد11، فإذا12 أرادوا الواحدة قالوا سيدانة، فألحقوا علم التأنيث بعد
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "بتشديد الباء".
2 هو الضخم.
3 هو الثدي المسترخى الطويل.
4 أي في قول الشاعر:
بده يجب الخلق الأضحما
5 أي في قول الراجز:
بيازل وجناء أو عيهل
6 كذا في د، هـ، ز، وفي ش؛ ط: "عقربان".
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لحقها".
8 في ش: "وإذا".
9 في ط: "جرى".
10 كذا في ش، وفي ز، ط: "تجف عليه".
11 هو الذئب.
12 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "وإذا".(3/213)
الألف والنون، وإنما يجب أن يلحق بعد حرف إعراب المذكر، كذئب وذئبة، وثعلب وثعلبة؛ وقد ترى إلى قلة اعتدادهم بالألف والنون في سيدانة، حتى كأنهم قالوا: سيدة. وهذا تناهٍ في إضعاف حكم الألف والنون. وقد1 قالوا: "الفرعل والفرعلان"2 والشعشع والشعشعان "والصحصح والصحصحان"3 بمعنى واحد فكأن اللفظ لم يتغير.
ومثل التثقيل في الحشو لنية الوقف ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر:
غضٌ نجارى طيب عنصري4
فثقل الراء من عنصري"5 وإن كانت الكلمة مضافة إلى مضمر. وهذا يحظر عليك الوقوف على الراء كما يثقلها6 في عنصر نفسه.
ومثله أيضًا قول الآخر:
يا ليتها قد خرجت من فمه7
فثقل آخر الكلمة وهي مضافة إلى مضمر، فكذلك8 حديث9 عقربان. فاعرفه فإنه غامض.
__________
1 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط.
2 في ش: "القرعبل والقرعيلان".
3 سقط ما بين القوسين في ش. وفي د، هـ، ز: "والضحضح والضحضحان" وفي ط: "والصحيح والصحيحان" وهذا تحريف عما أثبت، والصحصح الصحصحان: ما استوى من الأرض.
4 النجار: الأصل، وكذا العنصر.
5 كذا في ط، وفي ش، ز: "عنصر".
6 كذا في ش، وفي ز، ط: "تنقلها".
7 بعده:
حتى يعود الملك في أسطمه
وأسطم الشيء: معظمه، وانظر اللسان "فو".
8 في ط: "وكذلك".
9 سقط في د، هـ، ز.(3/214)
وأما مألك فإنه أراد: مألكة فحذف الهاء ضرورة، كما حذفها الآخر من قوله:
إنا بنو عمكم لا أن نباعلكم ... ولا نصالحكم إلا على ناح1
أراد: ناحية"2. وكذلك قوله الآخر:
ليوم روع أو فعال مكرم3
أراد: مكرمة، وقول الآخر4:
بثين الزمي لا إن لا إن لزمته ... على كثرة الواشين أي معون
أراد: أي معونة، فحذف التاء. وقد كثر حذفها في غير هذا.
وأما أصرى5 فإن أبا العباس استدركها. وقال6: وقد جاءت أيضا إصبع. وحدثنا أبو علي قال: قال إبراهيم الحربي: في إصبع وأنملة جميع ما يقول الناس. ووجدت بخط أبي علي: قال الفراء: لا يلتفت إلى ما رواه البصريون من قولهم: إصبع؛ فإنا بحثنا عنها فلم نجدها. وقد حكيت أيضا: زئبر وضئبل وخرفع؛ وجميع ذلك شاذ لا يلتفت إلى مثله؛ لضعفه في القياس، وقلته في الاستعمال. ووجه ضعف قياسه خروجك من كسر إلى ضم بناء لازما وليس بينهما إلا الساكن. ونحو منه ما رويناه عن قطرب من "قول بعضهم"7 في الأمر: اقتل، اعبد. ونحو منه8 في الشذوذ عن الاستعمال قول بعضهم: إزلزل، وهي كلمة تقال عند الزلزلة.
__________
1 "نباعلكم" أي تتزوج منكم وتتزوجوا منا. وقوله: "إلا على ناح" أي على ناحية وطرف من الأمر ولا نصالحكم صلحا خالصا مطلقا.
2 كذا في ط، وفي ش، ز: "ناجبة".
3 عزاه ابن السيد في الاقتضاب 469 للأخزر الحماني، وانظر شواهد الشافية ص68.
4 هو جميل، وانظر شواهد الشافية 67.
5 يقال، هذا لأمر متى أصرى أي عزيمة وجد.
6 كذا في ط، وفي ش: "فقال" وفي ز: "قال". وهذا الكلام لا يتصل بما قبله، فإنه في إصبع، وكأن في العبارة سقطا، والأظهر أن يضبط "أصبع" بفتح الهمزة وكسر الباء فيكون من باب أصرى إذا أصله: أصروي قبل الإدعام، وهذا بخلاف "أصبع" الآتي، فإنه بكسر الهمزة وضم الباء.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "نحو قولهم".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "من هذا".(3/215)
وينبغي أن تكون من معناها، وقريبة من لفظها، ولا تكون من حروف الزلزلة. وإنما حكمنا بذلك لأنها1 لو كانت منها لكانت إفعلل، فهو مع أنه مثال فائت فيه بلية من جهة أخرى. وذلك أن ذوات الأربعة لا تدركها الزيادة من أولها، إلا في الأسماء الجارية على أفعالها؛ نحو مدحرج وليس إزلزل من ذلك. فيجب أن تكون2 من لفظ الأزل ومعناه3. ومثاله فعلعل، نحو كذبذب فيما مضى.
وأما مد المقصور وقصر الممدود، والإشباع والتحريف فلا تعتد أصولا، ولا تثبت بها مثل، موافقة ولا مخالفة.
وقال4: الفعلال لا يأتي إلا مضاعفا5؛ نحو القلقال6 والزلزال. وحكى الفراء: ناقة بها خزعال، أي داء. وقال أوس7:
ولنعم مأوى المستضيف إذا دعا ... والخيل خارجة من القسطال
وقد يمكن أن يكون أراد: القسطل، فاحتاج، فأشبع الفتحة؛ على قوله:
ينباع من ذفرى
وقد8 جاء في شعر ابن ذريح سراوع اسم مكان؛ قال:
عفا سرفٌ من أهله فسراوع9
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لأنه".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يكون".
3 سقط في ز، ط.
4 أي سيبويه، وانظر الكتاب 2/ 338.
5 كذا في ش، وفي ز، ط: "مضعفا".
6 كذا في ش، وفي ز، ط: "القرقار".
7 يريد أوس بن حجر، والبيت من مقطوعة في ديوانه، في مرثية أبي دليجة، والقسطان: غيار الموقعة، والمستضيف المستغيث.
8 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط. وثبت في ش.
9 عجزه:
فرادى قديد فالتلال الدوافع
وانظر معجم البلدان في "سراوع".(3/216)
وقالوا: جلس الأربعاوي1.
وجاء الفرنوس في2 أسماء الأسد.
والحبليل3: دويبة يموت4 فإذا أصابه5 المطرعاش. وقالوا: رجل ويلمة6، وويلم للداهية. وهذا خارج على7 الحكاية، أي يقال له من دهائه: ويلمه، ثم ألحقت8 الهاء للمبالغة، كداهية ومنكرة9. وقد رووا قوله10:
وجلنداء في عمان مقيما
وإنما هو11: جلندى مقصورا. وكذلك ما أنشده12 من قول رؤبة:
ما بال عيني كالشعيب العين
حملوه على فيعل مما اعتلت عينه. وهو13 شاذ. وأوفق من هذا -عندي- أن يكون: فوعلا أو فعولا حتى لا يرتكب شذوذه. وكأن الذي سوغهم هذا ظاهر
__________
1 أي جلس متربعا.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "من".
3 ضبط في اللسان بفتح الباء، وفي القاموس بسكونها.
4 كذا في ش، وفي ز، ط: "تموت".
5 في ط: "جاء".
6 انظر نوادر أبي زيد 244، والخزانة في الشاهد الحادي عشر بعد المائتين.
7 كذا في ش، وفي ز، ط: "عن".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ألحقوه"، وفي ط: "ألحقوا".
9 سقط حرف العطف في د، هـ، ز.
10 أي الأعشى وما أورده صدر بيت عجزه:
ثم قيسا في حضرموت المنيف
وقبله:
وصحبنا من آل جفتة أملا ... كاكراما بالشأم ذات الرفيف
وبني المنذر الأشاهب بالحيـ ... ـرة يمشون غدوة كالسيوف
فقوله: "وحلنداء" معطوف على "أملاكا" وانظر الصبح المنير 211 وما بعدها.
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "رووه".
12 أي سيبويه. وانظر الكتاب 2/ 372، وص487 من الجزء الثاني من الخصائص.
13 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هذا".(3/217)
الأمر وأنه أيضا قد روى "العين" بكسر العين. وكذلك طيلسان مع الألف والنون: فيعل في الصحيح، على أن الأصمعي قد أنكر كسر اللام. وذهب أحمد بن يحيى وابن دريد في يستعور1 إلى أنه يفتعول. وليس هذا من غلط أهل الصناعة. وكذلك ذهب ابن الأعرابي في يوم أرونانٍ2 إلى أنه أفوعال من الرنة، وهذا كيستعورٍ في الفساد. ونحوه في الفساد قول أحمد بن يحيى في أسكفة3: إنها من استكف، وقوله في تواطخ القوم: إنه من الطيخ، وهو الفساد. وقد قال أمية:
إن الأنام رعايا الله كلهم ... هو السليطيط فوق الأرض مستطر4
ويروى السلطليط وكلاهما شاذ.
وأما صعفوق فقيل: إنه أعجمي. وهم خول5 باليمامة، قال العجاج:
من آل صعفوقٍ وأتباعٍ أخر6
وقد7 جاء في شعر أمية بن أبي عائذ:
مطاريح بالوعث مر الحشو ... ر هاجرن رماحه زيزفونا8
__________
1 هو اسم موضع، والمؤلف يريد أن "يسثعور" فعللول، وبذكر أن غلط ثعلب وابن دريد لا يصدر من أهل صناعة التصريف.
2 أي شديد والمؤلف يريد أن "أرونان" أفعلان من الرونة -بضم الراء- وهي الشدة لا من الرنة وهي الصوت.
3 هي عينة الباب، ويريد المؤلف أن "أسكفة" أفعلة من سكف، وليست من كف ويأخذها ثعلب من استكف مزيد كف أي انقبض، كأن الماشي يكف عندها وينقبض حتى يؤذن له.
4 "السليطيط" كذا في نسخ الخصائص، وفي اللسان: "السليطط" بفتح السين.
5 الحول: الخدم، الواحد خائل.
6 من أرجوزة له يمدح فيها عمر بن عبيد الله، كان ولى حرب الخوارج في عهد عبد الملك بن مروان، فأوقع بهم، ويريد بآل صعفوق الخوارج تحقيرا لهم، وانظر شواهد الشافية 4.
7 سقط هذا الحرف في ش، ط.
8 "مطاريح" من وصف الإبل، أي تطرح أيديها في السير، وهو مفعول "ترامت" قبله والحشور: جمع الحشر -بفتح الحاء وسكون الشين- وهو السهم المحدد اللطيف. والرماحة الزيزفون القوس السريعة، يذكر أن الإبل تطرح أيديها فتمر الأيدي كمر السهام زايلت قوسا مصؤنة سريعة والبيت من قصيدة يمدح فيها عبد العزيز بن مروان، وانظر شرح الهذليين للسكر 198.(3/218)
يعني قوسا. وهي في ظاهر الأمر: فيفعول من الزفن؛ لأنه ضرب من الحركة مع صوت. وقد يجوز أن يكون "زيزفون" رباعيا قريبا من لفظ الزفن. ومثله من الرباعي ديدبون.
وأما الماطرون1 فذهب أبو الحسن إلى أنه رباعي. واستدل على ذلك بكسر النون مع الواو ولو كانت زائدة لتعذر ذلك فيها.
ومثله الماجشون وهي ثياب مصبغة، قال2:
طال ليلى وبت كالمحزون ... واعترتني الهموم بالماطرون
وقال أمية الهذلي أيضا:
ويخفى بفيحاء مغبرة ... تخال القتام به الماجشونا3
وينبغي أن يكون السقلاطون4 على هذا خماسيا، لرفع النون وجرها مع الواو.
وكذلك أيضا نون أطرنون، قال5:
وإن يكن أطربون قطعها ... فإن فيها بحمد الله منتفعا
والكلمة بها خماسية كعضرفوط.
وضهيد6: اسم موضع. ومثله عتيد. وكلاهما مصنوع.
__________
1 وهو موضع بالشأم قرب دمشق.
2 في د، هـ، ز: "وقال" والقائل أبو دعبل الجمحي، وقيل: غيره، وانظر الخزانة 3/ 280، واللسان "خصر".
3 من قصيدته التي منها البيت السابق، وقوله: "يخفى" أي الترب المذكور قيل، وإن كان السكرى في شرحه يقول: "ويخفى أي يخفي شخص الرجل" وكتب خطأ "الرجل" يقول:"إن الترب يخفى في فيحاء أي صحراء واسعة تخال القنام فيها أي الغبار ثيابا مصبوغة.
4 هو ضرب من الثياب.
5 أي عبد الله بن سبرة الخرشي، كانت قطعت يده في بعض غزواته في الروم، فرثاها بقطعة منها هذا البيت، وانظر الأمالي 1/ 47، 48، وشرح الحماسة للتبريزي "التجارية" 2/ 58، والأطربون؛ الرئيس عند الروم.
6 هو بالضاد المعجمة، وذكره ياقوت في معجم البلدان بالصاد المهملة.(3/219)
وقيل: الخرنباش: نبت طيب الريح قال:
أتتنا رياح الغور من نحو أرضها ... بريح خرنباش الصرائم والحقل1
وقد2 يمكن أن يكون في الأصل خرنبش، ثم أشيعت فتحته فصار: خرنباش.
وحكى أبو عبيدة القهو باة3. وقد قال سيبويه: ليس في الكلام فعولى. وقد يمكن أن يحتج له، فيقال: قد يأتي مع الهاء ما لولا هي لما أتى نحو ترقوة وحذرية.
وأنشد ابن الأعرابي:
إن تك ذا بز فإن بزى ... سابغةٌ فوق وأي إوز4
قال أبو علي: لا يكون إوز من لفظ الوز لأنه قد5 قال6: ليس في الكلام إفعل صفة. وقد يمكن -عندى- أن يكون وصف به لتضمنه معنى الشدة كقوله7:
لرحت وأنت غربال الإهاب
وقد مضى ذكره. ويجوز أيضا أن يكون كقولك8: مررت بقائمٍ رجلٍ.
وقال أبو زيد: الزونك: اللحيم القصير الحياك في مشيه9. زاك يزوك زوكانا. فهذا يدل على أنه فعنل.
وقيل: الضفنط من الضفاطة، وهو الرجل الضخم الرخو البطن.
__________
1 في التاج "خربش" أن أبا حنيفة أنشده، وفيه "المقل" في مكان "الحقل".
2 سقط في د، هـ، ز، ط.
3 هي ضرب من نصال السهام.
4 البز: السلاح، والسابغة: الدرع، والوأى: الفرس السريع، والإوز: القصير الغليظ.
5 سقط هذا الحرف في د، هـ.
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ: ز: "يقال"، وقوله: "قال" أي سيبويه، وانظر الكتاب 2/ 316.
7 انظر ص223 من الجزء الثاني.
8 يريد أن يكون بدلا لا وصفا.
9 كذا في ش، ط. وفي ز: "مشيته". والحياك: المتبختر.(3/220)
وأما زونزك فإنه فونعل "فيجب أن يكونا من أصلين"1. وأما زوزى2 فإنه من مضاعف الواو. وهو فعلل كعدبس.
وحكى أبو زيد زرنوق3 بفتح الزاي، فهذا فعنول. وهو غريب. وجميع هذا شاذ. وقد تقدم في أول الباب4 وصف حاله، ووضوح العذر في الإخلال به "وقالوا5: تعفرت الرجل. فهذا6 تفعلت. وقالوا: يرنأ لحيته إذا صبغها باليرنأ "وهو الحناء"7 وهذا يفعل في الماضي. وما أغربه وأظرفه".
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش، وهي في ز بعد "الرخو البطن"، وفي ط بعد: "مضاعف الواو" وهو يريد الزونك والزونزك، فالأول أصله: "زوك": والثاني أصله: "ززك" فهما من أصلين لا من أصل واحد.
2 هو المتحذلق المتكايس.
3 هو بناء يبنى على البئر، وهما زرنوقان يثبت عليهما ما يعلق به البكرة.
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الكتاب".
5 سقط ما بين القوسين في ش.
6 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".
7 سقط ما بين القوسين في ز، وثبت في ط.(3/221)
باب في الحوار
...
باب في 1 الجوار:
وذلك في كلامهم على ضربين: أحدهما تجاور الألفاظ والآخر تجاور الأحوال.
فأما تجاور الألفاظ فعلى ضربين: أحدهما في المتصل، والآخر في المنفصل.
فأما المتصل فمنه مجاورة العين للام بحملها2 على3 حكمها. وذلك قولهم في صوم صيم ألا تراه4 قال: إنهم شبهوا باب صوم بباب عصى فقلبه بعضهم. ومثله قولهم في جوع: جيع؛ قال5:
بادرت طبختها لرهط جيع
وأنشدوا:
لولا الإله ما سكنا خضما ... ولا ظللنا بالمشاء قيما6
وعليه ما أنشده محمد بن حبيب من قوله7:
بريذينة بل البراذين ثفرها ... وقد شربت من آخر الصيف أيلا
أجاوز فيه أن يكون أراد: جمع لبن آئل أي خاثر، من قولهم: آل اللبن يئول8 إذا9 خثر، فقلبت العين حملا على قلب اللام10 كما تقدم.
ومن الجوار في المتصل قول جرير11:
لحب لمؤقدان إلي مؤسى
وقد ذكرنا أنه تصور الضمة -لمجاورتها الواو- أنها12 كأنها فيها، فهمزها كما تهمز في أدؤرٍ13 والنؤور14، ونحو ذلك.
__________
1 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.
2 كذا في ش، وفي ط: "فحكمها" وفي د، هـ، ز "حكمها".
13 في ط: "وعلى".
4 أي سيبويه، وانظر الكتاب 2/ 370.
5 أي الحادرة، وصدره:
ومعرض تغلي المراجل تحته
والمعرض في اللحم الذي لم يبلغ نضجه، والرواية، "طبخته" أي المعرض، وهو من قصيدة مفضلية.
6 خضم: موضع في بلاد تميم، والمشاء، تناسل المال وكثرته، ويروى: "بالمشائي" وهو جمع المشئاة، وهو المكتل أي ما يعمل من الخوص ونحوه، يخرج به تراب البئر.
7 أي النابغة الجعدي، والبيت من كلمة له في هجاء ليلى الأخيلية، ويريذينه تصغير برذونة والبراذ بن الخبل ما كان من غير نتاج العراب، والثفر: الفرج، يشبهها ببرذونة نزا عليها البراذين، وكانت مغتلمة، فإن شرب الإبل يهيج الشهوة ويزيد الغلمة، وانظر اللسان "أول" والخزانة 3/ 31.
8 سقط في ش.
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أي".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "العين".
11 انظر ص151 من هذا الجزء.
12 سقط في د، هـ، ز، وثبت في ش، ط.
13 جمع دار.
14 هو دخان الشحم يعالج به الوشم حتى يخضر، وتسميه العامة النيلج، كما في المصباح.(3/222)
وعليه أيضا أجازوا النقل لحركة الإعراب إلى ما قبلها في الوقف؛ نحو هذا بكر، ومررت ببكر؛ ألا تراها لما جاورت اللام بكونها في العين، صارت لذلك كأنها في اللام لم تفارقها.
وكذلك أيضا قولهم: شابة ودابة، صار فضل الاعتماد بالمد في الألف كأنه تحريك للحرف الأول المدغم، حتى كأنه لذلك لم يجمع بين ساكنين. فهذا نحو من الحكم على جوار الحركة للحرف.
ومن جوار المتصل استقباح الخليل نحو العقق1، مع الحمق، مع المخترق. وذلك لأن هذه الحركات قبل الروى المقيد لما جاورته وكان الروى في أكثر الأمر وغالب العرف مطلقا لا مقيدا صارت الحركة قبله كأنها فيه فكاد يلحق ذلك بقبح الإقواء. وقد تقدم ذكر نحو هذا. وله نظائر.
وأما الجوار في المنفصل فنحو ما ذهبت الكافة إليه في قولهم: هذا حجر ضب خرب وقول الحطيئة:
فإياكم وحية بطن واد ... هموز الناب ليس لكم بسي2
__________
1 يريد ما ورد في أرجوزة رؤبة التي أولها:
وقاتم الأعلام خاوي المخترق
2 قبله:
فأبلغ عامرا عني رسولا ... رسالة ناصح بكم حفي
يريد: قبيلة عامر بن صعصعة، ورسولا أي رسالة، والحفي: المشفق اللطيف، وقوله: فإياكم وحيه ... يعني فقسه، والهنوز من الهمز وهو الغمز والضغط، وقوله: ليس لكم يسي، فالسي: المثل أي لا تستوون معه، بل هو أشرف منك، يقول: "إنه يحمي ناحيته ويتقى كما تتقى الحية الحامية ليطن ودايها.. وانظر الخزانة 2/ 321.(3/223)
فيمن جر "هموز الناب" وقول الآخر1:
كأن نسج العنكبوت المرمل2
"وإنما صوابه المرملا"3 وأما قوله4:
كبير أناس في بجاد مزمل
فقد يكون5 أيضا على هذا النحو من الجوار. فأما عندنا نحن فإنه أراد: مزمل فيه، فحذف حرف الجر، فارتفع الضمير فاستتر في اسم المفعول. وقد ذكرنا هذا أيضا.
وتجد في تجاور المنفصلين ما هو لاحق بقبيل المنفصل الذي أجرى مجرى المتصل في نحو قولهم: ها الله ذا، أجروه في الادغام مجرى دابة وشابة6 ومنه قراءة بعضهم: {فَلَا تَتَنَاجَوْا} 7 و {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا} 8 "بإثبات الألف في ذا ولا"9. ومنه ما رأيته أنا في إنشاد أبي زيد:
من أي يومي من الموت أفر ... أيوم لم يقدر أم يوم قدر10
__________
1 كذا في ش، ظ، وفي د، هـ، ز: "العجاج".
2 بعده:
على ذرى قلامه المهدل ... سبوب كتان بأيدي الغزل
المرمل: المنسوخ: والقلام: نبت، والمهدل: المسترسل، والسبوب الشقق أي قطع الكتان، وقوله: "قلامه" أي قلام المنهل المذكور قبله، يقول: كأن نسج العنكبوت على ما ثبت حول ذلك المنهل من القلام ونحوه كتان بأيدي الغازلات، وانظر الخزانة 2/ 327، والكتاب 1/ 217.
3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، وثبت في ش، ط.
4 أي امرئ القيس، وصدره:
كأن ثييرا في عرانين وبله
وانظر الخزانة 2/ 327
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يلقى".
6 سقط في د، هـ، ز.
7 آية 9 سورة المجادلة.
8 آية 38 سورة الأعراف.
كذا في د، هـ، ز وفي: "بإثبات ألف ذا ولا" وسقط ما بين القوسين في ش.
9 انظر ص96 من هذا الجزء.(3/224)
أعني فتح راء يقدر. وقد ذكرته. فهذا طريق تجاور الألفاظ وهو باب.
وأما تجاور الأحوال "فهو غريب"1. وذلك أنهم لتجاور الأزمنة ما يعمل في بعضها ظرفا ما لم يقع فيه من الفعل، وإنما وقع فيما يليه؛ نحو قولهم: أحسنت إليه إذا أطاعني، وأنت لم تحسن إليه في أول وقت الطاعة وإنما أحسنت إليه في ثاني ذلك ألا ترى أن الإحسان مسبب عن الطاعة وهي كالعلة له ولا بد من تقدم وقت السبب على وقت المسبب كما لا بد من ذلك مع العلة. لكنه لما تقارب الزمانان2، وتجاورت الحالان، في الطاعة والإحسان، أو الطاعة، واستحقاق الإحسان صارا3 كأنهما إنما وقعا في زمان واحد4. ودليل ذلك أن "لما" من قولك: لما أطاعني أحسنت إليه، إنما هي منصوبة بالإحسان وظرف له، كقولك5: أحسنت إليه وقت طاعته، وأنت لم تحسن إليه لأول وقت الطاعة وإنما كان الإحسان في ثاني ذلك أو ما يليه ومن شرط الفعل إذا نصب ظرفا أن يكون واقعا فيه أو في بعضه، كقولك: صمت يوما، وسرت فرسخا، وزرتك يوم الجمعة وجلست عندك. فكل واحد من هذه الأفعال واقع في الظرف الذي نصبه لا محالة ونحن نعلم أنه لم يحسن إليه إلا بعد أن أطاعه لكن لما كان الثاني مسببا عن الأول وتاليا له فاقتربت الحالان، وتجاور الزمانان صار الإحسان؛ كأنه إنما هو والطاعة في زمان واحد، فعمل الإحسان في الزمان الذي يجاور وقته، كما يعمل في الزمان الواقع فيه6 هو نفسه. فاعرفه.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "وهو الغريب".
2 كذا في ط، وفي ز، ش: "الزمان" وقد يكون محرقا عن "الزمانان".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "صار".
4 سقط في د، هـ، ز.
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لقولك".
6 سقط في د، هـ، ز.(3/225)
فيصير معناه لا إعرابه: ولن ينفعكم إذ ظلمتم اشتراككم اليوم في العذاب، فينتزع من معنى {مُشْتَرِكُونَ} ما يعمل في "اليوم" على حد قولنا في قوله -سبحانه: {أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} 1 في أحد الأقوال2 الثلاثة فيه، وعلى قوله تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ} 3 وإذ أنت فعلت هذا أيضا لم تخرج به من أن يكون "إذ ظلمتم" في اللفظ معمولا لقوله "لن ينفعكم" لما ذكرنا من الجوار، وتلو الآخرة الأولى بلا فصل.
وكأنه إنما جاء هذا النحو في الأزمنة دون الأمكنة، من حيث كان كل جزء من الزمان لا يجتمع مع جزء آخر منه إنما يلي الثاني الأول خالفا له وعوضا منه. ولهذا قيل -عندى- للدهر عوض -وقد ذكرت هذا في كتابي في التعاقب- فصار الوقتان كأنهما واحد وليس كذلك المكان؛ لأن المكانين يوجدان في الوقت الواحد بل في أوقات كثيرة غير منقضية. فلما كان المكانان بل الأمكنة كلها تجتمع في الوقت الواحد والأوقات كلها لم يقم بعضها مقام بعض ولم يجر مجراه. فلهذا لا نقول4: جلست في البيت من خارج أسكفته وإن كان ذلك موضعا يجاور البيت ويماسه لأن البيت لا يعدم فيكون5 خارج بابه نائبا عنه، وخالفا6 في الوجود له كما يعدم الوقت فيعوض منه ما بعده.
__________
1 آية 8 سورة هود، وانظر ص42 من الجزء الثاني.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أقوال".
3 آية 22 سورة الفرقان، وفي البحر لأبي حيان 6/ 492: "يوم يرون الملائكة منصوب بأذكر وهو أقرب، أو بفعل يدل عليه "لابشرى" أي منعون البشرى، ولا يعمل فيه "لا بشرى" لأنه مصدره، ولأنه منفي بلا للتي لنفي الجنس؛ لأنه لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وكذا الداخلة على الأسماء عاملة عمل ليس".
4 كذا في ش، ط. وفي ز: "يقول".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فيقوم".
6 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مخالفا".(3/228)
فإن قلت: فقد تقول: سرت من بغداد إلى البصرة نهر1 الدير، قيل: ليس هذا من2 حديث الجوار في شيء، وإنما3 هو من باب4 بدل البعض؛ لأنه بعض طريق البصرة؛ يدل على ذلك أنك لا تقول: سرت من بغداد إلى البصرة "نهر الأمير؛ لأنه أطول من طريق البصرة"5 زائدة6 عليه، والبدل لا يجوز إذا كان "الثاني أكثر من الأول، كما يجوز إذا كان"7 الأول أكثر من الثاني؛ ألا ترى أنهم لم يجيزوا أن يكون "ربع" من قوله:
اعتاد قلبك من سلمى عوائده ... وهاج أهواءك المكنونة الطلل
ربع قواء أذاع المعصرات به ... وكل حيران سار ماؤه خضل8
بدلا من "الطلل"؛ من حيث كان الربع أكثر من الطلل. ولهذا ما حمله سيبويه على القطع والابتداء، دون البدل والإتباع "هذا9 إن" أردت بالبصرة حقيقة نفس البلد. فإن أردت جهتها وصعقها جاز: انحدرت من بغداد إلى البصرة نهر الأمير. وغرضنا فيما قدمناه أن تريد "بالبصرة"10 نفس البلد البتة.
__________
1 في ياقوت أنه نهر كبير بين البصرة ومطارى، وأنه سمي بذلك لدير كان على فوهته يقال له دير الدهوار، ولم يتكلم على مطارى في مظنتها، ويؤخذ من حديث المؤلف أن هذا النهر بين بغداد والبصرة.
2 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.
3 سقط في حرف العطف في ش، ط.
4 سقط في ش.
5 سقط ما بين القوسين في ش، ونهر الأمير بالبصرة حفره المنصور، كان يقال له: نهر أمير المؤمنين، وقيل: نهر الأمير، كما في ياقوت.
6 في ط: "وزائد".
7 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
8 القواء: القفر، وأذاع: فرق وغير، والمعصرات: السحاب ذوات المطر، وأراد بالحيران سحابا تردد بمطره عليه ولازمه فهو كالحيران، والخضل: الغزير. وقد نسب البغدادي في شواهد المغني البيتين إلى عمر بن أبي ربيعة، وذلك في الشاهد الرابع والثلاثين بعد الثمانمائة، وانظر الكتاب وكتابة الأعلم على شواهده في ص142 ج1.
9 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "وإن".
10 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.(3/229)
وهذا التجاور الذي ذكرناه في الأحوال والأحيان لم يعرض له أحد من أصحابنا. وإنما ذكروا تجاور الألفاظ فيما1 مضى. وقد مر بنا شيء من هذا النحو في المكان؛ قال:
وهم إذا الخيل جالوا في كواثبها2
وإنما يجول الراكب في صهوة الفرس لا في كاثبته3، لكنهما لما تجاورا جريا مجرى الجزء الواحد.
باب في نقض الأصول وإنشاء أصول "غيرها منها"4:
رأيت أبا علي -رحمه الله- معتمدا هذا الفصل من العربية، ملما به، دائم التطرق له والفزع فيما يحدث5 إليه. وسنذكر من أين أنس به، حتى عول في كثير من الأمر عليه.
وذلك كقولنا6: بأبأت بالصبى بأبأة وبئباء إذا قلت له: بئبا7. وقد علمنا أن أصل هذا أن الباء حرف جر، والهمزة فاء الفعل، فوزن هذا على هذه المقدمة: بفبفت بفبفة وبفبافا، إلا أنا لا نقول مع هذا: إن هذه المثل على ما ترى، لكن نقول: إن بأبأت الآن بمنزلة رأرأت8 عيناه، وطأطأت رأسي، ونحو ذلك مما ليس متنزعا ولا مركبا. فمثاله9 إذا: فعللت فعللة وفعلالا، كدحرجت دحرجة ودحراجا.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "على ما".
2 الكواثب جمع الكاثبة، وهي من الفرس مجتمع كنفية قدام السرج.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كواثبه"، وقوله: "تجاورا جريا" كذا والواجب أن يقال "تجاورتا جريا" إذا الحديث عن الصهوة والكاثية ولكنه راعي أنهما جزءان.
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "منها غيرها".
5 كذا في ش، وفي د، ط: "يحزبه"، وفي هـ، ز: "يحزنه".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كقولك".
7 رسم في ش: "بأبأ" وفي ز، ط: "بيبا" وهو على تخفيف الهمزة، والمراد أن يقول له: بأبى أنت أي أفديك بأبى.
8 أي تحركت حدقتاهما وداوتا.
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز" ط: "فمثالها".(3/230)
ومن ذلك قولهم: الخاز باز1. فالألف عندنا فيهما2 أصل، بمنزلة ألف كافٍ ودال. وذلك لأنها أسماء مبينة3 وبعيدة عن التصرف والاشتقاق. فألفاتها إذًا أصول فيها كألفات، ما، ولا، وإذا، وألا، وإلا، وكلا، وحتى. ثم إنه قال:
ورمت لهازمها من الخزباز4
فالخزباز الآن بمنزلة السربال والغربال، وألفه محكوم عليها بالزيادة كألفهما؛ ألا ترى الأصل كيف استحال زائدا، كما استحالت "باء الجر الزائدة في بأبي أنت فاء في بأبأت بالصبى. وكذلك أيضا استحالت"5 ألف قافٍ "ودالٍ ونحوهما"6 وأنت تعتقد "فيها كونها أصلا"7 غير8 منقلبة، إلى اعتقادك فيها القلب، لما اعتزمت فيها الاشتقاق. وذلك قولك: قوفت قافا، ودولت دالا. وسألني أبو علي -رحمه الله- يوما عن إنشاد أبي زيد:
فخير نحن عند الناس منكم ... إذا الداعي المثوب قال يالا9
فقال: ما تقول في هذه الألف من قوله: بالا، يعنى الأولى. فقلت: أصل، لأنها كألف ما، ولا، ونحوهما. فقال: بل هي الآن محكوم عليها بالانقلاب، كألف باب ودار. فسألته عن علة ذلك، فقال: لما خلصت بها10 لام الجر من بعدها
__________
1 هو ورم في حلق الحيوان.
2 في ش: "فيها".
3 سقط حرف العطف في د، هـ، ز.
4 صدره
مثل الكلاب تهر عند درابها
وهرير الكلب صوته، وهو دون النباح، والدراب جمع درب، واللهازم جمع لهزمة، وهي لحمة في أصل الحنك، شبه قوما بالكلاب النابحة عند الدروب، وانظر الكتاب 2/ 51، واللسان "خوز".
5 سقط ما بين القوسين في ش.
6 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "ونحوها ودال ونحوها"، وفي ش: "ودال".
7 كذا في ز، ط، وفي ش: "فيهما أيضا".
8 في ط: "غير".
9 انظر ص277 من الجزء الأول.
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "به".(3/231)
وحسن قطعها، والوقوف عليها، والتعليق لها في قوله: يا لا أشبهت يال1 هذه الكلمة الثلاثية التي عينها ألف، فأوجب القياس أن يحكم عليها بأنها كباب، وساق، ونحو ذلك. فأنقت لذلك، وذهب بي2 استحساني إياه3 كل مذهب.
وهذا الحديث الذي نحن الآن عليه هو الذي سوغ عندى أن يكتب نحو قوله4:
يال بكر أنشروا لي كليبا
ونحو ذلك مفصولة اللام الجارة عما جرته. وذلك أنها حيزت إلى "يا" من قبلها حتى صارت "يال" كباب ودار، وحكم على ألفها "من الانقلاب"5 بما يحكم به على العينات إذا كن ألفات. وبهذا أيضا نفسه يستدل على شدة اتصال حروف6 الجر بما تدخل7 عليه من الأفعال لتقويه8 فتعديه9؛ نحو مررت بزيد ونظرت إلى جعفر، ألا ترى أن لام الجر "في نحو"10 يالزيد دخلت موصلة لـ"يا" إلى المنادى،
__________
1 كذا في ز، ط. وفي ش: "يالا".
2 كذا في ط، وفي د، هـ، ز: "به". وسقط في ش.
3 سقط في د، هـ، ز.
4 أي المهلهل، وعجزه:
يال بكر أين أين الفرار
والإنشار: إحياء الميت، ويقول الأعلم: "والمعنى: بالبكر أدعوكم لأنفسكم مطاليا لكم في إنشار كليب وإحيائه، وهذا منه استطالة ووعيد، وكانوا قد قتلوا كليبا أخاه في أمر البسوس، وخيرها مشهور"، وانظر الكتاب 1/ 318، والخزانة في الشاهد العاشر بعد المائة.
5 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "بالانقلاب".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "حرف".
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يدخل".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ليفويه".
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فيعديه".
10 كذا في ط، وفي ش: "في"، وفي د، هـ، ز: "نحو".(3/232)
كما توصل الباء الفعل في نزلت بك وظفرت به. وقد تراها محوزة إلى "يا" حتى قال "يالا" فعلق حرف الجر، ولو لم يكن لاحقا بـ "يا"1 وكالمحتسب جزءا منها2، لما ساغ تعليقه دون مجروره؛ نحو قوله: يال بكر ويال الرجال ويال الله و:
يا لك من قبرة بمعمر3
ونحو ذلك. فاعرفه غرضا4 اعتن فيما كنا فيه فقلنا عليه. وإن فسح في المدة أنشأنا كتابا في الهجاء وأودعناه ما5 هذه سبيله وهذا شرحه، مما لم تجر عادة بإيداع مثله6. "ومن الله المعونة"7.
ومما كنا عليه ما حكاه الأصمعي من أنهم إذا قيل لهم، هلم إلى كذا، فإذا أرادوا الامتناع منه قالوا: لا أهلم فجاءوا8 بوزن أهريق وإنما هاء هلم9 ها في التنبيه في نحو10 هذا وهذه؛ ألا ترى إلى قول الخليل فيها: إن أصلها هالم بنا، ثم حذفت الألف تخفيفا، وهاء أهريق إنما هي بدل من همزة أرقت، لما صارت إلى هرقت وليست من حديث التنبيه في قبيل ولا دبير.
ومن ذلك قولهم في التصويت11: هاهيت وعاعيت وحاحيت؛ فهذه الألف عندهم الآن في موضع العين ومحكوم عليها بالانقلاب، وعن الياء أيضا، وإن كان أصلها
__________
1 سقط حرف العطف في د، هـ، ز.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "منه".
3 بعده:
خلا لك الجو قبيضى وأصفرى
والقبرة: طائر. ومعمر: موضع بعينه، وهو من أرجوزة تنسب إلى طرفة، ويرى ابن برى أنها لكليب وانظر اللسان "قبر".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "عرضا". واعتن: ظهر واعترض.
5 كذا في ش، وفي ز، ط: "مما".
6 في ط: "مثله مثله".
7 في ط: "من الله عز وجل بالمعونة".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فجاء".
9 كذا في ط، وفي ز: "ها ها" وفي ش: "هاؤها".
10 سقط هذا الحرف في ش.
11 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "التصريف".(3/233)
ألفا أصلا1 في قولهم: هاء وعاء وحاء. فهي2 هنا كألف قاف وكاف ودال ولام3 أصل غير زائدة ولا منقلبة، وهي في هاهيت وأختيها "عين منقلبة"4 عن ياء عندهم، أفلا ترى إلى استحالة التقدير فيها، وتلعب الصنعة بها.
ونحو من ذلك قولهم: دعدعت بالغنم5 إذا قلت لها: داع داع6، وجهجهت بالإبل7 إذا قلت لها: جاه جاه8، فجرى9 دعدعت وجهجهت عندهم الآن مجرى قلقلت وصلصلت10 ولو راعيت أصولها وعملت11 على ملاحظة أوائل أحوالها، لكانت12 فلفلت؛ لأن الألف التي هي عين عند تجشم التمثيل في13 داع وجاه، قد حذفت ودعدعت وجهجهت. وقد كنت عملت14 كتاب الزجر عن ثابت بن محمد، وشرحت أحوال تصريف ألفاظه واشتقاقها فجاء منه شيء صالح وطريف. وإذا ضممته15 إلى هذا الفصل كثر به؛ وأنس بانضمامه إليه.
__________
1 سقط في ش.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهي".
3 سقط في ش.
4 في ط: "عين غير منقلبة"، وفي ز، ش: "غير منقلبة" ويبدو أن الأصل ما أثبت، وأن "غير" حرفت عن "عين"، وجمع في ط بين الأصل والمحرف.
5 كذا في ش، ط، وفي هـ، ز: "الغنم".
6 سقط في ش.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الإبل".
8 ثبت في ط، وسقط في ز، ش.
9 في ش: "لجري".
10 سقط في ش.
11 في ز، ط: "علمت".
12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لكانتا".
13 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.
14 أي شرحت، كما فسره بالعطف.
15 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أضفته".(3/234)
باب في الامتناع من نقض الغرض:
اعلم أن هذا المعنى الذي تحامته العرب -أعني امتناعها من نقض أغراضها1- يشبه البداء2 الذي تروم اليهود إلزامنا إياه في نسخ الشرائع وامتناعهم منه إلا3 أن الذي رامته العرب من4 ذلك صحيح على السير، والذي ذهبوا هم إليه فاسد غير مستقيم. وذلك أن نسخ الشرائع ليس ببداءٍ5 عندنا؛ لأنه ليس نهيا عما أمر الله تعالى به، وإنما هو6 نهى عن مثل ما أمر الله تعالى به في وقت آخر غير الوقت الذي كان -سبحانه- أمر بالأول فيه؛ ألا ترى أنه -عز اسمه- لو قال لهم: صوموا يوم كذا ثم نهاهم عن الصوم فيه فيما بعد لكان إنما نهاهم عن مثل ذلك الصوم، لا عنه نفسه. فهذا7 ليس بداء8. لكنه لو قال: صوموا يوم الجمعة ثم قال لهم قبل مضيه: لا تصوموه9 لكان -لعمري- بداء10 وتنقلا، والله -سبحانه- يجل عن هذا؛ لأن فيه انتكاثا، وتراجعا، واستدراكا، وتتبعا. فكذلك11 امتناع العرب من نقض أغارضها هو في الفساد12 مثل ما نزهنا القديم -سبحانه- عنه من البداء13.
فمن ذلك امتناعهم من ادغام الملحق؛ نحو جلبب14، وشملل، وشربب "ورمدد ومهدد"15 وذلك أنك إنما16 أردت بالزيادة والتكثير17 البلوغ إلى مثال معلوم، فلوا ادغمت
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الغرض".
2 في ط: "البدء" والبداء: استصواب شيء علم بعد أن لم يعلم، وذلك على الله غير جاز، كما في اللسان.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ألا ترى".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "في".
5 في ط: "بيد".
6 في ز: "هي".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".
8 كذا في ش، وفي ط: "بدأ" وفي ز: "بده".
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تصوموا فيه".
10 كذا في ش، وفي ط: "بدأ"، وفي ز: "بدا".
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز. ط: "وكذلك".
12 أي في تجنب الفساد.
13 كذا في ش، وفي ز، ط: "البدء".
14 يقال: جلببه أي ألبسه الجلباب، وهو القميص، وشملل: أسرع. وشريب: اسم موضع. ويقال رماد رمد: كثير دقيق جدا، ومهدد: اسم امرأة.
15 سقط ما بين القوسين في ش.
16 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "إذا".
17 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "التكرير".(3/235)
في نحو شربب فقلت: شرب لا تنقض غرضك الذي اعتزمته: من مقابلة الساكن بالساكن والمتحرك بالمتحرك فأدى ذلك إلى ضد ما اعتزمته ونقض ما رمته. فاحتمل التقاء المثلين متحركين لما ذكرنا من حراسة هذا الموضع وحفظه.
ومن ذلك امتناعهم من تعريف الفعل. وذلك أنه إنما الغرض فيه إفادته فلابد من1 أن يكون منكورا لا يسوغ تعريفه2؛ لأنه لو كان معرفة لما كان مستفادا لأن المعروف قد غنى بتعريفه عن اجتلابه3 ليفاد من جملة الكلام. ولذلك قال أصحابنا: اعلم أن حكم الجزء المستفاد من الجملة أن يكون منكورا، والمفاد هو الفعل لا الفاعل. ولذلك4 لو أخبر بما لا شك فيه لعجب منه وهزئ "من قوله"5. فلما كان كذلك لم يجز تعريف ما وضعه على التنكير؛ ألا تراه يجرى وصفا على النكرة وذلك6 نحو مررت برجل يقرأ، فهذا كقولك: قارئٍ، ولو كان معرفة لاستحال جريه وصفا على النكرة.
ومن ذلك امتناعهم من إلحاق "من" بأفعل7 إذا عرفته باللام؛ نحو الأحسن منه8، والأطول منه. وذلك أن "من" -لعمري-9 تكسب ما يتصل به: من أفعل هذا10 تخصيصا ما، ألا تراك لو قلت: دخلت البصرة فرأيت أفضل من ابن سيرين لم يسبق
__________
1 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط.
2 في ز، ط: "تعرفه".
3 كذا في ز، ط، وفي ش: "اختلافه".
4 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "وكذلك".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "بقوله".
6 سقط في ش، ط.
7 في ط: "أفعل".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "منك"، وفي ط: "منكن".
9 سقط في ش.
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "هذه".(3/236)
الوهم إلا إلى الحسن رضي الله عنه "فبمن ما صحت لك"1 هذه الفائدة، وإذا قلت: الأحسن أو الأفضل أو نحو ذلك فقد استوعبت اللام من التعريف أكثر مما تفيده "من" حصتها من التخصيص، فكرهوا أن يتراجعوا بعد ما حكموا به من قوة التعريف إلى الاعتراف بضعفه، إذا هم أتبعوه من الدالة2 على حاجته إليها، وإلى قد ما تفيده: من التخصيص المفاد منه.
فأما ما ظن أبو عثمان الجاحظ من أنه يدخل على قول أصحابنا "في هذا من قول الشاعر"3:
فلست بالأكثر منهم حصى ... وإنما العزة للكاثر
فساقط عنهم4. وذلك أن "من" هذه ليست هي التي تصحب "أفعل" هذا5 لتخصيصه، فيكون ما رامه أبو عثمان من جمعها مع لام التعريف. وذلك لأنها إنما6 هي حال من تاء "لست"؛ كقولك: لست فيهم بالكثير مالا، ولا أنت منهم7 بالحسن وجها، أي لست من بينهم وفي جملتهم بهذه8 الصفة، كقولك: أنت والله من بين الناس حر وزيد من جملة رهطه كريم.
__________
1 كذا في ط، وكذا هو في د، هـ. ز، غير أن "فبمن" حرفت فيهن إلى "فيمن" وفي ش: "فيمن تحت".
2 في ش: "الدلالة".
3 كذا في ش، وفي ط: "في هذا من قول الأعشى"، وفي د، هـ، ز: "من قول الأعشى"، وانظر البيت في ص186 من الجزء الأول.
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "عليهم".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "هذه".
6 سقط في ز.
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فيهم".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فهذه".(3/237)
ومن ذلك امتناعهم من إلحاق علم التأنيث لما فيه علمه، حتى دعاهم ذلك إلى أن قالوا: مسلمات، ولم يقولوا مسلمتات، لئلا يلحقوا "علامة تأنيث مثلها"1. وذلك أن إلحاق علامة2 التأنيث إنما هو ليخرج المذكر قبله إليه وينقله إلى حكمه فهذا3 أمر يجب عنه وله أن يكون ما نقل إلى التأنيث قبل نقله إليه مذكرا كقائم من4 قائمة وظريف من4 ظريفة. فلو ذهبت تلحق العلامة العلامة5 لنقضت الغرض. وذلك أن التاء في قائمة قد أفادت تأنيثه وحصلت له حكمه فلو ذهبت تلحقها علامة أخرى فتقول: قائمتات لنقضت ما أثبت6 من التأنيث الأول، بما تجشمته من إلحاق علم التأنيث الثاني له؛ لأن في ذلك إيذانا بأن الأول به لم يكن مؤنثا، وكنت أعطيت اليد بصحة تأنيثه لحصول ما حصل فيه من علمه، وهذا هو النقض والبداء7 البتة. ولذلك أيضا لم يثن الاسم المثنى؛ لأن ما حصل فيه من علم التثنية مؤذن بكونه إثنين، وما يلحقه من علم التثنية ثانيا يؤذن بكونه في الحال الأولى مفردا؛ وهذا هو الانتقاض والانتكاث لا غير.
فإن قلت: فقد يجمع الجمع؛ نحو أكلب وأكالب "وأسقية وأساقٍ"8 فكيف القول في ذلك؟
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "علم تأنيث مثله"، وفي ط: "علم التأنيث مثله".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "علم".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".
4 في ط: "و".
5 كذا في د، هـ، وسقط في ز، ش، ط.
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أثبته".
7 كذا في ش، وفي ز، ط: "البدء".
8 سقط ما بين القوسين في ش، والسقاه: القرية تكون للماء واللبن.(3/238)
قيل له: فرق بينهما أن علمي1 التأنيث في "مسلمات لو قيل مسلمتات"2 لكانا لمعنى واحدٍ3 وهو التأنيث فيهما جميعًا، وليس كذلك معنيا التكسير في أكلب وأكالب. وذلك أن معنى أكلب أنها دون العشرة ومعنى أكالب أنها للكثرة التي4 أول رتبتها5 فوق العشرة. فهذان معنيان -كما تراهما- اثنان، فلم ينكر اجتماع لفظيهما، لاختلاف معنييهما6.
فإن قلت: فهلا أجازوا -على هذا- مسلمتات، فكانت7 التاء الأولى لتأنيث الواحد، والتاء8 الثانية لتأنيث الجماعة؟
قيل: كيف تصرفت الحال فلم تفد واحدة من التاءين شيئًا غير التأنيث البتة. فأما عدة المؤنث في إفراده وجمعه فلم يفده العلمان فيجوز اجتماعهما؛ كما جاز تكسير التكسير في نحو أكلب وأكالب.
فإن قلت: فقد يجمع أيضًا الكثرة، نحو بيوت وبيوتات وحُمُر وحُمُرات ونحو قولهم: صواحبات يوسف، ومواليات العرب؛ وقوله:
قد جرت الطير أيامنينا9
فهذا جمع أيامن، وأنشدوا:
فهن يعلكن حدائداتها10
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "علم".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "مسلتمات لو قبل" وفي ط: "مسلتمات لو قيلا".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بمعنى".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "و".
5 في د: "مرتبتها".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مقاديهما".
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "وكانت".
8 سقط في ش.
9 ورد مع شطرين آخرين في اللسان "يمن".
10 ذكر في اللسان "حدد" أنه للأحمر في نعت الخيل.(3/239)
وكسروا أيضا مُثُل1 الكثرة؛ قال2:
عقابين يوم الدجن تعلو وتسفل
وقال آخر3:
ستشرب كأسا مرة تترك الفتى ... تليلا لفيه للغرابين والرخم4
وأجاز أبو الحسن في قوله:
في ليلة من جمادى ذات أندية5
أن يكون كسر ندى على نداء؛ كجبل وجبال، ثمم كسر نداء على أندية، كرداء وأردية.
قيل: جميع ذلك و"ما كان"6 مثله -وما أكثره! - "إنما7 جاز" لأنه لا ينكر أن يكون جمعان أحدهما أكثر من صاحبه وكلاهما مثال الكثرة ألا ترى أن مائة للكثرة وألفا أيضا كذلك وعشرة آلاف أيضا كذلك ثم على8 هذا ونحوه. فكأن بيوتا مائة، وبيوتات مائة ألف، وكأن عقبانا خمسون وعقابين أضعاف ذلك. وإذا كان ذلك علمت اختلاف المعنيين لاختلاف اللفظين. وإذا آل بك الأمر إلى هذا لم "تبق وراءه مضطربا"9 فهذا قول10.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مثال".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فقال"، وورد الشطر في اللسان "عقب" غير معزو ولا موصول.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الآخر".
4 قليلا أي صريعا، والرخم واحدة رخمة، وهو طائر كالنسر.
5 انظر ص54 من هذا الجزء.
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "وغيره مما هو".
7 كذا في ط. وفي ز: "إنما جاء" وسقط هذا في ش.
8 سقط هذا الحرف في ش.
9 كذا في ط، وفي ز: "يبق وراءه مضطربا"، وفي ش: "يبق وراءه مضرب".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "جواب".(3/240)
وجواب1 ثان: أنك إنما تكسر نحو أكلب وعقبان ونداء لمجئ كل واحد من ذلك على أمثلة الآحاد وفي طريقها، فلما جاءت هذا المجئ جرت مجرى الآحاد فجاز تكسيرها، كما يجوز تكسيرها2؛ ألا ترى أن لذلك ما جاز صرفها، وترك الاعتداد بمعنى الجمعية فيها، لما3 جاءت مجيء الآحاد، فصرف كلاب؛ لشبهه بكتاب، وصرف بيوت، لشبهه "بأتى وسدوس"4 ومرور5؛ وصرف عقبان؛ لشبهه بعصيان وضبعان. وصرف قضبان لأنه على مثال قرطان6. وصرف أكلب؛ لأنه قد جاء عنهم أصبع وأرز7 وأسنمة8 ولأنه9 أيضا لما كان لجمع القلة أشبه في المعنى الواحد؛ لأن محل مثال القلة من مثال الكثرة في المعنى محل الواحد من الجمع فكما كسروا الواحد كذلك كسروا ما قاربه من الجمع. وفي هذا كاف. فإن قلت: فهلا ثنيت التثية كما جمعت الجمع قيل: قد كفتنا العرب بقولهم: أربعة "عن قولهم"10 اثنانان. وأيضا فكرهوا أن يجمعوا في "اثنانان" ونحوه بين إعرابين متفقين كانا أو مختلفين؛ وليس شيء من ذلك في أكلب وأكالب.
ومن ذلك ما قال أصحابنا: إن وصف العلم جارٍ مجرى نقض الغرض. وذلك أن العلم إنما وضع ليغنى عن الأوصاف الكثيرة؛ ألا ترى أنك إذا قلت: قال
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قول".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تكسيره".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كما".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "يأتي وسدوس"، وفي ط: "بسدوس"، والآتي -بضم الهمزة- من مصادر أتى، ويأتي في معنى جدول الماء، والسدوس، والطيلسان.
5 هذا وفق ما في ج، وفي ش، ز، ط: "جزور".
6 هو ما يلقى تحت السرج.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أدور" ويبدو أنه محرف عما أثبت.
8 سقط في ش. وأسنمة: موضع.
9 سقط حرف العطف في د، هـ، ز.
10 سقط ما بين القوسين في ش.(3/241)
الحسن في هذه المسئلة كذا فقد استغنيت "بقولك: الحسن"1 عن قولك2: الرجل الفقيه القاضي العالم الزاهد البصري الذي كان من حاله كذا، ومن أمره كذا، فلما قلت: الحسن أغناك عن جميع ذلك. فإذا وصف العلم3 فلأنه كثر المسمون به، فدخله اللبس فيما بعد، فلذلك وصف؛ ألا ترى أن ما كان من الأعلام لا شريك له في العلمية فإنه لا يوصف. وذلك كقولنا: الفرزدق فإنه لا يوصف فيقال: التميمي ولا نحو ذلك؛ لأنه لم يسم به أحد غيره. وإذا ذكرته باسمه الذي هو همام جاز وصفه فقلت همام بن غالب لأن هماما شورك4 فيه، فجاز لذلك لحاق الوصف له.
فإن قلت: فقد يكثر في الأنساب وصف كثيرٍ من الأعلام التي لا شركة فيها؛ نحو قولهم: فلان بن يشجب بن يعرب بن قحطان ونظائره5 كثيرة قيل: ليس "الغرض إلا التنقل به"6 والتصعد7 إلى فوق، وإعلام السامع وجه النسب، وأن فلانا اسم أبيه كذا، واسم جده كذا، واسم أبي جده كذا. فإنما البغية بذلك استمرار النسب، وذكر الآباء شيئا فشيئا على توالٍ. وعلى هذا يجوز أيضا أن يقال8: الفرزدق بن غالب؛ فأما على التخليص "والتخصيص"9 فلا.
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أن تقول".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "بالعلم".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "شرك".
4 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "نظائر".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "هذا الوصف ونحوه مما الغرض فيه التخصيص به، وإنما وضع الغرض للتنقيل". وكذا هو في ط، غير أن فيه "للتنقيل به".
7 في ط: "التضعف".
8 سقط في د، هـ، ز، ط.
9 سقط ما بين القوسين في ش.(3/242)
ومن ذلك امتناعهم من تنوين الفعل. وذلك أنه قد استمر فيه الحذف والجزم بالسكون1 لثقله. فلما كان موضعا للنقص منه لم تلق به الزيادة فيه، فهذا قول.
وإن شئت قلت: إن التنوين إنما لحق في الوقف مؤذنا بالتمام، والفعل أحوج شيء إلى الفاعل، فإذا كان من الحاجة إليه من بعده على هذه الحال لم يلق به التنوين اللاحق للإيذان بالتكامل والتمام، فالحالان إذًا كما ترى ضدان. ولأجل ذلك ما2 امتنعوا من لحاق التنوين للمضاف. وذلك أن المضاف على غاية الحاجة إلى3 المضاف إليه من بعده. فلو ألحقته التنوين المؤذن بالوقف وهو متناهٍ في قوة الحاجة إلى الوصل جمعت بين الضدين. وهذا جلي غير خاف. وأيضا فإن التنوين دليل التنكير والإضافة موضوعة للتخصيص فكيف لك باجتماعهما مع ما ذكرنا من حالهما.
فإن قلت: فإذا كان الأمر كذلك فما بالهم نونوا الأعلام كزيد وبكر؟.
قيل: جاز لك؛ لأنها ضارعت بألفاظها النكرات؛ إذ كان تعرفها معنويا لا لفظيا لأنه لا لام تعريف4 فيها5 ولا إضافة، كما صرفوا من الجمع ما ضارع الواحد ببنائه نحو كلاب "لأنه ككتاب"6، وشيوخ لأنه كسدوس ودخول وخروج. وهذا7 باب مطرد فاعرفه.
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "والسكون".
2 سقط هذا الحرف في ش.
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "من".
4 سقط في ط.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فيه".
6 سقط ما بين القوسين في ش.
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "هو".(3/243)
باب في التراجع عند التناهي:
هذا معنى مطروق في غير صناعة الإعراب؛ كما أنه مطروق فيها. وإذا تشاهدت1 حالاهما كان أقوى لها، وأذهب في الأنس بها.
فمن ذلك قولهم: إن الإنسان إذا تناهى في الضحك بكى، وإذا تناهى في الغم ضحك، وإذا تناهى في العظة أهمل، وإذا تناهت العداوة استحالت مودة.
وقد2 قال3:
وكل شيء بلغ الحد انتهى
وأبلغ من هذا قول شاعرنا4:
ولجدت حتى كدت تبخل حائلا ... للمنتهى ومن السرور بكاء
والطريق في هذا ونحوه معروفة مسلوكة.
وأما طريق صناعة الإعراب في مثله" فقول أبي إسحاق في ذكر العلة التي امتنع لها أن يقولوا: مازال زيد إلا قائمًا: "نفي و"5 نفي النفي إيجاب. وعلى نحو6 هذا ينبغي أن يكون قولهم: ظلمة، وظلم، وسدرة، وسدر، وقصعة، وقصاع، "وشفرة وشفار"7. وذلك أن الجمع يحدث للواحد تأنيثًا نحو قولهم: هذا جمل وهذه جمال وهذا رجل وهذه رجال8 قد أقبلت. وكذلك بكر وبكارة، وعير وعيورة، وجريب9 وأجربة، وصبى وصبية ونحو ذلك. فلما كانت ظلمة،
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "شاهدت".
2 سقط هذا الحرف في د، هـ.
3 أي ابن دريد في مقصورته، وصدره:
فإن أمت فقد تناهت لذتي
4 يريد المتنبي، والبيت من قصيدته في مدح هارون بن عبد العزيز الأوارجي. وقوله: "حائلا" أي متحولا.
5 ثبت ما بين القوسين في ط، وسقط في ش، ز.
6 ثبت في ش، ط، وسقط في د، هـ، ز.
7 سقط ما بين القوسين في ش.
8 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "الرجال".
9 هو مكيال.(3/244)
وسدرة وقصعة مؤنثاتٍ -كما ترى- وأردت أن تكسرها صرت كأنك أردت تأنيث المؤنث: فاستحال بك الأمر إلى التذكير فقلت ظلم وسدر وقصاع وشفار. فتراحعت الإيغال1 في التأنيث إلى لفظ التذكير. فعلى هذا النحو2 لو دعا داع، أو حمل حامل على "تأنيث3 نحو" قائمة ومسلمة لكان طريقه -على ما رأينا- أن نعيده إلى التذكير فنقول: قائم ومسلم. هذا لو سوغ مسوغ تأنيث نحو قائمة، وكريمة، ونحو ذلك.
فإن قيل: فليزم على هذا أن لو أريد تذكير المذكر أن يؤنث، قيل: هذا تقرير فاسد، ووضع غير متقبل. وذلك أن التذكير هو الأول، والأصل. فليس4 لك التراجع عن الأصول؛ لأنها أوائل، وليس تحت الأصل ما يرجع إليه. وليس كذلك التأنيث؛ لأنه فرع على التذكير. وقد يكون الأصل واحدًا وفروعه متضعفة ومتصعدة5 ألا ترى أن الاشتقاق تجد له أصولًا ثم تجد لها6 فروعًا، ثم تجد لتلك الفروع فروعًا صاعدة عنها نحو قولك: نبت7؛ فهو الأصل لأنه جوهر، ثم "يشتق منه فرع"8 هو9 النبات، وهو حدث، ثم يشتق10 من النبات الفعل، فتقول: نبت. فهذا11 أصل. وفرع وفرع فرع. فلذلك جار تصور تأنيث المؤنث، ولم12 يجز تصور تذكير المذكر. نعم13، ولو جاز تصور14
__________
1 في د، هـ، ز: "الأفعال".
2 في ش: "النوع".
3 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "نحو تأنيث".
4 كذا في ش، ط، وفي هـ، ز: "وليس".
5 سقط في ش.
6 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "له".
7 في ز: "نبيت".
8 كذا في د، هـ، ز: "تشنق منه فرعا" وفي ط: "تشتق منه فروع".
9 في ط: "هن".
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تشنق".
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "هذا".
12 في ز: "لما".
13 سقط في ش.
14 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أن تتصور".(3/245)
تذكير المذكر لأوجب فيه القياس أن يعاد به إلى1 التأنيث. كذا وجه النظر. وما "في هذا"2 من المنكر!. فعلى هذا السمت لو ساغ تذكير قائم لوجب أن يقال فيه: قائمة. فاعرف ذلك، وأنس به. ولا تنب عنه.
فإن قلت: فلسنا نجد كل المذكر إذا أريد تكسيره أنث، ألا تراك تقول: رجل ورجال. وغلام، وغلمان، وكلب، وأكلب. فهذا3 بخلاف ذكر وذكارة، وذكورة، وفحل، وفحالة، وفحولة.
قيل: لم ندع أن كل مذكر كسر4 فلا بد في مثال5 تكسيره من علم تأنيث، وإنما أرينا أن هذا6 المعنى قد يوجد7 فيه8، فاستدللنا بذلك على صحة ما كنا9 عليه وبسبيله. وكيف تصرفت الحال فأنت قد تلاحظ تأنيث الجماعة في نحو رجال فتقول: قامت الرجال، و"إذا10 عاديت الرجال؛ فاصبر لها أي للرجال وإن شئت كانت الهاء للمعاداة"11.
وعلى نحو مما نحن بصدده ما قالوا: ثلاثة رجال، وثلاث نسوة، فعكسوا الأمر على ما تراه. ولأجل ذلك ما قالوا12: امرأة صابرة "وغادرة، فألحقوا علم التأنيث، فإذا تناهوا في ذلك قالوا: صبور"13 وغدور، فذكروا. وكذلك رجل ناكح فإذا بالغوا قالوا: رجل14 نكحة.
__________
1 سقط في ش.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيه".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".
4 سقط في ش، ط.
5 سقط في د، هـ، ز، ط.
6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "كل".
7 في ط: "وجد".
8 سقط في ش.
9 كذا في ش، ط.
10 كذا في ش، ط. غير أن في ش سقط: "فاصبر"، "إن شئت" وفي د، هـ، ز بدل ما بين القوسين: "إن شئت كانت الهاء للمعادلة".
11 في ط: "للمعادلة" وهو تحريف.
12 سقط في هذا الحرف في ش.
13 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
14 سقط في ش.(3/246)
ونحو من ذلك سواءً اطراد التصرف في الأفعال؛ نحو قام، ويقوم، وقم، وما كان مثله. فإذا بالغوا وتناهوا منعوه التصرف، فقالوا: نعم الرجل، وبئس الغلام فلم يصرفوهما وجعلوا ترك التصرف في الفعل الذي هو أصله1 وأخص الكلام به أمارة للأمر الحادث له، وأن حكمًا من أحكام المبالغة قد2 طرأ عليه؛ كما تركوا لذلك أيضًا تأنيثه دليلًا عليه في نحو قولهم: نعم المرأة، وبئس الجارية.
فإن قلت: فما بالهم منعوا هذين الفعلين التصرف البتة، ولم يمنعوهما علم التأنيث البتة ألا تراك أيضًا قد تقول: نعمت المرأة وبئست الجارية وأنت لا تصرف واحدًا منهما على وجه؟
قيل: إنما حظروا عليهما ما هو أخص الأوصاف بهما -أعني التصرف- ليكون حظره عليهما أدل شيء على حدوث عائق3 لهما، وليست4 كذلك علامة التأنيث لأن الفعل لم يكن في القياس تأنيثه ألا تراه مفيدًا للمصدر الدال على الجنس والجنس أسبق شيء إلى5 التذكير، وإنما دخل علم التأنيث في نحو قامت هند وانطلقت جمل لتأنيث فاعله ولو كان تأنيث الفعل لشيء يرجع إليه هو لا إلى فاعله لجاز قامت زيد وانطلقت جعفر فلأجل ذلك ما اعتزموا الدلالة على خروج هذين الفعلين إلى معنى المبالغة بترك تصرفهما الذي هو أقعد من غيره فيهما دون الاقتصار على ترك تأنيثهما إذ التأنيث فيهما ليس في الأصل مستحقًا لهما ولا راجعًا إليهما؛ وإنما هو مراعىً به تأنيث فاعليهما6. ويؤكد ذلك عندك ما رواه الأصمعي عنهم من قوله: إذا فاق الشيء في بابه7 سموه خارجيًا، وأنشد بيت طفيل الغنوي8:
وعارضتها رهوا على متتابع ... شديد القصيري خارجي محنب9
فقولهم في هذا المعنى: خارجي، واستعمالهم فيه لفظ خرج10، من أوثق ما يستدل له على هذا11 المعنى، وهو الغاية فيه12. فاعرفه واشدد يدك به13.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أهله".
2 سقط في هذا الحرف في د، هـ، ز.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "عان"، وعان وصف من عن أي عرض.
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ليس".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "على".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فاعلهما".
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "جنسه".
8 سقط في ش.
9 انظر ص48 من هذا الجزء.
10 رسم في ز، ط: "خ ر ج".
11 سقط في د، هـ، ز.
12 سقط في ش.
13 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "عليه".(3/247)
باب فيما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية:
اعلم أن هذا الباب من أشرف أبواب هذا الكتاب، وأن الانتفاع به ليس إلى غاية ولا وراءه من نهاية. وذلك أن أكثر من ضل من أهل الشريعة عن القصد فيها وحاد1 عن الطريقة المثلى إليها فإنما استهواه "واستخف2 حلمه" ضعفه في هذه اللغة الكريمة الشريفة، التي خوطب الكافة بها، وعرضت عليها الجنة والنار من حواشيها وأحنائها3، وأصل اعتقاد التشبيه4 لله تعالى بخلقه منها، وجاز5 عليهم بها وعنها. وذلك أنهم لما سمعوا قول الله -سبحانه، وعلا عما يقول الجاهلون علوا كبيرًا: {يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} 6 وقوله: "عز اسمه: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} 7 وقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} 8 وقوله:
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "جار".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "استخفه".
3 في د، ز: "أنحائها".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أهل التشبيه".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "حال جار". وفي ط: "جار".
6 آية 39 سورة الزمر.
7 آية 115 سورة البقرة.
8 آية 75 سورة ص.(3/248)
تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} 1 وقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} 2 وقوله، {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} 3 وقوله: {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} 4 ونحو ذلك من الآيات5 الجارية هذا المجرى وقوله6 في الحديث: "خلق الله آدم على صورته"، حتى ذهب بعض هؤلاء7 الجهال في قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} 8 أنها ساق ربهم -ونعوذ9 بالله من ضعفة10 النظر، وفساد المعتبر- ولم يشكوا أن11 هذه أعضاء12 له، وإذا كانت أعضاء كان هو لا محالة جسمًا معضىً13؛ على ما يشاهدون من خلقه، عز وجهه، وعلا قدره، وانحطت سوامى "الأقدار و"14 الأفكار دونه. ولو كان لهم أنس بهذه اللغة الشريفة15 أو تصرف فيها، أو مزاولة لها لحمتهم16 السعادة بها، ما أصارتهم الشقوة إليه، بالبعد عنها. وسنقول في هذا ونحوه ما يجب مثله. ولذلك ما قال17 رسول الله -صلى اله عليه وسلم- لرجل لحن: أرشدوا أخاكم فإنه قد ضل، فسمي اللحن ضلالًا وقال عليه السلام: "رحم 18 الله امرأ أصلح من لسانه"، وذلك لما "علمه -صلى الله عليه وسلم- مما يعقب"19 الجهل لذلك من ضد السداد، وزيغ الاعتقاد.
__________
1 آية 71 سورة يس.
2 آية 27 سورة الرحمن.
3 آية 39 سورة طه.
4 آية 67 سورة الزمر.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "الآي".
6 كذا في ش، وفي ز، ط: "قولهم".
7 سقط في ش.
8 آية 42 سورة القلم.
9 سقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط.
10 في ز: "ضعف".
11 في ز: "إلى أن".
12 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "الأعضاء".
13 أي ذا أعضاء وأجزاء. من قولهم: عضيت الشاة والجزور إذا جرأتهما.
14 ثبت ما بين القوسين في ط.
15 سقط في ش، ط.
16 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لحملتهم".
17 سقط هذا الحرف في ش.
18 حدث بهذا الحديث عمر رضي الله عنه. وكان مر على قوم يسيئون الرمي فقرعهم، فقالوا: إنا قوم متعلمين، فأعرض عنهم وقال: والله لخطؤكم في لسانكم أشد على من خطئكم في رميكم، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول، فذكر الحديث، وانظر الجامع الصغير في حرف الراء.
19 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "يخرج إلى".(3/249)
وطريق ذلك أن هذه اللغة أكثرها جارٍ على المجاز، وقلما يخرج الشيء منها على الحقيقة. وقد قدمنا ذكر ذلك في كتابنا هذا وفي غيره. فلما كانت كذلك، وكان القوم الذين خوطبوا بها أعرف الناس بسعة مذاهبها وانتشار، أنحائها جرى خطابهم بها مجرى ما يألفونه ويعتادونه منها وفهموا أغراض المخاطب لهم بها على حسب عرفهم وعادتهم في استعمالها. وذلك أهم يقولن: هذا الأمر يصغر في جنب هذا أي بالإضافة إليه و"قرنه به"1. فكذلك2 قوله تعالى: {يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} 3 "أي فيما بيني وبين الله"4 إذا أضفت تفريطي إلى أمره لي ونهيه أياي. وإذا كان أصله اتساعًا جرى بعضه مجرى بعض. وكذلك5 قوله -صلى اله عليه وسلم: كل الصيد في جنب الفرأ، "وجوف الفرأ"6، أي "كأنه يصغر"7 بالإضافة إليه8 وإذا قيس به.
وكذلك قوله -سبحانه: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} 9، إنما هو الاتجاه "إلى الله"10، ألا ترى إلى بيت الكتاب:
أستغفر الله ذنبا لست محصيه ... رب العباد إليه الوجه والعمل11
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قربه منه".
2 كذا في د، هـ، ز، وفي ط: "وكذا". وفي ش: "فذلك".
3 آية 39 سورة الزمر.
4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "نحوه"، وهذا قاله -صلى الله عليه وسلم- لأبي سفيان وكان استأذن عليه -صلى الله عليه وسلم- فأخر الإذن له، فلما دخل عليه طيب نفسه بهذه المقالة. ولفظ الحديث: "يا أبا سفيان أنت كما قال القائل: كل الصيد في جوف الفرأ". والفرأ: حمار الوحش.
6 سقط ما بين القوسين في ز.
7 سقط ما بي القوسين في ش.
8 سقط حرف العطف في ش.
9 آية 115 سورة البقرة.
10 سقط ما بين القوسين في ش.
11 ورد في الكتاب 1/ 17 غير معزو.(3/250)
أي الاتجاه1. فإن2 شئت قلت: إن3 الوجه هنا مصدر4 محذوف الزيادة، كأنه وضع الفعل موضع الافتعال، كوحده، وقيد الأوابد "في أحد القولين"5 ونحوهما. وإن شئت قلت: خرج مخرج الاستعارة. وذلك أن وجه الشيء أبدا هو أكرمه وأوضحه، فهو المراد منه، والمقصود إليه. فجرى استعمال هذا في القديم -سبحانه- مجرى العرف فيه والعادة في أمثاله. أي لو كان -تعالى- مما يكون له وجه لكان كل موضع توجه6 إليه فيه وجها له؛ إلا7 أنك إذا جعلت الوجه في القول الأول مصدرا كان في المعنى مضافا إلى المفعول دون الفاعل؛ لأن المتوجه إليه مفعول "في المعنى فيكون"8 إذًا من باب قوله -عز وجل: {لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ} 9 و {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ} 10 ونحو ذلك مما أضيف فيه المصدر إلى المفعول به.
وقوله تعالى: {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} 11 إن شئت قلت: لما كان العرف12 أن يكون أكثر الأعمال باليد13 جرى هذا مجراه. وإن شئت قلت: الأيدي هنا14 جمع اليد15 التي هي القوة فكأنه قال: مما عملته قوانا أي القوى التي أعطيناها الأشياء لا أن له -سبحانه- جسما تحله القوة أو الضعف. ونحوه قولهم في القسم: لعمر الله إنما هو: وحياة الله، أي والحياة التي آتانيها الله، لا أن القديم سبحانه محل
__________
1 في د، هـ، ز بعده: "إلى الله".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وإن".
3 سقط هذا الحرف في ش.
4 سقط في د، هـ، ز.
5 سقط ما بين القوسين في ش.
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يوجه".
7 كذا في ط، وفي ش: "ألا ترى".
8 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
9 آية 49 سورة فصلت.
10 آية 24 سورة ص.
11 آية 71 سورة يس.
12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أكثر العرف".
13 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "باليدين".
14 سقط في ش.
15 في ز، ط: "يد".(3/251)
للحياة كسائر الحيوانات. ونسب العمل إلى القدرة وإن كان في الحقيقة للقادر؛ لأن بالقدرة ما يتم له العمل كما يقال: قطعه السيف وخرقه1 الرمح. فيضاف الفعل إليهما؛ لأنه إنما كان بهما.
وقوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} 2 أي تكون مكنوفا برأفتي بك وكلاءتي لك كما أن من يشاهده الناظر له، والكافل به3، أدنى إلى صلاح أموره وانتظام أحواله ممن يبعد عمن يدبره ويلي أمره قال المولد:
شهدوا وغبنا عنهم فتحكموا ... فينا وليس كغائب من يشهد
وهو باب واسع.
وقوله: {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} 4 إن شئت جعلت اليمين هنا الجارحة، فيكون على "ما ذهبنا"5 إليه من المجاز والتشبيه، أي حصلت السموات تحت قدرته حصول ما تحيط اليد به في يمين القابض عليه، وذكرت اليمين هنا دون الشمال لأنها أقوى اليدين وهو من مواضع ذكر الاشتمال والقوة. وإن شئت جعلت اليمين هنا القوة؛ كقوله6:
إذا ما رايةٌ رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين
أي بقوته وقدرته. ويجوز أن يكون أراد بيد عرابة: اليمنى7 على ما مضى. وحدثنا أبو علي سنة إحدى وأربعين8، قال: في قول الله -جل اسمه: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ
__________
1 في هـ، ز: "خرقه"، وخزقه: طعنه.
2 آية 39 سورة طه.
3 آية 67 سورة الزمر.
4 سقط في د، هـ، ز.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مذهبنا".
6 أي الشماخ.
7 كذا في ش. ط، وفي د، هـ، ز: "اليمين".
8 أي بعد الثلاثمائة.(3/252)
ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} 1 ثلاثة أقوال: أحدها: باليمين2 التي هي خلاف الشمال. والآخر باليمين التي هي القوة. والثالث "باليمين التي هي"3 قوله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم} 4 فإن جعلت يمينه من5 قوله: {مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} "هي الجارجة مجازا وتشبيها كانت الباء هنا ظرفا"6 أي مطويات في يمينه وتحت يمينه. وإن جعلتها القوة لم تكن الباء ظرفا لكنها تكون حرفا معناه الإلصاق والاستعانة به على التشبيه بما يستعان به كقولهم: ضرب بالسيف وقطع بالسكين7، وحفر بالفأس. هذا هو المعنى8 الظاهر، وإن كان غيره جائزا على التشبيه والسعة.
وقوله9 في الحديث: خلق الله آدم على صورته يحتمل10 الهاء فيه أن تكون راجعة على اسم الله تعالى وأن تكون راجعة على آدم. فإذا كانت عائدة على اسم الله تعالى كان معناه: على الصورة التي أنشأها الله وقدرها. فيكون المصور حينئذ مضافا إلى الفاعل لأنه -سبحانه- هو المصدر لها لا أن له -عز اسمه- صورة ومثالا11؛ كما أن قولهم: لعمر الله إنما معناه: والحياة التي كانت بالله والتي آتانيها الله لا أن له -تعالى- حياة تحله ولا أنه12 -عز وجهه- محل للآعراض. وإن جعلتها عائدة على آدم كان معناه: على صورة آدم أي على
__________
1 آية 93 سورة الصافات.
2 سقط في د، هـ، ز.
3 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
4 آية 57 سورة الأنبياء.
5 كذا في ش، ز، ط، هـ، وفي د، هـ، ز، د: "في".
6 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بالسيف".
8 سقط في ش، ط.
9 كذا في ط، وفي ش، ز: "قولهم". وهذا الحديث رواه البخاري في كتاب "بدء الخلق" ومسلم في "صفة الجنة".
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "تحتمل".
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لا تمثالا".
12 كذا في د، هـ، ز، ط: وفي ش: "هو".(3/253)
صورة أمثاله ممن هو مخلوق ومدبر1، فيكون هذا2 حينئذ كقولك3 في السيد والرئيس: قد خدمته، خدمته أي الخدمة التي تحق لأمثاله، وفي العبد والمبتذل: قد استخدمته استخدامه، أي استخدام أمثاله ممن هو مأمور بالخفوف، والتصرف فيكون إذًا كقوله -عز وجل: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} 4 وكذلك نظائر هذا: هذه سبيله.
فأما قول5 من طغى به جهله، وغلبت عليه شقوته، حتى قال في قول الله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} 6: إنه7 أراد به عضو القديم، وإنها جوهر كهذه الجواهر الشاغلة للأماكن8، وإنها ذات شعر، وكذا وكذا مما تتايعوا9 "في شناعته"10 وركسوا11 في "غوايته"12 فأمر نحمد الله على أن نزهنا عن الإلمام بحراه13. وإنما الساق هنا يراد بها شدة الأمر؛ كقولهم: قد قامت الحرب على ساق. ولسنا ندفع من ذلك أن الساق إذا أريدت14 بها الشدة فإنما هي مشبهة بالساق هذه التي تعلق15 القدم، وأنه إنما قيل ذلك لأن الساق هي الحاملة للجملة16، المنهضة لها. فذكرت هنا لذلك تشبيها وتشنيعا17. فأما أن تكون للقديم -تعالى- جارحة: ساق أو غيرها فنعوذ بالله من اعتقاده "أو الاجتياز"18 بطواره. وعليه بيت الحماسة:
__________
1 سقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط.
2 سقط في ش، ط.
3 سقط في ش.
4 آية 8 سورة الانفطار.
5 سقط في ش، ط،.
6 آية 42 سورة القلم.
7 سقط في ش.
8 كذا في ش. وفي ز، هـ: "للحائز". وفي ط: "الحيائز" والحيائز جمع الحيز.
9 في ز: "تتابعوا". والتتابع: التهافت والإسراع في الشر.
10 في د، هـ، ز: "له".
11 أي ردوا وقلبوا.
12 في د، هـ، ز: "شناعته".
13 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بحواه".، وحرى الشيء: ناحيته.
14 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أريد".
15 كذا في ش، ط، وفي د، هـ: "تعلو".
16 كذا في ش، ط، وفي د، ز: "الجملة".
17 كذا في ش، وفي هـ، ز: "تشفيعا"، وفي د: "تشعفيا"، وسقط في ط.
18 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "والاختيار".(3/254)
كشفت لهم عن ساقها ... وبدا من الشر الصراح1
وأما قول ابن قيس2 في صفة الحرب والشدة فيها:
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي ... عن خدام العقيلة العذراء
فإنه وجه آخر، وطريق من طرق الشدة غير ما تقدم. وإنما الغرض فيه أن الروع قد بز العقيلة -وهي المرأة الكريمة- حياءها3، حتى ابدت عن ساقها، للحيرة والهرب، كقول الآخر:
لما رايت نساءنا ... يفحصن بالمعزاء شدا
وبدت محاسنها التي ... تخفى وكان الأمر جدا4
__________
1 من قصيدة لسعد بن مالك جد طرفة بن العبد، وقوله: "كشفت" أي الحرب المذكورة قيل، ويقول التبريزي في شرح الحماسة 2/ 76، "هذا مثل تضربه العرب في كشف الساق، وذلك أن الرجل إذا أراد أن يمارس أمرا شمر ذيله، فاستعمل ذلك في الأنيس، ثم نقل إلى الحرب وغيرها من خطوب الدهر التي تعظم وتشتد، وقد قيل: الساق اسم للشدة، وفسر عليه قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} ، فقيل المعنى: يوم يكشف عن شدة".
2 في ز: "القبس" وهو يريد: ابن قيس الرقيات، وقبله:
كيف نومي على الفراش ولما ... تشمل الشأم غارة شعواء
وكان في جيش ابن الزبير الذي يحارب عبد الملك بن مروان، وقد كان في الشأم. والخدام جمع الخدمة، وهي الخلخال، وقوله: "عن خدام" أي عن خدامها، ولذلك منعه التنوين. و"العقيلة" فاعل "تبدى"، وانظر الأغاني "طبعة دار الكتب" 4/ 78، واللسان "خدم".
3 سقط في د، هـ، ز.
4 بين البيت الأول والثاني بيت تركه المؤلف، وهو:
وبدت لميس كأنها ... بدر السماء إذا تبدي
وسواب "لما" في قوله بعد:
نازلت كبشهم ولم ... أر من نزال الكبش بدا
والمعزاء: الأرض الصلبة: والشد: العدو، وكبش القوم: قائدهم.
وانظر الحماسة بشرح التبريزي 1/ 173 وما بعدها.(3/255)
وقوله:
إذا أبرز الروع الكعاب فإنهم ... مصادٌ لمن يأوى إليهم ومعقل1
وهو باب. وضده ما أنشده أبو الحسن:
أرفعن أذيال الحقي واربعن ... مشى حيياتٍ كأن لم يفزعن
إن تمنع اليوم نساء تمنعن2
وأذكر يوما وقد خطر لي خاطر مما نحن بسبيله، فقلت: لو أقام إنسان على خدمة هذا العلم ستين سنة حتى لايحظى3 منه إلا بهذا الموضع لما كان مغبونا فيه ولا منتقص الحظ منه ولا السعادة به. وذلك قول الله -عز اسمه {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} 4 ولن يخلو5 "أغفلنا" هنا من أن يكون6 من باب أفعلت الشيء أي صادفته ووافقته كذلك؛ كقوله7:
وأهيج الخلصاء من ذات البرق
أي صادفها هائجة8 النبات9 "وقوله10:
فمضى وأخلف من قتيلة موعدا11
__________
1 الكعاب: التي نهد ثديها، والمصاد: أعلى الجبل، وجاء البيت في اللسان "مصد".
2 انظر ص251 من الجزء الثاني.
3 في ز: "ما".
4 آية 28 سورة الكهف.
5 في ش: "تخلو".
6 في د، هـ، ز، ط بعده: معناه".
7 أى رؤبة، وهو من أرجوزته التي أولها:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق
والحديث عن حار الوحش، والخلصاء: موضع، والبرق: جمع البرقة، وهي مكان فيه حجارة ورمل. وانظر أراجيز البكري 26.
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط، ومهتاجة، وهيج التبت: يبسه.
9 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "النبت".
10 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، وسقط قوله: "أي صادفة مخلفا" في ط.
11 هذا من مطلع قصيدة للأعشى. وصدره
أثوى وقصر ليله ليزودا
وأثوى يقرأ على الخبر من الإثواء بمعنى الإقامة، ويقرأ على الاستفهام من الثواء، وانظر الصبح المنير 150، وتاج العروس في "ثوى".(3/256)
أي صادفه محلفا"، وقوله1:
أصم دعاء عاذلتي تحجى ... بأخرنا وتنسى أولينا
أي صادف قوما صما وقول الآخر:
فأصممت عمرا وأعميته ... عن الجواد والمجد يوم الفخار2
أي صادفته أعمى. وحكى الكسائي: دخلت بلدة فأعمرتها، أي وجدتها عامرة ودخلت بلدة فأخربتها أي وجدتها خرابا ونحو ذلك أو يكون ما قاله3 الخصم: أن معنى أغفلنا قلبه: منعنا وصددنا، نعوذ بالله من ذلك. فلو كان الأمر على ما ذهبوا إليه منه4 لوجب أن يكون العطف عليه بالفاء دون الواو، وأن يقال: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا فاتبع هواه. وذلك أنه كان يكون على هذا الأول علة للثاني، والثاني مسببا5 عن الأول، ومطاوعا6 له؛ كقولك: أعطيته فأخذ وسألته فبذل، لما7 كان الأخذ مسببا عن العطية، والبذل مسببا عن السؤال. وهذا من مواضع الفاء لا الواو؛ ألا "ترى8 أنك" إنما تقول: جذبته فانجذب، ولا تقول: وانجذب إذا جعلت الثاني مسببًا عن الأول. وتقول: كسرته فانكسر، واستخبرته فأخبر، كله بالفاء. فمجيء قوله تعالى: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} بالواو ودليل على أن الثاني ليس مسببا عن الأول على ما يعتقده المخالف. وإذا "لم يكن"9 عليه كان معنى أغفلنا قلبه عن ذكرنا أي صادفناه غافلا؛ على ما مضى، وإذا صودف غافلا فقد غفل لا محالة. فكأنه -والله أعلم: ولا تطع من غفل قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا، أي لا تطع من فعل كذا، وفعل كذا. وإذا صح هذا الموضع ثبت به لنا أصل شريف يعرفه من يعرفه. ولولا ما تعطيه العربية صاحبها من قوة النفس، ودربة الفكر لكان هذا الموضع ونحوه مجوزا عليه غير مأبوه له. وأنا أعجب من الشيخين أبوى10 علي رحمهما الله وقد دوخا هذا الأمر، وجولاه11، وامتخضاه وسقياه، ولم يمرر واحد منهما ولا من غيرهما -فيما علمته به12- على قربه وسهولة مأخذه. ولله قطرب! فإنه قد أحرز13 عندي أجرا عظيما فيما صنفه من كتابه الصغير في الرد على الملحدين، وعليه عقد أبو علي -رحمه الله- كتابة في تفسير القرآن. وإذا قرأته سقطت عنك الشبهة في هذا الأمر بإذن الله وعونه.
__________
1 أي ابن أحمر. وقوله: "تحجي بآخرنا" أي تسبق إليهم باللوم، وقوله: "بآخرنا" كذا في اللسان، وفي نسخ الخصائص: "لآخرنا" وانظر اللسان "صمم" و"حجا".
2 أورده ابن قتيبة في المعاني الكبير 521 ولم يغزه.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يقول".
4 سقط في ش.
5 في ش: "مسيب".
6 في ش: "مطاوع".
7 في ز: "فلما".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تراك".
9 كذا في ز، ط، أي لم يكن الأمر على ما ذهبوا إليه، وفي ش: "تكن عليه".
10 كأنه يريد شيخه أبا علي الفارسي المتوفى سنة 370، وأبا علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي المتوفى سنة 303، وكانا معتزليين.
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "حولاء".
12 سقط في ش.
13 كذا في ش، وفي ط: "أجر" وفي ز: "أجرى".(3/257)
باب في تجاذب المعاني والإعراب:
هذا موضع كان أبو علي -رحمه الله- يعتاده، ويلم كثيرا به، ويبعث على المراجعة له، وإلطاف النظر فيه. وذلك أنك تجد في كثير من المنثور والمنظوم الإعراب والمعنى متجاذبين: هذا يدعوك إلى أمر، وهذا يمنعك منه. فمتى اعتورا كلاما1 ما أمسكت بعروة المعنى وارتحت لتصحيح الإعراب.
فمن ذلك قول الله تعالى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} 2، فمعنى هذا: إنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر، فإن حملته في الإعراب على هذا كان
__________
1 سقط في ش.
2 آيتا 8، 9 من سورة الطارق.(3/258)
خطأ؛ لفصلك بين الظرف الذي هو "يوم تبلى"، وبين ما هو معلق به من المصدر الذي هو الرجع، والظرف من صلته، والفصل بين الصلة والموصول الأجنبي أمر1 لا يجوز. فإذا كان المعنى مقتضيا له والإعراب مانعا2 منه، احتلت له، بأن تضمر ناصبا يتناول الظرف، ويكون المصدر الملفوظ به دالًا على ذلك الفعل حتى كأنه قال3 فيما بعد: يرجعه يوم تبلى السرائر. ودل "رجعه" على "يرجعه" دلالة المصدر على فعله.
ونحوه4 قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} 5 فـ"إذ" هذه في المعنى متعلقة بنفس قوله: لمقت الله، أي يقال لهم: لمقت الله إياكم وقت دعائكم إلى الإيمان فكفركم، أكبر من مقتكم أنفسكم الآن؛ إلا أنك إن حملت الأمر على هذا كان فيه الفصل بين الصلة التي هي إذ وبين الموصول الذي هو لمقت6 الله. فإذا كان المعنى عليه ومنع جانب الإعراب منه أضمرت ناصبا يتناول الظرف ويدل المصدر عليه، حتى كأنه قال بأخرة: مقتكنم إذ تدعون.
وإذا كان هذا ونحوه وقد جاء في القرآن فما أكثره وأوسعه في الشعر! فمن ذلك ما أنشده أبو الحسن من قوله:
لسنا كمن حلت إيادٍ دارها ... تكريت ترقب حبها أن يحصدا7
__________
1 سقط في د، هـ، ز.
2 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "مانع".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "قيل".
4 سقط في ش.
5 آية 10 سورة غافر.
6 كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "مقت".
7 انظر ص404 من الجزء الثاني.(3/259)
فـ"إيادٍ" بدل مِن "مَن"، وإذا كان كذلك لم يمكنك أن تنصب "دارها" بـ "حلت" هذه الظاهرة؛ لما فيه من الفصل، فحينئذ1 ما تضمر2 له فعلا يتناوله، فكأنه قال فيما بعد: حلت دارها. وإذا جازت دلالة المصدر على فعله، والفعل على مصدره، كانت دلالة الفعل3 على الفعل الذي هو مثله، أدنى4 إلى الجواز وأقرب مأخذا في الاستعمال. ومثله قول الكميت في ناقته:
كذلك تيك وكالناظرات ... صواحبها ما يرى المسحل5
أي وكالناظرات ما يرى المسحل صواحبها. فإن حملته على هذا كان فيه الفصل المكروه. فإذا كان المعنى عليه، ومنع طريق الإعراب منه أضمر له ما يتناوله، ودل "الناظرات" على ذلك المضمر. فكأنه قال فيما بعد: نظرن6 ما يرى المسحل، ألا تراك لو قلت: كالضارب زيدٌ جعفرا وأنت تريد: كالضارب جعفرا زيد لم يجز؛ كما أنك لو قلت: إنك على صومك لقادر شهر رمضان وأنت تريد: إنك على صومك شهر رمضان لقادر لم يجز شيء من ذلك للفصل.
وما أكثر استعمال الناس لهذا الموضع في محاوراتهم وتصرف الأنحاء "في كلامهم"7! وأحد من اجتاز به البحتري في قوله:
لا هناك الشغل الجديد بحزوى ... عن رسوم برامتين قفار8
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فيحسن".
2 كذا في ز، ط، وفي ش: "لها".
3 كذا في ش. ط، وفي د، هـ، ز: "الفاعل".
4 في ط: "أوفق".
5 المسحل: الحمار الوحشي، وسبق تفسيره بجانب اللحية، ويبدو أن الصواب ما هنا.
6 كذا في د، هـ، ز، ط وفي ش: "نظرت".
7 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "بكلامهم".
8 من قصيدته في مدح أبي جعفر بن حميد، وقبله:
أبكاء في الدار بعد الديار ... وسلوا بزينب عن نوار(3/260)
فـ"عن" في المعنى متعلقة "بالشغل"1 أي لا هناك الشغل عن هذه الأماكن؛ إلا أن الإعراب مانع منه، وإن كان المعنى متقاضيا له. وذلك أن قوله "الجديد" صفة للشغل، والصفة إذا جرت على الموصوف2 آذنت بتمامه، وانقضاء أجزائه. فإن ذهبت تعلق "عن" بنفس "الشغل" على ظاهر المعنى، كان فيه الفصل بين الموصول وصلته، وهذا فاسد، ألا تراك لو قلت: عجبت من ضربك الشديد عمرا لم يجز، لأنك وصفت المصدر وقد بقيت منه بقية، فكان ذلك فصلا بين الموصول وصلته بصفته. وصحتها أن تقول: عجبت من ضربك الشديد عمرا؛ لأنه مفعول الضرب وتنصب عمرا بدلا من الشديد كقولك: مررت بالظريف عمروٍ، ونظرت إلى الكريم جعفر. فإن أردت أن تصف المصدر بعد إعمالك إياه قلت: عجبت من ضربك الشديد عمرا الضعيف، أي عجبت من أن ضربت هذا الشديد ضربا ضعيفا. هذا تفسير المعنى.
وهذا الموضع من هذا العلم كثير في الشعر القديم والمولد. فإذا3 اجتاز بك شيء منه فقد عرفت طريق القول فيه، والرفق به إلى أن يأخذ4 مأخذه بإذن الله تعالى. ومنه قول الحطيئة:
أزمعت يأسًا مبينا من نوالكم ... ولن ترى طاردا للحر كالياس5
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، وفي ش: "فيحسن".
2 كذا في ز، ط، وفي ش: "لها".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فإن".
4 كذا في د، هـ، ز، وفي ش، ط: "تأخذ".
5 من قصيدة له في هجو بني بهدلة بن عوف رهط الزبرقان. وقبله:
لما بدالى منكم غيب أنفسكم ... ولم يكن لجراحى فيكم آس
وانظر الكامل للمبرد في الباب 39 ص341 من طبعة أوروبا، وص157 ج5 من رغبة الآمل.(3/261)
أي يأسًا من نوالكم مبينا. فلا يجوز أن يكون قوله: "من نوالكم" متعلقا بيأس وقد وصفه1 بمبين، وإن كان المعنى يقتضيه؛ لأن الإعراب مانع منه. لكن تضمر له حتى كأنك قلت: يئست من نوالكم.
ومن تجاذب الإعراب والمعنى ما جرى من المصادر وصفا؛ نحو قولك: هذا رجل دنف، وقوم رضا ورجل عدل. فإن وصفته بالصفة الصريحة قلت: رجل دنف، وقوم مرضيون، ورجل عادل. هذا هو الأصل. وإنما انصرفت العرب عنه في بعض الأحوال إلى أن وصفت بالمصدر لأمرين: أحدهما صناعي، والآخر معنوي. أما الصناعي فليزيدك أنسا بشبه المصدر للصفة التي أوقعته موقعها، كما أوقعت الصفة موقع المصدر، في نحو2 قولك3: أقائمًا والناس قعود "أي تقوم قياما والناس قعود"4 ونحو ذلك.
وأما المعنوي فلأنه إذا وصف بالمصدر صار الموصوف كأنه في الحقيقة مخلوق من ذلك الفعل. وذلك لكثرة تعاطيه له واعتياده5 إياه. ويدل على أن هذا معنى لهم، ومتصور في نفوسهم6 قوله "فيما أنشدناه"7:
ألا أصبحت أسماء جاذمة الحبل ... وضنت علينا والضنين من البخل8
أي كأنه مخلوق من البخل لكثرة ما يأتي به9 منه. ومنه10 قول الآخر:
وهن من الإخلاف والولعان11
وقوله:
وهن من الإخلاف بعدك والمطل12
وأصل هذا الباب عندي قول الله -عز وجل: {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} 13. وقد ذكرنا هذا الفصل فيما مضى. فقولك إذًا: هذا رجل دنف "بكسر النون"14 أقوى إعرابا؛ لأنه هو الصفة المحضة غير المتجوزة15. وقولك: رجل دنف أقوى معنى؛ لما ذكرناه: من كونه كأنه مخلوق من ذلك الفعل. وهذا معنى لا تجده، ولا تتمكن منه مع الصفة الصريحة. فهذا16 وجه تجاذب الإعراب والمعنى؛ فاعرفه وأمض الحكم فيه على أي الأمرين شئت.
__________
1 كذا في د، هـ، ز: "وفي ش، ط: "وصفته".
2 سقط هذا الحرف في ش، ط.
3 في ز، ط: "قولهم".
4 سقط ما بين القوسين في ش.
5 في ش: "اعتداده".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أنفسهم".
7 سقط ما بين القوسين في ش.
8 انظر ص204 من الجزء الثاني.
9 سقط في ش، ط.
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مثله".
11 انظر ص205 من الجزء الثاني.
12 انظر ص205 من الجزء الثاني.
13 آية 37 سورة الأنبياء.
14 سقط ما بين القوسين في ش.
15 كذا في ش، وفي ز، ط: "المتجردة".
16 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".(3/262)
باب في التفسير على المعنى دون اللفظ:
اعلم أن هذا موضع قد أتعب كثيرًا من الناس واستهواهم، ودعاهم من سوء الرأي وفساد الاعتقاد إلى ما مذلوا به وتتابعوا1 فيه؛ حتى إن أكثر2 ما ترى3 من هذه الآراء المختلفة، والأقوال المستشنعة4، إنما دعا إليها القائلين بها تعلقهم بظواهر هذه الأماكن، دون أن يبحثوا عن سر معانيها، ومعاقد5 أغراضها.
فمن ذلك قول سيبويه في بعض ألفاظه: حتى الناصبة6 للفعل، يعني7 في8 نحو قولنا: اتق الله حتى يدخلك الجنة. فإذا سمع هذا من يضعف9 نظره اعتدها في جملة
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تتابعوا".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "كثيرا".
3 في ط: "يرى".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المستشعة".
5 في ز: "معاقبل".
6 في ز: "الناصب". وانظر الكتاب 413/ 1 وص 206 من الجزء الثاني من الخصائص.
7 سقط في ش، ط.
8 سقط هذا الحرف في ط.
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ضعف".(3/263)
الحروف الناصبة للفعل، وإنما النصب بعدها بأن مضمرة. وإنما جاز أن يتسمح بذلك من حيث كان الفعل بعدها منصوبا بحرف لا يذكر معها؛ فصارت1 في اللفظ كالخلف له، والعوض منه، وإنما هي في الحقيقة جارة لا ناصبة.
ومنه قوله أيضًا في قول الشاعر:
أنا اقتسمنا خطيتنا بيننا ... فحملت برة واحتملت فجار2
إن فجار معدولة عن الفجرة. وإنما غرضه أنها معدولة عن فجرة "معرفة علما"3 على ذا يدل هذا الموضع من الكتاب. ويقويه ورود برة معه في البيت وهي -كما ترى- علم. لكنه فسره4 على المعنى دون اللفظ. وسوغه ذلك أنه لما أراد تعريف الكلمة المعدول5 عنها مثل ذلك "بما6 تعرف" باللام؛ لأنه لفظ معتاد، وترك لفظ فجرة، لأنه لا يعتاد ذلك علما، وإنما يعتاد نكرة وجنسا7 نحو فجرت فجرة كقولك8: تجرت تجرة؛ ولو عدلت برة هذه على هذا الحد لوجب أن يقال9 فيها10: برار كفجار.
ومنه قولهم: أهلك والليل، فإذا فسروه11 قالوا: أراد12: الحق أهلك قبل الليل.
وهذا -لعمري- تفسير المعنى لا تقدير الإعراب؛ فإنه على: الحق أهلك وسابق الليل.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "وصارت".
2 انظر ص200 من الجزء الثاني.
3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "علما معرفة".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فسر".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "المعدولة".
6 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "فإنما يعرف".
7 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "من جنسها".
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "نحو قولك".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تقول".
10 سقط في ش.
11 في ز، ط: "قدروه".
12 سقط في ش.(3/264)
ومنه ما حكاه الفراء من قولهم: معي عشرة فاحدهن1، أي اجعلهن أحد عشر. وهذا تفسير المعنى، أي أتبعهن ما يليهن وهو2 من حدوث الشيء إذا جئت بعده. وأما اللفظ فإنه من "وح د"؛ لأن أصل أحد وحد؛ ألا ترى إلى قول النابغة:
كأن رحلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل على مستأنس وحد3
أي منفرد، وكذلك الواحد إنما هو منفرد. وقلب هذه الواو المفتوحة المنفردة4 شاذ ومذكور في التصريف. وقال لي5 أبو علي -رحمه الله- بحلب سنة ست وأربعين: إن الهمزة في قولهم: ما بها أحد ونحو ذلك مما أحد فيه للعموم ليست بدلا من واو؛ بل هي أصل في موضعها. قال: وذلك أنه6 ليس من معنى7 أحد في قولنا8: أحد عشر، وأحد وعشرون. قال: لأن الغرض في9 هذه الانفراد، والذي هو نصف الاثنين، قال: وأما أحد في نحو قولنا: ما بها أحد وديار، فإنما10 هي للإحاطة11 والعموم. "والمعنيان"12 -كما ترى- مختلفان. وهكذا قال؛ وهو الظاهر.
__________
1 انظر ص80 من الجزء الثاني.
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فهو".
3 سقط الشعر الأول في ش، وفيها: "يوم الجليل" في مكان "بذي الجليل". وذو الجليل موضع قرب مكة، وهو بفتح الجيم كما في ياقوت، وضبطه البغدادي بضم الجيم، والمستأنس الوحد: الثور الوحشي المنفرد، يشبه ناقته به، وانظر الخزانة في الشاهد التاسع والثمانين بعد المائة.
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "المفردة".
5 سقط في د، هـ، ط.
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لأنه".
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "معنى قولنا".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "نحو".
9 في د: "من".
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "لذا".
11 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "الإحاطة".
12 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فالمعنيان".(3/265)
ومنه قول المفسرين في قول الله تعالى: {مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ} 1 أي مع الله ليس أن "إلى" في اللغة بمعنى مع، ألا تراك لا تقول: سرت إلى زيد، وأنت تريد: سرت2 مع زيد، هذا لا يعرف في كلامهم. وإنما جاز هذا التفسير في هذا الموضع؛ لأن النبي إذا كان له أنصار فقد3 انضموا في نصرته إلى الله، فكأنه قال: من أنصاري منضمين إلى الله، كما تقول: زيد إلى خير، وإلى دعة وستر، أي آوٍ إلى هذه الأشياء ومنضم إليها. فإذا انضم إلى الله فهو معه لا محالة. فعلى هذا فسر المفسرون هذا الموضع.
ومن ذلك قول الله -عز وجل: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} 4 قالوا معناه: قد امتلأت، وهذا أيضًا تفسير على المعنى دون اللفظ، و"هل" مبقاة على استفهامها. وذلك كقولك للرجل لا تشك5 في ضعفه عن الأمر: هل ضعفت عنه، وللإنسان "يحب6 الحياة" هل تحب7 الحياة، أي فكما8 تحبها فليكن حفظك نفسك لها، وكما ضعفت عن هذا الأمر فلا تتعرض لمثله مما تضعف عنه. وكأن الاستفهام إنما9 دخل هذا الموضع ليتبع10 الجواب عنه بأن يقال: نعم "فإن كان كذلك"11 فيحتج عليه باعترافه به12، فيجعل13 ذلك طريقا إلى وعظه أو تبكيته.
__________
1 آية 14 سورة الصف.
2 سقط في د، هـ، ز.
3 سقط في د، هـ، ز.
4 آية 3 سورة ق.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "يشك".
6 سقط في ز.
7 في د، هـ، ز: "يجب".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "وكما".
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "لما".
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "لتتبع".
11 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "قد كان كذا".
12 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "له".
13 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "فجعل".(3/266)
ولو لم يعترف في ظاهر الأمر به لم يقو توقيفه1 عليه، وتحذيرة من مثله، قوته إذا اعترف به؛ لأن الاحتجاج على المعترف أقوى منه على المنكر أو المتوقف؛ فكذلك قوله سبحانه: هل امتلأت، فكأنها قالت: لا، فقيل لها: بالغي2 في إحراق المنكر "كان3 لك" فيكون هذا خطابا في اللفظ لجهنم، وفي المعنى للكفار. "وكذلك"4 جواب هذا من قولها: هل من مزيد، أي أتعلم يا ربنا أن عندي مزيدا؟. فجواب هذا منه -عز اسمه- لا5، أي فكما تعلم أن لامزيد فحسبي ما عندي. فعليه قالوا في تفسيره: قد امتلأت، فتقول6: ما من مزيد. فاعرف هذا ونحوه. وبالله التوفيق.
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "تقريعه به".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "فبالغي".
3 كذا في ز، وفي ش: "لذلك". و"كان" زائدة.
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "فكذلك".
5 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.
6 سقط في ش.(3/267)
باب في قوة اللفظ لقوة المعنى:
هذا فصل من العربية حسن. منه قولهم: خشن واخشوشن. فمعنى خشن دون معنى اخشوشن؛ لما فيه من تكرير العين وزيادة الواو. ومنه قول عمر رضي الله عنه: اخشوشنوا وتمعددوا: أي اصلبوا وتناهوا في الخشنة1. وكذلك قولهم: أعشب المكان، فإذا أرادوا كثرة العشب فيه قالوا: اعشوشب. ومثله حلا واحلولي، وخلق2 واخلولق، وغدن3 واغدودن. ومثله باب فعل وافتعل، نحو قدر واقتدر. فاقتدر أقوى معنى من قولهم4: قدر. كذلك قال أبو العباس وهو محض القياس، قال الله سبحانه: {أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} 5؛ فمقتدر هنا أوفق من قادر؛ من حيث كان الموضع لتفخيم الأمر وشدة الأخذ. وعليه -عندي- قول الله -عز وجل: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} 6 وتأويل ذلك أن كسب الحسنة بالإضافة إلى اكتساب السيئة أمر يسير ومستصغر. وذلك لقوله -عز اسمه: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} 7؛ أفلا ترى أن الحسنة تصغر بإضافتها إلى جزائها8، صغر9 الواحد إلى العشرة ولما كان جزاء السيئة إنما هو بمثلها10، لم تحتقر11 إلى الجزاء عنها12، فعلم بذلك قوة فعل السيئة على فعل الحسنة؛ ولذلك قال -تبارك وتعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} 13 فإذا كان فعل السيئة14 ذاهبا بصاحبه إلى هذه الغاية البعيدة المترامية، عظم قدرها، وفخم لفظ العبارة عنها، فقيل: لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت. فزيد في لفظ فعل السيئة، وانتقص من لفظ فعل الحسنة؛ لما ذكرنا. ومثله سواءً بيت الكتاب:
أنا اقتسمنا خطتينا بيننا ... فحملت برة واحتملت فجار15
__________
1 الخشنة مصدر خشن، كالحشرنة.
2 خلق: كان خليقا وجديرا. ويقال: اخلولق السحاب: استوى وصار خليقا للمطر.
3 الغدن: اللين.
4 سقط في ط.
5 آية 42 سورة القمر.
6 آية 286 سورة البقرة، وهي ختامها.
7 آية 16 سورة الأنعام، والآية هنا على ما في د، هـ، ز، وفي ش، ط: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} والتلاوة في الآية 84 سورة القصص: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} الآية.
8 في ش: "أجزائها".
9 كذا في ط. وفي ز، ش: "ضعف".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "مثلها".
11 كذا في ط، وفي ز: "يحتقر". وفي ش: "نفتقر".
12 في ز: "عليها".
13 آيتا 90، 91 سورة مريم.
14 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "السيئات".
15 تقدم هذا البيت في ص20 من الجزء الثاني، ص264 من هذا الجزء.(3/268)
فعبر عن البر بالحمل، وعن الفجرة بالاحتمال. وهذا1 هو ما قلناه في قوله -عز اسمه: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} ، لا فرق بينهما. وذاكرت بهذا الموضع بعض أشياخنا من المتكلمين فسر به، وحسن في نفسه.
ومن ذلك أيضًا2 قولهم: رجل جميل، ووضئ، فإذا أرادوا المبالغة في ذلك قالوا: وضاء، وجمال، فزادوا في اللفظ3 "هذه الزيادة"4 لزيادة معناه؛ قال:
والمرء يلحقه بفتيان الندى ... خلق الكريم وليس بالوضاء5
وقال:
تمشى بجهم حسن ملاح ... أجم حتى هم بالصياح6
وقال:
منه صفيحة وجه غير جمال
وكذلك حسن وحسان، قال7:
دار الفتاة التي كنا تقول لها ... يا ظبية عطلا حسانة الجيد
وكأن أصل هذا إنما هو لتضعيف العين في نحو المثال؛ نحو8 قطع وكسر وبابهما.
وإنما جعلنا هذا هو الأصل لأنه9 مطرد في بابه أشد من اطراد باب الصفة.
وذلك نحو قولك: قطع وقطّع، وقام الفرس10 وقومت الخيل، ومات البعير وموتت الإبل؛ ولأن العين قد تضعف في الاسم الذي ليس بوصف، نحو قبر11 وتمر12 وحمر13.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فهذا".
2 سقط في ش، ط.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لفظه".
4 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز، ط.
5 نسبة في اللسان "وضأ" إلى أبي صدقة الدبيري. وانظر المخصص 15/ 89.
6 يعني بالجهم فرجها، فالحديث عن امرأة. وورد البيت في اللسان "ملح".
7 أي الشماخ وهو من قصيدة في ديوانه يهجو فيها الربيع بن علباء. والعطل التي لا حلى عليها. يعني امرأة.
8 كذا في د، هـ، ز. وفي ط: "نفس". وسقط هذا في ش.
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز:"إنما هو".
10 يقال: قامت الدابة إذا وقفت وقوله: "قومت الخيل" فالظاهر أن الخيل فاعل، وأن صيغة التفعيل لكثرة الفاعل.
11 هو من الطيور، واحدته قبره.
12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ممر". والتمر جمع التمرة، وهو طائر أصغر من العصفور.
13 هو أيضا طائر: واحدته حمرة.(3/269)
فعدل ذلك على سعة زيادة العين. فأما قولهم: خطاف وإن كان اسمًا فإنه لاحق بالصفة في إفادة معنى الكثرة؛ ألا تراه موضوعا لكثرة الاختطاف به. وكذلك سكين1، إنما هو موضوع2 لكثرة تسكين الذابح3 به4. وكذلك البزار5 والعطار والقصار6 ونحو ذلك؛ إنما هي7 لكثرة تعاطي هذه الأشياء وإن لم تكن مأخوذة من الفعل. وكذلك النساف لهذا الطائر، كأنه قيل له ذلك؛ لكثرة نسفه بجناحيه8. وكذلك الخضارى للطائر أيضًا؛ كأنه قيل له ذلك لكثرة9 خضرته، والحوارى10 لقوة حوره وهو بياضه. وكذلك الزمل11 والزميل والزمال، إنما كررت عينه لقوة حاجته إلى أن يكون تابعا وزميلا. وهو باب منقاد.
ونحو من تكثير اللفظ لتكثير المعنى العدول عن معتاد حاله. وذلك فعال في معنى فعيل، نحو طوال، فهو أبلغ "معنى من"12 طويل، وعراض؛ فإنه أبلغ معنى من عريض. وكذلك خفاف من خفيف، وقلال من قليل، وسراع من سريع. ففعال -لعمري- وإن كانت أخت فعيل في باب الصفة فإن فعيلا أخص بالباب من فعال، ألا تراه أشد انقيادًا منه، تقول: جميل ولا تقول: جمال، وبطىء، ولا تقول: بطاء وشديد ولا تقول13: شداد "ولحم14 غريض
__________
1 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "السكين".
2 سقط في ش.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "الذباح".
4 سقط في ز.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "البزاز".
6 كذا في ش، وفي ز، ط: "القصاب".
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ط: "هو".
8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "بجناحه".
9 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لقوة".
10 هو الدقيق الأبيض.
11 هو الجبان الضعيف.
12 كذا في ز، ط، وفي ش: "من معنى".
13 في ط: "يقال".
14 كذا في ط وفي د، هـ، ز: "ولحم عريض ولا تقول عراض" وسقط ما بين القوسين في ش.(3/270)
ولا يقال غراض". فلما كانت فعيل هي1 الباب المطرد وأريدت المبالغة، عدلت إلى فعال. فضارعت فعال بذلك فعالا. والمعنى الجامع بينهما2 خروج كل واحد منهما3 عن أصله أما فعال فبالزيادة وأما فعال فبالانحراف به عن فعيل.
وبعد فإذا كانت الألفاظ أدلة4 المعاني5، ثم زيد فيها شيء، أوجبت القسمة له6 زيادة7 المعنى به. وكذلك إن انحرف به عن سمته وهديته8 كان ذلك دليلًا على حادث متجدد له. وأكثر ذلك أن يكون ما حدث9 له زائدًا فيه، لا منتقصًا منه؛ ألا ترى أن كل واحد من مثالي التحقير والتكسير عارضان10 للواحد، إلا أن أقوى التغييرين هو ما عرض لمثال التكسير. وذلك أنه أمر عرض للإخراج11 عن الواحد والزيادة في العدة، فكان أقوى من التحقير؛ لأنه مبقٍّ للواحد على إفراده12. ولذلك لم يعتد13 التحقير سببًا مانعًا من الصرف، كما اعتد التكسير مانعًا منه ألا تراك تصرف دريهما ودنينيرا، ولا تصرف دراهم ولا دنانير؛ لما ذكرنا من هنا حمل سيبويه مثال التحقير على مثال التكسير، فقال تقول: سريحين، لقولك: سراحين، وضبيعين، لقولك: ضباعين: وتقول سكيران: لأنك لا تقول:
سكارين. هذا معنى قوله وإن لم يحضرنا14 الآن حقيقة15 لفظه. وسألت أبا علي عن رد سيبويه16 مثال التحقير إلى مثال التكسير فأجاب بما17 أثبتنا آنفًا. فاعرف ذلك إلى ما تقدمه.
__________
1 كذلك في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "في".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لهما".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "من".
4 في د، هـ، ز: "دلت".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "للمعاني".
6 سقط في د، هـ، ز.
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لزيادة".
8 سقط في ط، والهداية، والطريقة والسيرة.
9 في د: "به".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "عارضا" وقد يكون: "عارض" وهو الأولى في الحبر عن "كل".
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الإخراج.
12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "انفراده".
13 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يعتدد".
14 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "يحضره".
15 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "شبيه". وانظر الكتاب 2/ 108 وما بعدها.
16 سقط في ش.
17 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز، "لما".(3/271)
باب في نقض الأوضاع إذا ضامها 1 طارئ عليها:
من ذلك لفظ الاستفهام؛ إذ ضامه معنى التعجب استحال خبرًا. وذلك قولك: مررت برجل أي رجل. فأنت الآن مخبر بتناهي الرجل في الفضل، ولست مستفهمًا. وكذلك مررت برجل إيما رجل؛ لأن ما زائدة. وإنما كان كذلك لأن أصل الاستفهام الخبر والتعجب ضرب من الخبر. فكأن2 التعجب لما طرأ على الاستفهام إنما أعاده3 إلى أصله: من الخبرية.
ومن ذلك لفظ الواجب، إذا لحقته همزة التقرير عاد نفيًا، وإذا لحقت لفظ النفي عاد إيجابًا. وذلك كقول الله سبحانه: {أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ} 4 أي ما قلت لهم، وقوله: {آللهُ أَذِنَ لَكُمْ} 5 أي لم يأذن لكم. وأما دخولها على النفي فكقوله -عز وجل: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ} 6 أي أنا كذلك وقول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا7
أي أنتم كذلك. وإنما كان الإنكار كذلك لأن منكر الشيء إنما غرضه أن يحيله إلى عكسه وضده، فلذلك8 استحال به الإيجاب نفيًا، والنفي إيجابًا.
ومن ذلك أن تصف العلم، فإذا أنت فعلت ذلك فقد أخرجته به9 عن حقيقة ما وضع له، فأدخلته10 معنى لولا الصفة11 لم تدخله12 إياه. وذلك أن وضع العلم أن يكون "مستغنيًا بلفظه"13 عن عدة من الصفات، فإذا أنت وصفته فقد سلبته "الصفة له ما كان"14 في أصل وضعه مرادًا فيه: من الاستغناء بلفظه عن كثير من صفاته. وقد ذكرنا هذا الموضع فيما مضى. فتأمل هذه الطريق، حتى إذا ورد شيء منها عرفت مذهبه.
__________
1 في ط: "ضمها".
2 في ط: "وكأن".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "عاده".
4 آية 16 سورة المائدة.
5 آية 59 سورة يونس.
6 آية 172 سورة الأعراف.
7 عجزه:
وأندى العالم بطون راح
8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فلهذا".
9 سقط في ش.
10 كذا في ش، وفي ط: "وأدخلته"، وفي د، هـ، ز: "أدخله".
11 في ط: "الصنعة".
12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يدخله".
13 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "مستغنها به" وفي ط: "مستغني به".
14 كذا في د، هـ، ز، وفي ش: "الصفة ما كان له".(3/272)
باب في الاستخلاص من الأعلام معاني الأوصاف:
من ذلك ما أنشدناه1 أبو علي -رحمه الله- من قول الشاعر:
أنا أبو المنهال بعض الأحيان ... ليس علي حسبي بضؤلان2
أنشدنيه -رحمه الله- ونحن في دار الملك. وسألني عما يتعلق به الظرف الذي هو "بعض الأحيان" فخضنا3 فيه إلى أن برد في اليد من جهته أنه يحتمل أمرين: أحدهما أن يكون أراد: أنا مثل أبي المنهال، فيعمل في الظرف على هذا معنى التشبيه، أي أشبه أبا المنهال في بعض الأحيان. والآخر أن يكون قد عرف
__________
1 في د، هـ، ز: "أنشده".
2 "ليس على حسبي بضؤلان" أي بضئيل، أي أنا أقاوم بحقوق حسبي، ولا آتي ما أعاب به، وفي نسخ الخصائص: "بصولان" وهو تصحيف. وانظر اللسان "ضأل"، "وأين".
3 في ط: "فمخضنا".(3/273)
من أبي المنهال هذا الغناء والنجدة فإذا ذكر فكأنه1 قد ذكرا2، فيصير معناه إلى أنه كأنه قال: أنا المغني في بعض الأحيان، أو أنا النجد3 في بعض تلك الأوقات. أفلا تراك كيف انتزعت من العلم الذي هو "أبو المنهال" معنى الصفة والفعلية. ومنه قولهم في الخبر. إنما سميت هانئًا لنهنأ4. وعليه جاء نابغة؛ لأنه نبغ فسمي بذلك. فهذا5 -لعمري- صفة غلبت، فبقي عليها بعد التسمية بها بعض ما كانت تفيده من معنى الفعل من قبل. وعليه مذهب6 الكتاب في ترك صرف أحمر إذا سمي به، ثم نكر. وقد ذكرنا ذلك في غير موضع "إلا أنك"7 على الأحوال8 قد انتزعت من العلم معنى الصفة. وقد مر بهذا الموضع الطائي الكبير فأحسن فيه واستوفى معناه فقال:
فلا تحسبًا هندًا لها الغدر وحدها ... سجية نفسٍ كل غانية هند9
فقوله: "كل غانية هند" مثناه في معناه، وآخذ لأقصى مداه؛ ألا "ترى10 أنه" كأنه قال، كل غانية غادرة أو قاطعة "أو خائنة"11 أو نحو ذلك.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فكأن".
2 في ط: "ذكر" هذا وقال البغدادي في شرح شواهد المغني في الشاهد الثامن والسبعين بعد الستماة تعليقا على كلام أبي علي وابن جني: "ومقتضى كلامهما أن أبا المنهال ليس صاحب الرجز وهو من رجز أورده له العلامة ابن بري في أماليه على صحاح الجوهري في مادة "أين".
3 في ش: "المنجد"، والنجد بسكون الجيم وضمها وكسرها، وهو الشجاع الماضي فيما يعجز غيره.
4 "لبنأ" أي لتعطي، يقال هنأة يهنوه ويهنئه أي أعطاه، يضر لمن عرف بالإحسان، فيقال: اجر على عادتك ولا تقطعها، وانظر اللسان "هنا".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فهذه".
6 انظر الكتاب 2/ 4.
7 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "ألا تراك".
8 في هـ، ز: "مع".
9 من قصيدة لأبي تمام في مدح محمد بن الهيثم، وقوله: "سجية" يقرأ بالرفع خبر "الغدر" وبالنصب على أن الخبر "لها" وسجية حال.
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تراه".
11 سقط ما بين القوسين في ش.(3/274)
ومنه قول الآخر:
إن الذئاب قد اخضرت براثنها ... والناس كلهم بكر إذا شبعوا1
أى إذا شبعوا تعادوا وتغادروا لأن بكرًا هكذا فعلها.
ونحو من هذا -وإن لم يكن الاسم2 المقول3 عليه علمًا- قول الآخر:
ما أمك اجتاحت المنايا ... كل فؤادٍ عليك أم
كأنه4 قال: كل فؤاد عليك حزين أو كئيب، إذ كانت الأم هكذا غالب أمرها لا سيما مع المصيبة، وعند نزول الشدة.
ومثله في النكرة أيضًا قولهم: مررت برجل صوفٍ تكته، أي خشنة، ونظرت إلى رجل خز قميصه أي ناعم، ومررت بقاع عرفجٍ كله أي جافٍ وخشن5. وإن جعلت "كله" توكيدًا لما في "عرفج" من الضمير فالحال واحدة؛ لأنه لم يتضمن الضمير إلا فيه من معنى الصفة.
ومن العلم أيضًا قوله:
أنا أبو بردة إذ جد الوهل6
أي أنا المغني7 والمجدي8 عند اشتداد الأمر.
وقريب منه قوله:
أنا أبوها حين تستبغي أبا9
أي أنا صاحبها10، وكافلها وقت حاجتها إلى ذلك.
ومثله وأحسن "صنعة11 منه":
لا ذعرت السوام في فلق الصبـ ... ـح مغيرًا ولا دعيت يزيدا12
أي لا دعيت الفاضل المغنى؛ هذا يريد13 وليس يتمدح بأن اسمه يزيد؛ لأن يزيد ليس موضوعًا بعد النقل عن الفعلية إلا للعلمية. فإنما تمدح هنا بما عرف من فضله وغنائه. وهو كثير. فإذا مر بك14 شيء منه فقد عرفتك طريقه.
__________
1 نسبة في الأمالي 1/ 7 إلى رجل من تميم، وقال: "يريد أن الناس كلهم إذا أخصبوا عدو لكم كبكر بن وائل"، وبراثن الذئاب مخالبها بمنزلة الأصابع للإنسان، واخضرارها كناية عن اخضرار الأرض، وهذا كناية عن الخصب.
2 سقط في ش.
3 في ط: "المعول".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فكأنه".
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أو" والعرفج: شجر له ثمرة خشناء كالحسك.
6 هذا من رجز للأعرج المعنى أو لعمرو بن يثربي، قاله في وقعة الجمل، وبعده:
خلقت غير زمل ولا وكل
ومنه الشطر المشهور:
نحن بني ضبة أصحاب الجمل
وفي ش: "برزة" وهما روايتان، وانظر الحماسة بشرح التبريزي "التجارية" 1/ 280.
7 كذا في ش، وفي ز، ط: "المعنى".
8 سقط حرف العطف في ش، ط.
9 تستبغي أي تبغي وتطلب.
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "ضامنها".
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ: "منه صنعة".
12 السوام: الإبل الراعية وهو ليزيد بن مفزع الحميري.
وبعده:
يوم أعطى من المهانة ضيما ... والمنايا يرصدنني أن أحيدا
انظر تاريخ الطبري 6/ 191.
13 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز:"يزيد".
14 سقط في د، هـ، ز.(3/275)
باب في أغلاط العرب:
كان أبو علي -رحمه الله- يرى1 وجه ذلك، ويقول: إنما دخل هذا النحو في كلامهم2؛ لأنهم ليست لهم أصول يراجعونها، ولا قوانين يعتصمون بها3. وإنما تهجم4 بهم طباعهم على ما ينطقون به، فربما استهواهم الشيء فزاغوا5 به6 عن القصد. هذا معنى قوله: وإن لم يكن صريح لفظه.
فمن ذلك ما أنشده أحمد بن يحيى:
غدا مالك يرمي نسائي كأنما ... نسائي لسهمي مالكٍ غرضان
فيا رب فاترك لي جهينة أعصرا ... فمالك موت بالقضاء دهاني7
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "يروي".
2 سقط هذا الحرف في د، هـ.
3 كذا في ش ط، وفي د، هـ، ز: "يستعصون" هـ، ز: "فراغوا".
4 كذا في ش، ط. وفي هـ، ز: "يهجم".
5 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "فراغوا".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فيه".
7 انظر ص81 من الجزء الثاني. وفي ز، ط: "جهيمة" في كان "جهينة".(3/276)
هذا1 رجل مات نساؤه شيئًا فشيئًا فتظلم من ملك الموت عليه السلام. وحقيقة لفظه غلط وفساد2. وذلك أن هذا الأعرابي لما سمعهم يقولون: ملك الموت، وكثر ذلك في الكلام، سبق إليه أن هذه اللفظة مركبة من ظاهر لفظها؛ فصارت عنده كأنها فعل؛ لأن ملكًا في اللفظ "على صورة"3 فلك فبني منها فاعلًا، فقال: مالك موت، وغدا مالك. فصار في ظاهر لفظه كأنه فاعل، وإنما مالك هنا على الحقيقة والتحصيل مافل، كما أن ملكًا على التحقيق مفل، وأصله ملأك4، فألزمت همزته التخفيف، فصار ملكًا. واللام فيه فاء، والهمزة عين، والكاف لام، هذا أصل تركيبه وهو "ل أك"5 وعليه تصرفه، ومجيء الفعل "منه في الأمر الأكثر"6 قال:
ألكني إليها وخير الرسو ... ل أعلمهم بنواحي الخبر
وأصله: ألئكني7؛ فخففت همزته. وقال:
ألكني إليها عمرك الله يا فتى ... بآية ما جاءت إلينا تهاديا
وقال8:
ألكني إلى قومي السلام رسالة ... بآية ما كانوا ضعافًا ولا عزلا
"وقال يونس: ألك يألك"9.
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهكذا".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "قاصد".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "في وزن".
4 كذا في ز، ط. وفي ش: "مألك".
5 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "ء ل ك".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "في أكثر الأمر منه".
7 في ط بعده: "إليها".
8 أي عمرو بن شأس، وانظر اللسان "ألك"، وشواهد المغني للبغدادي في الشاهد الواحد والستين بعد الستمائة والكتاب 1/ 101.
9 كذا في ش، ز، وسقط ما بين القوسين في ط. وهو أولى؛ لأن مكانه عند قوله بعد: "على أنه قد جاء عنهم ألك يألك" وفيه عني عنه، وفي ج: "لاك يلبك"، يريد: لأك يلئك، وهذه صحيحة، يريد أن يؤنس حكى الثلاثي من "ل أك".(3/277)
فإذا كان كذلك فقول لبيد:
بألوكٍ فبذلنا ما سأل1
إنما هو عفول قدمت عينه على فائه. وعلى أنه قد جاء عنهم ألك يألك من الرسالة إلا أنه قليل.
وعلى ما قلنا فقوله2:
أبلغ أبا دختنوس مألكةً ... غير الذي قد يقال ملكذب
"إنما هي"3 معفلة. وأصلها4 ملئكة فقلب، على ما مضى. وقد ذكرنا هذا الموضع في شرح تصريف أبي عثمان رحمه الله.
فإن قلت: فمن أين لهذا الأعرابي -مع جفائه وغلظ5 طبعه- معرفة التصريف، حتى بنى من "ظاهر لفظ"6 ملكٍ فاعلا، فقال: مالك.
قيل: هبه لا يعرف التصريف "أتراه لا"7 يحسن بطبعه وقوة نفسه ولطف حسه هذا القدر، هذا ما لا يجب أن يعتقده عارف بهم، أو آلف لمذاهبهم8؛ لأنه وإن لم يعلم حقيقة تصريفه بالصنعة9 فإنه يجده10 بالقوة، ألا ترى أن أعرابيًا بايع أن يشرب علبة لبن ولا يتنحنح، فلما شرب بعضها كظه11 الأمر فقال: كبش أملح. فقيل له: ما هذا، تنحنحت. فقال: من تنحنح فلا أفلح. أفلا تراه كيف
__________
1 صدره:
وغلام أرسلته أمه
2 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "قوله" وانظر في البيت ص312 من الجزء الأول.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "إنما هو". وفي ط: "إنها".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أصله".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز:"غلوة".
6 كذا في ز، ط، وفي ش: "لفظ ظاهر"، وفي ش: "ظاهر".
7 كذا في ز، ط، وفي ش: "ألا تراه".
8 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "لمذهبهم".
9 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "فإنما".
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يجدها" والتذكير للتصريف، والتأنيث لحقيقته.
11 كذا في ش، وفي ز، ط: "كده". وفي هـ: "كثره". ويقال كظه أي غمه من كثرة الأكل، حتى لا يطيق النفس.(3/278)
استعان لنفسه ببحة1 الحاء، واستروح إلى مسكة النفس بها وعللها2 بالصويت3 اللاحق "لها في الوقف"4 ونحن مع هذا نعلم أن هذا الأعرابي لا يعلم أن في5 الكلام شيئًا يقال له حاء، فضلًا عن أن يعلم أنها من الحروف المهموسة، وأن الصوت يلحقها في حال، سكونها والوقف عليها ما لا يلحقها في حال حركتها أو6 إدراجها في حال سكونها، في نحو بحر7، ودحر7؛ إلا أنه وإن لم يحسن شيئًا من هذه الأوصاف صنعة ولا علمًا، فإنه يجدها طبعا8 ووهمًا. فكذلك الآخر: لما سمع ملكًا وطال ذلك عليه أحس من ملك في اللفظ ما يحسه من حلك. فكما أنه يقال9: أسود حالك قال هنا من لفظة10 ملك: مالك، وإن لم يدر أن مثال ملك فعل أو مفل، ولا أن مالكًا هنا فاعل أو مافل. ولو بني من ملك على حقيقة الصنعة فاعل11 لقيل: لائك كبائك وحائك.
وإنما مكنت القول في هذا الموضع ليقوى في نفسك قوة حس هؤلاء القوم12، وأنهم قد يلاحظون بالمنة والطباع، ما لا نلاحظه نحن عن13 طول المباحثة والسماع. فتأمله فإن14 الحاجة إلى مثله ظاهرة.
__________
1 كذا في ش، وفي ز، ط: "بحنة".
2 في ط: "تعللها، على صيغة المصدر".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "بالتصويت". وفي ط: "بالصوت".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "في الوقف لها".
5 كذا في ش، ط، وسقط هذا الحرف في د، هـ، ز.
6 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "ر".
7 في ط: "تحر". والدحر: الطرد والإبعاد.
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "طبيعة".
9 كذا في ش، في د، هـ، ز، ط: "يقول منه".
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "لفظ".
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فاعلا".
12 سقط حرف العطف في ش.
13 كذا في ش، وفي د،، هـ. ز، ط: "على".
14 في د، هـ، ز بعده: "فيه".(3/279)
ومن ذلك همزهم مصائب. وهو غلط منهم. وذلك أنهم شبهوا مصيبة بصحيفة "فكما همزوا صحائف همزوا أيضًا مصائب وليست ياء مصيبة زائدة كياء صحيفة"1 لأنها عين، ومنقلبة عن واو، هي2 العين الأصلية. وأصلها مصوبة؛ لأنها اسم الفاعل من أصاب؛ كما أن أصل مقيمة مقومة وأصل مريدة مرودة، فنقلت الكسرة من العين إلى الفاء، فانقلبت الواو ياء، على ما ترى. وجمعها القياسي مصاوب. وقد جاء ذلك؛ قال:
يصاحب الشيطان من يصاحبه ... فهو أذي جمة مصاوبه
وقالوا في واحدتها3: مصيبة، ومصوبة، ومصابة. وكأن الذي استهوى في تشبيه ياء مصيبة بياء صحيفة أنها وإن لم تكن زائدة فإنها ليست على التحصيل بأصل، وإنما هي بدل من الأصل، والبدل من الأصل ليس أصلًا وقد عومل لذلك معاملة الزائد حكى سيبويه4 عن أبي الخطاب أنهم يقولون في راية: راءة. فهؤلاء همزوا بعد الألف وإن لم تكن زائدة وكانت بدلًا؛ كما يهمزون بعد الألف الزائدة في فضاء وسقاء5. وعلة ذلك أن هذه الألف وإن لم تكن زائدة فإنها بدل، والبدل مشبه للزائد. والتقاؤهما أن كل واحد6 منهما ليس أصلًا.
ونحو منه ما حكوه في قولهم في زاي: زاء. وهذا أشد "وأشد"7 من راءة؛ لأن الألف في راءة على كل حال بدل، وهي أشبه بالزائد وألف زاي ليست منقلبة بل هي أصل؛ لأنها في حرف، فكان ينبغي ألا تشبه بالزائد8؛ إلا أنها
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش.
2 في ش: "وهي".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "واحدها".
4 انظر الكتاب 130.
5 في ط: "شقاء".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "واحدة".
7 كذا في ط، وفي ش: "واشد" وهو تصحيف، وسقط هذا في د، هـ، ز.
8 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "بالزوائد".(3/280)
وإن لم تكن منقلبة فإنها وقعت موقع المنقلبة؛ لأن الألف هنا في الأسماء لا تكون أصلًا. فلما كان كذلك شبهت ألف زاي1 لفظًا بألف باب ودار؛ كما أنهم لما احتاجوا إلى تصريف أخواتها قالوا: قوفت قافا، ودولت دالا، وكوفت كافا، ونحو ذلك. وعلى هذا "أيضًا قالوا"2 زويت زايا، وحكى: إنها زاي فزوها. فلما كان كذلك انجذب حكم زاي إلى حكم راءة3.
وقد حكيت عنهم منارة ومنائر، ومزادة ومزائد. وكأن هذا أسهل من مصائب؛ لأن الألف أشبه بالزائد من الياء.
ومن البدل الجاري مجرى الزائد -عندي لا عند أبي علي- همزة وراء. ويجب أن تكون مبدلة من حرف علة؛ لقولهم4: تواريت عنك، إلا أن اللام لما أبدلت همزة أشبهت الزائدة التي5 في ضهيأة6، فكما أنك لو حقرت ضهيأة لقلت: ضهيئة، فأقررت الهمزة، فكذلك7 قالوا في تحقير وراء: وريئة. ويؤكد ذلك قول بعضهم فيها8: ورية؛ كما قالوا في صلاءة: صلية. فهذا ما أراه أنا9 وأعتقده في "وراء" هذه. وأما أبو علي -رحمه الله- فكان يذهب إلى أن لامها في الأصل همزة وأنها من تركيب "ورأ"، وأنها ليست من تركيب "ورى". واستدل على ذلك بثبات الهمزة في التحقير، على ما ذكرنا. وهذا -لعمري- وجه من القول، إلا أنك تدع معه الظاهر والقياس جميعًا. أما الظاهر فلأنها10 في معنى11 تواريت12، وهذه اللام
__________
1 في ز: "زاء".
2 سقط ما بين القوسين في ش.
3 في ط: "راي".
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لقولك".
5 سقط في ش.
6 هي التي لا تحيض.
7 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "وكذلك".
8 كذا في د، هـ، ز، وفي ش وضع هذا بعد "يؤكد".
9 سقط في د، هـ، ز.
10 في ز: "فإنها".
11 في ز، ط: "من".
12 في ط: "واريت".(3/281)
حرف علة، لا همزة وأن تكون ياء واجب1؛ لكون الفاء واوًا. وأما القياس فما قدمناه: من تشبيه البدل بالزائد. فاعرف ما رأيناه في هذا.
ومن أغلاطهم قولهم: حلأت السويق، ورثأت زوجي بأبيات، واستلأمت الحجر، ولبأت بالحج، وقوله:
كمشترئٍ بالحمد أحمرة بترا
وأما مسيل فذهب بعضهم في قولهم في جمعه: أمسلة إلى أنه من باب الغلط. وذلك لأنه2 أخذه من سال يسيل "فهو عندهم على مفعل كالمسير والمحيض"3 وهو4 عندنا غير غلط؛ لأنهم قد قالوا فيه: مسل، وهذا يشهد بكون الميم فاء. فأمسلة ومسلان: أفعلة وفعلان، كأجربة وجربان. ولو كانت أمسلة ومسلان من السيل لكان مثالهما: أمفلة ومفلان5 والعين منهما محذوفة، وهي ياء السيل. وكذلك قال بعضهم في معين؛ لأنه أخذه من العين لأنه من ماء العيون، فحمله على الغلط، لأنهم قد قالوا: قد6 سالت معنانه7، وإنما8 هو عندنا من قولهم أمعن له بحقه، إذا طاع له به. وكذلك الماء إذا جرى من العين فقد أمعن بنفسه، وطاع بها. ومنه الماعون؛ لأنه "ما من"9: العادة المسامحة به والانقياد إلى فعله.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أجدر".
2 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "أنه".
3 سقط ما بين القوسين في ش.
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "هذا".
5 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مفلانا".
6 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز، ط، يريد أن يعتشأ الغط قولهم: معناته والميم فيه فاء، فتوهم ذلك في الماء فقيل: معين.
7 هي مجاري الماء في الوادي، فالضمير في "معنانه" يعود على الوادي، ويقال أيضا: معنات للوادي لمسايله.
8 سقط في ش.
9 كذا في ط، وفي ش: "ما"، وفي ز: "من".(3/282)
وأنشدني "أبو عبد الله الشجري"1 لنفسه من قصيدة:
ترود ولا ترى فيها أريبا ... سوى ذي شجة فيها وحيد2
"كذا أنشدني هذه القصيدة مقيدة"3 فقلت له: ما معنى أريبا، فقال: من4 الريبة5. وأخبرنا أبو علي "عن الأصمعي أنه"6 كان يقول في قولهم للبحر: المهرقان: إنه من قولهم: هرقت الماء. وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى بقول "بلال بن"7 جرير:
إذا ضفتهم أو سآيلتهم ... وجدت بهم علة حاضره
أراد: ساءلتهم "فاعلتهم" من السؤال، ثم عن له أن يبدل الهمزة على قول من قال: سايلتهم، فاضطرب عليه الموضع فجمع بين الهمزة والياء فقال: سآيلتهم. فوزنه على هذا: فعاعلتهم. وإن جعلت الياء زائدة لا بدلا كان: فعابلتهم. وفي هذا ما تراه فاعجب له.
ومن أغلاطهم ما يتعايبون به في الألفاظ والمعاني من نحو قول ذي الرمة:
والجيد من أدمانةٍ عنود8
__________
1 كذا في ش، وفي ز، ط: "الشجري أبو عبد الله".
2 "وحيد" في ش: "وجيد" ويبدو أنه تصحيف، ويريد بذي الشجة الوتد، يريد أن الوحوش تتردد في هذا القفر ولا ترى فيها ما يريبها من آثار الناس إلا الوتد.
3 سقط ما بين القوسين في ش.
4 سقط هذا الحرف في د، هـ، ز.
5 في ج: "الربيئة".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أن الأصمعي".
7 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
8 "والجيد" في الديوان "والكشح" وقبله:
يا مي ذات المبسم البرود ... بعد الرقاد والحشا المخضود
والمقلتين وبياض الجيد
وتريد بالأدمانة ظبية بيضاء، والعنود التي ترهى وحدها، وأصله في النوق.(3/283)
وقوله:
حتى إذا دومت في الأرض راجعه ... كبر ولو شاء نجي نفسه الهرب1
وسنذكر هذا ونحوه في باب سقطات العلماء؛ لما فيه من الصنعة. وكذلك2 غمز3 بعضهم على بعض في معانيهم؛ كقول بعضهم4 لكثير في قوله:
فما روضة بالحزن طيبة الثرى ... يمج الندى جثجاثها وعرارها
بأطيب من أردان عزة موهنًا ... وقد أوقدت بالمندل الرطب نارها5
والله لو فعل هذا بأمة زنجية لطاب ريحها؛ ألا قلت كما قال سيدك6:
ألم ترأني كلما جئت طارقا ... وجدت بها طيبًا وإن لم تطيب
وكقول بشار في قول كثير:
ألا إنما ليلى عصا خيزرانة ... إذا غمزوها بالأكف تلين
لقد قبح بذكره7 العصا في لفظ الغزل؛ هلا قال كما قلت:
وحوراء المدامع من معد ... كأن حديثها "قطع الجمان
إذا قامت لسبحتها تثنت ... كأن عظامها من خيزران8
وكان الأصمعي يعيب الحطيئة ويتعقبه9، فقيل له في ذلك، فقال: وجدت شعره كله جيدًا، فدلني على أنه كان يصنعه. وليس هكذا الشاعر المطبوع: إنما الشاعر المطبوع الذي يرمي بالكلام على عواهنه: جيده على رديئه. وهذا باب في غاية السعة. وتقصيه يذهب بنا كل مذهب. وإنما ذكرت طريقة "وسمته"10 لتأتم بذلك وتتحقق11 سعة طرقات12 القوم في13 القول. فاعرفه بإذن الله تعالى.
__________
1 هذا في وصف ثور الوحش مع كلاب الصيد، فقوله: "دومت" أي الكلاب أي دارت. وقوله: "راجعة" أي الثورة، يعني أنه هم بالهرب من الكلاب، ولكنه أنف من الهرب فرجع إلى الكلاب.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لذلك".
3 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "عثر".
4 في الموشح 150 أن الذي قال هذا لكثير امرأة، وفي ص151 أنها امرأة لقيته في بعض طرق المدينة، وفي الأغاني "السلمي" 14/ 57 أن ناقد كثير قطام الخارجية صاحبة عبد الرحمن بن ملجم.
5 في الموشح 51: "قال المبرد: الجثعات: ريحانة طيبة الريح برية، والعزار: البهار البري، وهو حسن الصفرة طيب الريح، والمندل: العود، وقوله: موهنا يقول: بعد هدء من الليل".
6 أي امرأة القيس، والبيت من قصيدة في ديوانه.
7 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "بذكر".
8 "قطع الجمان" كذا في ش، ويبدو أنه محرف عن "قطع الجنان" وفي ز، ط: "تمر الجنان" والسبحة بضم السين: صلاة النافلة، وقد يكون بفتح السين وهي المرأة من السبح بمعنى التصرف والاضطراب والسعي.
9 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "يتعسفه".
10 سقط في ش.
11 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تحقيق".
12 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مضطربات".
13 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "و".(3/284)
باب في سقطات العلماء:
حكي عن الأصمعي أنه صحف قول الحطيئة:
وغررتني وزعمت أنـ ... ـك لابن في الصيف تامر1
فأنشده2:
... لاتني بالضيف تامر
أي تأمر بإنزاله وإكرامه. وتبعد هذه الحكاية "في نفسي"3 لفضل الأصمعي وعلوه؛ وغير أني رأيت أصحابنا على القديم يسندونها إليه، ويحملونها عليه.
__________
1 من قصيدة له في هجر الزبرقان بن بدر، أولها:
شاقتك أظعان لليـ ... ـلى يوم ناظرة بواكر
وناظرة: ماء لبني عبس، وبعد البيت الشاهد:
فلقد كذبت فما خشيـ ... ـت بأن تدور بك الدوائر
2 في ش بعده: "الأصمعي".
3 سقط ما بين القوسين في ش.(3/285)
وحكي أن الفراء "صحف فقال"1 الجر: أصل الجبل يريد الجراصل: الجبل.
وأخبرنا أبو صالح السليل بن أحمد، عن أبي عبد الله محمد بن العباس اليزيدي عن الخليل بن أسد2 النوشجاني3، عن التوزي، قال قلت لأبي زيد الأنصاري: أنتم تنشدون قول الأعشى:
بساباط حتى مات وهو محزرق4
وأبو عمرو الشيباني ينشدها: محرزق5، فقال: إنها نبطية وأم أبي عمرو نبطية، فهو أعلم بها منا.
وذهب أبو عبيدة في قولهم: لي عن هذا الأمر مندوحة، أي متسع إلى أنه من قولهم: انداح بطنه أي اتسع. وليس هذا من غلط أهل الصناعة. وذلك
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "قال إن"، وعبارة القاموس: "والجر: أصل الجبل، أو هو تصحيف للفراء، والصواب: الجراصل -كعلابط: الجبل" وقال شارحه: "والعجب من المصنف حيث لم يذكر الجراصلي في كتابه هذا" بل ولا تعرض له أحد من أئمة الغريب فإذا لا تصحيف كما لا يخفى".
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أحمد".
3 كذا في ش، وفي ز: "النوشخاني". وفي ط: "البوشنجاني".
4 كذا في د، هـ، ز، ظ، وفي ش: "محرزق". وصدر البيت:
فذاك وما أنجى من الموت ربه
وفاعل "أنجى" ضمير اليحموم المذكور في في قوله قيل:
ويأمر لليحموم كل عشية ... بقت وتعليق فقد كاد يسنق
واليحموم فرس النعمان بن المنذر، كان اتخذه النوائب وعنى به، ويذكر الأعشى أن هذا الجواد لم ربه وهو النعمان. فقد مات النعمان بساياط وهو محرزق أي مضيق عليه محبوس، وكان كسرى سخط فحبسه في ساباط، وهي مدينة في فارس، وأمر أن يلقى تحت أرجل الفيلة.
5 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "محزرق".(3/286)
أن انداح: انفعل، وتركيبه1 من دوح، ومندوحة: مفعولة، وهي من تركيب "ن د ح" والندح: جانب الجبل وطرفه، وهو إلى السعة، وجمعه2 أنداح. أفلا ترى إلى هذين الأصلين: تباينًا، وتباعدًا، فكيف يجوز أن يشتق أحدهما من صاحبه على بعد بينهما، وتعادي وضعهما.
وذهب ابن الأعرابي في قولهم: يوم أرونان إلى أنه من الرنة. وذلك أنها تكون مع البلاء3 والشدة. وقال4 أبو علي -رحمه الله: ليس هذا من غلط أهل الصناعة، لأنه ليس في الكلام أفوعال، وأصحابنا يذهبون إلى أنه أفعلان من الرونة وهي الشدة5 في الأمر.
وذهب أبو العباس أحمد بن يحيى في قولهم: أسكفة الباب إلى أنها من قولهم: استكف أي اجتمع. وهذا أمر ظاهر الشناعة. وذلك أن أسكفة: أفعلة والسين فيها فاء وتركيبه6 من "س ك ف؛ وأما استكف فسينه زائدة؛ لأنه استفعل، وتركيبه من"7 ك ف ف. فأين هذان الأصلان حتى يجمعا ويدانى من شملهما. ولو كانت أسكفة من استكف لكانت أسفعلة وهذا مثال لم يطرق فكرا ولا شاعر8 -فيما علمناه- قلبا. وكذلك لو كانت مندوحة من انداح بطنه -كما ذهب إليه أبو عبيدة- لكانت منفعلة. وهذا أيضًا في البعد والفحش كأسفعلة. ومع هذا فقد وقع الإجماع على أن السين لا تزاد9 إلا في استفعل، وما تصرف10 منه. وأسكفة ليس من الفعل في قبيل ولا دبير.
__________
1 سقط حرف العطف في د، هـ، ز.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الجمع".
3 في ش: "الغلاء"، والرنة: الصيحة الحزينة الشديدة.
4 سقط حرف العطف في د، هـ، ز، ط.
5 في ز، هـ: "شدة".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تركبها".
7 سقط ما بين القوسين في د، هـ، ز.
8 هو من شاعر المرأة: ضاجعها في ثوب واحد، يريد أن هذا المثال لم يصل إلى القلب ولم يخطر به، وفي ط: "شاعرا"، وهو خطأ.
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يزاد".
10 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يصرف".(3/287)
وذهب أحمد أيضًا في تنور إلى أنه تفعول من النار -ونعوذ بالله من عدم التوفيق. هذا على سداد هذا الرجل وتميزه من أكثر أصحابه- ولو كان تفعولًا من النار لوجب أن يقال1 فيه2: تنوور كما أنك لو بنيته من القول لكان3: تقوولا4، ومن العود5: تعوودا6. وهذا في نهاية الوضوح. وإنما تنور: فعول من لفظ "ت ن ر"، وهو أصل لم يستعمل إلا في هذا الحرف، وبالزيادة7 كما ترى. ومثله مما يستعمل إلا بالزيادة كثير. منه8 حوشب وكوكب "وشعلع"9 "وهزنبران"10 ودودري "ومنجنون"11 وهو واسع جدًّا12. ويجوز في التنور أن يكون فعنولًا من "ت ن ر"؛ فقد حكى أبو زيد في زرنوق: زرنوقا13.
ويقال: إن التنور لفظة اشترك فيها جميع اللغات من العرب وغيرهم. فإن كان كذلك فهو طريف، إلا أنه على كل حال فعول أو فعنول؛ لأنه جنس، ولو كان أعجميًا لا غير لجاز تمثيله "لكونه جنسًا ولاحقًا"14 بالعربي، فكيف وهو أيضًا
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "يقول".
2 كذا في ط، وسقط في ش، ز.
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "لقلت".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تقوول".
5 ضبط بفتح العين على ما في ظ، وفي ش بضم العين.
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تعوود". وفي البحر 5/ 199 توجيه رأي ثعلب إذ يقول: "وأصله تنوور" فهمزت الواو، ثم خففت، وشدد الحرف الذي قبله كما قال:
رأيت عرابة اللوسي يسمو ... إلى الغايات منقع القرين
يريد: عرانة الأوسي.
7 سقط حرف العطف في ط.
8 في ط، د، هـ: "نحوه".
9 سقط في د، هـ، ز.
10 سقط في ش.
11 سقط في ش.
12 في ط: "آخذ في السعة".
13 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "زرنوق".
14 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "لأنه جنس ولاحق".(3/288)
عربي؛ لكونه في لغة العرب غير منقول إليها، وإنما هو وفاق وقع ولو كان منقولًا "إلى اللغة العربية من غيرها"1 لوجب أن يكون أيضًا وفاقًا بين جميع اللغات غيرها2. ومعلوم سعة اللغات "غير العربية"3، فإن4 جاز أن يكون مشتركًا في جميع ما عدا العربية، جاز أيضًا أن يكون وفاقًا وقع فيها. ويبعد في نفسي أن يكون5 في الأصل للغةٍ واحدة، ثم نقل إلى جميع اللغات؛ لأنا لا نعرف له في ذلك نظيرا. وقد يجوز أيضًا أن يكون وفاقًا وقع بين لغتين6 أو ثلاث أو نحو ذلك، ثم انتشر بالنقل في جميعها. وما أقرب هذا في نفسي؛ لأنا لا نعرف شيئًا من الكلام وقع الاتفاق7 عليه في كل لغة، وعند كل أمة: هذا كله إن كان في جميع اللغات هكذا. وإن لم يكن كذلك كان الخطب فيه أيسر.
وروينا "هذه المواضع"8 عن أحمد بن يحيى. وروينا عنه أيضًا أنه قال: التواطخ9 من الطيخ، وهو الفساد. وهذا -على إفحاشه- مما يجمل الظن به؛ لأنه من الوضوح بحيث لا يذهب على أصغر صغير من أهل هذا العلم. وإذا كان كذلك وجب أن يحسن الظن به، ويقال إنه "أراد به"10: كأنه مقلوب11 منه. هذا أوجه عندي من أن يحمل عليه12 هذا الفحش والتفاوت كله.
__________
1 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "من اللغة العربية إلى غيرها".
2 سقط في د، هـ، ز.
3 كذا في ش وفي ز: "في غير العربية" وسقط هذا في ط.
4 في ط: "وإذا".
5 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "تكون".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "اللغتين".
7 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "إلا باتفاق".
8 كذا في ش، وفي ز، ط: "هذا الموضع".
9 يقال: تواطخ القوم الشيء: تداولوه بينهم، وكأن ثعلبا يرى أن الشيء إذا تدوول كثر استعماله قبلي وفسد.
10 كذا في ط. وفي د، هـ، ز: "أراد". وسقط هذا في ش.
11 أي قدمت الياء على الطاء فهذا قلب مكاني، وصاحبه قلب إعلالي، وهو قلب الياء واوا، وهذا كله لا تقضي به قاعدة صرفية.
12 في ط: "على".(3/289)
ومن هذا ما يحكى عن خلف أنه قال: أخذت على المفضل الضبي في مجلس واحد ثلاث سقطات: أنشد لامرئ القيس:
تمس بأعراف الجياد أكفنا ... إذا نحن قمنا عن شواء مضهب1
فقلت له: عافاك الله، إنما هو نمش: أي نمسح ومنه سمي منديل الغمر مشوشا، وأنشد للمخبل السعدي:
وإذا ألم خيالها طرقت ... عيني فماء شئونها سجم2
فقلت: عافاك الله! إنما هو طرفت، وأنشد للأعشى:
ساعةً أكبر النهار كما شد ... د محيل لبونه إعتاما3
فقلت: عافاك الله، إنما هو مخيل بالخاء المعجمة "وهو الذي"4 رأى خال السحابة، فأشفق منها على بهمه فشدها.
وأما ما تعقب به أبو العباس محمد بن يزيد كتاب سيبويه في المواضع التي سماها مسائل الغلط، فقلما يلزم صاحب الكتاب منه إلا الشيء النزر. وهو أيضًا -مع قلته- من كلام غير أبي العباس. وحدثنا أبو علي عن أبي بكر عن أبي العباس أنه قال: إن هذا كتاب5 كنا6 عملناه في أوان7 الشبيبة والحداثة، واعتذر أبو العباس منه.
__________
1 المضهب الذي لم يكمل نضجه.
2 من قصيدة مفضلية، وقبله مطلعها:
ذكر الرباب وذكرها سقم ... فصبا وليس لمن صها حلم
والشئون: مجاري الدمع. وسجم أي مسجوم، وهو من وضع المصدر موضع الوصف.
3 أكبر النهار أي حين ارتفع، يتحدث عن ثبات قومه للعدو ونكابتهم فيهم، فيقول: قتلناهم أول النهار في ساعة قدر ما يشد المخيل أخلاف إبله. والإعتام: الإبطاء. وانظر اللسان "كبر".
4 سقط ما بين القوسين في ش.
5 في ط: "الكتاب".
6 سقط في د، هـ، ز.
7 سقط في ش.(3/290)
وأما كتاب العين ففيه من التخليط والخلل والفساد ما لا يجوز أن يحمل على أصغر أتباع الخليل، فضلًا "عن1 نفسه" ولا محالة أن "هذا تخليط لحق"2 هذا الكتاب من قبل غيره رحمه الله. وإن كان للخليل فيه عمل فإنما هو أنه أومأ إلى عمل هذا الكتاب إيماء، ولم يله بنفسه، ولا قرره، ولا حرره. ويدل على أنه قد3 كان نحا نحوه4 أني5 أجد فيه معاني غامضة، ونزوات للفكر لطيفة، وصنعة في بعض الأحوال مستحكمة. وذاكرت به يومًا أبا علي -رحمه الله- فرأيته منكرًا له. فقلت له: إن تصنيفه منساق متوجه، وليس فيه التعسف الذي في كتاب الجمهرة، فقال: الآن إذا صنف إنسان لغة بالتركية تصنيفًا جيدًا أيؤخذ به في العربية!، أو كلامًا هذا نحوه.
وأما كتاب الجمهرة ففيه أيضًا من اضطراب التصنيف وفساد التصريف ما أعذر واضعه فيه6، لبعده عن معرفة هذا الأمر. ولما كتبته وقعت في متونه وحواشيه جميعا من التنبيه على هذه المواضع ما استحييت من كثرته7. ثم إنه لما طال علي أومأت إلى بعضه وأضربت8 البتة عن9 بعضه. وكان أبو علي يقول: لما هممت بقراءة رسالة10 هذا الكتاب على محمد11 بن الحسن قال لي: يا أبا علي: لا تقرأ هذا الموضع علي فأنت أعلم12 به مني. وكان قد ثبت في نفس أبي علي
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "عنه نفسه".
2 سقط ما بين القوسين في ز.
3 سقط هذا الحرف في ش.
4 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "ينحو".
5 كذا في ش، ط وفي د، هـ، ز: "أنني".
6 سقط في ش.
7 في ط: "كوثه".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "ضربت".
9 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "على".
10 كأنه يريد برسالة الجمهرة مقدمتها، وفيها الكلام على مخارج الحروف وتأليف الكلام، وخاتمتها وفيها النوادر والصيغ والأمثلة وقد كان الفارسي مبرزا في هذه المباحث، ولا يريد قسم المفردات اللغوية.
11 هو ابن دريد صاحب الجمهرة.
12 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أعرف".(3/291)
على أبي العباس في تعاطيه الرد1 على سيبويه ما كان لا يكاد يملك معه نفسه. ومعذورا كان "عندي في ذلك"2 لأنه أمر وضع من أبي العباس، وقدح فيه، وغض كل الغض منه.
وذكر النضر عند الأصمعي فقال: قد كان يجيئني، وكان إذا أراد أن يقول: ألف قال3؛ إلف.
ومن ذلك اختلاف الكسائي وأبي محمد اليزيدي عند أبي عبيد الله في الشراء4 أممدود هو أم مقصور. فمدة اليزيدي وقصره الكسائي فتراضيا5 ببعض "فصحاء العرب و"6 كانوا بالباب، فمدوه7 على قول اليزيدي. وعلى كل حال فهو يمد ويقصر. وقولهم: أشرية دليل المد "كسقاء"8 وأسقية.
ومن ذلك ما رواه الأعمش9 في حديث عبد الله بن مسعود: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة. وكان أبو عمرو بن العلاء10 قاعدًا عنده بالكوفة11 فقال "الأعمش: يتخولنا، وقال أبو عمرو يتخوننا"12 فقال الأعمش: وما
__________
1 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "للرد".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "في ذلك عندي".
3 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يقول" يريد أن النضر كان يكسر همزة ألف، وما أثبت هو ما في ش، ج، وفي ز، ط "ألب" أي أنه كان يبدل من الفاء باء، والنضر هو ابن شميل من أصحاب الخليل، وكانت وفاته سنة 203.
4 في ز: "الشرى".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فتراضوا".
6 كذا في ش، وفي ط:"فصحاء الأعراب" وفي د، هـ، ز: "الفصحاء".
7 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "فمده".
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "كأرشية".
9 هو سليمان بن مهران الكوفي كان يقرن بالزهري في الحجاز؛ وهو من أعلام العلماء توفي سنة 148.
10 كذا في ز، وفي ط: "حاضرا"، وسقط في ش.
11 سقط في ش.
12 كذا في ش. وفي د، هـ، ز: "يتخونتا. فقال الأعمش: "يتخولنا، فقال أبو عمرو: يتخوننا". وفي ط: "وهو يتخوننا. فقال الأعمش: يتخولنا".(3/292)
يدريك؟ فقال أبو عمرو: إن شئت أن أعلمك أن الله -عز وجل- لم1 يعلمك "حرفًا من العربية"2 أعلمتك. فسأل عنه الأعمش فأخبر بمكانه من العلم. فكان بعد ذلك يدنيه، ويسأله عن الشيء إذا أشكل عليه. هذا3 ما في الحكاية. وعلى ذلك فيتخولنا صحيحة. وأصحابنا يثبتونها. ومنها -عندي4- قول البرجمي:
يساقط عنه روقه ضارياتها ... سقاط حديد القين أخول أخولا5
أي شيئًا بعد شيء. وهذا هو معنى قوله: يتخولنا بالموعظة، مخافة السآمة، أي يفرقها ولا يتابعها.
ومن ذلك اجتماع الكميت مع نصيب، وقد استنشده نصيب من شعره، فأنشده الكميت:
هل أنت عن طلب الأيفاع منقلب6
حتى إذا بلغ إلى قوله:
أم هل ظعائن بالعلياء نافعة ... وإن تكامل فيها الدل والشنب7
__________
1 كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "لا".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "من العربية حرفا".
3 في د، هـ، ز بعده: "على".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز: "عندنا".
5 هذا في الحديث عن ثور وحشي يطرد كلاب الصيد عنه ويدفعها بروفة. والروق: القرن. وانظر ص132 من الجزء الثاني.
6 عجزه:
أم كيف يحسن من ذي الشبية اللعب
7 جاء البيت في أمالي الرضى 2/ 254 هكذا:
وقد رأينا بها حورا منعمة ... رودا تكامل فيها الدل والشنب(3/293)
عقد نصيب بيده واحدًا، فقال الكميت: ما هذا؟ فقال أحصي خطأك. تباعدت في قولك: الدل والشنب؛ ألا قلت كما قال ذو الرمة:
لمياء في شفتيها حوة لعس ... وفي اللثات وفي أنيابها شنب
ثم أنشده:
أبت هذه النفس إلا ادكارا
حتى إذا بلغ إلى قوله:
كأن الغطامط من غليه ... أراجيز أسلم تهجو غفارا1
قال نصيب: ما هجت أسلم غفارًا قط. فوجم الكميت.
وسئل الكسائي في مجلس يونس عن أولقٍ: ما مثاله من الفعل؟ فقال: أفعل2. فقال له يونس3: استحييت لك يا شيخ! والظاهر عندنا من أمر أولق أنه فوعل من قولهم: ألق الرجل، فهو مألوق؛ أنشد أبو زيد:
تراقب عيناها القطيع كأنما ... يخالطها من مسه مس أولق4
وقد يجوز أن يكون: أفعل من ولق يلق إذا خف وأسرع؛ قال:
جاءت به عنس من الشأم تلق5
__________
1 الغطامط: صوت موج البحر. وفي اللسان: "غليها" وكأنه يتحدث عن قدر في البيت قبله.
2 في د، هـ، ز بعده: "أفطل".
3 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مروان" ومروان كأنه مروان بن سعيد المهلبي أحد أصحاب الخليل، له ترجمة قصيرة في ياقوت.
4 هذا في وصف ناقة، والقطيع: السوط. وانظر ص10 من الجزء الأول.
5 انظر ص9 من الجزء الأول، ص299 من تهذيب الألفاظ.(3/294)
أي تخف وتسرع، وهم يصفون الناقة -لسرعتها- بالحدة والجنون؛ قال القطامي:
يتبعن سامية العينين تحسبها ... مجنونة أو ترى ما لا ترى الإبل1
والأولق: الحنون. ويجوز أيضًا2 أن يكون فوعلا من ولق هذه. وأصلها3 -على هذا- وولق. فلما التقت الواوان في أول الكلمة همزوا الأولى منهما، على العبرة في ذلك.
وسئل الكسائي أيضًا في مجلس يونس عن قولهم: لأضربن أيهم يقوم، لم لا يقال: لأضربن أيهم4. فقال: أي هكذا خلقت.
ومن ذلك إنشاد الأصمعي لشعبة5 بن الحجاج قول فروة6 بن مسيك المرادي:
فما جبنوا أني أشد عليهم ... ولكن رأوا نارًا تحس وتسفع
فقال شعبة: ما هكذا أنشدنا سماك7 بن حرب. إنما أنشدنا: "تحش" بالشين معجمة. قال الأصمعي: فقلت: تحس: تقتل من قول الله -تعالى: {إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ} 8 أي تقتلونهم، وتحش: توقد. فقال لي شعبة: لو فرغت للزمتك.
__________
1 انظر ص11 من الجزء الأول.
2 سقط في ش.
3 في د، هـ: "أصله".
4 "لأضربن أيهم" كذا في الأصول، وضبط فيها "أيهم" هنا بالنصب "وأيهم" الأولى بالرفع. ويبدو أن الأصل: "ضربت أيهم" فإن المنقول عن الكسائي أنه لا يرى أن يعمل في أي الموصولة الماضي، وأنه قال مقالته: "أي كذا خلقت" لما سئل عن هذا، أو الأصل: لأضربن أيهم قام" فإنه يمنع هذا أيضا.
5 هو الحافظ أحد أئمة الإسلام، مات سنة 160 كما في الخلاصة.
6 في اللسان "حسن" نسبته إلى أوس، يعني ابن حجر. وهو من قصيدة الأوس في ديوانه، وقبله:
تكنفنا الأعداء من كل جانب ... لينتزعوا عرقاتنا ثم يرتعوا
7 هو أحد أعلام الحديث من التابعين مات سنة 123.
8 آية 152 سورة آل عمران.(3/295)
وأنشد رجل من أهل المدينة أبا عمرو بن العلاء قول ابن قيس الرقيات1:
إن الحوادث بالمدينة قد ... أوجعنني وقرعن مروتيه
فانتهره أبو عمرو، فقال: ما لنا ولهذا الشعر الرخو! إن هذه الهاء لم توجد2 في شيء من الكلام إلا أرخته. فقال له المديني: قاتلك الله! ما أجهلك بكلام العرب! قال الله -عز وجل- في كتابه: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ} 3 وقال: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ} 4، 5 فانكسر أبو عمرو انكسارًا شديدًا. قال أبو هفان: وأنشد هذا الشعر عبد الملك بن مروان، فقال: أحسنت يابن قيس، لولا أنك خنثت قافيته6. فقال يا أمير المؤمنين ما عدوت قول الله -عز وجل- في كتابه {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ} فقال له عبد الملك: أنت في هذه7 أشعر منك في شعرك.
قال أبو حاتم: قلت للأصمعي: أتجيز: إنك لتبرق لي وترعد؟ فقال: لا8، إنما هو تبرق وترعد. فقلت له: فقد قال الكميت:
أبرق وأرعد يا يزيـ ... ـد فما وعيدك لي بضائر
__________
1 زيادة في ط. وبيت قيس من قصيدة في ديوانه يقولها في رثاء من مات من أهله في وقعت الحرة. وقبله:
ذهب الصبا وتركت غينيه ... ورأى الغواني شيب لمتيه
وهجرتني وهجرتهن وقد ... غنيت كرائمها يطفن بيه
إذ لمتي سوداء ليس بها ... وضح ولم أفجع بإخوتيه
الحاملين لواء قومهم ... والذائدين وراء عورتيه
2 د، هـ: "تدخل".
3 آيتا 28، 29 سورة الحاقة.
4 آيتا 25، 26 سورة الحاقة.
5 في ط بعده: "وتعسه".
6 في د، هـ، ط: "قوافيه".
7 في د، هـ، ط: "هذا".
8 سقط في ش.(3/296)
فقال: هذا جرمقاني1 من أهل الموصل، ولا آخذ بلغته. فسألت عنها أبا زيد الأنصاري، فأجازها. فنحن كذلك إذ وقف علينا أعرابي محرم، فأخذنا نسأله. فقال "أبو زيد"2: لستم تحسنون أن تسألوه، ثم قال له3: كيف تقول: إنك لتبرق لي وترعد؟. فقال له الأعرابي: أفي الجخيف تعني؟ أي التهدد. فقال: نعم. فقال الأعرابي: إنك لتبرق لي وترعد. فعدت إلى الأصمعي، فأخبرته فأنشدني:
إذا جاوزت من ذات عرق ثنيةً ... فقل لأبي قابوس: ما شئت فارعد
ثم قال لي: هكذا4 كلام العرب.
وقال أبوحاتم أيضًا: قرأت على الأصمعي رجز العجاج، حتى وصلت5 إلى قوله:
جأبًا ترى بليته مسحجا6
فقال: ... تليله، فقلت: بليته. فقال: تليله مسحجا، فقلت له7: أخبرني به من سمعه من فلق في رؤبة، أعني أبا زيد الأنصاري، فقال: هذا لا يكون "فقلت: جعل "مسحجا" مصدرًا أي تسحيجًا. فقال: هذا لا يكون"8. فقلت: قال جرير:
ألم تعلم مسرحي القوافي9
أي تسريحي. فكأنه توقف. فقلت: قد قال الله -تعالى: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} 10، فأمسك.
__________
1 هو واحد الجرامقة، وهم قوم بالموصل أصلهم من العجم.
2 زيادة في ط.
3 زيادة في د، هـ.
4 في د، هـ، ط: "هذا".
5 في د، هـ: "إذا وصلت".
6 انظر ص367 من الجزء الأول.
7 سقط في ش.
8 سقط ما بين القوسين في ش.
9 انظر 368 من الجزء الأول.
10 آية 19 سورة سبأ.(3/297)
ومن ذلك إنكار أبي حاتم على عمارة بن عقيل جمعه الريح على أرياح. قال: فقلت "له فيه"1: إنما هي أرواح. فقال: قد قال -عز وجل: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} 2 وإنما الأرواح جمع روح. فعلمت بذلك أنه "ممن لا"3 يجب أن يؤخذ عنه.
وقال أبو حاتم: كان الأصمعي ينكر زوجة؛ ويقول: إنما هي زوج. ويحتج بقول الله -تعالى: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} 4 قال: فأنشدته قول ذي الرمة:
أذو زوجة في المصر أم ذو خصومة ... أراك لها بالبصرة العام ثاويا5
فقال: ذو الرمة طالما أكل المالح والبقل في حوانيت البقالين. قال: وقد قرأنا عليه "من قبل"6 لأفصح الناس فلم ينكره:
فبكى بناتي شجوهن وزوجتي ... والطامعون إلي ثم تصدعوا7
وقال آخر8:
من منزلي قد أخرجتني زوجتي ... تهر في وجهي هرير الكلبة9
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش.
2 آية 22 سورة الحجر.
3 في د، هـ: "ليس".
4 آية 37 سورة الأحزاب.
5 من قصيدة له في مدح بلال بن أبي بردة، وهذا قول العجوز المذكورة في قوله قيل:
تقول عجوز مدرجي متروحا ... على بابها من عند أهلي وغاديا
يقول: إنه ترك البادية وأقام بالبصرة، وهي ما عناه بالمصر، فكان يمر في طريقه على عجوز، فقالت له وقد علمت أنه ليس من البصرة: هل لك زوجة أو أنت ذو خصومة فلك قضية عند الحاكم؟ وانظر الديوان والكامل بشرح المرصفي 4/ 183.
6 سقط ما بين القوسين في ش.
7 من قصيدة مفضلية لعبدة بن الطبيب، وقبله:
ولقد علمت بأن قصري حفرة ... عبراء يحملني إليها شرجع
قصري أي آخر أمري، والحفرة القبر، والشرجع: الدعش، والشجو: الحزن، يقول: إن خاصته وأحياءه يبكون عليه مدة إذا مات، ثم يتفرقون لشأنهم وينسونه، وانظر شرح المفضليات لابن الأنباري 301.
8 في د، هـ، ط: "الآخر".
9 في مجالس ابن خنزابة بعد هذا البيت: "وإنما لج الأصمعي لأنه كان مولعا بأجود اللغات، ويرد ما ليس بالقوي، وذلك الوجه أجود الوجهين".(3/298)
وقد1 كان يعاب ذو الرمة بقوله:
حتى إذا دومت في الأرض راجعه ... كبر، ولو شاء نجى نفسه الهرب2
فقيل: إنما يقال: دوى في الأرض، ودوم في السماء.
وعيب أيضًا في قوله:
والجيد من أدمانة عنود3
فقيل: إنما يقال4: أدماء وآدم. والأدمان جمع؛ كأحمر وحمران، وأنت لا تقول: حمرانة ولا صفرانة. وكان أبو علي يقول: بنى من هذا الأصل فعلانة؛ كخمصانة.
وهذا ونحوه مما يعتد في أغلاط العرب؛ إلا أنه لما كان من أغلاط هذه الطائفة القريبة العهد، جاز أن نذكره في سقطات العلماء. ويحكى أن أبا عمرو رأى ذا الرمة في دكان طحان بالبصرة يكتب، قال: فقلت: ما هذا يا ذا الرمة! فقال: اكتم علي يا أبا عمرو. ولما قال أيضا:
كأنما عينها منها وقد ضمرت ... وضمها السير في بعض الأضى ميم5
فقيل6 له: من أين عرفت الميم؟ فقال: والله ما أعرفها؛ إلا أني رأيت معلمًا خرج إلى البادية فكتب حرفًا، فسألته عنه، فقال: هذا7 الميم؛ فشبهت به عين الناقة. وقد أنشدوا:
كما بينت كاف تلوح وميمها8
__________
1 سقط في ش، ط.
2 انظر ص284 من هذا الجزء.
3 انظر ص283 من هذا الجزء.
4 في د، هـ، ط: "هي".
5 هذا في وصف ناقته المذكورة قبل في قوله:
هل تدنينك من خرقاء ناجية ... وجفاء ينجاب عنها الليل علكوم
العلكوم: القوية الصلبة من الإبل، والأضى جمع الأضاة، وهو الغدير والمستنقع، يقول: إن عينها إذا جهدها السير غارت ونحفت فإذا وردت ماء الأضى ورأى الناظر خيالها فيه بدت عينها كحرف الميم.
6 في ط: "قيل"ز
7 في ط: "هذه".
8 صدره:
أهاجتك آيات أبان قديمها
والشعر للراعي، وانظر الكتاب 2/ 31.(3/299)
وقد قال أبو النجم:
أقبلت من عند زياد كالخرف ... تخط رجلاي بخط مختلف
تكتبان في الطريق لام ألف1
وحكى أبو عبد الله محمد بن العباس اليزيدي عن أحمد بن يحيى عن سلمة قال: حضر الأصمعي وأبو عمرو الشيباني عند أبي السمراء فأنشده2 الأصمعي:
بضرب كآذان الفراء فضوله ... وطعنٍ كتشهاق العفا هم بالنهق3
ثم ضرب بيده إلى فرو كان بقربه، يوهم أن الشاعر أراد فروًا. فقال أبو عمرو: أراد الفرو4. فقال الأصمعي: هكذا راويتكم5!.
ويحكى عن رؤبة في توجهه إلى قتيبة بن مسلم أنه قال: جاءني رجلان، فجلسا إلي وأنا أنشد شيئًا من شعري، فهمسا6 بينهما، فتفقت7 عليهما، فهمدا.
__________
1 زياد صديق له كان يسقيه الشراب فينصرف من عنده مملا كالحرف، وهو الذي فسد عقله لكبر "وقوله: تكتبان لام ألف أي لاما وألفا، أي تارة يمشي معوجا فتخط رجلاه خطا شبيها باللام، وتارة يمشي مستقيما فتخط رجلاه خطا شبيها بالألف، وانظر الخزانة في الشاهد السابع.
2 في د، هـ: "فأنشد".
3 كأن هذا البيت مركب من بيتين أولهما لأبي الطمحان القيني وهو:
بضرب يزيل الهام عن سكناته ... وطعن كتشهاق العفا هم بالنهق
والثاني لمالك بن زغبة الباهلي، وهو:
بضرب كآذان الفراء فضوله ... وطعن كإيزاغ المخاض تبورها
وقد ورد الأول في اللسان "عفا" والآخر في اللسان "فرأ" والفراء جمع الفراء، وهو حمار الوحش. والعفا ولد حمار الوحش، وانظر الجواليقي على أدب الكاتب 397.
4 في ش: "الفراء".
5 كذا في ط، هـ، وفي ش: "رأيتكم" وهو تحريف.
6 في الموشح: "فتغامزا".
7 كذا في الأصول، ولم يتوجه لي معناها، ويبدو أنها محرفة عن "فتقبعت" وهو ما جاء في الموشح 192، والتقبع من القبع، وهو في الأصل صوت يردده الفرص من منخريه إلى حلقه، ويكون عند رؤيته شيئا يكرهه أو يتقيه، يريد أنه أظهر لهما الكراهة، وقد يكون الأصل: فنفت عليهما أي غضبت، من النفت.(3/300)
ثم سألت عنهما، فقيل لي: الطرماح والكميت. فرأيتهما ظريفين، فأنست بهما. ثم كانا يأتياني، فيأخذان الشيء بعد الشيء من شعري، فيودعانه أشعارهما.
وقد كان قدماء أصحابنا يتعقبون رؤبة وأباه، ويقولون: تهضما اللغة، وولداها وتصرفا فيها، غير تصرف الأقحاح فيها. وذلك لإيغالهما في الرجز، وهو مما يضطر إلى كثير من التفريع والتوليد: لقصره1، ومسابقة قوافيه.
وأخبرنا أبو صالح السليل بن أحمد بإسناده عن الأصمعي قال: قال لي2 الخليل: جاءنا رجل فأنشدنا:
ترافع العز بنا فارفنعما3
فقلنا4: هذا لا يكون. فقال: كيف جاز للعجاج أن يقول:
تقاعس العز بنا فاقعنسسا
فهذا ونحوه يدلك على منافرة القوم لهما، وتعقبهم5 إياهما، وقد ذكرنا هذه الحكاية فيما مضى6 من هذا الكتاب، وقلنا في معناها: ما7 وجب8 هناك.
وحكى الأصمعي قال: دخلت على حماد9 بن سلمة وأنا حدث، فقال لي: كيف تنشد قول الحطيئة: "أولئك قوم إن بنوا أحسنوا ماذا. فقلت"10:
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البني ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
__________
1 في ط: "لقصر وزنه".
2 سقط في ش.
3 انظر ص362 من الجزء الأول.
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فقلت".
5 في د، هـ، ط: "تتبعهم".
6 انظر ص261 من الجزء الأول.
7 في د، هـ، ط: "بما".
8 في ط: "يجب".
9 هو بصرى من كبار المحدثين. مات سنة 167هـ.
10 سقط ما بين القوسين في ش.(3/301)
فقال: يا بنى، أحسنوا البنا. يقال: بنى، يبنى بناء في العمران، وبنا يبنوُ1 بنًا، في الشرف. هكذا هذه الحكاية، رويناها عن بعض أصحابنا. وأما الجماعة فعندها أن الواحد من ذلك: بنية وبنية؛ فالجمع على ذلك: البُنَى، والبِنَى.
وأخبرنا أبو بكر محمد بن علي بن القاسم الذهبى بإسناده عن أبي عثمان أنه كان عند أبي عبيدة، فجاءه رجل، فسأله، فقال له: كيف تأمر من قولنا: عنيت بحاجتك؟ فقال له أبو عبيدة: أعن بحاجتى. فأومأت إلى الرجل: أى ليس كذلك. فلما خلونا قلت له: إنما يقال: لتعن بحاجتى. قال: فقال لى أبو عبيدة: لا تدخل إلي. فقلت: لم؟ فقال: لأنك كنت مع رجل خوزى2، سرق منى عاما3 أول قطيفة لى. فقلت: لا والله ما الأمر كذلك: ولكنك سمعتنى أقول ما سمعت، أو كلاما هذا معناه.
وحدثنا أبو بكر محمد بن علي المراغي قال: حضر الفراء أبا عمر الجرمي، فأكثر سؤاله إياه. قال: فقيل لأبي عمر: قد أطال سؤالك؛ أفلا تسأله! فقال له أبو عمر: يا أبا زكرياء، ما4 الأصل في قم؟ فقال: اقوم. قال: فصنعوا ماذا؟ قال: استثقلوا الضمة على الواو، فأسكنوها، ونقلوها إلى القاف. فقال له أبو عمر: "هذا خطأ"5: الواو إذا اسكن ما قبلها جرت مجرى الصحيح، ولم تستثقل الحركات فيها. ويدل على صحة قول أبي عمر إسكانهم إياها وهى مفتوحة في نحو يخاف وينام؛ ألا ترى أن أصلهما6: يخوف، وينوم: وإنما إعلال7 المضارع هنا محمول على إعلال7 الماضى. وهذا مشروح في موضعه.
__________
1 في ش: "يبنى".
2 أي من الخوز وهم سكان خوزستان في بلاد فارس.
3 في اللسان "عنا": "عام".
4 في ط: "كيف".
5 في ط: "قد أخطأت".
6 كذا في ط. وفي ش: "أصلها".
7 في ط: "اعتلال".(3/302)
ومن ذلك حكاية أبي عمر1 مع الأصمعى وقد سمعه يقول: أنا أعلم الناس بالنحو، فقال له الأصمعى: "يا أبا عمر"2 كيف تنشد "قول الشاعر"3:
قد كن يخبأن الوجوه تسترا ... فالآن حين بدأن للنظار
بدأن أو بدين؟ فقال أبو عمر: بدأن. فقال الأصمعى: يا أبا عمر، أنت أعلم الناس بالنحو! -يمازحه- إنما هو بدون، أى ظهرن. فيقال: إن أبا عمر تغفل الأصمعى، فجاءه يوما وهو في مجلسه، فقال له أبو عمر: كيف تحقر مختارا؟ فقال الأصمعى: مخيتير. فقال له أبو عمر: أخطأت؛ إنما هو مخير أو مخيير، تحذف التاء؛ لأنها زائدة.
حدثني أبو علي قال: اجتمعت مع أبي بكر4 بن الخياط عند أبي العباس المعمرى بنهر معقل، في حديث حدثنيه طويل. فسألته عن العامل في "إذا" من قوله -سبحانه: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} 5 قال: فسلك فيها مسلك6 الكوفيين. فكلمته إلى أن أمسك. وسألته عن غيرها، وعن غيرها؛ وافترقنا. فلما كان الغد7 اجتمعت معه عند أبي العباس،
__________
1 هو الجرمي.
2 سقط ما بين القوسين في ش.
3 ثبت ما بيو القوسين في ط، والشاعر هو الربيع بن زياد في قصيدة يرثي بها مالك بن زهير العبسي. وقبله:
من كان مسرورا بمقتل مالك ... فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسرا يندبنه ... يلطمن أوجههن بالأسحار
ويقول التبريزي في شرح البيت: "أي كانت نساؤنا يخبأن وجوههن عفة وحياء، فالآن ظهرن للناظرين لا يعقلن من الحزن" وانظر شرح التبريزي للحماسة "التجارية" 3/ 38.
4 هو محمد بن أحمد مات سنة 320.
5 آية 7 سورة سبأ.
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ط: "مذهب". وكأن مذهب الكوفيين أن "إذا" متعلقة بقوله: {لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} وهذا لا يجيزه البصريون لأن ما بعد "إن" لا يعمل فيما قبلها عندهم. وإنما "إذا" عندهم متعلقة بفعل محذوف أي تبعثون، وهي جملة اعتراضية بين "ينبئكم" ومعموله: {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} .
7 في ط: "من الغد".(3/303)
وقد أحضر جماعة من أصحابه فسألونى فلم أر فيهم طائلا. فلما انقضى سؤالهم قلت لأكبرهم: كيف تبنى من سفرجل مثل عنكبوت فقال: سفرروت1. فلما سمعت ذلم قمت في المسجد قائما، وصفقت بين الجماعة: سفرروت! سفرروت! فالتفت إليهم أبو بكر فقال: لا أحسن الله جزاءكم! ولا أكثر في الناس مثلكم! وافترقنا فكان آخر العهد به2.
قال أبو حاتم: قرأ الأخفش: -يعنى أبا الحسن: "وقولوا للناس حسنى"3 فقلت: هذا لا يجوز؛ لأن "حسنى" مثل فعلى4، وهذا لا يجوز إلا بالألف واللام. قال: فسكت. قال أبو الفتح: هذا عندى غير لازم لأبي الحسن؛ لأن "حسنى" هنا5 غير صفة؛ وإنما هو مصدر بمنزلة الحسن؛ كقراءة غيره: "قولوا للناس حسنا" ومثله في الفعل والفعلى: الذكر والذكرى، وكلاهما مصدر. ومن الأول البؤس والبؤسى. والنعم والنعمى. ولذلك نظائر.
وروينا -فيما أظن- عن محمد بن سلام الجمحى قال: قال لى يونس ابن حبيب: كان عيسى بن عمر يتحدث في مجلس فيه أبو عمر بن العلاء. فقال عيسى في حديثه: ضربه فحشت6 يده. فقال أبو عمرو: ما تقول يا أبا عمر! فقال عيسى: فحشت يده. فقال أبو عمرو: فحشت يده7. قال يونس: التي رده عنها جيدة. يقال حشت يده -بالضم، وحشت يده -بالفتح، وأحشت. وقال يونس: وكانا إذا اجتمعا في مجلس لم يتكلم أبو عمرو مع عيسى؛ لحسن إنشاده وفصاحته.
__________
1 وهذا خطأ، وإنما هو سفرجوت.
2 في ط: "بهم".
3 آية 83 سورة البقرة، وهذا القراءة تعزى إلى الحسن البصري.
4 في د، هـ: "فضل".
5 كذا في ش، وفي د، هـ: "ليس" وفي ط: "ليست".
6 أي يبست، وأكثر ما يكون ذلك في الشلل.
7 سقط في ش.(3/304)
الزيادى عن الأصمعى قال: حضر الفرزدق1 مجلس ابن أبي إسحاق، فقال له: كيف تنشد هذا البيت:
وعينان قال الله كونا فكانتا ... فعولان بالألباب ما تفعل الخمر2
فقال الفرزدق: كذا أنشد. فقال ابن أبي إسحاق: ما كان عليك لو قلت: فعولين! فقال الفرزدق: لو شئت أن تسبح لسبحت. ونهض فلم يعرف أحد في المجلس ما أراد بقوله: لو شئت أن تسبح لسبحت، أى لو نصب لأخبر أن الله خلقهما وأمرهما أن تفعلا ذلك، وإنما أراد: أنهما تفعلان بالألباب ما تفعل الخمر "قال أبو الفتح: كان هنا تامة غير محتاجة إلى الخبر، فكأنه قال: وعينان قال الله: احدثا فحدثتا، أو اخرجا إلى الوجود فخرجتا"3.
وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى قال: سأل رجل سيبويه عن قول الشاعر4:
يا صاح يا ذا الضامر العنس
فرفع سيبويه "الضامر" فقال له الرجل: إن فيها:
والرحل "ذي الأقتاد"5 والحلس
__________
1 وفي مجالس كاتب ابن حتزاية كتب في الهامش على هذا البيت: "حاشية: هذا البيت لذي الرمة، وسؤال الفرزدق عنه غلط فيما أحسب، وهذا لا بعد فيه" فقد كان ذو الرمة والفرزدق متعاصرين، وكان ذو الرمة معروفا بالشعر في زمن الفرزدق.
2 قبله:
لها بشر مثل الحرير ومنطق ... رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر
3 ثبت ما بين القوسين في د، هـ، ط. وسقط في ش. وفي ابن حنزاية أنه يجوز نصب فعولين على القطع أي الحال من فاعل "كانتا" على تمامها.
4 هو خالد بن المهاجر في رواية الأغاني. وانظر الخزانة في الشاهد العشرين بعد المائة.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ط: "والأقتاب"، يريد أن عجز البيت يقضي أن تكون "ذا" في الصدر بمعنى صاحب فيجر "الضامر" بالإضافة، وتكون "ذا" إشارية فيرفع "الضأمر".(3/305)
فقال سيبويه1: من هذا هربت. وصعد فى الدرجة. فقال أبو الفتح: هذا عندنا2 محمول على معناه دون لفظه. وإنما أراد: ياذا العنس الضامر، والرحل "ذى الاقتاد" فحمله على معناه، "دون لفظه"2.
قال أبو العباس: حدثني أبو عثمان قال: جلست في حلقة الفراء، فسمعته يقول لأصحابه: لا يجوز حذف لام الأمر إلا في شعر. وأنشد:
من كان لا يزعم أني شاعر ... فيدن مني تنهه المزاجر3
قال: فقلت له: لم جاز في الشعر ولم يجز في الكلام؟ فقال: لأن الشعر يضطر فيه الشاعر، فيحذف. قال: فقلت: وما الذى اضطره هنا، وهو يمكنه أن يقول: فليدن منى؟ قال: فسأل عنى، فقيل له: المازنى، فأوسع لى. قال أبو الفتح: قد كان يمكن الفراء أن يقول له: إن العرب قد تلزم4 الضرورة في الشعر في حال السعة، أنسًا بها "واعتيادًا5 لها"، وإعدادًا لها لذلك عند وقت الحاجة إليها؛ ألا ترى إلى قوله6:
قد أصبحت أم الخيار تدعى ... عليّ ذنبا كله لم أصنع
__________
1 الذي في الخزانة عن الأخفش: "بلغني أن رجلا صاح بسيبويه في منزله وقال: كيف تنشد هذا البيت؟ فأنشده إياه مرفوعا. فقال الرجل:
والرحل والأقتاب والحلس
فتركه سيبويه وصعد إلى منزله، فقال له: أين لي علام عطف؟ فقال سيبويه: فلم صعدت الغرفة! إني قررت من ذلك. ويتبين من هذا أن قوله: "من هنا هربت" بعد صعوده في الدرجة؛ لا كما هنا. هذا، وفي مجالس ابن حنزاية أن السائل سلمة بن عياش، والمسئول أبو عمرو بن العلاء.
2 سقط في ش. ويريد ابن جني في الجواب عن سيبويه أن الشاعر لما قال: يا هذا الضامر العنس كأنه قال: يا هذا الضامر عنسه، وإذا كان عنسه ضامرا كان ذا عنس ضامر، فكأنه في المعنى: يا ذا الضامر العنس أي يا صاحب الضامر العنس، فساغ له أن يعطف عليه: والرحل ...
3 هذا البيت أورده الفراء في معاني القرآن 1/ 160، ولم ينسبه.
4 كذا في ش. وفي د، هـ، ط: "تلتزم".
5 سقط ما بين القوسين في ش.
6 أي أبي النجم. وانظر الكتاب 1/ 44، والخزانة في الشاهد 56.(3/306)
فرفع للضرورة ولو نصب لما كسر الوزن. وله نظائر. فكذلك قال: "فيدن منى" وهو قادر على أن يقول: "فليدن منى"؛ لما1 ذكرت.
والمحفوظ في هذا قول أبي عمرو لأبي خيرة وقد قال: استأصل الله عرقاتهم2 -بنصب3 التا- هيهات، أبا خيرة لان جلدك! ثم رواها أبو عمرو فيما بعد.
وأجاز أيضًا أبو خيرة: حفرت إراتك، جمع إرة4. وعلى نحوه إنشاد الكوفيين:
ألا يزجر الشيخ الغيور بناته5
وإنشادهم أيضًا:
فلما جلاها بالإيام تحيزت ... ثباتًا عليها ذلها واكتئابها6
وأصحابنا لا يرون فتح هذه التاء في موضع النصب. وأما7 عرقاتهم فواحدة؛ كسعلاة. وكذلك إراة: علفة، وأصلها وئرة: فعلة، فقلبت الفاء إلى موضع اللام، فصار: "إروة، ثم قلبت الواو ألفا فصار"8 إراة؛ مثل الحادى، وأصله: الواحد، فقلبت الفاء إلى موضع اللام، فصار وزنه على اللفظ: عالفا ومثله قول القطامى:
ولا تقضى بواقي دينها الطادي9
أصله: الواطد، ثم قلب إلى عالف. وأنا ثباة ففعلة من الثبة، وأما بناته ففعلة، كقناة كما أن ثباة وسمعت لغاتهم إنما "هي واحدة"10؛ كرطبة.
__________
1 في د، هـ: "على ما".
2 انظر ص385 من الجزء الأول.
3 كذا في ش. وفي ط: "فنصب".
4 هي موقد النار.
5 في ش: "ينشد" في مكان "يزجر".
6 هذا من شعر لأبي ذؤيب الهذلي في وصف النحل والرجل المشنار لعسلها، والإيام: الدخان. يقول: إن النحل لجأت إلى خلاياها، فدخن عليها فخرجت وبرزت، وهنا تحيزت وتضامت جماعات يبدو عليها الذل والاكتئاب، فقد تمكن منها المشنار. وانظر ديوان الهذليين "طبعة دار الكتب" 1/ 79.
7 في د، هـ: "فأما".
8 سقط ما بين القوسين في ش.
9 انظر ص80 من الجزء الثاني.
10 كذا في ش، وفي د، هـ، ط: "هما واحد".(3/307)
هذا كله إن كان مارووه -من فتح هذه التاء- صحيحا ومسموعا من فصيح يؤخذ بلغته ولم يجز أصحابنا فتح هذه التاء في الجماعة، إلا شيئا قاسه أبو عثمان، فقال: أقول: لا مسلمات لك -بفتح التاء- قال: لأن الفتحة الآن ليست لـ"مسلمات" وحدها، وإنما لها ولـ"لا" قبلها. وإنما يمتنع1 من فتح هذه التاء ما دامت الحركة في آخرها لها وحدها. فإذا2 كانت لها ولغيرها فقد زال طريق ذلك3 الحظر الذي كان عليها. وتقول على هذا: لا سمات بإبلك -بفتح4 التاء- على ما مضى. وغيره يقول: لا سمات بها -بكسر5 التاء- على كل حال. وفي هذا مسألة لأبي على -رحمه الله- طويلة حسنة.
وقال الرياشي: سمعت أبا زيد يقول: قال المنتجمع: أعمى على المريض، وقال أبو خيرة: غمى عليه. فأرسلوا إلى أم أبى خيرة، فقالت: غمى على المريض. فقال لها المنتجع: أفسدك ابنك. وكان وراقا.
وقال أبو زيد: قال منتجع: كمء واحدة وكمأة للجميع. وقال أبو خيرة: كمأة واحدة، وكمء للجميع؛ مثل تمرة وتمر، قال: فمر بهما رؤبة، فسألوه، فقال كما قال منتجع6. وقال أبو زيد: قد يقال: كمأة وكمء كما قال أبو خيرة.
وأخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد بن الحجاج عن أبي علي بن بشر بن موسى الأسدى عن الأصمعى، قال: اختلف رجلان، فقال أحدهما: الصقر، وقال الآخر: السقر. فتراضيا بأول وارد يرد عليهما، فإذا رجل قد أقبل، فسألاه فقال: ليس كما قلت أنت ولا "كما قلت أنت"7؛ إنما هو الزقر.
__________
1 في ط: "يمنع".
2 كذا في ش وفي د، هـ، ط: "فأما إذا".
3 ثبت في ط.
4 في ط: "فيفتح".
5 في ط: "فيكسر".
6 في د، هـ: "أبو خيرة". وفي مجالس كاتب ابن حنزاية بعده: "وقال الأصمعي كما قال أبو خيرة".
7 في ط: "ما قال هو".(3/308)
وقال الرياشي: حدثني الأصمعى، قال: ناظرني المفضل عند عيسى بن جعفر، فأنشد بيت أوس:
وذات هدم عارٍ نواشرها ... تصمت بالماء تولبا جذعا1
فقلت: هذا تصحيف؛ لا يوصف التولب بالإجذاع، وإنما هو: جدعا، وهو السىء الغذاء. قال: فجعل المفضل يشغب، فقلت له: تكلم كلام النمل وأصب. لو نفخت في شبور2 يهودى ما نفعك شيئا.
ومن ذلك إنكار الأصمعى على ابن الأعرابى ما كان رواه ابن الأعرابى لبعض ولد سعيد بن سلم بحضرة سعيد بن سلم لبعض بنى كلاب:
سمين الضواحى، لم تؤرقه ليلة ... وأنعم أبكار الهموم3 وعونها
__________
1 قبله:
ليبكك الشرب والمدامة والـ ... ـفتيان طرا وطامع طمعا
والهدم: الثوب المرقع البالي، والنواشر: عروق ظاهر الكف أو عصب الذراع والتولب: الصغير من حمر الوحش، استعاره للصبي، وتصمت: تسكت وتعلل، يقول: ليس لها لبن من الضر وشدة الزمان، فهي تعلله بالماء وانظر الأمالي 3/ 35.
2 هو البوق وفي محيط المحيط أنه معرب شوفر بالعبرية.
3 في ط: "الخطوب" في مكان "الهموم" وفي د، هـ: "المعاني" وقبله:
رأت نضو أسفار أميمة قاعدا ... على نضو أسفار فجن جنونها
فقالت من أي الناس أنت ومن تكن ... فإنك راعي صرمة لا تزيتها
فقلت لها ليس الشحوب على الفتى ... يعار ولا خير الرجال سمينها
عليك براعي ثلة مسلحبة ... بروح عليها محضها وحقينها
والثلة: قطيع الغنم. ومسلحبة: منبطة وممدة. والمحض: اللبن الخالص. والحقين: اللبن يجعل في السقاء ليخرج زبدته. والضواحي: ما ظهر فيه وبدا، وأبكار الهموم ما يبدأ منها، والعون جمع عوان، وهي التي تنجب بعد بطنها البكر، يريد الهموم التي استمرت وبقيت عنده، وانظر مجالس كاتب ابن حنزاية، واللسان "ضحا"، ولم ينسب هذا الشعر، ويقول المعلق على معاني ابن قتيبة 560: أحسبه للمخبل السعدي.(3/309)
فرفع ابن الأعرابي "ليلة"، ونصبها الأصمعى، وقال: إنما أراد: لم تؤرقه أبكار الهموم1 وعونها ليلةً، وأنعم أي زاد2 على ذلك. فأحضر ابن الأعرابي، وسئل عن ذلك فرفع "ليلة" فقال الأصمعى لسعيد: من لم يحسن هذا القدر فليس بموضع لتأديب ولدك، فنحاه سعيد، فكان ذلك سبب طعن ابن الأعرابي على الأصمعى.
محمد بن يزيد قال: حدثني أبو محمد التوزى عن أبى عمرو الشيبانى قال: كنا بالرقة، فأنشد الأصمعي:
عننًا باطلا وظلما كما تعـ ... ـنز عن حجرة الربيض الظباء3
فقلت: يا سبحان الله، تعتر من العتيرة. فقال الأصمعى: تعنز أى تطعن بعنزة4. فقلت: لو نفخت في شبور اليهودى، وصحت إلى التنادى5، ما كان إلا تعتر، ولا ترويه بعد اليوم إلا تعتر. قال أبو العباس قال لى التوزى، قال لى أبو عمرو: فقال: والله لا أعود بعده6 إلى تعنز.
__________
1 كذا في ش، وفي ط: "الخطوب". وفي د، هـ: "المعاني".
2 أي زاد هذا الرجل الذي يصفه على هذه الأوصاف.
3 من معلقة الحارث بن حلزة، وقبله:
واعلموا أنها وإياكمو فيـ ... ـما اشترطنا يوم اختلفنا سواء
والعنن: الاعتراض والعنز: الذبح. والحجرة: الناحية، أو هي الحظيرة تتخذ للغنم، والربيض: العنم. يقول: إنكم تتعرضون لنا تعرضا باطلا وتظلموننا ظلما، وتأخذوننا بذنوب غيرنا، كما تذبح الظباء عن الغنم، وكان من أمر الجاهلية إن ينذر الرجل لصنمه أن يذبح من غنمه، فإذا جاء وقت الوفاء بالنذر ضن بالغنم وذبح مكانها من الظباء.
4 هي رمح صغير.
5 كأنه يريد: إلى يوم التمادي، وهو يوم القيامة، ويقول الزمخشري في تفسير التنادي في سورة غافر: "التنادي: ما حكى الله تعالى في سورة الأعراف من قوله: ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار، ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة، ويجوز أن يكون تصايحهم بالويل والثبور".
6 في ط: "بعدها".(3/310)
وأنشد الأصمعى أبا توبة ميمون بن حفص1 مؤدب عمرو بن سعيد بن سلم بحضرة سعيد:
واحدةٌ أعضلكم شأنها ... فكيف لو قمت على أربع! 2
قال: ونهض الأصمعى فدار على أربع، يلبس بذلك على أبي توبة. فأجابه أبو توبة بما يشاكل فعل الأصمعى. فضحك سعيد، وقال "لأبي توبة"3: ألم أنهك عن مجاراته في المعانى هذه صناعته.
وروى أبو زيد: ما يعوز4 له شيء إلا أخذه، فأنكرها الأصمعى، وقال: إنما هو "يعور" -بالراء- وهو كما قال الأصمعى.
وقال الأثرم على5 بن المغيرة: مثقل استعان بدفيه6، ويعقوب بن السكيت حاضر. فقال يعقوب: هذا تصحيف؛ إنما هو: مثقل7 استعان بذقنه. فقال الأثرم: إنه يريد الرياسة بسرعة، ودخل بيته هذا في حديث لهما.
وقال أبو الحسن لأبي حاتم، ما صنعت في كتاب المذكر والمؤنث؟ قال: قلت8: قد صنعت فيه شيئا. قال: فما تقول في الفردوس؟ قال9: ذكر. قال فإن الله -عز وجل- يقول: {الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 10 قال: قلت:
__________
1 كذا في نسخ الخصائص وإنباه الرواة، وفي معجم الأدباء وبقية الوعادة 401: "جعفر".
2 في د، هـ، ط: "أمرها" في مكان "شأنها". ومعنى البيت: أنه تزوج امرأة واحدة، فيقول له: قد شق عليك أن تزوجت واحدة، فكيف لو تزوجت أربعا.
3 ثبت ما بين القوسين في ط.
4 أي يظهر.
5 في د، هـ، ز: "ابن علي".
6 متى دف، وهو الخنب.
7 سقط في ش، ويقال هذا المثل لمن يستعين بمن هو أذل منه وأعجز. وأصله أن البعير يحمل عليه الحمل الثقيل فلا يقدر على النهوض، فيعتمد بذقنه على الأرض ويمد عنقه فلا يكون له في ذلك راحة.
8 كذا في د، هـ، ط. وسقط في ش.
9 في ط: "قلت".
10 آية 11 سورة المؤمنين.(3/311)
ذهب إلى الجنة فأنث. قال أبو حاتم: فقال لى التوزى: يا عاقل1! أما سمعت قول الناس: أسألك الفردوس الأعلى، "فقلت يا نائم: الأعلى هنا"2 أفعل لا فعلى! قال أبو الفتح: لا وجه لذكره هنا؛ لأن الأعلى لا يكون أبدا فعلى.
أبو عثمان قال: قال لى أبو عبيدة: ما أكذب النحويين! يقولون: إن هاء التأنيث، لا تدخل على ألف التأنيث وسمعت رؤبة ينشد:
فكر في علقى وفي مكور3
فقلت له: واحد العلقى؟ فقال: علقاة. قال أبو عثمان: فلم أفسر له؛ لأنه كان أغلظ من أن يفهم مثل هذا. وقد ذكرنا نحو هذا فيما قبل، أو شرحناه.
قال أبو الفتح: قد أتينا في هذا الباب من هذا الشأن على أكثر مما يحتمله هذا الكتاب، تأنيسا به، وبسطا للنفس بقراءته. وفيه أضعاف هذا؛ إلا أن في هذا كافيا من غيره بعون الله.
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ط: "غافل"، وكأن التؤزي يرد على أبي حاتم بهذه الآية ويرى أن الوصف بالأعلى يفيد تأنيث الفردوس إذ توهم أنها كالغضبى، فرد عليه أبو حاتم بأن الأعلى أفعل لافعلى.
2 سقط ما بين القوسين في ش.
3 انظر ص273 من الجزء الأول وفي مجالس كاتب ابن حنزاية بعد إبراد القصة: "وحق ذا أن يكون علقى جمعا موضوعا على غير علقاة، ولكن كالشاء من شاة".(3/312)
باب في صدق النقلة وثقة الرواة والحملة:
هذا موضع من هذا الأمر، لا يعرف صحته إلا من تصور أحوال السلف فيه1 تصورهم2، ورآهم من الوفور والجلالة بأعيانهم، واعتقد في هذا العلم الكريم ما يجب اعتقاده له3، وعلم أنه لم يوفق لاختراعه4، وابتداء قوانينه وأوضاعه، إلا البر عند الله سبحانه، الحظيظ5 بما نوه به، وأعلى شأنه. أو لا يعلم أن أمير المؤمنين عليا -رضي الله عنه- هو البادئه والمنبه عليه والمنشئه والمرشد6 إليه. ثم تحقق7 ابن عباس، رضي الله عنه به، واكتفال أبي الأسود -رحمه الله- إياه. هذا، بعد تنبيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليه، وحضه على الأخذ بالحظ منه، ثم تتالى السلف -رحمهم الله- عليه، واقتفائهم -آخرا على8 أول- طريقه. ويكفى من9 بعد ما تعرف10 حاله، ويتشاهد11 به من عفة أبي عمرو بن العلاء ومن كان معه، ومجاورا زمانه. حدثنا بعض أصحابنا -يرفعه- قال: قال أبو عمرو بن العلاء -رحمه الله: مازدت في شعر العرب إلا بيتا واحدا. يعنى مايرويه للأعشى من قوله:
وأنكرتنى وما كان الذى نكرت ... من الحوادث إلا الشيب والصلعا
أفلا ترى إلى هذا البدر الطالع12 الباهر، والبحر الزاخر الذي هو أبو العلماء وكهفهم، وبدء13 الرواة وسيفهم، كيف تخلصه من تبعات هذا العلم وتحرجه، وتراجعه فيه إلى الله وتحوبه، حتى أنه لما زاد فيه -على سعته وانبثاقه، وتراميه وانتشاره- بيتا واحدا، وفقه الله للاعتراف به، "وجعل ذلك"14 عنوانا على توفيق ذويه وأهليه.
__________
1 زيادة في د، هـ.
2 في ط: "بصورهم".
3 زيادة في ز، ط.
4 في ط: "لاختياره واختراعه".
5 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "الحفيظ: المحظوظ".
6 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "المشير".
7 يقرأ بالنصب عطفا على محل "أن أمير المؤمنين ... " وبالرفع، أي هناك تحقق ...
8 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "عن".
9 سقط في ش.
10 في ط: "تعرف".
11 أي يشهد الناس بعضهم لبعض به.
12 سقط في ش، ط.
13 كذا في ط، وفي ش، ز: "يد"، والبدء: السيد.
14 ثبت ما بين القوسين في ط.(3/313)
وهذا الأصمعى -وهو صناجة1 الرواة والنقلة، وإليه محط2 الأعباء والثقلة، ومنه تجنى الفقر والملح، وهو ريحانة كل مغتبق ومصطبح- كانت مشيخة القراء وأماثلهم تحضره -وهو حدث- لأخذ قراءة نافع عنه. ومعلوم "كم3 قدر ما" حذف من اللغة، فلم يثبته؛ لأنه لم يقو عنده؛ إذ لم يسمعه. وقد ذكرنا في الباب الذي هذا4 يليه طرفا منه.
فأما إسفاف من لا علم له، وقول من لا مسكة به: إن الأصمعى كان يزيد في كلام العرب، ويفعل كذا، ويقول كذا، فكلام معفو عنه، غير معبوء به ولا منقوم من مثله، حتى كأنه لم يتأد إليه توقفه عن تفسير القرآن وحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتحوبه من5 الكلام في الأنواء.
ويكفيك من ذا خشنة6 أبي زيد وأبي عبيدة. وهذا أبو حاتم بالأمس، وما كان عليه من الجد والانهماك، والعصمة والاستمساك.
وقال لنا أبو علي -رحمه الله- يكاد يعرف7 صدق أبى الحسن ضرورة. وذلك أنه كان مع الخليل في بلد واحد "فلم يحك عنه حرفا واحدا"8.
هذا إلى ما يعرف عن عقل الكسائي وعفته، وظلفه9، ونزاهته؛ حتى إن الرشيد كان يجلسه ومحمد بن الحسن على كرسيين بحضرته، ويأمرهما ألا ينزعجا10 لنهضته.
__________
1 هو الذي يضرب بالصنج؛ وهو آلة ذات أوتار يضرب بها ويقال ذلك للماهر المجيد. وكان الأعشى يقال له صناجة العرب لجودة شعره.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تتحط" والأعباء جمع العبء، وهو الحمل، والثقلة: الأمتعة والأثقال.
3 كذا في ط، وفي ش: "قدركم" وفي ز: "قدوما".
4 كذا في ط، وفي ش، ز: "قبل هذا".
5 في ز: "في".
6 في ط: "حسنة" والخشة: الخشونة والصلابة.
7 في ز: "يعلم".
8 سقط ما بين القوسين في ش.
9 الظلف: النزاهة.
10 في ط: "ينزعج أحد منهما".(3/314)
وحكى أبو الفضل الرياشي قال: جئت أبا زيد لأقرأ عليه كتابه في النبات، فقال: لا تقرأه علي؛ فإني قد أنسيته.
وحسبنا من هذا حديث سيبويه، وقد حطب1 بكتابه -وهو2 ألف ورقة- علما مبتكرا ووضعا3 متجاوزا لما يسمع ويرى، قلما تسند إليه حكاية، أو توصل به رواية، إلا الشاذ الفذ الذي لا حفل به ولا قدر. فلولا تحفظ من يليه، ولزومه طريق ما يعنيه، لكثرت الحكايات4 عنه، ونيطت أسبابها به، لكن أخلد كل إنسان منهم إلى عصمته، وأدرع جلباب ثقته، وحمى جانبه من صدقه وأمانته، ما أريد من صون هذا العلم الشريف "له به"5.
فإن قلت: فإنا نجد علماء هذا الشأن من البلدين، والمتحلين به في المصرين، كثيرا ما يهجن6 بعضهم بعضا، ولا7 يترك له في8 ذلك سماء ولا أرضا.
قيل له: هذا أول دليل على كرم هذا الأمر، ونزاهة هذا العلم؛ ألا ترى أنه إذا سبقت إلى أحدهم ظنة، أو توجهت نحوه شبهة، سب بها، وبرئ إلى الله منه لمكانها. ولعل أكثر من يرمى بسقطة في رواية أو غمز في حكاية محمى جانب الصدق فيها برئ عند ذكره9 من تبعتها؛ لكن أخذت عليه، إما لاعتنان شبهة عرضت له أو لمن أخذ عنه، وإما لأن ثالبه ومتعيبه مقصر عن مغزاه، مغضوض
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "خطب" وحطب: جمع.
2 سقط في ش.
3 في ش: "وصفا".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "المحكيات".
5 كذا في ش، وفي ط: "للثقة به". وفي د، هـ، ز: "للتنزيه".
6 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "يمتحن".
7 كذا في ط، وفي ش: "فلم" وفي د، هـ، ز: "فلا".
8 في ط: "من".
9 ثبت في ط.(3/315)
الطرف دون مداه. وقد تعرض الشبه للفريقين "وتعترض على كلتا الطريقتين"1. فلولا أن هذا العلم في نفوس أهله، والمتفيئين بظله، كريم الطرفين، جدد2 السمتين، لما تسابوا بالهجنة فيه، ولا تنابزوا بالألقاب في تحصين فروجه ونواحيه، ليطووا ثوبه على أعدل غروره3 ومطاويه.
نعم، وإذا كانت هذه المناقضات4 والمثقافات5 موجودة بين السلف القديم، ومن باء فيه بالمنصب والشرف العميم، ممن هم سرج الأنام، والمؤتم بهديهم في الحلال، والحرام ثم لم يكن ذلك قادحا فيما تنازعوا فيه، ولا غاضا منه، ولا عائدا بطرف من أطراف التبعة عليه، جاز مثل ذلك أيضا في علم العرب، الذي لا يخلص جميعه للدين خلوص الكلام والفقه له: ولا يكاد يعدم أهله الأنق به، والارتياح لمحاسنه. ولله أبو العباس أحمد بن يحيى، وتقدمه في نفوس أصحاب الحديث ثقةً وأمانة، وعصمة وحصانة. وهم عيار هذا الشان، وأساس هذا البنيان.
وهذا أبو علي رحمه الله، كأنه بعد معنا، ولم تبن به الحال عنا، كان من تحو به وتأنيه6، وتحرجه كثير التوقف فيما يحكيه، دائم الاستظهار لإيراد ما يرويه. فكان تارة يقول، أنشدت لجرير فيما أحسب، وأخرى: قال لي أبو بكر7 فيما أظن، وأخرى8: في غالب ظني كذا، وأرى أني قد سمعت كذا.
هذا جزء من جملة، وغصن من دوحة، وقطرة من بحر، مما يقال في هذا الأمر. وإنما أنسنا بذكره، ووكلنا الحال فيه، إلى تحقيق ما يضاهيه.
__________
1 كذا في د، هـ، ز. وفي ط: "الطائفتين" في مكان: "الطريقتين". وسقط ما بين القوسين في ش.
2 كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "حدد" "وجدد السمتين: مستويهما، من الحدد للأرض المستوية، والسمت: الطريق وهيئة أهل الخير.
3 جمع غر -بفتح الغين- وغرور الثوب: سكاسره أي حيث يتئتي وينكسر.
4 كذا في ش، وفي ط: "المنافمات".
5 أي المخاصمات: وهو من قولهم: ثاقب الرجل: غالبه في الثقف وهو الحذق والفطنة.
6 كذا في ش، وفي ط: "تأبيه".
7 يريد ابن السراج.
8 في ط: "أخبرني".(3/316)
باب في الجمع بين الأضعف والأقوى في عقد واحد:
وذلك جائز عنهم1، وظاهر وجه الحكمة في لغتهم2؛ قال الفرزدق:
كلاهما حين جد الجرى بينهما ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابى3
"فقوله: كلاهما قد أقلعا ضعيف؛ لأنه حمل على المعنى؛ وقوله: وكلا أنفيهما رابى"4 قوي لأنه حمل على اللفظ. وأنشد أبو عمرو الشيباني:
كلا جانبيه يعسلان كلاهما ... كما اهتز خوط النبعة المتتابع5
فإخباره بـ"يعسلان" عن "كلا جانبيه"6 ضعيف على ما ذكرنا. وأما "كلاهما" فإن جعلته توكيدا لـ"كلا" ففيه ضعيف؛ لأنه حمل على المعنى دون اللفظ. ولو كان على اللفظ لوجب أن يقول: كلا جانبيه يعسل كله، أو قال: يعسلان كله، فحمل "يعسلان" على المعنى، و"كله" على اللفظ، وإن كان في هذا ضعف، لمراجعة اللفظ بعد الحمل على المعنى. وإن جعلت "كلاهما" توكيدا للضمير في "يعسلان" فإنه قوى، لأنهما في اللفظ اثنان كما أنهما في المعنى كذلك.
وقال الله -سبحانه: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} 7 فحمل أول الكلام على اللفظ، وآخره على المعنى، والحمل على اللفظ أقوى.
__________
1 في ط: "عندهم".
2 بعده في ط: "عنهم".
3 انظر ص423 من الجزء الثاني.
4 سقط ما بين القوسين في ش.
5 يعسلان: يهتزان. والخوط: الغصن الناعم. والنبعة شجر يتخذ منه السهام، والمتتابع وصف من التتابع وهو الإسراع واللجاجة أي سريع في الاهتزاز. وكأن هذا في وصف رمح.
6 في ش: "جانبيها".
7 آية 112 سورة البقرة.(3/317)
وتقول: أنتم كلكم بينكم درهم. فظاهر هذا أن يكون "كلكم" توكيدا لـ"أنتم" والجملة بعده خبر "عنه. ويجوز أن يكون كلكم مبتدأ ثانيا، والجملة بعده خبر"1 عن "كلكم". وكان أجود من2 ذلك أن يقال: بينه درهم؛ لأنه لفظ كل مفرد؛ ليكون كقولك أنتم غلامكم له مال. ويجوز أيضا: أنتم كلكم بينهم درهم، فيكون عود الضمير بلفظ الغائب حملا على اللفظ، وجمعه حملا على المعنى. كل ذلك "مساغ عندهم"3 ومجاز بينهم.
وقال ابن4 قيس:
لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت ... سعيدا فأضحى قد قلى كل مسلم
وفتن أقوى من أفتن؛ حتى إن الأصمعي لما أنشد هذا البيت شاهدا لأفتن قال: ذلك مخنث، ولست آخذ بلغته. وقد جاء به رؤبة إلا أنه لم يضممه إلى غيره؛ قال:
يعرضن إعراضا لدين المفتن5
ولسنا ندفع أن في الكلام كثيرا من الضعف فاشيا، وسمتا منه مسلوكا متطرقا.
وإنما غرضنا هنا أن نرى إجازة العرب جمعها بين قوى الكلام وضعيفه في عقد واحد وأن لذلك وجها من النظر صحيحا. وسنذكره.
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش.
2 سقط في ش.
3 كذا في د، هـ، ز، ط، وفي ش: "مشاع عنهم".
4 نسبه غير ابن جني إلى أعشى همدان، وهو في الصبح المنير 340 في شعره مع بيت بعده:
وألقى مصابيح القراءة واشترى ... وصال الغواني بالكتاب المتمم
وهو يريد سعيد بن جبير، وانظر اللسان "فتن".
5 من أرجوزة يمدح فيها بلال بن أبي بردة. والبيت في الحديث عن النساء، وقوله: "يعرضن" أي يمكن من وصلهن، يقول: إنهن يتيسرن ويمهلن لمن يفتن بهن من الشبان.(3/318)
وأما قوله:
أما ابن طوق فقد أوفى بذمته ... كما وفى بقلاص النجم حاديها1
فلغتان قويتان.
وقال:
لم تتلفع بفضل مئزرها ... دعدٌ ولم تسق دعد في العلب2
فصرف ولم يصرف. وأجود اللغتين ترك الصرف.
وقال:
إني لأكنى بأجبال عن اجبلها ... وبآسم أودية عن اسم واديها3
وأجبال أقوى من أجبل، وهما -كما ترى- في بيت واحد.
ومثله في المعنى لا في الصنعة4 قول الاخر:
أبكى إلى الشرق ما كانت منازلها ... مما يلي الغرب خوف القيل والقال
وأذكر الخال في الخد اليمين لها ... خوف الوشاة وما في الخد من خال5
وقال6:
أنك يا معاويا بن الأفضل
__________
1 انظر ص371 من الجزء الأول.
2 في ط: "تغذ" في موضع "تسق" وفي د، هـ، ز: "بالعلب" بدل "في العلب" وانظر ص63 من هذا الجزء.
3 في ط: "ذكر" بدل "اسم".
4 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "صنعة الإعراب".
5 في ط: "منازلهم" بدل منازلها، وفي ط، ز: "بالخلد" في مكان "في الحد" والبيتان لابن الأحنف. وانظر ديوانه: 128 طبع الجوائب.
6 في أرجوزة للعجاج:
فقد رأى الراءون غير البطل ... أنك يا يزيد يابن الأفحل
إذ زلزل الأقوام لم تزلزل ... عن دين موسى والرسول المرسل
وفي شرح الديوان أن المعنى يزيد بن معاوية، وفي أراجز البكري أنه يزيد بن عبد الملك، وجاء في كتاب سيبويه 1/ 334 الرجز منسوبا إلى العجاج هكذا.
فقد رأى الراءون غير البطل ... أنك يا معاويا بن الأفضل
وتبعه المؤلف، ويبدو أن الصواب ما أثبت عن الديوان.(3/319)
قال صاحب الكتاب: أراد: يا معاوية فرخمه على يا حارُ فصار يا معاوى، ثم رخّمه ثانيا على قولك: يا حارِ، فصار: يامعاوِ؛ كما ترى. أفلا تراه كيف1 جمع بين الترخيمين: أحدهما2 على يا حارُ، وهو الضعيف، والآخر3 على يا حارِ، وهو القوي.
ووجه الحكمة "في الجمع بين اللغتين"4: القويّة والضعيفة في كلام واحد هو: أن يُروك أن جميع كلامهم -وإن تفاوت أحواله فيما ذكرنا وغيره- على ذكر منهم وثابت في نفوسهم. نعم وليؤنِّسك بذاك حتى إنك إذا رأيتهم5، وقد جمعوا بين ما يقوى، وما يضعف في عقد واحد، ولم "يتحاموه ولم يتجنبوه"6، ولم يقدح أقواهما في أضعفهما، كنت إذا أفردت الضعيف منهما بنفسه، ولم تضممه إلى القوي، فيتبين7 به ضعفه وتقصيره عنه، آنس به وأقل احتشاما لاستعماله فقد عرفت ما جاء عنهم من نحو قولهم: كل مجرٍ بالخلاء يسر. وأنشد الأصمعي:
فلا تصلي بمطروق إذا ما ... سرى في القوم أصبح مستكينا
إذا شرب المرضة قال: أوكي ... على ما في سقائك قد روينا8
__________
1 سقط في ش.
2 سقط في د، هـ، ز.
3 كذا في ش. وفي ز، ط: "جمع اللغتين".
4 سقط هذا الحرف في ش.
5 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "يتحاشوه ولم يحتشموه".
6 كذا في ش. وفي ز، ط: "فيبين".
7 كذا في ش، وفي ز، ط: "بخلاء". وفي أمثال الميداني في أصل هذا المثل أن رجلا كان له فرس قد أعجبه إذا أجراه وحده، فأنزله في حلبة السباق، فجاء بين الخيل متخلفا مسبوقا، فقال الرجل هذا المثل. ويقال أيضا كل مجر بخلاء سابق.
8 البيتان لابن أحمر يخاطب امرأته، ويوصيها ألا تتزوج بعده بخيلا. وقوله: "فلا تصلي بمطروق" أي لا تصلي حيالك به، والمطروق: الضعيف اللين، والمرضة: اللبن ينقع فيه التمر بعد نزع نواه، وقوله: "أوكي" أي غطي. وانظر اللسان "رضض".(3/320)
وغرضه في هذين البيتين أن يريك1 خفضة في حال دعته2. وقريب منه قول لبيد:
يا عين هلا بكيت أربد إذ ... قمنا وقام الخصوم في كبد3
أي: هناك يُعرف قد الإنسان، لا4 في في حال الخلوة والخفيضة5. وعليه قولها6:
يذكرني طلوع الشمس صخرا ... وأذكره لكل غروب شمس
أي وقتى الإغارة والإضافة. وقد كثر جدا. وآخر ما جاء به شاعرنا، قال7:
وإذا ما خلا الجبان بأرض ... طلب الطعن وحده والنزالا
ونظير هذا الإنسان يكون له ابنان أو أكثر من ذلك، فلا يمنعه نجابة النجيب منهما الاعتراف بأدونهما، وجمعه بينهما في المقام الواحد إذا احتاج إلى ذلك.
وقد كنا قدمنا8 في هذا الكتاب حكاية أبي العباس مع عمارة وقد قرأ: "ولا الليل سابقُ النهارَ"9 فقال له "أبو العباس"10: ما أردت؟ فقال: أردت: سابق النهار. فقال: فهلا قلته! فقال عمارة10: لو قلته لكان أوزن.
وهذا يدلك على أنهم قد يستعملون من الكلام ما غيره "آثر في نفوسهم منه"11؛ سعة في التفسح، وإرخاء12 للتنفس13، وشحا على ما جشموه14 فتواضعوه، أن يتكارهوه فيلغوه ويطرحوه. فاعرف ذلك مذهبا لهم، ولا "تطعن عليهم"15 متى ورد عنهم شيء منه.
__________
1 في د، هـ، ز: "يريد".
2 في ط: "تغبه".
3 في ز، ط: "قام" في مكان: "قمنا". في "كبد" أي في شدة وعناه. وفي الأغاني 15/ 130 "السامي": "الكبد: الثبات والقيام". وكان أربد أخا لبيد لأمه، وقد أصابته صاعقة فأحرقته، في قصة له في الأغاني.
4 سقط في ش.
5 كذا في ش. وفي ط: "الخفية" وفي ز: "الخفضة". والخفيضة: لين العيش وسعته.
6 أي الخنساء في رثاء أخيها صخر. وفي ط:
وأبكية لكل مغيب شمس
7 في ز: "فقال". والبيت من قصيدة يمدح فيها أبو الطيب سيف الدولة بن حمدان، ويذكر انتصاره على الروم يقول: إنهم أظهروا الإقدام على سيف الدولة، فلما أحسوا به فروا من بين يديه.
8 انظر ص126، 150 من الجزء الأول.
9 آية 40 سورة يس.
10 سقط في ش.
11 في د، هـ: "أثبت منه في أنفسهم".
12 في ز: "إرحايا".
13 في ش: "للمتنفس".
14 كذا في ش. وفي د، هـ، ز، ط: "تجشموه".
15 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تراجع عنه".(3/321)
باب في جمع الأشباه من حيث يغمض الاشتباه:
هذا غور من اللغة1 بطين، يحتاج مجتابه إلى فقاهة في النفس، ونصاعة من2 الفكر، ومساءلة خاصية3، ليست4 بمبتذلة ولا ذات هجنة.
ألقيت يوما على بعض من كان5 يعتادني، فقلت6: من أين تجمع بين قوله7:
لدن بهز الكف يعسل متنه ... فيه كما عسل الطريق الثعلب
وبين قولنا: اختصم زيد وعمرو؟ فأجبل8 ورجع مستفهما. فقلت: اجتماعهما من حيث وضع كل واحد منهما في غير الموضع الذي بدئ له. وذلك9 أن الطريق خاص وضع موضع العام. وذلك أن وضع هذا أن يقال: كما عسل أمامه الثعلب، وذلك الأمام قد كان يصلح لأشياء من الأماكن كثيرة: من طريق وعسف
__________
1 كذا في ش، وفي، هـ، ز، ط: "العربية".
2 في د، هـ، ز: "في".
3 كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "خاصة".
4 في ش: "وليست".
5 زيادة في ط.
6 سقط في ش.
7 أي ساعدة بن جؤية الهذلي وهو في وصف الرمح، واللدن: اللين الناعم، وقوله: "يعسل متنه" يشتد اهتزازه، ويقال: عسل الثعلب والذئب في سيره: اشتد اضطرابه، وانظر الخزانة في الشاهد التاسع والستين بعد المائة.
8 أي انقطع، وأصل ذلك أن الحافر ليبلغ الماء يفض إلى جبل أو صخر ولا يجد ماء.
9 في ط: "ألا ترى".(3/322)
وغيرهما. فوضع الطريق -وهو بعض ما كان يصلح للأمام أن يقع عليه- موضع الأمام. فنظير هذا أن واو العطف وضعها لغير الترتيب، وأن تصلح للأوقات الثلاثة، نحو جاء زيد وبكر. فيصلح أن يكونا جاءا معا، وأن يكون زيد قبل بكر، وأن يكون بكر قبل زيد. ثم إنك1 قد تنقلها من هذا العموم إلى الخصوص. وذلك قولهم2: اختصم زيد وعمرو. فهذا لا يجوز أن يكون الواو فيه إلا لوقوع الأمرين في وقت واحد. ففي هذا أيضا إخراج الواو عن أول ما وضعت له في ألأصل: من صلاحها للأزمنة الثلاثة والاقتصار بها على بعضها؛ كما اقتصر على الطريق من بعض ما كان يصلح له الأمام.
ومن ذلك أن يقال لك3: من أين تجمع بين قول الله سبحانه: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} 4 من قول الشاعر:
زمان عليّ غراب غداف ... فطيره الدهر عنى فطارا5
فالجواب: أن في كل واحد من الآية والبيت دليلا على قوة شبه الظرف بالفعل. أما الآية فلأنه عطف الظرف في قوله: {فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ} على قوله: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} والعطف نظير التثنية؛ وهو مؤذن بالتماثل والتشابه. وأما البيت فلأنه عطف الفعل فيه على الظرف الذي هو قوله: "علي غراب غداف". وهذا واضح. وبهذا يقوى عندي قول مبرمان: إن الفاء في نحو قولك: خرجت فإذا زيد عاطفة، وليست زائدة كما قال أبو عثمان؛ ولا للجزاء كما قال الزيادي.
__________
1 في ش: "إنها".
2 في ز، ط: "قولك".
3 سقط في ش.
4 آيتا 9، 10 من سورة الطارق.
5 في ز، ط: "الشيب" في مكان "الدهر" وانظر ص108 من الجزء الأول.(3/323)
ومن ذلك أن يقال: من أين تجمع قول1 الله سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} 2 مع قول امرئ القيس:
على لا حب لا يهتدي بمناره ... إذا ساقه العود النباطي جرجرا3
والجواب أن معنى قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} : لم يذل فيحتاج إلى ولى من الذل؛ كما أن هذا معناه: لا منار به فيهتدى به. ومثله قول الآخر:
لا تفزع الأرنب أهوالها ... ولا يرى الضب بها ينجحر4
وعليه قول الله تعالى: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} 5، أى لا يشفعون لهم فينتفعوا بذلك. يدل عليه قوله عز اسمه: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} 6 وإذا كان كذلك فلا شفاعة إلا للمرتضى7. فعلمت بذلك أن لو "شفع لهم لا ينتفعون"8 بذلك. ومنه قولهم: هذا أمر لا ينادى وليده أى لا وليد فيه فينادى.
فإن قيل: فإذا كان لا منار به ولا وليد فيه "ولا أرنب هناك"9 فما وجه إضافة هذه الأشياء إلى ما لا ملابسة بينها وبينه؟
قيل: لا10؛ بل هناك ملابسة لأجلها ما صحت الإضافة. وذلك أن العرف أن يكون في الأرض الواسعة منا يهتدى به، وأرنب تحلها. فإذا شاهد الإنسان هذا البساط11 من الأرض خاليا من المنار والأرنب12، ضرب بفكره إلى ما فقده
__________
1 في ز، ط: "مع قول".
2 ختام سورة الإسراء.
3 في ز، ط: "الديافي" في مكان "النباطي" والنباطي -بضم النون وفتحها- المنسوب إلى النبط، وانظر ص167 من هذا الجزء.
4 انظر المرجع السابق.
5 آية 48 سورة المدثر.
6 آية 28 سورة الأنبياء.
7 في ز، ط: "للمرضى". يريد أن الشفاعة خصت بمن ارتضى الله، وهؤلاء سخط الله عليهم ولم يرضهم.
8 كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "شفعوا لا ينفعوا". وفي ط: "شفع فيهم لا تنفعوا".
9 سقط ما بين القوسين في ش.
10 سقط في ز، ط.
11 كذا في ش. وفي ز، ط: "البسيط". والبساط -بفتح الباء وكسرها: الأرض الواسعة، وكذا البسيط.
12 كذا في ش، وفي ز، ط: "الأرانب".(3/324)
منهما فصار ذلك القدر من الفكر وصلة بين الشيئين، وجامعا لمعتاد الأمرين. وكذلك1 إذا عظم الأمر واشتد الخطب على أنه لا يقوم له، ولا يحضر فيه إلا الأجلاد وذوو البسالة، دون الولدان وذوي الضراعة. فصار العلم بفقد هذا الضرب من الناس وصله فيه2 بينهما، وعذرا في تصاقبهما3 وتدانى حاليهما.
ومن ذلك أن يقال: من أين تجمع قول الأعشى:
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وبت كما بات السليم مسهدا4
مع قول الآخر -فيما رويناه عن ابن الأعرابي:
وطعنة مستبسل ثائر ... ترد الكتيبة نصف النهار5
ومع قول العجاج:
ولم يضع جاركم لحم الوضم6
ومع قوله أيضًا:
حتى إذا اصطفوا له جدارا7
__________
1 في ز، ط: "لذلك".
2 زيادة في ز، ط.
3 في ش، د، هـ، ز: "تصافيهما" ويبدو أنه تصحيف لما أثبت وفي ط: "تضامنهما".
4 هذا مطلع قصيدة له في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان عزم على الإسلام فصدته قريش. والسليم: اللديغ. وانظر الصبح المنير 101.
5 في ز، ط: "يرد" في مكان "ترد". والبيت من أربعة أبيات لسبرة بن عمرة الفقعسي في نوادر أبي زيد 155. وفيها: "حاسر" في مكان "ثائر".
6 من رجز له يخاطب فيه مروان بن الحكم. وقبله:
مروان إن الله أوصى بالذمم ... وجعل الجيران أستار الحرم
وفي الديوان: "لم يكن" في مكان "لم يضع".
7 من أرجوزة له يمدح فيها الحجاج، ويذكر إيقاعه بالخوارج، فقوله: "اصطفوا" أي الخوارج، يريد: أنهم برزوا له في الموقعة. وجواب الشرط في قولهم بعد:
أورد حذا تسبق الأبصارا ... يسيقن بالموت القنا الحرارا
وهو يريد بالخذ منها ما خفيفة، والحرار جمع الحرى، وصفها بذلك لحرارة الطعن بها.(3/325)
والجواب: أن التقاء هذه المواضع كلها هو في1 أن نصب في جميعها "على المصدر"2 ما ليس مصدرا. وذلك أن قوله: "ليلة أرمدا" انتصب3 "ليلة" منه على المصدر؛ وتقديره: ألم تغتمض عيناك اغتماض ليلة أرمد، فلما حذف المضاف الذي هو "اغتماض" أقام "ليلة" مقامه، فنصبها على المصدر؛ كما كان الاغتماض منصوبا عليه. فالليلة إذًا ههنا منصوبة على المصدر لا على الظرف. كذا قال أبو على لنا. وهو كما ذكر؛ لما ذكرنا. فكذلك4 إذًا قوله:
ترد5 الكتيبة نصف النهار
"إنما نصف النهار"6 منصوب على المصدر لا على الظرف؛ ألا ترى أن ابن الأعرابي قال في تفسيره: إن معناه: ترد الكتيبة مقدار نصف اليوم أى مقدار مسيرة نصف يوم. فليس إذًا معناه: تردها في وقت نصف7 النهار؛ بل: الرد الذي لو بدئ أول النهار لبلغ نصف يوم. وكذلك قول العجاج:
ولم يضع جاركم لحم الوضم
فـ"لحم الوضم" منصوب على المصدر، أى ضياع لحم الوضم. وكذلك قوله8 أيضًا:
حتى إذا اصطفوا له جدارا
فـ"جدارا" الوضم منصوب على المصدر. هذا هو الظاهر؛ ألا ترى أن معناه: "حتى إذا اصطفوا8 له" اصطفاف جدار، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه؛
__________
1 سقط في ش.
2 سقط ما بين القوسين في ش.
3 كذا في ش، وفي ز، ط: "ينصب".
4 كذا في ش، وفي ز، ط: "وكذلك".
5 في ز، ط: "يرد".
6 كذا في ط، وسقط في ش، ز.
7 في د، هـ، ز: "انتصاف".
8 سقط في ش.(3/326)
على ما مضى. وقد يجوز أن يكون "جدارا" حالا أي مثل الجدار، وأن يكون أيضًا منصوبا على فعل آخر، أى صاروا جدارا، أى مثل جدار، فنصبه1 في هذا الموضع2 على أنه خبر صاروا. والأول أظهر وأصنع.
ومن ذلك أن يقال: من أين يجمع قول الله سبحانه: {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ} 3 مع قوله تعالى: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} 4. والتقاؤهما أن أبا علي -رحمه الله- كان يقول: إن عين "استكانوا" من الياء، وكان يأخذه من لفظ5 الكين ومعناه، وهو لحم باطن الفرج، أى فما ذلوا وما خضعوا. وذلك لذل هذا الموضع ومهانته. وكذلك قوله: {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} إنما هو من لفظ الحياء6 ومعناه "أى الفرج"7، أى يطئوهن8 وهذا واضح.
ومن ذلك أن يقال: من أين "يجمع بين"9 قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} 10، وبين11 قوله: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} 12. والتقاءهما من قبل أن الفاء في قوله سبحانه: {فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} إنما دخلت لما في الصفة التي هي قوله: {الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ} "من معنى الشرط"13، أى إن فررتم منه لاقاكم -فجعل- عز اسمه- هربهم منه سببا للقيه إياهم؛ على وجه المبالغة؛ حتى كأن هذا مسبب عن هذا؛ كما قال زهير:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه14
__________
1 كذا في ش، وفي ز، ط: "فتنصبه".
2 سقط في ز، ش.
3 آية 76 سورة المؤمنين.
4 آية 49 سورة البقرة.
5 كذا في ز، وفي ش: "لحم" وسقط كلاهما في ط.
6 وظاهر الأمر أنه من لفظ الحياة أي يتركون بناتكم أحياء للخدمة.
7 سقط ما بين القوسين في ش.
8 ويرى بعضهم أن المعنى على هذا التفتيش على أرحام النساء، فإذا كان الجنين ذكرا أسقطت المرأة، وإن كان أنثى أبقى على حملها.
9 كذا في ش. وفي ز، ط: "يجتمع".
10 آية 8 سورة الجمعة.
11 كذا في ش، وفي ز، ط: "مع".
12 آيتا 4، 5 سورة الماعون.
13 سقط ما بين القوسين في ز، ط.
14 عجزه:
ولو رام أسباب السماء بسلم
وأسباب المنايا ما يفضى إلي الموت، وأسباب السماء مراقيها أو نواحيها، والبيت في معلقته.(3/327)
فمعنى الشرط إذًا1 إنما هو مفاد من الصفة لا الموصوف. وكذلك قوله عز وجل: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} إنما استحقوا الويل لسهوهم عن الصلاة، لا للصلاة نفسها، والسهو مفاد من الصفة لا من2 الموصوف. فقد ترى إلى اجتماع الصفتين في أن المستحق من المعنى إنما هو لما فيهما من الفعل الذي هو الفرار والسهو، وليس من نفس الموصوفين اللذين هما الموت والمصلون. وليس كذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِم} 3، من قبل أن معنى الفعل المشروط به هنا إنما هو مفاد من نفس الاسم الذي ليس موصوفا، أعنى: الذين ينفقون. وهذا واضح.
وقال لى أبو علي -رحمه الله: إنى لم أودع كتابى" "في الحجة" شيئا من انتزاع أبي العباس غير هذا الموضع، أعنى قوله: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} مع قوله:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه
وكان -رحمه الله- يستحسن الجمع بينهما.
ومن ذلك أن يقال: من أين يجمع4 قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 5 مع قول الأعشى:
حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجبا للميت الناشر6
والتقاؤهما أن معناه: فاجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة، وكذلك قوله: حتى يقول الناس، أى حتى يقول كل واحد من الناس: يا عجبا!؛ ألا ترى أنه
__________
1 سقط في ط.
2 سقط في ش.
3 آية 274 سورة البقرة.
4 في ز: "يجتمع".
5 آية 4 سورة النور.
6 قبله -وهو في الغزل:
لو أسندت مبنا إلى نحرها ... عاش ولم ينقل إلى قابر
والناشر: الذي حبي بعد الموت: والقابر وصف من قبر الميت: دفنه، وانظر الصبح المنير 105.(3/328)
لولا ذلك لقيل: يا عجبنا. ومثل ذلك ما حكاه أبز ويد من قولهم: أتينا الأمير فكسانا كلنا حلة وأعطانا كلنا مائة؛ أى كسا كل واحد منا، حلة وأعطاه مائة. ومثل قوله سبحانه: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ} 1 أى: أو لم نعمر كل واحد منكم ما يتذكر فيه من تذكر.
ومن ذلك أن يقال: من أين يجمع2 قول العجاج3:
وكحل العينين بالعواور
مع قول الآخر:
لما رأى أن لادعه ولا شبع ... مال إلى أرطاة حقف فالطجع4
واجتماعهما أنه صحح الواو في العواور، لإرادة الياء في العواوير5، كما أنه أراد: فاضطجع، ثم أبدل من الضاد6 لا ما. فكان قياسه إذ زالت الضاد وخلفتها اللام أن تظهر تاء افتعل، فيقال: التجع، كما يقال: التفت، والتقم، والتحف. لكن أقرت الطاء بحالها ليكون اللفظ بها دليلا على إرادة الضاد التي هذه اللام بدل منها، كما دلت صحة الواو "في العواور"7 على إرادة الياء في العواوير، وكما دلت الهمزة في أوائيل -إذا مددت مضطرا- على زيادة الياء فيها وأن الغرض إنما هو أفاعل لا أفاعيل.
ونحو من الطجع في إقرار الطاء لإرادة الضاد ما حكى لنا أبو علي عن خلف من قولهم: التقطت النوى واستقطته واضتقطته. فصحة التاء مع الضاد في اضتقطته
__________
1 آية 37 سورة فاطر.
2 في ز، ط: "يجتمع".
3 كذا قال المؤلف، والرجز لجندل بن المثنى الطهوي. وانظر ص196 من الجزء الأول.
4 انظر ص264 من الجزء الأول.
5 كذا في ط، وفي ش، ز: "عواوير".
6 زيادة في ز.
7 سقط ما بين القوسين في ش.(3/329)
دليل على إرادة اللام1 في التقطته، وإن هذه الضاد بدل من تلك اللام؛ كما أن لام الطجع بدل من ضاد اضطجع: هذا هنا كذلك ثمة.
ونحو من ذلك ما حكاه صاحب الكتاب من قولهم: لا أكلمك حيرى2 دهرٍ، بإسكان الياء في الكلام وعن غير ضرورة من الشعر. وذلك أنه أراد: حيرى دهر -أى امتداد الدهر، وهو من الحيرة؛ لأنها مؤذنة بالوقوف والمطاولة- فحذف الياء الأخيرة3، وبقيت الياء الأولى على سكونها، وجعل بقاؤها ساكنة على الحال التي كانت عليها قبل حذف الأخرى من بعدها دليلا على إرادة هذا المعنى فيها وأنها ليست مبنية على التخفيف في أول أمرها إذ لو كانت كذلك لوجب تحريكها بالفتح فيقال: لا أكلمك حيرى دهر كقولك: مدة الدهر "وأبد الأبد ويد المسند"4 و:
بقاء الوحى في الصم الصلاب
ونحو ذلك. وهذا يدل على أن المحذوف من الياءين في قوله:
بكى بعينك واكف القطر ... ابن الحوارى العالى الذكر5
إنما هو الياء الثانية في الحوارى، كما أن المحذوف من حيرى دهر، إنما هو الثانية في حيرى. فاعرفه.
ومثله إنشاد أبي الحسن:
ارهن بنيك عنهم أرهن بنى
__________
1 في ش: "الثاء".
2 أي طول الدهر. وقد جاء فيه فتح الحاء وكسرها.
3 في ط: "الآخرة".
4 سقط ما بين القوسين في ش.
5 الحواري: هو الزبير بن العوام حواري رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي خاصته وناصره، وابنه عبد الله.(3/330)
يريد بني، فحذف الياء الثانية للقافية، ولم يعد النون التي كان حذفها للإضافة، فيقول: بنين؛ لأنه نوى الياء الثانية، فجعل ذلك دليلا على إرادتها ونيته إياها.
فهذا شرح من خاصي السؤال1، لم تكد تجرى به عادة في الاستعمال. وقد كان أبو علي رحمه الله -وإن لم يكن تطرقه2- يعتاد3 من الإلقاء نحوا منه، فيتلو الآية، وينشد البيت، ثم يقول: ما في هذا مما يسأل عنه؟ من غير أن يبرز4 "نفس حال"5 المسئول عنه، ولا يسمح بذكره من جهته، ويكله إلى استنباط المسئول عنه، حتى إذا وقع له غرض أبي علي فيه، أخذ في الجواب عليه.
__________
1 كذا في ز، ط، وفي ش: "خاص".
2 سقط في ش. و"تطرقه": اتخذه طريقا مسلوكا، ومنهجا معروفا.
3 في ش: "يعتاده".
4 كذا في ش. وفي ز، ط: "يحرر".
5 كذا في ش. وفي ز، ط: "حال نفس".(3/331)
باب في المستحيل، وصحة قياس الفروع، على فساد الأصول:
اعلم أن هذا الباب، وإن ألانه عندك ظاهر ترجمته، وغض منه في نفسك بذاذة سمته، فإن فيه ومن ورائه تحصينا للمعاني، وتحريرا للألفاظ، وتشجيعا على مزاولة الأغراض.
والكلام فيه من موضعين:
أحدهما: ذكر استقامة المعنى من1 استحالته، والآخر: الاستطالة على اللفظ بتحريفه والتعلب به، ليكون ذلك مدرجة للفكر، ومشجعة للنفس، وارتياضا لما يرد من ذلك الطرز. وليس لك أن تقول: فما في الاشتغال بإنشاء فروع كاذبة2، عن3 أصول فاسدة! وقد كان في التشاغل بالصحيح، مغنٍ عن التكلف للسقيم. هذا خطأ من القول، من قبل أنه إذا أصلح الفكر، وشحذ البصر، وفتق النظر، كان ذلك عونا لك، وسيفا ماضيا في يدك؛ ألا ترى إلى ما كان نحو هذا من الحساب وما فيه من التصرف والاعتمال.
وذلك قولك4: إذا فرضت5 أن سبعة في خمسة أربعون فكم يجب أن يكون على هذا ثمانية في ثلاثة؟ فجوابه أن تقول: سبعة وعشرون وثلاثة أسباع. وبابه -على الاختصار- أن تزيد على الأربعة والعشرين سُبُعها، وهو ثلاثة وثلاثة أسباع؛ كما زدت على الخمسة والثلاثين سبعها -وهو خمسة- حتى صارت: أربعين.
وكذلك لو قال: لو كانت سبعة في خمسة ثلاثين، كم كان يجب أن تكون ثمانية في ثلاثة؟ لقلت: عشرين وأربعة أسباع، نقصت من الأربعة والعشرين سبعها، كما نقصت من الخمسة والثلاثين سبعها. وكذلك لو كان نصف المائة أربعين لكان نصف الثلاثين اثنى عشر. "وكذلك لو كان نصف المائة ستين لكان نصف الثلاثين ثمانية عشر"6.
ومن المحال أن يقول لك: ما تقول في مال نصفه ثلثاه، كم ينبغي أن يكون ثلثه؟ فجوابه أن تقول: أربعة أتساعه. وكذلك لو قال: ما تقول في مال ربعه وخمسه نصفه وعشره، كم ينبغي أن يكون نصفه وثلثه؟ فجوابه أن يكون: جميعه7 وتسعه. وكذلك لو قال: ما تقول في مال نصفه ثلاثة أمثاله، كم يجب أن تكون
__________
1 في ط: "ر".
2 كذا في ش. وفي ز: "كادة" وفي ط: "كازة".
3 في ط: "على".
4 في د، هـ، ز، ط: "كقولك".
5 في ز، ط: "فرضنا".
6 ما بين القوسين زيادة في ز.
7 في د، هـ، ز: "خمسة".(3/332)
سبعة أمثاله؟ فجوابه أن تقول: اثنين وأربعين مثلا له. "وكذلك لو قال: ما تقول في مال ضعفه ثلثه كم ينبغي أن يكون أربعة أخماسه؟ وجوابه أن تقول: عشره وثلث عشره"1. وكذلك لو قال لك: إذا كانت أربعة وخمسة ثلاثة عشر فكم يجب أن يكون تسعة وستة؟ فجوابه أن تقول: أحدا وعشرين وثلثين.
وكذلك طريق الفرائض أيضا؛ ألا تراه لو قال: مات رجل، وخلف ابنا وثلاث عشرة بنتا، فأصاب الواحدة ثلاثة أرباع ما خلفه المتوفى، كم يجب أن2 يصيب الجماعة؟ فالجواب أنه يصيب جميع الورثة مثل ما خلفه المتوفى إحدى عشرة مرة وربعا.
وكذلك لو قال: امرأة ماتت، وخلفت زوجا وأختين لأب وأم، فأصاب كل واحدة3 منهما أربعة أتساع ما خلفته المتوفاة، كم ينبغي أن يصيب جميع4 الورثة؟ والجواب أنه يصيبهم ما خلفته المرأة وخمسة أتساعه.
فهذه كلها ونحوه من غير ما ذكرنا، أجوبة صحيحة، على أصول فاسدة.
ولو شئت أن تزيد وتغمض في السؤال لكان ذلك لك5. وإنما الغرض في هذا ونحوه التدرب به، والارتياض بالصنعة فيه. وستراه بإذن الله.
فمن المحال أن تنقض أول كلامك بآخره. وذلك كقولك: قمت غدا، وسأقوم أمس، ونحو هذا. فإن قلت: فقد تقول؛ إن قمت غدا قمت معك، وتقول: لم أقم أمس، وتقول: أعزك الله، وأطال بقاءك، فتأتى بلفظ الماضي ومعناه الاستقبال؛ وقال6:
ولقد أمر على اللئيم يسبنى ... فمضيت ثمت قلت لا يعنيني
__________
1 ما بين القوسين زيادة في ط.
2 في د، هـ، ط: "ينبغي".
3 كذا في ط. وفي ش: "واحد".
4 في ز، ط: "جماعة".
5 سقط في ش.
6 أي رجل من بني سلول، وانظر الكتاب 1/ 416، والخزانة في الشاهد 55.(3/333)
أي: ولقد مررت. وقال1:
وإنى لآتيكم تشكر ما مضى ... من الأمر واستيجاب ما كان في غد
أي ما يكون. وقال:
أوديت إن لم تحب حبو المعتنك2
أي أودى -وأمثاله كثيرة.
قيل: ما قدمناه على ما أردنا فيه. فأما هذه المواضع المتجوزة3، وما كان نحوها، فقد ذكرنا أكثرها فيما حكيناه عن أبي علي، وقد سأل أبا بكر عنه في4 نحو هذا فقال "أبو بكر"5 كان حكم الأفعال أن تأتي كلها6 بلفظ واحد؛ لأنها لمعنى واحد، غير أنه لما كان الغرض في صناعتها أن تفيد أزمنتها، خولف بين مُثُلها، ليكون ذلك دليلا على المراد فيها. قال: فإن أمن اللبس فيها جاز أن يقع بعضها موقع بعض. وذلك مع حرف الشرط؛ نحو إن قمت جلست؛ لأن الشرط معلوم أنه لا يصح إلا مع الاستقبال. وكذلك لم يقم أمس، وجب لدخول لم ما لولا هي لم يجز. قال7: ولأن المضارع أسبق في الرتبة من الماضي، فإذا نفى8 الأصل كان الفرع أشد انتفاء. وكذلك أيضا حديث الشرط في نحو إن قمت قمت جئت فيه بلفظ الماضي الواجب تحقيقا للأمر، وتثبيتا له، أي إن هذا وعد موفى به لا محالة؛ كما أن الماضي واجب ثابت لا محالة.
__________
1 أي الطرماح. وقبله:
من كان لا يأتيك إلا لحاجة ... يروح بها فيما يروح ويغتدي
وقوله: "وإني لآتيكم" كذا في نسخ الخصائص والصواب -كما في الديوان 146: "فإني لآتيكم" إذ هو جواب الشرط في البيت قبله.
2 انظر ص391 من الجزء الثاني.
3 كذا في د، هـ، ز، ط، وسقط في ش.
4 في د، هـ، ز: "مثل".
5 سقط ما بين القوسين في ش.
6 سقط في ش، وثبت في ط.
7 سقط في د، هـ، ز.
8 في د، هـ، ز: "انتقى".(3/334)
أي إن لم تتداركني هلكت الساعة غير1 شك، هكذا يريد. فلأجله ما2 جاء بلفظ الواجب الواقع غير المرتاب به، ولا المشكوك في وقوعه. وقد نظر إلى هذا الموضع أبو العتاهية، فاتبعه فيه، وإن صغر لفظه، وتحاقر دونه. قال:
عتب الساعة الساعهْ ... أموت الساعة الساعهْ
وهذا -على نذالة3 لفظه- وفق ما نحن على سمته. وهذا هذا. وليس كذلك قولك: قمت غدا، وسأقوم أمس، لأنه عارٍ من جميع ما نحن فيه؛ إلا أنه لو دل دليل من لفظ أو حال لجاز نحو هذا. فأما على تعرية منه، وخلوه مما شرطناه فيه فلا.
ومن المحال قولك: زيد أفضل إخوته، ونحو ذلك. وذلك أن أفضل: أفعل، وأفعل هذه التي4 معناها المبالغة والمفاضلة، متى أضيفت إلى شيء فهى بعضه؛ كقولك: زيد أفضل الناس، فهذا جائز؛ لأنه منهم، والياقوت أنفس الأحجار؛ لأنه بعضها. ولا تقول: زيد أفضل الحمير، ولا الياقوت أنفس الطعام؛ لأنهما ليسا منهما. وهذا مفاد5 هذا. فعلى ذلك لم يجيزوا: زيد أفضل إخوته؛ لأنه ليس واحد من إخوته، وإنما هو واحد من بنى أبيه؛ ألا ترى أنه لو كان له إخوة بالبصرة وهو ببغداد، وكان6 بعضهم وهم7 بالبصرة، لوجب من هذا أن يكون من ببغداد البتة في حال كونه بها، مقيما بالبصرة البتة في تلك الحال. وأيضا فإن الإخوة مضافون إلى ضمير زيد، وهي الهاء في إخوته، فلو كان واحدا منهم وهم مضافون إلى ضميره كما ترى؛ لوجب أيضا8 أن يكون داخلا معهم في إضافته
__________
1 كذا في ش، وفي ز، ط: "من غير".
2 زيادة في ز، ط.
3 كذا في ش. وفي ز، ط: "نزالة". والنذالة: الخسة، وتزول اللفظة انحدارها عن مرتبة العلوة. ولم أقف على النزالة.
4 في ط: "هي التي".
5 في د: "مقاد".
6 كذا في ز، ط وفي ش: "فكان".
7 كذا في ط، وفي ش، ز: "جميعهم".
8 سقط في ش.(3/336)
إلى ضميره، وضمير الشيء هو الشيء البتة، والشيء لا يضاف إلى نفسه. وأما1 قول الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} 2 فإن الحق هنا غير اليقين، وإنما هو خالصه وواضحه فجرى مجرى إضافة البعض إلى الكل؛ نحو هذا ثوب خز. ونحوه قولهم: الواحد بعض العشرة. ولا يلزم من حيث كان الواحد بعض العشرة أن يكون بعض نفسه؛ لأنه لم يضف إلى نفسه، وإنما أضيف إلى جماعة نفسه بعضها وليس كذلك زيد أفضل إخوته؛ لأن الإخوة مضافة إلى نفس زيد، وهي الهاء التي هي ضميره. ولو كان زيد بعضهم وهم مضافون إلى ضميره لكان هو أيضا مضافا إلى ضميره الذي هو نفسه، وهذا محال. فاعرف ذلك فرقا بين الموضعين؛ فإنه واضح.
فأما قولنا3: أخذت كل المال، وضربت كل القوم، فليس الكل هو ما أضيف إليه. قال أبو بكر: إنما الكل عبارة عن أجزاء الشيء، وكما جاز أن يضاف أجزاء الجزء الواحد4 إلى الجملة، جاز أيضا أن تضاف الأجزاء كلها إليه.
فإن قيل: فالأجزاء كلها هي الجملة، فقد عاد الأمر إلى إضافة الشيء إلى نفسه.
قيل: هذا فاسد، وليس أجزاء الشيء هي الشيء وإن كان مركبا منها. بل الكل في هذا جارٍ مجرى البعض في أنه ليس بالشيء5 نفسه؛ كما أن البعض ليس به نفسه. يدل على ذلك وأن حال البعض متصورة في الكل قولك: كل
__________
1 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فأما".
2 آية 51 سورة الحاقة.
3 سقط في ش المكتوب من هنا إلى قوله: "وصواب المسألة".
4 زيادة في ط.
5 كذا في ط، وفي ز: "الشيء".(3/337)
القوم عاقل، أي كل واحد منهم على انفراده عاقل. هذا هو الظاهر، وهو طريق الحمل على اللفظ؛ قال تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} 1، وقال تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} 2 فوحد، وقال3:
كلا أبويكم كان فرع دعامة
فلم يقل: كانا، وهو الباب. ومثله قول الأعشى أيضا:
حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجبا للميت الناشر4
أي حتى يقول كل واحد منهم: يا عجبا. وعليه قول الآخر:
تفوقت مال ابنى حجير وما هما ... بذي حطمة فانٍ ولا ضرع غمر5
أي: وما كل واحد منهما كذلك.
فأما قوله تعالى: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} 6 و {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} 7 فمحمول على المعنى دون اللفظ. وكأنه إنما حمل عليه هنا لأن كلا فيه غير مضافة، فلما لم تضف إلى جماعة عوض من ذلك ذكر الجماعة في الخيبر. ألا ترى أنه لو قال: وكل له
__________
1 آية 95 سورة مريم.
2 آية 33 سورة الكهف.
3 أي الأعشى في علقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل، وهو يمدح عامر أو يهجو علقمة. وقبله معه:
أعلقم قد حكمتني فوجدتني ... بكم عالما على الحكومة غائصا
كلا أبويكم كان فرع دعامة ... ولكنهم زادوا وأصبحت ناقصا
ويروى: "فرعا دعامة". والفرع: الشريف الرئيس، ودعامة العشيرة سيدها، شبه بدعامة البناء فعلى الإضافة المعنى أنه رئيس منسول من رئيس، وعلى الوصف يكون الكلام على التوكيد.
4 انظر ص328 من هذا الجزء.
5 تفوق المال: أخذه شيئا فشيئا، وهو من قولهم: تفوق شرابه، وذو الحطمة: الهرم: والحطمة: المرة من حطمته السن إذا أسن وضعف، والقاني: الشيخ الكبير، والضرع: الضعيف، والغمر: من لم يجرب الأمور.
6 آية 87 سورة النمل.
7 آية 116 سورة البقرة.(3/338)
قانت لم يكن فيه لفظ الجمع1 البتة، ولما قال: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} 2 فجاء بلفظ الجماعة مضافا إليها، استغنى به عن ذكر الجماعة في الخبر.
وتقول -على اللفظ: كل نسائك قائم، ويجوز: قائمة إفرادا على اللفظ أيضا، وقائمات على المعنى البتة؛ قال الله -سبحانه: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} 3 ولم يقل: كواحدة؛ لأن الموضع موضع عموم، فغلب فيه التذكير، وإن كان معناه: ليست كل واحدة منكن كواحدة من النساء؛ لما ذكرناه من دخول الكلام "معنى العموم"4. فاعرف ذلك.
وصواب5 المسألة أن تقول: زيد أفضل بني أبيه، وأكرم نجل أبيه "وعترة أبيه"6، ونحو ذلك، وأن تقول: زيد أفضل من إخوته؛ لأن بدخول "مِن" ارتفعت الإضافة فجازت المسألة.
ومن المحال قولك: أحق الناس بمال أبيه ابنه. وذلك أنك إذا ذكرت الأبوة فقد انطوت على البنوة، فكأنك إذًا إنما قلت: أحق الناس بمال أبيه أحق الناس بمال أبيه. فجرى ذلك7 مجرى قولك: زيد زيد، والقائم القائم، ونحو ذلك مما ليس في الجزء الثاني منه إلا ما في الجزء الأول البتة، وليس على ذلك عقد8 الإخبار؛ لأنه "يجب أن يستفاد من الجزء الثاني"9 ما ليس مستفادا من الجزء الأول. ولذلك10 لم يجيزوا: ناكح الجارية واطئها، ولا رب الجارية مالكها؛ لأن الجزء الأول مستوف لما انطوى عليه الثاني.
__________
1 في ط: "الجميع".
2 آية 95 سورة مريم.
3 آية 32 سورة الأحزاب.
4 كذا في ط، وفي ز: "على المعنى".
5 انظر هامش "3" ص337 من هذا الجزء.
6 سقط ما بين القوسين في ش. وعترة الرجل: أقرباؤه وعشيرته الأدنون.
7 زيادة في ط.
8 في ش: "عقدة".
9 في ش: "لا يجب أن يستفاد من الجزء الثاني إلا".
10 كذا في ط، وفي ش، ز: "كذلك".(3/339)
فإن قلت: فقد قال أبو النجم:
أنا أبو النجم وشعري شعري1
وقال الآخر:
إذ الناس ناسٌ والبلاد بغرة ... وإذ أم عمار صديقٌ مساعف2
"وقال3 آخر":
بلاد بها كنا وكنا نحلها ... إذ الناس ناس والبلاد بلاد4
وقال الآخر:
هذه رجائي وهذي مصر عامرةً ... وأنت أنت وقد ناديت من كثب
وأنشد أبو زيد:
رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع ... فقلت وأنكرت الوجوه هُم هُم5
وأمثاله كثيرة.
__________
1 من أرجوزة له، وبعده:
لله دري ما أجن صدري ... من كلمات باقيات الحر
وانظر الخزانة في الشاهد الحادي والسبعين، والكامل بشرح المرصفي 1/ 158.
2 ورد في اللسان "سعف" غير معزو. وفيه "والزمان" في موضع "والبلاد".
3 سقط ما بين القوسين في ش.
4 في مواسم الأدب 1/ 152 أنه وجد في شعب جبل في سمح -وهي قرية باليمن- سهم من سهام عاد مكتوب عليه:
ألا هل إلى أبيات سمح بذي اللوى ... أو الرمل من قبل الممات معاد
بلاد بها كنا وكنا نحبها ... إذا الناس ناس والبلاد بلاد
5 هذا من قصيدة لأبي خراش الهذلي. وكان يطلبه قوم يثأر لهم فوقفوا في طريقه يريدون قتله. فلما مر بهم أظهروا أنهم من عشيرته وحيوه وأمنوه، ولكنه عرف في وجوههم الشر وأنكرهم وقال: هم هم، أي أعدائي المطالبون بدمي، وخويلد اسمه، وقد نجا منهم بعدوه، وكان من العدائين الذين لا يسبقون. وانظر الخزانة في الشاهد الثاني والسبعين.(3/340)
قيل: هذا كله وغيره مما هو جار مجراه، محمول عندنا على معناه دون لفظه؛ ألا ترى أن المعنى: وشعرى متناهٍ في الجودة، على ما تعرفه وكما بلغك1، وقوله: إذ الناس ناس أي: إذ الناس أحرار، والبلاد أحرار، وأنت أنت أي: وأنت المعروف بالكرم، وهم هم أي: هم الذين أعرفهم بالشر والنكر لم يستحيلوا ولم يتغيروا.
فلولا هذه الأغراض وأنها مرادة معتزمة، لم يجز شيء من ذلك؛ لتعرى الجزء الآخر2 من زيادة الفائدة على الجزء الأول. وكأنه إنما أعيد لفظ الأول لضرب من الإدلال والثقة بمحصول الحال. أي أنا أبو النجم الذي يكتفى باسمه من صفته ونعته. وكذلك بقية الباب؛ كما قال:
أنا الحباب الذي يكفي سمي نسبي3
ونظر إليه شاعرنا وقلبه، فقال:
ومن يصفك فقد سماك للعرب4
ولكن صحة المسألة أن تقول: أحق الناس بماله أبيه أبرهم به، وأقومهم بحقوقه. فتزيد في الثاني ما ليس موجودا5 في الأول.
__________
1 سقط في ش.
2 في ش: "الأخير".
3 عجزه -كما في اللسان في سما:
إذا القميص تعدى وسمه النسب
4 من قصيدة في مرئية أخت سيف الدولة، وقبله معه:
يا أخت خير أخ يا بنت خير أب ... كناية بهما عن أشرب النسب
أجل قدرك أن تسمى مؤبنة ... ومن يصفك فقد سماك للعرب
5 سقط في ش.(3/341)
فهذه1 طريقة استحالة المعنى. وهو باب.
وأما صحة قياس الفروع، على فساد الأصول فكأن يقول لك قائل: لو كانت الناقة من لفظ "القنو" ما كان يكون مثالها من الفعل؟.
فجوابه أن تقول: علفة. وذلك أن النون عين "والألف منقلبة عن واو، والواو لام"2 القنو، والقاف فاؤه. ولو كان القنو مشتقا من لفظ الناقة لكان مثاله لفع. فهذان أصلان فاسدان، والقياس عليهما آوٍ بالفرعين إليهما.
وكذلك لو كانت الأسكفة مشتقة من استكف الشيء -على ما قال وذهب إليه أحمد بن يحيى لكانت أسفعلة- ولو كان استكف مشتقا من الأسكفة، لكان على اللفظ: افتعل بتشديد اللام، وعلى الأصل3: افتعلل؛ لأن أصله على الحقيقة: استكفف.
ومن ذلك "أن لو كان ماهان عربيا"4، فكان من5 لفظ هوم أو هيم لكان لعفان. "ولو كان من لفظ الوهم لكان لفعان"6. ولو كان من لفظ همى لكان: علفان. ولو وجد في الكلام تركيب "وم هـ" فكان ماهان من لفظه لكان مثاله: عفلان. ولو كان من لفظ النهم لكان: لاعافا. ولو كان من لفظ المهيمن لكان: عافالا7. ولو كان في الكلام تركيب "م ن هـ" فكان ماهان منه لكان: فالاعا8. ولو كان فيه تركيب "ن م هـ" "فكان منه لكان"9: عالافا.
وذهب أبو عبيدة في المندوحة إلى أنها من قولهم: انداح بطنه إذا اتسع. وذلك خطأ فاحش. ولو كانت منه لكانت: منفعلة. وقد ذكرنا ذلك في باب
__________
1 في ش: "فهذا".
2 سقط ما بين القوسين في ش.
3 كذا في ز، ط، وفي ش: "المعنى".
4 في ط: "لو أن ماهان كان".
5 سقط في ش.
6 سقط ما بين القوسين في ش.
7 في ش: "فاعالا".
8 في ش: "لافاعا".
9 سقط ما بين القوسين في ش.(3/342)
سقطات العلماء1. نعم ولو كانت من لفظ الواحد لكانت: منلفعة. ولو كانت من لفظ حدوت لكانت: منعلفة. ولو كانت من دحوت لكانت: منفلعة. ولو كان في الكلام تركيب "ود ح" فكانت مندوحة منه لكانت: منعفلة. ولو كان قولهم: انداح بطنه من لفظ مندوحة لكانت: أفعال، بألف2 موصولة "واللام مخففة"3.
وذهب بعض أشياخ اللغة في يستعور إلى أنه: يفتعول، وأخذه من سعر. وهذا غلط4. ولو كان من قولهم: عرس بالمكان لكان: يلتفوعا. ولو كان من سَرُع لكان: يفتلوعا. ولو كان من عسر لكان: يعتفولا. ولو كان من لفظ رسع لكان: يعتلوفا. ولو كان من لفظ رعس لكان: يلتعوفا.
وأما تيهورة فلو كانت من تركيب5 "هـ ر ت" لكانت: ليفوعة. "ولو كانت من لفظ "ت ر هـ" لكانت: فيلوعة. ولو كانت من لفظ "هـ ت ر" لكانت: عيفولة"5. ولو كانت من لفظ "ر هـ ت"، لكانت: ليعوفة. ولو كانت من لفظ "ر ت هـ"، لكانت: عيلوفة. ومع هذا فليست من لفظ "ت هـ ر"، وإن كانت -في الظاهر وعلى البادى- منه بل هي عندنا من لفظ "هـ ور". وقد ذكر ذلك أبو على في تذكرته فغنينا عن إعادته. وإنما غرضنا هنا مساق الفروع على فساد الأصول لما يعقب ذلك من قوة الصنعة وإرهاف الفكرة.
وأما مرمريس فلو كانت من لفظ "س م ر"، لكانت: علعليف. ولو كانت من لفظ "ر س م": لكانت لفلفيع ولو كانت من لفظ "ر م س" لكانت: عفعفيل. ولو كانت من لفظ "س ر م"، لكانت: لعلعيف. ولو كانت من لفظ "م س ر"
__________
1 انظر ص285 من هذا الجزء.
2 في ط: "بهمزة"، وفي ز: "مهموزة وموصولة".
3 سقط ما بين القوسين في ز.
4 وإنما هو: "فعللول".
5 كذا في ش، وفي ز، ط: "لفظ".(3/343)
لكانت: فلفليع"1. لكنها عندنا من لفظ "م ر س"، وهي على الحقيقة فعفعيل منه.
وأما قرقرير لقرقرة الحمام فإنها فعلليل، وهو رباعي، وليست من هذا الطرز الذي مضى.
وأما قندأو2 فإنها فنعلو، من لفظ "ق د أ"، ولو كانت من لفظ "ق د و" لكانت: فنعأل. ولو كانت من لفظ "د وق" لكانت: لنفأع. ولو كانت من لفظ "ن ق د" لكانت: عفلأو. ولو كانت من لفظ "ن د ق" لكانت: لفعأو. ولو كانت من لفظ الندأة3 لكانت قفلعو، فحكمت بزيادة القاف، وهذا أغرب مما قبله. ولو كانت من لفظ النآدى4 لكانت: قفلعو بزيادة القاف أيضا.
والمسائل "من هذا النجر"5 تمتد وتنقاد؛ إلا أن هذا طريق صنعتها. فاعرفه وقسه بإذن الله تعالى.
__________
1 سقط ما بين القوسين في ش.
2 هو القصير من الرجال، وجل فتدأو: صلب.
3 الندأة "بفتح النون وضمها": كثرة المال.
4 النآدى -بفتح الدال: الداهية. وقد رسم هكذا في ش، وفي ط: "النآد" وهو بمعنى "النآدى".
5 كذا في ش وفي ط: "على هذا النحو".(3/344)
باب في المستحيل، وصحة قياس الفروع، على فساد الأصول
...
ونحو من ذلك لفظ الدعاء ومجيئة على صورة الماضي الواقع؛ نحو أيدك الله، وحرسك الله، إنما كان ذلك1 تحقيقا له وتفؤلا2 بوقوعه أن هذا ثابت بإذن الله، وواقع3 غير ذي شك. وعلى ذلك يقول السامع للدعاء إذا كان مريدا لمعناه: وقع إن شاء الله ووجب لا محالة أن4 يقع ويجب.
وأما قوله:
ولقد أمر على اللئيم يسبني
فإنما حكى فيه الحال الماضية، والحال لفظها أبدا في بالمضارع؛ نحو قولك: زيد يتحدث ويقرأ، أي هو في حال تحدث، وقراءة. وعلى نحو من حكاية الحال في نحو5 هذا قولك: كان6 زيد سيقوم أمس، أي كان متوقعا "منه القيام"7 فيما مضى. وكذلك قول الطرماح:
واستيجاب ما كان في غد
يكون عذره فيه: أنه جاء بلفظ الواجب؛ تحقيقا له، وثقة بوقوعه، أي إن الجميل منكم واقع متى أريد، وواجب متى طلب.
وكذلك قوله:
أوديت إن لم تحب حبو المعتنك
جاء به8 بلفظ الواجب؛ لمكان حرف الشرط الذي معه، أي إن هذا كذا لا شك فيه، فالله الله "في أمرى"9 يؤكد بذلك10 على حكم في قوله:
يا حكم الوارث عن عبد الملك
__________
1 في د، هـ، ز: "فيه".
2 كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "تفاؤلا".
3 سقط حرف العطف في ش.
4 كذا في ش، وفي ز، ط: "أي".
5 في ط: "مثل".
6 زيادة في ط.
7 كذا في ز، ط، وفي ش: "للقيام".
8 سقط في ش.
9 كذا في ش، وفي ز، ط: "في".
10 في ز، ط، وفي ش: "ذلك".(3/325)
فهرس الجزء الثالث من الخصائص:
110- باب في حفظ المراتب 7-10:
تصريف خطايا "7". تصريف إوزة "8". بناء فعلول -بضم الفاء- من طويت "9".
111- باب في التغييرين يعترضان في المثال الواحد بأيهما يبدأ 10-19:
بناء مثال إوزة من أويت "11". مثالي جعفر من الواو "11". مثال فعل -بوزن قفل- من وأبت "12". رأس مخفف رأس يجتمع في القافية مع ناس وفلس "13. مثال فعل من روى "14". فعول من القوة "16". مثال خروع من قلت "17". مثال عليب من البيع "17". فعل من أفعلت من اليوم "18". مثال عوارة من القول "19-22".
112- باب في العدول عن الثقيل إلى ما هو أثقل منه لضرب من الاستخفاف 20-22:
تصريف الحيوان "20". ديوان واجلهواذ "20". النسب إلى آية وراية "21". فعاليل من رميت "21". تصغير أحوى "22". عمير في عنبر "22".
113- باب في إقلال الحفل بما يلطف من الحكم 22-25:
العطف على الضمير المرفوع المتصل "22". مسألة في الإمالة "23". الجمع في القافية بين عمود ويعود "23". الجمع في القافية بين باب وكتاب، وبين الساكن والمسكن في الشعر المقيد "24". الجمع بين دونه ودينه ودفين "25".
114- باب في إضافة الاسم إلى المسمى، والمسمى إلى الاسم 26-34:
لبس الاسم عين المسمى "26". لا يضاف الشيء إلى نفسه "26". تأتي الإضافة على معنى اللام وعلى معنى من "28". شواهد فيها إضافة ذي وحي، ليس الاسم في "اسم السلام" زائدا "31". مثل في قولهم: مثلي لا يأتي القبيح ليس زائدا "32".
115- باب في اختصاص الأعلام بما لا يكون مثله في الأجناس 34-36:
يأتي العلم للعين وللمعنى "34" يأتي العلم مصححا مع وجود موجب العلة "35".(3/345)
116- باب في تسمية الفعل 36-53:
اسم الفعل الطلبي "37". الكلام على هلم "37". أمثلة لاسم الفعل الخبري "39" وما بعدها: أف وآوتاه، وسرعان ووشكان وحس ولب ووى وهيهات، وإلى، وهمام وحمحام وخماح وبحباح وأولى، الدليل على أن هذه الألفاظ أسماء "46". فائدة وضع أسماء الأفعال "48". لا ينصب المضارع بعد الفاء في جواب اسم الفعل "49". ينصب المضارع بعد الفاء في جواب نحو دراك عند المؤلف "51". علة بناء اسم الفعل "51".
117- باب في أن سبب الحكم قد يكون سببا لضده على وجه 53-58:
الوجه في اعتلال القود ونحوه "54" ندى وأندية "55". يتيم وأيتام "55". الإظهار في مقام الإضمار "55". بقاء الإعلال في لياح "57"، الإدغام قد يكون سببا للتصحيح وقد يكون سببا للإعلال "57".
118- باب في اقتضاء الموضع لك لفظا هو معك إلا أنه ليس بصاحبك 58-60:
فتحة اسم لا في نحو لا رجل غير الفتحة التي يقتضيها لا "58". الكسرة في المضاف لياء المتكلم ليست كسرة الإعراب. وكلامه هنا يفيد أن هذا المضاف معرب "59". حيث فاعل في قولك يسعني حيث يسعك "59". كسرة أمس المبني "59". زيادة أل في الذي والتي وبنات الأوبر "60". اللام في الآن زائدة وتعرفه بلام مقدرة "60". كتابه التعاقب في العربية "60".
119- باب في احتمال القلب لظاهر الحكم 61-63:
زمن وأزمن وجبل وأجبل "61". ثلج وأثلاج وفرح وأفراخ "61". الجباوة من جبيت والشكاية من شكوت "61". القنية من قنيت أو من قنوت "61". غسا يغسى وجبا يجبى "62". زيد مررت به واقفا يجوز في واقفا أن يكون حالا من زيد وأن يكون حالا من الضمير في به "62". شواهد فيها ارتكاب الضرورة مع القدرة على تركها "63".
120- باب في أن الحكم للطارئ 64-67:
النسب إلى نحو كرسي وبختي "65". لو سميت الواحد بهندات قلت في جمعه: هندات، وكذا لو سميت بمساجد قلت في الجمع: مساجد "65". جمع ذلك -بزنة قفل- على ذلك "66". قول الفراء في قوله تعالى: {إن هذان لساحران} "67".(3/346)
121- باب في الشيء يرد فيوجب له القياس حكما ويجوز أن يأتي السماع بضده أيقطع بظاهره أم يتوقف إلى أن يرد السماع بجلية حاله 68-69:
نون نحو عنبر وتاء نحو بلتع "68". ألف آءة "68
122- باب في الاقتصار في التقسيم على ما يقرب ويحسن لا على ما يبعد ويقبح 69-72:
ما يحتمله مروان من الوزن "69". ما يحتمله أيمن من الوزن "70". ما يحتمله عصى "71". ما يحتمله إوي "71".
123- باب في خصوص ما يقنع فيه العموم من أحكام صناعة الإعراب 72-73:
ذكر في هذا الباب أمثلة يفسد فيها التخصيص.
124- باب في تركيب المذاهب 73-76:
تصغير ما نقص منه حرف كهار في هائر: مذاهب النحويين فيه "73" وما بعدها. صرف نحو جوار علما "74". حرف إعرات التثنية "75". تخريج جابة في قولهم: أساء سمعا فأساء جابة "76".
125- باب في السلب 77-85:
مادة "ع ج م" "77". مادة "ش ك و" "78". مادة "م ر ض" "79". مادة "ق ذ ي" "79". قول أبي الجراح: بي إجل فأجلوني "80". مادة "أث م" "80". التودية والسكاك "80". النالة والمنلاة والساهر "81". مادة "ب ط ن" "81". ورد السلب في "خ ف ي" "83". الأسماء هي الأول والأفعال توابع وثوان لها "84". بناء المضارع إذا لحقنه نون التوكيد "85".
126- باب في وجوب الجائز 86-89:
تصغير نحو جدول ونحو عجوز "86". ما قام إلا زيدا أحد "87". يقال: أجنة ولا يقال وجنة وهو الأصل "87". تصريف أوار "87" وما بعدها. فعل من وأيت "88". البرية والذربة والخابية والنبي "88". ما جاء فيه فعل فعل يفعل ويفعل بضم عين المضارع وكسرها "88".(3/347)
127- باب في إجراء اللازم مجرى غير اللازم وإجراء غير اللازم مجرى اللازم 89-95:
أمثلة فيها فك الإدغام "89". عوى الكلب عوية "89" وما بعدها، قراءة ابن مسعود: فقلاله قولا لينا "91". قول بعضهم في الابتداء: الحمر في الأحمر "92". قراءة بعضهم: قالوا لأن جئت بالحق بتخفيف الآن وإثبات واو قالوا "93". قراءة أبي عمرو: وأنه أهلك عاد عاد الولي "93". قوله تعالى: لكنا هو الله ربي "94". تخفيف رؤيا ونؤى "94".
128- باب في إجراء المتصل مجرى المنفصل وإجراء المنفصل مجرى المتصل 95-98:
الإدغام في نحو اقتتل وتحاجونني "96".
129- باب في احتمال اللفظ الثقيل لضرورة التمثيل 98-99:
مبنى هذا الباب أنه يكون في الميزان الصرفي من ترك الإدغام وغيره ما لا يكون في الكلام، فيقال في وزن جحنقل: "فعنلل بإظهار النون ليبين حال الموزون" ولو قيل: فعلل -كما تقضي به قاعدة الإدغام- لم يمثل الموزون.
130- باب في الدلالة اللفظية والصناعية والمعنوية 100-103:
يدل الفعل على الحدث بالدلالة اللفظية، وعلى الزمان بالصناعية، وعلى الفاعل بالمعنوية "100". تخريج قولهم: إني لأمر بالرجل مثلك "101". المرقاة والمرقاة بكسر الميم وفتحها "102". ودلالات اسم الفاعل، ونحو قطع "103".
131- باب في الاحتياط 103-113:
أورد أمثلة من التوكيد اللفظي والمعنوي "103" وما بعدها. فرسة وعجوزة "106". التأكيد بهاء النسب كقولهم: دواري "106"، من الاحتياط قولهم: يا بؤس للجهل "108". زيادة باء الجر من الجارة "108" لا يجتمع حرفان لمعنى واحد ويجتمع أكثر من مؤكد للجملة "109". وما بعدها. ما يقال لمن يحسن القيام على ما قاله "113". معاني وجد "113".
132- باب في فك الصيغ 113-122:
جندل -بفتح النون- وبابه "116". باب علبط "116". تكسير ما ثالثه حرف لين "118". تصغير ألد "118". تكسير كروان على كروان، أشد "120". جمع أنون على أتانين "121". تصغير رجل على رويجل "121". جمع إكليل على أكلة "122".(3/348)
133- باب في كمية الحركات 122-123:
الحركات الأصلية ثلاث، والفرعية ثلاث "122". ليس في كلامهم ضمة مشربة فتحة ولا كسرة مشربة فتحة "123".
134- باب في مطل الحركات 123-126:
رأي في "اتباع الشجاع" "124". رأي في تصريف ضيفن "124". خذه من حيث وليسا "125". تصريف آمين "125". أكلت لحما شاة "125".
135- باب في مطل الحروف 126-135:
حروف المدر يريد مدها إذا وقع بعدها الهمز أو حرف مشدد أو وقف عليها عند التذكر "127". إبدال الألف همزة "128". الإدغام في نحو جيب بكر "129". المدة عند التذكر "130". مطل الحركات عند التذكر "131". حكم الساكن الصحيح عند التذكر "132". حكم الساكن المعتل عند التذكر "133".
136- باب في إنابة الحركة عن الحرف والحرف عن الحركة 135-138:
أمثلة للاستغناء بالحركة عن الحرف "135" وما بعدها. أمثلة لنيابة الحرف عن الحركة "137" وما بعدها.
137- باب في هجوم الحركات على الحركات 128-144:
قراءة "فلإمه الثلث" "143". قراءة "بما أنزليك" "143". قول أعرابية لبناتها: أفي السوتنتنه "144".
138- باب في شواذ الهمز 144-151:
من شاذ الهمزة أئمة "145". منائر في جمع منارة "147". أمثلة لشواذ الهمزة "147" وما بعدها.
139- باب في حذف الهمزة وإبداله 151-156:
الكلام على ويلمه "152". قراءة ابن كثير: إنها لحدى الكبر "152". تصريف الناس "152". لن عند الخليل "153". سقوط همزة القطع "153". قولهم: قربت وأخطيت "154". قراءة بعضهم في الوقف: أن تيويا في أن تبوءا "155". محاورة بين أبي زيد وسيبويه في قويت "155" وما بعدها.(3/349)
140- باب في حرف اللين المجهول 156-159:
مدة الإنكار "156" وما بعدها، قول بعضهم: أنا إنيه حين قيل له: أتخرج إلى البادية؟ "158".
141- باب في بقاء الحكم مع زوال العلة 15-166:
غديان وعشيان والأريحية وهذا الباب "163". صبية وقنية "164-166".
142- باب في توجه اللفظ الواحد إلى معنيين اثنين 166-175:
قولهم: هذا أمر لا ينادي وليده "166". قولهم: زاحم بعود أودع "171". قوله تعالى: {ويكأنه لا يفلح الكافرون} "172".
143- باب في الاكتفاء بالسبب من المسيب، وبالمسيب من السبب 176-180:
أورد أمثلة من المجاز لعلاقة السببية "176" وما بعدها.
144- باب في كثرة الثقيل وقلة الخفيف 180-188:
وقوع الجملة موقع المفرد، ووقوع المفرد موقع الجملة "181". قد يقع النقل في النكرة، نحو الينجلب "183". تبادل الياء والهمزة "185". لغة هذيل في جوزات "187".
145- باب القول في فوائت الكتاب 188-190:
فيه ثناء على سيبويه والاعتذار عنه في الإخلال ببعض موازين الأسماء.
146- ذكر الأمثلة الفائتة للكتاب 190-221:
ذكر فيه الأمثلة التي أخل بذكرها سيبويه. تلقامة وتلعابة "190". تغيير الأعلام في الشعر كعطاء في عطية "191". فرناس وفرانس "194". تنوفي ومسولي "194". ترجمان "196". شحم أمهج "197". مهوأن "198". مقبئن "199". عياهم "205". ذم أبي على كتاب العين "200". تماضر وترامز "200". ينابعات "201". دحندح "201". عفوين "202". ترعاية "203". الصبر "203". قولهم في الوقف: ضربته "203". قولهم في الوقف: ادع واغز "204". هزنيزان وعقزران "204". هديكر "205". زيتون، ميسون، قيطون "206". الهندلع "206". كذبذب وكذبذب "207". الدرداقس "207". الخزرانق "208". شمنصير "208". الموقى "208". تأكيد الصفة الصفة بزيادة ياء مشددة كأحمري "208". المأقي "209".(3/350)
جبروة "209". مسكين ومنديل "209". حوريت "210". خلبوت وحيوت "210". ترفؤة "210". سمرطول "210". قرعبلانة "211". الألف والنون تعاقبان تاء التأنيث في أن حذفها علامة الجمع "211". كروان وكروان، وشدة وأشد "212". عقربان "213". مألك "215". أصرى "215". زئبر وضئيل وخرفع "215". اقتل واعبد بكسر الهمزة في الابتداء "215". إزلزل "215". الخزعال، والقسطال "216". سراوع "216". الأربعاوي "217". الفرنوس "217". الحبليل وويلمة "217". طيلسان بكسر اللام "218". يستعور رأرونان والتواطخ وأسكفة "218". السليطط "218". صعفوق "218". زيزفون "218". الماطرون "219". الماجشون "219". السقلاطون وأطربون وضهيد وعتيد "219". الخرنياش والقهوباة "220". إوز، وزونك وضفنط "220". زونزك وزوزي "221". زونوق وتعفرت ويرنأ "221".
147- باب في الجوار 221-230:
صيم في صوم "221". نقل حركة الإعراب إلى ما قبلها في الوقف نحو هذا بكر "223".
استقباح نحو العقق مع الحمق والمحرق في الشعر "223". الجوار المنفصل في نحو هذا حجر ضب خرب "223". قراءة بعضهم: حتى إذا اداركوا بإثبات ألف إذا والجمع بين الساكنين "224". تجاور الأزمنة في نحو قولهم: أحسنت إليه إذ أطاعني "225". قوله تعالى: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون} "227" تجاور الأمكنة لا يجري به ما يجري لتجاور الأزمنة "228". لا يجرؤ البدل إذا كان الناني أكثر من الأول "229".
148- باب في نقض الأصول وإنشاء أصول غيرها منها 230-334:
بأيات الصبي "230". الحازباز "231". تكتب اللام الجارية مفصولة في نحو يال بكر "232". قولهم: لا أهلم وقولهم هاهيت وعاعيت وحاحيت "223". قولهم: دعدعت وجهجهت "234". كتابه في شرح الزجر لثابت بن محمد "234".
149- باب في الامتناع من نقض الغرض 234-243:
البداء عند اليهود "234". الامتناع من إدغام الملحق نحو جليب "235". امتناعهم من تعريف الفعل "236". امتناعهم من إلحاق من الجارة بأفعل التفضيل المعرف بأل "236". امتناعهم من إلحاق علامة التأنيث لما فيه علامته نحو مسلمات وفيه الكلام على جمع الجمع "238". وصف العلم "241". منع تنوين الفعل "243". تنوين الأعلام "243".(3/351)
150- باب في التراجع عند التناهي 244-248:
نفي النفي إيجاب "244". جمع نحو ظلمة على ظلم معرى من علامة التأنيث "244". علة تجرد نحو صبور من علامة التأنيث "246". علة جمود نعم الرجل "247". إذا فاق الشيء في بابه سموه خارجها "248".
151- باب فيما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية 248-258:
مبني هذا الباب على أن أكثر من ضل عن الشريعة استهواء للضلالة ضعفه في اللغة، تهجين الرسول عليه الصلاة والسلام اللحن في العربية "249". قوله تعالى: {يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله} "250". قوله تعالى: {فأينما تولوا فثم وجه الله} "250" قوله تعالى: {مما عملته أيدينا} "251". قوله تعالى: {السموات مطويات بيمينه} "252". قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: خلق الله آدم على صوته "253". قوله تعالى: {يوم يكشف عن ساق} "254". قوله تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا} "256". الكلام على أفعلت الشيء بمعنى وافقته وصادقته كذلك "256". كتاب لقطرب في الرد على الملحدين، وكتاب لأبي علي في تفسير القرآن "258".
152- باب في تجاذب المعاني والإعراب 258-263:
قوله تعالى: {إنه على رجعة لقادر يوم تبلى السرائر} "258". قوله تعالى: {إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم} "259". ورجل عدل وقوم رضا "262". قوله تعالى: {خلق الإنسان من عجل} "263".
153- باب في التفسير على المعنى دون اللفظ 263-267:
قول سيبويه: حتى الناصبة للفعل "263". قول سيبويه: فجار معدولة عن الفجرة "264". قولهم: أهلك والليل "264". قولهم: معي عشرة فأحدهن لي "265". همزة أحد في قولهم: ما بالدار أحد "265". قوله تعالى: {من أنصاري إلى الله} "266". قوله تعالى: {يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد} "266".
154- باب في قوة اللفظ لقوة المعنى 267-272:
فيه الكلام على نحو خشن واخشوشن وقدر واقتدر. قوله تعالى: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} "268". قوله تعالى: {تكاد السوات يتفطرن منه} "268". باب جميل وجمال ووضئ ووضاء "269". حمل التصغير على التكسير "271".(3/352)
155- باب في نقض الأوضاع إذا ضامها طارئ عليها 272-273:
قوله تعالى: {أأنت قلت للناس} ، {آلله أذن لكم} ، {ألست بربكم} "272" وصف العلم "273".
156- باب في الاستخلاص من الأعلام معاني الأوصاف 273-276:
قوله: أنا أبو المنهال بعض الأحيان "273". إنما سميت هانئا لنهنأ "274". كل غائية هند "274". مررت برجل صوف تكنه "275".
157- باب في أغلاط العرب 276-285:
قصة الأعرابي الذي بايع أن يشرب عليه لين ولا يتنحنح "278". الحروف المهموسة "279". همز مصائب "280". قولهم في راية: راء وفي زاي: زاء "280" منارة ومنائر ومزادة ومزائد "281". وراء وتصغيرها "281". حلأت السوبق ورثأت زوجي واستلأمت الحجر ولبات بالحج "282". مسيل وأمثلة "282". معين "282". غلط للشجري "283". فقد ذي الرمة "283". نقد كثير "283". نقد الحطيئة "285".
158- باب في سقطات العلماء 285-312:
غلط للأصمعي سببه التصحيف "285". تصحيف الفراء "286". تصحيف لأبي عمرو الشيباني "286". رأى أبي عبيدة في مندوحة "286". رأى ابن الأعرابي في أرونان "287". رأى ثعلب في أسكفة "287". وأي ثعلب في تنور "288". المواد التي لم ترد إلا مزيدة مثل كوكب "288". التنور لفظة اشترك فيها للغات "288". رأى ثعلب في النواطخ "289". تصحيف المفضل الضبي "290". تعقب المبرد سيبويه في ألفاظ يسيرة ومع ذلك فقد رجع عنه "290". القدح في كتاب العين "291". ذم كتاب الجمهرة "296". اختلاس الكسائي واليزيدي في الشراء أممدود هو أم مقصور "292". يتخولنا بالموعظة وبتخوننا "292" عد نصيب أخطاء الكميت وهو ينشد شعره "293". رأى الكسائي في وزن أولق "294". قول الكسائي: أي هكذا خلقت "295". تعقب الأصمعي شعبة بن الحجاج "295". نادرة لأبي عمرو بن العلاء مع من أنشده بيتا قافيته: مروتيه، ومثلها لعبد الملك بن مروان في هذا البيت "296". اختلافهم في أبرق وأرعد وبرق ورعد "296" تصحيف الأصمعي قليله في بيت "297". جمع ريح على أرياح "298". إنكار الأصمعي لزوجة "298". نقد لذي الرمة وتقدم في الباب السابق "299". معرفة بعض العرب لحروف الهجاء وتشببهم بعض الأعضاء بها "299" وما بعدها. تغليظ الأصمعي أبا(3/353)
عمرو الشيباني في معنى بيت "300". رؤبة مع الطرماح والكميت "300" وما بعدها. تعقب قدماه البصريين لرؤبة وأبيه في اللغة "300". غلط أبي عبيدة في صياغة الأمر من عنيت بحاجتك "302"، أصل قم وغلط الفراء فيه "302". تغليظ الأصمعي للجرمي في مسألة لغوية، وتغليط الجرمي للأصمعي في تصغير مختار "303". بحيث في قوله تعالى: {هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزقتم إنكم لفي خلق جديد} "303". بناء مثل عنكبوت من سفرجل "304". قراءة بعضهم: {وقولوا للناس حسنى} "304". بحث في قولهم: ضربه فحشت يده "304". بحث في قول ذي الرمة: وعينان قال الله كونا فكانا. "305". سؤال رجل لسيبويه عن قول الشاعر: يا صاح يا ذا الضامر العنس "305". حذف لام الأمر في غير الضرورة ومناقشة المازني للفراء في ذلك "306". نصب الجمع المؤنث السالم بالفتحة "307".
يجيز المازني أن يقال: لا مسلمات لك بفتح التاء في باب لا خاصة "308". أغمى على المريض وغمي عليه "308". كم وكمأة "308". الصقر والزقر والسقر "308". صحف المفضل الضبي في بيت لأوس، ورد الأصمعي عليه "309". إنكار الأصمعي على ابن الأعرابي في إعراب بيت "309". تصحف الأصمعي في بيت الحارث بن حلزة "تعتر" إلى "تعنز" ورد أبو عمرو الشيباني عليه "310". أوقع الأصمعي أبا توبة في الخطأ في معنى بيت "311". إنكار الأصمعي بعض رواية أبي زيد "311". الخطأ في المثل: "مثقل استعان بدفيه" الفردوس هل هو مذكر "311". أنكر أبو عبيدة على النحويين قولهم: إن هاء التأنيث لا تدخل على ألف التأنيث لورود علقاة في علقى "312".
159- باب في صدق النقلة، وثقة الرواة والحملة 312-316:
أولية النحو "312" وما بعدها. زاد أبو عمرو بن العلاء بيتا في شعر الأعشى "313". الثناء على الأصمعي، وهو صناجة الرواة "314". الثناء على أبي زيد وأبي عبيدة وأبي حاتم وأبي الحسن الأخفش والكسائي "314". سيبويه وكتابه "315". احتياط أبي علي في الرواية "316".
160- باب في الجمع بين الأضعف والأقوى في عقد واحد 317-322:
الحمل على المعنى أو على اللفظ. وذكر فيه كلا ومن وكلا "317" وما بعدها، فتن وأفتن "318". وفي وأوفى "319". صرف دعد ومنعه الصرف "319". أجبل في جمع جبل "319". ترخيم المرخم "320" الحكمة في الجمع بين اللغتين "320"، قراءة عمارة {ولا الليل سابق النهار} بترك تنوين "سابق" ونصيب "النهار" "321".(3/354)
161- باب في جمع الأشباه، من حيث يغمض الاشتباه 322-331:
وجه الجمع بين قول الشاعر:
لدن بهز الكف يعسل متنه
فيه كما عسل الطريق الثعلب
وقولهم: اختصم زيد وعمرو "322". الجمع بين قول الشاعر:
زمان على غراب غداف فطيره الدهر عني فطارا
وقوله تعالى: {يوم تبلى السرائر فماله من قوة ولا ناصر} "321". الجمع بين قول امرئ القيس:
على لا حب لا يهدي بمناره إذا ساقه العود النباطي جرجرا
وقوله تعالى: {ولم يكن له ولي من الذل} "324". الجمع بين قول الأعشى:
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وبت كما بات السليم مشهدا
وقول الشاعر:
وطعنة مستبسل ثائر ترد الكتيبة نصف النهار
"325". الجمع بين قوله تعالى: {فما استكانوا لربهم} وقوله تعالى: {يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم} "327". الجمع بين قوله تعالى: {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم} ، وقوله تعالى: {فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون} "327". الجمع بين قول الأعشى:
حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشر
وقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} "328" الجمع بين قول الراجز:
وكحل العينين بالعواور
وقول الآخر:
لما رأى أن لا دعة ولا شبع مال إلى أرطأة حقف فالطجع
"329". التقطت النوى واستقطته واضقطته "329". لا أكلمه حيرى دهر "330". شواهد فيها تسكين الياء المشددة "330".
162- باب في المستحيل، وصحة قياس الفروع على فساد الأصول 331-344:
ذكر في هذا الباب أمثلة فيها البناء على أصول فاسدة، كأن يقول لك: "إذا فرضت أن سبعة في خمسة أربعون" فكم يجب أن يكون على هذا ثمانية في ثلاثة، والغرض من هذا شحذ الذهن، قول العرب: إن قمت غدا قمت معك، ووجه هذا "323"، المضارع أسبق في الرتبة من الماضي "334". الوجه في مجيء الدعاء على صورة الماضي، نحو أيدك الله "335". زيد أفضل(3/355)
إخوته "326"، قوله تعالى: {وإنه لحق اليقين} ليس الحق فيه هو اليقين "327. أخذت كل المال ليس فيه إضافة الشيء إلى نفسه "327". مراعاة اللفظ أو المعنى في كلتا وكل "328". من المحال أن يقال: أحق الناس بمال أبيه ابنه "329". قول أبي النجم:
أنا أبو النجم وشعرى شعرى
وشواهد في هذا المعنى "340". قياس الفروع على فساد الأصول، وذكر فيه أمثلة من هذا النوع "342". وزن "الناقة" بفرض أخذها من "القنو"، وزن "أسكفه" بفرض أخذها من "استكف". زنة "ما هان" لو كان عربها، زنة المندوحة لو أخذت من "انداح" "342". وزن يستعور "343". وزن يتمورة "343". مر مريس "343" فرفر، قندار "344".(3/356)
الفهارس العامة:
1- فهرس الأعلام:
حرف الهمزة:
آدم مولى بلعنبر ج1 ص277
الآلوسي ج1: 95، 126، 325
أبان بن الوليد ج1 ص335
ج2 ص96
ج3 ص184
إبراهيم بن أحمد القرميسيني ج1 ص76، ج2 ص461
إبراهيم الحربي ج3 ص215
إبراهيم بن الحسن بن سهل ج1 ص16
إبراهيم بن حوران ج2 ص436
إبراهيم بن السرى أبو إسحاق الزجاج= الزجاج
إبراهيم بن سفيان ج2 ص430
إبراهيم بن العباس الصولي ج1 ص182
ج2 ص481
إبراهيم بن المدير ج1 ص303
إبراهيم بن المهدي ج1 ص342
إبراهيم بن هشام المخزومي ج1 ص230
الأثرم "علي بن المغيرة" ج3 ص311
ابن الأثير صاحب التاريخ ج2 ص210
ابن الأثير صاحب المثل السائر ج1 ص220
أثيلة بن المنخل الهذلي ج2 ص169، 435
أحمد بن إبراهيم أستاذ ثعلب ج3 ص29
أحمد تيمور باشا ج1 ص131، 262، 292
أحمد بن حنبل "الإمام" ج1 ص37، 221
ج1 ص119
أحمد بن زياد القطان "أبو سهل" ج3 ص204
أحمد شاكر ج1 ص210، 327، 329
أحمد بن المدير ج1 ص203
أحمد بن يحيى "ثعلب" ج1 ص39، 87، 99، 198، 286، 290، 316، 317، 323، 340، 384، 391
ج2 ص13، 23، 25، 51، 113، 130، 151، 153، 175، 221، 227، 233، 285، 469
ج3 ص29، 44، 46، 58، 125، 144، 148، 152، 153، 194، 218، 276، 283، 284، 288، 289، 300، 305، 316، 342
ابن أحمر الباهلي ج1 ص255، 256
ج2 ص23، 25، 26، 27، 150، 462
الأحنف بن قيس ج1 ص101
الأحوص بن محمد الأنصاري ج1 ص230
ج2 ص130
ج3 ص177
أبو الأخزر الحماني ج2 ص78
الأخطل ج1 ص16، 82
ج2 ص215، 340، 344، 376، 416، 477
ج3 ص136، 147، 161، 179
الأخفش= أبو الحسن
الأخوص الرياحي ج2 ص346
الأزهري ج2 ص433
إسحاق بن إبراهيم "ممدوح البحتري" ج2 ص461
أبو إسحاق= الزجاج.
أسماء بن خارجة ج2 ص74
إسماعيل بن بليل ج2 ص265
إسماعيل بن سليمان المقرئ ج2 ص323
إسماعيل بن نصر ج2 386
أبو الأسود الدؤلي ج1 ص100، 295، 312، 397
ج2 ص10، ج3 ص44، 313(3/359)
أبو الأسود العجلي ج2 ص131
الأسود بن المنذر ج2 ص476
الأسود بن يعفر ج2 ص294، 424، 438
ج3 ص205
الأشعري= أبو الحسن
الأشعري "أبو موسى" ج1 ص9
ج2 ص10، 192
ج3 ص120
الأصمعي أبو سعيد عبد الملك بن قريب ج16، 32، 38، 98، 138، 153، 173، 204، 203، 249، 261، 262، 268، 325، 325، 361، 362، 363، 367، 375، 383
ج2 ص13، 23، 25، 26، 30، 52، 86، 88، 118، 173، 175، 215، 237، 252، 269، 289، 336، 418، 445
ج3 ص46، 48، 60، 81، 119، 124، 148، 152، 169، 170، 174، 175، 203، 207، 218، 233، 248، 283، 285، 292، 295، 296، 297، 298، 300، 301، 305، 308، 309، 310، 311، 314، 318، 320
ابن الأعرابي ج1 ص291، 317، 331، 333، 359، 384، 393، 395
ج2 ص25، 52، 113، 282، 289، 469
ج3 ص137، 144، 169، 175، 195، 218، 220، 309، 310، 325، 326
الأعرج المقرئ ج2 ص295
الأعشى "أعشى قيس" ج1 ص44، 113، 136، 186، 187، 266، 270، 389، 390
ج2 ص99، 119، 153، 171، 175، 185، 199، 210، 290، 370، 375، 397، 404، 409، 419، 437، 443، 491، 492
ج3 ص53، 135، 174، 197، 217، 237، 286، 290، 325، 228، 338
أعشى همدان ج3 ص318
الأعلم "الشنتمري" ص7، 9، 144، 194، 302، 372
ج2 ص179، 375، 428، 447
ج3 ص45، 154، 167، 179، 229، 235
الأعمش ج2 ص56
ج3 ص292، 293
الأغلب العجلي ج2 ص493
الأقيشر الأسدي ج1 ص74
امرؤ القيس بن بحر بن زهير الكلبي ج2 ص308
امرؤ القيس بن حجر ج1 ص7، 12، 70، 75، 144، 193، 264، 302، 336
ج2 ص84، 128، 222، 258، 286، 315، 365، 389، 425، 429
ج3 ص78، 105، 132، 147، 167، 194، 209، 224، 284، 290، 324
امرؤ القيس بن عابس ج1 ص15
الأمير= محمد الأمير
أميمة ج1 ص309
أمية بن أبي الصلت ج1 ص155، 212، 308
ج2 ص26
ج3 ص55
أمية بن أبي عائذ الهذلي ج2 ص155
ج3 ص218، 219
ابن الأنباري ج1 ص29، 100، 134، 170، 185، 214، 297، 338، 399(3/360)
ج2 ص37، 186، 492
ج3 ص298
أنس بن زنيم ج1 ص267
أنس بن مدركة الخثعمي ج3 ص34
الأوارجي "هارون بن عبد العزيز" ج1 ص328
أوس بن حجر ج2 ص114، 128، 288، 365، 424، 405
ج3 ص175، 216، 295، 309
ب-
البارودي ج2 ص121
الباقلاني ج2 ص190
باهلة بن عمرو ج2 ص190
باهلة بن عمرو ج2 ص438
بثينة ج1 ص286
أبو بجبلة ج2 ص196
البحتري ج1 ص16، 30، 75، 293، 304، 368
ج3 ص260
بحر بن مالك بن حنظلة ج1 ص252
البختري بن المغيرة ج3 ص33
البرجمي= ضابئ بن الحارث
أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ج2 ص382
ج3 ص275
ابن برهان ج1 ص189
ابن بري ج1 ص34، 127، 356
ج2 ص37، 64، 115
ج3 ص191، 233، 274
البزي المقرئ ج1 ص95
بسباسة ج2 ص425
بسبس بن عمرو ج2 ص251
بسطام بن قيس الشيباني ج3 ص152
البسوس ج3 س232
بشار بن برد ج1 ص32، 135، 325
ج3 ص284
بشر بن خازم ج1 ص194
بشر بن مروان ج3 ص147
بشر بن المهلب ج1 ص202
بشر بن موسى الأسدي ج3 ص308
البطليوسي صاحب الاقتضاب ج2 ص312
البغدادي= عبد القادر صاحب الخزانة
أبو بكر بن الخياط ج3 ص303
أبو بكر الرازي ج1 ص209
أبو بكر السراج ج1 ص3، 8، 13، 67، 113، 126، 162، 174، 175، 189، 217، 249، 259، 370، 387
ج2 ص16، 33، 56، 63، 88، 132، 133، 136، 154، 173
ج3 ص17، 124، 149، 176، 200، 201، 205، 209، 290، 316، 334، 337
أبو بكر الصديق رضي الله عنه ج1 ص15
أبو بكر بن عاصم ج1 ص336
أبو بكر محمد بن الحسن العطارد راوية ثعلب ج1 ص39، 384، 391
ج2 ص13، 469
ج3 ص283، 305
أبو بكر المقرئ ج2 ص355، 372
أبو بكر المراغي ج3 ص302
البكري= توفيق.
البكري= أبو عبيد.
بلال بن أبي بردة الأشعرية ج2 ص224، 441
ج3 ص56، 120، 298، 318
بلال بن جرير ج3 ص283
البلوى ج1 ص11، 30، 88
ج2 ص24
البيضاوي ج2 ص190
البيهقي المحدث ج1 ص15
ج2 ص374(3/361)
ت-
تأبط شرا ج1 ص130
التبريزي "شارح الحماسة" ج1 ص178، 296، 306
ج2 ص21، 49، 123، 158، 379، 481، 492
ج3 ص17، 54، 87، 303
تلميذ الهذلي ج3 ص208
أبو تمام ج1 ص16، 25، 125، 167، 172، 192، 302، 345
ج2 ص49، 126، 379، 431، 482
ج3 ص169، 273
التؤم اليشكري ج1 ص144
التؤزي ج3 ص286، 310، 312
توفيق البكري ج3 ص106، 256
تيمور= أحمد تيمور.
ث-
ثابت بن محمد ج3 ص234
أبو ثبيت ج2 ص290
أبو ثروان ج2 ص196
الثريا بنت عبد الله ج2 ص283
ثعلبة بن سيار ج2 ص439
ج-
جابر الصحابي "رضي الله عنه" ج1 ص373
الجاحظ ج1 ص39، 186، 191، 248
الجارود بشر بن عمرو: هذا هو الصواب فيه، كما في القاموس ج2 ص295
جيار بن سلمى بن مالك ج3 ص30
الجبرتي ج1 ص282
جبلة بن الأيهم ج3 ص122
جدوى ج1 ص26
جذع بن سنان الغساني ج1 ص130
أبو الجراح ج3 ص80
جران العود ج1 ص261
ج2 ص416
الجرجاني ج1 ص189
الجرمي "صالح بن إسحاق" ج1 204
ج2 ص76، 173
ج3 ص303
جرير بن الحطفي ج1 ص8، 75، 84، 96، 337، 346، 368، 397، 398
ج2 ص34، 47، 86، 98، 130، 177، 211، 277، 422، 423، 424، 426، 436
ج3 ص44، 63، 147، 148، 222، 297
جرير بن عبد المسيح ج2 ص379
جعدة بن جرير ج2 ص177، 301
الجعدي "النابغة" ج1 ص37، 135، 137، 210، 256
ج2 ص170
ج3 ص219
أبو جعفر القارئ ج2 ص197، 295
جعفر بن محمد الحجاج "أبو بكر" ج3 ص308
جليد الكلابي ج1 ص9
ابن جماعة ج1 ص43
جميل ج1 ص80، 286
ج2 ص437
جندل بن المثنى الطهوي ج1 ص196
ج3 ص437
جندل بن المثنى الطهوي ج1 ص196
ج3 ص166، 329
ابن جني ج1 ص8، 14، 25، 30، 41، 43، 48، 49، 58، 61، 63، 65، 74، 76، 90، 95، 100، 103، 105، 109، 111، 117، 123، 127، 128، 134،(3/362)
135، 157، 162، 164، 131، 191، 192، 214، 220، 227، 229، 240، 243، 250، 251، 263، 266، 281، 282، 299، 317
ج2 ص52، 387
ج3 ص274، 304، 305، 306، 318
جهم بن سبل ج1 ص356
الجواليقي ج1 ص358، 373، 396
ج2 ص309، 313، 315، 316، 317، 440
ج3 ص206، 300
ابن الجوزي ج1 ص59، 76
الجوهري ج1 ص252
ج2 ص62
ح-
أبو حاتم السجستاني ج1 ص76، 127، 244، 385
ج2 ص271
ج3 ص87، 195، 297، 298، 304، 311، 312، 314
حاتم الطائي ج1 ص195، 295، 298
ج2 ص271
ج3 ص195
حاجب بن غفار ج2 ص300
الحارث بن حلزة اليشكري ج1 ص242
ج2 ص114، 274
ج3 ص168، 310
الحارث بن كعب ج2 ص16، 18، 118
الحارث بن نهيك ط2 ص355
الحارث بن نوفل بن عبد الملك ج2 ص219
الحارث بن هشام ج1 ص43
ج2 ص223، 438
الحارثي ج2 ص117
حازوق الخارجي ج3 ص191
حبيب الأعلم الهذلي ج1 ص15، 27
ج3 ص199
أبو الحدرجان ج1 ص340
ابن حذيم ج2 ص455
ابن حزم ج1 ص207
ج2 ص445
الحزين ج3 ص148
حسان بن تبع ج3 ص29
حسان بن ثابت ج1 ص43
ج2 ص118، 122، 208، 223، 283، 338
ج3 ص122، 126
أبو الحسن "الأخفش" ج1 ص3، 19، 27، 35، 41، 42، 68، 85، 116، 117، 127، 128، 129، 137، 138، 189، 204، 206، 241، 249، 272، 275، 291، 294، 314، 318، 340، 371، 379، 398
ج2 ص18، 31، 38، 62، 63، 98، 99، 101، 106، 107، 191، 263، 282، 288، 295، 307، 380، 404، 412، 430، 441، 442، 454، 464، 466
ج3 ص43، 55، 76، 88، 101، 102، 131، 137، 145، 153، 172، 195، 205، 219، 240، 256، 259، 304، 306، 311، 314، 330
الحسن البصري ج2 ص289، 470
ج3 ص304
الحسن بن الحسين السكري ج1 ص8
ج2 ص75، 82
ج3 ص153، 219(3/363)
الحسين بن مطير ج2 ص417
حسين نصار "محقق" ج2 ص121، 264
حصن بن حذيفة الفزاري ج2 ص447
الحطيئة ج1 ص346
ج2 ص374، 414، 434، 493
ج3 ص61، 223، 261، 280، 300
حفص القارئ ج1 ص95
ج2 ص372
ج3 ص155
الحكم بن عبد الملك بن بشر بن مروان ج2 ص400
حكيم بن المسيب ج2 ص313
حكيم بن معية الربعي التميمي ج1 ص292
ج2 ص372، 455
الجليس بن وهب ج2 ص390
حماد بن سلمة ج3 ص301
حمزة "القارئ" ج2 ص476
ج3 ص143
ابن حمزة ج2 ص178
الحمصي= عبد السلام بن رغبان ديك الجن
حميد الأرقط ج1 ص131
ج2 ص196
حميد بن ثور الهلالي ج1 ص131
ج2 ص210
ابن خنزابة ج1 ص240، 385
ج3 ص305، 308، 312
أبو حنيفة الإمام ج1 ص164
أبو حنيفة الدينوري ج3 ص54
أبو حيان ج1 ص9، 274
ج2 ص98، 103، 198
ج3 ص228
أبو حية النميري ج1 ص109، 208، 346
ج2 ص48، 407.
خ-
خالد الأزهري ج2 ص367
خالد بن زهير ج2 ص214
خالد بن الطيفان ج2 ص433
أبو خالد القناني ج2 ص294
خالد بن كلثوم ج3 ص174
خالد بن المهاجر ج3 ص305
خالد بن الوليد ج2 ص251، 399
الخالديات ج1 ص268
ابن خالويه ج3 ص121
أبو خراش الهذلي ج1 ص72، 248، 259
ج2 ص75، 172
ج3 ص340
أبو خراشة "خفاف بن ندبة" ج2 ص218، 383
أبو الخصيب ج3 ص170
أبو الخطاب ج1 ص203، 268
ج3 ص204، 280
أبو الخطار الكلبي ج1 ص476
خطام المجاشعي ج2 ص370
خلف الأحمر ج1 ص249، 263
ج3 ص290
ابن خلف ج2 ص355
ابن خلكان ج1 ص49، 164، 388
ج2 ص18
الخليل بن أحمد ج1 ص128، 249، 261، 262، 363
ج2 ض16، 17، 18، 63، 65، 66، 68، 69، 70، 79، 107، 108، 154، 156، 191، 282، 307، 365
ج3 ص12، 13، 17، 18، 19، 37، 42، 47، 68، 76، 88، 101، 102، 145، 153، 159، 223، 233، 291، 389، 292، 294، 314.(3/364)
الخليل بن أسد النوشجاني ج ص361
ج2 ص62
ج3 ص286
الخنساء ج2 ص205، 273
ج3 ص46، 175، 201
خويلد ج3 ص340
أبو خيرة ج2 ص15
ج3 ص307، 308، 321
د-
داود بن مسلم ج3 ص148
أبو داود المحدث ج1 ص40، 177، 221، 251
ج2 ص129، 177، 267، 343
أبو دختنوس "لقيط بن زرارة" ج1 ص312
أبو الدرداء "2 ص159
درني بنت عبعبة ج1 ص296
دريد بن الصمة ج3 ص250
ابن دريد ج1 ض114، 198، 256، 347، 382
ج2 ص55
ج3 ص202، 206، 218
ابن الدريهم ج2 ص46
دكين ج3 ص155
أبو دلف "القاسم بن عيسى العجلي" ج3 ص169
الدماميني ج1 ص282
ج2 ص265، 266، 376
ابن أبي الدنيا ج1 ص15
ج2 ص168
الدمنهوري ج2 ص265
أبو دههل الجمحي ج3 ص219
دوس بن غسان ج2 ص113
ذ-
أبو ذؤيب الهذلي ج1 ص15، 220، 349
ج2 ص82، 87، 316، 371، 398، 415
ج3 ص124، 124، 307
أبو ذر الغفاري ج2 ص159
ذو الإصبع العدواني ج2 ص290
ذو الرمة ج1 ص7، 30، 123، 155، 299، 296، 301، 302، 303، 326
ج3 ص31، 40، 51، 120، 294، 298، 299، 305
الذئبي= سطيح الكاهن.
ر-
الراعي النميري ج1 ص30، 75، 329
ج2 ص97، 98، 132، 343، 434، 370
ج3 ص70، 299
أبو الربيس التغلبي ج2 ص294
الربيع بن زياد ج3 ص303
الربيع بن علباء ج3 ص296
ابن رشيق ج1 ص147، 369
رضوان الأسدي ج3 ص108
رفيع الوالبي ج1 ص351
ابن الرقاع العاملي ج1 ص326
الرماني ج2 ص21
أبو رهم ج2 ص266
ابن رواحة ج2 ص31، 355
رؤبة ج1 ص223، 265، 307
ج2 ص96، 98، 295، 319، 322، 335
ج3 ص147، 152، 178، 217، 256، 300، 308، 312، 318
ابن الرومي ج1 ص30، 321
ج2 ص121، 264
رويشد بن كثير الطائي ج2 ص418(3/365)
رويقة "محبوبة زياد بن حمل" ج1 ص306
الرياشي ج3 ص308، 309، 315
ريحانة "أخت عمرو بن معديكرب" ج1 ض363
ز-
الزبرقان بن بدرج ج3 ص61، 285
ابن الزبعري ج2 ص433
أبو زبيد الطائي ج2 ص279، 440
الزبيدي ج1 ص40
ج3 ص104
الزبير ج2 ص420
ج3 ص330
ابن الزبير ج2 ص415
ج3 ص255، 330
الزجاج ج1 ص7، 10، 50، 89، 90، 94، 129، 189، 249
ج2 ص33، 54، 56، 126، 257، 289، 290، 383، 495، 496
ج3 ص149، 244، 257، 305، 320
الزجاجي "تلميذ الزجاج" ج2 ص386
زرعة بن عمرو الكلابي ج2 ص349
زرقاء اليمامة ج3 ص29
زفر بن الحارث الكلابي ج2 ص222
الزفيان ج1 333
الزمخشري ج1 ص189
ج2 ص217
ج3 ص310
زهير بن أبي سلمة ج1 ص99، 111، 138، 270، 325
ج2 ص131، 153، 204، 285، 336، 355، 426، 448
ج3 ص110، 327
زهير العيسى ج1 ص334
زهير بن مسعود الضبي ج1 ص377
ج2 ص390
الزوزني ج1 ص43
زياد بن أبيه ج2 ص312، 430
ج3 ص30
زياد بن حمل ج1 ص306، 334
زياد بن واصل السلمي ج1 ص347
الزيادي ج2 ص430
ج3 ص305، 323
أبو زياد الكلابي ج1 ص384
زيد الخيل الطائي ج1 ص368
ج2 ص465، 493
زيد بن عبد الله بن دارم ج2 ص30
زيد بن عمرو بن نفيل ج3 ص43
أبو زيد صاحب النوادر ج1 ص10: 31، 70، 77، 91، 98، 127، 130، 144، 145، 162، 226، 249، 261، 269، 270، 276، 277، 283، 286، 287، 388، 332، 333، 338، 340، 356، 359، 382، 383، 390
ج2 ص29، 24، 25، 26، 47، 55، 72، 79، 92، 109، 109، 213، 218، 222، 225، 284، 304، 342، 377
ج2 ص46، 79، 91، 93، 96، 97، 98، 124، 145، 147، 149، 159، 170، 173، 197، 200، 207، 209، 214، 220، 228، 224، 231، 286، 294، 308، 310، 314، 329، 340
زينب الطثرية ج1 ص80
ج2 ص122
زين العابدين "علي بن الحسين" ج3 ص148(3/366)
س-
ساعدة بن جؤبة ج1 ص27
سالم بن دارة ج3 ص62، 93
سبرة بن عمرو الفقعسي ج3 ص325
ابن السبكي ج1 ص190
السجاعي ج1 ص282
سحيم عبد بني الحسحاس ج1 ص217، 282
ج3 ص47
سحيم بن وثيل الرياحي ج2 ص47
ابن السراج= أبو بكر.
أبو سرار الغنوي ج1 ص336
سراقة البارقي ج3 ص55
سطيح الكاهن ج1 ص136
ابن سعد ج2 ص183
السعد التفتازاني ج1 ص134
سعد بن قيس عيلان ج2 ص88
سعد بن مالك ج2 ص185
سعد بن مالك الكري ج3 ص108
سعد بن مالك جد طرفة بن العبد ج3 ص255
سعيد بن جبير ج1 ص316
ج3 ص218
سعيد بن سلم ج3 ص144، 309، 310، 311
سعيد بن مسحوج ج2 ص194
أبو سعيد ج3 ص159
أبو سعيد ممدوح أبي تمام ج1 ص192
ج2 ص411
أبو سفيان بن حرب ج3 ص250
ابن السكيت ج1 ص393
ج2 ص37، 90، 405
ج3 ص311
ابن سلام= محمد بن سلام.
سالم الخاسر ج2 ص265
سلمة الكوفي ج3 ص300
سلمة بن عياش ج3 ص306
السليل بن أحمد "أبو صالح" ج1 ص361
ج3 ص286، 301
سليمان بن عبد الملك ج2 ص38
ج3 ص172
سماك بن حرب ج3 ص295
أبو السمال ج1 ص330
أبو السمراء ج3 ص300
سهل بن سعد الساعدي ج2 ص168
سهم بن حنظلة الغنوي ج3 ص42
السهيل ج1 ص189
سوادة بن عدي ج3 ص5
سوار بن المضرب ج2 ص435
سويد بن أبي كاهل ج1 ص100
ج2 ص315
سويد بن كراع ج1 ص327
سيبويه ج1 ص6، 9، 19، 23، 28، 31، 33، 54، 58، 67، 69، 73، 74، 81، 87، 89، 90، 113، 115، 117، 120، 121، 123، 138، 142، 143، 158، 168، 173، 177، 184، 185، 189، 198، 200، 201، 203، 205، 207، 215، 224، 226، 230، 233، 234، 236، 249، 259، 252، 253، 254، 261، 267، 268، 272، 273، 292، 299، 305، 308، 308، 309، 310، 316، 319، 326، 338، 339، 341، 355، 368، 383
ج2 ص16، 56، 63، 68، 71، 77، 78، 80، 82، 83، 99، 108، 112، 144، 145، 146، 154، 156، 166، 169، 178، 185، 196، 201، 208، 220، 225، 262، 282، 290، 291، 292، 297، 307، 308، 325، 626(3/367)
342، 345، 372، 387، 401، 408، 409، 430، 431، 440، 457، 460، 471، 475، 480، 494
ج3 ص9، 14: 16، 36، 38، 42، 52، 53، 69، 74، 75، 88، 118، 120، 123، 152، 155، 156، 171، 172، 197، 199، 201، 202، 216، 217، 220، 222، 229، 263، 271، 272، 280، 290، 292، 305، 305، 315، 319
ابن السيد "البطليوسي" ج3 ص215
سيد المرصفي ج1 ص145
ابن سيده ج1 ص28، 233، 242، 256، 307
ج2 ص26، 30، 96، 236
السيرافي ج1 ص76، 89، 111، 134، 189، 192، 194، 268، 307، 370، 391
ج2 ص24، 33، 220، 257
ابن السيرافي ج1 ص143، 153، 264، 318
ج2 ص73
ج3 ص9
ابن سيرين ج1 ص329
ج3 ص236
السيوطي ج1 ص137، 145، 266، 268، 286، 291، 321، 327، 328، 341، 349، 387
ج2 ص33، 37، 177، 181، 206، 209، 216، 306، 323، 339، 490
ج3 ص9
سيف الدولة بن حمدان ج3 ص321
ش-
الشاطبي ج1 ص191
الشافعي "محمد بن إدريس الإمام" ج ص54، 164
الشجرى "أبو عبد الله" ج1 ص79، 241، 242، 251، 339، 372
ج2 ص11، 28، 57، 309
ج3 ص283
ابن الشجري ج1 ص134، 161، 196، 299، 307، 312، 338، 349
ج2 ص107، 184، 196، 204، 2058، 259، 268، 259، 376، 433، 475
شرسفة بن خليف "ابن شماء" ج1 ص144
شريح بن أوفى العبسي ج2 ص183
شعبة بن الحجاج ج3 ص295
شقيق بن جزء ج2 ص311
الشماخ ج1 ص32، 128، 372
ج2 ص125، 209، 329
ج3 ص117، 252، 269
شمير بن الحارث الضبي ج1 ص130
ابن شميل ج3 ص292
الشنتمري= الأعلم
الشنفرى ج1 ص29
الشنقيطي "أحمد بن الأمين" ج1 ص131، 285
ج2 ص75
الشهاب الخفاجي ج1 ص30، 154، 199
ج2 ص302
ص-
صاحب الكتاب= سيبويه
الصاغاني ج1 ص144
ج2 ص23
ج3 ص93
صالح بن إسحاق= الجرمي(3/368)
الصبان ج1 ص77، 101، 181، 187
ج2 ص71، 211، 360
صخر أخو الخنساء ج2 ص205
أبو صخر الهذلي ج1 ص311
صخير بن عمير ج1 ص383
أبو صدفة الدبيري ج3 ص269
صرمة الأنصاري ج1 ص354
الصولي= إبراهيم بن العباس الصولي.
ض-
ضابئ بن الحارث البرجمي ج2 ص132
ج3 ص293
ضيغم الأسدي ج1 ص105
ط-
الطائي الكبير= أبو تمام
الطائي الصغير= البحتري
طاهر الجزائري ج1 ص240
الطبراني ج1 ص88
ج2 ص134
ج3 ص155
طرفة ج1 ص15، 71، 127، 282، 346، 390
ج2 ص87، 150، 179، 187، 230، 256، 337، 374، 447
ج3 ص84، 203، 233
الطرماح ج1 ص329
ج3 ص55، 146، 172، 301، 334
طفيل الغنوي ج ص371
ج2 ص309
ج3 ص48، 248
أبو الطفيل القاري ج1 ص177
الطماح بن عامر ج2 ص210
أبو الطمحان القيني ج3 ص300
طلحة بن سليمان ج1 ص307
الطوال "محمد بن أحمد" ج1 ص295
ابن الطيب اللغوي ج1 ص48، 184، 199
ع-
عائشة "بنت أبي بكر الصديق" ج1 ص9، 21
عاصم القارئ ج1 ص95، 336
ج2 ص303، 352
ج3 ص155
عامر بن جو بن الطائي ج2 ص413
عامر بن الحارث بن كلفة= جران العود
عامر بن الطفيل ج1 ص336
ج2 ص199، 344
ج3 ص328
عامر جد العباس بن مرداس ج2 ص294
ابن عامر القارئ ج2 ص395، 355، 471
عامر بن كثير المحاربي ج2 ص177
عامر بن مر ج2 ص295
أبو عبادة= البحتري.
عبادة بن الصامت ج1 ص11(3/369)
ابن عباس ج1 ص9
ج2 ص323
ج3 ص313
العباس بن الأحنف ج1 ص220
ج3 ص319
العباس بن عبد الله بن أبي جعفر المنصور ج2 ص415
أبو العباس المبرد ج1 ص25، 67، 74، 76، 90، 126، 147، 189، 244، 249، 286، 301، 316، 346
ج2 ص92، 112، 130، 182، 283، 289، 291، 305، 306، 306، 320، 327، 480
عباس بن مرداس السلمي ج1 ص133، 261
ج2 ص383، 424
العباس بن يزيد الكندي ج1 ص368
أبو العباس المعمري ج3 ص303
عبدة بن الطبيب ج3 ص398
ابن عبد الحميد الكرخي ج1 ص244
عبد الرحمن بن حسان ج1 ص8
ج2 ص283
ج3 ص154، 187
عبد الرحمن بن الحكم ج3 ص154
عبد الرحمن بن المبارك ج1 ص303
عبد الرحمن بن ملجم ج3 ص284
عبد السلام بن رغبان "ديك الجن" ج2 ص49، 121
عبد السلام بن محمد أبو هاشم الجبائي ج1 ص47
عبد السلام هارون "محقق" ج1 ص55، 108، 248، 327
ج2 ص13، 21
عبد الصمد بن المعذل ج2 ص266
عبد العزيز بن مروان ج2 ص11
ج3 ص128، 129، 218
عبد القادر البغدادي "صاحب الخزانة" ج1 ص26، 111، 144، 145، 177، 208، 261، 264، 273، 297، 306، 331، 332، 337، 338، 339، 341، 389، 398
ج2 ص37، 38، 177، 264، 312، 315، 376، 379، 420، 423، 431، 460، 465
ج3 ص177، 265، 474
عبد الله بن إسحاق الحضرمي ج1 ص370
أبو عبد الله البصري ج1 ص208
عبد الله بن الحارث بن نوفل ج2 ص219
عبد الله بن سيرة الحرشي ج3 ص30، 219
عبد الله بن سفيان التميمي ج2 ص455
عبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ج2 ص446
عبد الله بن غنمة الضبي ج3 ص152
عبد الله بن كريز ج1 ص267
عبد الله بن مسعود ج2 ص132
ج3 ص292
عبد الله بن معاوية ج1 ص41
عبد الله مهجو الأعلم الهذلي ج3 199
عبد الله بن همارق ج1 ص295
عبد الله بن همام السلولي ج2 ص288
عبد الملك بن مروان ج3 ص218، 255، 296
ابن عبد الوارث ج1 ص189(3/370)
أبو عبيد ج1 ص11
ج2 ص47، 171
عبيد بن الأبرص ج2 ص171، 257، 208
عبيد بن العرند الكلابي ج2 ص291
عبد الله بن زياد ج1 ص267
أبو عبيد ج1 ص135، 232
ج2 ص21، 173
أبو عبيدة ج1 ص32، 37، 87، 100، 204، 273، 295
ج2 ص99، 170، 190، 271، 95، 455
ج3 ص31، 32، 44، 120، 143، 153، 195، 220، 287، 302، 309، 314، 342
أبو العتاهية ج2 ص220
ج2 ص326
عثمان بن عفان ج1 ص31
أبو عثمان المازني ج1 ص15، 87، 101، 130، 186،، 182، 198، 200، 226، 235، 259، 261، 262، 273، 275، 291، 293، 334، 358، 359، 362، 370
ج2 ص16، 27، 53، 92، 173، 182، 183، 184، 223، 290، 295، 298، 340، 341، 386، 442
ج3 ص20، 60، 73، 74، 75، 83، 92، 137، 149، 153، 237، 278، 298، 302، 306، 308، 312، 323
أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ= الجاحظ
العجاج ج1 ص5، 34، 53، 96، 119، 162، 172، 211، 223، 269، 273، 261، 262، 267، 370
ج2 ص51، 85، 92، 98، 100، 121، 131، 139، 176، 198، 234، 256، 262، 272، 285، 304، 340، 341، 365، 428، 434، 475
ج3 ص19، 45، 71، 106، 137، 207، 217، 296، 300، 325، 328
العجير السلولي ج1 ص80
عدي بن أخت الحارث الأعرج ج2 ص258
عدي بن حاتم ج1 ص298، 299
عدي بن الرقاع ج1 ص326
ج2 ص146
عدي بن زيد ج1 ص95، 133، 268، 269
ج2 ص99
العذافر الكندي ج2 ص342
عرابة اليمني ج3 ص252
عروة بن أذنية ج2 ص394
عروة بن حزام ج2 ص414
عروة الرحال ج1 ص316
عروة الهذلي ج1 ص72
عروة بن الورد ج2 ص172، 434
عزة ج1 ص28، 29
ابن عصفور ج1 ص189
العضد الإيجي ج1 ص134(3/371)
ابن عطيل ج1 ص189، 382
عطية أبو جرير ج2 ص439
ج3 ص191
العكبري ج2 ص405
ابن علان ج1 ص45، 165، 184، 198
علباء بن أرقم ج2 ص55
علقمة الفحل ج1 ص81، 292، 369
ج2 ص439
علقمة بن علاثة ج2 ص199
ج3 ص338
علقمة بن هوذة ج2 ص433
علي بن أبي طالب رضي الله عنه ج1 ص280
ج3 ص96
أبو علي الأوارجي ج1 ص318
علي بن سليمان "الأخفش الصغير" ج1 ص2
ج2 ص289
علي بن عمرو ج1 ص81، 191
أبو علي الفارسي ج1 ص7، 12، 41، 42، 75، 92، 93، 99، 121، 122، 126، 144، 189، 193، 202، 206، 207، 208، 209، 219، 213، 217، 232، 233، 244، 250، 256، 263، 277، 279، 293، 296، 316، 318، 322، 324، 328، 331، 332، 333، 336، 337، 339، 355، 358، 359، 360، 366، 386، 388، 389، 391، 393
ج2 ص16، 19، 21، 22، 37، 41، 42، 52، 63، 87، 94، 103، 112، 113، 128، 132، 133، 200، 210، 218، 220، 233، 257، 268، 269، 275، 280، 323، 326، 331، 376، 377، 387، 402، 425، 428، 430، 435، 439
ج3 ص8، 26، 29، 32، 38، 40، 44، 60، 77، 80، 94، 101، 102، 107، 123، 125، 143، 148، 161، 170، 172، 175، 204، 207، 209، 302، 307، 313، 325، 326، 327، 328، 330، 233، 342
علي بن يحيى ج2 ص265
عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير ج1 ص126، 250، 374: 385
ج2 ص385
ج2 ص133
ج3 ص148، 298
عمر بن الخطاب رضي الله عنه ج1 ص92، 387
ج2 ص10، 249
ج3 ص48، 267
عمر بن أبي ربيعة ج1 ص44، 72، 92، 144، 282، 297
ج2 ص75، 121، 283، 336، 364، 388، 419
ج3 ص172
عمر بن عبد العزيز ج1 ص84
عمر بن عبيد الله بن معمر ج1 ص269(3/372)
ج2 ص224، 479
ج3 ص218
عمر بن لجأج ج1 ص340
ج2 ص38، 133
ج3 ص154
عمرو بن الإطنابة ج3 ص37
عمرو بن جرموز ج2 ص420
عمرو ذو الكلب الهدلي ج2 ص75
عمرو بن شأس ج3 ص277
عمرو بن عبيد ج3 ص150
عمرو بن عفراء ج2 ص194
عمرو بن قميئة ج2 ص429
عمرو بن كلثوم التغلبي ج1 ص290
ج2 ص305، 362
عمرو بن معديكري الزبيدي ج1 ص363، 369
ج2 ص393
عمرو بن يثربي ج3 ص275
عمرو بن يربوع ج2 ص21
أبو عمرو الشيباني ج3 ص195، 286، 300، 310، 317
أبو عمرو بن العلاء ج1 ص73، 84، 191، 247، 250، 262، 285، 385، 387
ج2 ص15، 121: 144، 173، 175، 303، 337، 342، 343، 418
ج3 ص94، 96، 292، 293، 296، 306، 307، 313
عمران بن حطان ج2 ص269
ج3 ص27
عمرة الخثعمية ج1 ص296
عمير بن عبد الله ج2 ص419
عمير بن شهيم= القطامي
العنبري "قريط بن أنيف" ج2 ص272
عنترة ج1 ص25، 43، 87، 190، 345
ج3 ص42، 120، 123
عنز اليمامة ج1 ص136
عوف بن عطية الخرع ج2 ص189، 314
ابن عون ج1 ص387
عويم بن مالك ج1 ص213
عياض بن أم درة الطائي ج3 ص159
عيسى بن جعفر ج3 ص309
عيسى بن عمر الثقفي ج1 ص9، 249
ج2 ص56، 469
ج3 ص74، 75، 304
العيني ج1 ص24، 28، 121، 130، 286، 292، 295، 296، 297، 308، 390
ج2 ص283، 332، 379، 486، 406، 408، 406
ج3 ص137
غ-
غصن "ابن عم أبو عبد الله الشجري" ج2 ص28
أبو الغول الرواية ج2 ص270
أبو الغول الطهوي ج1 ص338
ج2 ص123(3/373)
غيلان الريعي ج2 ص64، 252
ف-
ابن فارس ج1 ص49
ج2 ص312
فاطمة أم امرئ القيس ج1 ص336
الفخر الرازي ج2 ص217
الفراء ج1 ص104، 164، 173، 189، 255، 280، 317، 318
ج2 ص11، 58، 67، 78، 196، 292، 298، 314، 337، 420، 435، 459، 460
ج3 ص37، 38، 51، 75، 80، 125، 147، 174، 197، 215، 216، 265، 286، 302
أبو الفرج الأصفهاني "صاحب الأغاني" ج1 ص147
الفرزدق ج1 ص6، 7، 22، 60، 147، 157، 171، 229، 247، 287، 308، 340، 370، 398
ج2 ص38، 47، 86، 130، 196، 200، 312، 317، 371، 392، 396، 420، 423، 424، 436، 437، 455
ج3 ص44، 48، 149، 154، 180، 305، 317
فروة بن مسيك المرادي ج3 ص110، 295
فضالة بن كلدة الأسدي ج2 ص114
أبو الفضل إبراهيم "محقق" ج1 ص351
الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب ج3 ص174
الفضل بن عبد الرحمن القرشي ج3 ص104
الفيض بن غزوان ج1 ص307
ق-
أبو قابوس ج3 ص297
ابن قاسم العبادي ج1 ص181
القاسم بن معن ج1 ص290
القالي "أبو علي" ج1 ص101
ج2 ص446
ابن قتيبة ج1 ص210، 248، 270، 327، 335، 336، 346، 352، 362، 363
ج2 ص26، 130، 170، 171، 204، 218
قتيبة بن مسلم ج2 ص299
القحيف العقيلي ج1 ص385
ج2 ص213
قرة بن خويلد ج3 ص30
القرشي "صاحب جمهرة أشعار العرب" ج1 ص17
القرطبي "صاحب الجامع لأحكام القرآن" ج1 ص95
ج2 ص1، 147
قرط بن التؤم اليشكري ج1 ص144
القضم بن مسلم البكائي ج2 ص52
القطامي ج1 ص10، 17، 71
ج2 ص48، 80، 146، 169، 215، 221، 311، 428
ج3 ص41، 104، 295، 307
قطرب ج1 ص129، 178، 316، 372
ج2 ص79، 295
ج3 ص133، 134، 145(3/374)
قطرى بن الفجاءة ج2 ص435
قعنب بن أم صاحب ج1 ص161
قعنب العدوي القارئ ج1 ص467
قفيرة "أم الفرزدق" ج1 ص398
القلاح بن حزن المنقري ج1 ص9
قيس بن الخطيم ج1 ص97
قيس بن ذريح ج3 ص216
ابن قيس الرقيات ج1 ص348
ج2 ص431
قيس بن زهير العبسي ج1 ص334
قيس بن شراحيل ج1 ص273
قيس بن مسعود الشيباني ج2 ص491
قيس بن معاذ العامري ج2 ص386
ك-
أبو كبير الهذلي ج2 ص311، 418
ج3 ص17
ابن كثوة ج3 ص147
كثير ج1 ص28، 29، 218، 341
ج2 ص173، 300، 303، 323، 431، 447
ج3 ص284
ابن كثير ج3 ص147، 150، 152
ابن كريز ج1 ص267
الكسائي ج1 ص103، 295، 370، 382، 391
ج1 ص91، 197، 202، 367، 372، 391، 425، 476
ج3 ص42، 88، 143، 152، 257، 292، 294، 295، 314
كسرى ج3 ص286
كعب بن حمار ج1 ص286
كعب بن مالك ج1 ص282
ابن الكلبي ج1 ص356
الكلحبة ج1 ص14
ج3 ص55
كليب ج3 ص108، 232، 233
كليب بن عبية السلمي ج1 ص261
الكميت ج1 ص327، 335
ج2 ص283، 406
ج3 ص184، 260، 293، 294، 296، 302
كناز بن نفيع ج2 ص130
ابن كيسان ج1 ص295
ج3 ص206
ل-
لبيد العامري ج1 ص32، 40، 71، 75، 82، 194، 294، 371
ج2 ص50، 169، 207، 295، 298، 417، 434
ج3 ص31، 38، 277، 321
اللكنوي ج1 ص209
ليلى الأخيلية ج1 ص220(3/375)
م-
ابن ماجه ج1 ص37
أبو مارد الشيباني ج1 ص39
ابن مالك ج1 ص21، 117، 187، 189
ج2 ص92، 441
مالك بن أسماء ج1 ص31
مالك بن أميمة ج1 ص18
مالك بن أنس "الإمام" ج1 ص15، 19، 40
ج2 ص478
مالك بن حمار ج2 ص188
مالك بن الريب ج2 ص189
مالك بن زغبة الباهلي ج3 ص300
مالك بن زهير العبسي ج3 ص303
مالك بن أبي كعب ج1 ض368
ماوية بن قيس ج2 ص41
المتنبي ج1 ص25، 240، 328
ج2 ص29، 159، 405
ج3 ص244
المنتخل الهذلي ج1 ص399
ج2 ص37
ج3 ص40، 165
محب الدين الخطيب ج1 ص326
محمد الأمير "صاحب الحاشية على المغني" ج1 ص144، 182
محمد بن بشير الخارجي ج1 ص341
محمد بن أبي الحارث الكوفي ج3 ص179
محمد بن حبيب ج2 ص51، 169
ج3 ص202، 222
محمد بن حسان ج2 ص431
محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة ج1 ص164
محمد بن الحنفية ج2 ص269
محمد بن ذؤيب العماني ج2 ص432
محمد بن سلام الجمحي ج1 ص293، 387
ج3 ص172، 304
محمد بن سلمة ج1 ص316
محمد بن شحاذ الظبي ج3 ص92
محمد بن طلحة ج2 ص183
محمد بن عبد الوهاب الجبائي ج3 ص258
محمد بن العساف العقيلي ج1 ص77، 251
محمد بن علي "أبو بكر" ج1 ص256
محمد محيي الدين "الشيخ" ج2 ص158
محمد بن هارون الروياني ج1 ص76، 385
محمد بن يزيد بن العباس ج1 ص388
محمود الوراق ج1 ص210
ابن محيصن ج2 ص241
ج3 ص96
المخبل السعدي ج2 ص386
ج3 ص309
المختار الثقفي ج1 ص388
ج3 ص155
المرار الفقعسي ج1 ص144
ج3 ص195(3/376)
مرحب اليهودي ج2 ص479
مرداس بن حصين ج2 ص277، 288
مر بن رافع ج3 ص93
المرزباني ج1 ص29، 41، 240، 325
ج2 ص130
المرزوقي ج1 ص259
المزفش الأكبر ج1 ص297
ج2 ص469
مروان بن الحكم ج3 ص124
مروان بن سعيد المهلبي ج3 ص294
مزاحم العقيلي ج1 ص26
ج2 ص356، 378، 414
مسافع بن عياض التيمي ج3 ص126
مساور بن هند العبسي ج2 ص432
المستوغر بن ربيعة ج1 ص293
ابن المستوفى ج3 ص147
ابن مسعود رضي الله عنه ج1 ص62، 288
ج3 ص91، 133، 134
مسكين الدارمي ج2 ص482
ابن مسلم البكائي ج1 ص51
مسلم صاحب الصحيح ج3 ص253
مسلم بن معبد الوالبي ج2 ص294
مسلمة بن عبد الملك ج3 ص154، 178
ابن المسيب ج2 ص266
المسيب بن علس ج2 ص171
ج3 ص174
المضرب بن كعب بن زهير ج1 ص29
المضرس بن ربعي الأسدي ج2 ص271
معاوية رضي الله عنه ج1 ص101
معاوية بن عمرو أخو الخنساء ج2 ص188
ج3 ص175
المعتصم ج2 ص211
المعرى ج2 ص24
معقر بن حمار البارقي ج1 ص296
المعلوط بن بدل ج1 ص111
معن بن أوس ج1 ص41، 340
المغيرة بن عبد الله ج1 ص74
المفضل بن سلمة ج1 ص318
المفضل الضبي ج3 ص170، 291، 309
ابن مقبل ج1 ص9، 166، 203، 319، 352
ج2 ص36، 93، 420
المنتجع "ابن نبهان" ج3 ص308
المنخل اليشكري ج1 ص178
ج3 ص87
المنذر بن ماء السماء ج1 ص242
ج3 ص361
منظور بن حبة ج1 ص264
ج2 ص361
منظور بن مرثد الأسدي ج2 ص264
أبو المنهال ج3 ص93
أبو مهدية ج1 ص173، 240
ج2 ص29
موسى بن جابر الحنفي ج2 ص492
ابن ميادة ج3 ص154
الميداني صاحب الأمثال ج3 ص320
ميسون بنت مجدل ج3 ص206
ميمون بن حفص ج3 ص311(3/377)
ن-
النابغة ج1 ص85، 309، 384
ج2 ص122، 263، 272، 277، 349، 363، 462، 463، 478
ج3 ص108، 133
ناشرة التغلبي ج1 ص153
النجاشي الحارثي ج1 ص311
أبو النجم ج1 ص23، 24، 99، 272، 293، 337
ج2 ص11، 122، 132، 214، 285، 365
ج3 ص17، 63، 70، 89، 145، 300، 306، 340، 341
أبو نخيلة ج1 ص76
ج2 ص366
ابن النديم ج1 ص240، 244، 385
ج2 ص10
النسائي ج1 ص40
نصر بن سيار ج1 ص341
نصيب ج1 ص217
ج3 ص293، 294
نضر الحاجب ج1 ص342
النعمان بن العجلان ج1 ص121
النعمان بن المنذر ج2 ص179، 277، 462، 476
ج3 ص286
نعيم بن الحارث ج1 ص246
النمر بن تواب ج2 ص443
نهشل بن حرى ج1 ص75
ج2 ص354
نهشل بن زيد ج1 ص385
نوارج ج1 ص259
أبو نواس ج1 ص329
ج2 ص172، 415
هـ-
هارون الرشيد ج1 ص207، 294
ج2 ص13
ج3 ص314
هارون بن عبد العزيز= الأوارجي
أبو هاشم الجبائي= عبد السلام بن محمد
الهذلي ج1 ص152
هرم بن سنان ج2 ص204
ابن هرمة ج2ص13، 318
أبو هريرة ج1 ص88
ج2 ص159، 374
ابن هشام صاحب السيرة ج1 ص82، 133
ج2 ص99، 424
هشام بن عبد الملك ج1 ص330
ج2 ص176
هشام بن معاوية ج1 ص103، 104
ابن هشام النحوي ج1 ص101، 192، 339، 349
ج2 ص367، 376
هلال بن كعب ج1 ص177
همام بن مروة ج1 ص153، 154
هميان بن قحافة ج2 ص263
هند بنت أبي سفيان ج2 ص219(3/378)
و
أبو وجزة السعدي ج2 ص149
ابن ولاد ج1 ص255، 256
الوليد بن عبد الملك ج2 ص336، 392، 396
الوليد بن عقبة بن أبي معيط ج1 ص31
ي-
الشيخ يس "صاحب الحاشية على التصريح" ج1 ص21، 191
ياقوت ج1 ص72، 217، 232، 254، 255، 256، 283، 389
ج2 ص59، 252، 269
ج3 ص61، 229، 294
يحيى بن زياد ج3 ص134
يحيى بن عقبة الطهوي ج1 ص337
يحيى بن علي المنجم ج2 ص265
يزيد بن الحكم ج2 ص261، 385
ج3 ص281
يزيد بن عبد الملك ج1 ص308، 317
يزيد بن مسهر الشيباني ج2 ص492
يزيد بن معاوية ج1 ص6
ج3 ص216، 319
يزيد بن مفزع الحميري ج3 ص276
يزيد بن المهلب ج1 ص308
يزيد بن نهشل ج2 ص355
اليزيدي "أبو محمد" ج1 ص73
ج3 ص285، 299
يعقوب "عليه السلام" ج2 ص102، 399
يعقوب القاري ج2 303، 421، 426
يعلى الأزدي ج1 ص29، 371
ابن يعيش ج1 ص37، 145، 165، 299
ج2 ص144، 146، 200، 391، 408، 436
ج3 ص436
ج3 ص17، 29
أبو يوسف صاحب أبي حنيفة ج1 ص207
يونس بن حبيب ج1 ص72، 89، 93، 94، 131، 158، 202، 204، 217، 232، 239، 249، 254، 255، 256، 339، 387، 389
ج2 ص59، 64، 65، 66، 108، 229، 252، 269
ج3 ص73، 74، 75، 117، 277، 294، 295(3/379)
2- القبائل والمنتسبون إليها وأصحاب المذاهب:
أ-
آل صعفوق ج3 ص218
آل المهياج ج1 ص79
أزد السراة ج1 ص129
أسد ج1 ص74، 90، 257، 368، 434
ج3 ص105
الأشعريون ج3 ص170
بنو أمية ج1 ص17
الأنصار ج3 ص154
ب-
البصريون ج1 ص2، 19، 69، 87، 103، 189
ج2 ص21، 39، 345-385
البغداديون ج1 ص138، 200
ج2 ص11، 56، 340
ج3 ص165، 207
بهدلة بن عوف ج3 ص261
ت-
تغلب ج1 ص153، 154
ج2 ص260
ج3 ص108
التميميون "بنو تميم" ج1 27، 74، 77، 168، 169، 177، 245، 261، 337
ج2 ص13، 18، 130، 215، 262، 377
ج3 ص38، 152، 203، 275
ث-
ثقيف ج1 ص117
ج-
بنو جذيمة ج2 ص251
بنو جشم ج1 ص14
ح-
الحجازيون ج1 ص168
ج2 ص12
ج3 ص38
حمير ج2 ص30
خ-
الخزرج ج1 ص121
الخوارج ج1 ص191
د-
بنو دارم ج1 ص332
ر-
ربيعة ج1 ص424
ج2 ص99
بنو رشدان ج1 ص251(3/380)
س-
بنو سدوس ج3 ص179
السعديون ج1 ص308
بنو سلول ج3 ص333
بنو سليم ج1 ص282
ج2 ص60
ش-
بنو شيبان ج3 ص179
الشيعة ج1 ص191
ص-
بنو صفوان ج3 ص147
ض-
بنو ضبة ج2 ص438
ط-
طيء ج1 ص81، 125
ع-
بنو عجل ج1 ص332
بنو عدي ج2 ص438
ج3 ص203
بنو عقيل ج1 ص312، 382
ج2 ص120
بنو العشير ج2 ص16
عنس ج1 ص236
غ-
غطفان ج1 ص55
ج2 ص38، 78، 152
بنو غيان ج1 ص251
ف-
الفرس ج1 ص92، 217
بنو فقعس ج2 ص481
الفقهاء ج1 ص145
ق-
القراء ج1 ص370
قصي بن كلاب ج1 ص347
قضاعة ج1 ص90، 263، 270، 293
ج2 ص41
ج3 ص205
ك-
الكوفيون ج1 ص2، 19، 39، 69، 77، 103، 104، 167، 189، 210، 318، 333
ج2 ص12، 21، 99، 132، 216، 217، 227، 385، 399، 464
ج3 ص303، 307
ل-
اللغويون ج3 ص87، 88
لكين بن عبد القيس ج2 ص295(3/381)
م-
المتفقهون ج1 ص146
المتكلمون ج1 ص146
المجوس ج1 ص92
بنو مطر ج1 ص144
المعتزلة ج1 ص37، 41
ج2 ص451، 456، 459
المناطقة ج1 ص136
ن-
بنو النجار ج1 ص16
النحويون ج1 ص13، 115، 146، 164، 172، 182، 185، 186، 192، 309، 349
ج2 ص22، 59
ج3 ص17، 145
نزار ج1 ص29، 404
بنو نمير ج1 ص8
ج2 ص98
هـ-
هذيل ج1 ص125، 152
همذان ج1 ص331
ي-
بنو يربوع ج2 ص460(3/382)
3- الأماكن والجبال:
أ-
أول ج1 ص55
إستامبول ج1 ص220
الأندلس ج1 ص199
أوربة ج1 ص113
ب-
البحرين ج1 ص43
بدرج ج1 ص43
البصرة ج1 ص24، 189، 232، 334
ج3 ص179
بغداد ج1 ص7، 93، 219، 328، 384
بولاق ج1 ص70، 147
ج2 ص21
ج3 ص148
بيروت ج1 ص155
ح-
الحجاز ج1 ص15، 168، 169، 245، 279
ج2 ص67
الحرة ج3 ص296
حمى ضرية ج1 ص24
حوريت ج3 ص210
الحيرة ج1 ص125
خ-
خيبر ج2 ص179
ر-
رأس الكلب ج1 ص136
س-
ساباط ج3 ص284
السراة ج1 ص72
السررج ج1 ص91
ش-
الشام ج1 ص9، 132
ج3 ص255
شمنصير ج3 ص208
ف-
فارس ج1 ص217
ج3 ص286
الفرات ج1 ص93
فلج ج1 ص24
ق-
قرميسين ج1 ص76، 82، 117
القسطنطينية ج1 ص209، 217
قوسى ج1 ص72
قوهستان ج1 ص217
ك-
الكوفة ج1 ص189
ج3 ص179(3/383)
ل-
ليدن ج1 ص17، 40
م-
مصر ج2 ص29
مكة ج1 ص232
ج3 ص265
هـ-
الهند ج1 ص13، 21، 41، 269
ج2 ص33
ي-
اليمامة ج1 ص91
ج2 ص462
اليمن ج1 ص236، 250، 312، 331
ج3 ص17(3/384)
4- الكتب:
أ-
إتحاف فضلاء البشر "في القراءات" ج1 ص475
أحكام القرآن ج1 ص209
أراجيز العرب للبكري ج1 ص273، 317
ج3 ص106
الاتشاف ج2 ص21، 33
أسرار البلاغة ج1 ص7، 218
الأشباه والنظائر ج1 ص198
ج2 ص181، 206، 216، 227، 274، 302، 306، 325، 490
ج3 ص55
الاشتقاق لابن دريد ج2 ص180
الأشموني ج1 ص97، 101، 112، 149، 165، 187، 190، 254، 290
ج2 ص21، 71، 92، 211، 282، 298، 359، 367، 441
الإصابة ج1 ص248
إصلاح المنطق ج1 ص144، 153، 178، 264
ج2 ص25، 73، 80، 175
ج3 ص42
الأصمعيات ج1 ص31، 41، 363، 383
ج2 ص184، 187، 218، 439
الأصول لأبي بكر بن السراج ج ص2
ج2 ص10، 18، 36، 44، 66، 120، 194، 196، 299
الأغاني لأبي الفجر ج1 ص33، 134، 207، 230 248، 269، 325، 340، 341، 363
ج2 ص121، 130، 146، 184، 188، 207، 266، 269، 281، 295، 374، 388، 394، 424، 446
ج3 ص148، 355، 284
الاقتراح ج1 ص117، 134، 145
ج2 ص14
الاقتصاب ج2 ص54، 311، 314، 315، 316، 317، 428
ج3 ص184، 215
أمالي القالي ج1 ص32، 135، 208، 217، 240، 286، 291، 304، 311، 316، 333، 339، 340، 341
ج2 ص25، 86، 107، 114، 122، 128، 172، 173، 221، 264، 376، 440، 460
ج3 ص33، 37، 81، 176، 220، 275
أمالي المرتضى ج1 ص351
ج2 ص394
ج3 ص293(3/385)
الإنصاف ج1 ص318
ج2 ص190، 460
ب-
البحر المحيط ج1 ص177، 307
ج3 ص92، 96، 136، 143، 148، 155، 228، 288
البخاري ج1 ص34
ج2 ص12، 129، 183، 444
ج3 ص203
يديع ابن خالويه ج2 ص352
البغية ج1 ص7، 103، 204، 244
ج2 ص51، 257
البيان والتبيين ج1 ص227، 246، 354، 277، 327
ث-
التاج "شرح القاموس" ج1 ص178، 236، 252، 268، 323، 356، 388
ج2 ص88، 295، 335، 371
ج3 ص168، 170، 206
تاريخ بغداد ج1 ص119
تاريخ الطبري ج2 ص423
ج3 ص276
تذكرة داود الأنطاكي ج1 ص358
تفسير البيضاوي ج1 ص154
تفسير الطبري ج1 ص24
تفسير القرطبي ج3 ص96
التقريب لأصول التعريف ج1 ص359، 360
التكملة للصاغاني ج2 ص249
تهذيب إصلاح المنطق ج3 ص159
تهذيب الألفاظ ج1 ص367
ج2 ص177، 351، 390
ج3 ص294
ج-
الجامع الصغير للسيوطي ج1 ص34، 88، 221
ج2 ص129، 134، 198، 374
ج3 ص249
الجامع الصغير في الفقه ج1 ص164
الجامع الكبير في الفقه ج1 ص464
ج2 ص282
الجزرية ج1 ص365
الجمهرة "لابن دريد" ج1 ص114، 226، 347، 381، 382
ج2 ص21، 23، 40، 50، 56، 119، 122، 138، 205، 454
ج3 ص32، 291
ح-
حاشية الصبان على الأشموني - الأشموني
حماسة البحتري ج1 ص368
ج2 ص39
ج3 ص96
الحماسة البصرية ج1 ص267
حماسة التبريزي ج1 ص41
حماسة ابن الشجري ج1 ص6، 30
ج2 ص477
الحيوان للجاحظ ج1 ص39(3/386)
خ-
الخزانة "للبغدادي" ج1 ص46، 7، 74، 84، 91، 100، 111، 121، 128، 129، 130، 137، 145، 171، 172، 186، 212، 227، 267، 265، 285، 286، 296، 299، 300، 306، 307، 312، 316، 335، 336، 340، 341، 347، 363، 369، 389، 391
ج2 ص13، 14، 38، 76، 107، 125، 169، 196، 200، 208، 270، 337
ج3 ص27، 29، 31، 34، 38، 42، 43، 51، 55، 62، 63، 79، 105، 108، 110، 137، 153، 187،؟؟؟، 306، 322، 340
الخصائص ج1 ص131، 189، 281، 338، 349، 369، 373، 396
ج2 ص11، 29، 49، 51، 76، 77، 81، 106، 118، 119، 266، 274، 289، 314، 428، 420
ج3 ص40، 106، 216، 218، 227، 263، 373، 334
خلق الإبل للأصمعي ج1 ص38
خلق الإنسان ج1 ص23
د-
ديوان الخنساء ج3 ص200
ديوان ابن الرومي ج1 ص221
ج2 ص121، 264
ديوان زهير ج2 ص447
ديوان الشماخ ج1 ص128
ديوان عامر بن الطفيلي ج2 ص492
ديوان العجاج ج1 ص5، 119
ديوان طرفة ج2 ص159
ديوان المعاني ج1 ص127، 316
ديوان الهذليين ج1 ص152
ج2 ص75، 87، 410
ج3 ص199
ذ-
ذيل الأمالي ج2 ص114
ذيل ثمرات الأوراق ج1 ص6
ر-
رغبة الآمل في شرح الكامل ج2 ص173، 368، 492
ج3 ص261
الروض الأنف ج2 ص424
س-
سر الصناعة ج1 ص214
سر الفصاحة ج2 ص232
السمط على النوادر ج1 ص29، 82، 111، 240، 286، 304، 316
ج2 ص85، 86، 93، 122، 304، 440
السيرة لابن هشام ج1 ص133
ج2 ص99، 251، 479
ش-
الشذرات ج1 ص209
شرح أبي شامة للشاطبية ج3 ص155
شرح أدب الكاتب للجواليقي ج3 ص184(3/387)
شرح الأشموني= الأشموني
شرح الحماسة للتبريزي ج1 ص80، 111، 306، 316، 392
ج2 ص21، 378، 393، 418، 426، 478، 481
ج3 ص54، 87، 105، 108، 296
شرح ديوان الهذليين للسكري ج3 ص218
شرح الرضى على "الشافعية" ج1 ص91
ج2 ص145، 234، 361، 370
شرح الرضى على "الكافية" ج1 ض245
ج2 ص359
ج3 ص47
شواهد إصلاح المنطق ج2 ص73
شواهد الإيضاح ج2 ص64، 114
شواهد الشافية ج1 ص31، 145، 196، 208، 296، 306، 307
ج2 ص256، 264، 304، 356، 370، 487
ج3 ص147، 150، 154، 159، 166، 173، 215، 218
شواهد العيني ج1 ص35، 121، 308
ج2 ص237، 356، 388، 407
شواهد الكشاف ج1 ص75
شواهد المغني للبغدادي ج1 ص297، 311، 338، 341، 349
ج2 ص37، 38، 73، 312، 340، 356
ج3 ص274، 287
ص-
الصاحبي ج1 ص28، 104، 307
ج2 ص30
الصبح المنير ج1 ص186، 389
ج2 ص153، 294، 375، 386، 397، 404، 409، 438، 476، 491
ج3 ص29، 174، 217، 256، 318، 325
الصحاح للجوهري ج1 ص144، 252، 382
ج2 ص62، 106
ج3 ص274
ط-
طبقات ابن الجزري ج1 ص76
طبقات ابن سلام ج1 ص293
طبقات الشافعية ج2 ص75
ف-
الفرائد الأدبية ج2 ص238
فرحة الأديب ج1 ص121، 128
الفصيح لثعلب ج1 ص3
الفوائد البهية ج1 ص259
ك-
كتاب الخيل لأبي عبيدة ج1 ص37
ج2 ص170
الكتاب "سيبويه" ج1 ص19، 28، 30، 65، 89، 90، 194، 303
ج2 ص442، 443، 482، 490، 494
ج3 ص9، 16، 101، 167، 263، 280(3/388)
الكامل للمبرد ج1 ص22، 37، 74، 80، 147، 286، 301، 371
ج2 ص117، 188، 207، 291، 294، 315، 343، 433، 460
ج3 ص56، 61، 116، 298
الكشاف للزمخشري ج1 ص296
الكنز اللغوي ج1 ص38
ل-
اللزوميات ج2 ص248
م-
المبهج ج2 ص199
مجالس ثعلب ج1 ص286، 340
ج2 ص13، 133، 286
ج3 ص47، 60
مجاز القرآن ج1 ص30
مجموعة المعاني ج2 ص394
مختصر الشواهد للعيني ج1 ص308
المخصص ج1 ص9، 37، 39، 75، 97
ج3 ص269
مراتب النحويين ج2 ص51
المزهر ج1 ص62، 65، 66، 98، 387
ج2 ص10، 14، 218، 312
معاني ابن قتيبه ج2 ص284، 293
ج3 ص51
معاني القرآن ج2 ص420، 430، 460
معاهد التنصيص ج1 ص218، 220
ج2 ص477
ج3 ص179
معجم الأدباء لياقوت ج1 ص14، 72، 86، 98، 240، 243، 259
ج2 ص59، 265
ج3 ص29
معجم البلدان ج1 ص194، 198، 256، 291
ج2 ص58، 236، 450
ج3 ص205، 208، 266
معجم الشعراء ج1 ص325
ج3 ص104، 179
المعرب للجواليقي ج1 ص312، 358
ج3 ص308
معبد النعم ج2 ص75
مغني اللبيب ج1 ص103، 107، 111، 134، 144، 282، 291
ج2 ص73، 174، 175، 177، 181، 193
ج3 ص177
المفضل للزمخشري ج1 ص14، 145، 223، 270، 286، 299
ج2 ص275، 376
المفضليات ج1 ص300، 338، 369، 399
ج2 ص186، 308، 469
ج3 ص55، 124، 169، 298
المقتضب ج1 ص207
المقصور والممدود لابن ولاد ج1 ص255، 256
الملل والنحل ج1 ص207(3/389)
المنصف "شرح تصريف المازني" ج1 ص9، 242، 352
ج2 ص11، 40، 76، 287، 336، 340
الموشح للمرزباني ج1 ص292، 326
ج2 ص374
ج3 ص300
ن-
النجوم الزاهرة ج1 ص209
النشر في القراءات العشر ج1 ص73، 95
النقائض ج1 ص157، 287، 346، 398
ج2 ص34، 47، 86، 420، 422، 424، 436، 439، 455
ج3 ص44
نوادر أبي زيد ج1 ص29، 134، 333، 340، 368
ج2 ص21، 79، 151، 284، 288، 335، 327، 366، 423، 428، 435
ج3 ص96، 120، 159، 17، 207، 209، 217
هـ-
الهمز لأبي زيد ج2 ص133
الهمع ج1 ص187، 274، 310، 353
ج2 ص133، 161
والوحشيات ج1 ص218
الوساطة ج1 ص218
ج2 ص12
الوسيط في تاريخ أدباء شنقيط ج1 ص63، 131، 327(3/390)
5- فهرس القوافي 1:
"الألف اللينة":
1: 292 قد وعدتني أم عمرو أن تا
تدهن رأسي وتفليني وا
ء-
2: 49 ألحدا حوى حية الملحدين ولدن ثرى حال دون الثراء
2: 91، 3: 41 فأو لذكراها إذا ما ذكرتها ومن بعد أرض بيننا وسماء
2: 114 مثلها يخرج النصيحة للقو م فلاة من دونها أفلاء
2: 129 لم أقض حين ارتحلوا شهلائي من الكعاب الطفلة الغيداء
2: 133 فصادفت أعصل من أبلائها يعجبه النزع على ظلمائها
2: 151 كأن سحيله في كل فجر على أحساء يمئود دعاء
2: 153 بآرزة الفقارة لم يخنها قطاف في الركاب ولا خلاء
1: 153، 3: 179 ذر الآكلين الماء ظلما فما أرى ينالون خيرا بعد أكلهم الماء
2: 233، 320 ينشب في المسعل واللهاء أنشب من مآثر حداء
1: 242 آذنتنا ببينها أسماء رب ثار يمل منه الثواء
3: 244 ولجدت حتى كدت تبخل حائلا للمنتهى ومن السرور بكاء
2: 252 هل تعرف الدار ينعف الجرعاء بين رحى المثل وبين الميثاء
1: 281 يستمسكون من حذار الإلقاء يتلعات كجذوع الصيصاء
3: 269 والمرء يلحقه بفتيان الغدى خلق الكريم وليس بالوضاء
__________
1 الأرقام 1، 2، 3، إشارة إلى أجزاء الكتاب.(3/391)
3: 310 عننا باطلا وظلما كما تعـ ـنز حجرة الربيض الظباء
1: 341 لعلك والموعود صدق لقاؤه بدا لك في تلك القلوص بداء
2: 389 طلبوا طلحنا ولات أوان فأجبنا أن ليس حين بقاء
ب-
1: 15 كأن محربا من أسد ترج ينازلهم لنابه قبيب
1: 23 وقالت له العينان سمعا وطاعة وأبدت كمثل الدر لما يثقب
1: 25 لو رأينا التوكيد خطة عجز ما شفعنا الأذان بالتثويب
3: 29 بثينة من آل النساء وإنما يكن للأدنى لا وسال لغائب
3: 29 إليكم ذوى آل النبي تطلعت نوازع من قلبي ظماء وألبب
1: 30، 220 وحديثها كالغيث يسمعه راعي سنين تتابعث جديا
1: 37 ويصهل في مثل جوف الطوى صهيلا يبن العرب
3: 42 لا يمنع الناس منى ما أردت ول أععليهم ما أرادوا حسن ذا أدبا
3: 48 وعارضتها رهوا على متتابع شديد القصيرى خارجي محنب
3: 54، 240 في ليلة من جمادى ذات أندية لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا
2: 57 أناف على باقي الجمال ودففت بأنوار عشب مخضئل عوازبه
3: 59 وإني وقفت اليوم والأمس قبله ببابك حتى كادت الشمس تغرب
3: 62، 319 لم تتلفع بفضل مئزرها دعد ولم تغذ دعد في العلب
1: 70 فبيناه يشري رحله قال قائل لمن جمل رخو الملاط نجيب
1: 75، 2: 319، 342 سيروا بني العم فالأ واز منزلكم
ونهر تيرى ولا تعرفكم العرب 2: 82، 3: 170 خليلي لا يبقى على الدهر نادر
بتيهورة بين الطخا فالعصائب 1: 81 يذرين جندل حائر لجنوبها
فكأنما تذكى سنابكها الحبا 2: 98 أقلى اللوم عاذل والعتابا
وقولي إن أصبت لقد أصابا(3/392)
3: 104 وإياك إياك المراء فإنه إلى الشر دعاء وللشر جالب
3: 119 وكوني على الواشين لاء شغية كما أن للواشي ألد شغوب
2: 119 تسمع منها في السليق الأشهب معمعة مثل الأباء الملهب
2: 284، 3: 110 طعامهم إذا أكلوا مهنا وما إن لا تحاك لهم ثياب
2: 120 ولو أن ركبا يعموك لقادهم نسيمك حتى يستدل بك الركب
2: 121 وهي مكنونة تحير منها في أديم الخدين ماء الشباب
1: 121 على حين ألهى الناس جل أمورهم فندلا زريق المال ندل الثعالب
2: 127 غربته العلا على كثرة النا س فأضحى في الأقربين جنيبا
2: 13 غضبت علينا أن علاك ابن غالب فهلا على جديك إذ ذاك تغضب
2: 133 إذا ذقت فاها قلت علق مدمس أريد به قبل فغودر في ساب
1: 334، 3: 136 كلمع أيدي مشاكيل مسلبة يندبن ضرب بنات الدهر والخطب
1: 330، 3: 146، 280 يصاحب الشيطان من يصاحبه فهو أذى جمة مصاربه
1: 147، 330، 2: 395 وما مثله في الناس إلا مملكا أبو أمه حي أبوه يقاربه
3: 147 ولي نعام بني صفوان زوزأة لما رأى أسدا في الغاب قد وثبا
3: 150 يا عجبا لقد رأيت عجبا حمار قبان يسوق أرنبا
2: 171 أعاقر كذات رحم أم غانم كمن يخيب
2: 175 أعوذ بالله وبابن مصعب الفرع من قريش المهذب
2: 223، 3: 198 فلولا الله والمهر المفدى لرحت وأنت غربال الإهاب
3: 250 حيوا تماضر واربعوا صحبي وقفوا فإن وقوفكم حسبي
1: 202، 339 وجدتم بنيكم دوننا إذ نسيتم وأي بني الآخاء تنبو مناسبه
3: 207 وإذا أتاك يأنني قد بعثها بوصال غانية فقل كذبذب
2: 211 تدري فوق منيها قرونا على بشر وآنسة لباب
2: 219 لأنكحن بيه جارية خذبه(3/393)
2: 230 حلفت يمنا غير ذي مثنوية ولا علم إلا حس ظن بصاحب
1: 241 نظرت بسنجار كنظرة ذي هوى رأى وطنا فانهل بالماء غالبه
1: 263، 2: 349 لا بارك الله في الغواني هل يصبحن إلا لهن مطلب
2: 272 يطير قضاضا بينها كل قونس ويتبعها منهم فراش الحواجب
1: 312، 3: 278 أبلغ أبا دختنوس مألكة غير الذي قد يقال ملكذب
2: 283 طربت وما شوقا إلى البيض أطرب ولا لعبا مني وذو الشوق يلعب
2: 283 ثم قالوا تحيها قلت بهرا عدد الرمل والحصى والتراب
2: 283 أبرزوها مثل المهاة تهادى بين خمس كواعب أتراب
3: 184، 299 حتى إذا دؤمت في الأرض راجعه كبر ولو شاء تجي نفسه الهرب
3: 284 ألم تر أني كلما جئت طارقا وجدت بها طيبا وإن لم تطيب
3: 290 تمش بأعواف الجهاد أكفنا إذا نحن قمنا عن شواء مضهب
3: 293 أم هل ظعائن بالعلباء نافعة وإن تكامل فيها الدل والشنب
3: 294 لمياء في شفتيها حؤة لعس وفي اللئات وفي أنيابها شنب
1: 30 أستجدت الركب من أشياعهم خيرا أم عاود القلب من أطرابه طرب
2: 300 تلؤم يهياه بياه وقد مضى من الليل جوز وأسبطرت كواكبه
1: 301، 2: 179 ليلى قضيب تحته كثيب وفي القلاد رضأ وبيب
1: 302 كم أحرزت قضب الهندي مصلته تهتز من قضب تهتز في كثب
1: 368، 2: 356 أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا وأنجو إذا غم الجبان من الكرب
3: 307 فلما جلاها بالإيام تحيزت ثباتا عليها ذلها واكتئابها
2: 309 رمت عن قسى الماسخي رجالهم بأحسن ما يبتاع من ثيل يثرب
2: 316 نلوذ في أم لنا ما تغتصب من الغما ترتدي وتعتصب
2: 423، 3: 317 كلاهما حين جد الجوى بينهما قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي
3: 322 لدن بهز الكف يعسل متنه فيه كما عسل الطريق الثعلب(3/394)
1: 327 أعددت للحرب التي أعنى بها قوافيا لم أعى باجتلابها
1: 326 بيضاء في تعج ضفراء في برج كأنها قصة قد مسها ذهب
1: 337 تعلم -ولو كاتمته الناس- أنني عليك -ولم أظلم بذلك- عاتب
3: 340 هذا رجائي وهذي مصر عامرة وأنت أنت وقد ناديت من كثب
1: 340 تقول ابنتي لما رأتني شاحبا كأنك فينا يا أبت غريب
2: 344 فما سؤذتني عامر عن وراثة أبي الله أن أسمو بأم ولا أب
2: 356 مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب إلا يبين غرابها
2: 368، 369 والله ما زيد بنام صاحبه ولا مخالط الليان جانبه
1: 368، 3: 297 ألم تعلم مسرحي القوافي فلا عينا بهن ولا اجتلابا
1: 369 تراد على دمن الحياض فإن تعف فإن المندى رحلة فركوب
2: 371 في وسط جمع بني قريط بعدما هتفت ربيعة يا بني حواب
2: 386 أتهجر ليلى الفراق حبيبها وما كان نفسا بالفراق يطيب
2: 403 ملوك يبتنون توارثوها سرادقها المفاول والقبابا
2: 417 أتهجر بيتا بالحجاز تلفعت به الخوف والأعداء من كل جانب
2: 431 لن تراها ولو تأملت إلا ولها في مفارق الرأس طيبا
2: 434 طافت أمامه بالركبان آونة يا حسنه من قوام ما ومنتقبا
2: 454 صبحن من كاظمة الخص الخرب يحملن عباس بن عبد المطلب
2: 461 عارضتنا أصلا فقلنا الربوب حتى أضاء الأقحوان الأشنب
2: 492 ومن الرجال أسنة مذروبة ومزندون شهودهم كالغائب
ت-
1: 8 إذا اجتمعوا على فخل عنهم وعن باز يصك حباريات
2: 11 له نعل لا تطي الكلب ريحها وإن جعلت وسط المجالس شمت
1: 29 كأن لها في الأرض نسيا تقصه على أمها وإن تخاطبك تبلت(3/395)
1: 35 ترى الأماعيز بمجمرات بأرجل روح محتبات
2: 37 يا قاتل الله بنى السعلات عمرو بن يربوع شرار النات
3: 129، 150 وللأرض أما سودها فتجللت بياضا وأما بيضها فأسوأدت
3: 155 أرى عيني ما لم ترأياه كلانا عالم بالبرهات
3: 172 يا رب إن أخطأت أو نسيت فأنت لا تنسى ولا تموت
2: 263 لما رأتني أم عمرو صدفت قد بلعت بي ذرأة فألحفت
2: 271 وطرت بالرحل إلى شملة إلى أمون رحلة فذلت
1: 280 إن العراق وأهله عنق إليك فهيب هينا
1: 291، 2: 282 وكيف لا أبكي على علاني صبائحي غبائقي فيلاتي
1: 284 أغار على معزاي لم يدر أنني وصفراء منها عبلة الصفوات
3: 298 من منزلي قد أخرجتني زوجتي تهر في وجهي هرير الكلبة
1: 305 الله نجاك بكفى مسلمت من بعد ما وبعد ما وبعدمت
1: 341 وإني وتهيامي بعزة بعدما تخليت مما بينننا وتخلت
1: 347 فمن يك سائلا عني فإني بمكة مولدي وبها وبيت
1: 359 هل ينجيني حلف شختيت أو فضة أو ذهب كبريت
2: 405 ولا تحسبن القتل محضا شربته نزارا ولا أن النفوس اسقترت
2: 418 يأيها الراكب المزجي مطيته سائل بني أسد ما هذه الصوت
2: 456 إذا البيضة الصماء عضت صفيحة بحربائها صاحت صباحا وصلت
ج-
2: 87 شربن بماء البحر ثم ترفعت متى لجج خضر لهن نئيج
2: 117 يا جهذا القمراء والليل الساج وطرق مثل ملاء النساج
2: 117 ألا اسلمي اليوم ذات الطرق والعاج والدال والنظر المستأنس الساجي
2: 149 ما زلن ينسبن وهنا كل صادفة باتت تباشر غير أزواج(3/396)
3: 154 وكنت أذل مني وتد بقاع يشجج رأسه بالفهر راجي
2: 251 يا رب بكر بالردافي واسج اضطره الليل إلى عواسج
1: 360 هل تعرف الدار لأم الخزرج منها فظلت اليوم كالمزرج
2: 306 كأن أصوات من إيغالهن بنا أواخر الميس أصوات الفراريج
ح-
1: 29، 219، 231 ولما قضينا من منى كل حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح
3: 37 وقولي كلما جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تعتريحي
3: 37 قد كنت تخفي حب سمراء حقبة فبح لأن منها بالذي أنت بائح
3: 92 إن قوما منهم عمير أشها عمير ومنهم السفاح
3: 104 يا بؤس للحرب المنى وضعت أراهط فاستراحوا
2: 108، 3: 123 وأنت من الغوائل حين ترمي ومن قام الرجال بمنتزاح
2: 124 رمى الله في عيني بتينة بالقذى وفي الشنب من أنيابها بالقوادح
2: 128 دان مسف فويق الأرض هيدبه يكاد يدفعه من قام بالسراح
3: 187 أبو بيضات رائح منأوب رفيق بمسح المنكبين سبوح
3: 215 إنا بنو عمكم لا أن نباعلكم ولا نصالحكم إلا على ناح
1: 220 أخذنا بأطراف الأحاديث بينشا وسالت بأعناق المعلى الأباطح
3: 255 كشفت لهم عن ساقها وبدا من الشر الصراح
2: 269 تمشي بجهم حسن ملاح أجم حتى هم بالصياح
2: 465، 3: 272 ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح
1: 269 ومستامة تسنام وهي رخيصة تباع بساحات الأيادي وتمسح
2: 271 وطرت بمنصلي في يعملات دوامي الأيد يخبطن السريحا
1: 331، 2: 392 فقد والشك بين لي عناء يوشك فراقهم صرد يصبح
1: 345 وفيهن والأيام يعثرن بالفتى نوادب لا يمللنه ونوائح(3/397)
1: 349، 2: 467 وكان سيان ألا يسرحوا نعما أو يسرحوه بها واغبرت السوح
1: 351، 357 ولقد رأيتك بالقوادم مرة وعلى من سدف العشى رياح
3: 355، 426 ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح
2: 367 فلما لبسن الليل أو حين نصبت به من خذا آذانها وهو جامح
2: 371 أبيت على مي كئيبا وبعلها على كالنقا من عالج يتبطخ
2: 378 نهيتك من طلابك أم عمرو بعاقبة وأنت إذ صحيح
2: 415 بعيد الغزاة فما إن يزا ل مضطمرا طرتاه طلبحا
2: 416 ألا لا يغرن أمرأ نوفلية على الرأس بعدي أو ترائب وضح
2: 433 يا ليت زوجتك قد غدا متقلدا سيفا ورمحا
2: 460 بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى وصورتها أو أنت في العين أملح
2: 461 ذكرتك أن مرت بنا أم شادن أمام المطايا تشرئب وتسنح
2: 482 أخاك أخاك إن من لا أخا له كساع إلى الهيجا بغير سلاح
خ-
3: 202 إن الدقيق يلتوي بالحنيخ حتى يقول بطنه جح جخ
د-
2: 8، 3: 145 فإنك لا تدري متى المبوت جائي إليك ولا ما يحدث الله في غد
2: 13 أعن تغنت على ساق مطونة ورقاء تدعو هديلا فوق أعواد
1: 23،، 3: 27 قالت له الطير تقدم راشدا إنك لا ترجع إلا حامدا
3: 27 أقول للنفس تأساء وتعزية إحدى يدى أصابتني ولم ترد
2: 478، 3: 27 قالت له النفس إني لا أرى طمعا وإن مولاك لم يسلم ولم يصد
1: 28 لو يسمعون كما سمعت كلامها خروا لعزة ركعا وسجودا
3: 34 عزمت على إقامة ذي صباح لأمر ما يسود من يسود(3/398)
1: 39 لو وصل الغيث أينين امرأ كانت له قبة سحق بجاد
1: 41 وبيت قد بنينا فا رد كالكوكب الفرد
1: 43 الله يعلم ما تركت قتالهم حتى علوا فرسى بأشقر مزيد
1: 44 ودعته بدموعي يوم فارقني ولم أطق جزعا للبين مد يدي
1: 71 كأن حدوج المالكية غدوة خلايا سقين بالنواصف من دد
2: 72 غاضها الله غلاما بعد ما شابت الأصداغ والرأس نقد
1: 75، 2: 342 تأتي قضاعة أن تعرف لكم نسبا وابنا نزار فأنتم بيضة البلد
2: 79 علام قتل مسلم تعبدا مذ سنة وخمسون عددا
2: 80، 3: 307 ما أعناد حب سليمى حين معتاد ولا تقضي بواقي دينها الطادي
1: 82 أمست مناها بأرض ما يبلغها بصاحب الهم إلا الجسرة الأجد
1: 84 تزود مثل زاد أبيك فينا فنعم الزاد زاد أبيك زادا
2: 86 وغير لها من بنات الكداد بدهنج بالوطب والمزود
1: 162، 3: 89 وإن رأيت الحجج الرواددا قواصرا بالعمر أو مواددا
3: 93 ألا يا هند هند بني عمبلا أرث لأن وصلك أم جديد
2: 106، 300 إني امرؤ من بني خزيمة لا أحسن قنو الملوك والحفدا
2: 111 ورج الفتى للخير ما إن رأيته على السن خيرا لا يزال يزيد
2: 122 إذا جشمن قذفا عطؤدا رمين بالطرف مداه الأبعدا
1: 127 أريت إن جاءت به أملودا مرجلا ويلبس البرودا
2: 150 كأن علوب النسع في دأياثها موارد من خلفاء في ظهر قردد
2: 150 أهوى لها مشقص حشر فشبرقها وكان يدعو قذافها الإثمد للقردا
3: 154 لبب السباع لنا كانت مجاورة وأننا لا نرى ممن نرى أحدا
3: 160 عداني أن أزورك أم عمرو دياوين تشقق في سواد
2: 172 فإن لم تنل مطلبا رمقه فليس عليك سوى الاجتهاد(3/399)
2: 173 تمر به الأيام تسحب ذيلها قتيلي به الأيام وهو جديد
2: 176 إما تريني أصل القعادا وأتقى أن أنهض الإرعادا
2: 177 ويصبخ أحيانا كما اسـ ـتمع المضل لصوت ناشد
2: 177، 3: 148، 151، 222 لحب المؤقدان إلى مؤص وجعدة إذ أضاءهما الوقود
2: 207، 3: 321 يا عين هلا بكيت أربد إذ فمنا وقام الخصوم في كبد
1: 220 وحدثتني يا سعد عنها فزدتني جنونا فزدني من حديثك يا سعد
1: 230 إذا كنت عزهاة عن اللهو الصبا فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا
1: 241 من آل مية رائح أو مغتد عجلان ذا زاد وغير مزود
3: 252 شهدوا رغبنا عنهم فتحكموا فينا وليس كغائب من يشهد
3: 255 لما رأيت نساءنا يفحصن بالمعزاء شدا
2: 404، 405، 3: 259 لسنا كمن حلت إياد دارها تكريت ترقب حبها أن يحصدا
3: 265 كأن رحلي وقد زال النهار بنا بذي الجليل عن مستأنس وحد
1: 269 أما واحدا فكفاك مثلي فمن ليد تطاوحها أياد
3: 271 دار الفتاة التي كنا نقول لها يا ظبية عطلا حسانة الجيد
3: 274 فلا تحسبا هندا لها الغدر وحدها سجية نفس كل غانية هند
3: 274 لا ذعرت السوام في فلق الصبـ ـح مغيرا ولا دعت يزيدا
2: 277 كأنه خارجا من جنب صفحته سفود شرب نسوة عند مفتأد
1: 317، 2: 285 مروا عجالي فقالوا كيف سيدكم فقال من سئلوا أمسى لمجهودا
2: 287 ألم تر أنثى ولكل شيء إذا لم تؤت وجهته تعاد
3: 297 إذا جاوزت من ذات عرق ثنية فقل لأبي قابوس ما شئت فارعد
2: 300 وكيف ينال الحاجبية آلف بيليل ممساه وقد جاوزت رقدا
3: 301 أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
1: 334، 338 ألم يأتيك والأنباء تنمى بما لاقت لبون بني زياد(3/400)
1: 307، 2: 319، 341 ومن يتق فإن الله معه ورزق الله مؤتاب وغاد
2: 313 إذا ما امرؤ ولي على بوده وأدبر لم يصدر بإدباره ودي
3: 325 ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وبت كما بات السليم مسهدا
3: 334 وإني لاتيكم تشكر ما مضى من الأمر واستيجاب ما كان في غد
3: 340 بلاد بها كنا وكنا نحلها إذ الناس ناس والبلاد بلاد
2: 340 وما كل مبتاع ولو سلف صفقه براجع ما قد فاته برداد
1: 340 سوى أبك الأدنى وإن محمدا علا كل عال يا ابن أم محمد
2: 344 إذا شئت أن تلهو ببعض حديثها نزلن وأنزلن القطين المولدا
1: 346 أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
2: 364 فقالت على اسم الله أمرك طاعة وإن كنت قد عودت ما لم أعود
2: 267 أصبح قلبي صردا لا يشتهي أن يردا
2: 374 فإن مت فانعيني بما أنا أهله وشقى على الجيب باينة معبد
2: 374 أهيم بدعد ما حييت فإن أمت أو كل بدعد من يهيم بها بعدي
2: 408 فزجحتها بمزجة زج القلوص أبي مزاده
2: 409 يا من رأى عارضا أمر به بين ذراعي وجيهة الأسد
2: 427 أسقى الإله عدوات الوادي وجوزه كل ملث غاد
2: 434 تسمح للأجواف منه صردا وفي اليدين جسأة وبدا
2: 436 نفاك الأغر ابن عبد العزيز وحقك تنفي من المسجد
2: 447 ووجه كأن الشمس حلت رداءها عليه نقي اللون لم يتخدد
2: 457 نزلوا بأفقرة يسيل عليهم ماء الفرات يسبل من أطواد
2: 462 قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد
2: 481 كيما أعدهم لأبعد منهم ولقد يجاء إلى ذوي الأحقاد(3/401)
ر-
1: 8 فتبازت فتبازخت لها جلسة الجازر يستنجى الوتر
2: 11 وجبلا طال معد فاشمخر أشم لا يسطيعه الناس الدهر
1: 15 فإن القوافي ينلجن موالجا تضايق عنها أن تولجها الإبر
1: 16 حتى اتقوني وهم مني على حذر والقول ينفذ ما لا يتنفذ الإبر
1: 16 عناب بأطراف القوافي كأنه طعان بأطراف القنا المنكسر
1: 128، 3: 19، 360 له زجل كأنه صوت حاد إذا تبع الوصيقة أو زمير
2: 23 إسلم براورق حبيت به وانعم صباحا أيها الجير
2: 24 بنت عليه الملك أطنابها كأس ونوناة وطرف طمر
2: 24 خلو طريق الديوبون وقد فات الصبا وتنوزع الفجر
2: 24 حنت قلوصي إلى بأبوسنها جزعا فما حنبنك أم ما أنت والذكر
2: 25 وإنما العيش بربانه وأنت من أفنانه مقتفر
2: 25 كأنها بنقا العزاف طارية لما انطوى بطنها واخروط السفر
2: 26 مارية لؤلؤان اللون أودها طلى وبنس عنها فرقد خصر
3: 30 ألا قبح الإله بنى زياد وحى أبيهم قبح الخمار
1: 30، 3: 305 لها بشر مثل الحرير ومنطق رخيم الحواشي لا هراء ولا تزر
3: 31 إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
2: 200، 3: 34 وإن قال غار من تنوخ قصيدة بها جرب عدت على بزوبرا
2: 38 لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها إلى لامت ذوو أحسابها عمرا
1: 39 قوم إذا اخضرت نعالهم يتناهقون تناهق الحمر
2: 41 وبشرة يأبونا كأن خباءنا جناح سماني في السماء تطير
3: 43، 171 ري كأن من يكن له تسب يحـ ـبب ومن يفتقر بعش عيش ضر
1: 45 الله يعلم أنا في تلفننا يوم الفراق إلى أحبابنا صور(3/402)
2: 52 فباتت تشتوي والليل داج ضماريط استها في غير نار
3: 55 لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغض الموت ذا الغنى والفقيرا
3: 60 ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ولقد نهيتك عن بنات الأوبر
3: 61 ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ زغب الحواصل لا ماء ولا سجر
2: 270، 319، 342، 3: 62 أنا ابن دارة معروفا بها نسبي وهل بدارة يا للناس من عار
1: 75، 3: 97 رحت وفي رجليك ما فيهما وقد بدا عنك من المئزر
1: 75 فلما تبين غب أمري وأمره ودلت بأعجاز الأمور صدور
1: 80 قليلا على ظهر المطية ظله سوى ما نفى عنه الرداء المحبر
2: 87 كبنات البخر يمأذن إذا أثبت الصيف عساليج الخضر
3: 87 وفوارس كأوار حـ ـر الناس أحلاص الذكور
2: 88، 3: 185 أبني إن أباك غير لونه كر الليالي واختلاف الأعصر
3: 91، 169 وأطلس يهديه إلى الزاد أنفه أطاف بنا والليل داجي العساكر
1: 91 لم يك الحق سوى أن هاجه رسم دار قد تعفى بالسرور
3: 96 من أي يومي من الموت أفر أيوم لم يقدر أم يوم قدر
1: 97 مالك لا تذكر أو تزور بيضاء بين حاجبيها نور
2: 99 شئز جنبي كأني مهدأ جعل القين على الدف إبر
3: 108 بحسبك في القوم أن يعلموا بأنك فيهم غنى مضر
1: 108، 3: 323 زمان على غراب غداف فطيره الشيب عني فطارا
2: 118 ذروا التخاجؤ وامشوا مشية سحجا إن الرجال ذوو عصب وتذكير
2: 128 وأقبل يزحف زحف الكسير سباق الرعاء البطاء العشارا
2: 140 لا تلسمن أبا عمران حجته ولا تكونن له عونا على عمرا
1: 144 بات ابن أسماء يعشوه ويصبحه من هجمة كأشاء النخل درار
3: 148، 284 إذا ضفتهم أو سآيلتهم وجدت بهم على حاضره(3/403)
1: 153 لقد عيل الأيام طعنة ناشره أناشر لا زالت يمينك آشره
2: 153 إذا نزل الحي حل الجحيش شقبا غويا مبينا غيورا
3: 170 أقول للضحاك والمهاجر إنا ورب القلص الضوامر
2: 171، 180 فقال ثكل وغدر أنت بينهما فاختر وما فيهما حظ لمختار
2: 173، 181 حتى كأن لم يكن إلا تذكره والدهر أينما حال دهارير
2: 173 كلا ورب البيت ذي الأستار لأهتكن حلقة الحتار
3: 173 وللأرض كم من صالح قد تودأت عليه فوارته بلماعة قفر
3: 174 وغلت بهم سحجاء جارية تهوي بهم في لجة البحر
2: 175 على أنها إذ رأتني أفاد تقول بما قد أراه بصيرا
3: 177 يا عاذلاتي لا تردن ملامتي إن العواذل لسن لي بأمير
3: 178 إني إذا ما خبت نار لمرملة ألقى بأرفع تل رافعا ناري
2: 178، 3: 151 إذا اجتمعوا على وأشقذوني فصرت كأنني قرأ متار
2: 179، 477 جازت البيد إلى أرحلنا آخر الليل بيعفور خدر
3: 180 قتلت قتيلا لم ير الناس مثله أقبله ذا تومتين مسورا
3: 184 ولم يستريتوك حتى علو ت فوق الرجال خصالا عشارا
2: 185 ولا ألوم البيض ألا تسخرا وقد وأين الشمط القفندرا
1: 186، 3: 239 فلست يالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر
3: 191 أقلب طرفي في الفوارس لا أرى حزاقا وعيني كالحجاة من القطر
1: 192 يقول من تطرق أسمعه كم ترك الأول للآخر
3: 197 وما أييلي على هيكل بناه وصلب فيه وصارا
1: 308، 2: 297 بالوارث الباعث الأموات قد ضمت إياهم الأرض في دهر الدعارير
1: 308، 2: 197 فما تبالى إذا ما كنت جارتنا ألا باوونا إلاك ديار
2: 199، 427، 3: 34 أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر(3/404)
2: 200، 3: 264، 268 إنا اقتسمنا خطتينا بيننا فحملت برة واحتملت فجار
1: 282، 2: 256، 3: 203 بجفان تعتري نادينا وسديف حين هاج الصنير
3: 205 فهي بداء إذا ما أقبلت فخمة الجسم رداح هيدكر
1: 208 وكنت أمشي على رجلين معتدلا فصرت أمشي على أخرى من الشجر
2: 214 فلا تغضبن من سيرة أنت سرتها فأول راضي سنة من يسيرها
1: 214 أأصبح جاراهم قتيلا ونافيا أصم فزادوا في مسامعه وقرأ
2: 217 إن الأنام رعايا الله كلهم هو السليطط فوق الأرض مستطر
1: 229 وخطرت فيه الأيادي وخطر وأي إذا أورده الطعن صدر
2: 230، 322 أصحوت اليوم أم شافتك هو ومن الحب جنون مستعر
2: 230 فقداء لبنى قيس على ما أصاب الناس من سوء وضر
3: 232 يا لبكر أنشروا لي كليبا يا لبكر أين أين الفرار
2: 237 عز على ليلى بذي سدير سوء مببتي ليلة الغمير
1: 240 يقولون لي شنبذ ولست مشنبذا طوال الليالي ما أقام ثبير
3: 257 فأصممت عمرا وأعميته عن الجود والمجد يوم الفخار
3: 265 لا هناك الشغل الجديد يجزوى عن رسوم برامتين قفار
1: 259 ولو رضيت يداي بها وضنت لكان على في القدر الحيار
2: 264 ورازقى مخطف الخصور كأنه مخازن البلور
2: 265 موسى القمر غيث بكر
1: 264 فقلت له لاتيك عينك إنما تحاول ملكا أو تموت فتعذرا
2: 265 وعند سعيد غير أن لم أبح به ذكرتك إن الأمر يذكر للأمر
2: 267 فقصرن الشتاء بعد عليه وهو اللذود أن يقسمن جار
2: 269 وأبى الذي ترك الملوك وجمعهم بصهاب هامدة كأمس الدابر
2: 268 خبلت غزالة قلبه بفوارس تركت منازلة كأمس الدابر(3/405)
3: 277 ألكني إليها وخير الرسو ل أعلمهم بنواحي الخبر
2: 280 ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى ولا زال منهلا بجرعاتك القطر
1: 282، 2: 240 هل عرفت الدار أو أنكرتها بين تيراك فشى عبقر
2: 282 فأصبحت فيهم آمنا لا كمعشر أتوتي وقالوا من ربيعة أو مضر
3: 284 فما روضة بالحزن طيبة الثرى يمج الندى جثجاثها وعرارها
2: 284 بحسبك في القوم أن يعلموا بأنك فيهم غنى مضر
3: 385 وغررتني وزعمت أنك لابن في الصيف تامر
2: 288 جلاها الصيقلون فأخلصوها خفافا كلها يتقي بأثر
2: 291 هينون لينون أيسار ذوو كرم سواس مكرمة أبناء أيسار
3: 394 كأن الغطامط من غليه أراجيز أسلم تهجو غفارا
3: 296 أبرق وأرعد يا يزيـ ـد فما رعيدك لي بضائر
3: 300 بضرب كآذان الفراء فضوله وطعن كإيزاغ المخاض تبورها
3: 303 قد كن يخبأن الوجوه تسترا فالآن حين بدأن للنظار
3: 303 من كان مسرورا بمقتل مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار
1: 302 ترى خلفها قصفا قناة قويمة ونصفا نقا يرتج أو يتمرمر
3: 305 وعينان قال الله كونا فكانتا فعولان بالألباب ما تفعل الحمر
1: 304 جمالية تفتلي بالرداف إذا كذب الآثمات الهجيرا
3: 306 من كان لا يزعم أني شاعر فيدن مني تنهه المزاجر
2: 308 أولى فأولى يامرأ القيس بعدما خصفن بآثار المطى الحوافرا
1: 311 كأنهما ملان لم يتغيرا وقد مر للدارين من بعدنا عصر
2: 314 شدوا المطى على دليل دائب من أهل كاظمة بسيف الأبحر
1: 316، 317 ثمانين حولا لا أرى منك راحة لهنك في الدنيا لباقية العمر
1: 317 ثمت يغدو لكان لم يشعر رخو الإزار زمخ التبختر(3/406)
3: 167، 324 على لا حب لا يهتدي بمناره إذا ساقه العود النباطي جرجرا
3: 324 لا تفزع الأرنب أهوالها ولا يرى الضب بها ينجحر
3: 325 وطعنة مستبسل ثائر ترد الكنية نصف النهار
3: 328، 338 حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشر
1: 331، 2: 396 معاوي لم ترع الأمانة فارعها وكن حافظا لله والدين شاكر
1: 335 خربع دوادي في ملعب تأزر طورا وترخى الإزارا
2: 336 قضين حجا وحاجات على عجل ثم استدرن إلينا ليلة النفر
3: 338 تفوقت مال ابني حجير وما هما بذي حطمة فإن ولا ضرع غمر
1: 341 إني وأسطار سطرن سطرا لقائل يا نصر نصرا نصرا
1: 346 يا تيم تيم عدي لا أبا لكم لا يلقبنكم في سوءة عمر
2: 349 فلتأتينك قصائدي وليدفعا جيشا إليك قوادم الأكوار
1: 349 فبان حرب أو تبوءوا بمثله وقد يقيل الضيم الذليل المسير
1: 356 ألا هل أتاها والحوادث جمة بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا
2: 369 مالك عندي غير سهم وحجر وغير كبداء شديدة الوتر
2: 377 أسكران كان ابن المراغة إذ هجا تميما ببطن الشأم أم متساكر
2: 382 إذا ابن أبي موسى بلال بلغته فقام بفأس بين وصليك جازر
2: 390 فلم أرقه إن يتج منها وإن يمت فطعنة لاغس ولا بمغمر
2: 392 فلما للصلاة دعا المنادي نهضت وكنت منها في غرور
2: 393 ولقد أجمع رجلي بها حذر الموت وإني لفرور
2: 396 إلى ملك ما أمه من محارب أبوه ولا كانت كليب تصاهره
2: 399 فليست خراسان التي كان خالد بها أسد إذ كان سيفا أميرها
2: 407 هما خطنا إما إسار ومنة وإما دم والقتل بالحر أجدر
2: 409 إلا بداهة أو علا له قادح نهد الجزاره(3/407)
2: 416 إن امرأ غره منكن واحدة بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور
2: 419 فكان مجنى دون من كنت أتقى ثلاث شخوص كأعبان ومعصر
2: 419 فإن كلايا هذه عشر أبطن وأنت بريء من قبائلها العشر
2: 420 لا تشربا لبن البعير وعندنا عرق الزجاجة واكف المعصار
2: 424 وإذا ذكرت أبالك أو أيامه أخزاك حيث تقبل الأحجار
2: 424 فقلنا أسلموا إني أخوكم فقد سلمت من الإحن الصدور
3: 427، 430 إذا تغنى الحمام الورق هيجني ولو تعزبت عنها أم عمار
2: 433 تراه كأن الله يجدع أنفه وعينيه إن مولاه ثاب له وفر
2: 435 وقالوا ما تشاء فقلت ألهو إلى الإصباح آثر ذي أثير
2: 436 وما راعني إلا يسير بشرطة وعهدي به فينا يفش بكير
2: 44 تحاذو وقع السوء خوصاء ضمها كلال فجالت في حجا حاجب ضمر
2: 444 علوت مطا جوادك كل يوم وقد ثمد الجياد فكان بحرا
2: 446 تغلغل حب عثمة في فؤادي فباديه مع الخافي يسير
2: 447 فرعت ظنابيب الهو يوم عالج ويوم البقا حتى فسرت الهوى قسرا
2: 469 وظاهر لها من يابس الشخت واستعن عليها الصبا واجعل يديك لها سترا
ز-
1: 31، 221 وحديثها السحر الحلال لو أنه لم يحن قتل المسلم المتحرز
1: 39 قد كنت تأمنني والجدب دونكم فكيف أنت إذا رقش الجراد نزا
3: 118 حذاها من الصيداء نعلا طراقها حوامي الكراع المؤبدات العشاوز
2: 133 هذا الزمان مول خيره آزي صارت رءوس به أذناب أعجاز
3: 205 إذا أردت طلب المفاوز فاعمد لكل بازل ترامز
3: 220 إن تك ذا بز فإن بزى صابغة فوق وأي إوز
2: 432 لنا أعنز لبن ثلاث فبعضها لأولادها ثنتا وما بيننا عنز(3/408)
س-
3: 46 إذا شق برد شق بالبرد مثله دواليك حتى كلنا غير لابس
3: 105، 111 فأين إلى أين النجاء ببلغتى أتاك أتاك اللاحقوق احبس احبس
1: 127 إضرب عنك الهموم طارتها ضربك بالسيف قونس الفرس
1: 132 إذ ما أثبت إلى الرسول فقتل له حقا عليك إذا اطمأن المجلس
2: 172 أمر غد أنت منه في لبس وأمس قد فات قاله عن أمس
2: 177 ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
1: 31، 2: 178، 179 ورمل كأوراك العذارى قطعته إذا ألبسته المظلمات الحنادس
3: 194 أأن رأيت أسدا فرانسا الوجه كرها والجبين عابسا
3: 204 كأن ريح دبرات خمس وظربانا بينهن يفسى
3: 207 من زل عن قصد السبيل ترايلت بالسيف هامته عن الدردافس
2: 212 سبحلا أبا شرخين أحيا بنانة مقاليتها فهي اللباب الحبائس
1: 246 تقول وصكت وجهها بيمينها أبعلى هذا بالرحى المتقاعس
3: 261 أزمعت بأسا مبينا من نوالكم ولن ترى طاردا للحر كالياس
3: 274 فله هنالك لا عليه إذا دفعت أنوف القوم للنعس
3: 305 يا صاح ياذا الضامر العنس والرحل ذي الأقتاد والحلس
1: 368، 2: 306 أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا وأنجو إذا لم ينح إلا المكيس
3: 321 يذكرني طلوع الشمس صخرا وأذكره لكل غروب شمس
1: 346 ألق الصحيفة لا أبا لك إنه يخشى عليك من الحباء التقرس
2: 379 فهذا أوان العرض حي ذبابه زنابيره والأزرق المتلمس
2: 440 خلا أن العتاق من المطايا أحسن به فهن إليه شوس
2: 469 وموضع زبن لا أريد مبينه كأبي به من شدة الروع آنس
2: 491 من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس(3/409)
ص-
3: 338 كلا أبويكم كان فرع دعامة ولكنهم زادوا وأصبحت ناقصا
ض-
1: 72 فوالله لا أنسى قتيلا رزئته بجانب قومي ما مشيت على الأرض
2: 98، 99 داينت أروى والديون تقضي فمطلت بعضا وأدت بعضا
2: 172 بلى إنها تعفو الكلوم وإنما نوكل بالأذنى وإن جل ما يمضي
1: 304، 2: 179 وقربوا كل جمالي عضه قريبة ندوته من محمضه
3: 180 قد سبق الأشعر وهو رابض فكيف لا يسبق إذ يراكض
3: 213 يا من لعين لم تذق تغميضا وما فيبن اكتحلا مضيضا
ط-
1: 335، 3: 63 أبيت على معاري واضحات بهن ملوب كدم العباط
2: 213 ما راعني إلا جناح هابطا على البيوت قوطه العلابطا
ظ-
2: 236 وحسد أوشلت من حظاظها على أحاسي الغيظ واكتظاظها
ع-
1: 6 وسرب كعين الرمل عوج إلى الصبا رواعف بالجودي حور المدامع
3: 29 فكذبوها بما قالت فصبحهم ذو آل حسان يزجي الموت والشرعا
3: 33 إذا ما كانت مثل ذوي عدي ودينار فقام على ناع
1: 33 ولو أني أشاء كنت نفسي إلى بيضاء بهكنة شموع(3/410)
2: 36 لو ساوقتنا بسوف من تحيتها سوف العيوف لراح الراكب قد قنعوا
2: 47 تعدون عقر النيب أفضل مجدكم بني ضرطري لولا الكمي المقنعا
3: 55 إذا المرء لم يخش الكريهة أو شكت حبال الهويني بالفتى أن تقطعا
1: 293، 3: 63 قد أصبحت أم الخيار تدعى على ذنبا كله لم أصنع
1: 100 ليت شعري عن خليل ما الذي غاله في الحب حتى ودعه
2: 114 الألمعي الذي يظن بك الظـ ـن كأن قد رأى وقد سمعا
3: 124 يطرق حلما وأناة معا ثمت ينباع اتبياع الشجاع
2: 124 بينا تعنقه الكماة وروغه يوما أتيح له جريء سلقع
2: 130 لله بيني وبين قيمها يفر مني بها واتبع
2: 138 يا ليت شعري والمنى لا تنفع هل أغدون يوما وأمري مجمع
3: 154 راحت بمسلمة البغال عشية فارعى فزازة لا هناك المرتع
1: 64، 264، 3: 165 لما رأى أن لا دعة ولا شبع مال إلى أرطاة حقف فالطجع
2: 169 تراهم يغمزون من استركوا ويجتنبون من صدق المصاعا
3: 172 وما جلس أبكار أطاع لسرحها جنى ممر بالواديين وشوع
2: 180، 470 لها مالها حتى إذا ما تبرأت بأخفاقها مأوى تبوأ مضجعا
3: 195 فأصبحت مهموما كان مطبتي بجنب مسولي أو بوجرة ظالع
2: 210 قد جربوه فما زادت تجاربهم أبا قدامة إلا المجد والفنفا
3: 219 وقد يكون أطربون الروم قطعها فإن فيها بحمد الله منتفعا
1: 240 ماذا لقينا من المستعربين ومن قياس نحوهم هذا الذي ابتدعوا
3: 27 إن الذئاب قد اخضرت براثنها والناس كلهم بكرا إذا شبعوا
2: 277 كأن دريئة لما التقينا لنصل السيف مجتمع الصداع
2: 278 قصرت له القبيلة إذ تجهنا وما ضاقت بشدته ذراعي
2: 294، 318، 3: 205 فألحقت أخراهم طريق أولاهم كما قيل نجم قد خوى متتابع(3/411)
3: 295 فما جينوا أني أشد عليهم ولكن رأوا نارا تحش وتسفع
3: 298 فبكى بناتي شجرهن وزوجتي والظامعون إلى ثم تصدعوا
3: 209 وذات هدم عار نواشرها تصمت بالماء تولبا جذعا
3: 311 واحدة أعضلكم شأنها فكيف لو قمت على أربع
3: 313 وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلعا
2: 216 هم صلبوا العبدي في جذع نخلة فلا عطست شيبان إلا بأجدها
2: 216 يعثرن في حد الظبات كأنما كسيت برود بني تزيد الأذرع
2: 216 كلا جانبيه يعسلان كلاهما كما اهتز خوط التبعة المتتابع
3: 317 أبيت بأبواب القوافي كأنما أذود بها سريا من الوحش نزعا
1: 351 يا رب أباز من العفر صدع تقبض الذئب إليه واجتمع
1: 363 إذا لم تستطع شيئا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
2: 383 أبا خراشة أما أنت ذا نفسر فإن قوي لم تأكلهم الضبع
2: 411 وإن الغني لي لو لحظت مطالبي من الشعر إلا في مديحك أطوع
2: 420 لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع
2: 422 بأن الخليط برامتين فودعوا أو كلما ظعنوا لبين تجزع
2: 425 أخو الذئب يعوي والغراب ومن يكن شريكه تطمع نفسه كل مطمع
2: 428 فكرت تبتغيه فوافقته على دمه ومصرعه السباعا
2: 437 جزعت حذار البين يوم تحملوا وحق لمثلي يا بثينة يجزع
3: 336 عتب الساعة الساعة أموت الساعة الساعة
ف-
1: 9 عودا أحم القرى إزمولة وقلا يأتي تراث أبيه يتبع القذفا
1: 26 للظل رهينا خاشع الطرف حطه تخلب جدوى والكلام الطرائف(3/412)
3: 51 إذ نهى السفيه جرى إليه وخالف والسفيه إلى خلاف
1: 150 وعض زمان يا بن مروان لم يدع من المال إلا مسحت أو مجلف
2: 128 أناخ بذي نفر بركه كأن على عضديه كتافا
2: 168 كانت هي الوسط الممنوع فاحتلبت ما حولها الخيل حتى أصبحت طرقا
3: 169 لا أظلم النأى قد كانت خلائفها من قبل وشك النوى عندي نوى قذفا
1: 261 وفيك إذا لاقيتنا عجرفية مرارا فما نستبع من يتعجرف
1: 283، 439 وما دمية من دمى ميسنا ن معجبة نظرا واتصافا
1: 287 وإني من قوم بهم يتقي العدا ورأب الثاي والجانب المتخوف
2: 294، 344 وأن يعربن إن كسى الجواري فتنبو العين عن كرم عجاف
1: 296 أجد الركب بعد غد خفوف وأمست من ليانتك الألوف
3: 300 أقبلت من عند زياد كالخرف تخط رجلاي بخط مختلف
2: 309 أرمي على شريانة قذاف تلحق ريش النبل بالأجواف
3: 340 إذا الناس ناس والبلاد بغرة وإذا أم عمار صديق مساعف
2: 427، 43 تواهق رجلاها يداها ورأسه لها قتب خلف الحقيبة رادف
2: 432 كأن أذنيه إذا تشوفا قادمة أو قلما محرفا
2: 450 لعمري لقد أحببتك الحب كله وزدتك حيا لم يكن قبل يعرف
ق-
1: 10، 3: 294 تراقب عيناها القطيع كأنما يخالطها من مسه مس أولق
1: 24 قد قالت الأنساع للبطن الحق قدما فاضت كالضمير المحنق
3: 30 يا مو إن أباك حي خويلد قد كنت خائفة على الإحماق
2: 64، 480، 3: 117 بني عقيل ماذه الخنافق المال هدى والنساء طالق
3: 147 يا دار مي بدكاديك البرق صبرا فقد هيجت شوق المشنئق(3/413)
3: 159 حمى لا يحل الدهر إلا بإذننا ولا نسأل الأقوام عقد المباثق
3: 179 يا ناق ذات الوخد والعتيق أما ترين وضح الطريق
1: 217 إن كنت عبدا فنفسي حرة كرما أو أسود اللون إني أبيض الخلق
1: 217 سودت فلم أملك سوادي وتحته قميص من القوهي بيض بتائقه
2: 218 إذا ما استحمت أرضه من سمائه جرى وهو مودوع ورأعد مصدق
2: 222 ووالله لولا تمره ما حببته ولا كان أدنى من عبيد ومشرق
1: 228 ساءها ما تأملت في أيادبـ ـنا وإشناقها إلى الأعناق
2: 234 لقد تعللت على أيانق ذوات ينهضن بغير سائق
1: 265، 2: 322، 235 وقائم الأعماق خاوي المحترق مشتبه الأعلام لماع الخفق
1: 266 رضيعي لبان ثدي أم تقاسما بأسحم داج عوض لا نتفرق
3: 286 ويأمر لليحموم كل عشية بقت وتعليق فقد كاد يسنق
2: 289 وقد تخذت رجل إلى جنب غرزها نسيفا كأفحوص القطاة المطرق
2: 294.......................... وما قرقر قمر الواد بالشاهق
3: 300 بضرب كأذان الفراء فضوله وطعن كتشهاق العفا هم بالنهق
1: 308 إذا العجوز غضبت فطلق ولا ترضاها ولا تملق
2: 334 فلو ترى فيهن سر العتق بين كماتي وحو بلق
2: 379، 371 أتته بمجلوم كأن جينه صلاءة ورس وسطها قد تفلقا
2: 422 فعيناك عيناها وجيدك جيدها ولكن عظم الساق منك دقيق
2: 439 وسائلة يثعلبة بن سير وقد علقت بثعلبة العلوق
2: 477 يا نفس صبرا كل حي لاق ولك إثنين إلى افتراق
2: 481 أميل مع الذمام على ابن عمي وأحمل للصديق على الشقيق(3/414)
ك-
1: 7 كأن على أنيابها كل صدقة صياح البوازي من صريف اللوائك
1: 111، 2: 285، 3: 110 ما إن يكاد يخليهم لوجهتهم تخالج الأمر إن الأمر مشترك
1: 123، 2: 123............. تنوقت به حضرميات الأكف الحوائك
2: 176 وكم دون الثوبة من حزين يقول له قدومي ذا بذاكا
2: 188 وقفت له علوي وقد خام صحبتي لأبني مجدا أو لأثأر هالكا
2: 391، 3: 334، 335 يا حكم الوارث عن عبد الملك أوديت إن لم تحب حبو المعتنك
ل-
1: 11، 3: 295 يتبعن سامية العينين تحسبها مذعورة أو ثرى مالا ترى الإبل
1: 12، 3: 147 كأني بغتخاء الجناحين لقوة دفوف من العقبان طأطأت شمالا
3: 17 كأن ريح المسك والقرنفل نباته بين التلاع السيل
1: 17 كأن صوت جرعها تساجل هاتيك هاتا حثي تكايل
2: 20 ألا نادت أمامة باحتمال لتجزنني فلا بك ما أبالي
1: 23 لو أنني أوتيت علم الحكل علم سليمان كلام النمل
1: 27 تراها الضيع أعظمهن رأسا جراهمة لها حرة وثيل
1: 25 فلو قدر السنان على لسان لقال لك السنان كما أقول
3: 35 وإن يبغ ذا ودي أخي أصع مخلصا ويأبى فلا يعيا على حويلي
1: 210، 2: 33، 172 رأي الأمر يفضي إلى آخر قصير آخره أولا
2: 34 من كل مشترف وإن بعد المدى ضرم الرقاق مناقل الأجرال
2: 37، 285 أبي جوده لا البخل واستعجلت به نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله
1: 41 لسنا وإن كرمت أوئلنا يوما على الآباء نتكل
3: 44 على ذات لوث أو بأهوج شوشو صنيع نبل بملأ الرحل كاهله(3/415)
3: 44 هيهات هيهات العقيق ومن به وهيهات خل بالعقيق نواصله
1: 44 فقلت لها ما بي لهم من ترقب ولكن سرى ليس يحمله مثلي
2: 50 عسلان الذئب أمسى قاربا برد الليل عليه فتسل
1: 70 أعنى على برق أريك وميضة كلمع اليدين في الحق المكلل
1: 71 أني اهتديت لتسليم على دمن يالغمر غيرهن الأعصر الأول
2: 74 لي كل يوم من ذواله ضغث يزيد على إباله
1: 75، 3: 98 فاليوم أشرب غير مستحقب إثما من الله ولا واغل
3: 78 صم صداها وعقار سمها واستعجمت عن منطق السائل
1: 85 فتى قد قد السيف لا متآزر ولا رهل لباته وبآدله
1: 80 وقد رابني من جعفر أن جعفرا يبث هوى ليلى ويشكو هوى جمل
1: 82، 2: 440 حين ألقت بقباء بركها واستحر القتل في عبد الأشل
1: 99 هنالك إن يستخولوا المال يخولوا وإن يسألوا يعطوا وإن يبسروا يغلوا
2: 85 عزز منه وهو معطى الإسهال ضرب السواري متنه بالتهنهال
2: 86 كأن رعن الآل منه في الآل بين الضحى وبين قيل القيال
2: 288، 3: 91 زيادتنا نعمان لاتنسينها تق الله فينا والكتاب الذي تتلوا
2: 92 كاد اللعاع من الحوذان يسحطها ورجرج بين لحييها خناطيل
2: 97 كهداهد كسر الرماة جناحه يدعو بقارعة الطريق هديلا
1: 97 سيكفيك الإله ومستمات كجندل لبن تطرد الصلالا
1: 98، 2: 222 أعاشي بعدك واد ميقل آكل من حوذانه وأنسل
3: 83 يخفي التراب بأظلاف ثمانية في أربع مسهن الأرض تحليل
3: 104 أبوك أبوك أريد غير شك أحلك في المخازي حيث حلا
3: 105، 168 نطعتهم سلكي ومخلوجة كرك لامين على نابل
2: 397، 3: 109 لو كنت في خلفاء عن رأس شاهق وليس إلى منها النزول سبيل(3/416)
2: 119 إذا تقوم يضوع المسك أصورة والعنبر الورد من أردانها شمل
2: 122، 207 إذا نزل الأضياف كان عذورا على الحي حتى تستقل مراجله
3: 126 ممكورة جم العظام عطبول كأن في أنيابها القرنفول
2: 128 وألقى بصحراء الغيط بعاعه نزول اليماني ذي العياب المحمل
2: 131 قد كان فيما بيتنا مشاهله ثم تولت وهي تمشي البأدلة
2: 132، 3: 293 بساقط عنه روقه ضارياتها سقاط حديد القين أخول أخولا
1: 135 حتى لحقنا بهم تعدى فوارسنا كأننا ومن قف يرفع الآلا
3: 137 ألا لا بارك الله في سهيل إذا ما الله بارك في الرجال
2: 139 حوضا كأن ماءه إا عسل من آخر الليل رويزي شمل
3: 152 لأم الأرض ويل ما أجنت غداة أضر بالحسن السبيل
3: 153 تضب لئات الخيل في حجراتها وتسمع من تحت العجاج لها أزملا
2: 155 كأني ورحلي إذا هجرت على جمزي جازي، بالرمال
2: 158 ظلت وظل يومها حوب حل وظل يوم لأبي الهجنجل
2: 161 فيوما يجازين الهوى غير ماضي ويوما ترى منهن غولا تغول
2: 169 السالك الثغرة اليقظان كالثها عشى الهلوك عليها الخيصل الفضل
2: 169 ممقر مر على أعدائه وعلى الأدنين حلو كالعسل
2: 173 خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل
2: 173 نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول
2: 365، 3: 175 فملك بالليط الذي تحت فشرها كغرقيء بيض كنه القبض من على
3: 175 أبعد ابن عمرو من آل الشريـ ـد حلت به الأرض أثقالها
3: 179 فإن تبخل سدوس بدر هميها فإن الريح طيبة قبول
3: 194 كأن دثارا حلقت بلبونة عقاب تنوفى لا عقاب القواعل
3: 199 فشايع وسط ذوودك مقبثنا لتحسب سيدا ضيعا تبول(3/417)
2: 204 متى يشنجر قوم تقل سرواتهم هم بيننا فهم رضا وهم عدل
2: 204، 3: 262 ألا أصبحت أسماء جاذمة الحبل وضنت علينا والضنين من البخل
2: 203 فاذكرني موقفي إذا التقت الخبـ ـل وسارت إلى الرجال الرجالا
3: 216 ولنعم مأوى المستضعيف إذا دعا والخيل خارجة من القسطال
3: 220 أتتنا رياج الغور من نحو أرضها يريح خرنباش الصرائم والحقل
1: 220 وإن حديثا منك لو تبذلينه جنى النحل في ألبان عوذ مطافل
1: 297، 3: 229 اعتاد قلبك من سلمى عوائده وهاج أهواءك المكونة الطلل
1: 277، 2: 377، 3: 231 فخير نحن عند الناس منكم إذا الداعي المثؤب قال يالا
2: 241 قالوا ارتحل فاخطب فقلت هلا إذ أنا روتاي معا فانفلا
2: 246 إني امرؤ أضفى الخليل الخله أمنحه ودي وأرعى إله
3: 300 أستغفر الله ذنبا لست محصية رب العباد إليه الوجه والعمل
3: 256 إذا أبرز الروع الكعاب فإنهم مصاد لمن يأوى إليهم ومعقل
2: 257 يا خليلي أربعا واستخبرا الـ ـمنزل الدارس من وحي حلال
2: 406، 3: 260 كذلك تيك وكالناظرات صواحبها ما يرى المسحل
1: 270 كأنه بالصحصحان الأنجل قطن سخام بأيادي غزل
2: 273 سأحمل نفسي على آلة فإما عليها وإما لها
3: 277 ألكني إلى قومي السلام رسالة بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا
2: 286 فقلت يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
1: 286، 3: 152 رسم دار وقفت في طلله كذت أقضى الغداة من جلله
3: 288 تقاك بكعب واحد وتلده يداك إذا ماهز بالكعب يعسل
3: 289 في داره تقسم الأزواد بينهم كأنما أهله منها الذي اتهلا
1: 289 قاتلي القوم يا خزاع ولا يأخذكم من قتالهم فشل
1: 292 عجل لنا هذا وألحقنا بذا الـ ـحم إنا قد مللناه بجل(3/418)
1: 295 جزى ربه عنى عدي بن حاتم جزاء الكلاب العاديات وقد فعل
1: 302 كدعص النقا يمشي الوليدان فوقه بما احتسبا من لين ممن وتسهال
1: 203 نحن ركب ملجن في زي ناس فوق طير لها شخوص الجبال
2: 307 إن الكريم وأبيك يعتمل إن لم يجد يوما على من يتكل
2: 311 ما إن يمس الأرض إلا منكب منه وحرف الساق طي المحمل
2: 315 وخضخضن فينا البحر حتى قطعنه على كل حال من غمار ومن وحل
2: 315 وهل يعمن من كان أحدث عهده ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
3: 319 أبكى إلى الشرق ما كانت منازلها مما يلي الغرب خوف القبل والقتال
2: 319، 342 فاليوم أشرب غير مستحقب إثما من الله ولا واغل
3: 321 وإذا ما خلا الجبان بأرض طلب الطعن وحده والنزالا
1: 332، 337 وقد أدركتني والحوادث جمة أسنة قوم لا ضعاف ولا عزل
2: 337 علمنا إخواننا بنو عجل الشعربي واعتقالا بالرجل
1: 337 ذاك الذي وأبيك تعرف مالك والحق يدفع ترهات الباطل
1: 338 أتنسى لا هداك الله لبلى وعهد شبابها الحسن الجميل
1: 338 أراني ولا كفران لله أية لنفسي لقد طالبت غير منيل
1: 339 أراني ولا كفران لله إنما أواخي من الأقوام كل بخيل
1: 345 فاقنى حياءك لا أبالك واعلمي أني امرؤ سأموت إن لم أقتل
1: 356 هو الجواد ابن الجواد ابن سهل إن دوموا جاد وإن جادوا وبل
2: 370 أتنتهون ولن ينهى ذوى شطط كالطعن يهلك فيه الزيت والفتل
2: 375 إن محلا وإن مرتحلا وإن في السفر إذ مضوا مهلا
2: 376 خلا أن حيا من قريش تفضلوا على الناس أو أن الأكارم نهشلا
2: 386 أبو حنش يؤرقني وطلق وعمار وآونة أثالا
2: 388 قلت إذا أقبلت وزهر تهادى كنعاج الملا تعسفن رملا(3/419)
2: 397: 398 يوما تراها كمثل أردية العصـ ـب ويوما أديمها فعلا
2: 398 فصلقنا في مراد صلقة وصداء ألحقتهم بالثلل
2: 402 نظرت وشخصي مطلع الشمس ظله إلى الغرب حتى ظله الشمس قد عقل
2: 403 أيا ابن أناس هل يمينك مطلق فداها إذا عد الفعال شمالها
2: 403 يبني الرجال وغيره يبنى القرى شتان بين قرى وبين رجال
2: 406 كما خط الكتاب بكف يوما يهودي يقارب أو يزيل
2: 411 تغاير الشعر فيه إذ سهرت له حتى ظننت قوافيه ستقتتل
2: 411 ولقد أردت نظامها فتواردت فيها القوافي جحفلا عن جحفل
2: 12 فأضحت مغانيها قفارا وسومها كأن لم سوى أهل من الوحش تؤهل
2: 413 فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها
2: 414 ثلاثة أنفس وثلاثة ذود لقد جار الزمان على عيالي
2: 418 لو كان في قلبي كقدر قلامة حبا لغيرك قد أتاها أرسلي
2: 421 رمية أحسن الثقلين جيدا وسالفة وأحسنه قذالا
2: 425 ألا زعمت بسياسة اليوم أنني كبرت وألا يحسن الر أمثالي
2: 431 عالي الهوى مما يعذب مهجتي أروية الشعف التي لم تسهل
2: 435 فاذهب فأي فتى في الناس أحرزه من يومه ظلم دعج ولا جبل
2: 439 أبوك عطاء الأم الناس كلهم فقبحت من نجل وقبح من نسل
2: 446 شكوت إليها حبها المتغلغلا فما زادها شكواي إلا تدللا
2: 447 ذهوب بأعناق المطي عطاؤه عزوم على الأمر الذي هو فاعله
2: 447 غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا غفت لضحكته رقاب المال
2: 461 أقول لظبي يرتعي وسط روضة أأنت أخو ليلى فقال يقال
2: 476 لات هنا ذكرى جبيرة أم من جاء منها بطائف الأهوال
2: 477 أفاءت بن مروا ظلما دماءنا وفي الله إن لم يحكموا حكم عدل(3/420)
2: 477 بنزوة ل بعد ما مر مصعب بأشعث لا يفلي ولا هو يقمل
2: 493 إلا يكن مال يثاب فإنه سيأتي ثنائي زبدا ابن مهلهل
م-
2: 13 أعن ترسمت من خرقاء منزلة ماء الصبابة من عينيك مسجوم
2: 20 رأى برقا فأوضع فوق بكر فلا بك ما أسال وما أغاما
1: 22 قوارص تأتيني ويحتقرونها وقد يملأ القطر الإناء فيفعم
3: 24 لئن قضيت الشأن عن أمري ولم أقض لباناتي وحاجات النهم
1: 24 فصبحت والطير لم تكلم جابية طمت بسيل مفعم
1: 25 لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ولكان لو علم الكلام مكلمي
3: 31 لا ينعش الطرف إلا ما تخونه داع يناديه باسم الماء مبغوم
1: 34 ورب أسراب حجيج كظم عن اللغا ورفث التكلم
2: 37 وإذا قلت نعم فاصبر لها بنجاح الوعد إن الحلف ذم
3: 40 هنا وهنا هنا لهن بها ذات الشمائل والأيمان هينوم
1: 40 فبنى لنا بيتا رفيعا سمكه فسما إليه كهلها وغلامها
3: 45 هيهات منزلنا بنعف سويقة كانت مباركة من الأيام
3: 46 أولمت يا خنوت شر إيلام في يوم نحس ذي عجاج مظلام
3: 123 فمضى وقدمها وكانت عادة منه إذا هي عردت إقدامها
2: 75 يا ليست شعري عنك والأمر أمم ما فعل اليوم أويس في الغنم
1: 75 تراك أمكنة إذا لم أرضها أو يرتبط بعض النفوس جمامها
2: 76 أو فازجروا مكفهرا لا كفاء له كالليل يخلط أصراما بأصرام
3: 80 ومسك سابغة هتكت فروجها بالسيف من حامي الحقيقة معلم
1: 82، 2: 439 كأن إبريقهم ظبي على شرف مقدم بسبا الكتان ملئوم(3/421)
3: 92 في فتية كلما تجمعت الـ ـبيداء لم يهلعوا ولم يخموا
3: 92، 135 كفاك كف ما تليق درهما جودا وأخرى تعط بالسيف الدما
1: 99 أكثرت في العذل ملحا دائما لا تكثرن إني عسيت صائما
3: 155 قم قائما قم قائما رأيت عبدا نائما
1: 105 إذا هو لم يخفني في ابن عمي وإن لم ألقه الرجل الظلوم
3: 108 قالت بنو عامر خالوا بني أسد يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام
2: 113 أرقني الليلة برق بالتهم يالك برقا من يشقه لا ينم
1: 87، 3: 120 عهدي به شد النهار كأنما خضب اللبان ورأسه بالعظلم
2: 122 لا تبل جدة سمرهم سمرول تسم السموم لأدمهن أديما
3: 123 ينباع من ذفري غضوب جسرة زيافة مثل الفنيق المقرم
2: 124 أناس عدا علقت فيهم وليتني طلبت الهوى في رأس ذي ذلق أشم
1: 129 أتوا ناري فقلت منون أنتم فقالوا الجن قلت عموا ظلوما
1: 131، 2: 182، 184 وأسماء ما أسماء ليلة أدجلت إلى وأصحابي بأين وأينما
3: 134 فهم بطانتهم وهم وزراؤهم وهم القضاة ومنهم الحكام
3: 136 إن الفقير يبننا قاض حكم أن ترد الماء إذا غار النجم
2: 139 وراد أسمال المياه السدم في أخريات الغبش المغم
3: 147 وإني لقوام مقاوم لم يكن جرير ولا مولى جرير يقومها
3: 148 يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
1: 155، 2: 207 والحية الحنفة الرقشاء أخرجها من جحرها أمنات الله والكلم
1: 157 أسيد ذو خريطة نهارا من المتلقطى قرد القمام
3: 167 وقدر ككف القرد لا مستعيرها يعار ولا من يأتها يتدسم
2: 170 خيط على زفرة فم ولم يرجع إلى دقة ولا هضم
3: 171 نفلق هاما لم تنله سيوفنا بأيماننا هام الملوك القماقم(3/422)
1: 171، 3: 149، 214 هما نفثا في في من فمويهما على النابح العاوي أشد رجام
7: 173 ولقد أردت الصبر عنك فعافني علق بقلبي من هواك قديم
1: 173 هذا طريق يأزم المآزما وعضوات تقطع اللهازما
3: 179 جزت بالساباط يوما فإذا القينة تلجم
2: 180 إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام
2: 183 ألا هيا مما لقيت وهيما وريحا لمن لم يلق فيهن ويحما
2: 183 يذكرني حاميم والرمح شاجر فهلا تلا حاميم قبل التقدم
2: 184 وهل لي أم غيرها إن هجرتها أبى الله إلا أن أكون لها ابنما
1: 196، 2: 317 ألا ياسنا برق على فلل الحمى لهنك من برق على كريم
1: 194 أو مذهب جدد على ألواحه الناطق المبروز والمختوم
2: 206 بات يقاسي ليلهن زمام والفقعسي حاتم بن همام
3: 208 لعلك هالك إما غلام تبوأ من شمنصير مقاما
2: 210 وما هي إلا في إزار وعلقة مغار ابن همام على حي خثعما
2: 218 ولقد نزلت فلا تظني غيره مني بمنزلة المحب المكرم
3: 222 لولا الإله ما سكنا خضماء ولا ظللنا بالمشائي قيما
3: 240 ستشرب كأسا مرة تترك الفتى تليلا لفيه للغرابين والرخم
1: 248، 3: 240 رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
2: 251 أعيني ساء الله من كان سره بكاؤهما ومن يحب أذاكما
1: 144، 258 صادت فأطولت الصدود وفلما وصلل على طول الصدود يدوم
1: 260 تراه وقد فات الرماة كأنه أمام الكلاب مصغى الخد أسلم
2: 265 طيف ألم بذي سلم
2: 266 يا مي لا غرو ولا ملاما في الحب إن الحب لن يداما
3: 275 ما أمك اجتاحت المنايا كل فؤاد عليك أم(3/423)
1: 291، 2: 282 كيف أصبحت كيف أمسيت مما يزرع الود في فؤاد الكريم
3: 293 وإذا ألم خيالها طرفت عيني فماء شئونها سجم
3: 293 ساعة أكبر النهار كما شـ ـد مخبل لبونة إعناما
3: 293 ذكر الرباب وذكرها سقم فصبا وليس لمن صبا حلم
1: 297 فمدافع الريان عرى رسمها خلقا كما ضمن الوحي سلامها
1: 297 رزقت مرابيع النجوم وصابها ودق الرواعد جودها فرهامها
1: 297 لمعقر قهد تنازع شلوه غبش كواسب ما يمن طعامها
1: 297 إذا هبطا الأرض المخوف بها الردى يخفض من جأشيهما منصلاهما
1: 297 لم يشج قلبي ملحوادث إلـ لا صاحبي المتروك في تغلم
1: 298 في باذخات من عماية أو فعه دون السماء خيم
1: 303 أين الغزالي المستعير من النقا كفلا ومن نور الأفاحي مبسما
1: 306، 2: 332 فقمت للطيف مرتاعا وأرقني فقلت أهي سرت أم عادني حلم
2: 314 بطل كأن ثيابه في سرحة يحذى نعال السبت ليس ينؤم
3: 318 لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت سعيدا فأضحى قد قلى كل مسلم
1: 319 ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر تنبو الحوادث عنه وهو ملموم
3: 327، 328 ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ولو رام أسباب السماء بسلم
1: 331، 2: 295 فأصبحت بعد خط بهجتها كأن فقرا رسومها قلما
1: 333 وما كنت أخشى الدهر إحلامن مسلم من الناس ذنبا جاءه وهو مسلما
2: 338 أسلمتموها فباتت غير طاهرة منى الرجال على الفخذين كالموم
1: 345 نعمة الله فيك لا أسأل اللـ ـه إليها نعمي سوى أن تدوما
2: 372 لو قلت ما في قومها لم تبثم يفضلها في حسب وميسم
2: 388 ألا يا نخلة من ذات عرق عليك ورحمة الله السلام
2: 401 وكنت أرى زيدا كانا سدا إذا أنه عبد القفا واللهازم(3/424)
2: 405 وفاؤكما كالريع أشجاه طاسمه بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه
2: 406 كأن برذون أبا عصام زيد حمار دق باللجام
2: 407 هما أخوا في الحرب من لا أخا له إذا خاف يوما نبوة فدعاهما
2: 416 لقد ولد الأخيطل أم سوء على باب استها صلب وشام
1: 71، 2: 417 فمضى وقدمها وكانت عادة منه إذا هي عردت إقدامها
2: 419 مشين كما اهتزت رماح تنسمت أعاليها مر الرياح النواسم
3: 420 على قبضة موجوءة ظهر كفه فلا المرء مستحي ولا هو طاعم
2: 422 فيا ليت داري بالمدينة أصبحت بأجفار فلج أو بسيف الكواظم
2: 429 تذكرت أرضا بها أهلها أخوالها فيها وأعمامها
2: 432 قد سالم الحيات منه القدما الأفعوان والشجاع الشجعما
2: 434 فعلا فروع الأيهقان وأطفلت بالجهلتين ظباؤها ونعامها
2: 443 سقته الرواعد من صيف وإن من خريف فلن يعدما
2: 445 عشية سال المربدان كلاهما صحابة موت بالسيوف الصوارم
2: 460 أبا ظبية الوعاء بين جلاجل وبين السقا آأنت أم أم سالم
2: 465 سائل فوارس يربوع بشدتنا أهل رأونا بسفح القف ذي الأكم
ن-
1: 25 لو تعقل الشجر التي قابلتها مدت محبية إليك الأغصنا
3: 27 ولى نفس أقول لها إذا ما تنازعني لعلي أو عساني
1: 32 أذكر من جارتي ومجلسها طرائفا من حديثها الحسن
1: 32، 3: 284 وحوراء المدامع من معد كأن حديثها ثمر الجنان
3: 39 أقول وقد تلاحقت المطايا كذاك القول إن عليك عينا(3/425)
3: 40 إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين
1: 41 بنى البناة لنا مجدا ومأثرة لا كالبناء من الآجر والطين
3: 71 وخلطت كل دلاث علجن تخليط خرقاء اليدين خلين
7: 81، 3: 276 غدا مالك يرمي نسائي كأنما نسائي لسهمي مالك غرضان
2: 85 فسحت دموعي في الرداء كأنما كل من شعيب ذات سح وتهتان
3: 93 حدبدبي يدبدبي منكم لان إن بنى فزارة بن ذيهان
2: 186، 3: 109 أني جزوا عامرا سوءا بفعلهم أم كيف بجزونني السوءى من الحسن
3: 110 وما إن طينا جبن ولكن منايانا ودولة آخرينا
3: 122 قد دنا الفصح فالولائد ينظمـ ـن سراعا أكلة المرجان
2: 123 أناس لا يملون المنايا إذا دارت رحى الحرب الزبون
2: 125 وماء قد وردت أمسيم طام عابه الطير كالورق اللجين
1: 129 فظلت لدى البيت العتيق أخيله ومطواي مشتاقان له أرقان
2: 137 أبدو فيسجد من بالسوء يذكرني ولا أعاتبه صفحا وإهوانا
3: 137 فلست بمدرك ما فات مني بلهف ولا بليت ولا لواني
2: 146 أأن زم إجمال وفارق جيرة وصاح غراب البين أنت خزين
2: 159 كأن عيني وقد بانوني غربان في جدول منجنون
3: 103 إن المنايا يطامـ ـن على الأناس الآمنينا
1: 161 مهلا أعاذل قد جربت من خلفي أني أجود لأقوام وإن ضننوا
3: 169 أفاطم قبل بينك نوليني ومنعك ما سألت كأن تبيني
3: 170 هل تعرف الدار بيبدا إنه دار لخود قد تعفت إنه
3: 176 قد علمت إن لم أجد معينا لأخلطن بالخلوق طينا
3: 179 فإن تعافرا العدل والإيمانا فإن في أيماننا نيرانا
2: 182 أثور ما أصيدكم أم ثورين أم تيكم الجماء ذات القرنين(3/426)
2: 196 كأنا يوم قرى إنـ ـا نقتل إبانا
2: 202 تنام ويذهب الأقوام حتى يقال أتوا على ذي بليان
3: 204 لقد منيت بهزنبزان لقد نسيت غفل الزمان
3: 215 بثين الزمي لا إن لا إن لزمته على كثرة الواشين أي معون
3: 219 مطاريح بالوعث مر الحثو ر هاجرن رماحة زيزفونا
3: 219 طال ليلى وبت كالمجنون واعترتني الهموم بالماطرون
3: 219 ويخفي بفيحاء مغيرة نخال القتام به الماجشونا
1: 218 إني وإن كنت صغيرا سني وكان في العين تبو عني
2: 249 لما رأيت محمليه أنا مخدرين كدت أن أجنا
1: 248 العين تبدي الذي في نفس صاحبها من العداوة أو ود إذا كانا
3: 257 إذا ما راية رقعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
2: 251، 3: 256 أرفعن أذيال الحقي واربعن مشى حبيات كأن لم يفزعن
1: 255 يجو من قسا ذفر الحزامي تداعى الجر بياء به الحنينا
3: 257 أصم دعاء عاذلني تحجي بآخرنا وتنسى أولينا
2: 260 قد جعل النعاس يغرنديني أدفعه عني ويسرندبني
1: 262 قد كان قومك يحسبونك سيدا وإخال أنك سيد معبون
2: 281، 3: 284 ألا إنما ليل عصا خيزرانة إذا غمزوها بالأكف تلين
2: 283 من يفعل الحسنات الله يشكرها والشر بالشر عند الله مثلان
2: 290 لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب عني ولا أنت دياني فتحزوني
1: 297 أبعدك الله من قلب نصحت له في حب جمل ويأبى غير عصياني
1: 302 خلقت غير خلقة النسوان إن فمت فالأعلى قضيت بان
3: 309 سمين الضواحي لم تؤرقه ليلة وأنعم أبكار الهموم وعونها
3: 320 فلا تصلي بمطروق إذا ما سرى في القوم أصبح مستكينا(3/427)
1: 327 ألا حييت عنا يا مدينا وهل بأس بقول مسلمينا
1: 329 مزائد خرقاء اليدين مسيفة يخب بها مستخلف غير آثن
3: 323، 335 ولقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت ممت قلت لا يعتبني
2: 340 رجلان من ضبة أخبرانا أنا رأينا رجلا عريانا
1: 346 أيا لموت الذي لا بد أني ملاق لا أباك تخوفيني
1: 347 فلما تبين أصواتنا بكين وفديننا بالأبينا
2: 366 إذ نحن في غرة الدنيا وبهجتها والدار جامعة أزمان أزمانا
2: 394 لا خير في طمع بدني إلى طبع وغفة من قليل العيش تكفيني
2: 398 أمرت من الكتان خيطا وأرسلت رسولا إلى أخرى جريا يعينها
2: 408 يطفن بحوذي المرائع لم يرع بواديه من قرع القسي الكنائن
2: 420 قد صرح السير عن كتمان وابتذلت وقع المحاجن بالمهرية الذقن
2: 434 إذا ما الغانيات برزن يوما وزججي الحواجب والعبونا
2: 463 أبلغ كليبا وأبلغ عنك شاعرها أني الأغر وأنى زهرة اليمن
2: 463 ألم تكن في رسوم قد رسمت بها من حان موعظة يا زهرة اليمن
هـ-
2: 20 وأشرب الماء ماء نحوه عطش إلا لأن عيونه سيل واديها
1: 24، 2: 167 بينما نحن مرتعون بفلج قالت الدلح الرواء إنيه
3: 60، 61، 319 إني لأكني بأجيال عن اجبلها وباسم أودية عن اسم واديها
3: 79 تمد بالأعناق أو تلويها وتشتكي لو أننا نشكيها
7: 125 صاحب الحاجة أعمي لا يرى إلا قضاها
2: 248 شلت يدا فارية فرتها وفقئت عين التي أرتها
2: 250 كأن فاها واللجام شاحية جنوا غبيط سلس نواحيه(3/428)
1: 268، 3: 153 في كل يوم ما وكل لبلاء حتى يقول كل راء إذ راء
1: 303 في طلعة الشمس شيء من ملاحتها والقضيب نصيب من شنيها
2: 313، 391 إذا رضيت على بنو قشير لعمر الله أعجبني رضاها
1: 317 هل صروف الدهر أو دولاتها يدلنا اللمة من لماتها
3: 366 ما هو إلا الموت يغلي غاليه مختلطا سافله بعاليه
2: 433 علفتها تيتا وماء باردا حتى شتت همالة عيناها
و2: 106 تبدل خليلا بي كشكلك شكله فإني خليلا صالحا بك مقتو
2: 261 وكم موطن لولاي طحت كما هوى بأجرامه من قلة النبق منهو
2: 385 جمعت وفحشا غيبة ونميمة ثلاث خصال لست عنها بمرءو
ي-
1: 9 قد عجبت مني ومن يعبليا لما رأتني خلقا مقلولبا
3: 56 ولا الخزق منه يرهبون ولا الحنى عليهم ولكن هيبة هي ماهيا
2: 114 كأن متنيه من النفي مواقع الطير على الصفى
3: 344، 3: 120 من آل أبي موسى ترى الناس حوله كأنهم الكروان أبصرن بازيا
1: 119 يحوذهن وله حوذي كما يحوذ الفئة الكمي
1: 134 متى أنام لا يؤرقني الكرى ليلا ولا أسمع أجراس المطى
3: 155 تفاذفه الرواد حتى رموا به ورا طرق الشأم البلاد الأقصايا
1: 177، 2: 343، 426 فأبلوني بليتكم لعلي أصالحكم وأستدرج نويا
1: 178 يطوف بي عكب في ممد ويطعن بالصملة في قفيا
1: 210 موالي حلف لا موالي قرابة ولكن قطينا يحلبون الأتاويا(3/429)
1: 212 له ما رأت عين البصير وفوقه سماء الإله سبع سمائيا
3: 223 فإياكم وحية بطن واد همور الناب ليس لكم بعد
2: 250 إليك أشكو مشيها تدافيا مشى العجوز تقل الأثافيا
3: 277 ألكني إليها عمرك الله يا فتى بآية ما جاءت إلينا تهاديا
1: 293، 2: 378 ولاعب بالعشى بنى بنيه كفعل الهر يحترش العظايا
2: 304 باتت تنرى دلوها تنزيا كما تغزى شهلة صبيا
1: 316 ألم تكن حلفت بالله العلي إن مطاياك لمن خير المطى
1: 371، 3: 319 أما ابن طوق فقد أو في بذمته كما وفي بقلاص النجم حاديها
2: 305، 426 بدالي أني لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئا إذا كان جائيا
1: 333 يا إبلي ما ذامه فنأبيه إ ماء رواه ونصي حوليه
2: 360 يا مرحباه بحمار ناجيه إذا أني قربته للسانيه
2: 371 فلم يبق منها سوى هامد وغير الثمام وغير النؤى
2: 374 متعمة تصون إليك منها كصونك من رداء شرعي
2: 435 فإن كان لا يرضيك حتى تردني إلى قطرى لا إخالك راضيا
2: 450 فقد يحمع الله الشتيئين بعد ما بظتان كل الظن أن لا تلاقيا
2: 462 ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث إلى ذاكما ما غيبتني غيابيا(3/430)
أنصاف الأبيات:
أ-
3943/ وحي بكر طعنا طعنة فجرى
3: 244/ وكل شيء بلغ الحد انتهى
1: 337/ ألا هل أتاها والحوادث كالحصى
2: 339/ لا حطب القوم ولا القوم سقى
ء-
3: 46/ هيهات من منخرق هيهاؤه
2: 171/ بنيت معاقها على مطوائها
2: 224/ أو مجن عنه عربت أعراؤه
1: 242/ ملك المنذر بن ساء السماء
1: 281: 2/ كأنها رقد رآها السراء
2: 255
1: 312/ وحاتم الطائي وهاب المئي
ب-
3: 33/ ومثلي لا ننبو عليك مضاربه
3: 51/ يرد فلخا وهديرا زغديا
1: 97/ أتعرف رسما كطراد المذاهب
2: 116/ ينحزن من جانبيها وهي تنسلب
3: 150/ وجله حتى أبياض مليه
3: 172/ إني امرؤ لم أنوشع بالكذب
1: 172/ وقولي إن أصبت لقد أصابا
1: 194/ إلى غير موثوق من الأرض تذهب
2: 196/ بحوران يعصرن السليط أقاربه
2: 196/ فلن الجواري ما ذهبت مذهبا
2: 209/ مواعيد عرقوب أخاه بيثرب
1: 262/ وكأنها تفاحة مطبوبة
3: 276/ أنا أبوها حين تستبغي أبا
2: 393/ هل أنت عن طلب الأيقاع منقلب
1: 319/ بقاء الوحي في الصم الصلاب
3: 330
3: 431/ أنا الحباب الذي يكفي سمي نسبي
3: 341/ ومن يصفك فقد سماك للعرب
2: 369/ بني شاب قرناها تصر وتحلب
2: 414/ فتسلي ولا عفراء منك قريب
2: 421/ فالقطبيات فالذنوب
2: 493/ جارية من قيس ابن ثعلبه
ت-
3: 210/ ويأكل الحية والحيوتا
3: 239/ فهن يعلكن حدائداتها(3/431)
1: 305/ بل جوز تيهاء كظهر الجحفت
2: 100
3: 307/ ألا ينجو الشيخ الغيور بناته
ج-
1: 6/ تواضخ التقريب قلوا مفلجا
2: 54/ ركبت أخشاه إذا ما أججا
2: 342/ فاحذر ولا تكثر كريا أعوجا
3: 98
1: 172/ من طلل كالأتخمي أنهجا
1: 173/ متخذا من ضعوات تولجا
3: 197/ يطعمها اللحم رشحما أمهجا
3: 198/ وعرضوا المجلس محضا ماهجا
2: 212/ ومهمة هالك من تعرجا
2: 234/ إذا حجاجا مقلتيها هججا
2: 272/ طرنا إلى كل طوال أعوجا
1: 367/ جأبا ترى بلنه مسجعا
3: 297
1: 304/ على جمالية كالفعل هملاج
ح-
3: 135/ درامي الأيد يخبطن السريحا
2: 172/ ومبلغ نفس عذرها مثل منجح
د-
1: 15، 22/ وجرح اللسان كجرح اليد
1: 17/ وخفان لكامن للقلع الكبد
2: 311/ وإن شتتم تعاودنا عوادا
3: 23
3: 32/ يدعونني بالماء ماء أسودا
2: 48/ مستحقين فؤادا ماله فاد
3: 153/ هوى جند إبليس المريد
3: 174/ وأخلفوك عدا الأمر الذي وعدوا
1: 241/ وبذاك خبرنا الغراب الأسود
3: 256/ فمضى وأخلف من قتيلة موعدا
3: 283، 299/ والجيد من أدمانة عنود
2: 335، 341/ ولكني لم أجد من ذلكم بدا
2: 335/ ضربا أليما يسبت يلعج الجلدا
2: 363/ لما تزل برحالنا وكأن قد
3: 133
2: 363/ إذا قيل مهلا قال حاجزه قد
2: 366/ وقد علتني ذرأه بادي بدي
2: 367/ كأن في الفرش القتاد العاردا
ذ-
1: 98/ كبعض من مر عن الشذاذ
ر-
2: 25/ كما تطاير عن مأنوسة الشرر
2: 97/ تقضي البازي إذا البازي كسر
2: 122/ وارضوا بإحلاية وطب قد خزر(3/432)
1: 133/ أنت فانظر لأمي حال تصير
2: 138/ وتلقيا رباجيا فخورا
2: 146، 271/ ونفخوا في مدائنهم فطاروا
1: 196، 3: 166، 329/ وكحل العينين بالعواور
3: 184/ طاف والركب بصحراء يسر
2: 205/ فإنما هي إقبال وإدبار
3: 192
2: 341، 440، 3: 211/ بسبحل الذفين عيجور
3: 211/ قبحتم يا ظربا مجحرد
3: 204/ غض نجارى طيب عنصري
3: 318/ مثل آل صعفوق وأتباع أخر
2: 224/ أبصر خزيان فضاء فانكدر
3: 233/ يا لك من قبرة بمصر
2: 262، 265/ قد جبر الدين الإله فجبر
1: 273، 275، 3: 302/ فكثر في علقى وفي مكرر
3: 282/ كمشتري بالجمد أحمرة بترا
3: 294/ أبت هذه النفس إلا اذكارا
3: 305، 326/ حتى إذا اصطفوا له جدارا
2: 337/ جردوا منها وراها أو شقر
3: 340/ أنا أبو النجم وشعري شعري
1: 352/ من بعض ما يعتري قلبي من الدكر
2: 370/ على كالقطا الجوني أفزعه الزجر
2: 415/ ككون النار في حجره
2: 434/ يذهبن في نجد وغورا غائرا
2: 479/ في بئر لا حور سرى وما شعر
2: 492/ على رءوس كرءوس الطائر
ز-
2: 155/ أو بشكي وخد الظليم النز
3: 231/ ورمت لهاؤمها من الخزباز
س-
1: 12/ وكانت لقوة لانت قببا
1: 96، 3: 19/ وفاحم دوري حتى أعلنكا
2: 57، 148/ قد درديت والشيخ درديس
2: 64/ والبكرات الفسج العطامسا
2: 96/ قرع يد اللعابة الطسيسا
2: 224/ وقرعن تابك قرعة بالأضرس
3: 212
1: 236/ أهل الرباط البيض والقلنسي
2: 254، 340/ فبات منتصبا وما تكردسا
1: 361/ يا صاح هل تعرف رسما مكرسا
1: 361، 362، 1: 301/ تقاعس العز بنا فاقعنسا(3/433)
ص-
1: 7/ أفب كمقلاء الوليد لخميص
ض-
2: 420/ طول الليالي أسرعت في نفضي
ع-
3: 31/ وأدمج دمج ذي شطن بديع
3: 32/ مثلي لا يحسن قولا فعفع
1: 114/ صدر النهار يراعي ثيرة رتعا
1: 136/ إذ يرفع الآل رأس الكلب فارتفعا
3: 153/ إن لم أقاتل فالبسوني برفعا
3: 210/ على سمر طول نياف شعشع
3: 222/ بادرت طبختها لرهط جيع
2: 212/ وقد وضعت خدا على الأرض أضرعا
2: 223/ وبعد عطائك المائة الرتاعا
1: 362/ ترافع العز بنا فارفنععا
3: 301
2: 209/ أرمي عليها وهي فرع أجمع
2: 311/ ولبس بأن تتبعه اتباعا
1: 369/ تحية بينهم ضرب وجيع
2: 482/ وأنف الفتى من أنفه وهو أجدع
ف-
1: 31، 81، 247، 2: 363/ قلنا لها قفى لنا قالت قاف
2: 49/ وتسويف العدات من السواق
2: 212/ والشمس قد كادت تكون دنفا
1: 223/ صرهفنه من ما شئت من سرهاف
2: 304
1: 262/ والمسك في عنبره مدووف
2: 270/ كفى بالنأى من أسماء كاف
2: 294/ بغير لا عصف ولا اصطراف
2: 317/ نفي الدراهيم تنقاد الصياريف
2: 336/ وحامل المين بعد المين والألف
2: 356، 378/ وما كل من وافي مني أنا عارف
ق-
1: 9/ جاءت به عنس عن الشأم تلق
3: 294
2: 342/ قالت سليمي اشتر لنا سويقا
3: 98
3: 136/ حي إذا بلت حلاقيم الحلق
2: 139/ مستوسقات لو يجدن سائقا
2: 223/ مثيرة العرقوب إشفى المرفق
3: 198
1: 228/ مذمة الأجوار والحقوق
3: 256/ وأهيج الخلصاء من ذات البرق
3: 286/ بساباط حتى سأت وهو محزرق(3/434)
1: 307/ كأن أيديهن بالفاع الفرق
2: 293
2: 414/ بأعين أعداء وهن صديق
2: 424/ ترى جوانبها بالشحم مفتوقا
ك-
1: 90/ دار لسعدي إذه من هواكا
2: 98/ يا أبتا علك أو عساكا
2: 188/ على صد كالحنية بارك
1: 308/ إليك حتى بلغت إياكا
2: 196
2: 336/ خاف العيون فلم ينظر به الحشك
2: 336/ ماء بشرقي سلمى فيد أوركك
ل-
3: 17/ وإذا هم نزلوا فمأوى العهل
3: 17/ كأنها قلب عادية مكل
3: 38/ ولقد يسمع قولي حيهل
1: 44/ وهل تطيق وداعا أيها الرجل
3: 53/ شاو مشل شلول شلشل شول
2: 132، 3: 70/ / يبري لهامن أيمن وأشمل
1: 97/ يتركن شذان الحصى جوافلا
1: 91/ يدير عيني مصعب مستقبل
3: 89، 95/ الحمد لله العلى الأجلل
1: 162/ تشكر الرجى من أظلل وأظلل
3: 89
3: 125/ منها المطافيل وغير المطفل
3: 125/ جنى النحل في ألبان عوذ مطافل
3: 132/ وأنك مهما تأمري القلب يفعل
3: 137/ مثل النقا لبده ضرب الطفل
1: 138/ فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
2: 147/ وقال أضرب الساقين أمك هابل
3: 143
3: 173/ وإذا مضى شيء كأن م يفعل
1: 193/ كبير أناس في بجاد مزمل
3: 224
1: 195/ تسمع من شذانها عواولا
2: 205/ وهن من الإخلاف قبلك والمطل
3: 263
3: 209/ وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي
2: 222/ بمنجرد فيه الأوابد هيكل
3: 224/ كأن فسج العنكبوت المرمل
1: 230/ لما رأتني خلفا إنقحلا
1: 236/ وبيض القلنسي من رجال أطاول
1: 236/ حتى تقضي عرق الدلى
3: 340/ عقابين يوم الدجن تعلو وتسفل
3: 264/ خليلي هذا ربع عزة فأعقلا
2: 264/ من لي من هجران ليلى من لي(3/435)
2: 266/ قالت حيل
3: 269/ منه صفيحة وجه غير جمال
1: 271/ في سرطم هاد وعنق عرطل
1: 272/ ركب في ضخم الذفاري قنديل
3: 274/ أنا أبو برة إذ جد الوهل
3: 277/ بألوك فبذلتا ما سأل
2: 29/ أبا ثبيت أما تفك تأتكل
2: 295/ رهط مرجوم ورهط ابن المعل
1: 311/ ولاك اسقني إن كان ملوك ذا فضل
1: 302/ ولا ذاكر الله إلا قليلا
3: 319/ أنك يا معاو يابن الأفضل
1: 326/ أجنبه المساند والمحالا
1: 328/ ومسنزل ليس لنا بمنزل
1: 344/ وتترك أخرى فردة لا أخالها
2: 361/ ببازل وجناء أو عيهل
2: 365/ كجلمود صخر حطه السيل من عل
2: 365/ أفب من تحت عريض من عسل
1: 369/ كأن صوت الصبح في مصلصله
2: 399/ كفاني ولم أطلب قليل من المال
2: 442/ رب هيضل لجب لففت بهيضل
2: 443/ أن هالك كل من يحفي وينثعل
2: 476/ وهل تطيق وداعا أيها الرجل
2: 491/ وكنت لق تجري عليك السوائل
2: 494/ لعزة موحشا طلل
م-
1: 14/ عليها الشيخ كالأسد الكليم
3: 38/ يأيها الناس إلا هلمه
1: 38/ يوائم رهطا للعروبة صيما
1: 65، 3: 78، 476/ مروان مروان أخر اليوم اليمنى
1: 76، 2: 219/ إذا اعوججن قلت صاحب قوم
3: 81/ من المعازب مخطوف الحشا زرم
2: 99/ وآخذ من كل حي عصم
2: 137/ أو الفا مكة من ورق الحمى
1: 145/ فأنه أهل لأن يؤكرما
2: 143/ ... ويظلم أحيانا فيظطلم
2: 167/ كالبحر يدعو هيفما وههفما
1: 171/ يا حبذا عبنا سليمى والقما
2: 198، 281/ يا دار سلمى يا اسلمي ثم اسلمي
2: 208/ وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
1: 262/ يوم رذاذ عليه الدجن مغيوم
3: 214/ ياليتها قد خرجت من فمه
3: 215/ ليوم روع أو فعال مكرم
2: 265/ أفيضا دما إن الرؤابا لها قيم
2: 313/ بال بأسماء اليل يسمى(3/436)
2: 319، 343/ أو يرتبط بعض النفوس حمامها
3: 325، 326/ ولم يضع جاركم لحم الوضم
1: 340/ ظلمت ولكن لا يدي لك بالظلم
2: 419/ كما شرقت صدر القناة من الدم
2: 402/ كمينا الأعالي جوفتا مصطلاهما
2: 438/ من نسج داود أبي سلام
2: 455/ عليم بما أعيا النطاصي حذيما
2: 492/ وتترك أموال عليها الخواتم
ن-
1: 24/ امتلأ الحوض وقال فطني
3: 41/ فيغيفون ونرجع السرعانا
3: 51/ فدنا إلى الشام جياد المصرين
2: 75/ يا عمر الخبر جزيت الجنة
1: 82/ درس المنا بمنالع فأبان
2: 439
2: 100/ ولا تبقي خمور الأندرينا
3: 163، 295/ جول التراب فهو جيلاني
1: 290، 3: 177/ إذا ما الماء خالطها سخينا
3: 205/ ألا يا ديار الحي بالسيعان
2: 205/ وهن من إلا خلاف والولعان
3: 262
2: 214/ ماء الجليج مده خليجان
2: 487/ ما بال عبني كالشعيب العين
3: 217
3: 239/ قد جرت الطير أيامنيتا
1: 258/ أني أجود لأقوام وإن ضننوا
2: 272/ طاروا إليه زراقات ووحدانا
2: 295، 319/ وصافي العجاج فيما وصني
2: 305/ متى كنا لأتك مقتوينا
2: 312، 437/ كيف تراني قالبا مجي
3: 318/ يعرضن إعراضا لدين المفتن
3: 330/ ارهن بنيك عنهم أرهن بني
2: 335/ وذي ولد لم يلده أبوان
1: 360/ في خدر مياس الدمي معرجن
2: 370/ وصالبات ككما يؤتقين
2: 423/ رءوس كبيريهن ينتطحان
2: 424/ فكن مثل من ياذئب يصطحبان
هـ-
3: 46/ فأولى لنفسي أولى لها
1: 7/ وأنا في الضراب قيلان القله(3/437)
1: 33/ ولكل قوم سنة وإمامها
2: 185/ في غائلات الحائر المنوه
2: 271/ طاروا علاهن فطر علاها
2: 308/ يا دار هند عفت إلا أثافيها
2: 293
343، 366
3: 231/ وهم إذا الخيل جالت في كوانبها
1: 269/ جلب المندى شز المعؤء
ي-
3: / كما تدانى الحدأ الأوى
3: 106، 208/ والدهر بالإنسان دراري
3: 106، 208/ غضف طواها لأمس كلابي
2: 131، 479، 495/ لات به الأشاء والعبري
2: 133/ ظل لها يوم الشعري أزي
1: 334/ سماء الإله فوق سبع سمائيا
2: 350
2: 350/ أهبي التراب فوقه إهبابا
2: 495/ كفى الشهب والإسلام للمرء نأهيا(3/438)