936 -
(وَصَلتْ وَلم أَصْرمْ مُسِبِّبينَ أُسْرَتِي ... )
أم مجرورا بِحرف زَائِد نَحْو مَا جَاءَ عَاقِلا من أحد وَكفى معينا بزيد أَو أُصَلِّي نَحْو {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّة للنَّاس} [سبأ: 28] هَذَا هُوَ الْأَصَح فِي الْجَمِيع أما الْمَجْرُور بِالْإِضَافَة فَلَا يجوز تَقْدِيم الْحَال عَلَيْهِ كعرفت قيام هِنْد مسرعة فَلَا يقدم (مسرعة) على (هِنْد) لِئَلَّا يفصل بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ وَلَا على (قيام) الَّذِي هُوَ الْمُضَاف لِأَن نِسْبَة الْمُضَاف إِلَيْهِ من الْمُضَاف كنسبة الصِّلَة من الْمَوْصُول فَلَا يقدم عَلَيْهِ شَيْء من معمولاته وَسَوَاء كَانَت الْإِضَافَة مَحْضَة كالمثال أم غير مَحْضَة نَحْو هَذَا شَارِب السويق ملتويا الْآن أَو غَدا كَمَا قَالَ ابْن هِشَام فِي (الْجَامِع) إِنَّه الْأَصَح وَأَجَازَ ابْن مَالك فِي الثَّانِي تَقْدِيم الْحَال على الْمُضَاف لِأَن الْإِضَافَة فِي نِيَّة الِانْفِصَال كَذَا ذكره فِي (شَرّ ح التسهيل) لكنه نقل ذَلِك فِي (شرح الْعُمْدَة) عَن بعض النَّحْوِيين وَقَالَ الْمَنْع عِنْدِي أولى وَمنع أَكثر النَّحْوِيين مِنْهُم الْبَصرِيين تَقْدِيم الْحَال على صَاحبهَا الْمَجْرُور بِحرف غير زَائِد سَوَاء كَانَ ظَاهرا أَو ضميرا فمنعوا مَرَرْت ضاحكة بهند ومررت ضَاحِكا بك وتأولوا الْآيَة بِأَن (كَافَّة) حَال من الْكَاف وعللوا الْمَنْع بِأَن تعلق الْعَامِل بِالْحَال ثَان لتَعَلُّقه بِصَاحِبِهِ فحقه إِذا تعدى لصَاحبه بِوَاسِطَة أَن يتعدي إِلَيْهِ بِتِلْكَ الْوَاسِطَة لَكِن منع من ذَلِك خوف التباس الْحَال بِالْبَدَلِ وَأَن فعلا وَاحِدًا لَا يتَعَدَّى بِحرف بِحرف وَاحِد إِلَى شَيْئَيْنِ فَجعلُوا عوضا من الْإِشْرَاك فِي الْوَاسِطَة الْتِزَام التَّأْخِير وَبِأَن حَال الْمَجْرُور بِحرف شبية بِحَال عمل فِيهِ حرف جر مضمن معنى الِاسْتِقْرَار نَحْو زيد فِي الدَّار مُتكئا فَكَمَا لَا يجوز تَقْدِيم الْحَال على حرف الْجَرّ فِي مثل هَذَا لَا يقدم عَلَيْهِ هُنَا وَجوز الكوفية التَّقْدِيم إِن كَانَ صَاحب الْحَال ضميرا أَو ظَاهرا وَالْحَال فعل نَحْو مَرَرْت تضحك بهند ومنعوه إِذا كَانَ ظَاهرا وَهِي اسْم(2/307)
وَنقل ابْن الْأَنْبَارِي الْإِجْمَاع على الْمَنْع حِينَئِذٍ وَلَيْسَ كَذَلِك فقد قَالَ بِالْجَوَازِ مُطلقًا الْفَارِسِي وَابْن كيسَان وَابْن برهَان وَصَححهُ ابْن مَالك وَمنع الْكُوفِيُّونَ أَيْضا التَّقْدِيم على الْمَرْفُوع الظَّاهِر الْمُؤخر رافعه فَلَا يجيزون مسرعا قَامَ زيد ويجيزون قَامَ مسرعا زيد لتقدم الرافع وَمنع الْكُوفِيُّونَ أَيْضا التَّقْدِيم على الْمَنْصُوب الظَّاهِر سَوَاء كَانَ الْحَال اسْما أَو فعلا فَلَا يجيزون لقِيت راكبة هندا وَلَا لقِيت تركب هِنْد وعللوه بِأَنَّهُ يُوهم كَون الِاسْم مَفْعُولا وَمَا بعده بدل مِنْهُ وَجوزهُ بَعضهم إِذا كَانَت الْحَال فعلا لَا اسْما لانْتِفَاء توهم المفعولية إِذْ لَا يتسلط الْفِعْل على الْفِعْل تسلط الْمَفْعُول بِهِ وَفِي (شرح الْعُمْدَة) لِابْنِ مَالك وَمَا يمْتَنع فِيهِ تَقْدِيم الْحَال على صَاحبهَا أَن يكون مَنْصُوبًا بكان أَو لَيْت أَو لَعَلَّ أَو فعل تعجب أَو اتَّصل بصلَة (أل) نَحْو القاصدك سَائِلًا زيد أَو اتَّصل بِفعل مَوْصُول بِهِ حرف نَحْو أعجبني أَن ضربت زيدا مؤدبا وَلم يتَعَرَّض لذَلِك فِي (التسهيل) وَقد يعرض للْحَال مَا يُوجب تَقْدِيمهَا على صَاحبهَا كإضافته إِلَى ضمير ملابسها نَحْو جَاءَ زَائِرًا هِنْد أَخُوهَا وَجَاء منقادا لعَمْرو صَاحبه وَجعل قوم من ذَلِك اقتران صَاحب الْحَال بإلا نَحْو مَا قدم مسرعا إِلَّا زيد
تَقْدِيم الْحَال على عَامله
(ص) وعَلى عَامله وَثَالِثهَا يمْنَع فِي نَحْو رَاكِبًا زيد جَاءَ وَرَابِعهَا إِن كَانَت فِي ظَاهر وَفِي الْمُؤَكّدَة خلاف الْمصدر وَيمْتَنع إِن كَانَ الْعَامِل فعلا غير متصرف أَو صلَة لأل أَو حرفا أَو مصدرا قَالَ ابْن مَالك أَو نعتا أَو أفعل تَفْضِيل أَو اتَّصل بلام ابْتِدَاء أَو قسم أَو أفهم تَشْبِيها خلافًا للكسائي أَو ضمن معنى الْفِعْل لَا حُرُوفه كإشارة وتنبيه وتمن وترج أَو قرن الْحَال بِالْوَاو وَثَالِثهَا يجوز إِن كَانَ فعلا (ش) فِي تَقْدِيم الْحَال على عَملهَا مَذَاهِب أَحدهَا الْمَنْع مُطلقًا وَعَلِيهِ الْجرْمِي تَشْبِيها بالتمييز(2/308)
وَالثَّانِي الْجَوَاز مُطلقًا إِلَّا مَا يَأْتِي اسْتِثْنَاؤُهُ وَهُوَ الْأَصَح وَعَلِيهِ الْجُمْهُور قِيَاسا على الْمَفْعُول بِهِ والظرف وَالْفرق بَينه وَبَين التَّمْيِيز أَن الْحَال يقتضيها الْفِعْل بِوَجْه فَقدمت كَمَا تقدم سَائِر الفضلات وَقد ورد بِهِ السماع قَالَ تَعَالَى {خشعا أَبْصَارهم يخرجُون} [الْقَمَر: 70] وَسَوَاء كَانَت الْحَال مصدرا أَو غَيره مُؤَكدَة أم غير مُؤَكدَة وَفِي الْمُؤَكّدَة خلاف كالخلاف فِي الْمصدر الْمُؤَكّدَة وَمنع الْأَخْفَش رَاكِبًا زيد جَاءَ لبعدها عَن الْعَامِل وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب الثَّالِث وَالرَّابِع وَعَلِيهِ الْكُوفِيُّونَ إِن كَانَت الْحَال من مَرْفُوع ظَاهر تَأَخَّرت وتوسطت والرافع قبلهَا وَلم يتَقَدَّم على الرّفْع وَالْمَرْفُوع مَعًا فَلَا يجوز رَاكِبًا جَاءَ زيد لِأَنَّهَا عِنْدهم فِي معنى الشَّرْط فيؤول إِلَى تَقْدِيم الْمُضمر على الظَّاهِر لفظا ورتبة وَإِن كَانَت من مَرْفُوع مُضْمر جَازَ تَأْخِيرهَا وتوسيطها وتقديمها على الرافع وَالْمَرْفُوع مَعًا نَحْو قَائِما فِي الدَّار وَأَنت وراكبا جِئْت وَإِن كَانَت من مَنْصُوب ظَاهر أَو مجرور ظَاهر لم يجز تَقْدِيمهَا كالمرفوع وَلَا توسطها حذرا من توهم الْمَفْعُول أَو مُضْمر جَازَ التَّقْدِيم نَحْو ضَاحِكا لقيتني هِنْد وضاحكا مرت بِي هِنْد وعَلى الْأَصَح يسْتَثْنى صور لَا يجوز فِيهَا التَّقْدِيم مِنْهَا أَن يكون الْعَامِل فعلا غير متصرف نَحْو مَا أحسن هندا متجردة فَلَا يُقَال متجردة مَا أحسن هندا أَو صفة غير مَحْضَة أَو صلَة لأل نَحْو الجائي مسرعا زيد فَلَا يجوز المسرعا جَاءَنِي زيد بِخِلَاف صلَة غَيرهَا فَيُقَال من الَّذِي خَائفًا جَاءَ أَو صلَة لحرف مصدري نَحْو يُعجبنِي أَن يقوم زيد مسرعا فَلَا يجوز أَن مسرعا يقوم زيد أَو مصدرا نَحْو يُعجبنِي ركُوب الْفرس مسرجا أَو نعتا نَحْو مَرَرْت بِرَجُل ذَاهِبَة فرسه مكسورا سرجها فَلَا يُقَال بِرَجُل مكسورا سرجها ذَاهِبَة فرسه كَذَا قَالَه ابْن مَالك(2/309)
وَقَالَ أَبُو حَيَّان إِنَّه غَفلَة مِنْهُ ونصوص النَّحْوِيين على جَوَاز تَقْدِيم مَعْمُول النَّعْت عَلَيْهِ من مفعول بِهِ وَحَال وظرف ومصدر وَنَحْوهَا وَإِنَّمَا منعُوا تَقْدِيم الْمَعْمُول على المنعوت لَا على النَّعْت الْعَامِل فِيهِ فَيجوز فِي مَرَرْت بِرَجُل يركب الْفرس مسرجا مَرَرْت بِرَجُل مسرجا يركب الْفرس وَلَا يجوز مَرَرْت مسرجا بِرَجُل يركب الْفرس قَالَ وَأما الْمِثَال الَّذِي ذكره فَلم يمْتَنع فِيهِ تَقْدِيم (مكسورا سرجها) من جِهَة أَن الْعَامِل فِي (مكسورا) النَّعْت بل من جِهَة تَقْدِيم الْمُضمر على مَا يفسره وَقد نَص النحويون على منع تَقْدِيم الْمُضمر فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَا أشبههَا وَأَنه مِمَّا يلْزم فِيهِ تَأْخِير الْحَال إِذْ لَيْسَ من الْمَوَاضِع الَّتِي يُفَسر فِيهَا الْمُضمر مَا بعده وَمن الصُّور المستثناة أَن يكون الْعَامِل أفعل التَّفْضِيل نَحْو زيد أكفاهم ناصرا لانحطاطه عَن دَرَجَة اسْم الْفَاعِل وَالصّفة المشبهة فَأشبه الجوامد أَو مُتَّصِلا بلام الِابْتِدَاء أَو لَام الْقسم نَحْو لأصبر محتسبا وَالله لأقومن طَائِعا أَو مفهم تَشْبِيه نَحْو زيد مثلك شجاعا وَزيد زُهَيْر شعرًا وَزيد الشَّمْس طالعة وَالْمَنْع فِي هَذِه الصُّورَة مَذْهَب الْبَصرِيين وَأَجَازَ الْكسَائي التَّقْدِيم فَقَالَ زيد شجاعا مثلك وَزيد طالعة الشَّمْس وَمِنْهَا أَن يكون الْعَامِل غير فعل وَلَا وصف فِيهِ معنى الْفِعْل وحروفه وَهُوَ الجامد المتضمن معنى مُشْتَقّ ك (أما) فِي مثل أما علما فعالم أَو اسْم الْإِشَارَة (وحروف) التَّنْبِيه نَحْو هَذَا زيد قَائِما يجوز كَون الْعَامِل فِي الْحَال حرف التَّنْبِيه وَأَن يكون الْإِشَارَة فعلي تَقْدِير الأول يجوز هَا قَائِما ذَا زيد وَلَا يجوز على تَقْدِير الثَّانِي وكحرف التَّمَنِّي وَهُوَ لَيْت والترجي وَهُوَ لَعَلَّ وَمِنْهَا أَن يكون الْحَال جملَة مَعهَا وَاو نَحْو جَاءَ زيد وَالشَّمْس طالعة فَلَا يجوز وَالشَّمْس طالعة جَاءَ زيد وَأَجَازَهُ الْكسَائي وَالْفراء وَهِشَام مُطلقًا وَأَجَازَهُ بَعضهم إِذا كَانَ الْعَامِل فعلا(2/310)
إِذا كَانَ عَامل الْحَال أفعل التَّفْضِيل
(ص) واغتفر بل وَجب على الْأَصَح توَسط أفعل بَين حَالين وَإِنَّمَا يجيئان مَعَه لمختلفي حَال أَو ذَات وَالأَصَح أَنه يعْمل فيهمَا (ش) كَانَ الْقيَاس إِذا كَانَ الْعَالم أفعل التَّفْضِيل وَاقْتضى حَالين أَن يتَأَخَّر الحالان عَنهُ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ يَقْتَضِي حَالا وَاحِدَة وَجب تَأْخِيرهَا عَنهُ وَلَا ينْتَصب مَعَ أفعل التَّفْضِيل إِلَّا الْمُخْتَلف الذَّات مُخْتَلف الْحَالين نَحْو زيد مُفردا أَنْفَع من عَمْرو معانا أَو مُتَّفقا الْحَال نَحْو زيد مُفردا أَنْفَع من عَمْرو مُفردا أَو إِلَّا المتحد الذَّات مُخْتَلف الْحَالين نَحْو هَذَا بسرا أطيب مِنْهُ رطبا وَزيد قَائِما أَخطب مِنْهُ قَاعِدا وَاخْتلف فِي الْعَامِل فِي هذَيْن الْحَالين فَالْأَصَحّ أَنه أفعل التَّفْضِيل ف (بسرا) حَال من الضَّمِير المستكن فِي (أطيب) و (رطبا) حَال من ضمير (مِنْهُ) وَالْعَامِل فيهمَا (أطيب) وَذهب الْمبرد وَطَائِفَة إِلَى أَنَّهُمَا منصوبان على إِضْمَار كَانَ التَّامَّة صلَة ل (إِذْ) فِي الْمَاضِي و (إِذا) فِي الْمُسْتَقْبل وهما حالان من ضميرهما وَقيل على إِضْمَار (كَانَ) و (يكون) النَّاقِصَة وعَلى الحالية فالمسموع من كَلَام الْعَرَب توَسط (أفعل) بَين هذَيْن الْحَالين فاقتصر الْجُمْهُور على مَا سمع فَقَالُوا لَا يجوز تأخيرهما عَن أفعل وَلَا تَقْدِيمهَا عَلَيْهِ لِأَن الْقيَاس فِي أصل هَذِه الْمَسْأَلَة الْمَنْع لَوْلَا أَن السماع ورد بهَا إِذْ لَا يعْهَد نصب (أفعل) فضلتين بِدَلِيل أَنه لَا ينصب مفعولين فَلَمَّا وَردت أجريت كَمَا سَمِعت وَوَجهه الزّجاج بِأَنَّهُم أَرَادوا أَن يفصلوا بَين الْمفضل والمفضل عَلَيْهِ لِئَلَّا يَقع الالتباس وَلَا يعلم أَيهمَا الْمفضل فَلِذَا قدم الْمفضل وَأخر الْمفضل عَلَيْهِ وَأَجَازَ بعض المغاربة تَأْخِير الْحَالين عَن (أفعل) بِشَرْط أَن يَلِيهِ الْحَال الأولى مفصولة عَنهُ من الثَّانِيَة فَيُقَال هَذَا أطيب بسرا مِنْهُ رطبا وَزيد أَشْجَع أعزل من عَمْرو ذَا سلَاح(2/311)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا حسن فِي الْقيَاس لكنه يحْتَاج إِلَى سَماع أما التَّأْخِير على غير هَذَا الْوَجْه نَحْو هَذَا أطيب مِنْهُ بسرا رطبا أَو التَّقْدِيم نَحْو هَذَا بسرا مِنْهُ رطبا أطيب فَلَا يجوز بِإِجْمَاع
إِذا كَانَ عَامل الْحَال ظرفا أَو مجرورا
(ص) فَإِن كَانَ الْعَامِل ظرفا لم يقدم على الْجُمْلَة وَثَالِثهَا يجوز إِن كَانَ مثله وَفِي تقدمه عَلَيْهِ لَا الْجُمْلَة الْأَقْوَال وَرَابِعهَا يجوز إِن كَانَت من مُضْمر مَرْفُوع وَقَالَ ابْن مَالك إِن كَانَت مثله قوي وَإِلَّا ضعف فَإِن تَأَخّر الْمُبْتَدَأ جَازَ اتِّفَاقًا (ش) إِذا كَانَ عَامل الْحَال ظرفا أَو مجرورا فَفِي جَوَاز تَقْدِيم الْحَال على الْجُمْلَة الَّتِي مِنْهَا الظّرْف وَالْمَجْرُور أَقْوَال أَحدهَا وَهُوَ الْأَصَح الْمَنْع مُطلقًا وَحكى فِيهِ ابْن طَاهِر الِاتِّفَاق فَلَا يُقَال قَائِما فِي الدَّار زيد وَالثَّانِي الْجَوَاز وَعَلِيهِ الْأَخْفَش وَالثَّالِث وَعَلِيهِ ابْن برهَان التَّفْضِيل بَين أَن يكون الْحَال أَيْضا ظرفا وحرف جر فَيجوز تَقْدِيمهَا نَحْو: {هُنَالك الْولَايَة لله الْحق} [الْكَهْف: 44] ف (هُنَالك) ظرف مَكَان وَهُوَ حَال من ضمير (لله) الَّذِي هُوَ خبر (الْولَايَة) وَالْمَنْع فِي غير ذَلِك وَفِي توسطه بِأَن يقدم على الْعَامِل دون الْمُبْتَدَأ أَقْوَال أَحدهَا الْجَوَاز مُطلقًا وَصَححهُ ابْن مَالك نَحْو زيد مُتكئا فِي الدَّار وَزيد عِنْد هِنْد فِي بستانها وَالثَّانِي الْمَنْع مُطلقًا لضعف الْعَامِل وَعَلِيهِ الْجُمْهُور وَصَححهُ أَبُو حَيَّان ورد بِالسَّمَاعِ قَالَ تَعَالَى: {وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] وَالثَّالِث الْجَوَاز إِذا كَانَت من مُضْمر مَرْفُوع نَحْو أَنْت قَائِما فِي الدَّار وَالْمَنْع إِن كَانَت من ظَاهر وَعَلِيهِ الْكُوفِيُّونَ(2/312)
وَاخْتَارَ ابْن مَالك أَنه إِن كَانَت الْحَال اسْما صَرِيحًا ضعف التَّوَسُّط أَو ظرفا أَو مجرورا جَازَ التَّوَسُّط بِقُوَّة وَمحل الْخلاف مَا إِذا تقدم الْمُبْتَدَأ وَتَأَخر الْخَبَر فَإِن تَأَخّر الْمُبْتَدَأ وَتقدم الْخَبَر جَازَ توَسط الْحَال بَينهمَا بِلَا خلاف نَحْو فِي الدَّار عنْدك زيد وَفِي الدَّار قَائِما زيد
جَوَاز جعل مَا صلح للخبرية حَالا
(ص) وَإِن وَقع ظرف وَاسم يصلحان للخبرية فَإِن تقدم الظّرْف اختبر حَالية الِاسْم وَإِلَّا فخبريته وَقَالَ الْمبرد لَا فرق فَإِن تكَرر مُطلقًا رجحت الحالية وأوجبها الكوفية فَإِن كَانَ نَاقِصا فالخبرية مُطلقًا خلافًا لَهُم أَو تَامّ وناقص وبدئ بِأَيِّهِمَا جازا على الْأَصَح (ش) إِذا ذكر مَعَ الْمُبْتَدَأ اسْم وظرف أَو مجرور وَكِلَاهُمَا صالحان للخبرية بِأَن حسن السُّكُوت عَلَيْهِ جَازَ جعل كل مِنْهُمَا حَالا وَالْآخر خَبرا بِلَا خلاف لَكِن إِن تقدم الظّرْف أَو الْمَجْرُور على الِاسْم اختير عِنْد سِيبَوَيْهٍ والكوفيين حَالية الِاسْم وخبرية الظّرْف نَحْو فِيهَا زيد قَائِما لِأَنَّهُ من حَيْثُ تَقْدِيمه الأولى بِهِ أَن يكون عُمْدَة لَا فضلَة فَإِن لم يقدم اختير عِنْدهم خبرية الِاسْم نَحْو زيد فِي الدَّار قَائِم وَقَالَ الْمبرد التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير فِي هَذَا وَاحِد فَإِن كرر الظّرْف أَو الْمَجْرُور جَازَ الْوَجْهَانِ أَيْضا وَحكم برجحان الِاسْم تقدم الظّرْف أَو تَأَخّر لنزول الْقُرْآن بِهِ قَالَ تَعَالَى {وَأَمَّا الّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنَّةِ خَالِدينَ فِيهَا} [هود: 108] {فَكَانَ عاقبتهما أَنَّهُمَا فِي النَّار خَالِدين فِيهَا} [الْحَشْر: 17] وَادّعى الْكُوفِيُّونَ أَن النصب مَعَ التّكْرَار لَازم لِأَن الْقُرْآن نزل بِهِ لَا بِالرَّفْع وَأجِيب بِأَنَّهُ يدل على أَنه أَجود لَا وَاجِب على أَنه قد قرئَ فِي الْآيَتَيْنِ (خالِدون) و (خالِدين)(2/313)
فَإِن كَانَ الظّرْف أَو الْمَجْرُور غير مُسْتَغْنى بِهِ تعين خبرية الِاسْم وحالية الظّرْف مُطلقًا تكَرر أَو لَا نَحْو فِيك زيد رَاغِب وَزيد رَاغِب فِيك وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ نصب (رَاغِب) وَشبهه على الْحَال وَإِن اجْتمع ظرفان تَامّ وناقص جَازَ الرّفْع فِي النصب فِي الِاسْم سَوَاء بدأت بالتام نَحْو إِن عبد الله فِي الدَّار بك واثقا أَو واثق أَو نَاقص نَحْو إِن فِيك عبد الله فِي الدَّار رَاغِبًا أَو رَاغِب وَأوجب الْكُوفِيُّونَ الرّفْع فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّك حِين قدمت مَا هُوَ من تَمام الْخَبَر وصلته وَهُوَ (بك) و (فِيك) كَأَنَّك اخْتَرْت إِخْرَاج الِاسْم عَن الحالية إِلَى الخبرية (ص) مَسْأَلَة اخْتلف هَل يعْمل فِيهِ غير عَامل صَاحبه وَمنع السُّهيْلي عمل الْإِشَارَة والتنبيه وَأَبُو حَيَّان لَيْت وَلَعَلَّ وَبَعْضهمْ كَانَ وَالأَصَح جَوَاز تعدده لمفرد وَغَيره متفقين أَو لَا وَلَا يجمعان إِلَّا إِن صلح انْفِرَاد كل بالموصوف وَقيل يجوز فِي متضايفين وَفِي التَّفْرِيق يكون للأقرب وَالْمُخْتَار للأسبق وَلَا يفرد بعد (إِمَّا) وندر بعد (لَا) (ش) فِيهِ مسَائِل الأولى اخْتلف هَل يعْمل فِي الْحَال غير الْعَامِل فِي صَاحبه فالجمهور لَا كالصفة والموصوف وَجوزهُ ابْن مَالك بقلة كالتمييز والمميز وَالْخَبَر والمخبر عَنهُ وَخرج عَلَيْهِ: {إِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة} [الْأَنْبِيَاء: 92] ف (أمتكُم) صَاحب الْحَال وَالْعَامِل فِيهِ إِن وَفِي الْحَال الْإِشَارَة الثَّانِيَة تقدم أَن العوامل المعنوية تعْمل فِي الْحَال كإشارة وَنَحْوهَا(2/314)
وَمنع السُّهيْلي عمل حرف التَّنْبِيه فِي الْحَال فَقَالَ (هَا) حرف ومعني الْحُرُوف لَا يعْمل فِي الظروف وَالْأَحْوَال قَالَ وَلَا يَصح أَن يعْمل فِيهِ اسْم الْإِشَارَة لِأَنَّهُ غير مُشْتَقّ من لفظ الْإِشَارَة وَلَا من غَيرهَا وَإِنَّمَا هُوَ كالمضمر وَلَا يعْمل (هُوَ) وَلَا (أَنْت) بِمَا فِيهِ من معنى الْإِضْمَار فِي حَال وَلَا ظرف وَالْعَامِل فِي مثل هَذَا زيد قَائِما إِنَّمَا هُوَ (انْظُر) مقدرَة دلّ عَلَيْهَا الْإِشَارَة لِأَنَّك أَشرت إِلَى الْمُخَاطب لينْظر وَقَالَ أَبُو حَيَّان إِنَّه قريب لِأَنَّهُ فِيهِ أبقاء الْعَمَل للْفِعْل إِلَّا أَن فِيهِ تَقْدِير عَامل لم يلفظ بِهِ قطّ ثمَّ صرح بِاخْتِيَارِهِ وَاخْتَارَهُ أَيْضا صَاحب الْبَسِيط وَقَالَ أَبُو حَيَّان الصَّحِيح أَيْضا أَن (لَيْت) و (لَعَلَّ) وَبَاقِي الْحُرُوف لَا تعْمل فِي الْحَال وَلَا الظّرْف وَلَا يتَعَلَّق بهَا حرف جر إِلَّا (كَانَ) و (كَاف) التَّشْبِيه وَمنع بَعضهم عمل (كَانَ) أَيْضا فِي الْحَال نَقله صَاحب الْبَسِيط الثَّالِثَة يجوز تعدد الْحَال كالخبر والنعت سَوَاء كَانَ صَاحب الْحَال وَاحِدًا نَحْو جَاءَ زيد رَاكِبًا مسرعا أم مُتَعَددًا وَسَوَاء فِي المتعدد اتّفق إعرابه نَحْو جَاءَ زيد وَعَمْرو مُسْرِعين أم اخْتلف نَحْو لَقِي زيد عمرا ضاحكين هَذَا هُوَ الْأَصَح وَمذهب الْجُمْهُور وَزعم جمَاعَة مِنْهُم الْفَارِسِي وَابْن عُصْفُور أَن الْفِعْل الْوَاحِد لَا ينصب أَكثر من حَال وَاحِد لصَاحب وَاحِد قِيَاسا على الظّرْف وَاسْتثنى أفعل التَّفْضِيل فَإِنَّهُ يعْمل فِي حَالين كَمَا تقدم وَخَرجُوا الْمَنْصُوب ثَانِيًا على أَنه صفة للْحَال أَو حَال من الضَّمِير المستكن فِيهِ وَنسب أَبُو حَيَّان هَذَا القَوْل إِلَى كثير من الْمُحَقِّقين وعَلى الأول لَا يجمع الحالان حَتَّى يصلح انْفِرَاد كل وصف بالموصوف فَإِن اخْتلفَا فِي هَذَا الْمَعْنى لم يجمعا وَأَجَازَ الْكسَائي وَهِشَام أَن تَجِيء مَجْمُوعَة من مُضَاف ومضاف إِلَيْهِ نَحْو لقِيت صَاحب النَّاقة طليحين على أَن طليحين حَال من الصاحب والناقة(2/315)
وتخرجيه عندنَا على أَنه حَال من صَاحب النَّاقة وَمن الْمَعْطُوف الْمُقدر أَي والناقة لِأَن الْحَال كالخبر والمضاف إِلَيْهِ لم يقْصد الْإِخْبَار عَنهُ إِنَّمَا الْإِخْبَار عَن الْمُضَاف وَإِن تعدد ذُو الْحَال وتفرق الحالان نَحْو لقِيت زيدا مصعدا منحدرا حمل الْحَال الأول على الِاسْم الثَّانِي لِأَنَّهُ يَلِيهِ وَالْحَال الثَّانِي على الِاسْم الأول ف (مصعدا) لزيد و (منحدرا) للتاء كَذَا قَالُوهُ ووجهوه بِأَن فِيهِ اتِّصَال أحد الْحَالين بِصَاحِبِهِ وعود مَا فِيهِ من ضمير إِلَى أقرب مَذْكُور واغتفر انْتِقَال الثَّانِي وعود ضَمِيره على الْأَبْعَد إِذْ لَا يُسْتَطَاع غير ذَلِك وَيجوز عكس هَذَا مَعَ أَمن اللّبْس فَإِن خيف تعين الْمَذْكُور أَولا وَفِي (التَّمْهِيد) الْعَرَب تجْعَل مَا تقدم من الْحَالين للْفَاعِل الَّذِي هُوَ مُتَقَدم وَمَا تَأَخّر للْمَفْعُول وَلَو جعلت الآخر للْأولِ لجَاز مَا لم يلبس قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا الَّذِي ذكره صَاحب التَّمْهِيد مُخَالف لما قرر غَيره قلت وَهُوَ الْمُخْتَار عِنْدِي وَمِنْه قَوْله: 937 -
(خرجْتُ بهَا أَمْشِي تَجُرُّ وَرَاءَنا ... على أَثَريْنا ذَيْل مرْطٍ مُرحّلٍ)(2/316)
ف (أَمْشِي) لأوّل الاسمين و (تجر) لثانيهما وَيجب للْحَال إِذا وَقعت بعد (إِمَّا) أَن تردف بِأُخْرَى معادا مَعهَا إِمَّا (أَو) كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِنَّا هديناه السَّبِيل إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا} [الْإِنْسَان: 3] وَقَول الشَّاعِر: 938 -
(وَقد شَفّني أَلا يَزَالَ يروعُني ... خيالُك إمّا طَارقاً أَو مُغادِيَا)
وإفرادها بعد (إِمَّا) مَمْنُوع فِي النثر وَالنّظم وَبعد (لَا) نَادِر تَقول لَا رَاغِبًا وَلَا رَاهِبًا فتكرر وَقد تفرد كَقَوْلِه: 939 -
(قَهَرْتُ العِدا لَا مُسْتَعِينا بعُصْبَةٍ ... وَلَكِن بأنْواع الخَدائع والْمَكْر)
أَقسَام الْحَال
(ص) مَسْأَلَة تقع موطئة ومؤكدة خلافًا لقوم إِمَّا لجملة من معرفتين جامدين لتعين أَو فَخر أَو تَعْظِيم أَو ضِدّه وتصاغر أَو تهديد فعاملها مُضْمر وَقيل الْمُبْتَدَأ أَو لعاملها فالأكثر مُخَالفَته لفظا زَاد ابْن هِشَام أَو لصَاحِبهَا أَو مقدرَة ومحكية وسببية (ش) للْحَال أَقسَام باعتبارات فتنقسم بِحَسب قَصدهَا لذاتها والتوطئة بهَا إِلَى قسمَيْنِ مَقْصُودَة وَهُوَ الْغَالِب وموطئة وَهِي الجامدة الموصوفة نَحْو: {فتمثل لَهَا بشرا سويا} [مَرْيَم: 17] وَتقول جَاءَنِي زيد رجلا محسنا وتنقسم بِحَسب التَّبْيِين والتأكيد إِلَى قسمَيْنِ(2/317)
مبينَة وَهُوَ الْغَالِب وتسمي مؤسسة أَيْضا وَهِي الَّتِي تدل على معنى لَا يفهم مِمَّا قبلهَا ومؤكدة وَهِي الَّتِي يُسْتَفَاد مَعْنَاهَا بِدُونِهَا وإثباتها مَذْهَب الْجُمْهُور وَذهب الْمبرد وَالْفراء والسهيلي إِلَى إنكارها وَقَالُوا لَا تكون الْحَال إِلَّا مبينَة إِذْ لَا يَخْلُو من تَجْدِيد فَائِدَة مَا عِنْد ذكرهَا وعَلى إِثْبَاتهَا هِيَ ثَلَاثَة أَنْوَاع مُؤَكدَة لمضمون الْجُمْلَة وَشرط الْجُمْلَة كَون جزئيها معرفتين لِأَن التَّأْكِيد إِنَّمَا يكون للمعارف وكونهما جامدين لَا مشتقين وَلَا فِي حكمهمَا وفائدتهما إِمَّا بَيَان تعين نَحْو زيد أَخُوك مَعْلُوما نَحْو: 940 -
(أَنا ابْنُ دَارةَ مَعْروفاً بَها نَسَبىِ ... )
أَو فَخر نَحْو أَنا فلَان شجاعا أَو كَرِيمًا أَو تَعْظِيم نَحْو هُوَ فلَان جَلِيلًا مهيبا أَو تحقير نَحْو هَل فلَان مأخوذا مقهورا أَو تصاغر نَحْو أَنا عَبدك فَقِيرا إِلَى عفوك أَو وَعِيد نَحْو أَنا فلَان مُتَمَكنًا فَاتق غَضَبي وَفِي عاملها أَقْوَال أَحدهَا أَنه مُضْمر تَقْدِيره إِذا كَانَ الْمُبْتَدَأ (أَنا أَحَق) أَو (أعرف) أَو (أعرفني) وَإِذا كَانَ غَيره (أحقه) أَو (أعرفهُ) الثَّانِي أَنه الْمُبْتَدَأ مضمنا معني التَّنْبِيه وَعَلِيهِ ابْن خروف الثَّالِث أَنه الْخَبَر مؤولا بمسمي وَعَلِيهِ الزّجاج ولظهور تكلّف الْقَوْلَيْنِ كَانَ الرَّاجِح الأول مُؤَكدَة لعاملها وَهِي الَّتِي يُسْتَفَاد مَعْنَاهَا من صَرِيح لفظ عاملها فالأكثر أَن تخَالفه لفظا نَحْو: {وليتم مُدبرين} [التَّوْبَة: 25] {وَيَوْم يبْعَث حَيا} [مَرْيَم: 15](2/318)
{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكا} [النَّمْل: 19] {وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين} [الْبَقَرَة: 60] وَقد توافقه نَحْو: {وأرسلناك للنَّاس رَسُولا} [النِّسَاء: 79] {وسخر لكم اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات بأَمْره} [النَّحْل: 12] قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي ومؤكدة لصَاحِبهَا وأهملها النحوييون نَحْو جَاءَ الْقَوْم طرا وفسرها فِي شرح الشذور بِأَنَّهَا الَّتِي يُسْتَفَاد مَعْنَاهَا من صَرِيح لفظ صَاحبهَا وتنقسم بِحَسب الزَّمَان إِلَى ثَلَاثَة مُقَارنَة وَهُوَ الْغَالِب نَحْو {وَهَذَا بعلي شَيخا} [هود: 72] ومقدرة وَهِي المستقبلية كمررت بِرَجُل مَعَه صقر صائدا بِهِ غَدا أَي مُقَدرا ذَلِك وَمِنْه: {فادخلوها خَالِدين} [الزمر: 73] ومحكية وَهِي الْمَاضِيَة نَحْو جَاءَ زيد أمس رَاكِبًا وتنقسم بِحَسب حُصُول مَعْنَاهَا إِلَى صَاحبهَا وَعَدَمه إِلَى قسمَيْنِ حَقِيقِيَّة وَهِي الْغَالِب وسببية كالنعت السببي نَحْو مَرَرْت بِالدَّار قَائِما ساكنها
وُقُوع الْحَال جملَة
(ص) مَسْأَلَة تقع جملَة خبرية غير ذَات اسْتِقْبَال وشرطية خلافًا للمطرزي فَفِي لُزُومهَا الْوَاو خلف وَجوز الْفراء الْأَمر والأمين الْمحلي النَّهْي فَإِن كَانَت مُؤَكدَة أَو معطوفة على الْحَال أَو صدرت بمضارع مُثبت أَو منفي ب (لَا) أَو مَاض تال إِلَّا أَو متلو بِأَو قيل أَو ذَات خبر مُشْتَقّ تقدم لَزِمَهَا ضمير صَاحبهَا(2/319)
وخلت من الْوَاو غَالِبا وَإِلَّا فهما أَو أَحدهمَا واجتماعهما فِي اسمية وَذَات لبس أَكثر من الضَّمِير فَقَط وَقيل حتم وَقد تَخْلُو عَنْهَا فَيقدر وَقَالَ ابْن جني لَا تغني عَنهُ الْوَاو أصلا وَتجب فِي مضارع بقد قيل وبلم الْوَاو وَفِي ماضي مُثبت متصرف عَار من الضَّمِير قد وَكَذَا مَعَه فَإِذا فقدت قدرت فِي الْأَصَح وَلَيْسَت الْوَاو عاطفة وَلَا أَصْلهَا الْعَطف فِي الْأَصَح (ش) تقع الْحَال جملَة خبرية خَالِيَة من دَلِيل اسْتِقْبَال أَو تعجب فَلَا تقع جملَة طلبية وَلَا تعجبية وَلَا ذَات السِّين أَو (سَوف) أَو (لن) أَو (لَا) وَجوز الْفراء وُقُوع جملَة الْأَمر تمسكا بِنَحْوِ: (وجدت النَّاس اخبر تقله) وَأجِيب بِأَنَّهُ على تَقْدِير مقولا فيهم وَجوز الْأمين الْمحلي وُقُوع جملَة النَّهْي نَحْو: 941 -
(اطْلُبْ وَلَا تَضْجَرَ مِنْ مَطْلَبٍ ... )
ورد بِأَن الْوَاو عاطفة وَمن الخبرية الشّرطِيَّة فَتَقَع حَالا خلافًا للمطرزي نَحْو أفعل هَذَا إِن جَاءَ زيد فَقيل بِلُزُوم الْوَاو وَقيل لَا تلْزم وَعَلِيهِ ابْن جني وَالْجُمْلَة الْوَاقِعَة حَالا إِمَّا ابتدائية نَحْو: {اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عَدو} [الْبَقَرَة: 36] {خَرجُوا من دِيَارهمْ وهم أُلُوف} [الْبَقَرَة: 243] 942 -
(نَظَرْتُ إلَيْهَا والنُّجوم كأنّها ... مصابيحُ رُهْبان تُشَبُّ لِقُفّال)(2/320)
{وَإِن فريقا من الْمُؤمنِينَ لكارهون} [الْأَنْفَال: 5] {وَطَائِفَة قد أهمتهم أنفسهم} [آل عمرَان: 154] أَو مصدرة ب (لَا) التبرئة نَحْو: {وَاللهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرَّعْد: 41] أَو ب (مَا) نَحْو: 943 -
(فَرَأيْتُنا مَا بَيْنَنَا مِنْ حاجز ... )
أَو ب (أَن) نَحْو: {وَمَا أرسلنَا قبلك من الْمُرْسلين إِلَّا إِنَّهُم ليأكلون} [الفرقانك 20]
944 -
(مَا أعْطَيَانِي وَلاَ سَأْلُتهُمَا ... إلاَّ وإنِّي لَحَاجزي كَرَمي)
أَو ب (كَأَن) نَحْو: {نبذ فريق من الَّذين أُوتُوا الْكتاب كتاب الله وَرَاء ظُهُورهمْ كَأَنَّهُمْ لَا يعلمُونَ} [الْبَقَرَة: 101] جَاءَ زيد وَكَأَنَّهُ أَسد أَو بمضارع مُثبت عَار من (قد) نَحْو: {ونذرهم فِي طغيانهم يعمهون} [الْأَنْعَام: 110] أَو مقرون (بقد) نَحْو: {لم تؤذونني وَقد تعلمُونَ} [الصَّفّ: 5] أَو منفي ب (لَا) نَحْو: {وَمَا لنا لَا نؤمن بِاللَّه} [الْمَائِدَة: 84] 945 -
(عَهدْتُكَ لَا تَصْبُو وفيك شَبيبَةٌ ... )(2/321)
أَو ب (لم) نَحْو: {فانقلبوا بِنِعْمَة من الله وَفضل لم يمسسهم سوء} [آل عمرَان: 174] وخال مِنْهُمَا نَحْو: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النِّسَاء: 90] {كَيفَ تكفرون بِاللَّه وكنتم أَمْوَاتًا} [الْبَقَرَة: 28] أَو بماض تال ل (إِلَّا) نَحْو: {وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} [الْحجر: 11] أَو متلو ب (أَو) نَحْو: 946 -
(كُنْ لِلَخليل نَصيراً جَار أَوْ عَدلاَ ... )
لأضربنه ذهب أَو مكث قَالَ تَعَالَى: {أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} [الْأَنْعَام: 93] وَلَا بُد للجملة الْوَاقِعَة حَالا من رابط وَهُوَ ضمير صَاحبهَا أَو الْوَاو وَيتَعَيَّن الضَّمِير فِي الْمُؤَكّدَة كَقَوْلِه: 947 -
(خَالِي ابنُ كَبْشَةَ قَدْ عَلِمْت مَكَانَهُ ... )
وقولك هُوَ زيد لَا شكّ فِيهِ فَلَا يجوز الِاقْتِصَار على الْوَاو وَلَا دُخُولهَا مَعَ الضَّمِير وَيتَعَيَّن الضَّمِير أَيْضا فِي المصدرة بمضارع مُثبت عَار من (قد) أَو منفي ب (لَا) أَو مَاض بعد (إِلَّا) أَو بعده (أَو) كَمَا تقدم وَلَا تغني عَنهُ الْوَاو وَلَا تجامعه غَالِبا وَقد ورد دُخُولهَا مَعَه فِي قَوْلهم قُمْت وأصك عينه وَقَوله: 948 -
(نَجَوْتُ وأرْهَنُهُم مَالِكاً ... )(2/322)
وَقَوله تَعَالَى: {فاستقيما وَلَا تتبعان} [يُونُس: 89] بتَخْفِيف النُّون {وَلَا تسْأَل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم} الْبَقَرَة: 119] فَأول على حذف الْمُبْتَدَأ أَي وَأَنا أصك وَأَنا أرهنهم وأنتما لَا تتبعان وَأَنت لَا تسْأَل وَمَا عدا مَا ذكر من الْجمل السَّابِقَة يجوز فِيهِ الِاقْتِصَار على الضَّمِير وعَلى الْوَاو وَالْجمع بَينهمَا كَمَا تقدم من الْأَمْثِلَة لَكِن تلْزم الْوَاو فِي الْمُضَارع الْمُثبت المقرون بقد وَلَا يُغني عَنهُ الضَّمِير نَحْو: {وَقد تعلمُونَ} [الصَّفّ: 5](2/323)
واجتماعهما فِي الاسمية أَكثر من الِاقْتِصَار على الضَّمِير وَمثلهَا المصدرة بليس نَحْو: {وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون ولستم بآخذيه} [الْبَقَرَة: 267] وَمن انْفِرَاد الْوَاو فِيهَا قَوْله: 949 -
(دهم الشّتاءُ ولَسْتُ أَمْلكُ عُدَّة ... )
وَذهب الْفراء والزمخشري إِلَى أَنه لَا يجوز انْفِرَاد الضَّمِير فِي الاسمية إِلَّا ندورا شاذا بل لَا بُد مِنْهُ وَمن الْوَاو مَعًا وَذهب الْأَخْفَش إِلَى أَنه كَانَ خبر الْمُبْتَدَأ فِيهَا مشتقا مُتَقَدما لم يجز دُخُول الْوَاو عَلَيْهِ فَلَا يُقَال جَازَ زيد وَحسن وَجهه وَقَالَ ابْن مَالك وَقد تَخْلُو الاسمية من الْوَاو وَالضَّمِير مَعًا نَحْو مَرَرْت بِالْبرِّ قفيز بدرهم على حد السّمن منوان بدرهم وَقَالَ أَبُو حَيَّان هُوَ على تَقْدِير الضَّمِير كَمَا فِي الْمُشبه بِهِ وَكَذَا قَالَ ابْن هِشَام وَزَاد أَنه يقدر إِمَّا الضَّمِير كالمثال أَو الْوَاو كَقَوْلِه: 950 -
(نَصَفَ النَّهارُ الماءُ غَامِرُهُ ... )
أَي وَالْمَاء وَذهب ابْن جني إِلَى أَنه لَا بُد من تَقْدِير الضَّمِير مَعَ الْوَاو فَإِذا قلت جَاءَ زيد وَالشَّمْس طالعة فالتقدير طالعة وَقت مَجِيئه ثمَّ حذف الضَّمِير ودلت عَلَيْهِ الْوَاو(2/324)
وَقد يجب انْفِرَاد الضَّمِير وَلَا يجوز الْإِتْيَان بِالْوَاو مَعَه وَذَلِكَ فِي الاسمية إِذا عطفت على حَال كَرَاهَة اجْتِمَاع حرفي عطف نَحْو جَاءَ زيد مَاشِيا أَو هُوَ رَاكب لَا يجوز أَو وَهُوَ رَاكب قَالَ تَعَالَى: {فَجَاءَهَا بأسنا بياتا أَو هم قَائِلُونَ} [الْأَعْرَاف: 4] قَالَ فِي الْبَسِيط وَكَذَا فِي الاسمية الْوَاقِعَة بعد إِلَّا لِأَن الِاتِّصَال يحصل بإلا نَحْو مَا ضربت أحدا إِلَّا عَمْرو خير مِنْهُ وَزعم ابْن خروف أَن الْمُضَارع الْمَنْفِيّ لَا بُد فِيهِ من الْوَاو كَانَ ضميرا أَو لم يكن ورد بِالسَّمَاعِ كالآية السَّابِقَة قَالَ ابْن مَالك والمنفي بلما كالمنفي بلم فِي الْقيام إِلَّا أَنِّي لم أَجِدهُ إِلَّا بِالْوَاو نَحْو: {أم حسبتم أَن تتركوا وَلما يعلم} [التَّوْبَة: 16] والمنفي ب (مَا) فِيهِ الْوَجْهَانِ أَيْضا نَحْو جَاءَ زيد وَمَا يضْحك أَو مَا يضْحك والمنفي ب (إِن) قَالَ أَبُو حَيَّان لَا أحفظه من كَلَام الْعَرَب وَالْقِيَاس يَقْتَضِي جَوَازه نَحْو جَاءَ زيد إِن يدْرِي كَيفَ الطَّرِيق قِيَاسا على وُقُوعه خَبرا فِي حَدِيث:
(فظل إِن يدْرِي كم صلى) وَيجب فِي الْمَاضِي الْمُثبت الْمُتَصَرف غير التَّالِي إِلَّا والمتلو ب (أَو) العاري من الضَّمِير قد مَعَ الْوَاو كَقَوْلِه: 951 -
(فجئتُ وَقد نضت لنوم ثيابَها ... )(2/325)
فَإِن كَانَ جَامِدا كليس أَو منفيا فَلَا نَحْو جَاءَ زيد وَمَا طلعت الشَّمْس بِالْوَاو فَقَط وَجَاء زيد وَمَا درى كَيفَ جَاءَ بِالْوَاو وَالضَّمِير وَجَاء زيد مَا دري كَيفَ جَاءَ بالضمير فَقَط وَكَذَا التَّالِي إِلَّا أَو المتلو (بِأَو) وَإِن كَانَ مثبتا وَفِيه الضَّمِير وَجَبت (قد) أَيْضا لتقربه من الْحَال نَحْو: {وَقد فصل لكم مَا حرم عَلَيْكُم} [الْأَنْعَام: 119] {وَقد بَلغنِي الْكبر} [آل عمرَان: 40] فَإِن لم تكن ظَاهِرَة قدرت نَحْو: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ} [النِّسَاء: 90] {هَذِه بضاعتنا ردَّتْ إِلَيْنَا} [يُوسُف: 65] هَذَا مَا جزم بِهِ الْمُتَأَخّرُونَ كَابْن عُصْفُور والأبذي والجزولي وَهُوَ قَول الْمبرد والفارسي قَالَ أَبُو حَيَّان وَالصَّحِيح جَوَاز وُقُوع الْمَاضِي حَالا بِدُونِ (قد) وَلَا يحْتَاج لتقديرها لِكَثْرَة وُرُود ذَلِك وَتَأْويل الْكثير ضَعِيف جدا لأَنا إِنَّمَا نَبْنِي المقاييس الْعَرَبيَّة على وجود الْكَثْرَة وَهَذَا مَذْهَب الْأَخْفَش وَنَقله صَاحب اللّبَاب عَن الْكُوفِيّين وَابْن أصبغ عَن الْجُمْهُور ثمَّ هَذِه الْوَاو تسمى وَاو الْحَال والابتداء وَلَيْسَت عاطفة وَلَا أَصْلهَا الْعَطف وَزعم بعض الْمُتَأَخِّرين أَنَّهَا عاطفة كواو رب قَالَ وَإِلَّا لدخل العاطف عَلَيْهَا وقدرها سِيبَوَيْهٍ والأقدمون ب (إِذْ) وَلَا يُرِيدُونَ أَنَّهَا بمعني (إِذْ) إِذْ لَا يرادف الْحَرْف الِاسْم بل إِنَّهَا وَمَا بعْدهَا قيد للْفِعْل السَّابِق كَمَا إِن (إِذْ) كَذَلِك(2/326)
الْجُمْلَة الاعتراضية
(ص) وتشبه هَذِه الْجُمْلَة الاعتراضية الْوَاقِعَة بَين جزأي صلَة أَو إِسْنَاد أَو شَرط أَو قسم إو إِضَافَة أَو جر أَو صفة وموصوفها أَو حرف ومدخوله وتتميز بِجَوَاز الْفَاء وَلنْ وتنفيس وَكَونهَا طلبية وَعدم قيام مُفْرد مقَامهَا وَمن ثمَّ لَا مَحل لَهَا وَلَا للمستأنفة والمجاب بهَا قسم أَو شَرط غير جازم أَو غير مقترن بِالْفَاءِ أَو (إِذا) وَالصّفة قَالُوا والمفسرة الكاشفة حَقِيقَة مَا تليه صدرت بِحرف أَو لَا وَالْمُخْتَار أَنَّهَا بِحَسبِهِ وفَاقا للشلوبين وَأَنه لَا مَحل لتالي (حَتَّى) وَفِي أَفعَال الِاسْتِثْنَاء ومذ ومنذ خلف (ش) لما انقضي الْكَلَام على الْجُمْلَة الحالية وَكَانَ من الْجمل مَا يشبهها وَهِي الاعتراضية نبه عَلَيْهَا عَقبهَا وَذكر مَا تتَمَيَّز بِهِ عَنْهَا وَلما كَانَ وجود التَّمْيِيز كَونهَا لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب استطرد إِلَى ذكر بَقِيَّة الْجمل الَّتِي لَا مَحل لَهَا والاعتراضية هِيَ الَّتِي تفِيد تَأْكِيدًا وتسديدا للْكَلَام الَّذِي اعترضت بَين أَجْزَائِهِ وَفِي الْبَسِيط شَرطهَا أَن تكون مُنَاسبَة للجملة الْمَقْصُودَة بِحَيْثُ تكون كالتأكيد أَو التَّنْبِيه على حَال من أحوالها وَألا تكون معمولة لشَيْء من أَجزَاء الْجُمْلَة الْمَقْصُودَة وَألا يكون الْفَصْل بهَا إِلَّا بَين الْأَجْزَاء الْمُنْفَصِلَة بذاتها بِخِلَاف الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ لِأَن الثَّانِي كالتنوين مِنْهُ على أَنه قد سمع قطع بَينهمَا نَحْو لَا أَخا فَاعْلَم لزيد انْتهى والاعتراضية تقع بَين جزأي صلَة إِمَّا بَين الْمَوْصُول وصلته كَقَوْلِه: 952 -
(ذَاكَ الَّذِي وأبيكَ يعْرفُ مَالِكًا ... )
أَو بَين أَجزَاء الصِّلَة نَحْو: {وَالَّذين كسبوا السَّيِّئَات} [يُونُس: 27] الْآيَات فَإِن (وَتَرْهَقُهُمْ) عطف على (كسبوا) فَهِيَ من الصِّلَة وَمَا بَينهمَا اعْتِرَاض بَين بِهِ قدر جزائهم وَالْخَبَر جملَة (مَا لَهُم)(2/327)
وَبَين جزأي إِسْنَاد إِمَّا بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر كَقَوْلِه: 953 -
(وفِيهنّ والأيّامُ يَعْثُرْنَ بالْفَتَى ... )
أَو بَين مَا أَصله الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر كَقَوْلِه 954 -
(لَعلَّكَ والموعُودُ حقٌّ لِقاؤُهُ ... بَدا لَكَ فِي تِلْكَ القَلُوص بَدَاءُ)
وَقَوله: 955 -
(يَا لَيْتَ شِعْري والمْنَى لَا تَنْفَعُ ... هَلْ أغْدُوَنْ يَوْماً وأمْري مُجْمَعُ)
وَقَوله: 956 -
(إنّي وأَسْطَار سُطِرْنَ سَطْرًا ... لَقائِلٌ يَا نَصْرُ نَصْرٌ نَصْرَا)
وَقَوله: 957 -
(أَرَانِي وَلَا كُفْرَان للهِ إنَما ... أُواخِي مِنَ الأقْوَام كُل بَخيل)(2/328)
أَو بَين الْفِعْل ومرفوعه كَقَوْلِه: 958 -
(وَقد أدْرَكَتْني والحَوادِثُ جَمّةٌ ... أَسِنّةُ قَوْم لَا ضعَافٍ وَلَا عُزْل)
أَو بَين الْفَاعِل ومفعوله كَقَوْلِه: 959 -
(وبدّلتْ والدّهْرُ ذُو تَبَدُّل ... هَيْفاً دَبُوراً بالصّبا والشّمْأل)
وَبَين جزأي شَرط أَي بَين الشَّرْط وَجَوَابه نَحْو: {فَإِن لم تَفعلُوا وَلنْ تَفعلُوا فَاتَّقُوا النَّار} [الْبَقَرَة: 24] وَبَين جزأي قسم أَي بَين الْقسم وَجَوَابه نَحْو: {قَالَ فَالْحق وَالْحق أَقُول لأملأن} [ص: 84 - 85] وَبَين جزأي إِضَافَة وَتقدم وَبَين جزأي جر أَي بَين الْجَار وَالْمَجْرُور نَحْو اشْتَرَيْته ب أرِي ألف دِرْهَم وَبَين جزأي صفة أَي بَين الصّفة وموصوفها نَحْو {وَإنَّهُ لقسم لَو تعلمُونَ عَظِيم} [الْوَاقِعَة: 76] وَبَين الْحَرْف ومدخوله كَقَوْلِه: 960 -
(لَيْتَ وَهَلْ يَنْفَعُ شَيْئًا لَيْتُ ... لَيْتَ شَباباً بُوع فاشُتَرَيْتُ)
وَقَوله:(2/329)
961 -
(كأنّ وقَدْ أَتْى حَوْلٌ جَدِيدٌ ... أَثافِيَهَا حَمَاماتٌ مُثُولُ)
وَقَوله: 962 -
(وسوف إخالُ أَدْري ... )
وَقَوله: 963 -
(أخالِدُ قَدْ واللهِ أَوْطَأتَ عَشْوَةً ... )
وَقَوله: 964 -
(وَلَا أَراها تَزَال ظَالِمَةً ... )
وتتميز الاعتراضية من الحالية بِأُمُور أَحدهَا أَنه يجوز اقترانها بِالْفَاءِ كَقَوْلِه:(2/330)
965 -
(واعْلَمْ فَعِلْمُ المَرْء يَنْفعُهُ ... أَنْ سَوْفَ يَأتِي كلُّ مَا قُدرا)
الثَّانِي أَنه يجوز اقترانها بِدَلِيل اسْتِقْبَال (لن) فِي (وَلنْ تَفعلُوا) وحرف التَّنْفِيس فِي (وسوف إخال) الثَّالِث أَنه يجوز كَونهَا طلبية كَقَوْلِه: 966 -
(إنّ الثّمانِينَ وَبُلّغْتَها قَدْ ... أَحْوَجَتْ سَمْعِي إِلَى تَرْجُمانْ)
الرَّابِع أَنه لَا يقوم مقَامهَا مُفْرد بِخِلَاف جملَة الْحَال وَمن ثمَّ كَانَ مَحل جملَة الْحَال النصب وَلم يكن للاعتراضية مَحل من الْإِعْرَاب وَكَذَا سَائِر الْجمل الَّتِي لَا مَحل لَهَا إِنَّمَا سَببه عدم حُلُول مُفْرد محلهَا وَهِي المستأنفة الْوَاقِعَة ابْتِدَاء كَلَام لفظا وَنِيَّة نَحْو زيد قَائِم وَقَامَ زيد أَو نِيَّة لَا لفظا نَحْو رَاكِبًا جَاءَ زيد والمجاب بهَا الْقسم نَحْو: {وتالله لأكيدن أصنامكم} [الْأَنْبِيَاء: 57] والواقعة جَوَاب شَرط غير جازم مُطلقًا كجواب (لَو) و (لَوْلَا) و (لما) و (كَيفَ) أَو شَرط جازم وَلم تقترن بِالْفَاءِ وَلَا بإذا الفجائية نَحْو إِن لم تقم أقِم وَإِن قُمْت قُمْت أما الأول فلظهور الْجَزْم فِي لفظ الْفِعْل وَأما الثَّانِي فَلِأَن الْمَحْكُوم لموضعه بِالْجَزْمِ الْفِعْل لَا الْجُمْلَة بأسرها والواقعة صلَة لاسم أَو حرف نَحْو جَاءَ الَّذِي قَامَ أَبوهُ وأعجبني أَن قُمْت والمفسرة وَهِي الكاشفة لحقيقة مَا تليه سَوَاء صدرت بِحرف التَّفْسِير نَحْو: {فأوحينا إِلَيْهِ أَن اصْنَع الْفلك} [الْمُؤْمِنُونَ: 27] 967 -
(وتَرْمِيَني بالطّرْفِ أيْ أنْتَ مُذْنِبٌ ... )(2/331)
أم لم يصدر بِهِ نَحْو: {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم خلقه من تُرَاب} [آل عمرَان: 59] الْآيَة فجمله (خلقه) إِلَى آخِره تَفْسِير لمثل آدم {هَل أدلكم على تِجَارَة تنجيكم} [الصَّفّ: 10] ثمَّ قَالَ: {تؤمنون} [الصَّفّ: 11] وَالْقَوْل بِأَن المفسرة لَا مَحل لَهَا من الْمَشْهُور وَقَالَ الشلوبين إِنَّه لَيْسَ على ظَاهره وَالتَّحْقِيق أَنَّهَا على حسب مَا كَانَت تَفْسِيرا لَهُ فَإِن كَانَ الْمُفَسّر لَهُ مَوضِع فَكَذَلِك هِيَ وَإِلَّا فَلَا وَمِمَّا لَهُ مَوضِع قَوْله تَعَالَى: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُ , اوَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [الْمَائِدَة: 9] فَقَوله: (لَهُم مغْفرَة) فِي مَوضِع نصب لِأَنَّهُ تَفْسِير للموعود بِهِ وَلَو صرح بالموعود بِهِ لَكَانَ مَنْصُوبًا وَكَذَلِكَ {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ} [الْقَمَر: 49] ف (خلقناه) فسر عَاملا فِي (كل شَيْء) وَله مَوضِع كَمَا للمفسر لِأَنَّهُ خبر لإن وَهَذَا الَّذِي قَالَه الشلوبين هُوَ الْمُخْتَار عِنْدِي وَعَلِيهِ تكون الْجُمْلَة عطف بَيَان أَو بَدَلا وَقد اخْتلف فِي جمل ألها مَحل أم لَا ومنشأ الْخلاف أَهِي مستأنفة أم لَا الأولى الْجُمْلَة بعد حَتَّى الابتدائية كَقَوْلِه: 968 -
(حَتَّى ماءُ دِجْلةَ أَشْكَل ... )
فَقَالَ الْجُمْهُور أَنَّهَا مستأنفة فَلَا مَحل لَهَا وَقَالَ الزّجاج وَابْن درسْتوَيْه إِنَّهَا فِي مَوضِع جر بحتى ورد بِأَن حُرُوف الْجَرّ لَا تعلق عَن الْعَمَل(2/332)
الثَّانِيَة جمل أَفعَال الِاسْتِثْنَاء لَيْسَ وَلَا يكون وخلا وَعدا وحاشا فَقَالَ السيرافي حَال إِذْ المعني قَامَ الْقَوْم خالين عَن زيد وَقَالَ قوم مستأنفة وَصَححهُ ابْن عُصْفُور إِذْ لَا رابط لَهَا بِذِي الْحَال الثَّالِثَة جملَة مذ ومنذ وَمَا بعدهمَا وَقد قدمت ذَلِك عِنْد شرحهما فِي الظروف وَعلم أَن مَا عدا مَا ذكر من الْجمل لَهُ مَحل من الْإِعْرَاب
إِجْرَاء الْحَال مجْرى الظّرْف فِي التَّرْكِيب
(ص) مسالة وَردت مِنْهُ أَلْفَاظ مركبة مِنْهَا مَا أَصله الْعَطف ك (شغر) وشذر ومذر وأخول أخول وَحَيْثُ بيث وَبَيت بَيت وَأما أَصله الْإِضَافَة كبادئ بَدْء وأيادي سبا فَقَالَ قوم مَبْنِيَّة كخمسة عشر وَقوم مركبة تركيب الْإِضَافَة وَحذف التَّنْوِين من الثَّانِي للإتباع (ش) لما كَانَت الْحَال شَبيهَة بالظرف حَتَّى قيل فِيهَا إِنَّهَا مفعول فِيهَا من حَيْثُ المعني وتوسعوا فِيهَا توسع الظروف أجريت مجْراهَا أَيْضا فِي الجريان كخمسة عشر وَهِي أَلْفَاظ مَحْفُوظَة لَا يُقَاس عَلَيْهَا فَمِنْهَا مَا أَصله الْعَطف نَحْو تفَرقُوا شغر بغر بمعني منتشرين وشذر مذر بِفَتْح أَولهمَا وكسره بمعني مُتَفَرّقين وأخول أخول فِي قَوْله: 969 -
(سِقَاط شِرار القَيْن أَخْوَل أَخْوَلا ... ) 5 بمعني مُتَفَرقًا وَتركت الْبِلَاد حَيْثُ بيث بمعني مبحوثة أَي بحث عَن أَهلهَا وَاسْتَخْرَجُوا مِنْهَا وَهُوَ جاري بَيت بَيت بمعني مقاربا ولقيته كَافَّة كفة بمعني مواجها وَمِنْهَا مَا أَصله الْإِضَافَة كبادئ بَدْء بمعني مبدوء بهَا وَتَفَرَّقُوا أيادي سبأ بمعني مثل أيادي سبأ(2/333)
وَالَّذِي جزم بِهِ ابْن مَالك أَن هَذِه الْأَلْفَاظ مركبة تركيب خَمْسَة عشر مَبْنِيَّة على الْفَتْح للسبب الَّذِي بني لأَجله خَمْسَة عشر وَهُوَ تضمن معنى حرف الْعَطف فِي الْقسم الأول وَشبه مَا هُوَ مُتَضَمّن لَهُ فِي الثَّانِي وَذكر صَاحب الْبَسِيط أَنَّهَا لَيست بمبنية بل مُضَافَة وَإِنَّمَا حذف التَّنْوِين من الثَّانِي للإتباع وحركة الإتباع لَيست حَرَكَة إِعْرَاب فَهُوَ مخفوض فِي التَّقْدِير كَمَا أتبع الأول فِي يَا زيد بن عَمْرو للثَّانِي فِي حركته
منع حذف الْحَال وَجَوَاز حذف عَامله
(ص) مَسْأَلَة تحذف إِلَّا إِن حصر أَو نهي عَنهُ أَو كَانَ جَوَابا أَو نَاب عَنهُ خبر أَو عَن فعله وعامله لَا الْمَعْنَوِيّ عِنْد الْأَكْثَر وَيجب إِن جرى مثلا أَو بَين نقصا أَو زِيَادَة بتدريج مَعَ الْفَاء وَثمّ أَو كَانَ مؤكدا أَو نَائِبا أَو توبيخا (ش) الأَصْل فِي الْحَال أَن تكون جَائِزَة الْحَذف وَقد يعرض لَهَا مَا يمْنَع مِنْهُ ككونها جَوَابا نَحْو رَاكِبًا لمن قَالَ كَيفَ جِئْت أَو مَقْصُودا حصرها نَحْو لم أعده إِلَّا حرضا أَو نائبة عَن خبر نَحْو ضربي زيدا قَائِما عَن اللَّفْظ بِالْفِعْلِ نَحْو: هَنِيئًا لَك أَو مَنْهِيّا عَنهُ نَحْو: {لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} [النِّسَاء: 43] {وَلَا تمش فِي الأَرْض مرحا} [لُقْمَان: 18] وَيجوز حذف عاملها لقَرِينَة حَالية كَقَوْلِك للْمُسَافِر راشدا مهديا أَي تذْهب وللقادم مَسْرُورا أَي رجعت وللمحدث صَادِقا أَي تَقول أَو لفظية نَحْو رَاكِبًا لمن قَالَ كَيفَ جِئْت وبلي مسرعا لمن قَالَ لم ينْطَلق وَمِنْه {بلَى قَادِرين} [الْقِيَامَة: 4] أَي نجمعها ويستثني مَا إِذا كَانَ الْعَامِل معنويا كالظرف وَالْمَجْرُور وَاسم الْإِشَارَة وَنَحْوه فَإِنَّهُ لَا يجوز حذفه عَن الْأَكْثَر فَهُوَ أم لَا لضَعْفه فِي نَفسه وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا عمل بالنيابة وَالْفرع لَا يُقَوي قُوَّة الأَصْل وَلِأَنَّهُ يجْتَمع فِيهِ تجوزان تَنْزِيله منزلَة الْفِعْل وحذفه وَأَجَازَ الْمبرد الْحَذف فِي الظّرْف فَقَالَ فِي قَوْله: 970 -
(وإذْ مَا مِثْلَهُمْ بَشَرُ ... )(2/334)
إِن (مثلهم) حَال وَالتَّقْدِير وَإِذ مَا فِي الدُّنْيَا بشر مثلهم
وجوب حذف الْعَامِل
وقديجب حذف الْعَامِل كَأَن جرى مثلا كَقَوْلِهِم (حظيين بَنَات صلفين كنات) أَي عرفتهم أَو بَين نقصا أَو زِيَادَة بتدريج أَي شَيْئا فَشَيْئًا نَحْو بِعته بدرهم فَصَاعِدا أَو فسافلا أَي فَزَاد الثّمن صاعداً أَو فَذهب صاعدا أَو فَانْحَطَّ سافلا وَشرط نصب هَذِه الْحَال أَن تكون مصحوبة بِالْفَاءِ أَو بثم وَالْفَاء أَكثر فِي كَلَامهم وَلَا يجوز أَن تكون بِالْوَاو لفَوَات معنى التدريج مَعهَا وَلَفْظَة (فسافلا) ذكرهَا ابْن مَالك قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم أرها لغيره فَإِن لم ينْقل عَن الْعَرَب فَهِيَ مَمْنُوعَة لِأَن حذف الْعَامِل فِي الْحَال وجوبا على خلاف الأَصْل وَمِمَّا الْتزم حذف عَامله الْحَال الْمُؤَكّدَة والنائبة عَن خبر والواقعة بَدَلا من اللَّفْظ بِفِعْلِهِ كهنيئا مريئا أَي ثَبت لَهُ ذَلِك والواقعة توبيخا نَحْو أقائما وَقد قعد النَّاس ألاهيا وَقد جد قرناؤك(2/335)
3 - التَّمْيِيز
(ص) التَّمْيِيز هُوَ نكرَة بِمَعْنى (من) رَافع لإبهام جملَة أَو مُفْرد عددا أَو مُبْهَم مِقْدَار أَو مماثلة أَو مُغَايرَة أَو تعجب بِالنَّصِّ على جنس المُرَاد بعد تَمام بِإِضَافَة أَو تَنْوِين أَو نون وَمنع الكوفية التَّمْيِيز بِمثل وَغَيره وَأَبُو ذب ب (مَا) فِي نعم والأعلم عَن التَّعَجُّب (ش) التَّمْيِيز وَيُقَال لَهُ الْمُمَيز والتبيين والمبين وَالتَّفْسِير والمفسر نكرَة فِيهِ معنى (من) الجنسية رَافع لإبهام جملَة نَحْو تصبب زيد عرقا أَو مُفْرد عددا نَحْو أحد عشر رجلا أَو مُبْهَم كمقدار كيل أَو وزن أَو مساحة أَو شبهها كمثال ذرة وذنوب مَاء ونحي سمنا أَو مماثلة نَحْو (مثل أحد ذَهَبا) أَو مُغَايرَة نَحْو لنا غَيرهَا شَاءَ أَو تعجب نَحْو ويحه رجلا وَمَا أَنْت جَارة وَيَا حسنها لَيْلَة وناهيك رجلا وَقَوْلِي بِالنَّصِّ على جنس المُرَاد يتَعَلَّق بِقَوْلِي رَافع لإبهام وَالْحَال والتمييز مشتركان فِي سَائِر الْقُيُود إِلَّا فِي كَونه بمعني (من) وَإِنَّمَا يَأْتِي التَّمْيِيز بعد تَمام بِإِضَافَة نَحْو: {ملْء الأَرْض ذَهَبا} [آل عمرَان: 91) {أَو عدل ذَلِك صياما} [الْمَائِدَة: 95] أَو تَنْوِين ظَاهر كرطل زيتا أَو مُقَدّر كخمسة عشر أَو نون تَثْنِيَة كمنوين سمنا أَو نون جمع نَحْو {بالأخسرين أعمالا} [الْكَهْف: 103] أَو شبه الْجمع نَحْو ثَلَاثِينَ لَيْلَة وشملت النكرَة كل نكرَة(2/336)
وَقد اخْتلف فِي نكرات مِنْهَا مثل فَمنع الْكُوفِيُّونَ التَّمْيِيز بهَا لإبهامها فَلَا يبين بهَا وَأَجَازَهُ سِيبَوَيْهٍ فَيَقُول لي عشرُون مثله وَحكى لي ملْء الدَّار أَمْثَاله وَمِنْهَا (غير) فَمنع الْفراء التَّمْيِيز بهَا لِأَنَّهَا أَشد إبهاما وَأَجَازَهُ يُونُس وسيبويه لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو من فَائِدَة إِذْ أَفَادَ أَن عِنْده مَا لَيْسَ بمماثل لهَذَا وَهَذَا الْمِقْدَار فِيهِ تَخْصِيص وَمِنْهَا (مَا) فِي بَاب نعم وَأَجَازَ الْفَارِسِي أَن تكون نكرَة تَامَّة بمعني شَيْء وتنتصب تمييزا وَتَبعهُ الزَّمَخْشَرِيّ وَمنع ذَلِك قوم مِنْهُم أَبُو ذَر مُصعب بن أبي بكر الْخُشَنِي وَذهب الأعلم فِيمَا تقدم أَنه مَنْصُوب عَن التَّعَجُّب إِلَّا أَنه مِمَّا انتصب عَن تَمام الْكَلَام
ناصب التَّمْيِيز وجاره
(ص) وناصبه مُمَيزَة تَشْبِيها (بأفعل من) أَو باسم الْفَاعِل قَولَانِ وتجره الْإِضَافَة إِن حذف التَّنْوِين أَو النُّون وَلَا يحذف غَيره إِلَّا مُضَاف يُغني عَنهُ التَّمْيِيز وَتجب إِضَافَة مفهم مِقْدَار إِن كَانَ فِي الثَّانِي معنى اللَّام أَو جُزْء ويختار فِي نَحْو جُبَّة خَز وَيجوز نَصبه تمييزا وَحَالا وَإِظْهَار (من) مَعَ كل تَمْيِيز إِلَّا (أفعل) وَالْعدَد وَنعم ومنقول فَاعل ومفعول وَهِي تبعيض وَقيل زَائِدَة وَإِن كَانَ الْمِقْدَار من جِنْسَيْنِ جَازَ عطف أَحدهمَا خلافًا للفراء (ش) تَمْيِيز الْمُفْرد ينصبه مميزه كعشرين ميلًا وَعشْرين درهما ورطل وقفيز وذراع فِي رَطْل زيتا وقفيز برا وذراع ثوبا وَجَاز لمثل هَذِه أَن تعْمل وَإِن كَانَت جامدة لِأَن عَملهَا على طَرِيق التَّشْبِيه وَاخْتلف البصريون فِي الَّذِي شبهت بِهِ فَقيل باسم الْفَاعِل فِي طلبَهَا اسْما بعْدهَا وَقيل (بأفعل من) فِي طلبَهَا اسْما بعْدهَا على طَرِيق التَّبْيِين مُلْتَزما فِيهِ(2/337)
التنكير قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ أقوي لِأَن اسْم الْفَاعِل لَا يعْمل إِلَّا مُعْتَمدًا وَيعْمل فِي النكرَة وَغَيرهَا ويجر التَّمْيِيز بِإِضَافَة مَا قبله إِلَيْهِ إِن حذف التَّنْوِين أَو النُّون نَحْو رَطْل زَيْت وإردب شعير ومنوا سمن وَلَا يحذف شَيْء غير التَّنْوِين أَو النُّون إِلَّا مُضَاف إِلَيْهِ صَالح لقِيَام التَّمْيِيز مقَامه نَحْو زيد أَشْجَع النَّاس رجلا فَيُقَال أَشْجَع رجل فَإِن لم يصلح لذَلِك نَحْو لله دره رجلا وويحه رجلا لم يجز الْحَذف فَلَا يُقَال لَهُ در رجل وَلَا وَيْح رجل والمقادير إِذا أُرِيد بهَا الْآلَات الَّتِي يَقع بهَا التَّقْدِير لَا يجوز إِلَّا إضافتها نَحْو عِنْدِي منوا سمن وقفيز بر وذراع ثوب يُرِيد الرطلين اللَّذين يُوزن بهما السّمن والمكيال الَّذِي يُكَال بِهِ الْبر والآلة الَّتِي يذرع بهَا الثَّوْب وَإِضَافَة هَذَا النَّوْع على معنى (اللَّام) لَا على معنى (من) وَكَذَا تجب الْإِضَافَة فِيمَا ميز بِجُزْء مِنْهُ نَحْو غُصْن ريحَان وَثَمَرَة نَخْلَة وَحب رمان وسعف مقل هَذَا إِن لم تَتَغَيَّر تَسْمِيَته بالتبعيض بِأَن بَقِي على اسْمه الأول فَإِن تَغَيَّرت كجبة خَز وَخَاتم فضَّة وسوار ذهب فَإِنَّهَا أَسمَاء حَادِثَة بعد التَّبْعِيض وَالْعَمَل الَّذِي هيأها للهيئات اللائقة بهَا فلك فِي هَذَا النَّوْع الجرّ بِالْإِضَافَة وَالنّصب على التَّمْيِيز أَو الْحَال وَالْإِضَافَة أرجح لِأَن الْحَال يحوج إِلَى التَّأْوِيل بمشتق كَمَا تقدم والتمييز بَاب ضَعِيف لكَونه فِي خَامِس رُتْبَة من الْفِعْل لِأَن النصب فِيهِ على التَّشْبِيه ب (أفعل من) و (أفعل من) مشبه بِالصّفةِ المشبهة وَهِي مشبهة باسم الْفَاعِل وَهُوَ بِالْفِعْلِ فَلَا يحسن إِلَّا عِنْد تعذر الْإِضَافَة وَإِذا كَانَ الْمِقْدَار مخلطا من جِنْسَيْنِ فَقَالَ الْفراء لَا يجوز عطف أَحدهمَا على الآخر بل تَقول عِنْدِي رَطْل سمنا عسلا إِذا أردْت أَن عنْدك من السّمن وَالْعَسَل مِقْدَار رَطْل لِأَن تَفْسِير الرطل لَيْسَ للمسن وَحده وَلَا للعسل وَحده وَإِنَّمَا هُوَ مجموعهما فَجعل سمنا عسلا اسْما للمجموع على حد قَوْلهم هَذَا حُلْو حامض(2/338)
وَذهب غَيره إِلَى أَن الْعَطف بِالْوَاو لِأَن الْوَاو الجامعة تصير مَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا بِمَنْزِلَة شَيْء وَاحِد أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَانِ زيد وَعَمْرو فصيرت الْوَاو الجامعة زيدا وعمرا خَبرا عَن (هَذَانِ) وَلَا يُمكن أَن يكون زيد على انْفِرَاده خَبرا وَلَا عَمْرو على انْفِرَاده وَكَذَلِكَ زيد وَعَمْرو قائمان وَقَالَ بعض المغاربة الْأَمْرَانِ سائغان الْعَطف وَتَركه وَيجوز إِظْهَار (من) مَعَ كل تَمْيِيز ذكر فِي هَذَا الْفَصْل أَو غَيره نَحْو (ملْء الأَرْض من ذهب) وإردب من قَمح ولي أَمْثَالهَا من إبل وَغَيرهَا من شَاءَ وويحه من رجل وَللَّه دره من فَارس وحسبك من رجل و (مَا أَنْت من جَارة) قَالَ: 971 -
(يَا سيدًا مَا أنْتَ مِنْ سَيِّدٍ ... )
وَقَالَ: 972 فَيَا لَكَ مِنْ لَيْل ويستثني الْعدَد فَلَا يُقَال عشرُون من دِرْهَم مَا لم يخرج عَن التَّمْيِيز بالتعريف نَحْو عشرُون من الدَّرَاهِم وأفعل التَّفْضِيل فَلَا يُقَال فِي زيد أَكثر مَالا من مَال وَنعم فَلَا يُقَال فِي نعم رجل زيد من رجل وَالْمَنْقُول عَن فَاعل ومفعول وهما من تَمْيِيز الْجُمْلَة فَلَا يُقَال طَابَ زيد من نفس وَلَا فجرت الأَرْض من عُيُون(2/339)
و (من) الْمَذْكُورَة فِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا أَنه للتَّبْعِيض وَصَححهُ ابْن عُصْفُور وَالثَّانِي أَنَّهَا زَائِدَة قَالَ فِي الارتشاف وَيُؤَيِّدهُ الْعَطف على موضعهَا نصبا فِي قَوْله: 973 -
(طافَتْ أُمامةُ بالرُّكْبان آونةً ... يَا حُسْنَهُ من قَوام مَا ومُنْتَقَبَا)
تَمْيِيز الْجُمْلَة
(ص) مَسْأَلَة مُمَيّز الْجُمْلَة ناصبة مَا فِيهَا من فعل وَشبهه وَقَالَ ابْن عُصْفُور هِيَ وَيكون مَنْقُولًا من فَاعل ومبتدأ ومفعول وَأنْكرهُ الشلوبين والأبذي وَابْن أبي الرّبيع ومشبها بِهِ وَهُوَ بعد أفعل فَاعل معنى حَقِيقَة أَو مجَازًا وَمِنْه نَحْو حَسبك بِهِ فَارِسًا وَللَّه دره رجلا {وَكفى بِاللَّه شَهِيدا} [النِّسَاء: 79] فَإِن صَحَّ أَن يخبر بِهِ عَمَّا قبله فَلهُ أَو لملابسه الْمُقدر وَإِن دلّ على هَيْئَة وعني بِهِ الأول جَازَ كَونه حَالا وَإِظْهَار (من) (ش) تَمْيِيز الْجُمْلَة مَا ينْتَصب عَن تَمام الْكَلَام فَتَارَة يكون مَنْقُولًا من فَاعل نَحْو طَابَ زيد نفسا ( {واشتعل الرَّأْس شيبا} [مَرْيَم: 4] وَالْأَصْل طابت نفس زيد واشتعل شيب الرَّأْس وَتارَة من الْمُبْتَدَأ نَحْو {أَنا أَكثر مِنْك مَالا} [الْكَهْف: 34] وَالْأَصْل مَالِي أَكثر من مَالك(2/340)
وَتارَة من الْمَفْعُول بِنَحْوِ: {وفجرنا الأَرْض عيُونا} [الْقَمَر: 12] وَالْأَصْل فجرنا عُيُون الأَرْض هَذَا مَذْهَب الْمُتَأَخِّرين وَبِه قَالَ ابْن عُصْفُور وَابْن مَالك وَقَالَ الأبذي هَذَا الْقسم لم يذكرهُ النحويون وَإِنَّمَا الثَّابِت كَونه مَنْقُولًا عَن الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول الَّذِي لم يسم فَاعله وَقَالَ الشلوبين (عيُونا) فِي الْآيَة نصب على الْحَال الْمقدرَة لَا التَّمْيِيز وَلم يثبت كَون التَّمْيِيز مَنْقُولًا من الْمَفْعُول فَيَنْبَغِي أَلا يُقَال بِهِ وَقَالَ ابْن أبي الرّبيع (عيُونا) نصب على الْبَدَل من الأَرْض وَحذف الضَّمِير أَي عيونها أَو على إِسْقَاط حرف الْجَرّ أَي بعيون وَتارَة يكون مشبها بالمنقول نَحْو امْتَلَأَ الْإِنَاء مَاء وَنعم زيد رجلا وَوجه الشّبَه أَن (امْتَلَأَ) مُطَاوع (مَلأ) فكأنك قلت مَلأ المَاء الْإِنَاء ثمَّ صَار تمييزا بعد أَن كَانَ فَاعِلا وَالْأَصْل نعم الرجل ثمَّ أضمر وَصَارَ بعد أَن كَانَ فَاعِلا تمييزا والتمييز بعد أفعل التَّفْضِيل فَاعل فِي المعني إِمَّا حَقِيقَة أَو مجَازًا وَمن تَمْيِيز الْجُمْلَة فِيمَا نَقله أَبُو حَيَّان عَن النَّحْوِيين مُنْكرا على ابْن مَالك حَيْثُ جعله من تَمْيِيز الْمُفْرد قَوْلهم حَسبك بِهِ فَارِسًا وَللَّه دره رجلا وَمِنْه عِنْد ابْن مَالك وَغَيره {وَكفى بِاللَّه شَهِيدا} [النِّسَاء: 79] وَفِي ناصب تَمْيِيز الْجُمْلَة قَولَانِ أصَحهمَا مَا فِيهَا من فعل وَشبهه لوُجُود مَا أصل الْعَمَل لَهُ وَعَلِيهِ سِيبَوَيْهٍ والمازني والمبرد والزجاج والفارسي وَصحح ابْن عُصْفُور أَن الْعَامِل فِيهِ نفس الْجُمْلَة الَّتِي انتصب عَن تَمامهَا لَا الْفِعْل وَلَا الِاسْم الَّذِي جري مجْرَاه كَمَا أَن تَمْيِيز الْمُفْرد ناصبه نفس الِاسْم الَّذِي انتصب عَن تَمَامه وَمَتى صَحَّ الْإِخْبَار بالتمييز عَمَّا قبله نَحْو كرم زيد أَبَا فَإِنَّهُ يَصح أَن يَقع أَب خَبرا لزيد فَتَقول زيد أَب فلك فِيهِ وَجْهَان عوده إِلَيْهِ بِأَن يكون هُوَ الْأَب أَي مَا أكْرمه من أَب وعَلى هَذَا لَا يكون مَنْقُولًا عَن الْفَاعِل وَيجوز دُخُول (من) عَلَيْهِ وَعوده إِلَى ملابسه الْمُقدر بِأَن يكون الْأَب أَبَا زيد لَا زيدا نَفسه أَي مَا أكْرم أَبَاهُ وعَلى هَذَا يكون مَنْقُولًا عَن الْفَاعِل وَلَا يجوز دُخُول (من) عَلَيْهِ وَإِن دلّ التَّمْيِيز على هَيْئَة وعني بِهِ الأول نَحْو كرم زيد ضيفا إِذا أُرِيد أَن زيدا هُوَ الضَّيْف جَازَ أَن يكون ضيفا مَنْصُوبًا على الْحَال لدلالته على هَيْئَة وعَلى(2/341)
التَّمْيِيز لصلاحية (من) وَيجوز حِينَئِذٍ إِظْهَار (من) مَعَه وَهُوَ الأجود رفعا لتوهم الحالية نَحْو كرم زيد من ضيف فَإِن لم يعن بِهِ الأول على قصد كرم ضيف زيد تعين النصب تمييزا وامتنعت الحالية وَلم يجز دُخُول (من) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فَاعل فِي الأَصْل
مُطَابقَة تَمْيِيز الْجُمْلَة مَا قبله فِي الْإِفْرَاد وفرعيه
(ص) ويطابق مَا قبله اتَّحد معنى أم لَا مَا لم يلْزم إِفْرَاده لإفراد مَعْنَاهُ أَو كَانَ مصدرا لم يقْصد اخْتِلَاف أَنْوَاعه وَيلْزم الْجمع بعد مُفْرد مباين لَا يُفِيد مَعْنَاهُ (ش) يلْزم فِي تَمْيِيز الْجُمْلَة الْمُطَابقَة لما قبله فِي الْإِفْرَاد وفرعيه إِن اتحدا معنى نَحْو كرم زيد رجلا وكرم الزيدان رجلَيْنِ وكرم الزيدون رجَالًا وَكَذَا إِن لم يتحدا من حَيْثُ الْمَعْنى نَحْو حسن الزيدون وُجُوهًا إِلَّا أَن يلْزم إِفْرَاد التَّمْيِيز لإفراد مَعْنَاهُ نَحْو كرم الزيدون أصلا إِذا كَانَ أصلهم وَاحِدًا و (أصل) لم يتحد من حَيْثُ الْمَعْنى بالزيدين إِلَّا أَنه لإفراد مَدْلُوله يلْزم إِفْرَاده لِأَن الْجمع يُوهم اخْتِلَاف أصولهم أَو يكون التَّمْيِيز مصدرا لم يقْصد اخْتِلَاف أَنْوَاعه نَحْو زكي الزيدون سعيا فَإِن قصد اخْتِلَاف الْأَنْوَاع فِي الْمصدر لاخْتِلَاف محاله جَاءَ التَّمْيِيز جمعا نَحْو {بالأخسرين أعمالا} [الْكَهْف: 103] لِأَن أَعْمَالهم مُخْتَلفَة الْمحَال هَذَا خسر بِكَذَا وَهَذَا خسر بِكَذَا وكقولك تخَالف النَّاس أَو تفاوتوا أذهانا وَيلْزم جمع التَّمْيِيز بعد مُفْرد مباين إِذا كَانَ معنى الْجمع يفوت بِقِيَام الْمُفْرد مقَامه نَحْو نظف زيد ثيابًا إِذْ لَو قيل ثوبا لتوهم أَن لَهُ ثوبا وَاحِدًا نظيفا
توَسط التَّمْيِيز
(ص) وَيجوز توسيطه بَين متصرف وفَاقا لَا تَقْدِيمه اخْتِيَارا وَجوزهُ قوم على فعل متصرف غير (كفى) وَالْفراء على اسْم شبه بِهِ الأول(2/342)
(ش) يجوز توَسط التَّمْيِيز بَين الْفِعْل ومرفوعه بِلَا خلاف نَحْو طَابَ نفسا زيد قَالَ وَكَذَا قِيَاسه الْجَوَاز بَين الْفِعْل ومنصوبه نَحْو فجرت عيُونا الأَرْض وَأما تَقْدِيمه على الْفِعْل فَمَنعه ابْن عُصْفُور جزما بِنَاء على أَن الناصب لَهُ لَيْسَ هُوَ الْفِعْل وَإِنَّمَا هُوَ الْجُمْلَة بأسرها والقائلون بِأَن الناصب لَهُ مَا فِيهَا من فعل وَشبهه اخْتلفُوا فَمنع سِيبَوَيْهٍ وَالْأَكْثَرُونَ من الْبَصرِيين والكوفيين والمغاربة تَقْدِيمه فَلَا يُقَال نفسا طَابَ زيد كَمَا يمْتَنع التَّقْدِيم فِي تَمْيِيز الْمُفْرد وَمَا ورد من ذَلِك فضرورة وَجوزهُ الْكسَائي والمبرد والمازني والجرمي وَطَائِفَة وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك بِشَرْط كَون الْفِعْل متصرفا لوروده قَالَ: 974 -
(وَمَا كَانَ نَفْساً بالفراق تَطيبُ ... )
وَقِيَاسًا على سَائِر الفضلات ويستثني من الْمُتَصَرف كفي فَلَا يُقَال شَهِيدا كفي بِاللَّه بِإِجْمَاع ذكره أَبُو حَيَّان(2/343)
فَإِن كَانَ الْفِعْل جَامِدا امْتنع بِإِجْمَاع فَلَا يُقَال مَا رجلا أحسن زيدا كَذَا وَلَا رجلا أحسن بزيد كَمَا يمْتَنع إِذا كَانَ عَامله جَامِدا بِإِجْمَاع نعم اسْتثْنِي من مَحل الْإِجْمَاع فِي الثَّانِي صُورَة وَهُوَ التَّمْيِيز بعد اسْم شبه بِهِ الأول نَحْو زيد الْقَمَر حسنا فَإِن الْفراء جوز فِيهِ التَّقْدِيم فَيُقَال زيد حسنا الْقَمَر
جَوَاز تَعْرِيف التَّمْيِيز
(ص) وَجوز الْكُوفِيُّونَ وَابْن الطراوة تَعْرِيفه وَتَأَول البصرية مَا ورد (ش) البصريون على اشْتِرَاط تنكير التَّمْيِيز وَذهب الْكُوفِيُّونَ وَابْن الطراوة إِلَى أَنه يجوز أَن يكون معرفَة كَقَوْلِه: 975 -
(وَطِبْتَ النّفْسَ يَا قيْسُ عَنْ عَمْرو ... )
وَقَوله: 976 -
(عَلامَ مُلِئْتَ الرُّعْبَ والحربُ لم تَقِدْ ... )(2/344)
وَقَوْلهمْ سفه زيد نَفسه وألم رَأسه و {بطرت معيشتها} [الْقَصَص: 58] والأولون تأولوا ذَلِك على زِيَادَة اللَّام والمضافات نصبت على التَّشْبِيه بالمفعول بِهِ أَو على إِسْقَاط الْجَار أَي فِي نَفسه وَفِي رَأسه وَفِي معيشتها
مُفَارقَة الْحَال التَّمْيِيز
(ص) وَلَا يَتَعَدَّد وَالْجُمْهُور لَا يكون مؤكدا ويحذف لقَرِينَة أَو قصد الْإِبْهَام لَا الْمُمَيز مَا لم يوضع غَيره مَوْضِعه (ش) فَارق التَّمْيِيز الْحَال فِي أَنه لَا يَتَعَدَّد بِخِلَافِهَا وَفِي أَنه لَا يكون مؤكدا وَالْحَال تكون مُؤَكدَة كَذَا قَالَه الْجُمْهُور وَذكر ابْن مَالك أَن التَّمْيِيز قد يكون مؤكدا كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا} [التَّوْبَة: 36] وَأجِيب بِأَن شهرا وَإِن أكد مَا فهم من (إِن عدَّة الشُّهُور) إِلَّا أَنه بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَامله وَهُوَ اثْنَا عشر مُبين وَيجوز حذف التَّمْيِيز إِذا قصد أبقاء الْإِبْهَام أَو كَانَ فِي الْكَلَام مَا يدل عَلَيْهِ وَلَا يجوز حذف الْمُمَيز لِأَنَّهُ يزِيل دلَالَة الْإِبْهَام إِلَّا أَن يوضع غَيره مَوْضِعه كَقَوْلِهِم مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رجلا وَقد يحذف من غير بدل كَقَوْلِهِم تالله رجلا أَي تالله مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رجلا
تَمْيِيز الْأَعْدَاد
(ص) مَسْأَلَة مُمَيّز الْعدَد إِن كَانَ مَا بَين عشرَة وَمِائَة مُفْرد مَنْصُور وَأَجَازَ الْفراء جمعه وَإِضَافَة عشْرين وأخواته لُغَة أَو عشرَة فَمَا دونهَا مَجْمُوع مُضَاف إِلَيْهِ إِلَّا إِن كَانَ (مائَة) وَقد يجمع وَفِي اسْم الْجمع وَالْجِنْس(2/345)
ثَالِثهَا إِن اسْتعْمل للقلة جَازَ قِيَاسا أَو مائَة فَمَا فَوْقهَا فمفرد مُضَاف وَجمعه مَعهَا ضَرُورَة وَقَالَ الْفراء سَائِغ وَيجوز جَرّه بِمن ونصبه مَعَ مائَة وَمِائَتَيْنِ وَألف ضَرُورَة وَأَجَازَ ابْن كيسَان وَلَا يُمَيّز وَاحِد وَاثْنَانِ دون شذوذ أَو ضَرُورَة وَلَا يجمع تَمْيِيز كَثْرَة إِن أمكن قلَّة غَالِبا وَلَا يفصل من الْعدَد اخْتِيَارا وينعت حملا عَلَيْهِ وعَلى الْعدَد وَيتَعَيَّن الثَّانِي فِي الْجمع السَّالِم ويغني الْعدَد عَن تَمْيِيزه إِضَافَة لغيره (ش) حولت ذكر تَمْيِيز الْأَعْدَاد من بَاب الْعدَد إِلَى هُنَا للمناسبة الظَّاهِرَة خُصُوصا وَقد تقدم فِي صدر الْبَاب أَن من أَنْوَاع تَمْيِيز الْمُفْرد تَمْيِيز الْعدَد فَأَقُول الْعدَد إِن كَانَ وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ لم يحْتَج إِلَى تَمْيِيز اسْتغْنَاء بِالنَّصِّ على الْمُفْرد والمثني فَيُقَال رجل ورجلان لِأَنَّهُ أخصر وأجود وَلَا يُقَال وَاحِد رجلا وَلَا اثْنَا رجل وَأما قَوْلهم شربت قدحا وأثنيه وشريت اثْنَي مد الْبَصْرَة فشاذ وَقَوله: 977 -
(ظَرْفُ عَجُوز فِيهِ ثنتا حنظل ... )(2/346)
فضرورة وَإِن كَانَ ثَلَاثَة فَمَا فَوْقهَا إِلَى الْعشْرَة ميز مَجْمُوع مجرور بِإِضَافَة الْعدَد إِلَيْهِ نَحْو ثَلَاثَة أَثوَاب وَثَلَاث لَيَال وَعشرَة أشهر وَعشر سِنِين مَا لم يكن التَّمْيِيز لفظ (مائَة) فيفرد غَالِبا نَحْو ثَلَاث مائَة وَقد يجمع أَيْضا نَحْو ثَلَاث مئين أما الْألف فتجمع الْبَتَّةَ نَحْو إِلَى اسْم الْجمع نَحْو ثَلَاث الْقَوْم أَو اسْم الْجِنْس نَحْو ثَلَاثَة آلَاف وَهل يجوز ثَلَاث نحل أَقْوَال: أَحدهَا نعم وَيُقَاس إِن كَانَ قَلِيلا وَعَلِيهِ الْفَارِسِي وَصَححهُ صَاحب الْبَسِيط إِضَافَته لشبهه بِالْجمعِ ولوروده قَالَ: 978 -
(ثَلاَثَةُ أنْفُسِ تَعَالَى وثلاثُ ذَوْدٍ ... )
وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَة تِسْعَة رَهْط} [النَّمْل: 48] وَالثَّانِي لَا ينقاس وَعَلِيهِ الْأَخْفَش وَابْن مَالك وَغَيرهمَا وَالثَّالِث التَّفْرِقَة بَين مَا يسْتَعْمل من اسْم الْجمع للقلة فَيجوز أَو للكثرة فَلَا يجوز وَعَلِيهِ الْمَازِني وعَلى الْمَنْع طَريقَة أَن يبين ب (من) فَيُقَال ثَلَاثَة من الْقَوْم وَأَرْبَعَة من الطير وَثَلَاث من النَّحْل وَهُوَ فِي اسْم الْجِنْس آكِد من اسْم الْجمع وَإِن كَانَ أحد عشر إِلَى تِسْعَة وَتِسْعين ميز بمفرد مَنْصُوب نَحْو: {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} [يُوسُف: 4] {اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} [الْبَقَرَة: 60] (وَوَاعَدْنَا مُوسَى(2/347)
ثَلاثِينَ لَيْلَةً} [الْأَعْرَاف: 142] {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} [الْأَعْرَاف: 155] وَلَا يجوز جمعه عِنْد الْجُمْهُور وَجوزهُ الْفراء نَحْو عِنْدِي أحد عشر رجَالًا وَقَامَ ثَلَاثُونَ رجَالًا وَخرج عَلَيْهِ {اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً} [الْأَعْرَاف: 160] قَالَ الْكسَائي وَمن الْعَرَب من يضيف الْعشْرين وأخواته إِلَى التَّمْيِيز نكرَة وَمَعْرِفَة فَيَقُول عشرو دِرْهَم وأربعو ثوب وَإِن كَانَ مائَة فَمَا فَوْقهَا ميز بمفرد مجرور بِالْإِضَافَة نَحْو مائَة رجل وَمِائَتَا عَام وَألف إِنْسَان وَجمعه مَعَ الْمِائَة ضَرُورَة وَجوزهُ الْفراء فِي السعَة وَخرج عَلَيْهِ قِرَاءَة حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ} [الْكَهْف: 25] بِإِضَافَة مائَة وَيجوز جَرّه ب (من) فَيُقَال ثَلَاث مائَة من السنين وَنصب الْمُفْرد مَعَ مائَة وَمِائَتَيْنِ وَألف ضَرُورَة قَالَ 979 -
(إذَا عَاشَ الفتَى مائَتَيْن عَاما ... )
وَأَجَازَ ابْن كيسَان أَن يُقَال فِي السعَة الْمِائَة دِينَار وَالْألف درهما وَبَقِي مسَائِل الأولى لَا يجب التَّمْيِيز مَعَ (ثَلَاثَة) وَنَحْوهَا جمع كَثْرَة مَا أمكن جمع الْقلَّة غَالِبا وَمن جموع الْقلَّة جمع التَّصْحِيح قَالَ تَعَالَى: {سَبْعَ سَمَوَاتٍ} [الْبَقَرَة 29] و {سَبْعَ بَقَرَاتٍ} [يُوسُف: 43 - 46] {وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ} يُوسُف: 43 - 46] و {تِسْعَ آيَاتٍ} [الْإِسْرَاء: 101] وَمن الْقَلِيل: {سَبْعَ سَنَابِلَ} [الْبَقَرَة:(2/348)
261 -] و {ثَلَاثَة قُرُوء} [الْبَقَرَة: 228] {ثَمَانِي حجج} [الْقَصَص: 27] فَإِن لم يكن جمع الْقلَّة بِأَن لم يسْتَعْمل تعين جمع الْكَثْرَة نَحْو ثَلَاثَة رجال الثَّانِي لَا يجوز الْفَصْل بَين التَّمْيِيز وَالْعدَد إِلَّا فِي ضَرُورَة كَقَوْلِه: 980 -
(فِي خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ جُمَادَى لَيلَةً ... )
وَقَوله: 981 -
(ثَلَاثُونَ لِلْهَجْر حَوْلاً كمِيلا ... )
وَقَوله: 982 -
(وعِشْرون مِنْهَا أصْبعاً مِنْ وَرائِنَا ... )
الثَّالِثَة إِذا جِيءَ بنعت مُفْرد أَو جمع تكسير جَازَ الْحمل فِيهِ على التَّمْيِيز وعَلى الْعدَد نَحْو عِنْدِي عشرُون رجلا صَالحا أَو صَالح وَعِشْرُونَ رجلا كراما أَو كرام فَإِن كَانَ جمع سَلامَة تعين الْحمل على الْعدَد نَحْو عشرُون رجلا صَالِحُونَ ذكره فِي الْبَسِيط(2/349)
الرَّابِعَة يُغني عَن تَمْيِيز الْعدَد إِضَافَته إِلَى غَيره نَحْو خُذ عشرتك وعشري زيد لِأَنَّك لم تضف إِلَى غير التَّمْيِيز إِلَّا وَالْعدَد عِنْد السَّامع مَعْلُوم النَّجس فاستغني عَن الْمُفَسّر وَقد قَالَ الشَّاعِر: 983 -
(وَمَا أَنْت أَم مَا رسُوم الدِّيار ... وسِتُّوك قد قَارَبَتْ تَكْمُل)
تَمْيِيز كم الاستفهامية
(ص) مَسْأَلَة مُمَيّز (كم) الاستفهامية مَنْصُوب وَفِي جَرّه ثَالِثهَا يجوز إِن جرت وَهُوَ ب (من) مقدرَة وَقَالَ الزّجاج بإضافتها وَلَا يكون جمعا خلافًا للكوفيين مُطلقًا وللأخفش فِيمَا أُرِيد بِهِ الْأَصْنَاف وَيجوز فَصله وحذفه (ش) ختمت الْكَلَام فِي التَّمْيِيز بأنواع مِنْهُ لم تجر عَادَتهم بذكرها فِي هَذَا الْبَاب كَمَا ذكرت تَمْيِيز الْأَعْدَاد وَذَلِكَ (كم) الاستفهامية والخبرية وكأين وَكَذَا وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَن مَعَانِيهَا فِي مَبْحَث الأدوات فمميز (كم) الاستفهامية مُفْرد مَنْصُوب كمميز عشْرين وأخواته نَحْو كم شخصا سما وَقَالَ ابْن مَالك لما كَانَت الاستفهامية بِمَنْزِلَة عدد مقرون بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام أشبهت الْعدَد الْمركب فأجريت مجْرَاه بِأَن جعل مميزها كمميزة فِي النصب والإفراد وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ كَونه جمعا مُطلقًا كَمَا يجوز ذَلِك فِي (كم) الخبرية نَحْو كم غلمانا لَك ورد بِأَنَّهُ لم يسمع(2/350)
وَأَجَازَهُ الْأَخْفَش إِذا أردْت بِالْجمعِ أصنافا من الغلمان تُرِيدُ كم عنْدك من هَذِه الْأَصْنَاف وَاخْتَارَهُ بعض المغاربة فَقَالَ كم الاستفهامية لَا تفسر بِالْجمعِ إِنَّمَا هُوَ بِشَرْط أَن يكون السُّؤَال بهَا عَن عدد الْأَشْخَاص وَأما إِن كَانَ السُّؤَال عَن الْجَمَاعَات فيسوغ تمييزها بِالْجمعِ لِأَنَّهُ إِذْ ذَاك بِمَنْزِلَة الْمُفْرد وَذَلِكَ نَحْو كم رجَالًا عنْدك تُرِيدُ كم جمعا من الرِّجَال إِذا أردْت أَن تسْأَل عَن عدد أَصْنَاف الْقَوْم الَّذين عِنْده لَا عَن مبلغ أشخاصهم ويسوغ باسم الْجِنْس نَحْو كم بطا عنْدك تريدكم صنفا من البط عنْدك وَهل يجوز جر تَمْيِيز كم الاستفهامية حملا على الخبرية مَذَاهِب أَحدهَا لَا وَالثَّانِي نعم وَالثَّالِث الْجَوَاز بِشَرْط أَن يدْخل على (كم) حرف جر نَحْو على كم جذع بَيْتك مَبْنِيّ ثمَّ الْجَرّ حِينَئِذٍ ب (من) مقدرَة حذفت تَخْفِيفًا وَصَارَ الْحَرْف الدَّاخِل على (كم) عوضا عَنْهَا هَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وسيبويه وَالْفراء وَالْجَمَاعَة وَخَالف الزّجاج فَقَالَ إِنَّه بِإِضَافَة (كم) لَا بإضمار (من) ورده أَبُو الْحسن الأبذي بِأَنَّهُم حِين خفضوا بعْدهَا لم يخفضوا إِلَّا بعد تقدم حرف جر فكونهم لم يتعدوا هَذَا دَلِيل لقوم الْجَمَاعَة وَيجوز فصل تَمْيِيز (كم) الاستفهامية فِي الِاخْتِيَار وَإِن لم يجز فِي عشْرين وَإِخْوَته إِلَّا اضطرارا وَيكثر بالظرف وَالْمَجْرُور وَقد يفصل بعاملها وبالخبر نَحْو كم ضربت رجلا وَكم أَتَاك رجلا وَلَكِن اتِّصَاله هُوَ الأَصْل والأقوى وَمِمَّا وَجه بِهِ جَوَاز الْفَصْل فِيهَا أَنَّهَا لما لَزِمت الصَّدْر ونظيرها من الْأَعْدَاد الَّتِي ينصب تمييزها لَيْسَ كَذَلِك بل يَقع صدر أَو غير جعل هَذَا الْقدر من التَّصَرُّف فِيهَا عوضا من ذَلِك التَّصَرُّف الَّذِي سلبته وَيجوز حذف تمييزها نَحْو كم ضربت رجلا على أَن رجلا مفعول ضربت والتمييز مَحْذُوف وَكم رجل جَاءَك أَي كم مرّة أَو يَوْمًا وَرجل مُبْتَدأ وَمَا بعده الْخَبَر(2/351)
تَمْيِيز كم الخبرية
(ص) والخبرية مجرورة بإضافتها وَقيل ب (من) وَينصب إِن فصل ودونه لُغَة وجره مَفْعُولا بظرف ضَرُورَة وَثَالِثهَا يجوز إِن كَانَ نَاقِصا وبجملة ثَالِثهَا يجوز فِي الشّعْر فَقَط وَيكون جمعا وَقيل شَاذ على معنى الْوَاحِد وَقيل إِن لم ينصب وَالأَصَح جَوَاز حذفه وَثَالِثهَا إِن لم يقدر مُضَافا وَرَابِعهَا يفتح إِن لم يقدر مَنْصُوبًا وَمنع نَفْيه فيهمَا (ش) تَمْيِيز (كم) الخبرية مجرور وَيكون مُفردا وجمعا قَالَ: 984 -
(كم عَمّةٍ لَك يَا جريرُ وخالةٍ ... )
وَقَالَ: 985 -
(كَمْ مُلوكٍ باد مُلْكُهُمُ ... )(2/352)
والإفراد أَكثر من الْجمع وأفصح حَتَّى زعم بَعضهم أَن تمييزها بِالْجمعِ شَاذ وَعَلِيهِ العكبري فِي شرح الإفصاح وَقيل يكون الْجمع على معنى الْوَاحِد فَإِذا قلت كم رجال كَأَنَّك قلت كم جمَاعَة من الرِّجَال ثمَّ الْجَرّ بإضافتها إِلَيْهِ عِنْد الْبَصرِيين وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: بِمن مقدرَة حذفت وأبقي عَملهَا كَمَا فِي قَوْله: 986 -
(رَسْم دَار وقَفْتُ فِي طَلَلِهْ ... )
وَضعف بِأَن إِضْمَار حرف الْجَرّ وإبقاء عمله إِنَّمَا يكون فِي ضَرُورَة أَو شذوذ فَإِن فصل نصب حملا على الاستفهامية كَقَوْلِه: 987 -
(كم نالني مِنْهُمُ فَضْلاً على عَدَم ... )(2/353)
وَرُبمَا ينصب غير مفصول رُوِيَ (كم عمَّة لَك) الْبَيْت بِالنّصب وَذكر بَعضهم أَن النصب بِلَا فصل لُغَة تَمِيم وَذكره سِيبَوَيْهٍ عَن بعض الْعَرَب قَالَ أَبُو حَيَّان وَهِي لُغَة قَليلَة وَإِذا نصب بفصل أَو بِغَيْر فصل جَازَ كَونه أَيْضا مُفردا أَو جمعا كَمَا إِذا جر هَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور وَذهب الْأُسْتَاذ أَبُو عَليّ وَابْن هِشَام الخضراوي إِلَى أَنَّهَا إِذا نصب تمييزها الْتزم فِيهِ الْإِفْرَاد لِأَن الْعَرَب التزمته فِي كل تَمْيِيز مَنْصُوب عَن عدد أَو كِنَايَة ككم الاستفهامية وكأين وَكَذَا ورد بِأَن ذَلِك فِيمَا يجب نَصبه لَا فِيمَا يجوز نَصبه وجره وَهل يجوز جَرّه مَعَ الْفَصْل بظرف أَو مجرور مَذَاهِب: أَصَحهَا لَا لما فِيهِ من الْفَصْل بَين المتضايفين وَذَلِكَ مَمْنُوع إِلَّا فِي ضَرُورَة نَحْو: 988 -
(كَمْ بجُودٍ مُقْرفٍ نَالَ العُلَى ... وكريم بُخْلُهُ قَدْ وَضَعَهْ)(2/354)
وَالثَّانِي نعم وَعَلِيهِ الْكُوفِيُّونَ بِنَاء على رَأْيهمْ أَن الْجَرّ بِمن مضمرة وَيُونُس بِنَاء على رَأْيه من جَوَاز الْفَصْل بَين المتضايفين فِي الِاخْتِيَار بذلك وَالثَّالِث الْجَوَاز إِن كَانَ الظّرْف أَو الْمَجْرُور نَاقِصا نَحْو كم بك مَأْخُوذ أَتَانِي وَكم الْيَوْم جَائِع جَاءَنِي وَالْمَنْع إِن كَانَ تَاما ورد بِأَن الْعَرَب لم تفرق بَين الظّرْف التَّام والناقص فِي الْفَصْل بل تجريهما مجْرى وَاحِدًا فَإِن كَانَ الْفَصْل بجملة لم يجز الْجَرّ فِي كَلَام وَلَا فِي شعر عِنْد الْبَصرِيين لِأَن الْفَصْل بِالْجُمْلَةِ بَين المتضايفين لَا يجوز الْبَتَّةَ وَجوزهُ الْكُوفِيُّونَ فيهمَا بِنَاء على أَن الْجَرّ بِمن لَا بِالْإِضَافَة وَجوزهُ الْمبرد فِي الشّعْر فَقَط وَرُوِيَ قَوْله: 989 -
(كَمْ نَالَنِي مِنْهُمُ فَضْل على عَدَم ... )
بِالْجَرِّ وَيجوز حذف تَمْيِيز (كم) الخبرية وَلَا يجوز كَون الْمُمَيز منفيا لَا فِي الاستفهامية وَلَا فِي الخبرية لَا يُقَال كم لَا رجلا جَاءَك وَلَا كم لَا رجل صَحِبت نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ وَأَجَازَ ذَلِك بعض النَّحْوِيين نعم يجوز الْعَطف عَلَيْهِ بِالنَّفْيِ نَحْو كم فرس ركبت لَا فرسا وَلَا فرسين أَي كثيرا من الأفراس ركبت لَا قَلِيلا
تَمْيِيز كأين
(ص) ومميز كأين بِمن غَالِبا وَقَالَ ابْن عُصْفُور لَازِما وَمَعَ فقدها بإضمارها وَقيل بِالْإِضَافَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يجمع وحذفه سَائِغ أَو ضَعِيف أَو مَمْنُوع أَقْوَال وَالأَصَح أَلا يفصل(2/355)
(ش) مُمَيّز كأين الْأَكْثَر جَرّه بِمن ظَاهِرَة قَالَ تَعَالَى: {وكأين من آيَة} [يُوسُف: 105] {وكأين من نَبِي} [آل عمرَان: 146] {وكأين من دَابَّة} [العنكبوت: 60] قَالَ ابْن حَيَّان وَيظْهر من كلا سِيبَوَيْهٍ أَن (من) هُنَا لتأكيد الْبَيَان فَهِيَ زَائِدَة قَالَ وَقد يُقَال إِنَّهَا تزاد فِي غير الْوَاجِب فَيُقَال إِن هَذَا روعي فِيهِ أَصله من الِاسْتِفْهَام وَهُوَ غير وَاجِب وَينصب قَلِيلا قَالَ الشَّاعِر: 990 -
(وكَائِنْ لنَا فَضْلاً عَلَيْكُمْ ونِعْمَةً ... )
وَقَالَ: 991 -
(اطْرُدِ اليَأس بالرَّجَا فَكَأيِّنْ ... آلِماً حُمَّ يُسْرُهُ بَعْدَ عُسر)
وَزعم ابْن عُصْفُور أَن جَرّه بِمن لَازم وَأَنه لَا ينصب قَالَ فِي الْمُغنِي وَيَردهُ نَص سِيبَوَيْهٍ على خِلَافه وَيجوز جَرّه مَعَ فقد (من) قَالَ أَبُو حَيَّان إِلَّا أَنه لَا يحفظ فَإِن جَاءَ كَانَ على إِضْمَار (من) وَهُوَ مَذْهَب الْخَلِيل وَالْكسَائِيّ وَلَا يحمل على إِضَافَة كأين كَمَا ذهب إِلَيْهِ ابْن كيسَان لِأَنَّهُ لَا يجوز إضافتها إِذْ المحكى لَا يُضَاف وَلِأَن فِي آخرهَا تنوينا فَهُوَ مَانع من الْإِضَافَة أَيْضا وَقد قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِن جرها أحد من الْعَرَب فعسي أَن يجرها بإضمار (من) انْتهى وَقَالَ ابْن خروف يكون فِي مميزها النصب وَيجوز الْجَرّ ب (من) وَبِغير (من) بفصل وَبِغير فصل(2/356)
قَالَ أَبُو حَيَّان ومقتضي الِاسْتِقْرَار أَن تَمْيِيز (كأين) لَا يكون جمعا فَلَيْسَتْ كَمثل (كم) الخبرية فِي ذَلِك وَاخْتلف فِي جَوَاز حذفه فجوزه الْمبرد وَالْأَكْثَرُونَ وَقَالَ صَاحب الْبَسِيط إِنَّه ضَعِيف للُزُوم (من) فَفِيهِ حذف عَامل ومعمول قَالَ أَبُو حَيَّان وَمن يَقُول بِجَوَاز حذفه لَا يلْتَزم أَنه حذف وَهُوَ مجرور بِمن بل حذف وَهُوَ مَنْصُوب كَمَا حذف من (كم) الاستفهامية وَهُوَ مَنْصُوب والأفصح اتِّصَال تَمْيِيز (كأين) بهَا وَكَذَا وَقعت فِي الْقُرْآن وَيجوز الْفَصْل بَينهمَا بِالْجُمْلَةِ وبالظرف قَالَ: 992 -
(وكائِنْ رَدَدْنًا عَنْكُمُ مِنْ مُدَجّج ... )
وَقَالَ: 993 -
(وكائِنْ بالأباطح مِنْ صَديق ... )
تَمْيِيز كَذَا
(ص) ومميز (كَذَا) لَا يجر بِمن وفَاقا وَلَا بِالْإِضَافَة وَلَا الْبَدَلِيَّة وَلَا يرفع وَلَا يجمع خلافًا لزاعميها (ش) مُمَيّز (كَذَا) لَا يكون إِلَّا مُفردا مَنْصُوبًا قَالَ الشَّاعِر: 944 -
(عِدِ النّفْسَ نُعْمَى بَعْد بُوساك ذَاكرًا ... كَذَا وَكَذَا لُطْفاً بِهِ نُسِيَ الْجُهْدُ)(2/357)
وَلَا يجوز جَرّه بِمن اتِّفَاقًا وَلَا بِالْإِضَافَة خلافًا للكوفيين وأجازوا فِي غير تكْرَار وَلَا عطف أَن يُقَال كَذَا ثوب وَكَذَا أَثوَاب قِيَاسا على الْعدَد الصَّرِيح ورد بِأَن المحكى لَا يُضَاف وَبِأَن فِي آخرهَا اسْم الْإِشَارَة وَاسم الْإِشَارَة لَا يُضَاف وَأَجَازَ بَعضهم كَذَا دِرْهَم بِالْجَرِّ على الْبَدَل وَجوز الْكُوفِيُّونَ الرّفْع بعد (كَذَا) قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ خطأ لِأَنَّهُ لم يسمع وجوزوا الْجمع بعد الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة(2/358)
نواصب الْمُضَارع
أَن
(ص) نواصب الْمُضَارع (أَن) يُقَال (عَن) وَهِي الموصولة بالماضي خلافًا لِابْنِ طَاهِر لَا بعد يَقِين غير مؤول فِي الْأَصَح وَيجوز فِي تلو (ظن) الرّفْع مُخَفّفَة وَكَذَا خوف تَيَقّن مخوفه فِي الْأَصَح وَالأَصَح لَا تعْمل زَائِدَة وَلَا يتَقَدَّم مَعْمُول معمولها وَثَالِثهَا يجوز مَعَ أُرِيد وَعَسَى وَلَا يفصل وَقيل يجوز بظرف وَقيل بِشَرْط وترفع إهمالا على الْأَصَح وَعَن الْكسَائي لَا يُقَاس وَلَا تجزم وَحَكَاهُ الرُّؤَاسِي واللحياني وَأَبُو عُبَيْدَة لُغَة وَتَقَع مُبْتَدأ وخبرا ومعمول حرف نَاسخ وَجَاز ولكان وَظن وَبَعض المغاربة وَفعل غير الْجَزْم ومضاف خلافًا لِابْنِ الطراوة لَا بِمَعْنى (الَّذِي) خلافًا لِابْنِ الذكي (ش) لما أنهيت منصوبات الْأَسْمَاء عقبت بمنصوبات الْأَفْعَال كَمَا ذكر عقب المرفوعات الْمُضَارع الْمَرْفُوع فنواصب الْفِعْل الْمُضَارع أَرْبَعَة أحرف(2/359)
أَحدهَا (أَن) وَهِي أم الْبَاب قَالَ أَبُو حَيَّان بِدَلِيل الِاتِّفَاق عَلَيْهَا وَالِاخْتِلَاف فِي (لن) و (إِذن) و (كي) وَيُقَال فِيهَا (عَن) بإبدال الْهمزَة عينا وَأَن هَذِه الناصبة للمضارع هِيَ الَّتِي توصل بالماضي فِي نَحْو: {أَن كَانَ ذَا مَال وبنين} [الْقَلَم: 14] وبالأمر فِي نَحْو كتبت إِلَيْهِ أَن قُم وبالنهي فِي نَحْو كتبت إِلَيْهِ أَلا تفعل وَزعم أَبُو بكر بن طَاهِر أَنَّهَا غَيرهَا فَتكون (أَن) على مذْهبه مُشْتَركَة أَو متجوزا بهَا وَاسْتدلَّ لذَلِك بأمرين أَحدهمَا أَنَّهَا تخلص للاستقبال فَلَا تدخل على الْمَاضِي كالسين وسوف وَكَذَا الْأَمر وَالثَّانِي أَنا لَو فَرضنَا دُخُولهَا على الْمَاضِي لوَجَبَ أَن تصيره بِصِيغَة الْمُضَارع كلم لما دخلت على الْمَاضِي قلبت صيغته إِلَى الْمُضَارع لتعمل فِيهِ وَشرط نصب الْمُضَارع بعد (أَن) أَلا تقع بعد فعل يَقِين كعلم وَتحقّق وتيقن وَنَحْوهَا فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ المخففة من الثَّقِيلَة نَحْو: {علم أَن سَيكون} [المزمل: 20] خلافًا للفراء حَيْثُ جوز أَن تلِي أَن الناصبة للمضارع لفظ الْعلم وَمَا فِي مَعْنَاهُ مستدلا بِقِرَاءَة {أَفلا يرَوْنَ أَلا يرجع إِلَيْهِم} [طه: 89] بِالنّصب وَهِي بمعني أَفلا يعلمُونَ وَبقول جرير: 995 -
(نَرْضَى عَن الله أنّ النّاس قَدْ عَلِمُوا ... ألاّ يُدانِينَا مِنْ خَلْقهِ أحَدُ)(2/360)
وَأجِيب بِأَن الْعلم إِنَّمَا يمْتَنع وُقُوع أَن الناصبة بعده إِذا بَقِي على مَوْضِعه الْأَصْلِيّ أما إِذا أول بِالظَّنِّ وَاسْتعْمل اسْتِعْمَاله فَإِنَّهُ يجوز فِيهِ ذَلِك وَالدَّلِيل على اسْتِعْمَال الْعلم بمعني الظَّن قَوْله تَعَالَى: {فَإِن علمتموهن مؤمنات} [الممتحنة: 10] فَإِن المُرَاد بِالْعلمِ فِيهِ الظَّن الْقوي إِذْ الْقطع بإيمانهن غير متوصل إِلَيْهِ وَمنع الْمبرد النصب أَيْضا فِي المؤول بِالظَّنِّ فَقولِي فِي الْأَصَح رَاجع إِلَى المستثني والمستثني مِنْهُ جَمِيعًا وَيجوز فِي الْوَاقِعَة بعد الظَّن الرّفْع على أَنَّهَا المخففة من الثَّقِيلَة وَهُوَ قَلِيل وَالْأَكْثَر فِي لِسَان الْعَرَب النصب بعده قَالَ تَعَالَى: {أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا} [العنكبوت: 2] وَقُرِئَ بِالْوَجْهَيْنِ {وَحَسبُوا أَلا تكون فتْنَة} [الْمَائِدَة: 71] قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَيْسَ فِي الْوَاقِعَة بعد الشَّك إِلَّا النصب وَفِي الْوَاقِعَة بعد فعل خوف تَيَقّن مخوفه نَحْو خفت أَلا تقوم وَخفت أَلا تكرمني قَولَانِ أصَحهمَا جَوَاز الرّفْع كَمَا بعد الظَّن وَقد سمع قَالَ أَبُو محجن: 996 -
(أَخَاف إِذا مَا مِتّ أنْ لَا أذْوقُها ... )(2/361)
وَالثَّانِي تعين النصب وَعَلِيهِ الْمبرد وَلَا تعْمل أَن الزَّائِدَة عِنْد الْجُمْهُور لِأَنَّهَا لَا تخْتَص بِدَلِيل دُخُولهَا على الْفِعْل الْمَاضِي فِي قَوْله: {فَلَمَّا أَن جَاءَ البشير} [يُوسُف: 96] وَلَا يعْمل إِلَّا الْمُخْتَص وَجوز الْأَخْفَش إعمالها حملا لَهَا على المصدرية وَقِيَاسًا على الْبَاء الزَّائِدَة حَيْثُ تعْمل الْجَرّ وَفرق بِأَن الْبَاء الزَّائِدَة تخْتَص بِالِاسْمِ وَلَا يجوز تَقْدِيم مَعْمُول مَعْمُول أَن الناصبة عَلَيْهَا لِأَنَّهَا حرف مصدري ومعمولها صلَة لَهَا ومعمولة من تَمام الصِّلَة فَكَمَا لَا تتقدم الصِّلَة لَا يتَقَدَّم معمولها هَذَا مَذْهَب الْبَصرِيين وَجوز الْفراء تَقْدِيمه لقَوْله: 997 -
(كَانَ جَزائي بالعصًا أنْ أُجْلَدا ... )
فَقَوله (بالعصا) مُتَعَلق ب (أجلد) وَأجِيب بندوره أَو تَأْوِيله على تَقْدِير مُتَعَلق دلّ عَلَيْهِ الْمَذْكُور وَنقل ابْن كيسَان عَن الْكُوفِيّين الْجَوَاز فِي نَحْو طَعَامك أُرِيد أَن آكل وطعامك عَسى أَن آكل وَلَا يجوز فصل أَن الناصبة من الْفِعْل لَا بظرف وَلَا بمجرور وَلَا قسم وَلَا غير ذَلِك هَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور وَجوزهُ بَعضهم بالظرف وَشبهه نَحْو أُرِيد أَن عِنْدِي تقعد وَأُرِيد أَن فِي الدَّار تقعد قِيَاسا على أَن الْمُشَدّدَة حَيْثُ يجوز ذَلِك فِيهَا بِجَامِع مَا اشْتَركَا فِيهِ من المصدرية وَالْعَمَل وَجوزهُ الْكُوفِيُّونَ بِالشّرطِ نَحْو أردْت أَن إِن تزرني أزورك بِالنّصب مَعَ تجويزهم الإلغاء أَيْضا وَجزم أزورك جَوَابا وَيجوز إهمال (أَن) حملا على أُخْتهَا مَا المصدرية فيرفع الْفِعْل بعْدهَا وَخرج عَلَيْهِ قِرَاءَة {أَن يتم الرضَاعَة} [الْبَقَرَة: 233] بِالرَّفْع وَقيل لَا وَأَن الْمَرْفُوع بعْدهَا الْفِعْل مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة لَا المصدرية وَعَلِيهِ الْكُوفِيُّونَ(2/362)
وَلَا يجوز الْجَزْم ب (أَن) عِنْد الْجُمْهُور وَجوزهُ بعض الْكُوفِيّين قَالَ الرُّؤَاسِي من الْكُوفِيّين فصحاء الْعَرَب ينصبون بِأَن وَأَخَوَاتهَا الْفِعْل ودونهم قوم يرفعون بهَا ودونهم قوم يجزمون بهَا وَأنْشد على الْجَزْم: 998 -
(أُحَاذِرُ أنْ تَعْلَمْ بهَا فَتَرُدّها ... )
وَمِمَّنْ حكى الْجَزْم بهَا لُغَة من الْبَصرِيين أَبُو عُبَيْدَة واللحياني وَزَاد أَنَّهَا لُغَة بني صباح ثمَّ لما كَانَت أَن مَعَ معمولها فِي تَقْدِير الِاسْم تسلط عَلَيْهَا الْعَامِل الْمَعْنَوِيّ واللفظي فَتَقَع مُبْتَدأ نَحْو: {وَأَن تَصُومُوا خير لكم} [الْبَقَرَة: 184] وَخبر مُبْتَدأ نَحْو الْأَمر أَن تفعل كَذَا وَلَا يكون مبتدؤها إِلَّا مصدرا فَإِن وَقع جثة أول ومعمولا لحرف نَاسخ نَحْو إِن عِنْدِي أَن تخرج وَلَا بُد أَن يكون أحد الجزأين مصدرا إِلَّا فِي لَعَلَّ فَيجوز أَن يكون جثة نَحْو لَعَلَّ زيد أَن يخرج حملا على (عسي)(2/363)
ومعمولا بِحرف جر وَيكثر حذفه ومعمولا لَكَانَ وَأَخَوَاتهَا اسْما وخبرا نَحْو كَانَ أَن تقعد خيرا من قيامك وَتَكون عُقُوبَتك أَن أعزلك ومعمولا لظن وَأَخَوَاتهَا مَفْعُولا أَولا وَثَانِيا نَحْو ظَنَنْت أَن تقوم خيرا من أَن تقعد وَقَوله: 999 -
(إِنِّي رَأَيْت من المكارم حَسْبَكُم ... أَن تَلْبَسُوا خَزّ الثِّيابِ وتَشْبَعُوا)
أَي لبس الثِّيَاب ومعمولا لبَعض أَفعَال المقاربة ولغيرها من أَفعَال غير الْجَزْم نَحْو طلبت مِنْك أَن تقوم وَأَرَدْت أَن تفعل وبدا لي أَن أقوم بِخِلَاف أَفعَال الْجَزْم لَا يُقَال فعلت أَن أقوم أَي الْقيام وَلَا أَعطيتك أَن تأمن أَي الْأمان ومعمولا لاسم مُضَاف نَحْو إِنَّه أهل أَن يفعل ومخافة أَن تفعل وأجيء بعد أَن تقوم وَقبل أَن تخرج وَقَالَ ابْن الطراوة لَا يجوز أَن يُضَاف إِلَى أَن ومعمولها لِأَن مَعْنَاهَا التَّرَاخِي فَمَا بعْدهَا فِي جِهَة الْإِمْكَان وَلَيْسَ بِثَابِت وَالنِّيَّة فِي الْمُضَاف إِثْبَات عينه بِثُبُوت عين مَا أضيف إِلَيْهِ فَإِذا كَانَ مَا أضيف إِلَيْهِ غير ثَابت فِي نَفسه فَإِن ثُبُوت غَيره محَال
لن
(ص) (لن) بسيطة وَقَالَ الْخَلِيل من (لَا أَن) وَالْفراء لَا النافية أبدلت نونا وَإِنَّمَا تنصب مُسْتَقْبلا وتفيد نَفْيه وَكَذَا التَّأْكِيد لَا التَّأْبِيد على الْمُخْتَار(2/364)
وَقَالَ بعض البيانين لنفي مَا قرب وَالْمُخْتَار وفَاقا لِابْنِ عُصْفُور ترد للدُّعَاء وَيقدم مَعْمُول معمولها خلافًا للأخفش الصَّغِير وَلَا يفصل اخْتِيَار وَجوزهُ الْكسَائي بقسم ومعمول وَالْفراء بِشَرْط وأظن وتهمل وَحكى اللحياني الْجَزْم بهَا (ش) الثَّانِي من نواصب الْمُضَارع (لن) وَالْجُمْهُور أَنَّهَا حرف بسيط لَا تركيب فِيهَا وَلَا إِبْدَال وَقَالَ الْخَلِيل وَالْكسَائِيّ إِنَّهَا مركبة من (لَا أَن) فأصلها (لَا أَن) حذفت الْهمزَة لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال كَمَا حذفت فِي قَوْلهم ويلمه وَالْأَصْل ويل أمه ثمَّ حذفت الْألف لالتقاء الساكنين ألف (لَا) وَنون (أَن) فَصَارَت (لن) وَالْحَامِل لَهما على ذَلِك قربهَا فِي اللَّفْظ من (لَا أَن) وَوُجُود معنى (لَا) و (أَن) فِيهَا وَهُوَ النَّفْي والتخليص للاستقبال وَقَالَ الْفراء هِيَ لَا النافية أبدل من ألفها نون وَحمله على ذَلِك اتِّفَاقهمَا فِي النَّفْي وَنفي المستقيل وَجعل (لَا) أصلا لِأَنَّهَا أقعد فِي النَّفْي من (لن) لِأَن (لن) لَا تَنْفِي إِلَّا الْمُضَارع وَقد ذكرت رد الْقَوْلَيْنِ فِي حَاشِيَة الْمُغنِي وتنصب (لن) الْمُسْتَقْبل أَي أَنَّهَا تخلص الْمُضَارع إِلَى الِاسْتِقْبَال وتفيد نَفْيه ثمَّ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور أَنَّهَا تنفيه من غير أَن يشْتَرط أَن يكون النَّفْي بهَا آكِد من النَّفْي بِلَا وَذهب الزَّمَخْشَرِيّ فِي مفصله إِلَى أَن (لن) لتأكيد مَا تعطيه (لَا) من نفي الْمُسْتَقْبل قَالَ تَقول لَا أَبْرَح الْيَوْم مَكَاني فَإِذا أكدت وشددت قلت لن أَبْرَح الْيَوْم قَالَ تَعَالَى: {لَا أَبْرَح حَتَّى أبلغ مجمع الْبَحْرين} [الْكَهْف: 60] وَقَالَ: {فَلَنْ أَبْرَح الأَرْض حَتَّى يَأْذَن لي أبي} [يُوسُف: 80] وَذهب الزَّمَخْشَرِيّ فِي أنموذجه إِلَى أَنَّهَا تفِيد تأبيد النَّفْي قَالَ فقولك لن أَفعلهُ كَقَوْلِك لَا أَفعلهُ أبدا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {لن يخلقوا ذبابا} [الْحَج: 73] قَالَ ابْن مَالك وَحمله على ذَلِك اعْتِقَاده فِي (لن تراني)(2/365)
أَن الله لَا يري وَهُوَ بَاطِل ورده غَيره بِأَنَّهَا لَو كَانَت للتأبيد لم يُقيد منفيها بِالْيَوْمِ فِي {فَلَنْ أكلم الْيَوْم إنسيا} [مَرْيَم: 26] وَلم يَصح التَّوْقِيت فِي قَوْله {لن نَبْرَح عَلَيْهِ عاكفين حَتَّى يرجع إِلَيْنَا مُوسَى} [طه: 91] ولكان ذكر (الْأَبَد) فِي قَوْله {وَلنْ يَتَمَنَّوْهُ أبدا} [الْبَقَرَة: 95] تكْرَار إِذْ الأَصْل عَدمه وَبِأَن استفادة التَّأْبِيد فِي آيَة {لن يخلقوا ذبابا} [الْحَج: 73] من خَارج وَقد وَافقه على إِفَادَة التَّأْبِيد ابْن عَطِيَّة وَقَالَ فِي قَوْله {لن تراني} [الْأَعْرَاف: 143] لَو بَقينَا على هَذَا النَّفْي لتضمن أَن موسي لَا يرَاهُ أبدا وَلَا فِي الْآخِرَة لَكِن ثَبت فِي الحَدِيث الْمُتَوَاتر
(أَن أهل الْجنَّة يرونه) وَوَافَقَهُ على إِفَادَة التَّأْكِيد جمَاعَة مِنْهُم ابْن الخباز بل قَالَ بَعضهم إِن مَنعه مُكَابَرَة فَلِذَا اخترته دون التَّأْبِيد وَأغْرب عبد الْوَاحِد الزملكاني فَقَالَ فِي كِتَابه (التِّبْيَان فِي الْمعَانِي وَالْبَيَان) إِن (لن) لنفي مَا قرب وَلَا يَمْتَد معنى النَّفْي فِيهَا قَالَ وسر ذَلِك أَن الْأَلْفَاظ مشاكلة للمعاني (وَلَا) آخرهَا ألف وَالْألف يكون امتداد الصَّوْت بهَا بِخِلَاف النُّون وَنقل ذَلِك عَنهُ ابْن عُصْفُور وَأَبُو حَيَّان ورداه وَالْجُمْهُور على أَن الْفِعْل بعد (لن) لَا يخرج عَن كَونه خَبرا كحاله بعد سَائِر حُرُوف النَّفْي غير لَا وَذهب قوم إِلَى أَنه قد يخرج بعد (لن) إِلَى الدُّعَاء كحاله بعد لَا قَالَ الشَّاعِر فِي (لَا) :(2/366)
1000 -
(وَلَا زالَ مُنْهَلاًّ بجَرْعَائِكِ الْقَطْرُ ... )
وَقَالَ فِي لن: 1001 -
(لن تَزالوا كذلِكُم ثمَّ لَا زلْت ... لكم خَالِداً خُلودَ الجبَال)
وَهَذَا القَوْل اخْتَارَهُ ابْن عُصْفُور وَهُوَ الْمُخْتَار عِنْدِي لِأَن عطف الدُّعَاء فِي الْبَيْت قرينَة ظَاهِرَة فِي أَن الْمَعْطُوف عَلَيْهِ دُعَاء لَا خبر وَتقدم مَعْمُول مَعْمُول (لن) عَلَيْهَا جَائِز خلاف مَعْمُول مَعْمُول (أَن) إِذْ لَا مَصْدَرِيَّة فِيهَا وَقد قَالُوا إِن (لن أضْرب) نفي ل (سأضرب) فَكَمَا جَازَ زيدا سأضرب جَازَ زيدا لن أضْرب وَمنعه الْأَخْفَش الصَّغِير أَبُو الْحسن عَليّ بن سُلَيْمَان الْبَغْدَادِيّ لِأَن النَّفْي لَهُ صدر الْكَلَام فَلَا يقدم مَعْمُول معموله عَلَيْهِ كَسَائِر حُرُوف النَّفْي وَلَا يجوز الْفَصْل بَين (لن) وَبَين الْفِعْل فِي الِاخْتِيَار لِأَنَّهَا مَحْمُولَة على سيفعل وَكَذَلِكَ لم يجز لن تفعل وَلَا تضرب زيدا بِنصب (تضرب) لِأَن الْوَاو كالعامل فَلَا يفصل بَينهَا ويبن الْفِعْل ب (لَا) كَمَا لَا يُقَال لن لَا تضرب زيدا هَذَا مَذْهَب الْبَصرِيين وَهِشَام وَاخْتَارَ الْكسَائي الْفَصْل بالقسم ومعمول الْفِعْل نَحْو لن وَالله أكْرم زيدا وَلنْ زيدا أكْرم وَوَافَقَهُ الْفراء على الْقسم وَزَاد جَوَاز الْفَصْل ب (أَظن) نَحْو لن أَظن أزورك بِالنّصب وبالشرط نَحْو لن إِن تزرني أزورك بِالنّصب وَجوز الإلغاء والجزم جَوَابا قَالَ أَبُو حَيَّان وَأَصْحَاب الْفراء لَا يفرقون بَين لن وَالْفِعْل اخْتِيَارا وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن (لن) وَأَخَوَاتهَا من الْحُرُوف الناصبة للأفعال بِمَنْزِلَة إِن وَأَخَوَاتهَا من الْحُرُوف الناصبة للأسماء فَكَمَا لَا يجوز الْفَصْل بَين إِن وَاسْمهَا لَا يجوز بَين لن وَأَخَوَاتهَا وَالْفِعْل بل الْفَصْل بَين عوامل الْأَفْعَال وَالْأَفْعَال أقبح مِنْهُ بَين عوامل الْأَسْمَاء والأسماء لِأَن عوامل الْأَفْعَال أَضْعَف من عوامل الْأَسْمَاء(2/367)
وَحكى اللحياني الْجَزْم بلن لُغَة وَأنْشد عَلَيْهِ: 1002 -
(لنْ يَخِبِ الْآن مِنْ رجَائِكَ مَنْ ... حرّك مِنْ دُون بَابكَ الْحَلَقَهْ)
كي
(ص) كي إِن كَانَت الموصولة فالنصب بهَا عِنْد الْجُمْهُور أَو الجارة فبأن مضمرة وَجوز الكوفية إظهارها وتتعين الأولى بعد اللَّام وَالثَّانيَِة قبلهَا وتترجح مَعَ إِظْهَار أَن وَأنكر الكوفية كَونهَا جَارة وَقوم كَونهَا ناصبة وَلَا تفِيد الناصبة عِلّة وَلَا تتصرف بل تجر بِاللَّامِ وَيجوز تَأْخِير معلولها والفصل بِلَا النافية وَمَا الزَّائِدَة وَبِهِمَا لَا بِغَيْر ذَلِك وَجوزهُ الْكسَائي بمعمول وَقسم وَشرط وَلَا عمل وَابْن مَالك وَولده وتعمل وَلَا يقدم مَعْمُول منصوبها وَلَا على الْمَعْمُول فِي الْأَصَح وَجوز الكوفية والمبرد النصب ب (كَمَا) (ش) الثَّالِث من نواصب الْمُضَارع كي وَمذهب سِيبَوَيْهٍ والأكثرين أَنَّهَا حرف مُشْتَرك فَتَارَة تكون حرف جر بِمَعْنى اللَّام فتفهم الْعلَّة وَتارَة تكون حرفا تنصب الْمُضَارع بعده وَاخْتلف هَؤُلَاءِ فمذهب سِيبَوَيْهٍ أَنَّهَا تنصب بِنَفسِهَا وَمذهب الْخَلِيل والأخفش أَن (أَن) مضمرة بعْدهَا وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّهَا مُخْتَصَّة بِالْفِعْلِ فَلَا تكون جَارة فِي الِاسْم وَقيل إِنَّهَا مُخْتَصَّة بِالِاسْمِ فَلَا تكون ناصبة للْفِعْل(2/368)
وَاحْتج من قَالَ إِنَّهَا مُشْتَركَة بِأَنَّهُ سمع من كَلَام الْعَرَب جِئْت لكَي أتعلم وَسمع من كَلَامهم كيمه فَأَما لكَي أتعلم فَهِيَ ناصبة بِنَفسِهَا لدُخُول حرف الْجَرّ عَلَيْهَا وَلَيْسَت فِيهِ حرف جر لِأَن حرف الْجَرّ لَا يدْخل على حرف الْجَرّ وَأما كيمه فَهِيَ حرف جر بمعني اللَّام كَأَنَّهُ قَالَ لمه وَوجه الِاسْتِدْلَال من هَذَا اللَّفْظ أَنه قد تقرر من لِسَان الْعَرَب أَن (مَا) الاستفهامية إِذا دخل عَلَيْهَا حرف الْجَرّ حذفت ألفها نَحْو بِمَ وَلم وفيم وَعم فَإِذا وقف عَلَيْهَا جَازَ أَن تلحقها هَاء السكت وَيدل أَيْضا على أَنَّهَا جَارة دُخُولهَا على (مَا) المصدرية كَقَوْلِه: 1003 -
(يُراد الْفَتى كَيْما يَضُرُّ ويَنْفَعُ ... )
فَرفع الْفِعْل على معني يُرَاد الفتي للضر والنفع وَأما جِئْت كي أتعلم فَيحمل عِنْدهم أَن تكون الناصبة بِنَفسِهَا إِذْ قد ثَبت أَنَّهَا تنصب بِنَفسِهَا فَتكون بمعني أَن وَاللَّام الْمُقْتَضِيَة للتَّعْلِيل محذوفة كَمَا تحذف فِي جِئْت أَن تعلم وَيحْتَمل عِنْدهم أَن تكون الجارة وَتَكون أَن مضمرة بعْدهَا كَمَا أضمرت بعد غَيرهَا من الْحُرُوف عَليّ مَا سَيَأْتِي بَيَانه وَيَبْنِي على هَذَا الْمَذْهَب فرع وَهُوَ أَنه هَل يجوز أَن تدخل كي على (لَا) أم لَا يجوز وَالْجَوَاب أَنَّك إِن قدرتها الجارة لم يجز لِأَن (كي) كاللام فَلَا تدخل عَلَيْهَا إِلَّا مَعَ (أَن) كَمَا فِي اللَّام نَحْو {لِئَلَّا يعلم} [الْحَدِيد: 29] وَإِن قدرتها الناصبة جَازَ نَحْو كَيْلا تقدم(2/369)
وَهِي إِذا كَانَت ناصبة لَا يفهم مِنْهَا السَّبَبِيَّة لِأَنَّهَا مَعَ الْفِعْل بعْدهَا بِتَأْوِيل الْمصدر كَأَن وَلَا تتصرف تصرف (أَن) فَلَا تقع مُبتَدأَة وَلَا فاعلة وَلَا مفعولة وَلَا مجرورة بِغَيْر اللَّام وتتعين الناصبة بعد اللَّام نَحْو جِئْت لكَي أتعلم لِئَلَّا يجمع بَين حرفي جر وَدخُول اللَّام على الناصبة لكَونهَا مَوْصُولَة كَأَن وَلذَلِك شبه سِيبَوَيْهٍ إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى وتتعين الجارة إِذا جَاءَت قبل اللَّام نَحْو جِئْت كي لأقرأ فكي حرف جر وَاللَّام تَأْكِيد لَهَا وَأَن مضمرة بعْدهَا وَلَا يجوز أَن تكون كي ناصبة للفصل بَينهَا وَبَين الْفِعْل بِاللَّامِ وَلَا يجوز الْفَصْل بَين الناصبة وَالْفِعْل بالجار وَلَا بِغَيْرِهِ وَلَا يجوز أَن تكون كي زَائِدَة لِأَن (كي) لم يثبت زيادتها فِي غير هَذَا الْموضع فَيحمل هَذَا عَلَيْهِ وَهَذَا التَّرْكِيب أَي مَجِيء (كي) قبل اللَّام نَادِر وَمِنْه قَول الطرماح: 1004 -
(كَادُوا بنَصْر تَميم كَيْ ليَلْحَقَهُمْ ... )
وإضمار (أَن) بعد الجارة على جِهَة الْوُجُوب فَلَا يجوز إظهارها عِنْد الْبَصرِيين إِلَّا فِي ضَرُورَة وَجوزهُ الْكُوفِيُّونَ فِي السعَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَالْمَحْفُوظ إظهارها بعد (كي) الموصولة بِمَا كَقَوْلِه: 1005 -
(كَيْمَا أنْ تَغُرّ وتَخْدَعا ... )(2/370)
وَلَا أحفظ من كَلَامهم جِئْت كي أَن تكرمني وَمَعَ إِظْهَار اللَّام نَحْو جِئْت لكيما أَن تقوم يتَرَجَّح كَونهَا جَارة مُؤَكدَة للام على كَونهَا ناصبة مُؤَكدَة بِأَن لِأَن (أَن) هِيَ الَّتِي وليت الْفِعْل وَهِي أم الْبَاب وَمَا كَانَ أصلا فِي بَابه لَا يَجْعَل تَأْكِيدًا لما لَيْسَ أصلا مَعَ مَا فِيهِ من الْفَصْل بَين الناصب وَالْفِعْل وَاللَّام أصل فِي بَاب الْجَرّ فَكَانَت كي توكيدا لَهَا وَلَا يجوز أَن تكون كي تَأْكِيدًا ل (أَن) لِأَن التَّأْكِيد فِي غير المصادر لَا يتَقَدَّم على الْمُؤَكّد وَمن أَحْكَام كي أَنه لَا يمْتَنع تَأْخِير معلولها فَيجوز أَن تَقول كي تكرمني جئْتُك سَوَاء كَانَت الناصبة أَو الجارة وَذَلِكَ أَنَّهَا فِي الْمَعْنى مفعول من أَجله وَتقدم الْمَفْعُول من أَجله سَائِغ قَالَ أَبُو حَيَّان وَأَجْمعُوا على أَنه يجوز الْفَصْل بَينهَا وَبَين معمولها ب (لَا) النافية نَحْو: {كي لَا يكون دولة} [الْحَشْر: 7] وب (مَا) الزَّائِدَة كَقَوْلِه: 1006 -
(تُريدِين كَيْما تَجْمَعِيني وخَالِداً ... )
وَبِهِمَا مَعًا كَقَوْلِه: 1007 -
(أَردْتُ لِكَيْما لَا تريِ لِيَ عِشْرةً ... ومَنْ ذَا الَّذِي يُعْطَى الكمالَ فَيَكْمُلُ)
وَأما الْفَصْل بِغَيْر (مَا) فَلَا يجوز عِنْد الْبَصرِيين وَهِشَام وَمن وَافقه من الْكُوفِيّين فِي الِاخْتِيَار وَجوزهُ الْكسَائي بمعمول الْفِعْل الَّذِي دخلت عَلَيْهِ وبالقسم(2/371)
وبالشرط فَيبْطل عَملهَا فَتَقول أزورك كي وَالله تزورني وأكرمك كي غلامي تكرم وأزورك كي إِن تكافئ أكرمك وَاخْتَارَ ابْن مَالك وَولده جَوَاز الْفَصْل بِمَا ذكر مَعَ الْعَمَل قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ مَذْهَب ثَالِث لم يسبقا إِلَيْهِ وَتقدم مَعْمُول معمولها مَمْنُوع وَله ثَلَاث صور أَحدهَا تقدمه على الْمَعْمُول فَقَط نَحْو جِئْت كي النَّحْو أتعلم وَالثَّانيَِة على كي فَقَط نَحْو جِئْت النَّحْو كي أتعلم وَالثَّالِثَة على الْمَعْلُول أَيْضا نَحْو النَّحْو جِئْت كي أتعلم وَعَلِيهِ الْمَنْع فِي الأول للفصل وَفِي الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة أَن كي من الموصولات ومعمول الصِّلَة لَا يتَقَدَّم على الْمَوْصُول وَإِن كَانَت جَارة فَأن مضمرة وَهِي مَوْصُولَة أَيْضا وَفِي الصُّورَة الثَّانِيَة خلاف للكسائي قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يبعد أَن يُجزئ فِي الثَّالِثَة لكنه لم ينْقل وَأثبت الْكُوفِيُّونَ من حُرُوف النصب (كَمَا) بمعني (كَيْمَا) وَوَافَقَهُمْ الْمبرد وَاسْتَدَلُّوا بقوله: 1008 -
(وطَرْفك إمّا جئتنا فاصْرفنّهُ ... كَمَا يَحْسِبُوا أنَّ الهَوَى حَيْثُ تَنْظُرُ)
وَأنكر ذَلِك البصريون وتأولوا مَا ورد على أَن الأَصْل (كَيْمَا) حذفت ياؤه ضَرُورَة أَو الْكَاف الجارة كفت بِمَا وَحذف النُّون من الْفِعْل ضَرُورَة(2/372)
إِذن
(ص) إِذن الْجُمْهُور أَنَّهَا حرف بسيط وَقَالَ الْخَلِيل من (إِذْ أَن) والرندي (إِذْ أَن) وَقوم اسْم وَأَنَّهَا تنصب بِنَفسِهَا لَا بِأَن المضمرة وتليها جملَة اسمية وَخبر ذِي خبر وَإِنَّمَا تنصب مُسْتَقْبلا وَليهَا مصدرة وَالرَّفْع حِينَئِذٍ لغية أنكرها الْكُوفِيُّونَ فَإِن وليت عاطفا قل النصب أَو ذَا خبر امْتنع وَجوزهُ هِشَام بعد مُبْتَدأ وَالْكسَائِيّ بعد اسْمِي أَن وَكَانَ ويفصل بقسم حذف جَوَابه وَلَا النافية وَجوزهُ ابْن بابشاذ بِنِدَاء وَدُعَاء وَابْن عُصْفُور والأبذي بظرف وَالْكسَائِيّ وَهِشَام وَالْفراء بمعمول ثمَّ اخْتَار الرّفْع وَالْكسَائِيّ النصب وَجوز تقدمه مَعَ الْعَمَل ودونه وَالْفراء وأبطله وَلَا نَص للبصرية قَالَ أَبُو حَيَّان وَمُقْتَضى قواعدهم الْمَنْع وَمَعْنَاهَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ الْجَواب وَالْجَزَاء قَالَ الشلوبين دَائِما والفارسي غَالِبا وَلَا يحذف مَعْمُول ناصب دونه وَلَا لدَلِيل على الْأَصَح (ش) اخْتلف النحويون فِي حَقِيقَة (إِذن) فَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَنَّهَا حرف بسيط وَذهب قوم إِلَى أَنَّهَا اسْم ظرف وَأَصلهَا إِذْ الظَّرْفِيَّة لحقها التَّنْوِين عوضا من الْجُمْلَة الْمُضَاف إِلَيْهَا ونقلت إِلَى الجزائية فَبَقيَ فِيهَا معنى الرَّبْط وَالسَّبَب وَلِهَذَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ مَعْنَاهَا الْجَواب وَالْجَزَاء فَقَالَ الشلوبين دَائِما فِي كل مَوضِع وَقَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي غَالِبا فِي أَكثر الْمَوَاضِع كَقَوْلِك لمن قَالَ أزورك إِذن أكرمك فقد أَجَبْته وَجعلت إكرامه جَزَاء زيارته أَي إِن تزرني أكرمتك(2/373)
قَالَ وَقد تتمحض للجواب كَقَوْلِك لمن قَالَ أحبك إِذن أصدقك إِذْ لَا مجازاة هُنَا والشلوبين يتَكَلَّف فِي جعل مثل هَذَا جَزَاء أَي إِن كنت قلت ذَلِك حَقِيقَة صدقتك وَذهب الْخَلِيل إِلَى أَنَّهَا حرف تركب من (إِذْ) و (أَن) وَغلب عَلَيْهَا حكم الحرفية ونقلت حَرَكَة الْهمزَة إِلَى الذَّال ثمَّ حذفت وَالْتزم هَذَا النَّقْل فَكَأَن المعني إِذا قَالَ الْقَائِل أزورك فَقلت إِذْ أَن أكرمك قلت حِينَئِذٍ زيارتي وَاقعَة وَلَا يتَكَلَّم بِهَذَا وَذهب أَبُو عَليّ عمر بن عبد الْمجِيد الرندي إِلَى أَنَّهَا مركبة من (إِذا) و (أَن) لِأَنَّهَا تُعْطِي مَا تُعْطِي كل وَاحِدَة مِنْهُمَا فتعطي الرَّبْط كإذا وَالنّصب كَأَن ثمَّ حذفت همزَة أَن ثمَّ ألف إِذا لالتقاء الساكنين وعَلى الأول فَهِيَ ناصبة للمضارع بِنَفسِهَا عِنْد الْأَكْثَرين لِأَنَّهَا تقلبه إِلَى الِاسْتِقْبَال وَقَالَ الزّجاج والفارسي الناصب أَن مضمرة بعْدهَا لَا هِيَ لِأَنَّهَا غير مُخْتَصَّة إِذْ تدخل على الْجمل الابتدائية نَحْو إِذن عبد الله يَأْتِيك وتليها الْأَسْمَاء مَبْنِيَّة على غير الْفِعْل ولنصبها الْمُضَارع ثَلَاثَة شُرُوط أَحدهَا كَونه مُسْتَقْبلا فَلَو قيل لَك أحبك فَقلت إِذن أَظُنك صَادِقا رفعت لِأَنَّهُ حَال وَمن شَأْن الناصب أَن يخلص الْمُضَارع للاستقبال ثَانِيهَا أَن يَليهَا فَيجب الرّفْع فِي نَحْو إِذن زيد يكرمك للفصل وَيغْتَفر الْفَصْل بالقسم وَبلا النافية خَاصَّة لِأَن الْقسم تَأْكِيد لربط إِذن و (لَا) لم يعْتد بهَا فاصلة فِي أَن فَكَذَا فِي إِذن قَالَ الشَّاعِر: 1009 -
(إذَنْ وَاللهِ نَرْمِيَهُمْ بحَرْبٍ ... )(2/374)
وَجوز أَبُو الْحسن طَاهِر بن بابشاذ الْفَصْل بَينهمَا بالنداء وَالدُّعَاء نَحْو إِذن يَا زيد أحسن إِلَيْك وَإِذن يغْفر الله لَك يدْخلك الْجنَّة قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يَنْبَغِي أَن يقدم على ذَلِك إِلَّا بِسَمَاع من الْعَرَب وَأَجَازَ ابْن عُصْفُور والأبذي الْفَصْل بالظرف نَحْو إِذن غَدا أكرمك وَأَجَازَ الْكسَائي وَابْن هِشَام وَالْفراء الْفَصْل بمعمول الْفِعْل وَالِاخْتِيَار عِنْد الْكسَائي حِينَئِذٍ النصب وَعند هِشَام الرّفْع نَحْو إِذن فِيك أَرغب وأرغب وَإِذن صَاحبك أُكُرِمُ وُكُرِمَ فَلَو قدمت مَعْمُول الْفِعْل على إِذن نَحْو زيدا إِذن أكْرم فَذهب الْفراء إِلَى أَنه يبطل عَملهَا وَأَجَازَ الْكسَائي إِذْ ذَاك الرّفْع وَالنّصب قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا نَص أحفظه عَن الْبَصرِيين فِي ذَلِك ومقتضي اشتراطهم التصدير فِي عَملهَا أَلا تعْمل وَالْحَالة هَذِه لِأَنَّهَا غير مصدرة وَيحْتَمل أَن يُقَال تعْمل لِأَنَّهَا وَإِن لم تصدر لفظا فَهِيَ مصدرة فِي النِّيَّة لِأَن النِّيَّة بالمفعول التَّأْخِير ثَالِثهَا أَن تكون مصدرة فَلَا تنصب مُتَأَخِّرَة نَحْو أكرمك إِذن بِلَا خلاف لِأَن الْفِعْل الْمَنْصُوب لَا يجوز تَقْدِيمه على ناصبه وَأما المتوسطة فَإِن افْتقر مَا بعْدهَا إِلَى مَا قبلهَا افتقار الشَّرْط لجزائه نَحْو إِن تزرني إِذن أكرمك أَو الْقسم لجوابه نَحْو: 1010 -
(لَئِنْ عَاد لي عَبْدُ العَزيز بمِثْلِها ... وأمْكَنَنِي مِنْهَا إذَنْ لَا أُقِيلُها)
أَو الْخَبَر للمخبر عَنهُ نَحْو زيد إِذن يكرمك امْتنع النصب فِي الصُّور كلهَا وَفِي الْأَخِيرَة خلاف فَأجَاز هِشَام النصب بعد مُبْتَدأ كالمثال وَأَجَازَهُ الْكسَائي بعد اسْم إِن نَحْو:(2/375)
1011 -
(إِنِّي إذنْ أَهْلِكَ أَو أطِيرَا ... )
وَبعد اسْم كَانَ نَحْو كَانَ عبد الله إِذن يكرمك وَوَافَقَ الْفراء الْكسَائي فِي إِن وَخَالفهُ فِي كَانَ فَأوجب الرّفْع وَنَصّ الْفراء على تعين الرّفْع بعد ظن نَحْو ظَنَنْت زيدا إِذن يكرمك قَالَ أَبُو حَيَّان وَقِيَاس قَول الْكسَائي جَوَاز النصب أَيْضا وَإِن وليت عاطفا قل النصب وَالْأَكْثَر فِي لِسَان الْعَرَب إلغاؤها قَالَ تَعَالَى {وَإِذا لَا يلبثُونَ خِلافك إِلَّا قَلِيلا} [الْإِسْرَاء: 76] {فَإِذا لَا يُؤْتونَ النَّاس نقيرا} [النِّسَاء: 53] وَقُرِئَ شاذا (لَا يَلْبَثُوا) و (لَا يؤتوا) فَمن ألغي راعي تقدم حرف الْعَطف وَمن أعمل راعي كَون مَا بعد العاطف جملَة مستأنفة وإلغاء (إِذن) مَعَ اجْتِمَاع الشُّرُوط لُغَة لبَعض الْعَرَب حَكَاهَا عِيسَى بن عمر وتلقاها البصريون بِالْقبُولِ وَوَافَقَهُمْ ثَعْلَب وَخَالف سَائِر الْكُوفِيّين فَلم يجر أحد مِنْهُم الرّفْع بعْدهَا قَالَ أَبُو حَيَّان وَرِوَايَة الثِّقَة مَقْبُولَة وَمن حفظ حجَّة على من لم يحفظ إِلَّا أَنَّهَا لُغَة نادرة جدا وَلذَلِك أنكرها الْكسَائي وَالْفراء على اتساع حفظهما وَأَخذهمَا بالشاذ والقليل(2/376)
ونواصب الْمُضَارع لَا يجوز أَن يحذف معمولها وَتبقى هِيَ لَا اقتصارا وَلَا اختصارا فَلَو قيل أَتُرِيدُ أَن تخرج لم يجز أَن تجيب بِقَوْلِك (أُرِيد أَن) وتحذف (أخرج) وَأَجَازَهُ بعض المغاربة مستدلا بِمَا وَقع فِي صَحِيح البُخَارِيّ (فَيذْهب كَيْمَا فَيَعُود ظَهره طبقًا وَاحِدًا) يُرِيد كَيْمَا يسْجد قَالَ وَهَذَا كَقَوْلِهِم جِئْت وَلما قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَيْسَ مثله لِأَن حذف الْفِعْل بعد لما للدليل جَائِز مَنْقُول فِي فصيح الْكَلَام وَلم ينْقل من نَحْو هَذَا شَيْء من كَلَام الْعَرَب
لَام الْجُحُود
(ص) مَسْأَلَة تنصب (أَن) مضمرة لُزُوما بعد لَام الْجُحُود الْمُؤَكّدَة وَلَيْسَت لَام كي على الصَّحِيح وَهِي المسبوقة بِكَوْن مَاض لفظا أَو معنى منفي بِمَا أول لم قيل أَو أَخَوَات كَانَ قيل أَو ظن قيل أَو كل فعل وَحذف الْخَبَر مَعهَا حتم غَالِبا وَزعم الكوفية النصب بهَا فمدخولها الْخَبَر وَهِي زَائِدَة للتَّأْكِيد وثعلب بقيامها مقَام (أَن) والفهري لَا يرفع مدخولها ضمير السببي وَجوز قوم إِظْهَار (أَن) مَعَ حذفهَا وَقوم دونه وَلَا تلِي مُفردا (ش) (أَن) أم الْبَاب فَلهَذَا تنصب ظَاهِرَة ومضمرة وَلها إِذا أضمرت حالان حَال وجوب وَحَال جَوَاز فَالْأول بعد نَوْعَيْنِ من الْحُرُوف أَحدهمَا مَا هُوَ حرف جر وَالْآخر مَا هُوَ حرف عطف فَالْأول حرفان أَحدهمَا اللَّام الَّتِي يسميها النحويون لَام الْجُحُود وَمذهب الْبَصرِيين أَن النصب بعْدهَا بِأَن مضمرة وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن الناصب هُوَ لَام الْجُحُود نَفسهَا وَذهب ثَعْلَب إِلَى أَن اللَّام هِيَ الناصبة لقيامها مقَام أَن(2/377)
وَعلي الأول لَا يجوز إِظْهَار أَن لِأَن إِيجَابه كَانَ زيد سيقوم فَجعلت اللَّام فِي مُقَابلَة السِّين فَكَمَا لَا يجوز أَن يجمع بَين أَن الناصبة وَبَين السِّين فَكَذَلِك كَرهُوا أَن يجمعوا بَين اللَّام وَأَن فِي اللَّفْظ وَأَجَازَ بعض الْكُوفِيّين إظهارها بِفَتْح اللَّام تَأْكِيدًا كَمَا جَازَ ذَلِك فِي (كي) نَحْو مَا كَانَ زيد لِأَن يقوم قَالَ أَبُو حَيَّان وَيحْتَاج إِلَى سَماع من الْعَرَب وَأَجَازَ بعض النُّحَاة حذف اللَّام وَإِظْهَار (أَن) نَحْو {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآن أَن يفترى} [يُونُس: 37] أَي ليفتري وأوله المانعون بِأَن (أَن) وَمَا بعْدهَا فِي تَأْوِيل الْمصدر وَالْقُرْآن أَيْضا مصدر فَأخْبر بمصدر عَن مصدر وَلَام الْجُحُود عِنْد الْبَصرِيين تسمي مُؤَكدَة لصِحَّة الْكَلَام بِدُونِهَا إِذْ يُقَال فِي مَا كَانَ زيد ليفعل مَا كَانَ زيد يفعل لَا لِأَنَّهَا زَائِدَة إِذْ لَو كَانَت زَائِدَة لما كَانَ لنصب الْفِعْل بعْدهَا وَجه صَحِيح قَالَ أَبُو حَيَّان وَمن أغرب المنقولات مَا نَقله بعض أَصْحَابنَا عَن أبي الْبَقَاء من أَن اللَّام فِي نَحْو قَوْله {وَمَا كَانَ الله ليعذبهم} [الْأَنْفَال: 33] هِيَ لَام كي وَهَذَا نَظِير من سمي اللَّام فِي مَا جئْتُك لتكرمني لَام الْجُحُود بل قَول هَذَا أشبه لِأَن اللَّام جَاءَت بعد جحد لُغَة وَإِن كَانَ لَيْسَ الْجحْد المصطلح عَلَيْهِ فِي لَام الْجُحُود وَأما أَن تسمي هَذِه لَام كي فسهو من قَائِله وَإِنَّمَا تقع لَام الْجُحُود بعد كَون منفي بِمَا أَو لم دون إِن وَلما هُوَ مَاض لفظا نَحْو {وَمَا كَانَ الله ليعذبهم} [الْأَنْفَال: 33] أَو معنى نَحْو لم يكن زيد ليقوم وَمذهب الْبَصرِيين أَن خبر كَانَ حِينَئِذٍ مَحْذُوف وَأَن هَذِه اللَّام مُتَعَلقَة بذلك الْخَبَر الْمَحْذُوف وَأَن الْفِعْل لَيْسَ بِخَبَر بل الْمصدر المنسبك من أَن المضمرة وَالْفِعْل الْمَنْصُوب بهَا فِي مَوضِع جر وَالتَّقْدِير مَا كَانَ الله مرِيدا لكذا وَالدَّلِيل على هَذَا التَّقْدِير أَنه قد جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي بعض كَلَام الْعَرَب قَالَ: 1012 -
(سَمَوْتَ ولَمْ تكُنْ أهْلاً لِتَسْمُو ... )(2/378)
فَصرحَ بالْخبر الَّذِي هُوَ أَهلا مَعَ وجود اللَّام وَالْفِعْل بعْدهَا وَمذهب الْكُوفِيّين أَن الْفِعْل فِي مَوضِع نصب على أَنه الْخَبَر وَاللَّام زَائِدَة للتَّأْكِيد وَذهب بعض النَّحْوِيين إِلَى أَن لَام الْجُحُود تكون فِي أَخَوَات كَانَ قِيَاسا عَلَيْهَا نَحْو مَا أصبح زيد ليضْرب عمرا وَلم يصبح زيد ليضْرب عمرا وَزعم بَعضهم أَنَّهَا تكون فِي ظَنَنْت وَأَخَوَاتهَا نَحْو مَا ظَنَنْت زيدا ليضْرب عمرا وَلم أَظن زيدا ليضْرب عمرا قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا كُله تركيب لم يسمع فَوَجَبَ مَنعه وَذهب بَعضهم إِلَى أَنَّهَا تدخل فِي كل فعل منفي تقدمه فعل نَحْو مَا جِئْت لتكرمني قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا فَاسد لِأَن هَذِه لَام كي وَالْفرق بَينهمَا من وُجُوه كَثِيرَة ستأتي
حَتَّى
(ص) وَبعد حَتَّى الجارة وزعمها الْفراء غَيرهَا وَالنّصب بهَا وَالْكسَائِيّ بهَا والجر بإلي مضمرة جَوَازًا وَقوم ناصبة جَارة بِنَفسِهَا تَشْبِيها بِأَن وَإِلَى وَعَلَيْهَا يجوز إِظْهَار (أَن) وعَلى الْأَصَح قد يظْهر مَعَ مَعْطُوف منصوبها وَمَعْنَاهَا كي أَو إِلَى قَالَ الخضراوي وَابْن مَالك أَو إِلَّا وَإِنَّمَا تنصب مُسْتَقْبلا وجوبا إِن كَانَ حَقِيقَة وَإِلَّا فجوازا وترفع الْحَال أَو المؤول كَذَلِك بِأَن يكون مسببا عَمَّا قبلهَا فضلَة صَالحا لحلول الْفَاء محلهَا وَالأَصَح تعين النصب مَعَ فعل غير مُوجب وقلما لَا (كثر مَا) و (طالما) وَرُبمَا جوزه الْكسَائي لرفع مُسْتَقْبل غير سَبَب وَنصب حَال مسبب وَالنّصب بهَا مُطلقًا لُغَة وَلَا تفصل وَجوزهُ الْأَخْفَش وَابْن السراج بظرف وَشرط مَاض(2/379)
وَهِشَام بقسم ومفعول وجر والأخفش وَابْن مَالك تَعْلِيقهَا (ش) الْحَرْف الثَّانِي حَتَّى وَكَونهَا الجارة وَالنّصب بعْدهَا ب (أَن) لَازِمَة الْإِضْمَار وجوبا هُوَ مَذْهَب الْبَصرِيين وَاسْتَدَلُّوا بثبات كَونهَا جَارة للاسم بِدَلِيل حذف (مَا) الاستفهامية بعْدهَا نَحْو: 1013 -
(فحتّام حتّامَ العناءُ المُطَوَّلُ ... )
وَإِذا ثَبت ذَلِك انْتَفَى كَونهَا ناصبة للْفِعْل لما تقرر من أَن عوامل الْأَسْمَاء لَا تكون عوامل فِي الْأَفْعَال لِأَن ذَلِك ينفى الِاخْتِصَاص وَاخْتلف الْكُوفِيُّونَ فَذهب الْفراء إِلَى أَنَّهَا ناصبة بِنَفسِهَا وَلَيْسَت الجارة وَعِنْده أَن الْجَرّ بعْدهَا إِنَّمَا هُوَ لنيابتها مناب إِلَيّ وَذهب الْكسَائي إِلَى أَنَّهَا ناصبة بِنَفسِهَا أَيْضا وَأَنَّهَا جَارة بإضمار إِلَيّ وَهَذَا عكس مَذْهَب الْبَصرِيين ثمَّ إِنَّه جوز إِظْهَار (إِلَى) بعْدهَا فَقَالَ الْجَرّ بعد حَتَّى يكون بإلي مظهرة ومضمرة وَذهب بعض الْكُوفِيّين إِنَّهَا ناصبة بِنَفسِهَا ك أَن أَو جَارة بِنَفسِهَا أَيْضا قَالُوا لَو قلت وَمَعَ قَول الْكُوفِيّين إِنَّهَا ناصبه بِنَفسِهَا أَجَازُوا إِظْهَار أَن بعْدهَا قَالُوا لَو قلت لأسيرين حَتَّى أَن أصبح الْقَادِسِيَّة جَازَ وَكَانَ النصب بحتي وَأَن توكيد كَمَا أَجَازُوا ذَلِك فِي لَام الْجُحُود وعَلى قَول الْبَصرِيين لَا تظهر وَقد تظهر فِي الْمَعْطُوف على منصوبها لِأَن الثواني تحْتَمل مَا لَا تحتمله الْأَوَائِل كَقَوْلِه: 1014 -
(حتّي يكونَ عَزِيزًا من نُفُوسهم ... أَو أَن يبينَ جَمِيعًا وَهُوَ مخْتارُ)(2/380)
وَفِيه دَلِيل لقَولهم إِن (أَن) مضمرة بعْدهَا وحتي هَذِه هِيَ المرادفة لكَي الجارة أَو إِلَى بِخِلَاف الابتدائية الَّتِي لَا ترادف وَاحِدًا مِنْهُمَا فالمرادفة ل (كي) نَحْو أسلمت حَتَّى أَدخل الْجنَّة فَهِيَ هُنَا حرف تَعْلِيل والمرادفة لإلي نَحْو {قَالُوا لن نَبْرَح عَلَيْهِ عاكفين حَتَّى يرجع إِلَيْنَا مُوسَى} [طه: 91] فَهِيَ هُنَا حرف غَايَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَالَّذِي ذكره مُعظم النَّحْوِيين فِي معنى حَتَّى هَذِه أَنَّهَا تكون للتَّعْلِيل أَو الْغَايَة فَهِيَ تنصب عِنْدهم على أحد هذَيْن الْمَعْنيين وَزَاد ابْن مَالك أَن تكون مرادفة ل (إِلَّا أَن) فَتكون للاستثناء وَأنْشد عَلَيْهِ: 1015 -
(لَيْسَ العطاءُ من الفُضُول سماحةً ... حَتَّى تَجُودَ وَمَا لَدَيْكَ قَلِيلُ)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَقد أغنانا ابْنه عَن الرَّد عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَقَالَ إِنَّه يَصح فِيهِ تَقْدِير (إِلَى أَن) وَإِذا احْتمل أَن تكون حتي فِيهِ للغاية فَلَا دَلِيل فِي الْبَيْت على أَن حتي بِمَعْنى إِلَّا أَن وَقَالَ ابْن هِشَام الخضراوي فِي حَدِيث
(كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة حتي يكون أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَو ينصرَانِهِ) عِنْدِي أَنه يجوز أَن يكون (على الْفطْرَة) حَالا من الضَّمِير ويولد فِي مَوضِع خبر وَحَتَّى بِمَعْنى إِلَّا أَن المنقطعة كَأَنَّهُ قَالَ إِلَّا أَن يكون أَبَوَاهُ والمعني لَكِن أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَو ينصرَانِهِ قَالَ وَقد ذكر النحويون هَذَا الْمَعْنى فِي أَقسَام (حتي) وَمِنْه قَوْله:(2/381)
1016 -
(واللهِ لَا يَذْهَب شَيْخِي بَاطِلاَ ... حَتَّى أبيرَ مالِكاً وكَاهِلاَ)
المعني إِلَّا أَن أبير وَهُوَ مُنْقَطع بِمَعْنى لَكِن أبير انْتهى وَإِنَّمَا ينصب الْمُضَارع بعد حتي إِذا كَانَ مُسْتَقْبلا نَحْو لأسيرن حَتَّى أصبح الْقَادِسِيَّة أَو مَاضِيا فِي حكم الْمُسْتَقْبل نَحْو سرت حَتَّى أَدخل الْمَدِينَة فَهَذَا مؤول بالمستقبل نظرا إِلَى أَنه غَايَة لما قبل حتي فَهُوَ مُسْتَقْبل بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ فَإِن كَانَ حَالا أَو مؤولا بِهِ رفع وَذَلِكَ بِأَن يكون مَا قبلهَا سَببا لما بعْدهَا وَلَا يكونَانِ متصلي الْوُقُوع فِيمَا مضى بل مَا قبل حتي وَقع ومضي وَمَا بعْدهَا فِي حَال الْوُقُوع وعلامة ذَلِك صَلَاحِية جعل الْفَاء مَكَان حتي نَحْو قَوْلهم مرض فلَان حَتَّى لَا يرجونه أَي فَهُوَ الْآن لَا يرجي وَضرب أمس حَتَّى لَا يَسْتَطِيع أَن يَتَحَرَّك الْيَوْم والمؤول بِالْحَال أَن يكون مَا بعد حتي لم يَقع لكنك مُتَمَكن من إِيقَاعه فِي الْحَال نَحْو سرت حَتَّى أَدخل الْمَدِينَة أَي فَأَنا الْآن مُتَمَكن من دُخُول الْمَدِينَة لَا أمنع من ذَلِك وَشرط الرّفْع أَيْضا أَن يكون مَا بعْدهَا فضلَة فَلَو كَانَ وَاقعا خبر الْمُبْتَدَأ أَو خبر كَانَ أَو نَحْوهمَا وَجب نَصبه نَحْو كَانَ سيري حَتَّى أدخلها لِأَنَّهُ لَو رفع كَانَت حَتَّى حرف ابْتِدَاء فيبقي الْمخبر عَنهُ بِلَا خبر وَأَجَازَ الْكسَائي رفع الْمُسْتَقْبل إِذا كَانَ غير مسبب عَمَّا قبل نَحْو سرت حتي تطلع الشَّمْس وَنصب الْحَال إِذا كَانَ مسببا عَمَّا قبل وَجوزهُ فِي قَول حسان: 1007 -
(يُغْشَوْنَ حتّى مَا تَهرُّ كِلابُهُم ... )
ورد بِعَدَمِ السماع وبمخالفته للْقِيَاس بِأَن النواصب من مخلصات الْمُضَارع للاستقبال(2/382)
وَيتَعَيَّن النصب عِنْد سِيبَوَيْهٍ والأكثرين بعد فعل غير مُوجب وَهُوَ الْمَنْفِيّ وَمَا فِيهِ الِاسْتِفْهَام وقلما نَحْو مَا سرت حَتَّى أَدخل الْمَدِينَة وقلما سرت حَتَّى أدخلها إِذا أردْت بقلما النَّفْي الْمَحْض وأسرت حَتَّى تدخل الْمَدِينَة وَإِنَّمَا لم يجز الرّفْع لِأَنَّهُ على معنى السَّبَبِيَّة للْأولِ فِي الثَّانِي وَالْأول منفي لم يَقع فَلَا يكون نفي السَّبَب مُوجبا لوُجُود مسببه وَخَالف الْأَخْفَش فجوز الرّفْع على أَن أصل الْكَلَام مُوجب وَهُوَ سرت حَتَّى أَدخل الْمَدِينَة ثمَّ أدخلت أَدَاة النَّفْي على الْكَلَام بأسره فنفت أَن يكون سير كَانَ عِنْد دُخُول فكأنك قلت مَا وَقع السّير الَّذِي كَانَ سَببا لدُخُول الْمَدِينَة وَاتَّفَقُوا على أَن الرّفْع فِي ذَلِك غير مسموح وَإِنَّمَا أجَازه الْأَخْفَش وَمن تبعه قِيَاسا وَلَو أُرِيد بقلما التقليل لَا النَّفْي فَكَذَلِك عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَجوز أَبُو عَليّ والرماني وَجَمَاعَة الرّفْع بعْدهَا وَذهب طَائِفَة من القدماء إِلَى امْتنَاع الرّفْع أَيْضا بعد (كثر مَا) و (طالما) و (رُبمَا) نَحْو كثر مَا سرت حَتَّى أدخلها وطالما سرت حَتَّى أدخلها وَرُبمَا سرت حَتَّى أدخلها إِلْحَاقًا لَهَا بقلما إِلَّا أَن السّير لما كَانَ مَجْهُول الْعدَد غير مَعْلُوم الْمَرَاتِب صَار بِمَنْزِلَة مَا لَيْسَ بِوَاجِب وعارضه سِيبَوَيْهٍ بقَوْلهمْ مَرَرْت غير مرّة حَتَّى أدخلها لأَنهم كَانُوا يجيزون الرّفْع فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَفِيه (غير مرّة) الَّذِي من أَجله صَار السّير عِنْدهم لَيْسَ مَعْلُوما وَحكي الْجرْمِي فِي (الفرخ) أَن من الْعَرَب من ينصب بحتي فِي كل شَيْء قَالَ أَبُو حَيَّان وَهِي لُغَة شَاذَّة وَمن أَحْكَام حَتَّى أَنَّهَا لَا يفصل بَينهمَا وَبَين الْفِعْل بِشَيْء وَجوز الْأَخْفَش وَابْن السراج فصلها بالظرف نَحْو أقعد حتي عنْدك يجْتَمع النَّاس وبشرط مَاض نَحْو أصحبك حتي إِن قدر الله أتعلم الْعلم(2/383)
وَجوزهُ هِشَام بالقسم وَالْمَفْعُول وَالْجَار وَالْمَجْرُور نَحْو ... واصبر حتي إِلَيْك تَجْتَمِع النَّاس وَأَجَازَ الْأَخْفَش وَابْن مَالك تَعْلِيقهَا قبل الشَّرْط الْمَذْكُور جَوَابه نَحْو أصحبك حَتَّى إِن تحسن إِلَى أحسن إِلَيْك قَالَ أَبُو حَيَّان وَيَعْنِي بِالتَّعْلِيقِ هَذَا إبِْطَال الْعَمَل قَالَ وَذَلِكَ كَمَا أجَاز الْكسَائي وَمن أَخذ بمذهبه ذَلِك فِي (كي) نَحْو جِئْت كي إِن تكافئني أكافئك فَيرد على الْأَخْفَش فِي (حَتَّى) بِمَا رد بِهِ على الْكسَائي فِي (كي) انْتهى
أَو
(ص) وَبعد (أَو) بِمَعْنى (إِلَى أَن) أَو (إِلَّا أَن) وَقيل النصب بهَا وَقيل بِالْخِلَافِ وَلَا يفصل خلافًا للأخفش (ش) النَّوْع الثَّانِي مِمَّا يضمر بعده (أَن) حرف الْعَطف وَهُوَ ثَلَاثَة أَحدهَا (أَو) إِذا وَقعت موقع (إِلَى أَن) أَو (إِلَّا أَن) نَحْو لألزمنك أَو تقضيني حَقي وَقَوله: 1018 -
(لأسْتَسْهلَنّ الصّعبَ أوْ أُدْركَ المُنَى ... )
أَي إِلَى أَن تقضيني حَقي وَإِلَّا أَن أدْرك فَإِن لم يَقع موقعها لم يلْزم الْإِضْمَار نَحْو: 1019 -
(وَلَوْلَا رجالٌ مِنْ رزام أعِزّةٌ ... وآلُ سُبَيْع أَو أسُوءَك عَلْقمَا)(2/384)
وَمَا ذكر من أَن النصب بعد (أَو) بإضمار أَن هُوَ مَذْهَب الْبَصرِيين وَلذَلِك لَا يتَقَدَّم مَعْمُول الْفِعْل عَلَيْهَا وَلَا يفصل بَينهَا وَبَين الْفِعْل لِأَنَّهَا حرف عطف وَذهب الْفراء وَقوم من الْكُوفِيّين إِلَى أَن الْفِعْل انتصب بِالْخِلَافِ أَي مُخَالفَة الثَّانِي للْأولِ من حَيْثُ لم يكن شَرِيكا لَهُ فِي الْمَعْنى وَلَا مَعْطُوفًا عَلَيْهِ وَذهب الْكسَائي وَأَصْحَابه والجرمي إِلَى أَن الْفِعْل انتصب بِأَو نَفسهَا وَذهب بعض النَّحْوِيين إِلَى أَن النصب هُنَا بِمَعْنى مَا وَقع موقعه لِأَنَّهُ وَقع موقع (إِلَى أَن) أَو (إِلَّا أَن) فانتصب كنصبه قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا ضَعِيف جدا وَنقل ابْن مَالك عَن الْأَخْفَش أَنه جوز الْفَصْل بَين أَو وَالْفِعْل بِالشّرطِ نَحْو لألزمنك أَو إِن شَاءَ الله تقضيني حَقي
فَاء السَّبَب
(ص) وَبعد فَاء السَّبَب جَوَابا لأمر خلافًا لشذوذ لَا اسْم فعل وَثَالِثهَا إِن اشتق أَو لنهي أَو دُعَاء بِفعل أصيل قَالَ الْكسَائي أَو بِخَبَر أَو لاستفهام مُطلقًا وَقيل إِن لم يكن عَن الْمسند إِلَيْهِ وَقيل إِن لم يتَضَمَّن وُقُوع الْفِعْل فَإِن أخبر عَن تاليه بِغَيْر مُشْتَقّ فالرفع أَو سبقه ظرف جَازَ أَو قد يحذف السَّبَب بعده وَقيل يخْتَص بالإثبات أَو للنَّفْي مُطلقًا وَمِنْه (قَلما) و (قد) فِيمَا حُكيَ أَو عرض أَو تحضيض أَو تمن قَالَ الكوفية وَابْن مَالك أَو رَجَاء أَو غير أَو كَأَن عَارِية من تشيبه وجوزوا سبق ذَا الْجَواب سَببه وَتَأْخِير معموله وَالْجُمْهُور لَا وَلَا ينصب بعد جملَة اسمية وَثَالِثهَا ينصب بِشَرْط وصف أَو ظرف مَحل الْفِعْل (ش) الثَّانِي الْفَاء إِذا كَانَت متضمنة معنى التسبيب وَكَانَت هِيَ ومدخولها جَوَابا لأحد أُمُور أَحدهَا الْأَمر نَحْو اضْرِب زيدا فيستقيم قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا نعلم خلافًا فِي نصب الْفِعْل جَوَابا لِلْأَمْرِ إِلَّا مَا نقل عَن الْعَلَاء بن سيابة قَالُوا وَهُوَ(2/385)
معلم الْفراء إِنَّه كَانَ لَا يُجِيز ذَلِك وَهُوَ محجوج بِثُبُوتِهِ عَن الْعَرَب وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ لأبي النَّجْم: 1020 -
(يَا ناقُ سيري عَنقا فَسِيحَا ... إِلَى سُلَيْمان فنَسْتَريحَا)
إِلَّا أَن يتأوله ابْن سيابة على أَنه من النصب فِي الشّعْر فَيكون مثل قَوْله: 1021 -
(سأترك مَنْزلي لبني تَميم ... وألحقُ بالحجاز فَأسْتَريحَا)
قَالَ وَلَا يبعد هَذَا التَّأْوِيل ولمنعه وَجه من الْقيَاس وَهُوَ إِجْرَاء الْأَمر مجري الْوَاجِب فَكَمَا لَا يجوز ذَلِك فِي الْوَاجِب كَذَلِك لَا يجوز فِي الْأَمر وَمن إِجْرَاء الْأَمر مجري الْوَاجِب بَاب الِاسْتِثْنَاء فَإِنَّهُ لَا يجوز فِيهِ الْبَدَل كَمَا لَا يجوز فِي الْوَاجِب وَذَلِكَ بِخِلَاف النَّفْي وَالنَّهْي فَإِنَّهُ يجوز فيهمَا ذَلِك وَإِلَى هَذَا أَشرت بِقَوْلِي خلافًا لشذوذ وَصُورَة الْمَسْأَلَة أَن يكون الْأَمر بِصَرِيح الْفِعْل فَإِن دلّ عَلَيْهِ بِخَبَر أَو اسْم فعل لم يجز النصب على الصَّحِيح لِأَنَّهُ غير مسموع وَجوزهُ الْكسَائي قِيَاسا نَحْو حَسبك الحَدِيث فينام النَّاس وصه فأحدثك وَفصل ابْن جني وَابْن عُصْفُور فأجازا النصب بعد اسْم فعل الْأَمر إِذا كَانَ مشتقا كنزال من النُّزُول ودراك من الْإِدْرَاك ورده بدر الدّين بن مَالك بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَونه مشتقا مَا يسوغ تَأَوَّلَه بِالْمَصْدَرِ فَإِن الْمُصَحح للنصب فِي نَحْو نزال فَأنْزل هُوَ صِحَة تَأَول فعل الْأَمر(2/386)
بِالْمَصْدَرِ من قبل أَن فعل الْأَمر يَصح أَن يَقع فِي صلَة أَن بمصدر لَهَا كَمَا فِي نَحْو أوعزت إِلَيْهِ بِأَن أفعل وَلَا يَصح ذَلِك فِي اسْم الْفِعْل الْمُشْتَقّ من الْمصدر كَمَا لَا يَصح فِي غير الْمُشْتَقّ فَلَا فرق بَينهمَا فِي امْتنَاع نصب الْجَواب قَالَ أَبُو حَيَّان وَالصَّوَاب أَن ذَلِك لَا يجوز لِأَنَّهُ غير مسموع من كَلَام الْعَرَب الثَّانِي النَّهْي نَحْو {لَا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم} [طه: 61] {وَلَا تطغوا فِيهِ فَيحل} [طه: 81] الثَّالِث الدُّعَاء بِفعل أصيل فِي ذَلِك نَحْو {رَبنَا اطْمِسْ على أَمْوَالهم وَاشْدُدْ على قُلُوبهم فَلَا يُؤمنُوا} [يُونُس: 88] 1022 -
(ربِّ وَفِّقْنِي فَلَا أعْدِلَ عَنْ ... سَنَن السّاعِيْنَ فِي خَيْر سَنَنْ)
وَاحْترز (بِفعل) من الدُّعَاء بِالِاسْمِ نَحْو سقيا لَك ورعيا و (بأصيل) من الدُّعَاء الْمَدْلُول عَلَيْهِ بِلَفْظ الْخَبَر نَحْو رَحْمَة الله زيدا فيدخله الْجنَّة وَأَجَازَ الْكسَائي نَصبه الرَّابِع الِاسْتِفْهَام سَوَاء كَانَ بِحرف نَحْو {فَهَل لنا من شُفَعَاء فيشفعوا لنا} [الْأَعْرَاف: 53] أَو باسم نَحْو من يدعوني فأستجيب لَهُ متي تسير فأرافقك كَيفَ تكون فأصحبك أَيْن بَيْتك فأزورك قَالَ أَبُو حَيَّان وَزعم بعض النَّحْوِيين أَن الِاسْتِفْهَام إِذا كَانَ عَن الْمقْرض لَا عَن الْقَرْض فَلَا يَصح النصب بعد الْفَاء على الْجَواب وَمنع النصب فِي نَحْو أَزِيد يقرضني فأسأله وَقَالَ لَا يَصح هَذَا الْجَواب قَالَ وَهُوَ محجوج بِقِرَاءَة {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا فيضاعفه لَهُ} [الْبَقَرَة: 245] بِالنّصب وَوجه الدّلَالَة من الْآيَة أَن الْفِعْل وَقع صلَة فَلَيْسَ مستفهما عَنهُ وَلَا هُوَ خبر عَن مستفهم عَنهُ بل هُوَ صلَة للْخَبَر وَإِذا جَازَ النصب(2/387)
بعد (من ذَا الَّذِي يقْرض) لكَونه فِي معني (من يقْرض) فجوازه بعد (من يقْرض) و (أَزِيد يقْرض فأسأله) أَحْرَى وَأولى وَقيد ابْن مَالك الِاسْتِفْهَام بِكَوْنِهِ لَا يتَضَمَّن وُقُوع الْفِعْل فَإِن تضمنه لم يجز النصب نَحْو لم ضربت زيدا فيجازيك لِأَن الضَّرْب قد وَقع قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا الشَّرْط لم أر أحدا يَشْتَرِطه وَقَالَ بدر الدّين بن مَالك إِن أَبَاهُ اقتدي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِمَا ذكره أَبُو عَليّ فِي الإغفال ردا على الزجلاج حَيْثُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {لم تلبسُونَ الْحق بِالْبَاطِلِ وتكتمون الْحق} [آل عمرَان: 71] لَو قَالَ (وتكتموا الْحق) لجَاز على معني لم تجمعون بَين ذَا وَذَا وَلَكِن الَّذِي فِي الْقُرْآن أَجود فِي الْإِعْرَاب انْتهى قَالَ أَبُو حَيَّان ورد أبي على عَليّ الزّجاج فِي هَذَا غير مُتَوَجّه وَإِذا تقدم اسْم غير اسْم اسْتِفْهَام وَأخْبر عَنهُ بِغَيْر مُشْتَقّ نَحْو هَل أَخُوك زيد فَأكْرمه فالرفع وَلَا ينصب فَإِذا تقدمه ظرف أَو مجرور نَحْو أَفِي الدَّار زيد فتكرمه جَازَ النصب لِأَن الْمَجْرُور نَاب مناب الْفِعْل وَقد يحذف السَّبَب بعد الِاسْتِفْهَام لدلَالَة الْجَواب عَلَيْهِ وَفهم الْكَلَام نَحْو متي فأسير مَعكُمْ أَي متي تسير جزم بِهِ ابْن مَالك فِي (التسهيل) وَنَقله أَبُو حَيَّان عَن الْكُوفِيّين ثمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي أَن يكون فِي اسْتِفْهَام الاستثبات بِأَن يَقُول الْقَائِل اسير فَتَقول لَهُ متي فَإنَّك لَو اقتصرت على قَوْلك (متي) جَازَ بِخِلَاف أَن يكون ابْتِدَاء اسْتِفْهَام فَإِنَّهُ لَا يجوز وَإِذا كَانَ كَذَلِك كَانَ الْفِعْل مدلولا عَلَيْهِ بسابق الْكَلَام فَكَأَنَّهُ ملفوظ بِهِ فَيجوز بِهَذَا المعني الْخَامِس النَّفْي سَوَاء كَانَ مَحْضا نَحْو {لَا يقْضى عَلَيْهِم فيموتوا} [فاطر: 36] أم مؤولا بِأَن دخلت عَلَيْهِ أَدَاة الإستفهام التقريري نَحْو ألم تأتنا فتحدثنا وَيجوز فِي هَذَا الْقسم أَعنِي المؤول الْجَزْم وَالرَّفْع أَيْضا كَقَوْلِه: 1023 -
(ألَم تَسْأل الرَّبْع القَواءَ فَيَنْطِقُ ... )(2/388)
وَمن المؤول مَا نقض بإلا نَحْو مَا تَأْتِينَا فتحدثنا إِلَّا بِخَير قَالَ أَبُو حَيَّان والتقليل المُرَاد بِهِ النَّفْي كالنفي فِي نصب جَوَابه نَحْو قَلما تَأْتِينَا فتحدثنا كَمَا كَانَ كَذَلِك فِي مَسْأَلَة (حَتَّى) نَحْو قَلما سرت حَتَّى أدخلها وَذكر ابْن سَيّده وَابْن مَالك أَنه رُبمَا نفي بقد فنصب الْجَواب بعْدهَا وَحكى بعض الفصحاء (قد كنت فِي خير فتعرفه) بِالنّصب وَيُرِيد مَا كنت فِي خير فتعرفه السَّادِس الْعرض سمع أَلا تقع المَاء فتسبح أَي فِي المَاء فَحذف الْحَرْف وعدي الْفِعْل وَقَالَ الشَّاعِر: 1024 -
(يَا ابْنَ الكِرام أَلا تَدْنُوَ فتُبْصِرَ مَا ... قَدْ حَدَّثُوك فَمَا رَاء كَمَنْ سَمِعَا)
السَّابِع التحضيض سمع هلا أمرت فتطاع وَقَالَ الشَّاعِر:(2/389)
1025 -
(لَوْلَا تَعُوجينَ يَا سَلْمى على دَنِفٍ ... فتُخْمِدِي نارَ وَجْدٍ كَاد يُفْنِيه)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَالْعرض والتحضيض مقاربان وَالْجَامِع بَينهمَا التَّنْبِيه على الْفِعْل إِلَّا أَن التحضيض فِيهِ زِيَادَة تَأْكِيد وحث على الْفِعْل فَكل تحضيض عرض لِأَنَّك إِذا حضضته على فعل فقد عرضته عَلَيْهِ وَلذَلِك يُقَال فِي (هلا) عرض إِذْ لَا يَخْلُو مِنْهُ وَألا مُخَفّفَة لمُجَرّد الْعرض الثَّامِن التَّمَنِّي نَحْو {يَا لَيْتَني كنت مَعَهم فأفوز} [النِّسَاء: 73] وَاخْتلف النُّحَاة فِي الرَّجَاء هَل لَهُ جَوَاب فينتصب الْفِعْل بعد الْفَاء جَوَابا لَهُ فَذهب البصريون إِلَى أَن الترجي فِي حكم الْوَاجِب وَأَنه لَا ينصب الْفِعْل بعد الْفَاء جَوَابا لَهُ وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى جَوَاز ذَلِك قَالَ ابْن مَالك وَهُوَ الصَّحِيح لثُبُوته فِي النثر وَالنّظم قَالَ تَعَالَى {وَمَا يدْريك لَعَلَّه يزكّى أَو يذكر فتنفعه الذكرى} [عبس: 3، 4] وَقَالَ {لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب أَسبَاب السَّمَاوَات فَأطلع} [غَافِر: 36، 37] فِي قِرَاءَة من نصب فيهمَا وَقَالَ أَبُو حَيَّان يُمكن تَأْوِيل الْآيَتَيْنِ بِأَن النصب فيهمَا من الْعَطف على التَّوَهُّم لِأَن خبر لَعَلَّ كثر فِي لِسَان الْعَرَب دُخُول أَن عَلَيْهِ وَفِي شرح كتاب سِيبَوَيْهٍ لأبي الْفضل الصفار خَالَفنَا الْكُوفِيُّونَ فِي (غير) فأجازوا بعْدهَا النصب لِأَن مَعْنَاهَا النَّفْي نَحْو أَنا غير آتٍ فأكرمك لِأَن مَعْنَاهُ مَا أَنا آتٍ فأكرمك قَالَ وَهَذَا لَا يجوز لِأَن (غيرا) مَعَ الْمُضَاف إِلَيْهَا اسْم وَاحِد و (مَا) بِخِلَافِهَا لِأَنَّك تقدر بعْدهَا الْمصدر فَتَقول لَكِن كَذَا وَمَا يكون كَذَا و (غير) لَا يتَصَوَّر فِيهَا ذَلِك لِأَنَّهَا مَعَ مَا بعْدهَا اسْم فَلَا يفصل مِنْهَا ويحذف لشَيْء آخر لِأَن فِي ذَلِك إِزَالَة لوضعها وَأَشَارَ بدر الدّين بن مَالك إِلَى أَن أَبَاهُ وَافق الْكُوفِيّين فِي ذَلِك قَالَ أَبُو حَيَّان وَزعم الْكُوفِيُّونَ أَن (كَأَن) إِذا خرجت عَن التَّشْبِيه جَازَ النصب بعد الْفَاء نَحْو كَأَنِّي بزيد يَأْتِي فتكرمه لِأَن مَعْنَاهُ مَا هُوَ إِلَّا يَأْتِي فتكرمه قَالَ وَهَذَا الَّذِي قَالُوا لَا يحفظه البصريون وَلَا يكون (كَأَن) أبدا للتشبيه وَفِي(2/390)
(التسهيل) يلْحق بِالنَّفْيِ التَّشْبِيه الْوَاقِع موقعه نَحْو كَأَنَّك وَال علينا فتشتمنا تَقْدِيره مَا أَنْت وَال علينا فتشتمنا قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا شَيْء قَالَه الْكُوفِيُّونَ قَالَ ابْن السراج وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ وَمنع البصريون من تقدم هَذَا الْجَواب على سببيه لِأَن الْفَاء عِنْدهم للْعَطْف وَجوز الْكُوفِيُّونَ فَيُقَال مَا زيد فتكرمه يأتينا لِأَن الْفَاء عِنْدهم لَيست للْعَطْف فَقولِي وجوزوا أَي الكوفية وَجوز الْكُوفِيُّونَ أَيْضا تَأْخِير مَعْمُول السَّبَب بعد الْفَاء والمنصوب نَحْو مَا زيد يكرم فنكرمه أخانا تُرِيدُ مَا زيد يكرم أخانا فنكرمه وَمنع أَكثر النَّحْوِيين النصب بِنَاء على أَن الْفَاء عاطفة على مصدر متوهم فَكَمَا لَا يجوز الْفَصْل بَين الْمصدر ومعموله فَكَذَا لَا يجوز بَين (يكرم) ومعموله لِأَنَّهُ فِي تَقْدِير الْمصدر وَإِن تقدّمت جملَة اسمية نَحْو مَا زيد قادم فتحدثنا فَأكْثر النَّحْوِيين على أَنه لَا يجوز النصب لِأَن الاسمية لَا تدل على الْمصدر وَذهب طَائِفَة إِلَى جَوَازه وَقَالَ أَبُو حَيَّان الصَّحِيح الْجَوَاز بِشَرْط أَن يقوم مقَام الْفِعْل ظرف أَو مجرور أَو اسْم فَاعل أَو مفعول ليدل ذَلِك على الْمصدر المتوهم نَحْو مَا أَنْت عندنَا فنكرمك وَمَا أَنْت منا فنحسن إِلَيْك وَمَا زيد مكرم لنا فنكرمه وَمَا زيد يكرم فنكرمه فَإِن كَانَ اسْما لَا دلَالَة فِيهِ على الْمصدر نَحْو مَا أَنْت زيد فنكرمه لم يجز النصب وَيتَعَيَّن الْقطع أَو الْعَطف وَالْقطع أحسن لِأَن الْعَطف ضَعِيف لعدم المشاكلة من حَيْثُ إِنَّه عطف جملَة فعلية على اسمية قَالَ ويدلك على أَن الْجَار وَالْمَجْرُور والظرف تجْرِي مجري الْفِعْل فِي الدّلَالَة على الْمصدر أَن الْعَرَب نصبت بعد الْجَار وَالْمَجْرُور وجزمت الْفِعْل بعد الظّرْف ووصلت الْمَوْصُول وأدخلت الْفَاء فِي خبر (مَا) الموصولة بالمجرور كَمَا أدخلتها فِي خَبَرهَا إِذا كَانَت مَوْصُولَة بِالْفِعْلِ قَالَ الفرزدق: 1026 -
(مَا أنْتَ مِنْ قَيْس فَتَنْبَحَ دُونَها ... )(2/391)
وَقَالَ الآخر: 1027 -
(مَكَانكِ تُحْمَدِي أوْ تَسْتَرِيحِي ... )
وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا بكم من نعْمَة فَمن الله} [النَّحْل: 53]
وَاو الْجمع
(ص) وَبعد وَاو الْجمع جَوَابا لما مر وَتوقف أَبُو حَيَّان فِي الدُّعَاء وَالْعرض والتحضيض والرجاء وتميز بحلول مَعَ وَالْفَاء بِتَقْدِير شَرطهَا قبلهَا أَو حَال محلهَا (ش) الثَّالِث الْوَاو إِذا كَانَ للْجمع فِي الزَّمَان أَو الْمَعِيَّة الَّتِي هِيَ أحد محتملاتها وَكَانَت هِيَ ومدخولها جَوَابا للمواضع السَّابِقَة فِي الْفَاء مِثَال الْأَمر قَوْله: 1028 -
(فَقلت ادْعِي وأدْعُوَا إنّ أنْدي ... لِصَوْت أَن يُنادِيَ دَاعِيان)(2/392)
وَالنَّهْي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ وتكتموا الْحق} [الْبَقَرَة: 42] وَقَول أبي الْأسود 1029 -
(لَا تَنْه عَن خُلُق وتأتِيَ مِثْلَهُ ... )
وَالدُّعَاء قَوْلك (رب اغْفِر لي ويوسع على فِي الرزق) والاستفهام مَا أنْشدهُ بعض النُّحَاة قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا أَدْرِي أهوَ مسموع أم مَصْنُوع(2/393)
1030 -
(أتبيتُ رَيّانَ الجُفُون من الكرَي ... وأبيتَ مِنْكَ بلَيْلةِ الْملْسُوع)
وَالنَّفْي قَوْله تَعَالَى {وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم وَيعلم الصابرين} [آل عمرَان: 142] أَي وَلما يجْتَمع علم بِالْجِهَادِ وَعلم بِالصبرِ والمؤول قَول الحطيئة: 1031 -
(ألم أك جارَكُمْ ويكونَ بَيْني ... وبَيْنكُمُ المودَّةُ والأخَاءُ)
وَالْعرض قَوْلك أَلا تنزل فتصيب خيرا أَي الا تجمع بَين النُّزُول وإصابة الْخَيْر والتحضيض قَوْلك هلا تَأْتِينَا وتكرمنا أَي هلا تجمع لنا بَين إتياننا وإكرامنا وَالتَّمَنِّي قَوْله تَعَالَى {يَا ليتنا نرد وَلَا نكذب بآيَات رَبنَا ونكون من الْمُؤمنِينَ} [الْأَنْعَام: 27] فِي قِرَاءَة من نصب والرجاء قَوْلك لعَلي سأجاهد وأغنم قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا أحفظ النصب جَاءَ بعد الْوَاو بعد الدُّعَاء وَالْعرض والتحضيض والرجاء فَيَنْبَغِي أَلا يقدم على ذَلِك إِلَّا بِسَمَاع قَالَ ومقتضي كَلَام ابْن مَالك جَوَاز ذَلِك مَعَ التَّشْبِيه الْوَاقِع موقع النَّفْي وَمَعَ الْمَنْفِيّ بهَا وَيحْتَاج ذَلِك إِلَى سَماع من الْعَرَب وتميز وَاو الْجمع من الْفَاء بتحتم تَقْدِير (مَعَ) موضعهَا وَلَا يَنْتَظِم مِمَّا قبلهَا وَمَا بعْدهَا شَرط وَجَزَاء أَلا تري أَن قَوْلك لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن لَا يَنْتَظِم مِنْهُ إِن تَأْكُل السّمك تشرب اللَّبن وَلَا إِن تَأْكُل السّمك تشرب اللَّبن بِخِلَاف(2/394)
الْفَاء فَإِنَّهَا فِي جَوَاب غير النَّفْي أَو فِي جَوَاب النَّفْي الَّذِي تدخل عَلَيْهِ همزَة الِاسْتِفْهَام للتقرير فينتظم مِنْهُ شَرط وَجَزَاء لِأَن مَا بعْدهَا مسبب عَمَّا قبلهَا أَلا تري أَن معنى {لَا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم} [طه: 61] إِن افتريتم أسحتكم وَكَذَا لَيْت لي مَالا فأنفق مِنْهُ مَعْنَاهُ إِن وجدت مَالا أنْفق مِنْهُ قَالَ أَبُو حَيَّان وتلخص من ذَلِك أَن قَوْلهم تقع الْوَاو فِي جَوَاب كَذَا وَكَذَا إِنَّمَا هُوَ على جِهَة الْمجَاز لَا الْحَقِيقَة لِأَنَّهَا إِذا كَانَت بِمَعْنى (مَعَ) لَا تكون جَوَابا وَلَا متهيأ مِمَّا هِيَ مِنْهُ أَن يَنْتَظِم مِنْهُ شَرط وَجَزَاء وتميز فَاء الْجَواب من الْوَاو بِتَقْدِير شَرط قبلهَا كَمَا مر أَو حَال مَكَانهَا وَذَلِكَ أَن هَذِه الْفَاء تقع إِمَّا قبل مسيب انتفي سَببه فَيصح حِينَئِذٍ أَن تقدر بِشَرْط قبل الْفَاء كَمَا إِذا قصدت الْإِخْبَار بِنَفْي الحَدِيث لانْتِفَاء الْإِتْيَان قلت مَا تَأْتِينَا فتحدثنا فَيصح أَن يُقَال مَا تَأْتِينَا وَإِن تأتنا تحدثنا وَأما بَين أَمريْن أُرِيد نفي اجْتِمَاعهمَا فَيصح أَن يقدر حَال مَكَانهَا فَإِذا قصدت أَن تَنْفِي اجْتِمَاع الحَدِيث والإتيان فَقلت مَا تَأْتِينَا فتحدثنا صَحَّ أَن يُقَال مَا تَأْتِينَا مُحدثا فالنفي الدَّاخِل على الْفِعْل الْمُقَيد بِالْحَال لم ينفه مُطلقًا إِنَّمَا نَفَاهُ بِقَيْد حَاله فَهُوَ نفي الْجمع بَينهمَا وَذَلِكَ هُوَ الْمَقْصُود من النصب على أحد معنييه
الْعَطف بِالْفَاءِ وَالْوَاو وأو
(ص) وَإِذا عطف بهما أَو بِأَو على فعل قبل أَو قصد الِاسْتِئْنَاف بَطل إِضْمَار أَن وَفِيهِمَا خلَافهَا وربعها النصب بنيابها عَن الشَّرْط وخامسها بِانْتِفَاء مُوجب الرّفْع والجزم (ش) إِذا عطف بِالْفَاءِ وَالْوَاو أَو بِأَو على فعل قبل أَي قبل الْفِعْل الَّذِي ولي الْفَاء أَو الْوَاو أَو قصد الِاسْتِئْنَاف أَي الْقطع عَن الْفِعْل الَّذِي قبله فَيكون إِذْ ذَاك الْفِعْل خَبرا لمبتدأ مَحْذُوف بَطل إِضْمَار أَن لِأَن الْعَطف يُشْرك الثَّانِي مَعَ الأول فِي رَفعه أَو نَصبه أَو جزمه والاستئناف إِن كَانَ بعد الْوَاو وَالْفَاء فَهُوَ جزم فِي الْإِخْبَار وَإِن كَانَ بعد أَو فَفِيهَا نوعع من الإضراب لِأَنَّك إِذا قلت الزم زيدا أَو يقضيك حَقك وَجَعَلته(2/395)
مستأنفا فالمعني أَو هُوَ يقضيك حَقك أَي يقضيكه على كل حَال سَوَاء لَزِمته أم لم تلْزمهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ بل يقضيك حَقك وَإِذا عطف مَا بعد الْفَاء وَالْوَاو على مَا يَصح عَلَيْهِ الْعَطف من الْفِعْل قبلهَا لم يكن معنى الْعَطف كمعنى النصب فَإِذا قلت مَا تَأْتِينَا فتحدثنا بِالرَّفْع على معنى الْعَطف عَليّ تَأْتِينَا فَكل وَاحِد من الْفِعْلَيْنِ مَقْصُود نَفْيه وَكَأن أَدَاة النَّفْي مَنْطُوق بهَا بعد الْفَاء فَإِذا قلت مَا تَأْتِينَا فتحدثنا بِالنّصب كَانَ انتقاء الحَدِيث مسببا عَن انْتِفَاء الْإِتْيَان وَفِي التَّنْزِيل {وَلَا يُؤذن لَهُم فيعتذرون} [المرسلات: 36] وَمَا ذكر من أَن النصب بعد الْفَاء وَالْوَاو بإضمار أَن هُوَ مَذْهَب الْبَصرِيين وَفِيهِمَا المذهبان الْآخرَانِ السابقان فِي أَو وَفِي الْفَاء وَالْوَاو مذهبان زائدان أَحدهمَا قَالَه ثَعْلَب إِنَّمَا نصبا لِأَنَّهُمَا دلا على شَرط لِأَن معنى هلا تزورني فأحدثك إِن تزرني أحَدثك فَلَمَّا نابت عَن الشَّرْط ضارعت (كي) فلزمت الْمُسْتَقْبل وعملت عمله وَالثَّانِي قَالَه هِشَام إِنَّه لما لم يعْطف على مَا قبله لم يدْخلهُ الرّفْع وَلَا الْجَزْم لِأَن مَا قبله من الْفِعْل لَا يَخْلُو من أحد هذَيْن وَلما لم تسْتَأْنف بَطل الرّفْع أَيْضا فَلَمَّا لم يستقم رفع الْمُسْتَقْبل مَعهَا وَلَا جزمه لانْتِفَاء موجبهما لم يبْق إِلَّا النصب
حذف الْفَاء
(ص) وتحذف الْفَاء فَيجوز رفع تَالِيهَا حَالا أَو وَصفا أَو استئنافا وجزمه وَهل هُوَ بِمَا قبلهَا مضمنا معنى الشَّرْط أَو نَائِبا عَن جملَته أَو بِأَن أَو اللَّام مضمرة أَو مَبْنِيّ أَقْوَال وَيجوز بعد أَمر بِخَبَر وَاسم وَالأَصَح مَنعه بعد نفي وَبعد أَمر وَنهي لَا يصلح إِن تفعل وَإِلَّا تفعل وَثَالِثهَا رَدِيء وَرَابِعهَا يجوز حملا على اللَّفْظ لَا الْجَواب (ش) تنفرد الْفَاء بِأَنَّهَا إِذا حذفت جَازَ فِيمَا بعْدهَا أَن يرفع إِذا لم يرد بِمَا قبله شَرط مَقْصُودا بِهِ الْحَال إِن كَانَ قبله مَا يكون حَالا مِنْهُ نَحْو لَيْت زيدا يقدم(2/396)
يزورنا أَو النَّعْت إِن كَانَ قبله مَا يحتاد أَن ينعَت نَحْو لَيْت لي مَالا أنْفق مِنْهُ أَو الِاسْتِئْنَاف قَالَ أَبُو حَيَّان وَقَوله تَعَالَى {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي البَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَتَخْشَى} [طه: 77] يحْتَمل الْحَال وَيحْتَمل الِاسْتِئْنَاف أَي غير خَائِف أَو إِنَّك لَا تخَاف وَأَن يجْزم نَحْو {قل لعبادي الَّذين آمنُوا يقيموا الصَّلَاة} [إِبْرَاهِيم: 31] {وَقل لعبادي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أحسن} [الْإِسْرَاء: 53] {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم} [النُّور: 30] وَتقول (لَا تعص الله يدْخلك الْجنَّة) رب وفقني أطعك أَلا تنزل تصب خيرا لَيْت لي مَالا أنْفق مِنْهُ قَالَ أَبُو حَيَّان وجزمه بعد الترجي غَرِيب جدا وَالْقِيَاس يقبله قَالَ الشَّاعِر: 1032 -
(لعلّ الْتِفاتاً مِنْك نَحْوي مُيَسّرٌ ... يَمِلْ بك مِنْ بعْدِ القساوة للْيُسْر)
وَسَوَاء فِي جَوَاز الْجَزْم بعد الْأَمر الصَّرِيح والمدلول عَلَيْهِ بِخَبَر نَحْو اتقِي الله امْرُؤ فعل الْخَيْر يثب عَلَيْهِ أَي ليتق أَو اسْم فعل نَحْو حَسبك الحَدِيث ينم النَّاس لِأَن مَعْنَاهُ اكتف ينم النَّاس ونزال أكرمك وَعَلَيْك زيدا يحسن إِلَيْك قَالَ أَبُو حَيَّان وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا الْفِعْل الخبري لفظا الأمري معني لَا ينقاس إِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف على السماع والمسموع اتقِي الله امْرُؤ فعل الْخَيْر يثب عَلَيْهِ انْتهى فَإِن لم يحسن إِقَامَة (إِن يفعل) مقَام الْأَمر وَإِلَّا يفعل مقَام النَّهْي لم يجْزم جوابهما مِثَاله أحسن إِلَى لَا أحسن إِلَيْك يرفع على الِاسْتِئْنَاف لِأَنَّك لَو قدرته إِن تحسن إِلَى لَا أحسن إِلَيْك لم يُنَاسب أَن يكون شرطا وَجَزَاء لِأَن مقتضي الْإِحْسَان لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ عدم الْإِحْسَان وَكَذَلِكَ لَا تقرب الْأسد يَأْكُلك إِذْ لَا يَصح تَقْدِير إِلَّا تقرب الْأسد يَأْكُلك فَيتَعَيَّن الرّفْع هَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَأكْثر الْبَصرِيين وَجوز الْكسَائي الْجَزْم فيهمَا وَنسبه ابْن عُصْفُور للكوفيين وَذكر أَبُو عمر الْجرْمِي فِي (الفرخ) أَنه يجوز على رداءة وقبح(2/397)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَفِيه مَذَاهِب آخر أَنه يجوز الْجَزْم لَا على أَنه جَوَاب بل حملا على اللَّفْظ لِأَن الأول مجزوم وَإِلَى هَذَا ذهب الْأَخْفَش أما النَّفْي فَلَا يجوز الْجَزْم بعده على الصَّحِيح لِأَنَّهُ خبر مَحْض فَلَيْسَ فِيهِ شبه بِالشّرطِ كَمَا فِي الْبَوَاقِي وَعَن أبي الْقَاسِم الزجاجي أَنه أجَاز الْجَزْم فِي النَّفْي وَقَالَ بَعضهم نَخْتَار فِيهِ الرّفْع وَيجوز الْجَزْم وَهُوَ مُوَافق لإِطْلَاق بَعضهم أَن كل مَا ينصب فِيهِ بِالْفَاءِ يجْزم وَلم يسْتَثْن النَّفْي قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يرد بِالْجَزْمِ فِي النَّفْي سَماع من الْعَرَب وَحَيْثُ جزم فِي الْبَوَاقِي فَقَالَ ابْن مَالك فِي شرح الكافية هُوَ بِمَا قبلهَا من الْأَمر وَالنَّهْي وسائرها على تضمن معنى الطّلب معنى (إِن) كَمَا فِي أَسمَاء الشَّرْط نَحْو من يأتني أكْرمه فأغني ذَلِك التَّضْمِين عَن تَقْدِير لَفظهَا بعد الطّلب قَالَ وَهَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وسيبويه وَقد رد وَلَده هَذَا الْمَذْهَب فَقَالَ تضمن هَذِه الْأَشْيَاء معني الشَّرْط ضَعِيف لِأَن التَّضْمِين زِيَادَة بتغيرالوضع والإضمار زِيَادَة بِغَيْر تَغْيِير فَهُوَ أسهل وَلِأَن التَّضْمِين لَا يكون إِلَّا لفائدة وَلَا فَائِدَة فِي تضمين الطّلب معنى الشّرك لِأَنَّهُ يدل عَلَيْهِ بالالتزام فَلَا فَائِدَة فِي تَضْمِينه بِمَعْنَاهُ ورده أَيْضا ابْن عُصْفُور فَقَالَ التَّضْمِين يَقْتَضِي أَن يكون الْعَامِل جملَة وَلَا يُوجد عَامل جملَة فِي مَوضِع من الْمَوَاضِع قَالَ أَبُو حَيَّان وَأَقُول إِن التَّضْمِين لَا يجوز أصلا لِأَن المضمن شَيْئا يصير لَهُ دلَالَة على ذَلِك الشَّيْء بعد أَن لم يكن لَهُ دلَالَة عَلَيْهِ مَعَ إِرَادَة مَدْلُوله الْأَصْلِيّ فَإِذا قلت من يأتيني أته فَمن ضمنت معنى الْحَرْف ودلت على مدلولها من الِاسْم فَصَارَت لَهَا دلالتان دلَالَة مجازية وَهِي معني إِن وَدلَالَة حَقِيقَة وَهِي مَدْلُول الشَّخْص الْعَاقِل وَمَا هُنَا فقولك ائْتِنِي أكرمك يكون فِيهِ تضمين ائْتِنِي معني إِن تأتني فتضمنت معنى إِن ومعني الْفِعْل الْمَعْمُول لَهَا وَذَلِكَ معنى مركب ودلت على(2/398)
1 - مَعْنَاهَا الْأَصْلِيّ من الطِّبّ وَهُوَ دلَالَته الْحَقِيقَة وَلَا يُوجد فِي لِسَان الْعَرَب تضمين لمعنيين إِنَّمَا يكون التَّضْمِين لمعني وَاحِد وَلَا يُقَال إِنَّه تضمن معنى (إِن) وَحدهَا لِأَن فعل الطّلب لَيْسَ قَابلا لتضمن معنى (إِن) لتنافيهما من حَيْثُ إِن فعل الطّلب يَقْتَضِي مَدْلُوله من الطّلب وَإِن يَقْتَضِي مَعْنَاهَا أَن يكون الْفِعْل خَبرا وَلَا يكون الشَّيْء الْوَاحِد طلبا وخبرا انْتهى وَمِمَّنْ قَالَ بالتضمين ابْن خروف وَذهب الْفَارِسِي والسيرافي إِلَى أَن الْجَزْم بِهَذِهِ الْأَشْيَاء لَا على جِهَة التَّضْمِين بل على جِهَة أَنَّهَا نابت مناب الشَّرْط بِمَعْنى أَنه حذفت جملَة الشَّرْط وأنيبت هَذِه منابها فِي الْعَمَل وَنَظِيره قَوْلهم ضربا زيدا فَإِن (ضربا) نَاب عَن اضْرِب فنصب زيدا لَا أَنه ضمن الْمصدر معنى فعل الْأَمر بل ذَلِك على طَرِيق النِّيَابَة وَكَذَا زيد فِي الدَّار أَبوهُ ارْتَفع (أَبوهُ) بالجار وَالْمَجْرُور لِأَنَّهُ نَاب مناب كَائِن لَا أَنه ضمن مَعْنَاهُ فَيكون جزمه إِذْ ذَاك لنيابته مناب الْجَازِم لَا لعضمن الْجَازِم لِأَن الْجَازِم بطرِيق التَّضْمِين جازم بِحَق الأَصْل وَكَذَا تَقول الْجَازِم فِي من يأتني أكْرمه إِنَّه هُوَ لفظ اسْم الشَّرْط وَهَذَا مَا صَححهُ ابْن عُصْفُور وَذهب أَكثر الْمُتَأَخِّرين إِلَى أَنه مجزوم بِشَرْط مُقَدّر بعد هَذِه الْأَشْيَاء لدلَالَة مَا قبل وَمَا بعد عَلَيْهِ وَالتَّقْدِير مثلا ائْتِنِي إِن تأتني أكرمك قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا الَّذِي نختاره وَلَا حَاجَة إِلَى التَّضْمِين وَلَا إِلَى النِّيَابَة قَالَ وَقد حُكيَ بعض أَصْحَابنَا مذهبا رَابِعا وَهُوَ أَنه مجزوم بلام مقدرَة فَإِذا قَالَ أَلا تنزل تصب خيرا فَمَعْنَاه لتصب خيرا قَالَ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ لَا يطرد فِي مَوَاضِع الْجَزْم إِلَّا بتجوز كثير وَزعم الْفراء والمازني والزجاج أَن (يقيموا) فِي قَوْله تَعَالَى: {قل لعبادي الَّذين آمنُوا يقيموا} [إِبْرَاهِيم: 31] وَشبهه مَبْنِيّ لوُقُوعه مقوع (أقِيمُوا) وَهُوَ مَعْمُول القَوْل
إِضْمَار أَن بعد الْوَاو وَالْفَاء وَغَيرهمَا
(ص) مَسْأَلَة قد تضمر (أَن) بعد وَاو وَفَاء قيل وأو قيل وَثمّ بَين شَرط وَجَزَاء أَو بعدهمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَبعد فعل شكّ قيل وَقسم قيل وَحصر(2/399)
بإنما فَإِن كَانَ بإلا أَو الْفِعْل مثبتا خَالِيا من الشَّرْط فضرورة وَيرْفَع منفي بِلَا صَالح لكَي وَجوز الكوفية وَابْن مَالك جزمه اخْتِيَارا ويثلث مَعْطُوف على مَنْصُوب بعد جَزَاء (ش) ينصب الْفِعْل بإضمار (أَن) جَوَازًا إِذا وَقع بَين شَرط وَجَزَاء بعد الْفَاء وَالْوَاو وَزَاد بَعضهم بعد أَو وَزَاد الْكُوفِيُّونَ بعد (ثمَّ) وَالْأَحْسَن التَّشْرِيك فِي الْجَزْم مِثَاله إِن تأتني فتحدثني أحسن إِلَيْك وَمن يأتني ويحدثني أحسن إِلَيْهِ وَإِن تزرني أَو تحسن إِلَى أحسن إِلَيْك وَقُرِئَ: {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله ثمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فقد وَقع أجره على الله} [النِّسَاء: 100] بِالنّصب وَإِنَّمَا كَانَ التَّشْرِيك فِي الْجَزْم أحسن لِأَن الْعَطف إِذْ ذَاك يكون على ملفوظ بِهِ وَهُوَ الْفِعْل السَّابِق وَالنّصب يكون الْعَطف فِيهِ على تَقْدِير الْمصدر المتوهم من الْفِعْل السَّابِق وَقَوْلِي بَين شَرط وَجَزَاء أحسن من قَول (التسهيل) بَين مجزومي أَدَاة شَرط لِأَنَّهُ لَا فرق فِي ذَلِك بَين أَن يكون فعلا الشَّرْط مضارعين أَو ماضيين وَلَا يلْزم أَيْضا أَن يكون مذكورين بل لَو كَانَ الْجَزَاء محذوفا جَازَ النصب كَقَوْلِه: 1033 -
(فَلَا يَدْعُنِي قومِي صَرِيحًا لِحُرّةٍ ... وإنْ كُنْتُ مقتولاً ويَسْلَمَ عامِرُ)
فَقَوله وَيسلم عَامر وَاقع بَين شَرط مَذْكُور وَجَزَاء مَحْذُوف أَي فَلَا يدعني قومِي لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ وَكَذَا لَو وَقع ذَلِك بعد تَمام الشَّرْط وَالْجَزَاء جَازَ نَصبه وَالْأَحْسَن جزمه وَيجوز رَفعه أَيْضا استئنافا قَالَ تَعَالَى: {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله فَيغْفر لمن يَشَاء} [الْبَقَرَة: 284] قرئَ بجزم (يغْفر) ونصبه وَرَفعه وَمثله قَوْله تَعَالَى: (وِإن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ(2/400)
وَيُكَفِّرُ} [الْبَقَرَة: 271] قرئَ (يكفر) بِالثَّلَاثَةِ وَإِذا نصبت الْفِعْل بعد فعل الْجَزَاء وعطفت فعلا آخر فلك فِيهِ أَيْضا الرّفْع وَالنّصب والجزم نَحْو إِن تأتني أحسن إِلَيْك وأزورك وَأكْرم أَخَاك فَيجوز رفع (أكْرم) استئنافا ونصبه عطفا على لفظ (أزورك) وجزمه عطفا على مَوْضِعه لِأَنَّهُ يجوز فِيهِ أَن يكون مَجْزُومًا قَالَ أَبُو حَيَّان وَذهب بعض النَّحْوِيين إِلَى أَنه يجوز النصب بعد أَفعَال الشَّك نَحْو حسبته شَتَمَنِي فأثب عَلَيْهِ وَذَلِكَ لِأَن الْفِعْل غير الْمُحَقق قريب من الْمَنْفِيّ فَألْحق بِهِ فِي النصب بعده قَالَ وَقد اضْطربَ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة ابْن عُصْفُور فَأَجَازَهُ فِي شرح القانون وَمنعه فِي شرح الْجمل الْكَبِير قَالَ وَالصَّحِيح جَوَاز ذَلِك وَإِلَيْهِ ذهب سِيبَوَيْهٍ قَالَ وَزَاد بعض أَصْحَابنَا من مَوَاضِع النصب بعد الْفَاء وَالْوَاو النصب بعدهمَا بعد جَوَاب الْقسم لِأَنَّهُ غير وَاجِب وَجَوَابه كجواب كجواب الشَّرْط فَمَا جَازَ فِيهِ نَحْو أقسم لتقوم فَيضْرب زيدا وَلَتَقُومَنَّ فتضربه قَالَ وَهَذَا الْمَذْهَب لم يذكرهُ سِيبَوَيْهٍ فِي الْقسم وَقِيَاس قَوْله فِي الشَّرْط يَقْتَضِيهِ على ضعيفه قَالَ أَبُو حَيَّان وَمَا ذهب إِلَيْهِ هَذَا الذَّاهِب لَا يجوز لِأَنَّهُ لم يسمع من كَلَام الْعَرَب على كَثْرَة الْأَقْسَام على ألسنتهم بل المسموع أَنَّك إِذا عطفت على جَوَاب الْقسم كَانَ حكمه حكم الْجَواب فَمَا جَازَ فِي الْجَواب جَازَ فِي الْمَعْطُوف انْتهى وَزَاد ابْن مَالك فِي مَوَاضِع النصب بعد الْفَاء وَالْوَاو النصب بعدهمَا بعد حصر (بإنما) كَقِرَاءَة ابْن عَامر: {وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونَ} [الْبَقَرَة: 117] بِالنّصب قَالَ ابْنه وَهَذَا نَادِر لَا يكَاد يعثر على مثله إِلَّا فِي ضَرُورَة الشّعْر وَغَيره جعل الْآيَة من جَوَاب الْأَمر وَهُوَ (كن) وَإِن لم يكن أمرا فِي الْحَقِيقَة لكنه على صورته فعومل مُعَامَلَته(2/401)
فَإِن كَانَ الْحصْر بإلا نَحْو مَا أَنْت إِلَّا تَأْتِينَا فتحدثنا لم يجز النصب إِلَّا فِي ضَرُورَة الشّعْر وَكَذَا نصب الْفِعْل الخبري الْمُثبت الْخَالِي من أَدَاة الشَّرْط قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَقد يجوز النصب فِي الْوَاجِب فِي اضطرار الشّعْر ونصبه فِي الِاضْطِرَار من حَيْثُ النصب فِي غير الْوَاجِب وَلَك أَن تجْعَل أَن العاملة وَأنْشد على ذَلِك قَوْله: 1034 -
(سأتْرْك منْزلي لبني تَميم ... وألْحَقُ بالحجاز فَأسْتَريحَا)
قَالَ ابْن مَالك وَيجوز فِي الْمَنْفِيّ ب (لَا) الصَّالح قبلهَا (كي) الرّفْع والجزم سَمَاعا عَن الْعَرَب قَالَ ابْنه فَقَوْل الْعَرَب (ربطت الْفرس لَا تَنْفَلِت وأوثقت العَبْد لَا يفر) حُكيَ الْفراء أَن الْعَرَب ترفع هَذَا وتجزمه قَالَ وَإِنَّمَا جزم لِأَن تَأْوِيله إِن لم أربطه فَجزم على التَّأْوِيل قَالَ أَبُو حَيَّان وَمَا ادعياه وَلم يحكيا فِيهِ خلافًا خالفا فِيهِ الْخَلِيل وسيبويه وَسَائِر الْبَصرِيين وَفِي شرح الْجمل الصَّغِير لِابْنِ عُصْفُور أجَاز الْكُوفِيُّونَ جزمه جَوَابا للْفِعْل الْوَاجِب إِذا كَانَ سَببا للمجزوم نَحْو زيد يَأْتِي الْأَمِير لَا يقطع اللص وَهَذَا عندنَا يجب رَفعه وَلَا يجْزم إِلَّا ضَرُورَة وَفِي كتاب سِيبَوَيْهٍ سَأَلته يَعْنِي الْخَلِيل عَن آتِي الْأَمِير لَا يقطع اللص فَقَالَ الْجَزَاء هَا هُنَا خطأ لَا يكون الْجَزَاء أبدا حَتَّى يكون الْكَلَام الأول غير وَاجِب إِلَّا أَن يضْطَر الشَّاعِر وَلَا نعلم هَذَا جَاءَ فِي الشّعْر الْبَتَّةَ انْتهى
إِضْمَار أَن بعد لَام كي جَوَازًا
(ص) مَسْأَلَة تضمر جَوَازًا بعد لَام كي مَا لم تقترن بِلَا فَيجب الْإِضْمَار وَقَالَ الكوفية هِيَ الناصبة وَقَالَ ثَعْلَب قِيَامهَا مقَام أَن وَابْن كيسَان تقدر أَن أَو كي وَفتحهَا لُغَة وَبعد عاطف فعل على اسْم صَرِيح وَاو أَو فَاء أَو ثمَّ أَو(2/402)
(أَو) وَلَا يحذف سوي مَا مر إِلَّا ندورا وَلَا يُقَاس فِي الْأَصَح وَقيل يجوز وَلَا نصب (ش) الْحَال الثَّانِي مَا تضمر أَن فِيهِ جَوَازًا وَذَلِكَ فِي موضِعين أَحدهمَا بعد لَام الْجَرّ غير الجحودية نَحْو جِئْت لأكرمك فالفعل مَنْصُوب بعد هَذِه اللَّام بِأَن مضمرة وَيجوز إظهارها نَحْو جِئْت لِأَن أكرمك وتسمي هَذِه اللَّام لَام كي بِمَعْنى أَنَّهَا للسبب كَمَا أَن (كي) للسبب يعنون إِذا كَانَت جَارة تكون جَارة وَتَكون ناصبة بِمَعْنى (أَن) وَلَا يعنون بذلك أَن (كي) تقدر بعْدهَا فَتكون للنصب بإضمار (كي) لَا بإضمار أَن وَإِن كَانَ يجوز أَن ينْطق ب (كي) بعْدهَا فَتَقول جِئْت لكَي أكرمك لِأَن (كي) لم يثبت إضمارها فِي غير هَذَا الْموضع فَحمل هَذَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ثَبت إِضْمَار (أَن) فَلَزِمَ أَن يكون الْمُضمر هُنَا (أَن) وَزعم أَبُو الْحسن بن كيسَان والسيرافي أَنه يجوز أَن يكون الْمُضمر (أَن) وَيجوز أَن يكون (كي) وحملهما على ذَلِك مَا ذَكرْنَاهُ من أَن الْعَرَب أظهرت بعْدهَا (أَن) تَارَة وكي تَارَة وَزعم أهل الْكُوفَة أَن النصب فِي الْفِعْل بِهَذِهِ اللَّام نَفسهَا كَمَا زَعَمُوا ذَلِك فِي لَام الْجُحُود الْمُتَقَدّمَة وَأَن مَا ظهر بعْدهَا من أَن وكي هُوَ مُؤَكد لَهَا وَلَيْسَت لَام الْجَرّ الَّتِي تعْمل فِي الْأَسْمَاء لَكِنَّهَا لَام تشْتَمل على معنى كي فَإِذا رَأَيْت (كي) مَعَ اللَّام فالنصب للام وكي مُؤَكدَة وَإِذا انْفَرَدت (كي) فَالْعَمَل لَهَا وَزعم ثَعْلَب أَن اللَّام بِنَفسِهَا تنصب الْفِعْل كَمَا قَالَ الْكُوفِيُّونَ إِلَّا أَنه قَالَ لقيامها مقَام (أَن) قَالَ أَبُو حَيَّان وَذَلِكَ بَاطِل لِأَنَّهُ قد ثَبت كَونهَا من حُرُوف الْجَرّ وعوامل الْأَسْمَاء لَا تعْمل إِلَّا فِي الْأَسْمَاء فَإِن اقْترن الْفِعْل ب (لَا) بعد اللَّام تعين الْإِظْهَار كَقَوْلِه تَعَالَى: {لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب} [الْحَدِيد: 29] قَالَ أَبُو حَيَّان وَسَوَاء كَانَت لَا نَافِيَة أَو زَائِدَة(2/403)
وَلَا يجوز الْفَصْل بَين لَام كي وَالْفِعْل الْمَنْصُوب إِلَّا بهَا وَإِنَّمَا سَاغَ ذَلِك لِأَنَّهَا حرف جر و (لَا) قد يفصل بهَا بَين الْجَار وَالْمَجْرُور فِي فصيح الْكَلَام نَحْو غضِبت من لَا شَيْء وَجئْت بِلَا زَاد وَيلْزم إِذْ ذَاك إِظْهَار أَن ليَقَع الْفَصْل بَين المتماثلين لأَنهم لَو قَالُوا جِئْت للا تغْضب كَانَ فِي ذَلِك قلق فِي اللَّفْظ ونبوة فِي النُّطْق فتجنبوه بِإِظْهَار (أَن) وَحكم لَام كي الْكسر وَفتحهَا لُغَة تَمِيم الْموضع الثَّانِي بعد عطف بِالْوَاو أَو الْفَاء أَو ثمَّ أَو (أَو) على اسْم صَرِيح كَقَوْلِه: 1035 -
(لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وتقرَّ عَيْنِي ... أَحَبُّ إِلَى مِنْ لُبْس الشُّفُوفِ)
وَقَوله: 1036 -
(لَوْلا تَوقُّعُ مُعْتَرٍّ فأرْضِيَهُ ... مَا كُنْتُ أوثرُ إتراباً على تَرَبِ)
وَقَوله: 1037 -
(إنِّي وَقْتِلي سُلَيكاً ثمَّ أَعْقِلَهُ ... كالثّوْر يُضْرَبُ لما عافَتِ البَقَرُ)
وَقَوله تَعَالَى: {إِلَّا وَحيا أَو من وَرَاء حجاب أَو يُرْسل} [الشورى: 51] وَشَمل الِاسْم الْمصدر وَغَيره كَقَوْلِه: 1038 -
(ولوْلا رجالٌ من رزام أعزّةٌ ... وآلُ سُبيْع أوْ أسُوءَكَ عَلْقمَا)(2/404)
وَاحْترز بِالصَّرِيحِ من الْعَطف على الْمصدر المتوهم فَإِنَّهُ يجب فِيهِ إِضْمَار (أَن) كَمَا تقدم وَلَا تنصب (أَن) محذوفة فِي غير الْمَوَاضِع الْمَذْكُورَة إِلَّا نَادرا وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنه يجوز حذفهَا فِي غير الْمَوَاضِع الْمَذْكُورَة ثمَّ اخْتلف هَؤُلَاءِ فَذهب أَكْثَرهم إِلَى أَنه يجب رفع الْفِعْل إِذا حذفت وَعَلِيهِ أَبُو الْحسن وَجعل مِنْهُ قَوْله: 1039 -
(أَلا أَيُّهَذَا الزَّاجري أَحْضُرُ الوغى ... )
يُرِيد أَن أحضر قيل وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {أفغير الله تأمروني أعبد} [الزمر: 64] أَي أَن أعبد وَوَجهه أَن الْعَامِل إِذا نسخ عَاملا وَحذف رَجَعَ الأول لِأَن لَفظه هُوَ النَّاسِخ وَذهب أَبُو الْعَبَّاس إِلَى أَنه إِذا حذفت (أَن) بَقِي عَملهَا قَالَ لِأَن الْإِضْمَار لَا يزِيل الْعَمَل كَمَا فِي (رب) وَأكْثر العوامل وَأنْشد عَلَيْهِ مَا رُوِيَ فِي الْبَيْت السَّابِق أحضر بِالنّصب وَقَوله: 1040 -
(وهمّ رجالٌ يَشْفعوا لي فَلم أجدْ ... شَفِيعًا إِلَيْهِ غَيْرَ جُودٍ يُعادِلُه)
وَقَوله: 1041 -
(ونَهْنَهتُ نَفْسي بَعْدَمَا كِدْت أَفْعَلَهْ ... )
وَحكي من كَلَامهم خُذ اللص قبل يأخذك ومره يحفرها وَقَرَأَ الْحسن: {تأمروني أعبد} [الزمر: 64] وَقَرَأَ الْأَعْرَج: {ويسفك الدِّمَاء} [الْبَقَرَة: 30](2/405)
وَاخْتلف النُّحَاة فِي الْقيَاس على مَا سمع من ذَلِك فَذهب الْكُوفِيُّونَ وَبَعض الْبَصرِيين إِلَى الْقيَاس عَلَيْهِ قَالَ أَبُو حَيَّان وَالصَّحِيح قصره على السماع لِأَنَّهُ لم يرد مِنْهُ إِلَّا مَا ذَكرْنَاهُ وَهُوَ نزر فَلَا يَنْبَغِي أَن يَجْعَل ذَلِك قانونا كليا يُقَاس عَلَيْهِ فَلَا يجوز الْحَذف وَإِقْرَار الْفِعْل مَنْصُوبًا وَلَا مَرْفُوعا ويقتصر فِي ذَلِك على مورد السماع
خَاتِمَة
(ص) خَاتِمَة ترد (أَن) زَائِدَة وَلَيْسَت المخففة وَلَا تفِيد غير توكيد على الْأَصَح فيهمَا بعد (لما) وَبَين قسم وَلَو وزعمها ابْن عُصْفُور رابطة وسيبويه فِي قَول موطئة وَأَبُو حَيَّان مُخَفّفَة وشذوذا بعد كي وقاسه الكوفية وكاف الْجَرّ وَإِذا ومفسرة وأنكرها الكوفية بَين جملتين فِي الأولى معنى قَول لَا لَفظه قيل أَو لَفظه عَارِية من جَازَ فَإِن وَليهَا مضارع مُثبت جَازَ رَفعه ونصبه أَو مَعَ لَا جازا والجزم قَالَ الكوفية والأصمعي وشرطية قيل ونافية قيل وَبِمَعْنى لِئَلَّا قيل وَإِذ مَعَ الْمَاضِي قيل والمضارع (ش) لما انْقَضى الْكَلَام فِي أَحْكَام (أَن) الناصبة للمضارع وَكَانَ لفظا مُشْتَركا بَين المصدرية والزائدة والتفسيرية وَغير ذَلِك على مَا ذهب إِلَيْهِ بَعضهم تمم الْكَلَام وَختم الْبَاب بِذكر بَقِيَّة موَاضعهَا وَهِي سِتَّة أَحدهَا الزِّيَادَة وَأَن الزَّائِدَة حرف ثنائي بسيط مركب من الْهمزَة وَالنُّون فَقَط وَذهب بَعضهم إِلَى أَنَّهَا هِيَ الثَّقِيلَة خففت فَصَارَت مُؤَكدَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا تفِيد عندنَا غير التَّأْكِيد وَزعم الزَّمَخْشَرِيّ أَنه ينجر مَعَ إِفَادَة التوكيد معنى أخر فَيُقَال فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَمَّا أَن جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ} [العنكبوت: 33] دخلت (أَن)(2/406)
فِي هَذِه الْقِصَّة وَلم تدخل فِي قصَّة إِبْرَاهِيم فِي قَوْله: {وَلَقَد جَاءَت رسلنَا إِبْرَاهِيم بالبشرى قَالُوا سَلاما} [هود: 69] تَنْبِيها وتأكيدا فِي أَن الْإِسَاءَة كَانَت تعقب الْمَجِيء فَهِيَ مُؤَكدَة للاتصال واللزوم وَلَا كَذَلِك فِي قصَّة إِبْرَاهِيم إِذْ لَيْسَ الْجَواب فِيهِ كَالْأولِ وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو عَليّ دخلت منبهة على السَّبَب وَأَن الْإِسَاءَة كَانَت لأجل الْمَجِيء لِأَنَّهَا قد تكون للسبب فِي قَوْلك جِئْت أَن تُعْطِي أَي للإعطاء قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا الَّذِي ذهب إِلَيْهِ لَا يعرفهُ كبراء النَّحْوِيين ومواقع زيادتها بعد لما كالآية وَبَين الْقسم وَلَو كَقَوْلِه: 1042 -
(أما واللهِ أنْ لَو كُنْتَ حُرًّا ... )
وَزعم ابْن عُصْفُور فِي المقرب أَنَّهَا حرف يرْبط جملَة الْقسم بجملة الْمقسم عَلَيْهِ وَالَّذِي نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ أَنَّهَا زَائِدَة وَنَصّ فِي مَوضِع آخر على أَنَّهَا بِمَنْزِلَة لَام الْقسم الموطئة وَقَالَ أَبُو حَيَّان الَّذِي يذهب إِلَيْهِ فِي (أَن) هَذِه غير هَذِه الْمذَاهب الثَّلَاثَة وَهُوَ أَنَّهَا المخففة من الثَّقِيلَة وَهِي الَّتِي وصلت ب (لَو) كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا} [الْجِنّ: 16] وَتَقْدِيره أَنه إِذا قيل أقسم أَن لَو كَانَ كَذَا لَكَانَ كَذَا(2/407)
فَمَعْنَاه أقسم أَنه لَو كَانَ كَذَا لَكَانَ كَذَا وَيكون فعل الْقسم قد وصل إِلَيْهَا على إِسْقَاط حرف الْجَرّ أَي أقسم على أَنه لَو كَانَ فصلاحية أَن الْمُشَدّدَة مَكَانهَا يدل على أَنَّهَا مُخَفّفَة مِنْهَا وتزاد شذوذا بعد (كي) وقاسه الْكُوفِيُّونَ نَحْو جِئْت لكَي أَن أكرمك قَالُوا وَلَا مَوضِع ل (أَن) لِأَنَّهَا مُؤَكدَة للام كَمَا أكدتها كي وَبعد كَاف الْجَرّ كَقَوْلِه: 1043 -
(وَيَوْما تُوافينا بوَجْهٍ مُقَسّم ... كَأَن ظَبْيةٍ تعطو إِلَى وارق السّلمْ)
وَبعد إِذا كَقَوْلِه: 1044 -
(فأمهله حَتَّى إِذا أنْ كأنّهُ ... مُعاطى يدٍ فِي لُجّة المَاء غامِرُ)
الْموضع الثَّانِي التَّفْسِير أثْبته البصريون وَأنكر الْكُوفِيُّونَ كَون ذَلِك من مَعَانِيهَا وَهِي عِنْدهم الناصبة للْفِعْل قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَيْسَ ذَلِك بِصَحِيح لِأَنَّهَا غير مفتقرة إِلَى مَا قبلهَا وَلَا يَصح أَن تكون المصدرية إِلَّا بتأويلات بعيدَة وَالْكَلَام على مَذْهَب الْبَصرِيين فَنَقُول أجريت أَن فِي التَّفْسِير مجْرى أَي لَكِن تفارقها فِي أَنَّهَا لَا تدخل على مُفْرد لَا يُقَال مَرَرْت بِرَجُل أَن صَالح وَكَأَنَّهُم أَبقوا عَلَيْهَا مَا كَانَ لَهَا من الْجُمْلَة وَهِي فِي هَذَا غير مُخْتَصَّة بِالْفِعْلِ بل تكون مفسرة للجملة الاسمية والفعلية نَحْو كتبت إِلَيْهِ أَن افْعَل وَأرْسل إِلَيْهِ أَن مَا أَنْت وَهَذَا وَمِنْه {ونودوا أَن تلكم الْجنَّة} [الْأَعْرَاف: 43] ول (أَن) التفسيرية شَرْطَانِ أَحدهمَا أَن تكون مفسرة لما يتَضَمَّن القَوْل أَو يحْتَملهُ لَا لقَوْل مُصَرح بِهِ أَو مَحْذُوف أَو فعل متأول بِمَعْنى القَوْل فَإِن صرح بالْقَوْل خلصت الْجُمْلَة للحكاية(2/408)
دون (أَن) وَكَذَلِكَ إِن كَانَ القَوْل منويا وَتقدم فعل مؤول بِهِ لكنه إِذا لم يتَأَوَّل كَانَت أَن دَاخِلَة للتفسير بِخِلَاف الْمُصَرّح والمقدر فَإِنَّهَا تَجِيء بعده (أَن) وَذكر ابْن عُصْفُور فِي شرح الْجمل الصَّغِير أَن أَن تَأتي تَفْسِيرا بعد صَرِيح القَوْل وَفِي الْبَسِيط اخْتلف فِي تَفْسِير صَرِيح القَوْل فَأَجَازَهُ بَعضهم وَحمل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {مَا قلت لَهُم إِلَّا مَا أَمرتنِي بِهِ أَن اعبدوا الله} [الْمَائِدَة: 117] وَمِنْهُم من يمْنَع فِي الصَّرِيح ويجيز فِي الْمُضمر كَقَوْلِك كتبت إِلَيْهِ أَن قُم الشَّرْط الثَّانِي أَلا تتَعَلَّق بِالْأولِ لفظا فَلَا تكون معمولة وَلَا مَبْنِيَّة على غَيرهَا وَلذَلِك لم تكن تفسيرية فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآخر دَعوَاهُم أَن الْحَمد لله} [يُونُس: 10] لِأَنَّهَا وَاقعَة خَبرا للمبتدأ وَلَا فِي قَوْلهم كتبت إِلَيْهِ بِأَن قُم لِأَنَّهَا معمولة لحرف الْجَرّ فَإِن لم تأت بِحرف الْجَرّ جَازَ فِيهَا الْوَجْهَانِ وَإِن ولي (أَن) الصَّالِحَة للتفسير مضارع مُثبت نَحْو أوحيث إِلَيْهِ أَن يفعل كَانَ فِيهِ الرّفْع على أَنَّهَا حرف تَفْسِير وَالنّصب على أَنَّهَا مَصْدَرِيَّة أَو مَعَه (لَا) نَحْو أَشرت إِلَيْهِ أَن لَا يفعل كَانَ فِيهِ الْأَمْرَانِ لما ذكر والجزم أَيْضا على النَّهْي وَتَكون (أَن) فِيهِ تَفْسِيرا الْموضع الثَّالِث الشَّرْط بِمَعْنى (إِن) أثْبته الْكُوفِيُّونَ والأصمعي وَاسْتَدَلُّوا بقوله: 1045 -
(أتغضب إِن أُذْنا قُتَيْبَةَ حُزَّتا ... جهاراً وَلم تَغْضَب لِقتْل ابْن خازم)(2/409)
قَالُوا لصِحَّة وُقُوع (أَن) موقعها وَامْتِنَاع أَن تكون أَن الناصبة لِأَنَّهَا لَا تفصل بَين الْفِعْل أَو المخففة لِأَنَّهُ لم يتَقَدَّم عَلَيْهَا فعل تَحْقِيق وَلَا شكّ وَقَالَ الْخَلِيل بل هِيَ الناصبة وَقَالَ الْمبرد هِيَ المخففة من الثَّقِيلَة على تَقْدِير أتغضب من أجل أَنه أذنا ثمَّ حذف الْجَار وخفف الرَّابِع النَّفْي أثْبته بَعضهم وَخرج عَلَيْهِ: {قل إِن الْهدى هدى الله أَن يُؤْتى أحد} [آل عمرَان: 73] أَي لَا يُؤْتِي وَأنْكرهُ الْجُمْهُور الْخَامِس بِمَعْنى لِئَلَّا أثْبته بَعضهم وَخرج عَلَيْهِ: {يبين الله لكم أَن تضلوا} [النِّسَاء: 176] أَي لِئَلَّا تضلوا قَالَ أَبُو حَيَّان وَالصَّحِيح الْمَنْع وَتَأْويل الْآيَة: كَرَاهَة أَن تضلوا السَّادِس بِمَعْنى إِذْ أثْبته بَعضهم مَعَ الْفِعْل الْمَاضِي قيل وَمَعَ الْفِعْل الْمُضَارع وَجعل مِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {بل عجبوا أَن جَاءَهُم مُنْذر مِنْهُم} [ق: 2] وَقَوله تَعَالَى: {أَن تؤمنوا بِاللَّه ربكُم} [الممتحنة: 1] أَي إِذْ آمنتم قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء بل (أَن) فِي الْآيَتَيْنِ مَصْدَرِيَّة وَالتَّقْدِير بل عجبوا لِأَن جَاءَهُم وَكَذَلِكَ {يخرجُون الرَّسُول وَإِيَّاكُم أَن تؤمنوا بِاللَّه ربكُم} [الممتحنة: 1] وَقد انْقَضى القَوْل فِي شرح الْكتاب الثَّانِي من كتَابنَا جمع الْجَوَامِع وَهَذَا الْقدر إِلَى هُنَا نصف الْكتاب وَاعْلَم أَنِّي يما شرعت فِي شَرحه كنت بدأت أَولا بشرح النّصْف الثَّانِي فَكتبت من أول الْكتاب الثَّالِث إِلَى بِنَاء جمع التكسير على طَريقَة المزج ثمَّ بدا لي أَن أغير الأسلوب فشرحت من أَوله على النمط الْمُتَقَدّم وَكَانَ فِي نيتي الِاسْتِمْرَار على هَذِه الطَّرِيقَة إِلَى آخر الْكتاب وإلغاء الْقطعَة الَّتِي كتبتها أَولا ممزوجة ثمَّ لما ضَاقَ الزَّمَان عَن ذَلِك أبقيت كل قِطْعَة على حكمهَا وضممت هَذِه الْقطعَة إِلَى تِلْكَ ووصلت بَينهمَا وَلَا يضير كَون الشَّرْح على أسلوبين نصفه بِلَا مزج وَنصفه ممزوج ونعود هُنَاكَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى إِلَى تَكْمِلَة بَقِيَّة الْكتاب من جمع التكسير إِلَى آخِره على طَريقَة أَوله وَالله الْمُوفق(2/410)
1 - الْكتاب الثَّانِي فِي المجرورات وَمَا حمل عَلَيْهَا وَهِي المجزومات
المجرورات الْحُرُوف الْإِضَافَة
الجوازم
الْحُرُوف غير العاطفة(2/411)
صفحة فارغة(2/412)
1 - الْكتاب الثَّالِث فِي المجرورات وَمَا حمل عَلَيْهَا وَهِي المجزومات
المجرورات
وَمَا يستتبعها من ذكر أدوات الشَّرْط غير الجازمة وَمَا استطرد إِلَيْهِ من ذكر بَقِيَّة حُرُوف الْمعَانِي الْمرتبَة على حُرُوف المعجم وَآخِرهَا نون التوكيد وعقب بخاتمة من التَّنْوِين (الْجَرّ إِمَّا بِحرف أَو إِضَافَة) لَا ثَالِث لَهما وَمن زَاد (التّبعِيَّة) فَهُوَ رَأْي الْأَخْفَش مَرْجُوح عِنْد الْجُمْهُور كَمَا سَيَأْتِي فَإِن قلت الْجَرّ بِالْإِضَافَة أَيْضا رَأْيه وَهُوَ مَرْجُوح قلت نعم وَلَكِن المُرَاد الْجَرّ الْكَائِن بِسَبَبِهَا أَو فِيهَا على رَأْي سِيبَوَيْهٍ من أَن الْجَار الْمُضَاف وعَلى رَأْي ابْن مَالك أَنه الْحَرْف الْمُقدر لَا جَار سواهُ
الْحُرُوف
(الْحُرُوف) أَي هَذَا مَبْحَث حُرُوف الْجَرّ وسيمت بِهِ قَالَ ابْن الْحَاجِب لِأَنَّهَا تجر معنى الْفِعْل إِلَى الِاسْم وَقَالَ الرضي بل لِأَنَّهَا تعْمل إِعْرَاب الْجَرّ كَمَا قيل حُرُوف النصب وحروف الْجَزْم وَكَذَا قَالَ الرضي وتسيمها الْكُوفِيُّونَ حُرُوف الْإِضَافَة لِأَنَّهَا تضيف الْفِعْل إِلَى الِاسْم أَي توصله إِلَيْهِ وتربطه بِهِ(2/413)
وحروف الصِّفَات لِأَنَّهَا تحدث صفة فِي الِاسْم فقولك جَلَست فِي الدَّار دلّت (فِي) على أَن الدَّار وعَاء للجلوس وَقيل لِأَنَّهَا تقع صِفَات لما قبلهَا من النكرات وَإِنَّمَا عملت لما تقدم من اختصاصها بِمَا دخلت عَلَيْهِ فَأَشْبَهت الْفِعْل وَلم تعْمل رفعا لِأَنَّهُ إِعْرَاب الْعمد ومدخولها فضلَة وَلَا نصبا لِأَن مَحل مدخولها نصب بِدَلِيل الرُّجُوع إِلَيْهِ فِي الضَّرُورَة وَلَو نصبت لاحتمل أَنه بِالْفِعْلِ وَدخل الْحَرْف لإضافة مَعْنَاهُ إِلَى الِاسْم كَمَا فِي مَا ضربت إِلَّا زيدا فَتعين عَملهَا الْجَرّ
إِلَى
(إِلَى) لَهُ معَان فَيكون (لانْتِهَاء الْغَايَة مُطلقًا) أَي زَمَانا نَحْو {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} [الْبَقَرَة: 187] ومكانا نَحْو {من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى} [الْإِسْرَاء: 1] قَالَ الرضي وَمعنى قَوْلهم انْتِهَاء الْغَايَة وابتداؤها نهايتها ومبدؤها (قَالَ ابْن مَالك) فِي التسهيل (والتبيين) قَالَ فِي شَرحه وَهِي المبينة لفاعلية مجرورها بعد مَا يُفِيد حبا أَو بغضا من فعل تعجب أَو اسْم تَفْضِيل نَحْو {رب السجْن أحب إِلَيّ} [يُوسُف: 33] قَالَ (وبمعني فِي) أَي الظَّرْفِيَّة لقَوْله تَعَالَى {ليجمعنكم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة} [النِّسَاء: 87] أَي فِيهِ وَذكره جمَاعَة فِي قَوْله: 1046 -
(فَلَا تَتْرُكَنِّي بالوعيدِ كأنّنِي ... إِلَى النَّاس مَطْلِيُّ بِهِ القارُ أجْرَبُ)
قَالَ (و) بِمَعْنى (اللَّام) نَحْو {وَالْأَمر إِلَيْك} [النَّمْل: 33] أَي لَك وَقيل هِيَ لانْتِهَاء الْغَايَة أَي منته إِلَيْك (و) قَالَ (الكوفية) وَطَائِفَة من البصرية (و) بِمَعْنى (مَعَ) أَي الْمَعِيَّة وَذَلِكَ إِذا ضممت شَيْئا إِلَى آخر فِي الحكم بِهِ أَو عَلَيْهِ أَو التَّعَلُّق كَقَوْلِه تَعَالَى {من أَنْصَارِي إِلَى الله} [الصَّفّ: 14] وَقَوله (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى(2/414)
المَرَافِقِ} [الْمَائِدَة: 6] وَقَوْلهمْ (الذود إِلَى الذود إبل) وَلَا يجوز إِلَى زيد مَال تُرِيدُ مَعَ زيد مَال قَالَ الرضي وَالتَّحْقِيق أَن (إِلَى) هَذِه للانتهاء فَقَوله (إِلَى الْمرَافِق) أَي مُضَافَة إِلَيْهَا والذود إِلَى الذود أَي مُضَافَة إِلَى الذود وَقَالَ غَيره وَمَا ورد من ذَلِك مؤول على أَصْلهَا وَالْمعْنَى فِي قَوْله (من أَنْصَارِي إِلَى الله) من يضيف نصرته إِلَى نصْرَة الله و (إِلَى) حِينَئِذٍ أبلغ من (مَعَ) لِأَنَّك لَو قلت من ينصرني مَعَ فلَان لم يدل على أَن فلَانا وَحده ينصرك وَقيل التَّقْدِير من ينصرني حَال كوني ذَاهِبًا إِلَى الله (و) بِمَعْنى (من) كَقَوْلِه: 1047 -
(تَقول وَقد عَالَيْتُ بالكُور فَوْقها ... أيُسْقَى فَلَا يَرْوَي إليَّ ابنُ أحْمَرا)
أَي مني (و) بِمَعْنى (عِنْد) كَقَوْلِه: 1408 -
(أم لَا سبيلَ إِلَى الشّباب وذكْرُهُ ... أشهى إِلَى من الرَّحيق السّلْسَل)
أَي أشهي عِنْدِي كَذَا مثل ابْن مَالك وَابْن هِشَام فِي الْمُغنِي ونازعه ابْن الدماميني بِأَنَّهُ تقدم أَن الْمُتَعَلّقَة بِمَا يفهم حبا أَو بغضا من فعل تعجب أَو تَفْضِيل مَعْنَاهَا التَّبْيِين فعلى هَذَا تكون (إِلَى) فِي الْبَيْت مبينَة لفاعلية مجرورها لَا قسما آخر(2/415)
وَأجَاب شَيخنَا الإِمَام الشمني بِأَن تِلْكَ شَرطهَا كَون التَّعَجُّب والتفضيل من نفس الْحبّ والبغض وَهِي هُنَا مُتَعَلقَة بتفضيل من الشَّهْوَة (و) قَالَ أَبُو الْحسن (الْأَخْفَش: و) بِمَعْنى (الْبَاء) نَحْو {وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم} [الْبَقَرَة: 14] أَي بشياطينهم (و) قَالَ (الْفراء) تكون (زَائِدَة) للتوكيد كَقَوْلِه تَعَالَى {أَفْئِدَة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم} [إِبْرَاهِيم: 37] بِفَتْح الْوَاو أَي تهواهم وَغَيره خرجها على تضمين تهوي معنى تميل أَو على أَن الأَصْل تهوي بِالْكَسْرِ فقلبت الكسرة فَتْحة وَالْيَاء ألفا كَمَا قيل فِي {نَاصِيَة كَاذِبَة خاطئة} [العلق: 16] ناصاة ذكره ابْن مَالك قَالَ ابْن هِشَام وَفِيه نظر لِأَن شَرط هَذِه اللُّغَة تحرّك الْيَاء فِي الأَصْل وَأجَاب ابْن الصَّائِغ بِأَن أصل هَذِه الْيَاء الْحَرَكَة وسكونها عَارض للاستثقال
الْبَاء
(الْبَاء: مَكْسُورَة) مُطلقًا (وَقيل: تفتح مَعَ الظَّاهِر) فَيُقَال بزيد قَالَ أَبُو حَيَّان حَكَاهُ أَبُو الْفَتْح عَن بَعضهم (للإلصاق) وَيُقَال الإلزاق قَالَ فِي (شرح اللب) وَهُوَ تعلق أحد الْمَعْنيين بِالْآخرِ قَالَ أَبُو حَيَّان قَالَ أَصْحَابنَا هِيَ نَوْعَانِ أَحدهمَا الْبَاء الَّتِي لَا يصل الْفِعْل إِلَى الْمَفْعُول إِلَّا بهَا نَحْو سطوت بِعَمْرو(2/416)
ومررت بزيد قَالَ والإلصاق فِي مَرَرْت بزيد مجَاز لما الْتَصق الْمُرُور بمَكَان بِقرب زيد جعل كَأَنَّهُ ملتصق بزيد وَالْآخر الْبَاء الَّتِي تدخل على الْمَفْعُول المنتصب بِفِعْلِهِ إِذا كَانَت تفِيد مُبَاشرَة الْفِعْل للْمَفْعُول نَحْو أَمْسَكت بزيد الأَصْل أَمْسَكت زيدا فأدخلوا الْبَاء ليعلموا أَن إمساكك إِيَّاه كَانَ بِمُبَاشَرَة مِنْك لَهُ بِخِلَاف نَحْو أَمْسَكت زيدا بِدُونِ الْبَاء فَإِنَّهُ يُطلق على الْمَنْع من التَّصَرُّف بِوَجْه مَا من غير مُبَاشرَة قيل والإلصاق معنى لَا يُفَارق الْبَاء وَلِهَذَا لم يذكر لَهَا سِيبَوَيْهٍ معنى غَيره زَاد غَيره (والتعدية) وتسمي بَاء النَّقْل أَيْضا وَهِي المعاقبة للهمزة فِي تصيير الْفَاعِل مَفْعُولا وَأكْثر مَا تعدِي الْفِعْل الْقَاصِر تَقول فِي ذهب زيد ذهبت بزيد وأذهبته وَمِنْه {ذهب الله بنورهم} [الْبَقَرَة: 17] وَقد تكون مَعَ الْمُتَعَدِّي نَحْو: {دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض} [الْحَج: 40] وصككت الْحجر بِالْحجرِ وَالْأَصْل دفع بعض النَّاس بَعْضًا وصك الْحجر الْحجر (والسببية والاستعانة) جمع بَينهمَا ابْن مَالك فِي الألفية وَابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَفسّر الثَّانِيَة بالداخلة على آلَة الْفِعْل نَحْو كتبت بالقلم وَمثل الأولى بِنَحْوِ: {ظلمتم أَنفسكُم باتخاذكم الْعجل} [الْبَقَرَة: 54] وَقَالَ الرضي السَّبَبِيَّة فرع الِاسْتِعَانَة وَلذَا اقْتصر عَلَيْهَا أَعنِي الِاسْتِعَانَة ابْن مَالك فِي الْكِفَايَة الْكُبْرَى وَحذف السَّبَبِيَّة وَعكس فِي التسهيل فاقتصر على السَّبَبِيَّة وَقَالَ فِي شَرحه بَاء السَّبَبِيَّة هِيَ الدَّاخِلَة على صَالح للاستغناء بِهِ عَن فَاعل معد لَهَا مجَازًا نَحْو: {فَأخْرج بِهِ من الثمرات رزقا لكم} [الْبَقَرَة: 22] فَلَو قصد إِسْنَاد الْإِخْرَاج إِلَى المَاء وَقيل أنزل مَاء أخرج من الثمرات رزقا لصَحَّ وَحسن لكنه مجَاز وَالْآخر حَقِيقَة وَمِنْه كتبت بالقلم وَقطعت بالسكين فَإِنَّهُ يَصح أَن يُقَال كتب الْقَلَم وَقطع السكين والنحويون يعبرون عَن هَذِه الْبَاء بباء الِاسْتِعَانَة وآثرت على ذَلِك التَّعْبِير بالسببية من أجل الْأَفْعَال المنسوبة إِلَيْهِ تَعَالَى فَإِن اسْتِعْمَال السَّبَبِيَّة فِيهَا يجوز وَاسْتِعْمَال الِاسْتِعَانَة فِيهَا لَا يجوز انْتهى(2/417)
وَقَالَ أَبُو حِين مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن مَالك من أَن بَاء الِاسْتِعَانَة مدرجة فِي بَاب السَّبَبِيَّة قَول انْفَرد بِهِ وأصحابنا فرقوا بَين بَاء السَّبَبِيَّة وباء الِاسْتِعَانَة فَقَالُوا بَاء السَّبَبِيَّة هِيَ الَّتِي تدخل على سَبَب الْفِعْل نَحْو مَاتَ زيد بالحب وبالجوع وَحَجَجْت بِتَوْفِيق الله وباء الِاسْتِعَانَة هِيَ الَّتِي تدخل على الِاسْم الْمُتَوَسّط بَين الْفِعْل ومفعوله الَّذِي هُوَ آلَة نَحْو كتبت بالقلم ونجرت الْبَاب بالقدوم وبريت الْقَلَم بالسكين وخضت المَاء برجلي إِذْ لَا يَصح جعل الْقَلَم سَببا للكتابة وَلَا الْقدوم سَببا للنجارة وَلَا السكين سَببا للبري وَلَا الرجل سَببا للخوض بل السَّبَب غير هَذَا (والظرفية) وَهِي الَّتِي يحسن موضعهَا من) نَحْو: {نصركم الله ببدر} [آل عمرَان: 123] {نجيناهم بِسحر} [الْقَمَر: 34] (والمصاحبة) وَهِي كَمَا قَالَ ابْن مَالك الَّتِي يحسن موضعهَا (مَعَ) ويغني عَنْهَا وَعَن مصحوبها الْحَال نَحْو: {اهبط بِسَلام} [هود: 48] أَي مَعَ سَلام {قد جَاءَكُم الرَّسُول بِالْحَقِّ} [النِّسَاء 170] أَي مَعَ الْحق ومحقا {فسبح بِحَمْد رَبك} [النَّصْر: 3] أَي مَعَ حَمده وحامدا وَهَذَا الْمعَانِي الْخَمْسَة تجامع الإلصاق كَمَا نَقله أَبُو حَيَّان عَن الْأَصْحَاب وَضم إِلَيْهَا بَاء الْقسم وَلذَا ذكرتها مُتَوَالِيَة خلاف صَنِيع التسهيل (والغاية) نَحْو: {وَقد أحسن بِي} [يُوسُف: 100] أَي إِلَيّ {وَكذا الْبَدَل} وَهِي الَّتِي يحسن موضعهَا بدل (والتبعيض) وَهِي الَّتِي يحسن موضعهَا (من) (على الصَّحِيح) فيهمَا مِثَال الأول قَول عمر رَضِي الله عَنهُ: (كلمة مَا يسرني أَن لي بهَا الدُّنْيَا) أَي بدلهَا وَقَول الحماسي 1049 -
(فليت لي بهم قوما إِذا ركبُوا ... شنّوا الإغارة فُرْساناً ورُكْبانا)
وَمِثَال الثَّانِي قَوْله تَعَالَى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ} [الْإِنْسَان: 6] أَي مِنْهَا وَقَوله: 105 -
(شَربْنَ بِمَاء البَحْر ... )(2/418)
وَقَول الآخر: 1051 -
(شُرْبَ النّزيف بَبْرد مَاء الحَشْرَج ... )
وَهَذَا الْمَعْنى أثْبته الْكُوفِيُّونَ والأصمعي والفارسي والعتبى وَابْن مَالك وَالْأول الْمُتَأَخّرُونَ وأنكرهما جمَاعَة وَقَالُوا فِي أَمْثِلَة الأول الْبَاء للسَّبَبِيَّة وَأولُوا أَمْثِلَة الثَّانِي بِأَن (يشرب) و (شربن) و 0 شرب) ضمن معنى يروي وَنَحْوه وَقيل المعني يشرب بهَا الْخمر كَمَا تَقول شربت المَاء بالعسل قَالَ بَعضهم وَلَو كَانَت الْبَاء للتَّبْعِيض لصَحَّ زيد بالقوم تُرِيدُ من الْقَوْم وقبضت بِالدَّرَاهِمِ أَي من الدَّرَاهِم (قَالَ ابْن مَالك) فِي التسهيل (وَالتَّعْلِيل) قَالَ فِي شَرحه وَهِي الَّتِي يحسن موضعهَا اللَّام غَالِبا نَحْو: {فبظلم من الَّذين هادوا} [النِّسَاء: 160] {إِن الْمَلأ يأتمرون بك} [الْقَصَص: 20](2/419)
قَالَ واحترزت بِقَوْلِي غَالِبا من قَول الْعَرَب غضِبت لفُلَان إِذا غضِبت من أَجله وَهُوَ حَيّ وغضبت بِهِ إِذا غضِبت من أَجله وَهُوَ ميت قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يذكر أَصْحَابنَا هَذَا المعني وَكَأن التَّعْلِيل وَالسَّبَب عِنْدهم شَيْء وَاحِد قَالَ وَيدل لذَلِك أَن الْمَعْنى الَّذِي سمى بِهِ بَاء السَّبَب مَوْجُود فِي بَاب التَّعْلِيل لِأَنَّهُ يصلح أَن ينْسب الْفِعْل لما دخلت عَلَيْهِ بَاء التَّعْلِيل كَمَا يَصح ذَلِك فِي بَاء السَّبَب فَتَقول ظلم أَنفسكُم اتخاذكم الْعجل وَأما {يأتمرون بك} [الْقَصَص: 20] فالباء فِيهِ ظرفية أَي يأتمرون فِيك أَي يتشاورون فِي أَمرك لأجل الْقَتْل انْتهى وَهَذَا هُوَ الْحق قَالَ أَيْضا (والمقابلة) قَالَ وَهِي الدَّاخِلَة على الأعواض والأثمان قَالَ وَقد تسمي بَاء الْعِوَض نَحْو اشْتريت الْفرس بِأَلف وكافأت الْإِحْسَان بِضعْف وَالظَّاهِر أَنَّهَا دَاخِلَة فِي بَاء الْبَدَل (و) قَالَ (الكوفية وبمعني عَليّ) أَي الاستعلاء وَجزم بِهِ ابْن مَالك نَحْو ( {إِن تأمنه بقنطار} [آل عمرَان: 75] أَي عَلَيْهِ بِدَلِيل {إِلَّا كَمَا أمنتكم على أَخِيه} [يُوسُف: 64] {وَإِذا مروا بهم يتغامزون} [المطففين: 30] أَي عَلَيْهِم بِدَلِيل: {وَإِنَّكُمْ لتمرون عَلَيْهِم} [الصافات: 137] 1052 -
(أربٌّ يَبُولُ الثُّعْلُبانُ بِرَأْسِهِ ... لقد ذلّ من بَالَتْ عَلَيْهِ الثَّعالبُ)
قَالُوا (و) بِمَعْنى (عَن وَفِي اختصاصها بالسؤال خلاف) فَقيل تخْتَص بِهِ وَظَاهر كَلَام أبي حَيَّان أَن الكوفية كلهم عَلَيْهِ كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَاسْئَلْ بِهِ خَبِيراً} [الْفرْقَان: 59] بِدَلِيل: {يسْأَلُون عَن أنبائكم} [الْأَحْزَاب: 20] وَقَول عَلْقَمَة: 1053 -
(فإنْ تَسْألُوني بالنِّساء فإنني ... بَصِير بأدْواء النِّساء طبيبُ)(2/420)
وَقيل لَا وَعَلِيهِ ابْن مَالك نَحْو {يسْعَى نورهم بَين أَيْديهم وبأيمانهم} [الْحَدِيد: 12] {تشقق السَّمَاء بالغمام} [الْفرْقَان: 25] والبصرية أَنْكَرُوا هَذَا الْمَعْنى وَأولُوا الْآيَة وَالْبَيْت على أَن الْمَعْنى اسْأَل بِسَبَبِهِ خَبِيرا وبسبب النِّسَاء لِتَعْلَمُوا حالهن أَو تضمين السُّؤَال معني الاعتناء والاهتمام قَالُوا وَلَو كَانَت الْبَاء بِمَعْنى (عَن) لجَاز أطعمته بجوع وسقيته بعيمة تزيد عَن جوع وَعَن عيمة قَالَ ابْن هِشَام فِي التَّأْوِيل الأول بعد لِأَن الْمَجْرُور بِالْبَاء هُوَ الْمَسْئُول عَنهُ وَلَا يَقْتَضِي قَوْلك سَأَلت بِسَبَبِهِ أَن الْمَجْرُور هُوَ الْمَسْئُول عَنهُ (و) قَالَ ابْن هِشَام (الخضراوي: و) بِمَعْنى (الْكَاف) دَاخِلَة على الِاسْم حَيْثُ يُرَاد التَّشْبِيه نَحْو لقِيت بزيد الْأسد وَرَأَيْت بِهِ الْقَمَر أَي لقِيت بلقائي إِيَّاه الْأسد أَي شبهه قَالَ أَبُو حَيَّان وَالصَّحِيح أَنَّهَا للسبب أَي بِسَبَب لِقَائِه وَسبب رُؤْيَته (وتزاد توكيدا فِي مَوَاضِع) سِتَّة هِيَ الْفَاعِل وَالْمَفْعُول والمبتدأ وَالْخَبَر وَالْحَال والتوكيد وَهِي مَذْكُورَة فِي محالها وَمن غَرِيب زيادتها أَنَّهَا تزاد فِي الْمَجْرُور كَقَوْلِه: 1054 -
(فأصْبَحْنَ لَا يَسْألْنَهُ عَنْ بِمَا بِهِ ... )
(قَالَ ابْن مَالك: و) تزاد (عوضا) وَمثله بقوله:(2/421)
1055 -
(وَلَا يُؤَاتِيك فِيمَا نابَ من حَدَثٍ ... إلاَّ أخُو ثِقَةٍ فَانْظُر بِمن تَثِقُ)
قَالَ أَرَادَ من تثق فَزَاد الْبَاء قبل (من) عوضا (وَحَكَاهُ) أَيْضا (فِي عَن وعَلى) وَأنْشد قَوْله: 1056 -
(أَتَجْزَعُ إنْ نَفْسٌ أَتَاهَا حِمَامُها ... فهلاَّ الَّتِي عَن بَين جنبَيْك تَدْفع)
أَي فَهَلا عَن الَّتِي بَين جنبيك تدفع فَحذف (عَن) وزادها بعد الَّتِي عوضا وَقَول الآخر: 1057 -
(إنَّ الْكَرِيم وأبيكِ يَعْتَمِلْ ... إنْ لم يَجدْ يَوماً على مَنْ يَتّكِلْ)
أَي إِن لم يجد من يتكل عَلَيْهِ فَحذف (عَلَيْهِ) وَزَاد (على) قبل (من) عوضا (وقاسه فِي (إِلَى) و (فِي) و (اللَّام) و (من) فَقَالَ فِي الشَّرْح يجوز عِنْدِي أَن يُعَامل بِهَذِهِ الْمُعَامَلَة (من) و (اللَّام) و (إِلَى) و (فِي) قِيَاسا على (عَن) و (على) و (الْبَاء) فَيُقَال عرفت مِمَّن عجبت وَلمن قلت وَإِلَى من أدّيت وفيمن رغبت وَالْأَصْل عرفت من عجبت مِنْهُ وَمن قلت لَهُ وَمن أدّيت إِلَيْهِ وَمن رغبت فِيهِ فَحذف مَا بعد من وَزيد مَا قبلهَا عوضا (ورده أَبُو حَيَّان) أَي الْعِوَض بأنواعه فَقَالَ فِي الأبيات المستشهد بهَا لَا يتَعَيَّن فِيهَا التَّأْوِيل الْمَذْكُور لاحْتِمَال أَن يكون الْكَلَام تمّ عِنْد قَوْله فَانْظُر أَي فَانْظُر(2/422)
لنَفسك وَلما قدم أَنه لَا يواتيه إِلَّا أَخُو ثِقَة استدرك على نَفسه فاستفهم على سَبِيل الْإِنْكَار على نَفسه حَيْثُ قرر وجود أخي ثِقَة فَقَالَ بِمن تثق أَي لَا أحد يوثق بِهِ فالباء فِي ب (من) مُتَعَلقَة ب (تثق) وَكَذَا الْبَيْت الآخر يحْتَمل تَمام الْكَلَام عِنْد قَوْله إِن لم يجد يَوْمًا أَي أَنه إِذا لم يجد مَا يَسْتَعِين بِهِ اعتمل بِنَفسِهِ ثمَّ قَالَ على من يتكل وَمن استفهامية أَي لَا أحد يتكل عَلَيْهِ فعلي مُتَعَلقَة بيتكل وَلم يؤول الْبَيْت الثَّانِي وَقَالَ فِي الْمَقِيس هَذَا الَّذِي أجَازه قِيَاسا لم يثبت الأَصْل الَّذِي يُقَاس عَلَيْهِ أَلا ترى إِلَى مَا ذَكرْنَاهُ من التَّأْوِيل فِيمَا اسْتدلَّ بِهِ وَلَو كَانَت لَا تحْتَمل التَّأْوِيل لكَانَتْ من الشذوذ والندور والبعد من الْأُصُول بِحَيْثُ لَا يُقَاس عَلَيْهَا وَلَا يلْتَفت إِلَيْهَا قَالَ وَقد نَص سِيبَوَيْهٍ على أَن (عَن) و (على) لَا يزادان لَا عوضا وَلَا غير عوض
حَتَّى
(حتي كإلى) فِي انْتِهَاء الْغَايَة (لَكِن) (إِلَى) أمكن مِنْهَا وَلذَلِك خالفتها فِي أَشْيَاء الأول أَنَّهَا (تفِيد تقضي الْفِعْل شَيْئا فَشَيْئًا) وَلذَا لَا يجوز كتبت حَتَّى زيد وَأَنا حتي عَمْرو وَيجوز كتبت إِلَى زيد وَأَنا إِلَى عَمْرو أَي هُوَ غايتي كَمَا فِي حَدِيث مُسلم
(أَنا بك وَإِلَيْك) (و) الثَّانِي أَنَّهَا (لَا تقبل الِابْتِدَاء) لِضعْفِهَا فِي الْغَايَة فَلَا يُقَال سرت من الْبَصْرَة حَتَّى الْكُوفَة كَمَا يُقَال إِلَى الْكُوفَة (و) الثَّالِث أَنَّهَا (لَا تجر إِلَّا آخرا) أَي آخر جُزْء نَحْو أكلت السَّمَكَة حَتَّى رَأسهَا (قَالَ الْأَكْثَر: أَو ملاقيا لَهُ) أَي مُتَّصِلا بِهِ نَحْو {سَلام هِيَ حَتَّى مطلع الْفجْر} [الْقدر: 5] وَلَا يجوز سرت حَتَّى نصف اللَّيْل بِخِلَاف (إِلَى) وَمُقَابل الْأَكْثَر قَول السيرافي وَجَمَاعَة إِنَّهَا لَا تجر إِلَّا الآخر فَقَط دون الْمُتَّصِل بِهِ(2/423)
قَالَ الرضي وَهُوَ مَرْدُود بِالْآيَةِ (خلافًا لِابْنِ مَالك) إِذْ قَالَ فِي التسهيل وَشَرحه وَالْتزم الزَّمَخْشَرِيّ كَون مجرورها آخر جُزْء أَو ملاقي آخر جُزْء وَهُوَ غير لَازم بِدَلِيل قَوْله: 1058 -
(عيَّنَتْ لَيْلةً فَمَا زلتُ حَتَّى ... نِصْفِها راجياً فَعُدْتُ يَؤُوسا)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَمَا نَقله الزَّمَخْشَرِيّ هُوَ قَول أَصْحَابنَا وَمَا اسْتدلَّ بِهِ لَا حجَّة فِيهِ لِأَنَّهُ لم يتَقَدَّم الْعَامِل فِيهَا حَتَّى مَا يكون مَا بعْدهَا جزاءا لَهُ فِي الْجُمْلَة المغياة بحتي فَلَيْسَ الْبَيْت نظر مَا مثل بِهِ أَصْحَابنَا وَلَو صرح فَقَالَ مَا زلت راجيا وَصلهَا تِلْكَ اللَّيْلَة حتي نصفهَا كَانَ ذَلِك حجَّة على الزَّمَخْشَرِيّ وَنحن نقُول إِذا لم يتَقَدَّم فِي الْجُمْلَة المغياة بحتي مَا يَصح أَن يكون مَا بعْدهَا آخر جُزْء جَازَ أَن تدخل على مَا لَيْسَ بِهِ وَلَا ملاقيا لَهُ وَكَذَا قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن ابْن مَالك جزم بِاشْتِرَاط ذَلِك فِي الكافية الرَّابِع أَنَّهَا لَا تجر إِلَّا (ظَاهرا خلافًا للمبرد والكوفية) فِي تجويزهم جرها الْمُضمر مستدلين بِنَحْوِ قَوْله: 1059 -
(فَلَا واللهِ لَا يلْفَى أنَاسٌ ... فِتًى حتّاك يَا ابْنَ أبي زيادِ)
وَالْجُمْهُور قَالُوا إِنَّه ضَرُورَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَمن أجَاز جرها الْمُضمر أدخلها على الْمُضْمرَات المجرورة كلهَا قَالَ وَلَا يَنْبَغِي الْقيَاس على (حتاك) فِي هَذَا الْبَيْت فَيُقَال ذَلِك فِي سَائِر الضمائر قَالَ وانتهاء الْغَايَة فِي (حتاك) هُنَا لَا أفهمهُ وَلَا أَدْرِي مَا يَعْنِي هُنَا بحتاك فَلَعَلَّ هَذَا الْبَيْت مَصْنُوع انْتهى وَمثل ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي بقوله:(2/424)
1060 -
(أتَتْ حَتّاك تَقْصِدُ كُلَّ فجٌّ ... تُرَجّى مِنْك أنْها لَا تَخيب)
قَالَ وَاخْتلف فِي عِلّة الْمَنْع فَقيل هِيَ أَن مجرورها لَا يكون إِلَّا بَعْضًا لما قبلهَا أَو كبعض مِنْهُ فَلم يُمكن عود ضمير الْبَعْض على الْكل قَالَ وَيَردهُ أَنه قد يكون ضمير حَاضر كَمَا فِي الْبَيْت فَلَا يعود على مَا تقدم وَأَنه قد يكون ضميرا غَائِبا عَائِدًا على مَا تقدم غير الْكل كَقَوْلِك زيد ضربت الْقَوْم حتاه وَقيل الْعلَّة خشيَة التباسها بالعاطفة فَإِنَّهَا تدخل عَلَيْهِ على الْأَصَح قَالَ وَيَردهُ أَنَّهَا لَو دخلت عَلَيْهِ لقيل فِي العاطفة قَامُوا حتي أَنْت وأكرمتهم حتي إياك بِالْفَصْلِ لِأَن الضَّمِير لَا يتَّصل إِلَّا بعامله وَفِي الخافضة حتاك بالوصل كَمَا فِي الْبَيْت وَحِينَئِذٍ فَلَا التباس وَقيل الْعلَّة أَنَّهَا لَو دخلت عَلَيْهِ قلبت ألفها يَاء كَمَا فِي إِلَيّ وَهِي فرع عَن (إِلَى) فَلَا تحْتَمل ذَلِك وَإِلَّا ساوي الْفَرْع الأَصْل قَالَ شَيخنَا الإِمَام الشمني وَالْجَوَاب بعد تَسْلِيم بطلَان هَذَا اللَّازِم أَن فرعية حَتَّى عَن إِلَى إِنَّمَا هِيَ فِي الْمَعْنى وَالْعَمَل وَذَلِكَ يُوجب أَلا يحْتَمل مَا يحْتَملهُ إِلَى فيهمَا لَا فِي غَيرهمَا وَقَالَ الشاطبي قَالَ سِيبَوَيْهٍ استغنوا عَن الْإِضْمَار فِي (حتي) بقَوْلهمْ حتي ذَاك وبالإضمار فِي (إِلَى) لِأَن الْمَعْنى وَاحِد كَمَا استغنوا ب (ترك) عَن (وذر) و (ودع) (وإمالتها وعتي) بإبدال حائها عينا) (لُغَة) الأولي يمنية وَالثَّانِي هذلية قَالَ ابْن مَالك قَرَأَ ابْن مَسْعُود {لَيَسْجُنُنَّهُ عَتَّى حِينٍ} [يُوسُف: 35] فَكتب إِلَيْهِ عمر إِن الله أنزل هَذَا الْقُرْآن عَرَبيا وأنزله بلغَة قُرَيْش فَلَا تقرئهم بلغَة هُذَيْل(2/425)
(وَمنع البصرية جر مَا لَا يصلح) أَن يكون (غَايَة لما قبلهَا) وأوجبوا فِيهِ الرّفْع على أَنَّهَا ابتدائية نَحْو الْعجب حَتَّى الْخَزّ يلبس زيد وَجوز جَرّه الْكسَائي (و) الْفراء وَمنعُوا أَيْضا الْجَرّ فِيمَا إِذا تَلا الِاسْم بعْدهَا جملَة اسمية وَمَا بعْدهَا غير شريك لما قبلهَا فِي الْمَعْنى (نَحْو ضربت الْقَوْم حَتَّى زيد فَتركت) وَحَتَّى زيد أَبوهُ مَضْرُوب وَجوز جَرّه الكوفية (و) منع (الكوفية) الْجَرّ فِيمَا إِذا تَلا الِاسْم الَّذِي بعْدهَا فعل عَامل فِي ضَمِيره نَحْو ضربت الْقَوْم (حَتَّى زيد ضَربته) وَقَالُوا لَا يجوز حَتَّى يُقَال فضربته وَجوزهُ البصرية فيهمَا وجوزوا فِي الأول أَيْضا الْعَطف والابتداء (و) منع (الْكل) الْجَرّ فِيمَا إِذا تلاه اسْم مُفْرد نَحْو ضربت الْقَوْم (حَتَّى زيد مَضْرُوب) وأوجبوا الِابْتِدَاء وجوزوهما والعطف فِيمَا إِذا تلاه ظرف أَو مجرور نَحْو الْقَوْم عنْدك حَتَّى زيد عنْدك وَالْقَوْم فِي الدَّار حَتَّى زيد فِي الدَّار أَو جملَة اسمية وَمَا بعْدهَا شريك لما قبلهَا فِي الْمَعْنى نَحْو ضربت الْقَوْم حَتَّى زيد هُوَ مَضْرُوب وجوزوا الْجَرّ والعطف فِيمَا إِذا تلاه فعل عَامل فِي ضمير مَا قبل حَتَّى نَحْو ضربت الْقَوْم حَتَّى زيد ضربتهم فَإِن كَانَ فِي ضَمِيره وَهُوَ غير شريك فالابتداء وَالْحمل على الْإِضْمَار نَحْو ضربت الْقَوْم حَتَّى زيد ضربت أَخَاهُ وأوجبوا الْعَطف فِيمَا إِذا قَامَت عَلَيْهِ قرينَة نَحْو ضربت الْقَوْم حَتَّى زيدا أَيْضا فأيضا تدل على إِرَادَة تكَرر الْفِعْل وَهَذَا الْمَعْنى لَا يُعْطِيهِ إِلَّا الْعَطف كَأَنَّك قلت ضربت الْقَوْم حَتَّى ضربت زيدا أَيْضا (وَزعم الْفراء الْجَرّ) بحتى (نِيَابَة) عَن إِلَى لَا بِنَفسِهَا كَمَا جرت الْوَاو نِيَابَة عَن رب قَالَ وَرُبمَا أظهرُوا (إِلَى) فِي بعض الْمَوَاضِع قَالُوا (جَاءَ الْخَبَر حَتَّى إِلَيْنَا) جمعُوا بَينهمَا بِتَقْدِير إِلْغَاء أَحدهمَا كَمَا جمعُوا بَين اللَّام وكي (وَتَكون) حَتَّى (حرف ابْتِدَاء) أَي حرفا تبتدأ بعده الْجمل أَي تسْتَأْنف وَحِينَئِذٍ (تليه الجملتان) الاسمية كَقَوْل جرير:(2/426)
1061 -
(فَمَا زَالَت القَتْلى تمُجُّ دماءَها ... بدجلةَ حَتَّى ماءُ دجلَة أشْكلُ)
وَقَول الفرزدق: 1062 -
(فواعجباً حَتَّى كُلَيْبٌ تَسُبُّني ... )
والفعلية المضارعة كَقِرَاءَة نَافِع: {وزلزلوا حَتَّى يَقُول الرَّسُول} [الْبَقَرَة: 214] والماضية نَحْو: {حَتَّى عفوا} [الْأَعْرَاف: 95] والمصدرة بِشَرْط نَحْو {وابتلوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح} [النِّسَاء: 6] (خلافًا لِابْنِ مَالك فِي زَعمه) أَنَّهَا (جَارة قبل) الْفِعْل (الْمَاضِي) بإضمار (أَن) بعْدهَا على تَأْوِيل الْمصدر قَالَ أَبُو حَيَّان وَقد وهم فِي ذَلِك وَقَالَ ابْن هِشَام لَا أعرف لَهُ فِي ذَلِك سلفا وَفِيه تكلّف إِضْمَار من غير ضَرُورَة (و) خلافًا (وَله وللأخفش) أبي الْحسن (فِي) زعمهما (أَنَّهَا) جَارة (قبل إِذا) وَأَن إِذا فِي مَوضِع جر بهَا وَالْجُمْهُور على أَنَّهَا حِينَئِذٍ ابتدائية وَإِذا فِي مَوضِع نصب بشرطها أَو جوابها قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَيْسَ معنى قَوْلهم حرف ابْتِدَاء أَنه يصحبها الْمُبْتَدَأ دَائِما بل مَعْنَاهُ أَنَّهَا بصدد أَن يَقع بعْدهَا الْمُبْتَدَأ كَمَا قَالُوا هَل ويل وَلَكِن من حُرُوف الِابْتِدَاء وَإِن كَانَ يَقع بعْدهَا غير الْمُبْتَدَأ وَإِنَّمَا كَانَ يَقع الْمَعْنى أَنَّهَا تصلح أَن يَقع بعْدهَا الْمُبْتَدَأ(2/427)
وَمَا تقدم فِي تَفْسِيره أخذا من ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي أولي وأقعد ثمَّ قَالَ قَالَ بعض شُيُوخنَا ضَابِط حتي أَنَّهَا إِذا وَقع بعْدهَا اسْم مُفْرد مجرور أَو مضارع مَنْصُوب فحرف جر وَاسم مَرْفُوع أَو مَنْصُوب فحرف عطف أَو جملَة فحرف ابْتِدَاء وَتقدم من بَاب الْحَال أَنه لَا مَحل لهَذِهِ الْجُمْلَة على الْأَصَح (مَسْأَلَة: متي دلّت قرينَة على دُخُول الْغَايَة) أَي الَّتِي بعد إِلَيّ وحتي فِي حكم مَا قبلهَا (أَو) على (عَدمه) أَي عدم دُخُوله فَوَاضِح أَنه يعْمل بِهِ فَالْأول نَحْو قَرَأت الْقُرْآن من أَوله إِلَى آخِره وبعتك الْحَائِط من أَوله إِلَى آخِره دلّ ذكر الآخر وَجعله غَايَة على الِاسْتِيفَاء {وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق} [الْمَائِدَة: 6] دلّت السّنة على دُخُول الْمرَافِق فِي الْغسْل: 1063 - ألْفَى الصّحِيفَة كي يُخفِّفَ رَحْله ... والزَّادَ حَتَّى نَعْله أَلْقَاهَا)
وَالثَّانِي نَحْو {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} [الْبَقَرَة: 187] دلّ النَّهْي عَن الْوِصَال على عدم دُخُول اللَّيْل فِي الصَّوْم {فنظرة إِلَى ميسرَة} [الْبَقَرَة: 280] فَإِن الْغَايَة لَو دخلت هُنَا لوَجَبَ الإنظار حَال الْيَسَار أَيْضا وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى عدم الْمُطَالبَة وتفويت حق الدَّائِن 1064 -
(سقى الحيا الأرْضَ حَتَّى أمْكُن عُزيتْ ... لَهُم فَلَا زَالَ عَنْهَا الخيرُ مجذوذا)
دلّ على عدم الدُّخُول دُعَاء الشَّاعِر على مَا بعد حتي بِانْقِطَاع الْخَيْر عَنهُ(2/428)
(وَإِلَّا) أَي وَإِن لم تقم قرينَة تدل على الدُّخُول وَلَا عدمهَا (فثالثها) أَي الْأَقْوَال (وَهُوَ الْأَصَح) ورأي الْجُمْهُور (تدخل مَعَ حتي دون إِلَيّ) حملا على الْغَالِب فِي الْبَابَيْنِ لِأَن الْأَكْثَر مَعَ الْقَرِينَة عدم الدُّخُول فِي (إِلَى) وَالدُّخُول فِي (حتي) فَوَجَبَ الْحمل عَلَيْهِ عِنْد التَّرَدُّد وأولها يدْخل فيهمَا وَثَانِيهمَا لَا فيهمَا وَاسْتدلَّ الْقَوْلَانِ فِي اسْتِوَاء حتي وَإِلَى بقوله تَعَالَى {فمتعناهم إِلَى حِين} [الصافات: 148] وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود {عتي حِين} {وَرَابِعهَا يدْخل مَعَهُمَا} أَي مَعَ إِلَى وحتي (إِن كَانَ من الْجِنْس) و (لَا) يدْخل (إِن لم يكن) نَحْو إِنَّه لينام اللَّيْل حَتَّى الصَّباح أَو إِلَيّ الصَّباح نَقله أَبُو حَيَّان فِي حتي عَن الْفراء والرماني وَجَمَاعَة وَابْن هِشَام فِي إِلَى غير المسمي قَائِله وَهُوَ قَول الأندلسي فِيمَا نَقله الرضي (فَإِن كَانَت حتي عاطفة دخلت وفَاقا) نَحْو أكلت السَّمَكَة حتي رَأسهَا قَالَ ابْن هِشَام وَوهم من ادعِي الِاتِّفَاق فِي دُخُول الْغَايَة فِي حتي مُطلقًا وَإِنَّمَا هُوَ فِي العاطفة وَالْخلاف فِي الخافضة مَشْهُور قَالَ وَالْفرق أَن العاطفة بِمَنْزِلَة الْوَاو
رب
(رب) بِضَم الرَّاء وَتَشْديد الْبَاء وَفتحهَا (وَيُقَال رب) بِفَتْح الرَّاء (وَرب) بضَمهَا (وربت) بِالضَّمِّ وَفتح الْبَاء وَالتَّاء (وربت) بِسُكُون التَّاء (وربت) بِفَتْح الثَّلَاثَة (وربت) بِفَتْح الْأَوَّلين وَسُكُون التَّاء وَتَخْفِيف الْبَاء فِي هَذِه (السَّبْعَة وربتا) بِالضَّمِّ وَفتح الْبَاء الْمُشَدّدَة (وَرب) بِالضَّمِّ وبالسكون (وَرب) بِالْفَتْح والسكون فَهَذِهِ سبع عشرَة لُغَة حَكَاهَا مَا عدا (ربتا) ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَحكي ابْن مَالك مِنْهَا عشرا وَزَاد أَبُو حَيَّان (ربتا) وَزعم أَبُو الْحسن عَليّ (بن فضال) الْمُجَاشِعِي فِي كتاب الهوامع والعوامل أَنَّهَا ثنائية الْوَضع سَاكِنة الثَّانِي كهل وبل وَقد وَأَن فتح التَّاء مُخَفّفَة دون(2/429)
الْبَاء ضَرُورَة لَا لُغَة وَأَن فتح الرَّاء مُطلقًا أَي فِي الْجَمِيع مشددا ومخففا مَعَ التَّاء ودونها (شَاذ) وَالْجُمْهُور على أَنَّهَا ثلاثية الْوَضع وَأَن التَّخْفِيف الْمَذْكُور وَفتح الرَّاء لُغَة مَعْرُوفَة (و) زعم الكوفية وَابْن الطراوة أَنَّهَا اسْم مَبْنِيّ لِأَنَّهَا فِي التقليل مثل (كم) فِي التكثير وَهِي اسْم بِإِجْمَاع وللإخبار عَنْهَا فِي قَوْله: 1065 -
(إنْ يَقْتُلُوكَ فإنّ قَتْلَكَ لَم يَكُنْ ... عاراً عَلَيْك ورُبَّ قتل عارُ)
ف (رب) عِنْدهم مُبْتَدأ و (عَار) خَبره قَالَ وَتَكون معمولة بجوابها كإذا فيبتدأ بهَا فَيُقَال رب رجل أفضل من عَمْرو وَيَقَع مصدرا كرب ضَرْبَة ضربت وظرفا كرب يَوْم سرت ومفعولا بِهِ كرب رجل ضربت وَاخْتَارَ الرضي أَنَّهَا اسْم لِأَن معنى رب رجل فِي أصل الْوَضع قَلِيل فِي هَذَا الْجِنْس كَمَا أَن معنى كم رجل كثير من هَذَا الْجِنْس لَكِن قَالَ إعرابه أبدا رفع على أَنه مُبْتَدأ لَا يُخَيّر لَهُ كَمَا اخْتَارَهُ فِي قَوْلهم أقل رجل يَقُول ذَلِك إِلَّا زيدا لتناسبهما فِي معنى الْقلَّة قَالَ فَإِن كفت ب (مَا) فَلَا مَحل لَهَا حِينَئِذٍ لكَونهَا كحرف النَّفْي الدَّاخِل على الْجُمْلَة وَمنع ذَلِك البصريون بِأَنَّهَا لَو كَانَت اسْما لِجَار أَن يتعدي إِلَيْهَا الْفِعْل بِحرف الْجَرّ فَيُقَال بِرَبّ رجل عَالم مَرَرْت وَأَن يعود عَلَيْهَا الضَّمِير ويضاف إِلَيْهَا وَذَلِكَ وَجَمِيع عَلَامَات الِاسْم منتفية عَنْهَا وَأجِيب عَن الْبَيْت الأول بِأَن الْمَعْرُوف وَبَعض قتل عَار وَإِن صحت تِلْكَ الرِّوَايَة فعار خبر مَحْذُوف أَي هُوَ عَار كَمَا صرح بِهِ فِي قَوْله: 1066 -
(يَا رُبّ هيجا هِيَ خَيْرٌ مِنْ دَعَهْ ... )(2/430)
وَالْجُمْلَة صفة الْمَجْرُور أَو خَبره إِذْ هُوَ فِي مَوضِع مُبْتَدأ قَالَ أَبُو عَليّ وَمن الدَّلِيل على أَنَّهَا حرف لَا اسْم أَنهم لم يفصلوا بَينهَا وَبَين الْمَجْرُور كَمَا فصلوا بَين كم وَبَين مَا تعْمل فِيهِ وَفِي مفادها أَقْوَال أَحدهَا أَنَّهَا للتقليل دَائِما وَهُوَ قَول الْأَكْثَر قَالَ فِي الْبَسِيط كالخليل وسيبويه وَعِيسَى بن عمر وَيُونُس وَأبي زيد وَأبي عَمْرو بن الْعَلَاء وَأبي الْحسن الْأَخْفَش والمازني وَابْن السراج والجرمي والمبرد والزجاج والزجاجي والفارسي والرماني وَابْن جني والسيرافي والصيمري وَجُمْلَة الْكُوفِيّين كالكسائي وَالْفراء وَابْن سَعْدَان وَهِشَام وَلَا مُخَالف لَهُم إِلَّا صَاحب الْعين انْتهى ثَانِيهَا للتكثير دَائِما وَعَلِيهِ صَاحب (الْعين) وَابْن درسْتوَيْه وَجَمَاعَة وَرُوِيَ عَن الْخَلِيل ثَالِثهَا وَهُوَ الْمُخْتَار عِنْدِي وفَاقا للفارابي أبي نصر وَطَائِفَة أَنَّهَا للتقليل غَالِبا والتكثير نَادرا وَرَابِعهَا عَكسه أَي للتقليل قَلِيلا وللتكثير كثيرا جزم بِهِ فِي التسهيل وَاخْتَارَهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وخامسها مَوْضُوعَة (لَهما) من غير غَلَبَة فِي أَحدهمَا نقلة أَبُو حَيَّان عَن بعض الْمُتَأَخِّرين وسادسها لم تُوضَع لوَاحِد مِنْهُمَا بل هِيَ حرف إِثْبَات لَا يدل على تَكْثِير وَلَا تقليل وَإِنَّمَا يفهم ذَلِك من خَارج وَاخْتَارَهُ أَبُو حَيَّان وسابعها أَنَّهَا للتكثير فِي مَوضِع المباهاة والافتخار وللتقليل فِيمَا عدا ذَلِك وَهُوَ قَول الأعلم وَابْن السَّيِّد(2/431)
وَقيل هِيَ لمبهم الْعدَد تكون تقليلا وتكثيرا قَالَه ابْن الباذش وَابْن طَاهِر فَهَذِهِ ثَمَانِيَة أَقْوَال حَكَاهَا أَبُو حَيَّان فِي شرح التسهيل وَمن وُرُودهَا للتكثير قَوْله تَعَالَى {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين} [الْحجر: 2] فَإِنَّهُ يكثر مِنْهُم تمني ذَلِك وَحَدِيث البُخَارِيّ
(يَا رب كاسية فِي الدُّنْيَا عَارِية يَوْم الْقِيَامَة) وَمن مَوَاضِع الْفَخر قَول عمَارَة بن عقيل: 1067 -
(فإنْ تَكُن الأيّامُ شَيَّبْنَ مَفْرقى ... وأكْثَرْنَ أشجاني وفَلّلن مِنْ غربي)
وَقَول الآخر: 1068 -
(فيا رب يَوْم قد لَهْوتُ ولَيْلةٍ ... بآنِسَةٍ كَأَنَّهَا خَطُّ تِمْثال)
وَمن وُرُودهَا للتقليل: 1069 -
(أَلا رُبّ مَولودٍ وَلَيْسَ لَهُ ابٌ ... وَذي ولد لم يَلْدَهُ أَبَوَانِ)
(وَذي شمة غَرَّاء فِي حُرّ وَجهه ... مجلّلةٍ لَا تنقضى لِأَوَانِ)
أَرَادَ عِيسَى وآدَم وَالْقَمَر وتصدر وجوبا غَالِبا قَالَ أَبُو حَيَّان وَالْمرَاد تصديرها على مَا تتَعَلَّق بِهِ فَلَا يُقَال لقِيت رب رجل عَالم لَا أول الْكَلَام فقد وَقعت خَبرا ل (إِن) و (أَن) المخففة من الثَّقِيلَة وجوابا (للو) قَالَ: 1070 -
(أماويُّ إنِّي رُبَّ واحِد أمِّه ... ملكْتُ فَلَا أسْرٌ لَدَيَّ وَلَا قَتْلُ)
وَقَول الآخر:(2/432)
1071 -
(تَيَقَّنْتُ أنْ رُبّ أمْرئ خِيلَ خائِناً ... أمينٌ وخوّان يُخَال أَمينا)
وَقَالَ: 1072 -
(وَلَو علم الأقوامُ كَيفَ خَلَفْتُهُمْ ... لَرُبّ مُفَدِّ فِي القُبور وحامِدِ)
قَالَ شَيخنَا الإِمَام الشمني وَيحْتَمل أَن يعد ذَلِك ضَرُورَة وَلَا تجر غير نكرَة مَعهَا معربا كَأَن أَو مَبْنِيا كَقَوْلِه: 1073 -
(رُبَّ مَنْ أنضجْتُ غَيْظاً قَلْبَهُ ... قد تمنّى لِيَ موْتاً لم يُطَعْ)
خلافًا لبَعْضهِم فِي تَجْوِيز جرها الْمُعَرّف بأل محتجا بقوله: 1074 -
(رُبّما الجامِل المُؤَبّل فِيهمْ ... وعناجيحُ بَيْنَهُن المِهَارُ)
بجر الجامل وَأجَاب الْجُمْهُور بِأَن الرِّوَايَة بِالرَّفْع وَإِن صحت بِالْجَرِّ خرج على زِيَادَة (أل) وَلِأَنَّهَا إِمَّا للقلة أَو للكثرة وَغير النكرَة لَا يحتملها لِأَن الْمعرفَة إِمَّا للقلة فَقَط كالمفرد والمثني أَو للكثرة فَقَط كالجمع وَمَا لَا يحتملها لَا يحْتَاج إِلَى عَلامَة يصير بهَا نصا(2/433)
وَفِي وجوب نَعته أَي مجرورها خلف فَقَالَ الْمبرد وَابْن السراج والفارسي والعبدي وَأكْثر الْمُتَأَخِّرين وعزي للبصريين يجب لِأَن (رب) أجريت مجْرى حرف النَّفْي حَيْثُ لَا تقع إِلَّا صَدرا وَلَا يتَقَدَّم عَلَيْهَا مَا يعْمل فِي الِاسْم بعْدهَا بِخِلَاف سَائِر حُرُوف الْجَرّ وَحكم حرف النَّفْي أَن يدْخل على جملَة فالأقيس فِي مجرورها أَن يُوصف بجملة لذَلِك وَقد يُوصف بِمَا يجْرِي مجْراهَا من ظرف أَو مجرور أَو اسْم فَاعل أَو مفعول وَجزم بِهِ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَاخْتَارَهُ الرضي وَقَالَ الْأَخْفَش وَالْفراء والزجاج وَأَبُو الْوَلِيد الوحشي وَابْن طَاهِر وَابْن خروف لَا يجب وتضمنها الْقلَّة أَو الْكَثْرَة يقوم مقَام الْوَصْف وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك وَتَبعهُ أَبُو حَيَّان وَمنع كَونهَا لَا تقع إِلَّا صَدرا بِمَا تقدم وَكَون مَا يعْمل فِيمَا بعْدهَا لَا يتَقَدَّم مقتضيا لشبهها بِحرف النَّفْي بِأَن لنا مَا لَا يتَقَدَّم على الْمَجْرُور الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ وَلَا يلْزم أَن يكون جَارِيا مجْرى النَّفْي نَحْو بكم دِرْهَم تَصَدَّقت على الخبرية ويجر مُضَافا إِلَيْهِ ضمير مجرورها مَعْطُوفًا عَلَيْهِ بِالْوَاو خَاصَّة رب رجل وأخيه رَأَيْت وسوغ ذَلِك كَون الْإِضَافَة غير مَحْضَة فَلم تفد تعريفا وَقَالَ الْجُزُولِيّ لِأَنَّهُ يغْتَفر فِي التَّابِع مَا لَا يغْتَفر فِي الْمَتْبُوع قَالَ الرضي وَلَو كَانَ كَذَلِك لجَاز رب غُلَام وَالسَّيِّد وَلَا يجوز ذَلِك فِي غير الْعَطف من التوابع وَلَا فِي الْعَطف بِغَيْر الْوَاو وَفِي الْقيَاس فِي الْمَعْطُوف بِالْوَاو خلف فَأَجَازَهُ الْأَخْفَش وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك وَأَبُو حَيَّان وقصره سِيبَوَيْهٍ على المسموع أما مَا حَكَاهُ الْأَصْمَعِي من مُبَاشرَة (رب) للمضاف إِلَيْهِ الضَّمِير حَيْثُ قَالَ لأعرابية ألفلان أَب أَو أَخ فَقَالَت (رب أَبِيه وَرب أَخِيه) تُرِيدُ رب أَب لَهُ وَرب أَخ لَهُ تَقْديرا للانفصال لكَون أَب وَأَخ من الْأَسْمَاء الَّتِي يجوز الْوَصْف بهَا فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وتجر ضميرا وَيجب كَونه مُفردا مذكرا وَإِن كَانَ الْمُمَيز مثني أَو جمعا أَو مؤنثا وَكَونه يفسره نكرَة مَنْصُوبَة مُطَابقَة للمعني الَّذِي يَقْصِدهُ الْمُتَكَلّم(2/434)
(تليه) غير مفصولة عَنهُ فَيُقَال ربه رجلا وربه رجلَانِ وربه رجَالًا وربه امْرَأَة وربه امْرَأتَيْنِ وربه نسَاء قَالَ: 1075 -
(ربه امْرَأ بكَ نَالَ أمْنَع عِزّةٍ ... وغِنًى بُعَيْدَ خَصاصَةٍ وَهَوان)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَسمع جَرّه فِي قَوْله: 1706 -
(وَرُبّهُ عَطِبٍ أَنْقَذَتَ من عَطَبهْ ... )
على نِيَّة (من) وَهُوَ شَاذ وَجوز الكوفية مطابقته إِلَى الضَّمِير لَهَا أَي النكرَة المفسرة فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع والتأنيث قِيَاسا وسماعا قَالَ: 1077 -
(ربّه فتية دَعَوْتُ إِلَى مَا ... يُورث المَجْد دَائِما فأجَابُوا)
قَالَ ابْن عُصْفُور وَذَلِكَ لَا يجوز عندنَا لِأَن الْعَرَب استغنت بتثنية التَّمْيِيز وَجمعه عَنهُ كَمَا استغنوا بِتَرْكِهِ من (وذر) و (ودع) قَالَ أَبُو حَيَّان وَمن ذهب إِلَى وجوب وصف مجرور رب لم يُقَال بِهِ هُنَا قَالَ ابْن أبي الرّبيع لِأَنَّهُ استغني بِمَا دلّ عَلَيْهِ الْإِضْمَار من التفخيم عَن الْوَصْف فَصَارَ قَوْلك ربه رجلا بِمَنْزِلَة رب رجل عَظِيم لَا أقدر على وَصفه وَالأَصَح أَنه أَي هَذَا الضَّمِير معرفَة جري مجري النكرَة فِي دُخُول رب عَلَيْهِ لما أشبههَا فِي أَنه غير معِين وَلَا مَقْصُود(2/435)
وَقَالَ بَعضهم إِنَّه نكرَة وَاخْتَارَهُ ابْن عُصْفُور لوُقُوعه موقع النكرَة وكأنك قلت رب شَيْء ثمَّ فسرت الشي الَّذِي تريده بِقَوْلِك رجلا قَالَ بِخِلَاف الضَّمِير الْعَائِد على نكرَة مُقَدّمَة نَحْو لقِيت رجلا فضربته لِأَنَّهُ نَائِب مناب معرفَة إِذْ الأَصْل فَضربت الرجل أَو مُتَأَخِّرَة وَهُوَ وَاقع موقع معرفَة نَحْو نعم رجلا زيد فَالضَّمِير فِي نعم وَاقع موقع ظَاهر معرف بأل أَو مُضَاف إِلَى مَا هِيَ فِيهِ (و) الْأَصَح (أَنه) أَي جر رب الضَّمِير لَيْسَ قَلِيلا وَلَا شاذا بل جَائِز بِكَثْرَة فصيحا وَقَالَ ابْن مَالك هُوَ قَلِيل وَفِي بعض كتبه شَاذ قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَيْسَ بِصَحِيح إِلَّا إِن عني بالشذوذ شذوذ الْقيَاس وبالقلة بِالنِّسْبَةِ إِلَى جرها الظَّاهِر فَإِنَّهُ أَكثر من جرها الضَّمِير (و) الْأَصَح أَنَّهَا زَائِدَة فِي الْإِعْرَاب لَا المعني قَالَ أَبُو حَيَّان وَيدل عَلَيْهِ قَوْلهم رب رجل عَالم يَقُول ذَلِك فلولا أَن رب زَائِدَة فِي الْإِعْرَاب مَا جَازَ ذَلِك لما يلْزم من تعدِي فعل الْمُضمر الْمُتَّصِل إِلَى ظَاهره فَجعل رب رجل فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ هُوَ الَّذِي سوغ ذَلِك وَإِن كَانَت تدل على معني لِأَن الزَّائِد مِنْهُ مَا لَا يتَغَيَّر المعني بزواله وَهُوَ الزَّائِد للتوكيد وَمِنْه مَا يتَغَيَّر ويسمي زَائِدا اصْطِلَاحا بِاعْتِبَار تخطي الْعَامِل إِلَيْهِ كَقَوْلِهِم جِئْت بِلَا زَاد فَإِن النُّحَاة قَالُوا لَا زَائِدَة وَلَو أزيلت لتغير المعني وَمُقَابل الْأَصَح قَول ابْن أبي الرّبيع إِنَّهَا غير زَائِدَة لِأَنَّهَا تحرز معني والزائدة لَا تحرز وَإِنَّمَا يكون مؤكدا (و) الْأَصَح بِنَاء على أَنَّهَا زَائِدَة فِي الْإِعْرَاب أَن مَحل مجرورها على حسب الْعَامِل بعْدهَا فَهُوَ نصب فِي نَحْو رب رجل صَالح لقِيت وَرفع فِي نَحْو رب رجل عِنْدِي وَرفع أَو نصب فِي نَحْو رب رجل صَالح لَقيته لَا لَازم النصب بِالْفِعْلِ الَّذِي بعْدهَا أَو بعامل مَحْذُوف خلافًا للزجاج ومتابعيه فِي قَوْلهم بذلك لما يلْزم عَلَيْهِ من تعيدي الْفِعْل الْمُتَعَدِّي بِنَفسِهِ إِلَى مَفْعُوله بوساطة رب وَهُوَ لَا يحْتَاج إِلَيْهَا وعَلى الأول فيعطف عَلَيْهِ أَي على مَحل مجرورها كَمَا يعْطف على لَفظه قَالَ: 1078 -
(وسِنٍّ كَسُنّيْق سناءً وسُنّماً ... ذَعَرْتُ بمدلاح الهجير نَهوض)(2/436)
فعطف (سنما) على مَحل (سنّ) لِأَنَّهُ فِي مَوضِع نصب بذعرت أَرَادَ ذعرت بِهَذَا الْفرس النهوض ثورا وبقرة والسنم بقرة الْوَحْش بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح النُّون الْمُشَدّدَة (و) الْأَصَح أَنَّهَا تتَعَلَّق كَسَائِر حُرُوف الْجَرّ وَقَالَ الرماني وَابْن طَاهِر لَا تتَعَلَّق بِشَيْء كالحروف الزَّائِدَة وَالأَصَح أَن التَّعَلُّق بالعامل الَّذِي يكون خَبرا لمجرورها أَو عَاملا فِي مَوْضِعه أَو مُفَسرًا لَهُ قَالَه أَبُو حَيَّان وَقَالَ ابْن هِشَام قَول الْجُمْهُور إِنَّهَا معدية لِلْعَامِلِ إِن أَرَادوا الْمَذْكُور فخطأ لِأَنَّهُ يتعدي بِنَفسِهِ أَو محذوفا تَقْدِيره حصل أَو نَحوه كَمَا صرح بِهِ جمَاعَة فَفِيهِ تَقْدِير مَا معنى الْكَلَام مستغن عَنهُ وَلم يلفظ بِهِ فِي وَقت فَقولِي وَالأَصَح منصب على مَسْأَلَتي التَّعَلُّق وَكَونه بالعامل مَعًا كَمَا قَرّرته وَمُقَابِله فِي الثَّانِيَة قَول الْجَمَاعَة الْمَذْكُورين (ثمَّ) على التَّعْلِيق (قَالَ لكذة) الْأَصْبَهَانِيّ (حذفه لحن) مَمْنُوع وَقَالَ مَا ورد من ذَلِك مَصْنُوع (و) قَالَ الْخَلِيل وسيبويه نَادِر كَقَوْل الشماخ: 1079 -
(ودَوِّيَةٍ قَفْر تُمشّى نَعامُها ... كمشْي النّصارى فِي خِفَاف اليَرَنْدَج)
أَي قطعتها قَالَ أَبُو حَيَّان وَمِمَّا يرد قَول (لكذة) قَوْلهم رب رجل قَامَ وَرب ابْن خير من ابْن وَقَول الشَّاعِر: 1080 -
(أَلا رُبَّ مَنْ تَغْتَشُّه لَك ناصِح ... ومؤتمن بِالْغَيْبِ غيرُ أَمِين)
(و) قَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي والجزولي كثير وَبِه جزم ابْن الْحَاجِب وَرَابِعهَا وَاجِب نَقله صَاحب الْبَسِيط عَن بَعضهم قَالَ لِأَنَّهُ مَعْلُوم كَمَا حذف من (بِسم الله) وتالله لَأَفْعَلَنَّ وخامسها قَالَ ابْن أبي الرّبيع يجب حذفه إِن قَامَت الصّفة مقَامه نَحْو رب رجل يفهم هَذِه الْمَسْأَلَة أَي وجدته فَإِن لم تقم مقَامه جَازَ الْحَذف وَعَدَمه(2/437)
سَوَاء كَانَ هُنَاكَ دَلِيل أم لَا كَأَن تسمع إنْسَانا يَقُول مَا رَأَيْت رجلا عَالما فَتَقول رب رجل عَالم رَأَيْت وَلَك حذف رَأَيْت وَكَأن يَقُول ذَلِك ابْتِدَاء غير جَوَاب وَيجب كَونه أَي الْفِعْل الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ رب مَاضِيا معني قَالَه الْمبرد والفارسي وَابْن عُصْفُور وَقَالَ أَبُو حَيَّان إِنَّه الْمَشْهُور ورأي الْأَكْثَرين وَقيل يَأْتِي حَالا أَيْضا فَلَا يُقَال رب قَائِله رجل سيقوم قَالَه ابْن السراج (وَقيل: و) يَأْتِي مُسْتَقْبلا أَيْضا قَالَه ابْن مَالك كَقَوْلِه تَعَالَى {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا} [الْحجر: 2] وَقَول هِنْد أم مُعَاوِيَة: 1081 -
(يَا رب قَائِلًَ غَداً ... يَا لَهْفَ أُمِّ مُعاوَيَهْ)
والأولون تأولوا الْآيَة على أَنه مَوضِع الْمَاضِي على حد {وَنفخ فِي الصُّور} [الْكَهْف: 99، وَيس: 51، وَالزمر: 68، وق: 20] قَالَ ابْن هِشَام وَفِيه تكلّف لاقْتِضَائه أَن الْفِعْل الْمُسْتَقْبل عبر بِهِ عَن مَاض متجوز بِهِ عَن الْمُسْتَقْبل قَالَ وَالدَّلِيل على صِحَة اسْتِقْبَال مَا بعْدهَا قَوْله يَا رب قائلة غَدا وَأجَاب شَيخنَا الإِمَام الشمني بِأَنَّهُ لَا تكلّف لأَنهم قَالُوا إِن هَذِه الْحَالة الْمُسْتَقْبلَة جعلت بِمَنْزِلَة الْمَاضِي المتحقق فَاسْتعْمل مَعهَا رُبمَا المختصة بالماضي وَعدل إِلَى لفظ الْمُضَارع لِأَنَّهُ كَلَام من لَا خلف فِي إخْبَاره فالمضارع عِنْده بِمَنْزِلَة الْمَاضِي فَهُوَ مُسْتَقْبل فِي التَّحْقِيق مَاض بِحَسب التَّأْوِيل وَأما الْبَيْت فَأجَاب أَبُو حَيَّان بِأَنَّهُ من بَاب الْوَصْف بالمستقبل لَا من بَاب تعلق (رب) بِمَا بعْدهَا قَالَ وَنَظِيره قَوْلك رب مسيء الْيَوْم يحسن غَدا أَي رب رجل يُوصف بِهَذَا وَلَا يسبقها متعلقها لِأَن لَهَا الصَّدْر وَقد يسْبق بألا وَيَا وَاقعَة صَدرا جَوَاب شَرط غَالِبا كَقَوْلِه: 1082 -
(أَلا رُبّ مأخوذٍ بإجُرَام غَيره ... فَلَا تَسْأمَنْ هجْرانَ مَنْ كَانَ مُجْرما)(2/438)
وَقَوله: 1083 -
(فَإِن أُمْس مَكْروباً فيا رُبّ فتية ... )
وَمن سبقها بيا لَا فِي جَوَاب شَرط حَدِيث
(يَا رب كاسية)
على
عَليّ للاستعلاء حسا نَحْو {وَعَلَيْهَا وعَلى الْفلك تحملون} [الْمُؤْمِنُونَ: 22] أَو معنى نَحْو {فضلنَا بَعضهم على بعض} [الْبَقَرَة: 253] {وللرجال عَلَيْهِنَّ دَرَجَة} [الْبَقَرَة: 228] قَالَ ابْن مَالك وَمِنْه الْمُقَابلَة للام المفهمة مَا يجب كَقَوْلِه: 1084 -
(فَيَوْمٌ عَلَيْنا ويَوْمٌ لَنا ... )
وَمَا وَقع بعد (وَجب) أَو شبهه أَو كبر أَو صَعب وَنَحْوه مِمَّا فِيهِ ثقل أَو دلّ على تمكن نَحْو {أُولَئِكَ على هدى من رَبهم} [الْبَقَرَة: 5] (أَنا على عَهْدك وَوَعدك مَا اسْتَطَعْت) قَالَ الكوفية والعتبي وَابْن مَالك وبمعني مَعَ أَي المصاحبة نَحْو {وَآتى المَال على حبه} [الْبَقَرَة: 177] أَي مَعَ حبه {وَإِن رَبك لذُو مغْفرَة للنَّاس على ظلمهم} [الرَّعْد: 6] أَي مَعَ ظلمهم (و) بِمَعْنى (فِي) أَي الظَّرْفِيَّة نَحْو {وَاتبعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِين على ملك سُلَيْمَان} [الْبَقَرَة: 102] أَي فِي ملكه {وَدخل الْمَدِينَة على حِين غَفلَة} [الْقَصَص: 15] أَي فِي حِين (و) بِمَعْنى (من) نَحْو {إِذا اكتالوا على النَّاس} [المطففين: 2] ي من النَّاس {لفروجهم حافظون إِلَّا على أَزوَاجهم} [الْمُؤْمِنُونَ: 5، 6] أَي مِنْهُم بِدَلِيل الحَدِيث
(احفظ عورتك إِلَّا من زَوجتك وَمَا ملكت يَمِينك) (و) بِمَعْنى (عَن) أَي الْمُجَاوزَة نَحْو:(2/439)
1085 -
(إِذا رضيت على بَنو قشَيْر ... )
(و) بِمَعْنى الْبَاء نَحْو {حقيق على أَن لَا أَقُول على الله} [الْأَعْرَاف: 105] أَي بِأَن كَمَا قَرَأَ أبي (و) بِمَعْنى (اللَّام) أَي التَّعْلِيل نَحْو {ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ} [الْبَقَرَة: 185] أَي وَلأَجل هدايته هِدَايَة إيَّاكُمْ والبصريون قَالُوا لَو كَانَ لَهَا هَذِه الْمعَانِي لوقعت موقع هَذِه الْحُرُوف فَكنت تَقول وليت عَلَيْهِ أَي عَنهُ وكتبت على الْقَلَم أَي بِهِ وَجَاء زيد على عَمْرو أَي مَعَه وَالدِّرْهَم على الصندوق أَي فِيهِ وَأخذت على الْكيس أَي مِنْهُ وَأولُوا مَا تقدم على التَّضْمِين وَنَحْوه فضمن (تتلو) معنى (تَقول) و (رَضِي) معنى (عطف) و (اكتالوا) معنى (حكمُوا) فِي الْكَيْل و (حافظون) معنى قاصرون و (حقيق) معنى حَرِيص و (لتكبروا) معنى تحمدوا (وحذفها وزيادتها ضَرُورَة) كَقَوْلِه 1086 - تحن فتبدي مَا بهَا من صبَابَة وأخفى الَّذِي لَوْلَا الأسى لقضانى أَي لقضي عَليّ وَقَوله(2/440)
1087 - أبي الله إِلَّا أَن سرحة مَالك على كل أفنان الْعضَاة تروق ف (على) زَائِدَة لِأَن (راق) يتعدي بِنَفسِهِ وَجوز ابْن مَالك زيادتها فِي النثر كَحَدِيث
(من حلف على يَمِين) أَي يَمِينا وَقَالَ أَبُو حَيَّان هُوَ على تضمين حلف بِمَعْنى (جسر) وَجوز الْأَخْفَش حذفهَا وَنصب تَالِيهَا مَفْعُولا نَحْو {وَلَكِن لَا تواعدوهن سرا} [الْبَقَرَة: 235] أَي على سر {لأقعدن لَهُم صراطك الْمُسْتَقيم} [الْأَعْرَاف: 16] أَي على صراطك وزعمها ابْن الطراوة وَأَبُو عَليّ الْفَارِسِي والشلوبين اسْما دَائِما معربا لِأَنَّهَا لَا يظْهر فِيهَا عَلامَة الْبناء من شبه الْحَرْف إِذْ لَا حرف فِي مَعْنَاهَا وَقلة تصرفها لَا يُوجب لَهَا الْبناء قَالَ ابْن خروف وَهُوَ الْقيَاس وَقيل مَبْنِيا ك (هَذَا) بِدَلِيل أَن (على) الِاسْم على رَأْي الْجُمْهُور مَبْنِيَّة وَكَذَا (عَن) وَالْكَاف ومذ ومنذ اسْما لتضمنها معنى الْحَرْف الَّذِي يكونه لِأَنَّهَا بِمَعْنى وَاحِد فَحملت عَلَيْهَا (على) طردا للباب قَالَ صَاحب الإفصاح وَهَذَا هُوَ الْوَجْه وَالْقِيَاس وزعمها الْأَخْفَش اسْما إِذا كَانَ مجرورها وفاعل متعلقها ضميري مسمي وَاحِد كَقَوْلِه تَعَالَى {أمسك عَلَيْك زَوجك} [الْأَحْزَاب: 37] وَقَول الشَّاعِر 1088 -
(هَوِّن عَلَيْك فَإِن الْأُمُور ... بكفّ الإلهِ مَقادِيرُها)(2/441)
لِأَنَّهُ لَا يتَعَدَّى فعل الْمُضمر الْمُتَّصِل إِلَى ضميرَة الْمُتَّصِل فِي غير بَاب ظن وفقد وَعدم كَمَا تقدم قَالَ أَبُو حَيَّان وَابْن هِشَام وَفِيه نظر لِأَنَّهَا لَو كَانَت اسْما حِينَئِذٍ لصَحَّ حُلُول (فَوق) محلهَا وَلِأَنَّهَا لَو لَزِمت اسميتها لما ذكر لزم الحكم باسمية إِلَى فِي نَحْو {فصرهن إِلَيْك} [الْبَقَرَة: 260] {واضمم إِلَيْك} [الْقَصَص: 32] {وهزي إِلَيْك} [مَرْيَم: 25] قَالَ فليتخرج هَذَا كُله على التَّعَلُّق بِمَحْذُوف كَمَا فِي (سقيا) لَك أَو على حذف مُضَاف أَي هون على نَفسك واضمم إِلَى نَفسك انْتهى قَالَ ابْن الدماميني وَقد يُقَال لَا نسلم أَن مَا كَانَ بِمَعْنى شَيْء وَيصِح حُلُوله مَحَله وأجراه أَي أجْرى الْأَخْفَش مَا قَالَه فِي (على) من اسميتها فِي الْحَالة الْمَذْكُورَة كَقَوْل امْرِئ الْقَيْس 1089 -
(دَعْ عَنْك نَهْباً صِيح فِي حَجَراتِه ... )
وَقَول أبي نواس 1090 -
(دَعْ عَنْك لَوْمِي فإنَّ اللوم إغراءُ ... )
قَالَ ابْن هِشَام وَقد تقدم مَا فِيهِ قَالَ وَمِمَّا يدل على أَنَّهَا لَيست اسْما أَنه لَا يَصح حُلُول الْجَانِب محلهَا(2/442)
عَن
عَن للمجاوزة وَهِي الأَصْل وَلِهَذَا عدي بهَا صد وَأعْرض وأضرب وانحرف وَعدل وَنهى ونأي وحرف ورحل وَاسْتغْنى وَرغب وَنَحْوهَا وَمِنْه بَاب الرِّوَايَة والإخبار لِأَن الْمَرْوِيّ والمخبر بِهِ مجَاز لمن أَخذ عَنهُ قَالَ الكوفية وَابْن قُتَيْبَة وَابْن مَالك والاستعانة كالباء نَحْو {وَمَا ينْطق عَن الْهوى} [النَّجْم: 3] أَي بِهِ وَالتَّعْلِيل نَحْو {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَن موعدة} [التَّوْبَة: 114] {وَمَا نَحن بتاركي آلِهَتنَا عَن قَوْلك} [هود: 53] وَبِمَعْنى عَليّ أَي الاستعلاء كَقَوْلِه تَعَالَى {فَإِنَّمَا يبخل عَن نَفسه} [مُحَمَّد: 38] وَقَول الشَّاعِر 1091 -
(لاهِ ابنُ عمكَ لَا أَفْضَلْتَ فِي حَسَبٍ ... عنِّي وَلَا أَنْتَ ديّاني فَتَخْزُوني)
أَي على وَبِمَعْنى بعد نَحْو {لتركبن طبقًا عَن طبق} [الانشقاق: 19] أَي بعد طبق {يحرفُونَ الْكَلم عَن موَاضعه} [النِّسَاء: 46، والمائدة: 13] بِدَلِيل {من بعد موَاضعه} [الْمَائِدَة: 41] {عَمَّا قَلِيل ليصبحن نادمين} [الْمُؤْمِنُونَ: 40] والبصريون قَالُوا هِيَ للمجاوزة فِي الْجَمِيع وَلَو كَانَت لَهَا مَعَاني هَذِه الْحُرُوف لجَاز أَن تقع موقعها فَيُقَال زيد عَن الْفرس أَي عَلَيْهِ وَجئْت عَن الْعَصْر أَي بعده وَتكلم عَن خير أَي بِهِ بل التَّقْدِير مَا صدر نطقة عَن الْهَوِي وَمَا كَانَ(2/443)
اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم إِلَّا صادرا عَن موعدة وَمَا نَحن بتاركي آلِهَتنَا صادرين عَن قَوْلك وَضمن يبخل معنى يرغب وأفضلت معنى انْفَرَدت قَالَ بعض شُيُوخنَا قَالَ أَبُو حَيَّان ووقوعها بِمَعْنى بعد لتقارب معنى البعدية والمجاوزة لِأَن الشَّيْء إِذا جَاءَ بعد الشَّيْء فقد عدا وقته وجاوزه قَالَ أَبُو حَيَّان قَالَ بعض شُيُوخنَا وَيَنْبَغِي على قَوْلهم أَنَّهَا بِمَعْنى بعد أَن تكون حِينَئِذٍ ظرفا قَالَ وَلَا أعلم أحدا قَالَ إِنَّهَا اسْم إِلَّا إِذا دخل عَلَيْهَا حرف الْجَرّ وَبِمَعْنى فِي أَي الظَّرْفِيَّة كَقَوْلِه 1092 -
(وآس سرَاةَ الحَيِّ حَيْثُ لَقِيتَهُمْ ... وَلَا تَكْ عَنْ حَمْل الرِّباعة وانيا)
أَي (فِي) كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَا تنيا فِي ذكري} [طه: 42] ورد بِأَن تَعديَة (وني) ب (عَن) مَعْرُوف وَفرق بَين وني عَنهُ ووني فِيهِ بِأَن معنى الأول جاوزه وَلم يدْخل فِيهِ وَالثَّانِي دخل فِيهِ وفتر زَاد ابْن مَالك وَالْبدل نَحْو قَوْله تَعَالَى {لَا تجزي نفس عَن نفس شَيْئا} [الْبَقَرَة: 48] وَحَدِيث الصَّحِيحَيْنِ
(صومي عَن أمك) وَزَاد ابْن هِشَام فِي المغنى وَمعنى من نَحْو {يقبل التَّوْبَة عَن عباده} [الشورى: 25] {نتقبل عَنْهُم أحسن مَا عمِلُوا} [الْأَحْقَاف: 16] بِدَلِيل {فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا} [الْمَائِدَة: 27] الْآيَة (و) بِمَعْنى (الْبَاء) وَفرق بَينه وَبَين الِاسْتِعَانَة وَمثله بِالْآيَةِ السَّابِقَة وَمثل الِاسْتِعَانَة بِنَحْوِ رميت عَن الْقوس لأَنهم يَقُولُونَ (رميت بِالْقَوْسِ) حَكَاهُ الْفراء وزيادتها ضَرُورَة كَقَوْلِه:(2/444)
1093 -
(فأصْبَحْنَ لَا يَسْألْنَهُ عَنْ بِمَا بِهِ ... )
(خلافًا لأبي عبيد) حَيْثُ أجزها فِي الِاخْتِيَار وَاسْتدلَّ بقوله تَعَالَى: {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره} [النُّور: 63] أَي أمره
فِي
فِي للظرفية مَكَانا وزمانا وَقد اجْتمعَا فِي قَوْله تَعَالَى: {غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين} [الرّوم: 2، 3، 4] حَقِيقَة كالآية (ومجازا) نَحْو: {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة يَا أولي الْأَلْبَاب لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [الْبَقَرَة: 179] {لقد كَانَ فِي يُوسُف وَإِخْوَته آيَات} [يُوسُف: 7] قَالَ الكوفية وَابْن قُتَيْبَة وَابْن مَالك وَمعنى الْبَاء نَحْو: {يذرؤكم فِيهِ} [الشورى: 11] أَي بِسَبَبِهِ 1094 -
(بَصِيرُون فِي طَعْن الأبَاهر والكُلَي ... )
أَي بطعن (و) بِمَعْنى (عَليّ) نَحْو {ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل} [طه: 71] أَي عَلَيْهَا (و) بِمَعْنى (مَعَ) أَي المصاحبة نَحْو {ادخُلُوا فِي أُمَم}(2/445)
[الْأَعْرَاف: 38] أَي مَعَهم {فَخرج على قومه فِي زينته} [الْقَصَص: 79] (و) بِمَعْنى (من) كَقَوْلِه: 1095 -
(وَهل يَعِمَنْ مَنْ كَانَ أحدثُ عصره ... ثلاثينَ شَهْراً فِي ثلاثَةِ أحْوال)
أَي مِنْهَا (و) بِمَعْنى (إِلَى) نَحْو {فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم} [إِبْرَاهِيم: 9] أَي إِلَيْهَا زَاد ابْن مَالك وَالتَّعْلِيل كَحَدِيث:
(إِن امْرَأَة دخلت النَّار فِي هرة حبستها)
(فِي النَّفس مائَة من الْإِبِل)
(الْحبّ فِي الله والبغض فِي الله من الْإِيمَان) بِدَلِيل الحَدِيث الآخر:
(أَن تحب لله وَتبْغض لله) والمقايسة وَهِي الدَّاخِلَة بَين مفضول سَابق وفاضل لَاحق نَحْو {فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا قَلِيل} [التَّوْبَة: 38] وَقَول الْخضر لمُوسَى
(مَا علمي وعلمك فِي علم الله إِلَّا كَمَا غمس هَذَا الطَّائِر بمنقاره من الْبَحْر) والبصريون قَالُوا لَا تكون إِلَّا للظرفية وَمَا لَا تظهر فِيهِ حَقِيقَة فَهِيَ مجازية وَهل تزاد أَقْوَال أَحدهَا نعم فِي الِاخْتِيَار وَغَيره نَحْو {وَقَالَ اركبوا فِيهَا بِسم الله} [هود: 41] ثَانِيهَا لَا وَلَا فِي الضَّرُورَة ثَالِثهَا وَهُوَ رَأْي الْفَارِسِي تزاد ضَرُورَة لَا اخْتِيَارا كَقَوْلِه:(2/446)
1096 -
(أَنا أَبُو سَعْدٍ إذَا الليلُ دَجَا ... يُخَالُ فِي سَوَادِه يَرَنْدَجَا)
أَي يخال سوَاده
الْكَاف
الْكَاف للتشبيه نَحْو زيد كالأسد وَالتَّعْلِيل أثْبته قوم قَالَ ابْن هِشَام وَهُوَ الْحق سَوَاء جردت نَحْو {ويكأنه لَا يفلح الْكَافِرُونَ} [الْقَصَص: 82] أَي أعجب لِأَنَّهُ لَا يفلح الْكَافِرُونَ أَو وصلت بِمَا المصدرية نَحْو {واذكروه كَمَا هدَاكُمْ} [الْبَقَرَة: 198] ونفاه الْأَكْثَرُونَ وَثَالِثهَا تفيده إِن كفت بِمَا كحكاية سِيبَوَيْهٍ (كَمَا أَنه لَا يعلم فيتجاوز الله عَنهُ وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك قَالَ الكوفية والأخفش والاستعلاء وحكوا أَن بَعضهم قيل لَهُ كَيفَ أَصبَحت فَقَالَ كخير أَي على خير وَكن كَمَا أَنْت أَي على مَا أَنْت عَلَيْهِ وَغَيرهم قَالَ هِيَ للتشبيه على حذف مُضَاف أَي كصاحب خير وعَلى أَن (مَا) مَوْصُولَة أَي كَالَّذي هُوَ أَنْت (و) قَالَ السيرافي وَابْن الخباز فِي النِّهَايَة والمبادرة إِذا اتَّصَلت ب (مَا) نَحْو صل كَمَا يدْخل الْوَقْت وَسلم كَمَا تدخل قَالَ ابْن هِشَام وَهُوَ غَرِيب جدا(2/447)
وتزاد توكيدا قَالَ فِي التسهيل إِن أَمن اللّبْس نَحْو {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] أَي لَيْسَ مثله شَيْء وَإِلَّا لزم إِثْبَات الْمثل وَهُوَ محَال وَبَعْضهمْ قَالَ الزَّائِد لفظ الْمثل وَالْأول أولى بل القَوْل بِزِيَادَة الِاسْم لم يثبت وجرها الْمُضمر ضَرُورَة كَقَوْلِه: 1097 -
(وَإِن يكُ إنْساً مَا كها الإنْسُ تَفْعل ... )
أَي مَا مثلهَا وَقَوله: 1098 -
(فَلَا تري بَعْلاً وَلَا حلائِلا ... كَهُ وَلَا كَهُنَّ إلاّ حاظِلا)
وَعبارَة التسهيل ودخولها على ضمير الْغَائِب الْمَجْرُور قَلِيل قَالَ أَبُو حَيَّان وَمعنى كَلَامه يفهم جَوَازه على قلته واختصاصه بالغائب وَالْمَجْرُور وأصحابنا خصوه وأطلقوا الْمُضمر وأنشدوا فِي دُخُولهَا على ضمير الْمُتَكَلّم وحركتها حِينَئِذٍ الْكسر 1999 -
(وَإِذا الحرْبُ شَمّرَتْ لم تكن كِي ... حِين تَدْعُو الكُمَاةُ فِيهَا نَزَال)
وحكوا فِيهِ وَفِي الْمُخَاطب عَن الْحسن أَنا كك وَأَنت كي وَفِي الْمَرْفُوع: 1100 -
(قلت إِنِّي كَأَنْت ثُمّة لمّا ... )(2/448)
وَفِي الْمَنْصُوب 1101 -
(فأحْسِنُ وأجمل فِي أسيرك إِنَّه ... ضعيفٌ وَلم يأسِر كإيّاك آسِرُ)
وحكوا أَنْت كأنا وكهو انْتهى فَلِذَا عبرت بِمَا تقدم وَإِنَّمَا لم تجره اخْتِيَارا اسْتغْنَاء عَنْهَا بِمثل وَشبهه كَمَا استغنوا فِيهِ ب (إِلَى) عَن (حَتَّى) نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ وَتَقَع اسْما مرادفة لمثل جَارة أَيْضا ثمَّ قَالَ سِيبَوَيْهٍ والمحققون لَا تقع كَذَلِك إِلَّا ضَرُورَة وَحِينَئِذٍ فتجر بالحرف كَقَوْلِه: 1102 -
(يَضْحكْنَ عَنْ كَالْبَرَدِ المُنْهَمِّ ... )
1103 -
(بكا للَّقَوْةِ الشّغْواء جُلْتُ فَلم أكُنْ ... )
وبالإضافة كَقَوْلِه: 1104 -
(تَيّمَ القلْبَ حُبُّ كَالْبَدْر لَا بَلْ ... فاق حُسْنًا مَنْ تَيَّمَ الْقَلبَ حُبّا)
وَتَقَع فاعلة كَقَوْلِه:(2/449)
1105 -
(هَلْ تنتهون ولَنْ يَنْهَى ذَوي شَطَطٍ ... كالطَّعْن يذهبُ فِيهِ الزَّيتُ والفُتُل)
ومبتدأ كَقَوْلِه: 1106 - بِنَا كالجَوَى مِمَّا نَخافُ وقَدْ نَري ... شِفَاء الْقُلُوب الصاّدياتِ الحوَائِم)
وَاسم (كَانَ) كَقَوْلِه: 1107 (لَو كَانَ فِي قلبِي كَقدْر قلامة ... فضلا لغيرك مَا أتتك رسالتي) 1108 -
(لَا يبرمون إِذا مَا الأفْقُ جَلّله ... برْدُ الشتَاء من الإمحال كالأدَم)
وَذَلِكَ فِي الشّعْر كثير جدا وَلم يرد فِي النثر فاختص بِهِ (و) قَالَ أَبُو الْحسن (الْأَخْفَش) وَأَبُو عَليّ (الْفَارِسِي) تقع كَذَلِك اخْتِيَارا كثيرا نظرا إِلَى كَثْرَة السماع وعَلى هَذَا يجوز فِي زيد كالأسد أَن تكون الْكَاف فِي مَوضِع رفع والأسد مخفوضا بِالْإِضَافَة وعَلى ذَلِك كثير من المعربين مِنْهُم الزَّمَخْشَرِيّ قَالَ ابْن هِشَام وَلَو صَحَّ ذَلِك لسمع فِي الْكَلَام مثل مَرَرْت بكالأسد(2/450)
وَقَالَ أَبُو حَيَّان تقع اخْتِيَارا قَلِيلا قَالَ لِأَنَّهُ تصرف فِيهَا بِكَثْرَة وُرُودهَا فاعلة اسْم كَانَ ومفعولة ومبتدأة ومجرورة بِحرف وَإِضَافَة وَهَكَذَا شَأْن الْأَسْمَاء المتصرفة يتقلب عَلَيْهَا وجود الْإِسْنَاد وَالْإِعْرَاب وَقَالَ أَبُو جَعْفَر بن مضاء هِيَ اسْم أبدا لِأَنَّهَا بِمَعْنى مثل وَمَا هُوَ بِمَعْنى اسْم فَهُوَ اسْم ورده الْأَكْثَرُونَ بمجيئها على حرف وَاحِد وَلَا يكون على ذَلِك من الْأَسْمَاء الظَّاهِرَة إِلَّا مَحْذُوف مِنْهُ أَو شَاذ وبورود زيادتها وَلَا تزاد إِلَّا الْحُرُوف وَقَالَ قوم هِيَ اسْم إِذا زيدت ورد بِأَن زِيَادَة الِاسْم لم تثبت
3 - كي
كي لتعليل وتختص بِمَا الاستفهامية وَأَن وَمَا المصدريتين فَلَا تجر غَيرهَا كَقَوْلِهِم من السُّؤَال عَن الْعلَّة كيمه وقولك جِئْت كي تكرمني وَقَوله 1109 -
(يُرَجّى الفَتى كَيْمَا يَضُرّ وينفع ... )
وَقد تقدم فِي نواصب الْمُضَارع أَن الكوفية أَنْكَرُوا كَونهَا جَارة مَعَ دَلِيله ورده
3 - اللَّام
اللَّام للْملك نَحْو {لله مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} [الصَّفّ: 1] والاختصاص نَحْو {إِن لَهُ أَبَا} [يُوسُف: 78] {فَإِن كَانَ لَهُ إخْوَة} [النِّسَاء: 11] الْجنَّة للْمُؤْمِنين والسرج للْفرس وَهَذَا الشّعْر لفُلَان والاستحقاق وَهِي الْوَاقِعَة بَين معنى وَذَات نَحْو (الْحَمد لله) {ويل لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] و {لَهُم فِي الدُّنْيَا خزي} [الْمَائِدَة: 41] قَالَ ابْن هِشَام وَبَعْضهمْ يَسْتَغْنِي بالاختصاص عَن ذكر الْملك والاستحقاق ويمثله بالأمثلة الْمَذْكُورَة ويرجحه أَن فِيهِ تقليلا للاشتراك وَفرق بَعضهم بَين الِاسْتِحْقَاق والاختصاص بِأَن الأول أخص إِذْ هُوَ شهِدت بِهِ الْعَادة وَقد يخْتَص الشَّيْء بالشَّيْء من غير شَهَادَة عَادَة إِذْ لَيْسَ من لَازم الْبشر أَن يكون لَهُ ولد(2/451)
وَالتَّمْلِيك نَحْو وهبت لزيد دِينَارا أَو شبهه نَحْو {جعل لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا} [النَّحْل: 72] وَالنّسب نَحْو لزيد عَم هُوَ لعَمْرو خَال والتبليغ وَهِي الجارة لاسم السَّامع لقَوْل أَو مَا فِي مَعْنَاهُ نَحْو قلت لَهُ وأذنت لَهُ وفسرت لَهُ والتبيين وَهِي أَقسَام مَا يبين الْمَفْعُول من الْفَاعِل بِأَن يَقع بعد فع تعجب أَو اسْم تَفْضِيل من حب أَو بغض تَقول مَا أجبني وَمَا أبغضني فَإِن قلت لفُلَان فَأَنت فَاعل الْحبّ والبغض وَهُوَ مفعول لَهما فَإِن قلت إِلَى فلَان فَالْأَمْر بِالْعَكْسِ ذكره ابْن مَالك قَالَ ابْن هِشَام وَليكن ذَلِك أَيْضا فِي معنى إِلَيّ وَمَا يبين فاعليه غير ملتبسة بمفعولية أَو مفعولية غير ملتبسة بفاعلية ومصحوب كل مِنْهُمَا إِمَّا غير مَعْلُوم مِمَّا قبلهَا أَو مَعْلُوم وَلَكِن استؤنف بَيَانه تَقْوِيَة للْبَيَان وتوكيدا لَهُ وَاللَّام فِي ذَلِك مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف فَالْأول نَحْو تَبًّا لزيد وريحا لَهُ وَالثَّانِي نَحْو سقيا وجدعا لَهُ والتعجب إِمَّا مَعَ الْقسم وَهِي الدَّاخِلَة على اسْم الله تَعَالَى نَحْو 1110 -
(للهِ يبْقى على الأيّام ذُو حِيَدٍ ... )
أَو مُجَردا عَنهُ وَهِي المستعملة فِي النداء نَحْو 1111 -
(فيا لَكَ من لَيْل كأنَّ نُجُومَهُ ... بِكُل مغار الفَتْل شُدَّت بيذبل)(2/452)
وَبِمَعْنى عِنْد نَحْو كتبته لخمس خلون قَالَ ابْن جني وَمِنْه قِرَاءَة الجحدري {بل كذبُوا بِالْحَقِّ لما جَاءَهُم} [ق: 5] بِكَسْر اللَّام وَتَخْفِيف الْمِيم قَالَ الْأَخْفَش والصيرورة وتسمي لَام الْعَاقِبَة وَلَام الْملك نَحْو {فالتقطه آل فِرْعَوْن ليَكُون لَهُم عدوا وحزنا} [الْقَصَص: 8] 1112 -
(لدوا لِلْمَوْتِ وابْنُوا لِلْخَراب ... )
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالتَّعْلِيل نَحْو {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم} [آل عمرَان: 81] الْآيَة فِي قِرَاءَة حَمْزَة بِكَسْر اللَّام {وَإنَّهُ لحب الْخَيْر لشديد} [العاديات: 8] {لِإِيلَافِ قُرَيْش} [قُرَيْش: 1] وَمعنى إِلَيّ نَحْو {بِأَن رَبك أوحى لَهَا} [الزلزلة: 5] {كل يجْرِي لأجل مُسَمّى} [الرَّعْد: 2] (سمع الله لمن حَمده) أَي اسْتمع إِلَيْهِ وَبِمَعْنى عَليّ نَحْو {يخرون للأذقان سجدا} [الْإِسْرَاء: 107] {وتله للجبين} [الصافات: 103] {وَإِن أسأتم فلهَا} [الْإِسْرَاء: 7] و (اشترطي لَهُم الْوَلَاء) وَبِمَعْنى مَعَ كَقَوْلِه 1113 -
(فَلَمَّا تفرَّقَنا كأنِّي ومالِكاً ... لِطُول اجْتماع لم نَبتْ لَيْلةً مَعَا)(2/453)
وَبِمَعْنى من كَقَوْل جرير 1114 -
(لنا الْفَضْلُ فِي الدُّنيا وأَنْفُكَ رَاغِمٌ ... ونَحنُ لكم يَوْمَ القِيامَةِ أَفْضَلُ)
وقولك سَمِعت لَهُ صراخا وَبِمَعْنى فِي نَحْو {وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة} [الْأَنْبِيَاء: 47] {لَا يجليها لوَقْتهَا} [الْأَعْرَاف: 187] وَبِمَعْنى بعد نَحْو {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} [الْإِسْرَاء: 78]
(صُومُوا لرُؤْيَته وأفطروا لرُؤْيَته) وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي الكافية وَبِمَعْنى عَن من القَوْل نَحْو {وَقَالَ الَّذين كفرُوا للَّذين آمنُوا} [الْأَحْقَاف: 11] الْآيَة أَي عَنْهُم وَلَيْسَ الْمَعْنى أَنهم خاطبوا بِهِ الْمُؤمنِينَ وَإِلَّا لقَالَ مَا سبقتمونا إِلَيْهِ قَالَ ابْن الصَّائِغ وَفِيه نظر لجَوَاز أَن يكون من بَاب الْحِكَايَة وَجعلهَا ابْن مَالك وَغَيره للتَّعْلِيل وَقوم للتبليغ وَمن ذَلِك {قَالَت أخراهم لأولاهم رَبنَا هَؤُلَاءِ أضلونا} [الْأَعْرَاف: 38] {وَلَا أَقُول للَّذين تزدري أعينكُم لن يُؤْتِيهم الله خيرا} [هود: 31] 1115 -
(كضَرائر الْحَسْناء قُلْنَ لِوَجْهها ... حَسَداً وبُغْضاً إِنَّه لَدَمِيمُ)
وَقَالَ ابْن مَالك فِي (الْخُلَاصَة) و (الكافية) والتعدية وَمثل لَهُ فِي شرحها بقوله تَعَالَى {فَهَب لي من لَدُنْك وليا} [مَرْيَم: 5] وَمثل ابْنه بِقَوْلِك قلت لَهُ كَذَا وَلم يذكرهُ فِي التسهيل وَلَا شَرحه بل فِيهِ أَن اللَّام فِي الْآيَة لشبه التَّمْلِيك وَفِي الْمِثَال للتبليغ قَالَ ابْن هِشَام والأولي عِنْدِي أَن يمثل للتعدية بِنَحْوِ(2/454)
مَا أضْرب زيدالعمرو وَمَا أضربه لبكر وَقَالَ الرضي الشاطبي لم يذكر أحد من الْمُتَقَدِّمين هَذَا الْمَعْنى للام فِيمَا أعلم وَأَيْضًا فالتعدية لَيست من الْمعَانِي الَّتِي وضعت الْحُرُوف لَهَا وَإِنَّمَا ذَلِك أَمر لَفْظِي مَقْصُوده إِيصَال الْفِعْل الَّذِي لَا يسْتَقلّ بالوصول بِنَفسِهِ إِلَى الِاسْم فيتعدي إِلَيْهِ بواسطته وَهَذَا الْقَصْد يشْتَرك فِيهِ جَمِيع الْحُرُوف لِأَنَّهَا وضعت لتوصيل الْأَفْعَال إِلَى الْأَسْمَاء والتوكيد وَهِي الزَّائِدَة بَين المتضايفين نَحْو لَا أَبَا لزيد وَلَا أَخا لَهُ وَلَا غُلَام لَهُ و 1116 -
(يَا بُوْسَ للْحَرْب ... )
وَالأَصَح أَن الْجَرّ حِينَئِذٍ بهَا لَا بالمضاف لِأَنَّهَا أقرب أَو الْفِعْل الْمُتَعَدِّي ومفعوله كَقَوْلِه تَعَالَى {يكون ردف} [النَّمْل: 72] وَقَول الشَّاعِر 1117 -
(ومَلَكْتَ مَا بَيْن العِراق وَيثْرب ... مُلْكاً أَجَارَ لِمُسْلم ومُعَاهد)
والتقوية فِي مفعول عَامل ناصب وَاحِد ضعف بِالتَّأْخِيرِ نَحْو {للرؤيا تعبرون} [يُوسُف: 43] {للَّذين هم لرَبهم يرهبون} [الْأَعْرَاف: 154] وبكونه فرعا فِي الْعَمَل نَحْو {فَعَّالٌ لّمَا يُرِيدُ} [هود: 107] {مُصدقا لما مَعَهم} [الْبَقَرَة 91] {نزاعة للشوى} [المعارج 16] قَالَ فِي شرح الكافية وَلَا يفعل ذَلِك بمعتد إِلَى اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ إِن زيدت فيهمَا لزم تَعديَة فعل وَاحِد إِلَى مفعولين بِحرف وَاحِد وَلَا نَظِير لَهُ أَو فِي أَحدهمَا لزم التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح وإيهام غير الْمَقْصُود وَوَافَقَهُ أَبُو حَيَّان قَالَ ابْن هِشَام والأخير مَمْنُوع لِأَنَّهُ إِذا تقدم أَحدهمَا دون الآخر وزيدت اللَّام فِي الْمُقدم لم يلْزم ذَلِك وَقد قَالَ الْفَارِسِي فِي قَوْله(2/455)
تَعَالَى {وَلكُل وجهة هُوَ موليها} [الْبَقَرَة: 148] بِإِضَافَة كل إِنَّه من هَذَا وَالْمعْنَى الله مول كل ذِي وجهة وجهته وَقَالُوا فِي قَوْله 1118 -
(هَذَا سُراقة لِلْقُرْآنِ يَدْرسُهُ ... )
إِن الْهَاء مفعول مُطلق لَا ضمير الْقُرْآن وَقد دخلت اللَّام فِي أحد المفعولين الْمُقدم بل وَدخلت فِي أحد الْمُتَأَخِّرين فِي قَول ليلى 1119 -
(أحجّاجُ لَا تُعْطِ العُصاةَ مناهُمُ ... وَلَا اللهُ يُعْطِي للعُصاة مُناها)
قَالَ لكنه شَاذ لقُوَّة الْعَامِل انْتهى وَالْأَشْهر كسرهَا أَي لَام الْجَرّ مَعَ كل ظَاهر إِلَّا المستغاث كَمَا سبق إِلَّا مَعَ الْمُضمر فالأشهر فتحهَا غير الْيَاء وَمُقَابل الْأَشْهر أَن بعض الْعَرَب يفتحها مَعَ الظَّاهِر مُطلقًا فَتَقول المَال لزيد وَبَعْضهمْ إِذا دخلت على الْفِعْل وَقُرِئَ {وَمَا كَانَ الله ليعذبهم} [الْأَنْفَال: 33] وخزاعة تكسرها مَعَ الْمُضمر وَإِنَّمَا كسرت هِيَ وَالْبَاء وَإِن كَانَ الأَصْل فِي الْحَرْف الْوَاحِد بِنَاؤُه على الْفَتْح تَخْفِيفًا لموافقة معمولها وَلم تكسر الْكَاف لِأَنَّهَا تكون اسْما أَيْضا فَكَانَ جرها لَيْسَ بِالْأَصَالَةِ وَلِئَلَّا تلبس بلام الِابْتِدَاء وَنَحْوهَا وَبقيت فِي الْمُضمر على الأَصْل لِأَنَّهُ يتَمَيَّز ضمير الْجَرّ من غَيره وَلم يعول فِي الظَّاهِر على الْفرق بالإعراب لعدم اطراده إِذْ قد يكون مَبْنِيا وموقوفا عَلَيْهِ(2/456)
لَعَلَّ
لَعَلَّ والجر بهَا لُغَة عقيلية حَكَاهَا أَبُو زيد والأخفش وَالْفراء قَالَ شَاعِرهمْ 1120 -
(لعلَّ أبي المِغْوار مِنْك قَريبُ ... )
وَقد أنكرها قوم مِنْهُم الْفَارِسِي وَتَأَول الْبَيْت على أَن الأَصْل لَعَلَّه لأبي المغوار جَوَاب قريب فَحذف مَوْصُوف (قريب) وَضمير الشَّأْن وَلَام لَعَلَّ الثَّانِيَة تَخْفِيفًا وأدغم الأولي فِي لَام الْجَرّ وَمن ثمَّ كَانَت مَكْسُورَة وَمن فتح فَهُوَ على لُغَة المَال لزيد وَهَذَا تكلّف كثير مَرْدُود بِنَقْل الْأَئِمَّة وفيهَا حِينَئِذٍ أَي إِذا جرت فتح الآخر وكسره كَمَا ذكر مَعَ حذف الأول ودونه أَي عل وَلَعَلَّ وَحكم محلهَا ومجرورها كرب فَالْأَصَحّ أَنَّهَا تتَعَلَّق بالعامل وَقيل لَا تَنْزِيلا لَهَا منزلَة الزَّائِد وَأَن مَحل مجرورها على حسب مَا بعْدهَا فَفِي الْبَيْت الْمَذْكُور مَحَله رفع بِالِابْتِدَاءِ وَقَرِيب خَبره لعا بِمَعْنى لَعَلَّ نقل الْفراء وَابْن الْأَنْبَارِي الْجَرّ بهَا قَالَ الْفراء وَفِي خَبَرهَا الرّفْع وَالنّصب(2/457)
لَوْلَا
لَوْلَا الامتناعية إِذا تَلَاهَا ضمير جر نَحْو لولاي ولولاك ولولاه قَالَ 1121 -
(وكَمْ مَوْطِن لَوْلايَ طِحْتَ كَمَا هَوى ... )
وَقَالَ 1122 -
(لَوْلاك فِي ذَا الْعَام لم أَجْجُج ... )
وَقَالَ 1123 -
(لَوْلاكُمُ ساغَ لَحْمي عِنْدها وَدمِي ... )
وَقَالَ 1124 - ولَوْلاَهُ مَا قَلّتْ لديَّ الدّراهِمُ ... )(2/458)
وَقَالَ 1125 -
(فلولاهُمُ لَكُنْتُ كحُوتِ بَحْر ... )
فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور مَوْضِعه جر بهَا واختصت بِهِ كَمَا اخْتصّت (حتي) و (الْكَاف) بِالظَّاهِرِ قَالُوا وَلَا جَائِز أَن يكون مَرْفُوعا لِأَنَّهَا لَيست ضمائر رفع وَلَا مَنْصُوبًا وَإِلَّا لجَاز وَصلهَا بنُون الْوِقَايَة مَعَ يَاء الْمُتَكَلّم كالياء الْمُتَّصِلَة بالحروف وَلِأَنَّهُ كَانَ حَقّهَا أَن تجر الِاسْم مُطلقًا لَكِن منع من ذَلِك شبهها بِمَا اخْتصَّ بِالْفِعْلِ من أدوات الشَّرْط فِي ربط جملَة بجملة فأرادوا التَّنْبِيه على مُوجب الْعم فجروا بهَا الْمُضمر وَقَالَ الْأَخْفَش والكوفية مَوْضِعه رفع على الِابْتِدَاء إنابة لضمير الْجَرّ عَن ضمير الرّفْع كَمَا عكسوا فِي أَنا كَأَنْت وَأَنت كأنا وَلَوْلَا غير جَاره لِأَن الْمُضمر فرع الظَّاهِر وَهِي لَا تجر الأَصْل فَكيف تجر الْفَرْع وَمَا قيل من أَنَّهَا مُخْتَصَّة بِالِاسْمِ مَمْنُوع وَإِنَّمَا هِيَ دَاخِلَة على الْجُمْلَة الابتدائية وَقَالَ الْمبرد هُوَ لحن ورد بِاتِّفَاق أَئِمَّة الْبَصرِيين والكوفيين على رِوَايَته عَن الْعَرَب وَلَا يعْطف عَلَيْهِ بِالْجَرِّ بل يتَعَيَّن الرّفْع نَحْو لولاك وَزيد لِأَنَّهَا لَا تجر الظَّاهِر وَخرج بالامتناعية التحضيضية فَلَا يَليهَا غير الْفِعْل الْبَتَّةَ
مَتى
مَتى والجر بهَا لُغَة لهذيل بِمَعْنى من كَقَوْلِه(2/459)
1126 -
(شَربْنَ بِمَاء البَحْر ثمَّ تَرَفّعَت ... مَتى لُجَج خَضْر لَهُنَّ نَئِيجُ)
وَتَأْتِي بِمَعْنى وسط حُكيَ وَضعته مَتى كمي أَي وَسطه وَإِذا كَانَت بِمَعْنى (وسط) فَهِيَ اسْم أَو (من) فحرف جزم بِهِ ابْن هِشَام وَغَيره
من
من مَبْنِيَّة على السّكُون مَكْسُورَة الأول قَالَ ابْن درسْتوَيْه وَكَانَ حَقه الْفَتْح لَكِن قصد الْفرق بَينهَا وَبَين من الاسمية قَالَ الْكسَائي وَالْفراء أَصْلهَا منا فحذفت الْألف لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال واستدلا بقوله 1127
(بذلنا مازنَ الخَطّى فِيهمْ ... وكُلَّ مُهنّدٍ ذكَر حُسام)
(مِنَا إِن ذرَّ قرْنُ الشّمس حَتَّى ... أغاب شريدَهُمْ قترُ الظّلام)
قَالَ فَرد (من) إِلَى أَصْلهَا لما احْتَاجَ إِلَى ذَلِك فعلي هَذَا هِيَ ثلاثية وَالْجُمْهُور أَنَّهَا ثنائية وَأولُوا الْبَيْت على أَن (منا) مصدر مني يمني إِذا قدر اسْتعْمل ظرفا كخفوق النَّجْم أَي تَقْدِير إِن ذَر قرن الشَّمْس وموازنته إِلَى أَن غربت وَقَالَ ابْن مَالك هُوَ لُغَة لبَعض الْعَرَب وَقَالَ أَبُو حَيَّان ضَرُورَة لابتداء الْغَايَة مُطلقًا أَي مَكَانا وزمانا وَغَيرهمَا نَحْو {من الْمَسْجِد الْحَرَام} [الْإِسْرَاء: 1] {أسس على التَّقْوَى من أول يَوْم} [التَّوْبَة: 108](2/460)
(مُطِرْنَا من الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة) {خَلَقْنَاكُمْ من تُرَاب ثمَّ من نُطْفَة} [الْحَج: 5] الْآيَة: (من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى هِرقل) وخصها البصرية إِلَّا الْأَخْفَش والمبرد وَابْن درسْتوَيْه بِالْمَكَانِ وأنكروا وُرُودهَا للزمان قَالَ ابْن مَالك وَغير مَذْهَبهم هُوَ الصَّحِيح لصِحَّة السماع بذلك وَكَذَا قَالَ أَبُو حَيَّان لِكَثْرَة ذَلِك فِي كَلَام الْعَرَب نظما ونثرا وَتَأْويل مَا كثر وجوده لَيْسَ بجيد وَقَالَ الرضي الْمَقْصُود من معنى الِابْتِدَاء فِي (من) أَن يكون الْفِعْل المعدي بهَا شَيْئا ممتدا كالسير وَالْمَشْي وَيكون الْمَجْرُور بِمن الشَّيْء الَّذِي مِنْهُ ابْتَدَأَ ذَلِك الْفِعْل نَحْو سرت من الْبَصْرَة أَو يكون الْفِعْل أصلا للشَّيْء الممتد نَحْو تبرأت من فلَان وَخرجت من الدَّار لِأَن الْخُرُوج لَيْسَ ممتدا لحصوله ب الِانْفِصَال وَلَو بِأَقَلّ خطْوَة وَلَيْسَ (التأسيس) فِي الْآيَة حَدثا ممتدا وَلَا أصلا لَهُ بل هُوَ حدث وَاقع فِيمَا بعد (من) فَهِيَ بِمَعْنى (فِي) ثمَّ قَالَ وَالظَّاهِر مَذْهَب الْكُوفِيّين إِذْ لَا منع من قَوْلك نمت من أول اللَّيْل إِلَى آخِره وَهُوَ كثير الِاسْتِعْمَال قَالَ وضابطها أَن يحسن فِي مقابلتها (إِلَى) أَو مَا يُفِيد فائدتها نَحْو أعوذ بِاللَّه مِنْك إِذْ الْمَعْنى ألتجئ إِلَيْهِ فالباء أفادت معنى الِانْتِهَاء والتبعيض وَهِي الَّتِي تسد (بعض) مسدها نَحْو {مِنْهُم من كلم الله} [الْبَقَرَة: 253] وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود {حَتَّى تُنفِقُوا بَعَض مِا تُحِبُّونَ} [آل عمرَان: 92] والتبيين للْجِنْس وَكَثِيرًا بعد (مَا) و (مهما) وهما بهَا أولي(2/461)
لإفراط إبهامها نَحْو {مَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك} [فاطر: 2] {مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها} [الْبَقَرَة: 106] {مهما تأتنا بِهِ من آيَة} [الْأَعْرَاف: 132] وَمن وُقُوعهَا بعد غَيرهمَا {وَيلبسُونَ ثيابًا خضرًا من سندس} [الْكَهْف: 31] {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان} [الْحَج: 30] وأنكرهما طَائِفَة فَمن أنكر التَّبْعِيض الْمبرد والأخفش الصَّغِير وَابْن السراج والجرجاني والزمخشري وَقَالُوا هِيَ للابتداء وَأنكر الثَّانِي أَكثر المغاربة وَقَالُوا فِي الْآيَة هِيَ للتَّبْعِيض وَفِي الثَّانِيَة للابتداء والمعني فَاجْتَنبُوا من الرجس والأوثان وَهُوَ عبادتها وَكَذَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ قَالَ الرضي وَهُوَ بعيد لِأَن الْأَوْثَان نفس الرجس فَلَا تكون مبدأ لَهُ قَالَ ابْن مَالك وللتعليل نَحْو {مِّمَّا خَطِايَاهِمْ أُغْرِقُوا} [نوح: 25] وَالْبدل وَهِي الَّتِي يصلح محلهَا لفظ بدل نَحْو {أرضيتم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا من الْآخِرَة} [التَّوْبَة: 38] {لجعلنا مِنْكُم مَلَائِكَة فِي الأَرْض يخلفون} [الزخرف: 60]
(وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد) أَي بدلك والفصل وَهِي الدَّاخِلَة على ثَانِي المتضايقين نَحْو {حَتَّى يُمَيّز الْخَبيث من الطّيب} [آل عمرَان: 179] ورد بِأَن الْفَصْل مُسْتَفَاد من الْعَامِل وَهُوَ الْعلم وماز وَأَن الظَّاهِر كَونهَا للابتداء أَو الْمُجَاوزَة وَبِمَعْنى عَن نَحْو {قد كُنَّا فِي غَفلَة من هَذَا} [الْأَنْبِيَاء: 97] {فويل للقاسية قُلُوبهم من ذكر الله} [الزمر: 22] وَبِمَعْنى عَليّ نَحْو {ونصرناه من الْقَوْم} [الْأَنْبِيَاء: 77] وَبِمَعْنى الْبَاء نَحْو {ينظرُونَ من طرف خَفِي} [الشورى: 45](2/462)
(و) قَالَ (الكوفية و) بِمَعْنى (فِي) نَحْو {إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة} [الْجُمُعَة: 9] (و) بِمَعْنى (إِلَى) نَحْو رَأَيْته من ذَلِك الْموضع فَجَعَلته غَايَة لرؤيتك أَي محلا للابتداء والانتهاء وَقربت مِنْهُ أَي إِلَيْهِ (قيل و) بِمَعْنى (عِنْد) قَالَ أَبُو عُبَيْدَة نَحْو {لن تغني عَنْهُم أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم من الله شَيْئا} [آل عمرَان: 10] قيل (و) بمعني (رُبمَا) إِذا اتَّصَلت مَعَ (مَا) قَالَه السيرافي وَابْن خروف وَابْن طَاهِر والأعلم كَقَوْلِه: 1128 -
(وإنّا لِمِمّا نَضْرب الكَبْشَ ضَرْبةً ... على رَأسه تُلْقى اللِّسَان من الفَم)
وَالْأَكْثَرُونَ قَالُوا إِنَّهَا فِي الْأَمْثِلَة كلهَا ابتدائية (تَنْبِيه) علم مِمَّا حُكيَ عَن الْبَصرِيين فِي هَذِه الأحرف من الِاقْتِصَار على بِمَعْنى وَاحِد لكل حرف أَن مَذْهَبهم أَن أحرف الْجَرّ لَا يَنُوب بَعْضهَا عَن بعض بِقِيَاس كَمَا أَن أحرف الْجَزْم كَذَلِك وَمَا أوهم ذَلِك فإمَّا مؤول تَأْوِيلا يقبله اللَّفْظ أَو على تضمين الْفِعْل معنى فعل يتعدي بذلك الْحَرْف أَو على النِّيَابَة شذوذا والأخير محمل الْبَاب كُله عِنْد غَيرهم بِلَا شذوذ وَهُوَ أقل تعسفا (وتزاد) للتنصيص على الْعُمُوم من نكرَة لَا تخْتَص بِالنَّفْيِ نَحْو مَا جَاءَنِي من رجل وللتوكيد قَالَ الْأَخْفَش من البصرية وَالْكسَائِيّ وَهِشَام من الكوفية مُطلقًا أَي فِي النَّفْي والإيجاب والنكرة والمعرفة وَاخْتَارَهُ فِي التسهيل وَشَرحه قَالَ لصِحَّة السماع بذلك كَقَوْلِه تَعَالَى: {يغْفر لكم من ذنوبكم} [الْأَحْقَاف: 31] {وَلَقَد جَاءَك من نبإ الْمُرْسلين} [الْأَنْعَام: 34] وَحَدِيث:
(إِن من أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة المصورون} وَقَول الشَّاعِر:(2/463)
1129 -
(وكنْتُ أرِي كَالْمَوْت مِنْ بَين ساعةٍ ... فيكف ببَيْن كَانَ موعِدَهُ الحشْرُ)
أَي وَكنت أرِي بَين سَاعَة كالموت وَقَوله: 1130 -
(ويكثرُ فيهِ مِنْ حَنين الأباعِر ... )
(و) قَالَ بَعضهم أَي الكوفية فِي نكرَة منفية كَانَت أم مُوجبَة سمع (قد كَانَ من مطر) (و) قَالَ قوم مِنْهُم الْفَارِسِي فِي نكرَة شَرط كَقَوْلِه: 1131 -
(ومَهْما تَكُنْ عِنْد امْرئ من خَلِيقة ... وإنْ خَالها تَخْفى على النّاس تُعْلم)
(و) قَالَ الْجُمْهُور فِي نكرَة ذَات نفي بِأَيّ حرف كَانَ من حُرُوفه أَو نهي نَحْو: {مَا لكم من إِلَه غَيره} [الْأَعْرَاف: 59، 65، 73] {وَمَا تسْقط من ورقة إِلَّا يعلمهَا} [الْأَنْعَام: 59] لَا تضرب من أحد أَو اسْتِفْهَام بهل نَحْو {هَل ترى من فطور} [الْملك: 3] وَلَا غَيرهَا من سَائِر الأدوات كَيفَ وَنَحْوهَا إِذْ لم تحفظ قَالَه أَبُو حَيَّان قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف (وَفِي) إِلْحَاق الْهمزَة بهل وَلَا نظر أحفظه من كَلَام الْعَرَب وَظَاهر كَلَام شَيْخه الرضي الشاطبي الْإِلْحَاق لِأَنَّهُ قَالَ لَا تدخل من مَعَ كل أَدَاة اسْتِفْهَام كأين وَمَتى مَعَ هَل وَمَا يقوم مقَامهَا من استدعاء الْجَواب بِالنَّفْيِ ثمَّ الْجُمْهُور أولو مَا اسْتدلَّ بِهِ الْأَولونَ بِأَن(2/464)
التَّقْدِير بعض ذنوبكم وَلَقَد جَاءَك من نبأ نبأ فَحذف الْمَوْصُوف أَو هون أَي جَاءَ من الْخَبَر كَائِنا من نبأ أَو الْقُرْآن وَمَا بعده حَال وَقد كَانَ هُوَ أَي كَائِن من جنس الْمَطَر أَو قصد بِهِ الْحِكَايَة كَأَنَّهُ سُئِلَ هَل كَانَ من مطر فَأُجِيب على نمطه وَأَنه من أَشد النَّاس أَي الشَّأْن وَقس عَلَيْهِ (تَنْبِيه) شَرط ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي أَن تكون المزيدة فِيهِ أَيْضا فَاعِلا أَو مَفْعُولا بِهِ أَو مُبْتَدأ كَمَا مثلت قَالَ وأهمل أَكْثَرهم هَذَا الشَّرْط فيلزمهم زيادتها فِي الْخَبَر والتمييز وَالْحَال المنفيات وهم لَا يجيزون ذَلِك انْتهى وَقد سبقه إِلَى مَعْنَاهُ الرضي الشاطبي نقلا عَن ابْن أبي الرّبيع وَغَيره وتفيد إِذا زيدت فِي الْحَالة الْمَذْكُورَة توكيدا وَقَالَ عَليّ بن سُلَيْمَان الْأَخْفَش الصَّغِير ابْتِدَاء للغاية قَالَ كَأَنَّهُ ابْتَدَأَ النَّفْي من هَذَا النَّوْع ثمَّ عرض أَن يقْتَصر بِهِ عَلَيْهِ وتنفرد من (بجر بله) كَحَدِيث البُخَارِيّ:
(عَن أبي هُرَيْرَة يَقُول الله أَعدَدْت لعبادي الصَّالِحين مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر ذخْرا من بله مَا اطلعتم عَليّ) وَالْمَعْرُوف نَصبه أَو فَتحه كَمَا تقدم على أَن فِي بعض طرق الحَدِيث (من بله) بِفَتْح الْهَاء مَبْنِيَّة (وجر عِنْد) نَحْو ( {رَحْمَة من عندنَا} [الْكَهْف: 65] قَالَ الحريري وَغَيره وَقَول الْعَامَّة ذهبت إِلَى عِنْده وَقَول بعض المريدين: 1132 -
(كل عندٍ لَك عِنْدِي ... لَا يُسَاوِي نِصْفَ عِنْدِي)
لحن(2/465)
(و) يجر (مَعَ) قرئَ {هَذَا ذكر من معي} [الْأَنْبِيَاء: 24] وَحكي سيبيوه ذهبت من مَعَه (و) يجر لدن نَحْو {وَحَنَانًا من لدنا} [مَرْيَم: 13] (و) يجر قبل وَبعد نَحْو {لله الْأَمر من قبل وَمن بعد} [الرّوم: 4] (و) يجر (عَن وعَلى) كَقَوْلِه: 1133 -
(مِنْ عَن يَمِيني مرّةً وأمامي ... )
وَقَوله: 1134 -
(مِنْ عَلَيْهِ بَعدما تَمَّ ظِمْؤُها ... )
وهما اسمان حِينَئِذٍ بمعني جَانب وَفَوق مبنيان على الْأَصَح وَبِه جزم ابْن الْحَاجِب قَالَ لحُصُول مُقْتَضى الْبناء وَهُوَ مشابهة الْحَرْف فِي لَفظه وأصل مَعْنَاهُ وَنقل أَبُو حَيَّان عَن بعض أشياخه أَنَّهُمَا معربان وَلَا يُنَافِي فِي رجحته هُنَا مَا سبق تَرْجِيحه من إعرابها على القَوْل باسميتها لعدم الْعلَّة هُنَاكَ إِذْ لَا حرف حِينَئِذٍ بمعناها تشبه بِهِ وَلذَا حُكيَ بَعضهم الِاتِّفَاق على إعرابها حِينَئِذٍ مَعَ حِكَايَة الْخلاف هُنَا وَقَالَ الكوفية حرفان بقيا على حرفيتهما قَالُوا أَيْضا وَتدْخل من (على كل) حرف (جَار إِلَّا من وَاللَّام وَالْبَاء وَفِي وَسمع جر عَن بلعى) فِي بَيت وَاحِد وَهُوَ قَوْله:(2/466)
1135 -
(على عَن يَمِيني مرَّت الطّيرُ سُنّحاً ... )
وَالأَصَح أَنَّهَا أَي من (فِي قبل وَبعد) ابتدائية وَهُوَ قَول الْجُمْهُور وَاسْتشْكل بِأَنَّهَا لَا ترد عِنْدهم للزمان وَأجِيب بِأَنَّهُمَا غير متأصلين فِي الظَّرْفِيَّة وَإِنَّمَا هما فِي الأَصْل صفتان للزمان إِذْ أصل جِئْت قبلك جِئْت زَمَانا قبل زمن مجيئك فَجعل ذَلِك فيهمَا وَقَالَ ابْن مَالك وَجَمَاعَة هِيَ فيهمَا زَائِدَة بِنَاء على مَا اخْتَارَهُ من زيادتها فِي الْإِيجَاب (و) الْأَصَح أَنَّهَا (فِي فعل) التَّفْضِيل ابتدائية وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ فَفِي نَحْو زيد أفضل من عَمْرو لابتداء الِارْتفَاع وَشر مِنْهُ لابتداء الانحطاط إِذْ لَا يَقع بعْدهَا (إِلَى) وَقَالَ ابْن مَالك وَابْن ولاد للمجاوزة وَكَأَنَّهُ قيل جَاوز زيد عمرا فِي الْفضل أَو الشَّرّ أَي ابْتِدَاء التَّفْضِيل مِنْهُ قَالَ ابْن هِشَام وَلَو صَحَّ ذَلِك لوقع موضعهَا (عَن) قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْكَشَّاف وَالطِّيبِي فِي حَاشِيَته وَترد من اسْما مَفْعُولا كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَأخْرج بِهِ من الثمرات رزقا لكم} [الْبَقَرَة: 22] أعرب من مَفْعُولا لأخرج وَرِزْقًا مَفْعُولا لأَجله قَالَ وَكَذَا حَيْثُ كَانَت للتَّبْعِيض فَهِيَ فِي مَوضِع الْمَفْعُول بِهِ قَالَ الطَّيِّبِيّ وَإِذا قدرت (من) مَفْعُولا كَانَت اسْما ك (عَن) فِي قَوْله من عَن يَمِينه(2/467)
(تَنْبِيه) ترد (إِلَى) أَيْضا اسْما بِمَعْنى النِّعْمَة وَجمعه الآلاء و (فِي) اسْما بِمَعْنى (الْفَم) مجرورا و (كي) اسْما مُخْتَصرا من (كَيفَ) كَمَا قيل فِي سَوف سو وَمَتى اسْما بِمَعْنى وسط كَمَا تقدم وَمَرَّتْ أحرف فِي مَبْحَث الِاسْتِثْنَاء وَهِي بيد وحاشا وخلا وَعدا وبله (و) فِي الظروف وَهِي مذ ومنذ وَمَعَ على خلف وتفصيل فأغني عَن إِعَادَتهَا هُنَا
مَسْأَلَة
مسالة لَا يحذف الْجَار وَيبقى عمله اخْتِيَارا وَإِن وَقع فضرورة كَقَوْلِه: 1136 - ... ) إِذا قيل أيُّ النّاس شَرّ قَبيلَة ... أشَارَتْ كُلَيْبٍ بالأكُفِّ الأصابعْ)
وَقَوله: 1137 -
(وكريمةٍ مِنْ آل قَيس أَلَفْتُه ... حَتَّى تَبذَّخ فارْتقى الْأَعْلَام)
أَي إِلَى كُلَيْب وَفِي الْأَعْلَام أَو نَادِر لَا يُقَاس عَليّ كَحَدِيث البُخَارِيّ:
(صَلَاة الرجل فِي جمَاعَة تضعف على صلَاته فِي بَيته وسوقه خمس وَعشْرين ضعفا) أَي بِخمْس (إِلَّا مَعَ كم) كَمَا تقدم فِي مَبْحَث التَّمْيِيز (أَو رب بعد) الْفَاء و (الْوَاو العاطفة كثيرا) جدا حَتَّى قَالَ أَبُو حَيَّان لَا يحْتَاج إِلَى مِثَال فَإِن دواوين الْعَرَب ملأى مِنْهُ والتأويل قَلِيل: كَقَوْلِه:(2/468)
1138 -
(فمثِلكِ حُبْلَى قد طرقْتُ ومرضع ... )
1139 -
(بَلْ بَلَدٍ مِلْءُ الفِجاج قَتَمُهْ)
(وَقيل الْجَرّ بِالثَّلَاثَةِ) أَي الْوَاو وَالْفَاء وبل أما الأول فقاله الْمبرد والكوفية قَالُوا وَلَا تنكر أَن يكون للحرف الْوَاحِد معَان وَيدل لذَلِك مجيئها فِي أول القصائد كَقَوْل رؤبة: 1140 -
(وقاتِم الأعْمَاق خَاوي المُخْتَرَقَنْ ... )
فَلَيْسَتْ عاطفة ورد بِأَنَّهَا لَو كَانَت بِمَنْزِلَة (رب) وَلَيْسَت عاطفة لدخل عَلَيْهَا وَاو الْعَطف كَمَا يدْخل على رب وَلَا يُقَال كَرهُوا اتِّفَاق اللَّفْظَيْنِ لأَنهم(2/469)
أدخلوها على وَاو الْقسم وَأما الِابْتِدَاء بهَا فِي القصائد لِإِمْكَان عطفه على مَا فِي خاطره مِمَّا يُنَاسب مَا عطف عَلَيْهِ بِدَلِيل قَول زُهَيْر أول قصيدة: 1141 -
(دع ذَا وعدّ الْقَوْل فِي هَرم ... )
فَأَشَارَ ب (ذَا) إِلَى مَا فِي نَفسه وَأما حِكَايَة الْخلاف فِي التَّأْوِيل فقد وَقع فِي الْمُغنِي لِابْنِ هِشَام نقلا عَن الْمبرد فِي (الْفَاء) وَعَن بَعضهم فِي (بل) وَفِي الارتشاف نقلا عَن بَعضهم فيهمَا لَكِن ابْن مَالك وَابْن عُصْفُور وَغَيرهمَا قَالُوا لَا خلاف فِي أَن الْجَرّ فيهمَا بِرَبّ محذوفة لَا بهما وَأقرهُ أَبُو حَيَّان فِي شرح التسهيل وَادّعى الرضي أَن الْجَرّ بِرَبّ محذوفة بعد الثَّلَاثَة خَاص بالشعر (قيل) وتجر رب محذوفة بعد (ثمَّ) أَيْضا نَقله أَبُو حَيَّان عَن صَاحب الْكَافِي قَالَ وَسبب ذَلِك أَن هَذِه الأحرف من حُرُوف الْعَطف جَامِعَة فِي الْمَعْنى وَاللَّفْظ وَمَا عَداهَا إِنَّمَا يجمع فِي اللَّفْظ (و) الْجَرّ بهَا محذوفة (دونهَا) أَي دون الْحُرُوف الْمَذْكُورَة (أقل) كَقَوْلِه: 1142 -
(رسم دَار وقَفْتُ فِي طَلَلِهْ ... كِدْتُ أقضِي الحياةَ من جَلَلِهْ)
قَالَ ابْن مَالك أَو غَيرهَا أَي غير رب قد تجر محذوفا فِي جَوَاب مَا يضمر مثله كزيد فِي جَوَاب من قَالَ بِمن مَرَرْت وبل زيد لمن قَالَ مَا مَرَرْت بِأحد وَمِنْه حَدِيث
(أقربهم مِنْك بَابا) لمن قَالَ (فَإلَى أَيهمَا أهدي) أَو فِي مَعْطُوف عَلَيْهِ أَي على مَا تضمنه بِحرف مُتَّصِل نَحْو فِي الدَّار زيد وَالْقصر عَمْرو أَي وَفِي الْقصر وَمِنْه {وَفِي خَلقكُم وَمَا يبث من دَابَّة آيَات لقوم يوقنون وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار} [الجاثية: 4، 5] الْآيَة أَو مُنْفَصِلا بِلَا كَقَوْلِه:(2/470)
1143 -
(مَا لِمُحبِّ جَلَدٌ أنْ يَهْجُرَا ... وَلَا حَبيبٍ رَأفَةٌ فَيَجْبُرا)
(أَو لَو) كَقَوْلِه: 1144 -
(مَتى عُذْتُمُ بِنَا وَلَو فئةٍ مِنّا ... )
وَإِن كَانَ الْمُعْتَاد فِي مثل هَذَا النصب كَقَوْلِهِم آتني بِدَابَّة وَلَو حمارا (أَو) فِي مقرون بعده أَي بعد مَا تضمنته بِالْهَمْزَةِ نَحْو أَزِيد بن عَمْرو فِي جَوَاب مَرَرْت بزيد (أَو هلا) نَحْو هلا دِينَار فِي جَوَاب جِئْت بدرهم حَكَاهُمَا الْأَخْفَش أَو إِذا وَالْفَاء الجزائيتين نَحْو مَرَرْت بِرَجُل صَالح إِلَّا صَالح فطالح حَكَاهُ يُونُس أَي إِلَّا أَمر بِصَالح فقد مَرَرْت بطالح وَفِي الصَّحِيح (من كَانَ عِنْده طَعَام اثْنَيْنِ فليذهب بثالث وَإِن أَرْبَعَة فخامس أَو سادس) قَالَ فِي التسهيل وَيُقَاس على جَمِيعهَا خلافًا للفراء فِي الصُّورَة الأولى لقَوْل الْعَرَب خير بِالْجَرِّ لمن قَالَ كَيفَ أَصبَحت بِحَذْف الْبَاء وَبَقَاء عَملهَا لِأَن معنى كَيفَ بِأَيّ حَال فَجعلُوا معنى الْحَرْف دَلِيلا فَلَو لفظ بِهِ لكَانَتْ الدّلَالَة أقوى وَجَوَاز الْجَرّ أولي قَالَ أَبُو حَيَّان وَيَنْبَغِي أَن يثبت فِي جَوَاز هَذِه الصُّور لِأَن أَصْحَابنَا نصوا على أَنه لَا يجوز حذف الْجَار وإبقاء عمله إِلَّا إِذا عوض مِنْهُ وَذَلِكَ فِي بَاب كم وَالْقسم وَجعلُوا قَول الْعَرَب (خير) من الشاذ الَّذِي لَا يُقَاس عَلَيْهِ وَقد صرح صَاحب الْبَسِيط بِوُجُوب إِعَادَة الْجَار بعد الْهمزَة فَيُقَال أبزيد فِي جَوَاب مَرَرْت بزيد انْتهى(2/471)
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ أَو الْبَاء (تَنْبِيه) قَالَت الْعَرَب (لاه أَبوك) يُرِيدُونَ لله أَبوك قَالَ سِيبَوَيْهٍ حذف لَام الْجَرّ وأل وَهُوَ شَاذ لَا يُقَاس عَلَيْهِ ثمَّ قَالُوا لهي أَبوك قلبوا وأبدلوا من الْألف يَاء وَهُوَ مَبْنِيّ لتَضَمّنه معنى لَام الْجَرّ المحذوفة كَمَا بني أمس لتَضَمّنه معنى لَام التَّعْرِيف على الْفَتْح لخفته على الْيَاء وَقَالَ ابْن ولاد بل أَصله إِلَه أَبوك حذفت الْهمزَة ثمَّ قَالُوا لهي بِالْقَلْبِ تَشْبِيها للألف الزَّائِدَة بالأصلية وَقَالَ الْمبرد المحذوفة لَام التَّعْرِيف وَلَام الأَصْل والباقية لَام الْجَرّ قَالَ لِأَن حرف الْجَرّ لمعني وَعلة وحذفه وإبقاء عمله شَاذ فَالْحكم بِحَذْف غَيره أولى أما لَام التَّعْرِيف فَوَاضِح إِذْ لَا معنى لَهَا هُنَا لصيرورة الْكَلِمَة علما فَلم يفْتَقر إِلَيْهَا وَأما لَام الأَصْل فقد عهد حذف بعض الْأُصُول تَخْفِيفًا ك (يَد) و (دم)
فصل الْجَار من الْمَجْرُور وتأخيره عَنهُ
(وفصله) أَي الْجَار (من مجروره وتأخيره عَنهُ) كِلَاهُمَا ضَرُورَة أما الأول فَيكون بظرف كَقَوْلِه: 1145 -
(إنَّ عَمْرًا لَا خَيْر فِي الْيَوْمَ عَمْرٍ و ... )
وبجار ومجرور كَقَوْلِه: 1146 -
(رُبَّ فِي النَّاس مُوسِر كعديم ... وعديم يخال ذَا أَيْسَار)
ومفعول كَقَوْلِه:(2/472)
1147 -
(وأقطع بالخرْقَ الهَبُوع المُراجم ... )
أَي وأقطع الْخرق بالهبوع وَسمع فِي النثر بقسم حُكيَ الْكسَائي اشْتَرَيْته بوالله دِرْهَم وقاسه تِلْمِيذه عَليّ بن الْمُبَارك الْأَحْمَر فِي رب نَحْو رب وَالله رجل عَالم لَقيته قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يبعد ذَلِك إِلَّا أَن الِاحْتِيَاط أَلا يقدم عَلَيْهِ إِلَّا بِسَمَاع وَأما الثَّانِي ... وَقيل يجوز فصل رب بقسم قَالَه عَليّ بن الْمُبَارك الْأَحْمَر نَحْو رب وَالله رجل صَالح صحبته وَالأَصَح الْمَنْع
اتِّصَال مَا بِحرف الْجَرّ
مَسْأَلَة فِي اتِّصَال (مَا) بِحرف الْجَرّ تزاد (مَا) بعد (عَن) فَلَا تكف أصلا كَقَوْلِه تَعَالَى: {عَمَّا قَلِيل ليصبحن نادمين} [الْمُؤْمِنُونَ: 40] وَقَول الشَّاعِر: 1148 -
(وأَعْلَمُ أنني عمّا قريبٍ ... )
(و) بعد الْيَاء وَمن فيكفان بقلة ويليهما حِينَئِذٍ الْفِعْل كَقَوْلِه:(2/473)
1149 -
(فَلَئِنْ صِرْتَ لَا تَحِيرُ جَواباً ... لَبَما قد تَرَى وَأَنت خَطِيبُ)
وَقَوله: 1150 -
(وإِنَّا لَمِمّا نَضْرب الكبْشَ ضَرْبةً ... )
وَالْأَكْثَر عدم الْكَفّ قَالَ تَعَالَى: {فبمَا رَحْمَة من الله} [آل عمرَان: 159] {فبمَا نقضهم ميثاقهم} [النِّسَاء: 155] {مِمَّا خطيئاتهم أغرقوا} [نوح: 25] وَمَسْأَلَة كف من بقلة ذكرهَا ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَلم يذكر ذَلِك ابْن مَالك فِي التسهيل وَلَا أَبُو حَيَّان بل سويا بَينهمَا وَبَين (عَن) نعم فِي (سبك المنظوم) لِابْنِ مَالك وتقترن مَا بِالْبَاء وَالْكَاف فتكفهن وتفيدان مَعَ مَا تقليلا كربما ذكره ابْن مَالك فِي التسهيل فِي الْبَاء وَقَالَ فَمَعْنَى لبما قد تري وَأَنت خطيب رُبمَا اري والسيرافي وَغَيره فِي من وَجزم بِهِ فِي سبك المنظوم وَأنْكرهُ أَبُو حَيَّان أَي إفادتهما التقليل حِينَئِذٍ وَقَالَ مَا ورد من ذَلِك مؤول (و) تزاد (مَا) بعد رب فالغالب الْكَفّ وإيلاؤها حِينَئِذٍ الْمَاضِي لِأَن التكثير والتقليل إِنَّمَا يكون فِيمَا عرف حَده والمستقبل مَجْهُول قَالَ: 1151 -
(رُبّما أوْفَيتُ فِي عَلَم ... تَرْفَعَنْ ثَوْبي شَمَالاتُ)(2/474)
وَقد يَليهَا الْمُضَارع نَحْو {رُبمَا يود} [الْحجر: 2] وَقد يَليهَا الْجُمْلَة الاسمية نَحْو: 1152 -
(رُبّما الجامل المؤبّل فيهم ... )
وَقد لَا يكف نَحْو: 1153 -
(رُبّما ضَرْبةٍ بسَيفٍ صقيل ... )
وَقيل يتَعَيَّن بعْدهَا الفعلية إِذا كفت قَالَ الْفَارِسِي وَأول الْبَيْت على أَن (مَا) نكرَة مَوْصُوفَة بجملة حذف مبتدؤها أَي رب شَيْء هُوَ الجامل وَقد لَا يحذف الْفِعْل بعْدهَا كَقَوْلِه: 1154 -
(فَذَلِك إنْ يَلْق المنيّية يَلْقَها ... حميدا وَإِن يسْتَغْن يَوْمًا فربّما)
(و) قد تلْحق التَّاء بهَا وَلَا تكف كَقَوْلِه: 1155 -
(مأويّ يَا رُبّتَما غارةٍ ... )
(و) تزداد (مَا) بعد (الْكَاف فتكف) غَالِبا ويليها حِينَئِذٍ الْجمل الاسمية والفعلية كَمَا صرح بِهِ فِي الارتشاف نقلا عَن النِّهَايَة كَقَوْلِه:(2/475)
1156 -
(أَخ ماجدٌ لم يُخْزني يَوْمَ مَشْهدٍ ... كَمَا سيفُ عَمْرو لم تَخُنْهُ مضاربُهْ)
وَقَوله: 1157 -
(ألم تَرَ أَن البَغْلَ يتبعُ إلْفَه ... كَمَا عامِرٌ واللؤمُ مؤتِلفَان)
وَقد لَا يكف كَقَوْلِه: 1158 -
(وننصر مَوْلَانَا ونَعْلَمُ أنّهُ ... كَمَا النَّاس مَجْرومٌ عَلَيْهِ وجارم)
وَقَوله: 1159 -
(لَا تَشْتُم النّاسَ كَمَا لَا تُشْتَمُ ... )
وَقَالَ أَبُو حَيَّان لَا يكف أصلا وَأول الأبيات الْوَارِدَة فِي ذَلِك على أَن (مَا) مَصْدَرِيَّة منسبكة من الْجُمْلَة بعْدهَا بمصدر بِنَاء على جَوَاز وَصلهَا بالاسمية وَمحله حِينَئِذٍ جر(2/476)
حُرُوف الْقسم
حُرُوف الْقسم الجارة أَي هَذَا مبحثها وأفردت بترجمة لاخْتِصَاص الْقسم بِأَحْكَام وفروع
بَاء الْقسم
أَحدهَا الْبَاء وَهِي الأَصْل أَي أصل أحرفه وَإِن كَانَت الْوَاو أَكثر اسْتِعْمَالا مِنْهَا لِأَنَّهَا للإلصاق فَهِيَ تلصق فعل الْقسم بالمقسم بِهِ وَمن ثمَّ أَي من هُنَا وَهُوَ كَون الْبَاء الأَصْل اخْتصَّ بهَا الطّلب والاستعطاف فَلَا يقسم فيهمَا بغَيْرهَا نَحْو بِاللَّه أَخْبرنِي وَبِاللَّهِ هَل قَامَ زيد أَي أَسأَلك بِاللَّه مستحلفا وَجَاز إِظْهَار الْفِعْل أَي فعل الْقسم مَعهَا نَحْو {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم} [النُّور: 53] كَمَا يجوز إضماره نَحْو: {فبعزتك لأغوينهم} [ص: 82] بِخِلَاف غَيرهَا (و) جَازَ حذفهَا لَا غَيرهَا من أحرفه فينصف تَالِيهَا بإضمار فعل الْقسم قَالَ ابْن خروف وَابْن عُصْفُور أَو فعل آخر ك (الزم) وَنَحْوه وَيرْفَع على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر مَحْذُوف وَرُوِيَ بهما قَوْله: 1160 -
(فَقلت يمينُ اللهِ أبْرَحُ قَاعِداً ... )
وَلَا تجر خلافًا لمن جوز الْجَرّ بالحرف الْمَحْذُوف وهم الْكُوفِيُّونَ وَبَعض الْبَصرِيين أَو منع النصب إِلَّا فِي حرفين قَضَاء الله وكعبة الله وَهُوَ بعض أَئِمَّة(2/477)
الْكُوفِيّين قَالَ لِأَن فعل الْقسم لَا يعْمل ظَاهرا إِلَّا بِحرف فيكف يكون مضمرا أقوى مِنْهُ مظْهرا وَأجِيب باتساعهم فِي هَذَا الْبَاب كثيرا أما الحرفان الْمَذْكُورَان فجوز نصبهما وَأنْشد: 1161 -
(لَا كَعْبَةَ الله مَا هَجَرْتُكُم ... إلاّ وَفِي النَّفس مِنْكُمُ أرَبُ)
فَإِن كَانَ الْمقسم بِهِ الله وَعوض عَن حذف الْبَاء هَاء محذوفة الْألف لالتقاء الساكنين أَو ثَابِتَة لِأَن الثَّانِي مشدد فَنزل منزلَة دَابَّة مَعَ وصل أَلفه وقطعها نَحْو هَا الله هَا ألله هألله هالله أَو عوض همزَة ممدودة مَفْتُوحَة نَحْو آللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ قَالَ أَبُو حَيَّان وأصحابنا يعبرون عَن هَذِه الْهمزَة بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام وَلَيْسَ استفهاما حَقِيقَة وَقَالَ الرضي بل هُوَ اسْتِفْهَام حَقِيقِيّ وَقد يكون إنكارا أَو لم يعوض وَلَكِن قطع أَلفه نَحْو الله لَأَفْعَلَنَّ جر ويقل الْجَرّ فِيهِ بِدُونِهِ أَي التعويض حكى سِيبَوَيْهٍ (آللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ) وَحكى غَيره (كلا الله لأخْرجَن) وأنشدوا: 1162 -
(أَلا رُبَّ مَنْ تَغْتَشُّه لَك نَاصح ... )
وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك فِي هَذَا اللَّفْظ فَقَط لِأَن اسْتِعْمَاله فِي الْقسم أَكثر من غَيره وَلِهَذَا لحقه أَنْوَاع من التَّغْيِير قَالُوا (وَله لَا أفعل) وَهل هُوَ أَي الْجَرّ حَال التعويض بِالْعِوَضِ أَي بِالْعِوَضِ من الْهمزَة أَو (هَا) (أَو) بالحرف الْمَحْذُوف مِنْهُ فالأخفش وَجَمَاعَة من الْمُحَقِّقين على الأول فِي شرح الكافية وَهُوَ قوي لِأَنَّهُ شَبيه بتعويض الْوَاو من الْبَاء وَالتَّاء من الْوَاو وَلَا خلاف فِي كَون الْجَرّ بهما فَكَذَا يَنْبَغِي فِي هَا والهمزة وَصحح فِي التسهيل وَشَرحه الثَّانِي وَإِن(2/478)
كَانَ لَا يلفظ بِهِ كَمَا كَانَ النصب بعد الْفَاء وَالْوَاو وَاو وكي وَاللَّام بِأَن المحذوفة وَإِن كَانَت لَازِمَة الْحَذف وَعَزاهُ فِي الْبَسِيط إِلَى الْكُوفِيّين وَمُقْتَضى كَلَام شرح الكافية تَضْعِيفه وَلم يُصَرح أَبُو حَيَّان بترجيح وَاحِد من الْقَوْلَيْنِ أَو عوض غَيره أَي غير لفظ (الله) شَيْئا مِمَّا ذكر نصب حتما نَحْو الْعَزِيز لَأَفْعَلَنَّ بِهِ
تَاء الْقسم
الثَّانِي أَي ثَانِي حُرُوف الْقسم (التَّاء وتختص بِاللَّه) نَحْو: {تالله تفتؤا} [يُوسُف: 85] فَلَا تجر غَيره لَا ظَاهرا وَلَا مضمرا لفرعيتها وشذت فِي الرَّحْمَن وَرب الْكَعْبَة وربي وحياتك سمع تالرحمن وترب الْكَعْبَة وتربي وتحياتك
لَام الْقسم
الثَّالِث أَي الثَّالِث من حُرُوف الْقسم (اللَّام يكون لما فِيهِ معنى التَّعَجُّب) وَغَيره كَقَوْلِهِم لله لَا يُؤَخر الْأَجَل أَي تالله وَقَوله: 1163 -
(لله يبْقى على الْأَيَّام ذُو حيد)
وَاو الْقسم
الرَّابِع أَي الرَّابِع من حُرُوف الْقسم (الْوَاو وتختص) بِالظَّاهِرِ فَلَا تجر ضميرا بِخِلَاف الْبَاء قَالَ (بك رب أقسم لَا بغيرك) وَلَا يظْهر مَعهَا الْفِعْل أَي فعل الْقسم بل يضمر وجوبا نَحْو: {وَالْقُرْآن الْحَكِيم} [يس: 2ٍ] {وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين} [الْأَنْعَام: 23] خلافًا لِابْنِ كيسَان من تجويزه إِظْهَار(2/479)
الْفِعْل مَعَ الْوَاو فَيُقَال حَلَفت وَالله لأقومن قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يحفظ ذَلِك فَإِن جَاءَ فمؤول على أَن حَلَفت كَلَام تَامّ ثمَّ أُتِي بعده بالقسم وَلَا يَجْعَل وَالله مُتَعَلقَة بحلفت (وَلَا) يظْهر الْفِعْل أَيْضا (مَعَ التَّاء وَاللَّام) بِلَا خلاف بل يجب إضماره كَمَا تقدم (وَهل هِيَ) أَو الْوَاو (العاطفة أَو بدل من الْبَاء أَو التَّاء) بدل مِنْهَا خلاف فَجزم الزَّمَخْشَرِيّ وَابْن مَالك فِي شرحي الكافية والتسهيل وَنَقله أَبُو حَيَّان عَن الْجُمْهُور بِأَنَّهَا بدل من الْبَاء لتقارب مَعْنَاهُمَا لِأَن الْوَاو جمع وَالْبَاء للإلصاق وَهُوَ جمع فِي المعني وَلِأَنَّهُمَا من حُرُوف مقدم الْفَم وَأَن التَّاء بدل من الْوَاو كَمَا أبدلت مِنْهَا فِي نَحْو اتَّصل واتصف وتراث وتجاه وَقَالَ السُّهيْلي وَغَيره بل الْوَاو هِيَ العاطفة كواو (رب) عطفت على مُقَدّر ويقويه أَنَّهَا لَا تدخل على مُضْمر وَكَذَلِكَ العاطفة وَأَنَّهَا لَو كَانَت بَدَلا من الْبَاء لم يختلفا فِي الْحَرَكَة كَمَا لم تخْتَلف حَرَكَة الْهمزَة المبدلة من الْوَاو فِي إشاح ووشاح وَأَنَّهَا لم تُوجد قطّ بَدَلا مِنْهَا لِأَنَّهَا لَيست من مخرجها وَلما بَينهمَا من المضادة إِذْ فِي الْوَاو لين وَفِي الْبَاء شدَّة قَالَ ويضعف عِنْدِي أَن تكون التَّاء بَدَلا من الْوَاو لما فِيهَا من معنى الْعَطف وَلَيْسَ ذَلِك فِي التَّاء وَلِأَن التَّاء إِنَّمَا أبدلت مِنْهَا حَيْثُ كثرت زيادتها فِي تصاريف الْكَلِمَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يقوم دَلِيل على صِحَة شَيْء من هَذِه الْمذَاهب وَلَو كَانَ أَصْلهَا الْعَطف لم يدْخل عَلَيْهَا وَاو الْعَطف فِي قَوْله: 1164 -
(أرقْتُ وَلم تَهْجَع لعَيْنِي هَجْعَةٌ ... وَوَاللَّه مَا دهري بعُسْر وَلَا سَقَمْ)
قَالَ وَمِمَّنْ ذهب إِلَى أَن التَّاء حرف مُسْتَقل غير بدل من الْوَاو قطرب وَغَيره(2/480)
أَيمن
الْخَامِس أَي الْخَامِس من حُرُوف الْقسم (أَيمن) بِفَتْح الْهمزَة وَضم الْمِيم وَيُقَال فِيهِ (إيمن) بالكسرة فالضم (وأيمن) بفتحهما (وإيمن) بِالْكَسْرِ فالفتح (وإيم) بِالْكَسْرِ وَالضَّم لُغَة لسليم (وأيم) بِالْفَتْح وَالضَّم لُغَة لتميم (وإيم) بكسرتين (وهيم) بِفَتْح الْهَاء مبدلة من الْهمزَة وَالضَّم قَالَ أَبُو حَيَّان وَهِي أغرب لغاتها (وإيم) بكسرتين (وَأم) بِفتْحَتَيْنِ (وَأم) بِالْفَتْح وَالضَّم (وَأم) بِالْفَتْح وَالْكَسْر (وإم) بِالْكَسْرِ وَالضَّم لُغَة أهل الْيَمَامَة (وإم) بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح (وَمن مثلث الحرفين) أَي الْمِيم وَالنُّون أَي بفتحهما وكسرهما وضمهما (وم مثلثا) حكى الْفَتْح الْهَرَوِيّ وَالْكَسْر وَالضَّم الْكسَائي والأخفش وَأَن رجلا من بني العنبر سُئِلَ مَا الدهدران فَقَالَ م رَبِّي الْبَاطِل فَهَذِهِ عشرُون لُغَة حكى ابْن مَالك مِنْهَا بضع عشرَة وَالسَّبَب فِي كَثْرَة تصرفهم فِيهَا كَثْرَة الِاسْتِعْمَال وَالأَصَح أَنه اسْم وَقَالَ الرماني والزجاج هُوَ حرف جر قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ خلاف شَاذ وَثَالِثهَا من وم بلغاتهما حرفان وليسا بَقِيَّة (أَيمن) وَجزم بِهِ ابْن مَالك فِي كِتَابه سبك المنظوم لِأَنَّهُمَا لَو كَانَا مِنْهَا لم يستعملا إِلَّا مَعَ الله كأعين وَقد استعملتا مَعَ غَيره حكى من رَبِّي لَأَفْعَلَنَّ وَلِأَن الِاسْم المعرب لَا يجوز حذفه حَتَّى يبْقى على حرف وَاحِد ورد بِأَن كَثْرَة تصرفهم فِيهَا اقْتضى ذَلِك وَهُوَ أولى من إِثْبَات حرف جر لم يسْتَقرّ فِي مَوضِع من الْمَوَاضِع (و) الْأَصَح أَن همزَة وصل بِدَلِيل سُقُوطهَا بعد متحرك كَقَوْلِه: 11650
(فَقَالَ فريقُ الْقَوْم لَا وفريقُهم ... نَعْم وفريقٌ لَيْمُنُ اللهِ لَا نَدْري)
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ قطع بِنَاء على أَنه عِنْدهم جمع يَمِين وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهَا مَفْتُوحَة وَلَا تكون همزَة وصل مَفْتُوحَة وإبدالها هَاء فِي بعض اللُّغَات وَأَجَابُوا عَن حذفهَا فِي الدرج بِأَنَّهُ تَخْفيف لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال وَلَا تبدل من الْوَصْل(2/481)
وَثَالِثهَا همز (أيم قطع) بِخِلَاف (أَيمن) حكى عَن الْأَخْفَش قَالَ همزَة أَيمن قد علمت أَنَّهَا وصل وَلَا أحمل عَلَيْهَا (أيم) لِأَن همزَة الْوَصْل لَيست مطردَة فِي الْأَسْمَاء (و) الْأَصَح أَنه مُعرب لعدم سَبَب الْبناء قَالَ الْكُوفِيُّونَ مَبْنِيّ لشبهه الْحَرْف فِي عدم التَّصَرُّف إِذْ لم يسْتَعْمل فِي مَوضِع من الْمَوَاضِع الَّتِي تسْتَعْمل فِيهَا الْأَسْمَاء إِلَّا فِي الِابْتِدَاء خَاصَّة كالحرف وَثَالِثهَا إيم الْمَكْسُورَة مَبْنِيّ وَأَصله السّكُون كسر لالتقاء الساكنين وعَلى الأول هِيَ جَرّه إِعْرَاب بواو قسم مقدرَة وَرَابِعهَا من وم مبنيان لِأَنَّهُمَا على وضع الْحَرْف وحركة الثَّانِي لضَرُورَة الِابْتِدَاء وَالْأول لالتقاء الساكنين فِي الِاسْم بعْدهَا (و) الْأَصَح بِنَاء على الْإِعْرَاب (أَنه لَازم الرّفْع) إِذْ لم يرو عَن الْعَرَب إِلَّا بذلك وَقَالَ ابْن درسْتوَيْه يجوز جَرّه بواو الْقسم (و) الْأَصَح على الرّفْع أَنه مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف أَي قسمي وَقَالَ ابْن عُصْفُور هُوَ خبر والمحذوف مُبْتَدأ (و) الْأَصَح أَنه مُضَاف (لله والكعبة وَالْكَاف وَالَّذِي) وَالْأول هُوَ الْغَالِب وَالْبَاقِي كَقَوْلِهِم أَيمن الْكَعْبَة وَقَول عُرْوَة بن الزبير أيمنك لَئِن ابْتليت لقد عافيت وَقَوله
:
(وأيم الَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ) وَقَالَ الْفَارِسِي لَا يُضَاف إِلَّا إِلَى الله والكعبة وَقَالَ ابْن هِشَام لَا تُضَاف إِلَّا إِلَى الله فَقَط أما أضافته لغير مَا ذكر فشاذ أنْشد الْكسَائي: 1166 -
(لَيْمُنْ أبيهمْ لَبِئْسَ الْعذرَة اعْتَذَرُوا ... )
(و) الْأَصَح (أَنه مُفْرد) وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ هُوَ جمع يَمِين على أفعل كأفلس لِأَن بِنَاء أفعل لَا يُوجد فِي الْأَسْمَاء مُفردا ورد بِأَنَّهُ لَو كَانَ جمعا للزمت همزته الْفَتْح وَالْقطع وميمه الضَّم ولجاء مَرْفُوعا ومنصوبا(2/482)
(و) الْأَصَح على الْإِفْرَاد (أَنه مُشْتَقّ من الْيمن) وَبِه جزم ابْن مَالك فِي شرح الكافية وَحكي ابْن طَاهِر عَن سِيبَوَيْهٍ أَنه مُشْتَقّ من الْيَمين (و) الْأَصَح (أَن م لَيست بَدَلا عَن الْوَاو وَلَا أَصْلهَا من وَلَا أَيمن) وَقيل هِيَ بدل من الْوَاو كالتاء لِكَوْنِهِمَا شفهيتين ورد بِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك للزمت الْفَتْح كالتاء وَبِأَن إِبْدَال التَّاء من الْوَاو مَعْرُوف مطرد كاتصف واتصل وَغير مطرد كتراث وتجاه وَلم تبدل الْمِيم مِنْهَا إِلَّا فِي مَوضِع شَاذ وَهُوَ فَم وَفِيه مَعَ شذوذه خلاف وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ هِيَ من الدَّاخِلَة على رَبِّي حذفت نونها ورده ابْن مَالك بِأَنَّهَا لَو كَانَت لجَاز دُخُولهَا على رَبِّي كالأصل وَأجَاب أَبُو حَيَّان بِأَنَّهُ قد سمع ذَلِك كَمَا تقدم وَقيل أَصْلهَا أَيمن حذف مِنْهَا حَتَّى بقيت الْمِيم
جملَة الْقسم
مَسْأَلَة الْقسم جملَة لفظا كأقسمت بِاللَّه أَو تَقْديرا ك (بِاللَّه) إنشائية كَمَا ذكر أَو خبرية كأشهد لعَمْرو خَارج وَعلمت لزيد قَائِم مُؤَكدَة لخبرية أُخْرَى تالية غير تعجب فَخرج بالمؤكدة لأخرى نَحْو زيد قَائِم زيد قَائِم فَإِنَّهُ يصدق عَلَيْهَا جملَة مُؤَكدَة لَيست أُخْرَى بل هِيَ هِيَ وبالخبرية غَيرهَا فَلَا تقع مقسمًا عَلَيْهَا وبالباقي التعجبية بِنَاء على الصَّحِيح أَنَّهَا خبرية وتتلقى أَي تسْتَقْبل بِمَعْنى تجاب فِي الْإِثْبَات بلام مَفْتُوحَة مَعَ الاسمية والفعلية مَعَ التَّنْفِيس أَو لَا نَحْو: {ثمَّ لنَحْنُ أعلم} [مَرْيَم: 70] {وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا} [يُوسُف: 32] {ولسوف يعطيك رَبك} [الضُّحَى: 5] وَالله لسيقوم زيد وَقد تكسر مَعَ الْفِعْل فِي لُغَة نَحْو وَالله لتفعلن ومنعها أَي اللَّام الْفراء مَعَ السِّين لِأَنَّهُ لم يسمع بِخِلَاف (سَوف (وَالْفرق أَن اللَّام كالجزء مِمَّا تدخل عَلَيْهِ فَيُؤَدِّي دُخُولهَا إِلَى توالي أَربع حركات فِيمَا هُوَ(2/483)
كالكلمة الْوَاحِدَة وَهُوَ مرفوض فِي كَلَامهم وَأجِيب باغتفار ذَلِك كَمَا قَالُوا وَالله لكذب زيد (و) يتلَقَّى أَيْضا فِي الْإِثْبَات (بِأَن) الْمَكْسُورَة مثقلة ومخففة سَوَاء كَانَ فِي خَبَرهَا اللَّام نَحْو: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّآ} [اللَّيْل: 4] {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} [الطارق: 4] أم لَا وَقيل إِن كَانَ فِي خَبَرهَا اللَّام جَازَ تلقيه بِهِ وَإِلَّا فَلَا لَان الْقَصْد بذلك إِفَادَة التَّأْكِيد الَّذِي لأَجله الْقسم وَقيل لَام كي قَالَه الْأَخْفَش وَمثل بقوله: {يحلفُونَ بِاللَّه لكم ليرضوكم} [التَّوْبَة: 62] وَقَول الشَّاعِر: 1168 -
(إِذا قَالَ قدْني قلت بِاللَّه حِلْفةً ... لِتُغْنِي عني ذَا إنائك أجمعاً)
وَوَافَقَهُ الْفَارِسِي فِي العسكريات وَرجع فِي البصريات والتذكرة وَأجَاب عَن الْآيَة بِأَنَّهُ لم يرد الْقسم بل الْخَبَر فَإِنَّهُم يحلفُونَ بِاللَّه مَا عابوا النَّبِي ليرضوا الْمُؤمنِينَ وَعَن الْبَيْت بِأَنَّهُ كَذَلِك أَي حَلَفت لتغنيني عني أَو بِأَن الْجَواب مَحْذُوف لدلَالَة الْحل أَي لتشربن قيل وبل قَالَه بعض القدماء وَاسْتدلَّ بقوله تَعَالَى: {وَالْقُرْآن ذِي الذّكر بل الَّذين كفرُوا} [ص: 1، 2] قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ رَأْي بَاطِل وَالْجَوَاب فِي الْآيَة مَحْذُوف أَو كم أهلكنا وَحذف اللَّام لطول الْفَصْل فِيهِ قيل وَأَن الْمَفْتُوحَة قَالَه ابْن عُصْفُور فِي المقرب وَاسْتدلَّ بقوله: 1168 -
(أما وَالله أَن لَو كنت حرًّا ... وَمَا بالحُرّ أَنْت وَلَا الْعَتِيق)
ورده ابْن الصَّائِغ وَقَالَ بل جَوَاب الْقسم جَوَاب لَو أَي مَا يكون جوابها لَوْلَا الْقسم قَالَ أَبُو حَيَّان وَقد رَجَعَ عَن ذَلِك ابْن عُصْفُور(2/484)
(و) يتلَقَّى (فِي النَّفْي بِمَا وَلَا وَإِن) قَالَ ابْن مَالك فِي شرح الكافية وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الاسمية والفعلية إِلَّا أَن الاسمية إِذا نفيت بِلَا وَقدم الْخَبَر أَو كَانَ الْمخبر عَنهُ معرفَة لزم تكرارها فِي غير الضَّرُورَة نَحْو وَالله لَا زيد فِي الدَّار وَلَا عَمْرو ولعمري لَا أَنا هاجرك وَلَا مهينك قَالَ أَبُو حَيَّان وَغلط فِي أَن الْجُمْلَة الاسمية لَا تَنْفِي بِلَا قَالَ وَلَا يَنْفِي بهَا أَيْضا الْمَاضِي فَلَا تَقول وَالله لَا قَامَ زيد لَكِن فِي شرح التسهيل والكافية لِابْنِ مَالك أَنه يَنْفِي بهَا كَقَوْلِه: 1169 -
(ردُوا فَوالله لَا ذُدْنَاكُمُ أبدا ... )
ومثاله ب (مَا) : {وَلَئِن أتيت الَّذين أُوتُوا الْكتاب بِكُل آيَة مَا تبعوا قبلتك} [الْبَقَرَة: 145] وب (إِن) : {وَلَئِن زالتا إِن أمسكهما من أحد} [فاطر: 41] (قيل وَلنْ وَلم) فِي الفعلية كَقَوْل أبي طَالب: 1170 -
(وَالله لن يَصِلوا إِلَيْك بجَمْعِهِم ... )
وَحكى الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ لأعرابي أَلَك بنُون قَالَ نعم وخالقهم لم تقم عَن مثلهم منجبة وَقَالَ أَبُو حَيَّان لَا سلف لِابْنِ مَالك فِي تجويزه ذَلِك إِلَّا مَا حكى عَن ابْن جني أَنه زعم أَنه يتلَقَّى بهما فِي الضَّرُورَة وَهُوَ غلط من ابْن جني انْتهى فَظَاهره أَنه لَا يجوز عِنْده لَا فِي الضَّرُورَة وَلَا غَيرهَا فَنَشَأَ من ذَلِك قَول مفصل حكيته بِقَوْلِي: وَثَالِثهَا ضَرُورَة وَرَابِعهَا يجوز (بلم دون لن) نَقله أَبُو حَيَّان عَن مُحَمَّد بن خلصة الضَّرِير قَالَ وَلنْ وَإِن كَانَت ك (لَا) فِي نَفسِي الْمُسْتَقْبل إِلَّا أَنَّهَا نفي ل سيفعل فَلَمَّا كَانَت فِي مُقَابلَة السِّين لم يتلق بهَا كالسين(2/485)
وَعِنْدِي عَكسه وَهُوَ جَوَاز التلقي بلن دون لم لِأَنَّهَا للماضي وَالْقسم بالمستقبل أَجْدَر وَلِأَن الْمِثَال السَّابِق يظْهر فِيهِ الْحمل على الِاسْتِئْنَاف وَتَمام الْكَلَام عِنْد وخالقهم وَالْبَيْت لَا يحْتَملهُ وَمَا قَالَه من إلحاقها بِالسِّين مَرْدُود لِأَن الْحَرْف المتلقى بِهِ جعل لتأكيد الْجُمْلَة الْمقسم عَلَيْهَا وَلَا تَأْكِيد فِي السِّين وَلنْ يُفِيد تَأْكِيد النَّفْي فالتلقي بهَا حسن حِينَئِذٍ (و) يتلَقَّى (فِي الطّلب بِهِ) أَي بِالطَّلَبِ أَدَاة أَو فعلا كَقَوْلِه: 1171 -
(برَبّكَ هَل للصّبَ عنْدك رأفة ... )
وَقَوله: 1172 -
(بعَيْنَيْك يَا سلْمَى ارْحَمي ذَا صبَابةٍ ... )
وَقَوله: 1173 -
(رُقَىَّ بعَمْركُم لَا تَهْجُرينا ... )
(أَو لما) نَحْو: 1174 -
(قالَتْ لَهُ بِاللَّه يَا ذَا البُرْدَيْنْ ... لمَّا غَنِثْتَ نفسا أَو اثْنَيْن)
(أَو إِلَّا) نَحْو: 1175 -
(بِاللَّه ربِّكِ إِلَّا قُلْتِ صادِقةً ... هَل فِي لقائِك لِلمشْغُوف من طَمع)(2/486)
(أَو إِن وَتلْزم اللَّام مَعَ النُّون) الشَّدِيدَة أَو الْخَفِيفَة فِي مضارع مُسْتَقْبل كَمَا تقدم مِثَاله بِخِلَاف غير الْمُسْتَقْبل كالحال نَحْو وَالله لأظنك صَادِقا وَلَا حَاجَة إِلَى تَقْيِيده بالمثبت كَمَا فِي التسهيل لِأَن اللَّام لَا تدخل غَيره إِلَّا شذوذا كَمَا سَيَأْتِي والاكتفاء بِأَحَدِهِمَا أَي بِاللَّامِ أَو النُّون إِن لم يفصل بَينه وَبَين اللَّام ضَرُورَة كَقَوْلِه: 1176 -
(تألّى ابنُ أوْس حِلْفةً لِيَرُدَّني ... )
وَقَوله: 1177 -
(وقتيل مُرَّةَ أثأَرنَّ فإنّه ... )
خلافًا لأبي عَليّ الْفَارِسِي والكوفية فِي تجويزهم ذَلِك فِي الِاخْتِيَار قَالَ أَبُو حَيَّان وَوهم الخضرواوي فَادّعى الْإِجْمَاع على الْمَنْع فَإِن فصل جَازَ وفَاقا إِمَّا بمعمول مقدم نَحْو {وَلَئِن متم أَو قتلتم لإلى الله تحشرون} [آل عمرَان: 158] أَو حرف تَنْفِيس نَحْو {ولسوف يعطيك} [الضُّحَى: 5] و (قد) نَحْو وَالله لقد أقوم غَدا (و) تلْزم (اللَّام مَعَ قد وَلَو مقدرَة فِي مَاض مُثبت غير جامد) نَحْو: {تالله لقد آثرك الله} [يُوسُف: 91] (وَلَو) كَانَ بَعيدا من الْحَال خلافًا لِابْنِ عُصْفُور(2/487)
فِي مَنْعَة قد حِينَئِذٍ لِأَنَّهَا للتقريب من زمن الْحَال أما الْمَنْفِيّ فَلَا تدخله اللَّام وَكَذَا الْخَالِي من قد إِذا لم تقدر كَخَبَر إِن الْمَاضِي والجامد لَا يقْتَرن بقد كَقَوْلِه: 1178 -
(يَميناً لَنِعْمَ السيِّدان وُجدْتُمَا ... )
(وشذ) دُخُول اللَّام (مَعَ رُبمَا وَبِمَا) فِي الْمَاضِي كَقَوْلِه: 1179 -
(لَئِن نَزَحَتْ دارٌ لِلَيْلى لرُبّما ... غَنينا بِخَير والديارُ جَمِيعُ)
1180 - (فلئن بَان أَهله ... بِمَا كَانَ يؤهل)
وأوله أَبُو حَيَّان على تَقْدِير فعل بعد اللَّام أَي لبان بِمَا (و) شَذَّ دُخُولهَا (مَعَ مضارع بِأحد الثَّلَاثَة) أَي قد وَرُبمَا وَبِمَا كَقَوْلِه: 1181 -
(لَئِن أمست رُبُوعهم يَباباً ... لقد تَدْعُو الوفودُ لَهَا وفُودا)
وَقَوله: 1182 -
(فلئن تغيّر مَا عَهدْتُ وأصْبَحت ... صَدفتْ فَلَا بَذْلٌ وَلَا مَيْسور)
(لَبما يُساعِفُ فِي اللِّقاء وَلِيها ... فَرحٌ بِقرب مَزارها مَسْرُورُ)
(و) شَذَّ دُخُولهَا مَعَ (منفي) كَقَوْلِه: 1183 -
(أما والّذي لَو شَاءَ لم يَخْلُق النّوَي ... لَئِن غِبْتِ عَن عَيْني لما غِبْتِ عَن قلبِي)(2/488)
(و) شَذَّ حذفهما أَي اللَّام وَقد من الْمَاضِي ذِي الشُّرُوط (أَو) حذف أَحدهمَا أَي قد فَقَط إِذا لم يقدر أَو اللَّام فَقَط كَقَوْلِه: 11840
(حَلَفت لَهَا بِاللَّه حَلْفة فَاجر ... لنامُوا فَمَا إِن من حَدِيث وَلَا صَال)
وَقَوله: 1185 -
(تاللَّهِ قدْ علمت قيس إِذْ قذفت ... )
(أَو) حذف اللَّام من الاسمية كَقَوْل أبي بكر وَالله أَنا كنت أظلم مِنْهُ وَقَوْلِي حَيْثُ لَا طول رَاجع إِلَى الاسمية والماضي مَعًا فَإِن كَانَ فِي الْكَلَام طول حسن الْحَذف للام أَو قد أَو هما قَالَ تَعَالَى: {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} [الشَّمْس: 1] إِلَى قَوْله: {قد أَفْلح من زكاها} [الشَّمْس: 9] وَقَالَ: {وَالسَّمَاء ذَات البروج} [البروج: 1] إِلَى قَوْله: {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود} [البروج: 4] وَقَالَ الشَّاعِر: 1186 -
(ورَبِّ السَّمَوَات العُلى وبروجها ... وَالْأَرْض وَمَا فِيهَا المُقدَّر كَائِنُ)
أَو نافيها أَي الاسمية كَقَوْلِه:(2/489)
1187 -
(فوَاللَّه مَا نِلْتم وَلَا نيل مِنْكُم ... بمعتدل وفْق وَلَا مُتقَاربِ)
أَرَادَ مَا نلتم فَحذف مَا النافية وَأبقى الموصولة لدلَالَة الْبَاء والعطف عَلَيْهَا ونافي الْمَاضِي كَقَوْلِه: 1188 -
(فَإِن شِئُتِ آليتُ بَين المقَام ... والرُّكن وَالْحجر الْأسود)
(نَسيتُكِ مَا دَامَ عَقْلي معي ... أمدُّ بِهِ أَمَدَ السّرمَدِ)
أَرَادَ لَا نسيتك وَيجوز بِلَا شذوذ حذف لَا النافية مَعَ مضارع لم يُؤَكد بالنُّون نَحْو {تالله تفتؤأ} [يُوسُف: 85] أَي لَا تفتؤ للْعلم بِأَن الْإِثْبَات غير مُرَاد لِأَنَّهُ لَو كَانَ مُرَاد لجيء بِاللَّامِ وَالنُّون بِخِلَاف الْمُؤَكّد بهَا لِأَنَّهُ يلتبس حِينَئِذٍ بالمثبت لَا (مَا) على الْأَصَح لعدم وُرُوده وَلما فِيهِ من الإلباس إِذا لم يعلم هَل الْقسم على النَّفْي فِي الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال وَقيل يجوز حملا على لَا وَتدْخل اللَّام كَأَن كَقَوْل إعرابي مَا هَذِه القنمة وَالله لكأنها على حششة القنمة الرَّائِحَة الرَّديئَة والحششة جمع حش (لَا إِن وَأَن) وَإِذا تقدم الْقسم (على لَو أَو لَوْلَا) وَلم يُؤْت إِلَّا بِجَوَاب وَاحِد فالمحذوف جَوَابه أَو جوابهما خلاف فَنقل أَبُو حَيَّان عَن الْجُمْهُور أَنه جوابهما وَأَن الْمَذْكُور جَوَابه كَمَا إِذا تقدم على أَدَاة الشَّرْط وَإِن لزم أَن يكون مَاضِيا لِأَنَّهُ مغن عَن جوابهما وَنقل عَن مُقْتَضى كَلَام التسهيل فِي الجوازم أَنه جَوَابه وَالْمَذْكُور جوابهما وَقد صرح بذلك فِي الكافية وَعَن مُقْتَضى كَلَامه هُنَا أَنه لَا حذف وَأَن (لَو)(2/490)
و (لَوْلَا) ومدخولهما جَوَاب الْقسم حَيْثُ قَالَ وتصدر فِي الشَّرْط الِامْتِنَاع ب (لَو) أَو لَوْلَا وَنقل عَن بَعضهم أَنه إِن لم يصلح جَوَابا للقسم بِأَن نفي ب (لم) نَحْو وَالله لَو قَامَ زيد لم يقم عَمْرو أَو ب (مَا) مَعَ اللَّام نَحْو وَالله لَو قَامَ عَمْرو مَا قَامَ زيد تعين جعله للو وَهُوَ تَقْيِيد لمحل الْخلاف لَا قولا آخر وَمن أَمْثِلَة الْمَسْأَلَة قَوْله: 1189 -
(واللهِ لَوْلاَ اللهُ مَا اهْتَدَيْنا ... )
وَقَوله: 1190 -
(فواللهِ لَو كُنّا شُهوداً وغِبْتُمُ ... إِذن لَملأنَا جَوْفَ جيرَانِهم دَما)
أَو توالي شَرط وَقسم وتقدمهما طَالب خبر فَالْجَوَاب للشّرط تقدم أَو تَأَخّر ختما تَفْصِيلًا لَهُ بِلُزُوم الِاسْتِغْنَاء بجوابه عَن جَوَاب الْقسم لِأَن سُقُوطه مخل بِالْجُمْلَةِ بِخِلَافِهِ لِأَنَّهُ لمُجَرّد التَّأْكِيد نَحْو زيد وَالله إِن تقم وَزيد إِن يقم وَالله أقِم وَقيل جَوَازًا حَكَاهُ أَبُو حَيَّان فَيُقَال عَلَيْهِ زيد وَالله إِن قَامَ لأقومن وَقيل يجوز رَفعه وحذفهما حَكَاهُ (أَو لَا) أَي لم يتقدمهما طَالب خبر فَالْجَوَاب للسابق فِي الْأَصَح قسما كَانَ أَو شرطا وَجَوَاب الآخر مَحْذُوف نَحْو وَالله إِن قَامَ زيد لأقومن وَإِن يقم وَالله أقِم وَجوز الْفراء وَابْن مَالك جعل الْجَواب للشّرط وَإِن تَأَخّر كَقَوْلِه: 1191 -
(لَئِنْ كَانَ مَا حَدِّثتُهُ اليومَ صادِقاً ... أصُمْ فِي نَهَار القيظ للشمس باديًا)(2/491)
وَجعل ابْن مَالك الْجَواب للقسم الْمُؤخر إِن اقْترن بِالْفَاءِ لدلالته على الِاسْتِئْنَاف كَقَوْلِه: 1192 -
(فإمَّا أعِشْ حَتَّى أَدُبُّ على الْعَصَا ... فوَاللَّه أَنْسَى لَيْلتي بالمَسَالِم)
ورده أَبُو حَيَّان بِأَن الْقسم مَعَ جَوَابه جَوَاب الشَّرْط وَلذَا اقْترن بِالْفَاءِ لِأَنَّهُ مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ جَوَاب الْقسم أَو سبق الْقسم وَحده طَالب خبر أَو طَالب صلَة بني على أَيهمَا شِئْت فَإِن بني عَلَيْهِمَا أَي طَالب الْخَبَر أَو الصِّلَة فَجَوَابه مَحْذُوف لدلَالَة الْخَبَر أَو الصِّلَة عَلَيْهَا وَإِلَّا فَهُوَ وَجَوَابه الْخَبَر أَو الصِّلَة نَحْو زيد وَالله يقوم وَجَاءَنِي الَّذِي وَالله يقوم وَزيد وَالله ليقومن وَجَاءَنِي الَّذِي وَالله ليقومن وَحَيْثُ أُغني الْجَواب عَن جَوَاب الشَّرْط لزم كَونه مُسْتَقْبلا لِأَنَّهُ مغن عَن مُسْتَقْبل ودال عَلَيْهِ (و) لزم كَون (فعل الشَّرْط مَاضِيا وَلَو معني) كالمضارع الْمَنْفِيّ بلم غَالِبا لِأَن جَوَاب الشَّرْط لَا يحذف إِلَّا حَيْثُ كَانَ فعله كَذَلِك فَلَا يجوز أَن يُقَال وَالله إِن يقم زيد لأقومن وَلَا وَالله إِن لم يقم لأقومن وَلَا وَالله إِن قَامَ زيد لقمت إِلَّا أَن أوقع الْمَاضِي موقع الْمُسْتَقْبل كَقَوْلِه: {وَلَئِن أرسلنَا ريحًا فرأوه مصفرا لظلوا} [الرّوم: 51] أَي ليظللن وَإِذا كَانَ للمقسم عَلَيْهِ جَوَاب شَرط مُسْتَقْبل مَسْبُوق بقسم ملفوظ أَو مُقَدّر قرنت الأداة الشّرطِيَّة إِن أَو غَيرهَا بِلَا مَفْتُوحَة نَحْو: {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَئِن أَمرتهم ليخرجن} [النُّور: 53] {لَئِن لم ينْتَه المُنَافِقُونَ} [الْأَحْزَاب: 60] وَهَذِه اللَّام تسمى الموطئة لِأَنَّهَا وطأت الْجَواب للقسم الْمَذْكُور قبلهَا أَي مهدته لَهُ والمؤذنة لِأَنَّهَا آذَنت بِأَن الْجَواب بعْدهَا مَبْنِيّ على قسم قبلهَا لَا على الشَّرْط أَي أعلمت بذلك وَيجوز حذفهَا مَا دَامَ لم يحذف الْقسم فَإِن حذف لم تحذف غَالِبا لتدل عَلَيْهِ وَمن الْقَلِيل: (وَإِنْ لَّمْ(2/492)
يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ} [الْمَائِدَة: 73] {وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ} [الْأَعْرَاف: 23] قَالَ أَبُو حَيَّان فَإِن كَانَ الْفِعْل الْوَاقِع جَوَابا منفيا (بِلَا) لم يجز أصلا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا دلَالَة فى اللَّفْظ على الْقسم الْمَحْذُوف وَلَا يُوجد فِي كَلَامهم إِن قَامَ زيد لَا يقوم زيد وَمن دُخُولهَا على غير إِن قَوْله: 1193 -
(ولَما رُزقْتَ ليأتِيَنّك سَيبُهُ ... )
وَقَوله: 1194 -
(لمتَي صَلحْتَ لَيُقْضَيَنْ لَك صالحٌ ... )
قَالَ وَقد شبه بَعضهم (إِذْ) ب (إِن) فَأدْخل عَلَيْهَا هَذِه اللَّام قَالَ: 1195 -
(غَضِبَتْ على وَقد شربت بجزَّة ... فلإذْ غَضِبْتِ لأشَرَبَنْ بخَرُوفِ)
وَالْجَوَاب المقرون بِمَا أَو إِن الْمُؤَكّدَة أَو اللَّام مَعَ اسْم لَا يقدم مَعْمُول عَلَيْهِ مُطلقًا بِلَا خلاف كَمَا قَالَ أَبُو حَيَّان فَإِذا قلت وَالله مَا يقوم زيد الْآن أَو وَالله إِن زيدا قَائِم الْآن أَو وَالله لزيد قَائِم الْآن لم يجز تَقْدِيم الْآن أَو هِيَ أَي اللَّام مَعَ مضارع فَكَذَلِك لَا يجوز التَّقْدِيم مُطلقًا صَححهُ أَبُو حَيَّان وَقيل يجوز مُطلقًا ظرفا كَانَ أَو مَفْعُولا وَهُوَ رَأْي الْفراء وَأبي عُبَيْدَة واستدلا بقوله {فَالْحَقُّ وَالْحَقُّ أَقُولُ لأَمْلأَنَّ} [ص: 84، 85] أَي حَقًا(2/493)
وَثَالِثهَا يقدم الظّرْف وَالْمَجْرُور دون الْمَفْعُول وَهُوَ رَأْي ابْن مَالك وَاسْتدلَّ بقوله تَعَالَى: {عَمَّا قَلِيل ليصبحن نادمين} [الْمُؤْمِنُونَ: 40] وَيَقَع الْقسم بَين منفيين توكيدا لنفي الْمَحْلُوف عَلَيْهِ كَقَوْلِه: 1196 -
(أَخِلاَّي لَا تَنْسوا مَواثيق بَيْنَنا ... فإنّيَ لَا وَالله مَا زلْتُ ذاكِرا)
وَقد يُغني النَّفْي السَّابِق عَن النَّفْي الْمُبَاشر للجواب كَقَوْلِه: 1197 -
(فَلَا واللهِ نادَى الحيُّ ضَيْفِي ... )
أَي مَا نَادَى ويغني عَنهُ أَي عَن الْقسم بِأَن يحذف الْجَواب لدَلِيل يدل عَلَيْهِ وَقيل وَعَلِيهِ ابْن مَالك إِن وَقع بعد لقد نَحْو {وَلَقَد صدقكُم الله وعده} [آل عمرَان: 152] أَو لَئِن نَحْو: {لَئِن أخرجُوا لَا يخرجُون مَعَهم} [الْحَشْر: 12] أَو مصاحبا لإما مَفْتُوحَة ونونا للتوكيد نَحْو: {لأُغَذَّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيدا} [النَّمْل: 21] وَقيل وَعَلِيهِ أَبُو حَيَّان إِن كَانَ الْجَواب بِاللَّامِ أَو إِن الْمُشَدّدَة فَإِن كَانَ بِغَيْرِهِمَا ك (مَا) وَلَا وَإِن فَلَا (و) يُغني عَن الْجَواب بِحَذْف معموله نَحْو {والنازعات} [النازعات: 1] إِلَى قَوْله: {يَوْم ترجف الراجفة} [النازعات: 6] أَي ليبْعَثن وَقسم مَسْبُوق بِحرف جَوَاب نَحْو: {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بلَى وربنا} [الْأَحْقَاف: 34] وقولك لمن قَالَ أتفعل كَذَا أَي وَالله أَو نعم وَالله أَو أجل وَالله(2/494)
1198 -
(قَالُوا قُهرْتَ فقلْتُ جَيْر لَيْعْلَمَنْ ... عمّا قَلِيل أيُّنا المقهورُ)
كسرا أَي مكسورا بِنَاء لالتقاء الساكنين وبفتح تَخْفِيفًا ثمَّ قَالَ سِيبَوَيْهٍ اسْما لدُخُول التَّنْوِين عَلَيْهَا فِي قَوْله: 1199 -
(وقائلةٍ أسِيتَ فَقلت جَيْر ... )
بِمَعْنى حَقًا فَيكون مصدرا وَقيل أبدا فَيكون ظرفا كعوض وبنيت لقلَّة تمكنها إِذْ لَا تسْتَعْمل إِلَّا فِي الْقسم قَالَه صَاحب الملخص (و) قَالَ (قوم حرف جَوَاب) بِمَعْنى نعم وَصَححهُ ابْن مَالك قَالَ لِأَن كل مَوضِع تقع فِيهِ يصلح أَن يَقع فِيهِ نعم وَلَيْسَ كل مَوضِع تقع فِيهِ يصلح أَن يَقع فِيهِ حَقًا فإلحاقها ب نعم أولى لِأَنَّهَا أشبه بهَا لفظا أَو اسْتِعْمَالا وَلذَلِك بنيت وَلَو وَافَقت حَقًا فِي الاسمية أعربت ولجاز أَن يصحبها الْألف وَاللَّام كَمَا أَن حَقًا كَذَلِك وَلَو لم تكن بِمَعْنى نعم لم تعطف عَلَيْهَا فِي قَوْله: 1200 -
(أبي كَرماً لَا آلِفاً جَيْر أَو نعم ... بِأَحْسَن إِيفَاء وأَنْجَز مَوْعدِ)
وَلم تؤكد فِي قَوْله: 1201 -
(وَقُلْنَ على البرْدِيّ أوَّلُ مَشْرَبٍ ... نَعْم جَيْر إنْ كانَت رواءَ أسافِله)
وَلَا قوبل بهَا (لَا) فِي قَوْله:(2/495)
1202 -
(إِذا تَقول لَا ابْنة العُجَيْر ... تَصْدقُ لَا إِذا تَقول جَير)
قَالَ وَأما تنوينها فضرورة أَو ترنم زَاد الْفَارِسِي أَو شَاذ كتنوين اسْم الْفِعْل فِي قَوْلهم فدَاء لَك بِكَسْر الْهمزَة وَاخْتَارَ هَذَا القَوْل أَبُو حَيَّان وَابْن هِشَام والرضي وَقَالَ إِنَّمَا صَحَّ وُقُوعهَا قسما بِجَامِع أَن التَّصْدِيق توكيد وتوثيق كالقسم قَالَ ابْن الدماميني وَلقَائِل أَن يمْنَع لُزُوم الْإِعْرَاب لَو كَانَت بِمَعْنى حَقًا وَدخُول أل وَسَنَده مَا الَّتِي بِمَعْنى شَيْء وَنَحْوهَا وَسبب الْبناء حِينَئِذٍ موافقتا ل جير الحرفية لفظا وَكَونهَا مُؤَكدَة فِي الْبَيْت الْمَذْكُور لاحْتِمَال أَن يكون المعني نعم يحِق ذَلِك حَقًا وَأجَاب شَيخنَا الإِمَام الشمني عَن الأول بِأَن اللُّزُوم لعدم مشابهتها الْحَرْف حِينَئِذٍ بِوَجْه من الْوُجُوه الْمُقْتَضِيَة للْبِنَاء بِخِلَاف مَا بِمَعْنى شَيْء فَإِنَّهَا مشابهة لَهُ فِي الْوَضع قَالَ وَقَوله إِن سَبَب بنائها موافقتها لجير الحرفية فِيهِ نظر فَإِن الْقَائِل باسمية جير لَا يثبت جيرا أُخْرَى حرفا حَتَّى تكون هَذِه مشابهة لَهَا انْتهى (و) قَالَ قوم اسْم فعل حَكَاهُ صَاحب الملخص وَاخْتَارَهُ فِيمَا نقل أَبُو حَيَّان قَالَ لِأَن تنوينها للتنكير وَهُوَ لَا يُوجد إِلَّا فِي اسْم الْفِعْل أَو الصَّوْت وتنوين ضَرُورَة كالبيت السَّابِق(2/496)
وَقد يُجَاب بهَا دونه أَي دون قسم كَمَا يجب ب (نعم) و (أجل) كَقَوْلِه: 1203 -
(قَالَت أَرَاك هَارِبا للجوْر ... مِنْ هدّة السُّلطان قلت جَيْر)
لَا جرم
(و) يُغني عَن الْقسم أَيْضا (لَا جرم) حكى الْفراء أَن الْعَرَب تَقول لَا جرم لآتينك وَلَا جرم لقد أَحْسَنت فاستغنوا بهَا عَن الْقسم قَاصِدين بهَا معنى (حَقًا) وَأَصلهَا بِمَعْنى لَا بُد
عوض
قَالَ الكوفية ويغني عَن الْقسم أَيْضا عوض فَيُقَال عوض لَأَفْعَلَنَّ قَالَ أَبُو حَيَّان والبصريون لَا يعْرفُونَ الْقسم بِهِ وَإِن ذكره الزجاجي وَيجمع بَين أَيْمَان توكيدا سَوَاء اخْتلف حرف الْقسم أم لَا لَكِن إِن اخْتلف الْحَرْف لم يُؤْت بِالثَّانِي حَتَّى يوف الأول جَوَابه فَيُقَال تالله لَأَفْعَلَنَّ بِالْكَعْبَةِ لَأَفْعَلَنَّ خلافًا للأخفش فِي تجويزه الْمُوَالَاة فَيُقَال وَالله تالله بِاللَّه لَا أفعل كَمَا يُقَال وَالله وَالله لَا أفعل
الْقسم غير الصَّرِيح
مَسْأَلَة من الْقسم غير صَرِيح وَهُوَ مَا لَا يعلم بِمُجَرَّد لَفظه كَون النَّاطِق بِهِ مقسمًا كعلمت نَحْو: {علمُوا لمن اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَة من خلاق} [الْبَقَرَة: 102] قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَمِنْه قَوْلهم علم الله وَشهِدت نَحْو: {شهد الله أَنه} [آل عمرَان: 18] فِي رِوَايَة الْكسر {نشْهد إِنَّك لرَسُول الله}(2/497)
[المُنَافِقُونَ: 1] وجاهدت وأوثقت وَأخذت وَمِنْه {وَإذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِين أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ} [آل عمرَان: 187] وَهَذِه الْأَلْفَاظ فِي الْخَبَر ونشدتك الله وعمرتك الله بِالتَّشْدِيدِ وعمرك الله بِضَم الرَّاء وَفتحهَا مَعَ ضم الْعين وقعدك الله بِفَتْح الْقَاف وَكسرهَا وقعيدك الله وعزمت فِي الطّلب وَقد تقدم أَن جَوَاب الطّلب يتلَقَّى بِهِ أَو بلما أَو إِلَّا أَو إِن وَمن أمثلته هُنَا قَوْلهم أنْشدك الله إِلَّا فعلت وَفِي الصَّحِيح
(الله إِلَّا قضيت بَيْننَا بِكِتَاب الله) وَقَوله: 1204 -
(عَمَّرتُكِ الله إلاَّ مَا ذَكَرْتِ لنا ... هَل كُنْتِ جارَتنا أيّامَ ذِي سَلَم)
وَقَوله: 1205 -
(يَا عَمْرَكِ الله إلاَّ قُلْتِ صَادِقَة ... أصَادِقاً وصْفهُ الْمَجْنُون أَو كذبَّا)
وَقَوله: 1206 -
(عَمْرك اللهُ يَا سعادُ عِديني ... بَعْضَ مَا أَبتغي وَلَا تُؤْيسيني)
وَقَوله: 1207 -
(عَمرك الله أما تَعْرفُنِي ... أَنا حَرَّاثُ المنايا فِي الفَزعْ)
وَقَوله:(2/498)
1208 -
(قعيدَكما اللهُ الَّذِي أَنْتُمَا لَهُ ... ألم تَسْمَعا بالبيضَتَيْن المناديا)
وَقَوله: 1209 -
(قعِيدَكِ أَن لَا تُسْمِعيني مَلامَةً ... وَلَا تَنْكَئِي قَرْحَ الْفُؤَاد فَيَيْجَعَا)
وَيجوز حذف نشدت فَيُقَال بِاللَّه لما فعلت وَمِنْه قَوْله: 1210 -
(قَالَت لَهُ بِاللَّه يَا ذَا البُرُدَيْنْ ... لما غنثت نَفسًا أَو اثْنَيْن)
(و) يجوز حذف (الْبَاء فينتصب تَالِيهَا) نَحْو نشدتك الله لما فعلت وَالْأَصْل بِاللَّه وَمعنى نشدتك بِاللَّه إِلَّا فعلت أَقْسَمت بِهِ لَا ترى إِلَّا فَاعِلا أَي سَأَلتك وَطلبت مِنْك من نَشد الضَّالة طلبَهَا (و) معنى عمرك الله يعمرك أَي عمرك تعميرا وَهُوَ مخفف عمرتك الله بِحَذْف الزَّوَائِد سَأَلت بتعميرك أَي بإقرارك لَهُ بِالْبَقَاءِ كَمَا أَن عمرك الله أَحْلف بِبَقَاء الله ودوامه فَإِن لم يرد بهما الْقسم فَالْمَعْنى سَأَلت الله أَن يُطِيل عمرك وَقيل المُرَاد بِهِ ضد الْخُلُو من عمر الرجل منزلَة كَأَنَّهُ أَرَادَ تذكير الْقلب بِذكر الله تَأْكِيدًا للصدق وَالتَّقْدِير ذكرتك بِاللَّه تذكيرا يعمر الْقلب فَلَا يَخْلُو مِنْهُ (و) معنى (قعدك الله وقعيدك الله مَعَك) أَي رَقِيب عَلَيْك وحفيظ وَقيل مقاعدك وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَضمن الْقسم قَالَ فِي الصِّحَاح على معنى يصاحب الله الَّذِي هُوَ صَاحب كل نحوي(2/499)
وَقيل هما مصدران بِمَعْنى المراقبة وَالتَّقْدِير أقسم بمراقبتك الله وَنصب (الْجَلالَة) فِي الْجَمِيع على إِسْقَاط الْجَار
المجرورات / الْإِضَافَة
(الْإِضَافَة) أَي هَذَا مبحثها هِيَ فِي اللُّغَة الإمالة وَمِنْه ضَاقَتْ الشَّمْس للغروب مَالَتْ أَو أضفت ظَهْري إِلَى الْحَافِظ أملته إِلَيْهِ مُضَاف السهْم عَن الهدف عدل وأضفته إِلَى فلَان ألجأته والمضاف فِي الْحَرْب المحاط بِهِ والمضاف الملزق بالقوم وضافه الْهم نزل بِهِ وتضايف الْوَادي تضايق كَأَنَّهُ مَال أحد جانبيه إِلَى الآخر وأضفت من الْأَمر أشفقت وَفِي الِاصْطِلَاح (نِسْبَة تقييدية بَين اسْمَيْنِ توجب لثانيهما الْجَرّ) فَخرج بالتقييدية الإسنادية نَحْو زيد قَائِم وَبِمَا بعده نَحْو قَامَ زيد وَلَا ترد الْإِضَافَة إِلَى الْجمل لِأَنَّهَا فِي تَأْوِيل الِاسْم وبالأخير الْوَصْف نَحْو زيد الْخياط وَتَصِح بِأَدْنَى مُلَابسَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {لم يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّة أَو ضحاها} [النازعات: 46] لما كَانَت العشية وَالضُّحَى طرفِي النَّهَار صحت إِضَافَة أَحدهمَا إِلَى الآخر وَقَوْلهمْ (كَوْكَب الخرقاء) أضيف إِلَيْهَا لِأَنَّهَا كَانَت تنتبه وَقت طلوعه (وَالأَصَح أَن الأول) هُوَ (الْمُضَاف وَالثَّانِي) هُوَ (الْمُضَاف إِلَيْهِ) وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ لِأَن الأول هُوَ الَّذِي يُضَاف إِلَى الثَّانِي فيستفيد مِنْهُ تَخْصِيصًا وَغَيره وَقيل عَكسه وَثَالِثهَا يجوز فِي كل مِنْهُمَا كل مِنْهُمَا (وتجري) هَذِه الْأَقْوَال (فِي الْمسند والمسند إِلَيْهِ) فَقيل الْمسند الأول مُبْتَدأ كَانَ أَو غَيره والمسند إِلَيْهِ الثَّانِي وَقيل عَكسه وَقيل يجوز أَن يُقَال كل مِنْهُمَا فِي الأول وَالثَّانِي وَالأَصَح قَول رَابِع أَن الْمسند الْمَحْكُوم بِهِ والمسند إِلَيْهِ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ (و) يجْرِي أَيْضا فِي (الْبَدَل والمبدل مِنْهُ) وَالأَصَح هُنَا أَن الثَّانِي الْبَدَل وَالْأول الْمُبدل مِنْهُ كَمَا يُؤْخَذ من مبحثه(2/500)
(و) الْأَصَح (أَن الْجَرّ) فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ (بالمضاف) قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَإِن كَانَ الْقيَاس أَلا يعْمل من الْأَسْمَاء إِلَّا مَا أشبه الْفِعْل وَالْفِعْل لَا حَظّ لَهُ فِي عمل الْجَرّ لَكِن الْعَرَب اختصرت حُرُوف الْجَرّ فِي مَوَاضِع وأضافت الْأَسْمَاء بَعْضهَا إِلَى بعض فناب الْمُضَاف مناب حرف الْجَرّ فَعمل عمله وَيدل لَهُ اتِّصَال الضمائر بِهِ وَلَا تتصل إِلَّا بعاملها وَقَالَ الزّجاج وَابْن الْحَاجِب هُوَ بالحرف الْمُقدر لِأَن الِاسْم لَا يخْتَص (و) قَالَ الْأَخْفَش بِالْإِضَافَة المعنوية قَالَ الْجُمْهُور وتقدر اللَّام قَالَ فِي شرح الكافية وَمَعْنَاهَا هُوَ الأَصْل وَلذَا يحكم بِهِ مَعَ صِحَة تقديرها وَامْتِنَاع تَقْدِير غَيرهَا نَحْو دَار زيد وَمَعَ صِحَة تقديرها وَتَقْدِير غَيرهَا نَحْو يَد زيد وَعند امْتنَاع تقديرها وَتَقْدِير غَيرهَا نَحْو عِنْده وَمَعَهُ وَمِنْه إِضَافَة كل إِلَى مَا بعْدهَا (و) قَالَ (قوم و) يقدر (من إِن كَانَ الأول بعض الثَّانِي وَصَحَّ الْإِخْبَار بِهِ عَنهُ) كَثوب خَز وَخَاتم فضَّة فالثوب بعض الْخَزّ والخاتم بعض الْفضة وَيصِح أَن يُطلق على كل اسْم الْخَزّ وَالْفِضَّة وَمِنْه إِضَافَة الْعدَد إِلَى الْمَعْدُود والمقدر إِلَى المقدرات على الصَّحِيح بِخِلَاف يَد زيد وَعين عَمْرو فبالإضافة فِيهِ بِمَعْنى اللَّام إِذْ لَا يَصح إِطْلَاق اسْم الثَّانِي فِيهِ على الأول (قيل أَو لم يَصح) ذَلِك اكْتِفَاء بِكَوْنِهِ بَعْضًا وَهُوَ رَأْي ابْن كيسَان والسيرافي واستدلا بظهورها فِي قَوْله: 1211 -
(فالْعَيْنُ مني كأنْ غَرْبٌ تُحطَّ بِهِ ... )
وَقَوله: 1212 -
(كأنَّ على الكفّين مِنْه إِذا انْتحي ... )(2/501)
ورده ابْن مَالك بِأَن الْفضل ب (من) لَا يدل على أَن الْإِضَافَة بمعناها وَقد فصل بهَا مَا لَيْسَ بِجُزْء قَالَ: ذ 1213 -
(وإنَّ حَدِيثاً مِنْكَ لَو تعلمينه ... )
وَأنكر قوم الْإِضَافَة بِمَعْنى (من) أصلا وَقَالُوا الْإِضَافَة بِمَعْنى اللَّام لِأَن الْخَزّ مُسْتَحقّ للثوب كَمَا أَنه أَصله (و) قَالَ الْجِرْجَانِيّ وَابْن الْحَاجِب فِي كافيته وَابْن مَالك فِي كتبه (و) تقدر (فِي) حَيْثُ كَانَ ظرفا لَهُ قَالَ فِي شرحي الكافية والتسهيل قد أغفلها أَكثر النَّحْوِيين وَهِي ثَابِتَة فِي الفصيح كَقَوْلِه: {أَلد الْخِصَام} [الْبَقَرَة: 204] {مكر اللَّيْل وَالنَّهَار} [سبأ: 33] {تربص أَرْبَعَة أشهر} [الْبَقَرَة: 226] {يَا صَاحِبي السجْن} [يُوسُف: 39، 40] وَفِي الحَدِيث:
(فَلَا تَجِدُونَ أعلم من عَالم المدنية) فَمَعْنَى (فِي) فِي هَذِه الْأَمْثِلَة ظَاهر وَلَا يَصح تَقْدِير غَيرهَا إِلَّا بتكلف قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا أعلم أحدا ذهب إِلَى هَذِه الْإِضَافَة غَيره وَهُوَ مَرْدُود فقد قَالَ بهَا الْجَمَاعَة المذكورون مَعَه كَمَا صرحت بنقله عَنْهُم تَقْوِيَة لِابْنِ مَالك ورد الدعْوَة تفرده وَصرح ابْن الْحَاجِب فِي مقدمته بِأَن تَقْدِير (فِي) أقل من (اللَّام) و (من) وَكَذَا قَالَ ابْن مَالك وَزَاد أَن تَقْدِير (من) أقل من تَقْدِير (اللَّام) (و) قَالَ (الكوفية و) يقدر (عِنْد) نَحْو هَذِه نَاقَة رقود الْحَلب أَي رقود عِنْد الْحَلب وَأجَاب أَبُو حَيَّان بِأَن هَذَا وَمَا قدر فِيهِ من بَاب الصّفة المشبهة وَالْأَصْل رَفعه على الفاعلية مجَازًا للْمُبَالَغَة (و) قَالَ أَبُو حَيَّان لَا تَقْدِير أصلا لَا للام وَلَا(2/502)
لغَيْرهَا وَإِنَّمَا الْإِضَافَة تفِيد الِاخْتِصَاص وجهاته مُتعَدِّدَة بَين كل جِهَة مِنْهَا الِاسْتِعْمَال فَإِذا قلت غُلَام زيد وَدَار عَمْرو فالإضافة للْملك أَو سرج الدَّابَّة فاللاستحقاق أَو شيخ أَخِيك فلمطلق الِاخْتِصَاص وَيخْتَص التَّقْدِير عِنْد من قَالَ بِهِ بالمحضة وَقيل تقدر اللَّام فِي غَيرهَا لظهورها فِي قَوْله تَعَالَى: {فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ} [فاطر: 32] {حافظات للغيب} [النِّسَاء: 34] {مُصدق لما مَعَهم} [الْبَقَرَة: 89] {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [هود: 107] ورد بِعَدَمِ اطراده إِذْ لَا يسوغ فِي الصّفة المشبهة (و) الْمَحْضَة (هِيَ الَّتِي تفِيد تعريفا) إِذا كَانَ الْمُضَاف إِلَيْهِ معرفَة أَو تَخْصِيصًا إِذا كَانَ نكرَة قَالَ أَبُو حَيَّان هَكَذَا قَالُوا وَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَنَّهُ من جعل الْقسم قسيما وَذَلِكَ أَن التَّعْرِيف تَخْصِيص فَهُوَ قسم مِنْهُ وَالصَّوَاب أَنَّهَا تفِيد التَّخْصِيص فَقَط وَأقوى مراتبه التَّعْرِيف انْتهى وَهُوَ بحث لَفْظِي وَفِي مفَاد إِضَافَة الْجمل أَي الْإِضَافَة إِلَيْهَا احْتِمَالَانِ لصَاحب الْبَسِيط وَجه التَّخْصِيص أَن الْجمل نكرات وَوجه التَّعْرِيف أَنَّهَا فِي تَأْوِيل الْمصدر الْمُضَاف فِي التَّقْدِير إِلَى فَاعله أَو مَفْعُوله هَكَذَا حَكَاهُمَا أَبُو حَيَّان بِلَا تَرْجِيح ثمَّ قَالَ وَفِي التَّعْرِيف نظر لِأَن تَقْدِير الْمصدر تَقْدِير معنى كَمَا فِي همزَة التَّسْوِيَة فَلَا يلْتَفت إِلَى الْإِضَافَة فِيهِ كَمَا لَا يتعرف قَوْلك غُلَام رجل وَأَنت تُرِيدُ وَاحِدًا بِعَيْنِه وَأَيْضًا فَلَا يلْزم فِي الْمصدر أَن يقدر مُضَافا بل قد يقدر منونا عَاملا انْتهى وَغَيرهَا أَي غير الْمَحْضَة مَا لَا يُفِيد وَاحِدًا مِنْهُمَا بل تَخْفِيفًا فِي اللَّفْظ بِحَذْف التَّنْوِين وَشبهه فَمِنْهُ أَي من غير الْمَحْضَة إِضَافَة غير وَمثل وَشبه وخدن بِكَسْر الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمُهْملَة بِمَعْنى صديق وَنَحْو بِمَعْنى مثل وناهيك وحسبك من رجل أَي كافيك وَمَا فِي مَعْنَاهَا كترب بمعني لِدَة وَضرب وند فِي معنى مثل وشرعك وبجلك وقطك وقدك فِي معنى حَسبك فَهَذِهِ الْأَسْمَاء نكرات وَإِن أضيف إِلَى معرفَة إِمَّا لِأَنَّهَا على نِيَّة التَّنْوِين قصدا للتَّخْفِيف كالوصف كَمَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ والمبرد وَهُوَ صَرِيح الْمَتْن وَجزم بِهِ ابْن مَالك فِي (حسب) وَنَحْوهَا لِأَنَّهَا مُرَاد بهَا اسْم الْفَاعِل أَو لِأَنَّهَا شَدِيدَة الْإِبْهَام كَمَا قَالَ ابْن السراج والسيرافي وَغَيرهمَا وَجزم بِهِ ابْن مَالك فِي غير وَمثل وَنَحْوهمَا لِأَنَّك إِذا قلت غير زيد فَكل شَيْء إِلَّا زيد غَيره وَمثل زيد فَمثله كثير(2/503)
وَاحِد فِي طوله وَآخر فِي عمله وَآخر فِي صَنعته وَآخر فِي حسنه وَهَذَا لَا يكَاد يكون لَهُ نِهَايَة وَنقض هَذَا بِأَن كَثْرَة المتماثلين والمغايرين لَا توجب التنكير كَمَا أَن كَثْرَة غلْمَان زيد لَا توجب كَون غُلَام زيد نكرَة بل يجب بالوقوع على وَاحِد مَعْهُود للمخاطب وَقَالَ الْأَخْفَش يجوز أَن يكون السَّبَب فِي ذَلِك كَون أول أحوالها الْإِضَافَة لِأَنَّهَا لَا تسْتَعْمل مفصولة عَنْهَا لَا يُقَال هَذَا مثل لَك وَلَا غير لَك وَأول أَحْوَال الِاسْم التنكير فَلذَلِك كَانَت نكرَة مُطلقًا وَكَذَا وَاحِد أمه وَعبد بَطْنه وَأَبُوك فِي لُغَة لبَعض الْعَرَب حَكَاهَا أَبُو عَليّ فِي الْأَوَّلين والأصمعي فِي الْأَخير حَيْثُ أَدخل عَلَيْهَا (رب) فِي قَول حَاتِم 1214 -
(أماويّ إِنِّي رُبَّ وَاحِد أمّه ... )
وَقَوْلها رب أَبِيه رب أَخِيه قَالَ أَبُو حَيَّان كَأَنَّهُ لوحظ فِي وَاحِد أمة معنى مُفْرد أمه وَفِي عبد بَطْنه خَادِم بَطْنه وَالضَّمِير فيهمَا لَا يرجع إِلَى وَاحِد وَلَا عبد بل إِلَى غَيرهمَا مِمَّا تقدم وَفِي أَبِيه وأخيه مُنَاسِب لَهُ بالأبوة والأخوة وَالْأَشْهر اسْتِعْمَال مَا ذكر معرفَة وَقيل وَمِنْه أَيْضا الظروف سَوَاء أضيفت إِلَى مُفْرد أم جملَة حَكَاهُ أَبُو حَيَّان عَن بَعضهم وَيعرف مَا ذكر من (غير) وَمَا بعده إِن تعين المغاير والمماثل كَأَن وَقع (غير) بَين ضدين نَحْو {صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} [الْفَاتِحَة: 7] وقولك مَرَرْت بالكريم غير الْبَخِيل والجامد غير المتحرك أَو قَارن مثلا مِمَّا يشْعر بمماثلة خَاصَّة وَقَالَ الْمبرد لَا يتعرف (غير) بِحَال لِأَن كل من خالفك فَهُوَ غَيْرك حَقِيقَة وَالَّذِي يماثلك من كل وَجه قد يتَعَيَّن أَن يكون وَاحِدًا قَالَ أَبُو حَيَّان ورد بِأَنَّهُ قد يكون معرفَة بِاعْتِبَار أَنه نِهَايَة فِي الْمُغَايرَة كَمَا يكون نِهَايَة فِي الْمثل وَمِنْه أَي غير الْمَحْضَة إِضَافَة الصّفة أَي اسْم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول وأمثلة الْمُبَالغَة وَالصّفة المشبهة إِلَى معمولها الْمَرْفُوع بهَا فِي الْمَعْنى أَو الْمَنْصُوب لِأَنَّهَا فِي تَقْدِير الِانْفِصَال وَلذَلِك وصف بهَا النكرَة فِي قَوْله تَعَالَى {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} [الْمَائِدَة: 95] وَوَقعت حَالا فِي قَوْله {ثَانِي عطفه} [الْحَج: 9] وَدخل عَلَيْهِ رب فِي قَول جرير:(2/504)
1215 -
(يَا رُبَّ غابطنا لَو كَانَ يَطْلُبُكُمْ ... )
وَذكر ابْن مَالك فِي نكته على الحاجية أَنَّهَا قد تفِيد التَّخْصِيص أَيْضا فَإِن ضَارب زيد أخص من ضَارب قَالَ ابْن هِشَام وَهَذَا سَهْو فَإِن ضَارب زيد أَصله ضَارب زيدا لَا ضَارب فَقَط فالتخصيص حَاصِل بالمعمول قبل الْإِضَافَة وَفهم من تَقْيِيد الْإِضَافَة بِكَوْنِهَا إِلَى الْمَعْمُول اشْتِرَاط كَونهَا بِمَعْنى الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال فَإِن كَانَت بِمَعْنى الْمَاضِي فإضافتها مَحْضَة لِأَنَّهَا لَيست فِي تَقْدِير الِانْفِصَال قيل وَمِنْه إِضَافَة الْمصدر إِلَى مَرْفُوعَة أَو مَنْصُوبَة قَالَه ابْن برهَان وَعلله بِأَن الْمَجْرُور بِهِ مَرْفُوع الْمحل أَو منصوبه فَأشبه الصّفة وَابْن الطراوة وَعلله بِأَن عمله بالنيابة عَن الْفِعْل فَهُوَ أقوى من الصّفة العاملة بالشبه بِدَلِيل اختصاصها بِبَعْض الأزمنه دونه وَإِذا كَانَ أقوى كَانَ أولى أَن يحكم لَهُ بِحكم الْفِعْل فِي عدم التَّعْرِيف وَالأَصَح لَا ورد الِاسْتِدْلَال لِأَنَّهُ لم ينب مناب الْفِعْل وَحده بل مَعَ أَن والموصول مَحْكُوم بتعريفه فَكَذَلِك مَا وَقع موقعه وبانتقاء لَوَازِم التنكير من دُخُول (رب) وَآل ونعته بالنكرة وبورود نَعته وتأكيده بالمعرفة فِي قَوْله(2/505)
1216 -
(إنّ وَجْدِي بك الشّدِيدَ أَرَانِي ... )
وَقَوله: 1217 -
(فَلَو كَانَ حُبِّي أمَّ ذِي الوَدْع كُلَّهُ ... )
وَبِأَن تَقْدِير الِانْفِصَال فِي الصّفة للضمير الْمُسْتَتر فِيهَا وَهُوَ بِخِلَافِهِ (قيل و) مِنْهُ إِضَافَة اسْم التَّفْضِيل قَالَه الْكُوفِيُّونَ والفارسي وَأَبُو الْكَرم بن الدباس والجزولي وَابْن عُصْفُور وَابْن أبي الرّبيع قَالَ الْفَارِسِي لِأَنَّهُ يَنْوِي بهَا الِانْفِصَال لكَونهَا تُضَاف إِلَى جمَاعَة هُوَ أَحدهمَا وَإِلَّا لزم إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه إِذْ لَا يَنْفَكّ أَن يكون بعض الْجُمْلَة الْمُضَاف إِلَيْهَا وَلِأَن فِيهِ معنى الْفِعْل وَلِهَذَا نصب الظّرْف وتعدى تَارَة بِنَفسِهِ وَتارَة بِحرف جر وَالأَصَح أَنَّهَا مَحْضَة إِذْ لَا يحفظ ووروده حَالا وَلَا تمييزا وَلَا بعد رب وأل قَالَ سِيبَوَيْهٍ الْعَرَب لَا تَقول هَذَا زيد أسود النَّاس لِأَن الْحَال لَا يكون إِلَّا نكرَة وَثَالِثهَا إِن نوى معنى (من) فَغير مَحْضَة لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ فِي حكم الِانْفِصَال وَإِلَّا فمحضة قَالَ لَهُ ابْن السراج وَنزل قَول سِيبَوَيْهٍ على الثَّانِي وَقَول الْكُوفِيّين على الأول فَإِن قصد تَعْرِيفهَا أَي الصّفة المضافة إِلَى معمولها بِأَن قصد الْوَصْف بهَا من غير اخْتِصَاص بِزَمَان دون زمَان تعرفت وَلذَا وصف بهَا الْمعرفَة فِي قَوْله تَعَالَى:(2/506)
{مَالك يَوْم الدّين} [الْفَاتِحَة: 4] {فالق الْحبّ والنوى} [الْأَنْعَام: 95] {غَافِر الذَّنب} [غَافِر: 3] (إِلَّا) الصّفة المشبهة فَلَا تتعرف لِأَن الْإِضَافَة فِيهَا نقل عَن أصل وَهُوَ الرّفْع بِخِلَافِهَا فِي غَيرهَا فَهِيَ عَن فرع وَهُوَ النصب وَلِأَنَّهُ إِذا قصد تَعْرِيفهَا أَدخل عَلَيْهَا اللَّام وَزعم الكوفية والأعلم فَقَالُوا إِنَّهَا تتعرف بِقَصْدِهِ إِذا الْإِضَافَة لَا تمنع مِنْهُ (وَمن ثمَّ) أَي من هُنَا وَهُوَ أَن إِضَافَة الصّفة إِلَى معمولها لَا تفِيد تعريفا بل تَخْفِيفًا جَازَ اقتران هَذَا الْمُضَاف دون غَيره من المضافات (بأل) لِأَن الْمَحْذُوف فِي غَيره من اجْتِمَاع أداتي تَعْرِيف مُنْتَفٍ فِيهِ وَإِنَّمَا يقرن بهَا هَذَا (إِن كَانَ مثنى أَو جمعا على حَده) نَحْو الضاربا زيد والضاربو زيد قَالَ الشَّاعِر: 1218 -
(لَيْسَ الأخلاَّءُ بالمُصْغِي مَسامِعِهم ... )
وَقَالَ: 1219 -
(إِن يَغْنَيَا عَنّي المُسْتوطِنا عَدَن ... )
(أَو أضيف لمقرون بهَا) نَحْو الضَّارِب الرجل وَقَوله تَعَالَى: {والمقيمي الصَّلَاة} [الْحَج: 35] (أَو) أضيف إِلَى (مُضَاف إِلَيْهِ) أَي إِلَى مقرون بهَا نَحْو القاصد بَاب الْكَرِيم (وَكَذَا) إِن أضيف إِلَى (ضمير هِيَ فِي مرجعه على الْأَصَح) نَحْو الضَّارِب الرجل والشاتمة وَقَوله:(2/507)
1220 -
(الودُّ أنْتِ المُسْتَحِقّة صَفْوهِ ... )
وَقَوله: 1221 -
(الْوَاهِب المائةِ الهجان وعَبْدِها ... )
وَمنع الْمبرد هَذِه الصُّورَة وَأوجب النصب قيل أَو إِلَى ضمير مَا نَحْو الضاربك والضاربي والضاربه قَالَه الرماني والمبرد والزمخشري وَمنع سِيبَوَيْهٍ والأخفش ذَلِك وَجعلا مَوضِع الضَّمِير نصبا كَمَا لَو كَانَ مَوْضِعه ظَاهرا فَإِنَّهُ يتَعَيَّن نَصبه قَالَ الْفراء أَو أضيف إِلَى (معرفَة) مَا نَحْو الضَّارِب زيد بِخِلَاف الضَّارِب رجل وَلَا مُسْتَند لَهُ فِي السماع (و) قَالَ الكوفية أَو أضيف عدد إِلَى مَعْدُود نَحْو الثَّلَاثَة الأثواب قَالَ ابْن مَالك وحجتهم السماع وَأما البصريون فاستندوا فِي الْمَنْع إِلَى الْقيَاس لِأَنَّهُ من بَاب الْمَقَادِير فَكَمَا لَا يجوز الرطل زَيْت لَا يجوز هَذَا الْجُمْهُور على أَنه لَا يُضَاف اسْم لمرادفه ونعته ومنعوته ومؤكده لِأَن الْمُضَاف يتعرف أَو يتخصص بالمضاف إِلَيْهِ وَالشَّيْء لَا يتعرف وَلَا يتخصص إِلَّا بِغَيْرِهِ والنعت عين المنعوت وَكَذَا مَا ذكر بعده (إِلَّا بِتَأْوِيل) كَقَوْلِهِم سعيد كرز أَي مُسَمّى هَذَا اللقب وخشرم دبر أَي الَّذِي لَهُ ذَا الِاسْم لِأَنَّهُمَا اسمان للنحل وَصَلَاة الأولى وَمَسْجِد الْجَامِع و {دين الْقيمَة} [الْبَيِّنَة: 5] أَي السَّاعَة الأولى وَالْيَوْم أَو الْوَقْت الْجَامِع وَالْملَّة الْقيمَة وسحق عِمَامَة وجرد قطيفة(2/508)
الأَصْل عِمَامَة سحق وقطيفة جرد قدم وَجعل نوعا مُضَافا إِلَى الْجِنْس كخاتم فضَّة وَيَوْم يَوْم وَلَيْلَة لَيْلَة وَشرط الكوفية فِي الْجَوَاز اخْتِلَاف اللَّفْظ فَقَط من غير تَأْوِيل تَشْبِيها بِمَا اخْتلف لَفظه وَمَعْنَاهُ كَيَوْم الْخَمِيس و {شهر رَمَضَان} [الْبَقَرَة 165] و {وعد الصدْق} [الْأَحْقَاف: 16] و {حق الْيَقِين} [الْوَاقِعَة: 95] و {مَكْرَ السَّيِّيءِ} [فاطر: 43] و {يَا نسَاء الْمُؤْمِنَات} كَمَا جَاءَ ذَلِك فِي النَّعْت والعطف والتأكيد نَحْو: {وغرابيب سود} [فاطر: 27] 1222 -
(كَذِبًا ومَيْنا ... )
{كلهم أَجْمَعُونَ} [الْحجر: 30] (و) قَالَ أَبُو حَيَّان لَا يتَعَدَّى السماع بل يقْتَصر عَلَيْهِ فَلَا يُقَاس وَهل هِيَ أَي هَذِه الْإِضَافَة مَحْضَة أَو لَا أَو وَاسِطَة بَينهمَا أَقْوَال: الأول قَالَه جمَاعَة وَاخْتَارَهُ أَبُو حَيَّان لِأَنَّهُ لَا يَقع بعد (رب) وَلَا (أل) وَلَا ينعَت بنكرة وَلَا ورد نكرَة فَلَا يحفظ (صَلَاة أولى) و (مَسْجِد جَامع) وَالثَّانِي قَالَه الْفَارِسِي وَابْن الدباس وَغَيرهمَا لشبهه بِحسن الْوَجْه وَأَمْثَاله لِأَن الأَصْل فِي (صَلَاة الأولى) وَنَحْوه (الصَّلَاة الأولى) على النَّعْت ثمَّ أزيل عَن حَده كَمَا أَن أصل حسن الْوَجْه (حسن وَجهه) فأزيل عَن الرّفْع وَالثَّالِث قَالَه ابْن مَالك قَالَ لِأَن لَهَا اعتبارين اتِّصَال من وَجه أَن الأول غير مفصول بضمير منوي وانفصاله من وَجه أَن الْمَعْنى لَا يَصح إِلَّا بتكلف خُرُوجه عَن الظَّاهِر قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يسْبقهُ أحد إِلَى ذكر هَذَا الْقسم الثَّالِث (ثمَّ تجْرِي) هَذِه الْأَقْوَال فِيمَا ألغي فِيهِ مُضَاف نَحْو:(2/509)
1223 -
(إِلَى الحوْل ثُمّ اسْمُ السّلام عَلَيْكما ... )
أَو مُضَاف إِلَيْهِ نَحْو: 1224 -
(أَقَامَ ببَغْدادِ العِراق وشَوْقُه ... لأهل دِمشْق الشّام شَوْقٌ مُبرِّحُ)
وَلَا يقدم على الْمُضَاف مَعْمُول مُضَاف إِلَيْهِ لِأَنَّهُ من تَمَامه كَمَا لَا يتَقَدَّم الْمُضَاف إِلَيْهِ على الْمُضَاف وَجوزهُ الْكسَائي على أفعل نَحْو أَنْت أخانا أول ضَارب وَاقْتصر فِي التسهيل على ذكر الْمِثَال وَأَن ثعلبا حَكَاهُ عَنهُ قَالَ أَبُو حَيَّان فَهَل هُوَ مُخْتَصّ بِلَفْظ (أول) أَو (عَام) فِي كل أفعل تَفْضِيل يحْتَاج إِلَى تَحْرِير النَّقْل فِي ذَلِك وَلَا يظْهر فَوق بَين (أول) وَغَيره فَيجوز هَذَا بِاللَّه أفضل عَارِف وَالصَّحِيح أَنه لَا يجوز شَيْء من ذَلِك لعدم سَماع ذَلِك من كَلَامهم ولمخالفة الْأُصُول وَجوز الزَّمَخْشَرِيّ وَابْن مَالك التَّقْدِيم على غير النافية مُطلقًا نَحْو: زيد عمرا غير ضَارب قَالَ: 1225 -
(فَتى هُوَ حَقًّا غيرُ مُلْغ فَرِيضَة ... وَلَا تَتّخِذْ يَوْمًا سواهُ خَلِيلًا)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَالصَّحِيح أَنه لَا يجوز ذَلِك وَالْبَيْت نَادِر لَا يُقَاس عَلَيْهِ وَجوزهُ قوم على غير (إِن كَانَ) الْمَعْمُول ظرفا أَو مجرورا لتوسعهم فِيهِ كَقَوْلِه:(2/510)
1226 -
(إنَّ امْرَءًا خَصّني يَوْمًا مَوَدَّتَه ... على التّنائِي لَعِنْدي غَيرُ مَكْفُور)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَالصَّحِيح الْمَنْع لِاتِّحَاد الْعلَّة فِي ذَلِك وَفِي الْمَفْعُول أما (غير) الَّتِي لم يرد بهَا نفي فَلَا يجوز التَّقْدِيم عَلَيْهَا بِاتِّفَاق فَلَا يُقَال أكْرم الْقَوْم زيدا غير مشاتم وَجوز قوم التَّقْدِيم على حق كَقَوْلِه: 1227 -
(فإنْ لَا أكُنْ كُلَّ الشُجاع فإنّني ... بِضَرْب الطُّلَى والهام حقُّ عليم)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَالصَّحِيح الْمَنْع لندور هَذَا الْبَيْت وَإِمْكَان تَأْوِيله وَجوز قوم التَّقْدِيم على (مثل) نَقله ابْن الْحَاج نَحْو أَنا زيدا مثل ضَارب وَقد يكْتَسب الْمُضَاف من الْمُضَاف إِلَيْهِ تأنيثا وتذكيرا إِن صَحَّ حذفه وَلم يخْتل الْكَلَام بِهِ وَكَانَ بَعْضًا من الْمُضَاف إِلَيْهِ أَو كبعض مِنْهُ كَقَوْلِهِم قطعت بعض أَصَابِعه وَقُرِئَ: {يلتقطه بعض السيارة} [يُوسُف: 10] وَقَوله: 1228 -
(كَمَا شَرقَتْ صدْرُ القَنَاةِ من الدَّم ... )
وَقَوله:(2/511)
1229 -
(رؤيةُ الْفِكر مَا يَؤُول لَهُ الأمْرُ ... مُعينٌ على اجْتناب التّواني)
بِخِلَاف مَا إِذا لم يَصح لَو حذف فَلَا يُقَال قَامَت غُلَام هِنْد وَلَا أمة زيد جَاءَ أَو صَحَّ وَلم يكن بَعْضًا وَلَا كبعض فَلَا يُقَال أعجبتني يَوْم الْجُمُعَة وَلَا جَاءَت يَوْم عَاشُورَاء
أَسمَاء لَازِمَة الْإِضَافَة
مَسْأَلَة فِي أَسمَاء لازمت الْإِضَافَة لاحتياجها إِلَيْهَا فِي فهم مَعْنَاهَا لزم الْإِضَافَة مُطلقًا حمادى وقصارى بِضَم أولاهما وقصرهما بِمَعْنى الْغَايَة يُقَال قصاراك أَن تفعل كَذَا أَي غايتك وَآخر أَمرك وَحكى الْجَوْهَرِي فِيمَا فتح الْقَاف وَقصر أَيْضا قَالَ: 1230 -
(قَصْرُ الْجَدِيد إِلَى بلَى ... والْعَيْشُ فِي الدّنيا انْقِطَاعُه)
(و) لزم الْإِضَافَة إِلَى ضمير وحد فَلَا يُضَاف إِلَى ظَاهر وَسَوَاء ضمير الْغَائِب وَغَيره وَتجب مطابقته لما قبله نَحْو: {إِذا دعِي الله وَحده} [غَافِر: 12] 1231 -
(والذّنْبَ أخْشَاهُ إنْ مَرَرْتُ بِهِ ... وَحْدِي ... ... ... ... ... .)
1232 -
(وكُنْتَ إذْ كُنْتَ إلهي وحْدَكا ... )(2/512)
وَقَوله: 1233 -
(أعاذِلَ هَل يَأْتِي القبائلَ حظَّها ... من الْمَوْت أم خُلِّي لنا الموتُ وَحْدنا)
لَازم النصب على الْمصدر لفعل من لَفظه حكى الْأَصْمَعِي وحد الرجل يحد إِذا انْفَرد وَقيل لم يلفظ بِفِعْلِهِ كالأبوة والأخوة والخؤولة وَقيل مَحْذُوف الزَّوَائِد من إيحاد وَقيل نَصبه على الْحَال لتأويله بموحد وَقيل على حذف حرف الْجَرّ وَالْأَصْل على وَحده (و) لَازم الْإِفْرَاد والتذكير لِأَنَّهُ مصدر (وَقد يثنى) شذوذا أَو يجر بعلى سمع جلسا على وحديهما وَقُلْنَا ذَلِك وحدينا واقتضيت كل دِرْهَم على حَده وَجلسَ على وَحده أَو إِضَافَة نَسِيج وقريع بِوَزْن كريم وجحيش وعيير مصغرين إِلَيْهِ ملحقات بالعلامات على الْأَصَح يُقَال هُوَ نَسِيج وَحده وقريع وَحده إِذا قصد قلَّة نَظِيره فِي الْخَيْر وَأَصله فِي الثَّوْب لِأَنَّهُ إِذا كَانَ رفيعا لم ينسج على منواله والقريع السَّيِّد وَهُوَ جحيش وَحده وعيير وَحده إِذا قصد قلَّة نَظِيره فِي الشَّرّ وهما مصغر عير وَهُوَ الْحمار وجحش وَهُوَ وَلَده يذم بهما الْمُنْفَرد بِاتِّبَاع رَأْيه وَيُقَال (هما نسيجا وَحدهمَا) و (هم نسجاء وحدهم) و (هِيَ نسيجة وَحدهَا) وَهَكَذَا وَقيل لَا يتَّصل بنسيج وإخواته العلامات فَيُقَال هما نَسِيج وَحدهمَا وَهَكَذَا و (قريع) لم يذكرهَا فِي التسيهل وَذكرهَا أَبُو حَيَّان وَشَيْخه الشاطبي (رجيل وَحده) وَلزِمَ الْإِضَافَة إِلَى معرفَة مثناة لفظا أَو (معنى تفريقه) مَعْطُوفًا بِالْوَاو فَقَط (ضَرُورَة كلا وكلتا) نَحْو: وكلا الرجلَيْن {كلتا الجنتين} [الْكَهْف: 33] 1234 -
(كِلانا غنِيٌّ عَن أَخِيه حَياتَهُ ... )(2/513)
1235 -
(إنّ للخير وللشرّ مَدًى ... وكِلا ذَلِك وَجْهٌ وقَبَلْ)
وَمن تفريقه بِالْوَاو: 1236 -
(كلا أخي وخليلي وَاجدِي عَضُدًا ... )
وَقَالَ الكوفية أَو نكرَة محدودة بِنَاء على جَوَاز توكيدها سمع: (كلتا جاريتين عنْدك مَقْطُوعَة يَدهَا وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي وَإِلَى مُفْرد إِن كررت كلا نَحْو كلاي وكلاك محسنان (و) لزم الْإِضَافَة ذُو وفروعه أَي ذَوا وذوو وَذَات وذاتا وَذَوَات (وألوا وَأولَات إِلَى اسْم جنس) قِيَاسا كذي علم وَذي حسن ( {وَأشْهدُوا ذَوي عدل} [الطَّلَاق: 2] {ذواتا أفنان} [الرَّحْمَن: 48] وَإِلَى علم سَمَاعا نَحْو ذُو يزن وَذُو رعين وَذُو الكلاع وَذُو سلم وَذُو عَمْرو وَذُو تَبُوك وَقيل قِيَاسا قَالَه الْفراء وَالْغَالِب إلغاؤها أَي كَونهَا ملغاة أَي زَائِدَة حِينَئِذٍ وَقد لَا تلغى نَحْو (أَنا الله ذُو بكة) أَي صَاحب (بكة) وَالْمُخْتَار جَوَازهَا أَي إضافتها إِلَى ضمير كَمَا يفهم من كَلَام أبي حَيَّان أَن الْجُمْهُور عَلَيْهِ كَقَوْلِه:(2/514)
1237 -
(إنّما يَعْرفُ ذَا الفَضْل ... من النّاس ذَوُوهُ)
وَقَوله: 1238 -
(أبار ذَوي أرُومَتِها ذَوُوهُ ... )
وَقَوله: 1239 -
(رجوناه قُدْمًا من ذَويك الأفاضل ... )
خلافًا للكسائي والنحاس والزبيدي والمتأخرين فِي مَنعهم ذَلِك إِلَّا فِي الشّعْر وَجزم بِهِ الْجَوْهَرِي فِي الصِّحَاح وَفِي رُؤُوس الْمسَائِل بعد نَقله الْمَنْع عَن الثَّلَاثَة الْمَذْكُورين وَأَجَازَهُ غير هَؤُلَاءِ وَقد اسْتعْمل جمع (ذِي) مَقْطُوعًا عَن الْإِضَافَة إِلَى فِي قَوْله: 1240 -
(فَلَا أعْنِي بذَلك أسفليكمْ ... ولكنّي أُرِيد بِهِ الذَّوينا)
وَجمع مَا تقدم لزم الْإِضَافَة معنى ولفظا (و) لزم الْإِضَافَة معنى لَا لفظا فَيجوز الْقطع على نِيَّتهَا(2/515)
أل
(آل) وَأَصله أول قلبت واوه ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا بِدَلِيل قَوْلهم أويل وَقيل أهل أبدلت هاؤه همزَة ثمَّ الْهمزَة ألفا لسكونها بعد همزَة مَفْتُوحَة بِدَلِيل أهيل وَإِنَّمَا يُضَاف (إِلَى علم عَالم غَالِبا) كَقَوْلِه: 1241 -
(نَحن آلُ اللهِ فِي بَلْدَتنَا ... لم نَزْل آلاً على عهد إِرَمْ)
وَمن إِضَافَته إِلَى علم غَيره: 1242 -
(من الجُرْد من آل الْوَجِيه ولاحق ... )
وهما علما فرس وَإِلَى الْجِنْس آل الصَّلِيب وَالصَّحِيح جَوَازه إِلَى ضمير كَقَوْلِه: 1243 -
(وانصُر على آل الصَّليبِ ... وعابديه اليومَ آلَكْ)
وَقيل لَا يجوز وعزي للكسائي والنحاس والزبيدي
كل وَبَعض
وَلزِمَ الْإِضَافَة معنى أَيْضا (كل وَبَعض وَالْجُمْهُور) على (أَنَّهُمَا) عِنْد التجرد مِنْهَا (معرفتان بنيتها) لِأَنَّهُمَا لَا يكونَانِ أبدا إِلَّا مضافين فَلَمَّا نَوَيْت تعرف من جِهَة الْمَعْنى (وَمن ثمَّ) أَي من هُنَا وَهُوَ كَونهمَا عِنْد الْقطع معرفتين بنيتها أَي من أجل ذَلِك (امْتنع وقوعهما حَالا وتعريفهما بَال خلافًا للأخفش وَأبي عَليّ) الْفَارِسِي(2/516)
وَابْن درسْتوَيْه فِي قَوْلهم بِأَنَّهُمَا نكرتان وأنهما معرفان بأل وينصبان على الْحَال قِيَاسا على نصف وَسدس وَثلث فَإِنَّهَا نكرات بِإِجْمَاع وَهِي فِي الْمَعْنى مضافات وحكوا مَرَرْت بهم كلا بِالنّصب على الْحَال وَهَذَا القَوْل مَشْهُور عَن الْأَوَّلين وظفرت بنقله عَن ابْن درسْتوَيْه أَيْضا فِي كتاب (لَيْسَ) لِابْنِ خالويه فَذَكرته تَقْوِيَة لَهما
أَي
(و) لزم الْإِضَافَة معنى أَيْضا (أَي) بأقسامها فَتكون نفس مَا تُضَاف إِلَيْهِ (وَهِي مَعَ النكرَة ككل وَمَعَ الْمعرفَة كبعض وَمن ثمَّ) أَي من هُنَا وَهُوَ كَونهَا مَعَ الْمعرفَة كبعض أَي من أجل ذَلِك (لم تضف لمفرد معرفَة إِلَّا مكررة أَو منويا بهَا الْأَجْزَاء) ليَصِح فِيهَا معنى البعضية نَحْو: 1244 -
(أيِّي وأَيُّكَ فارسُ الأحْزابِ ... )
وَنَحْو أَي زيد حسن أَي أَي أَجْزَائِهِ فَإِن لم يكن تعين إضافتها إِلَى نكرَة أَو مثنى نَحْو أَي رجل وَأي الزيدين عنْدك هَذَا حكم شَامِل لأي بأنواعها وَتقدم مَا يخْتَص بِكُل نوع مِنْهَا فِي مَبْحَث الْمَوْصُول (وَمر كثير) مِمَّا لزم الْإِضَافَة فِي المصادر والظروف وَالِاسْتِثْنَاء (فَلم نعده) حذرا من التّكْرَار مَسْأَلَة أضيف للْفِعْل آيَة بِمَعْنى عَلامَة مَعَ (مَا) المصدرية أَو النافية ودونهما تَشْبِيها لَهَا بالظرف كَقَوْلِه:(2/517)
1245 -
(بآيةِ تُقْدِمون الْخيل شُعْثًا ... )
وَقَوله: 1246 -
(أَلِكْنِي إِلَى سَلْمى بآيةِ أوْمأتْ ... )
وَقَوله: 1247 -
(بآيةِ مَا تُحبُّون الطّعاما ... )
وَقَوله: 1248 -
(بآيةِ مَا كَانُوا ضعافاً وَلَا عُزْلا ... )(2/518)
وَقيل هُوَ على حذف مَا المصدرية وَالْإِضَافَة إِلَى الْمصدر المؤول قَالَ ابْن جني وعَلى الأول (مَا) الْمَوْجُودَة زَائِدَة وَيُؤَيِّدهُ عدم تصريحهم بِالْمَصْدَرِ أصلا وإضافتها إِلَى الْجُمْلَة الاسمية فِي قَوْله: 125 -
(بِآيَة الخالُ مِنْهَا عِنْد بُرْقُعِها ... )
وَقيل لَا يطرد ذَلِك بل يقْتَصر فِيهِ على السماع قَالَه الْمبرد (و) أضيف إِلَيْهِ أَيْضا (ذُو فِي قَوْلهم اذْهَبْ) بِذِي تسلم (أَو افْعَل بِذِي تسلم) وَهِي بِمَعْنى صَاحب (أَي بِذِي سلامتك) وَالْمعْنَى فِي وَقت ذِي سَلامَة فالباء بِمَعْنى فِي وَقيل للمصاحبة أَي أَفعلهُ مقرنا بسلامتك كَمَا تَقول افعله بسعادتك وَقيل للقسم أَي بِحَق سلامتك وهلا هُوَ خبر فِي معنى الدُّعَاء أَي وَالله يسلمك و (قيل ذُو مَوْصُولَة) أعربت على لُغَة و (تسلم) صلتها وَالْمعْنَى اذْهَبْ فِي الْوَقْت الَّذِي تسلم فِيهِ ثمَّ حذف الْجَار اتساعا فَصَارَ تسلمه ثمَّ الضَّمِير (وَيلْحق الْفِعْلَيْنِ الْفُرُوع) فَيُقَال اذْهَبَا بِذِي تسلمان واذهبوا بِذِي تسلمون واذهبي بِذِي تسلمين مَسْأَلَة (يحذف الْمُضَاف لدَلِيل) جَوَازًا نَحْو: {أَو كصيب} [الْبَقَرَة: 19] أَي كأصحاب صيب {أَو كظلمات فِي بَحر} [النُّور: 40] أَي كذل ظلمات بِدَلِيل {يجْعَلُونَ أَصَابِعهم} [الْبَقَرَة: 19] {يَغْشَاهُ موج} [النُّور: 40] ودونه ضَرُورَة كَقَوْلِه: 125 -
(عَشِيَّة فَرَّ الحارثيُّون بَعْدَمَا ... قضى نَحْبه فِي ملتقى الْقَوْم هوْبرُ)
يُرِيد ابْن هوبر(2/519)
وَإِنَّمَا يُقَاس إِذا لم يستبد الثَّانِي بِنِسْبَة الحكم نَحْو: {واسأل الْقرْيَة} [يُوسُف: 82] أَي أَهلهَا {وأشربوا فِي قُلُوبهم الْعجل} [الْبَقَرَة: 93] أَي حبه فَإِن جَازَ استبداده بِهِ اقْتصر فِيهِ على السماع وَلم يقس خلافًا لِابْنِ جني فِي قَوْله بِالْقِيَاسِ مُطلقًا فَأجَاز جَلَست زيدا على تَقْدِير جُلُوس زيد وَقد يحذف متضايفان وَثَلَاثَة نَحْو: {فَإِنَّهَا من تقوى الْقُلُوب} [الْحَج: 32] أَي فَإِن تعظيمها من أَفعَال ذَوي تقَوِّي {قَبْضَة من أثر الرَّسُول} [طه: 96] أَي أثر حافر فرس الرَّسُول {فَكَانَ قاب قوسين} [النَّجْم: 9] أَي مِقْدَار مَسَافَة قربه مثل قاب ثمَّ الْأَفْصَح نِيَابَة الثَّانِي أَي الْمُضَاف إِلَيْهِ عَن الْمُضَاف فِي أَحْكَامه من الْإِعْرَاب كَمَا تقدم والتذكير نَحْو: 1251 -
(يَسْقُون مَنْ وَرَدَ البَريصَ عَلَيْهمُ ... بَرَدَى يُصفّقُ بالرّحيق السّلسَل)
أَي مَاء بردى وَإِلَّا لقَالَ تصفق وَهُوَ نهر بِدِمَشْق أَلفه للتأنيث والتأنيث نَحْو: 1252 -
(والمسْكُ من أرْدانِها نافِحَهْ ... )
أَي رَائِحَته وعود ضَمِيره نَحْو: {وَتلك الْقرى أهلكناهم} [الْكَهْف: 59] أَي أَهلهَا وَغير ذَلِك كَحَدِيث:
(إِن هذَيْن حرَام على ذُكُور أمتِي) أَي اسْتِعْمَال هذَيْن(2/520)
وَفِي نيابته عَنهُ فِي التنكير إِذا كَانَ الْمُضَاف الْمَحْذُوف مثلا خلف فَقَالَ ابْن مَالك تبعا للخليل نعم وَلذَلِك نصب على الْحَال نَحْو (تفَرقُوا أيادي سبأ) أَي مثلهَا أَو ركب مَعَ (لَا) كَحَدِيث:
(إِذا هلك كسْرَى فَلَا كسْرَى بعده وَإِذا هلك قَيْصر فَلَا قَيْصر بعده) وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ لَا وَيجوز إبْقَاء جَرّه إِن عطف على مماثل للمحذوف أَو مُقَابل لَهُ فَالْأول نَحْو: 1253 -
(أَكُلَّ امْرئ تَحْسبين امْرَءًا ... ونار تَوقَّدُ باللّيل نَارا)
أَي وكل نَار وَالثَّانِي نَحْو: {تُرِيدُونَ عرض الدُّنْيَا وَالله يُرِيد الْآخِرَة} [الْأَنْفَال: 67] أَي مَا فِي الْآخِرَة وَشرط ابْن مَالك للْجُوَاز اتِّصَال العطب كَمَا مثل أَو فَصله بِلَا نَحْو 1254 - {وَلم أَرَ مِثْلَ الْخَيْر يَتْركُهُ الْفَتى ... وَلَا الشرِّ يَأْتِيهِ امرؤٌ وَهُوَ طائِعُ}
وَلم يَشْتَرِطه الْأَكْثَرُونَ كَمَا فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة (و) شَرط قوم سبق نفي أَو اسْتِفْهَام كَمَا تقدم فِي الْأَمْثِلَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَالصَّحِيح جَوَازه مَعَ عدمهما كَقَوْلِه:(2/521)
1255 -
(لَوَ أنَّ طَبِيب الْإِنْس والجنِّ دَاوَيا الّذِي ... بِي من عَفْراءَ مَا شَفَيَاني)
وَقَوله: 1256 -
(كل مُثْر فِي رهطه ظاهِرُ العِزْز ... وَذي غُرْبَةٍ وفقر مَهينُ)
(و) الْجَرّ (دون عطف ضَرُورَة) كَقَوْلِه: 1257 -
(الآكِلُ المالَ الْيَتِيم بَطَرَا ... )
أَي مَال الْيَتِيم خلافًا للكوفية فِي تجويزهم ذَلِك فِي الِاخْتِيَار حكوا أطعمونا لَحْمًا سمينا شَاة أَي لحم شَاة فقاسوا عَلَيْهِ نَحْو يُعجبنِي ضرب زيد أَي ضرب زيد والبصريون حملُوا ذَلِك على الشذوذ ويحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ منويا وَيكثر هَذَا الْحَذف فِي الْأَسْمَاء التَّامَّة ويقل فِي غَيرهَا كقبل وَبعد وَنَحْوهمَا وَقَالَ ابْن عُصْفُور لَا يُقَاس إِلَّا فِي مُفْرد مضافه زمَان وَقد يبْقى الْمُضَاف بِلَا تَنْوِين إِن عطف هُوَ على مُضَاف لمثله أَو عطف عَلَيْهِ مُضَاف لمثله فَالْأول نَحْو حَدِيث البُخَارِيّ عَن أبي بَرزَة:
(غزوت مَعَ رَسُول الله
سبع غزوات أَو ثَمَانِي) بِفَتْح الْيَاء بِلَا تَنْوِين وَالثَّانِي نَحْو حَدِيث أَنه
قَالَ
(تحيضين فِي علم الله سِتَّة أَو سَبْعَة أَيَّام) وَخَصه الْفراء بالمصطحبين كَالْيَدِ وَالرجل نَحْو قطع الله يَد وَرجل من قَالَهَا ... وَالنّصف وَالرّبع وَقبل وَبعد بِخِلَاف نَحْو دَار وَغُلَام فَلَا يُقَال اشْتريت دَار وَغُلَام زيد(2/522)
قَالَ ابْن مَالك وَقد ينفى بِلَا تَنْوِين من غير عطف كَقِرَاءَة ابْن مُحَيْصِن ( {فَلَا خوف عَلَيْهِم} [الْبَقَرَة: 38] أَي لَا خوف شَيْء عَلَيْهِم وَقَوله: 1258 -
(سُبحانَ مِنْ علقمةَ الفاخر ... )
الْفَصْل بَين المتضايفين
مَسْأَلَة لَا يفصل بَين المتضايفين أَي الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ اخْتِيَارا لِأَنَّهُ من تَمَامه ومنزل مِنْهُ منزلَة التَّنْوِين إِلَّا بمفعوله وظرفه على الصَّحِيح كَقِرَاءَة ابْن عَامر: {قتل أَوْلَادهم شركاؤهم} [الْأَنْعَام: 137] وَقُرِئَ {مخلف وعده رسله} [إِبْرَاهِيم: 47] وَحَدِيث البُخَارِيّ:
(هَل أَنْتُم تاركو لي صَاحِبي) وَقَوله: (ترك يَوْمًا نَفسك وهواها سعي لَهَا فِي رداها) وَقَوله: 1259 -
(كناحِتِ يَوْماً صَخْرةٍ بعسِيل ... )(2/523)
وَقيل لَا يجوز بهما وعَلى الْمَفْعُول أَكثر النَّحْوِيين ورد فِي الظّرْف بِأَنَّهُ يتوسع فِيهِ وَفِي الْمَفْعُول بِثُبُوتِهِ فِي السَّبع المتواترة وَحسنه كَون الْفَاصِل فضلَة فَإِنَّهُ يصلح بذلك لعدم الِاعْتِدَاد وَكَونه غير أَجْنَبِي من الْمُضَاف ومقدر التَّأْخِير وَخرج بمفعوله وظرفه الْمَفْعُول والظرف الأجنبيان فالفصل بهما ضَرُورَة كَقَوْلِه: 1260 -
(تُسْقي امتياحاً ندي المسواكَ ريقتِها ... )(2/524)
وَقَوله: 1261 -
(كَمَا خْطَّ الكتابُ بكفِّ يًوْماً ... يَهُوديٍّ ... ... ... ... ... . .)
وَقَوله:(2/525)
1262 -
(هما أخَوا فِي الحرْب من لَا أَخا لَهُ ... )
وَجوزهُ أَي الْفَصْل الكوفية مُطلقًا بالظرف وَالْمَجْرُور وَغَيرهمَا (و) جوزه يُونُس بالظرف وَالْمَجْرُور غير المستقل وَجوزهُ ابْن مَالك بقسم حكى الْكسَائي هَذَا غُلَام وَالله زيد وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة إِن الشَّاة لتجتر فَتسمع صَوت وَالله رَبهَا وَإِمَّا كَقَوْلِه: 1263 -
(هما خُطّتا إمّا إسار ومِنّهٍ ... وَإِمَّا دَم والمَوْتُ بالحُرِّ أجْدرُ)
ذكرهَا فِي الكافية وَالْأول فِي الْخُلَاصَة وَلَا ذكر لَهما فِي التسهيل وَيجوز الْفَصْل ضَرُورَة لَا اخْتِيَارا بنعت نَحْو: 1264 -
(منِ ابْن أبي شيْخ الأباطِح طَالِبِ ... )(2/526)
ونداء قَالَ فِي شرح الكافية كَقَوْلِه: 1265 -
(كأنّ برْذَوْن أَبَا عِصام ... زيدٍ حمارٌ دُقَّ باللِّجام)
أَرَادَ كَأَن برذون زيد يَا أَبَا عِصَام وَقَالَ ابْن هِشَام يحْتَمل أَن يكون (أَبَا) هُوَ الْمُضَاف إِلَيْهِ على لُغَة الْقصر وَزيد بدل أَو عطف بَيَان وَمثله أَبُو حَيَّان بقول زُهَيْر 1266 -
(وفاقُ كَعْبُ بُجَير منْقِذ لَكَ مِنْ ... تَعْجيل تَهْلكَةٍ والخُلْدِ فِي سَقَرا)
أَي يَا كَعْب وفاعل يتَعَلَّق بالمضاف أَو غَيره كَقَوْلِه: 1267 -
(مَا إنْ وَجدْنا لِلْهَوى من طِبِّ ... وَلَا عَدِمْنا قَهْرَ وَجْدٌ صَبِّ)
وَقَوله: 1268 -
(أنْجَبَ أيّامَ والِدَاهُ بِهِ ... إذْ نَجَلاهُ فَنِعْم مَا نَجَلا)(2/527)
وَفعل ملغي كَقَوْلِه: 1269 -
(بأيِّ تراهُمُ الأرضينَ حَلُّوا ... )
أَي بِأَيّ الْأَرْضين تراهم حلوا ومفعول لَهُ أَي من أَجله كَقَوْلِه:(2/528)
1270 -
(أشمُّ كأنّهُ رجُلٌ عَبوسُ ... مُعاودُ جُرْأةً وَقْتِ الهوادي)
أَي معاود وَقت الهوادي جرْأَة
الْمُضَاف للياء
مَسْأَلَة الْمُضَاف للياء بِكَسْر آخِره لمناسبة الْيَاء إِلَّا مثنى ومجموعا على حَده وَمَا حمل عَلَيْهِمَا ومعتلا لَا يجْرِي مجْرى الصَّحِيح فيسكن آخِره وَهُوَ الْألف من الأول والأخير وَالْوَاو من الثَّانِي وَالْيَاء من الثَّلَاثَة ثمَّ تُدْغَم فِي يَاء الْإِضَافَة الْيَاء الَّتِي فِي آخر الْكَلِمَة وَالْوَاو بعد قَلبهَا يَاء وَيكسر مَا قبلهَا إِن كَانَ ضما للمجانسة نَحْو وزيدي وقاضي ومسلمي وتسلم الْألف فَلَا تقلب فِي الْمثنى كزيداي والمقصور كعصاي ومحياي وقلبها يَاء فِي الْمَقْصُورَة لُغَة لهذيل وَغَيرهم كَمَا قَالَ أَبُو حَيَّان كَقَوْلِه: 1271 -
(سَبَقُوا هَوَيَّ وأعْنَقُوا لهَوَاهُمُ ... )(2/529)
وَقَرَأَ الْحسن (يَا بَشْرَايَ} [يُوسُف: 19] (و) قَلبهَا (فِي لَدَى وَإِلَى وعَلى) الاسمين أَكثر وَأشهر فِي اللُّغَات من السَّلامَة نَحْو لدي وَعلي الشَّيْء وَإِلَى وَبَعض الْعَرَب يَقُول لداي وعلاي نَقله أَبُو حَيَّان مُعْتَرضًا بِهِ على صَاحب التَّمْهِيد فِي نَفْيه ذَلِك ثمَّ الْيَاء الْمُضَاف إِلَيْهَا فِي غير الْمُفْرد الصَّحِيح تفتح كَمَا تقدم وَقد تكسر مَعَ الْمَقْصُور قَرَأَ الْحسن: {عصاي} [طه: 18] (و) قد تكسر المدغمة فِي جمع أَو غَيره كَقِرَاءَة حَمْزَة {بمصرخي} [إِبْرَاهِيم: 22] وَقَول الشَّاعِر:(2/530)
1272 -
(على لعَمْروا نعْمةٌ بعد نعْمَةٍ ... )
سمع بِكَسْر الْيَاء (و) الْيَاء فِيهِ أَي فِي الْمُفْرد الصَّحِيح تفتح وتسكن أَي يجوز كل مِنْهُمَا وَفِي الأَصْل مِنْهُمَا خلاف قيل الْفَتْح أصل لِأَنَّهُ حرف وَاحِد فقياسه التحريك بِهِ ثمَّ سكن تَخْفِيفًا وَجزم بِهِ ابْن مَالك فِي سبك المنظوم وَقيل السّكُون أصل لِأَنَّهُ حرف عِلّة ضمير فَوَجَبَ السّكُون كواو ضربوا وَلِأَن بِنَاء الْحَرْف على حَرَكَة إِنَّمَا هُوَ لتعذر الِابْتِدَاء بِهِ والمتصل بِغَيْرِهِ لَا تعذر فِيهِ وَقل حذفهَا أَي الْيَاء مَعَ كسر المتلو أَي مَا قبلهَا كَقَوْلِه تَعَالَى: {فبشر عباد الَّذين} [الزمر: 17، 18] بِحَذْف الْيَاء وصلا ووقفا خطا (و) قل قَلبهَا ألفا كَقَوْلِه: 1273 -
(أطوِّف مَا أُطوِّف ثمَّ آوي ... إِلَى أُمّا ويَرْويني النقيعُ)
وَخَصه ابْن عُصْفُور بِالضَّرُورَةِ وَأطلق غَيره جَوَازه (و) قل حذفهَا أَي الْألف مَعَ فتح المتلو بِهِ دَالا عَلَيْهَا كَقَوْلِه: 1274 -
(ولستُ بمدْرك مَا فَاتَ منِّي ... بلَهْفَ وَلَا بليَتَ وَلَا لَوَ أنِّي)(2/531)
قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء وَمَعَ ضمه كَقَوْلِه: 1275 -
(ذَريني إنّما خَطَئي وصَوْبي ... عليّ وَإِنَّمَا أهْلكْتُ مالُ)
أَي مَالِي وَأنْكرهُ أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ وَقَالَ الْمَعْنى فِي الْبَيْت إِن الَّذِي أهلكته مَال لَا عرض قَالَ ابْن مَالك فَإِن كَانَت الْإِضَافَة غير مَحْضَة كإضافة مكرمي مرَادا بِهِ الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال فَلَا حذف وَلَا قلب لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ فِي نِيَّة الِانْفِصَال فَلم تمازح مَا اتَّصَلت بِهِ فتشبه يَاء قَاض فِي جَوَاز الْحَذف فَلَا حَظّ لَهَا فِي غير الْفَتْح والسكون قَالَ أَبُو حَيَّان وَغَيره من النَّحْوِيين لم يذكرُوا هَذَا الْقَيْد ثمَّ نَقله فِي الارتشاف عَن الْمجَالِس لثعلب وَالنِّهَايَة فَإِن نُودي الْمُضَاف للياء لَا بعد سَاكن فَفِيهَا أَي الْيَاء لُغَات أشهرها الْحَذف وأبقاء الْكسر دَالا عَلَيْهَا لِأَن المنادى كثير التَّغْيِير لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال نَحْو: {يَا عباد فاتقون} [الزمر: 16] فالإبقاء سَاكِنة يَلِيهِ فمفتوحة نَحْو {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا} [الزمر: 53] فقلبها ألفا يَلِيهِ نَحْو: {يَا حسرتى على مَا فرطت} [الزمر: 56] فحذفها أَي الْألف مَعَ فتح المتلو اسْتغْنَاء بِهِ عَنْهَا كَمَا استغنوا بِالْكَسْرِ على الْيَاء وَهَذَا الْوَجْه أجَازه الْأَخْفَش والمازني والفارسي وَمنعه الْأَكْثَرُونَ قَالَ أَبُو حَيَّان وَيحْتَاج إِلَى سَماع من الْعَرَب فِي النداء فَمَعَ ضمه أَي المتلو حَيْثُ لَا لبس يحصل بالمنادي الْمُفْرد قرئَ {قَالَ رب احكم بِالْحَقِّ} [الْأَنْبِيَاء: 112] {قَالَ رب السجْن أحب إِلَيّ} [يُوسُف: 33] أَي إِلَى يَا رب وَحكي سِيبَوَيْهٍ يَا قوم لَا تَفعلُوا وَيَا رب اغْفِر لي(2/532)
وَوجه بِأَنَّهُ لما حذف المعاقب للتنوين بني على الضَّم كَمَا بني مَا لَيْسَ بمضاف إِذا حذف تنوينه قَالَ أَبُو حَيَّان وَالظَّاهِر أَن حكمه فِي الإتباع حِينَئِذٍ حكم الْمَبْنِيّ على الضَّم غير الْمُضَاف لَا حكم الْمُضَاف للياء وَأنْكرهُ أَي الضَّم ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ وَقَالَ إِنَّمَا أجَازه سِيبَوَيْهٍ فِيمَا كثير إِرَادَة الْإِضَافَة فِيهِ وَقَالَ خطاب الماردي هُوَ رَدِيء قَبِيح لِأَنَّهُ يلتبس الْمُضَاف بِغَيْرِهِ أما بعد سَاكن مدغم أَو غَيره فَلَا سَبِيل إِلَى ... نَحْو يَا قَاضِي وَبني فَإِن كَانَ الْمُضَاف إِلَى الْيَاء فِي النداء أما أَو عَمَّا مَعَ ابْن وَابْنَة قل إِثْبَاتهَا وقلبها ألفا ثَابِتَة حَتَّى لَا يكَاد يُوجد إِلَّا فِي ضَرُورَة كَقَوْلِه: 1276 -
(يَا ابْنَ أُمِّي وَيَا شُقَيِّقَ نَفْسِي ... )
وَقَوله: 1277 -
(يَا ابْنَةَ عَمَّا لَا تَلُومي واهْجَعي)(2/533)
وَغلب الْحَذف لِكَثْرَة اسْتِعْمَالهَا فِي النداء مَعَ كسر الْمِيم دلَالَة على الْيَاء المحذوفة وَفتحهَا دلَالَة على الْألف المحذوفة المنقلبة على الْيَاء الْمُقدر فتح مَا قبلهَا لَا تركيبا خلافًا لسيبويه وَأَصْحَابه فِي قَوْلهم إِنَّه مركب مَبْنِيّ كَأحد عشر وبعلبك قَالَ تَعَالَى: {يَا بَنْؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي} [طه: 94] قرئَ فِي السَّبع بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح قَالَ قوم وَمَعَ ضمهَا أما غير أم وَعم مَعَ ابْن وَابْنَة فَلَا يحذف مِنْهُ الْيَاء كيا أخي وَيَا ابْن خَالِي وتزيد أم وَأب على الْحَذف والإبقاء وَالْقلب بوجوهها بقلبها أَي الْيَاء تَاء مَكْسُورَة وَهُوَ الْأَكْثَر ومفتوحة وَبهَا قرئَ فِي السَّبع قيل ومضمومة قَالَ الْفراء والنحاس وَحكى الْخَلِيل يَا أمت لَا تفعلي وَمنعه الزّجاج وَالأَصَح أَنَّهَا توصل أَي التَّاء عوض من الْيَاء أَو الْألف وَمن ثمَّ أَي من أجل ذَلِك لَا يَجْتَمِعَانِ اخْتِيَارا إِذْ لَا يجمع بَين الْعِوَض والمعوض وَقَوْلهمْ يَا أبتا بِالْألف وَهِي الَّتِي توصل بآخر المنادى لبعد أَو استغاثة لَا المبدلة من الْيَاء كَالَّتِي فِي حسرتا وَأَجَازَ كثير من الْكُوفِيّين الْجمع بَينهمَا أَو ندب المنادى الْمُضَاف للياء فعلى السّكُون أَي على لُغَة من أثبتها سَاكِنة تفتح أَو تقلب فتحذف لِاجْتِمَاع أَلفَيْنِ نَحْو واعبديا واعبدا وعَلى لُغَة الْفَتْح تفتح فَقَط وتزاد الْألف وَلَا تحْتَاج إِلَى عمل ثَان لِأَن الْيَاء مهيأة لمباشرة الْألف بِفَتْحِهَا وعَلى لُغَة غَيره أَي الْحَذف مَعَ كسر المتلو أَو فَتحه أَو ضمه وَالْقلب ألفا تقلب ألفا وتحذف الْألف الندبة لِاجْتِمَاع أَلفَيْنِ وَقد يسْتَغْنى بالكسرة فِي المنادى فَلَا يجب رد الْيَاء فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ الْمَنْدُوب عِنْد الْجُمْهُور فَيُقَال يَا غُلَام واحيباه خلافًا للفراء فِي إِيجَابه الرَّد فَتَقول يَا غلامي واحييباه وَيُقَال فِي إِضَافَة ابنم إِلَى الْيَاء ابنمي وَيُقَال فِي فَم فِي برد الْوَاو الَّتِي هِيَ الأَصْل وقلبها يَاء وإدغامها فِي الْيَاء وَقل فمي وَقيل لَا يجوز إِلَّا فِي الضَّرُورَة لِأَن الْإِضَافَة ترد إِلَى الأَصْل وَاسْتدلَّ ابْن مَالك وَأَبُو حَيَّان على جَوَاز إبْقَاء الْمِيم بِحَدِيث الصَّحِيحَيْنِ
(لخلوف فَم الصَّائِم) (و) يُقَال فِيهِ(2/534)
فِي لُغَة التَّضْعِيف (فمي) وَالْقصر (فماي) وَيُقَال فِي أَب وَإِخْوَته أبي وَأخي وحمي وهني بِلَا رد لِأَنَّهُ الْمُسْتَعْمل كالإضافة إِلَى غير الْيَاء نَحْو إِن هَذَا أخي وَجوز الكوفية والمبرد وَابْن مَالك أَن يُقَال أبي برد اللَّام كَقَوْلِه: 1278 -
(كأنْ أبيِّ كَرَمًا وسودا ... يُلْقِي على ذِي اللّبَد الجديدا)
زَاد ابْن مَالك وَأخي قَالَ وَلم أجد لَهُ شَاهدا لَكِن أجيزه قِيَاسا على أبي كَمَا فعل الْمبرد وَيُقَال على الْمُخْتَار فِي ذِي ذِي لِأَن الأَصْل فِي الرّفْع ذَوي قلبت الْوَاو يَاء وأدغمت فِيهَا كالجر وَالنّصب وَمُقَابل الْمُخْتَار هُوَ منع إضافتها إِلَى الضَّمِير
الْجَرّ بالمجاورة
خَاتِمَة فِي سَبَب للجر ضَعِيف أثبت الْجُمْهُور من الْبَصرِيين والكوفيين الْجَرّ بالمجاورة للمجرور فِي نعت كَقَوْلِهِم هَذَا جُحر ضَب خرب وتوكيد كَقَوْلِهِم: 1279 -
(يَا صَاحِ بلِّغ ذَوي الزَّوجات كُلِّهِمُ ... )
بجر كلهم على الْمُجَاورَة لِأَنَّهُ توكيد لِذَوي الْمَنْصُوب لَا لِلزَّوْجَاتِ وَإِلَّا لقَالَ كُلهنَّ زَاد قوم وَعطف نسق كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأْرْجُلِكُمْْ} [الْمَائِدَة: 6] فَإِنَّهُ مَعْطُوف على وَأَيْدِيكُمْ لِأَنَّهُ مَوْصُول قَالَ أَبُو حَيَّان وَذَلِكَ(2/535)
ضَعِيف جدا وَلم يحفظ من كَلَامهم قَالَ وَالْفرق بَينه وَبَين النَّعْت والتوكيد أَنَّهُمَا تابعان بِلَا وَاسِطَة فهما أَشد مجاورة من الْعَطف المفصول بِحرف الْعَطف وَأجِيب عَن الْآيَة بِأَن الْعَطف فِيهَا على الْمَجْرُور الْمَمْسُوح إِشَارَة إِلَى مسح الْخُف وَزَاد ابْن هِشَام فِي شرح الشذور وَعطف بَيَان وَقَالَ لَا يمْتَنع فِي الْقيَاس جَرّه على الْجوَار لِأَنَّهُ كالنعت والتوكيد فِي مجاورة الْمَتْبُوع أما الْبَدَل فَقَالَ أَبُو حَيَّان لَا يحفظ من كَلَامهم وَلَا خرج عَلَيْهِ أحد شَيْئا قَالَ وَسَببه أَنه مَعْمُول لعامل آخر غير الْعَامِل الأول على الْأَصَح وَلذَلِك يجوز إِظْهَاره إِذا كَانَ حرف جر بِإِجْمَاع فبعدت مُرَاعَاة الْمُجَاورَة وَنزل منزلَة جملَة أُخْرَى وَكَذَا قَالَ ابْن هِشَام وَأنْكرهُ أَي الْجَرّ بالمجاورة مُطلقًا السيرافي وَابْن جني وَقَالَ الأول الأَصْل هَذَا جُحر ضَب خرب الْجُحر مِنْهُ كمررت بِرَجُل حسن الْوَجْه مِنْهُ ثمَّ حذف الضَّمِير للْعلم بِهِ ثمَّ أضمر الْجُحر فَصَارَ خرب وَقَالَ الثَّانِي أَصله خرب جُحْره نَحْو حسن وَجهه ثمَّ نقل الضَّمِير فَصَارَ خرب الْجُحر ثمَّ حذف ورد بِأَن إبراز الضَّمِير حِينَئِذٍ وَاجِب للإلباس وَبِأَن مَعْمُول هَذِه الصّفة لِضعْفِهَا لَا يتَصَرَّف فِيهِ بالحذف وقصره الْفراء على السماع وَمنع الْقيَاس على مَا جَاءَ مِنْهُ فَلَا يجوز هَذِه جحرة ضَب خربة بِالْجَرِّ وَخَصه قوم بالنكرة كالمثال ورد بِمَا حَكَاهُ أَبُو مَرْوَان كَانَ وَالله من رجال الْعَرَب الْمَعْرُوف لَهُ بذلك(2/536)
وَخَصه الْخَلِيل بِغَيْر المثني أَي بالمفرد وَالْجمع فَقَط قيل (و) بِغَيْر (الْجمع) أَيْضا بالمفرد فَقَط لَا يجوز عَلَيْهِمَا هَذَانِ جُحر ضَب خربين وَلَا على الثَّانِي هَذِه جحرة ضَب خربة وَالْجَوَاز فِي الْمثنى معزو إِلَى سبيويه قَالَ أَبُو حَيَّان وَقِيَاسه الْجَوَاز فِي الْجمع وَالْمَانِع قَالَ لم يرد إِلَّا فِي الْإِفْرَاد وَهُوَ قريب من رَأْي الْفراء(2/537)
الجوزام
أَي هَذَا مبحثها
لَام الطّلب
أَي أَحدهَا لَام الطّلب أمرا كَانَ نَحْو: {فلينفق} [الطَّلَاق: 7] أَو دُعَاء نَحْو: {ليَقْضِ علينا رَبك} [الزخرف: 77] وحركتها الْكسر لضَرُورَة الِابْتِدَاء وَفتحهَا لُغَة لسليم طلبا للخفة وَقيل إِنَّمَا تفتح على هَذِه اللُّغَة إِن فتح تَالِيهَا بِخِلَاف مَا إِذا انْكَسَرَ نَحْو لتيذن أَو ضم نَحْو لتكرم وَقيل إِنَّمَا تفتح عَلَيْهَا إِن استؤنفت أَي لم تقع بعد الْوَاو أَو الْفَاء أَو ثمَّ حَكَاهَا الْفراء وتسكن أَي يجوز تسكينها رُجُوعا إِلَى الأَصْل فِي الْمَبْنِيّ ومشاكله عَملهَا تلو وَاو وَفَاء وَثمّ نَحْو {فليستجيبوا} [الْبَقَرَة: 186] {ثمَّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا} [الْحَج: 29] {وليتمتعوا} [العنكبوت: 66] وَقُرِئَ بِالتَّحْرِيكِ فِي الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة فَقَط وَقيل يقل مَعَ ثمَّ لِأَن التسكين إِنَّمَا كثر فِي الْأَوَّلين لشدَّة اتصالهما بِمَا بعدهمَا لِكَوْنِهِمَا على حرف فصارا مَعَه ككلمة وَاحِدَة فَخفف بِحَذْف الْكسر وَمن ثمَّ حملت عَلَيْهِمَا فَلَا تبلغ فِي الْكَثْرَة مبلغهما وَقيل هُوَ مَعهَا ضَرُورَة لَا يجوز فِي الِاخْتِيَار قَالَه خطاب وَأنكر قِرَاءَة حَمْزَة وَهُوَ مَرْدُود قَالَ أَبُو حَيَّان مَا قرئَ بِهِ فِي السَّبْعَة لَا يرد وَلَا يُوصف بِضعْف وَلَا بقلة(2/538)
وَتلْزم اللَّام فِي أَمر فعل غير الْفَاعِل الْمُخَاطب أَي فِي الْغَائِب والمتكلم وَالْمَفْعُول نَحْو ليقمْ زيد {ولنحمل خطاياكم} [العنكبوت: 12] قومُوا فلأصل لكم لتعن بحاجتي وَثقل فِي أَمر مُتَكَلم لِأَن أَمر الْإِنْسَان لنَفسِهِ قَلِيل الِاسْتِعْمَال وتقل اللَّام فِي أَمر فَاعل مُخَاطب نَحْو {فبذلك فليفرحوا} [يُونُس: 58] وَحَدِيث لِتَأْخُذُوا مَصَافكُمْ وَالْأَكْثَر أمره بِصِيغَة افْعَل قَالَ الرضي فَإِن كَانَ الْمَأْمُور جمَاعَة بَعضهم غَائِب فَالْقِيَاس تَغْلِيب الْحَاضِر فيؤتي بالصيغة ويقل الْإِتْيَان بِاللَّامِ وحذفها أَي اللَّام فِيهِ أَقْوَال أَحدهَا يجوز مُطلقًا حَتَّى فِي الِاخْتِيَار بعد قَول أَمر وَهُوَ رَأْي الْكسَائي قَالَ كَقَوْلِه تَعَالَى: {قل لعبادي الَّذين آمنُوا يقيموا} [إِبْرَاهِيم: 31] أَي ليقيموا ثَانِيهَا لَا يجوز مُطلقًا وَلَا فِي الشّعْر وَهُوَ رَأْي الْمبرد ثَالِثهَا وَهُوَ الصَّحِيح يجوز فِي الشّعْر فَقَط كَقَوْلِه: 1280 -
(مُحَمّد تَفْدِ نَفْسَك كُلُّ نَفْس ... )(2/539)
وَلَا يجوز فِي الِاخْتِيَار سَوَاء تقدم أَمر بالْقَوْل أَو قَول غير أَمر أم لم يتقدمه والجزم فِي الْآيَة لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر أَو جَوَاب شَرط مَحْذُوف كَمَا سَيَأْتِي وَرَابِعهَا يجوز فِي الِاخْتِيَار بعد قَول وَلَو كَانَ غير أَمر نَحْو قلت لزيد يضْرب عمرا أَي ليضْرب وَلَا يجوز غَيره إِلَّا ضَرُورَة وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك وَجعله أقل من حذفهَا بعد قَول أَمر وَاسْتدلَّ فِيهِ بقوله: 1281 -
(قلت لبوَّابٍ لَدَيْهِ دارها ... تِيذَنْ فَإِنِّي حَمْؤُها وجارُها)
قَالَ وَلَيْسَ بضرورة لتمكنه من أَن يَقُول أيذن أَو تيذن إِنِّي وَلَا تفصل اللَّام عَمَّا عملت فِيهِ لَا بمعموله وَلَا بِغَيْرِهِ قَالَ أَبُو حَيَّان وَهِي أَشد اتِّصَالًا من حُرُوف الْجَرّ لِأَنَّهُ قد رُوِيَ فِيهِ الْفَصْل وَلم يجز ذَلِك مِنْهَا لِأَن عَامل الْجَزْم أَضْعَف من عَامل الْجَرّ
لَا الطلبية
أَي الثَّانِي (لَا الطلبية) أَي الْمَطْلُوب بهَا التّرْك سَوَاء النَّهْي نَحْو: {وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم} [الْبَقَرَة: 237] وَالدُّعَاء نَحْو: {لَا تُؤَاخِذنَا} [الْبَقَرَة: 286] (وَلَيْسَ أَصْلهَا (لَا) النافية) والجزم بلام الْأَمر مقدرَة قبلهَا وحذفت كَرَاهَة اجْتِمَاع لامين (وَلَا) أَصْلهَا (لَام الْأَمر) زيدت عَلَيْهَا ألف ففتحت لأَجلهَا (خلافًا(2/540)
لزاعم ذَلِك) وَهُوَ السُّهيْلي فِي الأولى وَبَعْضهمْ فِي الثَّانِيَة قَالَ أَبُو حَيَّان لِأَن ذَلِك دَعْوَى لَا دَلِيل على صِحَّتهَا (وَجزم فعل الْمُتَكَلّم بهَا قَلِيل جدا) كَقَوْلِه
(لَا أَلفَيْنِ أحدكُم مُتكئا على أريكته يَأْتِيهِ الْأَمر مِمَّا أمرت بِهِ) الحَدِيث رَوَاهُ كَذَا وَالْأَكْثَر أَن يكون الْمنْهِي بهَا فعل الْغَائِب والمخاطب قَالَ الرضي على السوَاء وَلَا تخْتَص بالغائب كاللام وَفِي الارتشاف الْأَكْثَر كَونهَا للمخاطب ويضعف كَونهَا للْغَائِب كالمتكلم وَمن أمثلته: {فَلَا يسرف فِي الْقَتْل} [الْإِسْرَاء: 33] {لَا يتَّخذ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمرَان: 28] (وفصلها) من الْفِعْل (بمعمول مجزومها) نَحْو لَا الْيَوْم يضْرب زيد (قَلِيل أَو ضَرُورَة خلف) حَكَاهُ فِي الارتشاف وَمِنْه قَوْله: 1282 -
(وَقَالُوا أخَانا لَا تَخشّع لظَالِم ... عَزِيز وَلَا ذَا حقّ قَوْمِك تَظْلِم)
أَي وَلَا تظلم ذَا حق قَوْمك قَالَ فِي شرح الكافية وَهَذَا رَدِيء لِأَنَّهُ شَبيه بِالْفَصْلِ بَين حرف الْجَرّ وَالْمَجْرُور (وَجوز ابْن عُصْفُور والأبذي حذفه) أَي مجزومها وإبقاءها لدَلِيل نَحْو اضْرِب زيدا إِن أَسَاءَ وَإِلَّا فَلَا وَتوقف أَبُو حَيَّان فَقَالَ يحْتَاج إِلَى سَماع عَن الْعَرَب
لم
3 - أَي الثَّالِث (لم) وَهِي حرف نفي (وتختص بمصاحبة أدوات الشَّرْط) نَحْو إِن تقم لم أقِم بِخِلَاف (لما) فَلَا تصاحبها قَالَ الرضي كَأَنَّهُ لكَونهَا(2/541)
فاصلة قَوِيَّة بَين الْعَامِل الْحرفِي وَشبهه وَقَالَ غَيره لِأَن مثبتها وَهُوَ (قد فعل) لَا يصحبها بِخِلَاف مُثبت لم (وَجَوَاز انْفِصَال نَفيهَا عَن الْحَال) لِأَنَّهَا لمُطلق الانتفاء فَتكون للمتصل بِهِ نَحْو: {وَلم أكن بدعائك رب شقيا} [مَرْيَم: 4] وَلغيره نَحْو: {لم يكن شَيْئا مَذْكُورا} [الْإِنْسَان: 1] وَلِهَذَا جَازَ لم يكن ثمَّ كَانَ وَدخُول الْهمزَة عَلَيْهَا بِخِلَاف اللَّام وَلَا وَالْأَكْثَر كَونهَا أَي الْهمزَة الدَّاخِلَة عَلَيْهَا للتقرير أَي حمل الْمُخَاطب على الْإِقْرَار أَي الِاعْتِرَاف بِثُبُوت مَا بعْدهَا نَحْو: {ألم نشرح لَك صدرك} [الشَّرْح: 1] وَلِهَذَا عطف عَلَيْهِ الْمُوجب (وَضعنَا) ورفعنا) وَقد يَجِيء لغيره كالإبطاء نَحْو: {ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع} [الْحَدِيد: 16] والتوبيخ نَحْو: {أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُم} [فاطر: 37] وَقد تدخل على (لما) لَكِن دُخُولهَا على (لم) أَكثر وفصلها عَن الْفِعْل بمعمول مجزومها وحذفه أَي مجزومه كِلَاهُمَا ضَرُورَة كَقَوْلِه: 1283 -
(فأضحت مَغَانِيها قِفاراً رسُومُها ... كأنْ لَمْ سِوى أهْل من الْوَحْش تُؤْهَل)
وَقَوله: 1284 -
(احْفَظُ وَدِيعَتك الَّتِي استُودِعُتها ... يَوْم الأعازب إنْ وَصَّلتَ وإنْ لَم)(2/542)
وَلَا يجوزان فِي الِاخْتِيَار وَقد تهمل فَلَا تجزم حملا على (مَا) وَقيل (لَا) كَقَوْلِه: 1285 -
(لَوْلَا فَوارسُ من نُعم وأُسْرَتُهُمْ ... يَوْمَ الصُّلَيْفاء لم يُوفُونَ بالجار)
وَهل هُوَ ضَرُورَة أَو لُغَة خلاف وَالنّصب بهَا لُغَة حَكَاهَا اللحياني وَقُرِئَ {ألم نشرح} [الشَّرْح: 1]
لما
(4) أَي الرَّابِع (لما) قَالَ الْأَكْثَر هِيَ مركبة من لم الجازمة وَمَا الزَّائِدَة كَمَا فِي (أما) وَقَالَ بَعضهم هِيَ بسيطة وَيجب اتِّصَال نَفيهَا بِالْحَال ويعبر عَن ذَلِك بالاستغراق فقولك (لما يقم) دَلِيل على انْتِفَاء الْقيام إِلَى زمن الْإِخْبَار وَلِهَذَا لَا يجوز ثمَّ قَامَ بل وَقد يقوم(2/543)
وَقيل يغلب ذَلِك وَلَا يجب فقد لَا يتَّصل بِهِ وَقيل إِنَّمَا يكون لنفي الْمَاضِي الْقَرِيب من الْحَال دون الْبعيد وَهَذَا القَوْل أخص من الأول وَجزم بِهِ ابْن هِشَام فَلَا يُقَال لما يكن زيد فِي الْعَام الْمَاضِي وَقَالَ الأندلسي شَارِح الْمفصل هِيَ (كلم) تحْتَمل الِاتِّصَال والانفصال وَيكون منفيها متوقعا ثُبُوته نَحْو: {لما يَذُوقُوا عَذَاب} [ص: 8] أَي لم يذوقوه إِلَى الْآن وذوقه لَهُم متوقع بِخِلَاف (لم) فَلَا يكون منفيها متوقعا وَلِهَذَا يُقَال لم يقْض مَا لَا يكون دون (لما) وَهَذَا معنى قَوْلهم (لم) لنفي فعل وَلما لنفي قد فعل ويحذف مجزومها لدَلِيل كَقَوْلِه: 1286 -
(فَجئْت قُبورُهم بَدْءاً ولمّا ... فنادْيتُ الْقُبُور فَلم يُجبْنَهُ)
وَتقول شارفت الْمَدِينَة وَلما أَي وَلما أدخلها قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا أحسن مَا يخرج عَلَيْهِ قِرَاءَة {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا} [هود: 111] أَي لما ينقص من عمله بِدَلِيل: {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} [هود: 111] قَالَ وَقد خرجه على ذَلِك ابْن الْحَاجِب وَمُحَمّد ابْن مَسْعُود الغزني فِي البديع لكنه قدره (لما يوقنوا) بِدلَالَة: {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ} [هود: 110] قَالَ وَإِنَّمَا جَازَ فِي (لما) دون (لم) لِأَنَّهُ يقوم بِنَفسِهِ بِسَبَب أَنه مركب من (لم) و (مَا) وَكَأن (مَا) عوض من الْمَحْذُوف انْتهى وَقَالَ غَيره لِأَن مثبتها وَهُوَ (قد فعل) يجوز فِيهِ ذَلِك بِأَن يقْتَصر على قد كَقَوْلِه:(2/544)
1287 -
(وكَأنْ قَدِ ... )
وفصله مِنْهَا ضَرُورَة وَأَجَازَهُ الْفراء بِشَرْط إِن فيهمَا أَي فِي لم وَلما نَحْو لم أَو لما إِن تزرني أزرك وَمنعه هِشَام
أدوات الشَّرْط
وَمِنْهَا أَي الجوازم أدوات الشَّرْط وَهِي (إِن) أم الْبَاب (وَمَا وَمن وَمهما) بِمَعْنى (مَا) وَقيل أَعم مِنْهَا (وَهِي بسيطة وَزنهَا فعلى وألفها تَأْنِيث) وَلذَا لم تنون بَاقِيَة على التنكير أَو يُسمى بهَا أَو إِلْحَاق وَزَالَ تنوينها للْبِنَاء أَو مركبة من مَا الجزائية وَمَا الزَّائِدَة كَمَا قيل فِي (مَتى مَا) و (أما) ثمَّ أبدلت الْهَاء من الْألف الأولى دفعا للتكرار لتقاربهما فِي الْمَعْنى وَهُوَ رَأْي الْخَلِيل وَاخْتَارَهُ الرضي قِيَاسا على أخوتها (أَو) مركبة من (مَه) بِمَعْنى كف (وَمَا الشّرطِيَّة) وَهُوَ رَأْي الْأَخْفَش والزجاج ورد بِأَنَّهُ لَا معنى للكف هُنَا إِلَّا على بعد وَهُوَ أَن يُقَال فِي مهما تفعل أفعل إِنَّه رد لكَلَام مُقَدّر كَأَنَّهُ قيل لَا تقدر على مَا أفعل (أَو) هِيَ (مَه) الْمَذْكُورَة وأضيفت لما الشّرطِيَّة وَهُوَ رَأْي سبيويه أَقْوَال قَالَ أَبُو حَيَّان الْمُخْتَار أَولهَا وَهُوَ البساطة لِأَنَّهُ لم يقم على التَّرْكِيب دَلِيل وَقَول أَصْلهَا (ماما) دَعْوَى أصل لم ينْطق بِهِ فِي مَوضِع من الْمَوَاضِع(2/545)
مَتى وأيان
(وَمَتى وأيان) وهما ظرفا زمَان للْعُمُوم نَحْو مَتى تقم أقِم وأيان تقم أقِم وَكسر همزَة (إيان لُغَة) لسليم (وَأنكر قوم جزمها لقلته) وَكَثْرَة وُرُوده أستفهاما نَحْو: {أَيَّانَ مرْسَاها} [النازعات: 42] {أَيَّانَ يبعثون} [النَّحْل: 21] قَالَ أَبُو حَيَّان وَمِمَّنْ لم يحفظ الْجَزْم بهَا سِيبَوَيْهٍ لَكِن حفظه أَصْحَابه وتختص إِذا وَردت فِي الِاسْتِفْهَام بمستقبل كَمَا تقدم فَلَا يستفهم بهَا عَن الْمَاضِي كَذَا قَالَ ابْن مَالك وَأَبُو حَيَّان وَلم يحكيا فِيهَا خلافًا وَأطلق السكاكي والقزويني فِي الْإِيضَاح كَونهَا للزمان ومثلا بأيان جِئْت وَهُوَ يشْعر بِأَنَّهَا تسْتَعْمل فِي الْمَاضِي وَالصَّوَاب خِلَافه وَقد قَيده فِي تلخيصه نعم نقل عَن عَليّ بن عِيسَى الربعِي أَنَّهَا تخْتَص بمواقع التفخيم نَحْو: {أَيَّانَ يَوْم الدّين} [الذاريات: 12] {أَيَّانَ يَوْم الْقِيَامَة} [الْقِيَامَة: 6] وَالْمَشْهُور أَنَّهَا لَا تخْتَص بِهِ بِخِلَاف مَتى إِذا استفهم بهَا فَإِنَّهَا يَليهَا الْمَاضِي والمستقبل
حَيْثُمَا أَيْن وأنى
(وحيثما أَيْن أَنى) وَالثَّلَاثَة ظروف للمكان عُمُوما وَقد تخرج (أَيْن) عَن الشّرطِيَّة فَتَقَع استفهاما بِخِلَاف (حَيْثُمَا)(2/546)
وَتَقَع (أَنى) استفهاما بِمَعْنى (مَتى) نَحْو: {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} [الْبَقَرَة 223] وَبِمَعْنى من أَيْن نَحْو: {أَنى لَك هَذَا} [آل عمرَان: 37] وَبِمَعْنى كَيفَ نَحْو: {أَنى يحيي هَذِه الله بعد مَوتهَا} [الْبَقَرَة: 259] وَاخْتَارَ أَبُو حَيَّان فِي الْآيَة الأولى أَنَّهَا شَرْطِيَّة أُقِيمَت فِيهَا الْأَحْوَال مقَام الظروف المكانية وَالْجَوَاب مَحْذُوف
أَي
(وَأي) وَهِي بِحَسب مَا تُضَاف إِلَيْهِ فَإِن أضيفت إِلَى ظرف مَكَان فظرف مَكَان نَحْو أَي جِهَة تجْلِس أَجْلِس أَو زمَان أَو مفعول أَو مصدر فَكَذَلِك وَهِي لعُمُوم الْأَوْصَاف
إِذْ مَا
(وَإِذ مَا وَأنكر قوم الْجَزْم بهَا) وخصوه بِالضَّرُورَةِ كإذا
مَا وَمهما
(وَلَا ترد (مَا) وَلَا (مهما) للزمان) وَقيل تردان لَهُ وَجزم بِهِ الرضي قَالَ نَحْو مَا تجْلِس من الزَّمَان أَجْلِس فِيهِ وَمهما تجْلِس من الزَّمَان أَجْلِس فِيهِ وَحمل عَلَيْهِ بَعضهم قَوْله: 1288 -
(مَهْمَا تُصِبْ أُفُقًا من بَارِقِ تَشِم ... )(2/547)
أَي أَي وَقت تصب بارقا من أفق فَقلب وَاسْتدلَّ لَهُ ابْن مَالك بقوله: 1289 -
(وإنّك مَهما تُغْطِ بَطْنَك سُؤْلَهُ ... وفَرْجَكَ نالا مُنْتَهى الذَّمِّ أَجْمَعَا)
ورد بِجَوَاز كَونهَا للمصدر أَي إِعْطَاء كثيرا أَو قَلِيلا (وَلَا) ترد (مهما حرفا) بل تلْزم الاسمية وَقَالَ خطاب والسهيلي ترد حرفا بِمَعْنى (إِن) كَقَوْلِه: 1290 -
(ومَهْمَا تكن عِنْد امْرئ من خَلِيقَة ... وإنْ خَالها تَخْفَى على النَّاس تُعْلم)
إِذْ لَا مَحل لَهَا وَأجِيب بِأَنَّهَا خبر (تكن) و (خَلِيقَة) اسْمهَا أَو مُبْتَدأ وَاسم (تكن) ضميرها (وَمن خَلِيقَة) تَفْسِيره والظرف خبر (وَلَا) ترد (مهما استفهاما) وَقيل ترد لَهُ قَالَه ابْن مَالك كَقَوْلِه: 1291 -
(مَهْما لِيَ اللّيْلَةَ مَهْما لِيَهْ ... )
فمهما مبتدأه خَبره (لي) وَأجِيب بِاحْتِمَال أَن (مَه) اسْم فعل واستؤنف الِاسْتِفْهَام ب (مَا) وَحدهَا (وَلَا تجر) مهما بِحرف وَلَا إِضَافَة فَلَا يُقَال على مهما تكن أكن وَلَا جِهَة مهما تقصد أقصد وَقَالَ ابْن عُصْفُور يجوز ذَلِك كَسَائِر الأدوات(2/548)
إِن بِمَعْنى إِذْ وَإِذا
(وَلَا) ترد (إِن بِمَعْنى إِذْ) وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ ترد بمعناها نَحْو: {وَاتَّقوا الله إِن كُنْتُم مُؤمنين} [الْمَائِدَة: 57] {لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله} [الْفَتْح: 27] إِذْ لَا يَصح هُنَا معنى (إِن) وَهُوَ الشَّك وَأجِيب بِأَنَّهَا فِي الأولى شَرط جِيءَ بهَا للتهيج كَقَوْلِك لابنك إِن كنت ابْني فَلَا تفعل كَذَا وَفِي الثَّانِيَة لتعليم الْعباد كَيفَ يَتَكَلَّمُونَ إِذا أخبروا عَن الْمُسْتَقْبل أَو إِن أَصله الشَّرْط ثمَّ صَار يذكر للترك (و) لَا ترد بِمَعْنى (إِذا) وَقَالَ قوم ترد بمعناها وتأولوا عَلَيْهِ الْآيَتَيْنِ السابقتين لِأَن إِذا تحْتَاج إِلَى جَوَاب كَمَا تحْتَاج إِلَيْهِ إِن والشيئان إِذا تقاربا فَرُبمَا وَقع أَحدهمَا موقع الآخر (وَلَا تهمل) (إِن) فيرفع مَا بعْدهَا وَقيل نعم حملا على (لَو) قَالَه ابْن مَالك كَحَدِيث:
(فَإنَّك إِن لَا ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك)
إهمال مَتى
(وَلَا) تهمل (مَتى) وَقيل نعم حملا على إِذا كَحَدِيث البُخَارِيّ:
(وَإنَّهُ مَتى يقوم مقامك لَا يسمع النَّاس) قَالَ ابْن مَالك قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا شَيْء غَرِيب ثمَّ تكلم فِي استدلاله بِمَا أثر فِي الحَدِيث على إِثْبَات الْأَحْكَام النحوية(2/549)
المجازاة بكيف
(وَلَا يجازي بكيف) وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ وَكثير يجازى بهَا معنى لَا عملا وَيجب كَون فعلَيْهَا متفقي اللَّفْظ وَالْمعْنَى نَحْو كَيفَ تصنع أصنع وَلَا يجوز كَيفَ تجْلِس أذهب بالِاتِّفَاقِ (وَلَا تجزم بهَا) وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وقطرب نعم مُطلقًا وَقوم إِن اقترنت بِمَا نَحْو كيفكما تكن أكن (وَلَا) يجْزم (بِحَيْثُ وَإِذ) مجردين من (مَا) وَأَجَازَهُ الْفراء قِيَاسا على (أَيْن) وَأَخَوَاتهَا ورد بِأَنَّهُ لم يسمع فيهمَا إِلَّا مقرونين بهَا بِخِلَافِهَا (وَلَا) يجْزم الْمُسَبّب عَن صلَة الَّذِي وَعَن النكرَة الموصوفة وَأَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ تَشْبِيها بِجَوَاب الشَّرْط فَيُقَال الَّذِي يأتيني أحسن إِلَيْهِ وكل رجل يأتيني أكْرمه وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك خلافًا لزاعميها أَي الْأَقْوَال فِي الْمسَائِل الْأَرْبَعَة عشرَة وَقد بيّنت (أدوات الشَّرْط) كلهَا (أَسمَاء إِلَّا إِن) فَإِنَّهَا حرف بالِاتِّفَاقِ والبواقي متضمنة مَعْنَاهَا فَلِذَا بيّنت أدوات الشَّرْط كلهَا أَسمَاء إِلَّا أَن فَإِنَّهَا حرف بالِاتِّفَاقِ والبواقي متضمنة مَعْنَاهَا فَلِذَا بيّنت إِلَّا أيا فَإِنَّهَا معربة (وَفِي إِذْ مَا خلف) فَذهب سِيبَوَيْهٍ إِلَى أَنَّهَا حرف كَإِن وَذهب الْمبرد وَابْن السراج والفارسي إِلَى أَنَّهَا اسْم ظرف زمَان وَأَصلهَا إِذْ الَّتِي هِيَ ظرف لما مضى فزيد عَلَيْهَا (مَا) وجوبا فِي الشَّرْط فَجزم بهَا وَاسْتدلَّ سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهَا لما ركبت مَعَ (مَا) صَارَت مَعهَا كالشيء الْوَاحِد فَبَطل دلالتها على مَعْنَاهَا الأول بالتركيب وَصَارَت حرفا وَنَظِير ذَلِك أَنهم حِين ركبُوا (حب) مَعَ (ذَا) فَقَالُوا حبذا زيد بَطل معنى: (حب) من الفعلية وَصَارَت مَعَ (ذَا) جُزْء كلمة وَصَارَت حبذا كلهَا اسْما بالتركيب وَخرجت عَن أصل وَضعهَا بِالْكُلِّيَّةِ (وتقتضي) أدوات الشَّرْط (جملتين الأولى شَرط وَالثَّانيَِة جَزَاء وَجَوَاب) أَي يُسمى كل مِنْهُمَا بِمَا ذكر قَالَ أَبُو حَيَّان وَالتَّسْمِيَة بالجزاء وَالْجَوَاب مجَاز وَوَجهه أَنه شابه الْجَزَاء من حَيْثُ كَونه فعلا مترتبا على فعل آخر فَأشبه الْفِعْل الْمُرَتّب على فعل آخر ثَوابًا عَلَيْهِ أَو عقَابا الَّذِي هُوَ حَقِيقَة الْجَزَاء وشابه الْجَواب من حَيْثُ كَونه لَازِما عَن القَوْل الأول فَصَارَ كالجواب الْآتِي بعد كَلَام السَّائِل(2/550)
(فَإِن كَانَا) أَي الشَّرْط وَالْجَزَاء (فعلين فَالْأَحْسَن أَن يَكُونَا مضارعين) كَمَا مر لظُهُور تَأْثِير الْعَمَل فيهمَا (ثمَّ) أَن يَكُونَا ماضيين للمشاكلة فِي عدم التأثر نَحْو: {إِن أَحْسَنْتُم أَحْسَنْتُم لأنفسكم} [الْإِسْرَاء: 7] (ثمَّ) أَن يكون الأول مَاضِيا وَالثَّانِي مضارعا لِأَن فِيهِ الْخُرُوج من الأضعف إِلَى الْأَقْوَى وَهُوَ من عدم التأثر إِلَى التأثر نَحْو إِن قَامَ أقِم (ثمَّ) أَن يكون الأول مضارعا وَالثَّانِي مَاضِيا وَهَذَا الْقسم أجَازه الْفراء فِي الِاخْتِيَار وَتَبعهُ ابْن مَالك (وَخَصه سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور بِالضَّرُورَةِ كَقَوْلِه: 1292 -
(إِن تَصْرمُونا وصَلْنَاكُم وإنْ تَصِلُوا ... ملأتُمُ أنْفُس الأعْداء إرْهَاباَ)
وَيجب استقبالهما لِأَن أدوات الشَّرْط من شَأْنهَا أَن تقلب الْمَاضِي إِلَى الِاسْتِقْبَال وتخلص الْمُضَارع لَهُ
لَو
(و (وَلَو) كَإِن) إِذا وَقعت شرطا فَإِنَّهَا كَذَلِك تقلب مَعْنَاهَا إِلَى الْمُسْتَقْبل فِي الْأَصَح كَغَيْرِهَا نَحْو {وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا} [الْمَائِدَة: 6] قَالَ أَبُو حَيَّان وَنقل عَن الْمبرد أَنه زعم أَن (إِن) تبقى على مدلولها من الْمُضِيّ وَلَا تغير أدوات الشَّرْط دلالتها عَلَيْهِ نَحْو: {إِن كنت قلته فقد عَلمته} [الْمَائِدَة: 116] {إِن كَانَ قَمِيصه قد} [يُوسُف: 26] (وَذَا الْفَاء مَعَ قد) ظَاهِرَة أَو مقدرَة حَال كَونه جَوَابا فِي الْأَصَح وَذكر ابْن مَالك تعبا للجزولي وَغير أَن الْفِعْل المقرون بِالْفَاءِ وَقد ظَاهِرَة أَو مقدرَة يكون جَوَاب الشَّرْط وَهُوَ ماضي اللَّفْظ وَالْمعْنَى نَحْو: {إِن يسرق فقد سرق أَخ لَهُ} [يُوسُف: 77] {وَإِن كَانَ قَمِيصه قد من دبر فَكَذبت} [يُوسُف: 27] أَي فقد كذبت قَالَ أَبُو حَيَّان وَذَلِكَ مُسْتَحِيل من حَيْثُ إِن الشَّرْط يتَوَقَّف عَلَيْهِ مشروطه(2/551)
فَيجب أَن يكون فِي الْخَارِج أَو فِي الذِّهْن وَذَلِكَ محَال فيتأول مَا ورد من ذَلِك على حذف الْجَواب أَي إِن سرق فتأس فقد سرق أَخ لَهُ من قبل وَمثله {وَإِن يُكذِّبُوك فقد كذبت رسل} [فاطر: 4] أَي فتسل فقد كذبت قَالَ وَسمي الْمَذْكُور جَوَابا لِأَنَّهُ مغن عَنهُ بِحَيْثُ لَا يجامعه لِكَثْرَة مَا اسْتعْمل كَذَلِك محذوفا (وَإِنَّمَا يصدر الشَّرْط بِفعل مضارع غير دُعَاء وَلَا ذِي تَنْفِيس مُثبت أَو مَعَ لَا أَو لم) نَحْو إِن تقم أقِم (إِن لَا يكنه فَلَا خير لَك فِي قَتله) {فَإِن لم تَفعلُوا وَلنْ تَفعلُوا فَاتَّقُوا النَّار} [الْبَقَرَة: 24] وَلَا يصدر بمضارع دُعَاء أَو مقرون بِالسِّين أَو سَوف (أَو) يصدر بِفعل مَاض عَار من قد وحرف نفي وَدُعَاء وجمود نَحْو إِن قَامَ زيد قُمْت وَلَا يصدر بماض مقرون بقد أَو بِحرف نفي أَو ذِي دُعَاء أَو جامد وَلَا بِفعل الْأَمر الْبَتَّةَ (وَلَو) كَانَ الْفِعْل (مضمرا فسره فعل) بعد معموله فَإِنَّهُ يجوز تصدير الشَّرْط بِهِ نَحْو: {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك} [التَّوْبَة: 46] التَّقْدِير إِن استجارك أحد من الْمُشْركين استجارك ف (استجارك) الْمُتَأَخر فسرت الأولى المضمرة وارتفع (أحد) على الفاعلية بهَا (وَكَونه) وَالْحَالة هَذِه مضارعا دون لم ضَرُورَة كَقَوْلِه: 1293 -
(يُثْنِي عَلَيْكَ وَأَنت أهلُ ثَنائِهِ ... ولَدَيْكَ إنْ هُو يَستَزدْك مَزيدُ)
وَالِاخْتِيَار أَن يكون عِنْد الْإِضْمَار وَالتَّفْسِير إِمَّا مَاضِيا كَمَا تقدم أَو مضارعا مَقْرُونا بلم كَقَوْلِه: 1294 -
(فَإِن أَنْت لم يَنْفَعْك عِلْمُك فانْتَسِبْ ... )(2/552)
وَقَوله: 1295 -
(فإنْ هُوَ لم يَحْمِل على النّفْسِ ضَيْمَها ... )
وَكَذَا تَقْدِيم الِاسْم على إِضْمَار الْفِعْل قبله وَالتَّفْسِير بعده (مَعَ غير إِن) من الأدوات ضَرُورَة والشائع وُقُوع ذَلِك مَعَ إِن وَحدهَا كَمَا تقدم واختصت بذلك لِأَنَّهَا أم الْبَاب وأصل أدوات الشَّرْط وَمن الضَّرُورَة قَوْله: 1296 -
(فَمَنْ نَحن نُؤمِنْه يَبتْ وَهُوَ آمنٌ)
وَقَوله: 1297 -
(فَمَتَى واغِلٌ يَنُبْهُمْ يُحَيُّوهُ ... وتُعْطفْ عَلَيْهِ كَأسُ السّاقِي)
وَقَوله: 1298 -
(أيْنما الرِّيحُ تُمَيِّلْهَا تَمِلْ ... )(2/553)
وَجوزهُ الْكسَائي اخْتِيَارا مَعَ من وَإِخْوَته فَأجَاز نَحْو من زيدا يضْرب أضربه (و) جوزه قوم من الْكُوفِيّين فِي غير الْمَرْفُوع أَي الْمَنْصُوب وَالْمَجْرُور لِأَنَّهُمَا فَضله ومنعوه فِي الْمَرْفُوع (و) جوزه قوم مِنْهُم فِي الْمَرْفُوع أَيْضا إِن لم يُمكن عود ضمير على الشَّرْط كَمَا فِي (مَتى) و (أَيْنَمَا) فَإِن أمكن عود الضَّمِير عَلَيْهِ لم يجز تَقْدِيم الِاسْم لَا تَقول من هُوَ يضْرب زيدا أضربه لِأَن الْمُضمر هُوَ من وَاخْتَارَ هَذَا الْمَذْهَب الْأَخير أَبُو عَليّ صَاحب الْمُهَذّب قَالَ أَبُو حَيَّان وَالصَّحِيح الْمَنْع لِأَن الفضلة والعمدة سيان إِذْ فِيهِ الْفَصْل بجملة بَين الأداة وَالْفِعْل وَفِي الْفَصْل بَين من وَأَخَوَاتهَا وَالْفِعْل بعطف وتوكيد خلف كُوفِي أجَازه الْكسَائي وَمنعه الْفراء قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيه قَوَاعِد الْبَصرِيين وَشرط الْجَواب الإفادة فَلَا يكون بِمَا لَا يُفِيد كَخَبَر الْمُبْتَدَأ فَلَا يجوز إِن يقم زيد يقم كَمَا لَا يجوز فِي الِابْتِدَاء زيد زيد فَإِن دخله معنى يُخرجهُ للإفادة جَازَ نَحْو إِن لم تُطِع الله عصيت أُرِيد بِهِ التَّنْبِيه على الْعقَاب فَكَأَنَّهُ قَالَ وَجب عَلَيْك مَا وَجب على العَاصِي كَمَا جَازَ فِي الِابْتِدَاء نَحْو: 1299 -
(أَنا أَبُو النّجْم وَشِعْري شِعْري ... )
وَمِنْه
(وفمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله) الحَدِيث وتدخله الْفَاء إِن لم يَصح تَقْدِيره شرطا بِأَن كَانَ جملَة اسمية كَقَوْلِه: 1300 -
(إنْ تَرْكَبُوا فرُكُوبُ الخَيْل عَادَتُنا ... )(2/554)
أَو فعل أَمر نَحْو: {قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني} [آل عمرَان: 31] أَو دُعَاء نَحْو إِن مَاتَ زيد فيرحمه الله أَو فرحمه الله أَو مَقْرُونا بِحرف تَنْفِيس نَحْو: {من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم} [الْمَائِدَة: 54] أَو بِحرف نفي غير لَا وَلم نَحْو إِن قَامَ زيد فَمَا يقوم أَو فَلَنْ يقوم عَمْرو أَو بعد نَحْو {إِن يسرق فقد سرق} [يُوسُف: 77] أَو جامد نَحْو: {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ} [الْبَقَرَة: 271] {إِن تَرَنِ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً فَعَسَى رَبِّي} [الْكَهْف: 39، 40] إِن أقبل زيد فَمَا أحْسنه قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذِه الْفَاء هِيَ فَاء السَّبَب الكائنة فِي الْإِيجَاب فِي نَحْو قَوْلك يقوم زيد فَيقوم عَمْرو وكما يرْبط بهَا عِنْد التَّحْقِيق يرْبط بهَا عِنْد التَّقْدِير وَلَا يجوز غَيرهَا من حُرُوف الْعَطف لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الرَّبْط السببي وسيقت هُنَا للربط لَا للتشريك وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا هِيَ هُنَا عاطفة جملَة على جملَة فَلم تخرج عَن الْعَطف قَالَ وَهَذَا عِنْدِي فِيهِ نظر انْتهى (وَفِي) جَوَاز حذفهَا أَي الْفَاء أَقْوَال أَحدهَا يجوز ضَرُورَة واختيارا نَقله أَبُو حَيَّان عَن بعض النَّحْوِيين وَخرج عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِن أطعتموهم إِنَّكُم لمشركون} [الْأَنْعَام: 121] ثَانِيهَا الْمَنْع فِي الْحَالين قَالَ أَبُو حَيَّان فِي محفوظي قَدِيما أَن الْمبرد منع من حذف الْفَاء فِي الضَّرُورَة وَأَنه زعم فِي قَوْله: 1301 -
(من يَفْعل الحسناتِ اللهُ يَشْكُرُها ... )(2/555)
أَن الرِّوَايَة من يفعل الْخَيْر فالرحمن يشكره قَالَ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ على تَقْدِير صِحَة الرِّوَايَة لَا يطعن ذَلِك فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى ثَالِثهَا وَهُوَ الْأَصَح يجوز ضَرُورَة وَيمْتَنع فِي السعَة وَهُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وينوب عَنْهَا فِي الْأَصَح إِذا الفجائية فِي جملَة اسمية غير طلبية وَلَا منفية قَالَ أَبُو حَيَّان النُّصُوص متظافرة فِي الْكتب على الْإِطْلَاق فِي الرَّبْط بإذا وَلَكِن السماع إِنَّمَا ورد فِي (إِن) قَالَ تَعَالَى {وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا قدمت أَيْديهم إِذا هم يقنطون} [الرّوم: 36] فَيحْتَاج فِي إِثْبَات ذَلِك فِي غير (إِن) من الأدوات إِلَى سَماع وَاحْترز بالاسمية من الفعلية فَإِن إِذا لَا تدخل عَلَيْهَا لَا يجوز إِن قَامَ زيد إِذا يقوم عَمْرو وَبِغير الطلبية فَلَا يجوز إِن يعْص زيد إِذا ويل لَهُ وَإِن أطَاع إِذا سَلام عَلَيْهِ وَبِغير المنفية من المنفية فَلَا يجوز إِن يقم زيد إِذا مَا عَمْرو قَائِم وَإِنَّمَا تدخل الْفَاء فِي الصُّور كلهَا وَمُقَابل الْأَصَح فِي الْمَتْن قَول الْأَخْفَش لَا أرى إِذا بِمَنْزِلَة الْفَاء إِلَّا رديا لَا تَقول إِن تأتني إِذا أكرمك كَمَا تَقول فَأَنا أكرمك وَلَكِن أرى الْآيَة على حذف الْفَاء أَي (فَإِذا هم يقنطون) ورده أَبُو حَيَّان بِأَن حذف الْفَاء فِيمَا يلْزمه الْفَاء لم يَجِيء فِي كَلَامهم إِلَّا فِي الشّعْر وَلَو جَازَ حذف الْفَاء رفعت فِي قَوْلك إِن تقم أقوم وَلم يَجِيء مِنْهُ شَيْء فَالصَّحِيح مَا ذهب إِلَيْهِ الْخَلِيل وسيبويه انْتهى (وَمن ثمَّ) أَي من هُنَا وَهُوَ أَن (إِذا) نائبة عَن الْفَاء أَي من أجل ذَلِك لَا يَجْتَمِعَانِ لِأَن المعوض لَا يجْتَمع مَعَ الْعِوَض فَلَا يُقَال إِن يقم زيد فَإِذا عَمْرو قَائِم(2/556)
وَيرْفَع الْجَواب وجوبا إِن قرن بِالْفَاءِ سَوَاء كَانَ فعل الشَّرْط مَاضِيا نَحْو {وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ} [الْمَائِدَة: 95] أم مضارعا نَحْو {فَمَنْ يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً}
[الْجِنّ: 13] رفع لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ من جملَة اسمية وَهُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره فَهُوَ ينْتَقم الله مِنْهُ فَهُوَ لَا يخَاف قَالُوا وَلَوْلَا ذَلِك الحكم بِزِيَادَة الْفَاء لَكَانَ الْفِعْل ينجزم وَلَكِن الْعَرَب التزمت فِيهِ الرّفْع فَعلم أَنَّهَا غير زَائِدَة (و) يرفع الْجَواب جَوَازًا إِن كَانَ الشَّرْط فعلا مَاضِيا نَحْو إِن قَامَ زيد يقوم عَمْرو وَقَوله: 1302 -
(وَإِن أَتَاهُ خليلٌ يَوْم مَسْألةٍ ... يَقولُ لَا غائِبٌ مَالِي وَلَا حَرمُ)
وَمن شَوَاهِد الْجَزْم قَوْله تَعَالَى {مَن كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ} [هود: 15] {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرِةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} [الشورى: 20] قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا نعلم خلافًا فِي جَوَاز الْجَزْم وَأَنه فصيح مُخْتَار إِلَّا مَا ذكره صَاحب كتاب الْإِعْرَاب عَن بعض النَّحْوِيين أَنه لَا يَجِيء فِي الْكَلَام الفصيح وَإِنَّمَا يَجِيء مَعَ كَانَ لِأَنَّهَا أصل الْأَفْعَال قَالَ وَالَّذِي نَص عَلَيْهِ الْجَمَاعَة أَن ذَلِك لَا يخْتَص بهَا بل سَائِر الْأَفْعَال فِي ذَلِك مثلهَا وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ للفرزدق: 1303 -
(دسّتْ رَسُولاً بأنَّ الْقَوْم إنْ قَدَرُوا ... عَلَيْك يَشْفُوا صدُوراً ذاتَ توغير)(2/557)
قَالَ وَأما الرّفْع فَهُوَ مسموع وَنَصّ بعض أَصْحَابنَا أَنه أحسن من الْجَزْم وَاخْتلف فِي تَخْرِيجه فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ إِنَّه على نِيَّة التَّقْدِيم وَالْجَوَاب مَحْذُوف وَقَالَ الْمبرد والكوفيون إِنَّه الْجَواب وَإنَّهُ على حذف الْفَاء وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ الْجَواب لَا على إِضْمَار الْفَاء وَلَا على نِيَّة التَّقْدِيم وَلَكِن لما لم يظْهر لأداة الشَّرْط تَأْثِير فِي فعلة لكَونه مَاضِيا ضعف عَن الْعَمَل فِي فعل الْجَواب (وَإِلَّا) بِأَن كَانَ الشَّرْط مضارعا فضرورة يرفع الْجَواب كَقَوْلِه: 1304 -
(يَا أقْرَعَ بنَ حَابِس يَا أقرَعُ ... إنّكَ إِن يُصْرعْ أَخُوك تُصْرعُ)
وَالِاخْتِيَار جزمه قَالَ تَعَالَى {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} [الطَّلَاق: 2] وَإِذا رفع فمذهب سِيبَوَيْهٍ أَنه على نِيَّة التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير إِن كَانَ قبله مِمَّا يُمكن أَن يَطْلُبهُ كالبيت وَإِلَّا فعلى إِضْمَار الْفَاء نَحْو إِن تأتني آتِيك إِذا جَاءَ فِي الشّعْر وَمذهب الْمبرد أَنه على إِضْمَار الْفَاء فِي الْحَالين لِأَنَّهُ جَوَاب فِي الْمَعْنى قد وَقع فِي مَحَله فَلَا يَنْوِي بِهِ التَّقْدِيم وجازمه أَي الْجَواب الأداة عملت فِيهِ كَمَا عملت فِي الشَّرْط بِاتِّفَاق لاقتضائها إيَّاهُمَا فَعمِلت فيهمَا كَمَا عملت كَانَ وَظن وَإِن فِي جزئيها هَذَا مَذْهَب الْمُحَقِّقين من الْبَصرِيين وَعَزاهُ السيرافي لسيبويه وَاخْتَارَهُ الْجُزُولِيّ وَابْن عُصْفُور والأبذي وَقيل جازمه فعل الشَّرْط قَالَه الْأَخْفَش وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك لِأَنَّهُ مستدع لَهُ بِمَا أحدثت فِيهِ الأداة من الْمَعْنى والاستلزام ورد بِأَن النَّوْع لَا يعْمل إِذْ لَيْسَ أَحدهمَا بأولي من الآخر وَإِنَّمَا يعْمل بمزية وَهُوَ أَن يضمن الْعَامِل من غير النَّوْع أَو شبهه كعمل الْأَسْمَاء فِي الْأَسْمَاء وَقيل جازمه (هما) أَي الأداة وَالْفِعْل مَعًا وَنسب أَيْضا للأخفش قَالَ الْمَجْمُوع هُوَ الطَّالِب فَهُوَ الْعَامِل قَالَ وباطل أَن يكون الْعَمَل ل (إِن) لِأَن الْجَزْم نَظِير الْجَرّ فَإِذا كَانَ الْجَار وَهُوَ أقوى لَا يعْمل عملين فأحري أَلا يعمله الْجَازِم(2/558)
ورد بِأَن الْجَار لَا يَقْتَضِي معمولين والجازم يقتضيهما فَيعْمل فيهمَا وَبِأَن كل عَامل مركب من شَيْئَيْنِ لَا يجوز حذف أَحدهمَا كإذما وحيثما وَقد يحذف فعل الشَّرْط دون الأداة فَدلَّ على أَن الْعَامِل لَيْسَ مركبا مِنْهُمَا وَبِأَن الْجَازِم لَا يحذف معموله وَالْجَوَاب يجوز حذفه فَلَو كَانَ الْعَامِل مَجْمُوع الأداة وَالشّرط لزم أبقاء الْجَازِم مَعَ حذف معموله بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الْعَامِل الأداة وَحذف فَإِنَّهَا تكون قد أخذت مَعْمُولا وَاحِدًا فَلَا يقبح وَقيل جازمه الْجوَار قَالَه الْكُوفِيُّونَ قِيَاسا على الْجَرّ بالجوار قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا الْخلاف لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ فَائِدَة وَلَا حكم نطقي وَقيل فعل الْجَواب مَبْنِيّ وَفعل الشَّرْط مُعرب وَقيل هُوَ وَالشّرط أَيْضا مبنيان وَالْقَوْلَان للمازني اسْتدلَّ على بنائهما بِأَن الْفِعْل لَا يَقع موقع الِاسْم فِي المحلين فَلَا يكون معربا بِنَاء على أَن سَبَب إِعْرَاب الْمُضَارع وُقُوعه موقع الِاسْم وَاسْتدلَّ لبِنَاء الْجَواب فَقَط بِأَنَّهُ لم يكن لَهُ عَامل فَكَانَ مَبْنِيا لِأَنَّهُ لم يَصح عِنْده عمل مَا تقدمه فِيهِ قَالَ أَبُو حَيَّان والمازني فِي رَأْيه مُخَالف لجَمِيع النَّحْوِيين البصريون قَالُوا لأداة الشَّرْط الصَّدْر أَي صدر الْكَلَام فَلَا يسبقها مَعْمُول معمولها أَي لَا يجوز تَقْدِيم شَيْء من معمولات فعل الشَّرْط وَلَا فعل الْجَواب عَلَيْهَا لِأَنَّهَا عِنْدهم كأداة الِاسْتِفْهَام وَمَا النافية وَنَحْوهمَا مِمَّا لَهُ الصَّدْر وَلَا يعْمل مَا قبلهَا فِيمَا بعْدهَا وَإِنَّمَا تقع مستأنفة أَو مَبْنِيَّة على ذِي خبر أَو نَحوه وَجوز الْكسَائي تَقْدِيم مَعْمُول فعل الشَّرْط أَو الْجَواب على الأداة نَحْو خيرا إِن تفعل يثبك الله وَخيرا إِن أتيتني تصب قَالَ أَبُو حَيَّان وتحتاج إجَازَة هَذَا التَّرْكِيب إِلَى سَماع من الْعَرَب غير مَعْمُول فعل الْجَواب الْمَرْفُوع فَإِنَّهُ يجوز تَقْدِيمه نَحْو خيرا إِن أتيتني تصب وسوغ ذَلِك أَنه لَيْسَ فعل جَوَاب حَقِيقَة بل هُوَ فِي نِيَّة التَّقْدِيم وَالْجَوَاب مَحْذُوف وَالتَّقْدِير تصيب خيرا إِن أتيتني قَالَ أَكْثَرهم أَي البصريون وَلَا الْجَواب أَيْضا لَا يجوز تَقْدِيمه على الأداة لِأَنَّهُ ثَان أبدا عَن الأول مُتَوَقف عَلَيْهِ(2/559)
وَقَالَ الْأَخْفَش يجوز تَقْدِيمه عَلَيْهَا كمذهب الْكُوفِيّين مَاضِيا كَانَ أَو مضارعا نَحْو قُمْت إِن قُمْت وأقوم إِن قُمْت وَثَالِثهَا يجوز تَقْدِيم الْجَواب إِن كَانَ مضارعا وَيمْتَنع إِن كَانَ مَاضِيا وَعَلِيهِ الْمَازِني لِأَن الْمُضَارع هُوَ الأَصْل فَلم يكثر فِيهِ التَّجَوُّز بِخِلَاف الْمَاضِي فَإِنَّهُ يجوز فِيهِ بِأَن عبر بصيغته عَن الْمُسْتَقْبل فَإِن قدم وَحقه التَّأْخِير كثر التَّجَوُّز وَرَابِعهَا يجوز تَقْدِيم الْجَواب (إِن كَانَا) أَي الشَّرْط وَالْجَوَاب ماضيين بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الشَّرْط وَحده مَاضِيا وَوجه أَن لما لم يظْهر للأداة فِيهِ عمل إِذا تَأَخّر جَازَ تَقْدِيمه لِأَنَّهُ مقدما كحاله مُؤَخرا فَكَانَ كَأَنَّمَا لم يعْمل فِيهِ بِخِلَاف الْمُضَارع فَإِنَّهُ متأثر بهَا فَصَارَ تَقْدِيمه على الْجَازِم كتقديم الْمَجْرُور على الْجَار (قيل وَلَا) يسْبق الْجَواب المجزوم معموله قَالَ الْفراء وَالصَّحِيح جَوَازه وَعَلِيهِ سِيبَوَيْهٍ وَالْكسَائِيّ نَحْو إِن تأتني خيرا تصب وعَلى الأول وَهُوَ مَذْهَب الْأَكْثَر من منع تَقْدِيم الْجَواب على الأداة مُطلقًا إِن تقدم شبهه فدليله وَلَيْسَ إِيَّاه وَشَرطه اخْتِيَار مُضِيّ الشَّرْط لفظا أَو معنى بِأَن كَانَ مضارعا مقترنا بلم (فِي الْأَصَح) نَحْو قُمْت إِن قُمْت وأقوم إِن قُمْت وأقوم إِن لم تقم قَالَ سِيبَوَيْهٍ هَكَذَا جري فِي كَلَامهم وَأما الشّعْر فَمحل ضَرُورَة واتساع وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ سوي الْفراء أَن يحذف جَوَاب الشَّرْط فِي الِاخْتِيَار وَفعل الشَّرْط مُسْتَقْبل قِيَاسا على الْمَاضِي فأجازوا أَنْت ظَالِم إِن تفعل فَإِن لم يكن فعل الشَّرْط مَاضِيا تقريعا على الْأَصَح (وَهُوَ مَعَ مَا، أَو من، أَو أَي صرن موصولات) أَي حكم لَهُنَّ بذلك الَّذِي هُوَ من مَعَانِيهَا اخْتِيَارا وَزَالَ حكم الشّرطِيَّة لزوَال شَرطهَا وَهُوَ الْمُضِيّ فَيَنْتَفِي الْجَزْم نَحْو أَي من يأتيني وَزيد يحب مَا تحبه وَأكْرم أَيهمْ يحبك وَحِينَئِذٍ فتأتي أَحْكَام الموصولات من جَوَاز عمل مَا قبلهَا فِيهَا وَحكم الضَّمِير الْعَائِد عَلَيْهَا وصلتها وَغير ذَلِك وَأما فِي الشّعْر فَيجوز بَقَاء الشّرطِيَّة والجزم وَكَذَا إِن أضيف لَهُنَّ أَي لمن وَمَا وَأي زمَان يجب لَهُنَّ فِي السعَة أَن يكن موصولات نَحْو أَتَذكر إِذْ من يأتينا نأتيه وَلَا يجوز الْجَزْم عِنْد سِيبَوَيْهٍ والجرمي والمازني لِأَن أَسمَاء الأحيان لَا تُضَاف إِلَى(2/560)
الْجُمْلَة الشّرطِيَّة المصدرة ب (إِن) فَكَذَا الاتصاف على مَا تضمن معنى إِن خلافًا للزيادي أبي إِسْحَاق فِي ذَهَابه إِلَى جَوَاز الْجَزْم اخْتِيَارا كَقَوْلِه: 1305 -
(على حِينَ مَنْ تَلْبَثْ عَلَيْهِ ذَنُوبهُ ... يَرثْ شِرْبُهُ إذْ فِي المقَام تَداثُرُ)
والأولون قَالُوا هُوَ ضَرُورَة (و) يجْرِي هَذَا الحكم وَهُوَ وجوب الرّفْع وَامْتِنَاع الْجَزْم مُطلقًا أَي فِي الِاخْتِيَار والضرورة إِذا وقعن بعد بَاب كَانَ وَإِن نَحْو من كَانَ يأتينا نأتيه وَإِن من يأتينا نأتيه وليت من يحسن إِلَيْنَا نحسن إِلَيْهِ لِأَن الشَّرْط لَا يعْمل فِيهِ عَامل قبله (وَلَكِن) المخففة نَحْو وَلَكِن من يزورني أَزورهُ وَإِذا المفاجأة نَحْو مَرَرْت بزيد فَإِذا من يزوره يحسن إِلَيْهِ (وَمَا) النافية نَحْو مَا من يأتينا نُعْطِيه لِأَن (مَا) لَا تَنْفِي الْجُمْلَة الشّرطِيَّة (وَهل) نَحْو هَل من يأتينا نأتيه لِأَن (هَل) لَا يستفهم بهَا عَن الْجمل الشّرطِيَّة (قيل والهمزة) قَالَ يُونُس قِيَاسا على هَذَا وَالأَصَح جَوَاز الْجَزْم بعْدهَا وَكَون من شَرْطِيَّة لِأَنَّهُ توسع فِيهَا فاستفهم بهَا عَن الْجُمْلَة الشّرطِيَّة كَمَا استفهم بهَا عَن غير ذَلِك نَحْو أإن تأتني آتِك فَلَمَّا حسن ذَلِك فِي (إِن) حسن فِي أخواتها نَحْو أَمن يأتنا نأته مَسْأَلَة يحذف الْجَواب لدَلِيل كَقَوْلِه تَعَالَى {أئن ذكرْتُمْ} [يس: 19] أَي تطيرتم وَقَوله: {وَإِن كَانَ كبر عَلَيْك إعراضهم فَإِن اسْتَطَعْت} [الْأَنْعَام: 35] الْآيَة أَي فافعل وَيكثر الْحَذف لتقدم شبهه على الأداة كَمَا مر (و) لتقدم جَوَاب قسم يدل عَلَيْهِ(2/561)
(و) يحذف الشَّرْط وَهُوَ أقل من حذف الْجَواب نَص عَلَيْهِ ابْن مَالك فِي شرح الكافية وَمِنْه {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك} [التَّوْبَة: 6] وَقَوْلهمْ (إِن خيرا فَخير) (وَقيل) إِنَّمَا يجوز حذفه (إِن عوض) مِنْهُ (لَا) وَعَلِيهِ ابْن عُصْفُور والأبذي كَقَوْلِه: 1306 -
(فطَلِّقْها فَلَسْتَ لَهَا بكُفء ... وإلاَّ يَعْلُ مَفْرقَك الْحُسَام)
أَي وَإِلَّا تطلقها قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهَا لَو كَانَت عوضا من الْفِعْل الْمَحْذُوف لم يجز الْجمع بَينهمَا مَعَ أَنه يجوز نَحْو وَإِلَّا يسيء فَلَا تضربه فَهِيَ فِي نَحْو ذَلِك نَافِيَة لَا عوض وَورد الْحَذف وَهُوَ مُثبت كَمَا تقدم ويحذفان أَي الشَّرْط وَالْجَوَاب (مَعَ إِن) دون سَائِر الأدوات واختصت بذلك لِأَنَّهَا أم الْبَاب وَلِأَنَّهُ لم يرد فِي غَيرهَا قَالَ: 1307 - {قَالَت بناتُ الحيِّ يَا سلمى وإنْ ... كَانَ فَقِيرا مُعْدماً قَالَت وإنْ}
أَي وَإِن كَانَ كَمَا تَصِفِينَ فزوجنيه قَالَ أَبُو حَيَّان وَكَذَا حذف الْجَواب وَحده وَالشّرط وَحده لَا أحفظه بعد غير (إِن) قَالَ إِلَّا أَن ابْن مَالك أنْشد فِي شرح الكافية وَزعم أَنه حذف فِيهِ فعل الشَّرْط بعد مَتى وَهُوَ قَوْله:(2/562)
1308 -
(مَتى تُؤْخَذوا قسراً بظِنّة عَامر ... وَلَا يَنْجُ إلاّ فِي الصِّفاد يزيدُ)
(وَقيل) حذفهما مَعًا ضَرُورَة قَالَه ابْن مَالك قَالَ أَبُو حَيَّان وَتبع فِيهِ ابْن عُصْفُور قَالَ وَلم ينص غَيرهمَا على أَن ذَلِك ضَرُورَة بل أطْلقُوا الْجَوَاز إِذا فهم الْمَعْنى قلت وَقد ورد فِي النثر فِي عدَّة من الْآثَار (لَا الأداة) أَي لَا يجوز حذف أَدَاة الشَّرْط (وَلَو) كَانَت (إِن فِي الْأَصَح) كَمَا لَا يجوز حذف غَيرهَا من الجوازم وَلَا حذف حرف الْجَرّ وَجوز بَعضهم حذف (إِن) فيرتفع الْفِعْل وَتدْخل الْفَاء إشعارا بذلك وَخرج عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {تحبسونهما من بعد الصَّلَاة فيقسمان بِاللَّه} [الْمَائِدَة: 106] وَإِن توالى شَرْطَانِ فَصَاعِدا من غير عطف فَالْأَصَحّ أَن الْجَواب للسابق ويحذف جَوَاب مَا بعده لدلَالَة الأول وَجَوَابه عَلَيْهِ وَمِنْهُم من جعل الْجَواب للأخير وَجَوَاب الأول الشَّرْط الثَّانِي وَجَوَابه وَجَوَاب الثَّانِي الشَّرْط الثَّالِث وَجَوَابه وَهَكَذَا على إِضْمَار الْفَاء فَإِذا قَالَ إِن جَاءَ زيد إِن أكل زيد إِن ضحك فَعَبْدي حر فعلى الْأَصَح الضحك أول ثمَّ الْأكل ثمَّ الْمَجِيء فَإِذا وَقع على هَذَا التَّرْتِيب ثَبت عتقه وعَلى مُقَابِله عَكسه فَإِذا وَقع الْمَجِيء ثمَّ الْأكل ثمَّ الضحك لزم الْعتْق فَإِن كَانَ عطف فَالْجَوَاب لَهما مَعًا وَمِنْه {وَإِن تؤمنوا وتتقوا يُؤْتكُم} [مُحَمَّد: 36] الْآيَة (و) الْأَصَح (أَن الْأَحْسَن) حِينَئِذٍ (مَجِيء) فعل الشَّرْط الثَّانِي مَاضِيا بِنَاء على أَن الْجَواب للسابق وَأَن جَوَاب الثَّانِي مَحْذُوف لما مر من أَنه لَا يحذف جَوَاب الشَّرْط فِي الِاخْتِيَار حَتَّى يكون فعله مَاضِيا وعَلى أَن الْجَواب للمتأخر لَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك لِأَنَّهُ غير مَحْذُوف الْجَواب (و) الْأَصَح (أَنه) أَي الشَّرْط الثَّانِي مُقَيّد للْأولِ تَقْيِيد الْحَال الْوَاقِعَة موقعه قَالَه ابْن مَالك قَالَ فقولك من أجابني إِن دَعوته أَحْسَنت إِلَيْهِ فِي تَقْدِير من أجابني دَاعيا لَهُ وَقَول الشَّاعِر:(2/563)
1309 -
(إِن تَسْتَغِيثوا بِنَا إِن تُذْعَروا تَجدوا ... مِنّا معاقِلَ عِزٍّ زانَها كَرَمُ)
فِي التَّقْدِير إِن تستغيثوا بِنَا مذعورين قَالَ أَبُو حَيَّان وَغير ابْن مَالك جعله مُتَأَخِّرًا فِي التَّقْدِير فَكَأَنَّهُ قَالَ من أجابني أَحْسَنت إِلَيْهِ إِن دَعوته فَمن أجابني هُوَ جَوَاب (إِن) فِي الْمَعْنى حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ إِن دَعَوْت من أجابني أَحْسَنت إِلَيْهِ فَإِذا وَقع دعاءه لشخص فَأَجَابَهُ ذَلِك الشَّخْص بعد دُعَائِهِ إِيَّاه لزم الْإِحْسَان لِأَن جَوَاب الشَّرْط فِي التَّقْدِير بعد الشَّرْط وَكَذَا الْبَيْت تَقْدِيره على هَذَا إِن تذعروا فَإِن تستغيثوا بِنَا تَجدوا فَأول الشَّرْط يصير جَزَاء وَإِن توَسط الْجَزَاء وَالشّرط مضارع وَافقه أَي الشَّرْط معني حَال كَونه غير صفة وَصَحَّ حذفه أبدل مِنْهُ مِثَال إِن تأتني تمش أكرمك (وَإِلَّا) بِأَن لم يُوَافقهُ معنى (رفع حَالا) نَحْو إِن تأتني تضحك أحسن إِلَيْك والماضي كالمضارع فِي ذَلِك وَإِنَّمَا فرضت الْمَسْأَلَة فِيهِ كالتسهيل لِأَنَّهُ فِيهِ يظْهر الْأَثر مِثَاله إِن أتيتني مشيت أكرمك وَإِن تأتني قد ضحِكت أحسن إِلَيْك وَاحْترز بِغَيْر صفة عَن الْوَاقِع صفة نَحْو إِن يأتني رجل يعرف النَّحْو أكْرمه (فَيعرف) فِي مَوضِع الصّفة لرجل ولصحة الْحَذف من خبر كَانَ وَثَانِي ظَنَنْت نَحْو إِن تكن تحسن إِلَى أحسن إِلَيْك وَإِن تَظُنُّنِي أصدق أصدقك فالمتوسط لَا بدل وَلَا حَال بل فِي مَوضِع نصب على أَنه خبر ومفعول وَمِنْه قَول زُهَيْر: 1310 -
(وَمن لَا يَزَلْ يَسْتحمِلُ النّاسَ نَفْسَه ... وَلَا يُغْنِها يَوْمًا من الدَّهر يُسْأم)(2/564)
وتزاد (مَا) توكيدا (فِي إِن) وَمِنْه {وَإِمَّا يَنْزغَنك} [الْأَعْرَاف: 200] {وَإِمَّا ينسينك} [الْأَنْعَام: 68] قَالَ أَبُو حَيَّان وَذَلِكَ فِي الْقُرْآن كثير وَلم يَأْتِ فِيهِ إِلَّا وَالْفِعْل مُؤَكد بالنُّون وَأما فِي لِسَان الْعَرَب فقد جَاءَ أَيْضا بِغَيْر نون كثيرا قَالَ: 1311 -
(زعمت تُماضِرُ أنّني إمّا أمُتْ ... يَسْدُدْ أُبَيْنُوها الأصاغِرُ خَلّني)
(و) فِي أَي غير مُضَافَة لضمير بِأَن لم تضف أصلا أَو أضيفت لظَاهِر وَمِنْه {أيا مَا تدعوا} [الْإِسْرَاء: 110] {أَيّمَا الْأَجَليْنِ قضيت} [الْقَصَص: 28] (و) فِي (أَيْن ومتي) قَالَ تَعَالَى {أَيْنَمَا تَكُونُوا يدرككم الْمَوْت} [النِّسَاء: 78] وَقَالَ الشَّاعِر: 1312 -
(مَتى مَا تَلْقَنِي فَرْدَين ترجُفْ ... )
(وَكَذَا أَيَّانَ) فِي الْأَصَح قَالَ: 1313 -
(فأيّان مَا تَعْدِلْ بِهِ الرِّيحُ تَنْزل ... )(2/565)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَزعم بعض أَصْحَابنَا أَنَّهَا لَا تزاد فِيهَا وَلَيْسَ بِصَحِيح لوُرُود السماع بِهِ (لَا (مَا) و (من) و (أَنِّي) فِي الْأَصَح) وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى جَوَاز زيادتها بعْدهَا فَيجوز من مَا يكرمني أكْرمه
إِعْرَاب أَسمَاء الشَّرْط وَأَسْمَاء الِاسْتِفْهَام
مَسْأَلَة فِي إِعْرَاب أَسمَاء الشَّرْط وَأَسْمَاء الِاسْتِفْهَام إِذا وَقعت الأداة الشّرطِيَّة على مَكَان أَو زمَان فظرف أَي فَهِيَ فِي مَوضِع نصب على الظّرْف نَحْو مَتى تقم أقِم و {أَيْنَمَا تَكُونُوا يدرككم الْمَوْت} [النِّسَاء: 78] (أَو) على حدث فمفعول مُطلق نَحْو. . وَإِلَّا فَإِن وَقع بعْدهَا فعل لَازم نَحْو من يقم أقِم مَعَه فمبتدأ خَبره فعل الشَّرْط وَفِيه ضميرها وَقيل هُوَ وَالْجَوَاب مَعًا لِأَن الْكَلَام لَا يتم إِلَّا بِالْجَوَابِ فَكَانَ دَاخِلا فِي الْخَبَر ورد بِأَنَّهُ أَجْنَبِي من الْمُبْتَدَأ أَو مُتَعَدٍّ وَاقع عَلَيْهَا نَحْو من يضْرب زيدا أضربه وَمن تضرب أضربه (فمفعول بِهِ أَو) وَاقع على ضميرها نَحْو من يضْربهُ زيد أضربه وَمن تضربه أضربه أَو متعلقها نَحْو من يضْرب يَد أَخَاهُ أضربه فاشتغال أَي فَالْمَسْأَلَة من بَاب الِاشْتِغَال فَيجوز فِي أَدَاة الشَّرْط أَن يكون فِي مَوضِع رفع على الِابْتِدَاء وَأَن يكون فِي مَوضِع نصب بِفعل مُضْمر يفسره الظَّاهِر بعْدهَا وَمثلهَا فِي هَذَا التَّفْصِيل أَسمَاء الِاسْتِفْهَام
لَو
مَسْأَلَة لَو شَرط للماضي غَالِبا وَقد ترد للمستقبل ك (إِن) وَخرج عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وليخش الَّذين لَو تركُوا من خَلفهم ذُرِّيَّة ضعافا} [النِّسَاء: 9] وَقَول تَوْبَة:(2/566)
1314 - وَلَو أنَّ ليلى الأخيليّةَ سَلّمتْ ... عليَّ ودوني جَنْدّلٌ وصفائحُ)
(لسلَّمتُ تَسْلِيم البشَاشةِ أَو زَقا ... إِلَيْهَا صَدًي مِنْ دَاخل الْقَبْر صائِحُ)
وَقيل دَائِما قَالَ بدر الدّين بن مَالك وَعَلِيهِ أَكثر الْمُحَقِّقين قَالَ وورود شَرطهَا فِي الْآيَة وَالْبَيْت مُسْتَقْبلا فِي نَفسه أَو بِقَيْد لَا يُنَافِي امْتِنَاعه فِيمَا مضى لِامْتِنَاع غَيره وَلَا يحوج إِلَى إِخْرَاج (لَو) عَمَّا عهد فِيهَا من مَعْنَاهَا إِلَى غَيره وَقَالَ أَبُو حَيَّان متعقبا عَلَيْهِ وُرُود (لَو) فِي الْمُسْتَقْبل قد قَالَه النحويوون فِي غير مَوضِع وجزمها لفعلها ضَرُورَة لَا يحسن فِي الِاخْتِيَار لعدم تمكنها بِكَوْنِهَا للمضي وَمن الضَّرُورَة قَوْله: 1315 -
(لَو يشَأْ طارَ بهَا ذُو مَيْعَة ... )(2/567)
وَقيل بل هُوَ (لُغَة) لقوم فيطرد عِنْدهم فِي الْكَلَام وَقيل مَمْنُوع لَا يجوز لَا فِي كَلَام وَلَا فِي الشّعْر حكى الْأَقْوَال الثَّلَاثَة أَبُو حَيَّان وَاخْتلفت عِبَارَات النُّحَاة فِي مَعْنَاهَا حَتَّى قَالَ بَعضهم إِن النُّحَاة لم يفهموا لَهَا معني قَالَ سِيبَوَيْهٍ هِيَ حرف لما كَانَ سيقع لوُقُوع غَيره أَي أَنَّهَا تَقْتَضِي فعلا مَاضِيا كَأَنَّهُ يتَوَقَّع ثُبُوته لثُبُوت غَيره والمتوقع غير وَاقع فَكَأَنَّهُ قَالَ حرف يَقْتَضِي فعلا امْتنع لِامْتِنَاع مَا كَانَ يثبت لثُبُوته (و) قَالَ المعربون هِيَ حرف امْتنَاع لِامْتِنَاع أَي تدل على امْتنَاع الشَّيْء لِامْتِنَاع غَيره وَاخْتلف فِي المُرَاد بذلك قيل المُرَاد امْتنَاع الأول أَي الشَّرْط للثَّانِي أَي الِامْتِنَاع للجواب ذكره ابْن الْحَاجِب فِي (أَمَالِيهِ) بحثا من عِنْده وَوَجهه بِأَن انْتِفَاء السَّبَب لَا يدل على انْتِفَاء مسببه لجَوَاز أَن يكون ثمَّ أَسبَاب أخر قَالَ وَيدل على هَذَا {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} [الْأَنْبِيَاء: 22] فَإِنَّهَا مسوقة لنفي التَّعَدُّد فِي الْآلهَة بامتناع الْفساد لَا أَن امْتنَاع الْفساد لِامْتِنَاع الْآلهَة لِأَنَّهُ خلاف الْمَفْهُوم من مساق أَمْثَال هَذِه الْآيَة وَلِأَنَّهُ لَا يلْزم من انْتِفَاء الْآلهَة انْتِفَاء الْفساد لجَوَاز وُقُوع ذَلِك وَإِن لم يكن تعدد فِي الْآلهَة لِأَن المُرَاد بِهِ فَسَاد نظام الْعَالم عَن حَالَته وَذَلِكَ جَائِز أَن يَفْعَله الْإِلَه الْوَاحِد سُبْحَانَهُ انْتهى وَتَابعه على ذَلِك ابْن الخباز وَقيل عَكسه أَي المُرَاد أَن جَوَاب (لَو) مُمْتَنع لِامْتِنَاع شَرطه فقولك لَو جِئْت لأكرمتك دَال على امْتنَاع الْإِكْرَام لِامْتِنَاع الْمَجِيء وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَرَّرَهُ النَّاس مِمَّن أثبت الِامْتِنَاع فِيهَا وَهُوَ الْمُتَبَادر إِلَى الأفهام واستنكر ابْن هِشَام فِي (الْمُغنِي) مقَالَة ابْن الْحَاجِب وَمن تبعه (ثمَّ إفادتها) لذَلِك قيل (نطقا) أَي بالمنطوق وَقَالَ بدر الدّين بن مَالك فِي تَكْمِلَة شرح التسهيل وَشَيخنَا الْعَلامَة محيي الدّين الكافيجي رَحمَه الله فِيمَا سمعناه من لَفظه حَال تدريسه (للْمُغني) فهما أَي بِالْمَفْهُومِ(2/568)
قَالَ أَبُو حَيَّان كَأَن (لَو) عِنْد سِيبَوَيْهٍ لَهَا مَنْطُوق وَمَفْهُوم كَمَا أَن (أَن) لَهَا مَنْطُوق وَمَفْهُوم فَإِذا قلت لَو أكلت لشبعت فَعنده أَن الشِّبَع كَانَ يَقع لوُقُوع الْأكل وَلَو قلت إِن قَامَ زيد قَامَ عَمْرو فمنطوقه تَعْلِيق وجود قيام عَمْرو على تَقْدِير وجود قيام زيد وَتارَة يكون الْمَفْهُوم مرَادا وَتارَة يكون غير مُرَاد فَنظر غير سِيبَوَيْهٍ إِلَى الْمَفْهُوم فَقَالُوا إِذا قلت لَو أكلت لشبعت امْتنع الشِّبَع لِامْتِنَاع الْأكل وسيبويه نظر إِلَى الْمَنْطُوق فاطرد لَهُ فِي جَمِيع مواردها وَقيل هِيَ حرف امْتنَاع لِامْتِنَاع وَإِن كَانَ بعْدهَا مثبتان وَإِلَّا بِأَن كَانَ بعْدهَا منفيان فوجود أَي فحرف وجود لوُجُود فَإِن كَانَ الأول منفيا وَالثَّانِي مثبتا فحرف وجود لِامْتِنَاع أَو عَكسه فحرف امْتنَاع لوُجُود قَالَ أَبُو حَيَّان وَالسَّبَب فِي ذَلِك عِنْد هَذَا الْقَائِل أَن الْمَنْفِيّ بعد (لَو) مُوجب والموجب منفي قَالَ هَذَا وَقَول من قَالَ حرف امْتنَاع لِامْتِنَاع يرجعان إِلَى معنى وَاحِد أَلا ترى أَنَّهَا إِذا كَانَت حرف امْتنَاع لزم من ذَلِك إِذا كَانَ مَا بعْدهَا مُوجبا أَن يمْتَنع وجود الثَّانِي لِامْتِنَاع وجود الأول أَو منفيا لزم امْتنَاع نفي الثَّانِي لِامْتِنَاع نفي الأول أَو الأول منفيا وَالثَّانِي مُوجبا لزم امْتنَاع وجود الثَّانِي لِامْتِنَاع نفي الأول فَيكون الأول إِذْ ذَاك مُوجبا وَالثَّانِي منفيا أَو الأول مُوجبا وَالثَّانِي منفيا لزم امْتنَاع نفي الثَّانِي لِامْتِنَاع وجود الأول فَيكون الأول إِذْ ذَاك منفيا وَالثَّانِي مُوجبا فَهُوَ اخْتِلَاف عبارَة وَقد رد الْقَوْلَانِ بِعَدَمِ امْتنَاع الْجَواب فِي مَوَاضِع كَثِيرَة كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَو أَنما فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يمده من بعده سَبْعَة أبحر مَا نفدت كَلِمَات الله} [لُقْمَان: 27] وَقَول عمر (نعم العَبْد صُهَيْب لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ) لِأَن عدم النّفُوذ مَحْكُوم بِهِ سَوَاء وجد الشَّرْط أم لَا وَعدم الْعِصْيَان كَذَلِك سَوَاء وجد الْخَوْف أم لَا(2/569)
وَقَالَ أَبُو عَليّ الشلوبين وَابْن هِشَام الخضراوي إِنَّهَا لَا تفِيد الِامْتِنَاع بِوَجْه وَلَا يدل على امْتنَاع الشَّرْط وَلَا امْتنَاع الْجَواب بل هِيَ لمُجَرّد الرَّبْط أَي ربط الْجَواب بِالشّرطِ دلَالَة على التَّعْلِيق فِي الْمَاضِي كَمَا دلّت إِن على التَّعْلِيق فِي الْمُسْتَقْبل وَلم تدل بِالْإِجْمَاع على امْتنَاع وَلَا ثُبُوت بإلا إِذْ لَو كَانَ من مدلولها الِامْتِنَاع مَا أغفله سِيبَوَيْهٍ فِي بَيَان مَعْنَاهَا قَالَ الْجمال بن هِشَام فِي الْمُغنِي وَهَذَا الَّذِي قَالَاه كإنكار الضروريات إِذْ فهم الِامْتِنَاع فِيهَا كالبديهي فَإِن كل من سمع (لَو فعل) فهم عدم وُقُوع الْفِعْل من غير تردد وَلِهَذَا جَازَ استداركه فَنَقُول لَو جَاءَ زيد لأكرمته لكنه لم يَجِيء وَالْمُخْتَار فِي تَحْرِير الْعبارَة فِي مَعْنَاهَا وفَاقا لِابْنِ مَالك أَنَّهَا حرف يَقْتَضِي امْتنَاع مَا يَلِيهِ واستلزامه لتاليه من غير تعرض لنفي التَّالِي قَالَ فقيام زيد من قَوْلك لَو قَامَ زيد قَامَ عَمْرو مَحْكُوم بانتفائه ويكونه مستلزما ثُبُوته لثُبُوت قيام من عَمْرو وَهل لعَمْرو قيام آخر غير اللَّازِم عَن قيام زيد أَو لَيْسَ لَهُ لَا تعرض لذَلِك قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَهَذِه أَجود الْعبارَات ثمَّ يَنْتَفِي التَّالِي أَيْضا إِن ناسب الأول بِأَن لزمَه عقلا أَو شرعا أَو عَادَة وَلم يخلف الْمُقدم غَيره فِي ترَتّب التَّالِي عَلَيْهِ ك {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} [الْأَنْبِيَاء: 22] أَي السَّمَوَات وَالْأَرْض ففسادهما أَي خروجهما عَن نظامهما الْمشَاهد مُنَاسِب لتَعَدد الْآلهَة للزومه على وفْق الْعَادة عِنْد تعدد الْحَاكِم من التمانع فِي الشَّيْء وَعدم الِاتِّفَاق عَلَيْهِ وَلم يخلف التَّعَدُّد فِي ترَتّب الْفساد غَيره فَيَنْتَفِي الْفساد بِانْتِفَاء التَّعَدُّد المفاد بلو (وَلَا) يَنْتَفِي التَّالِي (إِن خَلفه) أَي الأول غَيره كَقَوْلِك لَو كَانَ إنْسَانا لَكَانَ حَيَوَانا فالحيوان مُنَاسِب للْإنْسَان للزومه لَهُ عقلا لِأَنَّهُ جزؤه وَخلف الْإِنْسَان فِي ترَتّب الْحَيَوَان غَيره كالحمار فَلَا يلْزم بِانْتِفَاء الْإِنْسَان عَن شَيْء المفاد بلو انْتِفَاء الْحَيَوَان عَنهُ لجَوَاز أَن يكون حمارا كَمَا لَا يجوز أَن يكون حجرا وَيثبت التَّالِي مَعَ انْتِفَاء الأول (إِن لم يناف) انتفاؤه وناسب الأول إِمَّا بالأولي نَحْو نعم العَبْد صُهَيْب (لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ) رتب عدم الْعِصْيَان على عدم الْخَوْف وَهُوَ بالخوف المفاد بلو أنسب فيترتب عَلَيْهِ أَيْضا فِي(2/570)
قَصده والمعني أَنه لَا يَعْصِي الله مُطلقًا لَا مَعَ الْخَوْف وَهُوَ ظَاهر وَلَا مَعَ انتفائه إجلالا لَهُ تَعَالَى عَن أَن يعصيه أَو الْمسَاوِي النَّحْو قَوْله
فِي بنت أم سَلمَة (لَو لم تكن ربيبتي) فِي حجري مَا حلت لي إِنَّهَا لأبنة أخي من الرضَاعَة رَوَاهُ الشَّيْخَانِ رتب عدم حلهَا على عدم كَونهَا ربيبته للرضاع الْمُنَاسب لَهُ شرعا فترتب أَيْضا فِي قَصده على كَونهَا ربيبته المفاد بلو الْمُنَاسب لَهُ شرعا كمناسبته للْأولِ سَوَاء لمساواة حُرْمَة الْمُصَاهَرَة لحُرْمَة الرَّضَاع والمعني أَنَّهَا لَا تحل لي أصلا لِأَن بهَا وصفين لَو انْفَرد كل مِنْهُمَا حرمت لَهُ كَونهَا ربيبة وَكَونهَا ابْنة أخي من الرَّضَاع أَو الأدون كَقَوْلِك لَو انْتَفَت أخوة الرَّضَاع مَا حلت للنسب هُوَ على نسق مَا تقدم فِيهَا قبله وَحُرْمَة الرَّضَاع أدون من حُرْمَة النّسَب (ويليها) أَي (لَو) اسْم على إِضْمَار فعل يفسره ظَاهر بعده اخْتِيَارا كَقَوْلِهِم (لَو ذَات سوار لطمتني) وَقَول عمر (لَو غَيْرك قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَة) (و) يَليهَا أَيْضا جُزْءا ابْتِدَاء اخْتِيَارا فَيُقَال لَو زيد قَائِم وَفَارَقت (إِن) فِي ذَلِك حَيْثُ لَزِمت الْمَاضِي وَلم تعْمل خلافًا للبصرية فيهمَا حَيْثُ قَالُوا لَا يَليهَا إِلَّا الْفِعْل ظَاهرا وَلَا يَليهَا مضمرا إِلَّا فِي الضَّرُورَة أَو فِي نَادِر كَلَام وَمن الضَّرُورَة عِنْدهم قَوْله:(2/571)
1316 -
(لَو غَيْرُكم عَلِقَ الزُّبيرُ بحَبْلهِ ... أدَّي الجوارَ إِلَى بني العوَّام)
وَقَوله: 1317 -
(لوْ بِغَيْر المَاء حَلْقي شَرقٌ ... )
وَفِي التَّنْزِيل {قل لَو أَنْتُم تَمْلِكُونَ} [الْإِسْرَاء: 100] فاستدل بِهِ الْأَولونَ وتأوله المانعون على أَن الأَصْل لَو كُنْتُم تَمْلِكُونَ فحذفت كَانَ وانفصل الضَّمِير وجوابها فِي الْغَالِب فعل مضارع مجزوم بلم كَقَوْلِه: 1318 -
(فَلَو كَانَ حمدٌ يُخْلدُ النَّاس لم يمت ... ولكنّ حمد النَّاس لَيْسَ بمُخْلِدِ)
(أَو) فعل ماضي مُثبت وَالْغَالِب حِينَئِذٍ اقترانه بِاللَّامِ الْمَفْتُوحَة كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا} [الْأَنْفَال: 23] وَمن غير الْغَالِب {لَو نشَاء جَعَلْنَاهُ أجاجا} [الْوَاقِعَة: 70] (أَو) مَاض منفي وَالْغَالِب خلوه من اللَّام نَحْو {لَو شَاءَ الله مَا أشركنا} [الْأَنْعَام: 148] وَمن غير الْغَالِب قَوْله: 1319 -
(وَلَو نُعْطَى الْخِيَار لما افترقْنا ... )(2/572)
وَقد يقْتَرن جوابها بإذا نَحْو (لَو جئتني إِذا لأكرمتك) وندر كَونه تَعَجبا مَقْرُونا بِاللَّامِ قَالَ: 1320 -
(فَلَو متُّ فِي ويم وَلم آتٍ عَجْزةً ... يُضَعِّفِني فِيهَا امْرُؤ غيرُ عَاقل)
(لأكْرمْ بهَا من مَيْتَةٍ إِن لقيتُها ... أطاعِنُ فِيهَا كل خِرْق مُنازل)
(و) ندر كَونه مصدرا بِرَبّ أَو الْفَاء كَقَوْلِه: 1321 -
(لَو كَانَ قَتْلٌ يَا سلامُ فراحةٌ ... )
فَإِن وَقع الْجَواب فِي الظَّاهِر جملَة اسمية فجواب قسم مَحْذُوف مغن عَن جوابها وَلَيْسَ بجوابها خلافًا للزجاج كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَلَو أَنهم آمنُوا وَاتَّقوا لمثوبة من عِنْد الله خير} [الْبَقَرَة: 103] فجواب لَو مَحْذُوف لدلَالَة مَا بعده عَلَيْهِ وَتَقْدِيره لأثيبوا وَقَوله لمثوبة إِلَى آخِره جَوَاب قسم مَحْذُوف تَقْدِيره وَالله لمثوبة وَقَالَ الزّجاج بل هُوَ جَوَاب (لَو) وَاللَّام هِيَ الدَّاخِلَة فِي جوابها ويحذف جَوَاب (لَو) لدَلِيل وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الجِبَالُ} [الرَّعْد: 31] الْآيَة أَي لَكَانَ هَذَا الْقُرْآن قَالَ أَبُو حَيَّان وَيحسن حذفه فِي طول الْكَلَام(2/573)
وَترد لَو لِلتَّمَنِّي كَقَوْلِك لَو تَأتِينِي فتحدثني وَأنكر ذَلِك قوم وَقَالُوا لَيست قسما برأسها وَإِنَّمَا هِيَ الشّرطِيَّة أسربت معنى التَّمَنِّي (و) على الأول لَا جَوَاب لَهَا فِي الْأَصَح قَالَ أَبُو حَيَّان هَذَا ظَاهر الْمَنْقُول وَنَصّ عَلَيْهِ شَيخنَا أَبُو الْحسن بن الصَّائِغ وَأَبُو مَرْوَان عبيد الله بن عمر بن هِشَام الْحَضْرَمِيّ فِي شرح قصيدة ابْن دُرَيْد قَالَ وَالَّذِي يظْهر أَنَّهَا لَا بُد لَهَا من جَوَاب لكنه الْتزم حذفه لإشرابها معنى التَّمَنِّي لِأَنَّهُ مَتى أمكن تقليل الْقَوَاعِد وَجعل الشَّيْء من بَاب الْمجَاز كَانَ أولى من تَكْثِير الْقَوَاعِد وادعاء الِاشْتِرَاك لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى وضعين وَالْمجَاز لَيْسَ فِيهِ إِلَّا وضع وَاحِد وَهُوَ الْحَقِيقَة انْتهى وَنقل الشَّيْخ جمال الدّين بن هِشَام فِي الْمُغنِي عَن ابْن الصَّائِغ وَابْن هِشَام أَنَّهُمَا قَالَا يحْتَاج إِلَى جَوَاب كجواب الشَّرْط وَهُوَ سَهْو وَقَوْلِي فِي الْأَصَح رَاجع إِلَى الْأَمريْنِ مَعًا وُرُودهَا لِلتَّمَنِّي واستغناؤها عَن الْجَواب كَمَا تبين وَقيل وَترد للتقليل نَحْو:
(تصدقوا وَلَو بظلف محرق)(2/574)
لَوْلَا ولوما
(لَوْلَا ولوما حرفا امْتنَاع لوُجُود) نَحْو لَوْلَا زيد لأكرمتك فَامْتنعَ الْإِكْرَام لوُجُود زيد (وَإِنَّمَا يَليهَا اسْم أَو أَن) الثَّقِيلَة وَتقدم إعرابه فِي بَاب الْمُبْتَدَأ (أَو أَن) المخففة مِنْهَا أَو الناصبة نَحْو: {فلولا أَنه كَانَ من المسبحين للبث} [الصافات: 143، 144] {لَوْلَا أَن من الله علينا لخسف بِنَا} [الْقَصَص: 82] {وَلَوْلَا أَن يكون النَّاس أمة وَاحِدَة لجعلنا} [الزخرف: 33] قَالَ فِي الْمُغنِي وَتصير أَن وصلتها مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر وجوبا أَو مُبْتَدأ لَا خبر لَهُ أَو فَاعِلا يثبت محذوفا على الْخلاف السَّابِق فِي (لَو وجوابهما مَاض مَعَ (مَا) النافية نَحْو: {وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُمِّ مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النُّور: 21] أَو مُثبت مَعَ اللَّام نَحْو: {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لمسكم} [النُّور: 14] وحذفها أَي اللَّام ضَرُورَة خَاص بالشعر أَو قَلِيل فِي الْكَلَام اخْتلف فِيهِ كَلَام ابْن عُصْفُور فَمرَّة قَالَ بِالْأولِ وَمرَّة قَالَ بِالثَّانِي وَلم يَقع مِنْهُ فِي الْقُرْآن شَيْء وَمن وُقُوعه فِي الشّعْر قَوْله: 1323 -
(لَوْلَا الحياءُ وبَاقِي الدِّين عِبْتُكُما ... )
وَيجوز حذفه أَي جَوَاب (لَوْلَا) لدَلِيل قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النُّور: 20] أَي لَو أخذكم وتردان أَي لَوْلَا ولوا للتحضيض وَهُوَ طلب بحث وإزعاج(2/575)
وَترد أَيْضا لَهُ (هلا وَألا) بِالتَّشْدِيدِ وَالْأَرْبَعَة حِينَئِذٍ بسائط أَي غير مركبة كَمَا اخْتَارَهُ القواس فِي شرح الكافية قَالَ لِأَن الأَصْل عدم التَّرْكِيب وَقيل الْأَرْبَعَة مركبات من (لَو) و (لَا) و (لَو) و (مَا) و (هَل) و (لَا) وقلبت الْهَاء فِي هلا للهمزة ذكره فِي الْأَرْبَعَة أَبُو حَيَّان فِي شرح التسهيل والسكاكي فِي الْمِفْتَاح وَذكره فِي (هلا) و (أَلا) ابْن مَالك فِي بَاب الِاشْتِغَال من شرح التسهيل وَحِينَئِذٍ فتختص بِفعل وَلَو مُقَدرا فِي الْأَصَح نَحْو {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النُّور: 13] {لَو مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ} [الْحجر: 7] هلا ضربت زيدا أَلا أكرمت عمرا وَمِثَال تَقْدِير الْفِعْل {وَلَوْلَا إِذْ سمعتموه قُلْتُمْ} [النُّور: 16] 1324 -
(فَهَلا نَفْسُ لَيْلَى شَفِيعُها ... )
أَلا زيدا ضَربته وَذهب بَعضهم إِلَى جَوَاز مَجِيء جملَة الِابْتِدَاء بعد هَذِه الْحُرُوف مستدلا بِالْبَيْتِ الْمَذْكُور وَمن خلوها من التوبيخ: {لَوْلَا أخرتني إِلَى أجل قريب} [المُنَافِقُونَ: 10] وَقد تفيده أَي التحضيض (لَو وَألا) بِالتَّخْفِيفِ ذكر ذَلِك ابْن مَالك فِي التسهيل نَحْو لَو تنزل عندنَا فتصيب خيرا ( {أَلا تحبون أَن يغْفر الله لكم} [النُّور: 22] {أَلا تقاتلون قوما نكثوا} [التَّوْبَة: 13](2/576)
وَقَالَ وَترد (لَوْلَا) و (هلا) استفهامية و (لَوْلَا) نَافِيَة وَجعل من الأول ( {لَوْلَا أخرتني إِلَى أجل قريب} [المُنَافِقُونَ: 10] {لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ ملك} [الْأَنْعَام: 8] وَمن الثَّانِي: {فلولا كَانَت قَرْيَة آمَنت} [يُونُس: 98] قَالَ ابْن هِشَام وَأَكْثَرهم لم يذكرُوا ذَلِك وَالظَّاهِر أَن الأولى للعرض وَالثَّانيَِة مثل: {لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النُّور: 13] وَالثَّالِثَة كَذَلِك أَي فَهَلا كَانَت قَرْيَة وَاحِدَة من الْقرى الْمهْلكَة تابت عَن الْكفْر قبل مَجِيء الْعَذَاب فنفعها ذَلِك وَيُؤَيِّدهُ قِرَاءَة أبي (فَهَلا) وَيلْزم من هَذَا الْمَعْنى النَّفْي لِأَن التوبيخ يَقْتَضِي عدم الْوُقُوع وَقَالَ المالقي لم ترد (لوما) إِلَّا للتحضيض نَقله عَنهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي
أما
(أما) بِالْفَتْح وَالتَّشْدِيد وَيُقَال فِيهَا (أَيّمَا) بإبدال ميمها الأولى يَاء استثقالا للتضعيف قَالَ: 1325 -
(رَأتْ رَجُلاً أيْما إِذا الشّمْسُ عارَضَتْ ... )(2/577)
الْأَصَح أَنَّهَا حرف بسيط وَقيل مركب من أم وَمَا مَعْنَاهُ مهما يكن من شَيْء فَهِيَ نائبة عَن أَدَاة الشَّرْط وَفعل الشَّرْط مَعًا بعد حذفهما وَقيل عَن فعل الشَّرْط فَقَط قَالَه فِي الْبَسِيط وَقَالَ أَبُو حَيَّان مَا ذكر فِي مَعْنَاهُ هُوَ من حَيْثُ صَلَاحِية التَّقْدِير وَلَا جَائِز أَن يكون مرادفا لَهُ من حَيْثُ الْمَعْنى لِأَن مفعولية الْحَرْف مباينة لمفعولية الِاسْم وَالْفِعْل فتستحيل المرادفة وَلِأَن فِي يكن ضميرا يعود على (مهما) وَفِي الْجَواب ضمير يعود على الشَّرْط وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي أما وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا لَو كَانَت شرطا لَكَانَ مَا بعْدهَا متوقفا عَلَيْهَا وَأَنت تَقول أما علما فعالم فَهُوَ عَالم ذكرته وَلم تذكره بِخِلَاف إِن قَامَ زيد قَامَ عَمْرو فقيام عَمْرو مُتَوَقف على قيام زيد وَأجِيب بِأَنَّهُ قد يَجِيء الشَّرْط على مَا ظَاهره عدم التَّوَقُّف عَلَيْهِ كَقَوْلِه: 1326 -
(من يَكُ ذَا بَتًّ فَهَذَا بَتّى ... )
أَلا ترى أَن بته مَوْجُود كَأَن لغيره بت أم لم يكن وَمن ثمَّ أَي من هُنَا وَهُوَ كَونهَا فِي معنى الشَّرْط أَي من أجل ذَلِك لَزِمت الْفَاء جوابها فَلم تحذف دون ضَرُورَة وَكَذَا دون تَقْدِير قَول على الْأَصَح نَحْو: {فَأَما الَّذين آمنُوا فيعلمون} [الْبَقَرَة: 26] لَا جَائِز أَن تكون الْفَاء للْعَطْف لِأَن العاطفة لَا تعطف الْخَبَر على مبتدئه وَلَا زَائِدَة إِذْ لَا يَصح الِاسْتِغْنَاء عَنْهَا فَتعين أَنَّهَا فَاء الْجَزَاء وَقَالَ أَبُو حَيَّان هَذِه الْفَاء جَاءَت فِي اللَّفْظ خَارِجَة عَن قياسها لِأَنَّهَا لم تَجِيء رابطة بَين جملتين وَلَا عاطفة مُفردا على مثله وَالتَّعْلِيل بِكَوْن أما فِي معنى الشَّرْط لَيْسَ بجيد لِأَن جَوَاب مهما يكن من شَيْء لَا تلْزم فِيهِ الْفَاء إِذا كَانَ صَالحا لأداة الشَّرْط وَالْفَاء لَازِمَة بعد أما كَانَ مَا(2/578)
دخلت عَلَيْهِ صَالحا لَهَا أم لم يكن أَلا ترى أَنه يُقَال مهما يكن من شَيْء لم أبال بِهِ وَيمْتَنع ذَلِك فِي (أما) وَيجب ذكر الْفَاء فَدلَّ على أَن لُزُوم الْفَاء لَيْسَ لأجل ذَلِك ... انْتهى وَقد تحذف الْفَاء فِي الضَّرُورَة كَقَوْلِه: 1327 -
(فأمّا القِتَالُ لَا قِتَال لَدَيْكُمُ ... )
وَيجوز حذفهَا فِي سَعَة الْكَلَام إِذا كَانَ هُنَاكَ قَول مَحْذُوف كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَأَما الَّذين اسودت وُجُوههم أكفرتم} [آل عمرَان: 106] الأَصْل فَيُقَال لَهُم أكفرتم فَحذف القَوْل اسْتغْنَاء عَنهُ بالمقول فتبعته الْفَاء فِي الْحَذف وَرب شَيْء تبعا وَلَا يَصح اسْتِقْلَالا هَذَا قَول الْجُمْهُور وَزعم بعض الْمُتَأَخِّرين أَن الْفَاء لَا تحذف فِي غير الضَّرُورَة أصلا وَأَن الْجَواب فِي الْآيَة فَذُوقُوا الْعَذَاب وَالْأَصْل فَيُقَال لَهُم ذوقوا فَحذف القَوْل وانتقلت الْفَاء للمقول وَأَن مَا بَينهمَا اعْتِرَاض وَمن أجل ذَلِك أَيْضا لم يلها فعل لِأَنَّهَا لما قدرت بمهما يكن وَجعلُوا لَهَا جَوَابا تعذر إيلاؤها الْفِعْل من حَيْثُ أَن فعل الشَّرْط لَا يَلِيهِ فعل إِلَّا إِن كَانَ جَوَابا وَالْفَرْض أَن مَا بعد الْفَاء جَوَاب وتفيد أما التَّفْصِيل فتكرر غَالِبا نَحْو: {فَأَما الَّذين آمنُوا فيعلمون أَنه الْحق من رَبهم وَأما الَّذين كفرُوا فَيَقُولُونَ} [الْبَقَرَة: 26] قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَالتَّفْصِيل غَالب أحوالها قَالَ وَقد يتْرك تكرارها اسْتغْنَاء بِذكر أحد الْقسمَيْنِ عَن الآخر أَو بِكَلَام يذكر بعْدهَا فِي مَوضِع ذَلِك الْقسم فَالْأول نَحْو: {فَأَما الَّذين آمنُوا بِاللَّه واعتصموا بِهِ} [النِّسَاء: 175] الْآيَة أَي وَأما الَّذين(2/579)
كفرُوا فَلهم كَذَا وَكَذَا وَالثَّانِي نَحْو: {فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ} [آل عمرَان: 7] الْآيَة وَأما غَيرهم فيؤمنون بِهِ ويكلون مَعْنَاهُ إِلَى رَبهم وَيدل على ذَلِك: {والراسخون فِي الْعلم} [آل عمرَان: 7] إِلَى آخِره وتفيد التوكيد قَالَ فِي الْمُغنِي وَقل من ذكره قَالَ وَلم أر من أحكم شَرحه غير الزَّمَخْشَرِيّ فَإِنَّهُ قَالَ فَائِدَة (أما) فِي الْكَلَام أَن تعطيه فضل توكيد تَقول زيد ذَاهِب فَإِذا قصدت توكيد ذَلِك وَأَنه لَا محَالة ذَاهِب وَأَنه بصدد الذّهاب وَأَنه مِنْهُ عَزِيمَة قلت أما زيد فذاهب وَكَذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي تَفْسِيره مهما يكن من شَيْء فزيد ذَاهِب وَهَذَا التَّفْسِير يدل بفائدتين بَيَان كَونه توكيدا وَأَنه فِي معنى الشَّرْط انْتهى وتفصل أما من الْفَاء بِوَاحِد من أَرْبَعَة أُمُور إِمَّا بمبتدأ كالآيات السَّابِقَة أَو خبر نَحْو أما فِي الدَّار فزيد وَقيل الْفَصْل بِهِ قَلِيل نَقله فِي ((الْمُغنِي)) عَن الصفار أَو مَعْمُول لما بعْدهَا إِمَّا صَرِيحًا نَحْو: {فَأَما الْيَتِيم فَلَا تقهر} [الضُّحَى: 9] أَو مُفَسرًا نَحْو أما زيد فَاضْرِبْهُ قَالَ سِيبَوَيْهٍ أَو جملَة شَرط نَحْو {فَأَما إِن كَانَ من المقربين فَروح وَرَيْحَان} [الْوَاقِعَة: 88، 89] لَا بجملة تَامَّة أَن هَذَا التَّقْدِيم إِنَّمَا جَازَ للاضطرار ليحصل الْفَصْل بَين أما وَالْفَاء وَذَلِكَ حَاصِل باسم وَاحِد فَبَقيَ الزَّائِد على أَصله من الْمَنْع إِذْ الْفَاء لَا يتَقَدَّم عَلَيْهَا مَا بعْدهَا قَالَ أَبُو حَيَّان إِلَّا أَن كَانَت للدُّعَاء نَحْو أما زيدا رَحِمك الله فَاضْرب
عمل مَا بعد الْفَاء فِيمَا قبلهَا
مَسْأَلَة يعْمل مَا بعد الْفَاء فِيمَا قبلهَا هُنَا وفَاقا كَمَا تقدم فِي قَوْله: {فَأَما الْيَتِيم فَلَا تقهر} [الضُّحَى: 9] ثمَّ قَالَ سِيبَوَيْهٍ مَا جَازَ عمله بعد حذف أما وَالْفَاء عمل فِيمَا قبل وَمَا لَا فَلَا أَلا ترى أَنَّك لَو حذفت أما وَالْفَاء فِي الْآيَة وَقلت الْيَتِيم لَا تقهر لَكَانَ جَائِزا بِخِلَاف نَحْو أما زيدا فَإِنِّي ضَارب لَا يجوز إِذْ لَو حذفت أما وَالْفَاء لم يجز تقدم(2/580)
مَعْمُول خبر إِن عَلَيْهَا وَكَذَا لَا يجوز أما درهما فعندي عشرُون إِذْ الْمُمَيز لَا يعْمل فِيمَا قبله وفَاقا وَقَالَ الْمبرد أَولا وَابْن درسْتوَيْه زِيَادَة على ذَلِك وَإِن أَيْضا يعْمل مَا بعْدهَا فِيمَا قبلهَا مَعَ أما خَاصَّة نَحْو أما زيدا فَإِنِّي ضَارب وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا لم يرد بِهِ سَماع وَلَا يَقْتَضِيهِ قِيَاس صَحِيح قَالَ وَقد رَجَعَ الْمبرد إِلَى مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ فِيمَا حَكَاهُ ابْن ولاد عَنهُ قَالَ الزّجاج رُجُوعه مَكْتُوب عِنْدِي بِخَطِّهِ فَلِذَا لم أحكه عَنهُ فِي الْمَتْن وَقَالَ الْفراء زِيَادَة على ذَلِك وكل نَاسخ يدْخل على الْمُبْتَدَأ من أَخَوَات إِن وَغَيرهَا نَحْو أما زيدا فليتني ضَارب وَأما عمرا فلعلي مكرم وَقيل يخْتَص ذَلِك بالظرف وَالْمَجْرُور للتوسع فِيهِ نَحْو أما الْيَوْم فَإِنِّي ذَاهِب وَأما فِي الدَّار فَإِن زيدا جَالس وَقيل زِيَادَة على ذَلِك وَفعل التَّعَجُّب إِذا كَانَ مُتَعَدِّيا نَحْو أما زيدا فَمَا أزورني لَهُ قَالَه الْكُوفِيُّونَ وعللوه بِأَن التَّعَجُّب مَحْمُول على مَعْنَاهُ والمعني أما زيدا فَأَنا أَزورهُ كثيرا بِخِلَاف غير الْمُتَعَدِّي إِذا اتَّصل بضمير الِاسْم فَلَا يجوز أما زيدا فَمَا أحْسنه نعم يجوز إِذا لم يتَّصل لَهُ نَحْو أما زيدا فَمَا أحسن وَلَا تعْمل أما فِي اسْم صَرِيح فَلَا تنصب الْمَفْعُول خلافًا للكوفية حَيْثُ أجازوه لما فِيهَا من معنى الْفِعْل ورد بِأَن الْأَسْمَاء الصَّرِيحَة لَا تعْمل فِيهَا الْمعَانِي وَبِأَنَّهُ لَا يحفظ من كَلَامهم أما زيدا فَعنده عشرُون درهما وَلَا أما زيدا فقائم غير الظّرْف وَالْمَجْرُور وَالْحَال فَإِنَّهَا تعْمل فِيهَا وفَاقا لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء يعْمل فِيهَا مَا فِيهِ معنى الْفِعْل(2/581)
الْحُرُوف غير العاطفة
الْكَلَام فِي بَقِيَّة الْحُرُوف غير العاطفة فَإِن تِلْكَ تَأتي فِي مَبْحَث عطف النسق
الْهمزَة
الْهمزَة للاستفهام وَالْمرَاد بِهِ طلب الإفهام وَهِي الأَصْل فِيهِ لكَونهَا حرفا بِخِلَاف مَا عدا هَذِه من أدواته فَلم تخرج عَن موضوعها فَلم تسْتَعْمل لنفي وَلَا بِمَعْنى قد بِخِلَاف هَل (وَمن ثمَّ) أَي من أجل أصالتها فِيهِ اخْتصّت بالحذف أَي بِجَوَاز حذفهَا كَقَوْلِه: 1328 -
(طَربْتُ وَمَا شَوْقاً إِلَى الْبيض أَطْرَبُ ... وَلَا لَعِبًا مني وذُو الشّيْبِ يَلْعَبُ)
أَرَادَ أَو ذُو الشيب وَسَائِر الأدوات لَا تحذف ودخولها على النَّفْي كَمَا تدخل على الْإِثْبَات نَحْو ألم يقم زيد وَغَيرهَا لَا يدْخل إِلَّا على الْإِثْبَات خَاصَّة ودخولها على (وَاو الْعَطف وفائه وَثمّ) تَنْبِيها على أصالتها فِي التصدير نَحْو: {أولم يَسِيرُوا فِي الأَرْض} [الرّوم: 9] {أَفلا تعقلون} [آل عمرَان: 65] {أَثم إِذا مَا وَقع آمنتم بِهِ} [يُونُس: 51] بِخِلَاف غَيرهَا من الأدوات فَلَا يتَقَدَّم العاطف بل يتَأَخَّر عَنهُ كَمَا هُوَ قِيَاس جَمِيع أَجزَاء الْجُمْلَة المعطوفة نَحْو: {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} [الْمَائِدَة: 91] {فَكيف إِذا أَصَابَتْهُم} [النِّسَاء: 62] {فَأَيْنَ تذهبون} [التكوير: 26] {فَأنى تؤفكون} [الْأَنْعَام: 95] (فَأَيُّ(2/582)
الفَرِيقَيْنِ} [الْأَنْعَام: 81] {فَمَا لَكُمْ فِي المُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النِّسَاء: 88] هَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور خلافًا للزمخشري حَيْثُ قَالَ إِن الْهمزَة فِي الْمَوَاضِع السَّابِقَة ونحوهافي محلهاالأصلي وَإِن الْعَطف على جملَة مقدرَة بَينهَا وَبَين العاطف مُحَافظَة على إِقْرَار حرف الْعَطف على حَاله من غير تَقْدِيم وَلَا تَأْخِير فَيقدر (امكثوا) (وَلم يَسِيرُوا) (أتجهلون فَلَا تعقلون) قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ تَقْدِير مَا لَا دَلِيل عَلَيْهِ من غير حَاجَة إِلَيْهِ وَقَالَ ابْن هِشَام يُضعفهُ مَا فِيهِ من التَّكَلُّف وَأَنه غير مطرد (و) دُخُولهَا على الشَّرْط نَحْو: {أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الخَالِدُونَ} [الْأَنْبِيَاء: 34] بِخِلَاف (هَل) فَلَا تدخل عَلَيْهِ (و) على (إِن) نَحْو: {أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ} [يُوسُف: 90] بِخِلَاف (هَل) وَعدم إِعَادَتهَا بعد أم يُقَال أَزِيد فِي الدَّار أم عَمْرو وَأقَام زيد أم قعد وَلَا يجوز أم أعمرو وَلَا أم أقعد بِإِعَادَة الْهمزَة كَمَا يُعَاد الْجَار بعْدهَا توكيدا فِي نَحْو أَعلَى زيد غضب أم على عَمْرو لِأَن الْهمزَة لم تقع بعد حرف الْعَطف تأسيسا بل يجب تَقْدِيمهَا عَلَيْهِ كَمَا تقدم فَلم تقع بعده تَأْكِيدًا بِخِلَاف غَيرهَا من الأدوات فَإِنَّهَا تُعَاد بعد (أم) نَحْو: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} [الرَّعْد: 16] {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ} [الْملك: 20] {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ} [الْملك: 21] وورودها لطلب التَّصَوُّر نَحْو أَزِيد قَائِم أم عَمْرو أدبس فِي الْإِنَاء أم خل والتصديق نَحْو أَزِيد قَائِم وَأقَام زيد بِخِلَاف (هَل) فَإِنَّهَا للتصديق خَاصَّة وَبَقِيَّة الأدوات للتصور خَاصَّة (و) وُرُودهَا للتسوية نَحْو: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ} [الْبَقَرَة: 6] وَالْإِنْكَار نَحْو: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ المَلائِكَةِ إِنَاثًا} [الْإِسْرَاء: 40] {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ} [ق: 15] أَي لم يَقع ذَلِك ومدعيه كَاذِب(2/583)
(والتوبيخ) أَي اللوم على مَا وَقع نَحْو: {أتعبدون مَا تنحتون} [الصافات: 95] (والتقرير) أَي حمل الْمُخَاطب على الْإِقْرَار نَحْو: {ألم نشرح لَك صدرك} [الشَّرْح: 1] أَي شرحنا (والتهكم) نَحْو: {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [هود: 87] (وَالْأَمر) نَحْو: {أسلمتم} [آل عمرَان: 20] أَي أَسْلمُوا (والتعجب) نَحْو: {ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل} [الْفرْقَان: 45] (والاستبطاء) نَحْو: {ألم يَأن للَّذين آمنُوا} [الْحَدِيد: 16] وَسَائِر الأدوات لَا ترد لشَيْء من ذَلِك
الْألف اللينة
الْألف اللينة وَهِي الَّتِي لَا تقبل الْحَرَكَة قَالَ ابْن جني وَهَذَا الْمُسَمّى (لَا) الَّذِي يذكر قبل (الْيَاء) عِنْد عد الْحُرُوف وَأَنه لم يُمكن أَن يلفظ بِهِ فِي أول اسْمه كَمَا فعل فِي أخواته إِذْ قيل صَاد جِيم توصل إِلَى النُّطْق بِهِ بِاللَّامِ كَمَا توصل إِلَى اللَّفْظ بلام التَّعْرِيف بِالْألف حِين قيل فِي الِابْتِدَاء الْغُلَام ليتقارضا وَأَن قَول المعلمين لَام ألف خطأ لِأَن كلا من اللَّام وَالْألف قد مضى ذكره وَلَيْسَ الْغَرَض بَيَان كَيْفيَّة تركيب الْحُرُوف بل سرد أَسمَاء الْحُرُوف البسائط قَالَ: وَأما قَول أبي النَّجْم 1329 -
(أقبلتُ من عِنْد زِيَاد كالخَرفْ ... تَخُطَّ رجلاي بخطِّ مختلفْ)
(تُكتِّبان فِي الطَّرِيق لامَ ألِفْ ... )
فَلَعَلَّهُ تَلقاهُ من أَفْوَاه الْعَامَّة لِأَن الْخط لَيْسَ لَهُ تعلق بالفصاحة ... انْتهى(2/584)
وَفِي حَاشِيَة الْكَشَّاف للتفتازاني كل الْحُرُوف إِذا عدت صدر فِيهَا الِاسْم بِالْمُسَمّى إِلَّا الْألف فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِك وَفِي أَيَّتهمَا الأَصْل قَولَانِ قَالَ الْفراء الْهمزَة هِيَ الأَصْل وَالْألف الساكنة هِيَ الْهمزَة ترك همزتها وَقَالَ ابْن كيسَان الْألف هِيَ الأَصْل وَفِي حَاشِيَة الْكَشَّاف للتفتازاني قَالُوا الْألف على ضَرْبَيْنِ لينَة ومتحركة فاللينة تسمى ألفا والمتحركة تسمى همزَة والهمزة اسْم مستحدث لَا أُصَلِّي وَإِنَّمَا يذكر فِي التهجي الْألف لَا الْهمزَة انْتهى وَهَذِه الحملة مُعْتَرضَة وَكَذَا مَا قبلهَا وَخبر الْمُبْتَدَأ قولي وَترد للإنكار جَوَازًا فِي مُنْتَهى المنكور وفقا بعد همزَة لم تفصل كَقَوْلِك لمن قَالَ لقِيت عمرا أعمراه مُنْكرا لِقَاء لَهُ وَشَمل الْمُنْتَهى وَصفه والمعطوف عَلَيْهِ كَقَوْلِك لمن قَالَ رَأَيْت عمرا الْفَاضِل أعمرا الفاضلاه وَلمن قَالَ رَأَيْت زيدا وعمرا أزيدا وعمراه وَذَلِكَ غير لَازم فلك أَن لَا تلْحق وَتقول أعمرا أَو عمرا الْفَاضِل أَو زيدا وعمرا فَإِن وصل الْمُتَكَلّم وَلم يقف امْتنع الْإِلْحَاق نَحْو أعمرا يَا هَذَا وَكَذَا إِن فصلت الْهمزَة من المنكور نَحْو أَتَقول عمرا أَو الْيَوْم عمرا وتقلب بعد ضم واوا وَكسر يَاء للمجانسة كَقَوْلِك لمن قَالَ قَامَ عَمْرو أعمروه وَلمن قَالَ قَامَ زيد الْفَاضِل أَزِيد الفاضلوه وَلمن قَالَ مَرَرْت بِالْحَارِثِ الحارثية (أَو) تقلب بعد تَنْوِين مُطلقًا يَاء سَاكِنة بعد كسر التَّنْوِين لالتقاء الساكنين فَيُقَال فِي قَامَ زيد أزيدنيه وَفِي ضربت زيدا أزيدنيه وَفِي مَرَرْت بزيد أزيدنيه (و) ترد للتذكر كَذَلِك أَي كالإنكار من الِاتِّصَال بمنتهى الْكَلِمَة جَوَازًا كَقَوْل من أَرَادَ أَن يَقُول رَأَيْت الرجل الْفَاضِل فنسي الْفَاضِل فَأَرَادَ مد الصَّوْت ليتذكره إِذْ لم يرد قطع الْكَلَام رَأَيْت الرجلا وَمن أَرَادَ أَن يَقُول قَامَ زيد فنسي زيدا قاما(2/585)
وَفِي قَلبهَا واوا بعد ضمة وياء بعد كسرة للمجانسة كَقَوْل من أَرَادَ أَن يَقُول يقوم زيد فنسي زيد يقومو وَمن أَرَادَ أَن يَقُول قد قَامَ فنسي قَامَ قدي وتقلب بعد السَّاكِن الصَّحِيح أَيْضا يَاء كَقَوْل من أَرَادَ أَن يَقُول لم يضْرب زيد فنسي زيد لم يضربني بِخِلَاف المعتل فَإِنَّهُ يَسْتَغْنِي بِمدَّة عَن مُدَّة التَّذَكُّر نَحْو موسي وتفارق مُدَّة الْإِنْكَار فِي أَنَّهَا لَا تلحقها هَاء السكت لِأَنَّهُ غير قَاصد للْوَقْف وَإِنَّمَا عرض لَهُ مَا أوجب قطع كَلَامه وَهُوَ طَالب لتذكر مَا بَقِي بِخِلَاف الْمُنكر (و) ترد فاصلة بَين الهمزتين جَوَازًا نَحْو {أأنذرتهم} [الْبَقَرَة: 6] وَلَا فرق بَين كَون الثَّانِيَة مُحَققَة أَو مسهلة (و) ترد فاصلة بَين النونين نون النسْوَة وَنون التوكيد نَحْو اضربنان وَهَذِه وَاجِبَة كَمَا سَيَأْتِي (و) ترد لغير ذَلِك كمد الصَّوْت للمنادي المستغاث أَو المتعجب مِنْهُ أَو الْمَنْدُوب كَمَا تقدم فِي مَحَله
أَلا
(أَلا) بِفَتْح الْهمزَة وَالتَّخْفِيف حرف استفتاح وتنبيه وَتدْخل على الجملتين نَحْو: {أَلا إِنَّهُم هم السُّفَهَاء} [الْبَقَرَة: 13] {أَلا يَوْم يَأْتِيهم لَيْسَ مصروفا عَنْهُم} [هود: 8] وتكثر قبل النداء كَقَوْلِه: 1330 -
(أَلا يَا عِبَاد اللهِ قَلْبي مُتَيّمٌ ... )(2/586)
وَيُقَال فِيهَا هلا بإبدال الْهمزَة هَاء قرئَ: {أَلا يسجدوا لله} [النَّمْل: 25]
يَاء التنبه وهاؤه
وكهي فِي التَّنْبِيه يَاء كهذه الْآيَة (وَهَا) وَأكْثر اسْتِعْمَالهَا مَعَ ضمير رفع مُنْفَصِل نَحْو: {هَا أَنْتُم أولاء} [آل عمرَان: 119] وَمَعَ اسْم الْإِشَارَة كَهَذا زيد وَتَقَع مَعَ غَيرهمَا كَقَوْل النَّابِغَة: 1331 -
(هَا إنَّ ذِي عِذْرَةٌ إِن لَا تَكُنْ نفَعَتْ ... فَإِن صاحِبَها مُشَاركُ النّكَدِ)
ويلي يَا غَالِبا أَمر كالآية وَكَقَوْلِه: 1332 -
(أَلا يَا اسْلمي يَا دَار ميّ على البِلَي ... )
(أَو لَيْت) نَحْو: {يَا لَيْت قومِي يعلمُونَ} [يس: 26] (أَو رب) نَحْو (يَا رب كاسية فِي الدُّنْيَا عَارِية يَوْم الْقِيَامَة) وَقد يَليهَا الْجُمْلَة الاسمية كَقَوْلِه:(2/587)
1333 -
(يَا لعنةُ الله والأقوام كلهمُ ... والصّالحين على سمْعانَ مِنْ جَار)
أما
(أما) بِالْفَتْح وَالتَّخْفِيف (كألا) فَهُوَ حرف استفتاح وتنبيه وَيكثر قبل الْقسم كَقَوْلِه: 1334 -
(أما وَالَّذِي أبْكى وأضْحَكَ والّذي ... أمات وأحْيَا وَالَّذِي أمرهُ الأمْر) وتبدل همزتها هَاء وعينا فَيُقَال هما وَعَما وتحذف أَي الْهمزَة فَيُقَال (مَا) قَالَ: 1335 -
(مَا تَرى الدَّهْرَ قَد أباد مَعدًّا ... وأبادَ السّراةَ من عَدْنان)
(أَو) تحذف (الْألف) فِي الْأَحْوَال الثَّلَاثَة فَيُقَال أم وهم وَعم لُغَات (و) تكون (بِمَعْنى حَقًا) وتفتح بعْدهَا أَن نَحْو أما أَنَّك ذَاهِب وَهِي حِينَئِذٍ (اسْم) مرادف لَهُ (أَو حرف) قَالَه ابْن خروف وَجعلهَا مَعَ أَن ومعلومها كلَاما تركب من حرف وَاسم كَمَا قَالَ الْفَارِسِي فِي يَا زيد (أَو مركبة) من كَلِمَتَيْنِ (همزَة الِاسْتِفْهَام وَمَا) اسْم بِمَعْنى شَيْء ذَلِك الشَّيْء حق فَالْمَعْنى أحقا (وَهِي) أَي (أما) حِينَئِذٍ (نصب على الظَّرْفِيَّة) كَمَا انتصب حَقًا على ذَلِك فِي نَحْو قَوْله: 1336 -
(أحقًّا أنَّ جيرتنا اسْتَقَلَّوا ... )(2/588)
هَذِه أَقْوَال قَالَ ابْن هِشَام الثَّالِث قَول سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ الصَّحِيح قَالَ المالقي وَترد أما للعرض بِمَنْزِلَة أَلا فتختص بِالْفِعْلِ نَحْو أما تقوم أما تقعد قَالَ ابْن هِشَام وَقد يَدعِي فِي ذَلِك أَن الْهمزَة للاستفهام التقريري وَمَا نَافِيَة ظَاهر كَلَام ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي أَن الاستفتاح والتنبيه فِي (أَلا) و (أما) متلازمان حَيْثُ جعل التَّنْبِيه مَعْنَاهَا والاستفتاح مَكَانهَا وَعبارَته أَن (لَا) تكون للتّنْبِيه فتدل على تحقق مَا بعْدهَا وَيَقُول المعربون فِيهَا حرف استفتاح فيبينون مَكَانهَا ويهملون مَعْنَاهَا وإفادتها التَّحْقِيق من حَيْثُ تركبها من الْهمزَة (وَلَا) وهمزة الِاسْتِفْهَام إِذا دخلت على النَّفْي أفادت التَّحْقِيق وَظَاهر كَلَام ابْن مَالك وابي حَيَّان أَنَّهُمَا مَعْنيانِ مستقلان وَعبارَة التسهيل وَقد يعزى التَّنْبِيه إِلَى أَلا وَأما وهما للاستفتاح مُطلقًا قَالَ أَبُو حَيَّان فِي شَرحه فِي قَوْله وَقد يعزى إِشْعَار بالقلة بِمَعْنى أَن الْأَكْثَر أَن يَكُونَا للاستفتاح مُطلقًا سَوَاء قصد مَعَ ذَلِك التَّنْبِيه أم لم يقْصد انْتهى
أَي
(أَي) بِالْفَتْح والسكون حرف للتفسير بمفرد نَحْو عِنْدِي عسجد أَي ذهب وغضنفر أَي أَسد فتاليها عطف بَيَان على مَا قبلهَا أَو بدل مِنْهُ وَقيل عطف نسق قَالَه الْكُوفِيُّونَ وصاحبا المستوفي والمفتاح(2/589)
ورد بِأَنا لم نر عاطفا يصلح للسقوط دَائِما وَلَا عاطفا ملازما لعطف الشَّيْء على مرادفه (و) لتفسير جملَة أَيْضا كَقَوْلِه: 1337 -
(وتَرْمِينَني بالطّرْف أيْ أنْتَ مُذْنِبٌ ... )
(فَإِن وَقعت بعد تَقول وَقبل) فعل مُسْند للضمير حُكيَ الضَّمِير نَحْو تَقول أستكتمته الحَدِيث أَي سَأَلته كِتْمَانه يُقَال ذَلِك بِضَم التَّاء وَلَو جِئْت ب (إِذا) مَكَان (أَي) فتحت فَقلت إِذا سَأَلته لِأَن (إِذا) ظرف ل (تَقول)
إِي
(إِي) بِالْكَسْرِ والسكون حرف للجواب كنعم فَيكون لتصديق الْمخبر ولإعلام المستخبر ولوعد الطَّالِب وَتَقَع بعد قَامَ زيد وَهل قَامَ زيد وَاضْرِبْ زيدا ونحوهن كَمَا تقع (نعم (بعدهن (و) تفارق نعم فِي أَنَّهَا لَا تقع إِلَّا قبل الْقسم كَقَوْلِه تَعَالَى: {أَحَق هُوَ قل إِي وربي إِنَّه لحق} [يُونُس: 53] وَنعم تكون مَعَ قسم وَغير قسم قَالَ ابْن الْحَاجِب وَلَا تقع أَيْضا إِلَّا بعد الِاسْتِفْهَام كالآية وَغَيره لم يذكر ذَلِك وَأَشَارَ فِي الْمُغنِي إِلَى تَضْعِيفه وَإِذا وَليهَا حرف الْقسم نَحْو إِي وَالله فَلَا يجوز فِيهَا إِلَّا إِثْبَات الْيَاء فَإِن حذفت الْوَاو ووليها لفظ الله جَازَ فِيهَا سُكُون الْيَاء وَحِينَئِذٍ فيلتقي ساكنان على غير حدهما وَهُوَ من المستثني من قَاعِدَة الْمَنْع (و) جَازَ أَيْضا فتحهَا وحذفها لالتقاء يَاء سَاكِنة مَعَ لَام الله(2/590)
أجل
(أجل) بِسُكُون اللَّام حرف للجواب كنعم فَتكون تَصْدِيقًا للمخبر وإعلاما للمستخبر ووعدا للطَّالِب وَتَقَع بعد نَحْو قَامَ زيد وَمَا قَامَ زيد وَهل قَامَ زيد وَاضْرِبْ زيدا وَلَا تضرب زيدا وخصها قوم بالْخبر دون الِاسْتِفْهَام والطلب وَعَلِيهِ الزَّمَخْشَرِيّ وَابْن مَالك (و) خصها ابْن خروف بِهِ فِي الْغَالِب قَالَ أَكثر مَا تكون بعده (و) خصها المالقي بِغَيْر النَّفْي وَالنَّهْي وَجعلهَا للْخَبَر الْمُثبت والطلب بِغَيْر النَّهْي (و) خصها بَعضهم بِغَيْر الِاسْتِفْهَام أَي بالْخبر والطلب وَقَالَ لَا تَجِيء بعد الِاسْتِفْهَام وَعَن الْأَخْفَش هِيَ بعد الْخَبَر أحسن من (نعم) و (نعم) بعد الِاسْتِفْهَام أحسن مِنْهَا
بجل
(بجل) حرف لَهُ أَي للجواب كنعم وَاسم فعل بِمَعْنى يَكْفِي (و) اسْم مرادف لحسب وَيُقَال على الأول بجلني وَهُوَ نَادِر وعَلى الثَّانِي بجلي قَالَ: 1338 -
(أَلا بَجَلِي مِنَ الشّارب أَلا بَجَلْ ... )
بلي
(بلَى) حرف مرتجل لَهُ أَي للجواب أُصَلِّي الْألف وَلَيْسَ أَصْلهَا بل العاطفة بعد النَّفْي فِي الْفِعْل وَالْألف زَائِدَة عَلَيْهَا دخلت للْإِيجَاب(2/591)
وَقيل للإضراب أَو للتأنيث خلافًا لزاعمه اسْتدلَّ قَائِل الأول بِلُزُوم كَون مَا قبلهَا منفيا أبدا وَالثَّانِي بإمالتها وكتابتها بِالْيَاءِ وَالْقِيَاس على تَأْنِيث (رب) وَثمّ وَنَحْوهمَا بِالتَّاءِ وتختص بِالنَّفْيِ وتثبته سَوَاء كَانَ مُجَردا نَحْو {زعم الَّذين كفرُوا أَن لن يبعثوا قل بلَى} [التغابن: 7] أَو مَقْرُونا بالاستفهام حَقِيقِيًّا كَانَ نَحْو أَلَيْسَ زيد بقائم فَيُقَال بلَى أَو توبيخا نَحْو {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَن لَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} [الْقِيَامَة: 3، 4] أَو تقريريا نَحْو {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} [الْأَعْرَاف: 172] أجري النَّفْي مَعَ التَّقْرِير مجري النَّفْي الْمُجَرّد فِي رده (ببلى) وَلذَلِك قَالَ ابْن عَبَّاس وَغَيره لَو قَالُوا نعم كفرُوا وَوَجهه أَن (نعم) تَصْدِيق للْخَبَر بِنَفْي أَو إِيجَاب وَأما وُقُوعهَا بعد الِاسْتِفْهَام الْمُثبت فِي حَدِيث
(أترْضَوْنَ أَن تَكُونُوا رُبْع أهْلِ الجنّة قَالُوا بلَى) فَهُوَ إِمَّا قَلِيل أَو من تَغْيِير الروَاة كَمَا تقرر فِي غير مَا مَوضِع
جلل
جلل حرف لَهُ أَي للجواب كنعم حَكَاهُ الزّجاج فِي كتاب (الشَّجَرَة) وَيرد اسْما بِمَعْنى عَظِيم قَالَ 1339 -
(قوْمى هُمُ قتلوا أمَيمَ أخى ... فَإِذا رَمَيْتُ يصيبنى سَهْمى)
(وَلَئِن عَفَوْتُ لأعْفُوَن جَللا ... وَلَئِن سَطَوْتُ لأوهِنَن عَظْمِى)(2/592)
وَبِمَعْنى حقير قَالَ امْرُؤ الْقَيْس وَقد قتلوا أَبَاهُ 1340 -
(أَلا كلّ شَيْء سِواه جلَلْ ... )
وَبِمَعْنى أجل قَالُوا فعلت ذَلِك من جللك أَي من أَجلك وَقَالَ جميل 1341 -
(رسْم دَار وقَفْتُ فِي طَلَلِهْ ... كدت أقضِي الْغَدَاة مِنْ جَللهْ)
قيل أَرَادَ من أَجله وَقيل أَرَادَ من عظمه فِي عَيْني
جير
جير بِالْكَسْرِ على أصل التقاء الساكنين كأمس وَالْفَتْح للتَّخْفِيف كأين وَكَيف حرف لَهُ أَي للجواب كنعم قَالَ فِي الْمُغنِي لَا اسْم بِمَعْنى حَقًا فَيكون مصدرا وَلَا بِمَعْنى (أبدا) فَيكون ظرفا وَإِلَّا لأعربت وَدخل عَلَيْهَا (أل) وَلم تؤكد (أجل) فِي قَوْله 1342 -
(أجل جَيْر إنْ كَانَت رواءً أسافِلُه ... )
وَلَا قوبل بهَا (لَا) فِي قَوْله 1343 -
(إِذْ تَقول (لَا) ابنةُ العُجَيْر ... تَصْدقُ (لَا) إِذا تقُول جَيْر)
وَأما قَوْله 1344 -
(وقائلة أسيت فَقلت جَيْر ... )
فالتنوين فِيهِ للترنم وَهُوَ غير مُخْتَصّ بِالِاسْمِ انْتهى(2/593)
وَفِي شرح التسهيل لأبي حَيَّان جير من حُرُوف الْجَواب فِيهَا خلاف أَي اسْم أَو حرف
السِّين وسوف
السِّين وسوف كِلَاهُمَا للتنفيس أَي تَخْلِيص الْمُضَارع من الزَّمن الضّيق وَهُوَ الْحَال إِلَى الزَّمَان الْوَاسِع وَهُوَ الِاسْتِقْبَال قَالَ البصرية وزمانه مَعَ السِّين أضيق مِنْهُ مَعَ سَوف نظرا إِلَى أَن كَثْرَة الْحُرُوف تفِيد مُبَالغَة فِي الْمَعْنى والكوفيون أَنْكَرُوا ذَلِك ورده ابْن مَالك تبعا مِنْهُمَا على الْمَعْنى الْوَاحِد فِي الْوَقْت الْوَاحِد قَالَ تَعَالَى {وسوف يُؤْت الله الْمُؤمنِينَ أجرا عَظِيما} [النِّسَاء: 146] {أُولَئِكَ سنؤتيهم أجرا عَظِيما} [النِّسَاء: 162] {كلا سيعلمون} [النبأ: 4] {ثمَّ كلا سَوف تعلمُونَ} [التكاثر: 4] وَقَالَ الشَّاعِر 1345 -
(وَمَا حالةٌ إلاَّ سَيُصْرَفُ حالُها ... إِلَى حالةٍ أخري وسوف تَزول)
وبالقياس على الْمَاضِي فَإِن الْمَاضِي والمستقبل متقابلان فَكَمَا أَن الْمَاضِي لَا يقْصد بِهِ إِلَّا مُطلق الْمُضِيّ دون تعرض لقرب أَو بعد فَكَذَلِك الْمُسْتَقْبل قلت وَهُوَ مَمْنُوع فَإِن الْمَاضِي أَيْضا فرقوا فِيهِ وَقَالُوا إِن (قد) تقر بِهِ من الْحَال قيل والاستمرار ذكره بَعضهم فِي {سَيَقُولُ السُّفَهَاء} [الْبَقَرَة: 142] مُدعيًا أَن ذَلِك إِنَّمَا نزل بعد قَوْله {مَا ولاهم} [الْبَقَرَة: 142] فَجَاءَت السِّين إعلاما بالاستمرار لَا بالاستقبال قَالَ فِي (الْمُغنِي) وَهَذَا لَا يعرفهُ النحويون وَمَا ذكره من أَن الْآيَة نزلة بعد قَوْلهم مَا ولاهم غير مُوَافق عَلَيْهِ وتختص سَوف خلافًا للسيرافي بِدُخُول اللَّام نَحْو {ولسوف يعطيك رَبك} [الضَّحي: 5] وبجواز فصلها بِالْفِعْلِ ملغي نَحْو 1346 -
(وَمَا أدْري وسوف إخَالُ أدْري ... )(2/594)
والأمران ممتنعان فِي السِّين وجوزهما السيرافي فِيهَا أَيْضا وسو بِحَذْف الْفَاء وسي بحذفها وقلب الْوَاو يَاء مُبَالغَة فِي التَّخْفِيف وسف بِحَذْف الْوسط لُغَات حَكَاهَا الْكُوفِيُّونَ قَالَ الشَّاعِر 1347 -
(فَإِن أهْلِكْ فَسَوْ تَجدون فَقْدِي ... )
وَقيل إِن هَذَا الْحَذف بوجوهه ضَرُورَة خَاص بالشعر لَا لُغَة وَلَيْسَت السِّين مقتطعة مِنْهَا أَي من سَوف بل هِيَ أصل برأسها عَليّ الْأَصَح لِأَن الأَصْل عدم الاقتطاع وَقيل إِنَّهَا فرعها ومقتطعة مِنْهَا وَرجحه ابْن مَالك ورد بِأَنَّهَا لَو كَانَت فرعا لَهَا لساوتها فِي الْمدَّة ولكانت أقل اسْتِعْمَالا مِنْهَا وَأجِيب عَن الأول بالتزامه كَمَا تقدم وَعَن الثَّانِي بِأَن الْفَرْع قد يفوق الأَصْل كنعم وَبئسَ فَإِنَّهُمَا فرعا محرك الْعين وهما أَكثر اسْتِعْمَالا
قد
قد حرف يخْتَص بِالْفِعْلِ الْمُتَصَرف الخبري الْمُثبت الْمُجَرّد من جازم وناصب وحرف تَنْفِيس فَلَا يدْخل على الجامد كعسى و (لَيْسَ) وَلَا الإنشائي كنعم وَبئسَ وَلَا الْمَنْفِيّ وَلَا المقترن بِمَا ذكر وَهِي مَعَه كالجزء وَمن ثمَّ لَا يفصل مِنْهُ بِشَيْء فيقبح أَن يُقَال قد زيدا رَأَيْت إِلَّا بقسم كَقَوْلِه 1348 -
(أخالِدُ قَد وَالله أوْطأت عشْوة ... )
وَسمع (قد لعمري بت ساهرا) و (قد وَالله أَحْسَنت) وَتَكون للتوقع من الْمُضَارع كَقَوْلِك قد يقدم الْغَائِب الْيَوْم إِذا كنت تتَوَقَّع قدومه(2/595)
وَمَعَ الْمَاضِي قَالَ الْخَلِيل يُقَال قد فعل الْقَوْم ينتظرون الْخَبَر وَمِنْه قَول الْمُؤَذّن قد قَامَت الصَّلَاة لِأَن الْجَمَاعَة منتظرون لذَلِك وَفِي التَّنْزِيل {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} [المجادلة: 1] لِأَنَّهَا كَانَت تتَوَقَّع إِجَابَة الله عز وَجل لدعائها وَقيل لَا تكون لَهُ مَعَ الْمَاضِي بل مَعَ الْمُضَارع خَاصَّة لِأَن التوقع انْتِظَار الْوُقُوع والماضي قد وَقع وَأنْكرهُ ابْن هِشَام فِي (الْمُغنِي) مُطلقًا فَقَالَ وَالَّذِي يظْهر لي قَول ثَالِث وَهُوَ أَنَّهَا لَا تفِيد التوقع أصلا أما فِي الْمُضَارع فَلِأَن قَوْلك يقدم الْغَائِب يُفِيد التوقع بِدُونِ (قد) إِذْ الظَّاهِر من حَال الْمخبر عَن مُسْتَقْبل أَنه متوقع لَهُ وَأما فِي الْمَاضِي فَلِأَنَّهُ لَو صَحَّ إِثْبَات التوقع لَهَا بِمَعْنى أَنَّهَا تدخل على مَا هُوَ متوقع لصَحَّ أَن يُقَال فِي لَا رجل بِالْفَتْح أَن لَا للاستفهام لِأَنَّهَا لَا تدخل إِلَّا جَوَابا لمن قَالَ هَل من رجل وَنَحْوه فَالَّذِي بعد (لَا) يستفهم عَنهُ من جِهَة شخص آخر كَمَا أَن الْمَاضِي بعد (قد) متوقع كَذَلِك قَالَ وَعبارَة ابْن مَالك فِي ذَلِك حَسَنَة فَإِنَّهُ قَالَ إِنَّهَا تدخل على مَاض متوقع وَلم يقل إِنَّهَا تفِيد التوقع وَلم يتَعَرَّض للتوقع فِي الدَّاخِلَة على الْمُضَارع الْبَتَّةَ وَهَذَا هُوَ الْحق انْتهى وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي شرح التسهيل لَا يتَحَقَّق التوقع فِي (قد) مَعَ دُخُوله على الْمَاضِي لِأَنَّهُ لَا يتَوَقَّع إِلَّا المنتظر وَهَذَا قد وَقع وَالَّذِي تلقفناه من أَفْوَاه الشُّيُوخ بالأندلس أَنَّهَا حرف تَحْقِيق إِذا دخلت على الْمَاضِي وحرف توقع إِذا دخلت على الْمُسْتَقْبل إِلَّا إِن عني بالتوقع أَنه كَانَ متوقعا ثمَّ صَار مَاضِيا وَتَكون لتقريب الْمَاضِي من الْحَال تَقول قَامَ زيد فَيحْتَمل الْمَاضِي الْقَرِيب والماضي الْبعيد فَإِذا قلت قد قَامَ اخْتصَّ بالقريب والتقليل مَعَ الْمُضَارع نَحْو قد يصدق الكذوب وَقد يجود الْبَخِيل وَالتَّحْقِيق مَعَهُمَا مِثَاله مَعَ الْمَاضِي {قد أَفْلح من زكاها} [الشَّمْس: 9] وَمَعَ الْمُضَارع {قد يعلم مَا أَنْتُم عَلَيْهِ} [النُّور: 64] قَالَ سِيبَوَيْهٍ والتكثير كَقَوْلِه 1349 -
(قد أتْرُك القرْنَ مُصْفرًّا أنامِلُه ... كأنّ أثْوَابَهُ مُجّتْ بفِرصادِ)(2/596)
وَقَالَ ابْن سَيّده وَالنَّفْي وَحكي (قد كنت فِي خير فتعرفه) بِنصب (تعرف) وَأَشَارَ إِلَيْهِ فِي التسهيل بقوله وَرُبمَا نفي بقد فنصب الْجَواب قَالَ ابْن هِشَام وَمحله عِنْدِي على خلاف مَا ذكر وَهُوَ أَن يكون كَقَوْلِك للكذوب هُوَ رجل صَادِق ثمَّ جَاءَ النصب بعْدهَا نظرا إِلَى الْمَعْنى قَالَ وَإِن كَانَا إِنَّمَا حكما بِالنَّفْيِ لثُبُوت النصب فَغير مُسْتَقِيم لمجيء قَوْله 1350 -
(وأَلْحَق بالحجاز فأسْتَريحا ... )
وَقِرَاءَة بَعضهم {بل نقذف بِالْحَقِّ على الْبَاطِل فيدمغه} [الْأَنْبِيَاء: 18] بِالنّصب
كل
كل اسْم مَوْضُوع لاستغراق أَفْرَاد الْمُنكر نَحْو {كل نفس ذائقة الْمَوْت} [آل عمرَان: 185] والمعرف الْمَجْمُوع نَحْو {وَكُلُّهُمْ آتِيةِ}
[مَرْيَم: 95] (وأجزاء الْمُفْرد الْمُعَرّف) نَحْو كل زيد حسن وَتَقَع توكيدا وَسَيَأْتِي فِي مَبْحَث التَّأْكِيد فِي الْكتاب الْخَامِس ونعتا دَالا على الْكَمَال لنكرة أَو معرفَة فتضاف حتما لظَاهِر مماثلة لفظا ومعني نَحْو أطعمنَا شَاة كل شَاة وَقَوله 1351 -
(وإنَّ الَّذِي حانت بفلْج دماؤُهُمْ ... هُمُ القومُ كُلُّ الْقَوْم يَا أمَّ خالدِ)(2/597)
قيل أَو معنى فَقَط وتالية للعوامل فتضاف للظَّاهِر نَحْو: {كل نفس بِمَا كسبت رهينة} [المدثر: 38] أَو ضمير مَحْذُوف نَحْو {كلا هدينَا} [الْأَنْعَام: 84] أَي كلهم فَإِن أضيف لضمير مَذْكُور لم يعْمل فِيهَا غير الِابْتِدَاء غَالِبا نَحْو: {إِن الْأَمر كُله لله} [آل عمرَان: 154] فِيمَن رفع كُله {وَكلهمْ آتيه} [مَرْيَم: 95] وَمن الْقَلِيل قَوْله: 1352 -
(يميدُ إِذا مادت عَلَيْهِ دلاؤُهُم ... فَيصْدرُ عَنهُ كلَّها وَهوَ ناهِلُ)
وَقيل دَائِما ثمَّ إِن أضيفت لمعْرِفَة روعي فِي ضميرها الْمَعْنى أَو اللَّفْظ وَقد اجْتمعَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن كل من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا آتِي الرَّحْمَن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وَكلهمْ آتيه يَوْم الْقِيَامَة فَردا} [مَرْيَم: 93، 94، 95] وأوجبه أَي مُرَاعَاة اللَّفْظ ابْن هِشَام فَقَالَ فِي الْمُغنِي وَالصَّوَاب أَن الضَّمِير لَا يعود إِلَيْهَا من خَبَرهَا إِلَّا مُفردا مذكرا على لَفظهَا نَحْو: {وَكلهمْ آتيه} [مَرْيَم: 95] {كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً}
(كلكُمْ جَائِع إِلَى من أطعمته) وَقَوله
(كل النَّاس يَغْدُو فبائع نَفسه فمعتقها أَو موبقها)
و (كلكُمْ رَاع وكلكم مسئول عَن رَعيته)
و (كلنا لَك عبد) وَأما الْآيَة(2/598)
الأولى فجملة {لقد أحصاهم} أُجِيب بهَا الْقسم وَلَيْسَت خَبرا عَن (كل) وضميرها رَاجع ل (من) لَا لكل (أَو) أضيفت إِلَى نكرَة فثالثها أَي الْأَقْوَال وَهُوَ الْمُخْتَار وفَاقا لَهُ أَي لِابْنِ هِشَام إِن نسب الحكم لكل فَرد فاللفظ نَحْو كل رجل يشبعه رغيفان (أَو) نسب للمجموع فَالْمَعْنى نَحْو كل رجل قائمون أَي مَجْمُوع الرِّجَال وَأول الْأَقْوَال وَعَلِيهِ ابْن مَالك وجوب مُرَاعَاة الْمَعْنى مُطلقًا فَلذَلِك جَاءَ الضَّمِير مُفردا مذكرا فِي نَحْو: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهً فِي الزُّبُرِ} [الْقَمَر: 52] ومفردا مؤنثا نَحْو: {كل نفس بِمَا كسبت رهينة} [المدثر: 38] ومثنى فِي نَحْو: 1353 -
(وكُلُّ رَفِيقَيْ كُلِّ رَحْل وإنْ هُما ... تعاطَى القنا قوماهُما آخوَان)
ومجموعا مذكرا فِي نَحْو: {كل حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ} [الرّوم: 32] ومجموعا مؤنثا فِي نَحْو: 1354 -
(وكُلّ مُصيبات الزّمان وجَدْتُها ... سوى فُرْقةِ الأحباب هَيِّنَةَ الخَطْبِ)
وَالثَّانِي وَعَلِيهِ أَبُو حَيَّان جَوَاز الْأَمريْنِ مُطلقًا كَقَوْلِه: 1355 -
(جَادت عَلَيْهِ كُلُّ عين ثرَّةٍ ... فتركن كُلَّ حَديقة كالدّرهم)
فَقَالَ تَرَكْنَ وَلم يقل تركت فَدلَّ على جَوَاز كل رجل قَائِم وقائمون(2/599)
أَو قطعت عَن الْإِضَافَة لفظا فجوزهما أَي مُرَاعَاة اللَّفْظ وَالْمعْنَى أَبُو حَيَّان مِثَال اللَّفْظ {قل كل يعْمل على شاكلته} [الْإِسْرَاء: 84] {فكلا أَخذنَا بِذَنبِهِ} [العنكبوت: 40] وَمِثَال الْمَعْنى: {وكل كَانُوا ظالمين} [الْأَنْفَال: 54] وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي الصَّوَاب أَنه (إِن قدر) الْمَنوِي مُفردا نكرَة وَجب الْإِفْرَاد كَمَا لَو صرح بالمفرد (أَو) قدر جمعا مُعَرفا فالجمع وَاجِب وَإِن كَانَت الْمعرفَة لَو ذكرت لوَجَبَ الْإِفْرَاد وَلَكِن فعل ذَلِك تَنْبِيها على حَال الْمَحْذُوف فيهمَا فَالْأول نَحْو: {قل كل يعْمل على شاكلته} [الْإِسْرَاء: 84] {كل آمن بِاللَّه} [الْبَقَرَة: 285] {كل قد علم صلَاته وتسبيحه} [النُّور: 41] وَالثَّانِي نَحْو: {كل لَهُ قانتون} [الْبَقَرَة: 116] {كل فِي فلك يسبحون} [الْأَنْبِيَاء: 33] {وكل أَتَوْهُ داخرين} [النَّمْل: 87] قَالَ البيانيون إِذا وَقعت كل فِي حيّز النَّفْي توجه النَّفْي إِلَى الشُّمُول خَاصَّة وَأفَاد بمفهومه ثُبُوت الْفِعْل لبَعض الْأَفْرَاد كَقَوْلِك مَا جَاءَ كل الْقَوْم وَلم آخذ كل الدَّرَاهِم وكل الدَّرَاهِم آخذ وَقَوله: 1356 -
(مَا كُلُّ رَأْي الفتي يَدْعو إِلَى رشد ... )
أَو وَقع النَّفْي فِي حيزها توجه إِلَى كل فَرد نَحْو قَوْله
لما قَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ أنسيت أم قصرت الصَّلَاة
(كل ذَلِك لم يكن)
كلما
كلما ظرف يَقْتَضِي التّكْرَار مركب من (كل) و (مَا) المصدرية أَو النكرَة الَّتِي بِمَعْنى وَقت وَمن هُنَا جاءتها الظَّرْفِيَّة كَقَوْلِه تَعَالَى: {كلما رزقوا مِنْهَا من ثَمَرَة رزقا قَالُوا هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل} [الْبَقَرَة: 25] فإمَّا أَن يكون الأَصْل كل رزق ثمَّ عبر عَن معنى الْمصدر بِمَا وَالْفِعْل ثمَّ أنبأ عَن الزَّمَان أَي كل وَقت رزق كَمَا أنيب عَنهُ الْمصدر الصَّرِيح فِي جئْتُك خفوق النَّجْم أَو يكون التَّقْدِير كل وَقت رزقوا فِيهِ فَحذف الْعَائِد وَلَا يحْتَاج فِي هَذَا إِلَى تَقْدِير وَقت(2/600)
(وناصبة) الْفِعْل الَّذِي هُوَ جَوَابه فِي الْمَعْنى مثل قَالُوا فِي الْآيَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يكون تالية وَجَوَابه إِلَّا فعلا مَاضِيا
كلا
(كلا الْأَكْثَر) على أَنَّهَا بسيطة وَقَالَ ثَعْلَب هِيَ مركبة من كَاف التَّشْبِيه وَلَا النافية قَالَ وَإِنَّمَا شددت لامها لتقوية الْمَعْنى ولدفع توهم بَقَاء الْكَلِمَتَيْنِ قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذِه دَعْوَى لَا يقوم عَلَيْهَا دَلِيل (و) الْأَكْثَر على أَنَّهَا حرف ردع وزجر لَا معنى لَهَا عِنْدهم إِلَّا ذَلِك حَتَّى إِنَّهُم يجيزون أبدا الْوَقْف عَلَيْهَا والابتداء بِمَا بعْدهَا وَحَتَّى قَالَه جمَاعَة مِنْهُم مَتى سَمِعت (كلا) فِي سُورَة فاحكم بِأَنَّهَا مَكِّيَّة لِأَنَّهُ فِيهَا معنى التهديد والوعيد وَأكْثر مَا نزل ذَلِك بِمَكَّة لِأَن أَكثر العتو كَانَ بهَا (وَزَاد) لَهَا قوم لما رَأَوْا أَن معنى الردع والزجر لَيْسَ مستمرا فِيهَا معنى ثَانِيًا يَصح عَلَيْهَا أَن يُوقف دونهَا ويبتدأ بهَا ثمَّ اخْتلفُوا فِي تعْيين ذَلِك الْمَعْنى فالكسائي قَالَ تكون بِمَعْنى حَقًا أَيْضا وزعمها مكي اسْما حِينَئِذٍ كمرادفها وَلِأَنَّهَا تنون فِي قِرَاءَة بَعضهم: {كلا سيكفرون بعبادتهم} [مَرْيَم: 82] وَغَيره قَالَ اشْتِرَاك اللَّفْظ بَين الاسمية والحرفية قَلِيل ومخالف للْأَصْل ومحوج لتكلف دَعْوَى عِلّة لبنائها وَخرج التَّنْوِين فِي الْآيَة على أَنه بدل من حرف الْإِطْلَاق الْمَزِيد فِي رُءُوس الْآي ثمَّ إِنَّه وصل بنية الْوَقْف وَأَبُو حَاتِم قَالَ تكون بِمَعْنى أَلا الاستفتاحية قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يتقدمه إِلَى ذَلِك أحد وَوَافَقَهُ على ذَلِك الزّجاج وَغَيره(2/601)
وَالنضْر بن شُمَيْل قَالَ تكون بِمَعْنى إِي فَتكون حرف تَصْدِيق وتستعمل مَعَ الْقسم وَخرج عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {كلا وَالْقَمَر} [المدثر: 32] فَقَالَ مَعْنَاهُ إِي وَالْقَمَر قَالَ ابْن هِشَام وَقَول أبي حَاتِم عِنْدِي أولى من قَول الْكسَائي وَالنضْر لِأَنَّهُ أَكثر اطرادا فَإِن قَول النَّضر لَا يَتَأَتَّى فِي قَوْله: {كلا إِنَّهَا كلمة} [الْمُؤْمِنُونَ: 100] وَقَوله: {كلا إِن معي رَبِّي سيهدين} [الشُّعَرَاء: 62] لِأَنَّهَا لَو كَانَت فيهمَا بِمَعْنى أَي لكَانَتْ للوعد بِالرُّجُوعِ وللتصديق بالإدراك وَقَول الْكسَائي لَا يَتَأَتَّى فِي نَحْو: {كلا إِن كتاب الْأَبْرَار} [المطففين: 18] لِأَن إِن تكسر بعد أَلا الاستفتاحية وَلَا تكسر بعد حَقًا وَلَا بعد مَا كَانَ بمعناها قَالَ أَبُو حَيَّان وَذهب الْفراء وَأَبُو عبد الرَّحْمَن اليزيدي وَمُحَمّد بن سَعْدَان إِلَى أَن كلا بِمَنْزِلَة سَوف قَالَ وَهَذَا مَذْهَب غَرِيب
كم
(كم) على وَجْهَيْن (خبرية بِمَعْنى كثير واستفهامية بِمَعْنى أَي عدد لَا لقلَّة وَلَا كَثْرَة وَلَا هِيَ حرف وَلَا مركبة خلافًا لزاعمي ذَلِك) بل هِيَ اسْم بسيط وضعت مُبْهمَة تقبل قَلِيل الْعدَد وَكَثِيره وَالدَّلِيل على اسميتها دُخُول حرف الْجَرّ عَلَيْهَا وَالْإِضَافَة إِلَيْهَا وعود الضَّمِير عَلَيْهَا وَذهب بَعضهم فِيمَا حَكَاهُ صَاحب الْبَسِيط إِلَى أَن الخبرية حرف للتكثير فِي مُقَابلَة (رب) الدَّالَّة على التقليل وَذهب الْكسَائي وَالْفراء إِلَى أَن (كم) بوجهيها مركبة من (كَاف) التَّشْبِيه و (مَا) الاستفهامية وحذفت ألفها كَمَا تحذف مَعَ سَائِر حُرُوف الْجَرّ نَحْو بِمَ وَلم وَعم وَكثر الِاسْتِعْمَال لَهَا فأسكنت وَحدث لَهَا بالتركيب معنى غير الَّذِي كَانَ لكل وَاحِد من مفرديها كَمَا قَالَه النحويون فِي لَوْلَا وهلا(2/602)
وَزعم بَعضهم على أَن الاستفهامية للتكثير (وَتَقَع) كم فِي حالتيها مُبْتَدأ قَالَ بَعضهم وَجَاز الِابْتِدَاء بالخبرية وَإِن كَانَت نكرَة مَجْهُولَة حملا على الاستفهامية فيقبح الْإِخْبَار عَنْهَا بِمَعْرِِفَة وظرف وَيمْنَع بمؤقت وَإِنَّمَا يحسن بنكرة نَحْو كم رجل قَامَ أَو زارك وَكم غُلَاما دخل فِي ملكك (و) تقع مَعْمُول نَاسخ يعْمل فِيمَا قبله ككان وَظن نَحْو كم كَانَ مَالك وَكم ظَنَنْت إخْوَتك بِخِلَاف نَاسخ لَا يعْمل فِيمَا قبله ك (مَا) وَإِن وَأَخَوَاتهَا (و) تقع خَبرا للمبتدأ نَحْو كم دراهمك أَو ل (كَانَ) نَحْو كم كَانَ غلْمَان قَوْمك ومفعولا بِهِ نَحْو كم غُلَاما اشْتريت ومجرورة بِحرف تعلق بتاليها نَحْو بكم درهما اشْتريت ثَوْبك وبكم جَارِيَة عتقت ومضافة قيل إِن كَانَ ذَلِك الْمُضَاف مَعْمُولا لَهُ أَي لتاليها نَحْو غُلَام كم رجل ضربت ورقبة كم أَسِير فَككت فَإِن غُلَاما مَعْمُولا لضَرَبْت ورقبة مَعْمُول لفككت بِخِلَاف غُلَام كم رجل قَامَ أَو أَتَاك غُلَام كم رجل دخل فِي ملكك قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا الشَّرْط شَرطه بعض أَصْحَابنَا وَلَا أرَاهُ بل أرى جَوَاز الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَلَا فرق بَين (كم) والمضاف إِلَيْهَا فَكَمَا أَن (كم) تقع مُبتَدأَة فِي كم رجل قَامَ أَو أَتَاك وَفِي كم غُلَاما دخل فِي ملكك فَكَذَلِك مَا أضيف إِلَيْهَا (وظرفا) نَحْو كم ميلًا سرت وَكم يَوْمًا صمت نَحْو كم ضَرْبَة ضربت زيدا (وَقيل ومفعولا لَهُ) نَحْو لكم إِكْرَاما لَك وصلت قَالَه ابْن هِشَام الخضراوي قَالَ ولابد من حرف الْعلَّة لِأَنَّهُ لَا يحذف إِلَّا فِي لفظ الْمصدر قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا نعلم أحد نَص على جَوَاز ذَلِك غَيره وَقد توقف أَبُو عبد الله السُّوسِي الرعيني من نحاة تونس فِي إجَازَة ذَلِك(2/603)
(وَلَا) تقع مَفْعُولا مَعَه لِأَنَّهُ لَا يتَقَدَّم وَجَوَاب كم الاستفهامية يجوز رَفعه وَإِن اخْتلف مَحل كم من النصب وَالرَّفْع والجر وَالْأولَى فِيهِ مُرَاعَاة محلهَا فَيجْرِي على حَسبه إِن رفعا فَرفع وَإِن نصبا فنصب وَإِن جرا فجر مِثَال ذَلِك كم عبدا دخل فِي ملكك وَكم عبدا اشْتريت وبكم عبدا استعنت فجواب هَذِه كلهَا على الأول أَن تَقول عشرُون عبدا وعَلى الثَّانِي أَن تَقول فِي الْمِثَال الأول عشرُون وَفِي الثَّانِي عشْرين وَفِي الثَّالِث بِعشْرين
كأين
(كأين) اسْم (ككم) فِي الْمَعْنى مركب من كَاف التَّشْبِيه وَأي الاستفهامية المنونة وحكيت وَلِهَذَا جَازَ الْوَقْف عَلَيْهَا بالنُّون لِأَن التَّنْوِين لما دخل فِي التَّرْكِيب أشبه النُّون الْأَصْلِيَّة وَلِهَذَا رسم فِي الْمُصحف نونا وَمن وقف عَلَيْهَا بحذفه اعْتبر حكمه فِي الأَصْل وَهُوَ الْحَذف فِي الْوَقْف وَقيل الْكَاف فِيهَا هِيَ الزَّائِدَة قَالَ ابْن عُصْفُور أَلا ترى أَنَّك لَا تُرِيدُ بهَا معنى تَشْبِيه قَالَ وَهِي مَعَ ذَلِك لَازِمَة كلزوم (مَا) الزَّائِدَة فِي (لَا سِيمَا) وَغير مُتَعَلقَة بِشَيْء كَسَائِر حُرُوف الْجَرّ الزَّوَائِد وَأي مجرور بهَا وَقيل هِيَ اسْم بسيط وَاخْتَارَهُ أَبُو حَيَّان قَالَ وَيدل على ذَلِك تلاعب الْعَرَب بهَا فِي اللُّغَات الْآتِيَة وإفادتها للاستفهام نَادِر وَالْغَالِب وُقُوعهَا خبرية بِمَعْنى كثير نَحْو {وكأين من دَابَّة لَا تحمل رزقها الله يرزقها} [العنكبوت: 60] ومثالها استفهامية قَوْلك بكأين تبيع هَذَا الثَّوْب كَذَا مثله ابْن عُصْفُور وَمثله ابْن مَالك بقول أبي لِابْنِ مَسْعُود كأين تقْرَأ سُورَة الْأَحْزَاب آيَة فَقَالَ ثَلَاثًا وَسبعين (وَمن ثمَّ) أَي من أجل أَن إفادتها للاستفهام نَادِر أنكرهُ الْجُمْهُور فَقَالُوا لَا تقع استفهامية الْبَتَّةَ(2/604)
وَتلْزم الصَّدْر فَلَا تجر خلافًا لِابْنِ قُتَيْبَة وَابْن عُصْفُور حَيْثُ ذكرا أَنَّهَا يدْخل عَلَيْهَا حرف الْجَرّ فِي الْمِثَال السَّابِق قَالَ أَبُو حَيَّان وَيحْتَاج دُخُول حرف الْجَرّ عَلَيْهَا إِلَى سَماع وَلَا يَنْبَغِي الْقيَاس على (كم) الخبرية لِأَن ذَلِك يَقْتَضِي أَن يُضَاف إِلَيْهَا ككم وَلَا يحفظ من كَلَامهم وَلَا يخبر عَنْهَا إِذا وَقعت مُبْتَدأ إِلَّا بجملة فعلية مصدرة بماض أَو مضارع نَحْو: {وكأين من نَبِي قَاتل} [آل عمرَان: 146] {وكأين من آيَة فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض يَمرونَ عَلَيْهَا} [يُوسُف: 105] قَالَ أَبُو حَيَّان قد استقرأت مَا وَقعت فِيهِ فَوجدت الْخَبَر فِيهِ لَا يكون إِلَّا كَذَلِك وَلم أَقف على كَونه اسْما مُفردا وَلَا جملَة اسمية وَلَا فعلية مصدرة بمستقبل وَلَا ظرفا وَلَا مجرورا فَيَنْبَغِي أَلا يقدم على شَيْء من ذَلِك إِلَّا بِسَمَاع من الْعَرَب قَالَ وَالْقِيَاس يَقْتَضِي أَن يكون فِي مَوضِع نصب على الْمصدر أَو الظّرْف أَو خبر كَانَ كَمَا كَانَ ذَلِك فِي (كم) وَفِي الْبَسِيط أَنَّهَا تكون مُبْتَدأ وخبرا ومفعولا وَيُقَال فِيهَا كَائِن بِالْمدِّ بِوَزْن اسْم الْفَاعِل من كَانَ سَاكِنة النُّون وَبِذَلِك قَرَأَ ابْن كثير وَقَالَ الشَّاعِر: 1357 -
(وكائنْ بالأباطح مِنْ صَديق ... يراني لَو أُصِبْتُ هُو المُصَابا)
(وكئن) بِالْقصرِ بِوَزْن عَم (وكأي) بِوَزْن رمي وَبِه قَرَأَ ابْن مُحَيْصِن (وكييء) بِتَقْدِيم الْيَاء على الْهمزَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذِه اللُّغَات الثَّلَاث نقلهَا النحويون وَلم ينشدوا فِيهَا شعرًا فِيمَا علمت(2/605)
كَذَا
(كَذَا اسْم مركب) من (كَاف) التَّشْبِيه و (ذَا) اسْم إِشَارَة وَهُوَ بعد التَّرْكِيب كِنَايَة عَن عدد مُبْهَم (ككم) الخبرية (لَكِن) يفارقها فِي أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا الصَّدْر تَقول قبضت كَذَا وَكَذَا درهما (و) فِي أَنَّهَا الْغَالِب فِي اسْتِعْمَالهَا تكرارها بالْعَطْف عَلَيْهَا كالمثال وأوجبه ابْن خروف فَقَالَ إِنَّهُم لم يَقُولُوا كَذَا درهما وَلَا كَذَا كَذَا درهما وَذكر ابْن مَالك أَنه مسموع وَلكنه قَلِيل (وتتصرف) بِوُجُوه الْإِعْرَاب فَتكون فِي مَوضِع رفع وَفِي مَوضِع نصب وَفِي مَوضِع جر بِالْإِضَافَة والجر وَلَا تقتصر على إِعْرَاب خَاص (وَلَا تتبع) بتابع لَا ينعَت وَلَا عطف بَيَان لَا تَأْكِيد وَلَا بدل وَلَا مَحل لكافها من الْإِعْرَاب فَلَا تتَعَلَّق بِشَيْء لِأَن التَّرْكِيب أخرجهَا عَن ذَلِك وَمن النَّحْوِيين من حكم على مَوضِع الْكَاف بالإعراب وَجعلهَا اسْما مُبْتَدأ كَمثل وَثَالِثهَا هِيَ زَائِدَة لَازِمَة فِرَارًا من التَّرْكِيب إِذْ لَا معنى للتشبيه فِيهَا وَذَا مجرورة بهَا كَمَا فِي كَائِن سَوَاء وَقَائِل ذَلِك فيهمَا وَاحِد وَهُوَ ابْن عُصْفُور
لَا
(لَا) حرف للجواب نقيض نعم وَهَذِه تحذف الْجمل بعْدهَا كثيرا تَقول أجاءك زيد فَيُقَال لَا وَالْأَصْل لَا لم يَجِيء
نعم
(نعم) بِفَتْح النُّون وَالْعين فِي أشهر اللُّغَات وَكسر عينهَا مَعَ فتح النُّون لُغَة لكنانة وَبهَا قَرَأَ الْكسَائي (و) كسر نونها مَعَ كسر الْعين اتبَاعا لُغَة لبَعْضهِم حَكَاهَا فِي الْمُغنِي وإبدالها أَي الْعين حاء فَيُقَال نحم لُغَة حَكَاهَا النَّضر بن(2/606)
شُمَيْل وَفِي الْمُغنِي أَن ابْن مَسْعُود قَرَأَ بهَا قَالَ أَبُو حَيَّان لِأَن الْحَاء تلِي الْعين فِي الْمخْرج وَهِي أخف من الْعين لِأَنَّهَا أقرب إِلَى حُرُوف الْفَم حرف للجواب تَصْدِيقًا لمخبر كَقَوْلِك لمن قَالَ قَامَ زيد أما مَا قَامَ زيد نعم وإعلاما لمستخبر كَقَوْلِك لمن قَالَ هَل جَاءَ زيد نعم وَفِي التَّنْزِيل {فَهَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا قَالُوا نعم} [الْأَعْرَاف: 44] ووعدا لطَالب كَقَوْلِك لمن قَالَ اضْرِب زيدا نعم وَكَذَا لمن قَالَ لَا تضرب زيدا وهلا تفعل وَتَكون بعد إِيجَاب نَحْو قَامَ زيد فَيُقَال نعم (و) بعد نفي نَحْو مَا قَامَ زيد فَيُقَال نعم (و) بعد سُؤال عَنْهُمَا نَحْو أَكَانَ كَذَا وَأما قَامَ زيد فَيُقَال نعم فَهِيَ فِي الْمُوجب وَالسُّؤَال عَنهُ تَصْدِيق فِي الثُّبُوت وَفِي الْمَنْفِيّ وَالسُّؤَال عَنهُ تَصْدِيق النَّفْي قيل وَترد للتذكير بِمَا بعْدهَا وَذَلِكَ إِذا وَقعت صَدرا لجملة بعْدهَا كَقَوْلِك نعم هَذِه أطلالهم قَالَ ابْن هِشَام وَالْحق أَنَّهَا فِي ذَلِك حرف إِعْلَام وَأَنَّهَا جَوَاب لسؤال مُقَدّر وَقَالَ أَبُو حَيَّان هِيَ فِيهِ تَصْدِيق لما بعْدهَا وقدمت قَالَ والتقديم أولى من ادِّعَاء معنى لم يثتب لَهَا
هَل
(هَل وَيُقَال) فِيهَا (أل) بإبدال هائها همزَة لطلب التَّصْدِيق نَحْو هَل قَامَ زيد وَهل زيد قَائِم وَبَاقِي الأدوات للتصور نَحْو من جَاءَك مَتى تقوم وتختص عَن الْهمزَة (بورودها للجحد) أَي يُرَاد بالاستفهام بهَا النَّفْي وَلذَلِك دخلت على الْخَبَر بعْدهَا إِلَّا فِي نَحْو: {هَل جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان} [الرَّحْمَن: 60] وَالْبَاء فِي قَوْله: 1358 -
(ألاَ هَلْ أخْو عَيْش لذيذٍ بدائم ... )(2/607)
وَصَحَّ الْعَطف فِي قَوْله: 1359 -
(وإنّ شِفَائي عَبْرةٌ مُهَراقةٌ ... وَهل عِنْد رَسْم دارس مِنْ مُعَوَّل)
إِذْ لَا يعْطف الْإِنْشَاء على الْخَبَر والهمزة لَا ترد لذَلِك (و) تخْتَص بِعَدَمِ دخلوها على اسْم بعده فعل اخْتِيَارا وَلذَلِك وَجب النصب فِي نَحْو هَل زيدا ضَربته لِأَن (هَل) إِذا كَانَ فِي حيزها فعل وَجب إيلاؤها إِيَّاه فَلَا يُقَال هَل زيد قَامَ إِلَّا فِي ضَرُورَة قَالَ: 1360 -
(أمْ هَل كَبِيرٌ بَكَى لَمْ يَقْضِ عَبْرتَه ... )
قَالَ أَبُو حَيَّان وَيمْتَنع حِينَئِذٍ أَن تكون مُبْتَدأ وخبرا بل يجب حمله على إِضْمَار فعل قَالَ وَسبب ذَلِك أَن (هَل) فِي الْجُمْلَة الفعلية مثل (قد) فَكَمَا أَن (قد) لَا تَلِيهَا الْجُمْلَة الابتدائية فَكَذَلِك (هَل) بِخِلَاف الْهمزَة فَتدخل على اسْم بعده فعل اخْتِيَارا نَحْو: {أبشرا منا وَاحِدًا نتبعه} [الْقَمَر: 24] وَتقول أَزِيد قَامَ على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر لِأَنَّهَا أم أدوات الِاسْتِفْهَام فاتسع فها وَجوزهُ أَي دُخُول (هَل) على اسْم بعده فعل فِي الِاخْتِيَار الْكسَائي فَأجَاز هَل زيد قَامَ جَوَازًا حسنا لأَنهم أَجَازُوا هَل زيد قَائِم وابتدأوا بعْدهَا الْأَسْمَاء فَكَذَا مَعَ وجود الْفِعْل ورد بِأَنَّهُم ضعفوا بناءه على الْفِعْل مَعَ حُضُوره فالابتداء أَحْرَى قيل وَترد للتسوية كَمَا ترد الْهمزَة نَحْو علمت هَل قَامَ زيد أم عَمْرو قَالَ أَبُو حَيَّان كَذَا زعم بَعضهم وَيحْتَاج ذَلِك إِلَى سَماع من الْعَرَب وَالْمَعْرُوف أَن ذَلِك مِمَّا تفرد بِهِ الْهمزَة(2/608)
قيل والتقرير قَالَ أَبُو حَيَّان وَالْمَعْرُوف أَن ذَلِك للهمزة دون هَل قَالَ الْجلَال الْقزْوِينِي فِي بعض وَالتَّمَنِّي فِي بعض وَقَالَ الْمبرد فِي المقتضب وَترد بِمَعْنى قد وَبِذَلِك فسر قَوْله تَعَالَى: {هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر} [الْإِنْسَان: 1] قَالَ جمَاعَة قد أَتَى وَأنْكرهُ قوم آخِرهم أَبُو حَيَّان وَقَالَ لم يقم على ذَلِك دَلِيل وَاضح إِنَّمَا هُوَ شَيْء قَالَه الْمُفَسِّرُونَ فِي الْآيَة وَهَذَا تَفْسِير معنى لَا تَفْسِير إِعْرَاب وَلَا يرجع إِلَيْهِم فِي مثل هَذَا إِنَّمَا يرجع فِي ذَلِك إِلَى أَئِمَّة النَّحْو واللغة لَا إِلَى الْمُفَسّرين وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل والسكاكي فِي الْمِفْتَاح أبلغ من هَذِه الدَّعْوَى (هُوَ) أَي معنى قد مَعْنَاهَا أبدا والاستفهام الْمَفْهُوم مِنْهَا إِنَّمَا هُوَ من همزَة مقدرَة مَعهَا قَالَ ابْن هِشَام وَنَقله عَن سِيبَوَيْهٍ وَعبارَته فِي الْمفصل وَعند سِيبَوَيْهٍ أَن (هَل) بِمَعْنى (قد) إِلَّا أَنهم تركُوا الْألف قبلهَا لِأَنَّهَا لَا تقع إِلَّا فِي الِاسْتِفْهَام وَقد جَاءَ دُخُولهَا عَلَيْهَا فِي قَوْله: 1361 -
(سائِلْ فوارسَ يَرْبُوع بشدَّتِنا ... أَهَلْ رأَوْنا بسَفْح القاع ذِي الأَكَم)
انْتهى قَالَ ابْن هِشَام وَلَو كَانَ كَمَا ذكر لم تدخل إِلَّا على الْفِعْل كقد قَالَ وَلم أر فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ مَا نَقله عَنهُ إِنَّمَا قَالَ فِي بَاب عدَّة مَا يكون عَلَيْهِ الْكَلم مَا نَصه وَهل هِيَ للاستفهام لم يزدْ على ذَلِك وَقَالَ أَبُو حَيَّان وَفِي الإفصاح ذكر جمَاعَة من النَّحْوِيين وَأهل اللُّغَة أَن (هَل) تكون بِمَعْنى (قد) مُجَرّدَة من الِاسْتِفْهَام وَرُبمَا فسروا بذلك قَوْله تَعَالَى: {هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر} [الْإِنْسَان: 1] وأري هَذَا القَوْل مأخوذا(2/609)
من قَول سِيبَوَيْهٍ وَتقول قعد أم هَل قَامَ هِيَ بِمَنْزِلَة (قد) فَقيل أَرَادَ أَنَّهَا بِمَنْزِلَة (قد) فِي الأَصْل وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي مَوضِع آخر زَعَمُوا أَن (هَل) بِمَنْزِلَة (قد) وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِك إِلَّا إِذا دخلت على الْجُمْلَة الفعلية المثبتة أما إِذا دخلت على الْجُمْلَة الاسمية فَلَا تكون إِذْ ذَاك بِمَعْنى قد لِأَن (قد) لَا تدخل على الْجُمْلَة الاسمية (و) قَالَ ابْن مَالك تتَعَيَّن لَهُ إِذا قرنت بِالْهَمْزَةِ كالبيت السَّابِق قَالَ أَبُو حَيَّان: وَلَا دلَالَة لَهُ فِي ذَلِك على التَّعْيِين لِأَن ذَلِك لم يكثر كَثْرَة توجب الْقيَاس إِنَّمَا جَاءَ مِنْهُ هَذَا الْبَيْت أَو بَيت آخر إِن كَانَ جَاءَ وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك احْتمل أَن يكون مِمَّا دخل فِيهِ أَدَاة الِاسْتِفْهَام على مثلهَا على سَبِيل التَّأْكِيد كدخول حرف الْجَرّ على مثله فِي نَحْو: 1362 -
(فأصبَحْنَ لَا يَسْأَلْنَه عَنْ بِمَا بِهِ ... )
وَنَحْو: 1363 -
(وَلَا للِما بهمْ أبدا دَواءُ
وَإِذا احْتمل ذَلِك لم تتَعَيَّن مرادفة (قد) انْتهى وَوَافَقَهُ ابْن هِشَام فِي ((الْمُغنِي)) ثمَّ المُرَاد بِمَعْنى (قد) الْمَذْكُورَة قيل التَّقْرِيب قَالَ فِي الْكَشَّاف (هَل أتَي) أَي (قد) أَي على معنى التَّقْرِير والتقريب جَمِيعًا أَي أَتَى على الْإِنْسَان قبل زمَان قريب طَائِفَة من الزَّمَان الطَّوِيل الممتد لم يكن فِيهِ شَيْئا مَذْكُورا قَالَ ابْن هِشَام وفسرها غَيره ب (قد) خَاصَّة وَلم يحملوا (قد) على معنى التَّقْرِيب بل على معنى التَّحْقِيق وَقَالَ بَعضهم مَعْنَاهَا التوقع وَكَأَنَّهُ قيل لقوم يتوقعون الْخَبَر عَمَّا أَتَى على الْإِنْسَان وَهُوَ آدم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ والحين زمن كَونه طينا(2/610)
مَسْأَلَة صدر الْكَلَام للاستفهام والتحضيض والتنبيه غير (هَا) وَلَام الِابْتِدَاء وَلَعَلَّ وَمَا النافية فَلَا يقدم عَلَيْهَا مَعْمُول الْفِعْل بعْدهَا لَا يُقَال عمرا مَا ضرب زيد وَفِي لَا النافية أَقْوَال أَحدهَا أَن لَهَا الصَّدْر ك (مَا) ثَانِيهمَا وَثَالِثهَا وَهُوَ الْأَصَح إِن كَانَت فِي جَوَاب قسم (وَرب) غَالِبا لَا للتنفيس فِي الْأَصَح
نونا التوكيد
نون التوكيد نَوْعَانِ خَفِيفَة وثقيلة والتأكيد بهَا أَي الثَّقِيلَة أَشد من التَّأْكِيد بالخفيفة نَص عَلَيْهِ الْخَلِيل وَلَيْسَت هِيَ الأَصْل والخفيفة فرع عَنْهَا خففت كَمَا تخفف أَن خلافًا للكوفية حَيْثُ ذَهَبُوا إِلَى ذَلِك وَاسْتدلَّ البصريون على أَن الْخَفِيفَة نون على حدتها بِأَن لَهَا أحكاما لَيست للشديدة كَمَا سَيَأْتِي وَتدْخل جَوَازًا على الْأَمر كاضربن وَقَوله 1364 -
(فاَنْزلَنْ سكينَة عَلَيْنا ... )
والمضارع الْخَالِي من تَنْفِيس ذَا طلب سَوَاء كَانَ ذَلِك الطّلب أمرا أم نهيا أم تحضيضا أم تمنيا أم استفهاما بِحرف أم باسم كَقَوْلِه 1365 -
(فإيّاكَ والْمَيْتَاتِ لَا تَقْرَبّنها ... )
وَقَوله(2/611)
1366 -
(هلا تُمَنِّنْ بوَعْدٍ غَيْرَ مُخْلِفَةٍ ... )
وَقَوله 1367 -
(فَلَيْتَكِ يَوْم المُلْتَقى تَرَينّني ... )
وَقَوله 1368 -
(وَهل يَمْنعنِّي ارتيادي البلادَ ... مِنْ حذَر الْمَوْت أنْ يأتِيَنْ)
وَقَوله 1369 -
(أفبعد كِنْدةَ تمدحنَّ قَبيلا ... )
وَقَوله 1370 -
(فأقْبلْ على رَهْطي ورهْطِكَ نَبْتَحِثْ ... مَساعِينَا حَتَّى تَرى كَيْف نفعلا)(2/612)
وَقَوله 1371 -
(أَلا لَيْت شِعري مَا يَقُولَنْ فوارسٌ ... إِذا حَارب الهامَ المصَيّح هامتي)
خلافًا لِابْنِ الطراوة فِي المستفهم عَنهُ باسم حَيْثُ قَالَ لَا يلْحقهُ وَخص ذَلِك بِالْهَمْزَةِ وَهل ورد بِالسَّمَاعِ فِي الْبَيْتَيْنِ الْمَذْكُورين وَتدْخل لُزُوما الْمُضَارع الْمُثبت الْمُسْتَقْبل جَوَاب قسم نَحْو وَالله ليقومن بِخِلَاف الْمَنْفِيّ نَحْو {لَا أقسم} [الْقِيَامَة: 1] وَالْحَال نَحْو وَالله ليقوم زيد الْآن والمقرون بِحرف تَنْفِيس نَحْو {وَلَسَوْف يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضُّحَى: 5] لِأَنَّهُمَا مَعًا يخلصان لاستقبال فكرهوا الْجمع بَين حرفين لمعني وَاحِد وَتدْخل كثيرا وَقيل لُزُوما الْمُضَارع التَّالِي إِمَّا الشّرطِيَّة نَحْو {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} [الزخرف: 41] {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ} [الْأَعْرَاف: 200] وَلم يَقع فِي الْقُرْآن إِلَّا مؤكدا بالنُّون وَمن ثمَّ قَالَ الْمبرد والزجاج إِنَّهَا لَازِمَة لَا يجوز حذفهَا إِلَّا فِي الضَّرُورَة كَقَوْلِه 1372 -
(إمّا تَرَيْ رأسِي تغيّر لونُه ... )
ولكثرة حذفهَا فِي الشّعْر قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور بِجَوَازِهِ فِي الْكَلَام لَا الْجَزَاء والمنفي بِمَا وَلَا وَلم والتعجب والماضي ومدخول رُبمَا وَمَا الزَّائِدَة وَسَائِر أدوات الشَّرْط والخالي مِمَّا ذكر وَاسم الْفَاعِل أَي لَا تدخل فِي شَيْء من هَذِه الْأَنْوَاع إِلَّا شذوذا وضرورة أَو مثلا كَقَوْلِه 1373 -
(حَدِيثاً مَتَى مَا يأتِك الخيرُ يَنْفَعا ... )(2/613)
وقولك مَا فِي الدَّار يقومن زيد وَقَوله تَعَالَى {وَاتَّقوا فتْنَة لَا تصيبن الَّذين ظلمُوا مِنْكُم خَاصَّة} [الْأَنْفَال: 25] وَقَول الشَّاعِر 1374 -
(فَلا ذَا نعيم يُترَكَنْ لنَعيمِهِ ... )
وَقَوله 1375 -
(يَحْسَبُهُ الجاهِلُ مَا لم يَعْلما ... )
وَقَوله 1376 -
(فأحْرِ بِهِ مِنْ طُول فقْرٍ وأحْرِيا ... )
وَقَوله 1377 -
(دامَنَّ سَعْدُكِ لَوْ رحمْتِ مُتَيّماً ... )(2/614)
وَقَوله 1378 -
(ربّما أوْفَيْتُ فِي عَلَم ... تَرْفَعَنْ ثوبي شَمَالات)
وَقَوله 1379 -
(قَلِيلا بِهِ مَا يحمدنك وَارِث ... )
وَقَوله 1380 -
(مَنْ يُثْقَفَنْ مِنُهُم فَلَيْسَ بآيبٍ ... )
وَقَوله 1381 -
(ومَهْما تَشَأ مِنْهُ فَزارَةُ تَمْنعا ... )(2/615)
وَقَوله 1382 -
(لَيْت شِعْري وأشْعُرَنَّ إِذا مَا ... )
وَقَوله 1383 -
(أقَائِلُنَّ أحْضِروا الشّهودا ... )
وَيفتح آخِره أَي الْمُضَارع مَعَ النُّون لتركيبه مَعهَا وَقيل لالتقاء الساكنين آخر الْفِعْل وَأول النُّون الأولى وَسَوَاء فِي فتح آخِره أَكَانَ صَحِيحا كاعتضدن أم مُعْتَلًّا كاخشين وأرمين وحذفه حَال كَونه يَاء تلو كسرة لُغَة لفزارة يَقُولُونَ فِي ابكين ابكن بِحَذْف الْيَاء قَالَ شَاعِرهمْ 1384 -
(وابْكِنّ عَيْشاً تَولّى بعد جدّته ... )
وَقَالَ(2/616)
1385 -
(وَلَا تُقاسِنّ بعدِي الهَمّ والجزَعا ... )
وَغَيرهم بِفَتْح الْيَاء وَلَا يحذفها فَيَقُول ابكين ولاتقاسين فَإِن كَانَ مَعَ آخِره وَاو أَو ضمير أَو يَاء وَهِي بعد حَرَكَة مجانسة حذفت نَحْو لتقومن يَا رجال وَلَتَقُومَنَّ يَا هِنْد وأصلهما لتقوموا ولتقومي فحذفت الْوَاو وَالْيَاء لالتقاء الساكنين وَإِلَّا بِأَن كَانَت بعد حَرَكَة غير مجانسة وَهِي الفتحة تثبت محركة بهَا أَي بالحركة المجانسة نَحْو اخشون يَا قوم بِضَم الْوَاو واخشين يَا هِنْد بِكَسْر الْيَاء إِذْ لَو حذفت بعد الفتحة لم يبْق مَا يدل عَلَيْهَا وَجوز الكوفية حذف يائه تلو فَتْحة فَيُقَال اخشن يَا هِنْد بِحَذْف الْيَاء وَقيل هُوَ لُغَة طائية نقل ذَلِك عَنْهُم الْفراء أما الْألف الضَّمِير فَلَا يحذف بل يبقي كَمَا يُؤْخَذ من قولي وَلَا يَقع بعد الْألف الِاثْنَيْنِ وَنون الْإِنَاث إِلَّا الثَّقِيلَة نَحْو اضربان يَا زَيْدَانَ واضربنان يَا هندات وَلَا تقع الْخَفِيفَة لِأَن فِيهِ جمعا بَين ساكنين خلافًا ليونس والكوفية حَيْثُ أَجَازُوا وُقُوع الْخَفِيفَة بعْدهَا مَكْسُورَة قَالَ ابْن مَالك وَيُؤَيِّدهُ قِرَاءَة بَعضهم {فَدَمِّرَانَّهْمُ تَدْمِيراً} [الْفرْقَان: 36] وَيُمكن أَن يكون مِنْهُ قِرَاءَة ابْن ذكْوَان {وَلَا تتبعان سَبِيل الَّذين لَا يعلمُونَ} [يُونُس: 89] انْتهى وَأما سِيبَوَيْهٍ فَإِنَّهُ قَالَ ردا على من أجَاز ذَلِك هَذَا لم تقله الْعَرَب وَلَيْسَ لَهُ نَظِير فِي كَلَامهم وَعلي الأول فتكسر الثَّقِيلَة فِي هذَيْن الْحَالين لالتقاء الساكنين(2/617)
وتفصل النُّون من نون الْإِنَاث بِأَلف على الْقَوْلَيْنِ أَي على قَول الْجُمْهُور وَيُونُس مَعًا أَي من أكد بالثقيلة فصل بهَا نَحْو اضربنان وَمن أكد بالخفيفة فصل بهَا نَحْو اضربنان وتحذف الْخَفِيفَة لملاقاة سَاكن كَقَوْلِه 1386 -
(لَا تُهينَ الْفَقِير علّك أنْ ... تركع يَوْمًا والدَّهْرُ قد رَفَعَهْ)
وندر حذفهَا فِي الْوَصْل دونه كَقَوْلِه 1387 -
(اصْرفَ عَنْك الهموم طَارقَها ... )
وتحذف الْخَفِيفَة للْوَقْف بعد كسر أَو ضم مردودا مَا حذف لَهَا من يَاء أَو وَاو لزوَال سَبَب حذفهما وَهُوَ التقاء الساكنين بحذفها كَقَوْلِك فِي اضربن واضربن اضربي واضربوا وَقَالَ أَبُو حَيَّان الَّذِي يظْهر أَن دُخُولهَا فِي الْوَقْف خطأ لِأَنَّهَا لَا تدخل لِمَعْنى التوكيد ثمَّ يحذف وَلَا يبْقى دَلِيل على مقصودها الَّذِي جَاءَت لَهُ وَأَجَازَ يُونُس فِي هَذِه الْحَالة إبدالها يَاء وواوا وَيظْهر ذَلِك ظهورا بَينا فِي نَحْو اخشون واخشين فَيُقَال اخشي واخشووا كَمَا أبدلت ألفا بعد الْفَتْح إِجْمَاعًا كَقَوْلِك فِي اضربن اضربا وَفِي التَّنْزِيل {لنسفعا} [العلق: 15] وَلذَلِك رسم بِالْألف على نِيَّة الْوَقْف خَاتِمَة التَّنْوِين نون تثبت لفظا لَا خطا هَذَا أحسن حُدُوده وأخصرها وأوجزها إِذْ سَائِر النونات المزيدة الساكنة أَو غَيرهَا تثبت خطا وَهُوَ أَقسَام(2/618)
تَمْكِين يدْخل فِي الِاسْم المعرب المنصرف دلَالَة على أصالته إِذا لم يبن وَلم يمْنَع الصّرْف لسلامته من شبه الْحَرْف وَمن شبه الْفِعْل وَمن ثمَّ أَي من أجل ذَلِك سمي صرفا أَيْضا فالصرف فِي تَنْوِين التَّمْكِين الَّذِي إِذا حرمه الِاسْم لمشابهة الْفِعْل قيل منع من الصّرْف وَقيل يدْخل فرقا بَين المنصرف وَغَيره وَقَالَ الْفراء فرقا بَين الِاسْم وَالْفِعْل وَقَالَ قطرب والسهيلي فرقا بَين الْمُفْرد والمضاف وَمن ثمَّ حذف فِي الْإِضَافَة وتنكير يلْحق بعض الْمَبْنِيّ كأسماء الْأَفْعَال والأصوات فرقا بَين الْمعرفَة والنكرة نَحْو صه وسيبويه آخر وَهُوَ مسموع فِي بَاب اسْم الْفِعْل ومطرد فِي كل علم مختوم ب (ويه) وَعوض يلْحق (إِذْ) و (كلا) و (بَعْضًا) (وأيا) عوضا عَن مضافها إِذا حذفت نَحْو {وَأَنْتُم حِينَئِذٍ تنْظرُون} [الْوَاقِعَة: 84] {كل فِي فلك} [يس: 40] {فضلنَا بَعضهم على بعض} [الْبَقَرَة: 253] {أيا مَا تدعوا} [الْإِسْرَاء: 110] والمتناهي المعتل اللَّام إِذا حذفت ياؤه رفعا وجرا كجوار وغواش عوضا من الْيَاء بحركتها عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَقيل من الْحَرَكَة فَقَط قَالَه الْمبرد والزجاجي وَقيل هُوَ فِي الْجَمِيع تَنْوِين صرف وَدخل فِي (إِذْ) لإعرابها بِالْإِضَافَة إِلَيْهَا وَرجع فِي (كل) وَنَحْوه لزوَال الْإِضَافَة الَّتِي كَانَت تعارضه وَفِي بَاب جوَار لِأَن الْيَاء لما حذفت الْتحق الْجمع بأوزان الْآحَاد كسلام وَكَلَام فصرف ورد بِأَن الْحَذف عَارض فَلَا يعْتد بِهِ(2/619)
ومقابلة فِي بَاب جمع الْمُؤَنَّث السَّالِم نَحْو مسلمات فَإِنَّهُ فِي مُقَابلَة النُّون فِي نَحْو مُسلمين وَقَالَ عَليّ بن عِيسَى الربعِي هُوَ فِيهِ للصرف وَيَردهُ ثوبته مَعَ التَّسْمِيَة بِهِ كعرفات وَقَالَ الرضي هُوَ لَهما وَقيل هُوَ عوض من الفتحة نصبا ورد بِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لم يُوجد فِي الرّفْع والجر ثمَّ الفتحة قد عوض مِنْهَا الكسرة فَمَا هَذَا الْعِوَض وترنم فِي الروي الْمُطلق فِي لُغَة تَمِيم يأْتونَ بِهِ بَدَلا من حرف الْإِطْلَاق وَهُوَ الْألف وَالْوَاو وَالْيَاء لقطع الترنم الْحَاصِل بهَا بِخِلَاف لُغَة الْحجاز فَإِنَّهُم يثبتون الْمدَّة وغال فِي الروي الْمُقَيد أثْبته الْأَخْفَش وَغَيره وَأنْكرهُ الزّجاج والسيرافي لِأَنَّهُ بِكَسْر الْوَزْن وَقَالَ ابْن يعِيش هُوَ ضرب من الترنم زاعما أَن الترنم يحصل بالنُّون نَفسهَا لِأَنَّهَا حرف أغن ويكونان أَي تَنْوِين الترنم والغالي فِي ذِي أل وَالْفِعْل والحرف كَقَوْلِه 1388 -
(أقلّى اللّوم عاذِلَ والعتابَن ... وقُولي إنْ أَصَبْتُ لَقَدْ أصابَنْ ... )
وَقَوله 1389 -
(لمّا تزل بركابنا وَكَأن قَدِنْ)
وَقَوله(2/620)
1390 -
(وقاتم الأعماق خاوي المخترقن ... )
وَقَوله 1391 -
(ويَعْدُو على المَرْء مَا يأتَمِرَنْ)
وَقَوله 1392 -
(قَالَت بناتُ العمّ يَا سلمي وإنِنْ ... )
بِخِلَاف غَيرهمَا من أَقسَام التَّنْوِين فَإِنَّهُ لَا يكون إِلَّا فِي الِاسْم الْخَالِي من (أل) وَمن ثمَّ قَالَ ابْن مَالك فِي شرح الكافية وَابْن هِشَام فِي تَوْضِيحه هما نونان لَا تنوينان قَالَا وَلَعَلَّ الشَّاعِر زَاد أَن آخر كل بَيت فضعفت صَوته بِالْهَمْزَةِ فَتوهم السَّامع أَنه نون وَكسر الروي وَقَالَ أَبُو الْحجَّاج يُوسُف ابْن معزوز هما نونان أبدلا من الْمدَّة وليسا بتنوين وَزَاد ابْن الخباز فِي شرح الجزولية تَنْوِين ضَرُورَة فِي المنادى وَمَا لَا ينْصَرف قَالَ ابْن هِشَام وَبِقَوْلِهِ أَقُول فِي الْمُنَادِي دون الآخر لِأَن الضَّرُورَة أَبَاحَتْ الصّرْف فَهُوَ حِينَئِذٍ تَمْكِين بِخِلَاف المنادى نَحْو(2/621)
1393 -
(سَلامُ اللهِ يَا مطٌ ر عَلَيْهَا ... )
فَإِن الِاسْم مَبْنِيّ على الضَّم وَزَاد أَيْضا تَنْوِين حِكَايَة كَأَن يُسَمِّي رجلا بعاقلة لَبِيبَة فَإنَّك تحكي اللَّفْظ المسمي بِهِ قَالَ ابْن هِشَام وَهَذَا اعْتِرَاف مِنْهُ بِأَنَّهُ تَنْوِين الصّرْف لِأَن الَّذِي كَانَ قبل التَّسْمِيَة حُكيَ بعْدهَا وَزَاد بَعضهم وتنوين شذوذ كَقَوْل بَعضهم هَؤُلَاءِ قَوْمك حَكَاهُ أَبُو زيد وَفَائِدَته تَكْثِير اللَّفْظ قَالَ ابْن مَالك وَالصَّحِيح أَن هَذَا نون زيدت فِي آخر الِاسْم كنون ضيفن وَلَيْسَ بتنوين قَالَ ابْن هِشَام وَفِيمَا قَالَه نظر لِأَن الَّذِي حَكَاهُ سَمَّاهُ تنوينا فَهَذَا دَلِيل مِنْهُ على أَنه سَمعه فِي الْوَصْل دون الْوَقْف وَنون ضيفن لَيست كَذَلِك.(2/622)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
1 - فِي العوامل الْكتاب الرَّابِع
أَنْوَاع الْأَفْعَال نعم وَبئسَ حبذا صيغتا التَّعَجُّب الْمصدر اسْم الْمصدر اسْم الْفَاعِل صِيغ الْمُبَالغَة اسْم الْمَفْعُول الصّفة المشبهة أَسمَاء الْأَفْعَال أَسمَاء الْأَصْوَات الظّرْف وَالْمَجْرُور التَّنَازُع فِي الْعَمَل الِاشْتِغَال(3/5)
صفحة فارغة(3/6)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
1 - الْكتاب الرَّابِع فِي العوامل
الْكتاب الرَّابِع فِي العوامل فِي الْأَسْمَاء وَالرَّفْع وَالنّصب من الْفِعْل وَمَا ألحق بِهِ فِي الْعَمَل وابتدئ ذَلِك بتقسيم الْفِعْل إِلَى لَازم ومتعد ومتصرف وجامد وَختم بتنازع العوامل مَعْمُولا وَاحِدًا الْمُقْتَضِي لإضماره غَالِبا فِي الثَّانِي وضده وَهُوَ اشْتِغَال الْعَامِل الْوَاحِد عَن الْمَعْمُول لوُجُود غَيره الْمُقْتَضِي لإضماره هُوَ غَالِبا من الْبَاقِي (الْفِعْل) أَرْبَعَة أَقسَام (لَازم ومتعد وواسطة) لَا يُوصف بِلُزُوم وَلَا تعد وَهُوَ النَّاقِص كَانَ وَكَاد وأخواتهما وَمَا يُوصف بهما أَي باللزوم والتعدي مَعًا لاستعماله بِالْوَجْهَيْنِ (كشكر ونصح على الْأَصَح) فَإِنَّهُ يُقَال شكرته وشكرت لَهُ ونصحته وَنَصَحْت لَهُ وَمثله كلته وكلت لَهُ ووزنته ووزنت لَهُ وعددته وعددت لَهُ وَلما تساوى فِيهِ الاستعمالان صَار قسما بِرَأْسِهِ وَمِنْهُم من أنكرهُ وَقَالَ أَصله أَن يسْتَعْمل بِحرف الْجَرّ وَكثر فِيهِ الأَصْل وَالْفرع وَصَححهُ ابْن عُصْفُور وَمِنْهُم من قَالَ الأَصْل تَعديَة بِنَفسِهِ وحرف الْجَرّ زَائِد وَقَالَ ابْن درسْتوَيْه أصل (نصح) أَن يتَعَدَّى لوَاحِد بِنَفسِهِ وَللْآخر بِحرف الْجَرّ وَالْأَصْل نصحت لزيد رَأْيه قَالَ أَبُو حَيَّان وَمَا زعم لم يسمع فِي مَوضِع قلت وَلَا أَظُنهُ مَخْصُوصًا بنصح فَإِنَّهُ مُمكن فِي بَاقِي أخواته إِذْ يُقَال شكرت لَهُ معروفه ووزنت لَهُ مَاله(3/7)
قَالَ الرضي الشاطبي وَهَذَا النَّوْع مَقْصُور على السماع وَمِنْه مَا وصف بهما مَعَ اخْتِلَاف مَعْنَاهُ كفغر فَاه وشحاه بِمَعْنى فَتحه وفغر فوه وشحا بِمَعْنى انْفَتح وَكَذَلِكَ زَاد وَنقص ذكره فِي شرح الكافية (فاللازم) وَيُقَال لَهُ الْقَاصِر وَغير الْمُتَعَدِّي للزومه فَاعله وَعدم تعديه إِلَى الْمَفْعُول بِهِ (مَا لَا يَبْنِي مِنْهُ مفعول تَامّ) أَي بِغَيْر حرف جر كغضب فَهُوَ مغضوب عَلَيْهِ بِخِلَاف الْمُتَعَدِّي وَيُقَال لَهُ الْوَاقِع والمجاوز فَإِنَّهُ يَبْنِي مِنْهُ اسْم مفعول بِدُونِ حرف جر كضرب فَهُوَ مَضْرُوب (وَلَزِمَه) أَي اللُّزُوم (فعل) بِضَم الْعين وَلَا يكون هَذَا الْوَزْن إِلَّا لأفعال السجايا وَمَا أشبههَا مِمَّا يقوم بفاعله وَلَا يتجاوزه كظرف وعذب وجنب (وتفعلل) كتدخرج (وانفعل) كانقطع وَانْصَرف وانقضي (وَافْعل) بتَشْديد اللَّام كاحمر وازور (وافعلل) أصلا كاقشعر واشمأز أَو إِلْحَاقًا كاكوهد الفرخ أَي ارتعد (وافعنلل) أصلا كاقعنسس واحرنجم أَو إِلْحَاقًا كاحرنبي الديك إِذا انتفش (وافعال) كاحمار قَالَ ابْن مَالك فَهَذِهِ الأوزان دَلَائِل على عدم التَّعَدِّي من غير حَاجَة إِلَى الْكَشْف عَن مَعَانِيهَا (وَيَتَعَدَّى) اللَّازِم (لغير الْمَفْعُول بِهِ) من الْمصدر وَالزَّمَان وَالْمَكَان (وَقيل لَا يتَعَدَّى لزمن مُخْتَصّ إِلَّا بِحرف و) يتَعَدَّى (لَهُ) أَي للْمَفْعُول بِهِ (بِحرف جر مَخْصُوص) (ويطرد) أَي يكثر وَيُقَال (حذفه) أَي الْحَرْف (لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال) نَحْو دخلت الدَّار فيقاس عَلَيْهِ دخلت الْبَلَد وَالْبَيْت بِخِلَاف مَا لم يكثر نَحْو ذهبت(3/8)
الشَّام وتوجهت مَكَّة فَيسمع وَلَا يُقَاس (وَمَعَ أَن وَأَن) المصدريتين (إِذْ لَا لبس) كعجبت أَن تذْهب وَأَنَّك ذَاهِب أَي (من) بِخِلَاف مَا إِذا لم يتَعَيَّن الْحَرْف فَلَا يجوز الْحَذف للإلباس نَحْو رغبت أَنَّك قَائِم إِذا لَا يدْرِي هَل الْمَحْذُوف (فِي) أَو (عَن) وَأما قَوْله تَعَالَى: {وترغبون أَن تنكحوهن} [النِّسَاء: 127] فالحذف فِيهِ إِمَّا للاعتماد على الْقَرِينَة أَو لقصد الْإِبْهَام ليرتدع بذلك من يرغب فِيهِنَّ لمالهن وجمالهن وَمن يرغب عَنْهُن لدمامتهن وفقرهن زَاد ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي (وكي) قَالَ وَقد أهملها النحويون هُنَا مَعَ تجويزهم فِي جِئْت كي تكرمني أَن تكون (كي) مَصْدَرِيَّة وَاللَّام مقدرَة قَالَ وَلَا يحذف مَعهَا إِلَّا لَام الْعلَّة لِأَنَّهَا لَا تجر بغَيْرهَا بِخِلَاف أَن وَأَن ومحلهما أَي أَن وَأَن بعد الْحَذف فِيهِ خلاف قَالَ الْخَلِيل وَالْأَكْثَر نصب حملا على الْغَالِب فِيمَا ظهر فِيهِ الْإِعْرَاب مِمَّا حذف مِنْهُ (و) قَالَ الْكسَائي جر لظُهُوره فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فِي قَوْله: 1395 -
(وَمَا زُرْتُ ليلى أَن تكون حَبيبةً ... إليّ وَلَا دَيْن بهَا أَنا طالِبُهْ)(3/9)
وَلما حكى سِيبَوَيْهٍ قَول الْخَلِيل قَالَ وَلَو قَالَ إِنْسَان إِنَّه جر لَكَانَ قولا قَوِيا وَله نَظَائِر نَحْو قَوْلهم لاه أَبوك قَالَ أَبُو حَيَّان وَغَيره وَأما نقل ابْن مَالك وَصَاحب الْبَسِيط عَن الْخَلِيل أَنه جر وَعَن سيبوه أَنه نصب فَوَهم لِأَن الْمَنْصُوص فِي كتاب سبيويه عَن الْخَلِيل أَنه نصب وَأما سِيبَوَيْهٍ فَلم يُصَرح فِيهِ بِمذهب وشذ الْحَذف فِيمَا سواهُ أَي سوى مَا ذكر كَقَوْلِه: 1396 -
(كَمَا عَسل الطريقَ الثعلبُ ... )
وَقَوله: 1397 -
(أشارت كُليبٍ بالأكُفّ الأصابعُ ... )
أَي إِلَى كُلَيْب وَلَا يُقَاس على الْأَصَح بل يقْتَصر فِيهِ على السماع وَقَالَ الْأَخْفَش الصَّغِير يُقَال إِذا أَمن اللّبْس كَقَوْلِه:(3/10)
1398 -
(وأُخفِي الَّذِي لَوْلَا الأسى لقضَاني ... )
أَي لقضى عَليّ (و) يتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُول بِهِ أَيْضا بتضمنه معنى فعل (مُتَعَدٍّ) كَقَوْلِه أرحبكم الدُّخُول فِي طَاعَة ابْن الْكرْمَانِي أَي أوسعكم وَفِي الْقيَاس عَلَيْهِ خلف قيل يُقَاس عَلَيْهِ لِكَثْرَة مَا سمع مِنْهُ وَقيل لَا (و) يتَعَدَّى إِلَيْهِ أَيْضا (بِالْهَمْزَةِ) نَحْو: {أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ} [الْأَحْقَاف: 20] {أمتنَا اثْنَتَيْنِ وأحييتنا اثْنَتَيْنِ} [غَافِر: 11] وَرُبمَا أحدثت فِي الْمُتَعَدِّي لُزُوما خلاف الْمَعْهُود نَحْو أكب الرجل وكببته أَنا وأقشع الْغَيْم وقشعته الرّيح وأنسل ريش الطَّائِر ونسلته أَنا فِي أَفعَال مسموعة وتعدي ذَا المعتدي إِلَى الْوَاحِد لاثْنَيْنِ نَحْو كفل زيد عمرا وأكفلت زيدا عمرا وَلَا تعدِي ذَا الِاثْنَيْنِ إِلَى ثَلَاثَة فِي غير بَاب (علم) بِإِجْمَاع (ثمَّ) اخْتلف فِي الْمُتَعَدِّي بِالْهَمْزَةِ كَذَا على أَقْوَال أَحدهَا أَنه سَماع فِي اللَّازِم والمتعدي وَعَلِيهِ الْمبرد ثَانِيهَا قِيَاس فيهمَا وَعَلِيهِ الْأَخْفَش والفارسي ثَالِثهَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ قِيَاس فِي اللَّازِم سَماع فِي الْمُتَعَدِّي وَرَابِعهَا قِيَاس مُطلقًا فِي غير بَاب (علم) وَعَلِيهِ أَبُو عَمْرو خَامِسهَا قِيَاس فِيمَا يحدث الفعلية أَي يكْسب فَاعله صفة من نَفسه لم تكن فِيهِ قبل الْفِعْل نَحْو قَامَ وَقعد فَيُقَال أقمته وأقعدته أَي جعلته على هَذِه الصّفة سَماع فِيمَا لَيْسَ كَذَلِك نَحْو أشريت زيدا مَا فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ أذبحته الْكَبْش أَي جعلته بذَبْحه لِأَن الْفَاعِل لَهُ يصير على هَيْئَة لم يكن عَلَيْهَا (و) يتَعَدَّى أَيْضا بِتَضْعِيف الْعين سَمَاعا فِي الْأَصَح نَحْو فَرح زيد وفرحته {قد أَفْلح من زكاها} [الشَّمْس: 9] {هُوَ الَّذِي يسيركم} [يُونُس: 22] وَقيل قِيَاسا(3/11)
وَادّعى الخضراوي الِاتِّفَاق على الأول قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَيْسَ بِصَحِيح (قيل و) بِتَضْعِيف (اللَّام) نَحْو صعر خُذْهُ وصعررته قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ غَرِيب قيل وَألف المفاعلة نَحْو سَار زيد وسايرته وَجلسَ وجالسته قيل وَصِيغَة استفعل نَحْو حسن زيد واستحسنته نقلهما أَبُو حَيَّان عَن بعض النُّحَاة قَالَ الْكُوفِيُّونَ وتحويل حَرَكَة الْعين نَحْو كسي زيد بِوَزْن فَرح وكسى زيد عمرا وتتعاقب الْهمزَة والتضعيف وَالْبَاء أَي يَقع كل مِنْهُمَا موقع الآخر نَحْو أنزلت الشَّيْء ونزلته وَأثبت الشَّيْء وثبته وأذهبت زيدا وَذَهَبت بِهِ (وَمن ثمَّ) أَي من هُنَا وَهُوَ وُرُود الْهمزَة معاقبة لما ذكر أَي من أجل ذَلِك ادّعى الْجُمْهُور أَن مَعْنَاهُمَا أَي الْهمزَة والتضعيف أَو الْهمزَة وَالْبَاء فِي التَّعْدِيَة وَاحِد فَلَا يفهم هَذَا التَّضْعِيف تَكْرَارا وَلَا مُبَالغَة وَلَا مصاحبة وَادّعى الزَّمَخْشَرِيّ وَمن وَافقه أَن بَين التعديتين فرقا وَأَن التَّعْدِيَة بِالْهَمْزَةِ لَا تدل على تَكْرِير وبالتضعيف تدل عَلَيْهِ ورد بقوله تَعَالَى: {وَقد نزل عَلَيْكُم فِي الْكتاب أَن إِذا سَمِعْتُمْ} [النِّسَاء: 140] الْآيَة وَهُوَ إِشَارَة إِلَى قَوْله: {وَإِذَا رَأَيتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيءَايَاتِنَا} [الْأَنْعَام: 68] وَهِي آيَة وَاحِدَة وَبِقَوْلِهِ {لَولاَ نُزِّلَ عَلَيهِ القُرءَانُ جُملَةً وَاحِدَةً} [الْفرْقَان: 32] وَادّعى الْمبرد والسهيلي الْفرق بَين الْهمزَة وَالْبَاء وَأَنَّك إِذا قلت ذهبت بزيد كنت مصاحبا لَهُ فِي الذّهاب ورد بقوله تَعَالَى: {ذهب الله بنورهم} [الْبَقَرَة: 17] (وَفِي نَصبه) أَي الْفِعْل اللَّازِم اسْما تَشْبِيها بالمتعدي خلف فَأَجَازَهُ بعض(3/12)
الْمُتَأَخِّرين قِيَاسا على تَشْبِيه الصّفة المشبهة باسم الْفَاعِل الْمُتَعَدِّي نَحْو زيد تفقأ الشَّحْم أَصله تفقأ شحمه فأضمرت فِي تفقأ ونصبت (الشَّحْم) تَشْبِيها بالمفعول بِهِ وَاسْتدلَّ بِمَا رُوِيَ فِي الحَدِيث:
(كَانَت امْرَأَة تهراق الدِّمَاء) وَمنعه الشلوبين قَالَ لَا يكون ذَلِك إِلَّا فِي الصِّفَات وَقد تأولوا الْأَثر على أَنه إِسْقَاط حرف الْجَرّ أَو على إِضْمَار فعل أَي بالدماء أَو يهريق الله الدِّمَاء مِنْهَا قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح إِذْ لم يثبت ذَلِك من لِسَان الْعَرَب (والمتعدي غير النَّاسِخ إِمَّا لوَاحِد وَقد يتَضَمَّن اللُّزُوم) فيتعدى بالحرف نَحْو: {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره} [النُّور: 63] أَي يخرجُون وينفصلون (أَو لاثْنَيْنِ ثَانِيهمَا بِحرف جر) وَالْأول بِنَفسِهِ وَسمع حذفه من الثَّانِي (مَعَ) أَفعَال وَهِي (اخْتَار) قَالَ تَعَالَى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه} [الْأَعْرَاف: 155] أَي من قومه (واستغفر) قَالَ: 1399 -
(أسْتغفِر اللهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ ... )(3/13)
أَي من ذَنْب (وَأمر) قَالَ: 1400 -
(أمرْتُكَ الخيْرَ فافْعل مَا أُمِرْتَ بهِ ... )(3/14)
أَي بِالْخَيرِ (وسمى وكنى) بِالتَّخْفِيفِ (ودعا) نَحْو سميت وَلَدي أَحْمد وكنيته أَبَا الْحسن ودعوته زيدا أَي بِأَحْمَد وَأبي الْحسن وبزيد (وَزوج) نَحْو {زَوَّجْنَاكهَا} [الْأَحْزَاب: 37] أَي بهَا (وَصدق) بِالتَّخْفِيفِ نَحْو: {صدق عَلَيْهِم إِبْلِيس ظَنّه} [سبأ: 20] أَي فِي ظَنّه وَهدى نَحْو: {هديناه السَّبِيل} [الْإِنْسَان: 3] أَي إِلَيْهِ (وعير) نَحْو عيرت زيدا سوَاده أَي بِهِ وَمِنْهَا فرق وقرع وَجَاء واشتاق وَرَاح وَتعرض ونأى وَحل وخشي فَمنع الْجُمْهُور الْقيَاس عَلَيْهَا(3/15)
وَجوزهُ الْأَخْفَش الصَّغِير عَليّ بن سُلَيْمَان وَابْن الطراوة ووالدي رَحمَه الله فَقَالُوا بِحَذْف حرف الْجَرّ فِي كل مَا لَا لبس فِيهِ بِأَن يتَعَيَّن هُوَ ومكانه نَحْو بريت الْقَلَم السكين قِيَاسا على تِلْكَ الْأَفْعَال فَإِن فقد الشرطان أَو أَحدهمَا بإن لم يتَعَيَّن الْحَرْف نَحْو رغبت أَو مَكَانَهُ نَحْو اخْتَرْت إخْوَتك الزيدين لم يجز لِأَن كلا مِنْهُمَا يصلح لدُخُول (من) عَلَيْهِ وَمَا نقلته عَن وَالِدي ذكره فِي رِسَالَة لَهُ فِي تَوْجِيه قَول الْمِنْهَاج (وَمَا ضبب بِذَهَب أَو فضَّة ضبة) فَقَالَ وَالَّذِي ظهر لي فِيهِ بعد الْبَحْث مَعَ نجباء الْأَصْحَاب وَنظر الْمُحكم والصحاح وتهذيب اللُّغَة وَغَيرهَا وَلم نجده مُتَعَدِّيا بِهَذَا الْمَعْنى أَن الْبَاء فِي (بِذَهَب) بِمَعْنى (من) و (فضَّة) مَنْصُوب على إِسْقَاط الْخَافِض أما من بَاب (أَمرتك الْخَيْر) وَهُوَ ظَاهر قَالَ وَلَا يرد أَنهم لم يعدوه من أَفعاله لأَنا نقُول مَا قيس على كَلَامهم فَهُوَ من كَلَامهم فَهَذَا عين مَا نقلته عَنهُ من الْقيَاس ثمَّ قَالَ وَقد قَالُوا فِي ضبط أَفعَال بَاب (أَمر) أَنه كل فعل ينصب مفعولين لَيْسَ أَصلهمَا الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وأصل الثَّانِي مِنْهُمَا حرف الْجَرّ وَهَذَا الضَّابِط يَشْمَلهُ لَا محَالة وَهُوَ أولى من أَن يدعى أَنه من بَاب: 1401 -
(تمرون الدِّيارَ ... )(3/16)
لِأَن هَذَا مَحْفُوظ انْتهى ووالدي رَحمَه الله كَانَ مِمَّن لَهُ التَّمَكُّن فِي عُلُوم الشَّرْع والعربية وَالْبَيَان والإنشاء أجمع على ذَلِك كل من شَاهده (وَقيل إِن ضمن) الْفِعْل معنى فعل (ناصبه) أَي ناصب لَهُ بِنَفسِهِ جَازَ الْحَذف قِيَاسا وَإِلَّا فَلَا وَقيل يجوز بِشَرْط عدم الْفَصْل بَينه وَبَين الَّذِي يحذف مِنْهُ حرف الْجَرّ فَلَا يُقَال أَمرتك يَوْم الْجُمُعَة الْخَيْر (و) بِشَرْط عدم التَّقْدِير فَلَا يُقَال أَمرتك زيدا تُرِيدُ بزيد أَي بأَمْره وشأنه (و) إِمَّا مُتَعَدٍّ (إِلَى اثْنَيْنِ بِدُونِهِ) أَي بِدُونِ حرف جر كأعطى وكسى وَقيل الثَّانِي من منصوبهما مَنْصُوب بمضمر ويحذف أحد مفعوليه (وَكَذَا) يحذف أَي مفعول بَاب اخْتَار نَحْو اخْتَرْت الرِّجَال واستغفرت ذَنبي خلافًا لِلسُّهَيْلِي من قَوْله لَا يجوز الِاقْتِصَار على الْوَاحِد الْمَنْصُوب
أَنْوَاع الْفِعْل
مَسْأَلَة (الْفِعْل متصرف) وَهُوَ مَا اخْتلفت أبنيته لاخْتِلَاف زَمَانه وَهُوَ كثير (وجامد) بِخِلَافِهِ وَهُوَ مَعْدُود (وَمِنْه غير مَا مر) من النواسخ وَالِاسْتِثْنَاء (قل للنَّفْي الْمَحْض فَترفع الْفَاعِل متلوا بِصفة) مُطَابقَة لَهُ نَحْو قل رجل يَقُول ذَلِك وَقل رجلَانِ يَقُولَانِ ذَلِك بِمَعْنى مَا رجل(3/17)
(ويكف عَنهُ ب (مَا)) الكافة فَلَا يَليهَا غير فعل اخْتِيَارا وَلَا فَاعل لَهَا لإجرائها مجْرى حرف النَّفْي نَحْو قَلما قَامَ زيد وَقد يَليهَا الِاسْم ضَرُورَة كَقَوْلِه: 1402 -
( ... ... ... . . وقلّما ... وصالٌ على طول الصدود يدومُ)(3/18)
(و) مِنْهُ (تبَارك) من الْبركَة (وهدك من رجل) وهدتك من امْرَأَة بِمَعْنى كَفاك وكفتك (وَسقط فِي يَده) بِمَعْنى نَدم (وَكذب فِي الإغراء) بِمَعْنى وَجب كَقَوْل عمر كذب عليكهم الْحَج أَي وَجب قَالَ ابْن السّكيت بِمَعْنى عَلَيْكُم بِهِ كلمة نادرة جَاءَت على غير الْقيَاس وَقَالَ الْأَخْفَش الْحَج مَرْفُوع بِهِ وَمَعْنَاهُ نصب لِأَنَّهُ يُرِيد الْأَمر بِهِ كَقَوْلِهِم أمكنك الصَّيْد يُرِيد ارمه وَقَالَ أَبُو حَيَّان الَّذِي تَقْتَضِيه الْقَوَاعِد فِي مثل هَذَا أَنه من بَاب الإعمال وَالْمَرْفُوع فَاعل (كذب) وَحذف مفعول عَلَيْك أَي عَلَيْكُم لفهم الْمَعْنى وَإِن نصب فَهُوَ ب (عَلَيْك) وفاعل كذب مُضْمر يفسره مَا بعده على رَأْي سِيبَوَيْهٍ أَو مَحْذُوف على رَأْي الْكسَائي وَهَذِه الْأَفْعَال الْمَذْكُورَة لم يسْتَعْمل مِنْهَا إِلَّا الْمَاضِي وَالرَّابِع مِنْهَا لم يسْتَعْمل إِلَّا مَبْنِيا للْمَفْعُول و (فِي يَده) مَرْفُوعَة(3/19)
قَالَ أَبُو حَيَّان لَكِن قرئَ (سقط) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل أما (قل) مُقَابل (كثر) وَكذب بِمَعْنى اختلق أَو أَخطَأ أَو أبطل فمتصرفة ويهيط يَصِيح ويفج لم يسْتَعْمل إِلَّا مضارعا يُقَال مَا زَالَ مُنْذُ الْيَوْم يهيط هيطا وأهلم بِفَتْح الْهمزَة وَالْهَاء وَضم اللَّام وبضم الْهمزَة وَكسر اللَّام لم يسْتَعْمل مِنْهُ الْمَاضِي وَلَا الْأَمر فِي أَكثر اللُّغَات وأهاء مَبْنِيّ للْفَاعِل بِمَعْنى آخذ وللمفعول بِمَعْنى أعطي لم يسْتَعْمل مِنْهُ غير الْمُضَارع وَإِنَّمَا يليان لَا وَلم بِكَسْر اللَّام وَفتح الْمِيم فَيُقَال فِي جَوَاب (هَا) لَا أها وَلم أهاء وَلَا أهلم وَلم أهلم لَا تنفيسا على الصَّحِيح وهاء بِالْمدِّ وَالْكَسْر وَهَا بِالْقصرِ والسكون معنى خُذ وتلحقها الضمائر فَيُقَال فِي هَاء هائي هَاء وهائين وهاؤم وهاؤن وَعم صباحا بِمَعْنى أنعم صباحا لم يسْتَعْمل مِنْهُ إِلَّا أَمر وَيَنْبَغِي لم يسْتَعْمل مِنْهُ إِلَّا الْمُضَارع وَقَالَ أَبُو حَيَّان سمع مَا ضيهما ومضارع عَم قَالَ يُونُس وعمت الدَّار أَعم قلت لَهَا انعمي وَقَالَ الأعلم وَعم يعم بِمَعْنى نعم ينعم قَالَ 1403 -
(وَهل يَعِمَنْ مَنْ كَانَ فِي العُصُر الْخَالِي ... )(3/20)
وَقَالَ ابْن فَارس بغيته فانبغى ككسرته فانكسر وهات وتعال وَبِمَا قيل هَاتِي بهاتي وهلم التميمية لم يسْتَعْمل مِنْهَا إِلَّا الْأَمر أما الحجازية فَهِيَ اسْم فعل لَا تلْحقهُ الضمائر وَقَالَ ابْن كيسَان فِي تصريفه ونكر ضد عرف وَيُسَوِّي بِمَعْنى يُسَاوِي لم يسْتَعْمل من الأول إِلَى إِلَّا الْمَاضِي وَمن الثَّانِي إِلَّا الْمُضَارع وَذكر الأول(3/21)
أَيْضا (البهاري) وَالثَّانِي (ابْن الْحَاج) واستغني غَالِبا ب (ترك) الْمَاضِي وَالتّرْك الْمصدر وتارك اسْم الْفَاعِل ومتروك اسْم الْمَفْعُول عَنْهَا أَي عَن اسْتِعْمَال هَذِه الصِّيَغ من وذر وودع فعلى هَذَا يعدَّانِ فِي الجوامد إِذْ لم يسْتَعْمل مِنْهُمَا إِلَّا الْأَمر وَمن غير الْغَالِب مَا قرئَ (مَا وَدعك رَبك) مخففا وَحَدِيث أبي دَاوُد وَغَيره (دعوا الْحَبَشَة مَا ودعوكم) وَحَدِيثه
(لينتهين أَقوام عَن ودعهم الْجُمُعَات) وَحَدِيث البُخَارِيّ
(غير مكفي وَلَا مكفور وَلَا مُودع) وَقَول الشَّاعِر 1404 -
(جَرى وَهُوَ مَوْدُوعٌ وواعِدُ ... )(3/22)
3 - نعم وَبئسَ
وَمِنْه أَي الجامد نعم وَبئسَ فعلان لإنشاء الْمَدْح والذم قَالَ الرضي وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت نعم الرجل زيد فَإِنَّمَا تنشيء الْمَدْح وتمدحه بِهَذَا اللَّفْظ وَلَيْسَ الْمَدْح مَوْجُودا فِي الْخَارِج فِي أحد الْأَزْمِنَة مَقْصُودا مُطَابقَة هَذَا الْكَلَام إِيَّاه حَتَّى يكون خَبرا بل يقْصد بِهَذَا الْكَلَام مدحه على جودته الْحَاصِلَة خَارِجا فَقَوْل الْأَعرَابِي لمن بشره بمولودة وَقَالَ نعم الْمَوْلُود وَالله مَا هِيَ بنعم المولودة لَيْسَ تَكْذِيبًا لَهُ فِي الْمَدْح إِذْ لَا يُمكن تَكْذِيبه فِيهِ بل هُوَ إِخْبَار بِأَن الْجَوْدَة الَّتِي حكمت بحصولها فِي الْخَارِج لَيست بحاصلة فَهُوَ إنْشَاء جزؤه الْخَبَر وَكَذَلِكَ الْإِنْشَاء التعجبي والإنشاء الَّذِي فِي كم الخبرية وَرب هَذَا غَايَة مَا يُمكن ذكره فِي تمشية مَا قاولوا من كَون هَذَا الْأَشْيَاء للإنشاء قَالَ وَمَعَ هَذَا فلي فِيهِ نظر إِذْ يطرد ذَلِك فِي جَمِيع الْأَخْبَار لِأَنَّك إِذا قلت زيد أفضل من عَمْرو لَا ريب فِي كَونه خَبرا إِذْ لَا يُمكن أَن يكذب فِي التَّفْضِيل وَيُقَال لَك إِنَّك لم تفضل بل التَّكْذِيب إِنَّمَا يتَعَلَّق بأفضلية زيد وَكَذَا إِذا قلت زيد قَائِم فَهُوَ خبر بِلَا شكّ وَلَا يدْخلهُ التَّصْدِيق والتكذيب من حَيْثُ الْإِخْبَار إِذا لَا يُقَال لَك أخْبرت أَو وَلم تخبر لِأَنَّك أوجدت بِهَذَا اللَّفْظ الْإِخْبَار بل يدخلَانِ من حَيْثُ الْقيام وَيُقَال إِن الْقيام حَاصِل أَو لَيْسَ بحاصل فَكَذَا قَوْله لَيْسَ بنعم المولودة بَيَان أَن النعمية أَي الْجَوْدَة الْمَحْكُوم بثبوتها خَارِجا لَيست بثابتة وَكَذَا فِي التَّعَجُّب وَفِي كم وَرب انْتهى وَعَن الْفراء أَنَّهُمَا اسمان لدُخُول حرف الْجَرّ عَلَيْهِمَا فِي قَوْله (وَالله مَا هِيَ بنعم الْوَلَد) وَقَوْلهمْ (نعم السّير على بئس العير) وَالْإِضَافَة فِي قَوْله 1405 -
(بنِعْمَ طيْر وشبابٍ فاخِر ... )(3/23)
والنداء فِي قَوْلهم يَا نعم الْمولى وَنعم النصير وَدخُول لَام الِابْتِدَاء عَلَيْهِمَا فِي خبر إِن وَلَا يدْخل على الْمَاضِي والإخبار عَنْهُمَا فِيمَا حكى الرُّؤَاسِي (فِيك نعم الْخصْلَة) وعطفهما على الِاسْم فِيمَا حكى الْفراء (الصَّالح وَبئسَ الرجل فِي الْحق سَوَاء) وَعدم التَّصَرُّف والمصدر وَأجِيب بِأَن حرف الْجَرّ والنداء قد يدخلَانِ على مَا لَا خلاف فِي فعليته بِتَأْوِيل مَوْصُوف أَو منادى مُقَدّر وَكَذَا فِي الْإِخْبَار والعطف أَي فِيك خصْلَة نعمت الْخصْلَة وَرجل بئس الرجل وَبِأَن نعم فِي (نعم طير) سمي بهَا محكية وَلذَا فتحت ميمها وَبِأَن عدم التَّصَرُّف والمصدر لَا يدلان على الاسمية بِدَلِيل لَيْسَ وَعَسَى وَنَحْوهمَا وَيدل لفعليتهما لُحُوق تَاء التَّأْنِيث الساكنة بهما فِي كل اللُّغَات وَضمير الرّفْع فِي لُغَة حَكَاهَا الْكسَائي وَقيل لَا خلاف فِي أَنَّهُمَا فعلان وَإِنَّمَا الْخلاف فيهمَا بعد الْإِسْنَاد إِلَى الْفَاعِل فالبصريون يَقُولُونَ نعم الرجل وَبئسَ الرجل جملتان فعليتان وَغَيرهم يَقُول اسمان محكيان نقلا عَن أَصلهمَا وَسمي بهما الْمَدْح والذم كتأبط شرا وَنَحْوه وأصلهما فعل بِفَتْح الْفَاء وَكسر الْعين وَقد يردان بِهِ قَالَ طرفَة 1406 -
(مَا أقَلَّتْ قَدَمٌ أنَّهُمُ ... نَعِمَ السَّاعون فِي الْأَمر المُبرْ)(3/24)
صفحة فارغة(3/25)
وَقد يردان بِسُكُون الْعين وَفتح الْفَاء تَخْفِيفًا قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يذكرُوا لَهُ شَاهدا وكسرهما إتباعا قَالَ تَعَالَى {إِن الله نعما يعظكم بِهِ} [النِّسَاء: 58] وَكَذَا كل ذِي عين حلقية أَي هِيَ حرف حلق من فعل بِالْفَتْح وَالْكَسْر اسْما كَانَ أَو فعلا يرد بِهَذِهِ اللُّغَات الْأَرْبَع نَحْو فَخذ فَخذ فَخذ فَخذ شهد شهد شهد شهد قَالَ 1407 -
(إِذا غَابَ عنّا غَابَ عنّا ربيعُنَا ... وإنْ شِهْدَ أجْدَى خيرُهُ ونوافِلُه)(3/26)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَيشْتَرط فِي ذَلِك أَلا يكون مِمَّا شذت بِهِ الْعَرَب فِي فكه نَحْو لححت عينه أَو اتَّصل بِآخِرهِ مَا يسكن لَهُ نَحْو شهِدت وَلَا اسْم فَاعل معتل اللَّام نَحْو ثوب صخ أَي متسخ فَلَا يجوز التسكين فِيهَا وَيُقَال فِي بئس بيس بِفَتْح الْبَاء وياء سَاكِنة مبدلة من الْهمزَة على غير قِيَاس حَكَاهَا الْأَخْفَش والفارسي وَيُقَال فِي نعم نعيم بالإشباع حَكَاهُ الصفار قَالَ أَبُو حَيَّان وَذَلِكَ شذوذ لَا لُغَة قَالَ وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَن الْأَفْصَح نعم وَهِي لُغَة الْقُرْآن ثمَّ نعم وَعَلِيهِ {فَنعما هِيَ} [الْبَقَرَة: 271] ثمَّ نعم وَهِي الْأَصْلِيَّة ثمَّ نعم وفاعلهما ظَاهر معرف بأل نَحْو {نعم الْمولى} [الْأَنْفَال: 40] {ولبئس المهاد} [الْبَقَرَة: 206] أَو مُضَاف لما هِيَ فِيهِ نَحْو {ولنعم دَار الْمُتَّقِينَ} [النَّحْل: 30] {فبئس مثوى المتكبرين} [غَافِر: 76] أَو مُضَاف لمضاف إِلَيْهِ أَي إِلَى مَا هِيَ فِيهِ كَقَوْلِه 1408 -
(فَنِعْمَ ابنُ أخْتِ الْقَوْم غَيْرَ مُكَذّبٍ ... )
وَقَوله 1409 -
(فَنِعْم ذَوُو مُجامَلَةِ الْخَلِيل ... )(3/27)
قيل أَو مُضَاف إِلَى ضمير عَائِد عَلَيْهِ أَي على مَا هِيَ فِيهِ كَقَوْلِهِم 1410 -
(فَنعم أَخُو الهيجا ونِعْم شبابُها ... )
وَالأَصَح أَنه لَا يُقَاس عَلَيْهِ لقلته وَهِي أَي أل الَّتِي فِي فاعلهما جنسية عِنْد الْجُمْهُور بِدَلِيل عدم لحوقهما التَّاء حَيْثُ الْفَاعِل مؤنث فِي الْأَفْصَح وَاخْتلف على هَذَا فَقيل للْجِنْس حَقِيقَة فالجنس كُله هُوَ الممدوح أَو المذموم والمخصوص بِهِ فَرد من أَفْرَاده مندرج تَحْتَهُ وَقصد ذَلِك مُبَالغَة فِي إِثْبَات الْمَدْح أَو الذَّم للْجِنْس الَّذِي هُوَ مُبْهَم لِئَلَّا يتَوَهَّم كَونه طارئا على الْمَخْصُوص وَقيل تعديته إِلَيْهِ بِسَبَبِهِ وَقيل قصد جعله عَاما ليطابق الْفِعْل لِأَنَّهُ عَام فِي الْمَدْح وَلَا يكون الْفِعْل عَاما وَالْفَاعِل خَاصّا وَقيل للْجِنْس مجَازًا فَجعل الْمَخْصُوص جَمِيع الْجِنْس مُبَالغَة وَلم يقْصد غير مدحه أَو ذمه وَقَالَ قوم هِيَ عهدية ذهنية كَمَا تَقول اشْتريت اللَّحْم وَلَا تُرِيدُ الْجِنْس وَلَا معهودا تقدم وَأُرِيد بذلك أَن يَقع إِبْهَام ثمَّ يَأْتِي التَّفْسِير بعده تفخيما لِلْأَمْرِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق بن ملكون وَأَبُو مَنْصُور الجواليقي وَأَبُو عبد الله الشلوبين الصَّغِير عهدية شخصية والمعهود هُوَ الشَّخْص الممدوح والمذموم(3/28)
فَإِذا قلت زيد نعم الرجل فكأنك قلت نعم هُوَ وَاسْتدلَّ هَؤُلَاءِ بتثنيته وَجمعه وَلَو كَانَ عبارَة عَن الْجِنْس لم يسغْ فِيهِ ذَلِك وَيجوز إتباعه أَي فاعلهما بِبَدَل وَعطف وَيجوز مباشرتهما لنعم وَبئسَ لَا بِصفة فِي الْأَصَح وَهُوَ رَأْي الْجُمْهُور لما فِيهَا من التَّخْصِيص الْمنَافِي للشياع الْمُقْتَضِي مِنْهُ عُمُوم الْمَدْح والذم وَأَجَازَهُ ابْن السراج والفارسي وَابْن جني فِي قَوْله 1411 -
(لبئْس الْفَتى المدْعُوُّ باللَّيل حاتِمُ ... )
وَثَالِثهَا وَهُوَ رَأْي ابْن مَالك يجوز إِذا تؤول بالجامع لأكمل الْخِصَال اللائقة فِي الْمَدْح والذم بِخِلَاف مَا إِذا قصد بِهِ التَّخْصِيص مَعَ إِقَامَة الْفَاعِل مقَام الْجِنْس لِأَن تَخْصِيصه منَاف لذَلِك وَلَا توكيد معنوي قطعا كَذَا قَالَه ابْن مَالك وَعلله بِأَن الْقَصْد بالتوكيد من رفع توهم الْمجَاز أَو الْخُصُوص منَاف للقصد بفاعل نعم من إِقَامَته مقَام الْجِنْس أَو تَأْوِيله بالجامع لأكمل خِصَال الْمَدْح أَو الذَّم قَالَ أَبُو حَيَّان وَمن يرى أَن أل عهدية شخصية لَا يبعد أَن يُجِيز نعم الرجل نَفسه زيد وَفِي إتباعه بالتوكيد اللَّفْظِيّ احْتِمَالَانِ وَأَجَازَهُ ابْن مَالك فَيُقَال نعم الرجل الرجل زيد وَقَالَ أَبُو حَيَّان يَنْبَغِي أَلا يجوز إِلَّا بِسَمَاع وَلَا يفصل بَين نعم وفاعلها بظرف وَلَا غَيره قَالَه ابْن أبي الرّبيع وَالْجُمْهُور وَفِي (الْبَسِيط) يجوز الْفَصْل لتصرف هَذَا الْفِعْل فِي رَفعه الظَّاهِر والمضمر وَعدم التَّرْكِيب(3/29)
وَثَالِثهَا قَالَه الْكسَائي يجوز بمعموله أَي الْفَاعِل نَحْو نعم فِيك الرَّاغِب قَالَ أَبُو حَيَّان وَفِي الشّعْر مَا يدل لَهُ قَالَ 1412 -
(وَبئسَ من المليحاتِ البديلُ ... )
قَالَ وورود الْفَصْل ب (إِذن) وبالقسم فِي قَوْله 1413 -
(لبئس إِذن راعِي المودّة والوَصْل ... )
وَقَوله 1414 -
(بئسَ عَمْرُ الله قومٌ طرقوا ... )
أَو يكون ضميرا مستترا خلافًا للكسائي فِي مَنعه ذَلِك قَالَ فِي نَحْو نعم رجلا زيد الْفَاعِل هُوَ زيد والمنصوب حَال وَتَبعهُ دريود وَقَالَ الْفراء تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل وَالْأَصْل نعم الرجل زيد وعَلى الأول هَذَا الضَّمِير يكون مَمْنُوع الإتباع فَلَا يعْطف عَلَيْهِ وَلَا يُبدل مِنْهُ وَلَا يُؤَكد بضمير وَلَا غَيره لشبهه بضمير الشَّأْن فِي قصد إبهامه تَعْظِيمًا لمعناه وَمَا ورد من نَحْو (نعم هم قوما أَنْتُم) فشاذ مُفَسرًا بتمييز مُطَابق للمعنى) فِي الْإِفْرَاد والتذكير وفروعهما عَام فِي الْوُجُود غير متوغل فِي الْإِبْهَام وَلَا ذِي تَفْضِيل بِخِلَاف نَحْو الشَّمْس وَالْقَمَر فَلَا يُقَال نعم شمسا هَذِه الشَّمْس(3/30)
وَنَحْو غير وَمثل وَأي وَمَا دلّ على مفاضلة فَلَا يُقَال (نعم أفضل مِنْك زيد) لعدم قبُول مَا ذكر ل (أل) ولكونه خلفا عَن فَاعل مقرون بهَا اشْترط صلاحيته لَهَا جَائِز الْوَصْف نَحْو نعم رجلا صَالحا زيد نَقله أَبُو حَيَّان عَن الْبَسِيط جَازِمًا بِهِ وَكَذَا الْفَصْل نَحْو {بئس للظالمين بَدَلا} [الْكَهْف: 50] خلافًا لِابْنِ أبي الرّبيع فِي قَوْله يمْنَع الْفَصْل بَين نعم والمفسر قيل وَجَائِز الْحَذف أَيْضا إِذا علم نَحْو حَدِيث
(من تَوَضَّأ يَوْم الْجُمُعَة) فبها ونعمت ونعمت السّنة سنة أَو رخصَة فعلية أَي فبالسنة أَخذ وَعَلِيهِ ابْن عُصْفُور وَابْن مَالك وَنَصّ سِيبَوَيْهٍ على لُزُوم ذكره وَفِي الْجمع بَينه أَي التَّمْيِيز وَبَين الْفَاعِل الظَّاهِر أَقْوَال أَحدهَا لَا يجوز إِذْ لَا إِبْهَام يرفعهُ التَّمْيِيز وَعَلِيهِ سِيبَوَيْهٍ والسيرافي وَجَمَاعَة ثَانِيهَا يجوز وَعَلِيهِ الْمبرد وَابْن السراج والفارسي وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك قَالَ وَلَا يمْنَع مِنْهُ زَوَال الْإِبْهَام لِأَن التَّمْيِيز قد يجاء بِهِ توكيدا وَمِمَّا ورد مِنْهُ قَوْله 1415 -
(والتغلبيون بئس الفحلُ فحلُهُم ... فحلاً ... )(3/31)
وَقَوله 1416 -
(نعم الفتاةُ فتاةً هِنْدُ لَو بَذَلتْ ... )
ثَالِثهَا وَعَلِيهِ ابْن عُصْفُور يجوز إِن أَفَادَ التَّمْيِيز مَا لم يفده الْفَاعِل نَحْو نعم الرجل رجلا فَارِسًا وَقَوله 1417 -
(فَنِعْم المرءُ من رَجُل تِهَامى ... )
وَلَا يجوز إِن لم يفد ذَلِك وَلَا يُؤَخر هَذَا التَّمْيِيز عَن الْمَخْصُوص اخْتِيَارا فَلَا يُقَال نعم زيد رجلا إِلَّا فِي ضَرُورَة خلافًا للكوفية فِي تجويزهم تَأْخِيره عَنهُ أم تَأَخره عَن الْفِعْل فَوَاجِب قطعا وَلَا يكون الْفَاعِل لنعم وَبئسَ نكرَة اخْتِيَارا وَإِن ورد فضرورة كَقَوْلِه 1418 -
(بئْسَ قرينا يَفَن هالِكِ ... )
وَقَوله 1419 -
(فنِعْم صَاحِبُ قوم لَا سِلاح لَهُمْ ... )(3/32)
خلافًا للكوفيه وموافقتهم فِي إجازتهم ذَلِك لما حكى الْأَخْفَش أَن نَاسا من الْعَرَب يرفعون بهم النكرَة مُفْردَة ومضافة وَلَا يكون موصلا قَالَه الْكُوفِيُّونَ وَكثير من الْبَصرِيين وَجوزهُ الْمبرد فِي الَّذِي الجنسية كَقَوْلِه 1420 - ( ... بئس الَّذِي مَا أنتمُ آلَ أبْجرا ... )
قَالَ ابْن مَالك وَظَاهر قَول الْأَخْفَش أَنه يُجِيز نعم الَّذِي يفعل زيد ولايجيز نعم من يفعل قَالَ وَلَا يَنْبَغِي أَن يمْنَع لِأَن الَّذِي يفعل بِمَنْزِلَة الْفَاعِل وَلذَلِك أطْرد الْوَصْف بِهِ وَمُقْتَضى النّظر الصَّحِيح أَلا يجوز مُطلقًا وَلَا يمْنَع مُطلقًا بل إِذا قصد بِهِ الْجِنْس جَازَ أَو الْعَهْد منع انْتهى والمانعون مُطلقًا عللوا بِأَن مَا كَانَ فَاعِلا لنعم وَكَانَ فِيهِ أل كَانَ مُفَسرًا للضمير الْمُسْتَتر فِيهَا إِذا نزعت مِنْهُ وَالَّذِي لَيْسَ كَذَلِك (و) جوزه قوم فِي من وَمَا مرَادا بهما الْجِنْس كَقَوْلِه 1421 - ( ... ونِعْم مَنْ هُو فِي سرِّ وإعْلان ... )(3/33)
وتأوله غَيرهم على أَن الْفَاعِل مُضْمر وَمن فِي مَحل نصب تَمْيِيزه وَمن ثمَّ أَي من هُنَا وَهُوَ أَن فاعلهما لَا يكون مَوْصُولا قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُم سِيبَوَيْهٍ إِن مَا فِي نعم وَبئسَ الْوَاقِع بعْدهَا فعل نَحْو {بئْسَمَا اشْتَروا} [الْبَقَرَة: 90] نعم مَا صنعت معرفَة تَامَّة أَي لَا يفْتَقر إِلَى صلَة فَاعل وَالْفِعْل بعْدهَا صفة لمخصوص مَحْذُوف أَي نعم الشَّيْء شَيْء اشْتَروا قَالَ فِي شرح الكافية ويقويه كَثْرَة الِاقْتِصَار عَلَيْهَا فِي نَحْو غسلته غسلا نعما والنكرة التالية نعم لَا يقْتَصر عَلَيْهَا (وَقيل نكرَة تَمْيِيز) وَالْفِعْل بعْدهَا صفة لَهَا أَو بِمَعْنى شَيْء صفتهَا الْفِعْل أَي بئس شَيْئا شَيْء اشْتَروا أَقْوَال ورد بِأَن التَّمْيِيز يرفع الْإِبْهَام وَمَا يُسَاوِي الْمُضمر فِي الْإِبْهَام فَلَا يكون تمييزا (وَثَالِثهَا) هِيَ (مَوْصُولَة) صلتها الْفِعْل والمخصوص مَحْذُوف أَو هِيَ الْمَخْصُوص و (مَا) أُخْرَى تَمْيِيز مَحْذُوف أَي نعم شَيْئا الَّذِي صَنعته أَو هِيَ الْفَاعِل واكتفي بهَا وبصلتها عَن الْمَخْصُوص أَقْوَال (وَرَابِعهَا مَصْدَرِيَّة) وَلَا حذف وَالتَّقْدِير نعم صنعك وَبئسَ شراؤهم (وخامسها نكرَة مَوْصُوفَة فَاعل) يكْتَفى بهَا وبصلتها عَن الْمَخْصُوص (وسادسها كَافَّة) كفت نعم وَبئسَ كَمَا كفت قل وَصَارَت تدخل على الْجُمْلَة الفعلية (وَفِي) (مَا) إِذا وَليهَا اسْم نَحْو: (نعما هِيَ) الْقَوْلَانِ (الْأَوَّلَانِ) أَحدهمَا أَنَّهَا معرفَة تَامَّة فَاعل بِالْفِعْلِ وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ والمبرد وَابْن السراج والفارسي وَالثَّانِي أَنَّهَا نكرَة غير مَوْصُوفَة تَمْيِيز وَالْفَاعِل مُضْمر وَالْمَرْفُوع بعْدهَا هُوَ الْمَخْصُوص(3/34)
(وَثَالِثهَا) أَن (مَا) (مركبة) مَعَ الْفِعْل (لَا مَحل لَهَا) من الْإِعْرَاب وَالْمَرْفُوع فَاعل (وشذ كَونه) أَي الْفَاعِل (إِشَارَة) متبوعا بِذِي اللَّام كَقَوْلِه: 1422 -
(بئْسَ هَذَا الحيُّ حَيًّا ناصِرًا ... )
(وعلما) كَقَوْل سهل بن حنيف شهِدت صفّين وبئست الصفون وَكَذَا شَذَّ كَونه (مُضَافا إِلَى الله) علما أَو غَيره وَإِن كَانَت فِيهِ (أل) لِأَنَّهُ من الْأَعْلَام كَقَوْل
:
(نعم عبد الله خَالِد بن الْوَلِيد) وَقَول الشَّاعِر: 1423 -
(بئس قوم الله يومٌ طُرقوا ... )
(خلافًا للجرمي) فِي قَوْله باطراده وَغَيره يتَأَوَّل مَا ورد مِنْهُ وَمن الْعلم على أَنه الْمَخْصُوص وَالْفَاعِل مُضْمر حذف مفسره (وشذ كَونه ضميرا غير مُفْرد) أَي مطابقا للمخصوص نَحْو أَخَوَاك نعما رجلَيْنِ وَحكى الْأَخْفَش عَن بعض بني أَسد نعما رجلَيْنِ الزيدان ونعموا رجَالًا الزيدون ونعمتم رجَالًا ونعمن نسَاء الهندات ثمَّ قَالَ (لَا آمن أَن يَكُونَا فهما التَّلْقِين) (خلافًا لقوم) من الكوفية لقَولهم بِالْقِيَاسِ على ذَلِك (و) شَذَّ جَرّه (بِالْبَاء) الزَّائِدَة رُوِيَ نعم بهم قوما أَي نعم هم (وَلَا يعملان) أَي نعم وَبئسَ (فِي مصدر و) لَا (ظرف) (وَيذكر الْمَخْصُوص) وَهُوَ الْمَقْصُود بالمدح أَو الذَّم (قبلهمَا) أَي نعم وَبئسَ (مُبْتَدأ أَو مَنْسُوخا) وَالْفِعْل ومعموله الْخَبَر والرابط هُنَا الْعُمُوم فِي الْمَرْفُوع الْمَفْهُوم من أل الجنسية نَحْو زيد نعم الرجل أَو رجلا وَكَانَ زيد نعم الرجل وَإِن زيدا نعم الرجل قَالَ:(3/35)
1424 -
(إنَّ ابْن عبد الله نِعْم ... أَخُو النّدى وابنُ العَشِيرَهْ)
وَقَالَ: 1425 -
(إِذا أرْسَلُوني عِنْد تعذير حَاجَة ... أُمارسُ فِيهَا كنتُ نِعْمَ الممارسُ)
(أَو) يذكر (بعد الْفَاعِل) نَحْو نعم الرجل زيد وَهُوَ أحسن من تقدمه لإِرَادَة الْإِبْهَام ثمَّ التَّفْسِير وَإِعْرَابه (مُبْتَدأ) خَبره الْجُمْلَة قبله وَقيل مَحْذُوف أَو خَبرا مبتدؤه مَحْذُوف وجوبا (أَو بَدَلا) من الْفَاعِل أَقْوَال قَالَ ابْن مَالك أرجحها الأول لصِحَّته فِي الْمَعْنى وسلامته من مُخَالفَة أصل بِخِلَاف جعله خَبرا فَإِنَّهُ يلْزم مِنْهُ أَن ينصب لدُخُول كَانَ عَلَيْهِ أَو جعل خَبره محذوفا فَإِنَّهُ لم يعْهَد الْتِزَام حذف الْخَبَر إِلَّا حَيْثُ سد مسده شَيْء أَو جعله بَدَلا فَإِنَّهُ لَا يصلح لمباشرة نعم وَأجَاب قَائِله بِأَنَّهُ يجوز أَن يَقع بَدَلا مَا لَا يجوز أَن يَلِي الْعَامِل بِدَلِيل (أَنَّك أَنْت) وعَلى هَذَا هُوَ بدل اشْتِمَال لِأَنَّهُ خَاص وَالرجل عَام (وَقد يدْخلهُ نَاسخ) نَحْو نعم الرجل كَانَ زيدا وظننت زيدا فالجملة فِي مَوْضُوع خبر كَانَ أَو ثَانِي مفعولي ظن (ويغلب أَن يخْتَص) بِأَن يَقع معرفَة أَو قَرِيبا مِنْهَا أخص من الْفَاعِل لَا أَعم مِنْهُ وَلَا مُسَاوِيا نَحْو نعم الْفَتى رجل من قُرَيْش (و) أَن (يَصح الْإِخْبَار بِهِ عَن الْفَاعِل) مَوْصُوفا بالممدوح بعد نعم أَو المذموم بعد بئس كَقَوْلِك فِي نعم الرجل زيد الرجل الممدوح زيد وَفِي بئس الْوَلَد الْعَاق أَبَاهُ الْوَلَد المذموم الْعَاق أَبَاهُ(3/36)
وَإِلَّا أَي وَإِن وَقع غير مُخْتَصّ وَلَا صَحِيح الْإِخْبَار عَنهُ بِهِ بِأَن وَقع مباينا لَهُ (أول) كَقَوْلِه تَعَالَى: {بئس مثل الْقَوْم الَّذين كذبُوا} [الْجُمُعَة: 5] أَي (مثل الَّذين) حذف (مثل) الْمَخْصُوص وأقيم الَّذين مقَامه ويحذف الْمَخْصُوص (لدَلِيل) يدل عَلَيْهِ نَحْو: {نعم العَبْد} [ص: 5] أَي أَيُّوب ( {فَنعم الماهدون} [الذاريات: 48] أَي نَحن (وَقيل) إِنَّمَا يحذف إِن تقدم (ذكره) وَالْأَكْثَرُونَ على عدم اشْتِرَاطه (وتخلفه) إِذا حذف (صفته) وَهِي إِن كَانَت اسْما وفَاقا نَحْو نعم الرجل حَلِيم كريم أَي رجل حَلِيم فَإِن كَانَت فعلا نَحْو (نعم) الصاحب تستعين بِهِ فيعينك أَي (رجل) (فَمَمْنُوع أَو جَائِز أَو غَالب مَعَ مَا قَلِيل دونهَا أَقْوَال) الْأَكْثَر على الأول وَالْكسَائِيّ على الثَّانِي وَابْن مَالك على الثَّالِث وَأَقل مِنْهُ أَن يحذف الْمَخْصُوص وَصفته وَيبقى متعلقهما كَقَوْلِه: 1426 -
(بئس مقامُ الشَّيْخ أمْرِسْ أمْرِسِ ... )
أَي مقَام مقول فِيهِ أمرس أبقى مقول القَوْل
مَا ألحق ب (بئس)
(مَسْأَلَة) ألحق ببئس فِي الْعَمَل (سَاءَ) وفَاقا كَقَوْلِه تَعَالَى: {سَاءَ مثلا الْقَوْم} [الْأَعْرَاف: 177] وَقَوله: {بئس الشَّرَاب وَسَاءَتْ مرتفقا} [الْكَهْف: 29] وَقَوله: {سَاءَ مَا يحكمون} [الْأَنْعَام: 136] وَهِي فَرد من أَفْرَاد فعل الْآتِي لِأَنَّهَا فِي الأَصْل بِوَزْن (فعل) بِالْفَتْح متصرفة فحولت إِلَى (فعل) ومنعت التَّصَرُّف وَإِنَّمَا أفردت بِالذكر للاتفاق عَلَيْهَا كَمَا قَالَه فِي سبك المنظوم (و) ألحق (بهما) أَي بنعم فِي الْمَدْح وَبئسَ فِي الذَّم عملا (فعل) بِضَم الْعين (وَصفا) ككرم وظرف وَشرف (أَو مصوغا) محولا (من ثلاثي) مَفْتُوح أَو مكسور كعقل ونجس(3/37)
ثمَّ إِن كَانَ معتل الْعين لزم قَلبهَا ألفا نَحْو قَالَ الرجل زيد وَبَاعَ الرجل زيد أَو اللَّام ظَهرت الْوَاو وقلبت الْيَاء واوا نَحْو غَزْو ورمو وَقيل يقر على حَاله فَيُقَال رمى وغزا وَمن المسموع قَوْلهم لقضو الرجل فلَان أَي نعم القَاضِي هُوَ وَمَا ذكر من اشْتِرَاط كَون الصَّحِيح مِنْهُ ثلاثيا كالتسهيل زَاد عَلَيْهِ (خطاب) فِي الترشيح أَن يكون مِمَّا يَبْنِي مِنْهُ التَّعَجُّب فَلَا يصاغ من الألوان والعاهات كَمَا لَا يصاغ من الرباعي اسْتغْنَاء بأفعل الْفِعْل فعله نَحْو أَشد الْحمرَة حمرته وأسرع الانطلاق انطلاقه فأفعل مُضَاف مُبْتَدأ خَبره الْجُزْء الْأَخير وَرجحه أَبُو حَيَّان (وَقيل إِلَّا علم وَجَهل وَسمع) فَلَا تحول إِلَى فعل بل يسْتَعْمل اسْتِعْمَاله بَاقِيَة على حَالهَا قَالَه الْكسَائي (قيل) وَيلْحق فعل الْمَذْكُور (بصيغتي التَّعَجُّب) أَيْضا حكى الْأَخْفَش ذَلِك عَن الْعَرَب فَيُقَال حسن الرجل زيد بِمَعْنى مَا أحْسنه (فيصدر بلام) نَحْو لكرم الرجل زيد بِمَعْنى مَا أكْرمه قَالَ خطاب وَهِي لَام قسم (وَلَا تلْزم أل فَاعله) بل تكون معرفَة ونكرة وتلحق الْفِعْل العلامات نَحْو لكرم زيد وَهِنْد لكرمت والزيدان لكرما رجلَيْنِ والزيدون لكرموا رجَالًا يُرِيد مَا أكْرم بِخِلَافِهِ خَال اسْتِعْمَاله كنعم فَلَا تلْزمهُ اللَّام بل يجوز إدخالها وَتركهَا وَلَا يكون فَاعله إِلَّا كفاعل نعم
حبذا
(مَسْأَلَة) كنعم فِي الْعَمَل وَفِي الْمَعْنى مَعَ زِيَادَة أَن الممدوح بهَا مَحْبُوب للقلب (حبذا وَأَصله حبب) بِالضَّمِّ أَي صَار حبيبا لَا من حبب بِالْفَتْح (ثمَّ) أدغم فَصَارَ (حب) وَالأَصَح أَن (ذَا) فَاعله فَلَا تتبع وَتلْزم الْإِفْرَاد والتذكير وَإِن كَانَ الْمَخْصُوص بِخِلَاف ذَلِك كَقَوْلِه:(3/38)
1427 -
(يَا حبّذا جَبَلُ الرّ يان من جبل ... وحبَّذَا ساكِنُ الرَّيَان مَنْ كَانَا)
(وحبّذا نَفَحاتٌ من يمانِيةٍ ... تَأْتِيك من قبل الرَّيّان أَحْيَانًا)
وَقَوله: 1428 -
(حبَّذا أنْتُما خلِيليَّ إنْ لَمْ ... تَعذُلانِي منْ دَمْعِيَ المهراق)
وَقَوله: 1429 -
(أَلا حَبَّذا هِندٌ وأرْضٌ بهَا هِنْد ... )
وَإِنَّمَا الْتزم ذَلِك (لِأَنَّهُ كالمثل) والأمثال لَا تغير كَمَا يُقَال (الصَّيف ضيعت اللَّبن) بِكَسْر التَّاء وَإِن كَانَ الْخطاب لغير مؤنث أَو لِأَنَّهُ على حذف وَالتَّقْدِير فِي (حبذا هِنْد) مثلا (حبذا حسن هِنْد) و (حبذا زيد) (حبذا أمره وشأنه) فالمقدر الْمشَار إِلَيْهِ مُذَكّر مُفْرد حذف وأقيم الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه أَو لِأَنَّهُ على إِرَادَة جنس شَائِع فَلم يخْتَلف كَمَا لم يخْتَلف فَاعل نعم إِذا كَانَ ضميرا هَذِه أَقْوَال الْأَكْثَر على الأول وَنسب للخليل وسيبويه وَابْن كيسَان على الثَّانِي والفارسي على الثَّالِث (وَقَالَ دريود (ذَا) زَائِدَة) وَلَيْسَت اسْما مشارا بِهِ بِدَلِيل حذفهَا من قَوْله:(3/39)
1430 -
(وحبَّ دِينا ... )
وَقيل صَارَت بالتركيب مَعَ (حب) فعلا فَاعله الْمَخْصُوص كَقَوْلِهِم فِيمَا حكى لَا حبذه قَالَه الْمبرد وَالْأَكْثَرُونَ وَلعدم الْفَصْل بَين (حب) و (ذَا) وَلعدم تصرف (ذَا) بِحَسب الْمشَار إِلَيْهِ ورد بِجَوَاز حذف الْمَخْصُوص وَالْفَاعِل لَا يحذف (وَقيل الْكل اسْم وَاحِد) وَاحِد مركب قَالَه الْمبرد وَالْأَكْثَرُونَ وَاخْتَارَهُ ابْن عُصْفُور لإكثار الْعَرَب من دُخُولهَا عَلَيْهَا من غير استيحاش وَلعدم الْفَصْل بَين (حب) و (ذَا) وَلعدم تصرف (ذَا) بِحَسب الْمشَار إِلَيْهِ وعَلى هَذَا هُوَ مَرْفُوع وفَاقا ثمَّ هَل هُوَ (مُبْتَدأ خَبره الْمَخْصُوص أَو عَكسه) أَي خبر مبتدؤه الْمَخْصُوص (قَولَانِ) الْمبرد على الأول والفارسي على الثَّانِي (وعَلى الأول) وَهُوَ القَوْل بِأَن ذَا فَاعل (هُوَ) الْمَخْصُوص (مبتدؤها) أَي الْجُمْلَة فَهِيَ خبر عَنهُ والرابط ذَا أَو الْعُمُوم إِن قُلْنَا أُرِيد الْجِنْس (أَو مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر أَو عَكسه) أَي خبر مَحْذُوف الْمُبْتَدَأ وجوبا وَكَأَنَّهُ قيل من المحبوب فَقَالَ زيد أَي هُوَ (أَو بدل) من ذَا لَازم التّبعِيَّة (أَو عطف بَيَان) وَعَلِيهِ (أَقْوَال) الْأَكْثَرُونَ على الأول وعَلى الثَّانِي الصَّيْمَرِيّ وَابْن مَالك على الثَّالِث وَابْن كيسَان على الرَّابِع قَالَ ابْن مَالك وَالْحكم عَلَيْهِ بالخبرية هُنَا أسهل مِنْهُ فِي بَاب (نعم) لِأَن مصعبه هُنَا نَشأ من دُخُول نواسخ الِابْتِدَاء وَهِي لَا تدخل هُنَا لِأَن حبذا جَار مجْرى الْمثل ورد كَونه مُبْتَدأ حذف خَبره أَو عَكسه بِأَنَّهُ يجوز حذف الْمَخْصُوص فَيلْزم حذف الْجُمْلَة بأسرها من غير دَلِيل(3/40)
ورد عطف الْبَيَان بمجيئه نكرَة وَاسم الْإِشَارَة معرفَة كَمَا فِي قَوْله: 1431 -
(وحبَّذا نفحات ... )
ورد الْبَدَل بِأَنَّهُ على نِيَّة تكْرَار الْعَامِل وَهُوَ لَا يَلِي حب وَأجِيب بِعَدَمِ اللُّزُوم بِدَلِيل (أَنَّك أَنْت) (وَلَا تقدم) مَخْصُوص حبذا عَلَيْهَا وَإِن جَازَ تَقْدِيمه على (نعم) بقلة لِأَنَّهَا فرع عَنْهَا فَلَا تساويها فِي تصرفاتها وَلِأَنَّهَا جَارِيَة مجْرى الْمثل وَلِئَلَّا يتَوَهَّم من قَوْلك مثلا (زيد حبذا) كَون المُرَاد الْإِخْبَار بِأَن زيدا أحب ذَا وَإِن كَانَ توهما بَعيدا (وحذفه) اسْتغْنَاء بِمَا دلّ عَلَيْهِ كَقَوْلِه: 1432 -
(فحبذا ربًّا وحبّ دِينا ... )
أَي رَبًّا الْإِلَه وَقَوله: 1433 -
(أَلا حبّذا لَوْلَا الحياءُ وربّما ... مَنَحْتُ الهوَى من لَيْس بالمتقارب)
أَي حبذا حالتي مَعَك (وَيجوز فَصله) من حبذا (بِنِدَاء) كَقَوْل كثير: 1434 -
(أَلا حبذا يَا عَزُّ ذَاك التّسَاتُرُ ... )
(و) يجوز (كَونه) اسْم (إِشَارَة) كَقَوْل كثير الْمَذْكُور وَقَول الآخر(3/41)
1435 -
(فيا حبّذا ذَاك الحبيبُ المُبَسْمِلُ ... )
(وَيكون قبله) أَي الْمَخْصُوص (أَو بعده نكرَة مَنْصُوبَة بمطابقة مَا) كَقَوْلِه: 1436 -
(أَلا حبّذا قوَماً سُلَيْمٌ فإِنّهُمْ ... )
وَقَوله: 1437 -
(حبذا الصَّبْرُ شِيمَة لامرئ رام ... مُباراةَ مُولَعٌ بالمعَالي)
وَيُقَال حبذا رجلَيْنِ الزيدان ورجالا الزيدون وَنسَاء الهندات وَكَذَا مُؤَخرا (فثالثها) أَي الْأَقْوَال فِيهِ (إِن كَانَ مشتقا) فَهُوَ (حَال وَإِلَّا) بِأَن كَانَ جَامِدا فَهُوَ (تَمْيِيز) وَقَالَ الْأَخْفَش والفارسي والربعي حَال مُطلقًا وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء تَمْيِيز مُطلقًا (وَرَابِعهَا) قَالَه أَبُو حَيَّان (الْمُشْتَقّ إِن أُرِيد تقيد الْمَدْح بِهِ حَال وَغَيره) وَهُوَ الجامد والمشتق الَّذِي لم يرد بِهِ ذَلِك بل تَبْيِين حسن المبالغ فِي مدحه (تَمْيِيز) مِثَال الأول وَلَا يَصح دُخُول (من) عَلَيْهِ (حبذا هِنْد مُوَاصلَة) أَي فِي حَال مواصلتها وَالثَّانِي وَتدْخل عَلَيْهِ (من) حبذا زيد رَاكِبًا(3/42)
(وخامسها) قَالَه فِي الْبَسِيط إِنَّه مَنْصُوب ب (أَعنِي) مضمرا فَهُوَ مفعول لَا حَال وَلَا تَمْيِيز قَالَه أَبُو حَيَّان وَهُوَ غَرِيب ثمَّ الأولى التَّأْخِير عِنْد الْفَارِسِي والتقديم عِنْد ابْن مَالك وَقَالَ الْجرْمِي وَابْن خروف هما سَوَاء فِي الْحَال ثمَّ قَالَ الْجرْمِي تَقْدِيم التَّمْيِيز فِيهِ قَبِيح وَقَالَ ابْن خروف حسن وَقَالَ أَبُو حَيَّان الْأَحْسَن تَقْدِيم التَّمْيِيز وَكَذَا الْحَال إِن كَانَت من (ذَا) وَإِن كَانَت من الْمَخْصُوص فالتأخير (وتؤكد حبذا) توكيداً (لفظيا) كَقَوْلِه: 1438 -
(أَلا حبّذا حَبّذا حبّذا ... حبيبٌ تَحمّلْتُ مِنْهُ الْأَذَى)
(وَتدْخل عَلَيْهِ لَا فتساوي بئس فِي) الْعَمَل وَالْمعْنَى مَعَ زِيَادَة مَا تقدم نَظِيره فِي حبذا كَقَوْلِه: 1439 -
(لَا حبّذا أنتِ يَا صنعاءُ من بلد ... )
وَقَوله: 1440 -
(وَلَا حبّذا الجاهِلُ العاذِلُ ... )(3/43)
وَقَوله: 1441 -
(أَلا حبذا أهْلُ الملا غَيْرَ أنّهُ ... إِذا ذُكِرَتْ مَيٌّ فَلَا حبّذا هِيا)
وَقَالَ أَبُو حَيَّان وَدخُول (لَا) على حبذا لَا يَخْلُو من إِشْكَال لِأَنَّهُ إِن قدر (حب) فعلا و (ذَا) فَاعله أَو حبذا كلهَا فعلا ف (لَا) لَا تدخل على الْمَاضِي غير الْمُتَصَرف وَلَا على الْمُتَصَرف إِلَّا قَلِيلا أَو كلهَا اسْما فَإِن قدر فِي مَحل نصب لم يَصح لِأَنَّهُ على الْعُمُوم نَحْو لَا رجل وَهُوَ هُنَا خُصُوص أَو رقع فَكَذَلِك لوُجُوب تكْرَار (لَا) حِينَئِذٍ (وتعمل) حبذا (فِيمَا عدا الْمصدر) كالظرف وَالْمَفْعُول لَهُ وَمَعَهُ نَحْو حبذا زيد إِكْرَاما لَهُ وحبذا عَمْرو لزيد بِخِلَاف الْمصدر إِذْ هِيَ غير متصرفة فَلَا مصدر لَهَا (وَتوقف أَبُو حَيَّان فِي) عَملهَا من غير (الْحَال والتمييز) وَقَالَ لَا يَنْبَغِي أَن يقدم عَلَيْهِ إِلَّا بِسَمَاع أما الْحَال والتمييز فتعلم فيهمَا وفَاقا (وتضم فَاء (حب) مُفْردَة) من (ذَا) بِنَقْل ضمة الْعين إِلَيْهَا كَمَا يجوز إبْقَاء الْفَتْح استصحابا نَحْو حب زيد وَحب دينا وَيجب الْإِبْقَاء إِذا فكت كإسناد (حب) إِلَى مَا سكن لَهُ آخر الْفِعْل نَحْو حببت يَا هَذَا (وَكَذَا فعل السَّابِق) الْمُسْتَعْمل كنعم وَبئسَ أَو تَعَجبا أصلا أَو تحولا يجوز نقل ضمة عينه إِلَى الْفَاء فتسكن كَقَوْلِه: 1442 -
(حُسْنَ فِعلاً لِقاءُ ذِي الثّروةِ المملق ... بالبشْر وَالعطَاء الجزيل)
وَقيد فِي التسهيل الْفَاء بِكَوْنِهَا حلقية قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يخْتَص بذلك بل(3/44)
كل فعل يجْرِي فِيهِ ذَلِك نَحْو لضرب الرجل بِضَم الضَّاد (وَيجوز جر فاعلهما) أَي (حب) المفردة وَفعل (بِالْبَاء) الزَّائِدَة تَشْبِيها بفاعل أفعل تَعَجبا كَقَوْلِه: 1443 -
(وحُبَّ بهَا مَقْتُولةً حِين تُقْتَلُ ... )(3/45)
وَكَقَوْلِه: 1444 -
(حبَّ بالزَّوْر الَّذِي لَا يُرى ... مِنْهُ إلاّ صفحةٌ أَو لمامُ)
وَحكى الْكسَائي (مَرَرْت بِأَبْيَات جاد بِهن أبياتاً وجدن أبياتاً)
صيغتا التَّعَجُّب
(وَمِنْه) أَي الجامد (صيغتا التَّعَجُّب) وهما (مَا أفعل وأفعل) بِهِ (قَالَ الكوفية وأفعل) بِغَيْر (مَا) مُسندَة إِلَى الْفَاعِل نَحْو قَوْله: 1445 -
(فأبْرحْتَ فَارِسًا ... )
أَي مَا أبرحك فَارِسًا (وَبَعْضهمْ وأفعل من كَذَا) وَزعم الْفراء الأولى أَي مَا أفعل (اسْما) لكَونه لَا يتَصَرَّف ولتصغيره ولصحة عينه فِي قَوْلهم مَا أحيسنه وَقَوله: 1446 -
(يَا مَا أُميلح غِزْلاناً ... )
وَقَالُوا مَا أطوله كَمَا قَالُوا هُوَ أطول من كَذَا ورد بِأَن امْتنَاع التَّصَرُّف لكَونه غير مُحْتَاج إِلَيْهِ للزومه طَريقَة وَاحِدَة إِذْ معنى التَّعَجُّب لَا يخْتَلف باخْتلَاف الْأَزْمِنَة لَا يُنَافِي الفعلية ك (لَيْسَ) (وعس) وَبِأَن تصغيره وَصِحَّة عينه لشبهه بأفعل التَّفْضِيل وَقد صحت الْعين فِي أَفعَال كحول وعور(3/46)
وَيدل للفعلية بِنَاؤُه على الْفَتْح ونصبه الْمَفْعُول الصَّرِيح وَلُزُوم نون الْوِقَايَة مَعَ الْيَاء (و) زعم ابْن الْأَنْبَارِي (الثَّانِيَة) أَي (أفعل بِهِ) اسْما لكَونه لَا تلْحقهُ الضمائر (وَجوز هِشَام الْمُضَارع من مَا أفعل) فَيُقَال مَا يحسن زيدا (ورد بِأَنَّهُ لم يسمع) (وَينصب المتعجب مِنْهُ بعد مَا أفعل مَفْعُولا بِهِ) على رَأْي غير الْفراء والهمزة فِيهِ للتعدية وَالْفَاعِل ضمير مستتر عَائِد على (مَا) مُفْرد مُذَكّر لَا يتبع بعطف وَلَا توكيد وَلَا بدل وعَلى رَأْيه نَصبه على حد نصب (الْأَب) فِي زيد كريم الْأَب وَالْأَصْل زيد أحسن من غَيره مثلا أَتَوا ب (مَا) على سَبِيل الِاسْتِفْهَام فنقلوا الصّفة من (زيد) وأسندوها إِلَى ضمير (مَا) وانتصب (زيد) ب (أحسن) فرقا بَين الْخَبَر والاستفهام وفتحة افْعَل على هَذَا قيل بِنَاء لتَضَمّنه معنى التَّعَجُّب وَقيل إِعْرَاب وَهُوَ خبر (مَا) بِنَاء على نصب الخبرية بِالْخِلَافِ عِنْد الْكُوفِيّين (وَالأَصَح أَن (مَا) مُبْتَدأ) خَبره مَا بعده وَقَالَ الْكسَائي لَا مَوضِع ل (مَا) من الْإِعْرَاب (و) الْأَصَح (أَنَّهَا نكرَة تَامَّة بِمَعْنى شَيْء خبرية قصد بهَا الْإِبْهَام ثمَّ الْإِعْلَام بإيقاع الْفِعْل على المتعجب مِنْهُ لاقْتِضَاء التَّعَجُّب ذَلِك (وَقيل) نكرَة (مَوْصُوفَة) بِالْفِعْلِ وَالْخَبَر مَحْذُوف وجوبا أَي شَيْء أحسن زيدا عَظِيم (وَقيل) استفهامية) دَخلهَا معنى التَّعَجُّب لإجماعهم على ذَلِك فِي أَي رجل زيد ورد بِأَن مثل ذَلِك لَا يَلِيهِ غَالِبا إِلَّا الْأَسْمَاء نَحْو: {فأصحاب الميمنة مَا أَصْحَاب الميمنة} [الْوَاقِعَة: 8] و (مَا) مُلَازمَة للْفِعْل وبأنها لَو كَانَت كَذَلِك جَازَ أَن يخلفها أَي كَمَا جَازَ ذَلِك فِي:(3/47)
1447 -
(يَا سيدًا مَا أَنْت من سَيّد ... )
(وَقيل مَوْصُولَة صلتها الْفِعْل وَالْخَبَر مَحْذُوف وجوبا وَالتَّقْدِير الَّذِي أحسن زيدا عَظِيم (و) يجر المتعجب مِنْهُ (بعد أفعل بباء زَائِدَة لَازِمَة) لَا يجوز حذفهَا نَحْو أكْرم بزيد (وَقيل يجوز حذفهامع وَأَن) المصدريتين كَقَوْلِه: 1448 -
(وأحبب إِلَيْنَا أَن نَكونَ المُقدّما ... )
وَقَوله: 1449 -
(فأحْسِن وأزْين لامْرئ أنْ تسرْبَلا ... )
وَقَالَ بعض المولدين: 1450 -
(أَهْون عليَّ إِذا امتلأتَ من الْكرَى ... أَنِّي أَبيت بليلة الملْسُوع)
(وَالأَصَح أَنه خبر) معنى وَإِن كَانَ لَفظه الْأَمر للْمُبَالَغَة وَلَيْسَ بِأَمْر حَقِيقَة (فَمحل الْمَجْرُور) بعده (رفع فَاعِلا) والهمزة فِيهِ للصيرورة وَالْبَاء للتعدية وَلَا(3/48)
ضمير فِي (أفعل) وَالتَّقْدِير فِي أحسن بزيد صَار زيد ذَا حسن كَقَوْلِهِم أبقلت الأَرْض أَي صَارَت ذَات بقل (وَقيل) هُوَ (أَمر) حَقِيقَة فَمحل الْمَجْرُور نصب على المفعولية والهمزة للنَّقْل كهي فِي (مَا أفعل) فالباء زَائِدَة وَاخْتلف على هَذَا فَالْأَصَحّ (فَاعله ضمير الْمصدر) الدَّال على الْفِعْل فَكَأَنَّهُ قيل يَا حسن أحسن بزيد أَي الزمه وَدم بِهِ وَلذَلِك وجد الْفِعْل على كل حَال (وَقيل) فَاعله ضمير (الْمُخَاطب) كَأَنَّك قلت أحسن يَا مُخَاطب بِهِ أَي احكم بحسنه وَلم يبرز فِي التَّأْنِيث والتثنية وَالْجمع لِأَنَّهُ جرى مجْرى الْمثل ولزمت الْبَاء فِي الْمَفْعُول ليَكُون لِلْأَمْرِ فِي معنى التَّعَجُّب حَال لَا يكون لَهُ فِي غَيره ورد كَونه أمرا بِأَنَّهُ مُحْتَمل للصدق وَالْكذب وَبِأَنَّهُ لَا يُجَاب بِالْفَاءِ وَبِأَنَّهُ يَلِيهِ ضمير الْمُخَاطب نَحْو أحسن بك وَلَا يجوز ذَلِك فِي الْأَمر لما فِيهِ من إِعْمَال فعل وَاحِد فِي ضميري فَاعل ومفعول لمسمى وَاحِد وَبِأَنَّهُ لَو كَانَ النَّاطِق بِهِ أمرا بالتعجب لم يكن مُتَعَجِّبا كَمَا لَا يكون الْأَمر بِالْحلف والنداء والتشبه حَالفا وَلَا مناديا وَلَا مشبها وَقد أجمع على أَنه متعجب قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَو ذهب ذَاهِب إِلَى أَن أفعل أَمر صُورَة خبر معنى وَالْفَاعِل فِيهِ ضمير يعود على الْمصدر الْمَفْهُوم فِي الْفِعْل والهمزة للتعدية وَالْمَجْرُور فِي مَوضِع مفعول لَكَانَ مذهبا فقولك أحسن بزيد مَعْنَاهُ أحسن هُوَ أَي الْإِحْسَان زيدا أَي جعله حسنا فيوافق معنى مَا أحسن زيدا قَالَ وَلَا يُنَافِي ذَلِك التَّصْرِيح بِالْخِطَابِ من يَا زيد أحسن بزيد لِأَن الْفَاعِل مُخَالف للمخاطب فَالْمَعْنى يَا زيد أحسن الْإِحْسَان زيدا أَي جعله حسنا كَمَا تَقول يَا زيد مَا أحسن زيدا أَي شَيْء جعله حسنا قَالَ وَيدل على أَن مَحل الْمَجْرُور نصب جَوَاز حذفه ونصبه بعد حذف الْبَاء فِي قَوْله:(3/49)
1451 -
(فأبْعِد دَار مُرْتحل مزارا ... )
ويحذف المتعجب مِنْهُ مَعَ مَا أفعل (لدَلِيل) كَقَوْلِه: 1452 -
(جزى اللهُ عَنَّا والجزَاءُ بفَضْلِه ... ربيعَة خيرا مَا أعفَّ وأكْرَما)
أَي مَا أعفهم وَأكْرمهمْ وَفِي جَوَاز حذفه (مَعَ أفعل خلف) قَالَ سِيبَوَيْهٍ لَا يجوز وَقَالَ الْأَخْفَش وَقوم يجوز لقَوْله تَعَالَى: {أسمع بهم وَأبْصر} [مَرْيَم: 38] أَي بهم (وَقيل بل يحذف الْجَار فيستتر) الْفَاعِل فِي أفعل وَلَا يحذف ورد بِأَنَّهُ لَو كَانَ مستترا لبرز فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع والتأنيث (وَلَا يكون المتعجب) مِنْهُ (إِلَّا مُخْتَصًّا) من معرفَة أَو قريب مِنْهَا بالتخصيص لِأَنَّهُ مخبر عَنهُ فِي الْمَعْنى (وَمنع الْفراء ذَا أل العهدية) نَحْو مَا أحسن القَاضِي تُرِيدُ قَاضِيا بَيْنك وَبَين الْمُخَاطب عهد فِيهِ وَأَجَازَهُ الْجُمْهُور (و) منع (الْأَخْفَش أيا الْمَوْصُول بالماضي) نَحْو مَا أحسن أَيهمْ قَالَ ذَاك وأجازها سَائِر الْبَصرِيين فَإِن وصلت بمضارع جَازَ اتِّفَاقًا (وَلَا يفصل) المتعجب مِنْهُ من أفعل وأفعل بِشَيْء لضعفهما بِعَدَمِ التَّصَرُّف فأشبها إِن وَأَخَوَاتهَا (إِلَّا بظرف ومجرور يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ) فَإِنَّهُ يجوز (على الصَّحِيح) توسعهم فيهمَا ولجواز الْفَصْل بهما بَين إِن ومعمولها وَلَيْسَ فعل التَّعَجُّب بأضعف مِنْهَا ولكثرة وُرُوده كَقَوْلِه: (مَا أحسن فِي الهيجاء لقاءها) وَقَوله:(3/50)
1453 -
(وأحْبب إِلَيْنَا أَن تكون المقدّما ... )
وَقيل لَا يجوز الْفَصْل بهما أَيْضا وَعَلِيهِ أَكثر الْبَصرِيين وَنسب إِلَى سِيبَوَيْهٍ (وَثَالِثهَا قَبِيح) أَي جوز على قبح قَالَ أَبُو حَيَّان وَمحل الْخلاف فِيمَا إِذا لم يتَعَلَّق بالمعمول ضمير يعود على الْمَجْرُور فَإِن تعلق وَجب تَقْدِيم الْمَجْرُور كَقَوْلِهِم مَا أحسن بِالرجلِ أَن يصدق وَقَوله: 1454 -
(خَلِيليَّ مَا أحرَى بِذِي اللُّب أَن يُرَى ... صبوراً وَلَكِن لَا سَبيلَ إِلَى الصّبر)
أما مَا لَا يتَعَلَّق مِنْهُمَا بِالْفِعْلِ فَلَا يجوز الْفَصْل بِهِ وفَاقا نَحْو مَا أحسن بِمَعْرُوف أمرا (وَجوزهُ الْجرْمِي وَهِشَام بِالْحَال) أَيْضا نَحْو مَا أحسن مُقبلا زيدا (وَزَاد الْجرْمِي أَو الْمصدر) نَحْو مَا أحسن إحسانا زيدا وَالْجُمْهُور على الْمَنْع فيهمَا (و) جوزه (ابْن مَالك بالنداء) كَقَوْل عَليّ: (أعزز عَليّ أَبَا الْيَقظَان أَن أَرَاك صَرِيعًا مجدلا) (و) جوزه (ابْن كيسَان بلولا) الامتناعية نَحْو مَا أحسن لَوْلَا بخله زيدا قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا حجَّة لَهُ على ذَلِك (وَلَا يقدم مَعْمُول) لفعل التَّعَجُّب (على الْفِعْل وَلَا) على (مَا) وَإِن جَازَ ذَلِك فِي غير هَذَا الْبَاب لعدم تصرفه وَلِأَن الْمَجْرُور من أفعل عِنْد الْجُمْهُور فَاعل وَالْفَاعِل لَا يجوز تَقْدِيمه(3/51)
(وَلَا يفصل بَينهمَا) أَي بَين (مَا) وأفعل (بِغَيْر كَانَ) أما كَانَ الزَّائِدَة فَيجوز الْفَصْل نَحْو مَا كَانَ أحسن زيدا (وَالْأَكْثَر) على أَن فعل التَّعَجُّب (يدل على الْمَاضِي الْمُتَّصِل) بِالْحَال فَإِذا أُرِيد الْمَاضِي الْمُنْقَطع أُتِي بكان أَو المتستقبل أُتِي بيكون (وَقيل) إِنَّمَا يدل على (الْحَال) دون الْمُضِيّ حُكيَ عَن الْمبرد (وَقيل) يدل على (الثَّلَاثَة) الْحَال والماضي والاستقبال ويقيد فِي الْمُضِيّ بكان وَأمسى وَفِي الْحَال بالآن وَفِي الِاسْتِقْبَال بيكون وَنَحْوه من الظروف الْمُسْتَقْبلَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {أسمع بهم وَأبْصر يَوْم يأتوننا} [مَرْيَم: 38] قَالَه ابْن الْحَاج (ويجر مَا يتَعَلَّق بهما إِن كَانَ فَاعِلا معنى بإلى) نَحْو مَا أحب زيدا إِلَى عَمْرو وَمَا أبغضه إِلَى بكر وَالْأَصْل أحب عَمْرو زيدا وَأبْغض بكر زيدا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن فَاعِلا معنى (فَإِن أفهم علما أَو جهلا فبالياء) يجر نَحْو مَا أعرف زيدا بالفقه وَمَا أبْصر عمرا بالنحو وأجهل خَالِدا بالشعر (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يفهم ذَلِك (فَإِن تعدى بِحرف فِيهِ) يجر نَحْو مَا أعز زيدا عَليّ وَمَا أزهده فِي الدُّنْيَا (وَإِلَّا) بِأَن تعدى بِنَفسِهِ (فباللام) يجر نَحْو مَا أضْرب زيدا لعَمْرو (ويقتصر على الْفَاعِل) فِي بَابي كسا وَظن فَيُقَال مَا أكسى زيدا وَمَا أعْطى عمرا وَمَا أَظن خَالِدا بِحَذْف المفعولين (ويستغنى بجر أحد مفعولي الأول) أَي بَاب كسا بِاللَّامِ عَن ذكر الآخر نَحْو مَا أكساه لعَمْرو وَمَا أكساه للثياب وَلَا يفعل ذَلِك فِي بَاب ظن وَإِن جمع بَينهمَا فَالثَّانِي منتصب بمضمر نَحْو مَا أعْطى زيدا لعَمْرو الدَّرَاهِم وَمَا أكساه للْفُقَرَاء الثِّيَاب (خلافًا للكوفية) فِي الْأَمريْنِ أَي قَوْلهم بِجَوَاز ذكرهمَا فِي بَاب كسا على أَن الثَّانِي مَنْصُوب بِفعل التَّعَجُّب وبجواز مثل ذَلِك فِي بَاب ظن إِذا أَمن اللّبْس نَحْو مَا أَظن زيدا لبكر صديقا فَإِن خيف أَدخل اللَّام عَلَيْهِمَا نَحْو مَا أَظن زيدا لأخيك لأَبِيك وَالْأَصْل ظن أَخَاك أَبَاك(3/52)
قَالَ أَبُو حَيَّان هَذَا تَحْرِير النَّقْل فِي الْمَسْأَلَة وخلط ابْن مَالك فَنقل عَن الْبَصرِيين تساوى الحكم فِي بَاب كسا وَظن وَعَن الْكُوفِيّين نصب الثَّانِي بِفعل التَّعَجُّب بِلَا تَفْصِيل
بعض صِيغ التَّعَجُّب الَّتِي لم تبوب فِي النَّحْو
مَسْأَلَة (من مفهم التَّعَجُّب) الَّذِي لَا يبوب لَهُ فِي النَّحْو قَوْلهم (سُبْحَانَ الله) وَفِي الحَدِيث:
(سُبْحَانَ الله إِن الْمُؤمن لَا ينجس) (لله دره) قَالَ فِي الصِّحَاح أَي عمله وأصل الدّرّ اللَّبن (حَسبك بزيد رجلا) وَيجوز حذف (من) فِي رجل (يَا لَك من ليل) وَيجوز حذف (من) وَالنّصب (إِنَّك من رجل) لعالم وَلَا يجوز حذف (من) مِنْهُ (مَا أَنْت جَارة) بِالنّصب على التَّمْيِيز وَيجوز إِدْخَال (من) (واها لَهُ ناهيا) وَمن ذَلِك لَا إِلَه إِلَّا الله سُبْحَانَ الله من هُوَ أَو رجلا ويله رجلا وَكَفاك بِهِ رجلا وَالْعَظَمَة لله من رب واعجبوا لزيد رجلا أَو من جرل وكاليوم رجلا وكالليلة قمرا وكرما وصلفا وَيَا للْمَاء يَا للدواهي وَيَا حسنه رجلا وَيَا طيبها من لَيْلَة لله لَا يُؤَخر الْأَجَل (و) من ذَلِك (كَيفَ وَمن وَمَا وَأي فِي الِاسْتِفْهَام) نَحْو: {كَيفَ تكفرون بِاللَّه} [الْبَقَرَة: 28] {عَم يتساءلون} [النبأ: 1] {الحاقة مَا الحاقة} [الحاقة: 1، 2] {لأي يَوْم أجلت} [المرسلات: 12](3/53)
الْمصدر
(الْمصدر) أَي هَذَا مَبْحَث إعماله (يعْمل كَفِعْلِهِ) لَازِما ومتعديا إِلَى وَاحِد فَأكْثر أصلا لَا إِلْحَاقًا كَمَا فِي شرح الكافية لِأَنَّهُ أَصله وَلذَا لم يتَقَيَّد عمله بِزَمَان (إِن كَانَ مُفردا مكبرا غير مَحْدُود وَكَذَا) إِن كَانَ (ظَاهرا على الْأَصَح) فَلَا يعْمل مثنى فَلَا يُقَال عجبت من خبربتك زيدا وَلَا مجموعا وَلَا مُصَغرًا كعرفت ضربيك زيدا وَلَا محدودا بِالتَّاءِ كعجبت من ضربتك زيدا وشذ قَوْله: 1455 -
(بضرْبة كفيه الملا نَفْسَ راكبِ ... )
وَلَا مضمرا كضربك زيدا حسن وَهُوَ المحسن قَبِيح لِأَن كلا مِمَّا ذكر يزِيل الْمصدر عَن الصّفة الَّتِي هِيَ أصل الْفِعْل خُصُوصا الْإِضْمَار فَإِن ضمير الْمصدر لَيْسَ بمصدر حَقِيقَة كَمَا أَن ضمير الْعلم لَيْسَ بِعلم وَلَا ضمير اسْم الْجِنْس اسْم جنس وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ بِجَوَاز إِعْمَال الْمصدر وَاسْتَدَلُّوا بقوله: 1456 -
(وَمَا الحرْبُ إلاّ مَا عَلِمتم وذُقْتُمُ ... وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ المُرَجَّم)
أَي وَمَا الحَدِيث عَنْهَا والبصريون تأولوه على أَن (عَنْهَا) مُتَعَلق بأعنى مُقَدرا (وَثَالِثهَا) يعْمل فِي الْمَجْرُور فَقَط) دون الْمَفْعُول الصَّرِيح قَالَه الْفَارِسِي وَابْن جني قَالَ أَبُو حَيَّان وَقِيَاس قَوْلهمَا إعماله فِي الظّرْف إِذْ لَا فرق بَينهمَا وَقد أجَازه(3/54)
جمَاعَة (وَجوزهُ قوم فِي الْجمع المكسر) وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك قَالَ لِأَنَّهُ وَإِن زَالَت مَعَه الصِّيغَة الْأَصْلِيَّة فَالْمَعْنى مَعهَا بَاقٍ ومتضاعف بالجمعية لِأَن جمع الشَّيْء بِمَنْزِلَة ذكره متكررا بعطف وَقد سمع (تركته بملاحس الْبَقر أَوْلَادهَا) وَقَالَ الشَّاعِر: 1457 -
(مواعيد عُرْقُوبٍ أَخَاهُ بيَثْربِ ... )
قَالَ أَبُو حَيَّان وَالْمُخْتَار الْمَنْع وَتَأْويل مَا ورد من ذَلِك على النصب بمضمر أَي لحست أَوْلَادهَا ووعد أَخَاهُ (وَيقدر بِأَن) المصدرية مُخَفّفَة أَو غَيرهَا (قيل) أَي قَالَ بَعضهم زِيَادَة (أَو مَا المصدرية) وَالْفِعْل ف (أَن) غير المخففة للماضي كَقَوْلِه: 1458 -
(أمِنْ بَعْد رَمْي الغانِياتِ فؤَادَهُ ... )
والمستقبل كَقَوْلِه:(3/55)
1459 -
(فَرُمْ بيديْكَ هَل تَسْطِيعُ نَقْلاً ... جبالاً من تهامَةَ راسِيَاتِ)
و (مَا) للماضي وَالْحَال كَقَوْلِه: {كَذِكرِكُمءَابَاءَكُم} [الْبَقَرَة: 200] وَقَوله: {تخافونهم كخيفتكم} [الرّوم: 28] والمخففة للثَّلَاثَة كَقَوْلِه: 1460 -
(عَلِمْتُ بَسْطك للمعروف خَيْر يَد ... )
وَقَوله: 1461 -
(لَو علمنَا إخْلافكم عِدَة السّلم ... )
وَقَوله: 1462 -
(لَو عملتْ إيثارَي الَّذِي هَوَتْ ... )
قَالَ ابْن مَالك وتقدر المخففة بعد الْعلم وَغَيرهَا بعد لَوْلَا أَو فعل كَرَاهَة أَو إِرَادَة أَو خوف أَو رَجَاء أَو منع أَو نَحْو ذَلِك(3/56)
ثمَّ هَذَا التَّقْدِير قَالَ الْجُمْهُور (دَائِما وَقيل) أَي قَالَ ابْن مَالك (غَالِبا) قَالَ وَمن وُقُوعه غير مُقَدّر قَول الْعَرَب (سمع أُذُنِي زيدا يَقُول ذَلِك) وَقَول أَعْرَابِي (اللَّهُمَّ إِن استغفاري إياك مَعَ كَثْرَة ذنُوب للؤم وَإِن تركي الاسْتِغْفَار مَعَ علمي بسعة عفوك لغي) وَقَول الشَّاعِر: 1463 -
(ورَأيُ عينيَّ الْفَتى أباكا ... يُعْطِي الجزيل فَعَلَيْك ذاكا)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَمَا ذكره مَمْنُوع (وَمن ثمَّ) أَي من هُنَا وَهُوَ كَون هَذَا الْمصدر مُقَدرا بِحرف مصدري وَالْفِعْل أَي من أجل ذَلِك (لم يقدم معموله عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ كالموصول ومعموله كالصلة والصلة لَا تتقدم على الْمَوْصُول ويؤول مَا أَوْهَمهُ على إِضْمَار فعل كَقَوْلِه: 1464 -
(وَبَعْضُ الحِلْم عِنْد الجهْل ... للذلّة إذْعانُ)
(خلافًا لِابْنِ السراج) فِي قَوْله بِجَوَاز تَقْدِيم (الْمَفْعُول عَلَيْهِ) فَأجَاز يُعجبنِي عمرا ضرب زيد (و) من ثمَّ أَيْضا (لَا يفصل من معموله بتابع أَو غَيره) كَمَا لَا يفصل بَين الْمَوْصُول وصلته وَشَمل التَّابِع النَّعْت وَغَيره خلافًا لقَوْل التسهيل وَلَا منعوت قبل تَمَامه فَلَا يُقَال عجبت من ضربك الشَّديد زيدا وَلَا من شربك وأكلك اللَّبن بل يجب تَأْخِيره كَقَوْلِه: 1465 -
(إِن وجْدي بك الشّديد أَرَانِي ... )
وَأما قَوْله: 1466 -
(أزْمَعْتُ يأسًا مُبيناً من نَوالِكُم ... )(3/57)
فمؤول على إِضْمَار يئست من نوالكم وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّه على رجعه لقادر يَوْم تبلى السرائر} [الطارق: 8، 9] يقدر يرجعه يَوْم (وَلَا يتَقَدَّر عمله بِزَمَان) بل يعْمل مَاضِيا وَحَالا ومستقبلا كَمَا تقدم (خلافًا لِابْنِ أبي الْعَافِيَة فِي) قَوْله لَا يعْمل فِي (الْمَاضِي) قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَعَلَّه لَا يَصح عَنهُ (وَلَا يحذف) الْمصدر (بَاقِيا معموله فِي الْأَصَح) لِأَنَّهُ مَوْصُول والموصول لَا يحذف وَقيل يجوز لدَلِيل لِأَنَّهُ كالمنطوق كَمَا يحذف الْمُضَاف لدَلِيل وَيبقى عمله فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ قبل وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {هَل تَسْتطيعُ رَبَّكَ} [الْمَائِدَة: 112] أَي سُؤال رَبك إِذْ لَا يَصح تَعْلِيق الِاسْتِطَاعَة بِغَيْر فعل المستطيع (وإعماله مُضَافا أَكثر) من إعماله منونا استقراء وَعلله ابْن مَالك بِأَن الْإِضَافَة تجْعَل الْمُضَاف إِلَيْهِ كجزء من الْمُضَاف كَمَا يَجْعَل الْإِسْنَاد الْفَاعِل كجزء من الْفِعْل وَيجْعَل الْمُضَاف كالفعل فِي عدم قبُول أل والتنوين فَقَوِيت بهَا مُنَاسبَة الْمصدر للْفِعْل (ثمَّ) إعماله (منونا) أَكثر من إعماله مُعَرفا بأل لِأَن فِيهِ شبها بِالْفِعْلِ الْمُؤَكّد بالنُّون الْخَفِيفَة (وَأنْكرهُ الكوفية) أَي إعماله منونا وَقَالُوا إِن وَقع بعده مَرْفُوع أَو مَنْصُوب فبإضمار فعل يُفَسر الْمصدر من لَفظه كَقَوْلِه تَعَالَى: (أَو إِطعَامٌ فِي يَومٍ ذِي(3/58)
مَسغَبَةٍ يَتِيماً} [الْبَلَد: 14، 15] التَّقْدِير يطعم ورد بِأَن الأَصْل عَدمه (ثمَّ) يَلِيهِ (إعماله مُعَرفا ب (أل)) كَقَوْلِه: 1467 -
(ضَعِيفُ النكاية أعداءَه ... )
وَقَوله:(3/59)
1468 -
(فَلم أنْكُلْ عَن الضّرْب مِسْمَعا ... )
(وَأنْكرهُ كَثِيرُونَ) والبغداديون وَقوم من الْبَصرِيين كالمنون وقدروا لَهُ عَاملا (وَثَالِثهَا أَنه قَبِيح) أَي يجوز إعماله على قبح (وَرَابِعهَا إِن عَاقَبت) (أل) (الضَّمِير عمل) نَحْو إِنَّك وَالضَّرْب خَالِدا لمسيء إِلَيْهِ(3/60)
(وَإِلَّا) بِأَن لم تعاقبه (فَلَا) يجوز إعماله نَحْو عجبت من الضَّرْب زيدا عمرا وَهُوَ قَول ابْن طَلْحَة وَابْن الطراوة وَاخْتَارَهُ أَبُو حَيَّان وَقَوْلِي مُعَرفا تَصْرِيح بِأَن (أل) فِيهِ للتعريف قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا نعلم فِي ذَلِك خلافًا إِلَّا مَا ذهب إِلَيْهِ صَاحب (الْكَافِي) من أَنَّهَا زَائِدَة كَمَا فِي الَّذِي وَالَّتِي وَنَحْوهمَا لِأَن التَّعْرِيف فِي هَذِه الْأَشْيَاء بِغَيْر أل فَلَا وَجه إِلَّا ادِّعَاء زيادتها إِذْ لَا يجْتَمع على الِاسْم تعريفان قَالَ وَهُوَ فِي حَالَة التَّنْوِين معرفَة لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا (وَقَالَ الزّجاج) إِعْمَال (الْمنون أقوى) من الْمُضَاف لِأَن مَا شبه بِهِ نكرَة فَكَذَا يَنْبَغِي أَن يكون نكرَة ورد بِأَن إعماله لَيْسَ للشبه بل بالنيابة عَن حرف مصدري وَالْفِعْل والمنوب عَنهُ فِي رُتْبَة الْمُضمر (و) قَالَ (ابْن عُصْفُور) إِعْمَال (الْمُعَرّف) أقوى من إِعْمَال الْمُضَاف فِي الْقيَاس (وَقيل الْمُضَاف والمنون) فِي الإعمال (سَوَاء) قَالَ أَبُو حَيَّان وَترك إِعْمَال الْمُضَاف وَذي أل عِنْدِي هُوَ الْقيَاس لِأَنَّهُ قد دخله خَاصَّة من خَواص الِاسْم فَكَانَ قِيَاسه أَلا يعْمل فَكَذَلِك الْمنون لِأَن الأَصْل فِي الْأَسْمَاء أَلا تعْمل فَإِذا تعلق اسْم باسم فَالْأَصْل الْجَرّ بِالْإِضَافَة (ويضاف للْفَاعِل مُطلقًا) أَي مَذْكُورا مَفْعُوله ومحذوفا كَقَوْلِه: {كَذِكرِكُمءَاباءَكُم} [الْبَقَرَة: 200] وَقَوله: {يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله} [الرّوم: 4، 5] (و) يُضَاف (للْمَفْعُول فيحذف) الْفَاعِل كَقَوْلِه: {لاَّ يَسئَمُ الإنسَانُ مِن دُعَاءِ الخَيرِ} [فصلت: 49] أَي دُعَائِهِ الْخَيْر وَبِذَلِك يُفَارق الْفِعْل لِأَن الْمُوجب للْمَنْع فِيهِ تَنْزِيله إِذا كَانَ ضميرا مُتَّصِلا كالجزء مِنْهُ بِدَلِيل تسكين آخِره وللفصل بِهِ بَين الْفِعْل وَإِعْرَابه فِي يفْعَلَانِ وَحذف الْجُزْء من الْكَلِمَة لَا يجوز بِقِيَاس وَحمل عَلَيْهِ الْمُنْفَصِل وَالظَّاهِر والمصدر لَا يتَّصل بِهِ ضمير فَاعل فَلم تكن نِسْبَة فَاعله مِنْهُ نِسْبَة(3/61)
الْجُزْء من الْكَلِمَة (وَقَالَ الكوفية) لَا يحذف بل (يضمر) فِي الْمصدر كَمَا يضمر فِي الصِّفَات والظرف (و) قَالَ أَبُو الْقَاسِم خلف بن فرتون (ابْن الأبرش ينوى) إِلَى حَيْثُ الْمصدر قَالَ وَلَا يجوز أَن يُقَال إِنَّه مَحْذُوف لِأَن الْفَاعِل لَا يحذف وَلَا يضمر لِأَن الْمصدر لَا يضمر فِيهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة اسْم الْجِنْس (وَيجوز إبقاؤه) أَي الْفَاعِل مَعَ الْإِضَافَة إِلَى الْمَفْعُول (فِي الْأَصَح) نَحْو قَوْله تَعَالَى: فِي قِرَاءَة يحيى بن الْحَارِث الذمارِي عَن ابْن عَامر: {ذكر رَحْمَة رَبك عَبده زَكَرِيَّا} [مَرْيَم: 2] وَقَوله
:
(وَحج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) وَقَول الشَّاعِر:(3/62)
1469 -
(قَرْعُ القواقيز أفواهُ الأباريق ... )
وَقيل لَا يجوز إِلَّا فِي الشّعْر(3/63)
(و) يُضَاف (لظرف فَيعْمل فِيمَا بعده رفعا ونصبا) كالمنون نَحْو عرفت انْتِظَار يَوْم الْجُمُعَة زيد عمرا قَالَ أَبُو حَيَّان وَمن منع من ذكر الْفَاعِل والمصدر منون منع هَذِه الْمَسْأَلَة (ويؤول الْمنون بالمبني للْمَفْعُول فيرفع) مَا بعده على النِّيَابَة عَن الْفَاعِل نَحْو عجبت من ضرب زيد وَقَالَ الْأَخْفَش لَا يجوز ذَلِك بل يتَعَيَّن النصب أَو الرّفْع على الفاعلية وَاخْتَارَهُ الشلوبين (وَثَالِثهَا) قَالَ أَبُو حَيَّان يجوز (إِن لزمَه) أَي الْبناء للْمَفْعُول (فعله) أَي فعل ذَلِك الْمصدر نَحْو عجبت من جُنُون بِالْعلمِ زيد بِخِلَاف مَا لَيْسَ كَذَلِك (ويحذف مَعَه) أَي بالمنون (الْفَاعِل وأوجبه الْفراء) فَقَالَ لَا يجوز ذكر الْفَاعِل مَعَ الْمصدر الْمنون أَلْبَتَّة لِأَنَّهُ لم يسمع (فالأقوال الثَّلَاثَة) السَّابِقَة فِيهِ أهوَ مَحْذُوف أم مُضْمر أم منوي تَأتي هُنَا (وَرَابِعهَا) قَالَه السيرافي (لَا يقدر) الْفَاعِل هُنَا (أَلْبَتَّة) بل ينْتَصب الْمَفْعُول بِالْمَصْدَرِ كَمَا ينْتَصب التَّمْيِيز فِي عشْرين درهما من غير تَقْدِير فَاعل ورد بِأَنَّهُ إِن قَالَ إِن الْفَاعِل غير مُرَاد فَبَاطِل بِالضَّرُورَةِ إِذْ لَا بُد للإطعام مثلا فِي قَوْله أَو إطْعَام من مطعم من جِهَة الْمَعْنى وَإِن قَالَ إِنَّه مُرَاد فقد أقرّ بِأَن الْمصدر يَقْتَضِيهِ كَمَا يَقْتَضِي الْفِعْل بِخِلَاف عشْرين درهما فَيلْزمهُ تَقْدِيره وَإِن لم يَصح إضماره مَسْأَلَة (يذكر) بعد الْمصدر (الْبَدَل من فعله معموله) نَحْو ضربا زيدا وسقيا زيدا (وعامله) الناصب لَهُ (الْمصدر) عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور لِأَنَّهُ صَار بَدَلا من الْفِعْل فورث الْعَمَل الَّذِي كَانَ لَهُ وَصَارَ الْفِعْل نسيا منسيا (وَقيل) عَامله الْفِعْل (الْمَحْذُوف) الناصب للمصدر (فَعَلَيهِ) أَي على هَذَا القَوْل (يجوز تَقْدِيمه) أَي الْمَعْمُول على الْمصدر نَحْو زيد ضربا (وَكَذَا) يجوز التَّقْدِيم (على) القَوْل (الأول) أَيْضا (فِي الْأَصَح) لِأَنَّهُ نَاب عَن فعله فَهُوَ أقوى مِنْهُ إِذْ كَانَ غير نَائِب وَلِأَنَّهُ غير مُقَدّر بِحرف مصدري حَتَّى يشبه(3/64)
الْمَوْصُول فِي الِامْتِنَاع وَقيل لَا يجوز التَّقْدِيم على القَوْل بِأَنَّهُ الْعَامِل قِيَاسا على الْمصدر السَّابِق قَالَ أَبُو حَيَّان والأحوط أَلا يقدم على التَّقْدِيم إِلَّا بِسَمَاع (وَفِي تحمله) أَي هَذَا الْمصدر (الضَّمِير خلف) صحّح ابْن مَالك أَنه يتَحَمَّل كاسم الْفَاعِل وَقَالَ ...(3/65)
اسْم الْمصدر
مَسْأَلَة (يعْمل كمصدر اسْمه) أَي اسْم الْمصدر (الميمي لَا الْعلم بِإِجْمَاع) فيهمَا أما الأول فَلِأَنَّهُ مصدر فِي الْحَقِيقَة كَقَوْلِه: 1470 -
(أظلوم إِن مُصابكم رَجُلاً ... أهْدى السّلام تحيّة ظُلْم)
فمصابكم مصدر بِمَعْنى إصابتكم وَأما الثَّانِي وَهُوَ مَا دلّ على الْمصدر دلَالَة مغنية عَن أل لتضمن الْإِشَارَة إِلَى حَقِيقَته كيسار وبرة وفجار فَلِأَنَّهَا خَالَفت المصادر الْأَصْلِيَّة بِكَوْنِهَا لَا يقْصد بهَا الشياع وَلَا تُضَاف وَلَا تُوصَف وَلَا تقع موقع الْفِعْل وَلَا موقع مَا يُوصل بِهِ وَلَا تقبل أل وَلذَلِك لم تقم مقَامهَا فِي توكيد الْفِعْل وتبيين نَوعه أَو مراته (وَأما) اسْم الْمصدر (الْمَأْخُوذ من حدث لغيره) كالثواب وَالْكَلَام وَالعطَاء أخذت من مواد الْأَحْدَاث وَوضعت لما يُثَاب بِهِ وللجملة من القَوْل وَلما يعْطى (فَمَنعه) أَي إعماله (البصرية) إِلَّا فِي الضَّرُورَة (وَجوزهُ) قِيَاسا (أهل الْكُوفَة وبغداد) إِلْحَاقًا لَهُ بِالْمَصْدَرِ كَقَوْلِه: 1471 -
(وَبعد عَطائِك المائَة الرّتاعا ... )
وَقَوله: 1472 -
(فَإِن ثوَاب اللهِ كُلَّ مُوحِّدٍ ... )(3/66)
وَقَوله: 1473 -
(فَإِن كَلَامهَا شِفاء لما بيا ... )
(قَالَ الْكسَائي) إِمَام أهل الْكُوفَة إِلَّا ثَلَاثَة أَلْفَاظ (الْخبز والدهن والقوت) فَإِنَّهَا لَا تعْمل فَلَا يُقَال عجبت من خبزك الْخبز وَلَا من دهنك رَأسك وَلَا من قوتك عِيَالك وَأَجَازَ ذَلِك الْفراء وَحكى عَن الْعَرَب مثل أعجبني دهن زيد لحيته قَالَ أَبُو حَيَّان وَالَّذِي أذهب إِلَيْهِ فِي المسموع من هَذَا النَّوْع أَن الْمَنْصُوب فِيهِ بمضمر يفسره مَا قبله وَلَيْسَ باسم الْمصدر وَلَا جرى مجْرى الْمصدر فِي الْعَمَل لَا فِي ضَرُورَة وَلَا فِي غَيرهَا(3/67)
اسْم الْفَاعِل
أَي هَذَا مَبْحَث إعماله وَذكر مَعَه أَمْثِلَة الْمُبَالغَة وَاسم الْمَفْعُول (هُوَ مَا دلّ على حدث وَصَاحبه) فَمَا دلّ جنس وَقَوله على حدث يخرج الجامد وَالصّفة المشبهة وأفعل التَّفْضِيل وَصَاحبه يخرج الْمصدر وَاسم الْمَفْعُول (وَيعْمل عمل فعله مُفردا أَو غَيره) أَي مثنى ومجموعا جمع سَلامَة وَجمع تكسير (وَمنع قوم) عمل (المكسر و) منع (سِيبَوَيْهٍ) والخليل إِعْمَال (الْمثنى وَالْجمع) الصَّحِيح (الْمسند الظَّاهِر) لِأَنَّهُ فِي مَوضِع يفرد فِيهِ الْفِعْل فخالفه فَلَا يُقَال مَرَرْت بِرَجُل ضاربين غلمانه زيدا وَأَجَازَ الْمبرد إعماله لِأَن لحاقه حِينَئِذٍ بِالْفِعْلِ قوي من حَيْثُ لحقه مَا يلْحقهُ (وَقيل) لَا ينصب اسْم الْفَاعِل أصلا بل (الناصب فعل مُقَدّر مِنْهُ) لِأَن الِاسْم لَا يعْمل فِي الِاسْم حَكَاهُ ابْن مَالك فِي التسهيل وَبِه يرد على ابْنه فِي دَعْوَاهُ نفي الْخلاف فِي عمله (وَشرط البصرية) لإعماله (اعْتِمَاده على) أَدَاة (نفي) صَرِيح نَحْو مَا ضَارب زيد عمرا أَو مؤول نَحْو غير مضيع نَفسه عَاقل (أَو) أَدَاة (اسْتِفْهَام) اسْما أَو حرفا ظَاهرا أَو مُقَدرا كَقَوْلِه: 1474 -
(أناوٍ رجالُك قتل امْرِئ ... )
(أَو) على (مَوْصُوف) نَحْو مَرَرْت بِرَجُل ضَارب عمرا وَلَو تَقْديرا هُوَ رَاجع(3/68)
للاستفهام والموصوف مَعًا كَقَوْلِه: 1475 -
(لَيْت شِعْري مُقِيمٌ العُذْر قومِي ... ليَ أم هُمْ فِي الحُبّ لِي عاذِلونا)
أَي أمقيم وَقَوله: 1476 -
(وَمَا كُل مُؤْتٍ نُصْحَه بلبيبِ ... )
أَي رجل مؤت (أَو مَوْصُول) وَذَلِكَ إِذا وَقع صلَة أل (أَو) على (ذِي خبر) نَحْو هَذَا ضَارب زيدا وَكَانَ زيد ضَارِبًا عمرا وَإِن زيدا ضَارب عمرا وظننت زيدا ضَارِبًا عمرا (أَو) على ذِي (حَال) نَحْو جَاءَ زيد رَاكِبًا فرسه (قيل أَو) على (إِن) نَحْو إِن قَائِما زيد فقائما اسْم إِن وَزيد الْخَبَر وَلم يشْتَرط الْكُوفِيُّونَ وَوَافَقَهُمْ الْأَخْفَش الِاعْتِمَاد على شَيْء من ذَلِك فأجازوا إعماله مُطلقًا نَحْو ضَارب زيدا عندنَا (و) شَرط البصرية (كَونه مكبرا) فَلَا يجوز هَذَا ضويرب زيدا لعدم وُرُوده ولدخول مَا هُوَ من خَواص الِاسْم عَلَيْهِ فَبعد عَن شبه الْمُضَارع بتغيير بنيته الَّتِي هِيَ عُمْدَة الشّبَه وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ إِلَّا الْفراء وَوَافَقَهُمْ النّحاس يعْمل مُصَغرًا بِنَاء على مَذْهَبهم(3/69)
أَن الْمُعْتَبر شبه للْفِعْل فِي الْمَعْنى لَا الصُّورَة قَالَ ابْن مَالك فِي التُّحْفَة هُوَ قوي بِدَلِيل إعماله محولا للْمُبَالَغَة اعْتِبَارا بِالْمَعْنَى دون الصُّورَة وقاسه النّحاس على التكسير (وَثَالِثهَا يعْمل) المصغر (الملازم التصغير) الَّذِي لم يلفظ بِهِ مكبرا كَقَوْلِه: 1477 -
(فَمَا طَعْمُ رَاح فِي الزّجاج مُدَامة ... تَرقْرقُ فِي الْأَيْدِي كميتٍ عَصيرُها)
فِي رِوَايَة جر كميت (أما الْمَاضِي فَالْأَصَحّ يرفع فَقَط) نَحْو مَرَرْت بِرَجُل قَائِم أَبوهُ أَو ضَارب أَبوهُ أمس وَلَا ينصب لِأَنَّهُ لَا يشبه الْمُضَارع إِلَّا إِذا كَانَ بِمَعْنى الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال وَقَالَ الْكسَائي وَهِشَام وَوَافَقَهُمَا قوم ينصب أَيْضا اعْتِبَارا بالشبه معنى وَإِن زَالَ الشّبَه لفظا وَاسْتَدَلُّوا بقوله تَعَالَى: {وكلبهم باسط ذِرَاعَيْهِ بالوصيد} [الْكَهْف: 18] وتأوله الْأَولونَ على حِكَايَة الْحَال (وَمنع قوم رَفعه الظَّاهِر وَقوم) رَفعه (الْمُضمر) أَيْضا قَالَه ابْن طَاهِر وَابْن خروف وَهُوَ يرد دَعْوَى ابْن عُصْفُور الِاتِّفَاق على أَنه يرفعهُ ويتحمله (و) قَالَ (قوم يعْمل) النصب (إِن تعدى لاثْنَيْنِ أَو ثَلَاثَة) نَحْو هَذَا معطي زيدا درهما أمس لِأَنَّهُ قوي شبهه بِالْفِعْلِ هُنَا من حَيْثُ طلبه مَا بعده وَغير صَالح للإضافة إِلَيْهِ لاستثنائه بِالْإِضَافَة إِلَى الأول وَالْأَكْثَرُونَ قَالُوا هُوَ مَنْصُوب بِفعل مُضْمر قَالَ ابْن مَالك وَيَردهُ أَن الأَصْل عَدمه (فَإِن كَانَ) اسْم الْفَاعِل (صلَة أل فالجمهور) أَنه (يعْمل مُطلقًا) مَاضِيا وَحَالا ومستقبلا لِأَن عمله حِينَئِذٍ بالنيابة فنابت (أل) عَن الَّذِي وفروعه وناب اسْم الْفَاعِل عَن الْفَاعِل الْمَاضِي فَقَامَ تَأَوَّلَه بِالْفِعْلِ مَعَ تَأَول أل بِالَّذِي مقَام مَا فَاتَهُ من(3/70)
الشّبَه اللَّفْظِيّ كَمَا قَامَ لُزُوم التَّأْنِيث بِالْألف وَعدم النظير فِي الْجمع مقَام السَّبَب الثَّانِي فِي منع الصّرْف ومثاله مَاضِيا قَوْله: 1478 -
(وَالله لَا يذهب شَيْخِي بَاطِلا ... حَتَّى أُبير مالِكاً وكَاهِلا)
(القاتِلينَ الملِكَ الحُلاحِلا ... )
قَالَ الْأَخْفَش: وَلَا يعْمل بِحَال وأل فِيهِ معرفَة كهي فِي الرجل لَا مَوْصُولَة وَالنّصب بعده على التَّشْبِيه بالمفعول بِهِ (وَثَالِثهَا) قَالَه الرماني وَجَمَاعَة يعْمل (مَاضِيا فَقَط) لَا حَالا وَلَا مُسْتَقْبلا ورد بِأَن الْعَمَل حِينَئِذٍ أولى وَمن وُرُوده حَالا قَوْله تَعَالَى: {والحافظين فروجهم والحافظات} [الْأَحْزَاب: 35] وَقَالَ الشَّاعِر: 1479 -
(إِذا كُنت مَعْنِّياً بمجد وسُؤدَدٍ ... فَلَا تَكُ إِلَّا المُجِْمَلَ القوْلَ والفِعْلا)
(ويضاف لمفعوله) جَوَازًا نَحْو: {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} [الْمَائِدَة: 95] {إِنَّك جَامع النَّاس} [آل عمرَان: 9] {غير محلي الصَّيْد} [الْمَائِدَة: 1] قَالَ أَبُو حَيَّان وَظَاهر كَلَام سِيبَوَيْهٍ أَن النصب أولى من الْجَرّ وَقَالَ الْكسَائي هما سَوَاء وَيظْهر لي أَن الْجَرّ أولى لِأَن الأَصْل فِي الْأَسْمَاء إِذا تعلق أَحدهمَا بِالْآخرِ الْإِضَافَة وَالْعَمَل إِنَّمَا هُوَ بِجِهَة الشبة للمضارع فالحمل على الأَصْل أولى (وَتجب) الْإِضَافَة (إِن كَانَ مَاضِيا) نَحْو ضَارب زيد أمس إِذْ لَا يجوز النصب كَمَا تقدم (أَو) كَانَ (الْمَفْعُول ضميرا) مُتَّصِلا بِهِ نَحْو زيد مكرمك (وَقيل) وَعَلِيهِ الْأَخْفَش وَهِشَام مَحَله نصب وَزَالَ التَّنْوِين أَو النُّون فِي مكرماك(3/71)
ومكرموك للطافة الضَّمِير لَا للإضافة قَالَا لِأَن مُوجب النصب المفعولية وَهِي مُحَققَة وَمُوجب الْجَرّ الْإِضَافَة وَلَيْسَت مُحَققَة إِذْ لَا دَلِيل عَلَيْهَا إِلَّا الْحَذف الْمَذْكُور وَلم يتَعَيَّن سَببا لَهُ ورد بِالْقِيَاسِ على الظَّاهِر فَإِنَّهُ لَا يحذف التَّنْوِين فِيهِ إِلَّا للإضافة وَيتَعَيَّن النصب لفقد شَرط الْإِضَافَة بِأَن كَانَ فِي اسْم الْفَاعِل (أل) وخلا مِنْهَا الظَّاهِر والمضاف إِلَيْهِ ومرجع الضَّمِير وَيجوز تَقْدِيم معموله أَي اسْم الْفَاعِل عَلَيْهِ نَحْو هَذَا زيدا ضَارب لَا إِن جر بِغَيْر حرف زَائِد من إِضَافَة أَو حرف فَلَا يُقَال هَذَا زيدا غُلَام قَاتل وَلَا مَرَرْت زيدا بضارب بِخِلَاف مَا جر بِالزَّائِدِ فَيجوز التَّقْدِيم عَلَيْهِ نَحْو لَيْسَ زيد عمرا بضارب قيل أَو جر بِهِ أَي زَائِد أَيْضا فَلَا يقدم كَغَيْرِهِ وَجوزهُ قوم إِن أضيف إِلَيْهِ (حق) أَو (غير) أَو (جد) فأجازوا هَذَا زيدا غير ضَارب وَكَذَا الْآخرَانِ وَقد تقدم ذَلِك فِي مَبْحَث الْإِضَافَة (و) يجوز تَقْدِيم معموله (على متبدئه) الَّذِي هُوَ خير عَنهُ نَحْو زيدا هَذَا ضَارب وَقيل لَا يجوز إِن كَانَ اسْم الْفَاعِل خبر مُبْتَدأ سببي أَي من سَبَب الْمُبْتَدَأ نَحْو زيد أَبوهُ ضَارب عمرا أَو كَانَ الْمَعْمُول لسببه نَحْو زيد ضَارب أَبوهُ عمرا وَأَجَازَ ذَلِك البصريون وَوَافَقَهُمْ الْكسَائي فِي الْأَخِيرَة لَا تَقْدِيم صفته أَي اسْم الْفَاعِل عَلَيْهِ أَي الْمَعْمُول (و) لَا تَقْدِيم معموله عَلَيْهِ وعَلى صفته مَعًا فَلَا يُقَال هَذَا ضَارب عَاقل زيدا وَلَا هَذَا زيدا ضَارب أَي ضَارب خلافًا للكسائي فِي إِجَازَته التَّقْدِيم فِي الصُّورَتَيْنِ وَيجوز وفَاقا تَأْخِير الْوَصْف عَن الْمَعْمُول نَحْو هَذَا ضَارب زيدا عَاقل وَالْفرق أَنه إِذا وصف قبل أَن يَأْخُذ معموله زَالَ شبهه للْفِعْل بِالْوَصْفِ الَّذِي هُوَ من خَواص الْأَسْمَاء بِخِلَاف مَا إِذا تَأَخّر الْوَصْف لِأَن صفته تحصل بعد تَمام عمله وَمن الْوَارِد فِي ذَلِك قَوْله:(3/72)
1480 -
(وتَخْرُجْن من جَعْد ثَراهُ مُنَصّبِ ... )(3/73)
3 - صِيغ الْمُبَالغَة
مَسْأَلَة (يعْمل بِشَرْطِهِ وفَاقا وَخِلَافًا مَا حول مِنْهُ للْمُبَالَغَة إِلَى فعال ومفعول ومفعال وفعيل وَفعل) قَالَ: 1481 -
(أَخا الحرْب لبّاساً إِلَيْهَا جلالَها
( ... وَسمع أما الْعَسَل فَأَنا شراب وَقَالَ: 1482 -
(ضَروبٌ بنَصْل السّيفِ سُوقَ ... )
وَسمع إِنَّه لمنحار بوائكها و (إِن الله سميع دُعَاء من دَعَاهُ) وَقَالَ: 1483 -
(أَتَانِي أَنهم مزقون عِرْضى ... )(3/74)
ولدلالتها على الْمُبَالغَة لم تسْتَعْمل إِلَّا حَيْثُ يُمكن الْكَثْرَة فَلَا يُقَال موَات وَلَا قتال زيدا بِخِلَاف قتال النَّاس أما إِذا لم تدل عَلَيْهَا فَلَا تعْمل كَأَن كَانَت للنسب كنجار وَطعم أَو كَانَ بِنَاء الْوَصْف عَلَيْهَا ككريم وَفَرح (وَأنكر الكوفية الْكل) أَي إِعْمَال الْخَمْسَة لِأَنَّهَا زَادَت على معنى الْفِعْل بالمبالغة إِذْ لَا مُبَالغَة فِي أفعالها ولزوال الشّبَه الصُّورِي أَيْضا فَمَا ورد بعْدهَا مَنْصُوبًا فبإضمار فعل يفسره الْمِثَال (و) أنكر (أَكثر الْبَصرِيين الْأَخيرينِ) أَي فعيل وَفعل لقلتهما (و) أنكر (الْجرْمِي فعل دون فعيل) لِأَنَّهُ أقل ورودا حَتَّى إِنَّه لم يسمع إعماله فِي نثر (وَقَالَ أَبُو عَمْرو يعْمل) فعل (بِضعْف) (و) قَالَ (أَبُو حَيَّان لَا يتَعَدَّى فيهمَا السماع) بل يقْتَصر عَلَيْهِ بِخِلَاف الثَّلَاثَة الْأُخَر فيقاس فِيهَا وَقد سقتها فِي الْمَتْن على ترتيبها فِي الْعَمَل فأكثرها فعال ثمَّ فعول ومفعال ثمَّ فعيل ثمَّ فعل وَادّعى ابْن طَلْحَة تفاوتها فِي الْمُبَالغَة أَيْضا ف (فعول) لمن كثر مِنْهُ الْفِعْل و (فعال) لمن صَار لَهُ كالصناعة و (معفال) لمن صَار لَهُ كالآلة و (فعيل) لمن صَار لَهُ كالطبيعة و (فعل) لمن صَار لَهُ كالعادة قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يتَعَرَّض لذَلِك المتقدمون(3/75)
(وأعمل ابْن ولاد وَابْن خروف فعيلا) بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيد فأجازوا زيد شريب الْخمر وطبيخ الطَّعَام قَالَ أَبُو حَيَّان وَقد سمع إِضَافَة شريب إِلَى معموله فِي قَوْله: 1484 -
(لَا تَنْفُري يَا ناقُ مِنْهُ فإنّهُ ... شِرِّيبُ خَمْر مِسْعرٌ لحروب)
فعلى هَذَا لَا يبعد عمله نصبا وَفهم من مُسَاوَاة الْأَمْثِلَة لاسم الْفَاعِل جَوَاز إعمالها غير مُفْردَة كَقَوْلِه: 1485 -
(ثمَّ زادوا أنّهم فِي قَوْمِهم ... غُفُرٌ ذَنْبُهُم غَيْرُ فُخُرْ)
وَقَوله: 1486 -
(خَوارجَ ترّاكين قَصْدَ المخارج ... )
وَقَوله: 1487 -
(شُمٍّ مهَاوينَ أبْدانَ الجُزور مخاميص ... العَشِيّاتِ لاخُور وَلَا قَزَم)(3/76)
وَذهب ابْن طَاهِر وَابْن خروف إِلَى جَوَاز إعمالها مَاضِيَة وَإِن عريت من أل وَإِن لم يَقُولَا بذلك فِي اسْم الْفَاعِل لما فِيهَا من الْمُبَالغَة وَلم أحتج إِلَى ذكره لِأَنَّهُ رَأْي محكي فِي اسْم الْفَاعِل فَدخل فِي التَّشْبِيه(3/77)
اسْم الْمَفْعُول
مَسْأَلَة (كَهُوَ أَيْضا) فِي الْعَمَل والشروط وَالْأَحْكَام وفَاقا وَخِلَافًا (اسْم الْمَفْعُول فيرفع مَرْفُوع فعله) أَي الْمَفْعُول لِأَن فعله لما لم يسم فَاعله قَالَ: 1488 -
(وَنحن تَركْنا تَغْلِب ابْنَةَ وَائِل ... كمضرُوبَةٍ رجْلاَهُ مُنْقَطع الظّهْر)
(وَتجوز إِضَافَته) أَي اسْم الْمَفْعُول (إِلَيْهِ) أَي إِلَى مرفوعه (دونه) أَي اسْم الْفَاعِل فَإِنَّهُ لَا يجوز فِيهِ ذَلِك نَحْو زيد مَضْرُوب الظّهْر قَالَ أَبُو حَيَّان وَالصَّحِيح أَن الْإِضَافَة فِي مثل ذَلِك من نصب لَا من رفع وَأَصله (مَضْرُوب الظّهْر) وَقَالَ شَيْخه الشاطبي لم يذكر هَذَا الحكم غير ابْن مَالك واعتنى بِذكرِهِ فِي سَائِر كتبه وَقَيده فِي الألفية بالقلة وَلم يُقَيِّدهُ بهَا فِي التسهيل وَالْأول أحسن قَالَ ثمَّ إِنَّمَا يجوز بِشَرْطَيْنِ أَن يكون اسْم الْمَفْعُول من مُتَعَدٍّ إِلَى وَاحِد فَلَا يجوز من لَازم وَلَا من مُتَعَدٍّ إِلَى أَكثر وَأَن يقْصد ثُبُوت الْوَصْف ويتناسى فِيهِ الْحُدُوث ثمَّ كَمَا تجوز الْإِضَافَة يجوز النصب على التَّشْبِيه بالمفعول أَو التَّمْيِيز نَحْو هَذَا مَضْرُوب الْأَب أَو أَبَا وَهُوَ أقل من الْإِضَافَة (وَلَا يعْمل) كعمل اسْم الْمَفْعُول (مَا جَاءَ بِمَعْنَاهُ) من فعل وَفعل وفعيل (كذبح وَقبض وقتيل) فَلَا يُقَال مَرَرْت بِرَجُل كحيل عينه وَلَا قَتِيل أَبوهُ (خلافًا لِابْنِ عُصْفُور) حَيْثُ أجَاز ذَلِك قَالَ أَبُو حَيَّان وَيحْتَاج فِي منع ذَلِك وإجازته إِلَى نقل صَحِيح عَن الْعَرَب(3/78)
الصّفة المشبهة
مَسْأَلَة (كَهُوَ) أَيْضا (الصّفة المشبهة بِهِ عملا لَكِن) تخَالف فِي أَنَّهَا (لَا تعْمل مضمرة وَلَا فِي أَجْنَبِي) بل فِي سببي (وَلَا فِي سَابق) عَلَيْهَا بل فِي مُتَأَخّر عَنْهَا (وَلَا) فِي (مفصول) بَينهَا وَبَينه بل فِي مُتَّصِل بهَا قَالَ الْخفاف فِي شَرحه لم يفصلوا بَين الصّفة المشبهة ومعمولها فيقولوا كريم فِيهَا حسب الْآبَاء إِلَّا فِي الضَّرُورَة كَمَا قَالَ: 1489 -
(والطِّيبون إِذا مَا يُنْسَبُون أَبَا ... )
(وَلَا مرَادا بهَا غير الْحَال) وَاسم الْفَاعِل يعْمل مضمرا نَحْو أَنا زيدا ضاربه تَقْدِيره أَنا ضَارب زيدا ضاربه كَمَا يعْمل مظْهرا وَفِي أَجْنَبِي كَمَا يعْمل فِي سببي وَفِي مُتَقَدم عَلَيْهِ كَمَا يعْمل فِي مُتَأَخّر عَنهُ وَفِي مفصول كَمَا يعْمل فِي مُتَّصِل ومرادا بِهِ الِاسْتِقْبَال كَمَا يعْمل فِي مُرَاد بِهِ الْحَال وَقَوْلِي (فِي الْأَصَح فيهمَا) رَاجع إِلَى الْأَخيرينِ قَالَ أَبُو حَيَّان ذكر صَاحب الْبَسِيط أَنه يجوز الْفَصْل بَين هَذِه الصّفة وَبَين معمولها إِذا كَانَ مَرْفُوعا أَو مَنْصُوبًا كَقَوْلِه تَعَالَى: {مفتحة لَهُم الْأَبْوَاب} [ص: 50] قَالَ وَلم يتَعَرَّض ابْن مَالك فِي التسهيل لزمان هَذِه الصّفة وَذكر ذَلِك فِي أرجوزته فَقَالَ:
(وصَوْغُها من لَازم لحاضِر ... )(3/79)
وَفِي الْمَسْأَلَة خلاف ذهب أَكثر النَّحْوِيين إِلَى أَنه لَا يشْتَرط أَن تكون بِمَعْنى الْحَال وَذهب أَبُو بكر بن طَاهِر إِلَى أَنَّهَا تكون للأزمنة الثَّلَاثَة وَأَجَازَ أَن تَقول مَرَرْت بِرَجُل حَاضر الابْن غَدا فَيكون بِمَعْنى الْمُسْتَقْبل وَذهب السيرافي إِلَى أَنَّهَا أبدا بِمَعْنى الْمَاضِي وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْأَخْفَش قَالَ وَالصّفة لَا يجوز تشبيهها إِلَّا إِذا سَاغَ أَن يَبْنِي مِنْهَا قد فعل وَذهب ابْن السراج والفارسي إِلَى أَنَّهَا لَا تكون بِمَعْنى الْمَاضِي وَهُوَ اخْتِيَار الشلوبين قَالَ وساء رفعت أَو نصبت لِأَنَّك إِذا قلت مَرَرْت بِرَجُل حسن الْوَجْه فَحسن الْوَجْه ثَابت فِي الْحَال لَا تُرِيدُ مضيا وَلَا اسْتِقْبَالًا لِأَنَّهَا لما شبهت باسم الْفَاعِل لم تقو قوته فِي عَملهَا فِي الزمانين وَقد جمع بعض أَصْحَابنَا بَين قَول السيرافي وَقَول ابْن السراج بِأَن قَالَ لَا يُرِيد السيرافي بقوله إِنَّهَا للماضي أَن الصّفة انْقَطَعت وَإِنَّمَا يُرِيد أَنَّهَا تثبتت قبل الْإِخْبَار عَنْهَا ودامت إِلَى وَقت الْإِخْبَار وَلَا يُرِيد ابْن السراج أَنَّهَا إِنَّمَا وجدت وَقت الْإِخْبَار فَلَا فرق بَين الْقَوْلَيْنِ على هَذَا وَفِي الْبَسِيط قَالَ بَعضهم الصّفة المشبهة باسم الْفَاعِل تُفَارِقهُ فِي أَنَّهَا لَا تُوجد إِلَّا حَالا وَتقدم أَن ذَلِك لَيْسَ على جِهَة الشَّرْط بل إِن وَضعهَا كَذَلِك لكَونهَا صفة دَالَّة على الثُّبُوت والثبوت من ضَرُورَته الْحَال وَأما على جِهَة الشَّرْط فَتكون حِينَئِذٍ يَصح تَأْوِيلهَا بِالزَّمَانِ وَلَا يشْتَرط إِلَّا الْحَاضِر لِأَنَّهُ الْمُنَاسب انْتهى (ثمَّ هِيَ إِمَّا صَالِحَة للمذكر والمؤنث مُطلقًا) أَي لفظا وَمعنى كحسن وقبيح (أَو لفظا لَا معنى) كحائض وَخصي لَفْظهمَا من حَيْثُ الْوَزْن بفاعل وفعيل صَالح للمذكر والمؤنث وَلَكِن معنى الْحيض مُخْتَصّ بالمؤنث وَمعنى الخصاء مُخْتَصّ بالمذكر (أَو عَكسه) أَي معنى لَا لفظا ككبر الألية فَإِنَّهُ معنى مُشْتَرك فِيهِ لَكِن خص الْمُذكر بِلَفْظ آلى والمؤنث بِلَفْظ عجزاء(3/80)
(أَو لَا) تصلح لَهما بل تخْتَص بِأَحَدِهِمَا كآدر وأكمر لَفْظهمَا ومعناهما خَاص بالمذكر ورتقاء وعفلاء لَفْظهمَا ومعناهما خَاص بالمؤنث (وتجري الأولى على مثلهَا وضدها) أَي يجْرِي مذكرها على الْمُذكر والمؤنث ومؤنثها على الْمُؤَنَّث والمذكر قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا الَّذِي يعبر عَنهُ النحويون بِأَنَّهُ يشبه عُمُوما تَقول مَرَرْت بِرَجُل حسن الْأَب وبرجل حسن الْأُم وبامرأة حَسَنَة الْأُم وبامرأة حَسَنَة الْأَب (دون الْبَاقِي) فَإِنَّهَا إِنَّمَا تجْرِي على مثلهَا فَقَط وَلَا تجْرِي على ضدها (فِي الْأَصَح) تَقول مَرَرْت بِرَجُل خصي الابْن وبامرأة خائص الْبِنْت وبرجل آلى الابْن وبامرأة عجزاء الْبِنْت وبرجل آدر الابْن وبامرأة رتقاء الْبِنْت قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا يعبر عَنهُ النحويون بِأَنَّهُ يشبه خُصُوصا وَأَجَازَ الْكسَائي والأخفش جَرَيَان هَذِه الصّفة على ضدها فِي الْأَقْسَام الثَّلَاثَة فَتَقول بِرَجُل حَائِض بنته وبامرأة خصي ابْنهَا وبرجل عجزاء بنته وبامرأة آلى ابْنهَا وبرجل رتقاء بنته وبامرأة آدر ابْنهَا هَكَذَا حكى ابْن مَالك الْخلاف فِي الثَّلَاثَة ونازعه أَبُو حَيَّان بِأَن بعض المغاربة نقل الِاتِّفَاق على الْمَنْع فِي قسمَيْنِ مِنْهَا وَأَن الْخلاف خَاص بقسم وَاحِد(3/81)
وَهِي الصّفة الْمُشْتَركَة من جِهَة الْمَعْنى وَاللَّفْظ مُخْتَصّ (وتعمل مَعَ أل) مقترنة بهَا (ودونها رفعا) على أَن يعرب الْمَرْفُوع بهَا (فَاعِلا) بهَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ والبصريون (أَو بَدَلا) من الضَّمِير المستكن فِيهَا قَالَه الْفَارِسِي (ونصبا) على أَنه يعرب (مشبها بالمفعول) بِهِ فِي الْمعرفَة) (أَو تمييزا) فِي النكرَة (وجرا بِالْإِضَافَة وَفِي مراتبها خلاف فِي مُجَرّد ومقرون بأل ومضاف لَهُ) أَي لمقرون بأل (أَو لمُجَرّد أَو لضمير أَو لمضاف لَهُ) أَي للضمير فَتلك سِتَّة وَثَلَاثُونَ حَاصِلَة من ضرب اثْنَيْنِ وَهِي حالتا اقترانها ب (أل) وَعَدَمه فِي ثَلَاثَة وَهِي وُجُوه عَملهَا الرّفْع وَالنّصب والجر تبلغ سِتَّة ثمَّ ضرب السِّتَّة الْمَذْكُورَة فِي أَحْوَال الْمَعْمُول السِّتَّة وَهِي تجريده واقترانه بأل وإضافته للأربعة الْمشَار إِلَيْهَا فتبلغ مَا ذكر وَهَذِه أمثلتها على التَّرْتِيب رَأَيْت الرجل الْحسن وَجه وَالْحسن وَجها وَالْحسن وَجه وَالْحسن الْوَجْه وَالْحسن الْوَجْه وَالْحسن الْوَجْه وَالْحسن وَجه الْأَب وَالْحسن وَجه الْأَب وَالْحسن وجهِ الْأَب وَالْحسن وَجه أَب وَالْحسن وَجه أَب وَالْحسن وَجه أَب وَالْحسن وَجهه وَالْحسن وَجهه وَالْحسن وَجهه وَالْحسن وَجه أَبِيه وَالْحسن وَجه أَبِيه وَالْحسن وَجه أَبِيه وَرَأَيْت رجلا حسنا وَجهه وحسنا وَجها وَحسن وَجه وحسنا الْوَجْه وحسنا الْوَجْه وَحسن الْوَجْه وحسنا وَجه الْأَب وَحسن وَجه الْأَب وَحسن وَجه الْأَب وحسنا وَجه أَب وحسنا وَجه أَب وَحسن وَجه أَب وحسنا وَجه وحسنا وَجهه وَحسن وَجهه وحسنا وَجه أَبِيه وحسنا وَجه أَبِيه وَحسن وَجه أَبِيه ... هَذَا سردها وَلَيْسَت(3/82)
كلهَا بجائزة على مَا تبين (لَكِن تجب الْإِضَافَة) حَال كَونهَا (مُجَرّدَة) من أل (إِلَى ضمير مُتَّصِل بهَا فِي الْأَصَح) نَحْو مَرَرْت بِرَجُل حسن الْوَجْه جميلَة وَلَا يجوز نصب هَذَا الضَّمِير وَجوزهُ الْفراء فَيُقَال جميل إِيَّاه ورد بِأَنَّهُ لَا يفصل الضَّمِير مَا قدر على اتِّصَاله فَإِن لم تباشره مُتَّصِلَة بِهِ أَو قرنت ب (أل) لم تجب الْإِضَافَة بل يتَعَيَّن النصب بِاتِّفَاق فِي حَالَة الْفَصْل نَحْو قُرَيْش نجباء النَّاس وكرامهموها وعَلى أحد الْقَوْلَيْنِ للنحاة فِي حَالَة الاقتران بأل نَحْو مَرَرْت بِالرجلِ الْحسن وَجها الجميلة وَالْقَوْل الثَّانِي أَن الضَّمِير فِي مَوضِع جر فَلَو كَانَت الصّفة غير متصرفة فِي الأَصْل وقرنت ب (أل) نَحْو مَرَرْت بِالرجلِ الْحسن الْوَجْه الْأَحْمَر فَالضَّمِير فِي مَوضِع نصب عِنْد سِيبَوَيْهٍ وجر عِنْد الْفراء (وتمتنع) الْإِضَافَة حَال كَون الصّفة (مَعَ أل) إِلَى مَعْمُول (عَار مِنْهَا أَو من إِضَافَة لذيها) أَي لذِي أل (أَو) إِلَى (ضمير ذيها) فَلَا يجوز من الْأَمْثِلَة السَّابِقَة الْحسن وَجه وَالْحسن وَجه أَب وَالْحسن وَجهه وَالْحسن وَجه أَبِيه لما تقرر فِي بَاب الْإِضَافَة من أَنه لَا تجوز الصّفة المقترنة ب (أل) إِلَى الْخَالِي من أل وَمن إِضَافَة لما فِيهِ أل وَمِثَال الْمُضَاف إِلَى ضمير مَا فِيهِ أل رَأَيْت الْكَرِيم الْآبَاء الغامر جودهم قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ نَادِر (وتقبح) الْإِضَافَة حَال كَون الصّفة دون أل (إِلَى مُضَاف لضمير) وَهُوَ مِثَال حسنن وَجهه (ومنعها سِيبَوَيْهٍ اخْتِيَارا) وَخص جَوَازهَا بالشعر كَقَوْل الشماخ: 1490 -
(أمِنْ دِمْنَتْين عرَّج الركْبُ فيهمَا ... بحَقْل الرُّخامي قد عَفا طَللاهُما)
(أَقَامَت على رَبْعيْهما جارَتا صفا ... كميْتا الأعالي جَوْنَتا مُصْطَلاهما)(3/83)
(و) منعهَا (الْمبرد مُطلقًا) فِي الشّعْر وَغَيره وَتَأَول الْبَيْت الْمَذْكُور على أَنَّهُمَا من قَوْله مصطللاهما عَائِد على الأعالي لِأَنَّهَا مثناة فِي الْمَعْنى قَالَ ابْن مَالك فِي شرح الكافية وَهُوَ عِنْد الْكُوفِيّين جَائِز فِي الْكَلَام كُله وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن مثله قد ورد فِي حَدِيث أم زرع: (صفر وشاحها) وَفِي حَدِيث الدَّجَّال (أَعور عينه الْيُمْنَى) وَفِي وصف النَّبِي
: (شثن أَصَابِعه) قَالَ وَمَعَ هَذَا فِي جَوَازه ضعف وَوَافَقَهُ أَبُو حَيَّان (وَكَذَا) يقتح (رَفعهَا مُطلقًا) أَي مَعَ أل ومجردة (العاري من الضَّمِير وأل وَالْإِضَافَة(3/84)
إِلَى أَحدهمَا) وَذَلِكَ مِثَال الْحسن وَجه وَحسن وَجه وَالْحسن وَجه أَب وَحسن وَجه أَب (وَمنع أَكثر البصرية حسن وَجه) وَهُوَ الْمِثَال الثَّانِي من هَذِه الْأَرْبَعَة لخلو الصّفة من ضمير مَذْكُور يعود على الْمَوْصُوف وَاخْتَارَهُ ابْن خروف وَمَا تقدم من جَوَازه بقبح مَذْهَب الْكُوفِيّين وَأَجَازَهُ ابْن مَالك وَمن شواهده قَوْله: 1491 -
(بِثَوْب ودينار وشاةٍ وَدِرْهَم ... فَهَل أَنْت مَرْفوْعٌ بِمَا هَاهنا راسُ)
وَقَوله: 1492 -
(ببُهْمةٍ مُنِيتُ شَهْم قلْبُ ... مُنَجَّذٍ لَا ذِي كَهام يَنْبُو)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَقَول ابْن هِشَام الخضراوي فِي نَحْو هَذَا لَا يجوز الرّفْع فِي قَول أحد إِذْ لَا ضمير فِي السَّبَب وَلَا مَا يسد مسده لَيْسَ بِصَحِيح إِذْ جَوَازه محكي عَن الْكُوفِيّين وَبَعض الْبَصرِيين (وَيتبع معمولها) أَي الصّفة المشبهة بِجَمِيعِ التوابع وتجري على حسب لَفظه لَا مَوْضِعه وَأَجَازَ الْفراء أَن يتبع الْمَجْرُور على مَوْضِعه من الرّفْع كَمَا جَازَ (مَرَرْت بِالرجلِ الْحسن الْوَجْه نَفسه) و (هَذَا قوي الْيَد وَالرجل) بِرَفْع (نَفسه) (وَالرجل) مَعَ جر الْمَعْمُول وَقد صرح سِيبَوَيْهٍ بِمَنْع ذَلِك وَأَنه لم يسمع مِنْهُم فِي هَذَا الْبَاب(3/85)
وَأما أَن يعْطف على معمولها الْمَجْرُور نصبا فنصبوا على أَنه لَا يجوز لَا يُقَال (هَذَا حسن الْوَجْه وَالْبدن) بِخِلَاف اسْم الْفَاعِل (وَقيل) يتبع بِكُل التوابع (إِلَّا بِالصّفةِ) قَالَ أَبُو حَيَّان هَكَذَا قَالَ الزّجاج وَزعم أَنه لم يسمع من كَلَامهم فَلَا يجوز (جَاءَنِي زيد الْحسن الْوَجْه الْجَمِيل) قَالَ وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث فِي صفة الدَّجَّال (أَعور عينه الْيُمْنَى) فاليمين صفة لعَينه وعينه مَعْمُول الصّفة فَيَنْبَغِي أَن ينظر فِي ذَلِك قَالَ وَعلل منع ذَلِك بعض شُيُوخنَا بِأَن مَعْمُول الصّفة محَال أبدا على الأول فَأشبه الْمُضمر لِأَنَّهُ قد علم أَنَّك لَا تَعْنِي من الْوُجُوه إِلَّا وَجه زيد فِي نَحْو مَرَرْت بزيد الْحسن الْوَجْه قَالَ وَحكى لي هَذَا التَّعْلِيل أَيْضا الشَّيْخ بهاء الدّين بن النّحاس عَن عبد الْمُنعم الإسْكَنْدراني من تلاميذ ابْن بري قَالَ لي وَقد كَانَ ظهر لي مَا يشبه هَذَا وَهِي أَن الصّفة هِيَ فِي الْحَقِيقَة للْوَجْه وَإِن أسندت إِلَى زيد مثلا فقد تبين الْوَجْه بِالصّفةِ فَلَا يحْتَاج إِلَى تَبْيِين قلت لَهُ الصّفة قد تكون لغير التَّبْيِين كالمدح والذم وَغَيرهمَا فَهَلا جَازَ أَن يُوصف بِصِفَات هَذِه الْمعَانِي فَقَالَ أصل الصّفة أَن تَأتي للتبيين ومجيئها لما ذكرت هُوَ بِحَق الْفَرْع وَإِذا امْتنع الأَصْل فأحرى أَن يمْتَنع الْفَرْع وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا امْتنع ذَلِك لِأَنَّهَا ضَعِيفَة فِي الْعَمَل فَلم تقو أَن تعْمل فِي الْمَوْصُوف وَالصّفة مَعًا ويضعف هَذَا بعملها فِي الْمُؤَكّد والتوكيد إِلَّا أَن فرق بَينهمَا بِأَن الْمُؤَكّد والتوكيد كَأَنَّهُمَا شَيْء وَاحِد لِأَن التوكيد لم يدل على معنى زَائِد فِي الْمُؤَكّد(3/86)
بِخِلَاف الصّفة (وَإِذا كَانَ مَعْنَاهَا) أَي الصّفة المشبهة (لسابقها) أَي للموصوف (رفعت ضَمِيره مُطَابقَة) لَهُ فِي الْإِفْرَاد والتذكير وضدهما نَحْو مَرَرْت بِرَجُل عَاقل وَرجلَيْنِ عاقلين وبامرأة عَاقِلَة (أَو) كَانَ مَعْنَاهَا (لغيره وَلم ترفعه فَكَذَلِك) أَي تطابق الصّفة الْمَوْصُوف قبلهَا نَحْو مَرَرْت برجلَيْن حسنين الغلمان وبامرأة حَسَنَة الْغُلَام وبنساء حسان الغلمان (وَإِلَّا) بِأَن رفعته (فكالفعل) فَلَا يُطَابق إِلَّا على لُغَة أكلوني البراغيث نَحْو مَرَرْت برجلَيْن حسن غلاماهما وبرجال حسن غلمانهم وبامرأة حسن غلامها (وتكسيرها حِينَئِذٍ) أَي حِين رفعت السببي مُسندَة إِلَى جمع (إِن أمكن أولى من الْإِفْرَاد فِي الْأَصَح) سَوَاء كَانَ الْمَوْصُوف جمعا أم مثنى أم مُفردا نَحْو مَرَرْت بِرِجَال حسان غلمانهم وَرجلَيْنِ حسان غلمانهما وبرجل حسان غلمانه هَذَا قَول الْمبرد وَنَصّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ فِي بعض نسخ كِتَابه وَأَجَازَهُ الْجُزُولِيّ وَصَاحب التَّمْهِيد وَبِه جزم ابْن مَالك قَالَ أَبُو حَيَّان وَذهب بعض شُيُوخنَا إِلَى أَن الْإِفْرَاد أحسن من التكسير قَالَ لِأَن الْعلَّة فِي ذَلِك أَنه قد ينزل منزلَة الْفِعْل إِذا رفع الظَّاهِر وَالْفِعْل لَا يثنى وَلَا يجمع فَانْتفى أَن تكون الصّفة مُفْردَة قَالَ نعم التكسير أَجود من جمع السَّلامَة إِذْ لَا تلْحقهُ عَلامَة جمع فَهُوَ كالمفرد لِأَنَّهُ مُعرب بالحركات مثله بِخِلَاف جمع السَّلامَة وَإِلَّا فالفعل لَا يجمع لَا جمع سَلامَة وَلَا جمع تكسير فَكيف يكون أَحدهمَا أحسن من الْإِفْرَاد قَالَ أَبُو حَيَّان وَمَا ذكره هُوَ الْقيَاس لكنه ذهل عَن نقل سِيبَوَيْهٍ فِي ذَلِك ثمَّ ذكر أَبُو حَيَّان بعد سطر أَن هَذَا القَوْل هُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور وَاخْتِيَار الشلوبين وَشَيْخه الأبذي(3/87)
(وَثَالِثهَا إِن تبِعت جمعا) فالتكسير أولى مشاكلة لما قبله وَلما بعده نَحْو مَرَرْت بِرِجَال حسان غلمانهم وَإِن تبِعت مُفردا فالإفراد أولى من التكسير لِأَنَّهُ تكلّف جمع فِي مَوضِع لَا يحْتَاج إِلَيْهِ لِأَنَّهُ إِذا رفع فقوته قُوَّة الْفِعْل وَطَرِيق الْجمع فِي الْفِعْل مَكْرُوه فَكَذَا فِي الِاسْم نقل ذَلِك أَبُو حَيَّان عَن بعض من عاصره فَإِن لم يُمكن التكسير فَوَاضِح أَنه لَيْسَ إِلَّا الْإِفْرَاد نَحْو مَرَرْت بِرَجُل شراب آباؤه (وأوجبه) أَي جمع التكسير (الكوفية فِيمَا لم يصحح) أَي لم يجمع جمع تَصْحِيح بِالْوَاو وَالنُّون نَحْو مَرَرْت بِرِجَال عور آباؤهم (وَكَذَا) أوجبوا فِيهِ الْمُطَابقَة فِي (التَّثْنِيَة) نَحْو مَرَرْت برجالين أعورين أبواهما وَمنعُوا الْإِفْرَاد فيهمَا بِخِلَاف مَا جمع الجمعين فجوزوا فِيهِ الْإِفْرَاد والتكسير أحسن نَحْو مَرَرْت بِرَجُل كريم أَعْمَامه وكرام أَعْمَامه ويضيف كريمين أَعْمَامه (وَأجْرِي كعملها) فِي رفع السببي ونصبه وجره (اسْم مفعول الْمُتَعَدِّي لوَاحِد وفَاقا) كَقَوْلِه: 1493 -
(فَهَل أَنْت مَرْفوعٌ بِمَا هاهُنا راسُ)
وَقَوله: 1494 -
(لما بَدَت مَجْلُوَّةً وجَنَاتِها ... )
وَقَوله: 1495 -
(تمنّى لِقائي الجَوْنُ مَغْرورَ نَفْسه ... )
قَالَ أَبُو حَيَّان وَقَول السُّهيْلي الْأَصَح يدل على خلاف فِي المسالة وَلَا نعلم(3/88)
أحدا منعهَا فَلذَلِك قلت وفَاقا (و) أجري كَذَلِك أَيْضا (الجامد المضمن معنى الْمُشْتَقّ) نَحْو (وردنا منهلا عسلا مَاؤُهُ وَعسل المَاء) أَي حلوا وَقَالَ الشَّاعِر: 1496 -
(لأُبْتَ وأنتَ غِرْبالُ الإهابِ ... )
وَقَالَ آخر: 1497 -
(فَراشهُ الحِلْم فرعونُ العذَاب وَإِن ... تَطْلُبْ نداه فكَلْبٌ دونه كَلِبُ)
أَي مثقب وطائش ومهلك (وَمنع أَبُو حَيَّان قِيَاسه وَكَذَا اسْم الْفَاعِل) الْمُتَعَدِّي لوَاحِد (إِن أَمن اللّبْس) نَحْو (زيد ظَالِم العبيد خاذلهم رَاحِم الْأَبْنَاء ناصرهم) إِذا كَانَ لَهُ عبيد ظَالِمُونَ خاذلون وَأَبْنَاء راحمون ناصرون كَذَا (هَذَا ضَارب الْأَب زيدا) فِي (هَذَا ضَارب أَبوهُ زيدا) فَإِن لم يُؤمن اللّبْس لم يجز (وَقَالَ ابْن عُصْفُور وَابْن أبي الرّبيع) إِنَّمَا يجوز (إِن حذف الْمَفْعُول اقتصارا) فَإِن لم يحذف أصلا لم يجز وَكَذَا إِن حذف اختصارا لِأَنَّهُ كالمثبت(3/89)
فَيكون الْوَصْف إِذا ذَاك مُخْتَلف التَّعَدِّي والتشبيه وَهُوَ وَاحِد وَذَلِكَ لَا يحوز وَبَيَانه أَنه من حَيْثُ نصب السببي أَو جَرّه يكون مشبها باسم الْفَاعِل الْمُتَعَدِّي وَمن حَيْثُ نصب الْمَفْعُول بِهِ يكون اسْم فَاعل مُتَعَدِّيا مشبها بالمضارع فاختف جِهَة تَعديَة وجهة تشبيهه من حَيْثُ صَار شَبِيها بِأَصْل فِي الْعَمَل شَبِيها بفرع فِي الْعَمَل فَصَارَ فرعا لأصل وفرعا لفرع وَلَا يكون الشَّيْء الْوَاحِد فرعا لشيئين ثمَّ إِنَّه لما سمع اسْتِعْمَال الْمُتَعَدِّي صفة مشبهة حَيْثُ حذف الْمَفْعُول اقتصارا نَحْو: 1498 -
(مَا الرَّاحِمُ القَلْبِ ظلاّماً وَإِن ظُلِمَا ... )
قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا تَفْصِيل حسن (و) قَالَ (أَبُو عَليّ) الْفَارِسِي يجوز (مُطلقًا) وَلم يُقيد بأمن اللّبْس قَالَ ابْن مَالك فِي شرح التسهيل وَالصَّحِيح أَن جَوَاز ذَلِك مُتَوَقف على أَمن اللّبْس قَالَ وَيكثر أَمن اللّبْس فِي اسْم فَاعل غير الْمُتَعَدِّي فَلذَلِك سهل فِيهِ الِاسْتِعْمَال الْمَذْكُور وَمِنْه قَول ابْن رَوَاحَة: 1499 - (تباركُت إِنِّي من عَذابك خائفٌ ... وَإِنِّي إِلَيْك تائب النَّفس راجعٌ)
وَقَالَ آخر: 1500 -
(وَمن يَك منحل العزائم تَابعا ... هَوَاهُ فَإِن الرشد مِنْهُ بعيد)
وَمن وُرُوده فِي المصوغ من مُتَعَدٍّ قَوْله:(3/90)
1501 -
(مَا الرّاحم القلبِ ظلاماً وإنْ ظُلِما ... وَلَا الْكَرِيم بمنّاع وَإِن حُرما)
انْتهى قَالَ أَبُو حَيَّان وإطلاقه يدل على جَوَاز ذَلِك فِي كل مُتَعَدٍّ سَوَاء تعدى لوَاحِد أم لاثْنَيْنِ أَو ثَلَاثَة وَلَا خلاف أَنه لَا يجوز فِي الْمُتَعَدِّي لاثْنَيْنِ أَو ثَلَاثَة (وَمنعه الْأَكْثَر مُطلقًا وَتوقف أَبُو حَيَّان) فَقَالَ الْأَحْوَط أَلا يقدم على جَوَاز ذَلِك حَتَّى يكثر فِيهِ السماع فَيُقَال على الْكثير لِأَن الْقَلِيل يقبل الشذوذ مَعَ أَن الْبَيْت السَّابِق يحْتَمل التَّأْوِيل (فَإِن تعدى بالحرف فَلَا) يجوز فِيهِ ذَلِك (فِي الْأَصَح) وَعَلِيهِ الْجُمْهُور وَجوزهُ الْأَخْفَش وَابْن عُصْفُور نَحْو (مَرَرْت بِرَجُل مار الْأَب) يُرِيد بِنصب الْأَب أَو جَرّه واستدلا بقَوْلهمْ (هُوَ حَدِيث عهد بالوجع) فَقَوْلهم (بالوجع) مُتَعَلق ب (حَدِيث) وَهُوَ صفة مشبهه وَالْجُمْهُور تأولوا ذَلِك على أَنه مُتَعَلق ب (عهد) لَا بِالصّفةِ فَإِن جَاءَ من كَلَامهم: مَرَرْت بِرَجُل غَضْبَان الْأَب على زيد عَلقُوا (على زيد) بِفعل مَحْذُوف تدل عَلَيْهِ الصّفة أَي غضب على زيد(3/91)
3 - أفعل التَّفْضِيل
أَي هَذَا مبحثه (يرفع) أفعل التَّفْضِيل (الضَّمِير غَالِبا وَالظَّاهِر فِي لُغَة) ضَعِيفَة نَحْو: مَرَرْت بِرَجُل أفضل مِنْهُ أَبوهُ أَي أَزِيد عَلَيْهِ فِي الْفضل أَبوهُ حَكَاهَا سِيبَوَيْهٍ وَغَيره (وَالْأَحْسَن حِينَئِذٍ تقدم من) (وَيكثر) رَفعه الظَّاهِر (إِن كَانَ مفضلا على نَفسه باعتبارين وَاقعا بَين ضميرين ثَانِيهمَا لَهُ وَالْآخر للموصوف والوارد) فِي ذَلِك عَن الْعَرَب (كَونه بعد نفي) والمثال الْمَشْهُور لذَلِك قَوْلهم (مَا رَأَيْت رجلا أحسن فِي عينه الْكحل مِنْهُ فِي عين زيد) وَبِه عرفت الْمَسْأَلَة بِمَسْأَلَة (الْكحل) وأفردت بالتآليف فالكحل فَاعل بِأَحْسَن وَهُوَ مفضل بِاعْتِبَار كَونه فِي عين زيد على نَفسه حَالا فِي عين غَيره وواقع بَين ضميرين ثَانِيهمَا لَهُ وَهُوَ الضَّمِير فِي (مِنْهُ) وَالْأول للموصوف وَهُوَ الضَّمِير فِي عينه وَقد تقدم النَّفْي أول الْجُمْلَة وَمثله الحَدِيث:
(مَا من أَيَّام أحب إِلَى الله فِيهَا الْعَمَل مِنْهُ فِي عشر ذِي الْحجَّة) وَقَول الشَّاعِر: 1502 -
(مَا علمت امرْءًا أحَبَّ إِلَيْهِ البذْلُ ... مِنْهُ إِلَيْك يَا ابْنَ سِنان)(3/92)
قَالَ ابْن مَالك وَالسَّبَب فِي رَفعه الظَّاهِر فِي هَذِه الْحَالة تهيؤه بالقرائن الَّتِي قارنته لمعاقبته الْفِعْل إِيَّاه على وَجه لَا يكون بِدُونِهَا أَلا ترى أَنه يحسن فِي الْمِثَال أَن يُقَال بدله مَا رَأَيْت رجلا يحسن فِي عينه الْكحل كحسنه فِي عين زيد وَلَا يخْتل الْمَعْنى بِخِلَاف قَوْلك فِي الْإِثْبَات رَأَيْت رجلا أحسن فِي عينه الْكحل مِنْهُ فِي عين زيد فَإِن إِيقَاع الْفِعْل فِيهِ موقع أفعل يُغير الْمَعْنى فَكَانَ رفع (أفعل) للظَّاهِر لوُقُوعه موقعا صَالحا للْفِعْل على وَجه لَا يُغير الْمَعْنى بِمَنْزِلَة إِعْمَال اسْم الْفَاعِل الْمَاضِي معنى إِذا وصل بِالْألف وَاللَّام فَإِنَّهُ كَانَ مَمْنُوع الْعَمَل لعدم شبهه بِالْفِعْلِ الَّذِي فِي مَعْنَاهُ فَلَمَّا وَقع صلَة قدر بِفعل وفاعل ليَكُون جملَة فَإِن الْمُفْرد لَا يُوصل بِهِ مَوْصُول فانجبر بِوُقُوعِهِ موقع الْفِعْل مَا كَانَ فائتا من الشّبَه فَأعْطِي الْعَمَل بعد أَن مَنعه (وقاس ابْن مَالك) على النَّفْي (النَّهْي والاستفهام) فَقَالَ لَا بَأْس بِاسْتِعْمَالِهِ بعد نهي أَو اسْتِفْهَام فِيهِ معنى النَّفْي كَقَوْلِك (لَا يكن غَيْرك أحب إِلَيْهِ الْخَيْر مِنْهُ إِلَيْك) و (هَل فِي النَّاس رجل أَحَق بِهِ الْحَمد مِنْهُ بمحسن لَا يمن) وَإِن لم يرد ذَلِك مسموعا (وَمنعه أَبُو حَيَّان) قَائِلا إِذا كَانَ لم يرد هَذَا الِاسْتِعْمَال إِلَّا بعد نفي وَجب اتِّبَاع السماع فِيهِ والاقتصار على مَا قالته الْعَرَب وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ مَا ذكر من الْأَسْمَاء لَا سِيمَا وَرَفعه الظَّاهِر إِنَّمَا جَاءَ فِي لُغَة شَاذَّة فَيَنْبَغِي أَن يقْتَصر فِي ذَلِك(3/93)
على مورد السماع قَالَ على أَن إلحاقها بِالنَّفْيِ ظَاهر فِي الْقيَاس وَلَكِن الأولى اتِّبَاع السماع (وأعرب الأعلم مثله) أَي هَذَا التَّرْكِيب مَعَه أَي (مَعَه) الْوَجْه الَّذِي تقدم تَقْرِيره (مُبْتَدأ وخبرا) (وَقد يحذف الضَّمِير الأول) إِذا كَانَ مَعْلُوما سمع (مَا رَأَيْت قوما أشبه بعض بِبَعْض من قَوْمك) وَقَالَ ابْن مَالك تَقْدِيره (مَا رَأَيْت قوما أبين فيهم شبه بعض بِبَعْض مِنْهُ فِي قَوْمك) (و) قد يحذف الضَّمِير (الثَّانِي وَتدْخل (من) على الظَّاهِر) نَحْو مَا رَأَيْت رجلا أحسن فِي عينه الْكحل من كحل عين زيد (أَو) على (مَحَله) كَقَوْلِك فِي الْمِثَال الْمَذْكُور من عين زيد بِحَذْف (كحل) الَّذِي هُوَ الْمُضَاف (أَو) على (ذِي مَحَله) كَقَوْلِك فِيهِ من زيد بِحَذْف (كحل) و (عين) وإدخاله على صَاحب الْعين وَمن إِدْخَاله على الْمحل قَوْلهم (مَا رَأَيْت كذبه أَكثر عَلَيْهَا شَاهد من كذبه أَمِير على مِنْبَر) وَالْأَصْل من شُهُود كذبة أَمِير فَحذف شُهُود وَأقَام الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه (وَلَا ينصب) أفعل التَّفْضِيل (مَفْعُولا بِهِ على الْأَصَح) بل يتَعَدَّى إِلَيْهِ بِاللَّامِ إِن كَانَ الْفِعْل يتَعَدَّى إِلَى وَاحِد نَحْو زيد أبذل للمعروف فَإِن كَانَ الْفِعْل يفهم علما أَو جهلا تعدى بِالْبَاء نَحْو زيد أعرف بالنحو وأجهل بالفقه وَإِن كَانَ مَبْنِيا على من فعل الْمَفْعُول تعدى بإلى إِلَى الْفَاعِل معنى نَحْو زيد أحب إِلَى عَمْرو من خَالِد وَأبْغض إِلَى بكر من عبد الله وب (فِي) إِلَى الْمَنْقُول نَحْو زيد أحب فِي عَمْرو من خَالِد وَأبْغض فِي عَمْرو من جَعْفَر قَالَ ابْن مَالك وَإِن كَانَ مُتَعَدٍّ إِلَى اثْنَيْنِ عدي إِلَى أَحدهمَا بِاللَّامِ وأضمر ناصب الثَّانِي نَحْو هُوَ أكسى للْفُقَرَاء الثِّيَاب أَي يكسوهم الثِّيَاب قَالَ أَبُو حَيَّان(3/94)
وَيَنْبَغِي أَلا يُقَال هَذَا التَّرْكِيب إِلَّا إِن كَانَ مسموعا من لسانهم وَذهب بَعضهم إِلَى أَنه ينصب الْمَفْعُول بِهِ إِن أول بِمَا لَا تَفْضِيل فِيهِ حَكَاهُ ابْن مَالك فِي التسهيل قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا الرَّأْي ضَعِيف لِأَنَّهُ وَإِن أول بِمَا لَا تَفْضِيل فِيهِ فَلَا يلْزم مِنْهُ تَعديَة كتعدية وللتراكيب خصوصيات وَفِي شرح الكافية لِابْنِ مَالك أَجمعُوا على أَنه لَا ينصب الْمَفْعُول بِهِ فَإِن ورد مَا يُوهم جَوَاز ذَلِك جعل نَصبه بِفعل مُقَدّر يفسره أفعل كَقَوْلِه تَعَالَى: {الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسَالَته} [الْأَنْعَام: 124] فَحَيْثُ هُنَا مفعول بِهِ لَا مفعول فِيهِ وَهِي فِي مَوضِع نصب بِفعل مُقَدّر يدل عَلَيْهِ (أعلم) زَاد فِي شرح التسهيل وَالتَّقْدِير وَالله أعلم يعلم مَكَان جعل رسالاته قَالَ أَبُو حَيَّان وَقد فرضناه نَحن على أَن تكون (حَيْثُ) بَاقِيَة على بَابهَا من الظَّرْفِيَّة لِأَنَّهَا من الظروف الَّتِي لَا تتصرف (وَلَا) تنصب مَفْعُولا (مُطلقًا وفَاقا) ذكره (وَتلْزَمهُ من وَلَو تَقْديرا إِن جرد) من أل وَالْإِضَافَة نَحْو زيد أفضل من عَمْرو قَالَ تَعَالَى: {النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم} [الْأَحْزَاب: 6] وَمِثَال تقديرها: {وَأُلُوا الأَرحَامِ بَعضُهُم أَولَى بِبَعْضٍ فيِ كِتَابِ اللهِ} [الْأَنْفَال: 75] {وَالْآخِرَة خير وَأبقى} [الْأَعْلَى: 17] (و) يلْزمه (الْإِفْرَاد والتذكير إِن جرد أَو أضيف لنكرة) سَوَاء كَانَ تَابعا لمذكر أم مؤنث لمفرد أم مثنى أم مَجْمُوع نَحْو زيد أفضل من عَمْرو وَهِنْد أفضل من دعد والزيدان أفضل من عَمْرو والزيدون أفضل من عَمْرو والهندان أفضل من دعد والهندات أفضل من دعد وَنَحْو زيد أفضل رجل وهما أفضل رجلَيْنِ وهم أفضل رجال وَهِي أفضل امْرَأَة وَهن أفضل نسَاء (خلافًا للفراء فِي(3/95)
الثَّانِي) حَيْثُ أجَاز فِيمَا أضيف لنكرة مدناة من الْمعرفَة فَصله وَاقْتضى حِينَئِذٍ أَن يؤنث ويثنى نَحْو هِنْد فضلى امْرَأَة تقصدنا والهندان فضلتا امْرَأتَيْنِ تزوراننا (و) على الأول يلْزم (مطابقتها هِيَ) أَي النكرَة الْمُضَاف إِلَيْهَا كَمَا تقدم فِي الْأَمْثِلَة (خلافًا لِابْنِ مَالك فِي) النكرَة (المشتقة) حَيْثُ قَالَ يجوز فِيهَا الْإِفْرَاد مَعَ جمعية مَا قبل الْمُضَاف وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا أول كَافِر بِهِ} [الْبَقَرَة: 41] قَالَ أَبُو حَيَّان وَقِيَاس قَوْله جَرَيَان ذَلِك فِيمَا قبله مثنى نَحْو الزيدان أفضل مُؤمن قَالَ وَالْحق تَأْوِيل الْآيَة على حذف مَوْصُوف هُوَ جمع فِي الْمَعْنى أَي أول فريق كَافِر (و) على الْأَقْوَال يلْزم (كَونهَا من جنس الْمسند إِلَيْهِ أفعل) كَمَا تبين (وَجوز) أَبُو بكر (ابْن الْأَنْبَارِي جرها إِن خالفته) فِي الْمَعْنى مَعَ تجويزه نصبها نَحْو أَخُوك أوسع دَار أَو دَارا وأبسط جاه وجاها قَالَ فالجر على إِضَافَة أفعل إِلَى الْمُفَسّر وَالنّصب على إِرَادَة (من) إِذْ لَو ظَهرت لم يكن إِلَّا النصب (والمعرف بأل يُطَابق) فِي الْإِفْرَاد والتذكير وضدهما حتما نَحْو زيد الْأَفْضَل والزيدان الأفضلان الزيدون الأفضلون وَهِنْد الفضلي والهندان الفضليان والهندات الفضليات أَو الْفضل (وَفِي الْمُضَاف لمعْرِفَة الْوَجْهَانِ) الْمُطَابقَة وَعدمهَا وَقد اجْتمعَا فِي قَوْله
:
(أَلا أخْبركُم بأحبكم إِلَيّ وأقربكم مني مجَالِس يَوْم الْقِيَامَة أحاسنكم أَخْلَاقًا) (وَأوجب ابْن السراج الْإِفْرَاد والتذكير) وَمنع من مُطَابقَة مَا قبله قَالَ أَبُو حَيَّان ورد عَلَيْهِ بِالسَّمَاعِ وَالْقِيَاس قَالَ تَعَالَى: {ولتجدنهم أحرص النَّاس على حَيَاة} [الْبَقَرَة 96] وَقَالَ: {جعلنَا فِي كل قَرْيَة أكَابِر مجرميها} [الْأَنْعَام: 123] فأفرد (أحرص) وَجمع (أكَابِر) وَأما الْقيَاس فشبهه بِذِي الْألف وَاللَّام أقوى من شبهه بالعاري من حَيْثُ اشتراكهما(3/96)
فِي أَن كلا مِنْهُمَا معرفَة فإجراؤه مجْرَاه فِي الْمُطَابقَة أولى من إجرائه مجْرى العاري فَإِنَّهُ لم يُعْط الِاخْتِصَاص بجريانه مجْرَاه فَلَا أقل من أَن يُشَارك (وعَلى الأول فِي الْأَفْصَح خلف) قَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي الْإِفْرَاد والتذكير أفْصح اسْتغْنَاء بتثنية مَا أضيف إِلَيْهِ وَجمعه وتأنيثه عَن تَثْنِيَة أفعل وَجمعه وتأنيثه قَالَ وَهَذَا القَوْل عَن الْعَرَب وَقَالَ أَبُو مَنْصُور الجواليقي الْأَفْصَح من الْوَجْهَيْنِ الْمُطَابقَة (وَلَا يجرد) أفعل (من) معنى (التَّفْضِيل حِينَئِذٍ وَيكون بعض الْمُضَاف إِلَيْهِ) كَمَا تقدم (وَقَالَ الكوفية) الْإِضَافَة فِيهِ (على تَقْدِير من فَإِن لم يقْصد بِهِ التَّفْضِيل طابق) وجوبا كالمعرف ب (أل) لتساويهما فِي التَّعْرِيف وَعدم اعْتِبَار معنى من وَلَا يلْزم كَونه بعض مَا أضيف إِلَيْهِ قَالَ ابْن مَالك فِي شرح الكافية فَلَو قيل يُوسُف أحسن إخْوَته امْتنع عِنْد إِرَادَة معنى الْمُجَرّد وَجَاز عِنْد إِرَادَة معنى الْمُعَرّف ب (أل) لما ذكرت لَك وَلما قرر فِي بَاب الْإِضَافَة من أَن (أيا) بِمَعْنى بعض إِن أضيف إِلَى معرفَة وَمعنى (كل) إِن أضيف إِلَى نكرَة وأفعل التَّفْضِيل مثلهَا فِي ذَلِك وَفِي شرح التسهيل لأبي حَيَّان إِذا كَانَ أفعل جَارِيا على من أطلق لَهُ التَّفْضِيل فَلَا ينوى مَعَه (من) وَإِذا أول بِمَا لَا تَفْضِيل فِيهِ لَزِمت الْمُطَابقَة فِي الْحَالين وَلَا يلْزم أَن يكون فيهمَا بعض الْمُضَاف إِلَيْهِ مِثَال الأول (يُوسُف أحسن إخْوَته) أَي أحْسنهم أَو الْأَحْسَن من بَينهم فَهَذَا على الإخلاء من معنى (من) وإضافته إِلَى مَا لَيْسَ بَعْضًا مِنْهُ لِأَنَّهُ إخْوَة يُوسُف لَا ينْدَرج فيهم يُوسُف وَمِثَال الثَّانِي زيد أعلم بِالْمَدِينَةِ تُرِيدُ عَالم الْمَدِينَة قَالَ وَهَذَا النَّوْع ذهب إِلَيْهِ الْمُتَأَخّرُونَ وَاسْتَدَلُّوا على وُقُوعه بقوله تَعَالَى: {هُوَ أعلم بكم} [النَّجْم: 32] {وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ} [الرّوم: 27] قَالُوا التَّقْدِير هُوَ عَالم بكم إِذْ لَا مشارك لَهُ فِي علمه وَهُوَ هَين عَلَيْهِ إِذْ لَا تفَاوت فِي نسب المقدورات إِلَى قدرته(3/97)
(وَفِي قِيَاس ذَلِك خلف) فَقَالَ الْمبرد هُوَ مقيس مطرد وَقَالَ ابْن مَالك فِي التسهيل الْأَصَح قصره على السماع قَالَ أَبُو حَيَّان لقلَّة مَا ورد من ذَلِك (وَلَا يَخْلُو) أفعل التَّفْضِيل (الْمُجَرّد) من أل وَالْإِضَافَة المقرون ب (من) (من مُشَاركَة الْمفضل) فِي الْمَعْنى (غَالِبا وَلَو تَقْديرا) قَالَ أَبُو حَيَّان فَإِذا قيل سِيبَوَيْهٍ أنحى من الْكسَائي فالكسائي مشارك لسيبويه فِي النَّحْو وَإِن كَانَ سِيبَوَيْهٍ قد زَاد عَلَيْهِ فِي النَّحْو وَالْمرَاد بقلونا (وَلَو تَقْديرا) مشاركته بِوَجْه مَا كَقَوْلِهِم فِي البغيضين هَذَا أحب إِلَيّ من هَذَا وَفِي الشريرين هَذَا خير من هَذَا وَفِي الصعبين هَذَا أَهْون من هَذَا وَفِي القبيحين هَذَا أحسن من هَذَا وَفِي التَّنْزِيل: {قَالَ رب السجْن أحب إِلَيّ مِمَّا يدعونني إِلَيْهِ} [يُوسُف: 33] وَتَأْويل ذَلِك هَذَا أقل بغضا وَأَقل شرا وأهون صعوبة وَأَقل قبحا وَمن غير الْغَالِب قَوْله الْعَسَل أحلى من الْخلّ والصيف أحر من الشتَاء (وتحذف من والمفضول لقَرِينَة) كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَإِنَّهُ يعلم السِّرّ وأخفى} [طه: 7] (وَيكثر) الْحَذف (لكَون أفعل خَبرا) لمبتدأ أَو نَاسخ نَحْو: {ذالكم أقسَطُ عِندَ اللهِ وَأَقوَمُ للِشَّهَادةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرتَابُوا} [الْبَقَرَة: 282] {وَالله أعلم بِمَا وضعت} [آل عمرَان: 36] {وَمَا تخفي صُدُورهمْ أكبر} [آل عمرَان: 118] {والباقيات الصَّالِحَات خير عِنْد رَبك ثَوابًا وَخير أملا} [الْكَهْف: 46] {تَجِدُوهُ عِنْد الله هُوَ خيرا وَأعظم أجرا} [المزمل: 20] وَقَالَ الشَّاعِر: 1503 -
(ولكِنَه كَانُوا على الموْت أصْبَرا ... )(3/98)
(أَو صفة) نَحْو مَرَرْت بِرَجُل أفضل (وَمنع الرماني مَعهَا) وَقَالَ لَا يجوز الْحَذف إِلَّا فِي الْخَبَر (وَثَالِثهَا) الْحَذف مَعَ الصّفة (قَبِيح وَجوزهُ البصرية مَعَ) أفعل إِذا كَانَ فِي مَوضِع (فَاعل أَو اسْم إِن) نَحْو جَاءَنِي أفضل وَإِن أكبر وَمنعه الْكُوفِيُّونَ (وَفِي تَقْدِيمهَا) أَي من ومجرورها على أفعل أَقْوَال أَحدهَا الْجَوَاز (ثَانِيهَا) الْمَنْع (ثَالِثهَا) وَهُوَ (الْأَصَح يجب إِن وصلت باستفهام) نَحْو (مِمَّن أَنْت خير) و (من أَي النَّاس زيد أفضل) و (مِمَّن كَانَ زيد أفضل) وَمِمَّنْ طننت زيدا أفضل و (من وَجه من وَجهك أجمل) (وَإِلَّا) بِأَن كَانَت فِي الْخَبَر (منع اخْتِيَارا) وَجَاز فِي الضَّرُورَة كَقَوْلِه: 1504 -
(فَقَالَت لنا أهْلاً وسَهْلاً وزَوَّدَتْ ... جَنى النّحْل أَو مَا زَوَّدَتْ مِنْهُ أطيب)(3/99)
(وتفصل) من مَعَ مجرورها من أفعل (بمعمول) لَهُ كَقَوْلِه تَعَالَى: {النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم} [الْأَحْزَاب: 6] (وَقل) الْفَصْل بَينهَا وَبَينه (بِغَيْرِهِ) أَي بِغَيْر الْمَعْمُول كَقَوْلِه: 1505 -
(ولَفُوك أطيَبُ لَوْ بَذَلْتِ لَنا ... من مَاء مَوْهَبَةٍ على خَمْر)
وَقَوله: 1506 -
(لم ألْق أخْبثَ يَا فرزدَقُ مِنْكُم ... لَيْلًا وأخْبَث بالنّهار نهارَا)
(ويعدى أفعل كالتعجب) أَي بالحروف الَّتِي يعدى بهَا قَالَ ابْن مَالك فَيُقَال زيد أَرغب فِي الْخَيْر من عَمْرو وَأجْمع لِلْمَالِ من زيد وأرأف بِنَا من غَيره مسالة (خرج عَن الأَصْل آخر) وَهُوَ وصف على (أفعل) (مُطَابق) وَمَا هُوَ لَهُ (مُطلقًا) فِي الْإِفْرَاد والتذكير والتنكير وأضدادها نَحْو مَرَرْت بزيد وَرجل آخر وَرجلَيْنِ آخَرين أَو رجَالًا آخَرين وَكَانَ مُقْتَضى جعله من بَاب أفعل التَّفْضِيل أَن يلازمه فِي التنكير لفظ الْإِفْرَاد والتذكير وَألا يؤنث وَلَا يثنى وَلَا يجمع إِلَّا مُعَرفا كَمَا كَانَ أفعل التَّفْضِيل فَمنع هَذَا الْمُقْتَضى وَكَانَ بذلك معدولا عَمَّا هُوَ بِهِ أولى فَلذَلِك منع من التَّصَرُّف (وَلم تدخله من) لِأَنَّهُ لَا دلَالَة فِيهِ على تَفْضِيل لنَفسِهِ وَلَا بِتَأْوِيل (وَالصَّحِيح) أَنه (يسْتَعْمل فِي غير الآخر)(3/100)
(أما أول الْوَصْف فكغيره) من سَائِر أفعل التَّفْضِيل فيفرد مُجَردا ومضافا لنكرة ويطابق مُعَرفا ب (أل) ويضاف لمعْرِفَة قَالَ تَعَالَى: {إِن أول بَيت وضع} [آل عمرَان: 96] {وَأَنا أول الْمُؤمنِينَ} [الْأَعْرَاف: 143] (وَيَقَع بعد عَام مُضَافا) هُوَ (إِلَيْهِ وتابعا) لَهُ (ومنصوبا ظرفا) قَالَ فِي الْبَسِيط تَقول الْعَرَب على مَا قَالَه اللحياني مضى عَام الأول بِمَا فِيهِ وَالْعَام الأول وعام أول بِمَا فِيهِ وعام أول بِمَا فِيهِ وعام أول وعام أول فتضيف الْعَام إِلَى أول فتصرف وَلَا تصرف وترفعه على النَّعْت فتصرف وَلَا تصرف لِأَن أول يكون معرفَة ونكرة وَيكون ظرفا واسما تَقول ابدأ بِهَذَا أول فتبنيه على الضَّم وَالْحَمْد لله أَولا وآخراً يعرب وَتصرف نكرَة وَفعلت ذَلِك عَاما أَولا وعام أول وَأول وَاحْترز بِأول الْوَصْف عَن الِاسْم وَهُوَ الْمُجَرّد عَن الوصفية فَإِنَّهُ مَصْرُوف نَحْو مَا لَهُ أول وَلَا آخر قَالَ أَبُو حَيَّان وَفِي محفوظي أَن مؤنث هَذَا أَوله(3/101)
أَسمَاء الْأَفْعَال
أَي هَذَا مبحثها هِيَ أَسمَاء قَامَت مقَامهَا أَي مقَام الْأَفْعَال فِي الْعَمَل غير متصرفة لَا تصرف الْأَفْعَال إِذْ لَا تخْتَلف أبنيتها لاخْتِلَاف الزَّمَان وَلَا تصرف الْأَسْمَاء إِذا لَا يسند إِلَيْهَا فَتكون مُبتَدأَة أَو فاعلة وَلَا يخبر عَنْهَا فَتكون مَفْعُولا بهَا أَو مجرورة وَبِهَذَا الْقَيْد خرجت الصِّفَات والمصادر فَإِنَّهَا وَإِن قَامَت مقَام الْأَفْعَال فِي الْعَمَل إِلَّا أَنَّهَا تتصرف تصرف الْأَسْمَاء فَتَقَع مُبتَدأَة وفاعلا ومفعولا وَأما قَول زُهَيْر 1507 -
(دُعِيَتْ نَزَال ولُجَّ فِي الدُّعْر ... )
فَمن الْإِسْنَاد اللَّفْظِيّ وَقَوْلِي فِي صدر الْحَد هِيَ أَسمَاء أحسن من قَول (التسهيل) هِيَ أَلْفَاظ إِلَى آخِره لِأَنَّهُ يدْخل فِيهِ إِن وَأَخَوَاتهَا فَإِنَّهَا أَلْفَاظ قَامَت مقَام أَفعَال فَعمِلت غير متصرفة تصرفها وَلَا تصرف الْأَسْمَاء وَهِي حُرُوف لَا أَسمَاء أَفعَال وَلذَا احْتَاجَ إِلَى إخْرَاجهَا فَزَاد فِي الكافية قَوْله (وَلَا فضلَة) وَقَالَ فِي شرحها إِنَّه أخرج الْحُرُوف لِأَن الْحَرْف أبدا فضلَة فِي الْكَلَام وَحكمهَا غَالِبا فِي التَّعَدِّي واللزوم وَغَيرهمَا كإظهار فاعلها وإضماره حكم موافقها معنى ف (رويد) مُتَعَدٍّ لِأَن فعله أمْهل فَيُقَال رويد زيدا وصه لَازم لِأَن فعله اسْكُتْ وفاعل كليهمَا مُضْمر وجوبا كفعليهما ومظهر فِي هَيْهَات(3/102)
زيد كَمَا تَقول بعد زيد وَاحْترز بغالبا من آمين فَإِنَّهُ بِمَعْنى استجب وَهُوَ مُتَعَدٍّ وَلم يحفظ لَهَا مفعول وَكَذَا (إيه) بِمَعْنى زِدْنِي لَكِن يُخَالِفهُ فِي أَنَّهَا لَا يبرز مَعهَا ضمير بل يستكن فِيهَا مُطلقًا بِخِلَاف الْفِعْل فَتَقول صه للْوَاحِد والاثنين وَالْجمع وللمذكر والمؤنث بِلَفْظ وَاحِد وَلَا يتَقَدَّم معمولها عَلَيْهَا فَلَا يجوز أَن يُقَال زيدا عيك وَلَا زيدا رويد لِأَنَّهَا فرع فِي الْعَمَل عَن الْفِعْل فضعفت وَلَا تضمر أَي لَا تعْمل مضمرة بِأَن تحذف وَيبقى معمولها فِي الْأَصَح فيهمَا وَجوز الْكسَائي أَن يتَصَرَّف فِيهَا بتقدم معمولها عَلَيْهَا إِجْرَاء لَهَا مجْرى أُصُولهَا وَجعل مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {كتاب الله عَلَيْكُم} [النِّسَاء: 24] وَقَول الشَّاعِر 1508 -
(يَا أيُّها المائحُ دَلْوي دُونَكَا ... )(3/103)
وَجوز ابْن مَالك إعمالها مضمرة وَخرج عَلَيْهِ هَذَا الْبَيْت فَجعل (دلوي) مَفْعُولا ب (دُونك) مضمرا لدلَالَة مَا بعده عَلَيْهِ وزعمها الكوفية أفعالا لدلالتها على الْحَدث وَالزَّمَان وزعمها ابْن صابر قسما رَابِعا زَائِدا على أَقسَام الْكَلِمَة الثَّلَاثَة سَمَّاهُ الْمُخَالفَة ثمَّ على الأول وَهُوَ قَول جُمْهُور الْبَصرِيين باسميتها اخْتلف فِي مسماها قيل مدلولها لفظ الْفِعْل لَا حدث وَلَا زمَان بل تدل على مَا يدل على الْحَدث وَالزَّمَان وَقَالَ بل تفيدهما قَالَ فِي الْبَسِيط ودلالتها على الزَّمَان بِالْوَضْعِ لَا بالطبع وعَلى هَذَا فَهِيَ اسْم لِمَعْنى الْفِعْل قيل وَهُوَ ظَاهر كَلَام سِيبَوَيْهٍ وَالْجَمَاعَة وَقيل هِيَ أَسمَاء للمصادر ثمَّ دَخلهَا معنى الْفِعْل وَهُوَ معنى الطّلب فِي الْأَمر أَو معنى الْوُقُوع بِالْمُشَاهَدَةِ وَدلَالَة الْحَال فِي غير الْأَمر فَتَبِعَهُ الزَّمَان وَمَا نون مِنْهَا لُزُوما نَحْو واها وإيها وويها أَو جَوَازًا كصه ومه وإيه فَهُوَ نكرَة بِمَعْنى أَنه إِذا وجد دلّ على تنكير الْحَدث الْمَفْهُوم من اسْم الْفِعْل(3/104)
وَغَيره أَي مَا لم ينون إِمَّا جَوَازًا كَمَا ذكر أَو لُزُوما كآمين وبله معرفَة وَقيل كلهَا معارف لَا نكرَة فِيهَا ثمَّ اخْتلف فِي تَعْرِيفهَا من أَي قبيل هُوَ فَقيل من قبيل تَعْرِيف الْأَشْخَاص بِمَعْنى أَن كل لفظ من هَذِه الْأَسْمَاء وضع لكل لفظ من هَذِه الْأَفْعَال وَقيل هِيَ أَعْلَام أَجنَاس وأكثرها أوَامِر كصه بِمَعْنى اسْكُتْ وَيُقَال صاه ومه وإيها وَكِلَاهُمَا بِمَعْنى انكفف كَذَا فِي التسهيل خلاف قَول كثيرين أَن (مَه) بِمَعْنى اكفف لِأَن اكفف مُتَعَدٍّ و (مَه) لَا يتَعَدَّى وَهَا بِمَعْنى خُذ وفيهَا لُغَتَانِ الْقصر وَالْمدّ وتستعمل مُجَرّدَة فَيُقَال للْوَاحِد الْمُذكر وَغَيره هَا وهاء ومتلوها بكاف الْخطاب بِحَسب الْمُخَاطب فَيُقَال هاك وهاك وهاكما وهاكم وهاكن ومقتصرا على تصرف الْهمزَة فَيُقَال هَاء وهاؤما وهاؤم وهاءون وَهَذِه أفْصح اللُّغَات فِيهَا وَبهَا ورد الْقُرْآن ورويد وتيد وَكِلَاهُمَا بِمَعْنى أمْهل وَقد يردان مصدرين معربين نَحْو رويدك وتيدك ورويد زيد وهيت بِفَتْح الْهَاء وَكسرهَا وَضمّهَا وهيه بِفَتْح الْهَاء وَكسرهَا مَعَ تَشْدِيد الْيَاء فيهمَا وَكِلَاهُمَا بِمَعْنى أسْرع وَقد قرئَ قَوْله تَعَالَى {وَقَالَت هيت لَك} [يُوسُف: 23] بالأوجه الثَّلَاثَة(3/105)
صفحة فارغة(3/106)
وإيه بِمَعْنى حدث وآمين بِالْمدِّ وَالْقصر بِمَعْنى استجب وَقد تدل على حدث مَاض كهيهات بِمَعْنى بعد وَقد حكى فِيهَا الصَّنْعَانِيّ سِتا وَثَلَاثِينَ لُغَة هَيْهَات وأيهات وهيهان وأيهان وهيهاه وأيهاه كل وَاحِدَة من هَذِه السِّتَّة مَضْمُومَة الآخر ومفتوحتة ومكسورته وكل وَاحِدَة مِنْهَا منونة وَغير منونة وَحكى غَيره أيهاك وأيها وإيها وهيهاتا بِالْألف وإيهاء بِالْمدِّ فزادت على الْأَرْبَعين وشتان بِمَعْنى افترق وسرعان ووشكان مثلثا أَولهمَا بِمَعْنى سرع وعَلى حدث حَاضر كأوه بِمَعْنى أتوجع وفيهَا لُغَات أشهرها فتح الْوَاو الْمُشَدّدَة وَسُكُون الْهَاء وَمِنْهَا كسر الْهَاء وَكسر الْوَاو فيهمَا وأوه بِسُكُون الْوَاو وَكسر الْهَاء وأف بِمَعْنى أتضجر وفيهَا نَحْو أَرْبَعِينَ لُغَة وإخ وكخ بِكَسْر الْهمزَة وَالْكَاف وَتَشْديد الْخَاء سَاكِنة ومكسورة بِمَعْنى أتكره وواها ووى بِمَعْنى أعجب وَقد تضمن نفيا كَقَوْلِهِم همهام بِمَعْنى فني وَلَو بِلَا النافية كَقَوْلِهِم لَا لعا لَهُ لَا إِقَالَة ونهيا كَقَوْلِهِم وَرَاءَك بِمَعْنى تَأَخّر لِأَنَّهُ بِمَعْنى لَا تتقدم واستفهاما كَقَوْلِهِم مَهيم أَي أحدث لَك شَيْء وَقيل مَعْنَاهُ مَا وَرَاءَك وتعجبا كَقَوْلِهِم بطآن هَذَا الْأَمر بِمَعْنى بطؤ وَفِيه معنى التَّعَجُّب وَقَوله 1509 -
(وَا، بِأبي أنْتِ وفُوكِ الأشنَبُ ... كأنّما ذُرَّ عَليه الزَّرْنَبُ)(3/107)
وَغَيرهَا كالاستعظام فِي قَوْلهم بخ بخ والتندم فِي قَوْله 1510 -
(سالتاني الطّلاقَ أنْ رأتَانِي ... قلَّ مَالِي قد جئْتُمانِي بنُكْر)
(وَيْ كَأنْ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَب يُحْبَبْ ... وَمن يَفْتَقِر يعشْ عَيْش ضُرِّ)
وَمِنْهَا مَا أَصله ظرف أَو جَار مجرور قَالَ ابْن مَالك فِي شرح الكافية وَهَذَا النَّوْع لَا يسْتَعْمل إِلَّا مُتَّصِلا بضمير مُخَاطب كمكانك بِمَعْنى اثْبتْ وعندك ولديك ودونك الثَّلَاثَة بِمَعْنى خُذ ووراءك بِمَعْنى تَأَخّر وأمامك بِمَعْنى تقدم وَإِلَيْك بِمَعْنى تَنَح وَعَلَيْك بِمَعْنى الزم وَلَا تقاس هَذِه فِي الْأَصَح بل يقْتَصر فِيهَا على السماع(3/108)
وَأَجَازَ الْكسَائي أَن يُوقع كل ظرف ومجرور موقع فعل قِيَاسا على مَا سمع ورد بِأَن ذَلِك إِخْرَاج لفظ عَن أَصله وَقيل إِن الْكسَائي يشرط كَونه على أَكثر من حرفين بِخِلَاف نَحْو بك وَلَك وَمحل الضَّمِير الْمُتَّصِل بِهَذِهِ الْكَلِمَات فِيهِ أَقْوَال أَحدهَا رفع وَعَلِيهِ الْفراء ثَانِيهَا نصب وَعَلِيهِ الْكسَائي ثَالِثهَا وَهُوَ الْأَصَح وَمذهب الْبَصرِيين جر لِأَن الْأَخْفَش روى عَن عرب فصحاء (عَليّ عبد الله زيدا) بجر عبد الله فَتبين بذلك أَن الضَّمِير مجرور الْموضع لَا مرفوعه وَلَا منصوبه قَالَ ابْن مَالك فِي شرح الكافية وَمَعَ ذَلِك فَمَعَ كل وَاحِد من هَذِه الْأَسْمَاء ضمير مستتر مَرْفُوع الْموضع بِمُقْتَضى الفاعلية فلك أَن تَقول فِي التوكيد عَلَيْكُم كلكُمْ زيدا بِالْجَرِّ توكيدا للموجود الْمَجْرُور وبالرفع توكيدا للمستكن الْمَرْفُوع وَقَالَ ابْن بابشاذ الْكَاف الْمُتَّصِلَة بِهَذِهِ الظروف حرف خطاب لَا ضمير فَلَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب وَمِنْهَا مَا هُوَ مركب مزجا كحيهل اسْم مركب من حَيّ بِمَعْنى أقبل وهلا بِمَعْنى قر وَتقدم فَلَمَّا ركب حذف ألفها وَكثر اسْتِعْمَالهَا لاستحثاث الْعَاقِل تَغْلِيبًا ل (حَيّ) وَقد يستحث بهَا غَيره تَغْلِيبًا ل (هلا) وتستعمل بِمَعْنى قدم نَحْو حيهل الثَّرِيد وَبِمَعْنى عجل مُتَعَدٍّ بِالْبَاء نَحْو حيهل بِكَذَا وب (إِلَى) نَحْو حيهل إِلَى كَذَا وَبِمَعْنى أقبل فيتعدى ب (على) نَحْو حيهل على كَذَا وفيهَا لُغَات وهلم الحجازية نقل بَعضهم الْإِجْمَاع على تركيبها وَفِي كيفيته خلاف قَالَ البصريون مركبة من (هاه) التَّنْبِيه وَمن (لم) الَّتِي هِيَ فعل أَمر من قَوْلهم لم الله شعته أَي جمعه كَأَنَّهُ مثل اجْمَعْ نَفسك إِلَيْنَا فَحذف ألفها تَخْفِيفًا(3/109)
ونظرا إِلَى أَن أصل لَام لم السّكُون وَقَالَ الْخَلِيل ركبا قبل الْإِدْغَام فحذفت الْهمزَة للدرج إِذْ كَانَت همزَة وصل وحذفت الْألف لالتقاء الساكنين ثمَّ نقلت حَرَكَة الْمِيم الأولى إِلَى اللَّام وأدغمت وَقَالَ الْفراء مركبة من (هَل) الَّتِي للزجر و (أم) بِمَعْنى اقصد خففت الْهمزَة بإلقاء حركتها على السَّاكِن قبلهَا وصرفت فَصَارَ هَلُمَّ قَالَ ابْن مَالك فِي شرح الكافية وَقَول الْبَصرِيين أقرب إِلَى الصَّوَاب قَالَ فِي الْبَسِيط وَيدل على صِحَّته أَنهم نطقوا بِهِ فَقَالُوا هالم وَيَأْتِي هَلُمَّ بِمَعْنى أحضر فيتعدى وَمِنْه {هَلُمَّ شهداءكم} [الْأَنْعَام: 150] أَي أحضروهم وهلم الثَّرِيد أَي أحضرهُ وَبِمَعْنى أقبل فيتعدى بإلى نَحْو {هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الْأَحْزَاب: 18] وَقد تعدى بِاللَّامِ نَحْو هَلُمَّ للثريد هَذِه لُغَة الْحجاز من جعلهَا اسْم فعل وَأما بَنو تَمِيم فَهِيَ عندههم فعل تتصل بهَا الضمائر فيقولن هَلُمِّي وهلما وهلموا وهلممن أما قَول النَّاس هَلُمَّ جرا فتوقف الشَّيْخ جمال الدّين بن هِشَام فِي عربيته قَالَ فِي رِسَالَة لَهُ(3/110)
أَسمَاء الْأَصْوَات
مَسْأَلَة أَسمَاء الْأَصْوَات مَا وضع لزجر لما لَا يعقل كهلا بِوَزْن أَلا لزجر الْخَيل عَن البطء أَو دُعَاء لما لَا يعقل كأو بِلَفْظ (أَو) العاطفة لدعاء الْفرس أَو حِكَايَة صَوت لحيوان أَو اصطكاك أجرام كغاق بغين مُعْجمَة وَكسر الْقَاف لحكاية صَوت الْغُرَاب وطاق بطاء مُهْملَة وَكسر الْقَاف لحكاية صَوت الضَّرْب وَفِيه أَي فِي هَذَا النَّوْع أَيْضا كَمَا فِي أَسمَاء الْأَفْعَال الْمركب المزجي كخاق بَاقٍ بإعجام وَكسر الْخَاء القافين لحكاية صَوت الْجِمَاع وقاش ماش بِكَسْر الشينين المعجمتين لحكاية صَوت القماش قَالَ ابْن قَاسم وَحصر أَسمَاء الْأَصْوَات وضبطها من علم اللُّغَة وحظ النَّحْوِيّ أَن يتَكَلَّم على بنائها وَقد تقدم فِي بَاب المعرب والمبني أَنَّهَا كلهَا مَبْنِيَّة لشبهها بالحروف الْمُهْملَة فِي أَنَّهَا لَا عاملة وَلَا معمولة وشذ إِعْرَاب بَعْضهَا لوُقُوعه موقع مُتَمَكن كَقَوْلِه 1511 -
(إِذا لِمّتي مِثْلُ جَنَاح غاق ... )
أعرب (غاق) لوُقُوعه موقع غراب(3/111)
وتنكيرها بِالتَّنْوِينِ كَمَا فِي أَسمَاء الْأَفْعَال وأصل بنائها على السّكُون كقب وسع وَحج ووح وَحل وَمَا سكن وَسطه من ثلاثي كسر على أصل التقاء الساكنين كغاق وطاق وهاب وهاج وعاج وجاه وحوب وعوه وقوس وهيج وعيط وطيخ وَعبر بمض بِالْمِيم وَالضَّاد الْمُعْجَمَة عَن صَوت يخرج من بَين الشفتين مغن عَن لَا مَبْنِيّ لسد مسد الصَّوْت وَكَانَ من حَقه الْإِعْرَاب وَمن بنائِهِ قَول الراجز 1512 -
(سألْتُ هَلْ وصْلٌ فَقَالَت مِضَّ ... وحرّكت لي رأسهَا بالنّغْص)(3/112)
الظّرْف وَالْمَجْرُور
أَي هَذَا مبحثهما إِذا اعْتمد كالوصف على نفي أَو اسْتِفْهَام أَو مَوْصُوف أَو مَوْصُول أَو صَاحب خبر أَو حَال رفعا مَا بعدهمَا فَاعِلا نَحْو مَا فِي الدَّار أحد وأفي الدَّار زيد ومررت بِرَجُل مَعَه صقر وَجَاء الَّذِي فِي الدَّار أَبوهُ وَزيد عنْدك أَخُوهُ ومررت بزيد عَلَيْهِ جُبَّة ثمَّ قَالَ الْأَكْثَرُونَ بِوُجُوبِهِ لِأَن الأَصْل عدم التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَقَالَ قوم هُوَ رَاجِح وَيجوز مَعَ ذَلِك كَونه مُبْتَدأ مُؤَخرا والظرف خبر مقدم وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك وَقَالَ قوم الرَّاجِح فِيهِ الابتدائية وَيجوز كَونه فَاعِلا وأوجبها أَي الابتدائية السُّهيْلي فَهَذِهِ أَرْبَعَة مَذَاهِب وَاخْتلفُوا على الأول هَل الْعَامِل للرفع على الفاعلية الْفِعْل الْمَحْذُوف الَّذِي هُوَ متعلقهما الْمُقدر باستقر أَو الْعَامِل هما نِيَابَة عَنهُ لقربهما مِنْهُ باعتمادهما على قَوْلَيْنِ قَالَ فِي المغنى وَالْمُخْتَار الثَّانِي بِدَلِيل امْتنَاع تَقْدِيم الْحَال فِي نَحْو زيد فِي الدَّار جَالِسا وَلَو كَانَ الْعَامِل الْفِعْل لم يمْتَنع وَاخْتَارَ ابْن مَالك الأول لِأَن الأَصْل فِي الْعَمَل الْفِعْل ولتعادل المرجحين فِي الْإِمَامَة أرْسلت الْخلاف من غير تَرْجِيح فَإِن لم يعتمدا على شَيْء مِمَّا ذكر نَحْو فِي الدَّار أَو عنْدك زيد فالابتدائية وَاجِبَة خلافًا للأخفش والكوفية فِي إجازتهم الْوَجْهَيْنِ لِأَن الِاعْتِمَاد عِنْدهم لَيْسَ بِشَرْط يجب تعليقهما أَي الظّرْف وَالْمَجْرُور حَيْثُ وَقعا بِفعل أَو شبهه وَقد اجْتمعَا فِي قَوْله تَعَالَى {صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم غير المغضوب عَلَيْهِم} [الْفَاتِحَة: 7] أَو مَا فِيهِ رَائِحَته كَقَوْلِه(3/113)
1513 -
(أَنا أَبُو المِنهال بَعْضَ الأحيانْ ... )
وَقَوله 1514 -
(أَنا ابنُ ماويّة إِذْ جَدَّ النقرْ ... )
فَيتَعَلَّق (بعض) و (إِذْ) بالاسمين العلمين لما فيهمَا من معنى قَوْلك الشجاع أَو الْجواد وَتقول فلَان حَاتِم فِي قومه فَتعلق الظّرْف لما فِي حَاتِم فِي معنى الْجُود وَلَو مُقَدرا كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِلَى ثَمُود أَخَاهُم صَالحا} [الْأَعْرَاف: 73] فَإِنَّهُ مُتَعَلق ب (أرسلنَا) مُقَدرا وَلم يتَقَدَّم ذكر الْإِرْسَال وَلَكِن ذكر النَّبِي والمرسل إِلَيْهِم يدل عَلَيْهِ وَفِي أحرف الْمعَانِي هَل يتعلقان بهَا أَقْوَال أَحدهَا وَهُوَ الْمَشْهُور الْمَنْع مُطلقًا ثَانِيهَا الْجَوَاز مُطلقًا ثَالِثهَا يتَعَلَّق بِهِ إِن نَاب عَن فعل حذف وَيكون ذَلِك على سَبِيل النِّيَابَة لَا الْأَصَالَة وَإِن لم يكن كَذَلِك فَلَا وَعَلِيهِ الْفَارِسِي وَابْن جني قَالَا فِي نَحْو يَا لزيد إِن اللَّام مُتَعَلقَة ب (يَا) وَقَالَ المجوزون مُطلقًا فِي قَول كَعْب(3/114)
1515 -
(وَمَا سعادُ غداةَ البَيْن إِذْ رَحلوا ... إلاّ أغَنُّ غَضِيضُ الطّرف مكحولُ)
غَدَاة الْبَين ظرف للنَّفْي أَي انْتَفَى كَونهَا فِي هَذَا الْوَقْت إِلَّا كأغن وَلَا يتَعَلَّق من حُرُوف الْجَرّ زَائِد كالباء و (من) فِي {وَكفى بِاللَّه شَهِيدا} [الْفَتْح: 28] {هَل من خَالق غير الله} [فاطر: 3] وَذَلِكَ لِأَن معنى التَّعَلُّق الارتباط الْمَعْنَوِيّ وَالْأَصْل أَن أفعالا قصرت عَن الْوُصُول إِلَى الْأَسْمَاء فأعينت على ذَلِك بحروف الْجَرّ وَالزَّائِد إِنَّمَا دخل فِي الْكَلَام تَقْوِيَة وتوكيدا وَلم يدْخل للربط إِلَّا اللَّام المقوية فَإِنَّهَا تتَعَلَّق بِالْعَمَلِ المقوي نَحْو {مُصدقا لما مَعَهم} 6 [الْبَقَرَة: 91] {فعال لما يُرِيد} [هود: 107] {إِن كُنتُم لِلرُّءيَا تَعبُرُون} [يُوسُف: 43] لِأَن التَّحْقِيق أَنَّهَا لَيست بزائدة مَحْضَة لما تخيل فِي الْعَامِل من الضعْف الَّذِي نزل منزلَة الْقَاصِر وَلَا معدية مَحْضَة لاطراد صِحَة إِسْقَاطهَا فلهَا منزلَة بَين منزلتين وَقَول الحوفي فِي إعرابه إِن الْبَاء فِي {أَلَيسَ اللهُ بِأَحكَمِ الحَاكِمِينَ} [التِّين: 8] مُتَعَلق وهم أَي غلط نَشأ عَن ذُهُول وَلَا تتَعَلَّق لَعَلَّ الجارة فِي لُغَة عقيل لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْحَرْف الزَّائِد أَلا ترى أَن مجرورها فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ بِدَلِيل ارْتِفَاع مَا بعْدهَا على الخبرية فِي قَوْله 1516 -
(لعلّ أبي المغَوار مِنكَ قَريبُ ... )
وَلَا لَوْلَا إِذا جرت الضَّمِير لِأَنَّهَا أَيْضا بِمَنْزِلَة لَعَلَّ فِي أَن مَا بعْدهَا مَرْفُوع الْمحل بِالِابْتِدَاءِ(3/115)
وَلَا حُرُوف الِاسْتِثْنَاء خلا وَعدا وحاشا إِذا خفضن لِأَنَّهُنَّ لتنحية الْفِعْل عَمَّا دخلن عَلَيْهِ كَمَا أَن إِلَّا كَذَلِك وَذَلِكَ عكس معنى التَّعْدِيَة الَّتِي هِيَ إِيصَال معنى الْفِعْل إِلَى الِاسْم قَالَ الْأَخْفَش وَابْن عُصْفُور وَلَا الْكَاف الَّتِي للتشبيه قَالَا إِنَّه إِذا قيل زيد كعمرو فَإِن كَانَ الْمُعَلق اسْتَقر فالكاف لَا تدل عَلَيْهِ بِخِلَاف (فِي) من نَحْو زيد فِي الدَّار وَإِن كَانَ فعلا مناسبا للكاف وَهُوَ (أشبه) فَهُوَ مُتَعَدٍّ بِنَفسِهِ لَا بالحرف قَالَ فِي الْمُغنِي وَالْحق أَن جَمِيع الْحُرُوف الجارة الْوَاقِعَة فِي مَوضِع الْخَبَر وَنَحْوه تدل على الِاسْتِقْرَار وَيجب حذفه أَي مَا يتعلقان بِهِ إِذا وَقعا صلَة نَحْو {وَله من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمن عِنْده لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [الْأَنْبِيَاء: 19] أَو صفة نَحْو {أَو كصيب من السَّمَاء} [الْبَقَرَة: 19] أَو خَبرا نَحْو زيد عنْدك أَو فِي الدَّار أَو حَالا نَحْو {فَخرج على قومه فِي زينته} [الْقَصَص: 79] أَو مثلا كَقَوْلِهِم للمعرس بالرفاء والبنين أَي أعرست وَجوز ابْن جني إِظْهَار الْمُتَعَلّق فِي الْخَبَر وَاسْتدلَّ بقوله 1517 -
(فأنتَ لَدَى يَحْبُوحَةِ الهُون كائِنُ ... )
وَجوزهُ ابْن يعِيش إِن لم يحذف وينقل إِلَيْهِ ضَمِيره نَحْو زيد مُسْتَقر عَنْك فَإِن حذف وَنقل ضَمِيره إِلَى الظّرْف لم يجز إِظْهَاره لِأَنَّهُ قد صَار أصلا مرفوضا وَأنكر الكوفية وَابْن طَاهِر وَابْن خروف التَّقْدِير للمتعلق فِيهِ أَي فِي الْخَبَر ثمَّ عِنْدهم أَي الكوفية ينصبه أَمر معنوي وَهُوَ الْخلاف أَي كَونهمَا مخالفين للمبتدأ(3/116)
وَعِنْدَهُمَا ينصبه الْمُبْتَدَأ وزعما أَنه يرفع الْخَبَر إِذا كَانَ عينه نَحْو زيد أَخُوك وينصبه إِذا كَانَ غَيره وَيقدر الْكَوْن الْمُطلق نَحْو زيد فِي الدَّار فَيقدر كَائِن أَو مُسْتَقر ومضارعها إِن أُرِيد الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال نَحْو الصَّوْم الْيَوْم أَو غَدا أَو كَانَ أَو اسْتَقر أَو وصفهما إِن أُرِيد الْمَعْنى نبه عَلَيْهِ ابْن هِشَام وَقَالَ إِنَّهُم أغفلوه إِلَّا لدَلِيل فَيقدر الْكَوْن الْخَاص {الْحر بِالْحرِّ} [الْبَقَرَة: 178] الْآيَة فَيقدر فِيهَا (يقتل) وَيقدر مقدما كسائل العوامل من معمولاتها إِلَّا لمَانع كَمَا فِي نَحْو إِن فِي الدَّار زيدا فَيقدر مُؤَخرا حتما لِأَن إِن لَا يَليهَا مرفوعها ويرجح ذَلِك فِي نَحْو فِي الدَّار زيد لِأَن الأَصْل تَأْخِير الْخَبَر وَالْمُخْتَار وفَاقا لأهل الْبَيَان تَقْدِيره فِي الْبَسْمَلَة فعلا مُؤَخرا مناسبا لما جعلت هِيَ مبدأ لَهُ فَيقدر فِي أول الْقِرَاءَة بِسم الله أَقرَأ وَفِي الْأكل باسم الله آكل وَفِي السّفر باسم الله أرتحل وَعَلِيهِ قَوْله
فِي ذكر النّوم
(بِاسْمِك رَبِّي وضعت جَنْبي وباسمك أرفعه) وَذهب البصريون إِلَى أَنه يقدر فِيهَا فِي كل مَوضِع ابْتِدَاء كَائِن باسم الله فَيكون خبر الْمُبْتَدَأ (إِمَّا) مُقَدّر وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنه يقدر أبتدئ باسم الله(3/117)
التَّنَازُع فِي الْعَمَل
أَي هَذَا مبحثه إِذا تعلق عاملان فَأكْثر كثلاثة وَأَرْبَعَة من الْفِعْل وَشبهه كالوصف وَاسم الْفِعْل اتَّحد النَّوْع أَو اخْتلف بِخِلَاف الْحُرُوف كَإِن وَأَخَوَاتهَا باسم بِأَن طلبا فِيهِ رفعا أَو نصبا أَو جرا بِحرف أَو أَحدهمَا رفعا وَالْآخر خِلَافه عمل فِيهِ أَحدهمَا السَّابِق أَو الثَّانِي بِاتِّفَاق الْفَرِيقَيْنِ وَقَالَ الْفراء كِلَاهُمَا يعملان فِيهِ إِن اتفقَا فِي الْإِعْرَاب الْمَطْلُوب نَحْو قَامَ وَقعد زيد فَجعله مَرْفُوعا بالفعلين كَمَا يسند للمبتدأ خبر إِن وكما يرفع (منطلقان) فِي زيد وَعَمْرو منطلقان بالمعطوف والمعطوف عَلَيْهِ مَعًا لِأَنَّهُمَا يقتضيانه وَالْجُمْهُور منعُوا ذَلِك حذرا من اجْتِمَاع مؤثرين على أثر وَاحِد وَذَلِكَ مَفْقُود فِي الْخَبَرَيْنِ عَن مُبْتَدأ كَمَا هُوَ وَاضح فِي مَسْأَلَة زيد وَعَمْرو منطلقان لِأَن الِاثْنَيْنِ فيهمَا كل وَاحِد مِنْهُمَا جُزْء عِلّة فالعلة مجموعهما بِخِلَاف مَسْأَلَة الْفِعْلَيْنِ إِذْ لَا يَصح إِسْنَاد كل مِنْهُمَا وَحده إِلَى زيد وَلَا يَصح إِسْنَاد كل من زيد وَعَمْرو وَحده إِلَى منطلقان وعَلى الأول الْأَقْرَب من العاملين أَو العوامل أَحَق بِالْعَمَلِ فِي الِاسْم من الأسبق عِنْد البصرية لقُرْبه ولسلامته من الْفَصْل بَين الْعَامِل ومعموله والأسبق عِنْد الكوفية أَحَق لسبقه ولسلامته من تَقْدِيم مضمره على مفسره فَإِن ألغي الثَّانِي من الإعمال فِي الِاسْم بِأَن أعمل فِيهِ الأول حَال كَون الثَّانِي رَافعا سَوَاء كَانَ الأول رَافعا أَيْضا أم لَا أضمر فِيهِ أَي الثَّانِي إِذْ لَا يجوز حذف مَرْفُوع الْفِعْل ضميرا مطابقا للاسم فِي الْإِفْرَاد والتذكير وفروعهما لِأَنَّهُ مفسره والمطابقة بَين الْمُفَسّر والمفسر ملتزمة نَحْو قَامَ وَقعد زيد قَامَ وقعدا الزيدان قَامَ وقعدوا الزيدون قَامَت وَقَعَدت هِنْد ضربت وضربني زيدا ضربت وضرباني الزيدين ضربت وضربوني الزيدين ضربت وضربتني هندا(3/118)
مَا لم تُؤَد الْمُطَابقَة إِلَى مُخَالفَة مخبر عَنهُ فالإظهار حِينَئِذٍ وَاجِب لتعذر الْإِضْمَار بِلُزُوم مُخَالفَة الْمخبر عَنهُ إِن طوبق الْمُفَسّر والمفسر إِن طوبق الْمخبر عَنهُ وكل مِنْهُمَا مَمْنُوع نَحْو ظَنَنْت وظناني قَائِما الزيدين قَائِمين يظْهر ثَانِي ظناني لِأَنَّهُ لَو أضمر مُفردا فَقيل (إِيَّاه) طابق الْيَاء الْمخبر عَنهُ لَا قَائِمين الْمُفَسّر أَو مثنى فَقيل (إيَّاهُمَا) فبالعكس وَقد خرجت الْمَسْأَلَة بالإظهار عَن بَاب التَّنَازُع لِأَن كلا من العاملين عمل فِي ظَاهر وَجوز الكوفية مَعَ الْإِظْهَار وَجْهَيْن آخَرين حذفه لدلَالَة مَعْمُول الآخر عَلَيْهِ كَمَا جَازَ مثل ذَلِك فِي الِابْتِدَاء نَحْو 1518 -
(نَحْن بِمَا عِنْدنا وَأَنت بمَا ... عِنْدك رَاض والرأي مُخْتلفُ)
أَي رضوَان وإضماره مُؤَخرا عَن مَعْمُول الآخر مطابقا للمخبر عَنهُ نَحْو ظَنَنْت وظناني الزيدين قَائِمين إِيَّاه فَيدل عَلَيْهِ الْمثنى لِأَنَّهُ يتَضَمَّن الْمُفْرد وَجوز قوم من الْبَصرِيين وَجها آخر إضماره مقدما فِي مَحَله مطابقا للمخبر عَنهُ نَحْو ظَنَنْت وظنني إِيَّاه الزيدين قَائِمين وَكَذَا إِذا كَانَ الثَّانِي غير رَافع يضمر فِيهِ إِذا أعمل الأول اخْتِيَارا فِي الْأَصَح نَحْو قَامَ أَو ضَرَبَنِي وضربته زيد وَقَامَ أَو ضَرَبَنِي وضربتهما الزيدان وَقيل يجوز حذفه كَقَوْلِه 1519 -
(بعكاظ يُعْشِي الناظرين ... إِذا هُمُ لَمحوا شَعاعُهْ)(3/119)
أَي لمحوه وَأجِيب بِأَنَّهُ ضَرُورَة أَو ألغي الأول من الْعَمَل فِي الِاسْم بِأَن أعمل فِيهِ الثَّانِي أضمر فِي الأول الْمَرْفُوع كَقَوْلِه 1520 -
(خالفَاني وَلم أُخالِف خليلَيْيَ ... وَلَا خَيْر فِي خلاف الْخَلِيل ... )
وَقَوله 1521 -
(جَفَوْني وَلم أجْفُ الأخِلاّء إنّني ... )
وَقَوله 1522 -
(هَوَيْنَني وَهَوَيْتُ الخُرَّدَ العُرُبا)
وَقَالَ الْكسَائي وَهِشَام والسهيلي وَابْن مضاء يحذف بِنَاء على رَأْيهمْ من إجَازَة حذف الْفَاعِل وَحسنه هُنَا الْفِرَار من الْإِضْمَار قبل الذّكر الَّذِي هُوَ خَارج عَن الْأُصُول وَقَالَ أَبُو ذَر الْأَحْسَن إِعْمَال الأول حِينَئِذٍ فِرَارًا من حذف الْفَاعِل وَمن الْإِضْمَار قبل الذّكر وَقَالَ الْفراء فِيمَا نَقله عَنهُ الْجُمْهُور لَا تصح الْمَسْأَلَة إِلَّا بِهِ فَأوجب(3/120)
إِعْمَال الأول حِينَئِذٍ وَعنهُ قَول آخر محكي فِي (الْبَسِيط) أَنه يقْتَصر فِي مُقَابل ذَلِك على السماع وَلَا يكون قِيَاسا وَحكي عَنهُ قَول آخر حَكَاهُ ابْن مَالك أَنه يجوز إِعْمَال الثَّانِي قِيَاسا ويضمر فِي الأول بِشَرْط تَأَخّر الضَّمِير نَحْو ضَرَبَنِي وَضربت زيدا هُوَ قَالَ الْبَهَاء بن النّحاس وَلم أَقف على هَذَا النَّقْل عَن الْفراء من غير ابْن مَالك ويحذف الضَّمِير غير الْمَرْفُوع فَلَا يضمر فِي الأول لكَونه فضلَة لم يحْتَج فِيهِ إِلَى الْإِضْمَار قبل الذّكر قَالَ تَعَالَى {ءَاتُونِي أُفرِغ عَلَيهِ قِطراً} [الْكَهْف: 96] وَقَالَ {هآؤُمُ اقرَءُوا كِتَابِيَه} [الحاقة: 19] وَهُوَ مِمَّا تنَازع فِيهِ الْفِعْل واسْمه مَا لم يلبس حذفه فَيجب إضماره كَقَوْلِك مَال عني وملت إِلَى زيد إِذْ لَو حذف عني لتوهم أَن المُرَاد مَال إِلَيّ وَكَذَا رغب فِي ورغبت عَن زيد وَجوز قوم إِظْهَاره اخْتِيَارا وَإِن لم يلبس وَعَلِيهِ ابْن مَالك كَمَا فِي إِلْغَاء الثَّانِي وَدفع بِالْفرقِ بَين الْإِضْمَار قبل الذّكر وَبعده وَلَا خلاف فِي جَوَازه ضَرُورَة كَقَوْلِه 1523 -
(إِذْ كنتَ تَرْضِيه ويُرْضِيك صاحِبٌ ... )(3/121)
فَإِن كَانَ الْعَامِل من بَاب ظن أضمر قبل الذّكر نَحْو ظناني إِيَّاه وظننت الزيدين قَائِمين أَو أضمر مُؤَخرا نَحْو ظناني وظننت الزيدين قَائِمين إِيَّاه أَو حذف أصلا أَو أُتِي بِهِ اسْما ظَاهرا حذرا من عدم مُطَابقَة الْمخبر عَنهُ أَو الْمُفَسّر نَحْو ظناني قَائِما وظننت الزيدين قَائِمين وَبِه تخرج الْمَسْأَلَة من بَاب التَّنَازُع كَمَا سبق هَذِه أَقْوَال تقدم نظيرها فِي إِلْغَاء الثَّانِي وَالْجُمْهُور على إخيرها وَالْمُخْتَار أَنه إِن وجدت قرينَة حذف لجَوَاز حذف أحد مفعولي ظن لدَلِيل وَإِلَّا بِأَن لم تكن قرينَة جِيءَ بِهِ اسْما ظَاهرا كَمَا قَالَ الْجُمْهُور حذرا من الْمُخَالفَة الْمَذْكُورَة وَمنع ابْن الطراوة الْإِضْمَار فِي بَاب ظن مُطلقًا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَغَيرهَا فَلم يجز مَا أدّى إِلَيْهِ من مسَائِل التَّنَازُع واستبشع من النَّحْوِيين إجَازَة ذَلِك لِأَنَّهُ لَيْسَ للمضمر مُفَسّر يعود عَلَيْهِ أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت ظننته وظننت زيدا قَائِما لم تكن الْهَاء عَائِدَة على قَائِم إِذْ يصير الْمَعْنى وظنني ذَلِك الْقَائِم الْمَذْكُور(3/122)
وَلَيْسَ هُوَ إِيَّاه لِأَن الْقَائِم هُوَ زيد وَأجِيب بِأَنَّهُ يعود على قَائِم من حَيْثُ اللَّفْظ لَا الْمَعْنى وَذَلِكَ شَائِع فِي سان الْعَرَب كَمَا قَالُوا عِنْدِي دِرْهَم وَنصفه أَي نصف دِرْهَم آخر فَأَعَادَ ذكره على دِرْهَم الْمَذْكُور من حَيْثُ اللَّفْظ فَقَط وَتوقف أَبُو حَيَّان فَقَالَ الَّذِي يَنْبَغِي الرُّجُوع إِلَى السماع فَإِن استعملته الْعَرَب فِي (ظن) فِي هَذَا الْبَاب اتبع وَإِلَّا توقف فِي إِجَازَته لِأَن عود الضَّمِير على شَيْء لفظا لَا معنى قَلِيل وَخلاف الأَصْل فَلَا يَجْعَل أصلا يُقَاس عَلَيْهِ وَالأَصَح أَنه لَا تنَازع فِي نَحْو مَا قَامَ وَقعد إِلَّا زيد وَقَول الشَّاعِر 1524 -
(مَا صاب قلبِي وأضْناه وتَيّمه ... إِلَّا كواعِبُ من ذهل بن شيبانا)
وَقَوله 1525 -
(مَا جادَ رَأيا وَلَا أجدى مُحاولةً ... إِلَّا امْرُؤ لم يُضِعْ دُنْيا وَلَا دِينَا)
بل هُوَ من بَاب الْحَذف الْعَام لدلَالَة الْقَرَائِن اللفظية وَالتَّقْدِير (أحد) حذف وَاكْتفى بِقَصْدِهِ وَدلَالَة النَّفْي وللاستثناء على حد {وَمَا منا إِلَّا لَهُ مقَام مَعْلُوم} [الصافات: 164] وَقيل إِنَّه من بَاب التَّنَازُع وَلَيْسَ كالآية الْمَذْكُورَة لِأَن الْمَحْذُوف فِيهَا مُبْتَدأ وَهُوَ جَائِر الْحَذف بخلافة فِي الْمِثَال والبيتين فَإِنَّهُ فَاعل وَلَا يجوز حذفه فَتعين أَن يكون من التَّنَازُع وَالأَصَح أَيْضا أَنه لَا تنَازع فِي قَول امْرِئ الْقَيْس 1526 -
(فَلَو أَن مَا أسعى لأدْنى مَعيشة ... كفانِي وَلم أطلب قليلٌ من المَال)(3/123)
خلافًا لمن جعله من بَاب التَّنَازُع وَاسْتدلَّ بِهِ على حذف الْمَنْصُوب من الثَّانِي الملغي أَي أطلبه بل هُوَ فعل لَازم لَا مفعول لَهُ أَي كفاني قَلِيل وَلم أسع بِدَلِيل قَوْله فِي صَدره (فَلَو أَن مَا أسعى) وَمنعه أَي التَّنَازُع الْجُمْهُور فِي الْعَامِل الْمُؤخر وشرطوا تقدم العاملين وَتَأَخر مَا يطلبانه عَنْهُمَا فَلَو قلت (ضربت زيدا وضربني) أَو (أَي رجل قد ضربت أَو شتمت) لم يكن من الْبَاب وَجوزهُ الْفَارِسِي فِي تَأَخّر أحد العاملين وَبَعض المغاربة فِي تأخرهما واستغرب أَبُو حَيَّان الْقَوْلَيْنِ وَمنعه الْجُمْهُور فِي الْعَامِل غير الْمُتَصَرف كنعم وَبئسَ قَالَ فِي الْبَسِيط فَلَو قلت نعم فِي الْحَضَر وَبئسَ فِي السّفر الرجل زيد على إِعْمَال الثَّانِي لَكُنْت قد أضمرت فِي الأول وَلم تفسر وَهُوَ لَازم التَّفْسِير إِذا أضمر وَلَو أضمرت لم يكن متنازعا لِأَنَّهُ استوفى جَمِيع مَا لَهُ على النَّحْو الْمَطْلُوب وَكَذَلِكَ فِي الثَّانِي قَالَ أَبُو حَيَّان وَكَذَا (حبذا) لَا يكون فِيهَا التَّنَازُع بالِاتِّفَاقِ لعدم الْفَصْل لِأَنَّهُ صَار كالمركب مَعَ الْإِشَارَة قَالَ وَكَذَا فعل التَّعَجُّب فِي ظَاهر مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ لما يلْزم فِيهِ من الْفَصْل بَينه وَبني معموله على إِعْمَال الأول وَقيل يجوز فِي التَّعَجُّب مُطلقًا ويقتصر الْفَصْل لامتزاج الجملتين بِحرف الْعَطف واتحاد مَا يَقْتَضِي العاملان وَعَلِيهِ الْمبرد وَرجحه الرضي وَقيل يجوز فِيهِ بِشَرْط إِعْمَال الثَّانِي ليزول مَا ذكر من الْفَصْل الْمَحْذُور وَعَلِيهِ ابْن مَالك نَحْو مَا أحسن وأجمل زيدا أَو أحسن بِهِ وأعقل بزيد ورده أَبُو حَيَّان بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ من بَاب التَّنَازُع إِذْ شَرطه جَوَاز إِعْمَال أَيهمَا شِئْت فِي الْمُتَنَازع فِيهِ قَالَ فَإِن ورد بذلك سَماع جَازَ وَمنعه ابْن مَالك وَوَافَقَهُ الْبَهَاء ابْن النّحاس وَابْن أبي الرّبيع فِي الْعَامِل المكرر الْمَعْنى لغَرَض التَّأْكِيد نَحْو(3/124)
1527 -
(أتاكَ أتاكَ اللاَّحِقُون ... )
1528 -
(فَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ العيقيقُ وأهْلُهُ ... )(3/125)
لِأَن الثَّانِي فِي حكم السَّاقِط فَلَا يعْتد بِهِ قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يُصَرح بِالْمَنْعِ فِي ذَلِك أحد سواهُم بل صرح الْفَارِسِي فِي الْمِثَال الثَّانِي بِأَنَّهُ من التَّنَازُع والإضمار فِي أَحدهمَا وَمنعه الْجرْمِي فِيمَا تعدد مَفْعُوله إِلَى اثْنَيْنِ أَو ثَلَاثَة وَخَصه بالمتعدي إِلَى وَاحِد قَالَ لِأَنَّهُ لم يسمع من الْعَرَب فِي ذَوَات الثَّلَاثَة وَبَاب التَّنَازُع خَارج عَن الْقيَاس فَيقْتَصر فِيهِ على المسموع وَالْجُمْهُور قَالُوا سمع فِي الِاثْنَيْنِ حكى سِيبَوَيْهٍ مَتى رَأَيْت أَو قلت زيدا مُنْطَلقًا وَيُقَاس عَلَيْهِ الثَّلَاثَة كَمَا جَازَ توالي المبتدآت وَإِن لم يسمع لِأَنَّهُ قِيَاس أصولهم فَيُقَال فِي إِعْمَال الأول أعلمني وأعلمته إِيَّاه زيد عمرا قَائِما وَفِي إِعْمَال الثَّانِي أعلمني وأعملته زيدا عمرا قَائِما إِيَّاه إِيَّاه هَذَا وَجوزهُ بَعضهم فِي لَعَلَّ وَعَسَى قَالَ فِي الارتشاف تَقول لَعَلَّ وَعَسَى زيد أَن يخرج على إِعْمَال الثَّانِي وَلَو أعمل الأول لقَالَ لَعَلَّ وَعَسَى زيدا خَارج وَجوزهُ السيرافي فِي مصدرين نَحْو قَوْلهم 1529 -
(أرواحٌ مُوَدِّعٌ أم بُكُورُ ... أَنْت فَانْظُر لأيِّ ذَاك تَصِير)
وَمِنْه الْجُمْهُور قَالَ فِي النِّهَايَة فَإِذا قلت سرني إلزامك وزيارتك زيدا وَجب نصب زيدا بالتالي وَلَا يجوز بِالْأولِ للفصل بَين الْمصدر ومعموله وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف يَنْبَغِي أَن يجوز فِيمَا بِمَعْنى الْأَمر أَو بِمَعْنى الْخَبَر بإعمال أَيهمَا شِئْت وَيَقَع التَّنَازُع فِي كل مَعْمُول إِلَّا الْمَفْعُول لَهُ والتمييز وَكَذَا الْحَال لِأَنَّهَا لَا تضمر خلافًا لِابْنِ معط(3/126)
قَالَ فِي الارتشاف فَإِنَّهُ جوز التَّنَازُع فِيهَا وَلَكِن يَقُول فِي مثل إِن تزرني ألقك رَاكِبًا على إِعْمَال الأول إِن تزرني أزرك فِي هَذِه الْحَال رَاكِبًا على معنى إِن تزرني رَاكِبًا ألقك فِي هَذِه الْحَال وَلَا يجوز الْكِنَايَة بضمير عَنْهَا والأجود إِعَادَة لفظ الْحَال كَالْأولِ انْتهى وَمنعه ابْن خروف وَابْن مَالك فِي سببي مَرْفُوع قَالَا فَلَا تنَازع فِي نَحْو زيد منطلق مسرع أَخُوهُ وَقَول كثير 1530 -
(وعزّة مَمْطولٌ معنىّ غريمُها ... )(3/127)
صفحة فارغة(3/128)
لِأَنَّك لَو قدرته لأسندت أحد العاملين إِلَى السببي وأسندت الآخر إِلَى ضَمِيره فَيلْزم عدم ارتباطه بالمبتدأ لِأَنَّهُ لم يرفع ضَمِيره وَلَا مَا لابس ضَمِيره وَذَلِكَ مَمْنُوع فَيحمل الْبَيْت على أَن الْمُتَأَخر مُبْتَدأ مخبر عَنهُ بالعاملين الْمُتَقَدِّمين وَفِي كل مِنْهُمَا ضميرهما وَمَا بعدهمَا خبر عَن الأول بِخِلَاف السببي الْمَنْصُوب فَيكون فِي التَّنَازُع نَحْو زيد اكرم وَأفضل إِيَّاه لِأَنَّهُ يحذف وَلَا يضمر قَالَ أَبُو حَيَّان وَمَا قَالَاه لم يذكرهُ مُعظم النَّحْوِيين وَمنعه قوم فِي الْمُضمر قَالَ فِي الارتشاف وَأَجَازَهُ أَكْثَرهم(3/129)
3 - الِاشْتِغَال
أَي هَذَا مبحثه هُوَ أَن يتَقَدَّم وَينصب ضَمِيره أَو ملابسه كالمضاف إِلَى ضَمِيره والمشتمل صلته على ضَمِيره نَحْو زيد ضَربته وَزيد ضربت أَخَاهُ وَهِنْد أكرمت الَّذِي يُحِبهَا بِخِلَاف مَا لَو تَأَخّر الِاسْم بعد الضَّمِير نَحْو ضَربته زيدا على الْبَدَل أَو زيد على الِابْتِدَاء فَلَيْسَ من الْبَاب وفاعل ينصب قولي عَامل جَائِز الْعَمَل فِيمَا قبله لَو لم يشْتَغل بِمَا بعده كالفعل واسمي الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِخِلَاف فعل التَّعَجُّب وأفعل التَّفْضِيل وَالصّفة المشبهة وَاسم الْفِعْل وَكَذَا الْمصدر وَفِيه خلاف يَأْتِي إِذْ مَا لَا يَصح أَن يعْمل فِي شَيْء لَا يَصح أَن يُفَسر عَاملا فِيهِ وَمن صور مَا لَا يجوز أَن يعْمل فِيمَا قبله مفاهيم قولي غير صلَة نَحْو زيد أَنا الضاربة وَلَا شبهها وَهُوَ الصّفة والمضاف إِلَى فعل تَشْبِيها بهَا فِي تتميم مَا قبلهَا بهَا نَحْو مَا رجل تحبه يهان وَزيد يَوْم ترَاهُ تفرح وَلَا مُسْند لضمير السَّابِق الْمُتَّصِل نَحْو (أَزِيد ظَنّه ناجيا) بِمَعْنى ظن نَفسه لما فِيهِ من تَفْسِير الْفَاعِل الْعُمْدَة بالمفعول الَّذِي حَقه أَن يكون فضلَة فَإِن انْفَصل الضَّمِير نَحْو زيدا لم يَظُنّهُ ناجيا إِلَّا هُوَ جَازَ لِأَن الْمُنْفَصِل كَالْأَجْنَبِيِّ فَأشبه نَحْو لِأَن زيدا لم يَظُنّهُ ناجيا إِلَّا عَمْرو وَلَا تالي اسْتثِْنَاء نَحْو مَا وَزيد إِلَّا يضْربهُ عَمْرو أَو تالي مُعَلّق أَي حرف من أدوات التَّعْلِيق نَحْو زيد كَيفَ وجدته وَزيد مَا أضربه وَعَمْرو لأضربنه وَزيد إِنِّي أكْرمه وَالدِّرْهَم لمعطيك عَمْرو أَو تالي كم الخبرية نَحْو زيدكم لَقيته إِجْرَاء لَهَا مجْرى كم الاستفهامية أَو تالي وَاو الْحَال نَحْو جَاءَ زيد وَعَمْرو يضْربهُ بشر فِرَارًا من تَقْدِير الْمُضَارع بعْدهَا(3/130)
(وَفِي الشَّرْط) نَحْو زيد إِن زرته يكرمك (وَالْجَوَاب) نَحْو زيد إِن يقم أكْرمه (وتالي لَا) النافية من المعلقات نَحْو زيد لَا أضربه وَزيد وَالله لَا أضربه (أَو) تالي حرف تَنْفِيس نَحْو زيد سأضربه أَو سَوف أضربه (خلاف مَبْنِيّ على تقدم معمولها) فَمن أجَازه فِيهَا جوز الِاشْتِغَال وَالنّصب فِي الِاسْم السَّابِق وَمن مَنعه فِيهَا مَنعه وَأوجب الرّفْع وَالأَصَح فِي الشَّرْط وَالْجَوَاب الْمَنْع وَفِي لَا التَّفْصِيل وَهُوَ الْمَنْع فِي جَوَاب الْقسم دون غَيره (و) فِي التَّنْفِيس الْجَوَاز وَفِي تالي (إِذا الفجائية) نَحْو خرجت فَإِذا زيد يضْربهُ عَمْرو (وليتما) نَحْو ليتما زيد أضربه (خلاف إيلائها الْفِعْل) فَمن جوزه جوز الِاشْتِغَال وَالنّصب وَمن لَا يجوزه وَهُوَ الْأَصَح عِنْد ابْن مَالك فيهمَا فَلَا وَمن فصل فِي إِذا بَين اقترانها بقد وَعَدَمه فصل هُنَا (وَالأَصَح مَنعه فِي مفصول) من الْفِعْل (بأجنبي) نَحْو زيد أَنْت تضربه وَهِنْد عَمْرو يضْربهَا فَلَا ينصب إِذْ المفصول لَا يعْمل فَلَا يُفَسر وَجوزهُ الْكسَائي قِيَاسا على اسْم الْفَاعِل أَجَازُوا (زيدا أَنْت ضَارب) وَفرق المانعون بِأَن اسْم الْفَاعِل لَا يعْمل حَتَّى يعْتَمد فَصَارَ أَنْت ضَارب بِمَنْزِلَة ضربت فَكَأَنَّهُ لم يفصل بَين الْعَامِل والمعمول بِشَيْء بِخِلَاف الْفِعْل وَالأَصَح مَنعه فِي تالي أَدَاة تخضبض أَو عرض أَو تمن بألا نَحْو زبد هلا ضَربته عَمْرو أَلا تكرمه والعون على الْخَبَر أَلا أَجِدهُ بِنَاء على أَن الثَّلَاثَة لَهَا الصَّدْر إِجْرَاء لَهَا مجْرى الِاسْتِفْهَام فَلَا يعْمل مَا بعْدهَا فِيمَا قبلهَا لِأَن معنى هلا فعلت لم لم تفعل وَمعنى أَلا تفعل أتفعل مَعَ أَن هلا وَألا مركبان من هَل والهمزة وَلَا وَجوزهُ قوم مَعَ اخْتِيَار الرّفْع حَكَاهُ فِي الْبَسِيط وَجوزهُ آخَرُونَ مَعَ اخْتِيَار النصب وَعَلِيهِ الْجُزُولِيّ(3/131)
(وَمنعه قوم فِي لَيْسَ) بِنَاء على منع تَقْدِيم خَبَرهَا لعدم تصرفها وَنَصّ سِيبَوَيْهٍ على جَوَازه بِنَاء على الْجَوَاز نَحْو أزيدا لست مثله (و) فِي (كَانَ) نَقله فِي الارتشاف عَن الْمَازِني وَبَعض الْكُوفِيّين (و) مَنعه (قوم) فِي الْجمع المكسر) من أَسمَاء الفاعلين والمفعولين قَالُوا لِأَن عمله ملفق ضَعِيف والاشتغال كَذَلِك بَاب ملفق فيضعف عَن الدُّخُول فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يقوى على أَن يُفَسر وَنَصّ سيبوبه على جَوَازه نَحْو زيدا أَنْتُم ضرابه قَالَ أَبُو حَيَّان والأحوط أَلا يجوز إِلَّا بِسَمَاع قَالَ أما الْجمع السَّالِم فَالْقِيَاس الْجَوَاز فِيهِ نَحْو زيدا أَنْتُم ضاربوه وزيدا أنتن ضارباته وَالْفرق بَينه وَبَين المكسر أَن التكسير يبعد عَن شبه الْفِعْل وَيلْحق بالأسماء الْمَحْضَة (وَفِي الْمصدر) أَقْوَال أَحدهَا يجوز دُخُوله فِي بَاب الِاشْتِغَال مُطلقًا سَوَاء كَانَ بِمَعْنى الْأَمر والاستفهام نَحْو أما زيدا فضربا إِيَّاه وأزيدا ضربا أَخَاهُ أم منحلا بِحرف مصدري وَالْفِعْل نَحْو زيدا ضربه قَائِما فَيضمن فعلا يفسره الْمصدر (ثَانِيهَا) لَا يجوز مُطلقًا لِأَنَّهُ لَا يتَقَدَّم عَلَيْهِ معموله (ثَالِثهَا) التَّفْصِيل (إِن كَانَ بَدَلا من فعله) وَهُوَ الْأَمر والاستفهام (جَازَ) وَإِن لم يجز تقدم معموله لِأَنَّهُ معاقب للْفِعْل وَقد تفسر أَشْيَاء وَلَا تعْمل (أَو منحلا) بِحرف مصري وَالْفِعْل (فَلَا يجوز ثمَّ) إِذا صَحَّ الِاشْتِغَال يجب نصب الِاسْم السَّابِق (إِن تَلا مَا يخْتَص بِالْفِعْلِ) كظرف الزَّمَان الْمُسْتَقْبل وأدوات الشَّرْط الجازمة والتخصيص وَلَو الشّرطِيَّة لوُجُوب إِضْمَار الْفِعْل بعْدهَا نَحْو إِذا زيدا تَلقاهُ فَأكْرمه وَإِن زيدا رَأَيْته فَأكْرمه وهلا زيدا ضَربته وَلَو زيدا رَأَيْت (أَو تَلا استفهاما بِغَيْر الْهمزَة) كهل مرادك نلته وَمَتى أمة الله تمْضِي بهَا لوُجُوب إيلائها الْفِعْل إِذا وَقع فِي حيزها قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِذا اجْتمع بعد الِاسْتِفْهَام الِاسْم وَالْفِعْل قدم الْفِعْل فَإِن قلت أَيهمْ زيد ضربت قبح(3/132)
(ويختار نصب الِاسْم السَّابِق) أَي يرجح على رَفعه بِالِابْتِدَاءِ الْجَائِز أَيْضا (إِن وليه فعل طلب) وَهُوَ الْأَمر وَالنَّهْي وَالدُّعَاء نَحْو زيدا أضربه وزيدا ليضربه عَمْرو وزيدا لَا تضربه وزيدا أصلح الله شَأْنه وَسَوَاء فِي ذَلِك الْأَمر المُرَاد بِمَا قبله الْعُمُوم أَو الْخُصُوص (خلافًا لِابْنِ بابشاذ فِي) الْأَمر (المُرَاد) بِمَا قبله (الْعُمُوم) حَيْثُ قَالَ يخْتَار فِيهِ الرّفْع لشبهه بِالشّرطِ لما دخله من الْعُمُوم والإبهام نَحْو: {وَالَّذَانِ يَأتِيَانِهَا مِنكُم فَئَاذُوهُمَا} [النِّسَاء: 16] {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} [الْمَائِدَة: 38] وَالْجُمْهُور تأولوا الْآيَتَيْنِ على الْإِضْمَار وَأَن الْكَلَام فِي ذَلِك جملتان وَالتَّقْدِير وَفِيمَا فرض عَلَيْكُم حكم السَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا وَخرج بِقَوْلِي فعل طلب اسْم فعله نَحْو زيد سَمَاعه فَلَا نصب فِيهِ كَمَا تقدم (أَو) وليه (مصدر لَهُ) أَي الطّلب نَحْو زيدا ضربا لَهُ وَالله حمدا لَهُ (أَو ولي همزَة اسْتِفْهَام) سَوَاء كَانَ الْفِعْل الَّذِي ولي الْهمزَة من بَاب الظَّن نَحْو أعبد الله ظننته قَائِما أم غَيره نَحْو أزيدا ضَربته كَانَ الِاسْتِفْهَام عَن الْفِعْل كَمَا مثل أم عَن الِاسْم نَحْو أزيدا ضَربته أم عمرا (خلافًا للفراء فِي بَاب ظن) حَيْثُ أوجب فِيهِ الرّفْع قَالَ لِأَن من عَادَة الْعَرَب إلغاؤها إِذا لم يكن فِيهَا الْهَاء (و) خلافًا (لِابْنِ الطراوة فِي الِاسْتِفْهَام الْوَاقِع على الِاسْم) حَيْثُ أوجب فِيهِ الرّفْع بِخِلَاف الِاسْتِفْهَام الْوَاقِع على الْفِعْل وَهِي بَين اسْمَيْنِ فتوهموا ذَلِك فِيهَا وفيهَا الْهَاء (و) خلافًا (للأخفش فِي إِلْحَاق سَائِر الأدوات) بِالْهَمْزَةِ فِي تَجْوِيز الرّفْع أَيْضا وَوجه تخصيصها بذلك عِنْد الْجُمْهُور أَنَّهَا الأَصْل وَلها مزية على سَائِر أدواته فَإِن تَأَخّر الْهَمْز عَن الِاسْم نَحْو زيد أضربته لم يجز النصب لما تقدم (و) خلافًا للأخفش أَيْضا (فِي الْمَفْعُول) من همز الِاسْتِفْهَام (بِغَيْر ظرف) حَيْثُ جوز نَصبه نَحْو أَأَنْت زيدا تضربه وسيبويه على الْمَنْع لبعده من الْفِعْل فَإِن كَانَ الْفَصْل بظرف أَو مجرور جَازَ مَعَ اخْتِيَاره اتِّفَاقًا لاتساعهم فيهمَا نَحْو أكل يَوْم زيدا تضربه وأفي الدَّار زيدا ضَربته(3/133)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَكَذَا الْفَصْل بالعاطف نَحْو أَو زيدا ضَربته (أَو) ولي (حرف نفي لَا يخْتَص) نَحْو مَا زيدا ضَربته وَلَا زيدا قتلته قِيَاسا على همزَة الِاسْتِفْهَام (وَقيل الرّفْع فِيهِ أرجح) من النصب وَعَلِيهِ أَبُو بكر بن طَاهِر وَنسب لظَاهِر كَلَام سِيبَوَيْهٍ (وَثَالِثهَا) هما (سَوَاء) وَعَلِيهِ ابْن الباذش وَخرج بِحرف النَّفْي فعله وَهُوَ لَيْسَ فَإِن تَالِيهَا يجب رَفعه اسْما لَهَا وبقولنا لَا يخْتَص الْمُخْتَص وَهُوَ لم وَلما وَلنْ وَيصير الْفَصْل فِيهِ كالاستفهام نَحْو مَا أَنْت زيد ضَربته ذكره أَبُو حَيَّان (أَو) ولي حَيْثُ نَحْو حَيْثُ زيدا تَلقاهُ يكرمك وَوجه اخْتِيَاره النصب أَنَّهَا فِي معنى حُرُوف المجازاة أَو لي (عاطفا على) جملَة (فعلية) سَوَاء كَانَ الْفِعْل مُتَعَدِّيا متصرفا تَاما أم ضد ذَلِك نَحْو لقِيت زيدا وعمرا كَلمته وَلست أَخَاك وزيدا أعينك عَلَيْك وَكنت أَخَاك وعمرا كنت لَهُ أَخا وَإِنَّمَا رجح النصب للمشاكلة (أَو أوهم الرّفْع وَصفا مخلا) فيتخلص بِالنّصب من إِيهَام غير الصَّوَاب نَحْو: {إنَّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقناهُ بَقَدَرٍ} [الْقَمَر: 49] إِذا رفع (كل) يُوهم كَون (خلقناه) صفة مخصصة فَلَا يدل على عُمُوم خلق الْأَشْيَاء بِقدر (أَو أُجِيب بِهِ اسْتِفْهَام مَنْصُوب) نَحْو زيدا ضَربته جَوَابا لمن قَالَ أَيهمْ ضربت (أَو مُضَاف إِلَيْهِ) نَحْو ثوب زيد لبسته جَوَاب من قَالَ ثوب أَيهمْ لبست (قيل أَو وليه لم أَو لن أَو لَا) نَحْو زيدا لم أضربه وبشرا لن أكْرمه وزيدا لَا أضربه قَالَ ابْن السَّيِّد (أَو تقدمه) مَا هُوَ فَاعل فِي الْمَعْنى بِأَن كَانَ الِاسْم الْمُتَقَدّم على المشتغل عَنهُ وفاعل المشغول دالين على شَيْء وَاحِد نَحْو أَنا زيدا ضَربته وَأَنت عمرا كَلمته قَالَه الْكسَائي وَالأَصَح فِي الصُّور الْأَرْبَع اخْتِيَار الرّفْع(3/134)
(ويستويان) أَي النصب وَالرَّفْع (فِي الْمَعْطُوف على جملَة ذَات وَجْهَيْن) أَي اسمية الْمصدر فعلية الْعَجز لتعادل التشاكل نَحْو زيد ضَربته وَعَمْرو أكرمته وَهِنْد ضربتها وزيدا كَلمته فِي دارها فالنصب عطفا على الْعَجز وَالرَّفْع عطفا على الصَّدْر (فَإِن خلا) الْمَعْطُوف (من عَائِد لَهَا) أَي لمبتدأ الْجُمْلَة الْمَعْطُوف عَلَيْهَا (فثالثها الْأَصَح) وَعَلِيهِ الْجُمْهُور (إِن كَانَ) الْعَطف (بِالْفَاءِ صحت الْمَسْأَلَة) لحُصُول الرَّبْط بِمَا فِيهَا من السَّبَب وَإِن كَانَ بغَيْرهَا فَلَا وأولها يجوز مُطلقًا نَحْو هِنْد ضربتها وعمرا أكرمته وَثَانِيها لَا يجوز مُطلقًا لِأَن الْمَعْطُوف على الْخَبَر خبر فَيشْتَرط لَهُ وجود الرَّبْط (وَالرَّابِع) يجوز إِن كَانَ الْعَطف بِالْفَاءِ كَقَوْل الْجُمْهُور (أَو الْوَاو) لما فِيهَا من معنى الْجمع (ويرجح الرّفْع بِالِابْتِدَاءِ فِيمَا عدا ذَلِك) نَحْو زيد رَأَيْته وَإِن زيد لَقيته مَسْأَلَة (مُلَابسَة الضَّمِير بنعت) نَحْو هِنْد أكرمت رجلا يُحِبهَا (أَو) عطف (بَيَان) نَحْو زيد ضربت عمرا أَخَاهُ (أَو) عطف (نسق بِالْوَاو غير معاد مَعَه) الْعَامِل نَحْو زيد ضربت عمرا وأخاه (وَقيل أم ثمَّ أَو (أَو) نَحْو زيد رَأَيْت عمرا ثمَّ أَخَاهُ أَو أَخَاهُ (كهي بِدُونِهِ) بِخِلَاف الْعَطف بِغَيْر الثَّلَاثَة وَكَذَا بِغَيْر الْوَاو على الْأَصَح لاختصاصها بِمَعْنى الْجمع وَبِخِلَاف الْبَدَل لِأَنَّهُ على تكْرَار الْعَامِل فتخلو الْجُمْلَة الْوَاقِعَة خَبرا من الرَّبْط وَبِخِلَاف مَا إِذا أُعِيد الْعَامِل (وَالنّصب هُنَا) أَي فِي بَاب الِاشْتِغَال (قَالَ الْجُمْهُور بِفعل وَاجِب الْإِضْمَار من لفظ الظَّاهِر) إِن أمكن كَمَا فِي الْأَمْثِلَة السَّابِقَة (أَو مَعْنَاهُ) إِن لم يُمكن نَحْو إِن زيدا مَرَرْت بِهِ فَأحْسن إِلَيْهِ فَيقدر إِن جَاوَزت زيدا مَرَرْت بِهِ (مقدما) على الِاسْم (خلافًا للبيانيين) فِي قَوْلهم بتقديره مُؤَخرا (و) قَالَ (الْكسَائي) النصب (بِالظَّاهِرِ) أَي الْفِعْل الْمُؤخر على كَونه ملغى (غير عَامل فِي الضَّمِير) بِأَن يلغى(3/135)
ورد بِأَن الضَّمِير قد لَا يتَعَدَّى إِلَيْهِ الْفِعْل إِلَّا بِحرف جر فَكيف يلغى وَينصب الظَّاهِر وَهُوَ لَا يتَعَدَّى إِلَيْهِ أَيْضا إِلَّا بِحرف جر نَحْو (زيدا غضِبت عَلَيْهِ) وَأَيْضًا فَلَا يُمكن الإلغاء فِي السَّبَب لِأَنَّهُ مَطْلُوب الْفِعْل فِي الْحَقِيقَة نَحْو زيدا ضربت غُلَام رجل يُحِبهُ (و) قَالَ (الْفراء) الْفِعْل (عَامل فيهمَا) أَي فِي الِاسْم وَالضَّمِير مَعًا ورد بِلُزُوم تعدِي الْفِعْل الْمُتَعَدِّي إِلَى وَاحِد إِلَى اثْنَيْنِ والمتعدي إِلَى اثْنَيْنِ إِلَى ثَلَاثَة وَهُوَ خرم للقواعد (وَجوزهُ قوم) فِي المشتغل عَنهُ بمجرور نَحْو زيد مَرَرْت بِهِ (جر السَّابِق بِمَا جر الضَّمِير) فَيُقَال بزيد مَرَرْت بِهِ وَقُرِئَ: {وللظَّالمين أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [الْإِنْسَان: 31] وَالْجُمْهُور على الْمَنْع لِأَن الْجَار منزل من الْفِعْل منزلَة الْجُزْء مِنْهُ لِأَنَّهُ يصل بِهِ إِلَى معموله كَمَا يصل بِهَمْزَة النَّقْل فَكَمَا لَا يجوز إِضْمَار بعض اللَّفْظَة وإبقاء بَعْضهَا لَا يجوز هَذَا وَالْقِرَاءَة مؤولة على تعلق اللَّام ب (أعد) الظَّاهِر و (لَهُم) بدل مِنْهُ (وَيجوز رَفعه) أَي المشتغل عَنهُ مُطلقًا (بإضمار كَانَ أَو فعل للْمَجْهُول خلافًا لِابْنِ العريف لَا بمطاوع خلافًا لِابْنِ مَالك) حَيْثُ قَالَ إِذا كَانَ للْفِعْل المشتغل مُطَاوع جَازَ أَن يضمر وَيرْفَع بِهِ السَّابِق كَقَوْل لبيد: 1531 -
(فَإِن أَنْت لم يَنفَعْك عِلمُك فانتسِب ... )(3/136)
قَالَ فَأَنت فَاعل لم ينفع مضمرا وَجَاز إضماره لِأَنَّهُ مُطَاوع (ينفع) والمطاوع يسْتَلْزم المطاوع وَيدل عَلَيْهِ قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا مَنعه أَصْحَابنَا أولُوا اليبت على أَنه مِمَّا وضع فِيهِ ضمير الرّفْع مَوضِع ضمير النصب أَو رفع بإضمار فعل يفسره الْمَعْنى وَلَيْسَ من بَاب الِاشْتِغَال (وَاخْتلف هَل شَرط الِاشْتِغَال أَن ينْتَصب الضَّمِير وَالسَّابِق من جِهَة وَاحِدَة) فَقيل نعم وَعَلِيهِ الْفَارِسِي والسهيلي والشلوبين فِي أحد قوليه فَإِن كَانَ نصب الضَّمِير على المفعولية شَرط نصب السَّابِق عَلَيْهَا أَو الظَّرْفِيَّة فَكَذَلِك وَلَا يجوز نصب الضَّمِير على المفعولية مثلا وَالسَّابِق على الْمَفْعُول لَهُ أَو الظّرْف فَلَا يُقَال زيدا قُمْت إجلالا لَهُ أَو زيدا جَلَست مَجْلِسه وَقيل لَا يشْتَرط ذَلِك وَعَلِيهِ سِيبَوَيْهٍ والأخفش والشلوبين فِي آخر قَوْله قَالَ سِيبَوَيْهٍ أعبد الله كنت مثله أَي أأشبهت عبد الله فانتصب السَّابِق مَفْعُولا والمتأخر خبر (لَكَانَ)
خَاتِمَة
(الِاشْتِغَال فِي الرّفْع) بِأَن يكون فِي الِاسْم على الابتدائية أَو على إِضْمَار فعل (كالنصب فَيجب الِابْتِدَاء فِي زيد قَامَ) لعدم تقدم مَا يطْلب لنصب لُزُوما أَو اخْتِيَارا (خلافًا لِابْنِ العريف) أبي الْقَاسِم حُسَيْن بن الْوَلِيد حَيْثُ جوز فِيهِ الفاعلية بإضمار فعل يفسره الظَّاهِر قَالَ أَبُو حَيَّان وَهِي نَزعَة كوفيه أَي لبنائه على جَوَاز تقدم الْفَاعِل على الْفِعْل (ويرجح الِابْتِدَاء فِي) نَحْو (خرجت فَإِذا زيد قد ضربه عَمْرو) لرجحان(3/137)
مَرْفُوع الِاسْم بعد (إِذا) وَجَوَاز وُقُوع الْفِعْل مَعَ قد بعْدهَا بقلة (وَتجب الفاعلية فِي) نَحْو (إِن زيد قَامَ) لما تقدم من اخْتِصَاص أدوات الشَّرْط بِالْفِعْلِ (خلافًا للأخفش) فِي قَوْله بِجَوَاز الِابْتِدَاء أَيْضا مَعَ رُجْحَان الفاعلية عِنْده (وترجح) الفاعلية (فِي) نَحْو (أَزِيد قَامَ خلافًا للجرمي) فِي قَوْله بِجَوَاز الِابْتِدَاء فِيهِ ويستويان) أَي الِابْتِدَاء والفاعلية (فِي أَزِيد قَامَ وَعَمْرو قعد) لِأَن الْجُمْلَة الأولى ذَات وَجْهَيْن فالابتداء عطفا على الصَّدْر والفاعلية عطفا على الْعَجز (وَجوز قوم نصب) نَحْو (أَزِيد ذهب بِهِ على إِسْنَاد ذهب للمصدر) أَي إِلَى ضَمِيره وَهُوَ الذّهاب وَكَأَنَّهُ قيل أذهب هُوَ أَي الذّهاب بزيد فَيكون (بِهِ) فِي مَوضِع نصب وَضَعفه ابْن مَالك بِأَنَّهُ مَبْنِيّ على الْإِسْنَاد إِلَى الْمصدر الَّذِي تضمنه الْفِعْل وَلَا يتَضَمَّن الْفِعْل إِلَّا مصدرا غير مُخْتَصّ والإسناد إِلَيْهِ منطوقا بِهِ غير مُفِيد فَكيف إِذا لم يكن منطوقا بِهِ وسيبويه وَالْجُمْهُور على منع النصب (وَشرط المشغول عَنهُ قبُول الْإِضْمَار فَلَا يَصح) الِاشْتِغَال (عَن حَال وتمييز ومصدر مُؤَكد ومجرور بِمَا لَا يجر الْمُضمر) كحتى وَالْكَاف جزم بذلك أَبُو حَيَّان فِي شرح التسهيل قَالَ بِخِلَاف الظّرْف وَالْمَفْعُول لَهُ وَالْمَجْرُور وَالْمَفْعُول مَعَه فَيجوز الِاشْتِغَال عَنْهَا نَحْو يَوْم الْجُمُعَة لقاؤك فِيهِ وَالله أطعمت لَهُ والخشبة اسْتَوَى المَاء وَإِيَّاهَا قَالَ وَأما الْمصدر فَإِن اتَّسع فِيهِ جَازَ الِاشْتِغَال عَنهُ نَحْو الضَّرْب الشَّديد ضَربته زيدا وَكَذَا الْمَفْعُول الْمُطلق لِأَنَّهُ مفعول وَإِن كَانَ مَفْعُولا لَهُ بني على الْإِضْمَار إِن جوزناه جَازَ وَإِلَّا فَلَا(3/138)
1 - الْكتاب الْخَامِس فِي التوابع وعوارض التَّرْكِيب
النَّعْت عطف الْبَيَان الْبَدَل حُرُوف الْعَطف تَابع المنادى الْإِخْبَار ب (الَّذِي) وفروعه الْعدَد التأريخ الْحِكَايَة الضرائر(3/139)
صفحة فارغة(3/140)
1 - الْكتاب الْخَامِس فِي التوابع وعوارض التَّرْكِيب
حد ابْن مَالك فِي التسهيل التَّابِع فَقَالَ هُوَ مَا لَيْسَ خَبرا من مشارك مَا قبله فِي إعرابه وعامله مُطلقًا مخرجا بالقيد الْأَخير الْمَفْعُول الثَّانِي وَالْحَال والتمييز قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يحده جُمْهُور النُّحَاة لِأَنَّهُ مَحْصُور بالعد فَلَا يحْتَاج إِلَى حد فَلذَلِك قلت (التوابع نعت وَعطف بَيَان وتوكيد وَبدل وَعطف نسق) لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يكون بِوَاسِطَة حرف فالنسق أَو لَا وَهُوَ على نِيَّة تكْرَار الْعَامِل فالبدل أَو لَا وَهُوَ بِأَلْفَاظ محصورة فالتأكيد أَو لَا وَهُوَ جامد فالبيان أَو مُشْتَقّ فالنعت (وَإِذا اجْتمعت رتبت كَذَلِك) بِأَن يقدم النَّعْت لِأَنَّهُ كجزء من متبوعه ثمَّ الْبَيَان لِأَنَّهُ جَار مجْرَاه ثمَّ التَّأْكِيد لِأَنَّهُ شَبيه بِالْبَيَانِ فِي جَرَيَانه مجْرى النَّعْت ثمَّ الْبَدَل لِأَنَّهُ تَابع كلا تَابع كَونه مُسْتقِلّا ثمَّ النسق لِأَنَّهُ تَابع بِوَاسِطَة وَلِهَذَا ناسب ذكرهَا فِي الْوَضع على هَذَا التَّرْتِيب بِخِلَاف ابْتِدَاء التسهيل بالتوكيد فَيُقَال جَاءَ أَخُوك الْكَرِيم مُحَمَّد نَفسه رجل صَالح وَرجل آخر وَكَذَا لَو كَانَ التَّأْكِيد بالتكرر نَحْو جَاءَ زيد الْعَاقِل زيد قَالَ: 1532 -
(وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ طويلُ ... )
(وَقدم قوم التَّأْكِيد على النَّعْت) فَيُقَال قَامَ زيد نَفسه الْكَاتِب ورد بِأَن التَّأْكِيد لَا يكون إِلَّا بعد تَمام الْبَيَان وَلَا يحصل ذَلِك إِلَّا بالنعت (وَيَنْبَغِي تَقْدِيم) عطف (الْبَيَان) لِأَنَّهُ أَشد فِي التَّبْيِين من النَّعْت إِذْ لَا يكون لغيره والنعت يكون مدحا وذما وتأكيدا (وتتبع) كلهَا (الْمَتْبُوع فِي الْإِعْرَاب ثمَّ قَالَ الْمبرد وَابْن السراج وَابْن(3/141)
كيسَان الْعَامِل فِي الثَّلَاثَة الأول) النَّعْت وَالْبَيَان والتأكيد (عَامله) أَي الْمَتْبُوع ينصب عَلَيْهَا انصبابة وَاحِدَة (وعزي لِلْجُمْهُورِ) (وَقَالَ الْخَلِيل وسيبويه والأخفش والجرمي) الْعَامِل فِيهَا (التّبعِيَّة) ثمَّ اخْتلف (فَقيل) المُرَاد التبيعة من حَيْثُ الْمَعْنى أَي اتِّحَاد معنى الْكَلَام اتّفق الْإِعْرَاب أَو اخْتلف (وَقيل) المُرَاد الِاتِّحَاد (من حَيْثُ الْإِعْرَاب) وَلَو اخْتلفت جِهَته (وَقيل) اتِّحَاد الْإِعْرَاب (بِشَرْط اتحادها) أَي جِهَته بِأَن تكون العوامل من جنس وَاحِد وَلَا تكون مُخْتَلفَة (وَالْأَكْثَر) على (أَن الْعَامِل فِي الْبَدَل مُقَدّر بِلَفْظ الأول) فَهُوَ من جملَة ثَانِيَة لَا من الأولى لظُهُوره فِي بعض الْمَوَاضِع كَقَوْلِه تَعَالَى: {لِلَّذِينَ استُضعِفُوا لِمَنءَامَنَ مِنهُمْ} [الْأَعْرَاف: 75] {وَمن النّخل من طلعها} [الْأَنْعَام: 99] {من الْمُشْركين من الَّذين فرقوا دينهم} [الرّوم: 31، 32] {لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم} [الزخرف: 33] (وَقيل) هُوَ الْعَامِل (نِيَابَة عَنهُ) أَي عَن الْمُقدر حَكَاهُ أَبُو حَيَّان عَن ابْن عُصْفُور قَالَ لما حذفت الْعَرَب عَامل الْبَدَل عوضت مِنْهُ الْعَامِل فِي الْمُبدل مِنْهُ فَتَوَلّى من الْعَمَل مَا كَانَ يَتَوَلَّاهُ ذَلِك الْمَحْذُوف كَمَا أَنهم لما عوضوا الظّرْف وَالْمَجْرُور فِي نَحْو زيد عنْدك قَائِما وَفِي الدَّار جَالِسا من مُسْتَقر الْمَحْذُوف توليا من الْعَمَل مَا لَهُ فنصبا الْحَال ورفعا الضَّمِير (وَقيل) هُوَ الْعَامِل (أَصَالَة من غير نِيَّة تكْرَار عَامل) وَعَلِيهِ الْمبرد وَابْن مَالك (و) الْأَكْثَر على أَن الْعَامِل (فِي النسق الأول بِوَاسِطَة الْحَرْف وَقيل) الْعَامِل فِيهِ (مُقَدّر) بعد الْحَرْف (وَقيل) الْعَامِل فِيهِ (الْحَرْف) نَفسه وَثَمَرَة الْخلاف [عدم جَوَاز] الْوَقْف على الْمَتْبُوع [دون التَّابِع عِنْد من قَالَ الْعَامِل فِيهِ هُوَ الأول](3/142)
(وَلَو قيل الْعَامِل فِي الْكل الْمَتْبُوع لَكَانَ لَهُ شَوَاهِد) تؤيده مِنْهَا قَوْلهم إِن الْمُبْتَدَأ عَامل فِي الْخَبَر والمضاف عَامل فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ وَلم أر أحد قَالَ بذلك هُنَا (وَيجوز فصلها) أَي التوابع (من الْمَتْبُوع بِغَيْر مباين مَحْض) كمعمول الْوَصْف نَحْو: {ذَلِك حشر علينا يسير} [ق: 44] والموصوف نَحْو: {سُبْحَانَ الله عَمَّا يصفونَ عَالم الْغَيْب} [الْمُؤْمِنُونَ: 91، 92] وَالْعَامِل فِيهِ نَحْو أزيدا ضربت الْقَائِم والمفسر نَحْو: {إِنِ امرُؤٌ اهَلَكَ لَيسَ لَهُ وَلَدٌ} [النِّسَاء: 176] والمبتدأ الَّذِي خَبره فِي مُتَعَلق الْمَوْصُوف نَحْو: {أَفِي الله شكّ فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} [إِبْرَاهِيم: 10] وَالْخَبَر نَحْو: زيد قَائِم الْعَاقِل وَجَوَاب الْقسم نَحْو: {بلَى وربي لتأتينكم عَالم الْغَيْب} [سبأ: 3] والاعتراض نَحْو: {وَإنَّهُ لقسم لَو تعلمُونَ عَظِيم} [الْوَاقِعَة: 76] وَالِاسْتِثْنَاء نَحْو مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيدا خير مِنْك وَمن الْفَصْل بَين التَّأْكِيد والمؤكد:: {وَلاَ يحزَنَّ وَيَرضَينَ بِمَاءَاتَيتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} [الْأَحْزَاب: 51] وَمن الْعَطف والمعطوف {وَامسَحُوا بِرُءُوسِكُم وَأَرجُلَكُمْ} [الْمَائِدَة: 6] بَين (الْأَيْدِي) والأرجل وَحسن ذَلِك أَن الْمَجْمُوع عمل وَاحِد وَقصد الْإِعْلَام بترتيبه وَبَين الْبَدَل والمبدل مِنْهُ: {قُم اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا نصفه} [المزمل: 2، 3] وَلَا يجوز الْفَصْل بمباين مَحْض أَي أَجْنَبِي بِالْكُلِّيَّةِ من التَّابِع والمتبوع فَلَا يُقَال مَرَرْت بِرَجُل على فرس عَاقل أبلق وشذ قَوْله:(3/143)
1533 -
(قلْتُ لقوم فِي الكنيفِ تروَّحُوا ... عَشِيّة بتنا عِنْد مَاوَانَ رُزَّحِ)
(لَا نعت) منعوت (مُبْهَم وَنَحْوه) مِمَّا لَا يَسْتَغْنِي عَن الصّفة أَي لَا يجوز الْفَصْل فِيهِ فَلَا يُقَال فِي (ضرب هَذَا الرجل زيدا) (وطلعت الشعرى العبور) ضربت هَذَا زيدا الرجل والشعرى طلعت العبور قَالَ فِي شرح الكافية وَمِنْه الْمَعْطُوف المتمم وَمَا لَا يسْتَغْنى عَنهُ من الصِّفَات نَحْو إِن امْرأ ينصح وَلَا يقبل خاسر فَلَا يجوز الْفَصْل ب (خاسر) بَين (ينصح) ومعطوفه لِأَنَّهُمَا جُزْءا صفة لَا يسْتَغْنى بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر وَكَذَا كل نعت ملازم التّبعِيَّة كأبيض يقق وَنَحْوه وَمِنْه تَوَابِع التوكيد (أجمع) وَمَا بعده لَا يفصل بَينهمَا وَبَين كل (وَلَا التَّأْكِيد) أَي لَا يفصل بَينه وَبَين الْمُؤَكّد (بإما على الْأَصَح) فَلَا يُقَال مَرَرْت بقومك إِمَّا أَجْمَعِينَ وَإِمَّا بَعضهم وَلَا مَرَرْت بهم إِمَّا كلهم وَإِمَّا بَعضهم وَأَجَازَهُ الْكسَائي وَالْفراء (وَلَا يقدم معمولها) أَي التوابع على الْمَتْبُوع لِأَن الْمَعْمُول لَا يحل إِلَّا فِي مَوضِع يحل فِيهِ الْعَامِل وَمَعْلُوم أَن التَّابِع لَا يتَقَدَّم على الْمَتْبُوع (خلافًا للكوفية) فِي جويزهم ذَلِك فَيُقَال هَذَا طَعَامك رجل يَأْكُل وَوَافَقَهُمْ الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقل لَهُم فِي أنفسهم قولا بليغا} [النِّسَاء: 63] فَجعل (فِي أنفسهم) مُتَعَلقا ب (بليغا)(3/144)
النَّعْت
أَي هَذَا مبحثه قَالَ أَبُو حَيَّان وَالتَّعْبِير بِهِ اصْطِلَاح الْكُوفِيّين وَرُبمَا قَالَه البصريون وَالْأَكْثَر عِنْدهم الْوَصْف وَالصّفة (تَابع مكمل لمتبوعه لدلالته على معنى فِيهِ أَو فِي مُتَعَلق بِهِ) فَخرج بالمكمل الْبَدَل والنسق وَبِمَا بعده الْمشَار بِأول قسميه إِلَى الْجَارِي عَلَيْهِ وَبِالثَّانِي إِلَى الْمسند إِلَى سَببه التوكيد وَالْبَيَان (وَيرد مدحا) نَحْو {الْحَمد لله رب الْعَالمين} [الْفَاتِحَة: 2] الْآيَات (وذما) نَحْو (أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم) (وترحما) نَحْو: (لطف الله بعباده الضُّعَفَاء) (وتوضيحا) أَي إِزَالَة للاشتراك الْعَارِض فِي الْمعرفَة نَحْو مَرَرْت بزيد الْكَاتِب (وتخصيصا) فِي النكرَة نَحْو: {فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} [النِّسَاء: 92] (وتوكيدا) نَحْو: {لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} [النَّحْل: 51] (وَغير ذَلِك) كالتعميم نَحْو (إِن الله يحْشر النَّاس الْأَوَّلين والآخرين) ومقابلة نَحْو: (الصَّلَاة الْوُسْطَى) وَالتَّفْصِيل نَحْو (مَرَرْت برجلَيْن عَرَبِيّ وعجمي) (ويوافق متبوعه تعريفا وتنكيرا) سَوَاء كَانَ مَعْنَاهُ لَهُ أَو لما بعده فَهُوَ كَمَا قَالَ ابْن مَالك أولى من التَّعْبِير بمنعوته لِأَنَّهُ إِنَّمَا يصدق حَقِيقَة على الأول وَلِأَنَّهُ يَشْمَل الْمَقْطُوع وَلَا تجب الْمُوَافقَة فِيهِ وَلَا يُطلق عَلَيْهِ تَابع وَإِنَّمَا وَجَبت الْمُوَافقَة فِي ذَلِك حذرا من التدافع بَين مَا هُوَ فِي الْمَعْنى وَاحِد لِأَن فِي التَّعْرِيف إيضاحا وَفِي التنكير إبهاما والنعت والمنعوت فِي الْمَعْنى وَاحِد فتدافعا (وَشرط الْجُمْهُور أَلا يكون أعرف) من متبوعه بل دونه أَو مُسَاوِيا لَهُ نَحْو (رَأَيْت زيدا الْفَاضِل وَالرجل الصَّالح) نعم يجوز كَونه أخص نَحْو (رجل فصيح ولحان) و (غُلَام يافع ومراهق) وَقَالَ الْفراء يُوصف الْأَعَمّ بالأخص نَحْو مَرَرْت بِالرجلِ أَخِيك وَابْن خروف تُوصَف كل معرفَة بِكُل معرفَة كَمَا تُوصَف كل نكرَة بِكُل(3/145)
نكرَة من غير مُلَاحظَة تَخْصِيص وَلَا تَعْمِيم قَالَ وَمَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور دَعْوَى بِلَا دَلِيل (وَجوز الكوفية التخالف فِي الْمَدْح والذم) ومثلوا بقوله تَعَالَى: {ويل لكل همزَة لُمزَة الَّذِي جمع} [الْهمزَة: 1، 2] فَجعلُوا (الَّذِي) صفة لهمزة (و) جوز (الْأَخْفَش وصف النكرَة بالمعرفة إِذا خصصت) قبل ذَلِك بِالْوَصْفِ وَجعل مِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فَئَاخَرَانِ يَقُومَنِ مَقَّامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ استَحَقَّ عَلَيهِمُ الأَولَيانِ} [الْمَائِدَة: عَلَيْهِم 107] قَالَ: (الأوليان) صفة (لآخران) لِأَنَّهُ لما وصف تخصص (و) جوز (قوم عَكسه) أَي وصف الْمعرفَة بالنكرة (مُطلقًا) وَمثل بقوله: 1534 -
(وللمُغنى رَسول الزُّور قوَّادِي)
قَالَ (قواد) صفة الْمُغنِي (و) جوز أَبُو الْحُسَيْن (ابْن الطراوة) وصف الْمعرفَة بالنكرة (إِذا كَانَ الْوَصْف خَاصّا بالموصوف) لَا يُوصف بِهِ غَيره كَقَوْلِه: 1535 -
(فِي أنيابها السُّمُّ ناقِعُ ... )
قَالَ (ناقع) صفة للسم وَأجِيب بِالْمَنْعِ فِي الْجَمِيع بإعرابها إبدالا (وَهُوَ) أَي النَّعْت (فِي الْإِفْرَاد والتذكير وفروعهما) أَي التَّثْنِيَة وَالْجمع والتأنيث (كَمَا مر فِي) مَبْحَث إِعْمَال (الصّفة) المشبهة(3/146)
فَإِن رفع ضمير المنعوت بِأَن كَانَ مَعْنَاهُ لَهُ نَحْو مَرَرْت برجلَيْن قارئين أَو لسببية وَلم يرفع الظَّاهِر نَحْو مَرَرْت بِامْرَأَة حَسَنَة الْوَجْه وبرجال حسان الْوُجُوه وَجَبت الْمُطَابقَة فِي ذَلِك أَو رَفعه فكالمسند إِلَى الْفِعْل يجب إِفْرَاده فِي الْأَصَح وتأنيثه حَيْثُ الظَّاهِر حَقِيقِيّ وَرجح حَيْثُ هُوَ مجازي على التَّفْصِيل الْآتِي فِي التَّأْنِيث (وَيكون) النَّعْت (جملَة كالصلة) فَلَا تكون إِلَّا خبرية وَنَحْو: 1536 -
(جَاءُوا بمَذْق هَل رأيْتَ الذِّئْبَ قَطْ ... )
مؤول على حذف الْوَصْف أَي مقول فِيهِ (هَل رَأَيْت) وَمِنْه قَول أبي الدَّرْدَاء (وجدت النَّاس أخبر تقله) أَي مقولا فيهم وَيجب مَعهَا الْعَائِد كعائد الْمَوْصُول (و) لَكِن (حذف عائدها) هُنَا (كثير) وَفِي الْخَبَر قَلِيل وَفِي الصِّلَة أَكثر(3/147)
صفحة فارغة(3/148)
مَسْأَلَة
(لَا ينعَت الضَّمِير وَلَا) ينعَت (بِهِ) مُطلقًا أما الأول فَلِأَنَّهُ إِشَارَة بِحرف وَاحِد أَو حرفين أَو ظَاهر تقدم ذكره وَالْإِشَارَة لَا تنْعَت بل الْمشَار إِلَيْهِ الظَّاهِر الْمُتَقَدّم وَلِأَن النَّعْت فِي الأَصْل إِيضَاح أَو تَخْصِيص وَلَا إِضْمَار إِلَّا بعد معرفَة لَا إلباس فِيهَا وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بمشتق وَلَا مؤول بِهِ فَلَا يتَصَوَّر فِيهِ إِضْمَار يعود على منعوته وَلِأَنَّهُ أعرف المعارف وَتقدم اشْتِرَاط أَلا يكون النَّعْت أعرف (وَجوز الْكسَائي نعت) مُضْمر (الْغَائِب) إِذا كَانَ (لمدح أَو ذمّ أَو ترحم) كَذَا نَقله عَنهُ النَّاس كَمَا قَالَ أَبُو حَيَّان وَاحْتج بقوله تَعَالَى: {قل إِن رَبِّي يقذف بِالْحَقِّ علام الغيوب} [سبأ: 48] وَقَوْلهمْ (مَرَرْت بِهِ الْمِسْكِين) وَقَوْلهمْ (اللَّهُمَّ صل عيه الرءوف الرَّحِيم) وَقَوله: 1537
(فَلَا تلمْهُ أَن ينامَ البائِسا ... )
وَغَيره خرج ذَلِك على الْبَدَل قَالَ ابْن مَالك وَفِيه تكلّف (وَقيل) إِنَّه أجَازه (إِذا تقدم الْمظهر) كَذَا نَقله عَنهُ النّحاس وَالْفراء (وَكَذَا كل متوغل فِي الْبَاء) لَا ينعَت وَلَا ينعَت بِهِ كأسماء الشَّرْط والاستفهام وَكم الخبرية وَمَا التعجبية والآن وَقبل وَبعد (غير مَا مر) أَنه ينعَت أَو ينعَت بِهِ مِنْهَا وَكَذَلِكَ (مَا) و (من) النكرتان وَذُو الطائية والموصول المقرون بأل (والمصدر) الَّذِي (للطلب) نَحْو ضربا زيدا وسقيا لَك لَا ينعَت لِأَنَّهُ بدل من الْفِعْل وَلَا ينعَت بِهِ لِأَنَّهُ طلب (وَقَالَ الكوفية والزجاج والسهيلي وَمِنْه) أَي مِمَّا لَا ينعَت وَلَا ينعَت بِهِ(3/149)
(الْإِشَارَة) أما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ جامد وَلَا يتَصَوَّر فِيهِ الْإِضْمَار وَأما الأول فَلِأَن غَالب مَا يَقع بعده جامد قَالَ السُّهيْلي فَالْأولى جعله بَيَانا وَإِن سَمَّاهُ سِيبَوَيْهٍ صفة فتسامح كَمَا سمى بذلك التوكيد وَالْبَيَان فِي غير مَوضِع وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك وَأكْثر الْبَصرِيين على أَنه ينعَت وينعت بِهِ نَحْو: {بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا} [الْأَنْبِيَاء: 63] {أَرَءَيتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمتَ عَلَيَّ} [الْإِسْرَاء: 62] (و) لَكِن (لَا ينعَت عِنْد المجوز لَهُ إِلَّا بِذِي أل) أما غير الْمُضَاف من المعارف فَوَاضِح أَنه لَا ينعَت بِهِ أما الْمُضَاف فَلِأَن النَّعْت مَعَ منعوته كاسم وَاحِد وَاسم الْإِشَارَة لَا يُضَاف فَكَذَا منعوته ولوحظ فِي ذِي أل معنى الِاشْتِقَاق على أَن معنى قَوْلك هَذَا الرجل هَذَا الْحَاضِر الْمشَار إِلَيْهِ (فَإِن كَانَ) الْوَاقِع بعده (مشتقا ضعف) (وينعت فَقَط) أَي وَلَا ينعَت بِهِ (الْعلم) لِأَنَّهُ لَيْسَ بمشتق وَصفا وَلَا تَأْوِيلا (والأجناس) مَا دَامَت على موضوعها كَرجل وَسبع (وَعَكسه) أَي ينعَت بِهِ وَلَا ينعَت (أَي) كَمَا سبق (وَمَا مر) من كل وجد وَحقّ (وَمِنْه مَا لَا يَقع إِلَّا تَابعا) كخالدة تالدة وَحسن بسن وَشَيْطَان ليطان أَي كالاسم الثَّانِي من الْمَذْكُورَات قَالَ أَبُو حَيَّان وَهِي مَحْفُوظَة لَا يُقَاس عَلَيْهَا قلت ألف فِيهَا ابْن فَارس كتابا (قيل وَمِنْه الْمَوْصُول) لِأَنَّهُ كجزء كلمة إِذْ لَا يتم إِلَّا بصلته وجزء الْكَلِمَة لَا ينعَت وَالأَصَح أَن المقرون بأل مِنْهُ يُوصف كَمَا يُوصف بِهِ ويصغر ويثنى وَيجمع وَكَذَا (مَا) و (من) تَقول جَاءَنِي من فِي الدَّار الْعَاقِل وَنظرت إِلَى مَا اشْتريت الْحسن (قيل وَمِنْه الْوَصْف) قَالَ ابْن جني من خَواص الْوَصْف أَلا يقبل الْوَصْف لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْفِعْل وَالْجُمْلَة وَإِن كثرت الصِّفَات فَهِيَ للْأولِ(3/150)
وَقَالَ غَيره لِأَنَّهُ من تَمام الأول فَكَأَنَّهُ بعضه ورد بِأَن الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ كَذَلِك وَلَا خلاف فِي وصفهما وَالأَصَح أَنه قد يُوصف مُطلقًا لِأَنَّهُ اسْم وكل اسْم فِي الْحَقِيقَة قَابل للوصف فَلَا يرد بشبة ضَعِيف وَقد أجَاز سِيبَوَيْهٍ يَا زيد الطَّوِيل ذُو الجمة على جعل (ذِي الجمة نعتا (للطويل) وَجعل (صَائِما) من قَوْله: 1538 -
(لدي فرس مُسْتقبل الرّيح صَائِم ... )
صفة مُسْتَقْبل وَهُوَ عَامل (وَثَالِثهَا يُوصف إِن دلّ على جموده دَلِيل) قَالَه السهلي كَأَن يكون خَبرا لمبتدأ أَو بَدَلا من اسْم جامد بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ نعتا فيقوى فِيهِ معنى الْفِعْل حِينَئِذٍ بالاعتماد فَلَا ينعَت (وَرَابِعهَا) يُوصف (إِن لم يعْمل) عمل الْفِعْل لبعده حِينَئِذٍ عَن الْفِعْل بِخِلَاف مَا إِذا عمل
مَسْأَلَة
(يفرق نعت غير الْوَاحِد) أَي الْمثنى وَالْجمع (بِالْوَاو إِن اخْتلف) نَحْو مَرَرْت برجلَيْن كريم وبخيل (وَإِلَّا) بِأَن اتّفق (جمع) بَينهمَا فِي اللَّفْظ نَحْو مَرَرْت برجلَيْن كريمين (وَغلب التَّذْكِير وَالْعقل وجوبا عِنْد الشُّمُول) نَحْو مَرَرْت بزيد وَهِنْد الصَّالِحين وبرجل وَامْرَأَة عاقلين واشتريت عَبْدَيْنِ وفرسين مختارين (واختيارا عِنْد التَّفْصِيل) نَحْو مَرَرْت بإنسانين صَالح وَصَالح وَيجوز وصالحة وانتفعت بعبيد وأفراس سابقيين وسابقين وَيجوز وسابقات (فَإِن تعدد الْعَامِل وَجب الْقطع إِلَى الرّفْع) بإضمار مُبْتَدأ(3/151)
(وَكَذَا النصب بِفعل لَائِق وَاجِب الْإِضْمَار فِي غير تَخْصِيص) سَوَاء اخْتلف الْعَمَل نَحْو مَرَرْت بزيد وَلَقِيت عمرا الكريمان أَو الكريمين أم اتَّحد وَاخْتلف جنس الْكَلَام فِي الْمَعْنى نَحْو قَامَ زيد وَهل خرج عَمْرو العاقلان أَو اتّفق وَاخْتلف جنس الْعَامِل كَأَن يَكُونَا مرفوعين هَذَا على الفاعلية وَهَذَا على الِابْتِدَاء أَو منصوبين هَذَا على المفعولية وَهَذَا على الظَّرْفِيَّة أَو مجرورين هَذَا بِحرف وَهَذَا بِإِضَافَة نَحْو هَذَا زيد وَقَامَ عَمْرو الظريفان أَو الظريفين (وَجوز قوم) مِنْهُم الْأَخْفَش (الإتباع إِذا اتَّحد الْعَمَل لَا جنس الْعَامِل وتقارب الْمَعْنى) وَهُوَ الْقسم الْأَخير مِمَّا ذكر (و) جوز (الْكسَائي) وَالْفراء الإتباع (إِذا تقَارب الْمَعْنى) أَي معنى العاملين (وَإِن اخْتلفَا) فِي الْعَمَل نَحْو رَأَيْت زيدا ومررت بِعَمْرو الظريفين لِأَن الْمُرُور فِي معنى الرُّؤْيَة ومررت بِرَجُل مَعَه رجل قَائِمين لِأَنَّهُ قد مر بهما جَمِيعًا لَكِن الْكسَائي يتبع الثَّانِي وَالْفراء يتبع الأول وَقَوْلِي فِي غير تَخْصِيص رَاجع إِلَى وجوب إِضْمَار الْفِعْل فَإِن نعت التَّخْصِيص يجوز فِيهِ إِظْهَاره نَحْو أَعنِي (فَإِن اتحدا) أَي العاملان جِنْسا وَعَملا (جَازَ) الإتباع (عِنْد الْجُمْهُور) سَوَاء اتفقَا لفظا وَمعنى نَحْو قَامَ زيد وَقَامَ بكر العاقلان أَو اخْتلفَا فيهمَا نَحْو أقبل زيد وَأدبر عَمْرو العاقلان أَو اتفقَا لفظا فَقَط نَحْو وجد زيد على عَمْرو وَوجد بكر الضَّالة العاقلان أَو معنى نَحْو ذهب زيد وَانْطَلق خَالِد العاقلان وَذهب ابْن السراج إِلَى وجوب الْقطع فِي الْجَمِيع إِلَّا أَنه فصل فِي الأولى فَقَالَ إِن قدرت الثَّانِي عَاملا فالقطع أَو توكيدا وَالْعَامِل هُوَ الأول جَازَ الإتباع وَوَافَقَهُ الْمبرد فِي الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَمُقْتَضى مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ أَنه لَا يجوز الإتباع لما انجر من جِهَتَيْنِ كاختلاف الْحَرْف وَالْإِضَافَة نَحْو مَرَرْت بزيد وَهَذَا غُلَام بكر الفاضلين وكاختلاف الحرفين نَحْو مَرَرْت بزيد وَدخلت إِلَى عَمْرو الظريفين وكاختلاف معنى الحرفين نَحْو مَرَرْت يزِيد واستعنت بِعَمْرو الفاضلين أَو الإضافتين نَحْو هَذِه دَار زيد وَهَذَا أَخُو عَمْرو الفاضلين(3/152)
(وَإِن كَانَ الْعَامِل وَاحِدًا جازا) أَي الإتباع وَالْقطع (إِن لم يخْتَلف الْعَمَل) نَحْو قَامَ زيد وَعَمْرو العاقلان بِخِلَاف مَا إِذا اخْتلف فَيتَعَيَّن الْقطع سَوَاء اخْتلفت النِّسْبَة إِلَيْهِمَا من حَيْثُ الْمَعْنى نَحْو ضرب زيد عمرا العاقلان أم اتّحدت وَقَالَ الْفراء وَابْن سَعْدَان يجوز الإتباع فِي الْأَخِيرَة ثمَّ قَالَ الْفراء يجب إتباع الْمَرْفُوع تغلبيا لَهُ وَقَالَ ابْن سَعْدَان يجوز إتباع كل مِنْهُمَا نَحْو خَاصم زيد عمرا الكريمان والكريمين لِأَن كلا مِنْهُمَا مخاصم ومخاصم فَهُوَ فَاعل ومفعول قَالَ أَبُو حَيَّان ورد بِأَنَّهُ لَا يجوز ضَارب زيد هندا الْعَاقِلَة بِالرَّفْع على الإتباع إِجْمَاعًا فَكَمَا لَا يجوز فِي نعت الِاسْم إِذا أفرد الْحمل على الْمَعْنى لَا يجوز إِذا ضممته إِلَى غَيره (ويجوزان) أَي الإتباع وَالْقطع (فِي نعت غير مُبْهَم إِن لم يكن مُلْتَزما وَلَا مؤكدا قَالَ يُونُس وَلَا ترحما) نَحْو الْحَمد لله الحميد أَي هُوَ ( {وَامْرَأَته حمالَة الْحَطب} [المسد: 4] أَي أَذمّ {والمقيمين الصَّلَاة} [النِّسَاء 162] أَي أمدح و (اللَّهُمَّ الطف بعبدك الْمِسْكِين) أَي أترحم على رَأْي الْجُمْهُور بِخِلَاف نعت الْمُبْهم نَحْو مَرَرْت بِهَذَا الْعَالم أَو النَّعْت الْمُلْتَزم نَحْو نظرت إِلَى الشعرى العبور أَو الْمُؤَكّد نَحْو: {لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} [النَّحْل: 51] فَلَا يجوز فيهمَا الْقطع (فَإِن كَانَ) النَّعْت (لنكرة شَرط) فِي جَوَاز الْقطع (تقدم) نعت (آخر اخْتِيَارا) كَقَوْل أبي الدَّرْدَاء (نزلنَا على خَال لنا ذُو مَال وَذُو هَيْئَة) فَإِن لم يتَقَدَّم آخر لم يجز الْقطع إِلَّا فِي الشّعْر (لَا لكَونه لغير مدح أَو ذمّ أَو ترحم) أَي لَا يشْتَرط ذَلِك (فِي الْأَصَح) وَقَالَ يُونُس لَا يجوز الْقطع فِي الثَّلَاثَة وَوَافَقَهُ الْخَلِيل فِي الْمَدْح والذم أما نعت الْمعرفَة فَلَا يشْتَرط ذَلِك فِيهِ بِاتِّفَاق إِلَّا مَا تقدم عَن يُونُس فِي الترحم (وَإِن كثرت نعوت مَعْلُوم) لَا يحْتَاج إِلَيْهَا فِي التَّمْيِيز (أَو منزل مَنْزِلَته) تَعْظِيمًا أَو غَيره (أتبعت) كلهَا (أَو قطعت أَو) قطع (بَعْضهَا) وأتبع بعض (بِشَرْط تَقْدِيم المتبع فِي الْأَصَح) لِأَنَّهُ الثَّابِت عَن الْعَرَب لِئَلَّا يفصل بَين النَّعْت والمنعوت(3/153)
وَقيل لَا يشْتَرط بل يجوز الإتباع بعد الْقطع لِأَنَّهُ عَارض لَفْظِي فَلَا حكم لَهُ وَقد قَالَ تَعَالَى: {والمقيمين الصَّلَاة والمؤتون الزَّكَاة} [النِّسَاء: 162] وَقَالَت الخرنق 1539 -
(لَا يَبْعَدنْ قَوْمِي الَّذين هُمُ ... سَمُّ العُدَاةِ وآفةُ الجُزُر)
(النّازلين بِكُل مُعْتَرَكٍ ... والطَيِّبُون مَعاقِدَ الأزْر)
رُوِيَ برفعهما ونصبهما وَنصب الأول وَرفع الثَّانِي وَعَكسه وَهُوَ مِمَّا نزل فِيهِ المنعوت منزلَة الْمَعْلُوم تَعْظِيمًا وَأجِيب بِأَن الرّفْع فِيهِ على رِوَايَة نصب الأول وَفِي الْآيَة على الِابْتِدَاء أما إِذا احْتَاجَ المنعوت إِلَى إتباع الْجَمِيع أَو بَعْضهَا فِي الْبَيَان فَإِنَّهُ يجب إتباعه وَيقدم فِي الثَّانِيَة على الْمَقْطُوع وإتباعه أَيْضا أَجود (وَيجوز تعاطفها) أَي النعوت أَي عطف بَعْضهَا على بعض متبعة كَانَت أَو مَقْطُوعَة قَالَ أَبُو حَيَّان وتختص بِالْوَاو نَحْو: {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى الَّذِي خلق فسوى وَالَّذِي قدر فهدى وَالَّذِي أخرج المرعى} [الْأَعْلَى: 1 - 4] قَالَ وَلَا يجوز بِالْفَاءِ إِلَّا إِن دلّت على أَحْدَاث وَاقع بَعْضهَا على إِثْر بعض نَحْو مَرَرْت بِرَجُل قَائِم إِلَى زيد فضاربه فقاتله قَالَ(3/154)
1540 -
(يَا وَيْحَ زَيّابَة لِلْحَارِثِ الصابح ... فالغانِم فالآيبِ)
أَي الَّذِي صبح الْعَدو فغنم فآب قَالَ السُّهيْلي والعطف بثم فِي مثل هَذَا بعيد جَوَازه وَقَالَ ابْن خروف إِذا كَانَت مجتمعة فِي حَالَة وَاحِدَة لم يكن الْعَطف إِلَّا بِالْوَاو وَإِلَّا جَازَ بِجَمِيعِ حُرُوف الْعَطف إِلَّا حَتَّى وَأم وَإِنَّمَا يجوز الْعَطف (لاخْتِلَاف الْمعَانِي) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ينزل اخْتِلَاف الصِّفَات منزلَة اخْتِلَاف الذوات فَيصح الْعَطف فَإِن اتّفقت فَلَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى عطف الشَّيْء على نَفسه (وَإِنَّمَا تحسن لتباعدها) نَحْو: {هُوَ الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن} [الْحَدِيد: 3] بِخِلَاف مَا إِذا تقاربت نَحْو: {هُوَ الله الْخَالِق البارئ المصور} [الْحَشْر: 24] (ويلي) النَّعْت (إِمَّا) أَو (لَا) لإِفَادَة شكّ أَو تنويع أَو نَحْوهمَا (فَيجب تكرارهما) مقرونين (بِالْوَاو) نَحْو مَرَرْت بِرَجُل إِمَّا صَالح وَإِمَّا طالح: {وظل من يحموم لَا بَارِد وَلَا كريم} [الْوَاقِعَة: 43، 44] (وَقيل لَا يجب تكْرَار لَا) لِأَنَّهَا لَيست فِي جَوَاب (وَإِذا وصف بمفرد وظرف) أَو مجرور (وَجُمْلَة فَالْأولى ترتيبها هَكَذَا) كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤمِنٌ مِّنءَالِ فِرعَونَ يَكتُمُ إِيمَانَهُ} [غَافِر: 28] وَعلة ذَلِك أَن الأَصْل الْوَصْف بِالِاسْمِ فَالْقِيَاس تَقْدِيمه وَإِنَّمَا تقدم الظّرْف وَنَحْوه على الْجُمْلَة لِأَنَّهُ من قبيل الْمُفْرد (وأوجبه ابْن عُصْفُور اخْتِيَارا) وَقَالَ لَا يُخَالف فِي ذَلِك إِلَّا فِي ضَرُورَة أَو ندور ورد بقوله تَعَالَى: {كتاب أَنزَلْنَاهُ إِلَيْك مبارك} [ص: 29] وَقَوله: {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين} [الْمَائِدَة: 54] (وَقدم ابْن جني الصّفة غير الرافعة عَلَيْهَا) أَي على الرافعة لِأَن الرافعة شَبيهَة(3/155)
بِالْجُمْلَةِ فَيُقَال مَرَرْت بِرَجُل قَائِم عَاقل أَبوهُ وعَلى هَذَا يَليهَا الظّرْف (وَقدم بَعضهم) وَهُوَ صَاحب (البديع) الْجُمْلَة (الفعلية على الاسمية) قَالَ لِأَن الْوَصْف بِتِلْكَ أقوى مِنْهُ بِهَذِهِ قَالَ وَأكْثر مَا يُوصف من الْأَفْعَال بالماضي
مَسْأَلَة
(لَا يقدم النَّعْت) على منعوته (خلافًا لبَعْضهِم) وَهُوَ صَاحب البديع (فِي) إِجَازَته تَقْدِيم النَّعْت (غير مُفْرد) أَي مثنى أَو جمع (إِذا تقدم أحد متبوعيه) فَيُقَال قَامَ زيد العاقلان وَعَمْرو كَقَوْلِه: 1541 -
(أبَى ذَاكَ عَمِّي الأكْرمان وخَالِيا ... )
(ويحذف المنعوت لقَرِينَة) كتقدم ذكره نَحْو (ائْتِنِي بِمَاء وَلَو بَارِدًا) واختصاص النَّعْت بِهِ كمررت بكاتب وحائض وراكب صاهلا ومصاحبة مَا يُعينهُ نَحْو: {وألنا لَهُ الْحَدِيد أَن اعْمَلْ سابغات} [سبأ: 10، 11] أَي (دروعا) وَقصد الْعُمُوم نَحْو: {وَلَا رطب وَلَا يَابِس} [الْأَنْعَام: 59] وإجرائه مجْرى الْأَسْمَاء كمررت بالفقيه أَو القَاضِي وإشعاره بِالتَّعْلِيلِ نَحْو أكْرم الْعَالم وأهن الْفَاسِق وَكَونه لمَكَان أَو زمَان نَحْو جَلَست قَرِيبا مِنْك وصحبتك طَويلا (ويقام نَعته مقَامه إِن لم يكن ظرفا أَو جملَة) بِأَن كَانَ مُفردا كَمَا مثلنَا لتصح مُبَاشَرَته لما كَانَ المنعوت يباشره (أَو كَانَ هما) أَي ظرفا أَو جملَة (والمنعوت بعض مَا قبله من مجرور بِمن) نَحْو: {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ} [النِّسَاء: 159] أَي وَإِن أحد {وَمنا دون ذَلِك} [الْجِنّ: 11] أَي قوم دون وَقَالُوا منا ظعن وَمنا أَقَامَ أَي إِنْسَان وَقَالَ:(3/156)
1542 -
(وَمَا الدَّهْرُ إِلَّا تارتان فمِنْهُما ... أَمُوتُ وَأُخْرَى أَبْتَغِي العَيش أكْدَحُ)
أَي تَارَة (وَقَالَ ابْن مَالك أَو فِي) كَقَوْلِه: 1543 -
(لَو قُلْتَ مَا فِي قَوْمِها لم تيثم ... يَفْضُلُها فِي حَسَبٍ ومِيسَم)
أَي (أحد) يفضلها وَغَيره لم يذكرذلك بل جعله ابْن عُصْفُور من الصرائر وَإِلَّا بِأَن لم يكن قرينَة أَو كَانَ النَّعْت ظرفا أَو جملَة والمنعوت غير بعض مِمَّا قبله أَو بعض بِلَا تقدم (من) أَو (فِي) على رَأْي ابْن مَالك (فضرورة) حذفه كَقَوْلِه: 1544 -
(وقُصْرَى شَنِج الأنْساء ... نَبَّاح من الشُّعْبِ)(3/157)
أَي ثَوْر شنج الأنساء وَقد يُوصف بِهِ الْفرس والغزال وقولك وَمَا من الْبَصْرَة إِلَّا يسير إِلَى الْكُوفَة أَي رجل وَقَوله: 1545
(ترْمِي بكَفِّيْ كَانَ من أرمَى البَشَر ... )
وَقَوله: 1546 -
(وَالله مَا زَيْدٌ بنامَ صاحِبُهْ ... )
أَي (رجل نَام) و (بكفي رجل كَانَ) (ويقل حذف النَّعْت) مَعَ الْعلم بِهِ لِأَنَّهُ جِيءَ بِهِ فِي الأَصْل لفائدة إِزَالَة الِاشْتِرَاك أَو الْعُمُوم فَحَذفهُ عكس الْمَقْصُود وَمِمَّا ورد مِنْهُ: {وَكذب بِهِ قَوْمك} [الْأَنْعَام: 66] أَي المعاندون {إِنَّه لَيْسَ من أهلك} [هود: 46] أَي الناجين: {الْآن جِئْت بِالْحَقِّ} [الْبَقَرَة: 71] أَي الْوَاضِح (تُدَمِّرُ كُلَّ شيءٍ} [الْأَحْقَاف: 25] أَي سلطت عَلَيْهِ 1547 -
(فَلم أُعطَ شَيْئا وَلم أُمْنَع ... )
أَي طائلا(3/158)
عطف الْبَيَان
أَي هَذَا مبحثه قَالَ أَبُو حَيَّان وَسمي بِهِ لِأَنَّهُ تكْرَار الأول لزِيَادَة بَيَان فكأنك رَددته على نَفسه بِخِلَاف النَّعْت والتأكيد وَالْبدل وَقيل لِأَن أَصله الْعَطف فَأصل جَاءَ أَخُوك زيد وَهُوَ زيد حذف الْحَرْف وَالضَّمِير وأقيم زيد مقَامه وَلذَلِك لَا يكون فِي غير الْأَسْمَاء الظَّاهِرَة ذكره صَاحب الْبَسِيط والكوفيون يسمونه التَّرْجَمَة (هُوَ الْجَارِي مجْرى النَّعْت) فِي تَكْمِيل متبوعه (توضيحا وتخصيصا قيل وتوكيدا) فَالْأول فِي المعارف نَحْو جَاءَ أَخُوك زيد وَالثَّانِي فِي النكرات نَحْو: {من شَجَرَة مباركة زيتونة} [النُّور: 35] وَالثَّالِث فِي المكرر بِلَفْظِهِ نَحْو: 1548 -
(لقائِلٌ يَا نَصْرٌ نَصْرٌ نَصْرَا ... )
قَالَ ابْن مَالك وَالْأولَى عِنْدِي جعله توكيدا لفظيا لِأَن عطف الْبَيَان حَقه أَن يكون للْأولِ بِهِ زِيَادَة وضوح وتكرير اللَّفْظ لَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى ذَلِك وَفَارق بِمَا ذَكرْنَاهُ سَائِر التوابع إِلَّا النَّعْت (لَكِن يجب جموده) وَلَو تَأْوِيلا وَبِذَلِك يقارن النَّعْت وَالْمرَاد بالجامد تَأْوِيلا الْعلم الَّذِي كَانَ أَصله صفة فَغلبَتْ (لَا كَونه أخص من الْمَتْبُوع أَو غير أخص) مِنْهُ أَي لَا يجب وَاحِد مِنْهُمَا (فِي الْأَصَح) قَالَ فِي شرح الكافية وَاشْترط الْجِرْجَانِيّ والزمخشري زِيَادَة تَخْصِيصه وَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَنَّهُ فِي الجامد بِمَنْزِلَة النَّعْت فِي الْمُشْتَقّ وَلَا يشْتَرط زِيَادَة تخصص النَّعْت فَكَذَا عطف الْبَيَان بل الأولى بهما الْعَكْس لِأَنَّهُمَا مكملان وَقد جعل سِيبَوَيْهٍ (ذَا الجمة) من (يَا هَذَا ذَا الجمة) عطف بَيَان مَعَ أَن (هَذَا) أخص انْتهى(3/159)
وَقَالَ فِي شرح التسهيل زعم أَكثر الْمُتَأَخِّرين أَن متبوع عطف الْبَيَان لَا يفوتهُ فِي الِاخْتِصَاص بل يُسَاوِيه أَو يكون أَعم مِنْهُ وَالصَّحِيح جَوَاز الثَّلَاثَة لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة النَّعْت وَهُوَ يكون فِي الِاخْتِصَاص فائقا ومفوقا ومساويا فَلْيَكُن الْعَطف كَذَلِك انْتهى فَذكر فِي كل من الْكِتَابَيْنِ مَسْأَلَة وَتحصل من ذَلِك فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَلَاثَة أَقْوَال وَقَالَ أَبُو حَيَّان شَرط ابْن عُصْفُور أَن يكون عطف الْبَيَان أعرف من متبوعه وَعلله بِأَن الِابْتِدَاء بالأخص يُوجب الِاكْتِفَاء بِهِ وَعدم الْحَاجة إِلَى الْإِتْيَان بِمَا هُوَ دونه (وَيُوَافِقهُ) أَي مبتوعه (فِي الْإِفْرَاد والتذكير والتنكير) وفروعهما أَي التَّثْنِيَة وَالْجمع والتأنيث والتعريف كالنعت (وَمنع البصرية جَرَيَانه على النكرَة) وَقَالُوا لَا يجْرِي إِلَّا فِي المعارف كَذَا نَقله عَنْهُم الشلوبين قَالَ ابْن مَالك وَلم أجد هَذَا النَّقْل عَنْهُم إِلَّا من جِهَته وَذهب الْكُوفِيُّونَ والفارسي والزمخشري إِلَى جَوَاز تنكيرهما ومثلوا بقوله تَعَالَى: {من مَاء صديد} [إِبْرَاهِيم: 16] وَقَوله: {أَو كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين} [الْمَائِدَة: 95] {من شَجَرَة مباركة زيتونة} [النُّور: 35] وَهُوَ الصَّحِيح وَاحْتج المانعون بِأَن الْغَرَض فِي عطف الْبَيَان تَبْيِين الِاسْم الْمَتْبُوع وإيضاحه والنكرة لَا يَصح أَن يبين بهَا غَيرهَا لِأَنَّهَا مَجْهُولَة وَلَا يبين مَجْهُول بِمَجْهُول وَأجِيب بِأَنَّهَا إِذا كَانَت أخص مِمَّا جرت عَلَيْهِ أفادته تبيينا وَإِن لم تصيره معرفَة وَهَذَا الْقدر كَاف فِي تَسْمِيَته عطف الْبَيَان قَالَ ابْن عُصْفُور وَهُوَ مَبْنِيّ على اشْتِرَاط كَونه أخص (وَجوز الزَّمَخْشَرِيّ تخالفهما) فأعرب قَوْله تَعَالَى: {مقَام إِبْرَاهِيم} [آل عمرَان: 97] عطف بَيَان وَهُوَ معرفَة جَار على (آيَات بَيِّنَات) وَهِي نكرَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ ومخالف لإِجْمَاع الْبَصرِيين والكوفيين فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ (وَخَصه بَعضهم بِالْعلمِ) بِأَن يجْرِي على الِاسْم كنيته وَعَلَيْهِمَا اللقب وَلَا يجْرِي فِي سَائِر المعارف نَقله صَاحب الْبَسِيط(3/160)
(وَلَا يكون مضمرا وفَاقا وَلَا تَابعا لَهُ) أَي لمضمر (على الصَّحِيح) لِأَنَّهُ فِي الجوامد نَظِير النَّعْت فِي الْمُشْتَقّ وَجوز بَعضهم جَرَيَانه على الْمُضمر فَإِنَّهُ قَالَ فِي (قَامُوا إِلَّا زيدا) إِن زيدا بَيَان للمضمر فِي قَامُوا وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَن اعبدوا الله} [الْمَائِدَة: 117] إِنَّه بَيَان للهاء من (أَمرتنِي بِهِ) (وَلَا) يكون (جملَة وَلَا تَابعا لَهَا) كَذَا نَقله ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي جَازِمًا بِهِ وَسَوَاء الاسمية والفعلية (و) كل مَا كَانَ عطف بَيَان (يصلح) أَن يكون (بَدَلا) بِخِلَاف الْعَكْس لِأَن الْبَدَل لَا يشْتَرط فِيهِ التوافق فِي التَّعْرِيف والتنكير وَلَا الْإِفْرَاد وفرعيه (إِلَّا إِذا أفرد) عَن الْإِضَافَة مَقْرُونا بَال أَو لَا (تَابعا لمنادى) مَنْصُوب أَو مضموم كَقَوْلِه: 1549 -
(فِيمَا أخوَيْنا عَبْد شَمْس ونوفلا ... )
وقولك يَا أخانا الْحَارِث يَا غُلَام بشر يَا أخانا زيدا بِالنّصب فَإِنَّهُ يتَعَيَّن فِي هَذِه الْأَمْثِلَة كَونه عطف بَيَان وَلَا يجوز إعرابه بَدَلا لِأَنَّهُ فِي نِيَّة تَقْدِير حرف النداء فَيلْزم ضمه وَنَحْو يَا زيد الرجل إِذْ على الْبَدَلِيَّة يلْزم دُخُول (يَا) على الْمُعَرّف بأل وَذَلِكَ مَمْنُوع (أَو جر متبوعه بِمَا لَا تصلح إِضَافَته إِلَيْهِ) بِأَن كَانَ صفة مقترنة ب (أل) وَالتَّابِع خَال مِنْهَا نَحْو: 1550 -
(أَنا ابْن التّاركِ البكريِّ بشْر ... )(3/161)
فَإِنَّهُ لَا تجوز هُنَا الْبَدَلِيَّة لِئَلَّا يلْزم إِضَافَة الْمُعَرّف ب (أل) إِلَى الْخَالِي مِنْهَا بِخِلَاف مَا إِذا صلح نَحْو أَنا الضَّارِب الرجل غُلَام الْقَوْم أَو أفعل تَفْضِيل مُضَافا إِلَى عَام مُتبع بقسميه والمفضل أَحدهمَا نَحْو زيد أفضل النَّاس الرِّجَال وَالنِّسَاء إِذْ على الْبَدَلِيَّة يكون التَّقْدِير زيد أفضل الرجل وَالنِّسَاء وَذَلِكَ لَا يسوغ أَو (أَي) أَو (كلا) مفصلا مَا بعده نَحْو أَي الرجلَيْن زيد وَعَمْرو أفضل وكلا أخويك زيد وَعَمْرو قَالَ ذَلِك (تَنْبِيهَات) الأول عد أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف الصُّور المستثناة إِحْدَى عشرَة شملت الْعبارَة مِنْهَا سَبْعَة وَالثَّامِنَة أَن يفْتَقر الْكَلَام إِلَّا رابط إِلَّا التَّابِع نَحْو هِنْد ضربت الرجل أخاها إِذْ على الْبَدَلِيَّة يلْزم خلو الْجُمْلَة الأولى عَن رابط لِأَن الْبَدَل فِي التَّقْدِير من جملَة أُخْرَى والتاسعة والعاشرة أَن يتبع مَوْصُوف أَي فِي النداء بمضاف أَو منون نَحْو يأيها الرجل غُلَام زيد ويأيها الرجل زيد إِذْ على الْبَدَلِيَّة يلْزم وصف أَي بِمَا لَيْسَ فِيهِ أل والحادية عشرَة أَن يتبع المنادى المضموم بِإِشَارَة نَحْو يَا زيد هَذَا إِذْ على الْبَدَلِيَّة يلْزم نِدَاء اسْم الْإِشَارَة من غير وصف وكل ذَلِك مَمْنُوع الثَّانِي اسْتشْكل ابْن هِشَام فِي حَوَاشِي التسهيل مَا علل بِهِ الصُّور الْمَذْكُورَة بِأَنَّهُم يغتفرون فِي الثواني مَا لَا يغتفرون فِي الْأَوَائِل وَقد جوزوا فِي (إِنَّك أَنْت) كَون (أَنْت) توكيدا وَكَونه بَدَلا مَعَ أَنه لَا يجوز (إِن أَنْت) الثَّالِث قَالَ أَبُو حَيَّان مَا عدا هَذِه الْمَوَاضِع يَجِيء عطف الْبَيَان فِيهِ مُشْتَركا فَتَارَة مَعَ النَّعْت نَحْو جَاءَ زيد أَبُو عَمْرو وَتارَة مَعَ الْبَدَل نَحْو جَاءَ أَبُو مُحَمَّد زيد وَتارَة مَعَ التَّأْكِيد نَحْو رَأَيْت زيدا زيدا(3/162)
وَفِي شرح الكافية عطف الْبَيَان يجْرِي مجْرى النَّعْت فِي تَكْمِيل متبوعه ويفارقه فِي أَن تكميله شرح وتبيين لَا بِدلَالَة على معنى فِي الْمَتْبُوع أَو سَبَبِيَّة ومجرى التوكيد فِي تَقْوِيَة دلَالَته ويفارقه فِي أَنه لَا يرفع توهم مجَاز ومجرى الْبَدَل فِي صلاحيته للاستقلال ويفارقه فِي أَنه غير منوي الاطراح انْتهى قيل وَيتَعَيَّن للبدلية إِذا كَانَ التَّابِع بِلَفْظ الأول نَحْو {وَترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إِلَى كتابها} [الجاثية: 28] قَالَه ابْن الطراوة وَتَبعهُ ابْن مَالك لِأَن الشَّيْء لَا يبين نَفسه قَالَ ابْن هِشَام وَفِيه نظر لِأَن اللَّفْظ المكرر إِذا اتَّصل بِهِ مَا لم يتَّصل بِالْأولِ اتجه كَونه بَيَانا لما فِيهِ من زِيَادَة الْفَائِدَة نَحْو 1551 -
(يَا زَيْدَ زَيْدَ اليَعْملات ... )
1552 -
(يَا تَيْم تَيْمَ عَدِيٍّ ... )(3/163)
3 - التوكيد
أَي هَذَا مبحثه وَهُوَ مصدر وكد والتأكيد مصدر أكد لُغَتَانِ قَالَ ابْن مَالك وَهُوَ تَابع يقْصد بِهِ كَون الْمَتْبُوع على ظَاهره وَهُوَ قِسْمَانِ فَالْأول معنوي بِأَلْفَاظ محصورة فَلَا يحْتَاج إِلَى حد فَمِنْهُ لدفع توهم الْمجَاز من حذف مُضَاف أَو غَيره أَو السَّهْو أَو النسْيَان النَّفس وَالْعين بِمَعْنى الذَّات مضافين لضمير الْمُؤَكّد المطابق لَهُ فِي الْإِفْرَاد والتذكير وفروعهما نَحْو جَاءَ زيد نَفسه وَهِنْد نَفسهَا والزيدان أَو الهندان أَنفسهمَا والزيدون أنفسهم والهندات أَنْفسهنَّ فَإِن أكد مثنى فجمعهما أفْصح من الْإِفْرَاد كَمَا تقدم وَيجوز الزيدان نفسهما بِالْإِفْرَادِ وَجوز ابْن مَالك وَولده تثنيتهما فَيُقَال نفساهما وَمنع ذَلِك أَبُو حَيَّان وَقَالَ إِنَّه غلط لم يقل بِهِ أحد من النَّحْوِيين وَإِنَّمَا منع أَو قل لكَرَاهَة اجْتِمَاع تثنيتين فِيمَا هُوَ كالكلمة الْوَاحِدَة واختير الْجمع على الْإِفْرَاد لِأَن التَّثْنِيَة جمع فِي الْمَعْنى وَلَا يؤكدان غَالِبا ضمير رفع مُتَّصِلا مستترا أَو بارزا إِلَّا بفاصل مَا نَحْو قُم أَنْت نَفسك وَقمت أَنْت نَفسك وقاما هما نفسهما وعلته أَن تَركه يُؤَدِّي إِلَى اللّبْس فِي بعض الصُّور نَحْو هِنْد ذهبت نَفسهَا أَو عينهَا لاحْتِمَال أَن يظنّ أَنَّهَا مَاتَت أَو عميت واحترزت بقول (غَالِبا) كَمَا فِي (التسهيل) عَمَّا ذكره الْأَخْفَش من أَنه يجوز على ضعف (قَامُوا أنفسهم) وأشرت ب (فاصل مَا) إِلَى أَنه لَا يشْتَرط كَونه ضميرا فَيجوز (هَلُمَّ لكم أَنفسكُم) بِلَا خلاف اكْتِفَاء بِفضل (لكم) وَيجوز جرهما أَي النَّفس وَالْعين بِالْبَاء الزَّائِدَة نَحْو جَاءَ زيد بِنَفسِهِ أَو بِعَيْنِه وَجعل مِنْهُ بَعضهم {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [الْبَقَرَة: 228] وَلَا يجوز ذَلِك فِي غَيرهمَا من أَلْفَاظ التَّأْكِيد(3/164)
وَمِنْه للشمول وَرفع توهم إِطْلَاق الْبَعْض على الْكل فِي الْمثنى كلا وكلتا وَفِي غَيره أَي الْجمع وَمَا فِي مَعْنَاهُ كل وَجَمِيع وَعَامة مُضَافَة كلهَا إِلَى الضَّمِير المطابق للمؤكد وَأجْمع وأكتع وأبصع وأبتع وَمن ثمَّ أَي من هُنَا وَهُوَ كَون هَذِه الْأَلْفَاظ دَالَّة على الشُّمُول أَي من أجل ذَلِك لم يُؤَكد بالأولين أَي كلا وكلتا مَا لَا يصلح مَوْضِعه (وَاحِد) فَلَا يُقَال اخْتصم الرّجلَانِ كِلَاهُمَا وَلَا رَأَيْت أحد الرجلَيْن كليهمَا وَلَا المَال بَين الرجلَيْن كليهمَا لعدم الْفَائِدَة إِذْ لَا يحْتَمل فِي ذَلِك أَن يُرَاد بِالرجلَيْنِ أَحدهمَا حَتَّى يحْتَاج إِلَى التَّأْكِيد لدفعه وَلِأَنَّهُ لم يسمع من الْعَرَب قطّ وَيدل لَهُ أَنهم لَا يؤكدون فعل التَّعَجُّب بِالْمَصْدَرِ لِأَن التَّأْكِيد لرفع توهم الْمجَاز فِي الْفِعْل وإثباته حَاصِل لكَونه حَقِيقَة إِذْ لَا يتعجب من وصف شَيْء إِلَّا وَذَلِكَ الْوَصْف ثَابت لَهُ فَكَمَا رفضوا تأكيده بِالْمَصْدَرِ رفضوا تَأْكِيد مَا ذكر لما كَانَ الْمجَاز لَا يدْخلهُ خلافًا لِلْجُمْهُورِ فِي تجويزهم ذَلِك قَالُوا لِأَن الْعَرَب قد تؤكد حَيْثُ لَا يُرَاد رفع الِاحْتِمَال كَمَا أَتَوا بأجمع وأكتع بعد كل وَلَا احْتِمَال يرفع بهما لرفعه بِكُل وَالْجَوَاب كَمَا قَالَ أَبُو حَيَّان أَن الْمَعْنى إِذا كَانَ يفِيدهُ اللَّفْظ حَقِيقَة فَلَا حَاجَة للفظ آخر يؤكده إِلَّا إِذا قوي بِرِوَايَة عَن الْعَرَب وَقد ذكرنَا أَن ذَلِك لم يسمع وَمن ثمَّ أَيْضا لَا يُؤَكد بالبواقي أَي كل وَمَا بعده غير ذِي أَجزَاء وَلَو حكما إِذا مَا لَا يتَجَزَّأ لَا يتَوَهَّم فِيهِ عدم الشُّمُول حَتَّى يرفع بالتوكيد بهَا فَلَا يُقَال جَاءَ زيد كُله وَيُقَال قبضت المَال كُله وبعت العَبْد كُله وَرَأَيْت زيدا كُله لِإِمْكَان رُؤْيَة وَبيع بعض زيد وَالْعَبْد وَأنكر الْمبرد عَامَّة وَقَالَ إِنَّمَا هِيَ بِمَعْنى أَكثر وَلم يذكر أَكثر النُّحَاة (جَمِيعًا) قَالَ ابْن مَالك سَهوا أَو جهلا وَقَالَ قد نبه سِيبَوَيْهٍ على أَنَّهَا بِمَنْزِلَة (كل) معنى واستعمالا وَلم يذكر لَهُ شَاهدا وَقد وجدت لَهُ شَاهدا وَهُوَ قَول امْرَأَة من الْعَرَب ترقض ابْنهَا(3/165)
1553 -
(فِدَاكَ حَيُّ خَوْلانَ ... جَميعُهُم وهَمْدانْ)
(وكُلُّ آل قَحْطانْ ... والأكرمَون عَدْنَانْ)
انْتهى قَالَ أَبُو حَيَّان وَمِمَّنْ نقلهَا عَن سِيبَوَيْهٍ صَاحب (الإفصاح) وَجوز الكوفية والزمخشري الِاسْتِغْنَاء بنية الْإِضَافَة فِي كل عَن التَّصْرِيح بهَا ومثلوا بقوله تَعَالَى {إِنَّا كُلاًّ فِيهَا} [غَافِر: 48] أَي كلنا وخرجه غَيرهم على أَنه حَال أَبُو بدل من الضَّمِير وَعلل ابْن مَالك الْمَنْع بِأَن أَلْفَاظ التوكيد ضَرْبَان مُصَرح بإضافته إِلَى ضمير الْمُؤَكّد وَهُوَ النَّفس وَالْعين وكل وَجَمِيع وَعَامة ومنوي فِيهِ تِلْكَ وَهُوَ أجمع وأخواته وَقد أجمعنا على أَن الْمَنوِي الْإِضَافَة لَا يسْتَعْمل مُضَافا صَرِيحًا وعَلى أَن غير (كل) من الصَّرِيح الْإِضَافَة لَا يسْتَعْمل منويها فتجويز ذَلِك فِي (كل) مُسْتَلْزم عدم النظير فِي الضربين وَجوز ابْن مَالك إضافتها أَي كل إِلَى ظَاهر مثل الْمُؤَكّد وَاسْتدلَّ بقوله 1554 -
(يَا أشْبَهَ النَّاس كلِّ بالقمر ... )(3/166)
وَقَوله 1555 -
(وأبْعَدُ النَّاس كلِّ النَّاس من عَار ... )
قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا حجَّة فِي ذَلِك لِأَنَّهُ فِيهِ نعت لَا توكيد أَي النَّاس الكاملين فِي الْحسن وَالْفضل كَمَا قَالَ ابْن مَالك فِي قَوْلك مَرَرْت بِالرجلِ كل الرجل أَنه نعت بِمَعْنى الْكَامِل وَيتبع كلهَا جَمْعَاء وَكلهمْ أَجْمَعُونَ نَحْو {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ} [الْحجر: 30] وكلهن جمع وَكَذَا الْبَوَاقِي أَي كتعاء وأكتعون وكتع وَكَذَا فِي أبضع وأبتع وَيجب ترتيبها إِذا اجْتمعت بِأَن يُقَال كُله أجمع أَكْتَع أبصع أبتع وَكَذَا الْفُرُوع وَتقدم النَّفس على الْعين وهما على (كل) فِي الْأَصَح لِأَنَّهَا تَوَابِع وَقيل لَا يجب التَّرْتِيب بل يحسن وَثَالِثهَا لَا يجب فِيمَا بعد أجمع لاستوائها وَيجب فِيهَا مَعَ أجمع وَمَا قبله وَهُوَ رَأْي ابْن عُصْفُور وَالْجُمْهُور على أَنه لَا يُؤَكد بهَا أَي بأكتع وَمَا بعده دونه أَي دون أجمع لِأَنَّهَا تَوَابِع وَجوزهُ الْكُوفِيُّونَ وَابْن كيسَان وَاسْتَدَلُّوا بقوله 1556 -
(تحمِلني الذلفاءُ حَوْلا أكتعا ... )
وَقَوله(3/167)
1557 -
(وسائِرُهُ بادٍ إِلَى الشَّمْس أكتعُ ... )
وَقَوله 1558 -
(تَولّوا بالدَّوابر واتّقَوْنا ... بنُعْمان بن زُرْعَةَ أكْتَعِينا)
والأولون قَالُوا هُوَ ضَرُورَة وَفِيه نظر لِإِمْكَان الْإِتْيَان بدله بِلَفْظ (أجمع) وَالْجُمْهُور على أَنه لَا يُؤَكد بِهِ أَي بأجمع دون كل اخْتِيَارا وَالْمُخْتَار وفَاقا لأبي حِين جَوَازه لِكَثْرَة وُرُوده فِي الْقُرْآن وَالْكَلَام الفصيح كَقَوْلِه تَعَالَى {ولأغوينهم أَجْمَعِينَ} [الْحجر: 39] {وَإِن جَهَنَّم لموعدهم أَجْمَعِينَ} [الْحجر: 43] {لأَملأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ} [هود: 119] وَفِي الصَّحِيح (فَلهُ سلبه أجمع) (فصلوا جُلُوسًا أَجْمَعِينَ) قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يُقَال دَلِيل الْمَنْع وجوب تَقْدِيم (كل) عِنْد الِاجْتِمَاع لِأَن النَّفس يجب تَقْدِيمهَا على الْعين إِذا اجْتمعَا وَيجوز التَّأْكِيد بِالْعينِ على الِانْفِرَاد وَهِي أَي أجمع وأخواته معارف بالِاتِّفَاقِ وَلِهَذَا جرت على الْمعرفَة ثمَّ اخْتلف فِي سَبَب تَعْرِيفهَا فَقيل هُوَ بنية الْإِضَافَة إِلَى الضَّمِير إِذْ أصل رَأَيْت النِّسَاء جمع جَمِيعهنَّ فَحذف الضَّمِير للْعلم بِهِ وعزي إِلَى سِيبَوَيْهٍ وَاخْتَارَهُ السُّهيْلي وَابْن مَالك وَقيل بالعلمية لِأَنَّهَا أَعْلَام للتوكيد علقت على معنى الْإِحَاطَة بِمَا يتبعهُ كأسامة وَنَحْوه من أَعْلَام الْأَجْنَاس وَهَذَا قَول صَاحب البديع وَغَيره وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب وَصَححهُ أَبُو حَيَّان قَالَ وَيُؤَيِّدهُ أَنه لم يصرف وَلَيْسَ بِصفة وَلَا شبهها(3/168)
وَمَا منع وَلَيْسَ كَذَلِك وَهُوَ معرفَة فالمانع فِيهِ هُوَ تَعْرِيف العلمية فَإِنَّهُ جمع بِالْوَاو وَالنُّون وَلَا يجمع من المعارف بهما إِلَّا الْعلم خَاصَّة وَمن ثمَّ أَي من هُنَا وَهُوَ كَونهَا معارف أَي من أجل ذَلِك لم تصرف أما على العلمية فَوَاضِح إِذْ مَعهَا فِي (أجمع) الْوَزْن وَفِي (جمع) الْعدْل عَن (فعلاوات) الَّذِي يسْتَحقّهُ فعلاء مؤنث أفعل الْمَجْمُوع بِالْوَاو وَالنُّون وَأما على نِيَّة الْإِضَافَة فلشبه هَذَا التَّعْرِيف بالعلمية من حَيْثُ إِنَّه لَا أَدَاة لتعريفه لفظا وَإِن كَانَ على نِيَّة أل وَمن ثمَّ أَيْضا لم تنصب حَالا على الْأَصَح وَقيل نعم حكى الْفراء أعجبني الْقصر أجمع وَالدَّار جَمْعَاء وَقيل يجوز نصب أجمع وجمعاء دون أَجْمَعِينَ وَجمع وَاسْتدلَّ ابْن مَالك لجوازه بِحَدِيث الصَّحِيحَيْنِ (فصلوا جُلُوسًا أَجْمَعِينَ) ثمَّ أَكْتَع مَأْخُوذ مَعَ تكتع الْجلد أَي تقبض والتقبض فِيهِ معنى التجمع وأبصع وَهُوَ بالصَّاد الْمُهْملَة على الْمَشْهُور من قَوْلهم (إِلَى مَتى تكرع وَلَا تبصع) أَي لَا تروى وَفِيه معنى الْغَايَة والبتع طول الْعُنُق وَقد جَاءَ أجمع لغير التوكيد قَالُوا جَاءُوا بأجمعهم وجمعاء بِمَعْنى مجتمعة فَلَا تفيده كَحَدِيث
(كَمَا تنْتج الْبَهِيمَة بَهِيمَة جَمْعَاء) أَي مجتمعة الْخلق وَلَا يتحد توكيد متعاطفين مَا لم يتحد عاملهما معنى فَلَا يُقَال مَاتَ زيد وعاش عَمْرو وَكِلَاهُمَا فَإِن اتحدا معنى جَازَ وَإِن اخْتلفَا لفظا جزم بِهِ ابْن مَالك تبعا للأخفش نَحْو انْطلق زيد وَذهب بكر كِلَاهُمَا قَالَ أَبُو حَيَّان وَيحْتَاج ذَلِك إِلَى سَماع من الْعَرَب حَتَّى يصير قانونا يَبْنِي عَلَيْهِ وَالَّذِي تَقْتَضِيه الْقَوَاعِد الْمَنْع لِأَنَّهُ لَا يجْتَمع عاملان على مَعْمُول وَاحِد فَلَا يَجْتَمِعَانِ على تَابعه(3/169)
وَلَا تؤكد نكرَة مُطلقًا عِنْد أَكثر الْبَصرِيين بِشَيْء من أَلْفَاظ التوكيد لِأَنَّهَا معارف فَلَا تتبع نكرَة وَأَجَازَهُ بَعضهم مُطلقًا سَوَاء كَانَت محدودة أم لَا نَقله ابْن مَالك فِي شرح التسهيل خلاف دَعْوَاهُ فِي شرح الكافية نفي الْخلاف فِي منع غير المحدودة وَثَالِثهَا وَهُوَ رَأْي الْأَخْفَش والكوفيين يجوز توكيدها إِن كَانَت محدودة أَي مُؤَقَّتَة وَإِلَّا فَلَا قَالَ ابْن مَالك وَهَذَا القَوْل أولى بِالصَّوَابِ لصِحَّة السماع بذلك وَلِأَن فِيهِ فَائِدَة لِأَن من قَالَ صمت شهرا قد يُرِيد جَمِيع الشَّهْر وَقد يُرِيد أَكْثَره فَفِي قَوْله احْتِمَال يرفعهُ التوكيد وَمن الْوَارِد فِيهِ قَوْله 1559 -
(قد صَرَّت البكرَة يَوْمًا أجْمعَا ... )
وَقَوله 1560 -
(تحْمِلني الذلفاءُ حولا أكتعا ... )
وَقَوله 1561 -
(أوفتْ بِهِ حوْلا وحوْلا أجمعا ... )
وَقَول عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
(مَا رَأَيْت رَسُول الله
صَامَ شهرا كُله إِلَّا رَمَضَان) أما غير الْمَحْدُود فَلَا فَائِدَة فِيهِ فَلَا يُقَال اعتكفت وقتا كُله وَلَا رَأَيْت شَيْئا نَفسه والمانعون مُطلقًا أجابوا بِأَن مَا ورد من ذَلِك مَحْمُول على الْبَدَل أَو النَّعْت أَو الضَّرُورَة(3/170)
وَفِي توكيد مَحْذُوف خلاف فَأَجَازَهُ الْخَلِيل وسيبويه والمازني وَابْن طَاهِر وَابْن خروف فَيُقَال فِي (الَّذِي ضَربته نَفسه زيد) (الَّذِي ضربت نَفسه زيد) (ومررت بزيد وأتاني أَخُوهُ أَنفسهمَا) وَمنعه الْأَخْفَش والفارسي وَابْن جني وثعلب وَصَححهُ ابْن مَالك وَأَبُو حَيَّان لِأَن التوكيد بَابه الإطناب والحذف للاختصار فتدافعا وَلِأَنَّهُ لَا دَلِيل على الْمَحْذُوف ورد الأول بِأَن ذَلِك تَأْكِيد التّكْرَار دون غَيره وَالثَّانِي بِأَن التوكيد يدل على الْمَحْذُوف قَالَ أَبُو حَيَّان وَالَّذِي نختاره عدم الْجَوَاز لِأَن إجَازَة مثل ذَلِك يحْتَاج إِلَى سَماع من الْعَرَب وَلَا يجوز تعاطفهما أَي عطف بعض أَلْفَاظ التوكيد على بعض فَلَا يُقَال قَامَ زيد نَفسه وعينه وَلَا جَاءَ الْقَوْم كلهم وأجمعون لاتحادهما فِي الْمَعْنى خلافًا لِابْنِ الطراوة فِي أجازته ذَلِك وَيَنْبَغِي أَن يكون مَبْنِيا فِي (كل) و (أَجْمَعِينَ) على مَا ذهب إِلَيْهِ الْمبرد وَالْفراء من اخْتِلَاف مَعْنَاهُمَا بإفادة أَجْمَعِينَ اجْتِمَاعهم فِي وَقت الْفِعْل بِخِلَاف كل وَهُوَ مَرْدُود بقوله {ولأغوينهم أَجْمَعِينَ} [الْحجر: 39] مَعَ أَن إغواءهم لم يجْتَمع فِي وَقت تَنْبِيه خَالف التوكيد النَّعْت فِي أَنه بِأَلْفَاظ مَخْصُوصَة وَوُجُوب ترتيبها إِذا اجْتمعت وَأَنه لَا يجْرِي على النكرَة على رَأْي الْجُمْهُور وَلَا على مَحْذُوف على الْأَصَح عِنْد الْمُتَأَخِّرين وَلَا على توكيد وَلَا يعْطف وَفِي أَنه لَا يقطع لَا إِلَى رفع وَلَا إِلَى نصب(3/171)
3 - التوكيد اللَّفْظِيّ
الثَّانِي من قسمي التوكيد لَفْظِي وَهُوَ بِإِعَادَة اللَّفْظ الأول أَو مرادفه وَهُوَ أحسن فِي الضَّمِير الْمُتَّصِل والحرف مُفردا كَانَ أَو مركبا مُضَافا أَو جملَة أَو كلَاما نكرَة أَو معرفَة ظَاهرا أَو مضمرا اسْما أَو فعلا أَو حرفا وَلَو ثَلَاثًا نَحْو {دكت الأَرْض دكا دكا وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا} [الْفجْر: 21، 22] وَقَوله 1562 -
(أنْتَ بِالْخَيرِ حَقِيقٌ قَمِنُ ... )
وَقَوله 1563 -
(أجَلْ جَيْر إِن كَانَت أُبيحَتْ ... )
وَقَوله 1564 -
(تَيَمّمْتُ هَمْدانَ الَّذينَ هُمُ هُمُ ... )
وَقَوله 1565 -
(أَخَاك أخَاك إنّ من لَا أَخا لَهُ ... )(3/172)
وَقَوله 1566 -
(فأيْنَ إِلَى أيْن النَّجاةُ ببغلتي ... أتاكَ أتاكَ اللاّحِقون احْبس احْبس)
وَقَوله 1567 -
(فحتام حتام العناءُ المُطوَّلُ ... )
وَقَوله 1568 -
(لَا لَا أَبُوحُ بحُبِّ بَثْنَة إنّها ... أخَذَتْ عليّ مواثقاً وعُهُودا ... )
وَقَوله 1569 -
(أيَا مَنْ لَسْتُ أقْلاهُ ... وَلَا فِي البُعْد أنْساهُ)
(لَك اللهُ على ذَاك ... لَك اللهُ لَك اللهُ)
وَقَوله 1570 -
(قُمْ قائِماً قُمْ قائِما ... إنّك لاَ ترجعُ إلاًّ سالِمَا)
وَلَا يضر نوع اخْتِلَاف فِي اللَّفْظ نَحْو {فمهل الْكَافرين أمهلهم} [الطارق: 117] فَإِن كَانَ الْمُؤَكّد ضميرا مُتَّصِلا أَو حرفا غير جَوَاب عَاملا أَو غَيره لم يعد اخْتِيَارا إِلَّا مَعَ مَا دخل عَلَيْهِ لكَونه كالجزء مِنْهُ نَحْو قُمْت قُمْت رَأَيْتُك رَأَيْتُك مَرَرْت بِهِ بِهِ إِن زيدا إِن زيدا قَائِم وَقَوله 1571 -
(لَيْتني لَيْتَني تَوقَيْتُ مذ أَيْفَعْتُ ... طَوْعَ الهوَى وكنتُ مُنِيبا)(3/173)
أَو مَفْصُولًا بفاصل مَا وَلَو حرف عطف ووقف نَحْو {أيعدكم أَنكُمْ إِذا متم وكنتم تُرَابا وعظاما أَنكُمْ مخرجون} [الْمُؤْمِنُونَ: 35] وَقَوله 1572 -
(حَتَّى ترَاهَا وكأنَّ وَكأنْ ... )
وَقَوله 1573 -
(ليْتَ شِعْري هَل ثمَّ هلْ آتينهُم ... )
وَقَوله 1574 -
(لَا يُنْسِك الأسَى تأسِّياً فَمَا ... مَا من حمام أحدٌ مُعْتَصِما)
وَلَا تجوز إِعَادَته وَحده دون فصل إِلَّا فِي ضَرُورَة كَقَوْلِه 1575 -
(وَلَا لِلما بهم أبدا دَواءُ ... )(3/174)
وَقَوله 1576 -
(إنَّ إنَّ الْكَرِيم يَحْلُم مَا لَمْ ... يَرَيَنْ مَنْ أجارَهُ قد ضِيما)
خلافًا للزمخشري فِي تجويزه ذَلِك اخْتِيَارا فَيُقَال إِن إِن زيدا قَائِم أما أحرف الْجَواب فتعاد وَحدهَا نَحْو لَا لَا نعم نعم والأجود مَعَ الظَّاهِر الْمَجْرُور إِذا أكد إِعَادَة الْجَار مَعَ لَفظه أَو ضَمِيره نَحْو مَرَرْت بزيد بزيد وَبِه قَالَ تَعَالَى {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنِّةِ خَالدِينَ فِيهَا} [هود: 108] {فَفِي رَحْمَة الله هم فِيهَا خَالدُونَ} [آل عمرَان: 107] والأجود مَعَ الْجُمْلَة إِذا أكدت الْفَصْل بَينهَا وَبَين الْمُعَادَة بثم نَحْو {أولى لَك فَأولى ثمَّ أولى لَك فَأولى} [الْقِيَامَة: 34، 35] {وَمَآ أَدراكَ ومَا يَومُ الدِّينِ ثُمَّ مَآ أَدرَاكَ مَا يَومُ الدَّينِ} [الانفطار: 17، 18] وَهَذَا إِذْ لَا لبس يحصل فَإِن حصل لم يُؤْت بهَا نَحْو ضربت زيدا ضربت زيدا إِذْ لَو جِيءَ بهَا لتوهم أَنَّهُمَا ضَرْبَان ويؤكد بالمضمر الْمَرْفُوع الْمُنْفَصِل كل ضمير مُتَّصِل مَرْفُوعا كَانَ أَو مَنْصُوبًا أَو مجرورا مَعَ مطابقته لَهُ فِي التَّكَلُّم والإفراد والتذكير وأضدادها نَحْو قُمْت أَنا وأكرمتني أَنا ومررت بك أَنْت وأكرمته هُوَ وَهَكَذَا وَجوز بَعضهم تَأْكِيد الضَّمِير الْمُنْفَصِل بِالْإِشَارَةِ وَجعل مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {ثمَّ أَنْتُم هَؤُلَاءِ} [الْبَقَرَة: 85](3/175)
3 - الْبَدَل
أَي هَذَا مبحثه وَالتَّعْبِير بِهِ اصْطِلَاح الْبَصرِيين والكوفيين قَالَ الْأَخْفَش يسمونه التَّبْيِين وَقَالَ ابْن كيسَان التكرير وَهُوَ التَّابِع الْمَقْصُود بِحكم بِلَا وَاسِطَة فَخرج بِالْمَقْصُودِ مَا عدا النسق وَهُوَ بِمَا بعده وَهُوَ أَقسَام بدل كل من كل بِأَن اتحدا معنى وَقد يُقَال بدل شَيْء من شَيْء لوُجُوده فِيمَا لَا يُطلق عَلَيْهِ (كل) نَحْو {صِرَاط الْعَزِيز الحميد الله} [إِبْرَاهِيم: 1، 2] وَبدل بعض إِن دلّ على بعض مَا دلّ عَلَيْهِ الأول نحون مَرَرْت بقومك نَاس مِنْهُم وَبدل اشْتِمَال إِن دلّ على معنى فِي الأول أَو استلزمه فِيهِ كعجبت من زيد علمه أَو قِرَاءَته {يَسئَلُونَكَ عَنِ الشَّهرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [الْبَقَرَة: 217] {أَصْحَاب الْأُخْدُود النَّار} [البروج: 4، 5] ورجعهما السُّهيْلي إِلَى الأول أَي إِلَى بُد الشَّيْء من الشَّيْء قَالَ لِأَن الْعَرَب تَتَكَلَّم بِالْعَام وتريد بِهِ الْخَاص وتحذف الْمُضَاف وتنويه فقولك أكلت الرَّغِيف ثلثه إِنَّمَا تُرِيدُ أكلت بعض الرَّغِيف ثمَّ بيّنت ذَلِك الْبَعْض وأعجبتني الْجَارِيَة حسنها إِنَّمَا تُرِيدُ أعجبني وصفهَا فحذفته ثمَّ بَينته بِقَوْلِك حسنها وشرطهما صِحَة الِاسْتِغْنَاء بالمبدل مِنْهُ وَعدم اختلال الْكَلَام لَو حذف الْبَدَل أَو أظهر فِيهِ الْعَامِل فَلَا يجوز قطعت زيدا أَنفه وَلَا لقِيت كل أَصْحَابك أَكْثَرهم وَلَا أسرجت الْقَوْم دابتهم وَلَا مَرَرْت بزيد أَبِيه وَكَذَا عود ضمير فيهمَا على الْمُبدل مِنْهُ ملفوظا أَو مُقَدرا شَرط على الصَّحِيح ليحصل الرَّبْط نَحْو {ثمَّ عموا وصموا كثير مِنْهُم} [الْمَائِدَة: 71] {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ} [آل عمرَان: 97] أَي مِنْهُم {أَصْحَاب الْأُخْدُود النَّار} [البروج: 4، 5] أَي فِيهِ وَلم يشْتَرط ذَلِك فِي بدل الْكل لِأَنَّهُ نفس الْمُبدل مِنْهُ فِي الْمَعْنى كَمَا أَن جملَة(3/176)
الْخَبَر الَّتِي هِيَ نفس الْمُبْتَدَأ فِي الْمَعْنى لَا تحْتَاج إِلَى ذَلِك وَمن النَّحْوِيين من لَا يلْتَزم فِي هذَيْن الْبَدَلَيْنِ أَيْضا ضميرا وَقد صَححهُ ابْن مَالك فِي شرح الكافية قَالَ وَلَكِن وجوده أَكثر من عَدمه وَفِي الْمُشْتَمل فِي بدل الاشتمال هَل هُوَ الأول على الثَّانِي أَو الثَّانِي على الأول أَو الْعَامِل خلاف قَالَ الْفَارِسِي والرماني فِي أحد قوليهما وخطاب الأول وَصَححهُ ابْن مَالك فَلَا يجوز سرني زيد دَاره وَلَا أعجبني زيد فرسه وَلَا رَأَيْت زيدا فرسه وَيجوز سرني زيد ثَوْبه لِأَن الثَّوْب متضمنه جسده وَقَالَ الْفَارِسِي والرماني فِي أحد قوليهما الثَّانِي نَحْو سلب زيد ثَوْبه فَإِن الثَّوْب يشْتَمل على زيد قَالَ الْأَولونَ إِن ظهر معنى اشْتِمَال الثَّانِي على الأول فِي سلب زيد ثَوْبه لم يطرد فِي أعجبني زيد علمه وَكَلَامه وفصاحته وكرهت زيدا ضجره وسلب زيد فرسه وَنَحْوهَا فَإِن الثَّانِي فِيهَا غير مُشْتَمل على الأول وَقَالَ الْمبرد والسيرافي وَابْن جني وَابْن الباذش وَابْن أبي الْعَافِيَة وَابْن الأبرش هُوَ (الْعَامِل) بِمَعْنى (أَن الْفِعْل يستدعيهما) أَحدهمَا على سَبِيل الْحَقِيقَة وَالْقَصْد وَالْآخر على سَبِيل الْمجَاز والتبع فنحو سلب زيد ثَوْبه وأعجبني زيد علمه {يَسئَلُونَكَ عَنِ الشَّهرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [الْبَقَرَة: 217] الْإِسْنَاد فِيهِ حَقِيقَة إِلَى الثَّانِي مجَاز فِي الأول إِذْ المسلوب هُوَ الثَّوْب والمعجب هُوَ الْعلم لَا زيد والمسئول عَنهُ الْقِتَال لَا الشَّهْر وَقيل بِمَعْنى أَنه اشْتَمَل على التَّابِع والمتبوع مَعًا إِذْ الْإِعْجَاب فِي (أعجبتني الْجَارِيَة حسنها) مُشْتَمل على الْجَارِيَة وعَلى حسنها والوضوح فِي (كَانَ زيد عذره وَاضحا) مُشْتَمل عَليّ زيد وعذره وَالْكَثْرَة فِي (كَانَ زيد مَاله كثيرا)(3/177)
مُشْتَمِلَة على زيد وَمَاله فَالْمُرَاد بالعامل مَا تمّ بِهِ الْمُتَعَلّق فعلا كَانَ أَو اسْما مقدما أَو مُؤَخرا وَالْقسم الرَّابِع بدل البداء وَيُسمى بدل الإضراب أَيْضا وَهُوَ مَا لَا تناسب بَينه وَبَين الأول بموافقة وَلَا خبرية وَلَا تلازم بل هما متباينان لفظا وَمعنى نَحْو مَرَرْت بِرَجُل امْرَأَة أخْبرت أَولا أَنَّك مَرَرْت بِرَجُل ثمَّ بدا لَك أَن تخبر أَنَّك مَرَرْت بِامْرَأَة من غير إبِْطَال الأول فَصَارَ كَأَنَّهُمَا إخباران مُصَرح بهما وَهَذَا الْبَدَل أثْبته سِيبَوَيْهٍ وَغَيره وَمثل لَهُ ابْن مَالك وَغَيره بِحَدِيث أَحْمد وَغَيره (إِن الرجل ليُصَلِّي الصَّلَاة وَمَا كتب لَهُ نصفهَا ثلثهَا) أخبر أَنه قد يُصليهَا وَمَا كتب لَهُ نصفهَا ثمَّ أضْرب عَنهُ وَأخْبر أَنه قد يُصليهَا وَمَا كتب لَهُ ثلثهَا وَهَكَذَا وَالْخَامِس بدل الْغَلَط وَهُوَ مَا ذكر فِيهِ الأول من غير قصد بل سبق اللِّسَان إِلَيْهِ وَبِهَذَا يُفَارق بدل البداء وَإِن كَانَ مثله فِي اللَّفْظ وَهَذَا الْقسم أثْبته سِيبَوَيْهٍ وَغَيره مثله بِقَوْلِك (مَرَرْت بِرَجُل حمَار) أردْت أَن تخبر بِحِمَار فَسبق لسَانك إِلَى رجل ثمَّ أبدلت مِنْهُ الْحمار (وأنكرهما) أَي بدل البداء والغلط قوم وَقَالُوا فِي الأول إِنَّه مِمَّا حذف فِيهِ حرف الْعَطف وَفِي الثَّانِي أَنه لم يُوجد قَالَ الْمبرد على سَعَة حفظه بدل الْغَلَط لَا يكون مثله فِي كَلَام الله وَلَا فِي شعر وَلَا فِي كَلَام مُسْتَقِيم وَقَالَ خطاب لَا يُوجد فِي كَلَام الْعَرَب لَا نثرها وَلَا نظمها وَقد عنيت بِطَلَب ذَلِك فِي الْكَلَام وَالشعر فَلم أَجِدهُ وطالب غَيْرِي بِهِ فَلم يعرفهُ وَادّعى أَبُو مُحَمَّد بن السَّيِّد أَنه وجد فِي قَول ذِي الرمة 1577 -
(لَمْيَاءُ فِي شَفَتْيها حُوَّة لَعَسٌ ... وَفِي اللّثاثِ وَفِي أنيابها شَنَبُ)
قَالَ (فلعس بدل غلط لِأَن الحوة السوَاد بِعَيْنِه واللعس سَواد مشرب بحمرة)(3/178)
ورد بِأَنَّهُ من بَاب التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَتَقْدِيره فِي شفتيها حوة وَفِي اللثاث لعس وَفِي أنيابها شنب وَجوز بعض القدماء وُقُوع الْغَلَط فِي غير الشّعْر وَمنعه فِي الشّعْر لوُقُوعه غَالِبا عَن ترو فَلَا يقدر فِيهِ الْغَلَط وَهَذَا نقيض الْقَاعِدَة الْمَشْهُورَة أَنه يغْتَفر فِي الشّعْر مَا لَا يغْتَفر فِي غَيره وَالْمُخْتَار خلافًا لِلْجُمْهُورِ إِثْبَات بدل الْكل من الْبَعْض لوروده فِي الفصيح نَحْو قَوْله تَعَالَى {يدْخلُونَ الْجنَّة وَلَا يظْلمُونَ شَيْئا جنَّات عدن} [مَرْيَم: 60، 61] فجنات أعربت بَدَلا من الْجنَّة وَهُوَ بدل كل من بعض وَفَائِدَته تَقْرِير أَنَّهَا جنَّات كَثِيرَة لَا جنَّة وَاحِدَة وَقَول الشَّاعِر 1578 -
(رحمَ الله أعْظُماً دَفَنُوها ... بسِجستَان طَلْحَةَ الطّلَحاتِ)
ف (طَلْحَة) بدل من (أعظم) وَهِي بعضه وَقَوله 1579 -
(كَأَنِّي غَدَاة البَيْن يَوْم ترحّلوا ... )
ف يَوْم بدل من غَدَاة وَهِي بعضه وَالْجُمْهُور لَا تجب مُوَافقَة الْبَدَل لمتبوعه فِي التَّعْرِيف والإظهار وضدهما فتبدل النكرَة من الْمعرفَة والمضمر من الْمظهر والمفرد من غَيره وبالعكوس كَقَوْلِه تَعَالَى {إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم صِرَاط الله} [الشورة: 52، 53] {لَتَسفَعَا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيةٍ} [العلق: 15، 16] وَقَول الشَّاعِر 1580 -
(وَلَا تلمْه أَن ينامَ البَائِسَا ... )
وقولك رَأَيْت زيدا أَبَاهُ(3/179)
لَكِن إِنَّمَا يُبدل الظَّاهِر من ضمير الْحَاضِر مُخَاطبا أَو متكلما إِن أَفَادَ إحاطة نَحْو {تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا} [الْمَائِدَة: 114] و (أكرمتكم أكابركم وأصاغركم) أَو بَعْضًا نَحْو 1581 -
(أوْعَدانِي بالسِّجْن والأدَاهِم ... رجْلي فَرجْلي شَثْنُةُ المنَاسِم)
أَو اشتمالا نَحْو 1582 -
(وَمَا ألفيْتِني حِلمي مُضَاعا ... )(3/180)
وَإِلَّا فَلَا يُبدل مِنْهُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا جِيءَ بِهِ للْبَيَان وَضمير الْمُتَكَلّم والمخاطب لَا يحْتَاج إِلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي غَايَة الوضوح وَقيل يجوز مُطلقًا وَعَلِيهِ الْأَخْفَش والكوفيون قِيَاسا عَن الْغَائِب لِأَنَّهُ لَا لبس فِيهِ أَيْضا وَلذَا لم ينعَت وَلَو كَانَ الْبَدَل لإِزَالَة لبس لامتنع فِي الْغَائِب كَمَا امْتنع أَن ينعَت وَقد ورد قَالَ تَعَالَى {ليجمعنكم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا ريب فِيهِ الَّذين خسروا} [الْأَنْعَام: 12] ف (الَّذين) بدل من ضمير الْخطاب وَأجِيب بِأَنَّهُ مُسْتَأْنف وَثَالِثهَا وَهُوَ رَأْي قطرب يجوز فِي الِاسْتِثْنَاء نَحْو مَا ضربتكم إِلَّا زيدا قَالَ تَعَالَى {لِئَلَّا يكون للنَّاس عَلَيْكُم حجَّة إِلَّا الَّذين ظلمُوا} [الْبَقَرَة: 150] أَي إِلَّا على الَّذِي ظلمُوا وَمنع أهل الْكُوفَة وبغداد بدل النكرَة من الْمعرفَة مَا لم تُوصَف وَوَافَقَهُمْ السُّهيْلي وَابْن أبي الرّبيع نَحْو قَوْله تَعَالَى {عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} [الْبَقَرَة: 217] لِأَنَّهَا إِذا لم تُوصَف لم تفد إِذْ لَا فَائِدَة فِي قَوْلك مَرَرْت بزيد بِرَجُل زَاد أهل بَغْدَاد أَو يكون من لفظ الأول كَمَا تقدم فِي (نَاصِيَة) وَالْجُمْهُور أطْلقُوا الْجَوَاز لورودها غير مَوْصُوفَة وَلَيْسَت من لفظ الأول كَقَوْلِه 1583 -
(فَصَدُوا من خيارهن لِقاحاً ... يتقَاذَفْنَ كالغُصون غِزَارُ)
فغزار بدل من الضَّمِير فِي يتقاذفن وَقَوله 1584 -
(فَإلَى ابْن أُمِّ أُناس أرْحَلُ نَاقَتِي ... عَمرو فَتُبْلِغُ حاجَتِي أَو تُزْحِفُ)
(مَلِكٍ إِذا نزل الوُفودُ ببَابه ... عَرَفُوا مَوارد مُزْبدٍ لَا يُنْزَفُ)(3/181)
فَملك بدل من عَمْرو وَأجِيب عَمَّا ذكر من عدم الْفَائِدَة بِأَنَّهُ علم من طَريقَة الْعَرَب أَنهم يسمون الْمُذكر بالمؤنث وَعَكسه ففائدة الْإِبْدَال رفع الإلباس نَحْو (مَرَرْت بهند رجل وبجعفر امْرَأَة) وَمنع أَو حَيَّان وَقوم بدل الْمُضمر من مثله أَي من مُضْمر بدل بعض أَو اشْتِمَال نحنو ثلث التفاحة أكلتها إِيَّاه و (حسن الْجَارِيَة أعجبتني هُوَ) وَأَجَازَهُ آخَرُونَ قَالَ أَبُو حَيَّان ومنشأ الْخلاف هَل الْبَدَل من جملَة أُخْرَى أَو الْعَامِل فِيهِ عَامل الْمَتْبُوع فعلى الأولى يمْنَع لِئَلَّا يبْقى الْمُبْتَدَأ بِلَا رابط لِأَن الضَّمِير يعود على الْمُضَاف إِلَيْهِ وعَلى الثَّانِي يجوز قَالَ إِلَّا أَنه يحْتَاج إِلَى سَماع قَالَ الكوفية أَو كل أَي لَا يُبدل الْمُضمر من مُضْمر بدل كل إِذا كَانَ مَنْصُوبًا بل يحمل على التَّأْكِيد نَحْو رَأَيْتُك إياك والبصريون قَالُوا هُوَ بدل كَمَا أَن الْمَرْفُوع بدل بِإِجْمَاع نَحْو (قُمْت أَنْت) وَصحح الأول ابْن مَالك وَالثَّانِي أَبُو حَيَّان وَمنع ابْن مَالك إِبْدَال الْمُضمر من الظَّاهِر بدل كل قَالَ لِأَنَّهُ لم يسمع من الْعَرَب لَا نثرا وَلَا نظما وَلَو سمع لَكَانَ توكيدا لَا بَدَلا وَأَجَازَهُ الْأَصْحَاب نَحْو رَأَيْت زيدا إِيَّاه وَفِي جَوَاز بدل الْبَعْض والاشتمال خلف قيل يجوز نَحْو (ثلث التفاحة أكلت التفاحة إِيَّاه) و (حسن الْجَارِيَة أعجبني الْجَارِيَة هُوَ) وَقيل يمْنَع قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ كالخلاف فِي إبدالهما مضمرا من مُضْمر وَمُقْتَضَاهُ تَرْجِيح الْمَنْع على رَأْيه والمبدل من اسْم شَرط أَو اسْم اسْتِفْهَام يقْتَرن بأداته نَحْو (مَا تقْرَأ إِن نَحوا وَإِن فقها أقرأه) وَكَيف زيد أصحيح أم سقيم فَإِن دخت الأداة على الْمُبدل مِنْهُ لم تدخل على الْبَدَل نَحْو هَل أحد جَاءَك زيد أَو عَمْرو وَإِن تضرب أحدا رجلا أَو امْرَأَة أضربه(3/182)
(ويبدل الْفِعْل من الْفِعْل بدل كل) بِلَا خلاف نَحْو: {وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاما يُضَاعف لَهُ الْعَذَاب} [الْفرْقَان: 68، 69] وَقَوله: 1585 -
(مَتى تَأتِنا تُلْمِمْ بِنَا فِي دِيَارنَا ... تَجدْ حَطَباً جَزْلاً وَنَارًا تأجّجَا)
(لَا) بدل (بعض) بِلَا خلاف لِأَن الْفِعْل لَا يَتَبَعَّض (وَفِي) جَوَاز بدل (الاشتمال) فِيهِ (خلف) قيل لَا لِأَن الْفِعْل لَا يشْتَمل على الْفِعْل وَقيل نعم وَجعل مِنْهُ الْآيَة السَّابِقَة قَالَ صَاحب الْبَسِيط وَأما بدل الْغَلَط فجوزه فِيهِ سِيبَوَيْهٍ وَجَمَاعَة وَالْقِيَاس يَقْتَضِيهِ (و) تبدل (الْجُمْلَة من الْجُمْلَة) نَحْو: {أمدكم بِمَا تعلمُونَ أمدكم بأنعام وبنين} [الشُّعَرَاء: 132، 133] {إِنِّي جزيتهم الْيَوْم بِمَا صَبَرُوا أَنهم هم الفائزون} [الْمُؤْمِنُونَ: 111] بِكَسْر إِن (وَقَالَ ابْن جني والزمخشري وَابْن مَالك و) تبدل الْجُمْلَة (من الْمُفْرد) نَحْو قَوْله: 1586 -
(إِلَى الله أشْكُو بالمَدينة حَاجَة ... وبالشّام أُخْرَى كَيْفَ يَلْتقِيان)
فيكف يَلْتَقِيَانِ بدل من حَاجَة وَأُخْرَى كَأَنَّهُ قَالَ أَشْكُو هَاتين الحاجتين لتعذر التقائهما(3/183)
قَالَ ابْن مَالك وَمِنْه {مَا يُقَال لَك إِلَّا مَا قد قيل للرسل من قبلك إِن رَبك} [فصلت: 43] الْآيَة وَإِن وَمَا بعْدهَا بدل من (مَا) وصلتها وَالْجُمْهُور لم يذكرُوا ذَلِك قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَيْسَ (كَيفَ يَلْتَقِيَانِ) بَدَلا بل استئنافا للاستبعاد وَكَذَا (إِن رَبك) لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى إِسْنَاد الْفِعْل إِلَى الْجُمْلَة وَهُوَ مَمْنُوع (وَلَا يتَقَدَّم بدل الْكل) على الْمُبدل مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أَيهمَا هُوَ الْمُعْتَمد عَلَيْهِ بِخِلَاف بدل الْبَعْض فَيقدم لَكِن الْأَحْسَن إِضَافَته نَحْو أكلت ثلث الرَّغِيف (وَفِي) جَوَاز (حذف الْمُبدل مِنْهُ) وإبقاء الْبَدَل (رأيان) قيل يجوز وَعَلِيهِ الْأَخْفَش وَابْن مَالك نَحْو أحسن إِلَى الَّذِي وصفت زيدا أَي وَصفته وَجعل مِنْهُ: {وَلَا تَقولُوا لما تصف أَلْسِنَتكُم الْكَذِب} [النَّحْل: 116] وَقيل لَا وَعَلِيهِ السيرافي وَغَيره لِأَن الْبَدَل للإسهاب والحذف يُنَافِيهِ (وَيجوز الْقطع) على إِضْمَار مُبْتَدأ كالإتباع (فِيمَا) أَي بدل (فصل بِهِ جمع أَو عدد) نَحْو مَرَرْت بِرِجَال طَوِيل وقصير وربعه
و (بني الْإِسْلَام على خمس شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله) الحَدِيث (وَكَذَا غَيره) أَي غير التَّفْصِيل يجوز فِيهِ الْقطع أَيْضا نَحْو مَرَرْت بزيد أَخُوك نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ والأخفش وَقيل يقبح فِي غير التَّفْصِيل (مَا لم يطلّ الْكَلَام) فَيحسن نَحْو: {بشر من ذَلِكُم النَّار} [الْحَج: 72](3/184)
حُرُوف الْعَطف
أَي هَذَا مَبْحَث الْحُرُوف العاطفة وَتسَمى المعطوفات بهَا عِنْد الْبَصرِيين شركَة وَعند الْكُوفِيّين وَهُوَ المتداول نسفا بِفَتْح السِّين اسْم مصدر نسقت الْكَلَام أنسقه نسقا بالتسكين أَي عطفت بعضه على بعض قَالَ أَبُو حَيَّان ولكونه بأدوات محصورة لَا يحْتَاج إِلَى حَده وَمن حَده كَابْن مَالك بِكَوْنِهِ تَابعا بِأحد حُرُوف الْعَطف لم يصب مَعَ مَا فِيهِ من الدّور ولتوقف معرفَة الْمَعْطُوف على حرفه وَمَعْرِفَة الْحَرْف على الْعَطف
حرف الْوَاو
(الْوَاو) وَهِي (لمُطلق الْجمع) أَي الِاجْتِمَاع فِي الْفِعْل من غير تَقْيِيد بحصوله من كليهمَا فِي زمَان أَو سبق أَحدهمَا فقولك جَاءَ زيد وَعَمْرو يحْتَمل على السوَاء أَنَّهُمَا جَاءَا مَعًا أَو زيدا أَولا أَو آخرا وَمن وُرُودهَا فِي: {فأنجيناه وَأَصْحَاب السَّفِينَة} [العنكبوت: 15] وَفِي السَّابِق: {وَلَقَد أرسلنَا نوحًا وَإِبْرَاهِيم} [الْحَدِيد: 26] وَفِي الْمُتَأَخر: {كَذَلِك يوحي إِلَيْك وَإِلَى الَّذين من قبلك} [الشورى: 3] وَاسْتدلَّ لذَلِك بِأَن التَّثْنِيَة مختصرة من الْعَطف بِالْوَاو فَكَمَا تحْتَمل ثَلَاثَة معَان وَلَا دلَالَة فِي لَفظهَا على تَقْدِيم وَلَا تَأْخِير فَكَذَلِك الْعَطف بهَا وباستعمالها حَيْثُ لَا تَرْتِيب فِي نَحْو اشْترك زيد وَعَمْرو وبصحة نَحْو قَامَ زيد وَعَمْرو بعده أَو قبله أَو مَعَه وَالتَّعْبِير بِمَا سبق أحسن كَمَا قَالَه ابْن هِشَام من قَول بَعضهم (للْجمع الْمُطلق) لتقييد الْجمع بِقَيْد الْإِطْلَاق وَإِنَّمَا هِيَ للْجمع لَا بِقَيْد (وَقَالَ قطرب والربعي وَهِشَام وثعلب و) غُلَامه أَبُو عمر (الزَّاهِد و)(3/185)
أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن جَعْفَر (الدينَوَرِي) هِيَ (للتَّرْتِيب) قَالُوا لِأَن التَّرْتِيب فِي اللَّفْظ يَسْتَدْعِي سبا وَالتَّرْتِيب فِي الْوُجُود صَالح لَهُ فَوَجَبَ الْحمل عَلَيْهِ وَنقل هَذَا القَوْل عَن الْمَذْكُورين فِي شرح أبي حَيَّان رد بِهِ على ادِّعَاء السيرافي وَغَيره إِجْمَاع الْبَصرِيين والكوفيين على أَنَّهَا لَا تفيده وَنَقله ابْن هِشَام عَن الْفراء أَيْضا والرضي عَن الْكسَائي وَابْن درسْتوَيْه ورد بِلُزُوم التَّنَاقُض فِي قَوْله تَعَالَى: {وادخلوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة} [الْبَقَرَة: 58] مَعَ قَوْله فِي مَوضِع آخر: {وَقُولُوا حطة وادخلوا الْبَاب سجدا} [الْأَعْرَاف: 161] والقصة وَاحِدَة (و) قَالَ (ابْن كيسَان) هِيَ (للمعية حَقِيقَة) واستعمالها فِي غَيرهَا مجَاز قَالَ لِأَنَّهَا لما احتملت الْوُجُوه الثَّلَاثَة وَلم يكن فِيهَا أَكثر من جمع الْأَشْيَاء كَانَ أغلب أحوالها أَن تكون للْجمع فِي كل حَال حَتَّى يكون فِي الْكَلَام مَا يدل على التَّفَرُّق (وَعَكسه الرضي) فَقَالَ لقَائِل أَن يَقُول اسْتِعْمَال الْوَاو فِيمَا لَا تَرْتِيب فِيهِ مجَاز وَهِي فِي أصل الْوَضع للتَّرْتِيب وَلما الثَّانِي فِيهِ قبل الأول وَالْأَصْل فِي الِاسْتِعْمَال الْحَقِيقَة (و) قَالَ (ابْن مَالك الْمَعِيَّة) فِيهَا (أرجح) من غَيرهَا (وَالتَّرْتِيب كثير وَعَكسه قَلِيل) قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ قَول مخترع مُخَالف لمَذْهَب الْأَكْثَرين وَغَيرهم (وتختص) بِأَحْكَام لَا يشاركها فِيهَا غَيرهَا من حُرُوف الْعَطف فاختصت (بعطف مَا لَا يسْتَغْنى عَنهُ) نَحْو اخْتصم زيد وَعَمْرو وَهَذَانِ زيد وَعَمْرو وَإِن إخْوَتك زيدا وعمرا وبكرا نجباء وَالْمَال بَين زيد وَعَمْرو وَأما قَول امْرِئ الْقَيْس: 1587 -
(بَين الدَّخول فحَوْمل ... )(3/186)
فتقديره بَين نواحي الدُّخُول وَأَجَازَ الْكسَائي الْعَطف فِي ذَلِك بِالْفَاءِ وَثمّ وأو (و) اخْتصّت بعطف (الْخَاص على الْعَام وَعَكسه) أَي الْعَام على الْخَاص نَحْو: {وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وميكال} [الْبَقَرَة: 98] {رب اغْفِر لي ولوالدي وَلمن دخل بَيْتِي مُؤمنا وَلِلْمُؤْمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} [نوح: 28] وَقَالَ ابْن هِشَام قد يشاركها فِي هَذَا الحكم (حَتَّى) قَالَ الْفَارِسِي وَابْن جني مَا جَاءَ من ذَلِك لم ينْدَرج تَحت مَا قبله بل أُرِيد بِهِ غير مَا عطف عَلَيْهِ لِأَن الْمَعْطُوف غير الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (و) اخْتصّت بعطف (المرادف) على مرادفه نَحْو: {إِنَّمَا أَشكُوا بَثِّي وَحُزنِي إِلَى اللهِ} [يُوسُف: 86] {صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة} [الْبَقَرَة: 157] (ليليني مِنْكُم ذَوُو الأحلام والنهى) 1588 -
(وألْقَى قَوْلَها كَذِباً ومَيْنا ... )
وَقَالَ ابْن مَالك قد يشاركها فِي ذَلِك (أَو) نَحْو: {وَمن يكْسب خَطِيئَة أَو إِثْمًا} [النِّسَاء: 112] وَسَبقه إِلَيْهِ ثَعْلَب فِيمَا حَكَاهُ صَاحب الْمُحكم عَنهُ فِي قَوْله: {عُذرًا أَو نُدرًا} [المرسلات: 6] وَقَالَ الْعذر وَالنّذر وَاحِد (و) اخْتصّت بعطف (النَّعْت) على مَا تقدم تَفْصِيله فِي مَبْحَث النَّعْت (فِي(3/187)
الْأَصَح فِيهَا) أَي فِي الْمسَائِل الْخَمْسَة وَقد ذكر فِي كل مَا يُقَابله (و) اخْتصّت بعطف (مَا حَقه التَّثْنِيَة) أَو الْجمع كَقَوْل الفرزدق: 1589 -
(إِن الرَّزيّةَ لَا رَزيّةَ مِثْلُها ... فُقْدانُ مِثْل مُحمّدٍ ومُحَمّدِ)
وَقَول أبي نواس: 1590 -
(أقَمْنا بهَا يَوْماً وَيَوْما وثالِثاً ... وَيَوْما لَهُ يومُ التّرحل خَامِسُ)
(و) اخْتصّت بعطف (العقد على النيف) نَحْو أحد وَعِشْرُونَ (و) اخْتصّت (باقترانها بإما) نَحْو: {إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا} [الْإِنْسَان 3] (وَلَكِن) نَحْو: {وَلَكِن رَسُول الله} [الْأَحْزَاب: 40] (وَلَا) إِن سبقت بِنَفْي وَلم تقصد الْمَعِيَّة) نَحْو مَا قَامَ زيد وَلَا عَمْرو ليُفِيد أَن الْفِعْل منفي عَنْهُمَا فِي حَالَة الِاجْتِمَاع والافتراق وَمِنْه: {وَمَا أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم بِالَّتِي تقربكم} [سبأ: 37] إِذْ لَو لم تدخل (لَا) لاحتمل أَن المُرَاد نفي التَّقْرِيب عِنْد الِاجْتِمَاع دون الِافْتِرَاق والعطف حِينَئِذٍ من عطف الْمُفْردَات وَقيل الْجمل بإضمار الْعَامِل فَإِن لم يسْبق بِنَفْي أَو قصد الْمَعِيَّة لم تدخل فَلَا يُقَال قَامَ زيد وَلَا عَمْرو وَلَا مَا اخْتصم زيد وَلَا عَمْرو وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يَستَوِي الأَعَمَى وَالبَصَيرُ وَلاَ الضُّلُمَاتُ وَلاَ النُّورُ} [فاطر: 19، 20] الْآيَة ف (لَا) الثَّانِيَة زَائِدَة لأمن اللّبْس (وَغير ذَلِك) اخْتصّت بِهِ كعطف الْمُفْرد السببي على الْأَجْنَبِيّ عِنْد الاجتياع إِلَى الرَّبْط نَحْو مَرَرْت بِرَجُل قَائِم زيد وَأَخُوهُ وَعطف الْجوَار إِن قيل بِهِ فِي النسق وَعطف الْمُقدم على متبوعه للضَّرُورَة نَحْو:(3/188)
1591 -
(عَلَيْك ورَحْمَة اللهِ السّلامُ ... )
وَنَحْوهمَا مِمَّا هُوَ مفرق فِي محاله (قَالَ ابْن مَالك وَعطف عَامل حذف وَبَقِي معموله على) عَامل (ظَاهر يجمعهما معنى) وَاحِدًا (نَحْو) قَوْله تَعَالَى: {تَبَؤءُوا الدَّارَ وَالإِيمانَ} [الْحَشْر: 9] أَصله واعتقدوا الْإِيمَان أَو اكتسبوا فاستغنى بمفعوله عَنهُ لِأَن فِيهِ وَفِي (تبوءوا) معنى لازموا وألفوا وَقَول الشَّاعِر: 1592 -
(عَلَفْتُها تِبْناً وَمَاء بَارِدًا ... )
أَي وسقيتها وَالْجَامِع الطّعْم 1593 -
(وزجّجْنَ الحواجبَ والعُيُونَا ... )
أَي وكحلن وَالْجَامِع التحسين (وَجعله الْجُمْهُور من عطف الْجمل بإضمار فعل) مُنَاسِب كَمَا تقدم لتعذر الْعَطف (و) جعله (قوم) من عطف (الْمُفْرد بتضمين) الْفِعْل (الأول معنى يتسلط) بِهِ عَلَيْهِ فَيقدر (آثروا الدَّار الْإِيمَان) وَنَحْوه قَالَ أَبُو حَيَّان فَركب ابْن مَالك من المذهبين مذهبا ثَالِثا (وَقَالَ أَبُو حَيَّان) فِي الارتشاف الَّذِي اخْتَارَهُ التَّفْصِيل وَذَلِكَ أَنه (إِن صَحَّ نسبه) الْعَامِل الأول (الظَّاهِر لما يَلِيهِ حَقِيقَة فالإضمار مُتَعَيّن فِي الثَّانِي) لِأَنَّهُ أَكثر من التَّضْمِين نَحْو (يجدع الله أَنفه وَعَيْنَيْهِ) أَي ويفقأ عَيْنَيْهِ فنسبة الجدع إِلَى(3/189)
الْأنف حَقِيقَة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يَصح نسبته إِلَيْهِ حَقِيقَة (فالتضمين) مُتَعَيّن فِي الثَّانِي لتعذر الْإِضْمَار نَحْو علفت الدَّابَّة تبنا وَمَاء أَي أطعمتها أَو غذوتها (وَالْأَكْثَر) على (أَنه) أَي التَّضْمِين (ينقاس) وضابطه أَن يكون الأول وَالثَّانِي يَجْتَمِعَانِ فِي معنى عَام لَهما وَمنع بَعضهم قِيَاسه (قيل وَتَكون) الْوَاو (للتقسيم) نَحْو الْكَلِمَة اسْم وَفعل وحرف 1594 -
(كَمَا النَّاس مجرومٌ عَلَيْهِ وجَارمٌ ... )
ذكره ابْن مَالك فِي (التُّحْفَة) وَغَيره قَالَ ابْن هِشَام وَالصَّوَاب أَنَّهَا على مَعْنَاهَا الْأَصْلِيّ إِذْ الْأَنْوَاع مجتمعة فِي الدُّخُول تَحت الْجِنْس (قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ والقزويني وَالْإِبَاحَة والتخيير) نَحْو جَالس الْحسن أَو ابْن سِيرِين أَي أَحدهمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَلِهَذَا قيل (تِلكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [الْبَقَرَة: 196] بعد ذكر ثَلَاثَة وَسَبْعَة لِئَلَّا يتَوَهَّم إِرَادَة التَّخْيِير قَالَ ابْن هِشَام وَالْمَعْرُوف من كَلَام النَّحْوِيين خِلَافه (و) قَالَ (الخارزنجي) و (التَّعْلِيل) وَحمل عَلَيْهِ الواوات الدَّاخِلَة على الْأَفْعَال المنصوبة فِي قَوْله تَعَالَى: {أَو يُوبِقهُنَّ بَمَا كَسَبُوا وَيَعفُ عَن كَثِير وَيَعلَمَ الَّذِينَ} [الشورى: 34، 35] {أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعلَمِ اللهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُم وَيَعلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمرَان 142] {يَا لَيتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِبُ} [الْأَنْعَام: 27] قَالَ ابْن هِشَام وَالصَّوَاب الْوَاو فِيهِنَّ للمعية (و) قَالَ (الْكُوفِيُّونَ والأخفش) وَتَكون (زَائِدَة) نَحْو: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَت أَبَوابُها وَقَالَ لَهُم خَزَنَتُهَا} [الزمر: 73] (فَلَمَّا أَسلَمَا وَتَلَّهُ لِلجَبِينِ(3/190)
وَنَادينَاهُ} [الصافات: 103، 104] إِحْدَى الواوين فِي الْآيَتَيْنِ زَائِدَة إِمَّا الأولى أَو الثَّانِيَة وَغَيرهم قَالَ لَا تزاد وَهِي فيهمَا عاطفة وَالْجَوَاب مَحْذُوف أَو حَالية فِي الأولى أَي جاءوها وَقد فتحت أَبْوَابهَا من قبل إِكْرَاما لَهُم عَن أَن يقفوا حَتَّى تفتح لَهُم وَأثبت الحريري وَابْن خالويه وَاو الثَّمَانِية وَقَالا لِأَن الْعَرَب إِذْ عدوا قَالُوا سِتَّة سَبْعَة ثَمَانِيَة إِيذَانًا بِأَن السَّبْعَة عدد تَامّ وَمَا بعده عدد مُسْتَأْنف وَاسْتَدَلُّوا بقوله تَعَالَى {سَيَقُولُونَ ثَلاَثَةٌ رَّابِعُهُم كَلبُهُم} إِلَى قَوْله {وَثَامِنُهُم} [الْكَهْف: 22] وَقَوله فِي آيَة الْجنَّة {وَفُتِحَت أَبَوابُهَا} [الزمر: 73] لِأَن أَبْوَابهَا ثَمَانِيَة بِخِلَاف آيَة جَهَنَّم لِأَن أَبْوَابهَا سَبْعَة وَقَوله {وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ} [التَّوْبَة: 112] فَإِنَّهُ الْوَصْف الثَّامِن وَقَوله {وَأَبكَاراً} [التَّحْرِيم: 5] وَلم يذكر هَذِه الْوَاو أحد من أَئِمَّة الْعَرَبيَّة ووجهت فِي الْآيَة الأولى بِأَنَّهَا لعطف جملَة على جملَة أَي هم سَبْعَة وثامنهم وَفِي الثَّانِيَة زَائِدَة أَو عاطفة أَو حَالية كَمَا تقدم وَفِي الثَّالِثَة عاطفة لِأَن الْأَمر وَالنَّهْي صفتان متقابلتان بِخِلَاف بَقِيَّة الصِّفَات وَكَذَا فِي الرَّابِعَة لعطف صفتين متقابلتين إِذْ لَا تَجْتَمِع الثيوبة والبكارة وَتَأْتِي الْوَاو للتذكير وَالْإِنْكَار كَقَوْل من أَرَادَ أَن يَقُول يقوم زيد نفس (زيد) فَأَرَادَ مد الصَّوْت ليتذكر إِذْ لم يرد قطع الْكَلَام يقومو وقولك آلرجلوه بعد قَول قَائِل قَامَ الرجل قَالَ ابْن هِشَام وَالصَّوَاب أَلا يعدَّانِ لِأَنَّهُمَا إشباع للحركة بِدَلِيل آلرجلاه فِي النصب وآلرجلية فِي الْجَرّ(3/191)
3 - حرف الْفَاء
(الْفَاء للتَّرْتِيب) مَعَ التَّشْرِيك وَهُوَ معنوي كقام زيد فعمرو وذكري وَهُوَ عطف مفصل على مُجمل نَحْو {فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا فأخرجهما} [الْبَقَرَة: 36] {فقد سَأَلُوا مُوسَى أكبر من ذَلِك فَقَالُوا} [النِّسَاء: 153] {ونادى نوح ربه فَقَالَ} [هود: 45] (وَأنْكرهُ) أَي التَّرْتِيب (الْفراء مُطلقًا) وَاحْتج بقوله تَعَالَى {أهلكناها فَجَاءَهَا بأسنا} [الْأَعْرَاف: 4] ومجيء الْبَأْس سَابق للإهلاك وَأجِيب بِأَن الْمَعْنى أردنَا إهلاكها أَو بِأَنَّهَا للتَّرْتِيب الذكري وَأنْكرهُ (الْجرْمِي فِي الْأَمَاكِن والمطر) بِدَلِيل قَوْله 1595 -
(بَين الدَّخول فحّومل ... )
وَقَوْلهمْ (مُطِرْنَا مَكَان كَذَا فَكَانَ كَذَا) وَإِن كَانَ وُقُوع الْمَطَر فيهمَا فِي وَقت وَاحِد (وللتعقيب فِي كل شَيْء بِحَسبِهِ) نَحْو جَاءَ زيد فعمرو أَي عقبه بِلَا مهلة (تزوج فلَان فولد لَهُ) إِذا لم يكن بَينهمَا إِلَّا مُدَّة الْحمل وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أنزل من السَّمَاء مَاء فَتُصْبِح الأَرْض مخضرة} [الْحَج: 63] (وللسببية غَالِبا) فِي عطف (جملَة أَو صفة) نَحْو {فوكزه مُوسَى فَقضى عَلَيْهِ} [الْقَصَص: 15] {فَتَلَقًّىءَادَمُ مِن رَّبِهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيهِ} [الْبَقَرَة: 37] {لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ فَمَالِئُنَ مِنهَا البُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيهِ مِنَ الحَمِيمِ} [الْوَاقِعَة: 52، 53، 54] وَقد تخلوا عَنهُ نَحْو {فرَاغ إِلَى أَهله فجَاء بعجل سمين فقربه إِلَيْهِم} [الذرايات: 26، 27] {فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا} [الصافات: 2، 3](3/192)
(وتختص) الْفَاء (بعطف مفصل على مُجمل) كالأمثلة السَّابِقَة فِي التَّرْتِيب الذكري (و) بعطف (جملَة شَرطهَا الْعَائِد خلت مِنْهُ) صفة أَو صلَة أَو خَبرا لما فِيهَا من الرَّبْط نَحْو (الَّذِي يطير فيغضب زيد الذُّبَاب) (مَرَرْت بِرَجُل يبكي فيضحك عَمْرو خَالِد يقوم فيقعد عَمْرو) قيل وَترد للغاية بِمَعْنى إِلَى وَجعل مِنْهُ قَوْله 1596 -
(بَين الدّخول فحومل ... )
على تَقْدِير مَا بَين (الدُّخُول) إِلَى (حومل) فَحذف مَا دون (بَين) كَمَا عكس ذَلِك من قَالَ 1597 -
(يَا أحْسنَ النَاس مَا قرْنا إِلَى قدَم ... )
أَي مَا بَين قرن فَحذف (بَين) وَأقَام (قرنا) مقَامهَا وَالْفَاء نائبة عَن (إِلَى) قَالَ ابْن هِشَام وَهَذَا غَرِيب قَالَ ويستأنس لَهُ بمجيء عَكسه فِي قَوْله 1598 -
(وأنْتِ الَّتِي حبّبْتِ شَغْباً إِلَى بَدَا ... إليَّ وأوطاني بلادٌ سِواهُما)
إِذْ الْمَعْنى شغبا فَبَدَا وهما موضعان قَالَ وَيدل على إِرَادَة التَّرْتِيب قَوْله بعده 1599 -
(حَللْتِ بِهَذَا حَلّة ثمَّ حَلّةً ... بِهَذَا فطاب الواديان كِلاهُما)(3/193)
قَالَ وَهَذَا معنى غَرِيب لِأَنِّي لم أر من ذكره (قيل والاستئناف) نَحْو 1600 -
(ألم تسْأل الرَّبْعَ القواء فينطِقُ ... )
أَي فَهُوَ ينْطق لِأَنَّهَا لَو كَانَت عاطفة جزم مَا بعْدهَا أَو سَبَبِيَّة نصب وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون} [يس: 82] بِالرَّفْع وَقَول الشَّاعِر 1601 -
(يُريدُ أَن يُعْربَه فيُعْجمُهْ ... )
قَالَ ابْن هِشَام وَالتَّحْقِيق أَنَّهَا فِي ذَلِك كُله للْعَطْف وَأَن الْمُعْتَمد بالْعَطْف الْجُمْلَة لَا الْفِعْل (قيل) وَترد (زَائِدَة) دُخُولهَا كخروجها كَقَوْلِه 1602 -
(يَموتُ أناسُ أَو يشِيبَ فَتاهُمُ ... ويَحْدُثُ ناسٌ والصَّغيرُ فيَكْبُرُ)
وَقَوله 1603 -
(أَرَانِي إذَا مَال بنُّ على هَوًى ... فثمَّ إِذا أصبحتُ غادِيا)(3/194)
3 - ثمَّ
(ثمَّ) وَيُقَال فَم بِالْفَاءِ بَدَلا من الثَّاء كَمَا قَالُوا فِي جدث جدف (و) يُقَال (ثمت) بتاء سَاكِنة ومفتوحة قَالَ 1604 -
(صاحْبته ثمّت فارقتهُ ... )
(للتشريك) فِي الحكم (وَالتَّرْتِيب خلافًا لقطرب) فِي قَوْله إِنَّهَا لَا تفيده وَاحْتج بقوله تَعَالَى {خَلقكُم من نفس وَاحِدَة ثمَّ جعل مِنْهَا زَوجهَا} [الزمر: 6] {وَبَدَأَ خلق الْإِنْسَان من طين ثمَّ جعل نَسْله من سلالة من مَاء مهين ثمَّ سواهُ وَنفخ فِيهِ من روحه} [السَّجْدَة: 7، 8، 9] {ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ثُمَّءَاتَينَا مُوسَى الكِتَابَ} [الْأَنْعَام: 153، 154] وَقَول الشَّاعِر 1605 -
(إنَّ مَنْ سادَ ثُمّ سادَ أَبُوه ... ثُمَّ قد سَاد قَبْلَ ذلِك جَدُّه)
وَأجِيب بِأَنَّهَا فِي الْجَمِيع لترتيب الْأَخْبَار لَا الحكم (والمهلة) (خلافًا للفراء) فِي قَوْله إِنَّهَا بِمَعْنى الْفَاء (وَقد تقع الْفَاء) فِي إِفَادَة التَّرْتِيب بِلَا مهلة (وَعَكسه) أَي تقع الْفَاء موقع (ثمَّ) فِي إفادته بمهلة فَالْأول كَقَوْلِه 1606 -
(كهَزِّ الرُّدَيْنيِّ تَحت العَجَاج ... جَرَى فِي الأنابيب ثُمَّ اضْطَربْ)(3/195)
إِذْ الهز مَعَ جرى فِي أنابيب الرمْح يعقبه اضطرابه بِلَا تراخ وَالثَّانِي كَقَوْلِه تَعَالَى {ثمَّ خلقنَا النُّطْفَة علقَة فخلقنا الْعلقَة مُضْغَة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا الْعِظَام لَحْمًا} [الْمُؤْمِنُونَ: 14] فالفاء فِي الثَّلَاثَة بِمَعْنى ثمَّ (قَالَ الكوفية و) تقع (زَائِدَة) كَقَوْلِه تَعَالَى {حَتَّى إِذا ضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ} إِلَى قَوْله {ثمَّ تَابَ عَلَيْهِم} [التَّوْبَة: 118] وَأجِيب بِأَن الْجَواب فِيهَا مُقَدّر (و) قَالَ (الْفراء) تقع (الِاسْتِئْنَاف) نَحْو أَعطيتك ألفا ثمَّ أَعطيتك قبل ذَلِك مَالا فَيكون
3 - أم
(أم) وأنكرها أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى وَتَبعهُ مُحَمَّد بن مَسْعُود الغزني صَاحب البديع فَقَالَ لَيست بِحرف عطف بل بِمَعْنى همزَة الِاسْتِفْهَام وَلِهَذَا يَقع بعْدهَا جملَة يستفهم عَنْهَا كَمَا تقع بعد الْهمزَة نَحْو أضربت زيدا أم قتلته أبكر فِي الدَّار أم خَالِد أَي أخالد فِيهَا قَالَ ولتساوي الجملتين بعْدهَا فِي الِاسْتِفْهَام حسن وُقُوعهَا بعد (سَوَاء) لَكِن لما كَانَت تتوسط بَين مُحْتَمل الْوُجُود لشيئين أَحدهمَا بالاستفهام كتوسط (أَو) بَين اسْمَيْنِ محتملي الْوُجُود قيل إِنَّهَا حرف عطف (وَزعم ابْن كيسَان أَن أَصْلهَا أَو) أبدلت واوها ميما فتحولت إِلَى معنى يزِيد على معنى أَو(3/196)
وَقَالَ أَبُو حَيَّان وَهِي دَعْوَى بِلَا دَلِيل وَلَو كَانَ كَذَلِك لاتفقت أحكامهما وهما مُخْتَلِفَانِ من أوجه مِنْهَا أَن السُّؤَال بِأَو قبله بِأم وَأَنه يقدر مَعَ (أَو) بِأحد وَمَعَ أم (بِأَيّ) وَأَن جَوَاب (أَو) بنعم أَو لَا وَجَوَاب (أم) بِالتَّعْيِينِ بِالِاسْمِ أَو الْفِعْل وَأَن الْأَحْسَن مَعَ أَو تَقْدِيم الْفِعْل وَمَعَ (أم) تَقْدِيم الِاسْم وَأَن (أَو) لَا يلْزم معادلتها للاستفهام بِخِلَاف أم وَأَنَّك إِذا استفهمت باسم وعطفت عَلَيْهِ كَانَ (بِأَو) دون (أم) وَأَن الْعَطف بعد أفعل التَّفْضِيل (بِأم) دون (أَو) وَكَذَا مَا لم يحسن السُّكُوت عَلَيْهِ (وَهِي قِسْمَانِ مُتَّصِلَة) تقع بعد همزَة التَّسْوِيَة (أَو) همزَة يطْلب بهَا وبأم (التَّعْيِين) وَلذَا تسمى معادلة لمعادلتها للهمزة فِي إِفَادَة التَّسْوِيَة أَو الِاسْتِفْهَام ويجمعهما أَن يُقَال هِيَ الَّتِي لَا يَسْتَغْنِي مَا بعْدهَا عَمَّا قبلهَا وَلَا يَقع إِلَّا فِيمَا يسْتَعْمل فِي لفظ الِاسْتِفْهَام سَوَاء أُرِيد مَعْنَاهُ أم لَا (وتختص الأولى) أَي الَّتِي تقع بعد همزَة التَّسْوِيَة (بِأَنَّهَا لَا تقع إِلَّا بَين جملتين) شَرطهمَا أَن يَكُونَا (فِي تَأْوِيل المفردين) وَسَوَاء الاسميتان والفعليتان والأغلب فيهمَا الْمُضِيّ والمختلفان كَقَوْلِه تَعَالَى {سَوَاء علينا أجزعنا أم صَبرنَا} [إِبْرَاهِيم: 21] وَقَوله {سَوَاء عَلَيْكُم أدعوتموهم أم أَنْتُم صامتون} [الْأَعْرَاف: 193] وَقَول الشَّاعِر 1607 -
(ولَسْتُ أُبالِي بعد فَقْدِيَ مالِكاً ... أمَوْتِيَ ناء أم هُوَ الْآن واقِعُ)
بِخِلَاف الْأُخْرَى فَتَقَع بَين مفردين وَهُوَ الْغَالِب فِيهَا نَحْو(3/197)
{ءَأَنتُم أَشَدُ خَلقاً أَمِ السَّمَآءُ} [النازعات: 27] وجملتين ليستا فِي تأويلهما كَقَوْلِه 1608 -
(فَقُلْتُ أهْيَ سَرَتْ أمْ عادني حلُمُ)
وَقَوله 1609 -
(لَعمْرُك مَا أدْري وإنْ كنت دَاريا ... شُعَيْثُ ابْن سَهْم شُعَيْثُ ابْن مِنْقَر)
وتختص الأولى أَيْضا بِأَنَّهَا لَا تسْتَحقّ جَوَابا لِأَن الْمَعْنى مَعهَا لَيْسَ على الِاسْتِفْهَام فَإِن الْكَلَام مَعهَا قَابل للتصديق والتكذيب لِأَنَّهُ خبر بِخِلَاف الْأُخْرَى (وَيُؤَخر الْمَنْفِيّ فيهمَا) أَي الأولى وَالْأُخْرَى فَيُقَال (سَوَاء على أجاء أم لم يَجِيء) (أَقَامَ زيد أم لم يقم) وَلَا يجوز سَوَاء على لم يَجِيء أم جَاءَ وَلَا ألم يقم أم قَامَ فَإِن كَانَ مَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا مثبتا قدم مَا شِئْت مِنْهُمَا (وَفصل الثَّانِيَة من معطوفها أَكثر لَا وَاجِب وَلَا مَمْنُوع فِي الْأَصَح) مِثَال الْفَصْل {أذلك خير أم جنَّة الْخلد} [الْفرْقَان: 15] والوصل {أَقَرِيب أم بعيد مَا توعدون} [الْأَنْبِيَاء: 109] وَالتَّأْخِير أعندك زيد أم عَمْرو ألقيت زيدا أم عمرا وَقيل لَا يجوز إِلَّا الْفَصْل وَقيل لَا يجوز إِلَّا ضم أَحدهمَا إِلَى الآخر مقدمين أَو مؤخرين (وَقد تحذف الْهمزَة) وتنوي كَقَوْلِه 1610 -
(لَعَمْرُك مَا أدْري وَإِن كنتُ دارياً ... بسَبْع رمَيْن الْجَمْر أم بثَمان} أَي أبسبع وَقُرِئَ {سَوَاءٌ عَلَيهِم أَنذَرتَهُم أَم لَم تُنذِرهُم} [الْبَقَرَة: 6] بِهَمْزَة وَاحِدَة(3/198)
(و) قد تحذف (أم والمعطوف بهَا) كَقَوْلِه 1611 -
(دَعَاني إليْها القلْبُ إنِّي لأَمره ... سميعٌ فَمَا أَدْرِي أرُشْدٌ طِلاَبُها)
أَي أم غي (و) قد يحذف (هُوَ) أَي الْمَعْطُوف بهَا (دونهَا بتعويض لَا) نَحْو أَزِيد عنْدك أم لَا أَزِيد يقوم أم لَا (قيل: و) يحذف (دونه) أَي دون تعويض وَجعل مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {أَفلا تبصرون أم} [الزخرف: 51، 52] أَي أم تبصرون ثمَّ ابْتَدَأَ {أَنا خير} [الزخرف: 52] قَالَ ابْن هِشَام وَهَذَا بَاطِل إِذْ لم يسمع حذف مَعْطُوف بِدُونِ عاطفة وَإِنَّمَا الْمَعْطُوف جملَة {أَنَا خَيرٌ} [الزخرف: 52] وَوجه المعادلة أَن الأَصْل أم ينْصرُونَ ثمَّ أُقِيمَت الأسمية مقَام الفعلية وَالسَّبَب مقَام الْمُسَبّب لأَنهم إِذْ قَالُوا لَهُ (أَنْت خير) كَانُوا عِنْده بصراء قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ (و) يحذف (الْمَعْطُوف عَلَيْهِ) وَجعل مِنْهُ {أَم كُنتُم شَهَدَآءَ} [الْبَقَرَة: 133] أَي (أَتَدعُونَ على الْأَنْبِيَاء الْيَهُودِيَّة أم كُنْتُم شُهَدَاء) وَوَافَقَهُ الواحدي وَقدر أبلغكم مَا تنسبون إِلَى يَعْقُوب من إيصائه بنية باليهود أم كُنْتُم (و) الثَّانِي من قسمي أم (مُنْقَطِعَة) سميت بذلك لِأَن الْجُمْلَة بعْدهَا مُسْتَقلَّة وَهِي(3/199)
الَّتِي تقع (بعد غير همزَة الِاسْتِفْهَام) وَذَلِكَ إِمَّا خبر مَحْض نَحْو {تَنْزِيل الْكتاب لَا ريب فِيهِ من رب الْعَالمين} [السَّجْدَة: 2] أَو همزَة لغير اسْتِفْهَام نَحْو {ألهم أرجل يَمْشُونَ بهَا أم لَهُم أيد} [الْأَعْرَاف: 195] لِأَن الْهمزَة هُنَا للإنكار فَهِيَ بِمَعْنى النَّفْي أَو الِاسْتِفْهَام بِغَيْر الْهمزَة نَحْو {هَل يَستَووي الأَعمَى وَالبَصيِرُ أَم هَل تَستَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} [الرَّعْد: 16] وَاخْتلف فِي مَعْنَاهَا (فَقَالَ البصريون هِيَ بِمَعْنى بل) أَي للإضراب (والهمزة مُطلقًا) (و) قَالَ (الْكسَائي وَهِشَام) هِيَ (كبل وتاليها) أَي مَا بعْدهَا (كمتلوها) أَي كَمَا قبلهَا فَإِذا قلت قَامَ زيد أم عَمْرو فَالْمَعْنى بل قَامَ عَمْرو وَإِذا قلت هَل قَامَ زيد أم عَمْرو فَالْمَعْنى بل هَل قَامَ عَمْرو ورد بقوله تَعَالَى {وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا بَاطِلا} إِلَى قَوْله {أَم نَجعَلُ الَّذِينَءَامَنُوا} [ص: 27، 28] الْآيَة ف (أم) لم يتقدمها اسْتِفْهَام وَقد استؤنف بِأم السُّؤَال على جِهَة الْإِنْكَار وَالرَّدّ وَلَا يُمكن أَن يكون مَا بعْدهَا مُوجبا فَلَيْسَ مثل مَا قبلهَا (و) قَالَ (الْفراء) هِيَ ك (بل) إِذا وَقعت (بعد اسْتِفْهَام) كَقَوْلِه 1612 -
(فواللهِ مَا أَدْرِي أسَلْمَى تغوَّلَتْ ... أم النّوْمُ أم كُلُّ إليَّ حَبيبُ)
أَي بل كل ورد بِأَن الْمَعْنى على الِاسْتِفْهَام أَي بل أكل إِلَى حبيب لِأَنَّهَا لما تمثلت لعَينه لم يدر أذلك فِي النّوم أم صَارَت من الغول لِأَن الْعَرَب تزْعم أَنَّهَا تبدو متزينة لتفتن ثمَّ لما جوز أَن تكون تغولت دَاخله الشَّك فَقَالَ بل أكل إِلَيّ حبيب أَي الغول وسلمى كل مِنْهُمَا إِلَى حبيب (و) قَالَ (قوم) تكون ك (بل) إِذا وَقعت بعد الِاسْتِفْهَام (وَالْخَبَر)(3/200)
وَقَالَ (أَبُو عُبَيْدَة) هِيَ (كالهمزة مُطلقًا) قَالَ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أَم ترِيدُونَ أَن تَسئَلُوا رَسُولَكُم} [الْبَقَرَة: 108] (و) قَالَ (الْهَرَوِيّ) فِي (الأزهية) هِيَ كالهمزة (إِن لم يتَقَدَّم) عَلَيْهَا (اسْتِفْهَام) ورد الْقَوْلَانِ بِأَنَّهَا لَو كَانَت بِمَعْنى الْهمزَة لوقعت فِي أول الْكَلَام وَذَلِكَ لَا يجوز فِيهَا ولورودها للاستفهام بعده فِي قَوْله 1613 -
(هَلْ مَا عَلِمْتَ وَمَا اسُتودِعْت مَكْتومُ ... أم حَبْلها إِذْ نَأتْكَ الْيَوْم مَصْرومُ)
فَإِنَّهُ اسْتَأْنف السُّؤَال بِأم عَمَّا بعْدهَا مَعَ تقدم الِاسْتِفْهَام لِأَن الْمَعْنى بل أحبلها لقَوْله بعده
(أم هَل كبيرٌ بَكَى لم يَقْص عبَرته ... إثْر الأحِبَّة يَوْم الْبَين مَشْكُومُ)
(وَتدْخل) أم هَذِه (على هَل) كَمَا تقدم (و) على (سَائِر أَسمَاء الِاسْتِفْهَام فِي الْأَصَح) نَحْو {أَمَّاذَا كُنتُم تَعمَلُون} [النَّمْل: 84] وَلَا تدخل على حرفه وَهُوَ الْهمزَة وَبِذَلِك اسْتدلَّ على أَنَّهَا بِمَعْنى بل والهمزة وَإِلَّا لدخلت عَلَيْهَا كَمَا يدْخل عَلَيْهَا بل فِي قَوْلك أَقَامَ زيد بل أَقَامَ عَمْرو وَلَا بدع فِي دُخُولهَا على هَل وَإِن كَانَت للاستفهام فقد دخلت عَلَيْهَا الْهمزَة فِي قَوْله 1615 -
(أهَل رأوْنا بسَفح القاع ذِي الأكَم ... )(3/201)
وَذهب الصفار إِلَى منع دُخُول (أم) على (هَل) وَغَيرهَا لِأَنَّهُ جمع بَين أداتي معنى وَقَالَ لَا يحفظ مِنْهُ إِلَّا قَوْله 1616 -
(أم هَل كبيرٌ بَكَى ... )
وَقَوله 1617 -
(أم هَل لامَنِي فِيك لائمُ ... )
وَقَوله 1618 -
(وَمَا أنتَ أمْ مَا ذِكرُها رَبعيّة ... )
وَقَوله تَعَالَى {أَمَّن هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُم} [الْملك: 20] (أَمن يرزقكم) قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا مِنْهُ دَلِيل على الجسارة وَعدم حفظ كتاب الله قَالَ وَقد دخلت على كَيفَ فِي قَوْله 1619 -
(أم كَيفَ يَنْفَع مَا تُعْطي العَلوقُ بِهِ ... )(3/202)
وعَلى (أَيْن) فِي قَوْله: 1620 -
(فَأصْبح لَا يَدْري أيَقْعُد فيكُمُ ... على حَسَك الشّحْناء أم أيْن يَذْهبُ)
(لَا مُفْرد) أَي لَا تدخل عَلَيْهِ (خلافًا لِابْنِ مَالك) فِي قَوْله بذلك وَأَنه مِنْهُ قَوْلهم (إِنَّهَا لإبل أم شَاءَ) لقَوْل بَعضهم (إِن هُنَاكَ لإبلا أم شَاءَ) بِالنّصب قَالَ فَهَذَا عطف صَرِيح يُقَوي عدم الْإِضْمَار فِي الْمَرْفُوع قَالَ أَبُو حَيَّان وَابْن هِشَام وَقد خرق إِجْمَاع النَّحْوِيين فِي ذَلِك فَإِنَّهُم اتَّفقُوا على تَقْدِير مُبْتَدأ أَي بل أَهِي شَاءَ وَأما رِوَايَة النصب إِن صحت فَالْأولى أَن يقدر فِيهَا ناصب أَي أم أرى شَاءَ (قَالَ أَبُو زيد) الْأنْصَارِيّ (وَترد) أم (زَائِدَة) وَاسْتدلَّ بقوله: 1621 -
(يَا ليْت شِعري وَلَا مَنْجَا من الهَرَم ... أم هَل على الْعَيْش بعد الشّيْب من نَدَم)
أَو
أَو (قَالَ المتقدمون هِيَ لإحدى الشَّيْئَيْنِ أَو الْأَشْيَاء) قَالَ ابْن هِشَام وَهُوَ التَّحْقِيق والمعاني الَّتِي ذكرهَا غَيرهم مستفادة من غَيرهَا (و) قَالَ (الْمُتَأَخّرُونَ) هِيَ مَعَ ذَلِك (للشَّكّ) من الْمُتَكَلّم نَحْو: {لبثنا يَوْمًا أَو بعض يَوْم} [الْكَهْف: 19] (والإبهام) بِالْمُوَحَّدَةِ على السَّامع نَحوه {وَإِنَّا أَو إيَّاكُمْ لعلى هدى أَو فِي ضلال مُبين} [سبأ: 24] (والتخيير وَالْإِبَاحَة) وَالْفرق بَينهمَا أَن الثَّانِي يجوز فِيهِ الْجَمِيع نَحْو اقْرَأ فقها أَو نَحوا بِخِلَاف الأول نَحْو انكح هندا أَو أُخْتهَا(3/203)
قَالَ ابْن مَالك وَأكْثر ... (وَالتَّفْصِيل) بعد الْإِجْمَال نَحْو: {وَقَالُوا كونُوا هودا أَو نَصَارَى تهتدوا} [الْبَقَرَة: 135] {قَالُوا سَاحر أَو مَجْنُون} [الذاريات: 52] أَي قَالَ بَعضهم كَذَا وَبَعْضهمْ كَذَا (والإضراب) ك (بل) (قَالَ قوم) تَأتي لَهُ (مُطلقًا) كَقَوْلِه تَعَالَى: {وأرسلناه إِلَى مائَة ألف أَو يزِيدُونَ} [الصافات: 147] أَي بل يزِيدُونَ وَقَول جرير: 1622 -
(مَاذَا ترى فِي عِيَال قد بَرمْتُ بهم ... لم أُحْص عِدَّتَهُم إِلَّا بعدّاد)
(كَانُوا ثَمَانِينَ أَو زادوا ثَمَانِيَة ... لَوْلَا رجَاؤُك قد قَتّلْتُ أوْلادي)
(و) قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِذا وَقعت (بعد نفي أَو نهي أَو) بعد (إِعَادَة الْعَامِل) نَحْو (مَا) قَامَ زيد أَو مَا قَامَ عَمْرو أَو (لَا تضرب زيدا أَو لَا تضرب عمرا) (قَالَ الكوفية والأخفش والجرمي والأزهري وَابْن مَالك و) بِمَعْنى (الْوَاو) أَي لمُطلق الْجمع نَحْو:(3/204)
1623 -
(لِنَفْسي تُقَاها أَو عَلَيْهَا فُجُورُها ... )
أَي وَعَلَيْهَا 1624 -
(جَاءَ الخِلافَة أَو كانَتْ لَهُ قَدَرًا ... )
أَي وَكَانَت قَالَ ابْن مَالك وَمن أحسن شواهده حَدِيث: (اسكن حرا) فَمَا عَلَيْك إِلَّا نَبِي أَو صديق أَو شَهِيد وَحَدِيث (مَا أخطأك سرف أَو مخيلة)(3/205)
وَغَيرهم تَأَول الْبَيْتَيْنِ الأول على أَن أَو فِيهِ للإبهام وَأَنَّهَا فِي الثَّانِي للشَّكّ وَقَالَ ابْن هِشَام الَّذِي رَأَيْته فِي ديوَان جرير إِذْ كَانَت وَقَالَ أَبُو حَيَّان إِنَّهَا الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة (زَاد ابْن مَالك) فِي الكافية وَشَرحهَا (والتقسيم) نَحْو الْكَلِمَة اسْم أَو فعل أَو حرف وَلم يذكرهُ فِي التسهيل وَلَا شَرحه بل قَالَ تَأتي للتفريق الْمُجَرّد من الشَّك والإبهام والتخيير قَالَ وَهَذَا أولى من التَّعْبِير بالتقسيم لِأَن اسْتِعْمَال الْوَاو فِيهِ أَجود قَالَ وَمن مَجِيئه بِأَو قَوْله: 1625 -
(فَقَالُوا لنا ثِنْتان لَا بُدَّ مِنْهُمَا ... صدُورُ رماح أُشْرعت أَو سَلاسِلُ)
قَالَ ابْن هِشَام ومجيء الْوَاو فِي التَّقْسِيم أَكثر لَا يَقْتَضِي أَن (أَو) لَا تَأتي لَهُ (و) قَالَ (الحريري) والتقريب نَحْو مَا أَدْرِي أسلم أَو ودع وَأذن أَو أَقَامَ قَالَ ابْن هِشَام وَهُوَ بَين الْفساد لِأَن التَّقْرِيب إِنَّمَا اسْتُفِيدَ من إِثْبَات اشْتِبَاه السَّلَام بالتوديع فَهِيَ للشَّكّ (و) قَالَ (ابْن الشجري وَالشّرط) نَحْو لأضربنه عَاشَ أَو مَاتَ أَي إِن عَاشَ بعد الضَّرْب وَإِن مَاتَ مِنْهُ ولآتينك أَعْطَيْتنِي أَو أحرمتني قَالَ ابْن هِشَام وَالْحق أَنَّهَا للْعَطْف على بَابهَا وَلَكِن لما عطفت على مَا فِيهِ معنى الشَّرْط دخل فِيهِ الْمَعْطُوف(3/206)
(و) قَالَ (قوم) من الْكُوفِيّين (والتبعيض) نَحْو: {وَقَالُوا كونُوا هودا أَو نَصَارَى} [الْبَقَرَة: 135] قَالَ ابْن هِشَام وَالَّذِي يظْهر أَنه أَرَادَ معنى التَّفْصِيل فَإِن كل وَاحِد مِمَّا قبل أَو التفصيلية وَمَا بعْدهَا بعض لما تقدم عَلَيْهِمَا من الْمُجْمل وَلم يرد أَنَّهَا ذكرت لتفيد مُجَرّد معنى التَّبْعِيض (وَلَا تَأتي بعد همزَة التَّسْوِيَة) لِأَنَّهَا لأحد الشَّيْئَيْنِ أَو الْأَشْيَاء والتسوية تَقْتَضِي شَيْئَيْنِ فَصَاعِدا فَلَا يُقَال سَوَاء كَانَ كَذَا أَو كَذَا قَالَ ابْن هِشَام وَقد أولع بهَا الْفُقَهَاء وَهُوَ لحن وَالصَّوَاب الْإِتْيَان بِأم وَفِي الصِّحَاح تَقول سَوَاء عَليّ أَقمت أَو قعدت وَهُوَ سَهْو وَفِي الْكَامِل أَن ابْن مُحَيْصِن قَرَأَ: {أَو لَمْ تُنذِرْهُمْ} [الْبَقَرَة: 6] وَهُوَ من الشذوذ بمَكَان قَالَ أما همزَة الِاسْتِفْهَام فيعطف بعْدهَا بِأَو نَحْو أَزِيد عنْدك أَو عَمْرو انْتهى وَفِي البديع قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِذا كَانَ بعد (سَوَاء) همزَة الِاسْتِفْهَام فَلَا بُد من (أم) اسْمَيْنِ كَانَا أَو فعلين تَقول سَوَاء عَليّ أَزِيد فِي الدَّار أم عَمْرو وَسَوَاء عَليّ أَقمت أم قعدت وَإِذا كَانَ بعْدهَا فعلان بِغَيْر ألف الِاسْتِفْهَام عطف الثَّانِي بِأَو تَقول سَوَاء عَليّ قُمْت أَو قعدت وَإِن كَانَا اسْمَيْنِ بِلَا ألف عطف الثَّانِي بِالْوَاو تَقول سَوَاء عَليّ زيد وَعَمْرو(3/207)
وَإِن كَانَ بعْدهَا مصدران كَانَ الثَّانِي بِالْوَاو وأو حملا عَلَيْهَا قَالَ السيرافي فَإِذا قلت سَوَاء عَليّ قُمْت أَو قعدت فتقديره إِن قُمْت أَو قعدت فهما عَليّ سَوَاء فعلى هَذَا سَوَاء خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي الْأَمْرَانِ سَوَاء وَالْجُمْلَة دَالَّة على جَوَاب الشَّرْط الْمُقدر قَالَ ابْن الدماميني وَبِذَلِك تبين صِحَة قَول الْفُقَهَاء وَكَأن ابْن هِشَام توهم أَن الْهمزَة لَازِمَة بعد كلمة سَوَاء فِي أول جملتيها وَلَيْسَ كَذَلِك
إِمَّا
(إِمَّا) بِالْكَسْرِ (المسبوقة بِمِثْلِهَا لمعاني (أَو) الْخَمْسَة) الأول الشَّك نَحْو جَاءَ إِمَّا زيد وَإِمَّا عَمْرو والإبهام نَحْو: {وَءَاخَرُونَ مُرجَونَ لأَمرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِبُهُم وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيهِم} [التَّوْبَة: 106] والتخيير نَحْو: {إِمَّا أَن تعذب وَإِمَّا أَن تتَّخذ فيهم حسنا} [الْكَهْف: 81] وَالْإِبَاحَة نَحْو اقْرَأ إِمَّا فقها وَإِمَّا نَحوا وَالتَّفْصِيل نَحْو: {إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا} [الْإِنْسَان: 3] وَعبر عَنهُ فِي التسهيل بِالتَّفْرِيقِ الْمُجَرّد كَمَا عبر بِهِ فِي أَو وَالْفرق بَينهَا وَبَين (أَو) فِي الْمعَانِي الْخَمْسَة أَنَّهَا لتكررها يدل الْكَلَام مَعهَا من أول وهلة على مَا أَتَى بهَا لأَجله من شكّ أَو غَيره بِخِلَاف (أَو) فَإِن الْكَلَام مَعهَا أَولا دَال على الْجَزْم ثمَّ يُؤْتى (بِأَو) دَالَّة على مَا جِيءَ بهَا لأَجله ثمَّ التَّحْقِيق أَن (إِمَّا) لأحد الشَّيْئَيْنِ أَو الْأَشْيَاء وَهَذِه الْمعَانِي تعرض فِي الْكَلَام من جِهَة أُخْرَى كَمَا فِي أَو (وَأنكر قوم الْإِبَاحَة) فِي (إِمَّا) مَعَ إثباتهم ذَلِك لأو (و) أنكر (يُونُس وَأَبُو عَليّ) الْفَارِسِي (وَابْن كيسَان وَابْن مَالك كَونهَا عاطفة) كَمَا أَن الأولى غير عاطفة وَقَالُوا الْعَطف بِالْوَاو الَّتِي قبلهَا وَهِي جائية لِمَعْنى من الْمعَانِي المفادة بِأَو(3/208)
وَقَالَ ابْن مَالك وُقُوعهَا بعد الْوَاو مسبوقة بِمِثْلِهَا شَبيه بِوُقُوع لَا بعد الْوَاو مسبوقة بِمِثْلِهَا فِي مثل لَا زيد وَلَا عَمْرو فِيهَا و (لَا) هَذِه غير عاطفة بِإِجْمَاع مَعَ صلاحيتها للْعَطْف قبل الْوَاو فلتكن إِمَّا كَذَلِك بل أولى (وَادّعى ابْن عُصْفُور الْإِجْمَاع عَلَيْهِ) أَي على كَونهَا غير عاطفة كالأولى تخلصا من دُخُول عاطف على عاطف قَالَ وَإِنَّمَا ذكروها فِي بَاب الْعَطف لمصاحبتها لحرفه (وَقيل) (إِمَّا) (عطفت الِاسْم على الِاسْم وَالْوَاو) عطفت (إِمَّا على إِمَّا) قَالَ ابْن هِشَام وَعطف الْحَرْف على الْحَرْف غَرِيب وَقَالَ الرضي غير مَوْجُود (وَقد تفتح همزتها) وَالْتَزَمَهُ تَمِيم وَقيس وَأسد كَقَوْلِه: 1626 -
(تُلَقِّحُها أمّا شَمالٌ عَريَّةٌ ... وأمَّا صبا جنْح العشيّ هَبُوبُ)
(و) قد (تبدل الْمِيم الأولى يَاء) مَعَ كسر الْهمزَة وَفتحهَا كَقَوْلِه: 1627 -
(لَا تُفسِدُوا آبَا لَكُمْ ... إيما لنا إيما لَكُمْ)
وَقَوله: 1628 -
(يَا لَيْتَما أمُّنَا شَالَت نَعَامَتُها ... إيْما إِلَى جَنّة إيما إِلَى نَار)
(و) قد (تحذف الأولى) كَقَوْلِه: 1629 -
(تُهاضُ بدار قد تقادم عَهْدُها ... وإمَّا بأمواتٍ ألمَّ خَيَالُها)(3/209)
وَنقل النّحاس أَن الْبَصرِيين لَا يجيزون فِيهَا إِلَّا التكرير وَأَن الْفراء أجَازه إِجْرَاء لَهَا مجْرى (أَو) فِي ذَلِك (أَو) تحذف (الْوَاو) من الثَّانِيَة فتنوى كالبيت السَّابِق (أَو) يحذف (مَا) من الأولى أَو الثَّانِيَة كَقَوْلِه: 1630 -
(وَقد كَذَبَتْكَ نَفْسُك فاكْذَبَنْها ... فَإِن جَزَعاً وَإِن إجْمالَ صَبْر)
(أَو) تحذف (هِيَ) بكمالها (مُسْتَغْنى عَنْهَا ب (وَإِلَّا) أَو بِأَو) كَقَوْلِه: 1631 -
(فإمَّا أَن تكونَ أخِي بصدْق ... فأعْرفَ مِنْك غَثِّي من سَمِيني)
(وإلاّ فاطَّرحْني واتَّخِذْنِي ... عدوًّا أتَّقِيك وتَّتّقِيني)
وَقَوله: 1632 -
(وَقد شَفّنِي ألاّ يَزال يروعُنِي ... خَيَالُك إمّا طَارِقًا أَو مُغاديا)
(وَهِي مركبة) من (إِن) و (مَا) الزَّائِدَة (على الْأَصَح) وَهُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَعَلِيهِ بني الِاقْتِصَار على (إِن) وَحذف (مَا) وَقيل بسيطة وَاخْتَارَهُ أَبُو حَيَّان لِأَن الأَصْل البساطة لَا التَّرْكِيب(3/210)
بل
(بل) للإضراب فَإِن كَانَت بعد أَمر أَو إِيجَاب نقلت حكم مَا قبلهَا لتاليها الْمُفْرد وَصَارَ مَا قبلهَا مسكوتا عَنهُ لَا يحكم لَهُ بِشَيْء نَحْو اضْرِب زيدا بل عمرا وَجَاء زيد بل عَمْرو أَو نفي أَو نهي (قَرّرته) أَي حكمه لَهُ (وَجعلت ضِدّه لتاليها) الْمُفْرد نَحْو مَا قَامَ زيد بل عَمْرو وَلَا تضرب زيدا بل عمرا (وَجوز الْمبرد النَّقْل فيهمَا) أَي النَّفْي وَالنَّهْي أَيْضا على تَقْدِير بل مَا قَامَ وبل لَا تضرب قَالَ ابْن مَالك وَهُوَ مُخَالف لاستعمال الْعَرَب كَقَوْلِه: 1633 -
(لَو اعْتصَمْتَ بِنَا لم تَعْتَصمْ بعِدًى ... بل أولياءَ كُفَاةٍ غَيْر أوغادِ)
وَقَوله: 1634 -
(وَمَا انْتَميْتُ إِلَى خثور وَلَا كُشُفٍ ... وَلَا لِئام غداةَ الرَّوْع أوْزَاع)
(بل ضاربين حبيك الْبيض إِن لَحِقُوا ... شُمّ العرانين عِنْد الْمَوْت لُذَّاعِ)
(وَمنع الكوفية و) أَبُو جَعْفَر (بن صابر الْعَطف بهَا بعد غَيرهمَا) قَالَ هِشَام مِنْهُم محَال ضربت عبد الله بل إياك قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا من الْكُوفِيّين مَعَ كَونهم أوسع من الْبَصرِيين فِي اتِّبَاع شواذ الْعَرَب دَلِيل على أَنه لم يسمع الْعَطف بهَا فِي الْإِيجَاب أَو على قلته وَلَا يعْطف بهَا بعد الِاسْتِفْهَام وفَاقا(3/211)
(فَإِن تَلَاهَا جملَة فللإبطال) للمعنى الأول وإثباته لما بعد نَحْو: {أم يَقُولُونَ بِهِ جنَّة بل جَاءَهُم بِالْحَقِّ} [الْمُؤْمِنُونَ: 70] (أَو الِانْتِقَال) من غَرَض إِلَى آخر بِدُونِ إبِْطَال نَحْو: {ولدينا كتاب ينْطق بِالْحَقِّ وهم لَا يظْلمُونَ بل قُلُوبهم فِي غمرة} [الْمُؤْمِنُونَ: 62، 63] (وَلَيْسَت) حِينَئِذٍ (عاطفة على الصَّحِيح) بل حرف ابْتِدَاء (وتزاد قبلهَا لَا) لتوكيد الإضراب بعد الْإِيجَاب كَقَوْلِه: 1635 -
(وَجْهُك البدرُ لَا بل الشّمْسُ لَوْ لَمْ ... يُقْضَ للشَّمْس كَسْفةٌ وأُفولُ)
ولتوكيد تَقْرِير مَا قبلهَا بعد النَّفْي وَالنَّهْي (ومنعها) أَي زِيَادَة (لَا) (ابْن درسْتوَيْه بعد النَّفْي زَاد ابْن عُصْفُور) وَبعد (النَّهْي) أَيْضا قَالَ لِأَنَّهُ لم يسمع ورد بقوله: 1636 -
(وَمَا هَجَرْتُك لَا بل زادَني شغَفًا ... هَجْرٌ وبُعْدٌ ترَاخى لَا إِلَى أجَل)
وَقَوله: 1637 -
(لَا تَملَّنَّ طاعةَ الله لاَ بَلْ ... طاعةَ الله مَا حَييتَ اسْتَدِيما)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَيُقَال فِي لَا بل (نَا بن) و (لَا بن) و (نَا بل) بإبدال اللامين أَو إِحْدَاهمَا نونا (وتزاد (لَا) ضَرُورَة)
حَتَّى
(حَتَّى) هِيَ (كالواو) لمُطلق الْجمع(3/212)
(وَقيل) هِيَ (للتَّرْتِيب) قَالَ ابْن مَالك وَهِي دَعْوَى بِلَا دَلِيل فَفِي الحَدِيث:
(كل شَيْء بِقَضَاء وَقدر حَتَّى الْعَجز والكيس) وَلَيْسَ فِي الْقَضَاء تَرْتِيب وَإِنَّمَا التَّرْتِيب فِي ظُهُور المقضيات وَقَالَ الشَّاعِر: 1638 -
(لَقَوْمي حَتَّى الأقدمون تمَالَئُوا ... )
فعطف الأقدمون وهم سَابِقُونَ (و) تفارق الْوَاو فِي أَحْكَام (لَا يعْطف) إِلَّا مَا كَانَ (بَعْضًا) من الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (أَو كبعض) مِنْهُ (غَايَة لَهُ فِي رَفعه أَو خفضه) نَحْو (مَاتَ النَّاس حَتَّى الْأَنْبِيَاء) و (قدم الْحجَّاج حَتَّى المشاة) وَقَوله: 1639 -
(قهرنَاكُمُ حَتَّى الكماةُ فأنتمُ ... تهَابُوننا حَتَّى بَنِينا الأصَاغِرا)
وَقَوله: 1640 -
(ألْقى الصَّحِيفَة كي يُخَفِّف رَحْلَه ... والزَّادَ حَتَّى نَعْله ألْقاهَا)
فالنعل لَيست بعض الصَّحِيفَة والزاد وَلَكِن كبعضه لِأَن الْمَعْنى ألْقى مَا يثقله قَالَ ابْن هِشَام وَالضَّابِط أَنَّهَا تدخل حَيْثُ يَصح الِاسْتِثْنَاء وتمتنع حَيْثُ يمْتَنع وَلِهَذَا لَا يجوز (ضربت الرجلَيْن حَتَّى أفضلهما) و (لَا صمت الْأَيَّام حَتَّى يَوْمًا)(3/213)
(وَكَذَا لَا تعطف إِلَّا مَا كَانَ (مُفردا على الصَّحِيح) لِأَن الْجُزْئِيَّة لَا تتأتى إِلَّا فِي الْمُفْردَات وَقَالَ ابْن السَّيِّد يعْطف بهَا الْجمل كَقَوْلِه: 1641 -
(سريْتُ بهم حَتَّى تكِلُّ مطيُّهُمْ ... )
بِرَفْع (تكل) عطفا على سريت وَنقل فِي الْبَسِيط عَن الْأَخْفَش أَنَّهَا تعطف الْفِعْل إِذا كَانَت سَببا كالفاء نَحْو مَا تَأْتِينَا حَتَّى تحدثنا (قَالَ) ابْن هِشَام (الخضراوي و) لَا تعطف إِلَّا مَا كَانَ (ظَاهرا) كَمَا لَا تجر إِلَّا الظَّاهِر قَالَ فِي الْمُغنِي وَلم أره لغيره (ويعاد الْجَار مَعهَا) إِذا عطفت على مجرور فرقا بَينهَا وَبَين الجارة نَحْو مَرَرْت بالقوم حَتَّى بزيد ثمَّ اخْتلف فِيهِ هَذِه الْإِعَادَة (قَالَ ابْن عُصْفُور) يُعَاد (رجحانا) لَا وجوبا (و) قَالَ ابْن (الخباز) المصولي شَارِح (ألفية) ابْن معط (و) أَو عبد الله (الجليس) صَاحب (ثمار الصِّنَاعَة) (وجوبا و) قَالَ (ابْن مَالك إِن لم يتَعَيَّن للْعَطْف) وَجب نَحْو اعْتكف فِي الشَّهْر حَتَّى فِي آخِره وَإِن تعيّنت لَهُ (فَلَا لحُصُول الْفرق) نَحْو عجبت من الْقَوْم حَتَّى بنيهم وَقَوله: 1642 -
(جُود يُمْنَاك فاضَ فِي الخلْق حتّى ... بائس دَان بالإساءة دينا)(3/214)
قَالَ ابْن هِشَام وَهُوَ حسن وَأما أَبُو حَيَّان فَرده وَقَالَ هِيَ فِي الْمِثَال جَارة وَفِي الْبَيْت مُحْتَملَة (والعطف بهَا قَلِيل وَمن ثمَّ) أَي من أجل قَتله (أنكرهُ الكوفية) فَقَالُوا لَا يعْطف بهَا أَلْبَتَّة وحملوا نَحْو جَاءَ الْقَوْم حَتَّى أَبوك ورأيتهم حَتَّى أَبَاك ومررت بهم حَتَّى أَبِيك على أَن حَتَّى فِيهِ ابتدائية وَأَن مَا بعْدهَا بإضمار عَامل
لَا
((لَا) يعْطف بهَا بعد أَمر) نَحْو اضْرِب زيدا لَا عمرا (وَدُعَاء) نَحْو غفر الله لزيد لَا لبكر (وتحضيض) نَحْو هلا تضرب زيدا لَا عمرا (وَإِيجَاب) نَحْو (جَاءَ زيد لَا عَمْرو) و (زيد قَائِم لَا عَمْرو أَو لَا قَاعد) وَيقوم زيد لَا عَمْرو (وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ ونداء) نَحْو يَا ابْن أخي لَا ابْن عمي وَأنْكرهُ ابْن سَعْدَان وَقَالَ لَيْسَ هَذَا من كَلَامهم قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذِه شَهَادَة على نفي وَالظَّن لسيبويه أَنه لم يذكرهُ فِي كِتَابه إِلَّا وَهُوَ مسموع (و) قَالَ (الْفراء وَاسم لَعَلَّ) نَحْو لَعَلَّ عمرا لَا زيدا منطلق كَمَا يجوز ذَلِك فِي اسْم إِن (وَشرط السُّهيْلي) فِي نتائج الْفِكر والأيذي فِي شرح الجزولية وَأَبُو حَيَّان فِي الارتشاف وَابْن هِشَام فِي الْمُغنِي (تعاند متعاطفيها) فَلَا يجوز جَاءَنِي رجل لَا زيد أَو لَا عَاقل لصدق اسْم الرجل عَلَيْهِ بِخِلَاف لَا امْرَأَة أَو عَالم لَا جَاهِل أَو عَمْرو لَا زيد وَعلله الأبذي بِأَن (لَا) تدخل لتأكيد الْمَنْفِيّ وَلَيْسَ فِي مَفْهُوم الْكَلَام الأول مَا يَنْفِي الْفِعْل عَن الثَّانِي فَإِن أُرِيد بذلك الْمَعْنى جِيءَ بِغَيْر فَيُقَال غير زيد وَغير عَاقل بِخِلَاف الْأَمْثِلَة الْأَخِيرَة فَإِن مَفْهُوم الْخطاب يقْضِي من قَوْلك جَاءَ رجل(3/215)
وَنَحْوه نفي الْمَرْأَة وَنَحْوهَا فَدخلت (لَا) للتصريح بِمَا اقْتَضَاهُ الْمَفْهُوم وللسبكي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مؤلف مُسْتَقل يشْتَمل على نفائس لخصتها فِي حَاشِيَة الْمُغنِي (وضع قوم الْعَطف بهَا على معموم مَاض) فَلم يجيزوا (قَامَ زيد لَا عَمْرو) مَعَ إجازتهم ذَلِك فِي الْمُضَارع قَالُوا لِأَنَّهَا تكون نَافِيَة للماضي وَنفي الْمَاضِي لَا يجوز وَمَا جَاءَ مِنْهُ حفظ وَلم يقس عَلَيْهِ وَقيل لِأَن الْعَامِل مُقَدّر بعد العاطف وَلَا يُقَال لَا قَامَ عَمْرو إِلَّا على الدُّعَاء قَالَ ابْن هِشَام وَهُوَ مَرْدُود فَإِنَّهُ لَو توقفت صِحَة الْعَطف على تَقْدِير الْعَامِل بعد الْحَرْف لامتنع لَيْسَ زيد قَائِما وَلَا قَاعِدا وَلَا يعْطف بهَا جملَة لَا مَحل لَهَا فِي الْأَصَح وَقد يحذف متبوعها نَحْو (أَعطيتك لَا لتظلم) أَي لتعدل لَا لتظلم
لَكِن
(لن) للاستدراك فَإِن وَليهَا جملَة فَغير عاطفة بل حرف ابْتِدَاء سَوَاء كَانَت بِالْوَاو نَحْو: {وَلَكِن كَانُوا هم الظَّالِمين} [الزخرف: 76] أَو بِدُونِهَا كَقَوْلِه: 1643 -
(إنَّ ابْنَ ورقَاء لَا تُخْشَى بوادِرُه ... لَكِنْ وقائِعُهُ فِي الْحَرْب تُنْتَظَرُ)
(وَقَالَ ابْن أبي الرّبيع) هِيَ عاطفة جملَة على جملَة (مَا لم تقترن بِالْوَاو) أَو وَليهَا (مُفْرد فشرطها تقدم نفي أَو نهي) نَحْو مَا قَامَ زيد لَكِن عَمْرو لَا تضرب زيدا لَكِن عمرا (قَالَ الكوفية أَو إِيجَاب) كبل لِأَنَّهَا مثلهَا فِي الْمَعْنى نَحْو قَامَ زيد لَكِن عَمْرو(3/216)
والبصريون منعُوهُ لِأَنَّهُ لم يسمع فَيتَعَيَّن كَونهَا حرف ابْتِدَاء بعده الْجُمْلَة فَيُقَال لَكِن عَمْرو لم يقم (و) الثَّانِي (أَلا تقترن بِالْوَاو) فَإِن اقترنت بِهِ فحرف ابْتِدَاء لِأَن العاطف لَا يدْخل على عاطف نَحْو مَا قَامَ زيد وَلَكِن عَمْرو (وَقيل لَا تكون) عاطفة (مَعَه) أَي مَعَ الْمُفْرد (إِلَّا بهَا) أَي بِالْوَاو قَالَه ابْن خروف (وَزعم يُونُس الْعَطف بِالْوَاو دونهَا) فَلَا تكون عاطفة عِنْده أصلا لِأَنَّهَا لَام لم تسْتَعْمل غير مسبوقة بواو وَهُوَ عِنْده عطف (مُفْرد) على (مُفْرد) (و) زعم (ابْن مَالك) أَن الْعَطف بِالْوَاو دونهَا لَكِن (عطف جملَة حذف بَعْضهَا) على جملَة صرح بجميعها فالتقدير وَلَكِن قَامَ عَمْرو وَعلل ذَلِك بِأَن الْوَاو لَا تعطف مُفردا على مُفْرد مُخَالف لَهُ فِي الْإِيجَاب وَالسَّلب بِخِلَاف الجملتين المتعاطفتين فَيجوز تخالفهما فِيهِ نَحْو قَامَ زيد وَلم يقم عَمْرو (و) زعم (ابْن عُصْفُور الْوَاو زَائِدَة لَازِمَة) والعطف بلكن (و) زعم (ابْن كيسَان) أَنَّهَا زَائِدَة (غير لَازِمَة) والعطف بلكن أَيْضا
لَيْسَ
(وَأثبت الكوفية الْعَطف بليس ك (لَا)) فَتكون حرفا وَاحْتَجُّوا بقوله: 1644 -
(أَيْن المَفرُّ والإلهُ الطّالِبُ ... والأشْرَمُ المغْلُوبُ لَيْسَ الغالِبُ)
أَي لَا الْغَالِب وَفِي الصَّحِيح من قَول أبي بكر بِأبي شَبيه بِالنَّبِيِّ لَيْسَ بشبيه بعلي(3/217)
والبصريون أولُوا ذَلِك بِأَن الْمَرْفُوع بعْدهَا اسْمهَا وَالْخَبَر ضمير مُتَّصِل مَحْذُوف تَخْفِيفًا أَي ليسه قلت الغاب وَفِي ذَلِك نظر على أَن حذف خبر بَاب كَانَ ضَرُورَة (وَبِه نطق الشَّافِعِي) فَإِنَّهُ قَالَ فِي (الْأُم) فِي أثْنَاء مَسْأَلَة (لِأَن الطَّهَارَة على الظَّاهِر لَيْسَ على الأجواف) أَي لَا وَلَا يَصح أَن يكون اسْما ضميرا مستترا لوُجُوب تَأْنِيث الْفِعْل حِينَئِذٍ وَقَول الشَّافِعِي حجَّة فِي اللُّغَة
أَي
(و) أثبت الْكُوفِيُّونَ أَيْضا الْعَطف (بِأَيّ) نَحْو رَأَيْت الغضنفر أَي الْأسد وَضربت بالعضب أَي السَّيْف وَالصَّحِيح أَنَّهَا حرف تَفْسِير يتبع بعْدهَا الأجلي للأخفي لأَنا لم نر عاطفا يصلح للسقوط دَائِما وَلَا ملازما لعطف الشَّيْء على مرادفه وَهَذَا القَوْل نَقله فِي التسهيل عَن صَاحب المستوفي قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا أَدْرِي من هُوَ قَالَ وَالْعجب نسبته هَذَا الْمَذْهَب إِلَى كتاب مَجْهُول وَهُوَ مَذْهَب الْكُوفِيّين وَوَافَقَهُمْ ابْن صابر والسكاكي
هلا
(و) أثبت الْكُوفِيُّونَ عطف (هلا) قَالُوا تَقول الْعَرَب جَاءَ زيد فَهَلا عَمْرو وَضربت زيدا فَهَلا عمرا فمجيء الِاسْم مُوَافقا للْأولِ فِي الْإِعْرَاب دلّ على الْعَطف وَالصَّحِيح أَنَّهَا لَيست من أدواته وَالرَّفْع وَالنّصب على الْإِضْمَار بِدَلِيل امْتنَاع الْجَرّ فِي مَا مَرَرْت بِرَجُل فَهَلا امْرَأَة
إِلَّا
(و) أثبت الْكُوفِيُّونَ عطف (إِلَّا) وَجعلُوا مِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَواتُ وَالأَرضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رُبُّكَ} [هود: 107] أَي وَمَا شَاءَ رَبك ورد(3/218)
بقَوْلهمْ مَا قَامَ إِلَّا زيد وَلَيْسَ شَيْء من أحرف الْعَطف يَلِي العوامل
أَيْن
(و) أثبتوا عطف (أَيْن) قَالُوا تَقول الْعَرَب هَذَا زيد فَأَيْنَ عَمْرو وَلَقِيت زيدا فَأَيْنَ عمرا
لَوْلَا وَمَتى
(و) أثبت الْكسَائي الْعَطف (بلولا وَمَتى) فِي قَوْلك مَرَرْت بزيد فلولا عَمْرو أَو فَمَتَى عَمْرو بِالْجَرِّ وأباه الْفراء كالبصريين
كَيفَ
(و) أثبت هِشَام الْعَطف (بكيف بعد نفي) نَحْو مَا مَرَرْت بزيد فَكيف عَمْرو وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ رَدِيء لَا تَتَكَلَّم بِهِ الْعَرَب قَالَ أَبُو حَيَّان وَدخُول حرف الْعَطف على هَذِه الأحرف دَلِيل على أَنَّهَا لَيست حُرُوف عطف وَنسب ابْن عُصْفُور الْعَطف بكيف للكوفيين قَالَ ابْن بابشاذ وَلم يقل بِهِ مِنْهُم إِلَّا هِشَام وَحده قَالَ فِي الْمُغنِي وَقد قَالَ بِهِ عِيسَى بن موهب وَاسْتدلَّ بقوله: 1645 -
(إِذا قَلَّ مالُ الْمَرْء لانَت قَناتُه ... وَهَان على الأدْنى فَكيف الأباعِد)
قَالَ هَذَا خطأ لاقترانها بِالْفَاءِ والجر بِإِضَافَة مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي فيكف حَال الأباعد على حد قِرَاءَة: {وَالله يُرِيد الْآخِرَة} [الْأَنْفَال: 67] بالْعَطْف بِالْفَاءِ وَكَيف مقحمة لإِفَادَة الْأَوْلَوِيَّة بالحكم(3/219)
عطف بعض الْأَسْمَاء على بعض
مسالة (يعْطف بعض الْأَسْمَاء على بعض) فيعطف الظَّاهِر على ظَاهر ومضمر مُتَّصِل ومنفصل والمضمر الْمُنْفَصِل على مثله ومتصل وَظَاهر سَوَاء صلح الْمَعْطُوف لمباشرة الْعَامِل أم لَا فَيجوز قَامَ زيد وَأَنا وَقمت أَنا وَزيد وَرب رجل وأخيه (وَمنع الأبذي عطف) ضمير (مُنْفَصِل على ظَاهر) قَالَ أَبُو حَيَّان وَوهم فِي ذَلِك وَكَلَام الْعَرَب على جَوَازه وَمِنْه {وَلَقَد وصينا الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَإِيَّاكُم} [النِّسَاء: 131] (وَلَا يعْطف على ضمير رفع مُتَّصِل اخْتِيَارا إِلَّا) بعد الْفَصْل (بفاصل مَا) ضميرا مُنْفَصِلا أَو غَيره نَحْو: {كُنتُم أَنتُم وَءَاباؤُكُم} [الْأَنْبِيَاء: 54] {يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ} [الرَّعْد: 23] {مَا أشركنا وَلَا آبَاؤُنَا} [الْأَنْعَام: 148] فصل فِي الأول بالضمير الْمَذْكُور وَفِي الثَّانِي بالمفعول وَفِي الثَّالِث بِلَا وَقَوله: 1646 -
(لقد نلْت عَبْد اللهِ وابْنُك غايَةً ... )
فصل بالنداء وَقَوله: 1647 -
(مُلِئْتَ رُعْباً وقومٌ كُنت رَاجيهم ... )(3/220)
فصل بالتمييز قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يَكْفِي الْفَصْل بكاف رويدك بل لَا بُد من التَّأْكِيد نَحْو رويدك أَنْت وزيدا وَمن ترك الْفَصْل ضَرُورَة قَوْله: 1648 -
(وَرَجا الأخَيْطِلُ من سفُاهة ... مَا لَمْ يكُنْ وأبٌ لَهُ لِينَالا)
(خلافًا للكوفية) فِي تجويزهم الْعَطف عَلَيْهِ بِلَا فصل اخْتِيَارا حكى مَرَرْت بِرَجُل سَوَاء والعدم وَفِي الصَّحِيح كنت وَأَبُو بكر وَعمر وَفعلت وَأَبُو بكر وَعمر وَانْطَلَقت وَأَبُو بكر وَعمر أما ضمير النصب فَيجوز الْعَطف عَلَيْهِ بِلَا فصل اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ كالجزء من الْفِعْل بِخِلَاف ضمير الرّفْع (وَلَا يجب عود الْجَار فِي الْعَطف على ضَمِيره) أَي الْجَرّ لوُرُود ذَلِك فِي الفصيح بِغَيْر عود قَالَ تَعَالَى: {تساءلون بِهِ والأرحام} [النِّسَاء: 1] {وَجَعَلنَا لكم فِيهَا معايش وَمن لَسْتُم لَهُ برازقين} [الْحجر: 20] وَسمع مَا فِيهَا غَيره وفرسه قَالَ: 1649 -
(فَمَا بك والأيّام من عَجَبٍ ... )
وَهَذَا رَأْي الْكُوفِيّين وَيُونُس والأخفش وَصَححهُ ابْن مَالك وَأَبُو حَيَّان (خلافًا لجمهور البصرية) فِي قَوْلهم بِوُجُوب إِعَادَة الْجَار لِأَنَّهُ الْأَكْثَر نَحْو: {فَقَالَ لَهَا وللأرض} [فصلت: 11] {وَعَلَيْهَا وعَلى الْفلك} [غَافِر: 80] {ينجيكم مِنْهَا وَمن كل كرب} [الْأَنْعَام: 64] {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَءَابَائِكَ} [الْبَقَرَة: 133](3/221)
وَاحْتَجُّوا بِأَن ضمير الْجَرّ شَبيه بِالتَّنْوِينِ ومعاقب لَهُ فَلم يجز الْعَطف عَلَيْهِ كالتنوين وَبِأَن حق المتعاطفين أَن يصلحا لحلول كل مِنْهُمَا مَحل الآخر وَضمير الْجَرّ لَا يصلح لحلوله مَحل الْمَعْطُوف فَامْتنعَ الْعَطف عَلَيْهِ قَالَ ابْن مَالك وَالْجَوَاب أَن شبه الضَّمِير بِالتَّنْوِينِ لَو منع الْعَطف عَلَيْهِ لمنع من توكيده والإبدال مِنْهُ كالتنوين وَلَا يمنعان بِإِجْمَاع وَأَن الْحُلُول لَو كَانَ شرطا لم يجز رب رجل وأخيه وَلَا كل شَاة وسخلتها بدرهم وَلَا: 1650 -
(الواهِبُ الْمِائَة الهجَان وعَبْدَها ... )
وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يصلح فِيهِ الْحُلُول (وَثَالِثهَا) وَهُوَ رَأْي الْجرْمِي والزيادي (يجب) الْعود (أَن لم يُؤَكد) نَحْو مَرَرْت بك وبزيد بِخِلَاف مَا إِذا أكد نَحْو مَرَرْت بك أَنْت وَزيد ومررت بِهِ نَفسه وَزيد ومررت بهم كلهم وَزيد (ويعطف) بالحرف (على) مَعْمُول (ومعمولي ومعمولات عَامل) وَاحِد (لَا) معمولات عوامل (ثَلَاثَة بِإِجْمَاع) فيهمَا فَيُقَال ضرب زيد عمرا وَبكر خَالِدا وَظن زيد عمرا مُنْطَلقًا وَبكر جعفرا مُقيما وَأعلم زيد عمرا بكرا مُقيما وَعبد الله جعفرا عَاصِمًا راحلا وَلَا يُقَال إِن زيدا فِي الْبَيْت على فرَاش وَالْقصر نطع عمرا أَي وَإِن فِي الْقصر على نطع عمرا بنيابة الْوَاو عَن (إِن) و (فِي) و (عَليّ) وَلَا جَاءَ من الدَّار إِلَى الْمَسْجِد زيد والحانوت الْبَيْت عَمْرو بنيابتها عَن (جَاءَ) و (من) و (إِلَى) (وَفِي) الْعَطف على معمولي (عاملين) أَقْوَال (منع سِيبَوَيْهٍ) الْعَطف (مُطلقًا) فِي الْمَجْرُور وَغَيره وَصَححهُ ابْن مَالك فَلَا يُقَال كَانَ آكلا طَعَاما زيد وَتَمْرًا عَمْرو وَلَا فِي الدَّار زيد والحجرة عَمْرو لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة تعديتين بمعد وَاحِد وَذَلِكَ لَا يجوز وَلِأَنَّهُ لَو جَازَ لجَاز من أَكثر من عاملين وَذَلِكَ مُمْتَنع بِإِجْمَاع كَمَا تقدم(3/222)
(وَجوزهُ شَيخنَا الكافيجي وشرذمة) مُطلقًا من الْمَجْرُور وَغَيره قَالَ لِأَن جزئيات الْكَلَام إِذا أفادت الْمَعْنى الْمَقْصُود مِنْهَا على وَجه الاسْتقَامَة لَا يحْتَاج إِلَى النَّقْل وَالسَّمَاع وَإِلَّا لزم توقف تراكيب الْعلمَاء فِي تصانيفهم عَلَيْهِ وَقد نقل ابْن مَالك وَغَيره الْإِجْمَاع على الِامْتِنَاع فِي غير الْمَجْرُور ورد ابْن الْحَاجِب نقل الْجَوَاز عَن قوم مُطلقًا وَذكره الْفَارِسِي فِي بعض كتبه عَن قوم من النَّحْوِيين وَنسب إِلَى الْأَخْفَش (وَثَالِثهَا) يجوز (إِن كَانَ أَحدهمَا جارا) حرفا أَو اسْما سَوَاء تقدم الْمَجْرُور الْمَعْطُوف نَحْو فِي الدَّار زيد والحجرة عَمْرو أم تَأَخّر نَحْو وَعَمْرو الْحُجْرَة (وَرَابِعهَا) يجوز (إِن تقدم الْمَجْرُور الْمَعْطُوف) سَوَاء تقدم فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ أم لَا بِخِلَاف مَا إِذا تَأَخّر وَهُوَ رَأْي الْأَخْفَش وَالْكسَائِيّ وَالْفراء والزجاج وَابْن مضاء (وخامسها) يجوز (إِن تقدم) الْمَجْرُور (فِي المتعاطفين) نَحْو إِن فِي الدَّار زيدا والحجرة عمرا وَلَا يجوز إِن لم يتَقَدَّم فيهمَا وَإِن تقدم فِي الْمَعْطُوف نَحْو إِن زيدا فِي الدَّار والحجرة عمرا وَهُوَ رَأْي الأعلم قَالَ لِأَنَّهُ لم يسمع إِلَّا مقدما فيهمَا ولتساوى الجملتين حِينَئِذٍ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَفِي خَلقِكُم وَمَا يَبُثُّ ومِن دَابَةٍءَايَاتٌ لَقَومٍ يُوقِنُونَ وَاختِلاَفِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ} إِلَى قَوْله: {ءَايَاتٌ لِقَومٍ يَعقِلُونَ} [الجاثية: 4، 5] وَقَوله: {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} [يُونُس: 26] {وَالَّذين كسبوا السَّيِّئَات جَزَاء سَيِّئَة} [يُونُس: 27] وَقَول الشَّاعِر: 1651 -
(وللطَّيْر مَجْرًى والجُنوب مَصارعُ ... )
وَأول ذَلِك من منع مُطلقًا على حذف حرف الْجَرّ(3/223)
(وسادسها) يجوز (فِي غير العوامل اللفظية) وَيمْتَنع فِيهَا وَغَيرهَا هِيَ الابتدائية فجوز نَحْو زيد فِي الدَّار وَالْقصر عَمْرو لِأَن الِابْتِدَاء رَافع لزيد ولعمرو أَيْضا فَكَأَن الْعَطف على مَعْمُول عَامل وَاحِد وَهُوَ رَأْي ابْن طَلْحَة (وسابعها) يجوز فِي غير اللفظية (وَفِي) اللفظية (الزَّائِدَة) لِأَنَّهُ عَارض وَالْحكم للْأولِ نَحْو لَيْسَ زيد بقائم وَلَا خَارج أَخُوهُ وَمَا شرب من عسل زيد وَلَا لبن عَمْرو وَإِنَّمَا امْتنع فِي العوامل اللفظية المؤثرة لفظا وَمعنى وَهَذَا رَأْي ابْن الطراوة (وَيجوز عطف الِاسْم على الْفِعْل والماضي على الْمُضَارع والمفرد على الْجُمْلَة وبالعكوس) أَي الْفِعْل على الِاسْم والمضارع على الْمُضَارع وَالْجُمْلَة على الْمُفْرد (فِي الْأَصَح إِن اتحدا) أَي الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ (بالتأويل) بِأَن كل الِاسْم يشبه الْفِعْل والماضي مُسْتَقْبل الْمَعْنى أَبُو الْمُضَارع ماضي الْمَعْنى وَالْجُمْلَة فِي تَأْوِيل الْمُفْرد بِأَن يكون صفة أَو حَالا أَو خَبرا أَو مَفْعُولا لظن نَحْو: {يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت ومخرج الْمَيِّت من الْحَيّ} [الْأَنْعَام: 95] {إِن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله} [الْحَدِيد: 18] {يَقدُمُ قَومَهُ يَوَمَ القِيَامَةِ فَأَورَدهُمُ النَّارَ} [هود: 98] {إِن شَاءَ جعل لَك خيرا من ذَلِك جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار وَيجْعَل لَك قصورا} [الْفرْقَان: 10] {أنزل من السَّمَاء مَاء فَتُصْبِح الأَرْض مخضرة} [الْحَج: 663] أَي فَأَصْبَحت 1652 -
(وَلَقَد أمرُّ على اللَّئِيم يَسُبّني ... فمَضَيْتُ ... )
أَي مَرَرْت {دَعَانَا لجنبه أَو قَاعِدا أَو قَائِما} [يُونُس: 12] ف (قَاعِدا) عطف على (لجنبه) لِأَنَّهُ حَال فَهُوَ فِي تَأْوِيل الْمُفْرد ( {بياتا أَو هم قَائِلُونَ} [الْأَعْرَاف: 4] عطف الْجُمْلَة على الْمُفْرد لِأَنَّهَا حَال أَيْضا أَي قائلين وَمنع الْمَازِني والمبرد والزجاج عطف الِاسْم على الْفِعْل وَعَكسه لِأَن الْعَطف أَخُو التَّثْنِيَة فَكَمَا لَا يَنْضَم فِيهَا فعل إِلَى اسْم فَكَذَا لَا يعْطف أَحدهمَا على الآخر(3/224)
وَقَالَ السُّهيْلي يحسن عطف الِاسْم على الْفِعْل ويقبح عَكسه لِأَنَّهُ فِي الصُّورَة الأولى عَامل لاعتماده على مَا قبله فَأشبه الْفِعْل وَفِي الثَّانِيَة لَا يعْمل فتمحض فِيهِ معنى الِاسْم وَلَا يجوز التعاطف بَين فعل وَاسم لَا يُشبههُ وَلَا فعلين اخْتلفَا فِي الزَّمَان (و) يجوز عطف الْجُمْلَة (الاسمية على الفعلية وَبِالْعَكْسِ) نَحْو قَامَ زيد وَعَمْرو أكرمته وَمنعه ابْن جني مُطلقًا (وَثَالِثهَا) يجوز بِالْوَاو فَقَط وَلَا يجوز بغَيْرهَا قَالَه الْفَارِسِي وَبني عَلَيْهِ منع كَون الْفَاء عاطفة فِي (خرجت فَإِذا الْأسد حَاضر) (وَأما) عطف (الْخَبَر على الْإِنْشَاء وَعَكسه فَمَنعه البيانيون وَابْن مَالك) فِي بَاب الْمَفْعُول مَعَه فِي شرح التسهيل وَابْن عُصْفُور فِي شرح الْإِيضَاح وَنَقله عَن الْأَكْثَرين (وَجوزهُ الصفار وَجَمَاعَة) وَاسْتَدَلُّوا بقوله تَعَالَى: {وَبَشِرِ الِّذِينَءَامَنُوا} [الْبَقَرَة: 25] {وَبشر الْمُؤمنِينَ} [يُونُس: 87] وَقَول الشَّاعِر: 1653 -
(وَإِن شِفائي عَبرة مُهراقَة ... فَهَل عِنْد رَسْمٍ دارسٍ من مُعَوّل)
والمانعون أولُوا ذَلِك بِأَن الْأَمريْنِ فِي الْآيَتَيْنِ معطوفان على (قل) مقدرَة قبل (يَا أَيهَا) أَو على أَمر مَحْذُوف تَقْدِيره فِي الأولى (فَأَنْذر) وَفِي الثَّانِيَة (فأبشر)(3/225)
كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي: {واهجرني مَلِيًّا} [مَرْيَم: 46] إِن التَّقْدِير فاحذرني واهجرني لدلَالَة (لأرجمنك) على التهديد وَإِن الْفَاء فِي قَوْله: فَهَل إِلَى آخِره لمُجَرّد السَّبَبِيَّة
جوازحذف الْمَعْطُوف بِالْوَاو مَعَ الْوَاو
مَسْأَلَة (يجوز حذف الْمَعْطُوف بِالْوَاو مَعهَا) كَقَوْلِه تَعَالَى: {سرابيل تقيكم الْحر} [النَّحْل: 81] أَي وَالْبرد {بِيَدِك الْخَيْر} [آل عمرَان: 26] أَي وَالشَّر {وَتلك نعْمَة تمنها عَليّ أَن عبدت بني إِسْرَائِيل} [الشُّعَرَاء: 22] أَي وَلم تعبدني (وَكَذَا الْوَاو) يجوز حذفهَا (دونه) أَي دون الْمَعْطُوف بهَا (فِي الْأَصَح) كَذَلِك الحَدِيث:
(تصدق رجل من ديناره من درهمه من صَاع بره من صَاع تمره) وَحكي (أكلت سمكًا لَحْمًا تَمرا) وَقَالَ 1654 -
(كَيفَ أصْبَحتَ كَيفَ أمْسَيْتَ ممّا ... يَغْرسُ الوُدَّ فِي فُؤاد الكَريم)
أَي وَكَيف وَمنع ذَلِك ابْن جني والسهيلي وَابْن الضائع لِأَن الْحُرُوف دَالَّة على مَعَاني فِي نفس الْمُتَكَلّم وإضمارها لَا يُفِيد مَعْنَاهَا وَقِيَاسًا على حُرُوف النَّفْي والتأكيد وَالتَّمَنِّي والترجي وَغير ذَلِك إِلَّا أَن الِاسْتِفْهَام جَازَ إضماره لِأَن للمستفهم هَيْئَة تخَالف هَيْئَة الْخَبَر وَأول المسموع من ذَلِك على الْبَدَل (و) يجوز حذف (الْفَاء ومتبوعها) أَي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ بهَا نَحْو: {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو على سفر فَعدَّة} [الْبَقَرَة: 184] أَي فَأفْطر(3/226)
(وَأنْكرهُ ابْن عُصْفُور) وَقَالَ إِنَّمَا حذف الْمَتْبُوع فَقَط (وَقل فِي أَو) أَي حذفهَا أَو متبوعها نَحْو (صلى رجل فِي إِزَار ورداء فِي إِزَار وقميص فِي إِزَار وقباء) أَي (أوفى) وَقَالَ الْهُذلِيّ: 1655 -
(فهَلْ لَك أَو من والدٍ لَك قبلنَا ... )
أَي فَهَل لَك من أَخ أَو وَالِد (ويغني الْمَعْطُوف بِالْوَاو عَن الْمَتْبُوع بعد حرف جَوَاب) فَيُقَال لمن قَالَ ألم تضرب زيدا بلَى وعمرا وَلمن قَالَ خرج زيد نعم وَعَمْرو (وَتقدم الْمَعْطُوف) على الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (ضَرُورَة) كَقَوْلِه: 1656 -
(عَلَيْك وَرَحْمَة الله السَّلام ... )
(وَجوزهُ الكوفية) فِي الِاخْتِيَار (إِن كَانَ بِالْوَاو) كَمَا مثل (قيل أَو (الْفَاء) أَو (ثمَّ) أَو (أَو) (لَا)) كَقَوْلِه: 1657 -
(أأطلال دَار بالنِّياع فحمّتِ ... سألتَ فَلَمَّا استَعجَمت ثمَّ صَمّتِ)
أَي سَأَلت فحمت وَقَوله: 1658 -
(فلست بنازل إلاَّ أَلمّتْ ... برجْلِي أَو خَيَالتُها الكَذوبُ)(3/227)
أَي الكذوب أَو خيالها (و) إِن (لم يؤد إِلَى وُقُوع العاطف صَدرا أَو) إِلَى (مُبَاشَرَته عَاملا غير متصرف و) إِن (لم يكن التَّابِع مجرورا) بل مَرْفُوعا كَمَا تقدم أَو مَنْصُوبًا كَقَوْلِه: 1659 -
(لعن الإلَهُ وزَوْجَها مَعها ... هِندَ الهُنود طَويلَة البَظْر)
(وَلَا) كَانَ (الْعَامِل لَا يَسْتَغْنِي بِوَاحِد) فَإِن فقد شَرط من هَذِه لم يجز فِي الِاخْتِيَار عِنْد الْكُوفِيّين وَلَا فِي الضَّرُورَة عِنْد الْبَصرِيين فَلَا يُقَال وَعَمْرو زيد قائمان وَلَا إِن وعمرا زيدا قائمان وَلَا مَرَرْت وَعَمْرو بزيد وَلَا اخْتصم وَعَمْرو زيد (وَخَالف ثَعْلَب فِي الْأَخير) فل يَشْتَرِطه وَجوز التَّقْدِيم وَإِن لم يسْتَغْن الْعَامِل بِوَاحِد (ويطابق الضَّمِير المتعاطفين بعد الْوَاو) نَحْو زيد وَعَمْرو منطلقان ومررت بهما (ويفرد بعد غَيرهمَا غَالِبا) مرَاعِي فِيهِ التَّأْخِير أَو التَّقْدِيم نَحْو: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِما} [الْجُمُعَة: 11] وندرت الْمُطَابقَة فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن يكن غَنِيا أَو فَقِيرا فَالله أولى بهما} [النِّسَاء: 135] (وَفِي الْفَاء وَثمّ الْوَجْهَانِ) الْمُطَابقَة وَهِي احسن فِي الْفَاء والإفراد وَهُوَ أحسن فِي ثمَّ للتراخي بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ نَحْو زيد فعمرو أَو ثمَّ عَمْرو قائمان أَو قَائِم (وَفصل الْوَاو وَالْفَاء) من الْمَعْطُوف بهما (ضَرُورَة) كَقَوْلِه: 1660 -
(يورَثه مَالاً وَفِي الحَيّ رفْعةً ... لما ضَاع فِيهَا من قُروء نِسائِكا)(3/228)
(و) فصل (غَيرهمَا) من حُرُوف الْعَطف (سَائِغ بقسم أَو ظرف) سَوَاء كَانَ الْمَعْطُوف اسْما نَحْو قَامَ زيد ثمَّ وَالله عَمْرو وَمَا ضربت زيدا لَكِن فِي الدَّار عمرا أم فعلا نَحْو قَامَ زيد ثمَّ فِي الدَّار قعد أَو ثمَّ أَو بل وَالله قعد هَكَذَا نَقله أَبُو حَيَّان عَن الْأَصْحَاب مُعْتَرضًا بعد إِطْلَاق ابْن مَالك جَوَاز الْفَصْل من غير اسْتثِْنَاء الْوَاو وَالْفَاء وتقييده بِمَا إِذا لم يكن فعلا (وَلَا يتَقَدَّم على الْكل مَعْمُول معطوفها) فَلَا يُقَال فِي (زيد قَائِم وضارب عمرا) (عمرا وضارب)
الْعَطف على اللَّفْظ وعَلى الْمحل بِشَرْط
(مَسْأَلَة) (الأَصْل الْعَطف على اللَّفْظ وَشَرطه إِمْكَان توجه الْعَامِل) إِلَى الْمَعْطُوف فَلَا يجوز فِي نَحْو مَا جَاءَنِي من امْرَأَة وَلَا زيد إِلَّا الرّفْع عطفا على الْموضع لِأَن (من) الزَّائِدَة لَا تعْمل فِي المعارف (وَيجوز) الْعَطف (على الْمحل بِهَذَا الشَّرْط) أَي إِمْكَان توجه الْعَامِل أَيْضا فَلَا يجوز مَرَرْت بزيد وعمرا لِأَنَّهُ لَا يجوز مَرَرْت زيدا وَأَجَازَهُ ابْن جني (و) شَرطه (أَصَالَة الْموضع) فَلَا يجوز هَذَا الضَّارِب زيدا وأخيه لِأَن الْوَصْف المستوفي لشروط الْعَمَل الأَصْل إعماله لَا إِضَافَته لالتحاقه بِالْفِعْلِ وَأَجَازَهُ البغداديون تمسكا بقوله: 1661 -
( ... ... ... ... . . مُنضجٍ ... صفِيفَ شِواءٍ أَو قَديرٍ معجّل)
(و) شَرطه (وجود المجوز) أَي الطَّالِب لذَلِك الْمحل (على الْأَصَح) فيهمَا فَلَا يجوز إِن زيدا وَعَمْرو قائمان لِأَن الطَّالِب لرفع (عَمْرو) هُوَ الِابْتِدَاء وَهُوَ ضَعِيف وَهُوَ التجرد وَقد زَالَ بِدُخُول (إِن) وَلَا (إِن زيدا قَائِم وَعَمْرو) على الْعَطف(3/229)
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَبَعض الْبَصرِيين لَا يشْتَرط المجوز فجوزوا الصُّورَتَيْنِ وَمنع الأولى من لم يَشْتَرِطه من الْبَصرِيين لتوارد عاملين وَهُوَ (إِن) و (الِابْتِدَاء) على مَعْمُول وَاحِد وَهُوَ (الْخَبَر) (و) يجوز الْعَطف (على التَّوَهُّم) نَحْو لَيْسَ زيد قَائِما وَلَا قَاعد بِالْجَرِّ على توهم دُخُول الْبَاء فِي الْخَبَر (وَشَرطه) أَي الْجَوَاز (صِحَة دُخُول الْعَامِل المتوهم) (و) شَرط (حسنه كثرته) أَي كَثْرَة دُخُوله هُنَاكَ وَلِهَذَا حسن قَول زُهَيْر: 1662 -
(بدا لي أَنِّي لست مُدْركَ مَا مضى ... وَلَا سابقٍ شَيْئا إِذا كَانَ جائِيَا)
وَقَول الآخر: 1663 -
(مَا الحازمُ الشّهْمُ مِقَداماً وَلَا بَطلٍ ... )
وَلم يحسن قَول الآخر: 1664 -
(وَمَا كنت ذَا نَيْرَبٍ فيهمُ ... وَلَا مُنْمِشٍ فيهمُ مُنْمِل)
لقلَّة دُخُول الْبَاء على خبر كَانَ بِخِلَاف خبر (لَيْسَ) و (مَا) والنيرب النميمة(3/230)
والمنمل كثيرها والمنمش الْمُفْسد ذَات الْبَين (وَوَقع) الْعَطف (على التَّوَهُّم فِي أَنْوَاع الْإِعْرَاب) فِي الْجَرّ وَقد تقدم وَالرَّفْع حكى سِيبَوَيْهٍ إِنَّهُم أَجْمَعُونَ ذاهبون وَإنَّك وَزيد ذاهبان على توهم أَنه قَالَ (هم) وَالنّصب قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {فبشرناها بِإسْحَاق وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب} [هود: 71] وَقَوله: {ودوا لَو تدهن فيدهنون} [الْقَلَم: 9] على معنى أَن تدهن والجزم قَالَ الْخَلِيل وسيبويه فِي قَوْله: {فَأَصدق وأكن} [المُنَافِقُونَ: 10] والفارسي فِي قَوْله: {إِنَّه من يتق ويصبر} [يُوسُف: 90] جزما على معنى تَشْبِيه مَدْخُول الْفَاء بِجَوَاب الشَّرْط وَمن الموصولة بالشرطية وَإِذا وَقع ذَلِك فِي الْقُرْآن عبر عَنهُ بالْعَطْف على الْمَعْنى لَا التَّوَهُّم أدبا(3/231)
خَاتِمَة فِي تَابع المنادى
(خَاتِمَة) فِي تَوَابِع مَخْصُوصَة (تَابع المنادى الْمَبْنِيّ إِن كَانَ مُضَافا أَو شبهه نصب مُطلقًا) لِأَن الأَصْل فِي تَابعه النصب لكَونه مَنْصُوب الْمحل وتأكد ذَلِك بِالْإِضَافَة وَشبههَا كَقَوْلِه: 1665 -
(أزَيْد أَخا وَرْقاء إِن كنت ثَائِرًا ... )
عَائِد على الْمحرم لتأنثيث خَبره وَهُوَ ميته نعم جَازَ فِي ضمير مُذَكّر وَهَذَا (مَا) دَامَ (لم تكن الْإِضَافَة غير مَحْضَة) فَإِن كَانَت (فَيجوز رَفعه) نَحْو يَا زيد الْحسن الْوَجْه (وَجوز الكوفية و) أَبُو بكر (بن الْأَنْبَارِي رفع النَّعْت الْمُضَاف) إِضَافَة مَحْضَة لِأَن الْأَخْفَش حكى يَا زيد بن عَمْرو بِالرَّفْع وَغَيرهم قَالُوا هُوَ شَاذ قَالَ ابْن مَالك لاستلزامه تَفْضِيل الْفَرْع على أَصله لِأَن الْمُضَاف لَو كَانَ منادى لم يجز فِيهِ إِلَّا النصب فَلَو جوز رفع نَعته مُضَافا لزم إِعْطَاء الْمُضَاف تَابعا تَفْضِيلًا عَلَيْهِ مُسْتقِلّا(3/232)
(و) جوز (الْفراء) رفع (التوكيد والعطف) نسقا قِيَاسا فِي الثَّانِي وسماعا فِي الأول حكى الْأَخْفَش (يَا تَمِيم كلكُمْ) بنصبه عِنْد الْجُمْهُور وَرَفعه عِنْد الْأَخْفَش وَالْجُمْهُور أولوه على الْقطع مُبْتَدأ أَي كلكُمْ مدعُو (أَو) كَانَ (مُفردا جَازَ) أَي الرّفْع حملا على اللَّفْظ وَالنّصب على الْمحل نَحْو يَا رجل الطَّوِيل والطويل وَيَا تَمِيم أَجْمَعُونَ وأجمعين وَيَا زيد والغلام والغلام (وَأوجب الكوفية نصب الثَّلَاثَة) أَي النَّعْت والتوكيد والنسق ورد بِالسَّمَاعِ قَالَ تَعَالَى: {يَا جبال أوبي مَعَه وَالطير} [سبأ: 10] قرئَ فِي السَّبع بِالنّصب وَالرَّفْع وَقَالَت الْعَرَب: 1667 -
(أَلا يَا زيدُ والضحاكَ سيرا ... )
وبالرفع (و) أوجب (الْأَخْفَش نصب نعت الْعلم وتوكيده) إتباعا على الْمحل كَمَا يجب فِي (جَاءَت حذام الْعَاقِلَة) بِالرَّفْع حملا عَلَيْهِ وَلَا يجوز الْكسر إتباعا للفظ قَالَ وَمَا ورد من ذَلِك مضموما فحركته حَرَكَة إتباع لَا إِعْرَاب (و) أوجب (رفعهما) أَي النَّعْت والتوكيد (فِي) حَال تَبَعِيَّة (النكرَة) الْمَقْصُودَة لِأَن الضمة عِنْده فِي (يَا رجل) لَيست ضمة بِنَاء بل إِعْرَاب وَأَصله (يَا أَيهَا الرجل) حذفت (أَي) فَبَقيَ على إعرابه كَمَا كَانَ(3/233)
وَالْجُمْهُور قَالُوا لما حذفت وَحل محلهَا وَصَارَ هُوَ المنادى حكم لَهُ بِحكمِهِ فَبنِي كَمَا بنيت (نعم الْبَدَل والعطف) بالحرف عِنْد الْجُمْهُور (كمستقل) فَمَا كَانَ مِنْهُمَا مُضَافا أَو شبهه نصب أَو مُفردا أَو نكرَة مَقْصُودَة رفع كَمَا لَو دخلت عَلَيْهِ (يَا) لِأَن الْبَدَل يقدر فِيهِ مثل عَامل الْمُبدل مِنْهُ والنسق شَبيه بِهِ بِصِحَّة تَقْدِير الْعَامِل قبله ولاستحسان ظُهُوره توكيدا كَمَا يظْهر مَعَ الْبَدَل نَحْو يَا زيد رجلا صَالحا يَا زيد بطة (إِلَّا للمنسوق ذَا أل فالوجهان) الرّفْع وَالنّصب جائزان فِيهِ لِامْتِنَاع تَقْدِير حرف النداء قبله فَأشبه النَّعْت (وَفِي الْأَرْجَح) مِنْهُمَا أَقْوَال أَحدهَا الرّفْع وَهُوَ رَأْي الْخَلِيل وسيبويه والمازني لِأَنَّهُ أَكثر مَا سمع وللمشاكلة فِي الْحَرَكَة ثَانِيهَا النصب وَهُوَ رَأْي أبي عَمْرو وَعِيسَى بن عمر وَيُونُس والجرمي لِأَن مَا فِيهِ أل لم يل حرف النداء فَلم يَجْعَل لَفظه كَلَفْظِ مَا ولي الْحَرْف وَلِأَن أَكثر الْقُرَّاء قرأوا بِهِ فِي {وَالطير} [سبأ: 10] (ثَالِثهَا) الْأَرْجَح (النصب إِن كَانَت) أل فِيهِ (للتعريف) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ شَبيه بالمضاف وَالرَّفْع إِن لم تكن لَهُ بل للمح الصّفة (كاليسع) لعدم شبهه حِينَئِذٍ بِهِ وَهَذَا رَأْي الْمبرد (وَجوز الْمَازِني والكوفية نصب الْعَطف) بالحرف (الْمُفْرد) حملا على الْمحل نَحْو يَا زيد وعمرا يَا عبد الله وعمرا (وَمنع) أَي النصب (الْأَخْفَش فِي الْعَطف على نكرَة) مَقْصُودَة وَأوجب الرّفْع (وَفِي نعت المضموم الْمنون ضَرُورَة الْمُفْرد الْوَجْهَانِ) الرّفْع وَالنّصب (و) فِي نعت (الْمَنْصُوب) الْمُفْرد الْمنون ضَرُورَة (النصب) فَقَط لِأَن المنادى حِينَئِذٍ مُعرب مَنْصُوب لفظا ومحلا(3/234)
(فَإِن نون مَقْصُور) نَحْو يَا فَتى للضَّرُورَة (بني) النَّعْت (وعَلى مَا نون) فِي الْمُنَادِي فَإِن نوى الضَّم جَازَ الْأَمْرَانِ أَو النصب تعين (وتابع) الْمُنَادِي (المعرب ينصب) سَوَاء كَانَ مُفردا أَو مُضَافا لِأَن رَفعه إِنَّمَا جَازَ إِذا كَانَ لفظ متبوعه شَبِيها بالمرفوع (إِلَّا الْبَدَل كمستقل) فينصب إِذا كَانَ مُضَافا وَيرْفَع إِلَى كَانَ مُفردا لما تقدم وَلَا يكون إِلَّا صَالحا لمباشرة حرف النداء (وَكَذَا النسق) كمستقل (فِي الْأَصَح) ويقابله قَول الكوفية والمازني السَّابِق أَنه يجوز نَصبه إِذا كَانَ مُفردا قَالَ أَبُو حَيَّان بل هُوَ هُنَا أولى مِنْهُ هُنَاكَ (وَمنع الْأَكْثَر وصف النكرَة الْمَقْصُودَة) وَحكى يُونُس أَنهم وصفوه بالمعرفة وأجروه مجْرى الْعلم الْمُفْرد (و) منع (الْأَصْمَعِي) وصف المنادى (الْمَبْنِيّ) لِأَنَّهُ شَبيه بالمضمر والمضمر لَا ينعَت وَالْجُمْهُور على الْجَوَاز لِكَثْرَة وُرُوده وَلِأَن مشابهة المنادى للضمير عارضة فَكَانَ الْقيَاس أَلا تعْتَبر مُطلقًا كَمَا لَا تعْتَبر مشابهة الْمصدر لفعل الْأَمر فِي نَحْو ضربا زيدا لَكِن اعْتبرت مشابهته فِي النداء اسْتِحْسَانًا فَلَا يُرَاد على ذَلِك كَمَا أَن فعال الْعلم لما بني حملا على فعال الْأَمر لم يَتَعَدَّ إِلَى سَائِر أَحْوَاله (و) منع (قوم) مِنْهُم الْفراء والسيرافي وصف (المرخم) قَالُوا لِأَنَّهُ لَا يرخم الِاسْم إِلَّا وَقد علم مَا حذف مِنْهُ وَمن يَعْنِي بِهِ فَإِن احْتِيجَ إِلَى النَّعْت فَرد مَا سقط مِنْهُ أولى وَأَجَازَهُ الْجُمْهُور لوروده قَالَ: 1668 -
(أحار بن عَمْرو كَأَنِّي خَمِرْ ... )
وَمَا ذكر من الدَّلِيل مَمْنُوع لِأَن الِاسْم يرخم إِذا علم مَا حذف مِنْهُ وَإِن لم يعلم من يَعْنِي بِهِ (وَثَالِثهَا) يمْنَع (إِن أتم) لِأَنَّهُ للفظ يخْتَص بالنداء فَأشبه نَحْو قل وَفسق(3/235)
وفساق بِخِلَاف مَا إِذا انْتظر فَيجوز وَصفه لِأَن الْمَحْذُوف كالموجود (وَرَابِعهَا) يجوز فِي الْحَالين لكنه (قَبِيح) وَعَلِيهِ ابْن السراج (و) منع (الْأَخْفَش عطف نكرَة مَقْصُودَة أَو إِشَارَة) على المنادى فَلَا يُقَال يَا زيد وَرجل وَلَا وَهَذَا أما الأول فَلِأَن (أل) لَا تحذف إِلَّا ذَا ولي الِاسْم حرف النداء وَأما الثَّانِي فَلِأَن الْمشَار لَا يكون منادى إِلَّا إِذا وليه حرف النداء وجوزهما الْمبرد فِي المقتضب وَقَوْلِي (كَمَا لَا يبدلان) أَي النكرَة الْمَقْصُودَة وَالْإِشَارَة (وَلَا ذُو أل) من المنادى (و) منع (الْمَازِني عطف الأول العاري من أل) (و) اعْتقد (قوم بِنَاء النَّعْت إِذا رفع) لأَنهم رَأَوْا حركتها كحركة المنادى حَكَاهُ فِي (النِّهَايَة) (وَضمير المنادى) الْوَاقِع فِي (التَّابِع) يَأْتِي (بِلَفْظ غيبَة) وَهِي الأَصْل (وَكَذَا) بِلَفْظ (خطاب) اعْتِبَارا بِمَا عرض لَهُ من الْحُضُور بالمواجهة وَقد اجْتمعَا فِي قَوْله: 1669 -
(فيا أيُّها المُهْدي الخفَا من كَلامِه ... كأنّك تَضْغُو فِي إزاركَ خِرْنِقُ)
وَيُقَال يَا تَمِيم كلهم وكلكم وَيَا زيد نَفسه ونفسك (خلافًا للأخفش) فِي مَنعه أَن يَأْتِي بِلَفْظ الْخطاب (وتابع اسْم لَا) الَّتِي لنفي الْجِنْس (يرفع وَينصب مُطلقًا) سَوَاء كَانَ هُوَ وَالِاسْم مُفردا أم لَا مُتَّصِلا بالمتبوع أم مُنْفَصِلا نعتا أَو غَيره من التوابع أما النصب فاتباعا لمحل اسْم (لَا) وَأما الرّفْع فلمحل (لَا) مَعَ اسْمهَا فَإِن رفع بِالِابْتِدَاءِ وَقَالَ فِي شرح الكافية على مَحل اسْم (لَا) فَإِن (لَا) عَامل ضَعِيف فَلم ينْسَخ عمل الِابْتِدَاء لفظا وتقديرا نَحْو لَا رجل ظريف أَو ظريفا فِي الدَّار لَا رجل فِيهَا ظريف أَو ظريفا لَا أحد رجل أَو رجلا فِيهَا لَا مَاء مَاء بَارِدًا أَو مَاء بَارِد(3/236)
1670 -
(فَلَا أَب وابْنًا مِثْل مَرْوان وابْنه ... )
لَا رجل وَامْرَأَة فِي الدَّار لَا رجل قبيحا أَو قَبِيح فعله عنْدك لَا طالعا جبلا ظريف أَو ظريفا حَاضرا (إِلَّا الْبَدَل قيل أَو النسق الْمعرفَة فَيجب رَفعه) وَلَا يجوز نَصبه لِأَن الْبَدَل فِي تَقْدِير الْعَامِل و (لَا) لَا تدخل على المعارف نَحْو لَا أحد زيد فِيهَا وَكَذَا النسق عِنْد من قَالَ إِنَّه يحل مَحل الْمَعْطُوف عَلَيْهِ نَحْو لَا غُلَام فِيهَا وَلَا زيد وَمن لم يقل ذَلِك أجَاز نَصبه (و) أَلا (التوكيد) اللَّفْظِيّ (والعطف) بالحرف (المكرر مَعَه (لَا) والنعت الْمُفْرد لمبني لم يفصل فَيجوز فتحهَا أَيْضا) كَمَا يجوز رَفعهَا ونصبها مِثَال الأول لَا مَاء مَاء بَارِدًا بالأوجه الثَّلَاثَة وَالثَّالِث لَا رجل ظريف فِيهَا وَالثَّانِي لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه 1671 -
(لَا أمَّ لي إِن كَانَ ذَاك وَلَا أبُ ... )
1672 -
(لَا نَسب الْيَوْم وَلَا خُلَّةً ... )(3/237)
وَالْفَتْح فِي الثَّلَاثَة (تركيبا) وَجَاز لِأَنَّهَا من تَمَامه (وَقيل إعرابا فِي النَّعْت) حملا على الْمحل وَحذف تنوينه للمشاكلة (وَلَك فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ حِينَئِذٍ) أَي حِين تكْرَار (لَا) مَعَ الْمَعْطُوف (الرّفْع) على الْفَاء (لَا) الدَّاخِلَة عَلَيْهِ وإعمالها عمل لَيْسَ (فَيمْتَنع نصب الْمَعْطُوف) لعدم نصب الْمَعْطُوف عَلَيْهِ لفظا ومحلا وَيجوز الْفَتْح على التَّرْكِيب وَالرَّفْع على إِلْغَاء الثَّانِيَة وَعطف الِاسْم بعْدهَا على مَا قبلهَا أَو إعمالها عمل (لَيْسَ) نَحْو: 1673 -
(فَلَا لَغْوٌ وَلَا تأثِيمَ فِيهَا ... )
و {لَا بيع فِيهِ وَلَا خلة} [الْبَقَرَة: 254] (وَمنع قوم) من المغاربة (رفع نعت) اسْم (لَا) (المعرب) وأوجبوا أَلا يتبع إِلَّا على اللَّفْظ (و) منع (قوم النَّعْت الْمُضَاف أَو شبهه) الْجَارِي على الْمُفْرد وأوجبوا إتباعه على اللَّفْظ (و) منع (يُونُس نصب الْعَطف المكرر بِلَا) وَأوجب فَتحه لاستقلاله فَلَا يجوز تنوينه كَمَا لَا يجوز تَنْوِين المنادى الْمُفْرد الْمعرفَة وَأجِيب بِجعْل (لَا) زَائِدَة مُؤَكدَة(3/238)
(وتابع اسْم إِن الْمَكْسُورَة إِن كَانَ نسقا جَازَ رَفعه بعد استكمال الْخَبَر) لَا قبله كَقَوْلِه: 1674 -
(فإنَّ لنا الأمَّ النجيبَة والأبُ ... )
وَيجوز نَصبه وَهُوَ الأَصْل وَالْوَجْه كَقَوْلِه: 1675 -
(إنَّ الرَّبيع الجَوْدَ والخَريفا ... يَدا أَبى الْعَبَّاس والصُّيُوفا)
وَالرَّفْع (على الِابْتِدَاء) وَالْخَبَر مَحْذُوف لدلَالَة خبر إِن عَلَيْهِ (وَقيل) عطفا (على مَوضِع اسْم إِن) فَإِن كَانَ مَرْفُوعا على الِابْتِدَاء وَقَائِل هَذَا لَا يشْتَرط فِي الْعَطف على الْمحل وجود المجوز (وَقيل) عطفا على مَحل (إِن وَاسْمهَا) فَإِنَّهُ رفع على الِابْتِدَاء فَهُوَ على هذَيْن من عطف الْمُفْردَات وعَلى الأول من عطف الْجمل (وَجوزهُ الْكسَائي) أَي الرّفْع (قبل) استكمال (الْخَبَر مُطلقًا) ظهر الْإِعْرَاب فِيهِ أم لم يظْهر نَحْو إِن زيدا وَعَمْرو قائمان وَإِن هَذَا وَزيد قائمان (و) جوزه (الْفراء بِشَرْط بِنَاء الِاسْم) كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُون} [الْمَائِدَة: 69] الْآيَة وَقَول الشَّاعِر: 1676 -
(فَإِنِّي وقيّارٌ بهَا لَغَريبُ ... )(3/239)
قَالَ ابْن مَالك وَيصْلح أَن يكون هَذَا وَشبهه حجَّة للكسائي وَيَقُول بِنَاء الِاسْم فِي الْآيَة وَالْبَيْت وَقع اتِّفَاقًا وَرفع الْمَعْطُوف هُوَ الْحجَّة وَالْأَصْل التَّسْوِيَة بَين المعرب والمبني فِي إِجْرَاء التوابع عَلَيْهِمَا وسيبويه يحمل الْآيَة وَالْبَيْت على أَن الْمَعْطُوف فيهمَا منوي التَّأْخِير وأسهل مِنْهُ تَقْدِير خير قبل العاطف مَدْلُول عَلَيْهِ بِخَبَر مَا بعده وَقد قرئَ {إِن الله وَمَلَائِكَته} [الْأَحْزَاب: 56] بِالرَّفْع وَهُوَ شَاهد للكسائي (وَقيل) إِنَّمَا جوزه الْفراء بِشَرْط (خَفَاء إعرابه) أَي الِاسْم لِئَلَّا يتنافر اللَّفْظ كَذَا حَكَاهُ عَنهُ أَبُو حَيَّان وَغَيره (وَجوزهُ الْخَلِيل إِن أفرد الْخَبَر) نَحْو إِن زيدا وَعَمْرو قَائِم وَقَوله: 1677 -
(فَإِنِّي وقيارٌ بهَا لغريب ... )
بِخِلَاف مَا إِذا جمع نَحْو إِن زيدا وعمرا قائمان (وَمثلهَا) أَي (إِن) فِي جَوَاز الْعَطف على خَبَرهَا بِالرَّفْع بِالشّرطِ الْمَذْكُور (أَن الْمَفْتُوحَة وَلَكِن) نَحْو {أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التَّوْبَة: 3] 1678 -
(ولكِنَّ عَمّي الطيِّب الأَصْل والخالُ ... )(3/240)
وَقيل لَا يجوز الْعَطف بِالرَّفْع على اسْمهَا لمخالفتها للمكسورة لما فِي (لَكِن) من معنى الِاسْتِدْرَاك وَلكَون أَن لَا تقع إِلَّا معمولة فَلَا مساغ للابتداء فِيهَا (وَثَالِثهَا) وَعَلِيهِ ابْن مَالك (إِن صلح الْموضع للجملة) جَازَ الْعَطف بِالرَّفْع وَإِلَّا فَلَا وصلاحيته لَهَا بِأَن يتَقَدَّم عَلَيْهَا علم أَو مَعْنَاهُ كالآية الْمَذْكُورَة وَنَحْو علمت أَن زيدا منطلق وَعَمْرو (دون الْبَاقِي) أَي لَيْت وَلَعَلَّ وَكَأن فَلَا يجوز الْعَطف عَلَيْهَا بِالرَّفْع لما فِيهَا من الْمُخَالفَة لذَلِك بتغيير الْمَعْنى (و) دون (غير النسق) من التوابع فَلَا يجوز فِيهَا إِلَّا النصب (على الْأَصَح فيهمَا) وَأَجَازَهُ الْفراء فِي لَيْت وَأَخَوَاتهَا بعد الْخَبَر مُطلقًا وَقَبله بِالشّرطِ الْمَذْكُور عَنهُ وَاحْتج بقوله: 1679 -
(يَا لَيْتَني وَأَنت يَا لميس ... فِي بَلَد لَيْسَ بِهِ أنِيسُ)
وَأجِيب بِأَن تَقْدِيره وَأَنت معي وَالْجُمْلَة حَالية وَجوزهُ الْجرْمِي والزجاج وَالْفراء أجَازه أَيْضا فِي سَائِر التوابع بعد الْخَبَر مُطلقًا وَقَبله بِشَرْطِهِ وَوَافَقَهُ الْجرْمِي والزجاج فِي الصُّورَة الأولى نَحْو إِن هَذَا زيد الْعَاقِل وَإِن هَذَا الْعَاقِل زيد وَإِن هَذَا أَخُوك قَائِم وَإِن هَذَا نَفسه قَائِم وَسمع إِنَّهُم أَجْمَعُونَ ذاهبون (وَقيل) فِي (غير نسق إِن) الْمَكْسُورَة (وَلَكِن) من توابعهما (الْخلاف) الْمُتَقَدّم فِي نسقها من الرّفْع بعد الْخَبَر فِي قَول وَقَبله مُطلقًا فِي قَول وَشرط الْبناء فِي قَول وَلَا يجوز فِي تَابع مَا عداهما إِلَّا النصب (أما عطف الْجُمْلَة على هَذِه الْحُرُوف وَمَا عملت فِيهِ رفعا) نَحْو إِن زيدا قَائِم وَعَمْرو ذَاهِب (فاتفاق) أَي جَازَ اتِّفَاقًا وَيكون غير دَاخل فِي مَعْنَاهَا (وَجوز الْكسَائي رفع نسق أول) مفعولي ظن (إِذا لم يظْهر الْإِعْرَاب فِي الْمسند إِلَيْهِمَا) نَحْو أَظن عبد الله وزيدا قاما أَو يقومان أَو (مَا لَهما كثير) بِخِلَاف قَائِمين أَو قَائِما وَخَالفهُ الْفراء والبصريون وَهَذَا النَّقْل عَنهُ هُوَ الصَّوَاب وَقَالَ أَبُو حَيَّان خلاف مَا التسهيل من نَقله اشْتِرَاط خَفَاء إِعْرَاب الثَّانِي ممثلا(3/241)
لَهُ (لظَنَنْت زيدا صديقي وَعَمْرو) (وَيجوز نصب نسق الْجُمْلَة الْمُعَلقَة) لِأَن محلهَا نصب نَحْو علمت لزيد منطلق وعمرا قَائِما (وتابع الْمَجْرُور بِالْمَصْدَرِ) فَاعِلا أَو مَفْعُولا (يجْرِي على اللَّفْظ) قطعا (وَمنع سِيبَوَيْهٍ والمحققون) الإجراء (على الْمحل) لِأَن شَرطه أَنه يكون محرزه لَا يتَغَيَّر عَنهُ التَّصْرِيح بِهِ وَهنا لَو صرح بِرَفْع الْفَاعِل أَو نصب الْمَفْعُول لتغير الْعَامِل بِزِيَادَة تَنْوِين وَجوزهُ الْكُوفِيُّونَ وَجَمَاعَة من الْبَصرِيين وَجزم بِهِ ابْن مَالك لوُرُود السماع بِهِ كَقَوْلِه: 1680 -
(طَلَبَ المُعَقِّبِ حَقَّهُ المظلُومُ ... )
وَقَوله: 1681 -
(مَشْيَ الهَلُوكِ عَلَيْهَا الخَيعَلُ الفُضُلُ ... )
وَفِي قِرَاءَة الْحسن: {عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ والملائكةُ والنّاسُ أَجْمَعُونَ} [الْبَقَرَة: 161] وَقَوله: 1682 -
(مَخافة الإفلاس والليانا ... )(3/242)
ثمَّ الِاخْتِيَار عِنْد هَؤُلَاءِ الْحمل على اللَّفْظ قَالَ الْكُوفِيُّونَ إِلَّا أَن يفصل بَين التَّابِع والمتبوع بِشَيْء فيستويان نَحْو يُعجبنِي ضرب زيد عمرا وبكرا (وَثَالِثهَا يجوز فِي عطف وَبدل) دون النَّعْت والتوكيد وَهُوَ رَأْي الْجرْمِي لِأَن الْعَطف وَالْبدل عِنْده من جملَة أُخْرَى فالعامل فِي الثَّانِي غير الْعَامِل فِي الأول بِخِلَاف الصّفة والتأكيد فالعامل فيهمَا وَاحِد ومحال وهما شَيْء وَاحِد لِأَن يكون الشَّيْء مجرورا مَرْفُوعا أَو مجرورا مَنْصُوبًا (وَقيل) يجوز (بِشَرْط ذكر الْفَاعِل) فَيُقَال عجبت من شرب المَاء وَاللَّبن زيد (وَلَا يجوز حذفه) (وَيجب) الإتباع على الْمحل بِلَا خلاف (إِذا كَانَ الْمَفْعُول الْمُضَاف إِلَيْهِ ضميرا اخْتِيَارا) نَحْو يُعجبنِي إكرامك زيدا وعمرا بِالنّصب وَلَا يجوز الإتباع على اللَّفْظ إِلَّا فِي ضَرُورَة (وَيجوز فِي تَابع الْمَفْعُول) مَعَ الْجَرّ وَالنّصب حَيْثُ قُلْنَا بِهِ (الرّفْع على تَأْوِيله) أَي الْمصدر (بمبني) أَي بِحرف مصدري مَوْصُول بِفعل مَبْنِيّ (للْمَفْعُول) بِنَاء على جَوَاز ذَلِك فِيهِ وَهُوَ الْأَصَح كَمَا تقدم فِي مَبْحَث إعماله (ويجريان) أَي الإتباع على اللَّفْظ وَالْمحل (وَفِي تَابع مجرور اسْم الْفَاعِل الْعَامِل) كَقَوْلِه: 1683 -
(هَل أنْتَ باعِثُ دِينَار لِحَاجَتِنا ... أوْ عَبْدَ ربٍّ أَخا عَوْن بن مخْراق)(3/243)
(وَإِلَّا النَّعْت والتوكيد فاللفظ) يتَعَيَّن فيهمَا (فِي الْأَصَح) لِأَنَّهُ لم يسمع فيهمَا الإتباع على الْمحل وَقيل يجوز الْمحل فيهمَا قِيَاسا على مجرور الْمصدر قَالَ ابْن مَالك بل أولى لِأَن إِضَافَته فِي نِيَّة الِانْفِصَال وَلِأَنَّهُ أمكن فِي عمل الْفِعْل من الْمصدر (وَمنع قوم الْمحل فِي تَابع معرف بأل مثنى أَو جمع) على حِدة فَلَا يُقَال هَذَانِ الضاربا زيد أَو الضاربو زيد أَخَاك وعمرا وأوجبوا الْجَرّ وَجوز ابْن عُصْفُور والأبذي الْأَمريْنِ (و) منع (الْمبرد اللَّفْظ فِي تَابع غَيرهمَا) أَي الْمُفْرد أَو المكسر أَو الْجمع بِأَلف وتاء (العاري من أل وَلَو أضيف لما هِيَ فِيهِ أَو) إِلَى (ضَمِيره) أَو ضمير مَا هِيَ فِيهِ فَلَا يُقَال (هَذَا الضَّارِب الْجَارِيَة وَغُلَام الْمَرْأَة أَو أَخِيهَا) أَو الضراب أَو الضاربات الرجل أَخِيك وَزيد وَأوجب النصب وَجوز سِيبَوَيْهٍ الْأَمريْنِ فَإِن لم يكن عَارِيا من أل جازا بِلَا خلاف نَحْو الضَّارِب الْغُلَام وَالْجَارِيَة (وَجوز أهل الْكُوفَة وبغداد جر تَابع منصوبه) أَي اسْم الْفَاعِل فَيُقَال هَذَا ضَارب زيدا وَعَمْرو وَأوجب غَيرهم النصب بِنَاء على اشْتِرَاط المحرز فِي الْعَطف على الْمحل (وَلَا يجوز فِي تَابع مَعْمُول) الصّفة (المشبهة) إِلَّا اللَّفْظ أَي الإتباع عَلَيْهِ إِن رفعا فَرفع وَإِن نصبا فنصب وَإِن جرا فجر(3/244)
(و) جوز (الْفراء رفع تَابع مجرورها) لِأَنَّهُ فَاعل فِي الْمَعْنى نَحْو مَرَرْت بِالرجلِ الْحسن الْوَجْه نَفسه وَأَنْفه وَغَيره قَالَ لم يسمع ذَلِك (و) جوز (أهل بَغْدَاد جر عطف منصوبها) نَحْو هَذَا حسن وَجها وَيَد كَأَنَّك قلت حسن وَجه وَيَد وَلَا خلاف أَنه لَا يعْطف على مجرورها بِالنّصب فَلَا يُقَال هُوَ حسن الْوَجْه وَالْبدن(3/245)
الْعَوَارِض الْإِخْبَار ب (الَّذِي) وفروعه
(الْكَلَام فِي الْإِخْبَار) بِكَسْر الْهمزَة وَيُقَال لَهُ بَاب المخاطبة وَهُوَ نوع من أَنْوَاع الِابْتِدَاء أفرد بِالذكر للتمرين (الْإِخْبَار بِالَّذِي وفروعه) من الْمثنى وَالْجمع الْمُؤَنَّث (أَن يتَقَدَّم) الَّذِي مُبْتَدأ وَيُؤَخر الِاسْم الَّذِي يُقَال أخبر عَنهُ بِالَّذِي (أَو خَلفه) وَهُوَ الضَّمِير الْمُنْفَصِل عَن الْمُتَّصِل (خَبرا) عَنهُ (و) يتوسط (مَا) فِي الْجُمْلَة (بَينهمَا صلَة) للَّذي (عائدها ضمير غَائِب يخلف الِاسْم فِي إعرابه الَّذِي كَانَ لَهُ) قبل الْإِخْبَار كَقَوْلِك فِي الْإِخْبَار عَن (زيد) من (ضربت زيدا) الَّذِي ضَربته زيد وَعَن التَّاء (الَّذِي ضرب زيدا أَنا) وَبِهَذَا ظهر أَن الْإِخْبَار لَيْسَ بِالَّذِي وَلَا عَن الِاسْم بل بِالِاسْمِ عَن الَّذِي قَالَ ابْن السراج وَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنى مخبر عَنهُ قَالَ أَبُو حَيَّان وَيحْتَمل أَن الْبَاء بِمَعْنى عَن وَعَن بِمَعْنى الْبَاء كَمَا تَقول سَأَلت عَنهُ وَسَأَلت بِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أخبر بِهَذَا الِاسْم أَي صيره خَبرا وَقَالَ غَيره الْبَاء هُنَا للسَّبَبِيَّة لَا للتعدية وَكَأَنَّهُ قيل أخبر بِسَبَب الَّذِي أَي بِسَبَب جعلهَا مُبْتَدأ قَالَ بدر الدّين بن مَالك وَكَثِيرًا مَا يُصَار إِلَى هَذَا الْإِخْبَار لقصد الِاخْتِصَاص أَو تقَوِّي الحكم أَو تشويق السَّامع أَو إِجَابَة الممتحن (وَجوز أَبُو ذَر) مُصعب ابْن أبي كثير الْخُشَنِي (عوده) أَي الضَّمِير (مطابقا للْخَبَر) فِي الْخطاب فَيُقَال فِي الْإِخْبَار عَن التَّاء من ضربت (الَّذِي ضربت أَنْت) حملا على الْمَعْنى لِأَن الَّذِي هُوَ أَنْت كَمَا يجوز الْوَجْهَانِ فِي أَنْت الَّذِي قَامَ وَأَنت الَّذِي قُمْت وَفرق هُنَا بِأَنَّهُ يلْزم أَن يكون فَائِدَة الْخَبَر حَاصِلَة فِي الْمُبْتَدَأ وَذَلِكَ خطأ بخلافة هُنَاكَ قَالَ أَبُو حَيَّان(3/246)
وَقِيَاس قَوْله جَوَاز ذَلِك فِي ضمير الْمُتَكَلّم إِذْ لَا فرق فَيُقَال الَّذِي قُمْت أَنا (و) جوز (الْمبرد تقدم الْمخبر بِهِ) على الَّذِي مَعَ قَوْله إِن الْأَحْسَن تَأْخِيره وعَلى قَول الْجُمْهُور بِوُجُوب تَقْدِيم (الَّذِي) المُرَاد حَيْثُ لَا مَانع فَإِن كَانَ هُنَاكَ اسْتِفْهَام وَجب تَقْدِيمه كَقَوْلِك فِي الْإِخْبَار عَن (أَي) من (أَيهمْ قَائِم) (أَيهمْ الَّذِي هُوَ قَائِم) وَمن أَي رجل كَانَ أَخَاك (أَيهمْ الَّذِي هُوَ كَانَ أَخَاك) هَكَذَا قَالَ أَبُو حَيَّان وَفِيه نظر لما سَيَأْتِي (و) يخبر (بأل إِن صدرت الْجُمْلَة) الَّتِي هِيَ مِنْهَا (بِفعل مُوجب) يصلح لِأَن (يصاغ مِنْهُ صلتها) فَتَقول فِي الْإِخْبَار عَن (زيد) من (قَامَت جَارِيَة زيد) (الْقَائِم جَارِيَته زيد) فَإِن لم تصدر بِفعل نَحْو زيدا ضرب عَمْرو أَو صدرت بِفعل غير مُوجب أَو مُوجب لَا يصلح أَن يصاغ مِنْهُ صلَة لأل كيذر ويدع لم يخبر بأل (فَإِن رفعت) صلَة أل (ضمير غَيرهَا) أَي غير أل (وَجب إبرازه) كَأَن يخبر بهَا عَن زيد من ضربت زيدا فَتَقول الضاربه أَنا زيد بإبراز الضَّمِير لِأَن أل لزيد وَأَنا لغير أل بِخِلَاف مَا إِذا أخْبرت عَن (زيد) من (خرج زيد) أَو التَّاء من (ضربت زيدا) فَتَقول (الْخَارِج زيد والضارب زيدا أَنا) لِأَن مَرْفُوع الصِّلَة ضمير أل (فَإِن كَانَ الِاسْم) الْمخبر بِهِ (ظرفا) فَإِن كَانَ متصرفا (لم يتوسع فِيهِ) قبل الْإِخْبَار (قرن الضَّمِير ب (فِي)) كَأَن يخبر عَن الْيَوْم من (قُمْت الْيَوْم) فَتَقول (وَالَّذِي قُمْت فِيهِ الْيَوْم) أَو عَن خَلفك من (قعدت خَلفك) فَتَقول (الَّذِي قعدت فِيهِ خَلفك) فَإِن كَانَ مِمَّا يتوسع فِيهِ قبل وصل الْفِعْل إِلَيْهِ بِنَفسِهِ حَالَة الْإِخْبَار (وَشرط هَذَا الِاسْم) الْمخبر عَنهُ فِي هَذَا الْبَاب (إِمْكَان الْفَائِدَة بِهِ لَا) مَا لَا يُفِيد نَحْو (ثواني الْأَعْلَام) المضافة من الكنى وَغَيرهَا كبكر من (أبي بكر) و (قزَح) من (قَوس قزَح) (وَلَا) ثواني المركبات تَرْتِيب (المزج) إِذا أعربت إِعْرَاب المتضايفين (خلافًا للمازني) حَيْثُ جوز الْإِخْبَار عَن الِاسْم الَّذِي لَيْسَ تَحْتَهُ معنى وَاسْتدلَّ بِأَن الْعَرَب قد أخْبرت عَنهُ فِي كَلَامهَا قَالَ: 1684 -
(أَو حَيْث عَلّق قَوْسَهُ قُزَحُ ... )(3/247)
ورد بِأَن (قزَح) اسْم للشَّيْطَان وَكَأن الْعَرَب قد وضعت قوسا للشَّيْطَان فَيكون من أكاذيبها (و) شَرطه (الْغنى عَنهُ بأجنبي) يوضع مَكَانَهُ قبل الْإِخْبَار لِأَنَّك تضع بدل (زيد) فِي (ضربت زيدا) مثلا (عمرا) بِخِلَاف الْهَاء فِي نَحْو (زيد ضَربته) لَا يجوز فِيهِ (زيد ضربت عمرا) (أَو) الْغنى عَنهُ (بمضمر لَا حَال وتمييز) فَلَا يَصح الْإِخْبَار عَنْهُمَا لِأَنَّهُمَا لَا يكونَانِ مضمرين قَالَ أَبُو حَيَّان وَكَذَا مَا ربط بِهِ من اسْم ظَاهر أَو إِشَارَة فَلَا يَصح الْإِخْبَار عَن زيد من (زيد ضربت زيدا) وَلَا عَن ذَلِك من قَوْله تَعَالَى: {ولباس التَّقْوَى ذَلِك خير} [الْأَعْرَاف: 26] وَكَذَا لَا يَصح الْإِخْبَار عَن مجرور حَتَّى وَنَحْوهمَا مِمَّا لَا يجر الْمُضمر (و) شَرطه (قبُوله الرّفْع) بِخِلَاف مَا لَا يقبله كالظرف والمصدر غير المتصرفين وَمَا لزمَه كأيمن فِي الْقسم وَمَا التعجبية (و) شَرطه (قبُوله التَّأَخُّر) هُوَ (أَو خَلفه) كالتاء من ضربت فَإِنَّهَا وَإِن لم تقبل التَّأْخِير فخلفها يقبله وَهُوَ الضَّمِير الْمُنْفَصِل أَعنِي (أَنا) (لَا لَازم الصَّدْر) كأسماء الشَّرْط والاستفهام وَكم الخبرية وَضمير الشَّأْن فَلَا يجوز الْإِخْبَار عَن شَيْء من ذَلِك (وَقيل إِلَّا) اسْم (الِاسْتِفْهَام) فَإِنَّهُ يجوز الْإِخْبَار عَنهُ وَيلْزم الصَّدْر فَيُقَال فِي (أَيهمْ قَائِم) أَيهمْ الَّذِي هُوَ قَائِم وَفِي (أَيهمْ ضربت) (أَيهمْ الَّذِي إِيَّاه ضربت (و) شَرطه (قبُوله الْإِثْبَات لَا) مَا لزم النَّفْي (كَأحد وعريب) وكتيع وطوري وَاسم فعل نساخ منفي كليس وَمَا زَالَ وَإِخْوَته(3/248)
(و) شَرطه (أَلا يعود الضَّمِير على شَيْء قبله) كالهاء فِي زيد ضَربته وَالضَّمِير فِي (منطلق) من (زيد منطلق) لِأَنَّك لَو أخْبرت عَنْهَا لجعلت مَكَانهَا ضميرا وَذَلِكَ الضَّمِير يَطْلُبهُ زيد والموصول وَلَا جَائِز أَن يعود إِلَيْهِمَا وَإِن أعدته إِلَى أَحدهمَا بَقِي الآخر بِلَا رابط فَامْتنعَ الْإِخْبَار (وَقيل) بل (الشَّرْط أَلا يكون) الضَّمِير قبل الْإِخْبَار (رابطا) كَمَا فِي زيد ضَربته فَإِن عَاد على سَابق وَلَيْسَ رابطا جَازَ الْإِخْبَار عَن ضمير (لَقيته) وَإِن كَانَ عَائِدًا على شَيْء قَالَه الْأُسْتَاذ أَبُو عَليّ الشلوبين قَالَ الشلوبين الصَّغِير وَهَذَا غير صَحِيح وَلَا يُوجد فِي كَلَام الْعَرَب إِذْ لَا يفهم الْمَعْنى المُرَاد مِنْهُ فِي الْجُمْلَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَالَّذِي نَذْهَب إِلَيْهِ هُوَ الشَّرْط الأول وَهُوَ اخْتِيَار الْجُزُولِيّ (و) شَرطه (كَون بعض مَا يُوصف بِهِ من جملَة صَالِحَة) للوصف بِأَن تكون خبرية عَارِية من معنى التَّعَجُّب غير مستدعية كلَاما ليَصِح كَونهَا صلَة بِخِلَاف غير الخبرية وَنَحْوهَا (أَو جملتين فِي حكم) جملَة (وَاحِدَة) كجملتي الشَّرْط وَالْجَزَاء فَإِنَّهَا تصلح للوصف فيصلح فِي هَذَا الْبَاب كَأَن يخبر عَن (زيد) من قَوْلك (إِن تضرب زيدا أضربه) فَتَقول الَّذِي إِن تضربته أضربه زيد (و) شَرطه (أَن يتحد الْعَامِل فِي المتعاطفين) بِأَن كَانَ الَّذِي يُرَاد الْإِخْبَار عَنهُ مَعْطُوفًا ومعطوفا عَلَيْهِ فَتَقول فِي (قَامَ زيد وَعَمْرو) (الَّذِي قَامَ وَعَمْرو وَزيد) بِخِلَاف مَا إِذا اخْتلف قَالَ أَبُو حَيَّان وَذَلِكَ لَا يتَصَوَّر إِلَّا فِي الْعَطف على التَّوَهُّم نَحْو (زيد لم يقم وَلَا بصديقك) تُرِيدُ (زيد لَيْسَ بقائم وَلَا بصديقك) فَلَا يجوز الْإِخْبَار عَن قَوْلك بصديقك لِأَن عَامل الْجَرّ لَيْسَ مَوْجُودا فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فَمَا اتَّحد الْعَامِل فِي المعتاطفين (وَالأَصَح جَوَازه) فِي هَذَا الْبَاب (عَن ضمير الْمُتَكَلّم والمخاطب) وَمنعه بَعضهم قَالَ لِأَنَّك إِذْ ذَاك تضع موضعهما ضمير غيبَة وَهُوَ أَعم مِنْهُمَا وَوضع(3/249)
الْأَعَمّ مَوضِع الْأَخَص لَا يجوز وَأجِيب بِمَنْع مَا ذكره مِثَاله قَوْلك فِي الْإِخْبَار عَن (أَنا) من (أَنا [قَائِم] ) و (أَنْت) من (أَنْت قَائِم) (الَّذِي هُوَ قَائِم أَنا) و (الَّذِي هُوَ قَائِم أَنْت) أما ضمير الْغَائِب فَنقل ابْن عُصْفُور أَنه لَا خلاف فِي جَوَازه عَنهُ (و) الْأَصَح جَوَازه فِي (خبر بَاب كَانَ الجامد) كَمَا يجوز فِي خبر بَاب الْمُبْتَدَأ وَبَاب إِن وَبَاب ظن الجامد بِلَا خلاف مِثَاله فِيهَا (من كَانَ زيد أَخَاك) (الَّذِي كَانَ إِيَّاه أَو كَأَنَّهُ زيد أَخُوك) وَفِي بَاب الْمُبْتَدَأ (الَّذِي زيد هُوَ أَخُوك) وَفِي بَاب إِن (الَّذِي إِن زيدا هُوَ أَخُوك) وَفِي بَاب ظن (الَّذِي ظَنَنْت زيدا إِيَّاه أَخُوك) وَالْأَحْسَن وصل الضَّمِير فَيُقَال (الَّذِي ظننته زيدا أَخُوك) وَنقل ابْن الدهان عَن بَعضهم منع الْإِخْبَار عَن خبر كَانَ مُطلقًا لِأَنَّهُ فِي معنى الْجُمْلَة واستقبحه ابْن السراج قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بمفعول على الْحَقِيقَة وَلَيْسَ إضماره مُتَّصِلا إِنَّمَا هُوَ مجَاز وَهَذَا يخدش نفي ابْن عُصْفُور الْخلاف فِي الْجَوَاز أما الْمُشْتَقّ فَسَيَأْتِي (و) الْأَصَح جَوَازه عَن (الْمصدر الْمُخَصّص) بِوَصْف أَو إِضَافَة كَقَوْلِك فِي (قَامَ زيد قيَاما حسنا أَو قيام الْأَمِير) الَّذِي قامه زيد قيام حسن أَو قيام الْأَمِير (لَا) عَن (غَيره) وَهُوَ الْمُؤَكّد وَقيل لَا يجوز الْمُخَصّص أَيْضا وَقيل يجوز عَن الْمُؤَكّد أَيْضا (و) الْأَصَح جَوَازه عَن (الْمَفْعُول لَهُ) وَاخْتَارَهُ ابْن الضائع فَتَقول فِي الْإِخْبَار عَن (إجلالا) من (قُمْت إجلالا لَك) (الَّذِي قُمْت لَهُ إجلال لَك) وَصحح ابْن عُصْفُور الْمَنْع لِأَن فِي الْإِخْبَار عَنهُ تغييرا عَن حَاله من الرّفْع وَغَيره (و) الْأَصَح جَوَازه فِي الْمَفْعُول (مَعَه) وَاخْتَارَهُ أَيْضا ابْن الضائع وَصَححهُ أَبُو حَيَّان فَنَقُول فِي الْإِخْبَار عَن (الطيالسة) من (جَاءَ الْبرد والطيالسة) (الَّتِي جَاءَ الْبرد وَإِيَّاهَا الطيالسة) وَصحح ابْن عُصْفُور الْمَنْع فِي الْإِخْبَار لما فِيهِ من التَّغْيِير عَن حَاله وأجب بِأَن التَّغْيِير مَوْجُود فِي كل اسْم أُرِيد الْإِخْبَار عَنهُ(3/250)
(و) الْأَصَح (مَنعه فِي كل خبر مُشْتَقّ) لمبتدأ أَو كَانَ أَو إِن أَو ظن وَقيل يجوز فَيُقَال فِي (قَائِم) من (زيد قَائِم) أَو مَعَ نَاسخ (الَّذِي زيد هُوَ قَائِم) و (الَّذِي كَانَ زيد إِيَّاه قَائِم) و (الَّذِي إِن زيدا هُوَ قَائِم) و (الَّذِي ظَنَنْت زيدا إِيَّاه قَائِم) وو (الَّذِي ظننته زيدا قَائِم) (و) الْأَصَح (مَنعه) فِي (مَرْفُوع نَحْو عَسى) من جوامد أَفعَال بَاب المقاربة وَأَجَازَهُ ابْن أبي الرّبيع فَيُقَال (وَالَّذِي عَسى أَن يقوم زيد) ورد بِأَن عَسى لَا تصلح للصلة لِأَنَّهَا خبرية أما المتصرفة ككاد وأوشك فَيجوز الْإِخْبَار عَن مرفوعها نَحْو (الَّذِي كَاد يضْرب عمرا زيد) فِي (كَاد زيد يضْرب عمرا) (وَيجوز فِي كل من المتعاطفين بِغَيْر أم) تَقول فِي (قَامَ زيد وَعَمْرو) مخبرا عَن الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (الَّذِي قَامَ هُوَ وَعَمْرو زيد) وَعَن الْمَعْطُوف (الَّذِي قَامَ زيد وَهُوَ عَمْرو) وَقس عَلَيْهِ الْعَطف بِسَائِر الْحُرُوف فَإِن كَانَ الْعَطف بِأم لم يجز الْإِخْبَار لَا عَن الْمَعْطُوف وَلَا عَن الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (و) يجوز فِي (سَائِر التوابع) أَي بَاقِيهَا (مَعَ الْمَتْبُوع) فَيُقَال فِي بَاب النَّعْت فِي (مَرَرْت بِرَجُل عَاقل) (وَالَّذِي مَرَرْت بِهِ رجل عَاقل) وَفِي بَاب التَّأْكِيد فِي (قَامَ زيد نَفسه) (وَالَّذِي قَامَ زيد نَفسه) وَفِي بَاب الْبَدَل فِي (قَامَ زيد أَخُوك) (الَّذِي قَامَ زيد أَخُوك) (وَقيل يجوز فِي بدل دون متبوعه وَعَكسه) فَيُقَال الَّذِي قَامَ زيد هُوَ أَخُوك وَالَّذِي قَامَ هُوَ أَخُوك زيد وَالصَّحِيح الْمَنْع كَمَا فِي بَابي النَّعْت والتأكيد (وَضَعفه الْمَازِني فِي يَاء الْمُتَكَلّم) وَيجوز (فِي الْمَوْصُول) بِأَن يَجْعَل مَكَان الْمَوْصُول وصلته ضميرا لِأَنَّهُمَا شَيْء وَاحِد ويحيل الْمَوْصُول وصلته خَبرا فَيُقَال فِي الْإِخْبَار عَن الَّذِي من قَوْلك (ضربت الَّذِي ضَربته) (الَّذِي ضَربته الَّذِي ضَربته) (و) يجوز (فِي الْمُتَنَازع فِيهِ وَيبقى التَّرْتِيب) فَيُقَال فِي الْإِخْبَار عَن (زيد) من ضَرَبَنِي وضربته زيد (الَّذِي ضَرَبَنِي وضربته زيد)(3/251)
(فَإِن كَانَ) الْإِخْبَار (بأل والمخبر عَنهُ غَيره) أَي غير الْمُتَنَازع فِيهِ (فخلف) قَالَ أَبُو حَيَّان فِي شرح التسهيل إِذا كَانَ الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ من جملتين فعليتين بَينهمَا ارتباط فَأَرَدْت الْإِخْبَار (بأل) عَن بعض أَسمَاء الجملتين فَمنع ذَلِك قوم وَأَجَازَهُ آخَرُونَ ثمَّ اخْتلفُوا فَذهب الْأَخْفَش إِلَى أَنه يسبك من الْفِعْلَيْنِ اسْما فَاعل وَتدْخل أل عَلَيْهِمَا ويوفيا عوائدهما ويجعلهما جَمِيعًا كشيء وَاحِد ويعطف مُفْرد على مُفْرد فَيُقَال فِي الْإِخْبَار عَن التَّاء من (ضربت وضربني زيد) (الضَّارِب زيدا والضاربه هُوَ أَنا) وَذهب قوم من البغداديين إِلَى نَحْو ذَلِك إِلَّا أَنهم يحذفون العوائد فَيَقُولُونَ فِي الْإِخْبَار عَن التَّاء من (ظَنَنْت وظنني زيد عَالما) الظَّان والظان عَالما زيد أَنا وَقِيَاس قَول الْأَخْفَش الظانة إِيَّاه والظان عَالما زيد أَنا وَذهب الْمَازِني إِلَى مُرَاعَاة التَّرْتِيب وَهُوَ كأصحاب الْحَذف إِلَّا أَنه يَجْعَل الْكَلَام جملتين اسميتين كَمَا كَانَا فعليتين فَتَقول (الضاربه أَنا والضاربي زيد) وَذهب الْفَارِسِي والجرجاني إِلَى أَنه تدخل أل على الأول خَاصَّة فَتَقول (الظانة أَنا إِيَّاه وظنني عَالما زيد) فَهَذِهِ خَمْسَة مَذَاهِب ذكرهَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم ابْن أصبغ فِي كِتَابه الْمُسَمّى ب (رُءُوس الْمسَائِل فِي الْخلاف)(3/252)
3 - الْعدَد
أَي هَذَا مبحثه (يؤنث بِالتَّاءِ ثَلَاثَة) فَمَا فَوْقهَا (إِلَى الْعشْرَة) أَي مَعهَا (إِن كَانَ الْمَعْدُود مذكرا مَذْكُورا) نَحْو أَرْبَعَة أَيَّام وَعشرَة رجال (وَكَذَا) إِن كَانَ الْمَعْدُود الْمُذكر (محذوفا على الْأَفْصَح) نَحْو صمت خَمْسَة أَي خَمْسَة أَيَّام وَيجوز فصيحا ترك التَّاء وَعَلِيهِ {أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} [الْبَقَرَة: 234] (من صَامَ رَمَضَان وَأتبعهُ سِتا من شَوَّال) وَحكى الْكسَائي (صمت من الشَّهْر خمْسا) (وتحذف التَّاء) من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة (إِن كَانَ) الْمَعْدُود (مؤنثا) حَقِيقَة أَو مجَازًا نَحْو {سبع لَيَال} [الحاقة: 7] وَعشر وَشعر إِمَاء (أَو اسْم جمع أَو) اسْم (جنس) كل مِنْهُمَا (مؤنث غير نَائِب عَن جمع مُذَكّر وَلَا مَسْبُوق بِوَصْف يدل على التَّذْكِير) نَحْو عِنْدِي ثَلَاث من الْإِبِل وَثَلَاث من البط وَخمْس من النّخل بِخِلَاف اسْم الْجمع الْمُذكر كتسعة رَهْط وَثَلَاثَة نفر وَاسم الْجِنْس الْمُذكر ومدركة السماع كعنب وَسدر وموز وقمح نصت الْعَرَب على تذكيرها وتأنيث البط وَالنَّخْل واستعملت سَائِر أَسمَاء الْجِنْس كالبقر مُؤَنّثَة ومذكرة قَالُوا وَالْغَالِب عَلَيْهَا التَّأْنِيث وَبِخِلَاف الْمُؤَنَّث مِنْهَا النَّائِب عَن جمع مُذَكّر كَقَوْلِهِم ثَلَاثَة أَشْيَاء وَثَلَاثَة رجلة لِأَنَّهُمَا نائبان عَن جمع مفرديهما إِذْ عدل من جمع (شَيْء) على (أَفعَال) إِلَى (فعلاء) وَمن جمع (راجل) على (أَفعَال) كصاحب وَأَصْحَاب إِلَى فعلة وَبِخِلَاف الْمَسْبُوق بِوَصْف يدل على التَّذْكِير نَحْو ثَلَاثَة ذُكُور من البط وَأَرْبَعَة فحول من الْإِبِل فَإِن التَّأْنِيث فِي جَمِيع مَا ذكره(3/253)
والنكتة فِي إِثْبَات التَّاء فِي الْمُذكر أَن الْعدَد كُله مؤنث وأصل الْمُؤَنَّث أَن يكون بعلامة التَّأْنِيث وَتركت من الْمُؤَنَّث لقصد الْفرق وَلم يعكس لِأَن الْمُذكر أصل وأسبق فَكَانَ بالعلامة أَحَق وَلِأَنَّهُ أخف وَأبْعد عَن اجْتِمَاع علامتي تَأْنِيث (وَالْعبْرَة) فِي التَّذْكِير والتأنيث (بِاللَّفْظِ غَالِبا لَا بِالْمَعْنَى وَقد يعْتَبر) فِي ذَلِك الْمَعْنى (بقلة) فيجاء بِالتَّاءِ مَعَ لفظ مؤنث لتأويله بمذكر كَقَوْلِه 1685 -
(ثلاثةُ أنفس وَثَلَاث ذَوْد ... )
وَقَوله 1686 -
(وقائعُ فِي مُضر تِسْعَةٌ ... )
أول الْأَنْفس بالأشخاص والوقائع بالمشاهد وَيتْرك مَعَ لفظ مُذَكّر لتأويله بمؤنث كَقَوْلِه 1687 -
(وإنَّ كِلاً با هَذِه عَشْرُ أبْطن ... )
أول (الأبطن) بالقبائل (و) الْعبْرَة أَيْضا فِي التَّذْكِير والتأنيث (بالمفرد) لَا الْجمع فَيُقَال ثَلَاثَة سجلات وَثَلَاثَة دنينيرات (خلافًا لأهل بَغْدَاد) فَإِنَّهُم يعتبرون لفظ الْجمع فَيَقُولُونَ ثَلَاث سجلات وَثَلَاث حمامات بِغَيْر هَاء وَإِن كَانَ الْوَاحِد مذكرا(3/254)
(و) الْعبْرَة (فِي الصّفة النائبة عَن الْمَوْصُوف بِحَالهِ) أَي الْمَوْصُوف لَا بِحَال الصّفة فَيُقَال رَأَيْت ثَلَاثَة ربعات بِالتَّاءِ إِذا أردْت (رجَالًا) وَثَلَاث ربعات بحذفها إِذا أردْت نسَاء اعْتِبَارا بِحَال الْمَوْصُوف وَعَلِيهِ {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} [الْأَنْعَام: 160] أسقط التَّاء اعْتِبَارا بِحَال الْمَوْصُوف وَهُوَ الْحَسَنَات وَلم يعْتَبر الْمثل (ويعطف الْعشْرُونَ وأخوته) من ثَلَاثِينَ إِلَى تسعين (على النيف) وَهُوَ (مَا دون الْعشْرَة) من وَاحِد إِلَى تِسْعَة (إِن قصد بِهِ التَّعْيِين) فَيُقَال فِي الْمُذكر وَاحِد وَعِشْرُونَ وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ إِلَى تِسْعَة وَتِسْعين وَفِي الْمُؤَنَّث وَاحِدَة وَعِشْرُونَ وَاثْنَتَانِ أَو ثِنْتَانِ وَعِشْرُونَ إِلَى تسع وَتِسْعين وَلَا يُقَال فِي شَيْء مِمَّا دون الْعشْرَة نَيف إِلَّا وَبعده عشرُون أَو إِحْدَى إخْوَته وَإِلَّا أَي وَإِن لم يقْصد التَّعْيِين (فبضعة فِي الْمُذكر وبضع فِي الْمُؤَنَّث) يعْطف عَلَيْهِمَا الْعشْرُونَ وَإِخْوَته فَيُقَال عِنْدِي بضعَة وَعِشْرُونَ رجلا وبضع وَعِشْرُونَ امْرَأَة وهما بِكَسْر الْبَاء من بضعت الشَّيْء قطعته كَأَنَّهُ قِطْعَة من الْعدَد (وَلَا يختصان) أَي الْبضْعَة والبضع (بِالْعشرَةِ فَصَاعِدا) بل يستعملان وَإِن لم يعْطف عَلَيْهِمَا عشرَة وَلَا عشرُون وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {فِي بضع سِنِين} [الرّوم: 4] (خلافًا للفراء) فِي قَوْله إنَّهُمَا لَا يستعملان إِلَّا مَعَ الْعشْرَة وَمَعَ الْعشْرين إِلَى التسعين ثمَّ هما اسْم عدد مُبْهَم من ثَلَاث إِلَى تسع وَبِذَلِك فَارقه النيف فَإِنَّهُ من وَاحِد وفارقه أَيْضا فِي أَنه يكون للمذكر والمؤنث بِغَيْر هَاء وَفِي أَنه يخْتَص بِالْعشرَةِ فَصَاعِدا وَهُوَ من أناف على الشي إِذا زَاد عَلَيْهِ (وتبني الْعشْرَة مَعَه) أَي مَعَ الِاسْم المضموم إِلَيْهِ وَهُوَ النيف عِنْد قصد التَّعْيِين وَبضْعَة وبضع عِنْد عَدمه لتَضَمّنه معنى حرف الْعَطف الَّذِي هُوَ الأَصْل فِي الْعدَد وَترك اختصارا (على) حَرَكَة لِأَنَّهُ مُعرب الأَصْل وَكَانَت (الْفَتْح) طلبا لتخفيف فَيُقَال أحد عشر وَإِحْدَى عشرَة وَثَلَاثَة عشر وَثَلَاث عشرَة وَبضْعَة عشر وبضع عشرَة (وَجوز الكوفية) إِضَافَته أَي النيف أَو الْبضْع (إِلَيْهَا) أَي الْعشْرَة وَاسْتَدَلُّوا بقوله(3/255)
1688 -
(بنتَ ثَمَانِي عَشْرَةٍ من حِجّتِهْ ... )
وَأجِيب بِأَنَّهُ ضَرُورَة إِذْ لَا معنى لهَذِهِ الْإِضَافَة لِأَنَّهَا إِمَّا بِمَعْنى اللَّام أَو من والنيف لَيْسَ للعشرة وَلَا مِنْهَا بل هُوَ زِيَادَة عَلَيْهَا (و) جوز (الْأَخْفَش إعرابها مُضَافَة) إِلَى اسْم بعْدهَا (كبعلبك) فَيُقَال هَذِه خَمْسَة عشرك بِبَقَاء الصَّدْر مَفْتُوحًا وتغيير آخر الْعَجز بالعوامل (و) جوز (الْفراء) حِينَئِذٍ إعرابها (كَابْن عرس) فَيُقَال هَذِه خَمْسَة عشرك ومررت بِخَمْسَة عشرك بإعراب الأول على حسب العوامل وجر الثَّانِي أبدا وَالْجُمْهُور منعُوا قِيَاس ذَلِك وأوجبوا بَقَاء الجزأين على الْفَتْح كَمَا لَو لم يضف (و) جوز (ابْن مَالك إِظْهَار العاطف) الَّذِي قدر فِي الأَصْل (فتعرب) لزوَال الْمَعْنى الْمُوجب للْبِنَاء فَيُقَال عِنْدِي خَمْسَة وَعشر رجلا وَخمْس وَعشرَة امْرَأَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَمَا أَظن الْعَرَب تَكَلَّمت بِمثل ذَلِك وَأما قَوْله 1689 -
(كأنَّ بهَا البدْرَ ابنَ عَشْر وأرْبَع ... )
فمخالف لتركيب أَربع وَعشر بِتَقْدِيم النيف على الْعشْر فَلَا يَصح الِاسْتِدْلَال بِهِ على هَذَا التَّرْكِيب (وتاء ثَلَاثَة فَمَا فَوْقهَا) إِلَى تِسْعَة (فِي الْمركب) مَعَ عشر (والمعطوف مَعَ الْعشْرين وَإِخْوَته كَغَيْرِهِ) ثَابِتَة فِي الْمُذكر سَاقِطَة فِي الْمُؤَنَّث وتاء عشرَة فِي الْمركب بِالْعَكْسِ أَي سَاقِطَة فِي الْمُذكر ثَابِتَة فِي الْمُؤَنَّث كَرَاهَة اجْتِمَاع علامتي تَأْنِيث فَيُقَال عني ثَلَاثَة عشر رجلا إِلَى تِسْعَة عشر وَثَلَاثَة وَعِشْرُونَ رجلا إِلَى تِسْعَة وَتِسْعين
وَثَلَاث عشرَة امْرَأَة إِلَى تسع عشرَة وَثَلَاث وَعِشْرُونَ امْرَأَة إِلَى تسع وَتِسْعين(3/256)
(ولمذكر دون ثَلَاثَة عشر أحد عشر أَو وحد عشر واثني عشر ولمؤنثه إِحْدَى عشرَة أَو وحدة عشرَة واثنتا عشرَة) وَلم يبال هُنَا بِالْجمعِ بَين علامتي تَأْنِيث لاخْتِلَاف اللَّفْظ فِي إِحْدَى عشرَة وإعراب الصَّدْر دون الْعَجز فِي اثْنَتَيْ عشرَة فكأنهما كلمتان قد تباينتا (وَاثنا) عشر (واثنتا) عشرَة مبنيان عَجزا لما تقدم (معربان صَدرا) على الْأَصَح بِالْألف رفعا وَالْيَاء جرا ونصبا (لقِيَامه) أَي الْعَجز فيهمَا (عَن النُّون) فَبَقيَ الصَّدْر على إعرابه كَمَا كَانَ مَعَ النُّون (وَمن ثمَّ) أَي وَمن أجل ذَلِك وَهُوَ قيام الْعَجز فيهمَا مقَام النُّون (اختصا بِمَنْع الْإِضَافَة) فَلَا يُقَال اثْنَا عشرك وَلَا اثْنَتَا عشرتك كَمَا أَنه لَا تجامع النُّون الْإِضَافَة بِخِلَاف سَائِر أخواتها فَإِنَّهَا تُضَاف نَحْو أحد عشرك وَثَلَاثَة عشرك وَمُقَابل الْأَصَح فِي الصَّدْر أَنه مَبْنِيّ على الْألف وَالْيَاء كأخواته المركبات وَعَلِيهِ ابْن كيسَان وَابْن درسْتوَيْه (وياء ثَمَانِي عشرَة تفتح) على الأجود لخفة الْفَتْح على الْيَاء (أَو تسكن) كسكونها فِي (معدي كرب) (أَو تحذف) لِأَنَّهَا حرف زَائِد وَلَيْسَت من سنخ الْكَلِمَة وحذفها (بعد) إبْقَاء (كسر قبلهَا) دلَالَة عَلَيْهَا (أَو) بعد (فتح) للتركيب (وَقد يلْزم الْحَذف فِي الْإِفْرَاد) قيل أَن تركب فِي الْعدَد فَيجْعَل الْإِعْرَاب على النُّون نَحْو هَذِه ثَمَان وَرَأَيْت ثمانا ومررت بثمان (وشين عشرَة فِي التَّرْكِيب سَاكِنة) فِي لُغَة الْحجاز قَالَ تَعَالَى {اثْنَتَا عشرَة عينا} [الْبَقَرَة: 60] وَقد تكسر فِي لُغَة تَمِيم وَقُرِئَ بِهِ فِي الْآيَة (أَو تفتح) رُجُوعا إِلَى الأَصْل فِيهَا وَقَرَأَ بِهِ الْأَعْمَش أما عشر فِي التَّرْكِيب فمفتوح الشين(3/257)
وَالْعين (أَو تسكن عين عشرَة) لتوالي الحركات فِي كلمة وَقُرِئَ بِهِ فِي {أحد عشر كوكبا} [يُوسُف: 4] {اثْنَا عشر شهرا} [التَّوْبَة: 36] (أَو) تسكن ((حا) أحد) عشر (استثقالا لتوالي الحركات) (وهمزة) أَي أحد بدل (عَن وَاو) الأَصْل وحد (وَألف إِحْدَى) تَأْنِيث وَلذَا منعت الصّرْف (وَقيل إِلْحَاق) وهمزة أَيْضا عَن وَاو (ويعطف عَلَيْهِمَا) أَي على أحد وَإِحْدَى (الْعشْرُونَ وَإِخْوَته) كَمَا يعْطف على وَاحِد وَوَاحِدَة (وَلَا يستعملان غَالِبا دون تنييف) مَعَ الْعشْرَة أَو الْعشْرين وَإِخْوَته (إِلَّا مضافين لغير علم) نَحْو {لإحدى الْكبر} [المدثر: 35] {إحدَى ابنَتَيَّ} [الْقَصَص: 27] {قَالَت إِحداهُمَا} [الْقَصَص: 26] {فَتُذَكَّرَ إِحدَاهُمَا الأُخرَى} [الْبَقَرَة: 282] أحد الأحدين واستعمالهما بِلَا نَيف وَلَا إِضَافَة قَلِيل نَحْو {وَإِن أَحَدٌ مِّنَ المُشرِكِينَ} [التَّوْبَة: 6] 1690 -
(قد ظهرْتَ فَمَا تخفى على أحدٍ ... )
وأضيفت إِلَى الْعلم فِي قَول النَّابِغَة 1691 -
(إحدَى بلِى وَمَا هام الْفُؤَاد بهَا ... )(3/258)
فَأول على حذف الْمُضَاف أَي إِحْدَى نسَاء بلي وَالْغَالِب عِنْد عدم النيف وَاحِد وَوَاحِدَة (وَيعرف الْعدَد الْمُفْرد) وَهُوَ من وَاحِد إِلَى عشرَة إِذا لم تضف ثَلَاثَة وَمَا بعْدهَا والعقود عشرُون وَإِخْوَته وَمِائَة وَألف إِذا قصد تَعْرِيفه (بأل) كَسَائِر الْأَسْمَاء المفردة فَيُقَال الْوَاحِد والاثنان وَالثَّلَاثَة وَالْعشرَة وَالْعشْرُونَ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَة وَالْألف (وَتدْخل فِي المتعاطفين) بِإِجْمَاع كَقَوْلِه 1692 -
(إِذا الخَمْسَ والخمسِين جاوزْتَ فَارْتَقِبْ ... قُدُوماً على الْأَمْوَات غَيْر بعِيدِ)
(و) تدخل (فِي) ثَانِي (الْمُضَاف) دون أَوله نَحْو ثَلَاثَة الأثواب وَمِائَة الدِّرْهَم وَألف الدِّينَار قَالَ 1693 -
(ثَلَاث الأثافِي والرُّسُوم البلاقعُ ... )
وَقَالَ 1694 -
(فأدْرك خمسَة الأشبار ... )
(و) تدخل فِي (أول الْمركب) دون ثَانِيه نَحْو (مَا فعلت الْأَحَد عشر درهما) (وَجوز الكوفية دُخُولهَا فِي جزئيهما أَي الْمُضَاف والمركب فَيُقَال الثَّلَاثَة الأثواب والخمسة الْعشْر رجلا(3/259)
والبصريون قَالُوا الْإِضَافَة لَا تجامع أل والمركب مَحْكُوم لَهُ بِحكم الِاسْم الْمُفْرد من حَيْثُ إِن الْإِعْرَاب فِي مَحل جَمِيعه فَكَانَ ثَانِيه كوسط الِاسْم وَلَا تدخل على أول الْمُضَاف مَعَ تجرد ثَانِيه بِإِجْمَاع كالثلاثة أَثوَاب (و) جوز (قوم) دُخُولهَا (فِي تَمْيِيزه) بِنَاء على جَوَاز تَعْرِيف التَّمْيِيز نَحْو الْعشْرُونَ الدِّرْهَم (و) جوز (قوم تَركهَا من الْمَعْطُوف) ودخولها فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فَقَط نَحْو الْأَحَد وَعِشْرُونَ رجلا وَاخْتَارَهُ الأبذي تَشْبِيها بالمركب ورده أَبُو حَيَّان بِالْفرقِ فَإِن المتعاطفين كل مِنْهُمَا مُعرب فَلَيْسَ الثَّانِي من الأول كالاسم الْوَاحِد (وَإِذا ميز) الْعدَد (بمذكر ومؤنث) فَالْحكم فِي التَّاء وحذفها (للسابق مَعَ الْإِضَافَة مُطلقًا) وجد الْعقل أم لَا اتَّصل أم لَا نَحْو عِنْدِي عشرَة أعبد وإماء وَعشرَة إِمَاء وأعبد وَعشرَة جمال ونوق وَعشر نُوق وجمال وَعشرَة بَين جمل وناقة وَعشر بَين نَاقَة وجمل وَالْحكم للسابق أَيْضا (مَعَ التَّرْكِيب بِشَرْط الِاتِّصَال وَعدم الْعقل) نَحْو عِنْدِي سِتَّة عشرَة جملا وناقة وست عشرَة نَاقَة (و) جملا (وَإِن فصل ببين) مَعَ عدم الْعقل (فللمؤنث) سبق أم لَا نَحْو سِتّ عشرَة بَين جمل وناقة أَو بَين نَاقَة وجمل وَوَجهه أَن الْمُذكر فِيمَا لَا يعقل كالمؤنث (وَإِن وجد الْعقل فللمذكر مُطلقًا) سبق أم لَا فصل ب (بَين) أم لَا نَحْو خَمْسَة عشر عبدا وَأمة أَو أمة وعبدا أَو بَين عبد وَأمة أَو بَين أمة وَعبد قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَو كَانَ عَاقل وَغَيره غلب الْعَاقِل قَالَ وَالْعدَد الْمَعْطُوف هَل هُوَ كالمركب ظَاهر كَلَام ابْن مَالك لَا وَابْن عُصْفُور نعم(3/260)
3 - مَسْأَلَة فِي اسْم الْفَاعِل
(الْمُشْتَقّ من الْعدَد يصاغ من اثْنَيْنِ) فَمَا فَوْقهمَا (إِلَى عشرَة وزن فَاعل) بِغَيْر تَاء من الْمُذكر وفاعلة (بِالتَّاءِ من الْمُؤَنَّث بِمَعْنى بعض مَا صِيغ مِنْهُ) وَلَا يتَصَوَّر ذَلِك فِي معنى الْوَاحِد لِأَن الْوَاحِد نَفسه هُوَ اسْم الْعدَد فَلَا أصل لَهُ يكون مصاغا مِنْهُ وَيسْتَعْمل (فَردا) كثان وثانية وثالث وثالثة إِلَى عَاشر وعاشرة (أَو مُضَافا لما) هُوَ مصوغ (مِنْهُ) كثاني اثْنَيْنِ وثالث ثَلَاثَة إِلَى عَاشر عشرَة (وَلَا ينصبه) أَي لَا ينصب هَذَا المصوغ أَصله الْمَأْخُوذ مِنْهُ (فِي الْأَصَح) وَعَلِيهِ الْجُمْهُور لِأَنَّهُ لَا فعل لَهُ لم يَقُولُوا ثلثت الثَّلَاثَة وَلَا ربعت الْأَرْبَعَة وَعمل اسْم الْفَاعِل فرع الْفِعْل وَالثَّانِي أَنه ينصبه وَعَلِيهِ الْأَخْفَش وَالْكسَائِيّ وثعلب وقطرب فَيُقَال ثَالِث ثَلَاثَة ورابع أَرْبَعَة على أَن مَعْنَاهُ متمم ثَلَاثَة وَأَرْبَعَة (وَثَالِثهَا) وَعَلِيهِ ابْن مَالك (ينصب ثَان فَقَط) دون ثَالِث فَمَا فَوْقه قَالَ لِأَن لَهُ فعلا سمع ثنيت الرجلَيْن إِذا كنت الثَّانِي مِنْهُمَا فَيُقَال ثَانِي اثْنَيْنِ وَلم يسمع مثل ذَلِك فِي الْبَوَاقِي (ويضاف غير عَاشر) أَي تَاسِع فَمَا دونه (إِلَى مركب مصدر بِمَا) هُوَ مصوغ مِنْهُ فَيُقَال تَاسِع تِسْعَة عشر وتاسعة تسع عشرَة وَهَذَا الْوَجْه أحسن مِمَّا يَأْتِي ويعرب اسْم الْفَاعِل لزوَال التَّرْكِيب إِذا كَانَ أَصله تَاسِع عشر تِسْعَة عشر قَالَ أَبُو حَيَّان وَقِيَاس من أجَاز الإعمال فِي ثَالِث ثَلَاثَة أَن يُجِيزهُ هُنَا على معنى متمم تِسْعَة عشر (أَو يعْطف عَلَيْهِ عشرُون وَإِخْوَته) فَيُقَال التَّاسِع وَالْعشْرُونَ والتاسعة وَالْعشْرُونَ وَكَذَا سائرها(3/261)
(أَو تركب مَعَ الْعشْرَة) تركيبها مَعَ النيف (مُقْتَصرا عَلَيْهِ غَالِبا) نَحْو التَّاسِع عشر والتاسعة عشرَة (أَو مُضَافا لمركب مُطَابق) مَعَ بَقَاء كل من جزئي اسْم الْفَاعِل وَالْعدَد الْمُضَاف إِلَيْهِ نَحْو تَاسِع عشر تِسْعَة عشر وتاسعة عشر تسع عشرَة (وَهُوَ الأَصْل) وأقلها اسْتِعْمَالا والأولان محذوفان مِنْهُ اختصارا وَهل حذف فِي الثَّانِي التَّرْكِيب الثَّانِي أَو صَدره وعجزه الأول قَولَانِ فعلى الثَّانِي يعرب الْجُزْء الأول لزوَال التَّرْكِيب دون الأول (وَمثله الْحَادِي فِي الزَّائِد على الْعشْرَة) فَيُقَال على الأول حادي أحد عشر وحادية إِحْدَى عشرَة وَالْحَادِي وَالْعشْرُونَ والحادية وَالْعشْرُونَ وعَلى الثَّانِي الْحَادِي عشر والحادية عشرَة وعَلى الثَّالِث حادي عشر أحد عشر وحادية عشر إِحْدَى عشرَة وحادي مقلوب وَاحِد جعلت فاؤه مَكَان لامه فَانْقَلَبت يَاء لكسر مَا قبلهَا وَحكى الْكسَائي وَاحِد عشر على الأَصْل (وَإِن قصد بِهِ) أَي بفاعل من المصوغ من اثْنَيْنِ إِلَى عشرَة (جعل الْأَسْفَل فِي رتبته) أَي رُتْبَة أَصله الَّذِي صِيغ مِنْهُ (عمل) لِأَن لَهُ فعلا حكى ثلثت الِاثْنَيْنِ وربعت الثَّلَاثَة فَيُقَال رَابِع ثَلَاثَة بِمَعْنى جاعلها أَرْبَعَة وثالث اثْنَيْنِ وَحكي ثَانِي وَاحِد وَحكم عمله كاسم الْفَاعِل من النصب أَو الْإِضَافَة إِذا كَانَ بِمَعْنى الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال وَوُجُوب الْإِضَافَة إِذا كَانَ بِمَعْنى الْمَاضِي وَفِي التَّنْزِيل {ثَلَاثَة رابعهم كلبهم} [الْكَهْف: 22] الْآيَة {ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} [المجادلة: 7] الْآيَة (وَلَا يُجَاوز الْعشْرَة فِي الْأَصَح) وَقيل يُجَاوز بِأَن يسْتَعْمل مَعَ التَّرْكِيب لَكِن بِشَرْط الْإِضَافَة وَعدم النصب فَيُقَال رَابِع ثَلَاثَة عشر بإعراب الأول ورابع عشر ثَلَاثَة عشر بِبِنَاء جُزْء كل وَإِضَافَة الْمركب الأول إِلَى الثَّانِي وَهُوَ الأَصْل وَلَا يجوز هُنَا الِاقْتِصَار على مركب وَاحِد لالتباسه وَهَذَا رَأْي سِيبَوَيْهٍ قَالَه قِيَاسا وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك وَالْجُمْهُور على خِلَافه لِأَنَّهُ لم يسمع وَجوز الْكسَائي بناءه من الْعُقُود وَحكي عَاشر عشْرين وقاس عَلَيْهِ الْأَخْفَش إِلَى التسعين فَيُقَال هَذَا الْجُزْء الثَّالِث ثَلَاثِينَ وأباه سِيبَوَيْهٍ وَالْفراء وَقَالا يُقَال هَذَا الْجُزْء الْعشْرُونَ زَاد غَيره أَو كَمَال الْعشْرين أَو تَمام الْعشْرين أَو الموفى عشْرين(3/262)
3 - التأريخ
أَي هَذَا مبحثه وَهُوَ عدد الْأَيَّام والليالي بِالنّظرِ إِلَى مَا مضى من السّنة والشهر وَمَا بَقِي وَفعله أرخ وورخ وَكَذَا يُقَال تَارِيخ وتوريخ (يؤرخ بالليالي) دون الْأَيَّام (لسبقها) لِأَن أول الشَّهْر ليل وَآخره يوموالليل أسبق من النَّهَار خلقا كَمَا قَالَه أخرجه ابْن أبي حَاتِم (وَإِن تَأَخَّرت لَيْلَة عَرفة) عَن يَوْمهَا (شرعا) فَذَاك بِالنِّسْبَةِ إِلَى الحكم وَهُوَ شروعية الْوُقُوف فِي هَذَا الْوَقْت الْمَخْصُوص (فَيُقَال أول) لَيْلَة من (الشَّهْر كتب لأوّل لَيْلَة مِنْهُ) أَو فِي أول لَيْلَة أَو (لغرته) أَو (لمهله) أَو (لمستهله) (ثمَّ) إِذا أرخت بعد مُضِيّ لَيْلَة يُقَال كتب لليلة خلت أَو مَضَت مِنْهُ , إِذا لأرخت بعد مضى لَيْلَتَيْنِ (فخلتا) أَي فَيُقَال لليلتين خلتا مِنْهُ (فخلون) أَي وَيُقَال بعد مُضِيّ ثَلَاث فَأكْثر لثلاث خلون مِنْهُ (وللعشر فخلت) أَي وَيُقَال بعد الْعشْر لإحدى عشرَة لَيْلَة خلت بِالتَّاءِ لِأَنَّهُ جمع كَثْرَة وَقد تقدم فِي الضَّمِير أَن الْأَحْسَن فِيهِ التَّاء وَفِي جمع الْقلَّة النُّون وَيجوز عَكسه وَإِذا أرخت يَوْم خَمْسَة عشر فَيُقَال كتب (لنصف من) شهر (كَذَا) وَهُوَ (أَجود من) أَن يُقَال (لخمس عشرَة) لَيْلَة (خلت) مِنْهُ (أَو بقيت) مِنْهُ الجائر أَيْضا (فلأربع عشرَة بقيت) يُقَال فِي السِّتَّة عشر مؤرخا بِالْقَلِيلِ عِنْد الْأَكْثَر وَيُقَال فِي الْعشْرين (لعشرين بَقينَ) وَكَذَا مَا بعده وَفِي التَّاسِع وَالْعِشْرين (لآخر لَيْلَة بقيت) وَفِي لَيْلَة الثَّلَاثِينَ (لآخر لَيْلَة) مِنْهُ (أَو(3/263)
لسلخه) أَو (لانسلاخه) وَفِي يَوْم الثَّلَاثِينَ (لآخر يَوْم) مِنْهُ (كَذَلِك) أَي لسلخه أَو لانسلاخه (وَقيل إِنَّمَا يؤرخ) فِي النّصْف الثَّانِي أَيْضا (بِمَا مضى) لِأَنَّهُ مُحَقّق وَمَا بَقِي غير مُحَقّق (وَيُقَال) كتبته (فِي الْعشْر الأول والأواخر لَا الْأَوَائِل والأخر)(3/264)
3 - الْحِكَايَة
أَي هَذَا مبحثها وَهِي إِيرَاد لفظ الْمُتَكَلّم على حسب مَا أوردهُ فِي الْكَلَام (يسْأَل بِأَيّ عَن مَذْكُور نكرَة) سَوَاء كَانَ عَاقِلا أم لَا وصلا أم وَقفا (فالأفصح) فِيهِ (مُطَابقَة المحكي إعرابا وتذكيرا وإفرادا وَغَيرهمَا) أَي تأنيثا وتثنية وجمعا فَيُقَال فِي حِكَايَة قَامَ رجل أَي وَفِي قَامَت امْرَأَة أَيَّة وَفِي قَامَ رجلَانِ أَيَّانَ وَفِي قَامَت امْرَأَتَانِ أيتان وَفِي قَامَ رجال أيون وَفِي قَامَت فتيات أيات وَفِي رَأَيْت رجلا أيا وَفِي مَرَرْت بِرَجُل أَي وَهَكَذَا وَيجوز ترك الْمُطَابقَة فِيمَا عد الْإِفْرَاد والتأنيث وَالْأول أَكثر فِي لِسَان الْعَرَب وَيسْأل عَن الْمَذْكُور النكرَة (بِمن وَقفا لَا وصلا خلافًا ليونس فَكَذَلِك) أَي فالأفصح الْمُطَابقَة فِيمَا ذكره (و) لَكِن (تشبع نونها فِي الْإِفْرَاد) فَيُقَال فِي قَامَ رجل منا وَفِي ضربت رجلا منو وَفِي مَرَرْت بِرَجُل مني (وتسكن) نونها (قبل تَاء التَّأْنِيث فِي التَّثْنِيَة غَالِبا) فَيُقَال منتان فِي الرّفْع ومنتين فِي النصب والجر وَقد تسكن قبلهَا فِي الْإِفْرَاد فَيُقَال منت بِسُكُون النُّون وَالْبَاقِي الرّفْع وَالنّصب والجر والفصيح مِنْهُ بِفَتْح النُّون وَإِسْكَان الْهَاء المبدلة من تَاء التَّأْنِيث وَقد يُحَرك قبلهَا فِي التَّثْنِيَة فَيُقَال منتان وَهُوَ الْقيَاس لِأَنَّهُ تَثْنِيَة مِنْهُ بِالتَّحْرِيكِ والتثنية فرغ الْإِفْرَاد وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بِقَوْلِي غَالِبا وَيُقَال فِي حِكَايَة التَّثْنِيَة وَالْإِعْرَاب منان ومنين وَفِي حِكَايَة الْجمع الْإِعْرَاب منون ومنين وَفِي حِكَايَة الْجمع والتأنيث منات(3/265)
وَيجوز أَيْضا ترك الْمُطَابقَة فَتَقول إِذا قيل قَامَ رجل أَو رجلَانِ أَو رجال منو وَفِي نصب ذَلِك منا وَفِي جَرّه مني وَكَذَلِكَ فِي الْمُؤَنَّث إفرادا وتثنية وجمعا وَهُوَ لُغَة لقوم من الْعَرَب وَكَأن هَؤُلَاءِ أَرَادوا أَن يحكوا إِعْرَاب الِاسْم فَقَط وَأَجَازَ يُونُس الْحِكَايَة بِمن فِي الْوَصْل وإلحاق الزِّيَادَات بهَا حِينَئِذٍ تَقول منو يَا فَتى وَمنا يَا هَذَا ومني يَا هِنْد وَلَا تنون ومنت يَا فَتى فِي الْأَحْوَال تُشِير إِلَى الْحَرَكَة وتنون ومنان ومنتان يَا فَتى فتكسر النُّون ومنون ومنين يَا فَتى فتفتح النُّون ومنات يَا فَتى فتضم التَّاء وتنون فِي الرّفْع وتكسر التَّاء وتنون نصبا وجرا وحكاها لُغَة لبَعض الْعَرَب ولشذوذها قَالَ لَا يصدق بِهَذِهِ اللُّغَة كل أحد (وَقيل الْحُرُوف الناشئة زِيَادَة) زيدت أَولا (فِي الْحِكَايَة) ولزمت عَنْهَا الحركات لَا إشباع للحركات فَنَشَأَتْ الْحُرُوف وتولدت عَنْهَا فحاصل الْقَوْلَيْنِ أَنه اخْتلف هَل الْحِكَايَة وَقعت بالحركات وتولدت عَنْهَا الْحُرُوف أَو بالحروف ولزمت عَنْهَا الحركات وَالْأول قَول السيرافي وَالثَّانِي قَول الْمبرد والفارسي (وَقيل) الْحُرُوف (بدل من التَّنْوِين) قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لِأَن الْإِبْدَال من التَّنْوِين رفعا وجرا لُغَة لبَعض الْعَرَب وَأما منو ومني فَكل الْعَرَب تَقوله (وَمثل بدل من لَام الْعَهْد) لِأَن النكرَة مَتى أُعِيدَت كَانَت بِاللَّامِ لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن الثَّانِي غير الأول (وَلَا يحْكى غَالِبا معرفَة) وشذ حِكَايَة الْمُضمر فِيمَا رُوِيَ من قَوْلهم مَعَ منين لمن قَالَ ذهب مَعَهم (خلافًا ليونس) حَيْثُ أجَاز حِكَايَة جَمِيع المعارف كالإشارة والمضاف (إِلَّا علم لم يتَيَقَّن نفي الِاشْتِرَاك فِيهِ) اسْما أَو كنية أَو لقبا فيحكى بِإِجْمَاع النُّحَاة على لُغَة الْحِجَازِيِّينَ (بِمن دون عاطف فَيقدر إعرابه كُله فِي الْأَصَح) كَقَوْلِك لمن قَالَ زيد من زيد وَلمن قَالَ رَأَيْت زيدا من زيدا وَلمن قَالَ مَرَرْت بزيد من زيد ف (من) فِي الْأَحْوَال الثَّلَاثَة مُبْتَدأ وَزيد خبر وحركات الْإِعْرَاب الثَّلَاثَة مقدرَة لِأَن حرفه مَشْغُول بحركة الْحِكَايَة(3/266)
وَذهب بَعضهم إِلَى أَن حركته فِي الرّفْع إِعْرَاب وَلَا تَقْدِير إِذْ لَا ضَرُورَة فِي تكلّف رَفعه مَعَ وجود أُخْرَى وَإِنَّمَا قيل بِهِ فِي النصب والجر للضَّرُورَة وَذهب الْفَارِسِي إِلَى أَن (من) فِي مثل ذَلِك مُبْتَدأ وخبرها جملَة محذوفة وَزيد بعض تِلْكَ الْجُمْلَة وَالتَّقْدِير من ذكرته زيدا وَمن مَرَرْت بِهِ زيد فَيكون بَدَلا من الضَّمِير الْمُقدر وَذهب بعض الْكُوفِيّين إِلَى أَن (من) مَحْمُولَة على عَامل مُضْمر يدل عَلَيْهِ الْعَامِل فِي الِاسْم المستفهم عَنهُ وَالْوَاقِع بعد من بدل مِنْهَا فَإِذا قيل ضربت زيدا فَقلت من زيدا فالتقدير من ضربت وزيدا بدل من (من) وَإِذا قيل مَرَرْت بزيد فَقلت من زيد فالتقدير بِمن مَرَرْت وَزيد بدل من من فَإِن اقترنت من بعاطف فَقلت وَمن زيد بطلت الْحِكَايَة وَتعين الرّفْع سَوَاء كَانَ زيد فِي كَلَام الْمُتَكَلّم مَنْصُوبًا أم مجرورا لزوَال اللّبْس وَلَو تَيَقّن نفي الِاشْتِرَاك فِي الْعلم لم يجز أَن يحْكى وَقد يتْرك الحجازيون حِكَايَة الْعلم مَعَ وجود شَرطه ويرفعون على كل حَال كلفة غَيرهم فَإِن بني تَمِيم لَا يجيزون الْحِكَايَة أصلا قَالَ أَبُو حَيَّان وَالْإِعْرَاب أَقيس من الْحِكَايَة لِأَنَّهَا لَا تتَصَوَّر إِلَّا بِخُرُوج الْخَبَر عَمَّا عهد فِيهِ من الرّفْع (ويحكى الْوَصْف الْمُعَرّف الْمَنْسُوب قَالَ سيبوبه ب (من) مُلْحقَة بأل وَالْيَاء) الْمُشَدّدَة (كالمني) لمن قَالَ مثلا قَامَ زيد الْقرشِي فَلم تفهم الْقرشِي فاستفهمت عَنهُ ويعرب إِذْ ذَاك وَيُؤَنث ويثنى وَيجمع بِالْوَاو وَالنُّون وبالألف وَالتَّاء وَتثبت هَذِه الزِّيَادَات فِي الْوَصْل وَالْوَقْف فَإِن فهمت الصّفة المنسوبة وَلم يفهم الْمَوْصُوف لم تحك بل تَقول من زيد الْقرشِي إِلَّا على لُغَة من يَحْكِي الْعلم المتبع وَذَلِكَ قَلِيل ثمَّ إِن سِيبَوَيْهٍ أطلق هَذَا الحكم وَلم يذكر خُصُوصا وَلَا عُمُوما (فعمم قوم ذَلِك) فِي الْعَاقِل وَغَيره وَفِي النّسَب إِلَى أَب أَو أم أَو قَبيلَة أَو بلد أَو صَنْعَة (وَخَصه الْمبرد بالعاقل وَحكى غَيره بالماي والماوي) لِأَن (مَا) لما لَا يعقل فَإِذا قيل رَأَيْت الْحمار الوحشي أَو الْمَكِّيّ تَقول الماي أَو الماوي(3/267)
قَالَ صَاحب الْبَسِيط وَفِي هَذَا نظر عِنْدِي لِأَن (مَا) لَا يَحْكِي بهَا فَيَنْبَغِي أَلا تدخل فِي هَذَا الْبَاب قَالَ وَكَانَ الأقيس أَن تدخل فِيهِ أَي لِأَنَّهَا لغير الْعَاقِل وَلها حَظّ فِي الْحِكَايَة فَيُقَال الأيوي ينْسب إِلَى أَي وَقَالَ غَيره الصَّحِيح أَن سِيبَوَيْهٍ أطلق القَوْل وَلم يسمع (الماي) وَلَا الماوي وَإِنَّمَا قَالَه من قَالَه بِالْقِيَاسِ (و) خصّه (السيرافي بِالنّسَبِ إِلَى الْأُم وَالْأَب والقبيلة) كالعلوي والفاطمي والقرشي قَالَ وَأما النّسَب إِلَى الْبَلَد كالمكي أَو الصَّنْعَة كالخياط فَلَا يُقَال فيهمَا الْمَنِيّ لِأَنَّهُ لم يسمع ذَلِك إِلَّا فِي النّسَب لغير الصَّنْعَة والبلد وَالْقِيَاس يَقْتَضِيهِ لِأَن الْقَصْد بالحكاية إِنَّمَا هُوَ الْمُحَافظَة على الِاسْم وهم إِنَّمَا يُحَافِظُونَ على النّسَب إِلَى الْأُم وَالْأَب والقبيلة لَا غير ذَلِك انْتهى (وَلَا يحْكى علم مُتبع بِغَيْر ابْن مُضَافا لعلم) سَوَاء أتبع بنعت أَو عطف بَيَان أَو بدل أَو تَأْكِيد بل يتَعَيَّن الْإِعْرَاب فِي جَمِيع ذَلِك فَإِذا قيل رَأَيْت زيدا الْفَاضِل أَو أَخا عَمْرو أَو نَفسه يُقَال من زيد الْفَاضِل أَو من زيد أَخُو عَمْرو أَو من زيد نَفسه فَإِن أتبع (بِابْن) مُضَاف إِلَى علم جَازَت الْحِكَايَة لِأَن التَّابِع مَعَ مَا جرى عَلَيْهِ قد جعلا كشيء وَاحِد فَيُقَال لمن قَالَ رَأَيْت زيد بن عَمْرو من زيد بن عَمْرو (وَقيل يحْكى الْوَصْف والموصوف مُطلقًا) قَالَه أَبُو عَليّ (وَفِي) حِكَايَة الْعلم (الْمَعْطُوف) وَالْعلم (الْمَعْطُوف عَلَيْهِ خلف) فَذهب يُونُس وَجَمَاعَة إِلَى أَن عطف أحد الاسمين على الآخر مُبْطل للحكاية وَمذهب آخَرين أَن الْعَطف لَا يُبْطِلهَا وَفرقُوا بَين الْعَطف وَسَائِر التوابع بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَان للمعطوف عَلَيْهِ بِخِلَافِهَا فَإِن فِيهَا بَيَانا للمتبوع فَيُقَال لمن قَالَ رَأَيْت زيدا وعمرا من زيدا وعمرا فَإِن كَانَ أحد المتعاطفين مِمَّا يحْكى وَالْآخر بِخِلَافِهِ بنيت على الْمُتَقَدّم مِنْهُمَا وأتبعته الآخر فِي الْحِكَايَة أَو إِبْطَالهَا فَيُقَال فِي رَأَيْت زيدا وَصَاحب عَمْرو من زيدا وَصَاحب عَمْرو وَفِي رَأَيْت صَاحب عَمْرو وزيدا من صَاحب عَمْرو وَزيد(3/268)
(وَرُبمَا حُكيَ الِاسْم دون سُؤال) كَقَوْلِه تَعَالَى {يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم} [الْأَنْبِيَاء: 6] فإبراهيم لَيْسَ بمسئول وَقد حُكيَ هَذَا اللَّفْظ لِأَنَّهُ كاسمه فحكي وأعرب وَجعل مَفْعُولا لم يسم فَاعله (ويحكى التَّمْيِيز بِمَاذَا) فَيُقَال لمن قَالَ (عِنْدِي عشرُون رجلا) (عنْدك عشرُون مَاذَا) قَالَه أَبُو حَيَّان (و) يحْكى (الْمُفْرد الْمَنْسُوب للفظه حكم أَو يجْرِي معربا) بِوُجُوه الْإِعْرَاب (اسْما للكلمة أَو للفظ) كَقَوْلِك فِي قَول الْقَائِل (ضربت زيدا) (زيدا مفعول) فتحكي الْكَلِمَة كَمَا نطق بهَا فِي كَلَامه أَو تَقول (زيد مفعول) بالإعراب والتذكير أَي هَذَا اللَّفْظ أَو زيد مفعولة بالإعراب والتأنيث أَي هَذِه الْكَلِمَة فَإِن لم يكن مِمَّا يقبل الْإِعْرَاب تعيّنت الْحِكَايَة كَقَوْلِك فِي قَامَ من فِي الدَّار من مَوْصُول وَفِي عجبت من زيد من حرف جر وَلَا يجوز من مَوْصُول وَلَا (من) حرف جر
3 - حِكَايَة المسمي بِهِ من مُتَضَمّن إِسْنَاد
(مَسْأَلَة) (يَحْكِي الْمُسَمّى بِهِ من مُتَضَمّن إِسْنَاد) كبرق نَحره وتأبط شرا و (قَامَ) نَاوِيا فِيهِ الضَّمِير (أَو عمل) رفعا أَو نصبا أَو جرا كقام أَبوهُ وضارب زيدا وَغُلَام زيد قَالَ فِي الارتشاف ويتأثر بالعوامل فَتَقول قَامَ قَائِم أَبوهُ وَرَأَيْت قَائِما أَبوهُ ومررت بقائم أَبوهُ ويتأثر فِي غُلَام زيد الأول وَالثَّانِي مجرور دَائِما (أَو إتباع) كَأَن يُسمى بِصفة أَو مَوْصُوف كَرجل عَاقل أَو بمعطوف ومعطوف عَلَيْهِ كزيد وَعَمْرو أَو نسق (بِحرف دون متبوع) كَأَن تسمي وَزيد أَو وزيدا أَو وَزيد فيحكى كَمَا تحكى الْجُمْلَة (أَو مركب حرف وَاسم) كيا زيد وَأَنت وبزيد وحيثما وَكَذَا وكأين وَهَذَا وَهَؤُلَاء (أَو) مركب حرف (وَفعل) كهلما إِذا لم يضمر فِيهِ ويضربون وضربوا فِي لُغَة أكلوني البراغيث(3/269)
(أَو) مركب (حرفين) كَأَنَّمَا وليتما (وَقيل يعرب) الْمركب من حرفين (إِن كَانَ أَحدهمَا زَائِدا لغير معنى) ك (عَن مَا) فِي {عَمَّا قَلِيل} [الْمُؤْمِنُونَ: 40] فَيقدر تَقْدِير اسْمَيْنِ ويتمم مِنْهُمَا مَا يحْتَاج إِلَى التَّمام كَمَا لَو سمي ب (مَا) من قَوْله {فبمَا نقضهم ميثاقهم} [النِّسَاء: 155] فَيُقَال على هَذَا بِي مَا بالإتمام (قيل) ويعرب (نَحْو قُمْت) أَيْضا مِمَّا اتَّصل بِهِ ضمير الْفَاعِل فَيُقَال هَذَا قُمْت وَرَأَيْت قمتا ومررت بقمت وَلَا يُضَاف شَيْء من هَذِه الْأَنْوَاع الْمُسَمّى بهَا ويحكى (وَلَا يصغر) لِأَنَّهَا إِمَّا جملَة وَإِمَّا شبه جملَة وَكَذَلِكَ لَا يثنى وَلَا يجمع (ويعرب غير ذَلِك) مِمَّا يُسمى بِهِ وَلَيْسَ من الْأَنْوَاع الْمَذْكُورَة (و) الْمُسَمّى بحرفين (يضعف ثَانِيهمَا أَو يرد مَا حذف) مِنْهُ إِن كَانَ محذوفا مِنْهُ (إِن كَانَ لينًا) نَحْو (لَو) و (كي) فَيرد آخرهما وَنَحْو (قل) و (بِعْ) و (خف) فَيُقَال قل وبع وخف بالتضعيف أَو قَول وَبيع و (خَافَ) بِالرَّدِّ (وَإِلَّا) بِأَن كَانَ حرفا صَحِيحا (فَلَا) يضعف كمن وَعَن بل يعربان ك (يَد) و (دم) (و) الْمُسَمّى (بِحرف) وَاحِد (لَيْسَ بعض كلمة إِن تحرّك كمل بِتَضْعِيف) حرف (مجانس حركته) كَأَن تسمى بِالتَّاءِ من ضربت وبالياء من بزيد وبالكاف من أكرمك فَتَقول (تو) و (بِي) و (كاء) (وَإِلَّا) بِأَن كَانَ سَاكِنا كَلَام التَّعْرِيف على رَأْي سِيبَوَيْهٍ فيكمل (بِهَمْزَة الْوَصْل) فَيُقَال قَامَ أل فَإِن كَانَ ألفا لَا يقبل التحرك لم تصح التَّسْمِيَة بهَا (أَو بَعْضًا) فَإِن سكن (فبالوصل أَو الْحَرْف) الَّذِي كَانَ قبله (أَبُو بِهِ يرد كل كلمة أَقْوَال) مِثَاله إِذا سميت بالراء من ضرب الْمصدر فَتَقول على الأول قَامَ أَو وعَلى الثَّانِي قَامَ ضرّ (وَإِلَّا) بِأَن تحرّك (فبالتضعيف) كَقَوْلِك فِي الضَّاد الْمَفْتُوحَة من ضرب ضاء والمكسورة من ضرب ضي والمضمومة من ضرب ضو (أَو بِالْفَاءِ إِن كَانَ(3/270)
عينا) كَقَوْلِك فِي الرَّاء من (ضرب) القفل إِذا سمي بِهِ قَامَ ضرّ (وَعَكسه) أَي بِالْعينِ إِذن كَانَ فَاء كَقَوْلِك فِي الضَّاد مِنْهُ قَامَ ضرّ أَيْضا (وَاللَّام بِأَحَدِهِمَا) إِمَّا بِالْفَاءِ أَو الْعين كَقَوْلِك فِي الْبَاء من ضرب ضَب أَو رب (أَو إِن كَانَ فعلا بِالْفَاءِ وَاللَّام) كَقَوْلِك فِي الضَّاد من ضرب ضَب (وَهِي) أَي اللَّام (بِغَيْر الْفَاء) إِمَّا الْفَاء أَو الْعين. . (أَو يرد كل الْكَلِمَة أَقْوَال وَمنع الْفراء التَّسْمِيَة بساكن مُطلقًا) لِأَنَّهُ لَا يُمكن الِابْتِدَاء بِهِ (و) منعهَا (بَعضهم إِن امْتنع تحريكه) كالألف (وَيجْعَل (فو) فَمَا) لِأَن الْعَرَب لما أفردته عَن الْإِضَافَة قَالُوا (فَم وَذُو) بِمَعْنى صَاحب (ذَوي) عِنْد سِيبَوَيْهٍ رد إِلَى أَصله عِنْده وَهُوَ ذَوي فقلبت الْيَاء ألفا (وذوو) عِنْد الْخَلِيل لِأَن أَصله عِنْده فَيُقَال قَامَ ذُو وَرَأَيْت ذَوا ومررت بذو (و) يرد همز (الْوَصْل فِي فعل قطعا) فَإِذا سميت بِنَحْوِ انْطلق قلت أَنطلق بِقطع الْهمزَة لقلَّة مَا جَاءَ من الْأَسْمَاء بِهَمْزَة الْوَصْل فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ بِخِلَافِهَا فِي الِاسْم نَحْو انطلاق فَلَا يقطع لِأَنَّهَا ثبتَتْ فِيهِ وَهُوَ اسْم لم يخرج عَن الاسمية (قيل أَو اسْم) أَيْضا وَعَلِيهِ ابْن الطراوة فَقَالَ تقطع الْهمزَة فِي انطلاق (و) يَجْعَل الْفِعْل (الْمَحْذُوف آخِره) كلم ترم وَلم يغز (أَو متلوه) أَي مَا قبل آخِره كلم يقم وَلم يبع (أَو لامه وفاؤه) نَحْو (ع) و (ف) (أَو) لامه (وعينه) نَحْو (ر) (مكملا) برد الْمَحْذُوف فَيُقَال فِي الْأَمْثِلَة قَامَ يَرْمِي ويغزو وَيقوم وَيبِيع ودع وَرَأَيْت وعيا ورأي كعصى (و) يَجْعَل (الفك للجزم وَالْوَقْف مدغما) فَإِذا سيمت بلم يردد أَو ارْدُدْ قلت جَاءَ يرد غير منصرف ورد منصرفا (و) يَجْعَل (هَاء السكت محذوفا) فَيُقَال فِي ارمه جَاءَ ارْمِ على حد جوَار (و) الْمُسَمّى (بجار فَوق حرف ومجرور الأجود إعرابه مُضَافا لمجروره) فَيُقَال فِي نَحْو من زيد جَاءَ من زيد وَرَأَيْت من زيد ومررت بِمن زيد (ومعطى مَا لَهُ مُسْتقِلّا) أَي يضعف إِن كَانَ آخِره لين فَيُقَال جَاءَ فِي زيد ويقابل الأجود(3/271)
أَنه يحْكى فَيُقَال جَاءَ من زيد (وَقيل يجب) الْإِعْرَاب وَالْإِضَافَة (فِي ثلاثي أَو ثنائي صَحِيح) كمنذ وَرب وَمن وَعَن وَلَا تجوز الْحِكَايَة (وَقيل) تجب (الْحِكَايَة فِي ثنائي معتل) ك (فِي) وَلَا يجوز الْإِعْرَاب (و) الْمُسَمّى بجار ومجرور وَالْجَار (حرف) وَاحِد (يحْكى وجوبا عِنْد الْجُمْهُور) وَأَجَازَ الْمبرد والزجاج إعرابهما ويكمل الأول كَمَا لَو سمي بِهِ مُسْتقِلّا فَيُقَال فِي (بزيد) جَاءَ بِي زيد (و) الْمُسَمّى (بِالَّذِي وفروعه إِن قُلْنَا أل معرفَة حذفت) فَيُقَال جَاءَ لذ ولت (وَإِلَّا) بِأَن قُلْنَا زَائِدَة وتعريفها بالصلة (فَقَوْلَانِ) قيل تحذف وَقيل لَا (وَعَلَيْهِمَا تحذف الصِّلَة) إِذْ صَار علما فأغنى تَعْرِيف العلمية عَنْهَا (وَقيل) هَذَا إِذا لم يلحظ فِيهِ معنى الْوَصْف (وَإِن لحظ الْوَصْف بقيا) أَي أل والصلة (وَيجْعَل الْيَاء) من الَّذِي وَنَحْوه (حرف إِعْرَاب) فَيُقَال جَاءَ الَّذِي وَرَأَيْت لذيا كَمَا يعرب عر وسح (مَا لم يحذف) قبل التَّسْمِيَة ثمَّ يُسمى بِهِ كَمَا سمي باللذ لُغَة فِي الَّذِي (فمثلوها) وَهُوَ الذَّال حِينَئِذٍ يَجْعَل حرف الإعرب فَيُقَال جَاءَ لذ وَرَأَيْت لذاً (وَأَسْمَاء الْحُرُوف) ألف بَاء تَاء ثاء إِلَى آخرهَا (وقف) كَمَا جَاءَت فِي الْقُرْآن {الم} [الْبَقَرَة: 1 وَغَيرهَا] (إِلَّا مَعَ عَامل فالأجود) حِينَئِذٍ فِيهَا (الإعرب وَمد الْمَقْصُور) مِنْهَا نَحْو كتبت بَاء تَاء وَيجوز فِيهَا الْحِكَايَة كحالها بِلَا عَامل نَحْو كتبت بَاء وتاء وجيم وَجَاء وَيجوز ترك الْمَدّ ثَان يعرب مَقْصُورا منونا نَحْو كتبت با (كالتعاطف) أَي كَمَا إِذا تعاطفت فَإِن الأجود فِيهَا أَيْضا الْإِعْرَاب وَالْمدّ وَإِن لم يكن عَامل تَقول جِيم وكاف وباء كَمَا تَقول وَاحِد وَاثْنَانِ وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة(3/272)
الضرائر
أَي هَذَا مَبْحَث الْأُمُور الَّتِي تجوز لضَرُورَة الشّعْر وَلَا تجوز فِي غَيره (يجوز للشاعر) أَن يرتكب (مَا لَا يجوز فِي الِاخْتِيَار قَالَ ابْن مَالك إِن لم يجد عِنْد مندوحه بِأَن لم يُمكنهُ الْإِتْيَان بِعِبَارَة أُخْرَى) (وَجوزهُ ابْن جني وَابْن عُصْفُور وَأَبُو حَيَّان وَابْن هِشَام مُطلقًا) أَي وَإِن لم يضْطَر إِلَيْهِ لِأَنَّهُ مَوضِع ألفت فِيهِ الضرائر بِدَلِيل: 1695 -
(كم بجُودٍ مُقَرفٍ نَالَ العُلا ... )
فصل بَين كم ومدخولها بالجار وَالْمَجْرُور وَذَلِكَ لَا يجوز إِلَّا فِي الشّعْر وَلم يضْطَر إِلَى ذَلِك إِذْ قد يَزُول الْفَصْل بَينهمَا بِرَفْع (مقرف) أَو نَصبه قَالَ أَبُو حَيَّان فِي شرح التسهيل لَا يَعْنِي النحويون بِالضَّرُورَةِ أَنه لَا مندوحة عَن النُّطْق بِهَذَا اللَّفْظ وَإِلَّا كَانَ لَا تُوجد ضَرُورَة لِأَنَّهُ مَا من لفظ أَو ضَرُورَة إِلَّا وَيُمكن إِزَالَتهَا ونظم تركيب آخر غير ذَلِك التَّرْكِيب وَإِنَّمَا يعنون بِالضَّرُورَةِ أَن ذَلِك من تراكيبهم الْوَاقِعَة فِي الشّعْر المختصة بِهِ وَلَا يَقع ذَلِك فِي كَلَامهم النثر وَإِنَّمَا يستعملون ذَلِك فِي الشّعْر خَاصَّة دون الْكَلَام انْتهى (وذمه ابْن فَارس مُطلقًا) فَقَالَ مَا رَأينَا أَمِيرا أَو ذَا شَوْكَة أكْرم شَاعِرًا على ارْتِكَاب ضَرُورَة فإمَّا أَن يَأْتِي بِشعر سَالم أَو لَا يعْمل شَيْئا (نعم لَا يخرج عَن الفصاحة إِلَّا مَا استوحش وفَاقا لحازم) الأندلسي وَعبارَته فِي (الْمِنْهَاج) الضرائر السائقة فِيهَا المستقبح وَغَيره وَهُوَ مَا لَا تستوحش فِيهِ النَّفس كصرف مَا لَا ينْصَرف(3/273)
وَقد تستوحش مِنْهُ النَّفس كالأسماء المعدولة وَأَشد وتنوين (أفعل من) وَمِمَّا لَا يستقبح قصر الْجمع الْمَمْدُود وَمد الْجمع الْمَقْصُور ويستقبح مِنْهُ مَا أدّى إِلَى التناس جمع بِجمع كرد مطاعم إِلَى مطاعيم أَو عَكسه فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى التباس مطعم بمطعام وأقبح الضرائر الزِّيَادَة المؤدية إِلَى مَا لَيْسَ أصلا فِي كَلَامهم كَقَوْلِه 1696 -
(من حَيْثُمَا نظرُوا أدنوا فأنظور ... )
أَي أنظر إِلَى مَا يقل فِي الْكَلَام كَقَوْلِه 1697 - ... طأطأت شيمالي ... )
أَي شمَالي وَالنَّقْص المجحف كَقَوْلِه 1698 -
(درسَ المَنا بمُتالع فأبان ... )(3/274)
أَي الْمنَازل والعدول عَن صِيغَة لأخرى كَقَوْلِه 1699 -
(جدلاء محكمَة من نَسْج سلاَّم ... )
أَي سُلَيْمَان انْتهى قَالَ فِي (عروس الأفراح) وَهَذَا تَفْصِيل حسن يَنْبَغِي اعْتِبَاره قَالَ وَقد أطلق الخفاجي أَن صرف غير المنصرف وَعَكسه فِي الضَّرُورَة مخل بالفصاحة فتلخص من ذَلِك قَولَانِ (وَهِي كَثِيرَة جدا) حَتَّى أفردها ابْن عُصْفُور بمؤلف (وغالبها مفرق فِي أَبْوَاب) وَمِنْهَا نقل حَرَكَة وحرف لغير مَحَله كَقَوْلِه 1700 -
(قد كَانَ شَيْبَانُ شَدِيداً وهَصُهْ ... حَتَّى أَتَاهُ قِرْنهُ فَوقَصُهْ)(3/275)
نقل ضمة الْهَاء إِلَى الصَّاد كَقَوْلِه 1701 -
(تكَاد أواليها تفرِّي جُلودَها ... )
أَي أوائلها (وَحذف تَنْوِين) كَقَوْلِه 1702 -
(وَقل بشاشَة الوجهُ المليحُ ... )
أَي بشاشة بِالنّصب على أَنه تَمْيِيز نِسْبَة وَالْوَجْه فَاعل قل (و) حذف (نون شتان) كَقَوْلِه 1703 -
(أُرِيد صلاحَها وتريد قَتْلِي ... وشَتّا بَيْن قَتْلِي والصّلاح)
(و) حذف (نون لَكِن) كَقَوْلِه 1704 -
(فلست بآتية وَلَا أسْتطِيعُه ... ولاكِ اسْقِني إِن كَانَ ماؤُك ذَا فَضْل)(3/276)
(و) نون (لم يكن قبل سَاكن) كَقَوْلِه 1705 -
(لم يَكُ الْحقَّ على أَن هاجه ... رسمُ دَار قد تَعفّت بالطّللْ)
(و) حذف (مَا) النافية (وَلَا النافية حَيْثُ لَا تجوز) بِأَن لم تكن إِلَّا فِي مضارع جَوَاب قسم كَقَوْلِه 1706 -
(لعَمْرُ أبي دّهْماء زالتْ عزيزةً ... على قَومهَا مَا فَتّل الزَّنْد قادِحُ)
أَي مَا زَالَت وَقَوله 1707 -
(رَأَيْتُك يَا ابْنَ الحارثيّة كالّتي ... صناعَتها أبقت وَلَا الوَهْيَ تَرْقعُ)
أَي لَا صناعتها (و) حذف (همز مئين) كَقَوْلِه 1708 -
(وَذَلِكَ أنّ ألفَكُم قلِيلٌ ... لواحِدنا أجَلْ أَيْضا ومِينُ)
أَي مئين (و) حذف (كَانَ بِلَا عوض) عَنْهَا مِمَّا بعد أَن وَنَحْوهَا كَقَوْلِه 1709 -
(أزْمانَ قومِي وَالْجَمَاعَة ... )
أَي أزمان كَانَ قومِي (وَقصر الْمَمْدُود) كَقَوْلِه 1710 -
(لابدّ من صَنعَا وَإِن طَال السّفرْ ... )(3/277)
وَقَالَ الْكسَائي فِي (النصب فَقَط) قَالَ لَا تكَاد الْعَرَب تقصر ممدودا فِي رفع وَلَا جر ورد بِمَا تقدم وَبِقَوْلِهِ 1711 -
(وأهْلُ الوَفا مِن حادِثٍ وقديم ... )
(و) قَالَ (الْفراء إِن جَازَ مَجِيئه مَقْصُورا) فِي بَابه كالهواء بِخِلَاف مَا لَهُ قِيَاس يُوجب مُدَّة كفعلاء أفعل فَلَا يجوز قصره ورد بقوله 1712 -
(صَفرا كلوْن الفرَس الأشْقر ... )
(وَاسْتثنى ابْن هِشَام) فِيمَا رَأَيْته بِخَطِّهِ فِي حَوَاشِي (شرح الألفية) لِابْنِ النَّاظِم (نَحْو سَوَاء) قَالَ لأَنهم قَالُوا فِيهِ سوى بِالضَّمِّ وَالْكَسْر مَعَ الْقصر فيهمَا وَحَيْثُ فتحُوا مدوا لَا غير فَلَيْسَ لَك أَن تفتح وتقصر للضَّرُورَة لِأَن لَك عَن ذَلِك مندوحة بِأَن تضم أَو تكسر فَلَا يَقع لَك تجوز فِي الْكَلِمَة وخروجها عَن أَصْلهَا وَغَيره لم يسْتَثْن ذَلِك لاشتراطه أَلا يجد مندوحة وَهُوَ مَفْقُود هُنَا (وَعَكسه) أَي مد الْمَقْصُور كَقَوْلِه 1713 -
(يَا لَك من تَمْر ومِنْ شِيْشَاء ... يَنْشَبُ فِي المسْعَل واللهاء)(3/278)
(خلافًا لأكْثر البصرية) فِي قَوْلهم بِالْمَنْعِ (مُطلقًا وللفراء فِي اشْتِرَاط أَن يكون لَهُ قِيَاس يُوجب مده) ليَكُون رُجُوعا إِلَيْهِ بِخِلَاف مَا يُوجب الْقيَاس قصر كفعلى فعلان فَلَا يجوز مده (وإبدال حَرَكَة أَو حرف من) حَرَكَة أُخْرَى أَو حرف (آخر) فَالْأول كإبدال كسرة نون الْمثنى بفتحة أَو ضمة وفتحة الْجمع بكسرة وَالثَّانِي (كالياء من آخر ثَالِث وخامس وسادس وأرانب وضفادع وتقضض) فِي قَوْله 1714 -
(قد مرّ يَوْمَانِ وهَذا الثالِي ... وأنْت بالهجْران لَا تبالي)
وَقَوله 1715 -
(وعام حَلتْ وَهَذَا التابعُ الخامِي ... )
وَقَوله 1716 -
(فزوجُك خامِسٌ وأبوكِ سَادي ... )
وَقَوله 1717 -
(من الثعالِي ووَخر من أرانيها ... )(3/279)
وَقَوله 1718 -
(ولضِفادِي جَمِّهِ نقانِقُ ... )
وَقَوله 1719 -
(تقضي الْبَازِي إِذا الْبَازِي كسَرْ ... )
وكإبدال (الْجِيم من يَا حجتي) فِي قَوْله 1720 -
(يَا رَبِّ إِن كُنْتَ قَبلْتَ حَجّتِجْ ... )
(و) كإبدال (هَاء من ألف مَا وَهنا) فِي قَوْله 1721 -
(من بَعْدِ مَا وبَعْدِ مَا وَبعد مَتْ ... )
وَقَوله 1722 -
(من هَهُنا وَمن هُنهْ)
(وحركة عين سَاكِنة) فِي اسْم أَو فعل كَقَوْلِه(3/280)
1723 -
(ضَرْبًا أَلِيمًا بسِبْتٍ يَلْعج الجلِدَا ... )
وَقَوله: 1724 -
(مذ سنة وخمِسون عَدَدَا ... )
(وَزِيَادَة حرف إشباعا) أَو غَيره كَقَوْلِه: 1725 -
(أقِلى اللوم عاذِلَ والعِتابَا ... )
وَقَوله: 1726 -
(كأنّك فِينَا يَا أبات غريبُ ... )
وَقَوله: 1727 -
(تَقَطّعتْ فِي دُونِك الأسبابُ ... )(3/281)
أَي تقطعت (وَإِثْبَات النُّون فِي الْإِضَافَة) كَقَوْلِه: 1728 -
(هم القائِلونَ الخَيْرَ والآمِرونه ... )
(وَفك المدغم) كَقَوْلِه: 1729 -
(الْحَمد لله العليِّ الأجْلل ... )
(وَقطع) همزَة (الْوَصْل) كَقَوْلِه: 1730 -
(ولكّ اثْنَيْنِ إِلَى افْتِرَاق ... )
(وَتَشْديد المخفف) كَقَوْلِه: 1731 -
(وهُوَّ على من صَبّه الله عَلْقَمُ ... )
(وتأنيث الْمُذكر) كَقَوْلِه: 1732 -
(سَائِلْ بني أسَدٍ مَا هَذِه الصَّوْتُ ... )(3/282)
(وعكوسها) أَي سُكُون عين متحركة كَقَوْلِه: 1733 -
(أبي من تُرَابٍ خَلقهُ اللهُ آدَمُ ... )
وَقَوله: 1734 -
(ولكِنَّ نَظَراتٍ بعَيْن مَريضَةٍ ... )
وَنقص حرف كَقَوْلِه: 1735 -
(وأخو الغوان مَتى يَشَأ يَصْرمْنَهُ ... )
وَقَوله: 1736 -
(والبَكَراتِ الفُسَّج العَطامسَا ... )
والعطاميس جَمِيع عيطموس وَقَوله: 1737 -
(أوالفا مكّة من وُرْق الحَمَا ... )
أَي الْحمام وَزَوَال النُّون فِي غير الْإِضَافَة كَقَوْلِه: 1738 -
(وهم مُتكنَفو البَلد الحرامَا ... )(3/283)
وإدغام مَا يسْتَحق الفك كَقَوْلِه ... وَوصل همزَة الْقطع كَقَوْلِه: 1739 -
(أبُوهمْ أبي والأمّهاتُ أمّهاتنا ... )
وَتَخْفِيف المشدد كَقَوْلِه: 1740 -
(رَهْطَ مَرْجُوم ورَهْطَ ابْن المُعَلْ ... )
أَي الْمُعَلَّى وتذكير الْمُؤَنَّث كَقَوْلِه: 1741 -
(لَو كَانَ مدحَة حَيّ مُنشِراً أحَدًا ... )
(وَزِيَادَة (من) فِي الْحِكَايَة وصلا) كَقَوْلِه: 1742 -
(أتَوْا نَارِي فَقلت مَنون أنتمْ ... )(3/284)
صفحة فارغة(3/285)
(و) زِيَادَة (هَاء السكت فِيهِ) أَي الْوَصْل كَقَوْلِه: 1743 -
(يَا مَرحَباهُ بِحِمَار ناجَيهْ ... )
وَقَوله: 1744 -
(فَقلت أيّا ربّاه أوّل سُؤْلتى ... )
(و) زِيَادَة (نون شَدِيدَة آخرا) كَقَوْلِه: 1745 -
(أُحِبُّ مِنْك مَوْضعَ الوْشْحُنِّ ... ومَوْضِعَ الْإِزَار والقَفَنِّ)
(و) زِيَادَة (لَام فِي مفعول تقدم فعله) كَقَوْلِه: 1746 -
(مُلْكا أَجَارَ لمُسْلِم ومُعاهدِ ... )(3/286)
(و) زِيَادَة (مَا بعد كَمَا) كَقَوْلِه: 1747 -
(كَمَا مَا امْرُؤٌ فِي معشر غير قَوْمه ... ضَعيفٌ الْكَلَام شَخْصُهُ مُتضَائِلُ)
(و) زِيَادَة مَا بعد (اللَّهُمَّ) كَقَوْلِه: 1748 -
(وَمَا عَلَيْك أنْ تَقُولِي كُلّما ... سَبّحْتِ أَو هَلْلْتِ يَا اللَّهُمَّ مَا)
(و) زِيَادَة مَا (ابْتِدَاء) كَقَوْلِه: 1749 -
(مَا مَعَ انّبكَ يَوْمَ الورْد ذُو جزر ... ضَخْمُ الدسِيعة بالسّلْميْن وكّارُ)
(و) زيادتها (بَين الْبَدَل ومتبوعه وَالْفِعْل ومرفوعه) كَقَوْلِه: 1750 -
(وكأنّهُ لَهقُ السّراة كأنّهُ ... مَا حاجبَيْهِ مُعَيّنٌ بسواد)
وَقَوله: 1751 -
(ضُرِّجَ مَا أنْفُ خَاطبٍ بدَم ... )(3/287)
(و) زِيَادَة (الْجَار على) جَار (مثله) لفظا كَقَوْلِه: 1752 -
(وَلَا لِلما بهم أبدا دواءُ ... )
أَو تَعديَة كَقَوْلِه: 1753 -
(فأصْبحْنَ لَا يَسْألنهُ عنْ بِمَا بِهِ ... )
(و) زِيَادَة (النَّافِي) كَقَوْلِه: 1754 -
(وَمَا إنْ لَا تحَاك لهمْ ثِيَابُ ... )
وَقَوله: 1755 -
(إِلَّا الأواري لأيَا مَا أَبَيِّنَهَا ... )
زَاد (إِن) و (لَا) و (إِن) و (مَا) (و) زِيَادَة (لفظ اسْم) كَقَوْلِه: 1756 -
(إِلَى الحوْل ثمّ اسْمُ السّلام عَليْكما ... )
(وكل مَا وضعناه) فِي هَذَا الْكتاب فِيمَا تقدم أَو يَأْتِي (بالندور أَو الشذوذ أَو الْمَنْع اخْتِيَارا أَو) الْمَنْع (فِي السعَة) فَهُوَ من ضرائر الشّعْر (وقلب الْإِعْرَاب) قيل (يجوز فِيهَا) أَي الضَّرُورَة (مُطلقًا وَقيل) يجوز فِيهَا (بشر تضمين الْعَامِل) معنى يَصح بِهِ (وَقيل يجوز فِي الْكَلَام أَيْضا) اتساعا واتكالا على فهم الْمَعْنى (أما إِبْدَال اسْم بمناسبة اشتقاقا كسلام من سُلَيْمَان) فِي قَوْله:(3/288)
1757 -
(محكمةٌ من نَسْج سَلاّم ... )
أَو غَيره نَحْو: 1758 -
(والشّيْخَ عثمانٌ أَبُو عفّانا ... )
أَي ابْن عَفَّان أَبُو عَمْرو (فَمَمْنُوع) لَا يجوز فِي الشّعْر وَلَا فِي غَيره (وَاسْتحْسن أهل البديع بعض مَا سَمَّاهُ النُّحَاة ضَرُورَة كحذف مَعْمُول الجوازم) وَالْجَار والمستثنى (الْمُسَمّى) عِنْد أهل البديع (بالاكفتاء) ونظم فِيهِ الباخرزي: 1759 -
(عليَّ نحت القوافي ... وَمَا عَليَّ إِذا لَمْ)
(فَإِن اشْتَمَل) الْكَلَام (على تورية تصرفه عَنهُ) أَي عَن الِاكْتِفَاء) (فَأحْسن) وَأحلى كَقَوْلِه ... .(3/289)
خَاتِمَة (الْمُخْتَار وفَاقا للأخفش) وَخِلَافًا لأبي حَيَّان وَغَيره (جَوَازه) أَي مَا جَازَ فِي الضَّرُورَة فِي النثر (للتناسب والسجع) نَحْو قَوْله
فِيمَا رَوَاهُ الْحَاكِم وَغَيره (اللَّهُمَّ رب السَّمَوَات) السَّبع (وَمَا أظللن) وَرب الْأَرْضين السَّبع وَمَا أقللن (و) رب الشَّيَاطِين وَمَا أضللن وَكَانَ الْقيَاس أَضَلُّوا فَأتى بضمير مؤنث لمناسبته أظللن وأقللن وَقَوله فِي حَدِيث الْمَوَاقِيت فِي الصَّحِيح (هن لَهُنَّ) وَالْقِيَاس (لَهُم) بعوده على أهل الْمَدِينَة وَمن ذكر مَعَهم وَقَوله فِيمَا رَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده وَغَيره (أنْفق بِلَالًا وَلَا تخش من ذِي الْعَرْش إقلالا) نون الْمُنَادِي الْمعرفَة ونصبه لمناسبة إقلالا وَقَوله للنِّسَاء حِين رجعن من الْجِنَازَة فِيمَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَغَيره (ارْجِعْنَ مَأْزُورَات غير مَأْجُورَات) وَالْقِيَاس موزورات بِالْوَاو وَقَوله فِيمَا رَوَاهُ (كل مَا أصميت) أَي مَا رميت من الصَّيْد فَقتلته وَأَنت ترَاهُ (ودع مَا أنميت) أَي مَا رميته فَغَاب عَنْك ثمَّ مَاتَ وَالْقِيَاس ... . وَقَوله فِيمَا رَوَاهُ الْبَزَّار (أيتكن صَاحِبَة الْجمل الأدبب تنبحها كلاب الحوأب) وَالْقِيَاس الْأَدَب بِالْإِدْغَامِ وَقَوله فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ (أُعِيذكُمَا بِكَلِمَات الله التَّامَّة) (من كل شَيْطَان وَهَامة) أَي حَنش مخوف (و) من (كل عين(3/290)
لَامة) أَي تصيب بِسوء وَالْقِيَاس (ملمة) ونظائر ذَلِك فِي الحَدِيث وَالْكَلَام الصَّحِيح كثير لَا يُمكن استيعابه وَمِمَّا اسْتدلَّ بِهِ لذَلِك قَوْله تَعَالَى {وتظنون بِاللَّه الظنونا} [الْأَحْزَاب: 10] {فأضلونا السبيلا} [الْأَحْزَاب: 67] بِزِيَادَة ألف لتوافق الفواصل(3/291)
صفحة فارغة(3/292)
1 - الْكتاب السَّادِس فِي الْأَبْنِيَة
أبنية الِاسْم
أبنية الْفِعْل
الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول
صيغتا التَّعَجُّب وأفعل التَّفْضِيل
بِنَاء الْمصدر
بِنَاء الصِّفَات
التَّأْنِيث
الْمَقْصُور والممدود
جمع التكسير
جموع الْقلَّة
جموع الْكَثْرَة
التصغير
الْمَنْسُوب
التقاء الساكنين
الإمالة
الْوَقْف(3/293)
صفحة فارغة(3/294)
1 - الْكتاب السَّادِس فِي الْأَبْنِيَة
للأسماء وَالْأَفْعَال قَالَ ابْن الْحَاجِب وَهِي إِمَّا للْحَاجة المعنوية بِأَن يتَوَقَّف عَلَيْهَا فهم الْمَعْنى كالماضي والمضارع وَالْأَمر والمصدر وَأَسْمَاء الزَّمَان وَالْمَكَان والآلة وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَالصّفة المشبهة وأفعل التَّفْضِيل والتأنيث وَالْجمع والمصغر والمنسوب أَو اللفظية بِأَن توقف عَلَيْهَا التَّلَفُّظ بِاللَّفْظِ وَذَلِكَ كالابتداء وَالْوَقْف أَو للتوسع كالمقصور والممدود أَو لمجانسة كالإمالة
3 - أبنية الِاسْم
وبدأت بأوزان أبنية الِاسْم وبالمجرد مِنْهَا لِأَن كلا مِنْهُمَا أصل بِخِلَاف مُقَابلَة وبالثلاثي لِأَنَّهُ أَكثر لخفته وَلذَا أكثرت أبنيته فَقلت
3 - الْمُجَرّد الثلاثي
(الِاسْم الْمُجَرّد) من الزَّوَائِد (إِمَّا ثلاثي) وَله عشرَة أبنية وَمُقْتَضى الْقِسْمَة اثْنَا عشر لِأَنَّهُ إِمَّا مَفْتُوح الأول أَو مكسوره أَو مضومه مَعَ سُكُون الثَّانِي وفتحه وكسره وضمه وثلاثي فِي أَرْبَعَة بِاثْنَيْ عشر وَذَلِكَ (كفلس) فِي الِاسْم و (صَعب) و (بر) فِي الصّفة (وَفرس) وَحسن ويقق (وكتف) ودرد للَّذي سَقَطت أَسْنَانه وحذر (وعضد) وَحدث (وَحبر) وَحب (وعنب) قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَلم يَجِيء مِنْهُ فِي الصّفة إِلَّا قوم عدا واستدرك عَلَيْهِ {دينا قيمًا} [الْأَنْعَام: 161] وَلحم زيم أَي متفرق و {مَكَانا سوى} [طه: 58](3/295)
{طرائق قددا} [الْجِنّ: 11] وَمَاء صرى أَي طَال مكثه (وإبل) قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَلم يَجِيء غَيره واستدرك عَلَيْهِ إطل للخصير وبلص للبلوص وَلَا أَفعلهُ أبدا الإبد ووتد ومشط وإشر لُغَات وَفِي الصّفة امْرَأَة بلز أَي ضخمة وأتان إبد أَي ولود و (فعل) وحلو (وصرد) وجدد (وعنق) وشلل فَهَذِهِ عشرَة (وَسقط فعل) بِضَم أَوله وَكسر ثَانِيه (وَفعل) بِكَسْر أَوله وَضم ثَانِيه (استثقالا) لِاجْتِمَاع ثقلين إِذْ الضمة أثقل الحركات لتحرك الشفتين لَهَا وتليها الكسرة لتحرك الشّفة لَهَا بِخِلَاف الفتحة إِذْ لَا تحرّك مَعهَا والسكون إِذْ هُوَ عدم مَحْض وَلم يعْتَبر بِنَحْوِ الْعَضُد وَيضْرب لِأَن كسرة الأول وضمة الثَّانِي منتقلة وَلَا يضْرب لِأَنَّهُ صِيغَة عارضة وللاحتياج إِلَيْهَا فِي الْأَفْعَال بِخِلَاف الْأَسْمَاء وَمَا ورد فِيهَا من نَحْو دئل لدويبة ورئم للاست فشاذ و {الحبك} [الذاريات: 7] فَمن تدَاخل اللغتين أَعنِي ضمهَا وَكسرهَا ركب مِنْهُمَا الْقَارئ مَا قَرَأَ بِهِ كَذَا قَالَه ابْن(3/296)
جني قَالَ أَبُو حَيَّان وَالْأَحْسَن عِنْدِي أَن يكون مِمَّا تبع فِيهِ حَرَكَة الْحَاء لحركة تَاء {ذَات} [الذاريات: 7] فِي الْكسر وَلم يعْتد بِاللَّامِ الساكنة لِأَن السَّاكِن حاجز غير حُصَيْن
3 - الْمُجَرّد الرباعي
(أَو رباعي) وَله أوزان بِاتِّفَاق خَمْسَة وباختلاف أَكثر وَمُقْتَضى الْقِسْمَة أَن يكون ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين بِضَرْب اثْنَي عشر فِي أَرْبَعَة وَهِي أَحْوَال اللَّام الأولى لَكِن لم يَأْتِ مِنْهَا إِلَّا مَا يذكر إِمَّا للِاحْتِرَاز عَن التقاء الساكنين أَو لدفع الثّقل أَو توالي أَربع حركات فالمتفق عَلَيْهِ من أوزانه فعلل بِفَتْح الْفَاء وَاللَّام الأولى وَسُكُون الْعين (كجعفر) وَهُوَ النَّهر الصَّغِير (و) فعلل بكسرهما نَحْو (زبرج) بالزاي وَالْمُوَحَّدَة وَالرَّاء وَالْجِيم وَهُوَ الزِّينَة (و) فعلل بضمهما نَحْو (برثن) بِالْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاء والمثلثة وَالنُّون وَهُوَ مخلب الْأسد (و) فعلل بِالْكَسْرِ والسكون وَالْفَتْح نَحْو (دِرْهَم) وهجرع للمفرط الطول قَالَ الْأَصْمَعِي وَلَا ثَالِث لَهما واستدرك عَلَيْهِ زئبر وقلعم لجبل وللشيخ المسن وهبلع لمن لَا يعرف أَبَوَاهُ أَو أَحدهمَا (و) فعل بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح وَسُكُون اللَّام الأولى نَحْو (قمطر) بِالْقَافِ وَهُوَ وعَاء الْكتب (قَالَ الكوفية والأخفش وَابْن مَالك) (و) فعلل بِالضَّمِّ والسكون وَفتح اللَّام الأولى نَحْو (جحدب) بِالْجِيم والحاء الْمُهْملَة وَالْمُوَحَّدَة وَهُوَ نوع من الْجَرَاد وسيبويه رَوَاهُ بِضَم الدَّال فَهُوَ من بَاب برثن وخفف(3/297)
(و) قَالَ (قوم و) فعلل بِالضَّمِّ وَالْفَتْح وَسُكُون اللَّام الأولى نَحْو (خبعث) ودلمز للجمل وفتكر وَاحِد الفتكرين وَهِي الدَّوَاهِي (و) فعلل بِالْكَسْرِ والسكون وَضم اللَّام الأولى نَحْو (زعبر) وخرفع وَهُوَ الْقطن الْفَاسِد وضئبل وَهُوَ الداهية (و) فعلل بِالضَّمِّ والسكون وَكسر اللَّام (نَحْو حرمز) وفعلل بِفَتَحَات نَحْو دهنج لحجر (و) فعلل بِفتْحَتَيْنِ وَضم اللَّام نَحْو (عرتن) شجر (و) فعلل بِفتْحَتَيْنِ وَكسر اللَّام نَحْو (جندل) للمكان الْكثير الْحِجَارَة (و) فعلل بِالضَّمِّ وَالْفَتْح وَكسر اللَّام نَحْو (علبط) للرجل الضخم وَالْأَكْثَرُونَ لم يثبتوا هَذِه الأوزان لندور مَا ورد مِنْهَا خُصُوصا مَا توالى فِيهِ أَربع حركات وَهِي الْأَرْبَعَة الْأَخِيرَة فجعلوها فروعا عَن فعلل وفعلل وفعليل وفعالل فدهنج مثقل دهنج وعرتن مخفف عرنتن وجندل مخفف جنديل وعلبط مخفف علابط
3 - الْمُجَرّد الخماسي
(أَو خماسي) وَله أوزان بالِاتِّفَاقِ أَرْبَعَة وَزيد عَلَيْهَا مَا نذْكر وَمُقْتَضى الْقِسْمَة أَن تكون مائَة واثنين وَتِسْعين بِضَرْب ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين فِي الْأَحْوَال الْأَرْبَعَة للام الثَّانِيَة وَلم يرد سوى مَا ذكر لما تقدم فالمتفق عَلَيْهِ من أوزانه فعلل بِفَتَحَات مَعَ سُكُون اللَّام الأولى (كسفرجل) وفعلل بِالْكَسْرِ والسكون وَفتح اللَّام الأولى وَسُكُون الثَّانِيَة نَحْو (قرطعب) بِالْقَافِ وَهُوَ الشَّيْء الحقير (و) فعلل بِالْفَتْح والسكون وَفتح اللَّام الأولى وَكسر الثَّانِيَة نَحْو (جحمرش) بِالْحَاء وَالْجِيم آخِره مُعْجمَة وَهُوَ الْعَجُوز الْكَبِيرَة وَقيل الأفعى(3/298)
(و) فعلل بِالضَّمِّ وَالْفَتْح وَسُكُون اللَّام الأولى وَكسر الثَّانِيَة قذعمل بِالْقَافِ الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْأسد قَالَ أَبُو حَيَّان وفعلل بكسرات وَسُكُون اللَّام الأولى نَحْو (عقرطل) للفيلة (و) فعلل بضمات وَسُكُون اللَّام الأولى نَحْو (قرعطب) وفعلل بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح وَسُكُون اللَّام الأولى وَفتح الثَّانِيَة نَحْو (سبطر) للضخم كَذَا ذكرهَا مزيدة على التسهيل فِي شَرحه جَازِمًا بهَا (و) قَالَ (ابْن السراج و) فعللل بِالضَّمِّ والسكون وَفتح اللَّام الأولى وَكسر الثَّانِيَة نَحْو (هندلع) لبقلة مَعْرُوفَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يذكرهُ سِيبَوَيْهٍ وَالظَّاهِر أَنه مِمَّا زيد فِيهِ النُّون
3 - أبنية الْفِعْل
(وَالْفِعْل إِمَّا ثلاثي أَو رباعي) وَسَيَأْتِي أوزانهما وَلم يَأْتِ الِاسْم الْمُجَرّد على سِتَّة لِئَلَّا يُوهم التَّرْكِيب وَنقص عَنهُ الْفِعْل حرفا لثقله بِمَا يستدعيه من الْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَغَيرهمَا وَمَا يدل عَلَيْهِ من الْحَدث وَالزَّمَان وَلم يَأْتِ وَاحِد مهما على أقل من ثَلَاثَة لِأَنَّهَا أقل مَا يُمكن اعْتِبَاره إِذْ من عوارض الْكَلِمَة الِابْتِدَاء بهَا وَالْوَقْف عَلَيْهَا وَلَا ابْتِدَاء بساكن وَلَا وقف على متحرك فَوَجَبَ أَلا يكون حرفا وَاحِدًا وَإِلَّا لَكَانَ مُسْتَحقّا للسكون وَالْحَرَكَة مَعًا وَهُوَ محَال فَبَقيَ أَن يكون على حرفين حرف محرك للابتداء وحرف سَاكن للْوَقْف لكِنهمْ يكْرهُونَ اجْتِمَاع المتضادين ففصلوا بَينهمَا بِحرف وَعَن الْكُوفِيّين أَن أقل مَا يكون عَلَيْهِ الِاسْم حرفان (وَمَا عدا ذَلِك) الْمَذْكُور مِمَّا جَاءَ بخلافة (شَاذ) نَحْو دئل وطحربة (أَو شبه الْحَرْف) أَي مَبْنِيّ كَهُوَ وَذَا وَكم وَنَحْوهَا (أَو أعجمي) نَحْو نرجس وجربز (أَو مَحْذُوف) مِنْهُ كيد وَدم وَأب وَأَخ وبع و (ق) (أَو مزِيد) فِيهِ (وأبنيته كَثِيرَة) ستأتي (ومنتهاه) أَي الْمَزِيد (فِي ثلاثي الْفِعْل ثَلَاثَة) بِلَا زِيَادَة لِئَلَّا يزِيد على أُصُوله(3/299)
(و) فِي ثلاثي الِاسْم أَرْبَعَة وندر مَا زيد فِيهِ خَمْسَة وَهُوَ ثَلَاثَة أَلْفَاظ لَا رَابِع لَهَا (كذبذبان) بتَشْديد الذَّال الأولى وَأَصله فعلعلان (وبربيطياء) وَهُوَ ضرب من الثِّيَاب (وقرقيسياء) اسْم بلد وهما بِوَزْن فعفيلياء (و) الْمَزِيد فِي الِاسْم (الرباعي اثْنَتَانِ وَثَلَاثَة وَفِي الخماسي وَاحِد) فَيصير سِتَّة وَلَا تصل إِلَى سَبْعَة (ومغناطيس إِن صَحَّ) فِيهِ زِيَادَة حرفين فِي الخماسي فَهُوَ (نَادِر) لَا يُقَاس عَلَيْهِ وَلَا يتَجَاوَز الْمَزِيد ذَلِك أَي سَبْعَة أحرف فِي الِاسْم وَسِتَّة فِي الْفِعْل (إِلَّا بتاء تَأْنِيث) كقرعبلانة لدويبة عرضية أَصله قرعبل زيد فِيهِ ثَلَاثَة أحرف أَحدهَا التَّاء وكاستخرجت (أَو عَلامَة تَثْنِيَة وَنَحْوهَا) أَي جمع تَصْحِيح كَأَن يُسمى بعرطليل ثمَّ يثنى أَو يجمع بِالْوَاو وَالنُّون وَالْألف وَالتَّاء (أَو) عَلامَة (نسب) كخنفساوي (أَو) حرف (تَنْفِيس) نَحْو ستستخرج (أَو) نون (توكيد) نَحْو لأستخرجن (وأهمل) من الْمَزِيد (دون ندور فعويل) بِالْكَسْرِ وَمن النَّادِر سرويل (وفعولي) وَمن النَّادِر عدولي (وفعلال) بِالْفَتْح (غير مضعف) وَمن النَّادِر خزعال لظلع النَّاقة وقسطال للغبار وقشعام للعنكبوت وبغداد أما فعلال المضعف فكيثر نَحْو زلزال وقلقال ووسواس (وفعلال) بِالْكَسْرِ (مضعف الأول وَالثَّانِي) وَمن النَّادِر دئداء لآخر الشَّهْر (وفيعال) بِالْكَسْرِ (غير مصدرين) وَمن النَّادِر نَاقَة ميلاع أَي سريعة أما مصدر فكثير كقيتال وزلزال (وفوعال) بِالْفَتْح (وإفعله) بِالْكَسْرِ وَفتح الْعين (وفعلى) بِكَسْر (أوصافا) وَمن النَّادِر رجل هوهاة أَي أَحمَق وإمعة وَقِسْمَة ضيزى أَي جائرة وَأما أَسمَاء فكثير (كتوراب) وإنفحه وذكرى (وفيعل) بِكَسْر الْعين (فِي الصَّحِيح) وَمن النَّادِر بيئس وصيقل اسْم امْرَأَة أما فِي المعتل فكثير كسيد ولين(3/300)
(وفيعل) بِالْفَتْح (فِي المعتل دون ألف وَنون) وَمن النَّادِر (عين) أما فِي الصَّحِيح أَو مَعَ ألف وَنون فكثير كيوعد وييسر وعيزى وريمى وتيحان لكثير الْكَلَام العجول وهيبان للجبان
3 - الْمَاضِي الْمُجَرّد الرباعي
(مَسْأَلَة للماضي الرباعي) الْمُجَرّد (فعلل) لَا غير كدحرج وبدأت بِهِ خلاف بَدْء النَّاس بالثلاثي لِأَن الْكَلَام فِي ذَلِك يطول فأخرته وَإِنَّمَا لم يَجِيء على غير هَذَا الْوَزْن لِأَنَّهُ قد ثَبت أَن الأول لَا يكون مضموماً فِي البنانا للْفَاعِل وَلَا مكسوراً للثقل فَتعين الْفَتْح وَلَا يكون سَاكِنا وَأول الْمَاضِي لَا يكون آخِره إِلَّا مَفْتُوحًا لوضعه مَبْنِيا عَلَيْهِ وَلَا يكون مَا بَينهمَا متحركا كُله لِئَلَّا يتوالى أَربع حركات وَلَا مسكنا كُله لِئَلَّا يلتقي ساكنان وَلَا الثَّالِث لعروض سُكُون الرَّابِع عِنْد الْإِسْنَاد إِلَى الضَّمِير فَتعين أَن يسكن الثَّانِي
3 - الْمَاضِي الرباعي الْمَزِيد
(ولمزيده) ثَلَاثَة أوزان (تفعلل) كتدحرج (وافعنلل) كاحرنجم وَالْأَصْل حرجم (وافعلل) كاقشعر وَالْأَصْل قشعر (وَأنْكرهُ قوم) وَقَالُوا هُوَ مُلْحق باحرنجم لَا بِنَاء مقتضبا بِدَلِيل مَجِيء مصدره كمصدره (وَزيد افعلل) بتَشْديد اللَّام الأولى نَحْو اخرمس واجرمز قَالَ أَبُو حَيَّان وَيظْهر لي أَنه من مزِيد الثلاثي غير الملحق وَغير المماثل
3 - الْمَاضِي الثلاثي الْمُجَرّد
(وللثلاثي) الْمُجَرّد (فعل مثلث الْعين) أَي مفتوحها ومكسورها ومضمومها مَعَ فتح الْفَاء (فالمفتوح للغلبة) أَي غَلَبَة الْمُقَابل نَحْو كارمني فكرمته أَو الْغَلَبَة مُطلقًا نَحْو قهر وقسر (والنيابة عَن فعل) المضموم (فِي المضاعف) نَحْو جللت فَأَنت جليل (و) فِي(3/301)
(اليائي الْعين) نَحْو طَابَ فَهُوَ طيب وَأَصله أَن يكون على فعل (وللجمع) كحشر وحشد ويتصل بِهِ مَا دلّ على وصل كمرج ومشج (والإعطاء) كمنح وَنحل (والاستقرار) كسكن وقطن (وضدها) أَي الثَّلَاثَة وَهُوَ التَّفْرِيق كفصل وَقسم ويتصل بِهِ مَا دلّ على قطع كقصم أَو كسر كقصف أَو خرق كنقب وَالْمَنْع كحظل وحظر والتحول كرحل وَالسير كرمل وذمل (والإيذاء) كلسع ولدغ (والاصطلام) كنسج وردن (والتصويب) كصرخ وصهل وَيلْحق بِهِ مَا دلّ على قَول: كنطق وَوعظ (وَغير ذَلِك) كالدفع نَحْو دَرأ وردع والتحويل كقلب وَصرف والستر كخبأ وحجب والتجريد كسلخ وقشر وَالرَّمْي كقذف وَحذف (والمكسور للعلل) كَمَرَض (وَالْأَحْزَان) كحرن (وضدها) كبرئ ونشط وَفَرح (والألوان) كسود وشهب (والعيوب) كعور وعوج (والحلى) كجبه وَعين (والإغناء عَن فعل) المضموم (فِي يائي اللَّام) كحيي ووعى (ولمطاوعة فعل) كجدعه فجدع وثلمه فثلم وثرمة فثرم (ولزومه أَكثر) من تعديه فَإِن أَكثر الْأَفْعَال الَّتِي جَاءَت على فعل لَازِمَة استقراء (والمضموم للغرائز غَالِبا) ككرم ولؤم وَشعر وَفقه وَمن غير الْغَالِب كجنب ونجس (وَلم يرد يائي الْعين) اسْتغْنَاء عَنهُ بِفعل لاستثقال الضمة على الْيَاء نَحْو طَابَ يطيب بِخِلَاف الْوَاو قَالُوا طَال أَصله طول (إِلَّا هيؤ) الشَّيْء بِمَعْنى حسنت هَيئته فَإِنَّهُ جَاءَ مضموما وَهُوَ يائي الْعين شذوذا(3/302)
(وَلَا) يائي (اللَّام إِلَّا نهو) الرجل من النهية وَهِي الْعقل فَإِن أَصله نهى قلبت الْيَاء واوا لانضمام مَا قبلهَا وَذَلِكَ أَيْضا شَاذ وَورد واوي اللَّام نَحْو سرو الرجل
الثلاثي الْمَزِيد
أفعل
(أفعل) (وللمزيد) من الثلاثي (أفعل) وَهُوَ (للتعدية) كأخرجت زيدا (والصيرورة) كأغد الْبَعِير أَي صَار ذَا غُدَّة (وَالسَّلب) كأشكيته أَي أزلت شكايته (والتعريض) كأقتلت فلَانا إِذا عرضته للْقَتْل وأبعت الشَّيْء إِذا عرضته للْبيع (وَوُجُود الشَّيْء على صفته) كأحمدت فلَانا وأبخلته وأجبنته أَي وجدته متصفا بِالْحَمْد وَالْبخل والجبن (والإعانة) كأحلبت فلَانا وأرعيته أَي أعنته على الْحَلب والرعي (وَبِمَعْنى فعل) كأحزنه بِمَعْنى حزنه وأشغله بِمَعْنى شغله وأحبه بِمَعْنى حبه (ومطاوعته) ككببت الرجل فأكب وقشعت الرّيح السَّحَاب فأقشع (والإغناء عَنهُ) كأرقل وأعنق أَي سَار سيرا سَرِيعا وأذنب بِمَعْنى أَثم وَأقسم بِمَعْنى حلف
فعل
(وَفعل) وَهُوَ (للتعدية) نَحْو أدبت الصَّبِي (والتكثير) كفتحت الْأَبْوَاب وذبحت الْغنم (وَالسَّلب) كقردت الْبَعِير وحلمته أَي أزلت قراده وحلمه (والتوجه) كشرق وَغرب وغور وكوف وبصر أَي توجهه نَحْو الشرق والغرب والغور والكوفة وَالْبَصْرَة(3/303)
(واختصار الْحِكَايَة) كأمن وَهَلل وأيه وَسبح وسوف إِذا قَالَ آمين وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَيَا أَيهَا وَسُبْحَان الله وسوف (وَبِمَعْنى فعل) مخفف الْعين كَقدْر بِمَعْنى قدر وَبشر وميز بِمَعْنى بشر وماز
تفعل
(و) بِمَعْنى (تفعل) كولى بِمَعْنى تولى أَي أعرض وفكر بِمَعْنى تفكر ويمم بِمَعْنى تيَمّم (والإغناء عَنْهُمَا) كعرد فِي الْقِتَال أَي فر وعيره بالشَّيْء أَي أعابه وعول عَلَيْهِ أَي اعْتمد وكعجزت الْمَرْأَة صَارَت عجوزا
فَاعل
(وفاعل) وَهُوَ (للاشتراك) فِي الفاعلية والمفعولية كضارب زيد عمرا فَإِن كلا من زيد وَعَمْرو من جِهَة الْمَعْنى فَاعل ومفعول إِذْ فعل كل وَاحِد مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ مثل مَا فعل بِهِ الآخر (وَبِمَعْنى فعل) كجاوزت الشَّيْء وجزته وواعدت زيدا ووعدته (وَبِمَعْنى أفعل) كباعدت الشَّيْء وأبعدته وضاعفته وأضعفته (والإغناء عَنْهُمَا) كبارك الله فِيهِ أَي جعل فِيهِ الْبركَة وقاسى وبالى بِهِ أَي كابد وَأَكْثَرت بِهِ وكواريت الشَّيْء بِمَعْنى أخفيته
تفَاعل
(وتفاعل) وَهُوَ للمشاركة كتضارب زيد وَعَمْرو (والتجهيل) كتغافل وتجاهل وتباله وتمارض وتطارش (ومطاوعة فَاعل) كباعد فتباعد وضاعفت الْحساب فتضاعف (وَبِمَعْنى فعل) كتواني وونى وَتَعَالَى وَعلا (والإغناء عَنهُ) كتثاءب وتمارى(3/304)
(فَإِن تعدى هُوَ) أَي تفَاعل (أَو تفعل دون التَّاء لاثْنَيْنِ) أَي مفعولين (فمعها) أَي التَّاء يتَعَدَّى (لوَاحِد) كنازعته الحَدِيث وناسيته الْبغضَاء أَي تنازعنا الحَدِيث وتناسينا الْبغضَاء وعلمته الرماية فتعلمها وجنبته الشَّرّ فتجنبه (وَإِلَّا) بِأَن تعدى دونهَا لوَاحِد (لزم) مَعهَا كضارب زيد عمرا وتضارب زيد وَعَمْرو وأدبت الصَّبِي وتأدب الصَّبِي
تفعل
(وَتفعل) وَهُوَ (لمطاوعة فعل) ككسرته فتكسر وعلمته فتعلم (والتكلف) كتحلم وتصبر وتشجع إِذا تكلّف الْحلم وَالصَّبْر والشجاعة وَكَانَ غير مطبوع عَلَيْهَا (والاتخاذ) كتبنيت الصَّبِي اتخذته ابْنا وتوسدت التُّرَاب اتخذته وسَادَة (والتكوين بمهلة) كتفهم وتبصر وَتسمع وتعرف وتجرع وتحسى (والتجنب) كتأثم وتحرج وتهجد إِذا تجنب الْإِثْم والحرج والهجود (والصيرورة) تأيمت الْمَرْأَة وتحجر الطين وتجبن اللَّبن (وَبِمَعْنى استفعل) كتكبر وتعظم (و) بِمَعْنى (فعل) كتعدى الشَّيْء وعداه إِذا جاوزه وَتبين وَبَان (والإغناء عَنهُ) أَي عَن فعل كتلكم وتصدى
افتعل
(وافتعل) وَهُوَ (للاتخاذ) كاذبح واطبخ واشتوى أَي اتخذ ذَبِيحَة وطبخا وشواء (وَالتَّصَرُّف) ويعبر عَنهُ بالتسبب كاعتمل واكتسب إِذا تسبب فِي الْعَمَل وَالْكَسْب (وَالتَّصَرُّف) ويعبر عَنهُ بالتسبب كاعتمل واكتسب إِذا تسبب فِي الْعَمَل وَالْكَسْب(3/305)
(والمطاوعة) كأنصفته فانتصف وأشعلت النَّار فاشتعلت (والتخير) كانتخب وَاصْطفى وانتقى (وَبِمَعْنى تفَاعل) كاشتوروا وَتَشَاوَرُوا (وَتفعل) كابتسم وَتَبَسم (واستفعل) كاعتصم واستعصم (وَفعل) كاقتدر وَقدر (والإغناء عَنهُ) أَي عَن فعل كاستلم الْحجر والتحى الرجل قَالَ فِي الارتشاف وَأكْثر بِنَاء افتعل من الْمُتَعَدِّي
انفعل
(وانفعل) وَهُوَ (لمطاوعة فعل علاجا) نَحْو صرفته فَانْصَرف وقسمته فانقسم وسبكته فانسبك (وَلَا يبْنى) انفعل (من غَيره) أَي من غير مَا يدل على علاج من فعل ثلاثي فَلَا يُقَال عَرفته فانعرف وَلَا جهلته فانجهل وَلَا سمعته فانسمع وَكَذَا لَو دلّ على معالجة وَلم يكن ثلاثيا لَا يُقَال أحكمته فانحكم وَلَا أكملته فانكمل وشذ نَحْو فحمته فانفحم وأدخلته فاندخل (وَلَا) يَبْنِي (من لَازم خلافًا لأبي عَليّ) الْفَارِسِي فَإِنَّهُ زعم أَنه قد جَاءَ من لَازم نَحْو منهو ومنغو وَخرج على أَنه مُطَاوع أهويته وأغويته
استفعل
(واستفعل) وَهُوَ (للطلب) كاستغفر واستعان واستطعم أَي سَأَلَ الغفران والإعانة وَالْإِطْعَام (والتحول) كاستنسر البغاث أَي صَار نسرا واستحجر الطين (والاتخاذ) كاستعبد عبدا واستأجر أَجِيرا (والوجود) كاستعظمته إِذا وجدته عَظِيما(3/306)
(وَبِمَعْنى افتعل) كاستحصد الزَّرْع واحتصد (ومطاوعته) كأحكمه فاستحكم (و) بِمَعْنى (فعل) كاستغنى وأغنى (والإغناء عَنهُ) كاستحيا واستأثر
افْعَل
(وَافْعل) وَهُوَ (للألون) كاحمر واسود (والعيوب) كاحول (وَلَا يبْنى من مضاعف الْعين (فَلَا يُقَال فِي رجل أجم بالجسم أَي لَا رمح مَعَه فِي الْحَرْب اجمم لما فِيهِ من الثّقل (وَلَا من (معتل اللَّام) فَلَا يُقَال فِي رجل ألمي وَهُوَ الأسمر الشفتين المي (وتلي عينه ألف) نَحْو احمار واحوال (وَقيل) وَعَلِيهِ الْخَلِيل (هُوَ الأَصْل) وَافْعل مَقْصُور مِنْهُ وَاخْتَارَهُ ابْن عُصْفُور بِدَلِيل أَنه لَيْسَ شَيْء من افْعَل إِلَّا وَقَالَ فِيهِ افعال
افعوعل
(وافعوعل) وَهُوَ (للْمُبَالَغَة) اخشوشن الشَّيْء كثر خشونته واعشوشب الْمَكَان كثر عشبه (والصيرورة) كاحلولي الشَّيْء صَار حلوا واحقوقف الْجِسْم والهلال صَار كل مِنْهُمَا أحقف أَي منحنيا (وافعول وافعولل وافعيل) أبنية (نَوَادِر) كاجلوذ إِذا مضى وأسرع فِي السّير واعلوط الْبَعِير إِذا تعلق بعنقه وعلاه واخروط بهم السّير إِذا اشْتَدَّ وكاعثوجج الْبَعِير أسْرع واهبيخ الرجل تكبر (وَمَا عَداهَا) أَي الْأَبْنِيَة الْمَذْكُورَة(3/307)
(مُلْحق) وَذَلِكَ (فوعل) كحوقل الشَّيْخ كبر و (فعول) كجهور أَي رفع صَوته بالْقَوْل و (فعلل) ذُو الزِّيَادَة كجلبب و (فيعل) كبيطر و (فعيل) كعذيط أَي أحدث عِنْد الْجِمَاع وفعلى كسلقى الرجل إِذا أَلْقَاهُ على ظَهره
مَسْأَلَة
(مَا لَيْسَ فِيهِ) أَي فِي أُصُوله (حرف عِلّة صَحِيح) ثمَّ إِن سلم من التَّضْعِيف والهمزة فسالم أَيْضا (وَإِلَّا) فَلَا فَكل سَالم صَحِيح وَلَا عكس وَإِلَّا بِأَن كَانَ فاؤه أَو عينه أَو لامه حرف عِلّة (فَهُوَ معتل فبالفاء) يُقَال لَهُ (مِثَال) لِأَنَّهُ يماثل الصَّحِيح فِي صِحَّته (و) معتل (العني أجوف) لِأَن إعلاله فِي جَوْفه أَي وَسطه وَذُو الثَّلَاثَة لكَون ماضيه على ثَلَاثَة عِنْد الْإِسْنَاد إِلَى التَّاء فَهُوَ خَاص بِالْفِعْلِ (و) معتل (اللَّام مَنْقُوص) لنقصانه عَن قبُول بعض الْإِعْرَاب (وَذُو الْأَرْبَعَة) لكَونه على أَرْبَعَة أحرف عِنْد الْإِسْنَاد إِلَى التَّاء فَهُوَ خَاص بِالْفِعْلِ أَيْضا (و) المعتل (بحرفين لفيف) لالتفاف حرفي الْعلَّة فِيهِ أَي اجْتِمَاعهمَا ثمَّ هُوَ (مقرون إِن تواليا) كويل وَيَوْم وثوى (وَإِلَّا فمفروق) والمتعل بِالثَّلَاثَةِ قَلِيل جدا كواو وياء لاسمي الحرفين فَلهَذَا لم نتعرض لذكره
الْمُضَارع
(الْمُضَارع) إِنَّمَا يحصل (بِزِيَادَة حرف المضارعة على الْمَاضِي) وَذَلِكَ الْهمزَة وَالنُّون وَالتَّاء وَالْيَاء لِأَن مَعْنَاهُمَا متغاير وتغاير الْمَعْنى يَقْتَضِي تغاير اللَّفْظ (فَإِن كَانَ) الْمَاضِي (مُجَردا) من الزِّيَادَة وَهُوَ (على فعل) بِالْفَتْح (ثلثت عينه) فِي الْمُضَارع أَي فتحت وَكسرت وضمت نَحْو ضرب يضْرب وَنصر ينصر وَعدل يعدل وَلَا شَرط للكسرة والضمة فيجوزان سَوَاء كَانَت الْعين أَو اللَّام حرف حلق كدخل يدْخل وَرجح يرجح أم لَا(3/308)
(وَشرط الْفَتْح كَونهَا) أَي الْعين (أَو اللَّام حرف حلق) وَسَيَأْتِي نَحْو سَأَلَ يسال ومنح يمنح بِخِلَاف غَيره وَعليَّة جَوَاز الْفَتْح فِيمَا ذكر التَّخْفِيف لاستثقال حرف الْحلق واكتفي فِيمَا إِذا كَانَ ألفا نَحْو أكل يَأْكُل بسكوته وَلَو كَانَت الْعين وَاللَّام مَعًا من جنس وَاحِد فَلَا فتح أَيْضا لسكونها بِالْإِدْغَامِ نَحْو صَحَّ يَصح وَلم أحتج إِلَى تَقْيِيده بِكَوْنِهِ غير ألف كَمَا نقل ابْن الْحَاجِب لعدم الْحَاجة إِلَيْهِ إِذْ لَا يكون أصلا فِي فعل كَمَا نبه عَلَيْهِ شرَّاح كَلَامه ثمَّ الحركات الثَّلَاث تسْتَعْمل فِي الْكَلِمَة الْوَاحِدَة كمضارع صبغ ونهق ودبغ وَرجح وَقد لَا يسْتَعْمل فِيهَا إِلَّا حَرَكَة كَمَا تقدم وَقد يسْتَعْمل فِيهَا حركتان كمضارع صلح وَفرع فِي الْفَتْح وَالضَّم مَعًا وَكَذَا الضَّم وَالْكَسْر فِي غير الحلقي قد يَجْتَمِعَانِ كمضارع فسق وَعَكَفَ وَقد لَا كَمَا تقدم فَمَا أشكل فَهَل يتَوَقَّف فِيهِ على السماع لاستعمال الْعَرَب الْوَجْهَيْنِ فِي بعضه واقتصارهم فِي بعض على وَجه أَو يَجْعَل بِالْكَسْرِ لِأَنَّهُ أخف وَأكْثر خلاف وَقيل يجوزان فِي كل مضارع سمعا فِيهِ أم لَا قَالَ أَبُو حَيَّان وَالَّذِي نختاره أَنه إِن سمع الْكسر أَو الضَّم أتبع وَإِلَّا جَازَ فِيهِ الْكسر وَالضَّم (ولزموا الضَّم فِي بَاب الْمُبَالغَة على الصَّحِيح) نَحْو ضاربني فضربته أضربه وكابرته فكبرته أكبره وفاضلني ففضلته أفضله وَجوز الْكسَائي فتح عين مضارع هَذَا النَّوْع إِذا كَانَ عينه أَو لامه حرف حلق قِيَاسا نَحْو فاهمني ففهمته أفهمهُ وفاقهني فققهته أفقهه وَحكى الجوهوي واضأني فوضأته أوضؤه وَقَالَ وَذَلِكَ بِسَبَب الْحَرْف الحلقي وروى غَيره شاعرته فشعرته أشعره وفاخرني ففخرته أفخره بِالْفَتْح وَرِوَايَة أبي ذَر (و) لزموا الضَّم (فِي المضاعف الْمُتَعَدِّي) نَحْو شدّ يشد وعد يعد(3/309)
لِأَنَّهُ كثيرا تلحقها الضمائر المنصوبة فَلم كسر لزم الْخُرُوج من كسرة إِلَى ضمتين متواليتين فضم ليجري اللِّسَان على سسن وَاحِد بِخِلَاف اللَّام (و) لزموا الضَّم (فِي الأجوف والمنقوص بِالْوَاو) للمناسبة وَلِئَلَّا يَنْقَلِب يَاء فيلتبس باليائي نَحْو قَالَ يَقُول وجاد يجود ودعا يَدْعُو وَعلا يَعْلُو (و) لزموا الْكسر فيهمَا أَي فِي الأجوف والمنقوص (بِالْيَاءِ) لما ذكر سَوَاء كَانَ غير مِثَال نَحْو بَاعَ يَبِيع وَرمى يَرْمِي أم مِثَالا نَحْو وَفِي يَفِي (و) لزموا الْكسر (فِي المضاعف اللَّازِم) نَحْو صَحَّ يَصح وضج يضج وَأَن يَئِن (و) لزموا الْكسر (فِي الْمِثَال) نَحْو وسم يسم لِئَلَّا يلْزم إِثْبَات الْوَاو فِيهِ لارْتِفَاع الْعلَّة الْمُوجبَة للحذف وَهِي وُقُوعهَا بَين يَاء وكسرة فَيلْزم وَاو بعْدهَا ضمة وَهُوَ مستثقل وَسَوَاء كَانَ صَحِيح اللَّام أم لَا نَحْو وَفِي يَفِي هَذَا إِلَّا لم تكن عينه أَو لامه حرف حلق (فَإِن كَانَ عينه أَو لامه) حرفا (حلقيا فالفتح) وَارِد (أَيْضا) مَعَ الْكسر نَحْو وعد يعد وَوضع يضع ويعرت الشَّاة تَيْعر إِلَّا أَن يكون منقوصا وَيكون يائيا فَفِيهِ الْكسر كَمَا سبق نَحْو وعى يعي (أَو) كَانَ الْمَاضِي على (فعل) بِالْكَسْرِ (فتحت) الْعين فِي الْمُضَارع نَحْو علم يعلم بمخالفة عينهما (وتكسر) أَيْضا (فِي الْمِثَال) لتسقط الْفَاء فَتحصل الخفة نَحْو ورث يَرث وومق يمق وَجَاء الْفَتْح فِيهِ بِلَا شذوذ كوله يَله ووهل يهل وَلم يضم فِي هَذَا الْبَاب كَرَاهَة اجْتِمَاع ثقيلين وهما الْكسر وَالضَّم فِي بَاب وَاحِد (أَو) كَانَ الْمَاضِي على (فعل) بِالضَّمِّ (ضمت) أَيْضا فِي الْمُضَارع نَحْو ظرف يظرف لِأَن هَذَا الْبَاب مَوْضُوع للصفات اللَّازِمَة فاختير للماضي وللمضارع فِيهِ حَرَكَة لَا تحصل إِلَّا بانضمام إِحْدَى الشفتين إِلَى الْأُخْرَى رِعَايَة لتناسب بَين الْأَلْفَاظ ومعانيها (وَمَا عدا ذَلِك) الْمَذْكُور (شَاذ) كفتح مضارع أبي وركن وَقَنطَ وَلَيْسَ حلقي الْعين أَو اللَّام(3/310)
وكدت المضمومة وَكسر مضارع نم وَبت وَحب وعل المضاعف الْمُتَعَدِّي وَحسب وَنعم المكسور وطاح وتاه الواوي الْعين وَضم مضارع فر وكر وهب المضاعف اللَّازِم وَحضر وَقَنطَ المكسور (أَو لُغَة) غير فصيحة كَقَوْل بني عَامر قلى يقلى بفتحهما وَوجه بِالْكَسْرِ يجه بِالضَّمِّ وَقَول طيىء بَقِي يبْقى بفتحهما وَقَول تَمِيم ضللت تضل بكسرهما (وَغير فعل) من الرباعي والمزيد مِنْهُ وَمن الثلاثي (يكسر مَا قبل آخِره) فِي الْمُضَارع سَوَاء كَانَ عين الْفِعْل أَو اللَّام الأولى كدحرج يدحرج وَقَاتل يُقَاتل (مَا لم يكن أول ماضيه تَاء مزيدة) وَذَلِكَ تفعل وتفاعل وتفعلل فَلَا يُغير مَا قبل الآخر نَحْو تعلم يتَعَلَّم وتجاهل يتجاهل وتدحرج يتدحرج إِذْ لَو كسر لالتبس أَمر مخاطبها بمضارع علم وجاهل ودحرج إِذْ الْمُغَايرَة حِينَئِذٍ إِنَّمَا هِيَ بحركة التَّاء وَقد لَا يرفع اللّبْس لاحْتِمَال الذهول عَنْهَا وَلم يسْتَثْن ابْن الْحَاجِب تفعل وَلَا بُد مِنْهُ وَاسْتثنى المكرر اللَّام نَحْو احمر واحمار فَإِنَّهُ يُقَال فيهمَا يحمر ويحمار وَالتَّحْقِيق أَنه لَا يسْتَثْنى لِأَنَّهُ كَانَ فِي الأَصْل مكسورا وَزَالَ بِالْإِدْغَامِ (وَيضم حرف المضارعة من رباعي) أَي مَاض ذِي أَرْبَعَة أحرف (وَلَو بِزِيَادَة) نَحْو يدحرج وَيكرم وَيعلم ويضاعف (وَإِلَّا يفتح) نَحْو يذهب وينطلق ويستخرج وَوجه ذَلِك بِأَن الثلاثي كثير فِي كَلَامهم وَمَا زَاد على الرباعي ثقيل فَاخْتَارُوا الْفَتْح لخفته للكثير والثقيل وَالضَّم للقليل (وكسره) أَي أول الْمُضَارع (إِلَّا الْيَاء إِن كسر ثَانِي الْمَاضِي) كتعلم (أَو زيد أَوله تَاء) كيتدحرج ويتعلم (أَو وصل) كيستعين (أَو الْيَاء) أَيْضا (مُطلقًا) قرئَ فَإِنَّهُم (فإنّهم يِئْلمون كَمَا تِئْلمون} [النِّسَاء: 104](3/311)
بِكَسْر الْيَاء وَالتَّاء (أَو فِي) مَا فاؤه وَاو نَحْو (وَجل) وَقُرِئَ بِهِ (وقلب الْفَاء) الَّتِي هِيَ وَاو (حِينَئِذٍ يَاء) لوقوعها سَاكِنة بعد كسرة نَحْو ييجل (أَو ألفا) نَحْو يَا جلّ (لُغَات) منقولة
الْأَمر
(مَسْأَلَة) (الْأَمر من ذِي همز) للوصل (يفْتَتح بِهِ) نَحْو انْطلق واستخرج واقتدر واخشوشن (وَغَيره) يفْتَتح (بتالي حرف المضارعة) إِن كَانَ متحركا الْآن نَحْو دحرج وتدحرج أَو أصلا نَحْو أكْرم إِذا الأَصْل فِي يكرم ويؤكرم (فَإِن كَانَ) تالي حرف المضارعة (سَاكِنا فبالوصل) يفتح نَحْو اضْرِب وَاعْلَم واخرج (وحركة مَا قبل آخِره كالمضارع) لِأَنَّهُ مَأْخُوذ مِنْهُ
الْمَبْنِيّ للْمَجْهُول
(مَسْأَلَة) فِي الْفِعْل الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول (الْجُمْهُور أَن فعل الْمَفْعُول مغير) من فعل الْفَاعِل فَهُوَ فرع عَنهُ (وَقَالَ الكوفية والمبرد وَابْن الطراوة أصل) وَنسبه فِي شرح الكافية لسيبويه (للزومه فِي أَفعَال) فَلم ينْطق لَهَا بفاعل كزهي وعني فَلَو كَانَ فرعا للَزِمَ أَلا يُوجد إِلَّا حَيْثُ يُوجد الأَصْل ورد بِأَن الْعَرَب قد تَسْتَغْنِي بالفرع عَن الأَصْل بِدَلِيل أَنه وَردت جموع لَا مُفْرد لَهَا كمذاكير وَنَحْوه وَهِي لَا شكّ ثوان عَن الْمُفْردَات قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا الْخلاف لَا يجدي كَبِير فَائِدَة (وَيضم أَوله مُطلقًا) مَاضِيا كَانَ أَو مضارعا (و) يضم (مَعَه ثَانِي ذِي تَاء) مزيدة سَوَاء كَانَت للمطاوعة نَحْو تعلم وتوعد وتدحرج أم لَا نَحْو تكبر وتجبر حذرا من الالتباس(3/312)
(ويقلب ثالثه) أَي ذِي التَّاء (واوا) لوقوعها بعد ضمة كَمَا فِي توعد (و) يضم مَعَ الأول أَيْضا (ثَالِث ذِي) همز (الْوَصْل) لِئَلَّا يلتبس بِالْأَمر فِي بعض أَحْوَاله نَحْو استخرج واستحلي (وَيكسر مَا قبل الآخر فِي الْمَاضِي) كَمَا تقدم (وَيفتح فِي الْمُضَارع) كيضرب ويتعلم ويستخرج (فَإِن كَانَ) الْمَاضِي (مِثَالا) أَي معتل الْفَاء (بِالْوَاو جَازَ قَلبهَا همزَة) سَوَاء كَانَ مضعفا نَحْو (أد) فِي (ود) أم لَا نَحْو أعد فِي وعد صَحِيح اللَّام كَمَا مثل أم لَا نَحْو أُتِي فِي وقِي (أَو أجوف) أَي معتل الْعين (وأعل فَفِيهِ الْقلب يَاء) لِأَن الأَصْل فِي قَالَ وَبَاعَ مثلا قَول وَبيع استثقلت الكسرة على الْوَاو وَالْيَاء فنقلت إِلَى الْفَاء بعد حذف ضمتها فَسلمت الْيَاء وانقلبت إِلَيْهَا الْوَاو لسكونها بعد كسرة فَصَارَ قيل وَبيع وَالْقلب واوا بِحَذْف حَرَكَة الْعين لِأَن الثّقل إِنَّمَا نَشأ مِنْهَا وإبقاء ضمة الْفَاء فَسلمت الْوَاو وَردت إِلَيْهَا الْيَاء لوقوعها سَاكِنة بعد ضمة نَحْو قَول وبوع قَالَ: 1760 -
(لَيْت شَبابًا بُوعَ فاشْترَيْتُ ... )
وَقَالَ: 1761 -
(حُوكَتْ على نَوْلَيْن إذْ تُحَاكُ ... )
وَقَالَ: 1762 -
(نوط إِلَى صُلبٍ شَدِيد الحمَل ... )
(والإشمام وأفصحها الأولى) وَبهَا ورد الْقُرْآن قَالَ تَعَالَى: (وَقِيلَ يَأَرضَ(3/313)
ابلَعيِ} و {وَغِيضَ المَاءُ} [هود: 44] (ثمَّ الإشمام) وَبِه قَرَأَ ... وَحَقِيقَته ضم الشفتين مَعَ النُّطْق بحركة الْفَاء بَين حركتي الضَّم وَالْكَسْر ممتزجة مِنْهُمَا (وَشرط) أَبُو عَمْرو (الداني إسماعه و) أَبُو عَمْرو (ابْن الطُّفَيْل عَدمه) أَي عَدمه إسماعه (فَالْمُرَاد) بِهِ عِنْده (الرّوم) لِأَنَّهُ إِشَارَة إِلَى الْحَرَكَة من غير توصيت وَخرج بِقَيْد الإعلال مَا كَانَ معلا وَلم يعل نَحْو (غور) فِي الْمَكَان فَحكمه حكم الصَّحِيح قَالَ ابْن مَالك (وَيتَعَيَّن أَحدهَا) أَي اللُّغَات الثَّلَاث (إِذا أسْند) الْفِعْل (للتاء أَو النُّون وألبس بِغَيْرِهِ) من الأشكال فَفِي بِعْت وَدنت وَخفت يتَعَيَّن غير الْكسر وَفِي لذن وفدن ورعن يتَعَيَّن غير الضَّم لِئَلَّا يلتبس بِفعل الْفَاعِل قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا الَّذِي ذكره ابْن مَالك لم يذكرهُ أَصْحَابنَا وَلم يعتبروه بل جوزوا الثَّلَاثَة وَأَن ألبس وَلم يبالوا بالإلباس كَمَا لم يبالوا بِهِ حِين قَالُوا مُخْتَار لاسم الْفَاعِل أَو اسْم الْمَفْعُول والفارق بَينهمَا تقديري لَا لَفْظِي (وتجري اللُّغَات الثَّلَاث وَفِي وزن انفعل وافتعل) من الأجوف المعل نَحْو انقيد واختير وانقود واختور وانقيد واختير بِخِلَاف غَيره وَلَو اعتل نَحْو اعتور(3/314)
وَحكم الْهمزَة تَابع للعين فتكسر وتضم وتشم كَذَا قَالَ ابْن مَالك وَقَالَ ابْن أبي الرّبيع تضم مُطلقًا لِأَن الْكسر فِي الإشمام عَارض وَقِيَاسًا فِي حَالَة الْكسر على أَمر المخاطبة نَحْو اغزي وَفرق ابْن الضائع بِأَن هَذِه حَالَة عارضة بِخِلَاف اختير وَنَحْوه فَإِن ذَلِك صَار أصلا فِي المعتل مُلْتَزما وَبِأَن الْكسر فِي اغزي للمضير الْمُتَّصِل وَهُوَ معرض للانفصال وَهنا الْأَمر عَارض فِي نفس الْفِعْل لَازم لَهُ لَا لشَيْء مُنْفَصِل (وَأنكر خطاب) أَن يجْرِي فِيهِ (غير الأولى) وَالْتزم الْقلب يَاء (و) أنكر أَبُو الحكم الْحسن (بن عذرة) فِيهِ (الثَّانِيَة) وَأَجَازَ مَعَ الْقلب يَاء الإشمام (وتقلب فِي الْمُضَارع فِي الْجَمِيع ألفا) لِأَن الأَصْل مثلا يَقُول وَيبِيع وينقرد ويختير نقلت حَرَكَة الْوَاو وَالْيَاء من الْعين استثقالا ثمَّ قلبا ألفا لتحركها فِي الأَصْل وانفتاح مَا قبلهمَا الْآن (و) تقلب (لَام) الْمَاضِي (المعتل اللَّام) بِالْألف (يَاء) وَإِن كَانَت منقلبة عَن وَاو نَحْو غزي فِي غزا وهدي فِي هدى (وَأوجب الْجُمْهُور ضم فَاء المضاعف) ثلاثيا كَانَ أَو غَيره نَحْو حب وَاشْتَدَّ قَالَ تَعَالَى: {هَذِه بضاعتنا ردَّتْ إِلَيْنَا} [يُوسُف: 65] (وَأَجَازَ قوم الْكسر أَيْضا و) أجَاز (المهاباذي) الإشمام وَبِهِمَا قرئَ فِي (ردَّتْ)(3/315)
(وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا) عِنْد الْإِسْنَاد إِلَى التَّاء وَنَحْوهَا (الإلباس) لحُصُول الفك حِينَئِذٍ فَيظْهر (وَلَا يبْنى) هَذَا الْبناء (فعل جامد وَكَذَا نَاقص من) كَانَ وَكَاد وأخواتهما (على الصَّحِيح وفَاقا للفارسي وَجوزهُ سِيبَوَيْهٍ والسيرافي والكوفيون قَالَ أَبُو حَيَّان وَالَّذِي نختاره مَذْهَب الْفَارِسِي لِأَنَّهُ لم يسمع وَالْقِيَاس يأباه
صيغتا التَّعَجُّب وأفعل التَّفْضِيل
(مَسْأَلَة) تبني صيغتا التَّعَجُّب وأفعل التَّفْضِيل من فعل ثلاثي مُجَرّد تَامّ مُثبت متصرف قَابل للكثرة غير مَبْنِيّ للْمَفْعُول وَلَا معبر عَن فَاعله بأفعل فعلاء فَلَا يبنيان اخْتِيَارا من اسْم وَلَا من فعل رباعي كدحرج وَلَا ثلاثي مزِيد (أفعل) كَانَ أَو غَيره وَلَا نَاقص ككان وَكَاد وأخواتهما وَعلل بِأَنَّهَا بِمُجَرَّد الزَّمَان وَلَا دلَالَة لَهَا على الحَدِيث فَلَا فَائِدَة فِي التَّعَجُّب بهَا وَلَا منفي لُزُوما نَحْو مَا عاج بالدواء أَو جَوَازًا نَحْو مَا ضرب لِأَن فعل التَّعَجُّب مُثبت فمحال أَن يَبْنِي من منفي وَلَا غير متصرف كنعم وَبئسَ ويدع ويذر لِأَن الْبناء مِنْهُ تصرف وَلَا مَا لَا يقبل الْكَثْرَة والتفاضل كمات وفني وَحدث بِهِ إِذْ لَا مزية فِيهِ لبَعض فاعليه على بعض وَلَا مَبْنِيّ للْمَفْعُول لُزُوما كزهي أَو لَا كضرب لخوف اللّبْس وَلَا مَا فَاعله أَي وَصفه على أفعل كحمر وسود وعور وَعلله الْجُمْهُور بِأَن حق مَا يصاغان مِنْهُ أَن يكون ثلاثيا مَحْضا وأصل هَذَا النَّوْع أَن يكون فعله على أفعل قَالَ ابْن مَالك وأسهل مِنْهُ أَن يُقَال لِأَن بِنَاء وَصفه على أفعل وَلَو بني مِنْهُ أفعل تَفْضِيل لالتبس أَحدهمَا بِالْآخرِ وَإِذا امْتنع صوغ التَّفْضِيل امْتنع صوغ التَّعَجُّب(3/316)
لتساويهما وزنا وَمعنى وجريانهما مجْرى وَاحِدًا فِي أُمُور كَثِيرَة وَبِهَذَا التَّعْلِيل جزم ابْن الْحَاجِب (وَجوزهُ الْأَخْفَش فِي كل فعل مزِيد) كَأَنَّهُ رَاعى أَصله لِأَن أصل جَمِيع ذَلِك الثلاثي (و) جوزه (قوم من أفعل) فَقَط كأكرم وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك وَنسبه لسيبويه ومحققي أَصْحَابه وَثَالِثهَا وَصَححهُ ابْن عُصْفُور يجوز إِن لم تكن الْهمزَة فِيهِ للنَّقْل وَمن المسموع فِيهِ مَا أتقنه وَمَا أصوبه وَمَا أخطأه وَمَا أيسره وَمَا أعدله وَمَا أسنه وَإِن كَانَت للنَّقْل لم يجز وَإِن سمع فشاذ نَحْو مَا أأتاه للمعروف وَمَا أعطَاهُ للدراهم (و) جوزه (قوم من النَّاقِص) قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي تَقول مَا أكون عبد الله قَائِما وأكون بِعَبْد الله قَائِما (و) جوزه (خطاب) الماردي (وَابْن مَالك من فعل الْمَفْعُول إِذا أَمن اللّبْس نَحْو) مَا أجنه من جن وَمَا أشغله من شغل وَمَا أزهاه من زهي قَالَ ابْن مَالك وَهُوَ فِي التَّفْضِيل أَكثر مِنْهُ فِي التَّعَجُّب كأزهى من ديك وأشغل من ذَات النحيين وَأشهر من غَيره وأعذر وألوم وَأعرف وَأنكر وأخوف وأرجى قَالَ كَعْب: 1763 -
(فَلَهْو أخْوَف عِندي ... )(3/317)
(و) جوزه (الْكسَائي وَهِشَام والأخفش من العاهات) نَحْو مَا أعوره (وَزَادا) أَي الْكسَائي وَهِشَام (والألوان) أَيْضا نَحْو مَا أحمره وَمنع ذَلِك الْأَخْفَش كَسَائِر الْبَصرِيين (وَثَالِثهَا) قَالَه بعض الْكُوفِيّين يجوز (من السوَاد وَالْبَيَاض فَقَط) دون سَائِر الألوان (وَقد يُغني مَعَ اسْتِيفَاء الشُّرُوط) فِي فعل عَن صوغ التَّعَجُّب والتفضيل مِنْهُ (فعل آخر) يصاغ مِنْهُ نَحْو قَالَ من الْمُقَابلَة لَا يُقَال مِنْهُ مَا أقيله اسْتغْنَاء بِمَا أَكثر قائليه وَمَا أنومه فِي سَاعَة كَذَا كَمَا استغنوا بتركت عَن ودعت قَالَ ابْن عُصْفُور وَغَيره وَمن الْأَفْعَال الَّتِي اسْتغنى عَن الصوغ فِيهَا قَامَ وَقعد وَجلسَ وَغَضب وشكر اسْتغْنَاء بِمَا أحسن قِيَامه وَنَحْوه وَقَالَ ابْن الْحَاج بل لِأَنَّهَا لَا يتَصَوَّر فِيهَا المفاضلة فَلَا يرجع قيام على قيام فِيمَا يدل عَلَيْهِ لفظ قيام وَكَذَا الْقعُود وَالْجُلُوس (وَمَا فقد) الشوط (توصل إِلَيْهِ بجائز) يصاغ مِنْهُ (وَنصب مصدر التَّعَجُّب من بعده) مَفْعُولا فِي (مَا أفعل) وتمييزا فِي (أفعل من) (أَو جر بِالْبَاء) فِي (أفعل) نَحْو مَا أَشد دحرجته وحمرته وَكَونه مُسْتَقْبلا وأشدد بذلك وَهُوَ أَشد احمرارا من الدَّم ويؤتي بمصدر الْمَنْفِيّ والمبني للْمَفْعُول غير صَرِيح إبْقَاء للفظهما نَحْو مَا أَكثر أَلا تقوم وَأَن يضْرب فَإِن أَمن اللّبْس جَازَ كَونه صَرِيحًا نَحْو مَا أسْرع نِفَاس هِنْد وَمَا لَا مصدر لَهُ مَشْهُورا أُتِي بِهِ صلَة ل (مَا) نَحْو مَا أَكثر مَا يذر زيد الشَّرّ وَأكْثر مَا يذر وَلَا يفعل ذَلِك بالجامد إِذْ لَا مصدر لَهُ وَلَا بِمَا لَا يقبل الْكَثْرَة فِيمَا ذكره ابْن هِشَام(3/318)
وَمثل غَيره بِمَا أفجع مَوته وأفجع بِمَوْتِهِ وَلَا بِمَا يلْزمه النَّفْي أَو النَّهْي من بَاب كَانَ وَأَجَازَ ابْن السراج مَا أحسن مَا لَيْسَ يذكرك زيد وَلَا مَا يزَال يذكرنَا وَلَا تحذف همزَة أفعل (وشذ حذف همزَة خير وَشر فِي التَّعَجُّب) سمع مَا خير اللَّبن للصحيح وَمَا شَره للمبطون وَالْأَصْل مَا أخيره وَمَا أشره فَلَمَّا حذفت الْهمزَة نقلت حَرَكَة الْيَاء إِلَى الْخَاء وَلم يحْتَج إِلَى ذَلِك فِي (شَرّ) وَبَعْضهمْ يحذف ألف (مَا) لالتقاء الساكنين فَيُقَال (مخيره ومحسنه ومخبثه) (وَكثر) حذفهَا مِنْهُمَا (فِي التَّفْضِيل) لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال نَحْو هُوَ خير من فلَان وَشر مِنْهُ وندر إِثْبَاتهَا فيهمَا فِي قَوْله: 1764 -
(بلالُ خَيْرُ النَّاس وابنُ الأخيَر ... )
وَقِرَاءَة أبي قلَابَة {من الْكذَّاب الأشر} [الْقَمَر: 26] كَمَا ندر الْحَذف من غَيرهمَا كَقَوْلِه: 1765 -
(وحَبُّ شيْء إِلَى الإنسَان مَا مُنِعَا ... )(3/319)
(وَمَا ورد بِخِلَاف ذَلِك فشاذ مسموع) لَا يُقَال عَلَيْهِ (فأقمن بِهِ) من قَوْلهم هُوَ قمن بِكَذَا أَي حقيق صِيغ من اسْم وَكَذَا قَوْلهم مَا أَذْرع فُلَانَة من امْرَأَة ذِرَاع أَي خَفِيفَة الْيَد فِي الْغَزل كَذَا قَالَ ابْن مَالك لَكِن حكى ابْن القطاع ذرعت الْمَرْأَة (وَمَا أخصره) من اختصر فَهُوَ من غير الثلاثي الْمُجَرّد من مَبْنِيّ للْمَفْعُول (و) مَا (أعساه) وأعس بِهِ من عَسى وَهُوَ جامد (و) مَا (أزهاه) من زهي وَهُوَ مَبْنِيّ للْمَفْعُول (و) هِيَ (أسود من القار) كَذَا فِي حَدِيث صفة جَهَنَّم من سود فَهُوَ أسود وسوداء وَفِي صفة الْحَوْض مَاؤُهُ أَبيض من اللَّبن (وأشغل من ذَات النحيين) من شغل وَهِي مَبْنِيّ للْمَفْعُول (قَالَ أَبُو حَيَّان) وشذ أَيْضا (قَوْلهم مَا أعظم الله وَمَا أقدره) فِي قَوْله: 1766 -
(مَا أقْدَر اللهَ أَن يُدْني على شَحَطٍ ... ) لعدم قبُول صِفَات الله الْكَثْرَة(3/320)
(وَالْمُخْتَار وفَاقا للسبكي وَجَمَاعَة) كَابْن السراج وَأبي البركات بن الْأَنْبَارِي والصيمري (جَوَازه) وَالْمعْنَى فِي مَا أعظم الله أَنه فِي غَايَة العظمة وَمعنى التَّعَجُّب فِيهِ أَنه لَا يُنكر لِأَنَّهُ مِمَّا تحار فِيهِ الْعُقُول وإعظامه تَعَالَى وتعظيمه الثَّنَاء عَلَيْهِ بالعظمة واعتقادها وَكِلَاهُمَا حَاصِل والموجب لَهما أَمر عَظِيم وَالدَّلِيل على جَوَاز إِطْلَاق صِيغَة التَّعَجُّب والتفضيل فِي صِفَاته تَعَالَى لقَوْله {أسمع بهم وَأبْصر} [مَرْيَم: 38] أَي مَا أسمعهُ وَمَا أبصره (و) قَول أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فِيمَا رَوَاهُ ابْن إِسْحَاق فِي السِّيرَة عَنهُ (أَي رب (مَا أحلمك) أَي يَا رب مَا أحلمك) وَقَوله
:
(لله أرْحم بِالْمُؤمنِ من هَذِه بِوَلَدِهَا) وَقَوله لأبي مَسْعُود وَقد حزب رب مَمْلُوكه:
(لله (أقدر عَلَيْك) مِنْك عَلَيْهِ) // رَوَاهُ مُسلم // فَهَذِهِ شَوَاهِد صَحِيحَة لم يذكر السُّبْكِيّ مِنْهَا إِلَّا اثر أبي بكر وَعَجِبت كَيفَ لم يذكر هذَيْن الْحَدِيثين الْمَشْهُورين والعذر لَهُ أَنه تكلم على التَّعَجُّب وهما فِي التَّفْضِيل(3/321)
بِنَاء الْمصدر أَي هَذَا مبحثه
فعل
(يطرد لفعل) بِالْفَتْح (وَفعل) بِالْكَسْرِ حَال كَونهمَا (متعديين (فعل)) بِالْفَتْح والسكون صَحِيحا كَانَ كضرب ضربا وَجَهل جهلا أَو مُعْتَلًّا كوعد وَعدا وَبَاعَ بيعا وَقَالَ قولا وَرمى رميا وغزا غزوا ووطئ وطئا وَخَافَ خوفًا وفني فنيا أَو مضاعفا كرد ردا ومست مسا أَو مهموزا ورئمت الدَّابَّة وَلَدهَا رأما أحبته (وَشرط ابْن مَالك لفعل) المكسور (أَن يفهم عملا بالفم) كلقم لقما وَشرب شربا وبلع بلعا (وَمنع ابْن جودي قياسهما) أَي مصدر فعل فَقَالَ لَا تدْرك مصَادر الْفِعْل الثلاثي إِلَّا بِالسَّمَاعِ فَلَا يُقَاس على فعل وَلَو عدم السماع
فعل
(و) يطرد (لفعل) بِالْكَسْرِ (لَازِما فعل) بِفتْحَتَيْنِ صَحِيحا كَانَ كفرح فَرحا أَو مُعْتَلًّا كجوي جوى ووجل وجلا وعور عورا وردي ردى أَو مضاعفا كشل شللا (إِلَّا فِي الألوان والعيوب ففعلة) بِالضَّمِّ مصدره المطرد كسمر سَمُرَة وحمر حمرَة وأدم أدمة(3/322)
فعول
(ولفعل) بِالْفَتْح (لَازِما فعول) بِضَم الْفَاء سَوَاء كَانَ صَحِيحا كركع رُكُوعًا وَخرج خُرُوجًا أَو مُعْتَلًّا كوقف وقوفا وَغَابَتْ الشَّمْس غيوبا ودنى دنوا وَمضى مضيا أم مضاعفا كمر مرورا
فعال وفعيل
(فَإِن كَانَ لعِلَّة ففعال) كسعل سعالا وعطس عطاسا (أَو سير ففعيل) كرحل رحيلا (ويكونان) أَي فعال وفعيل (للصوت) كصرخ صراخا وصهل صهيلا (وَيخْتَص فعال بالمنقوص) كرغا رُغَاء فَلَا يَتَأَتَّى على فعيل (وَغلب فعيل فِي المضعف
فعلان
وللتغلب وَالِاضْطِرَاب (فعلان) بِفَتْح الْفَاء وَالْعين كخفق خفقانا وجال جولانا
فعال
(والإباء) أَي الِامْتِنَاع (فعال) بِكَسْر الْفَاء كنفر نفارا وجمح جماحا
فعالة
(وللحرفة وَالْولَايَة فعالة) بِالْكَسْرِ ككتبت كِتَابَة وخاط خياطَة وَولي ولَايَة ونقب نقابة
فعولة
(ولفعل) بِضَم الْفَاء كصعب صعوبة وَسَهل سهولة (وفعالة بِالْفَتْح) كنصح نصاحة وجزل جزالة (وَقيل فعل)(3/323)
إفعال
(ولأفعل إفعال) سَوَاء كَانَ صَحِيحا أم مُعْتَلًّا أم مضاعفا مُتَعَدِّيا أم لَازِما كأكرم إِكْرَاما وأمسي إمساء وَأجل إجلالا وَأعْطى إِعْطَاء
استفعال
(واستفعل استفعال) كاستخرج استخراجا
تفعيل تفعلة
(ولفعل تفعيل وتفعلة) ككرم تكريما وتكرمة وهنأ تهنيئا وتهنئة (وتخص) تفعلة (بالمعتل) فَلَا يرد فِيهِ التَّفْصِيل كزكى تَزْكِيَة
فعللة
(ولفعلل فعللة) كدحرج دحرجة
فعلال وفعلال
(وفعلال) بِالْكَسْرِ كسرهف سرهافا (وَالأَصَح أَنه سَماع) لَا قِيَاس فَإِن كَانَ مضاعفا كزلزال ففعلال بِالْفَتْح لَهُم مطرد كزلزال
فعال ومفاعلة
(ولفاعل فعال ومفاعلة) كقاتل قتالا ومقاتلة (وَيلْزم) مفاعلة (فِيمَا فاؤه يَاء) كياسر مياسرة وندر فِي فعال كياوم يواما (و) الْمصدر المطرد (لما أَوله تَاء) وَهُوَ تفعلل وتفاعل وَتفعل وملحقاتها (وَزنه بِضَم رابعه) وَهُوَ الْعين نَحْو تدحرج تدحرجا وتقاتل تقاتلا وتوانى توانيا(3/324)
وتكرم تكرما وَفِي الملحقات تسربل وتمسكن (فَإِن اعتل خامسه فبكسره) نَحْو تجعبى تجعبيا وتقلسي تقلسيا (و) الْمصدر المطرد (لذِي الْهمزَة وَزنه مَعَ كسر ثالثه) وَزِيَادَة (ألف قبل الآخر) كاجتمع اجتماعا وَانْقطع انْقِطَاعًا واستخرج استخراجا وَاطْمَأَنَّ اطمئنانا واحرنجم احرنجاما واجلوذ اجلواذا واعشوشب اعشيشابا واحمر احمرارا واحمار احميرارا (وَمَا عدا ذَلِك مسموع كشكران) مصدر شكر (وَذَهَاب) مصدر ذهب (وبهجة) مصدر بهج (وشبع) مصدر شبع (وَكَذَّاب) مصدر كذب (وتملاق) مصدر تملق (وَجَاء) الْمصدر على (مفعول قَلِيلا) كميسور ومعسور ومعقول ومفتون ومجلود (و) على (فاعلة أقل) كباقية وعافية (وَزعم بَعضهم قِيَاس التفعال و) قَالَ (الْفراء هُوَ من التفعيل و) زعم (قوم قِيَاس فعيلي)
3 - اسْم الْمرة والهيئة
(مَسْأَلَة) (يدل على الْمرة من الثلاثي العاري من تَاء بفعلة) بِفَتْح الْفَاء سَوَاء كَانَ مصدره على فعل كَضَرْبَة أَو لَا كخرجة من خُرُوج لِأَن الْمصدر الْمُطلق بِمَنْزِلَة اسْم الْجِنْس فَكَمَا فرق بَينه وَبَين واحده بِالتَّاءِ كَذَلِك الْمصدر (و) على (الْهَيْئَة) أَي الثلاثي العاري من التَّاء (بفعلة) بِالْكَسْرِ كجلسة (وَلَا تكون) الْهَيْئَة (من غَيره) أَي غير الثلاثي وَهُوَ الرباعي والمزيد (غَالِبا) وشذ حسن الْعمة من اعتم والخمرة من اختمر والقمصة من تقمص والنقبة من تنقب (والمرة مِنْهُ) أَي من غير الثلاثي العاري من التَّاء أَيْضا (بِالتَّاءِ) بِأَن تلْحق فِي مصدره نَحْو انطلاقه وَمَا فِيهِ التَّاء فِي الصُّور الثَّلَاث يدل على الْمرة والهيئة مِنْهُ بِالْوَصْفِ كرحمة وَاحِدَة واستعانة وَاحِدَة ونشدة عَظِيمَة(3/325)
ثمَّ إِنَّمَا تلْحق التَّاء الْأَبْنِيَة المقيسة دون السماعية فَإِن كَانَ لَهُ بناءان مقيسان أَو مسجوعان لحقت الْأَغْلَب فِي الِاسْتِعْمَال نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ وَغَيره قَالَ ابْن هِشَام وَيظْهر لي أَن نَحْو كدرة مِمَّا فِيهِ تَاء وَلَيْسَ على فعلة وَلَا فعلة يجوز أَن يرجع بِهِ إِلَى فعلة وفعلة للدلالة على الْمرة والهيئة وَلَا تحْتَاج إِلَى الصّفة إِذْ لَا إلباس
3 - اسْم الْمصدر وَالزَّمَان وَالْمَكَان من الثلاثي
(مَسْأَلَة) (يصاغ من الثلاثي مفعل) بِفَتْح الْمِيم وَالْعين (قِيَاسا مصدر وزمان وَمَكَان إِن اعتلت لامه مُطلقًا) سَوَاء كَانَ مَفْتُوح الْعين فِي الْمُضَارع أم مكسورها أم مضمومها مِثَالا أم لَا كمرعى ومرمى ومدعى وموعى (وَإِلَّا) بِأَن كَانَ صَحِيح اللَّام (فتكسر الْعين إِن كَانَ مِثَالا بِالْوَاو) كموعد ومورد وموقف لِأَن الْوَاو بَين الفتحة والكسرة أخف مِنْهَا بَينهَا وَبَين الفتحة فَإِن كَانَ مِثَالا بِالْيَاءِ فبالفتح كميسر وتكسر الْعين أَيْضا فِي غير الْمصدر أَي فِي الزَّمَان وَالْمَكَان (إِن كَانَ من يفعل بِالْكَسْرِ) غير مِثَال مَنْقُوص وَلَا مَنْقُوص لِأَنَّهُمَا يبنيان على الْمُضَارع لتوافق حَرَكَة عينهما حَرَكَة عينه لكَونهَا شقَّتْ مِنْهُ كمضرب بِخِلَاف الْمصدر فَإِنَّهُ بِالْفَتْح كمضرب وَبِخِلَاف الثَّلَاثَة من يفعل أَو يفعل فَإِنَّهَا بِالْفَتْح أَيْضا كمشرب ومقتل وَمَا عينه يَاء كَغَيْرِهِ أَو مُخَيّر أَو مسموع أَقْوَال
3 - من غير الثلاثي
(ويصاغ من غَيره) أَي الثلاثي (للثَّلَاثَة لفظ الْمَفْعُول) فِي الْمُسْتَعْمل مصدرا {بِسم الله مجْراهَا وَمرْسَاهَا} [هود: 41] أَي إجراؤها وإرساؤها {ومزقناهم كل ممزق} [سبأ: 19] {إِلَى رَبك يَوْمئِذٍ المستقر} [الْقِيَامَة: 12] أَي الِاسْتِقْرَار (وَمَا عدا ذَلِك مسموع) لَا يُقَاس عَلَيْهِ كالمشرق والمطلع وَالْمغْرب والمرفق والمجزر والمحشر والمسقط والمنبت والمسكن والمنسك وَالْمَسْجِد(3/326)
بِالْكَسْرِ وَالْقِيَاس فتحهَا
3 - بِنَاء الْآلَة
(مَسْأَلَة) (بِنَاء الْآلَة) مطرد (على مفعل) بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْعين (ومفعال ومفعلة) كَذَلِك كمشفر ومجدح ومفتاح ومنقاش ومكسحة (والمفعل) بِضَمَّتَيْنِ (والمفعل) بِفتْحَتَيْنِ (والمفعال) بِالْكَسْرِ (يحفظ) وَلَا يقاسم عَلَيْهِ كمخل ومسعط ومدهن و (إراث) آلَة تأريث النَّار أَي إضرامها ومسراد مَا يسْرد بِهِ أَي يخرز (وَكثر مفعل) بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْعين (للمكان) كمطبخ لمَكَان الطَّبْخ ومرفق لبيت الْخَلَاء
3 - بِنَاء الصِّفَات
أَي هَذَا مَبْحَث أبنية اسْم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَالصّفة المشبهة وأمثلة الْمُبَالغَة
3 - اسْم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول
(ويطرد فِي اسْمِي الْفَاعِل وَالْمَفْعُول من غير الثلاثي زنة الْمُضَارع بإبدال أَوله ميما مَضْمُومَة وَكسر متلو الآخر) أَي مَا قبله (فِي الْفَاعِل وفتحه فِي الْمَفْعُول) كمكرم ومكرم ومستخرج ومستخرج (وَمِنْه) أَي الثلاثي (زنة فَاعل) فِي الْفَاعِل كضارب وعالم (و) زنة (مفعول) فِي الْمَفْعُول كمضروب (لَكِن صفة) فعل المكسور الْعين (اللَّازِم فِي الْأَعْرَاض فعل) بِالْكَسْرِ كفرح فَهُوَ فَرح (و) فِي (الألوان والعاهات أفعل) كأحمر واسود وأعور وأجهر (و) فِي الامتلاء وضده فعلان كشبعان وريان وصديان وعطشان (وَصفَة فعل المضموم) وَلَا يكون إِلَّا لَازِما فعل كضخم (وفعيل) كجميل (وَهَذِه) الأوزان هِيَ الصّفة (المشبهة)(3/327)
الصّفة المشبهة
(وَلَا تبنى مَعَ مُتَعَدٍّ) بل من لَازم (وَقل فِيهَا) وزن اسْم (الْفَاعِل) نَحْو طَاهِر الْقلب ومنطلق اللِّسَان ومنسبط الْوَجْه (خلافًا لمن منع مجاراتها الْمُضَارع) وَهُوَ الزَّمَخْشَرِيّ وَابْن الْحَاجِب قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا الْتِفَات إِلَيْهِ لاتفاقهم على أَن ضامر الكشح وساهم الْوَجْه وخامل الذّكر وَحَائِل اللَّوْن وَظَاهر الْفَاقَة وطاهر الْعرض ومطمئن الْقلب صِفَات مشبهة وَهِي مجارية لَهُ قيل وَلقَائِل أَن يَقُول إِن هَذَا الصِّيَغ وَنَحْوهَا أَسمَاء فاعلين قصد بهَا الثُّبُوت فعوملت مُعَاملَة الصّفة المشبهة لَا أَنَّهَا صِفَات مشبهة (وَورد الْفَاعِل) بِغَيْر قِيَاس من فعل المفتوح (على فعيل) كعف فَهُوَ عفيف وخف فَهُوَ خَفِيف (و) على (فعول وفيعل) نَحْو مَاتَ فَهُوَ ميت وساد فَهُوَ سيد (وفعال) نَحْو جاد فَهُوَ جواد (وَغَيرهَا) كفعلان نَحْو نعسان وفيعلان كبيحان من باح وفوعل كخوتع من ختع (و) ورد (الْمَفْعُول على فعل) بِفتْحَتَيْنِ كقبض بِمَعْنى مَقْبُوض (و) على (فعل) بِالْكَسْرِ والسكون كذبح بِمَعْنى مَذْبُوح (و) على (فعيل) كقتيل وصريع وجريح (وقاسه) أَي فعيلا (بَعضهم فِيمَا لَيْسَ لَهُ فعيل بِمَعْنى فَاعل) نَقله فِي التسهيل وَلم يستحضره ابْنه فَقَالَ فِي شرح الألفية فعيل بِمَعْنى مفعول كثير وعَلى كثرته لم يقس عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاع وغره كَلَام أَبِيه فِي شرح الكافية حَيْثُ قَالَ وكل ذَلِك مَحْفُوظ لَا يُقَاس عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاع فَظن أَنه عَائِد إِلَى الأوزان الثَّلَاثَة وَإِنَّمَا هُوَ خَاص بِفعل وَفعل لِأَنَّهُ فصلهما بعد أَن ذكر أَن مَجِيء فعيل كثير وَأَنه لَا يُقَاس عَلَيْهِ وَلم يدع فِي ذَلِك اجماعاً وَلَا خلافًا والقيد الْمَذْكُور للْقِيَاس نبه عَلَيْهِ أَبُو حَيَّان وَلَا بُد مِنْهُ فَإِن مَا لَهُ فعيل بِمَعْنى فَاعل كعليم وحفيظ وقدير لَا يجوز اسْتِعْمَاله فِي الْمَفْعُول وفَاقا لِئَلَّا يلبس قَالَ وَيَنْبَغِي أَيْضا أَن يُقيد بِكَوْنِهِ من فعل ثلاثي مُجَرّد وتام متصرف لِأَن مَا(3/328)
وجد عَن الْعَرَب مصوغا كَذَلِك إِنَّمَا هُوَ مصوغ مِمَّا ذَكرْنَاهُ (و) وَردت (صفة فعل) المكسور على (فعل) بِضَمَّتَيْنِ (وفعيل وَفعل) بِالضَّمِّ والسكون (و) وَردت صفة (فعل) المضموم (على فعل) بِالْفَتْح وَالْكَسْر كحصر فَهُوَ حصر (وفعول) كحصور (وفعال) كجبان (وفعال) بِالضَّمِّ كشجاع (وَغَيرهَا) كأشجع وصرعان وَحسن وعفر وغمر ووضاء (وَإِذا بنيت صفة من مَفْتُوح الْعين ومضمومها بني على الْفَتْح وأمثلة الْمُبَالغَة تبنى من ثلاثي مُجَرّد غَالِبا
أَمْثِلَة الْمُبَالغَة
وشذ بناؤها من أفعل كدراك من أدوك ومعطاء من أعْطى ونذير وأليم من أنذر وآلم وزهوق من أزهق
التَّأْنِيث
أَي هَذَا مبحثه (هُوَ فرع التَّذْكِير) لِأَنَّهُ الأَصْل فِي الْأَسْمَاء إِذْ مَا من شَيْء يذكر أَو يؤنث إِلَّا وَيُطلق عَلَيْهِ (شَيْء) وَشَيْء مُذَكّر فِي لغاتهم (وَمن ثمَّ) أَي من هُنَا وَهُوَ كَون التَّأْنِيث فرعا أَي من أجل ذَلِك (احْتَاجَ إِلَى عَلامَة) لِأَن الْأَشْيَاء الأول تكون مُفْردَة لَا تركيب فِيهَا والثواني تحْتَاج إِلَى مَا يميزها من الأول وَيدل على مثنويتها بِدَلِيل احْتِيَاج التَّعْرِيف إِلَى عَلامَة لِأَنَّهُ فرع التنكير واحتياج النَّفْي وَشبهه إِلَيْهَا لِأَنَّهَا فروع الْإِيجَاب (وَهِي) أَي عَلامَة التَّأْنِيث (ألف مَقْصُورَة وممدودة قَالَ البصرية وَهِي) أَي الممدودة (فرع) عَن الْمَقْصُورَة أبدلت مِنْهَا همزَة لأَنهم لما أَرَادوا أَن يؤنثوا بهَا مَا فِيهِ ألف لم يُمكن اجْتِمَاعهمَا لتماثلهما والتقائهما ساكنين فأبدلت المتطرفة للدلالة على التَّأْنِيث همزَة لتقاربهما وخصت المتطرفة لِأَنَّهَا فِي مَحل التَّغَيُّر وَيدل لذَلِك سُقُوطهَا فِي الْجمع كصحارى وَلَو لم تكن مبدلة لم تحذف كَمَا لم تحذف فِي جمع قرى قَالَ الكوفية بل هِيَ أصل أَيْضا (وتاء) وَهِي أَكثر وَأظْهر دلَالَة(3/329)
(وَقد تقدر) التَّاء فِي أَسمَاء (فتعرف بالضمير) يعود إِلَيْهَا نَحْو الْكَتف أكلتها (وَالْإِشَارَة) كهذه جَهَنَّم (وَالرَّدّ فِي التصغير) كهنيدة (وَالْخَبَر وَالْحَال والنعت) نَحْو الْكَتف المشوية أَو مشوية لذيذة (وَالْعدَد) أَي سُقُوطهَا مِنْهُ نَحْو ثَلَاث هنود (وَالْغَالِب) فِي التَّاء) أَن يفصل بهَا وصف الْمُؤَنَّث من الْمُذكر) كضارب وقائمة وحسنة وصعبة (وَقلت) للفصل (فِي الجوامد) كامرئ وَامْرَأَة وَرجل ورجلة وَغُلَام وغلامة وإنسان وإنسانة وحمار وحمارة وَأسد وأسدة وبرذون وبرذونة وَهَذَا النَّوْع لَا ينقاس (وَجَاءَت لتمييز الْوَاحِد من الْجِنْس كثيرا) كتمر وَتَمْرَة وبقر وبقرة (ولعكسه قَلِيلا) ككمء للْوَاحِد وكمأة للْجمع (وللمبالغة) كراوية (وتأكيدها) أَي الْمُبَالغَة كعلامة (وتأكيد التَّأْنِيث) كنعجة وناقة (أَو) تَأْكِيد (الْجمع) كحجارة وفحولة (أَو) تَأْكِيد (الْوحدَة) كظلمة وغرفة (والتعريب) أَي الدّلَالَة على أَنه عجمي عرب ككيالجة جمع كيلج مكيال وموازجة جمع موزج الْخُف (وَالنّسب) أَي الدّلَالَة عَلَيْهِ نَحْو المهالبة والأشاعثة والأزارقة فِي النّسَب إِلَى الْمُهلب والأشعث والأزرق أَي الْأَشْخَاص المنسوبون إِلَى مَا ذكر دلّت على أَنه جمع بطرِيق نسب لَا جمع بطرِيق الِاسْم كَسَائِر الجموع وَعبر بَعضهم عَن ذَلِك بِأَنَّهَا عوض من يائه (و) تكون (عوضا) من فَاء كعدة أَو عين كإقامة أَو لَام كلغة أَو مُدَّة تفعيل كتزكية (وَغير ذَلِك) قَالَ أَبُو حَيَّان كالنسب والعجمة مَعًا نَحْو سيابحة وبرابرة وَمَعْنَاهُ السبيحيون والبربريون لَا تجْعَل التَّاء فِيهِ لأحد الْمَعْنيين لِأَنَّهُ لَيْسَ أولى بهَا من الآخر وكالفرق بَين الْوَاحِد وَالْجمع نَحْو بغال وبغالة وحمار وحمارة وبصري وبصرية وكوفي وكوفية قَالَ وَلَا يدْخل هَذَا تَحت تَمْيِيز الْوَاحِد من الْجِنْس لِأَن هَذَا من الصِّفَات لَا من الْأَجْنَاس (وَالْغَالِب أَلا تلْحق الْوَصْف الْخَاص بالمؤنث) كحائض وَطَالِق وطامث(3/330)
ومرضع لعدم الْحَاجة إِلَيْهَا بأمن اللّبْس وَلِأَنَّهَا فِي الأَصْل وصف مُذَكّر كَأَنَّهُ قيل شخص حَائِض وَطَالِق وَلِأَنَّهَا تُؤدِّي معنى السَّبَب أَي ذَات حيض وَذَات طَلَاق علل بِالْأولِ الْكسَائي وَبِالثَّانِي سِيبَوَيْهٍ وبالثالث الْخَلِيل (و) الْغَالِب أَن (لَا) تلْحق (صفة على مفعال) بِكَسْر كمذكار وميقات ومعطار وشذ ميقانة بِمَعْنى موقنة (أَو مفعل) بِالْكَسْرِ وَفتح الْعين كمغشم (أَو مفعيل) كمعطير وشذ مسكينة) (أَو فعول لفاعل) كصبور وشكور وضروب وشذ عدوة بِخِلَافِهِ بِمَعْنى مفعول كأكولة يعْنى مأكولة ورغوثة بِمَعْنى مرغوثة أَي مرضوعة (أَو فعيل لمفعول) كجريح وقتيل (مَا) دَامَ (لم يحذف مَوْصُوفَة) فَإِن حذف لحقته نَحْو رَأَيْت قتيلة بني فلَان لِئَلَّا يلبس وَكَذَا إِذا جرد عَن الوصفية نَحْو ذَبِيحَة ونطيحة وَكَذَا فعيل بِمَعْنى فَاعل كمريضة وظريفة وَشَرِيفَةٌ وشذ امْرَأَة صديق (وَقد يذكر الْمُؤَنَّث وَبِالْعَكْسِ) حملا على الْمَعْنى نَحْو (ثَلَاثَة أنفس) من قَوْله: 1767 -
(ثَلَاثَة أنفُس وَثَلَاث ذودٍ ... )
ألحق التَّاء فِي عدده حملا على الْأَشْخَاص وَسمع جَاءَتْهُ كتابي فاحتقرها أنث الْكتاب حملا على الصَّحِيفَة (وَمِنْه) أَي من تَأْنِيث الْمُذكر حملا على الْمَعْنى (تَأْنِيث الْمخبر عَنهُ لتأنيث الْخَبَر) كَقَوْلِه تَعَالَى: {ثمَّ لم تكن فتنتهم إِلَّا أَن قَالُوا} [الْأَنْعَام: 23] أنث الْمصدر المنسبك بِأَن وَالْفِعْل وَهُوَ اسْم تكن وَهُوَ الْمخبر عَنهُ لتأنيث الْخَبَر وَهُوَ (فتنتهم) وَقَوله: (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِي إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطعَمُهُ إِلاَّ أَن(3/331)
تَكُونَ مَيتَةً} [الْأَنْعَام: 145] أنث تكون واسمهما ضمير مذكرعائد على الْمحرم لتأنيث خَبره وَهُوَ ميته نعم جَازَ فِي ضمير مُذَكّر ومؤنث توسطهما) (مَسْأَلَة) تحلق آخر الْمَاضِي تَاء سَاكِنة حرفا (وَقَالَ الجلولي اسْما) مَا بعْدهَا بَدَلا مِنْهَا أَو مُبْتَدأ خَبره الْجُمْلَة قبله وَلم تلْحق آخر الْمُضَارع اسْتغْنَاء بتاء المضارعة وَلَا الْأَمر اسْتغْنَاء بِالْيَاءِ ولحوقها لآخر الْمَاضِي (إِذا أسْند لمؤنث) دلَالَة على تَأْنِيث فَاعله (وجوبا إِن كَانَ ضميرا مُطلقًا) أَي لحقيقي أَو مجازي نَحْو هِنْد قَامَت وَالشَّمْس طلعت (أَو ظَاهرا حَقِيقِيًّا) وَهُوَ مَا لَهُ فرج من الْحَيَوَان نَحْو قَامَت هِنْد (وَتركهَا) مِمَّا ذكر (ضَرُورَة على الْأَصَح) كَقَوْلِه:(3/332)
1768 -
(وَلَا أرْضَ أبقل إبْقالَها ... )
وَقَوله: 1769 -
(تمنى ابنتايَ أَن يعِيش أُبُوهُما ... )
وَقَالَ ابْن كيسَان يُقَال عَلَيْهِ لِأَن سِيبَوَيْهٍ حكى قَالَ فُلَانَة (وَثَالِثهَا) قَالَ الْكُوفِيُّونَ (يجوز) الْقيَاس (فِي الْجمع) بِالْألف وَالتَّاء دون الْمُفْرد فَيُقَال قَامَ الهندات قِيَاسا على جمع التكسير (وراجحا إِن كَانَ) ظَاهرا (مجازيا) نَحْو طلعت الشَّمْس وَمن تَركه: {وَجمع الشَّمْس وَالْقَمَر} [الْقِيَامَة: 9] {فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة مَكْرهمْ} [النَّمْل: 51] (أَو) حَقِيقِيًّا (مَفْصُولًا بِغَيْر إِلَّا) نَحْو قَامَت الْيَوْم هِنْد وَمن تَركه ( {إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات} [الممتحنة: 10] 1770 -
(إِن امْرأ غره مِنكن واحِدَة ... )(3/333)
(ومساويا إِن كَانَ جمع تكسير أَو اسْم جمع مُطلقًا) أَي لمذكر أَو لمؤنث نَحْو قَامَت الزيود و (قَامَ الزيود) و {قَالَت الْأَعْرَاب} [الحجرات: 14] {وَقَالَ نسْوَة} [يُوسُف: 30] أَو (جمعا بِالْألف وَالتَّاء لمذكر) نَحْو جَاءَت الطلحات وَجَاء الطلحات بخلافة لمؤنث فَإِن التَّاء وَاجِبَة فِيهِ لِسَلَامَةِ نظم وَاحِدَة نَحْو الهندات إِلَّا على لُغَة قَالَ فُلَانَة (أَو اسْم جنس لمؤنث) نَحْو كثرت النَّحْل وَكثر النَّحْل (وَمِنْه نعم وَبئسَ) نَحْو نعمت الْمَرْأَة فُلَانَة وَنعم الْمَرْأَة لِأَن الْمَقْصُود فِيهِ الْجِنْس على سَبِيل الْمُبَالغَة فِي الْمَدْح أَو الذَّم وَكَذَا نعمت جَارِيَة هِنْد وَنعم جَارِيَة هِنْد (فَإِن كَانَ فاعلهما مذكرا كني بِهِ عَن مؤنث جَازَ لحاقها وَالتّرْك أَجود) نَحْو هَذِه الدَّار نعم الْبَلَد ونعمت الْبَلَد وَفِي عَكسه الْإِثْبَات أَجود نَحْو هَذَا الْبَلَد نعمت الدَّار وَنعم الدَّار (ومرجوحا إِن فصل بإلا) نَحْو 1771 -
(مَا برئَتْ من رِيبَة وذَمِّ ... فِي حربنا إِلَّا بَنَات العَمِّ
(وَقيل ضَرُورَة) لَا يجوز فِي النثر ورد بِقِرَاءَة {إِن كَانَت إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة} [يس: 29] بِالرَّفْع (وجوزها الكوفية فِي جمع الْمُذكر السَّالِم) كجمع التكسير فَيُقَال قَامَت الزيدون(3/334)
والبصرية منعُوا ذَلِك لعدم وُرُوده وَلِأَن سَلامَة نظمه تدل على التَّذْكِير وَأما البنون فَإِن نظم وَاحِدَة متغير فَجرى مجْرى التكسير كالأبناء (وَالتَّاء فِي) أول (الْمُضَارع كالماضي خلافًا وَحكما) فَيجب فِي تقوم هِنْد وَهِنْد تقوم وَالشَّمْس تطلع وترجح فِي تطلع الشَّمْس وتهب الرّيح ويرجح فِي مَا تهب الرّيح إِلَّا فِي كَذَا وَمن ألحاقها مَا قرئَ {فَأَصبَحُوا لاَ تَرَى إِلاَّ مَسَاكِنَهُمْ} [الْأَحْقَاف: 25] (فَإِن أخبر بِهِ عَن ضمير غيبَة لمؤنث) نَحْو الهندان هما يفْعَلَانِ (فألزم ابْن أبي الْعَافِيَة التَّاء) حملا على الْمَعْنى (وَصَححهُ أَبُو حَيَّان وَخَالف ابْن الباذش) فجوز التَّاء حملا على لَفْظهمَا وَذكر أَنه قَالَه قِيَاسا وَلم نعلم فِي الْمَسْأَلَة سَمَاعا من الْعَرَب وَلَا نعتا لأحد من النُّحَاة ورده أَبُو حَيَّان بِأَن الضَّمِير يرد الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا وَقد وجد السماع بِالتَّاءِ فِي قَوْله ابْن أبي ربيعَة: 1772 -
(لعَلّها أَن تبْغِيَا لَك حَاجَةً ... )
أوزان ألف التَّأْنِيث الْمَقْصُورَة
(مَسْأَلَة أوزان) ألف التَّأْنِيث (الْمَقْصُورَة)
فعلى
(فعلى) بِالضَّمِّ فالكسون اسْما أَو صفة مصدرا نَحْو أُنْثَى وحبلى وبشرى(3/335)
فعلى
(وفعلى) بِالْفَتْح (أُنْثَى فعلان) أَي وَصفا كسكرى (أَو مصدرا) كدعوى (أَو جمعا) كجرحى فَإِن كَانَ اسْما لم يتَعَيَّن كَون أَلفه للتأنيث بل يصلح لَهَا وللإلحاق كأرطى وعلقى
فعلى
(وفعلى) بِالْكَسْرِ (مصدرا) كذكرى (أَو جمعا) كظربي وحجلي وَلَا ثَالِث لَهما فَإِن لم يكن مصدرا وَلَا جمعا لم يتَعَيَّن لَهُ فَإِن لم ينون فَلهُ ك (ضيزى) أَي جائرة أَو نونت فللألحاق كَرجل كيصى وَهُوَ المولع بِالْأَكْلِ وَحده
فعالى
(و) فعالى بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيف وَلم يرد وَصفا بل اسْما (نَحْو حبارى) لطائر وجمعا نَحْو سكارى وَزعم الزبيدِيّ أَنه ورد وَصفا نَحْو جمل علادى أَي شَدِيد ضخم
فعلى
(و) فعلى بِالضَّمِّ وَتَشْديد الْعين الْمَفْتُوحَة (نَحْو سمهى) للباطل
أفعلاوي
(و) أفعلاوي بِالْفَتْح وَضم الْعين (نَحْو أربعاوي) لقعدة المتربع
فعلى
(و) فعلى بِالْكَسْرِ فالفتح فالتشديد (نَحْو سبطرى) لنَوْع من الْمَشْي(3/336)
فعلى
(و) فعلى بِضَمَّتَيْنِ وَتَشْديد اللَّام (نَحْو كفرى) لوعاء الطّلع وحذرى من الحذر ونذرى من التبذير
فعالى
(و) فعالى بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيد (نَحْو شقارى) لبِنْت وحوارى وخضارى
فعلوى
(و) فعلوى نَحْو (هرنوى) لنبت
فعولى
(و) فعولى نَحْو (قعولي) لضرب من مشي الشَّيْخ
فعللولى فنعلولى
(و) فعللولى أَو فنعلولى نَحْو (حندقوقا) لنبت قيل نونه أَصْلِيَّة وَقيل زَائِدَة وَيُقَال بِكَسْر الْحَاء وبكسرها وَالدَّال وبفتح الدَّال وَالْقَاف مَعَ كسر الْحَاء وَفتحهَا
مفعلى
(و) بِالضَّمِّ وَتَشْديد اللَّام وَلم يَجِيء إِلَّا صفة نَحْو (مكورى) لعَظيم الأرنبة
مفعلى
(و) مفعلى بِالْكَسْرِ وَتَشْديد اللَّام نَحْو (مرقدى) لكثير الرقاد
فعلوتا
(و) فعلوتا بِفتْحَتَيْنِ نَحْو (رهبوتا) ورغبوتا للرهبة وَالرَّغْبَة
فعللى
(و) فعللى بِكَسْر الْفَاء وَاللَّام نَحْو (قرفصى) بِمَعْنى القرفصاء(3/337)
فعلنى
(و) فعلنى مثلنَا نَحْو (عرضنى) وفعلنى بِالضَّمِّ وَالْفَتْح وَسُكُون اللَّام نَحْو عرضنى من الِاعْتِرَاض
يفعلى
(و) يفعلى بتَشْديد اللَّام نَحْو (يهبرى) للباطل
فعللى
(و) فعللى بِكَسْر الْفَاء وَاللَّام وَتَشْديد الثَّانِيَة نَحْو (شفصلى) لنبت يلتوي على الْأَشْجَار
فعيلى
(و) فعيلى بِفَتَحَات وَتَشْديد الْيَاء نَحْو (هبيخا) لمشية بتبختر فعليا
(و) فعليا بِفَتَحَات وَتَشْديد وَلم يَجِيء إِلَّا اسْما نَحْو (مرحيا) للمرح
فعللايا
(و) فعللايا نَحْو (بردرايا) لموْضِع
فعلايا
(و) فعلايا نَحْو (حولايا)
فعلايا
(و) فعلايا بِالضَّمِّ وَالْفَتْح نَحْو (برحايا) للعجب(3/338)
إفعلى
(و) افعلى بِالْكَسْرِ نَحْو (إيجلى) لموْضِع
فوعلى
(و) فوعلى بِالْفَتْح وَتَشْديد اللَّام نَحْو (دودرى) لعَظيم الخصيتين
أوزان ألف التَّأْنِيث الممدودة
(و) أوزان الممدودة
فعلاء
(فعلاء) بِالْفَتْح والسكون اسْما لصحراء أَو وَصفا كحمراء وديمة هطلاء أَو مصدرا كرغباء أَو جمعا كطرفاء
أفعلاء
(وأفعلاء) بِكَسْر الْعين نَحْو أربعاء للرابع من أَيَّام الْأُسْبُوع وأصدقاء وأولياء
أفعلاء
(و) أفعلاء (بضَمهَا) كأربعاء لعود من عيدَان الْخَيْمَة
فعللاء
(وفعللاء) مثلت وَفَاء لَام كعقرباء لمَكَان وهندباء لبقلة وقرفصاء لضرب من الْقعُود
وفعللاء
(و) بِالضَّمِّ وَفتح اللَّام كقرفصاء قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يُثبتهُ غير ابْن مَالك وَقَالَ الفتحة للتَّخْفِيف فَلَا تكون أصلا(3/339)
فعيلياء
وفعيلياء بِالضَّمِّ كمزيقياء ومطيطياء قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يذكرهُ إِلَّا ابْن القطاع وَتَبعهُ ابْن مَالك وَكَأَنَّهُم رَأَوْا أَن الْيَاء يَاء تَصْغِير فَكَأَنَّهُ فِي الأَصْل بني على فعلياء وَإِن لم ينْطق بِهِ فَيكون كَمَا لَو صغرت كبرياء (كبيرياء) وَمَا جَاءَ فِي لسانهم على هَيْئَة المصغر وَصفا فَإِنَّهُ لَا يثبت بِنَاء أَصْلِيًّا
فعولاء
(وفعولاء) بِضَمَّتَيْنِ نَحْو عشوراء للعاشر من أَيَّام الْمحرم قَالَ أَبُو حَيَّان وَذكر بعض الْكُوفِيّين فِيهِ الْقصر فَيكون من الْأَبْنِيَة الْمُشْتَركَة
معفولاء
(ومفعولاء) نَحْو مشيوخاء ومعلوجاء ومعيوراء ومأتوناء لجَماعَة الشُّيُوخ والعلوج والأعيار والأتن
مفعلاء
(ومفعلاء) بِالْفَتْح وَكسر الْعين كمرعزاء
فعلاء
(وفعلاء) بِالْكَسْرِ وَفتح الْعين نَحْو سيراء لنَوْع من ثِيَاب القز
فعلاء
(وفعالاء) بِالْفَتْح اسْما نَحْو براكاء لمعظم الشَّيْء وَصفته نَحْو طباقاء للرجل الَّذِي ينطبق عَلَيْهِ أمره(3/340)
فعالاء
(وفعالاء) بِالْكَسْرِ كقصاصاء للْقصَاص قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يحفظ غَيره
يفاعلاء
(ويفاعلاء) بِالْفَتْح كينابعاء لمَكَان قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يذكر هَذَا الْبناء غير ابْن القطاع وَتَبعهُ ابْن مَالك
فاعلاء
(وفاعلاء مثلت عين) أَي مفتوحها كخازباء ومكسورها كقاصعاء ونافقاء كِلَاهُمَا لجحر اليربوع ومضمومها كقافلاء وشاصلاء لنبت والمفتوح والمضموم زادهما أَبُو حَيَّان على التسهيل
فعلياء
وفعلياء بِكَسْر الْفَاء وَاللَّام اسْما ككبرياء وسيمياء للعلامة أَو صفة كريح جربياء أَي شمال
فنعلاء
(وفنعلاء) بِضَم الْفَاء وَالْعين وتفتح الْعين كخنفساء وخنفساء
فعنلاء
وفعنلاء بِالْفَتْح ك (برنساء) بِمَعْنى النَّاس
الأوزان الْمُشْتَركَة
(ويشتركان) أَي الْمَقْصُورَة والممدودة (فِي) أوزان(3/341)
فعلى
(فعلى) بِفتْحَتَيْنِ فالمقصور اسْم نَحْو أجلى لموْضِع وبردى نهر دمشق وَصفَة كجمزى ومرطى وبشكى لضرب من الْعَدو وجفلى للدعوة الْعَامَّة ونقرى للخاصة والممدود لَا يحفظ مِنْهُ إِلَّا فرحاء وجنفاء موضعان وَابْن دأثاء وَهِي الْأمة
فعلى
(وفعلى) بِالضَّمِّ فالفتح فالمقصور لم يرد إِلَّا اسْما نَحْو شعبى لموْضِع وأربى للداهية
فعلاء
والممدود اسْم كخششاء لعظم خلف الْأذن وصعداء للتنفس ورحضاء لعرق الْحمى وَصفَة كنفساء وناقة عشراء
فعللى وفعللاء
(وفعللى) بِفَتْح الْفَاء وَاللَّام لم يرد إِلَّا اسْما فالمقصور كقهقرى لنَوْع من الْمَشْي وفرتنى لامْرَأَة وقرقرى لموْضِع والممدود كعقرباء لموْضِع وعد ابْن مَالك هَذِه الأوزان الثَّلَاثَة فِي الكافية من المختصات بالمقصورة وَفِي التسهيل من الْمُشْتَركَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ الصَّحِيح(3/342)
فعللى
(وفعللى) بِكَسْر الْفَاء وَاللَّام وَلم يرد إِلَّا اسْما فالمقصور كهربدي لمشية الهربدة والممدودة كهندباء لبقلة وطرمساء للظلمة وجلحطاء لأرض لَا شجر فِيهَا
فوعلى
(وفوعلى) بِفَتْح الْفَاء وَالْعين وَلم يرد إِلَّا اسْما كخوزلى لمشية بتبختر وحوصلاء
فيعلى
(وفيعلى) بِالْفَتْح كخيزلى وديكسى لُغَة فِي ديكساء وَهِي الْقطعَة من النعم قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يثبت هَذَا الْوَزْن إِلَّا ابْن القطاع وَتَبعهُ ابْن مَالك وَقَالَ غَيره هُوَ فعللاء وفعللى فَلم يثبت فيعلى للممدود
فعيلى وفعيلاء
(وفعيلى وفعيلاء) نَحْو كثيرى وقريثاء وكريثاء لنَوْع من الْبُسْر بِفَتْح الْفَاء وَكسر الْعين
فعيلى
(وفعيلى) بكسرتين وَتَشْديد الْعين فالمقصور لم يرد إِلَّا مصدرا كحثيثى للحث وهجيري للْعَادَة والممدود لم يحفظ مِنْهُ إِلَّا فخيراء وخصيصاء ومكيناء وَلَا رَابِع لَهَا
فاعولى
(وفاعولى) بِضَم الْعين نَحْو بادولى لبلد وعاشوراء وضاروراء للضَّرَر(3/343)
إفعيلى
(وإفعيلى) بِكَسْر الْهمزَة وَالْعين نَحْو إهجيري واجريا للْعَادَة وَلَا يحفظ غَيرهمَا وإهجيراء وإجرياء لُغَة فيهمَا وإحليلاء مَوضِع
فعلى
(وفعلى) كقطبى لنبت وزمكى وزمجى وزمجاء بِالْقصرِ وَالْمدّ للاست وَهَذَا الْوَزْن عده ابْن مَالك فِي الكافية من الْمُخْتَص بالمقصورة وَفِي التسهيل من الْمُشْتَرك قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ الصَّحِيح
فعلولى
(وفعلولى) بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الْعين وَضم اللَّام نَحْو فوضوضى ومعكوكاء وبعكوكاء للشر والجلبة
فعليا
(وفعليا) بِفتْحَتَيْنِ وَكسر اللَّام نَحْو زَكَرِيَّا وزكرياء
فعيلي
(وفعيلى) بِضَم الْفَاء وَتَشْديد الْمَفْتُوحَة كخليطى للاختلاط ولغيزى للغز ودخيلا لباطن الْأَمر وقبيطا للناطف
فعنلى
(وفعنل) كجلندى اسْم ملك وجلنداء
أفعلى
(وأفعلى) بِفَتْح الْهمزَة وَالْعين كأجفلى للدعوة الْعَامَّة وأوجلى مَوضِع وَلَا ثَالِث لَهما والأربعا والأجفلا(3/344)
يفاعلى
(ويفاعلى) بِضَم أَوله بيض أَبُو حَيَّان لمثال الْمَقْصُور مِنْهُ قَالَ وَمِثَال الْمَمْدُود ينابعاء اسْم بلد لَا غير
فعاللى
(وفعاللى) بِالضَّمِّ وَكسر اللَّام جخادبى وجخادباء
فعولى وفعولى وفاعلى وفعلى
(وفعولى) بِالْفَتْح فالضم كعبيد سنوطي اسْم أَو لقب وحضورى لموْضِع ودبوقا للعذرة ودقوقا لقرية بِالْبَحْرَيْنِ وقطورى قَبيلَة فِي جرهم وكحرورا وجعولا مضعان وَهَذَا الْوَزْن ذكره فِي التسهيل فِي الْمُخْتَص بالممدود وَهُوَ رَأْي ابْن عُصْفُور وعده ابْن الْقُوطِيَّة وَابْن القطاع من الْمُشْتَرك قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ الصَّحِيح (وفعولى) بِفتْحَتَيْنِ وَسُكُون الْوَاو كشرورى لموْضِع وخجوجا للطويل الرجلَيْن (وفاعلى) بِالتَّشْدِيدِ كقافلا وقافلاء (وفعلى) بِضَم الْفَاء وَفتح الْعين وَتَشْديد اللَّام كعرضى من الِاعْتِرَاض وسلحفا(3/345)
الْمَقْصُور والممددود
أَي هَذَا مبحثهما وذكرا عقب التَّأْنِيث لاشْتِمَاله على الْألف الْمَقْصُورَة والممدودة وَالْأولَى فِي مُنَاسبَة التَّسْمِيَة لِأَن الْمَقْصُور سمي بِهِ لِأَنَّهُ لَا يمد إِلَّا بِمِقْدَار مَا فِي أَلفه من اللين وَلِأَن أَلفه تحذف لتنوين أَو سَاكن بعْدهَا فيقصر والممدود بِخِلَافِهِ لِأَنَّهُ يمد لوُقُوع الْألف قبل همزَة كَمَا تمد حُرُوف الْمَدّ الْمُتَّصِلَة بِهِ وَلَا تحذف أَلفه بِحَال وَقيل سمي الْمَقْصُور لِأَنَّهُ حبس عَن الْإِعْرَاب وَالْقصر الْحَبْس وَلَيْسَ بجيد لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يشْعر بمناقضة الْمَمْدُود وَيلْزمهُ صدق هَذَا الِاسْم على الْمُضَاف للياء
الْمَقْصُور
(الْمَقْصُور مَا آخِره ألف لَازِمَة) من الْأَسْمَاء المعربة فَخرج بِالْألف مَا آخِره يَاء وباللازمة الْأَسْمَاء السِّتَّة حَالَة النصب وَلم أحتج إِلَى زِيَادَة مفرده كَمَا صنع ابْن الْحَاجِب احْتِرَازًا عَن الْمَمْدُود نَحْو صحراء لعدم الْحَاجة إِلَيْهِ إِذا لَا يصدق عَلَيْهِ أَن آخِره ألف بل همزَة فَلم يدْخل وَلَا يُوصف بذلك غير الْأَسْمَاء كيخشى وَرمى وأبى وَلَا المبنيات كمتى وَهَذَا وَإِذا وَمَا يَقع فِي عبارَة بَعضهم من إِطْلَاق ذَلِك عَلَيْهَا تسَامح (وَيُقَاس) الْقصر (فِي كل معتل) آخِره (فتح مَا قبل آخِره نَظِير الصَّحِيح لُزُوما أَو غَلَبَة كمفعول غير الثلاثي) كمصطفى ومقتدى وَمُقْتَضى ومستقصى إِذْ نظائرها من الصَّحِيح مَفْتُوحَة مَا قبل الآخر لُزُوما كَمَا تقدم وَلم يشذ مِنْهَا شَيْء (ومصدر فعل اللَّازِم) كهوي هوى وجوي جوى إِذْ نظيرهما من الصَّحِيح (فَرح) وَنَحْوه لِأَن الْمصدر فِيهِ على فعل بِالْفَتْح غَالِبا وَإِن جَاءَ على فعالة كشكس شكاسة فاكتفي بالغالب فِي قصر نَظِيره المعتل (والمفعل) سَوَاء كَانَ مصدرا أم زَمَانا كمرمى ومغزى إِذْ نظيرهما مَذْهَب ومسرح بِفَتْح مَا قبل الآخر لُزُوما(3/346)
(والمفعل) بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْعين للآلة نَحْو مرمى ومهدى وَهُوَ وعَاء الْهَدِيَّة إِذْ نظيرهما نَحْو مخصف ومغزل على مفعل بِفَتْح غَالِبا وَإِن جَاءَ على مفعال نَادرا (وَجمع فعلة) بِالْكَسْرِ (وفعلة) بِالضَّمِّ نَحْو مرية ومرى ومدية ومدى إِذْ نظيرهما من الصَّحِيح نَحْو قربَة وَقرب وقرية وقرى على فعل وَفعل بِفَتْح مَا قبل الآخر
الْمَمْدُود
(والممدود مَا آخِره ألف بعْدهَا همزَة) زَائِدَة من الْأَسْمَاء المعربة فَخرج بالقيد الْأَخير الْمَقْصُور وبالزائدة الْهمزَة المبدلة من أصل نَحْو كسَاء ورداء وَالْألف كَذَلِك نَحْو مَاء فَإِن أَصله موه قلبت الْوَاو ألفا وَالْهَاء همزَة فَلَا يُسمى ممدودا نَص عَلَيْهِ الْفَارِسِي لعروض الْمَدّ فِيهِ إِذْ ألفها وَاو فِي الأَصْل وَلَا يُسمى ممدودا غير الْأَسْمَاء كجاء وَشاء وَلَا المبنيات كهؤلاء واللاء إِلَّا تسمحا (وَيُقَاس فِيمَا) أَي معتل الآخر (قبل آخِره نَظِيره) الصَّحِيح (ألف) لُزُوما أَو غَلَبَة (كمصدر) الْفِعْل (ذِي) همز (الْوَصْل) كالاستقصاء والاصطفاء إِذْ نظيرهما الاستخراج والاقتدار (وفعال) بِالْفَتْح وَالتَّشْدِيد كعداء وسقاء إِذْ نظيرهما قتال وشراب وتفعال) بِالْفَتْح كالتعداء والترماء إِذْ نظيرهما التّكْرَار والتطواف (ومفعال صفة) كمهزاء إِذْ نَظِيره مهزار بِخِلَافِهِ غير صفة كاسم الْآلَة ثمَّ وَورد الصّفة على هَذَا الْوَزْن غَالِبا وَقد يَأْتِي على مفعل كمدعس ومطعن (وَوَاحِد أفعلة) ككساء وأكسية وقباء وأقبية إِذْ نظيرهما خمار وأخمرة وقذال وأقذلة وأشرت بِالْكَاف إِلَى أَنه بقيت أَمْثِلَة كَثِيرَة اطرد فِيهَا الْقصر وَالْمدّ لاندراجها تَحت الْقَاعِدَة الْمُتَقَدّمَة(3/347)
(وَغير ذَلِك مرجعه السماع) قصرا ومدا وَفِيه كتب مُؤَلفه يرجع إِلَيْهَا قَالَ أَبُو حَيَّان وَمن أجمعها (تحفة المودود) لِابْنِ مَالك (وَمر من بِنَاء التَّثْنِيَة وجمعي التَّصْحِيح) فِي أول الْكتاب تبعا للتسهيل وَإِن كَانَ اللَّائِق ذكره هُنَا
جمع التكسير
أَي هَذَا مبحثه (هُوَ قلَّة) يُطلق على ثَلَاثَة إِلَى عشرَة (وَكَثْرَة) يُطلق على عشرَة فَمَا فَوْقهَا وَقد يُغني أَحدهمَا عَن الآخر وضعا كَقَوْلِهِم فِي رجل أرجل وَلم يجمعوه على مِثَال كَثْرَة وَفِي رجل رجال وَلم يجمعوه على مِثَال قلَّة أَو اسْتِعْمَالا لقَرِينَة مجَازًا نَحْو: {ثَلَاثَة قُرُوء} [الْبَقَرَة: 228]
جموع الْقلَّة
(فَالْأول) أَي الَّذِي للقلة أَرْبَعَة أوزان وسلكت هُنَا كَابْن مَالك طَريقَة الِابْتِدَاء بِالْجمعِ وَذكر مَا يجمع عَلَيْهِ قِيَاسا وسماعا وسلك ابْن الْحَاجِب طَرِيق سِيبَوَيْهٍ الِابْتِدَاء بالمفرد وَذكر مَا يجمع عَلَيْهِ قلَّة أَو كَثْرَة كَذَلِك
أفعل
أَحدهَا (أفعل) وابتدء بِهِ لِأَنَّهُ أقل زَوَائِد إِذْ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَة غير الْهمزَة (ويطرد فِي ثلاثي اسْما صَحِيح الْعين على فعل) بِالْفَتْح والسكون ككلب وأكلب وفلس وأفلس وَوجه وأوجه ودلو وأدل وظبي وأظب بِخِلَاف غير الِاسْم وَهُوَ الْوَصْف كضخم وكهل والمعتل الْعين كسيف وثوب لاستثقال الضمة على حرف الْعلَّة وندر أعبد وأعين وأسيف وأثوب (و) يطرد أَيْضا (فِي) اسْم (مؤنث بِلَا عَلامَة رباعي ثالثه مُدَّة) ألف أَو وَاو أَو يَاء مَفْتُوح الأول أَو مكسوره أَو مضمومه كعناق وأعنق وذراع وأذرع وعقاب وأعقب وَيَمِين وأيمن بِخِلَاف الْوَصْف كشجاع والمذكر وشذ طحال أطحل وعتاد وأعتد وغراب وَأغْرب والمؤنث بعلامة كسحابة ورسالة وعجالة وصحيفة والثلاثي كدعد والخالي من مُدَّة كخنصر وضفدع(3/348)
(لَا فعل) بِفتْحَتَيْنِ (وَفعل) بِالْكَسْرِ فالفتح (وَفعل) بِالْكَسْرِ والسكون (وَفعل) بِالضَّمِّ والسكون (وَفعل) بِالْفَتْح وَالضَّم (وَفعل) بِضَمَّتَيْنِ حَال كَون كل مِمَّا ذكر (مؤنثا) أَي لَا يطرد فِيهَا (فِي الْأَصَح) بل مَا ورد مِنْهُ يسمع وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ وَقَالَ يُونُس يطرد فِي فعل إِذا كَانَ مؤنثا نَحْو قدم وأقدم وَقَالَ الْفراء يطرد فِيهِ وَفِيمَا بعده كَذَلِك كَقدْر وأقدر وَقدم وأقدم وغول وأغول وَعجز وأعجز وعنق وأعنق وَلَا يطرد فِيهَا الْمُذكر وفَاقا وشذ جبل وأجبل وجرو وَأجر وركن وأركن وفرط وأفرط شَذَّ أَيْضا أكمة وآكم ونعمة وأنعم وَمَكَان وَأمكن وجنين وآجن
أَفعَال
(و) الثَّانِي (أَفعَال ويطرد فِي اسْم ثلاثي لم يطرد فِيهِ أفعل) وَهُوَ فعل المعتل الْعين كسيف وأسياف وثوب وأثواب وَغير وزن فعل من أوزانه كحزب وأحزاب وصلب وأصلاب وجمل وأجمال ووعل وأوعال وعضد وأعضاد وعنق وأعناق وَرطب وأرطاب وإبل وآبال وضلع وأضلاع وَأما فعل المطرد فِيهِ أفعل فَلَا يَأْتِي فِيهِ أَفعَال إِلَّا نَادرا كفرخ وأفراخ وَكَذَا الثلاثي غَيره وَالْوَصْف كجلف وأجلاف وحر وأحرار وَخلق وأخلاق ونكد وأنكار ويقظ وأيقاظ وجنب وأجناب وَكَذَا غير الثلاثي كشريف وأشراف وجبان وأجبان وجثة وأجثاث وهضبة وأهضاب ونضوة وأنضاء وسعفة وأسعاف ونمرة وأنمار وجاهل وأجهال وميت وأموات وغثاء وأغثاء وقماط وأقماط وَصَاحب وَأَصْحَاب وأغيد وأغياد وقحطان وأقحاط وذوطة وأذواط وَهُوَ نوع من العنكبوت (قيل) ويطرد أَيْضا (فِيمَا فاؤه همزَة أَو وَاو) وَهُوَ (على فعل صَحِيح الْعين) نَحْو أنف وآناف وَألف وآلاف وَوهم وأوهام وَوقت وأوقات ووقف وأوقات(3/349)
استثقالا لأَفْعَل فِيهِ بِوُقُوع الضمة بعد وَاو وَهَذَا رَأْي الْفراء وَالْأَكْثَر على أَنه مَحْفُوظ فِيهِ (وَقل) أَفعَال (فِي فعل) بِفتْحَتَيْنِ حَال كَونه (أجوف) ك (مَال) وأموال وَحَال وأحوال وخال وأخوال (وندر فِي فعل) بِالضَّمِّ وَالْفَتْح كرطب وأرطاب وَربع وأرباع وَسَيَأْتِي قِيَاسه (وَلزِمَ فِي فعل) بكسرتين كإبل وآبال (وَغلب) فِي فعل لمضاعف (نَحْو لبب) وألباب (و) فعل نَحْو (مدى) وأمداء (و) فعل نَحْو (نمر) وأنمار (و) فعل نَحْو (عضد) وأعضاد (و) فعل نَحْو (عِنَب) وأعناب (و) فعل نَحْو (طُنب) وأطناب) وعنق وأعناق (و) فعول نَحْو (فَلَو) وأفلاء وعدو وأعداء
أفعلة
(و) الثَّالِث (أفعلة ويطرد فِي اسْم مُذَكّر رباعي ثالثه مُدَّة) ألف أَو وَاو أَو يَاء كطعام وأطعمة وحمار وأحمرة وغراب وأغربة ورغيف وأرغفة وعمود وأعمدة بِخِلَاف الصّفة وندر شحيح وأشحة ونجي وأنجية وَأما الْمُؤَنَّث فَتقدم أَن قِيَاسه أفعل وندر عِقَاب وأعقبه وَغير الرباعي وندر قدح وأقدحة و (قَز وأقزة) وخال وأخولة ورمضان وأرمضة وخوان لربيع الأول وأخونة والخالي من مُدَّة وندر جَائِز وأجوزة وَهِي الْخَشَبَة الممتدة فِي أَعلَى السّقف (فَإِن كَانَت) الْمدَّة فِي الِاسْم الْمَذْكُور (ألفا شَذَّ غَيره فِيهِ) إِن كَانَ (منقوصا أَو مضاعفا على فعال) بِالْكَسْرِ (أَو فعال) بِالْفَتْح كسقاء وزمام وسماء وبتات وَمن الشاذ فِيهِ عنان وعنن وحجاج وحجج وسماء وَسمي بِمَعْنى الْمَطَر ليَكُون مذكرا وَلَا يشذ فِي غير مَا ذكر غير أفعلة كَمَا سَيَأْتِي فِي أمثلته (وَمَا عدا مَا تقدم) قِيَاسه (يحفظ) وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ(3/350)
فعلة
(و) الرَّابِع (فعلة وَقيل هُوَ اسْم جمع) لَا جمع قَالَه ابْن السراج قَالَ أَبُو حَيَّان وشبهته أَنه رَآهُ لَا يطرد قَالَ وَهَذِه شُبْهَة ضَعِيفَة لِأَن لنا أبنية جموع بِإِجْمَاع وَلَا تطرد (و) على الأول (لَا يطرد بل يحفظ فِي فعيل) كصبي وصبية وَخصي وخصية بِالْفَتْح وجليل وَجلة وَفعل بِفتْحَتَيْنِ كَوَلَد وولدة وفتى وفتية (وَفعل) بِسُكُون الْعين كشيخ وشيخة وثنى وَهُوَ الثَّانِي فِي السِّيَادَة وثنية (وفعال) بِالضَّمِّ كغلام وغلمة وشجاع وشجعة (وفعال) بِالْفَتْح كغزال وغزلة (وَفعل) بِالْكَسْرِ فالفتح وكثنى بِوَزْن عدى وثنية
جموع الْكَثْرَة
(وَالثَّانِي) أَي جمع الْكَثْرَة لَهُ أوزان
فعل
أَحدهَا (فعل) ويطرد جمعا (لأَفْعَل وفعلاء) وصفين (مُتَقَابلين) كأحمر وحمراء وحمر (أَو منفردين لمَانع خلقَة) كأكمر للعظيم الكرة أَي الْحَشَفَة وآدر للمنتفخ الخصية وأقلف ورتقاء وقرناء وعذراء (وَفِي) المنفدرين لمَانع (اسْتِعْمَال) بِأَن لم تسْتَعْمل الْعَرَب إِلَّا أَحدهمَا مَعَ وجود الْمَعْنى فيهمَا كَرجل آلي وَامْرَأَة عجزاء وَلم يَقُولُوا أعجز وَلَا ألياء مَعَ وجود الْمَعْنى وَهُوَ كبر الْعَجز فيهمَا (خلف) قيل يطرد فِيهِ فعل وَجزم بِهِ ابْن مَالك فِي شرح الكافية وَقيل يحفظ وَجزم بِهِ فِي التسهيل (فَإِن صَحَّ لاما وعينا جَازَ ضمهَا) أَي الْعين (ضَرُورَة) فِي الشّعْر (مَا لم يُضَاعف) كَقَوْلِه:(3/351)
1773 -
(وَمَا انْتَمَيْتُ إِلَّا خُور وَلَا كُشُفٍ ... )
وَقَوله: 1774 -
(وأنكرتني ذوَاتُ الأعْيُن النَجُل ... )
بِخِلَاف المضاعف نَحْو (غر) لما يلْزم مِنْهُ فِي الفك وَهُوَ ثقيل مَعَ ثقل الْجمع والمتعل اللَّام نَحْو عمي لِئَلَّا تنْقَلب الْيَاء واوا ثمَّ تنْقَلب إِلَى الْيَاء كَمَا الْقَاعِدَة فِي كل اسْم وَاو قبلهَا فيئول إِلَى وزن فعل المهمل أَو الْعين نَحْو سود وبيض لاستثقال الضمة على حرف الْقلَّة وَمَا عدا مَا ذكر يحفظ فِيهِ فعل كسقف وسقف وخوار وخور وعميمة وَهِي النَّخْلَة الطَّوِيلَة وَعم وبازل وبزل وَأسد وَأسد وبدنة وبدن وذباب وذب
فعل
(و) الثَّانِي من أوزان جمع الْكَثْرَة (فعل) بِضَمَّتَيْنِ ويطرد جمعا (لفعول اسْما) مذكرا أَو مؤنثا كعمود وَعمد وقلوص وقلص (أَو صفة لَا لمفعول) كصبور وصبر وشكور وشكر بِخِلَاف نَحْو حَلُوب وركوب (وفعيل) بِلَا تَاء (اسْما) كقضيب وقضب وندر فِي الصّفة كنذير وَنذر وَفِي ذِي التَّاء كصحيفة وصحف (وفعال) بِالْفَتْح (وفعال) بِالْكَسْرِ (اسْمَيْنِ غير مضاعفين) لمذكر أَو مؤنث كقذال وقذل وأتان وأتن وحمار وحمر وذراع وذرع(3/352)
بِخِلَاف الوصفين كجبان وَجبن وناقة ضناك أَي عَظِيمَة المؤخرة وشذ جمل ثقال أَي بطيء وَثقل وناقة كناز وكنز والمضاعفين كحنان ومداد وشذ عنان وعنن (وَلَا يُقَاس فِي فعال) بِالضَّمِّ (على الصَّحِيح) وَبِه جزم فِي التسهيل وَجزم فِي شرح الكافية بقياسه فِيهِ وَمثله بكراع وكرع وقراد وقرد وَسمع وفَاقا فِي نَحْو سقف وسقف ونمر ونمر وشارف وَشرف وفرحة وَفَرح وَتَمْرَة وتمر وَستر وَستر (وَيجب تسكين عينه إِن كَانَت واوا اخْتِيَارا) نَحْو سوار وسور ونوار وَنور وعوان وَعون وَمن ضمهَا فِي الضَّرُورَة قَوْله: 1775 -
(عَنْ مُبْرقاتٍ بالبُريْن وتبدو ... بالأكفِّ اللامعات سُوُرْ)
(خلافًا للفراء) فِي قَوْله بِبَقَاء الضَّم اخْتِيَارا قَالَ وَرُبمَا قَالُوا عون كرسل فرقا بَين جمع الْعوَان والعانة وَيجوز التسكين (إِن لم تكنها) أَي واوا وَلم يُضَاعف نَحْو حمر وقذل بِخِلَاف مَا إِذا ضوعف نَحْو سرر فَلَا يسكن لما يُؤَدِّي إِلَيْهِ التسكين من الْإِدْغَام وَهُوَ مَمْنُوع هُنَا لالتزام الفك فِي الْمُفْرد وَالْجمع مَبْنِيّ على مفرده (فَإِن كَانَت) الْعين (يَاء كسرت الْفَاء) فَتُصْبِح نَحْو سيل وَعين جمعي سيال وعيان وَالْأَصْل سيل وَعين وَلَو بقيت الضمة لزم قلب الْيَاء واوا كموقن وتغيير الْحَرَكَة أسهل من تَغْيِير الْحَرْف (وَحكى قوم الْفَتْح فِي) فِي عين فعل (المضاعف) الَّذِي مفرده على فعيل لُغَة تَخْفِيفًا(3/353)
(وَقيل اسْما وَقيل صفة) أَيْضا فعلى الأول وَهُوَ رَأْي ابْن قُتَيْبَة وَغَيره وَاخْتَارَهُ ابْن الضائع لَا يجوز فِي (ثِيَاب جدد) إِلَّا الضَّم لِأَنَّهُ إِنَّمَا سمع فِي الِاسْم فَلَا تقاس عَلَيْهِ الصّفة وعَلى الثَّانِي وَهُوَ رَأْي ابْن جني وَاخْتَارَهُ الشلوبين وَابْن مَالك يجوز (جدد) كسرر جمع سَرِير وَالتَّقْيِيد بِكَوْن مفرده على فعيل أهمله ابْن مَالك وَنبهَ عَلَيْهِ أَبُو حَيَّان
فعل
(و) الثَّالِث من الأوزان (فعل) بِالضَّمِّ فالفتح ويطرد جَمِيعًا (الِاسْم على فعلة) بِالضَّمِّ والسكون (وفعلة بِضَمَّتَيْنِ) سَوَاء كَانَ صَحِيح اللَّام كغرفة وغرف وجمعة وَجمع أم معتلها أم مضاعفها كعروة وعرى ونهية وَنهى وعدة وَعدد بِخِلَاف الْوَصْف مِنْهَا كَرجل ضحكة وهزأة وَامْرَأَة شللة أَي سريعة فِي حَاجَتهَا وشذ رجل بهمة وبهم (و) يطرد (لفعلى أُنْثَى أفعل) ككبرى وَكبر وفضلى وَفضل بِخِلَاف فعلى غَيره كحبلى وبهمى ورجعى وربي (وقاسه الْمبرد فِي) فعل بِالضَّمِّ والسكون مؤنثا بِغَيْر تَاء نَحْو (جمل) وَغَيره قَالَ وَهُوَ مسموع (و) قاسه (الْفراء فِي) فعلى مصدر نَحْو (الرُّؤْيَا) والرؤى والرجعى والرجع (و) فِي فعلة بِفَتْح الْفَاء ثَانِي وَاو سَاكِنة (نَحْو نوبَة) ونوب وَغَيره قصره على السماع وَسمع وفَاقا فِي نَحْو قَرْيَة وقرى وَحلية وحلى وبرة وبرى وعجاية وَهِي لحْمَة فِي ركبة الْبَعِير وعجى وعدو وعدى وفقر وَهُوَ الْجَانِب وفقر(3/354)
فعل
(و) الرَّابِع من أوزان الْكَثْرَة (فِعَل) بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح وَقيل هُوَ ومتلوه أَي فُعل بِالضَّمِّ (أَسمَاء جمع) قَالَه الْفراء لِأَنَّهُ رأى أَنَّهُمَا يجمعان بِالْألف وَالتَّاء كعرفات وسدرات وَجمع الْجمع لَا يُقَاس وفَاقا فَحكم بِأَنَّهُمَا اسْما جمع لِأَنَّهُمَا أقرب إِلَى الْمُفْرد وَأجِيب بِأَن عَرَفَات وَنَحْوه للمفرد لَا للْجمع وَالْفَتْح فِيهِ للتَّخْفِيف وَيدل لِكَوْنِهِمَا جمعين أَنَّهُمَا لَا يوصفان وَلَا يخبر عَنْهُمَا إِلَّا بِجمع ويطرد فعل جمعا (لاسم تَامّ على فِعْلة) بِالْكَسْرِ والسكون نَحْو فرقة وَفرق بِخِلَاف الْوَصْف نَحْو صغرة وكبرة وَغير التَّام وَهُوَ الْمَحْذُوف مِنْهُ إِمَّا الْفَاء نَحْو رقة أَو اللَّام نَحْو لثة (وقاسة الْفراء) فِي فعلى اسْما نَحْو (ذِكْرى) وَذكر (و) فعلة بِفَتْح الْفَاء يائي الْعين نَحْو (ضيْعة) وضيع كَمَا قَاس فعلا فِي رُؤْيا ونوبة وحجته فِي ذِي الْألف فيهمَا أَن التَّأْنِيث بِالْألف شَبيه بالتأنيث بِالتَّاءِ فِي مَوَاضِع وَقد عاملتهما الْعَرَب مُعَاملَة وَاحِدَة فِي نَحْو أُخْرى وأُخر كغرفة وغرف وقاصعاء وقواصع كسالفة وسوالف فَكَذَا تجْرِي فُعْلى وفِعْلى كفُعْلة وفِعْلة وَلم يجز ذَلِك فِي فِعْلى وَصفا ك (كيصى) (و) قاسه الْمبرد فِي فعل بِالْكَسْرِ مؤنثا بِغَيْر تَاء نَحْو (هِنْد) كَمَا قَاس فعلا فِي نَحْو جمل وَوَافَقَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ابْن مَالك فِي شرح الكافية وَسمع وفَاقا فِي نَحْو قشع وَهُوَ الْجلد الْبَالِي وقشع وهضبة وهضب وحاجة وحوج وَهدم وَهُوَ الثَّوْب الْخلق وَهدم وَصُورَة وصور وحدأة وحدى وعدو وعدى
فِعال
(و) الْخَامِس (فِعال) بِالْكَسْرِ ويطرد جمعا (لفَعْلة) بِالْفَتْح والسكون (مُطلقًا) اسْما كَانَ أَو صفة يائي الْعين أَو غَيره كجفنة وجفان وصعبة وصعاب وغيضة وغياض (وفَعْل) بِالْفَتْح والسكون اسْما أَو صفة أَو واوي الْعين نَحْو كَعْب وكعاب وصعب وصعاب وحوض وحياض (لَا يائي الْعين أَو الْفَاء) كبيت وَشَيخ ويعر لاستثقال كسر الْيَاء أَو مَا قبلهَا(3/355)
وشذ ضيف وضياف ويعر ويعار وَهُوَ الجدي (وفَعَل) بِفتْحَتَيْنِ اسْما كحبل وجبال وقلم وقلام لَا مضاعفا كطلل (وَلَا) منقوصا كرحى وندى وَلَا الْوَصْف كبطل وشذ حسن وَحسان (وفَعَلة) بِفتْحَتَيْنِ كرقبة ورقاب وحسنة وَحسان كَذَا مثل أَبُو حَيَّان فأشعر بِأَنَّهُ لَا يشْتَرط فِيهِ مَا اشْترط فِي فعل وَلَا اسْم على فِعْل بِالْكَسْرِ (أَو فُعْل) بِالضَّمِّ سَاكِني الْعين كذئب وذئاب ورمح ورماح وخف وخفاف (لَا) فعل بِالضَّمِّ يائي اللَّام (كمُدْي) بل قِيَاسه أَفعَال (و) لَا واوي الْعين نَحْو (حُوت) بل قِيَاسه فِعْلان وَلَا الْوَصْف مِنْهُمَا كجلف وحلو ولوصف غير مَنْقُوص صَحِيح الْعين أَو معتلها على فعيل وفعيلة بِمَعْنى فَاعل فالع كظريف وظريفة وظراف وكرام وطويل وطوالة وطوال بخلافهما بِمَعْنى مفعول كجريح ولطيمة وشذ ربيطة ورباط أَو مَنْقُوص وَخَصه الْعَبْدي بمؤنثة أَي فعيلة وَخَطأَهُ الخضراوي (و) لوصف (على فعْلان) بِالْفَتْح وَالضَّم (وفعْلانة) كَذَلِك (وفَعْلى) بِالْفَتْح نَحْو غضاب فِي غَضْبَان وغضبى وندام فِي ندمان وندمانة وخماص فِي خمصان وخمصانة وشذ فِيمَا عدا مَا ذكر كخروف وخراف ولقحة لقاح ونمر ونمرة ونمار وعباءة وعباء وقائم وقائمة وَقيام وراع وراعية ورعاء وربى ورباب وجواد وجياد وناقة هجان ونياق هجان وَخير وَخيَار وأعجف وعجفاء وعجاف وبرمة وبرام وَربع وَربَاع وسرحان وسراح وَرجل وَرِجَال وأيصر وإصار وحدأة وحداء وقنينة وقنان(3/356)
فُعُول
(و) السَّادِس (فُعُول) بِالْفَتْح وَالضَّم ويطرد جمع الِاسْم على فَعْل بِالْفَتْح والسكون غير واوي الْعين ككعب وكعوب وَبَيت وبيوت بِخِلَاف الْوَصْف وشذ ضيف وضيوف وكهل وكهول والواوي الْعين وشذ فَوْج وفووج (أَو) على (فِعْل) بِالْكَسْرِ كجسم وجسوم وَدرع ودروع بِخِلَاف الْوَصْف (أَو) على فُعْل) بِالضَّمِّ غير مضاعف وَلَا واوي الْعين أَو ياتي اللَّام) كجند وجنود وَبرد وبرود بِخِلَاف المضاعف نَحْو خف وحوت ومدي وشذ حص وحصوص وَهُوَ الورس ونؤي ونئي (أَو على (فَعَل) بِفتْحَتَيْنِ غير أجوف وَلَا مضاعف كأسد وأسود بِخِلَاف الْوَصْف والأجوف وشذ سَاق وسوق والمضاعف نَحْو طلل وطلول وَقيل يسمع فِيهِ وَلَا يطرد وَجزم بِهِ فِي شرح الكافية (أَو) على (فَعِل) بِالْفَتْح وَالْكَسْر نَحْو كبد وكبود ونمر ونمور وشذ فِيمَا عدا ذَلِك كشاهد وشهود وصخرة وصخور وَشعْبَة وشعوب وقنة وقنون وظرف وظروف وأسينة وَاحِدَة قوى الْوتر وأسون وعناق وعنوق وَقد تلْحقهُ أَي فعولًا (وفِعالاً التَّاء) كفحولة وعمومة وحجارة وفحالة وَقد يُغني عَنْهُمَا فَعيل وفُعال) بِالضَّمِّ فِي الِاسْتِعْمَال كَقَوْلِهِم ضئين فِي ضَأْن وَلم يَقُولُوا ضئان وضؤون وَقَالُوا فِي الْمعز معيز وَلم يَقُولُوا معوز نعم قَالُوا معاز وَالأَصَح أَنَّهُمَا تكسير أَي جمعان لَا اسْما جمع وَقيل هما اسْما جمع وَثَالِثهَا الثَّانِي أَي فعال اسْم جمع وفعيل جمع حَكَاهُ أَبُو حَيَّان(3/357)
فُعّل
(و) السَّابِع (فعل) بِالضَّمِّ وَفتح الْعين الْمُشَدّدَة ويطرد جمعا لوصف على فَاعل وفاعلة كضرب فِي ضَارب وضاربة بِخِلَاف الِاسْم مِنْهُمَا كحاجب الْعين وجائزة الْبَيْت
فُعّال
(و) الثَّامِن (فُعَّال) بضبطه ويطرد جمعا للْأولِ أَي لوصف على فَاعل كصائم وصوام وشذ فِي فَاعله كصادة وصداد (وندرا) أَي فعل وفعال للمنقوص اسْتغْنَاء بِفِعْلِهِ وَمِمَّا سمع سَاق وَسقي وغاز وغزى وغزاء وَسَار وسراء وندر أَيْضا فِيمَا عدا مَا ذكر كأعزل وعزل وعزال وسخل وسخل وسخال ونفساء وَنَفس ونفاس وَقيل يسمعان أَي فعل وفعال مُطلقًا وَيرجع فِيمَا لم يسمع ورودهما فِيهِ إِلَى التَّصْحِيح وَلَا يقاسان
فَعَلة
(و) التَّاسِع (فَعَلَة) بِفتْحَتَيْنِ ويطرد جمعا لفاعل وصف ذكر عَاقل صَحَّ لاما وَإِن اعتل عينا كسافر وسفرة وَكَاتب وكتبة وبار وبررة بِخِلَاف وصف مؤنث كحائض وطامث وَطَالِق أَو مَا لَا يعقل وشذ ناعق ونعقة أَو معتل اللَّام كغاز ورام أَو على غير زنة فَاعل وشذ خَبِيث وخبيثة وَسيد وسَادَة وأجوق وجوقة وَهُوَ المائل الشدق ودنغ ودنغة وَهُوَ الرذل
فُعَلَة
(و) الْعَاشِر فعلة بِضَم الْفَاء وَفتح الْعين(3/358)
ويطرد جمعا (لَهُ) أَي لفاعل وصف ذكر عَاقل (معتلها) أَي اللَّام كغاز وغزاة ورام ورماة وقاض وقضاة بِخِلَاف غير فَاعل وشذ كمي وكماة وَالِاسْم وشذ باز وبزاة وَوصف الْمُؤَنَّث كغازية أَو غير الْعَاقِل كضار وشذ
(الصَّحِيح اللَّام) وشذ هادر وهدرة وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ الرجل لَا يعْتد بِهِ وَالأَصَح أَن الضَّم فِي هَذَا الْوَزْن (أصل) وَقيل لَا بل أَصله فعلة حول إِلَى الضَّم للْفرق بَين الصَّحِيح والمعتل (و) الْأَصَح أَنه لَيْسَ مخففا (من فُعَل) المشدد وَقَالَ الْفراء هُوَ مخفف عَنهُ عوض الْهَاء عَمَّا ذهب من التَّضْعِيف
فِعَلة
(و) الْحَادِي عشر (فِعلة بِكَسْرِهَا) أَي الْفَاء وَفتح الْعين (وَقيل) هُوَ اسْم جمع قَالَه الْفراء ويطرد جمعا لاسم على فُعْل بِالضَّمِّ والسكون صَحَّ لاما وَإِن اعتل عينا كدرج ودرجة وقرط وقرطة وكوز وكوزة بِخِلَاف الْوَصْف وشذ علج وعلجة والمعتل اللَّام وَقل فِي فَعْل بِالْفَتْح (وفِعْل) بِالْكَسْرِ كَزَوج وَزَوْجَة وغرد وغردة وقرد وقردة وحسل وحسلة
فَعْلَى
(و) الثَّانِي عشر (فَعْلى) بِالْفَتْح ويطرد جمعا (لفعيل) وَصفا بِمَعْنى ممات أَو موجع كقتيل وقتلى وصريع وصرعى وجريح وجرحى وَمَا دلّ عَلَيْهِ أَي هَذَا الْمَعْنى من فعل بِالْفَتْح وَالْكَسْر كزمن وزمنى (وفَعْلان) كسكران وسكرى (وفَيْعل) كميت وموتى (وأفْعَل) كأحمق وحمقى و (فَاعل) كهالك وهلكى(3/359)
وشذ فِيمَا عدا ذَلِك ككيس وكيسى وَسنَان ذرب وأسنة ذربي وَرجل جلد وجلدى
فِعْلَى
(و) الثَّالِث عشر (فِعلى) بِالْكَسْرِ وَهُوَ جمع (لحجل وظربان) وَلَا ثَالِث لَهما نَص على ذَلِك أَبُو عَليّ الْفَارِسِي وَغَيره وَلأَجل ذَلِك قَالَ ابْن السراج إِنَّه اسْم جمع وَقَالَ الْأَصْمَعِي حجلى لُغَة فِي الحجل لَا جمع وَهُوَ نوع من الطير والظربان دَابَّة تشبه القرد وَقيل الهر
فُعَلاء
(و) الرَّابِع عشر (فُعَلاء) بِالضَّمِّ وَالْفَتْح ويطرد جمعا (لفعيل وصف ذكر عَاقل بِمَعْنى فَاعل مفعل أَو مفاعل) ككريم وكرماء وَسميع بِمَعْنى مسمع وسمعاء وجليس وخليط ونديم بِمَعْنى مفاعل وجلساء وخلطاء وندماء وشذ فِي فعيل بِمَعْنى مفعول كأسير وأسراء أَو صفة مؤنث كسفيهة وسفهاء (وَحمل عَلَيْهِ خَليفَة) وَقَالُوا فِيهِ خلفاء لِأَنَّهُ بِمَعْنى فَاعل فَشبه بِمَا لَا تَاء فِيهِ (وَمَا دلّ على سجية حمد أَو ذمّ من فعال) بِالضَّمِّ (أَو فَاعِل) كشجاع وشجعاء وَصَالح وصلحاء وشاعر وشعراء وشعراء وعالم وعلماء وجاهل وجهلاء وشذ فِي غير مَا ذكر كرسول ورسلاء وَحدث وحدثاء وسمح وسمحاء
أفعلاء
(و) الْخَامِس عشر (أفْعلاء) ويطرد جمعا (لفعيل الْمُذكر مضاعفا أَو منقوصا) كشديد وأشداء ولبيب وألباء وجليل وأجلاء وتقي وأتقياء وَولي وأولياء وَنَبِي وأنبياء (وندر فِي صديقَة) لِأَنَّهُ لمؤنث وَإِنَّمَا يطرد فِي الْمُذكر وَفِي الحَدِيث:
(أرْسلُوا بهَا إِلَى أصدقاء خَدِيجَة)(3/360)
فعلان
(و) السَّادِس عشر (فعلان) بِالْكَسْرِ ويطرد جمعا (لاسم على فعل) بِالضَّمِّ وَالْفَتْح (أَو فعل) بِفتْحَتَيْنِ (أَو فعال) بِالضَّمِّ (مُطلقًا) صَحِيحا كَانَ أَو معتل الْعين أَو اللَّام كصرد وصردان وَخرب وَهُوَ ذكر الْحُبَارَى وخربان وتاج وتيجان وفتى وفتيان وَغُلَام وغلمان (أَو فعل) بِالضَّمِّ والسكون (أجوف بِالْوَاو) كحوت وحيتان وَنون ونينان وشذ فِي فعال الْوَصْف كشجاع وشجعان وَفِي غير ذَلِك كقنو وقنوان وصوار وَهُوَ قطيع بقر الْوَحْش وصيران وغزال وغزلان وخروف وخرفان وَعِيد وعيدان وظليم وظلمان وحائط وحيطان ونسوة ونسوان وقضفة وَهِي الأكمة وقضفان
فُعْلان
(و) السَّابِع عشر (فُعْلان) بِالضَّمِّ ويطرد جَمِيعًا (لاسم على فعيل أَو فعل) بِفتْحَتَيْنِ (صَحِيح الْعين) كرغيف ورغفان وقضيب وقضبان وَذكر وذكران (أَو) على (فَعْل) بِالْفَتْح والسكون كَظهر وظهران وبطن وبطنان أَو على فعل بِالْكَسْرِ والسكون كذئب وذؤبان وشذ فِي فعيل أَو فعل الْوَصْف نَحْو قعيد وقعدان وجزع وجزعان وَفِيمَا عدا ذَلِك كراكب وركبان وأعمى وعميان وحوار وحوران وزُقاق وزُقَّاق وَثني وثنيان ورخل وَهُوَ ولد الضَّأْن ورخلان(3/361)
فواعل
(و) الثَّامِن عشر (فواعل) ويطرد جمعا (لفاعل غير وصف ذكر عَاقل) بِأَن كَانَ غير وصف أَو وصف مؤنث أَو غير عَاقل (ثَانِيَة ألف زَائِدَة) كحاجز وحواجز وَخَاتم وخواتم وَطَالِق وطوالق وحائض وحوائض وضاربة وضوارب وَنجم طالع وطوالع وجبل شامخ وشوامخ أَو ثَانِيَة واوغير مُلْحقَة بخماسي كجوهر وجواهر وكوثر وكواثر بِخِلَاف نَحْو خورنق فَإِن واوه لإلحاقه بسفرجل يجمع على خرانق لَا خوارق (ويفصل عينه من لامه يَاء) تزاد فِي الْجمع (إِن فصلا إفرادا) كساباط وسوابيط وجاسوس وجواسيس وطومار وطوامير وشذ فِي صفة الْمُذكر نَحْو فَارس وفوارس وَفِيمَا عدا ذَلِك كدخان ودواخن وحاجة وحوائج
فَعَالَى
(و) التَّاسِع عشر (فعالى) بِالْفَتْح ويطرد جمعا (لاسم على فعلاء) بِالْفَتْح وَالْمدّ (أَو فِعْلى) بِالْكَسْرِ (أَو فَعْلى) بِالْفَتْح كصحراء وصحاري وذفرى وذفاري وعلقى وعلاقى وشذ فِي الْوَصْف كعذراء وعذارى (وَوصف على فْعْلى) بِالضَّمِّ كحبلى وحبالى وَخُنْثَى وخناثي (لَا أُنْثَى أفعل) كالفضلى وَالدُّنْيَا (و) لوصف على فعلان بِالْفَتْح كغضبان وغضابي وسكران وسكارى وندمان وندامى (و) لوصف على (فَعْلى) بِالْفَتْح كسكرى وسكارى وشَاة حرمى أَي مشتهيه للنِّكَاح وحرامى وشذ فِيمَا عدا ذَلِك كيتيم ويتامى وأيم وأيامى ومهري ومهارى وحبط وحباطى(3/362)
فُعَالى
(و) الْعشْرُونَ (فُعالى) بِالضَّمِّ (وَهُوَ للأخيرين) أَي فعلان وفعلى (أرجح) من فعالى بِالْفَتْح كسكارى فِي سَكرَان
فَعالِي
(و) الْحَادِي وَالْعشْرُونَ (الفَعالِي) بِالْفَتْح وَكسر اللَّام (وَهُوَ يُغني عَن فعالى) بِالْفَتْح (جَوَازًا فِي فعلى) بِالضَّمِّ كحبلى والحبالى (وَمَا قبلهَا) أَي فعلاء وفِعْلى وفَعْلى كالصحاري والذفاري والعلاقي (و) فِي (عذراء ومهرى) فَيُقَال العذاري والمهاري وَيجوز فِي كل فعالى بِالْفَتْح (وَيلْزم فِيمَا) لَا يجوز فِيهِ فعالى (نَحْو حذرية) بِكَسْر الْحَاء وَالرَّاء وَهِي الْقطعَة الغليظة من الأَرْض والحذاري (وسعلاة) وَهِي أُنْثَى الغيلان والسعالي (وعرقوة) وَهِي الْخَشَبَة المعترضة على رَأس الدَّلْو والعراقي (والمأقى) وَهُوَ طرف الْعين مِمَّا يَلِي الْأنف والمآقي (وَفِيمَا حذف أول زائديه من حبنطى) والحباطي (وعفرني) والعفاري (وعدولى) والعدالي (وقلنسوة) والقلاسي (وحبارى وَنَحْوه) كقهوباة والقهابي وبلهنية والبلاهي فَإِن حذف ثَانِي الزائدين قيل الحبانط والعفارن والعداول والقلانس والحبائر والقهاوب والبلاهن وشذ فعالي فِي غير مَا ذكر كليلة وليالي وَأهل وأهالي وَعشْرين وعشاري وكيكة وَهِي الْبَيْضَة وكياكي
فعَالِيّ
(و) الثَّانِي وَالْعشْرُونَ (فَعالي) بِالْفَتْح وَتَخْفِيف الْعين وَكسر اللَّام وَتَشْديد الْيَاء(3/363)
(لثلاثي سَاكن الْعين آخِره يَاء مُشَدّدَة لَا لتجديد نسب) ككرسي وكراسي بِخِلَاف نَحْو تركي (ولنحو علْبَاء وقوباء) فِيمَا الْهمزَة فِيهِ للإلحاق فَإِنَّهُمَا يلحقان بسرداح وَقِرْطَاس فَيُقَال علابي وقوابي (و) لنَحْو (حولايا) فَيُقَال حوالي وشذ فِي نَحْو صحرى وصحاري وإنسان وأناسي وظربان وظرابي
فعائل
(و) الثَّالِث وَالْعشْرُونَ (فعائل) ويطرد جمعا (لفعيلة لَا بِمَعْنى مفعولة) اسْما أَو صفة كصحيفة وصحائف وظريفة وظرائف بِخِلَاف نَحْو قتيلة وشذ ذَبِيحَة وذبائح (و) لوزن فعأل بِالْفَتْح والسكون وهمزة (نَحْو شمأل) وشمائل (و) فعائل بِالضَّمِّ نَحْو (جُرائض) وجَرائض (و) فعيلاء نَحْو (قريثاء) وقرائث (و) فعالاء نَحْو (براكاء) وبرائك (و) فعولاء نَحْو (جَلُولَاء) وجلائل (وحبار وجزابية إِن حذف مَا بعد لامهما) وَهُوَ الزَّائِد الثَّانِي نَحْو حبائر وحزائب فَإِن حذف الأول فَلهُ فعالي كَمَا تقدم (وفعولة) بِالْفَتْح (وفعالة مثلث الْفَاء اسْمَيْنِ) كحمولة وحمائل وسحابة وسحائب ورسالة ورسائل وذؤابة وذوائب بِخِلَاف الْوَصْف فيهمَا كضرورة وفقاقة وطوالة وَبِخِلَاف مَا خلا مِنْهُمَا من التَّاء وَإِن كَانَ لمؤنث وشذ قلُوص وقلائص وشمال وشمائل وعقاب وعقائب وَكَذَا غير مَا ذكر كضرة وضرائر وحرة وحرائر وطنة وطنائن وهجان وهجائن (وَمَا عدا مَا ذكر) أَنه مطرد (فِي هَذِه الأوزان) كلهَا (شَاذ مسموع) لَا يُقَاس عَلَيْهِ وَقد تبين ذَلِك عقب كل وزن وَإِلَى هُنَا كَانَ انْتِهَاء كتابتي لهَذِهِ الْقطعَة المشروحة أَولا على هَذِه الطَّرِيقَة ثمَّ عدلت إِلَى طَريقَة أُخْرَى فشرحت عَلَيْهَا من أول الْكتاب إِلَى آخر الْكتاب الثَّانِي(3/364)
ونعود إِلَى إِكْمَال مَا بَقِي من الْكتاب على ذَلِك الأسلوب
مَسْأَلَة
(ص) (مَسْأَلَة) يجمع الزَّائِد على ثَلَاثَة غير مَا سبق لفواعل ومفاعل على موازنهما لَا مَا ثَانِيه مُدَّة أَو أفعل فعلاء أَو ذُو عَلامَة تَأْنِيث رَابِعَة أَو ألف وَنون كألفي فعلاء وَلَا يفك المضاعف اللَّام إِن لم يفك إفرادا على الصَّحِيح وَمَا رابعه لين غير مدغم فِيهِ تأصيلا فصل ثالثه من آخِره بياء سَاكِنة قد تعاقبها الْهَاء ويحذف من الزَّوَائِد مَا لَا يبْقى مَعَه أحد المثالين فَإِن تأتى بِحَذْف بعض أبقى مَا لَهُ مزية معنى أَو لفظا وَمَا لَا يُغني حذفه عَن غَيره فَإِن تكافآ فَالْخِيَار وَالأَصَح أَن مِيم مقعنسس أولى بِالْبَقَاءِ وَأَن انفعالا وافتعالا لَا يُعَامل كفعال وَإِن لم يبْق بِأَصْل حذف الْخَامِس أَو الرَّابِع إِن أشبه زَائِدا لَا الثَّالِث فِي الْأَصَح وَلَا يبْقى زَائِد مَعَ أَرْبَعَة أصُول إِلَّا لين رَابِع وَيجوز أَن يعوض مِمَّا حذف يَاء سَاكِنة قبل آخر مَا لم يَسْتَحِقهَا وهاء من ألف خَامِسَة وَهِي أَحَق بالمحذوف مِنْهُ يَاء النّسَب وَلَا تحذف يَاء مفاعيل وَعَكسه اخْتِيَارا وَجوزهُ الكوفية وَلَا يفتح بِغَيْر مفتتح مفرده وَلَا يخْتم بلين لَيْسَ فِيهِ أَو بدله وَمَا ورد فَهُوَ لوَاحِد قياسي مهمل أَو قَلِيل (ش) يجمع مَا زَاد على ثَلَاثَة أحرف سوى مَا تقدم أَنه يجمع على فواعل وفعائل على مَا يساويهما فِي البنية وَالْوَزْن أَي فِي الحركات والسكنات وَعدد الْحُرُوف كوزن فعالل ومفاعل وفعائل وفعاول وتفاعل ويفاعل وفياعل وفعالن وأفعال وفناعل وفعالم وَمَا أشبه هَذِه الأوزان بِشَرْط أَلا يكون ثَانِيه مُدَّة وَألا يكون بِهَمْزَة أفعل فعلاء نَحْو أَحْمَر حَمْرَاء وَلَا بعلامة تَأْنِيث رَابِعَة كحبلى وذكرى وَدَعوى وَلَا بِأَلف وَنون يضارعان ألفي فعلاء كسكران وَلَا يفك المضاعف اللَّام فِي هَذَا الْجمع إِن لم يفك فِي الْإِفْرَاد على الصَّحِيح وَذَلِكَ نَحْو معد ويمن وزعارة وحمارة وطمر وخدب وهجف فَإِذا جمعت بقيت على الْإِدْغَام فَيُقَال معاد وطمار وخداب وهجاف فَإِن فك فِي الْإِفْرَاد فك فِي الْجمع نَحْو مهدد وقردد فَيُقَال مهادد وقرادد وَاخْتَارَ بَعضهم فِي خدب وَنَحْوه مِمَّا كَانَ مُلْحقًا الفك أَو الْإِدْغَام فَيُقَال(3/365)
خدابب لِأَن خدبا مُلْحق بسبطر فيغتفر فِي جمعه الفك لِأَن باءه الثَّانِيَة بِإِزَاءِ رَاء سباطر وَمَا رابعه حرف لين غير مدغم فِيهِ إدغاما أَصْلِيًّا فصل فِي هَذَا الْجمع ثالثه من آخِره بياء سَاكِنة قد تعاقبها هَاء التَّأْنِيث وَذَلِكَ نَحْو بهلون وسربال وقنديل ومطعام ومطعان وفردوس وغرنيق فَيُقَال بهاليل وسرابيل وقناديل ومطاعيم ومطاعين [وفراديس وغرانيق] بِخِلَاف مَا رابعه مُنْقَلب عَن أصل كمختار ومنقاد فَإِنَّهُ يُقَال مخاتر ومقاود من غير فصل وَمَا أدغم فِيهِ إدغاما أَصْلِيًّا كعطود وهبيخ وقنور فَإِنَّهُ لَا يفصل أَيْضا بل يحذف مِنْهُ الْوَاو وَالْيَاء الساكنان فَيُقَال عطاود وهبايخ وقناور فَإِن كَانَ إدغامه عارضا كجديل تَصْغِير جدول وعُثَيِّر تَصْغِير عِثْيَر فصل وَمِثَال معاقبة هَاء التَّأْنِيث الْيَاء جَبَّار وجبابرة ودجال ودجاجلة وَكَانَ قِيَاسه جبابير ودجاجيل فعاقبت الْهَاء الْيَاء وَلذَلِك لَا يَجْتَمِعَانِ ويحذف من ذَوَات الزَّوَائِد مَا يتَعَذَّر بِبَقَائِهِ أحد المثالين أَعنِي مَا شبه فعالل أَو فعاليل كعيطموس فَفِيهَا زائدان الْيَاء وَالْوَاو فإمَّا أَن تحذف الْيَاء وَتبقى الْوَاو فَيُقَال عطاميس فَإِنَّهُ يصير رابعه حرف لين لَيْسَ مدغما إدغاماً أَصْلِيًّا وَإِمَّا أَن تحذف الْوَاو وَتبقى الْيَاء فَيُقَال عياطمس فَيُؤَدِّي هَذَا الْحَذف إِلَى تعذر شبه فعالل أَو فعاليل إِلَّا بِحَذْف حرف آخر أُصَلِّي وَعمل يُؤَدِّي إِلَى حذف وَاحِد أحسن من عمل يُؤَدِّي إِلَى حذف اثْنَيْنِ فَلذَلِك حذفوا الْيَاء فَإِنَّهُ لَا يلْزم من حذفهَا وإبقاء الْوَاو تعذر أحد المثالين وَكَذَلِكَ يُقَال فِي نَحْو مستعد ومستخرج (معاد) ومخارج وَكَذَلِكَ يحذف زَائِد إبقاؤه مخل بمفاعل أَو مفاعيل وَمَا أشبههما سَوَاء كَانَ الزَّائِد أَولا أَو آخرا أَو وسطا نَحْو سبطرى وسباطر ومدحرج ودحارج وفدوكس وفداكس فَإِن تأتى أحد المثالين بِحَذْف بعض وإبقاء بعض أُبْقِي مَا لَهُ مزية فِي الْمَعْنى أَو اللَّفْظ وَحذف الآخر مِثَال الْمَعْنى نَحْو منطلق ومعتلم الْمِيم وَالنُّون وَالتَّاء زَوَائِد فيحذف النُّون وَالتَّاء وَتبقى الْمِيم فَيُقَال مطالق ومعالم لِأَن الْمِيم زيد(3/366)
لِمَعْنى وَهُوَ الدّلَالَة على اسْم الْفَاعِل وزيادتها مُخْتَصَّة بالأسماء بِخِلَاف النُّون وَالتَّاء فَإِنَّهُمَا يزادان فِي الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال وَمِثَال اللَّفْظ نَحْو اسْتِخْرَاج يُقَال فِي جمعه تخارج فَتبقى التَّاء وتحذف السِّين لِأَن بقاءها وَحذف السِّين أدّى إِلَى وجود النظير نَحْو تجافيف وتماثيل وَالْعَكْس يُؤَدِّي إِلَى عدم النظير لِأَنَّهُ يصير سخاريج وسفاعيل مَعْدُوم فِي أبنية كَلَامهم وَيبقى أَيْضا الزَّائِد الَّذِي لَا يُغني حذفه لَو حذف عَن حذف زَائِد غَيره مِثَاله لغيزى وحضيرى الْألف وَأحد حرفي التَّضْعِيف زائدان فَيبقى المضاعف لِأَن حذفه لَا يُغني عَن حذف الآخر فَإِنَّهُ لَو حذف لبقي لغيزى وحضيرى مخففا وَلَو جمع هَذَا لزم حذف الْألف فَلذَلِك يبْقى المضاعف وتحذف الْألف فَيُقَال لغاغيز وحضاضير فَإِن ثَبت التكافؤ بِأَن لم يكن لأحد الزائدين مزية على الآخر لَا فِي معنى وَلَا فِي لفظ وَلَا تأدية إِلَى حذف الزَّائِد الآخر فالحاذف مُخَيّر نَحْو حبنطى النُّون وَالْألف زائدتان وَلَا مزية لأَحَدهمَا على الآخر لِأَن الزَّائِد الأول فضل بالتقدم وَالثَّانِي بنية الْحَرَكَة لِأَنَّهُ مُلْحق بسفرجل وَكَذَا قلنسوة فضلت النُّون بالتقدم وَالْوَاو بالحركة وعفرنى فضلت النُّون بالتقدم وَالْألف بتمكنها فِي تَقْدِير الحركات الثَّلَاث وفيقال فِي الْجمع إِمَّا حبانط وقلانس وعفارن وَإِمَّا حباطي وقلاسي وعفاري فَإِن كَانَ أحد الزائدين يضاهي أصلا وَالْآخر لَا يضاهيه وَهُوَ مِيم سَابِقَة كميم (مقعنسس) فَفِيهِ خلاف مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ أَنَّك تحذف السِّين فَتَقول مقاعس وَمذهب الْمبرد أَنَّك تحذف الْمِيم فَتَقول قعاسس وَجه الأول أَنه أبقى الْمِيم لكَونهَا مُتَقَدّمَة ولكونها تفِيد معنى وَهُوَ الدّلَالَة على اسْم الْفَاعِل وَوجه الثَّانِي أَن السِّين أشبهت الأَصْل فَحكم لَهَا بِحكمِهِ أَلا ترى أَنَّك تَقول فِي محرنجم ومدحرج حراجم ودحارج فتحذف الْمِيم وتبقي الْحَرْف الْأَصْلِيّ(3/367)
فَكَذَا فِي مقعنسس تحذف الْمِيم وتبقي الْحَرْف الملحق بِالْأَصْلِ وَأجِيب بِأَن هَذَا من قبيل زائدين ترجح أَحدهمَا بدلالته على معنى دون الآخر وَالنُّون فِي المذهبين محذوفة وَكَذَلِكَ المذهبان فِي التصغير والمصادر الَّتِي أَولهَا همزَة الْوَصْل تحذف للُزُوم تحرّك مَا بعْدهَا فِي التكسير والتصغير فَإِن كَانَ الْمصدر على وزن انفعال وافتعال كانطلاق وافتقار فَفِي تكسيره وتصغيره خلاف مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ أَنه يُقَال نطاليق وفتاقير ونطيليق وفتيقير فَإِن كَانَت تَاء الافتعال قد أبدلت ردَّتْ إِلَى أَصْلهَا من التَّاء فَيُقَال فِي اضْطِرَاب واصطبار وازدياد واذكار واظلال ضتاريب وضتيريب وَذهب الْمَازِني إِلَى إِجْرَاء انفعال وافتعال مجْرى فعال فِي حذف الْهمزَة وَحذف النُّون وَالتَّاء فَيُقَال فِي الْجمع طلائق وفقائر و [فِي التصغير] طليق وفقير فَإِن تعذر أحد المثالين بِبَعْض الْأُصُول حذف الْخَامِس من الْأُصُول مُطلقًا سَوَاء وَافق بعض الزَّوَائِد لفظا أم مخرجا أم لم يُوَافقهُ كسفرجل وسفارج وشمردل وشمارد ويحذف الرَّابِع وَيبقى الْخَامِس إِن كَانَ الرَّابِع أصلا وَافق بعض حُرُوف الزِّيَادَة فِي اللَّفْظ أَو فِي الْمخْرج نَحْو خدرنق نونه أصل لَكِنَّهَا مثل النُّون الزَّائِدَة من حَيْثُ اللَّفْظ فَيُقَال خدارق بحذفها وَإِقْرَار الْقَاف وَهُوَ الْحَرْف الْخَامِس وفرزدق داله أصل لَكِنَّهَا تشبه التَّاء الَّتِي هِيَ من حُرُوف الزِّيَادَة من حَيْثُ الْمخْرج لَا من حَيْثُ اللَّفْظ فَيُقَال فرازق بحذفها وَإِقْرَار الْقَاف هَذَا هُوَ الأجود وَيجوز فِيهِ وَجه آخر وَهُوَ إبْقَاء الرَّابِع وَحذف الْخَامِس فَيُقَال خدارن وفرازد هَذَا الْمَذْكُور من جَوَاز حذف الْخَامِس مُطلقًا أَو الرَّابِع بِشَرْطِهِ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَقَالَ الْمبرد لَا يجوز إِلَّا حذف الْخَامِس لَا غير وَمَا جَاءَ من قَوْلهم فرازق غَلطا وَمَا كَانَ غلط لَا يتَعَدَّى بِهِ اللَّفْظَة المسموعة قَالَ أَبُو حَيَّان وَقد وَافق الْمبرد على هَذَا غَيره(3/368)
أما الثَّالِث فَلَا يحذف فَلَا يُقَال فرادق وَلَا خدانق وَأَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ والأخفش قَالَ أَبُو حَيَّان وَكَأَنَّهُم رَأَوْا حذف الثَّالِث أسهل إِذْ تحل ألف الْجمع محلهَا فَيبقى مَا قبل الْألف معادلا لما بعْدهَا فِي كَون كل مِنْهُمَا حرفين متساويين فِي نظم التَّرْتِيب وَكَأَنَّهُم رَأَوْا أَن بالثالث حصل الِامْتِنَاع من الْوُصُول إِلَى مماثلة مفاعل أَو مفاعيل فأجروه مجْرى الزَّائِد الَّذِي جَاءَ ثَالِثا فحذفوه نَحْو وَاو فدوكس حَيْثُ قَالُوا فداكس وَلَا يبْقى فِي هَذَا الْجمع الَّذِي على مماثلة مفاعل أَو مفاعيل زَائِد مَعَ أَرْبَعَة أصُول بل يحذف سَوَاء كَانَ أَولا أَو ثَانِيًا أَو ثَالِثا أَو رَابِعا أَو خَامِسًا أَو سادسا نَحْو مدحرج وقنفخر وفدوكس وصفصل وسبطري وعنكبوت وعقربان وبرنساء فَيُقَال دحارج وقفاخر وفداكس وصفاصل وسباطر وعناكب وعقارب وبرانس وَلَا تُوجد زِيَادَة رَابِعَة فِي رباعي الْأُصُول إِلَّا حرف لين أَو مدعما وَلَا سادسة فِي رباعي الْأُصُول أَيْضا إِلَّا مَعَ زِيَادَة أُخْرَى ويكونان زيدتا مَعًا كَمَا مثلنَا بِهِ من عنكبوت وعقربان وبرنساء فَإِن كَانَ الزَّائِد حرف لين رَابِعا سَوَاء كَانَ حرف مد أَيْضا كعصفور وقنديل وسرداح أم غير حرف فَلَا كغرنيق وفردوس لم يحذف ذَلِك الزَّائِد بل إِن كَانَ يَاء أقرّ على حَاله أَو واوا أَو ألفا قلب فَيُقَال عصافير وقناديل وسراديح وغرانيق وفراديس فَإِن كَانَ حرف عِلّة لَا لين حذف كَالصَّحِيحِ فَيُقَال فِي كنهور كناهر وحرف اللين مَا كَانَ سَاكِنا سَوَاء كَانَت الْحَرَكَة قبله مُنَاسبَة أم لَا فَإِن ناسبته سمي حرف مد ولين وَاحْترز برابع من غير الرَّابِع فَإِنَّهُ يحذف أَيْضا وَإِن كَانَ حرف لين سَوَاء كَانَ ثَانِيًا أم ثَالِثا أم خَامِسًا كفدوكس وسميذع وعذافر وخيتعور وخيسفوج فَيُقَال فداكس وسماذع وعذافر وختاعر وخسافج وَيجوز أَن يعوض مِمَّا حذف سَوَاء كَانَ ثلاثي الْأُصُول أَو رباعيه أم خماسيه يَاء سَاكِنة قبل الآخر نَحْو مطاليق فِي منطلق وفداكيس فِي فدوكس وسفارج فِي(3/369)
سفرجل مَا لم يَسْتَحِقهَا من غير تعويض نَحْو لغيزى فَإِنَّهُ يُقَال فِيهِ لغاغيز بفك التَّضْعِيف وَحذف أَلفه وياء قبل آخِره لَكِن هَذِه الْيَاء هِيَ الَّتِي فِي الْمُفْرد فَلَيْسَتْ تعويضا من الْمَحْذُوف فِي الْجمع وَقد تعوض هَاء التَّأْنِيث من أَلفه الْخَامِسَة تَقول فِي حبنطى وعفرني حبانط وعفارن فَإِذا عوضت الْيَاء قلت حبانيط وعفارين أَو الْهَاء قلت حبانطة وعفارتة لَكِن بَاب تعويض الْيَاء أوسع جدا لِأَنَّهَا يجوز دُخُولهَا فِي كل مَا حذف مِنْهُ شَيْء غير بَاب لغيزى وتعويض الْهَاء مَقْصُور على مَا ذكر وهاء التَّأْنِيث بِالِاسْمِ الَّذِي حذفت مِنْهُ يَاء النّسَب عِنْد الْجمع من غَيره مِثَاله أشعثي وأشاعثه وأزرقي وأزارقة ومهلبي ومهالبة وَلَا يجوز حذف الْيَاء من مفاعيل وَلَا إِثْبَاتهَا فِي غَيره كمفاعل وفواعل عِنْد الْبَصرِيين إِلَّا فِي الضَّرُورَة كَقَوْلِه: 1776 -
(أَلا إِن جيراني العَشِيَّة رَائِحُ ... دَعَتْهُم دواع من هوى ومنادح)
وَالْأَصْل مناديح لِأَنَّهُ جمع مندوحة وَقَوله: 1777 -
(سوابغُ بيضٌ لَا تُخَرِّقُها النَّبْلُ ... )
وَالْأَصْل سوابيغ لِأَنَّهُ جمع سابغة وَأَجَازَ الكوفية الْأَمريْنِ فِي الِاخْتِيَار وَاسْتَدَلُّوا بقوله تَعَالَى: {وَعِنْده مفاتح الْغَيْب} [الْأَنْعَام: 59] وَالْأَصْل مَفَاتِيح لِأَنَّهُ جمع مِفْتَاح وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَو ألْقى معاذيره} [الْقِيَامَة: 15] وَالْأَصْل (معاذره) لِأَنَّهُ جمع معذرة(3/370)
وَتَأَول البصريون ذَلِك على أَنه جمع مفتح بِلَا ألف ومعذار بِأَلف وَوَافَقَ ابْن مَالك الْكُوفِيّين فَأجَاز فِي سربال وعصفور سرابل وعصافر وَفِي دِرْهَم وصيرف دراهيم وصياريف وَلَا يفْتَتح بَاب مفاعل ومفاعيل بالحرف الَّذِي لم يفْتَتح بِهِ الْمُفْرد بل أَي حرف كَانَ أول الْمُفْرد يكون أول هَذِه الجمعين كَمَا مر فِي الْأَمْثِلَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا الحكم مُشْتَرك بَين هذَيْن المثالين وَبَين كثير من أَمْثِلَة الجموع وَإِنَّمَا يخرج عَنهُ مَا جمع على أفعل وأفعال وأفعلة وأفعلاء وَفعل فِي جمع أفعل وَلَا يخْتم بَاب مفاعل ومفاعيل بِحرف لين لَيْسَ فِي الْوَاحِد هُوَ وَلَا مَا أبدل مِنْهُ فَإِن كَانَ هُوَ أَو مَا أبدل مِنْهُ فِي الْوَاحِد حتم هَذَا الْجمع بِهِ كحذرية وحذاري وعروهَ وعراقي وَمَا ورد بِخِلَاف ذَلِك فِي الْأَمريْنِ أَعنِي الِافْتِتَاح والاختتام فَهُوَ جمع لوَاحِد قياسي مهمل أَو مُسْتَعْمل قَلِيلا مِثَاله فِي الِافْتِتَاح ملامح ومذاكير ومحاسن افْتتح بِغَيْر الْحَرْف الَّذِي فِي أول لمحة وَذكر وحسنة فَقدر كَأَنَّهَا جمع ملمحة ومذكار ومحسنة وَهِي مُفْرَدَات مُهْملَة الْوَضع جَاءَ الْجمع عَلَيْهَا وأظافير افْتتح بِغَيْر الْحَرْف الَّذِي فِي أول ظفر لكنه ورد الأظفور فِي معنى الظفر فَكَأَن الْجمع جَاءَ عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الظفر أشهر وَأكْثر اسْتِعْمَالا ومثاله فِي الاختتام باللين الكياكي ختم بِهِ والمفرد كيكة وَلَيْسَ هُوَ فِيهِ وَلَا مَا أبدل مِنْهُ فَقدر كَأَنَّهُ جمع كيكاة وَهُوَ مُفْرد قياسي قد أهمل والليالي مُفْرد لَيْلَة وَلم يخْتم بِهِ وَلكنه قد اسْتعْمل قَلِيلا ليلاه قَالَ: 1778 -
(يَا وَيْحَهُ من جَمَل مَا أشْقَاه ... فِي كل يَوْم مَا وكُلِّ ليلاهْ)(3/371)
فَجَاءَت اللَّيَالِي على مُرَاعَاة هَذَا الْقَلِيل (ص) مَسْأَلَة يجمع الْعلم المرتجل وَالْمَنْقُول من غير اسْم جامد لَهُ جمع موازنة أَو مقاربه من جامد اسْم الْجِنْس الْمُوَافقَة تذكيرا وضده وَلَا يتَجَاوَز بالمنقول فِي جامد لَهُ جمع وَزنه فَإِن لم يكن عومل كأشبه الْأَسْمَاء بِهِ (ش) إِذا كَانَ الِاسْم علما مرتجلا فَإنَّك تجمعه جمع مَا وازنه من أَسمَاء الْأَجْنَاس إِن كَانَ لَهُ نَظِير فِي الأوزان أَو مَا قاربه فِي الْوَزْن إِن لم يكن لَهُ نَظِير مراعيا للموافقة فِي التَّذْكِير والتأنيث فَإِن كَانَ الْعلم مذكرا جمع جمع اسْم الْجِنْس الْمُذكر أَو مؤنثا جمع جمع اسْم الْجِنْس الْمُؤَنَّث مِثَال مَا لَهُ نَظِير زَيْنَب وسعاد وأدد فَيجمع زَيْنَب على زيانب كَمَا تجمع (أرنبا) على أرانب و (سعاد) على أسعد كَمَا تجمع كرَاع على أكرع وأدد على إدان كَمَا تجمع (نغر) على نغران وَمِثَال مَا لَا نَظِير لَهُ ضريب إِذا ارتجلت علما من الضَّرْب على وزن فعلل فَإِنَّهُ مَفْقُود فِي كَلَامهم فتجمعه جمع برثن لِأَنَّهُ قاربه فِي الْوَزْن وَكَذَلِكَ الْعلم الْمَنْقُول من غير اسْم جامد سَوَاء كَانَ مَنْقُولًا من صفة أَو من فعل وَقد اسْتَقر لَهُ جمع قبل النَّقْل فَإِنَّهُ أَيْضا يَجْعَل كاسم الْجِنْس الْمُوَافق لَهُ فِيمَا ذكر مِثَاله لَو سميت رجلا بجامد أَو بِضَرْب الْمَنْقُول من الْفِعْل لَقلت فِي جمع جامد جوامد كَمَا تَقول فِي حَائِط حَوَائِط وَفِي جمع ضرب أضراب كَمَا تَقول فِي جمع حجر أَحْجَار وَكَذَا إِذا سميت امْرَأَة بِخَالِد جمعتها على خوالد كَمَا تجمع طَالِق على طَوَالِق وَلَو سميتها ب (قَالَ) لَقلت فِي جمعهَا قَول كَمَا تَقول فِي جمع سَاق سوق وَلَو سميت ب (أقتل) مَنْقُولًا من الْمُضَارع الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول فَإِنَّهُ لَا نَظِير لَهُ فِي أوزان الْأَسْمَاء فَيجمع مثل جمع أفكل المقارب لوزنه وَلَا تتجاوز بالمنقول من جامد مُسْتَقر لَهُ جمع مَا كَانَ لَهُ من الْجمع فَلَو سميت رجلا بغراب قلت فِي جمعه أغربة وغربان كَمَا قيل فِيهِ قبل النَّقْل وَلَا يُزِيلهُ النَّقْل عَمَّا كَانَ لَهُ فِي حَال كَونه اسْم جنس فَإِن لم يسْتَقرّ لَهُ جمع قبل النَّقْل بِأَن لم يجمع أَلْبَتَّة كالمنقول من أَكثر المصادر فَأَنَّهَا لم تجمع أَو جمع لكنه مَا اسْتَقر فِيهِ جمع بل اضْطربَ وَلم تطرد فِيهِ قَاعِدَة بِحَيْثُ تكون مقيسة فِي جمع ذَلِك الِاسْم فَإِنَّهُ إِذْ ذَاك يجمع جمع مَا كَانَ أشبه بِهِ(3/372)
مِثَال الأول أَن يُسمى ب (ضرب) فَإِنَّهُ لم يجمع وَهُوَ مصدر فَجمع مُسَمّى بِهِ على أفعل فِي الْقلَّة فَتَقول أضْرب ككلب وأكلب وضروب من الْكَثْرَة ككعب وكعوب وَمِثَال الثَّانِي ... (ص) وَلَا يجمع جمع كَثْرَة وَاسم جنس لم تخْتَلف أَنْوَاعه وفَاقا فَإِن اخْتلف فالجمهور لَا يُقَاس هُوَ وَلَا اسْم الْجمع وَأَنه يُقَاس فِي الْقلَّة أما جمع الْجمع فَلم يُثبتهُ غير الزجاجي وَابْن عَزِيز (ش) لَا خلاف فِي أَن جموع الْكَثْرَة لَا تجمع قِيَاسا وَلَا أَسمَاء المصادر وَلَا أَسمَاء الْأَجْنَاس إِذا لم تخْتَلف أَنْوَاعهَا فَإِن اخْتلفت فسيبويه لَا يقيس جمعهَا على مَا جَاءَ مِنْهُ وَعَلِيهِ الْجُمْهُور وَمذهب الْمبرد والرماني وَغَيرهمَا قِيَاس ذَلِك قَالَ أَبُو حَيَّان وَالصَّحِيح مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ لقلَّة مَا حكى مِنْهُ وَسَوَاء فِي اسْم الْجِنْس مَا ميز واحده بِالتَّاءِ وَمَا لَيْسَ كَذَلِك وَمن المسموع فِي الأول قَوْلهم رطبَة وأرطاب وَاخْتلفُوا فِي جموع الْقلَّة وَهِي أَفعَال وأفعلة وأفعل وفعلة فمذهب الْأَكْثَرين أَنه منقاس جمعهَا وَلَا خلاف أَنه مَا سمع من جمع الْقلَّة أَكثر مِمَّا سمع من جمع الْكَثْرَة وَلَكِن أهوَ من الْكَثْرَة بِحَيْثُ يُقَاس عَلَيْهِ أم لَا وَاخْتِيَار ابْن عُصْفُور أَنه لَا ينقاس جمع الْجمع لَا جمع الْقلَّة وَلَا جمع الْكَثْرَة وَلَا يجمع إِلَّا مَا جمعُوا وَمن المسموع فِي ذَلِك أيد وأياد وأوطب وأواطب وَأَسْمَاء وأسام وأسورة وأساور وأبيات وأباييت وأنعام وأناعيم وأقوال وأقاويل وأعراب وأعاريب ومعن ومعنان ومصران ومصارين وحيشان وحشاشين وجمل(3/373)
وجماميل وأعطية وأعطيات وأسقية وأسقيات وبيوت وبيوتات وموال ومواليات بني هَاشم ودور ودورات وعوذ وعوذات وَصَوَاحِب وصواحبات يُوسُف وحدائد وحديدات وحمر وحمرات وطرق وطرقات وجزر وجزرات وأنصاء وأناص وَهُوَ مَا رعي من النَّبَات قَالَ أَبُو حَيَّان فَهَذَا مَا جمع من الْجَمِيع فِي الْكَلَام والمفرد يَد ووطاب وَاسم وسوار وَبَيت وَنعم وَقَول وعرب ومعن ومصير وَحش وجمل وَعَطَاء وسقاء وَبَيت وَمولى وَدَار وعائذ وصاحبة وحديدة وحمار وَطَرِيق وجزور ونصو قَالَ وَأما مَا جَاءَ فِي الضَّرُورَة فأعينات والبرعات وأيامنون ونواكسون وعقابين وغرابين أما جمع جمع الْجمع فأثبته الزجاجي وَمثله بأصائل وَهِي العشايا فَإِنَّهُ جمع آصال وآصال جمع أصل وأصل جمع أصيل كَمَا تَقول رغيف ورغف ثمَّ تشبه أصلا الْجمع بعنق فتجمعه على آصال كَمَا تجمع عنقًا على أَعْنَاق ثمَّ تشبه أصالا بأعصار لموافقته فِي الزِّيَادَة وَعدد الْحُرُوف فتجمعه على أصائل وَكَانَ قِيَاسه أصائيل لأجل الْألف كأعاصير وَبَعْضهمْ قَالَ إِن أصلا قد اسْتعْمل فِي لِسَان الْعَرَب مُفردا بِمَعْنى أصيل فأصائل من جمع الْجمع قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا أحسن من أَن يَجْعَل جمع جمع جمع قَالَ وَذكر أَبُو الْحسن بن الباذش أَن النَّحْوِيين على أَن آصالا جمع أصيل كيمين وأيمان وَأَن أصائل جمع أصيلة كسفينة وسفائن وَقد حكى يَعْقُوب أصيله فِي معنى أصيل فعلى هَذَا لَا يكون أصائل من بَاب جمع الْجمع وَلَا من بَاب جمع جمع الْجمع قَالَ وَهَذَا أولى من تكلّف لَا يضْطَر إِلَيْهِ انْتهى وَقَالَ السُّهيْلي لَا أعرف أحدا قَالَ جمع جمع الْجمع غير الزجاجي وَابْن عَزِيز قَالَ أَبُو حَيَّان وَظَاهر كَلَام سِيبَوَيْهٍ أَنه لَا ينقاس جمع اسْم الْجمع وَمن المسموع مِنْهُ قوم وأقوام ورهط أراهط(3/374)
مَسْأَلَة
(ص) مَسْأَلَة مَا دلّ على أَكثر من اثْنَيْنِ وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه إِن كَانَ وَزنه خَاصّا بِالْجمعِ أَو غَالِبا فَجمع وَاحِد مُقَدّر وَإِلَّا فاسم جمع وَمَا لَهُ وَاحِد يُوَافقهُ فِي اصل اللَّفْظ وَالدّلَالَة عِنْد عطف أَمْثَاله فَجمع مَا لم يُخَالف أوزانه أَو يُسَاوِي الْوَاحِد فِي خَبره وَوَصفه وَنسبه أَو يُمَيّز من واحده بياء نِسْبَة فاسم جمع أَو بتاء فاسم جنس فِي الْأَصَح أما مَا يَقع على الْمُفْرد وَالْجمع فَإِن لم يثن كجنب على الْأَفْصَح فَغير جمع وَإِلَّا فَقيل اسْم جمع وَقيل جمع مُقَدّر تَغْيِيره وَقيل مُفْرد (ش) كل اسْم دَال على أَكثر من اثْنَيْنِ وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه فَهُوَ جمع وَاحِد مُقَدّر إِن كَانَ على وزن خَاص بِالْجمعِ أَو غَالب فِيهِ مِثَال الْخَاص عبابيد وشماطيط فَهَذَا جمع وَإِن لم ينْطق لَهُ بمفرد لِأَنَّهُ جَاءَ على وزن يخْتَص بِالْجمعِ إِذْ لم يَجِيء لنا من لسانهم اسْم مُفْرد على هَذَا الْوَزْن وَمِثَال الْغَالِب أَعْرَاب فَإِنَّهُ جمع لمفرد لم ينْطق بِهِ وَجَاء على وزن غَالب فِي الجموع لِأَن أفعالا قل فِي الْمُفْردَات جدا وَمِنْه برمة أعشار وَإِلَّا فَهُوَ اسْم جمع كإبل وذود واحدهما جمل أَو نَاقَة وَقوم واحده (رجل) فَإِن كَانَ لَهُ وَاحِد يُوَافقهُ فِي أصل اللَّفْظ دون الْهَيْئَة وَفِي الدّلَالَة عِنْد عطف أَمْثَاله فَهُوَ جمع مِثَاله رجال لَهُ وَاحِد يُوَافقهُ فِي الْحُرُوف الْأَصْلِيَّة دون الْهَيْئَة وَيُقَال فِيهِ قَامَ رجل وَرجل وَرجل فَإِن وَافقه فِي اللَّفْظ والهيئة كفلك للْوَاحِد وَالْجمع فَسَيَأْتِي حكمه أَو لم يُوَافقهُ فِي الدّلَالَة عِنْد عطف أَمْثَاله كقريش فَإِن واحدهم قرشي وَإِذا عطف أَمْثَاله عَلَيْهِ فمدلوله جمَاعَة منسوبة إِلَى قُرَيْش وَلَيْسَ مَدْلُول قُرَيْش ذَلِك فَلَيْسَ بِجمع وَكَذَا إِن وجد الشرطان وَلَكِن خَالف أوزان الجموع السَّابِقَة أَو سَاوَى الْوَاحِد فِي خَبره وَوَصفه نَحْو الركب سَائِر وَهَذَا ركب سَائِر كَمَا تَقول الرَّاكِب سَائِر وَهَذَا رَاكب سَائِر(3/375)
أَو ساواه فِي النّسَب إِلَيْهِ بِأَن نسب إِلَيْهِ على لَفظه نَحْو ركبي كَمَا تَقول راكبي بِخِلَاف الْجمع فَإِنَّهُ لَا ينْسب إِلَيْهِ على لَفظه بل يرد إِلَى الْمُفْرد كَمَا سَيَأْتِي أَو ميز من واحده بِنَزْع يَاء النّسَب نَحْو روم وَترك فَإِن الْوَاحِد مِنْهُمَا رومي وتركي وَمَعَ ذَلِك لَا يكون روم وَترك وَنَحْوهمَا جموعا أَو ميز من واحده بتاء التَّأْنِيث كبسر وبسرة فِي الْمَخْلُوقَات وسفن وسفينة فِي المصنوعات فَلَيْسَ شَيْء من هَذِه الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة يجمع بل كل من الثَّلَاثَة الأول اسْم جمع والأخير اسْم جنس وَخَالف الْأَخْفَش فِيمَا كَانَ على فعل كركب طير وَصَحب وَنَحْوهَا فَقَالَ إِنَّهَا جموع تكسير لراكب وطائر وَصَاحب لَا أَسمَاء جموع قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ مَرْدُود بِأَن الْعَرَب صغرتها على لَفظهَا وَلَو كَانَت جموعا ردَّتْ فِي التصغير إِلَى مفرداتها وَخَالف الْفراء فِي كل مَا لَهُ وَاحِد مُوَافق فِي أصل اللَّفْظ كبسر وغمام وسحاب وَنَحْوهَا ورد بِأَنَّهُ لَو كَانَ جمعا لم يجز وَصفه بالمفرد وَقد وصف بِهِ قَالَ تَعَالَى: {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب} [فاطر: 10] {أعجاز نخل منقعر} [الْقَمَر: 20] وَمن الْوَاقِع على جمع مَا يَقع على الْوَاحِد وَالْجمع بِغَيْر تَغْيِير ظَاهر فإمَّا أَن يثنى أَو لَا فَإِن لم يثن فَإِنَّهُ لَيْسَ بِجمع كالمصدر إِذا أخبر بِهِ أَو وصف بِهِ أَو وَقع حَالا وَنَحْو جنب أَيْضا فَإِن الْأَفْصَح فيهمَا أَلا يثنيا وَلَا يجمعا فليسا بجمعين وَإِن ثني فَهُوَ جمع عِنْد الْأَكْثَرين كفلك وهجان ودلاص فَإِنَّهَا تطلق على الْمُفْرد وَالْجمع ففلك فِي حَالَة الْإِفْرَاد نَظِير قفل وَفِي حَالَة الْجمع نَظِير رسل وهجان فِي حَالَة الْإِفْرَاد نَظِير لجام وَفِي حَالَة الْجمع نَظِير كرام فَقدر التَّغْيِير فِي حَالَة الْجمع بتبدل الحركات وَلم يَجْعَل من بَاب الْمُشْتَرك لوُجُود تثنيته فِي كَلَامهم بِخِلَاف نَحْو جنب فَإِنَّهُ هَكَذَا الْمُفْرد والمثنى وَالْمَجْمُوع على الفصيح وَإِن كَانَ بَعضهم قد ثناه فَيكون إِذا ذَاك من بَاب فلك فَلَمَّا ثنيت دلّ ذَلِك على عدم الِاشْتِرَاك(3/376)
وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن بَاب فلك وَنَحْوه أَسمَاء جموع وَأَنه لَا تَغْيِير فِيهَا مُقَدرا فَيكون إِذْ ذَاك من قبيل الْمُشْتَرك بَين الْمُفْرد وَالْجمع وَلَا يمْتَنع أَن يوضع لفظ مُشْتَرك بَين الْمُفْرد وَالْجمع لِأَنَّهُمَا مَعْنيانِ متغايران بكيفية الْإِفْرَاد وَالْجمع وَإِن كنت إِذا أطلقته على الْجمع دلّ على الْمُفْرد وَالْجمع ضم مُفْرَدَات نظمهن لفظ كَمَا لم يمْتَنع أَن يوضع الْمُشْتَرك بَين الْكل وجزئه نَحْو إِنْسَان فَإِنَّهُ مَوْضُوع لهَذَا الشَّخْص وموضوع لإِنْسَان الْعين وَإِن كنت إِذا أطلقته على الْإِنْسَان دلّ بطرِيق التَّضْمِين على إِنْسَان الْعين فَكَمَا لم يمْتَنع وضع مثل هَذَا فَكَذَلِك لَا يمْتَنع بَين الْمُفْرد وَالْجمع وَهُوَ فِي هَذَا أسهل لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكثر من ضم أَمْثَال بِخِلَاف إِنْسَان فَإِن المباينة فِيهِ أَكثر لِأَن مباينة الْجُزْء للْكُلّ أَكثر من مباينة الْمُفْرد للْجمع وَهَذَا الرَّأْي صَححهُ ابْن مَالك فِي التسهيل وَقَالَ بعض النَّحْوِيين الْفلك اسْم مُفْرد يذكر وَيُؤَنث وَقَوله تَعَالَى: {والفلك تجْرِي} [الْحَج: 65] على التَّأْنِيث المسموع فِيهِ وَهُوَ مُفْرد وَاللَّام للْجِنْس وَقَوله: {وجرين بهم} [يُونُس: 22] أُعِيد فِيهِ على الْمَعْنى كَمَا قَالُوا الدِّينَار الصفر وَالدِّرْهَم الْبيض وَغير هَذَا الْقَائِل يَجعله دَلِيلا على الْجمع
التصغير
(ص) المصغر هُوَ المصوغ لتحقير أَو تقليل أَو تقريب أَو تعطف قَالَ الكوفية أَو تَعْظِيم بِضَم أَوله وَفتح ثَانِيه وَزِيَادَة يَاء سَاكِنة بعده قيل أَو ألف (ش) فَوَائِد التصغير خمس أَحدهمَا تحقير شَأْن الشَّيْء وَقدره نَحْو رجيل وزييد تُرِيدُ تحقير قدره والوضع مِنْهُ الثَّانِي التقليل إِمَّا لذاته نَحْو كُلَيْب أَو لكميته نَحْو دريهمات الثَّالِث التَّقْرِيب إِمَّا لمنزلته نَحْو صديقَة أَو لزمانه ومسافته نَحْو قبيل وبعيد وفويق وتحيث ودوين(3/377)
الرَّابِع التعطف نَحْو يَا أخي يَا حَبِيبِي الْخَامِس التَّعْظِيم أثْبته الْكُوفِيُّونَ وَاسْتَدَلُّوا بقوله: 1779 -
(وكُلُّ أٌ نَاس سَوف تَدْخُل ... دُوَيْهية تَصْفَرُّ مِنْهَا الأنامِلُ)
والبصريون تأولوا ذَلِك وَيكون تَصْغِير الِاسْم بِضَم أَوله وَفتح ثَانِيه وَزِيَادَة يَاء سَاكِنة بعده أَعنِي بعد الثَّانِي واعتل السيرافي لضم أول المصغر بِأَنَّهُم لما فتحُوا من التكسير لم يبْق إِلَّا الْكسر وَالضَّم فَكَانَ الضَّم أولى بِسَبَب الْيَاء وَالْكَسْر بعْدهَا فِي الْأَكْثَر وَهِي أَشْيَاء متجانسة وتجانس الْأَشْيَاء مِمَّا يستثقل وَقَالَ أَبُو بكر بن طَاهِر جعلُوا الْألف وَالْفَتْح فِي الْجمع لِأَنَّهُ أثقل فطلبوا فِيهِ الخفة والضمة وَالْيَاء للمصغر لِأَنَّهُ أخف وَقَالَ بَعضهم إِنَّمَا ضم أول المصغر لِأَنَّهُ ثَان للمكبر وتال لَهُ فَلَمَّا كَانَ بعده جرى مجْرى الْفِعْل الَّذِي لم يسم فَاعله قَالُوا وَإِنَّمَا فتح مَا قبل الْيَاء لِأَن الْيَاء فِي التصغير وَالْألف فِي شبه مفاعل متقابلان لِأَن التصغير والتكسير من بَاب وَاحِد فَكَمَا أَن مَا قبل الْألف مَفْتُوح فَكَذَلِك مَا قبل هَذِه الْيَاء الْمُقَابلَة لَهَا وَإِنَّمَا كَانَت عَلامَة التصغير يَاء لِأَن الأولى بِالزِّيَادَةِ حُرُوف الْمَدّ واللين وَالْجمع قد أَخذ الْألف فأرادوا حرفا يُخَالِفهُ ويقاربه ليَقَع الْفَصْل فَجَاءُوا بِالْيَاءِ لِأَنَّهَا أقرب إِلَى الْألف وَزعم بعض الْكُوفِيّين وَصَاحب (الْغرَّة) أَن الْألف قد تجْعَل عَلامَة للتصغير(3/378)
كَقَوْلِهِم هدهد وتصغيره هداهد ودابة وشابة والتصغير دوابة وشوابة بِالْألف وَأجِيب بِأَن الأَصْل دويبة وشويبة فأبدلت الْألف من الْيَاء وَبِأَن هداهد اسْم مَوْضُوع للتصغير لَا أَنه تَصْغِير هدهد 0 ص) ويحذف أول ياءين ولياها وتقلب يَاء وَاو سكنت أَو اعتلت أَو كَانَت لاما وجوبا أَو تحركت فِي مُفْرد وَجمع اخْتِيَارا وواو ثَان فتح للتصغير مُنْقَلب عَنْهَا أَو ألف زَائِدَة أَو مَجْهُولَة أَو بدل همزَة تَلِيهَا لَا يَاء ومنقلب عَنْهَا فِي الْأَصَح وَيجْرِي ذَلِك فِي الْجمع الموازن مفاعل أَو مفاعيل (ش) إِذا ولي يَاء التصغير ياءان حذف أولاهما لتوالي الْأَمْثَال وَإِن وَليهَا وَاو قلبت يَاء وجوبا إِن سكنت كعجوز وعجيز أَو اعتلت كمقام أَصله مقوم ومقيم أَو كَانَت لاما كغزو وغزي وغزوة وغزية وعشوا وعشيا واختيارا إِن تحرّك لفظا فِي إِفْرَاد وتكسير وَلم يكن لاما كأسود وأساود وَأسيد وجدول وجداول وجديل وَيجوز فِي الْإِقْرَار وَترك الْقلب فَيُقَال أسيود وجديول وَجه الأول الجري على قَاعِدَة اجْتِمَاع يَاء وواو سبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ من قلب الْوَاو يَاء وإدغامها فِي الْيَاء وَوجه الثَّانِي الإجراء على حَدهَا فِي التكسير لِأَنَّهُمَا من بَاب وَاحِد فَإِن تحركت فيهمَا وَهِي لَام قلبت فِي التصغير وجوبا وَلم يلْتَفت إِلَى الْجمع نَحْو كروان وكراوين وكريان ويقلب ثَانِي المصغر المفتوح للتصغير واوا وجوبا إِن كَانَ منقلبا عَنْهَا كديمة ودويمة وَقِيمَة وقويمة وريح ورويحة وميزان ومويزن وَمَال ومويل وريان ورويان وشذ من هَذَا الأَصْل قَوْلهم عيد وعييد وَكَانَ قِيَاس عويدا لِأَنَّهُ مُشْتَقّ من الْعود وَكَذَا قَوْلهم فِي الْجمع أعياد وقصدوا بذلك الْفرق بَينه وَبَين تَصْغِير عود وَجمعه(3/379)
أَو كَانَت ألفا زَائِدَة كضارب وضويرب وكاهل وكويهل وقاصعاء وقويصعاء وخاتام وخويتيم وجاموس وجويميس أَو كَانَت ألفا مَجْهُولَة الأَصْل كعباب وصويب وعاج وعويج وآوى وأوي أَو كَانَت ألفا بدل همزَة كآدم وأويدم أَصله أأدم لِأَنَّهُ أفعل من الأدمة فأبدلت الْهمزَة ألفا وَلَا تقلب إِن كَانَت يَاء كبيت وَشَيخ وميت وَسيد أَو كَانَ منقلبا عَن يَاء كَنَابِ للسن فِي الْأَصَح الَّذِي هُوَ مَذْهَب الْبَصرِيين بل يجب إِقْرَار الْيَاء فِي الْحَالين فَيُقَال بييت وشييخ ومييت وسييد ونييب وَجوز الْكُوفِيُّونَ الْإِقْرَار وَالْقلب واوا كَرَاهَة اجْتِمَاع الياءات وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك فَيُقَال بويت وشويخ ومويت وسُويد ونويب وَسمع فِي بَيْضَة بويضة بِالْوَاو وَفِي نَاب للمسنة من الْإِبِل نويب وَذَلِكَ عِنْد الْبَصرِيين شَاذ لَا يعْمل بِهِ وعَلى مَذْهَبهم الْأَحْسَن ضم مَا قبل الْيَاء وَيجوز كسرهَا فَيُقَال شييخ وَهَكَذَا ويجرى مَا ذكر من الْقلب فِي الْجمع على مِثَال مفاعل أَو مفاعيل فَيُقَال فِي الْأَمْثِلَة السَّابِقَة عَجَائِز وروائح وموازين وضوراب وكراهل وقواصع وخواتيم وجواميس وأوادم (ص) وَيكسر تالي يَاء التصغير لَا آخرا أَو مُتَّصِلا بهاء التَّأْنِيث أَو ألفيه أَو ألف أَفعَال أَو ألف وَنون مزيدتين (ش) إِذا كَانَ تالي يَاء التصغير مكسورا بَقِي على كسر كزبرج وزبيرج قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا نقُول إِن الكسرة الْأَصْلِيَّة زَالَت وَجَاءَت كسرة التصغير لِأَنَّهُ لَا حَاجَة إِلَى دَعْوَى ذَلِك قَالَ وَيُشبه ذَلِك الكسرة فِي نَحْو شرب فَإِنَّهُ إِذا بني للْمَفْعُول ضم أَوله وَلَا يُقَال إِن كَسرته زَالَت وَجَاء غَيرهَا قَالَ وَلم قيل إِن الكسرة فِي زبرج وَشرب زَالَت وَجَاءَت كسرة أُخْرَى لَكَانَ وَجها كَمَا قَالُوا فِي من زيد فِي الْحِكَايَة على أحد الْقَوْلَيْنِ وَفِي يَا منص إِذا رخم مَنْصُور على لُغَة من لَا ينْتَظر فَإِنَّهُم زَعَمُوا أَنَّهَا ضمة بِنَاء غير الضمة الأصلة أهـ وَإِن كَانَ تالي يَاء التصغير غير مكسور كسر للمناسبة بَين الْيَاء والكسرة كجعيفر(3/380)
وبريثن ودريهم إِلَّا أَن يكون آخرا كرجيل لِأَن الآخر مَشْغُول بحركة الْإِعْرَاب وَهِي متبدلة عَلَيْهِ فَلم يُمكن كَسره أَو مُتَّصِلا بهاء التَّأْنِيث كطليحة فَإِن كَانَت الْهَاء فِيهِ وَلم يتَّصل بهَا كسر كدحرج ودحيرجة أَو مُتَّصِلا بِمَا هُوَ منزل منزلَة هَاء التَّأْنِيث كبعيلبك فَلَا تكسر اللَّام أَو بِأَلف التَّأْنِيث الْمَقْصُورَة أَو الممدودة ككسيرى وحميراء بِخِلَاف ألف الْإِلْحَاق كعلقى وعلباء فَإِنَّهُ يكسر مَا هِيَ فِيهِ فَيُقَال عليق عليب أَو مُتَّصِلا بِأَلف أَفعَال جمعا كأتراب وأنياب وأسقاط وأسباط أَو مُفردا كَأَن يُسمى بأجمال فَيُقَال أجيمال أَو مُتَّصِلا بِالْألف وَالنُّون المزيدتين ك (سكيران) بِخِلَاف مَا نونه أَصْلِيَّة فَإِنَّهُ يكسر فِيهِ مَا قبل الْألف 0 ص) والثنائي حذفا برد مَا حذف وضعا يُزَاد آخِره يَاء قيل أَو يضعف من جنسه وَلَا يعْتد بِالتَّاءِ وَلَا يرد مَحْذُوف تَأتي بِدُونِهِ فعيل على الْأَصَح (ش) يتَوَصَّل إِلَى مِثَال فعيل فِي الثنائي برد مَا حذف مِنْهُ إِن كَانَ منقوضا سَوَاء كَانَ الْمَحْذُوف مِنْهُ الْفَاء أَو الْعين أَو اللَّام مِثَال الْفَاء عدَّة وزنة وشية وسعة وَصفَة وصلَة وجهة ولدة وَخذ وكل وَمر وعد مُسَمّى بهَا فَإِذا صغرت هَذَا النَّوْع رددت الْمَحْذُوف فِي مَوْضِعه فَتَقول وَعِيد وأخيذ وأعيد وَكَذَا بَاقِيهَا وَمِثَال الْعين سه ومذ وسل وقم وَمر وبع مُسَمّى بهَا فَتَقول ستيهة ومنيذ وسويل وقويم وبييع وَمِثَال اللَّام يَد وَدم وشفة ودد وحر وفوك وقط وفل فَتَقول يَدَيْهِ وَدمِي وشفيهة وددين وحريح وفويهك وقطيط وفلين وَإِن لم يكن منقوصا بل كَانَ ثنائي الْوَضع زيد فِيهِ يَاء فَيُقَال فِي (من) و (عَن) و (إِن) مُسَمّى بهَا مني وعني وَأَنِّي وَذكر ابْن مَالك فِيهِ وَجْهَيْن أَحدهمَا هَذَا وَالْآخر أَنه يُضَاعف الْحَرْف الْأَخير من جنسه فَيُقَال فِي عَن عنين وَلَا يعْتد بتاء التَّأْنِيث فَلَا يُقَال فِي شفة مثلا أَنه ثلاثي بل هُوَ ثنائي وَكَذَا بنت وَأُخْت وَكَيْت وذيت وهنت ومنت فَكلهَا ثنائية فَإِذا صغرت رددت(3/381)
الْمَحْذُوف فَقلت شفيهة وبنية وأخية وكيية وذيية وهنية ومنية لِأَن لامها مُخْتَلف فِيهِ عِنْد الْعَرَب وَمَا اخْتلف فِي لامه الْمَحْذُوف فَكَانَ حرفا فِي لُغَة وحرفا غَيره فِي لُغَة جَازَ تصغيره على كل مِنْهُمَا فَإِن تَأتي فعيل بِمَا بَقِي من مَنْقُوص لم يرد إِلَى أَصله كهار وميت وشاك وَخير وَشر وناس فَيُقَال هوير ومييت وشويك وخيير وشرير ونويس هَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَنقل ابْن مَالك عَن أبي عَمْرو أَنه يرد الْمَحْذُوف فَيُقَال هوير ومويت وشويك وأخير وأشير وأنيس وَفِي يرى علما يريئ وَنقل غَيره هَذَا الْمَذْهَب عَن يُونُس (ص) ويحذف الْوَصْل خلافًا لثعلب وَشرط الْمَازِني وزانه للأسماء (ش) تزَال ألف الْوَصْل عِنْد تَصْغِير مَا هِيَ فِيهِ سَوَاء كَانَ ثنائيا كَابْن وَاسم أم أَكثر كافتقار وانطلاق واستضراب واشهيباب واعديدان واقعنساس واعلوط واضطراب لزوَال الْحَاجة إِلَيْهَا بتحريك أول المصغر فَيُقَال بنى وَسمي وفتيقير ونطيليق وشهيبيب وعديدين وقعيسيس وعلييط وضتيريب وَسَوَاء بَقِي على مِثَال الْأَسْمَاء أم لَا هَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَأثبت ثَعْلَب همزَة الْوَصْل فِي الْأَسْمَاء فِي حَال التصغير وَلم يُسْقِطهَا فَيُقَال فِي اضْطِرَاب أضيريب فَحذف الطَّاء لِأَنَّهَا بدل من تَاء افتعل وَهِي زَائِدَة وَأبقى همزَة الْوَصْل لِأَنَّهَا فضلتها بالتقدم وَمنع الْمَازِني من تَصْغِير انفعال وافتعال فَلم يجز فِي انطلاق نطيليق وَلَا فِي افتقار فتيقير لِأَنَّهُمَا لَيْسَ لَهما مِثَال فِي الْأَسْمَاء بل يحذف حَتَّى يصير إِلَى مِثَال الْأَسْمَاء فَيُقَال طليق وفقير قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَيْسَ خلاف الْمَازِني مُخْتَصًّا بانفعال وافعتال فَقَط بل يشْتَرط فِي المصغر كُله أَن يكون على مِثَال الْأَسْمَاء (ص) ويتوصل إِلَى فعيعل وفعيعيل فِي التصغير بِمَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى مفاعل ومفاعيل حذفا وإبقاء لَكِن لَا تحذف هُنَا التَّاء وَالْألف الممدودة وياء النّسَب وَالْألف وَالنُّون الزائدتان بعد أَربع وَلَا يعْتد بِهن ويحذف وَاو جَلُولَاء وَشبههَا فِي الْأَصَح(3/382)
(ش) يتَوَصَّل إِلَى مِثَال فعيعل فعيعيل فِي التصغير بِمَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى مفاعل ومفاعيل فِي التكسير لِأَنَّهُمَا من وَاد وَاحِد فَكَمَا تَقول فِي خدب خداب وَفِي بهْلُول بهاليل وَفِي عطرد عُطَارِد وعطاريد فَكَذَا تَقول خديب وبهيليل وعطيريد والحذف وَالتَّرْجِيح والتخيير فِي الزيادتين هُنَا كَمَا هُنَاكَ فَكَمَا تَقول عطاميس ومطاليق وتخاريج ودحاريج تَقول عطيميس ومطيليق وتخيريج ودحيريج وكما تَقول فِي سفرجل سفاريج تَقول سفيريج وكما تَقول فِي حبنطي وعفرني وقندأو حباطي وحبانط وعفاري وعفارن وقنادي وقداين تَقول حبينط وحبيطي وعفيرن وعفيرى وقنيدى وقدينى لَكِن خَالف التصغير التكسير فِي أَنه لَا يحذف فِيهِ هَاء التَّأْنِيث وَإِن حذفت فِي الْجمع فَيُقَال فِي دحرجة دحيرجة وَالْجمع دحارج وَلَا تحذف فِيهِ أَلفه الممدودة وَيُقَال فِي قاصعاء قويصعاء وَالْجمع قواصع بحذفها وَلَا تحذف فِيهِ يَاء النّسَب فَيُقَال فِي لوذعي لويذعي وَالْجمع لواذع بحذفها وَلَا يحذف فِيهِ الْألف وَالنُّون الزائدتان بعد أَرْبَعَة أحرف فَصَاعِدا فَيُقَال فِي زعفران زعيفران وَالْجمع زعافر بحذفهما وَفِي عرنقصان عريقصان وَالْجمع عراقص بحذفهما فَإِن كَانَتَا بعد ثَلَاثَة أحرف لم يحذفا لَا هُنَا وَلَا هُنَاكَ وَكَذَا لَو كَانَت النُّون أَصْلِيَّة ثبتَتْ فِي الْبَابَيْنِ كأسطوانة وأساطين وأسيطينة وَلَو كَانَت ألف التَّأْنِيث الْمَقْصُورَة حذفت فِي الْبَابَيْنِ كقرقرى وقراقر وقريقر وَلَا يعْتد بِهَذِهِ الْأُمُور الْأَرْبَعَة أعنى هَاء التَّأْنِيث وألفه الممدودة وياء النّسَب وَالْألف وَالنُّون المزيدتين بل يصغر الِاسْم على أحد المثالين وَفِيه اللواحق الْمَذْكُورَة وَمذهب سِيبَوَيْهٍ فِي وَاو (جَلُولَاء) وَشبههَا وَالْمرَاد بِهِ ألف براكاء وياء قريثاء أَنَّهَا تحذف عِنْد التصغير فَيُقَال جليلاء وبريكاء وقريثاء لِأَن لِأَلف التَّأْنِيث(3/383)
الممدودة شبها بهاء التَّأْنِيث وشبها بألفه الْمَقْصُورَة فاعتبرنا الشّبَه بِالْهَاءِ فِي عدم الْحَذف لَهَا واعتبرنا الشّبَه بالمقصورة فِي إِسْقَاط الْوَاو وَالْألف وَالْيَاء لِأَنَّهَا كالألف فِي حيارى وَخَالفهُ الْمبرد فأثبتها وأدغمها بعد الْقلب فَقَالَ جليلاء وبريكاء وقريثاء كَمَا لم تحذف وَاو فروقة وَألف رِسَالَة وياء صحيفَة وَلم يعْتَبر إِلَّا أحد الشبهين فَقَط 0 ص) وَيرد إِلَى الأَصْل هُنَا وَفِي مفاعل ومفاعيل وأفعال وأفعلة وفعال ذُو الْبَدَل آخرا مُطلقًا وَغَيره إِن كَانَ لينًا بدل غير همزَة تلِي همزَة الِاسْتِفْهَام لَا تَاء (مُتَعَدٍّ) وَنَحْوه خلافًا للزجاج وَلَا ذُو الْقلب وَمَا خَالف فشاذ أَو مَادَّة أُخْرَى (ش) يرد إِلَى أَصله فِي التصغير وَفِي التكسير على مِثَال مفاعل أَو مفاعيل أَو أَفعَال أَو أفعلة أَو فعال ذُو الْبَدَل الْكَائِن آخرا مُطلقًا سَوَاء كَانَ حرف لين نَحْو ملهى أم غير حرف لين نَحْو مَاء فَإِن الْألف فِي ملهى بدل من الْوَاو لِأَنَّهُ مُشْتَقّ من اللَّهْو والهمزة فِي مَاء بدل من الْهَاء لقَولهم مياه فمثال التكسير على مفاعل ملاهي وعَلى مفاعيل صحاري وعَلى أَفعَال أمواه وعَلى أفعلة أسقية وعَلى فعال مياه وَيُقَال فِي تصغيرها مليهى ومويه وَسَقَى لِأَن التصغير والتكسير يردان الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا فَإِن لم يكن ذُو الْبَدَل آخرا فَيشْتَرط فِيهِ شَرْطَانِ أَحدهمَا أَن يكون حرف لين وَالثَّانِي أَن يكون بَدَلا من حرف لَا يكون ذَلِك الْحَرْف همزَة تلِي همزَة أُخْرَى مِثَاله مَال وَقيل وريان وميزان وموقن فَيُقَال مويل وقويل ورويان ومويزين ومييقين وَإِنَّمَا رَجَعَ فِي هَذِه الأَصْل لزوَال مُوجب الْبَدَل لِأَن الْوَاو إِنَّمَا أبدلت فِي نَحْو مَال لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا وَفِي قيل وميزان لكسر مَا قبلهَا وَفِي رَيَّان لاجتماعها مَعَ الْيَاء وَسبق إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ وَفِي موقن أبدلت الْيَاء بِضَم مَا قبلهَا وَقد زَالَ الْمُوجب فِي التصغير وَسَوَاء كَانَ اللين بَدَلا من لين(3/384)
كَمَا مثلنَا أم من غَيره كقيراط وديباج فَيُقَال فِيهِ قريريط ودبيبيج وقراريط ودبابيج وَيُقَال فِي ذِئْب ذُؤَيْب وَفِي آل أهيل فَلَو انخرم الشَّرْط الأول بِأَن كَانَ حرفا صَحِيحا بَدَلا من حرف صَحِيح أَو من حرف لين لم يرد إِلَى أَصله بل يصغر على حَاله كتخمة وتخيمة وتراث وتريث وأباب فِي عباب وأبيب وقائم وقويم بِالْهَمْز وَكَذَا لَو انخرم الشَّرْط الثَّانِي بِأَن كَانَ بَدَلا من همزَة تلِي همزَة كآدم فَيُقَال أويدم من غير رد الْألف إِلَى أَصْلهَا من الْهَمْز بل تقلب واوا كَمَا تقدم لضمة مَا قبلهَا أما مَا فِيهِ تَاء الافتعال كمتعد ومتسر فسيبويه يحذف مِنْهُ تَاء الافتعال مَعَ تَاء أُخْرَى مبدلة من حرف لين عِنْد التصغير فَيَقُول متيعد ومتيسر كَمَا يَقُول فِي مكتسب مكيسب وَتبقى التَّاء المبدلة على حَالهَا من غير رد إِلَى الأَصْل وَذهب قوم مِنْهُم الزّجاج إِلَى أَنه يرد إِلَى أَصله فَيُقَال مويعد ومييسر لِأَنَّهُمَا من الْوَعْد واليسر قَالَ صَاحب (الإفصاح) إِنَّمَا كَانَ الْمَحْذُوف تَاء الافتعال لِأَنَّهُ لَا بُد من حذف وَهِي زَائِدَة وَالزَّائِد أَحَق بالحذف من الْأَصْلِيّ وَأما ذُو الْقلب فَإِنَّهُ لَا يرد فِي الْبَابَيْنِ إِلَى أَصله بل يصغر وَيكسر على لَفظه كجاه أَصله وَجه لِأَنَّهُ من الوجاهة فَقلب فَيُقَال فِي تصغيره جويه لَا وجيه لعدم الِاحْتِيَاج إِلَى الرَّد إِلَى الأَصْل وَيجمع أينق على أيانق ويصغر على أيينق وَيُقَال فِي شَاك وَأَصله شائك شواك وشويك وَمَا ورد بِخِلَاف مَا قَرَّرْنَاهُ من رد ذِي الْبَدَل إِلَى أَصله فإمَّا شَاذ كَقَوْلِهِم فِي عيد عييد وأعياد أَو من مَادَّة أُخْرَى كَقَوْلِهِم فسيتيط فَهُوَ تَصْغِير فستاط لُغَة فِي فسطاط وفسيطيط بِالطَّاءِ لتصغر فسطاط فهما مادتان لَا أَنه رد أَحدهمَا إِلَى الآخر (ص) وتلحق التَّاء غَالِبا إِذْ لَا لبس فِي مؤنث عَار ثلاثي أَو رباعي بِمدَّة قبل لَام معتلة لَا غَيره وَقد تعوض من ألف تَأْنِيث خَامِسَة أَو سادسة مَقْصُورَة قيل(3/385)
أَو ممدودة وَلَا يعْتَبر فِي الْعلم مَا نقل مِنْهُ فِي الْأَصَح وتحذف بِلَا عوض من بنت علم مُذَكّر (ش) تلْحق تَاء التَّأْنِيث غَالِبا عِنْد تَصْغِير مؤنث بِلَا عَلامَة بِشَرْطَيْنِ الأول أَلا يلبس فَإِن حصل لبس لم تلْحقهُ كخمس وَنَحْوه من عدد الْمُؤَنَّث إِذْ لَو لحقته لألبس بِعَدَد الْمُذكر وكشجر وبقر إِذْ لَو لحقته لالتبس بتصغير شَجَرَة وبقرة الثَّانِي أَن يكون ثلاثيا كدار ودويرة نَار ونويرة أَو رباعيا بِمدَّة قبل لَام معتلة كسماء وَسُميَّة بِخِلَاف رباعي لَيْسَ كَذَلِك كزينب وسعاد وعناق وعقرب فَيُقَال زيينب وَسَعِيد وعنيق وعقيرب بِلَا تَاء وَبِخِلَاف مَا زَاد على الرباعي إِلَّا مَا حذف مِنْهُ ألف تَأْنِيث مَقْصُورَة خَامِسَة أَو سادسة فَإِنَّهُ يجوز لحاقه التَّاء كحبارى يجوز تصغيره بِإِقْرَار الْألف فَيُقَال حبيرى وبحذفها فَيجوز حِينَئِذٍ لحاق التَّاء تعويضا فَيُقَال حبيرة كَمَا يجوز تَركهَا فَيُقَال حبير وكلغيزى يجوز فِيهِ الْأَمْرَانِ دون إِقْرَار الْألف ك (لغيغيزة) ولغيغيز وشذ ترك التَّاء فِي تَصْغِير قَوس وَحرب وَدرع الْحَدِيد وَنصف لمتوسطة السن وخود وعرب وَفرس ونعل وناب للمسن من الْإِبِل وعرس وشول وَنحل وضحى قَالَ أَبُو حَيَّان هَذِه جملَة مَا حفظ مِمَّا شَذَّ من ذَلِك وشذ لحاقها للرباعي والخماسي بِدُونِ شَرط كَقَوْلِهِم فِي وَرَاء وأمام وَقُدَّام وريئة وَأُمَيْمَة (وقديديمة) وَهَذَانِ المحترز عَنْهُمَا بِقَوْلِي غَالِبا وجور ابْن الْأَنْبَارِي أَن تحذف ألف التَّأْنِيث الممدودة خَامِسَة أَو سادسة كباقلاء وبرنساء وتعوض مِنْهَا التَّاء قِيَاسا على الْمَقْصُورَة وَلَا يجوز عِنْد غَيره إِلَّا الْإِقْرَار فَيُقَال بويقلاء وبرينساء وَذهب أَيْضا إِلَى أَنه يعْتَبر فِي الْعلم مَا نقل عَنهُ فَإِن كَانَ علم الْمُؤَنَّث مَنْقُولًا من مُذَكّر كرمح علم امْرَأَة لم تدخله التَّاء رِعَايَة لأصله الَّذِي نقل مِنْهُ فَيُقَال رُمَيْح وَغَيره منع ذَلِك وَقَالَ لما سمي بِهِ مؤنث صَار اسْما خَاصّا بالمؤنث(3/386)
فيصغر كَمَا يصغر مؤنث الأَصْل اعْتِبَارا بِمَا آل [إِلَيْهِ من التَّأْنِيث] وَكَذَا لَو كَانَ علم الْمُذكر مَنْقُولًا من مؤنث كأذن علم رجل فَإِن الْجُمْهُور على أَنه لَا تدخله التَّاء إِذا صغر اعْتِبَارا بِمَا آل إِلَيْهِ من التَّذْكِير وَذهب يُونُس إِلَى أَنَّهَا تدخله اعْتِبَارا بِأَصْلِهِ وَاحْتج بقَوْلهمْ عُرْوَة بن أذينة وَمَالك بن نُوَيْرَة وعيينة بن حصن فَإِنَّهَا أَسمَاء مذكرين أَعْلَام قد دَخَلتهَا التَّاء وَأَصلهَا مؤنث وَأجِيب بِأَن كلا من هَؤُلَاءِ لم يسم بأذن وَلَا بِنَار وَلَا بِعَين ثمَّ حقر بعد التَّسْمِيَة وَإِنَّمَا هِيَ أَسمَاء أَعْلَام سمي بهَا بعد أَن صغرت وَهِي نكرات فَإِن سمي مُذَكّر ببنت وَأُخْت ثمَّ صغر بعد التَّسْمِيَة حذفت التَّاء وَردت لَام الْكَلِمَة من غير تعويض بتاء تَأْنِيث فَيُقَال بني وَأخي بِخِلَاف مَا إِذا سمي بهما مؤنث فتحذف هَذِه التَّاء ويعوض عَنْهَا تَاء التَّأْنِيث فَيُقَال بنية وأخية إِجْرَاء لَهما حَال العلمية مجراهما حَال التنكير (ص) مَسْأَلَة يصغر اسْم الْجمع وَالْعلَّة بِلَفْظِهِ ورد الْأَخْفَش نَحْو (ركب) لواحده لَا الْكَثْرَة بل يرد إِلَى قلَّة أَو تَصْحِيح الْمُذكر إِن كَانَ لعاقل وَإِلَّا فالإناث وَجوزهُ الكوفية فِيمَا لَهُ نَظِير فِي الْآحَاد وَمَا لَهُ وَاحِد مهمل قياسي رد إِلَيْهِ لَا إِن كَانَ لَهُ مُسْتَعْمل خلافًا لأبي زيد (ش) تصغر أَسمَاء الجموع وجموع الْقلَّة على لَفظهَا فَيُقَال فِي ركب ركيب وَفِي قوم قويم وَفِي رَهْط رهيط وَفِي أجمال أجيمال وَفِي أكلب أكيلبة وَفِي أرغفة أريغفة وَفِي غلمة غليمة قَالَ أَبُو حَيَّان ويندرج اسْم الْجِنْس تَحت اسْم الْجمع فَيُقَال فِي تمر تمير ورد الْأَخْفَش بَاب ركب لواحده فَيُقَال رويكبون وصويحبون وطويمرات بِنَاء على قَوْله إِن فعلا جمع وَقَول الْجُمْهُور مَبْنِيّ على أَنه اسْم جمع وَأما جمع الْكَثْرَة فَلَا يصغر على لَفظه عِنْد الْبَصرِيين فَلَا يُقَال فِي رغفان رغيفان لِأَن التَّثْنِيَة تدل على الْكَثْرَة والتصغير يدل على الْقلَّة فيتنافيا بل يرد إِلَى جمع الْقلَّة إِن كَانَ لَهُ جمع قلَّة فَيُقَال فِي تَصْغِير فلوس أفيلس رد إِلَى أفلس وَفِي(3/387)
عنق أعينق رد إِلَى أعنق وَإِلَى جمع تَصْحِيح الْمُذكر إِن كَانَ لمذكر عَاقل سَوَاء كَانَ مفرده مِمَّا يجمع بِالْوَاو وَالنُّون أم لَا فَإِن التصغير يُوجب الْجمع بِالْوَاو وَالنُّون حَيْثُ لَا يجوز فِي المكبر فَيُقَال فِي تَصْغِير زيود حَال الرَّد زييدون وَفِي تَصْغِير رجال وغلمان وفتيان رجيلون وغليمون وفتيون وَإِن كَانَ رجل وَغُلَام وفتى لَا يجمع بِالْوَاو وَالنُّون والأمران جائزان فِيمَا لَهُ جمع قلَّة وَإِن لم يكن لَهُ جمع قلَّة وَلَا هُوَ لمذكر عَاقل بِأَن كَانَ لمذكر لَا يعقل أَو لمؤنث مُطلقًا وَجب الرَّد إِلَى جمع تَصْحِيح الْإِنَاث سَوَاء كَانَ مفرده مِمَّا يجمع بِالْألف وَالتَّاء أم لَا فَيُقَال فِي تَصْغِير دَرَاهِم دريهمات وَفِي سكارى جمع سكرى سكيرات وَفِي حمر جمع حَمْرَاء حميروات وَفِي جوَار جويريات وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ تَصْغِير جمع الْكَثْرَة إِذا كَانَ لَهُ نَظِير فِي الْآحَاد كرغفان صغروه على رغيفان كعثيمان وَزَعَمُوا أَن أصيلانا تَصْغِير أصلان جمع أصيل فَإِن كَانَ جمع الْكَثْرَة مكسرا على وَاحِد مهمل وَلَيْسَ لَهُ وَاحِد مُسْتَعْمل بِأَن لم ينْطق لَهُ بمفرد أصلا لَا قياسي وَلَا غير قياسي يرد عِنْد التصغير إِلَى مفرده القياسي المهمل فَيُقَال فِي (تفرق إخْوَتك شماطيط) تفَرقُوا شميطيطين وَفِي (تَفَرَّقت جواريك شماطيط) تَفَرَّقت شميطيطات وَإِن كَانَ مكسرا على وَاحِد مهمل وَله وَاحِد مُسْتَعْمل رد إِلَى الْوَاحِد الْمُسْتَعْمل لَا إِلَى المهمل القياسي خلافًا لأبي زيد فَيُقَال فِي ملاميح ومذاكير لميحات وذكيرات ردا إِلَى لمحة وَذكر لَا إِلَى ملمحة ومذكار لأَنا حِينَئِذٍ صغرنا لفظا عَرَبيا وَلَو رددناه إِلَى المهمل كُنَّا قد صغرنا لفظا لم تَتَكَلَّم بِهِ الْعَرَب من غير دَاعِيَة إِلَى ذَلِك وَكَأن أَبَا زيد لما لم ينْطق لَهُ بِوَاحِد قياسي جعل ذَلِك الْوَاحِد الَّذِي لَيْسَ على قِيَاس كَالْمَعْدُومِ فِي لسانهم فسوى بَين ملاميح وشماطيط (ص) وَقد يكون للاسم تصغيران قياسي وشاذ وَقد يَسْتَغْنِي مصغر عَن مكبر أَو مهمل عَن مُسْتَعْمل أوأحد المترادفين عَن الآخر قَالَ ابْن مَالك ويطرد إِن جَمعهمَا أصل وَاحِد وَتوقف أَبُو حَيَّان(3/388)
(ش) قد يكون للاسم تصغيران قياسي وشاذ كصبية وغلمة قَالُوا فيهمَا صبية وغليمة وَهَذَا هُوَ الْقيَاس لِأَنَّهُمَا جمعا قلَّة وجموع الْقلَّة تصغر على لَفظهَا وَقَالُوا أصيبية وأغيلمة وَهَذَا هُوَ الشاذ وَكَأَنَّهُم صغروا أغلمة وأصبية وَإِن لم يسْتَعْمل فِي الْكَلَام وَقد جَاءَت أَسمَاء على صُورَة المصغر وَلم ينْطق لَهَا بمكبر نَحْو الْكُمَيْت من الْخَيل الْحمر والكعيت وَهُوَ البلبل والثريا للنجم الْمَعْرُوف فِي أَلْفَاظ كَثِيرَة استوعبتها فِي كتاب (المزهر) فِي علم اللُّغَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَكثر مَجِيء المصغر دون المكبر فِي الْأَسْمَاء الْأَعْلَام كقريظة وجهينة وبثينة وطهية وحنين وعرين وفرين وَأم حبين وهذيل وسليم وَقد يسْتَغْنى بتصغير مهمل عَن تَصْغِير مُسْتَعْمل كَقَوْلِهِم فِي مغرب الشَّمْس مغيربان وَفِي عَشِيَّة عشيشة وَفِي الْعشَاء عشيان وَفِي لَيْلَة لييلية وَفِي رجل رويجل وَفِي بنُون أبينون كَأَنَّهُ تَصْغِير مغربان وعشاة وعشيان وليلاة وراجل وَابْن وَهَذَا التصغير الَّذِي جَاءَ على خلاف المكبر نَظِير جمع التكثير الَّذِي جَاءَ على خلاف تَكْثِير الْمُفْرد نَحْو لَيَال وبابه وَقد يسْتَغْنى بتصغير أحد المترادفين عَن تَصْغِير الآخر قَالُوا أَتَانَا قصرا أَي عشيا وَلم يصغروا قصرا اسْتغْنَاء عَنهُ بتصغير عشيا قَالَ ابْن مَالك ويطرد ذَلِك فيهمَا جَوَازًا إِن جَمعهمَا أصل وَاحِد نَحْو جليس بِمَعْنى مجَالِس فلك أَن تَسْتَغْنِي بتصغير أَحدهمَا عَن الآخر لِأَنَّهُمَا جَمعهمَا أصل وَاحِد وَهُوَ اشتقاقهما من الْجُلُوس لِأَن مَادَّة كل مِنْهُمَا (ج ل س) فلك أَن تَسْتَغْنِي بتصغير مجَالِس وَهُوَ مجيلس عَن تَصْغِير جليس وَلَك أَن تَسْتَغْنِي بتصغير جليس وَهُوَ جليس عَن تَصْغِير مجَالِس وَتوقف فِي ذَلِك أَبُو حَيَّان قَالَه فِي الارتشاف (ص) مَسْأَلَة لَا يصغر مبْنى إِلَّا أوه والمنادى والمزج وَذَا وتا وَالَّذِي وفروعهما لَا اللَّاتِي واللواتي واللائي فِي الْأَصَح فَيبقى أَولهَا مَفْتُوحًا وَيُزَاد آخرهَا ألف وَقد يضم اللذيا واللتيا(3/389)
وَفِي التَّعَجُّب ثَالِثهَا الصَّحِيح يصغر أفعل فَقَط وَلَا عَامل عمل الْفِعْل وَفِي الْمصدر ثَالِثهَا مَا يقبل الْقلَّة وَالْكَثْرَة وَلَا غير وَسوى وغد والبارحة وحسبك ومختص بِالنَّفْيِ ومعظم شرعا ومنافيه وكل وَبَعض وَمَعَ وَأي وظرف غير مُتَمَكن ومحكي ومصغر وَشبهه وَأَسْمَاء الشُّهُور وَفِي الْأَيَّام ثَالِثهَا يجوز فِي الرّفْع دون النصب وَرَابِعهَا عَكسه (ش) أطلق ابْن مَالك وَغَيره أَنه لَا تصغر الْأَسْمَاء المبنية قَالَ أَبُو حَيَّان وَيرد عَلَيْهِ أَن بعض المبنيات يصغر وَذَلِكَ الْأَسْمَاء المركبة تركيب المزج فِي لُغَة من بنى كبعلبك وعمرويه فَيُقَال بعيلبك وعميرويه والأسماء المبنية بِسَبَب النداء يُقَال يَا زبيد وَيَا جعيفر قَالَ وَقد احْتَرز بَعضهم عَن هذَيْن النَّوْعَيْنِ فَقَالَ لَا تصغر الْأَسْمَاء المتوغلة فِي الْبناء وَهِي الَّتِي لم تعرب قطّ فَإِن هذَيْن النَّوْعَيْنِ لَهما حَالَة يعربان فِيهَا قَالَ وَمَعَ ذَلِك يرد عَلَيْهِ الْمركب الَّذِي آخِره ويه فَإِنَّهُ لَا يعرب قطّ على أصح الْقَوْلَيْنِ وَمَعَ ذَلِك يصغر قَالَ وَلنَا نوع ثَالِث لم يعرب قطّ ويصغر ذكره صَاحب الْبَسِيط قَالَ وَيُقَال أويه من كَذَا وَهُوَ تَصْغِير أوه كَمَا قَالُوا فِي المبهمة كَالَّتِي وَالَّذِي وَالضَّم الَّذِي فِيهَا لَا يمْنَع من التحقير كَمَا لم يمنعهُ فِي رويد زيدا وَهُوَ اسْم الْفِعْل لِأَنَّهُ على حد أَسمَاء الفاعلين وَيسْتَثْنى من المبنيات اسْم الْإِشَارَة والموصول فيصغران لِأَنَّهُ صَار فيهمَا شبه بالأسماء المتمكنة من حَيْثُ أَنَّهُمَا يوصفان ويوصف بهما وَقد خُولِفَ بهما قَاعِدَة التصغير حِين أُبْقِي أَولهمَا على الْفَتْح وَزيد فِي آخرهما ألف عوضا عَمَّا فَاتَ من ضم الأول فَقَالُوا فِي ذَا ذيا وَفِي تا تيا وَفِي أولى أليا وَفِي ذان وتان ذيان وتيان وَفِي الَّذِي وفروعه اللذيا واللتيا واللذيان واللتيان واللذيون بِضَم الْيَاء وَقيل بِفَتْحِهَا وَكَذَا اللَّذين بِكَسْرِهَا وَقيل بِفَتْحِهَا واللتيات واللوتيا فِي اللَّاتِي واللوياء واللويئون فِي اللائي واللائين وَضم لَام اللذيا واللتيا لُغَة لبَعض الْعَرَب(3/390)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَذَلِكَ دَلِيل على أَن الْألف لَيست عوضا من ضم الأول إِذْ لَا يجمع بَين الْعِوَض والمعوض مِنْهُ قَالَ وَلم يصغروا من أَلْفَاظ إِشَارَة الْمُؤَنَّث سوى (تا) وَتركُوا تَصْغِير تي وَذي وذهي وذه اسْتغْنَاء بتصغير (تا) أَو خوفًا من الالتباس بالمذكر قَالَ وإجازة تَصْغِير اللَّاتِي واللواتي واللاء واللائي مَذْهَب الْأَخْفَش قَالَه قِيَاسا وَمذهب سِيبَوَيْهٍ أَنه لَا يجوز تصغيرها اسْتغْنَاء بِجمع الْوَاحِد المحقر وَهُوَ اللتيات جمع اللتيا قَالَ وَمذهب سِيبَوَيْهٍ هُوَ الصَّحِيح لِأَنَّهُ لم يثبت عَن الْعَرَب وَلَا يَقْتَضِيهِ قِيَاس لِأَن قِيَاس هَذِه الْأَسْمَاء أَلا تصغر فَمَتَى صغرت الْعَرَب مِنْهَا شَيْئا وقفنا فِيهِ مَعَ مورد السماع وَلَا نتعداه وَقد دخل فِي المبنيات الْحُرُوف وَالْأَفْعَال فَلَا تصغر لِأَن التصغير وصف فِي الْمَعْنى والحرف وَالْفِعْل لَا يوصفان فَلَا يصغران وَقد سمع تَصْغِير فعل التَّعَجُّب قَالَ: 1780 -
(يَا مَا أميلح غزلاناً شَدَنَّ لنا ... )
وَفِي قِيَاسه خلاف وَلَا تصغر الْأَسْمَاء العاملة عمل الْفِعْل وَفِي تَصْغِير اسْم الْفَاعِل مَعَ عمله خلاف وَفِي شرح التسهيل لأبي حَيَّان لَا تصغر الْأَسْمَاء المصغرة وَلَا المشبهة بهَا ككميت وَنَحْوه وَلَا غير وَسوى وَسوى بِمَعْنى غير وَلَا البارحة وَلَا أمس وغد وَقصر بِمَعْنى عَشِيَّة وَلَا حَسبك وَلَا الْأَسْمَاء المختصة بِالنَّفْيِ وَلَا الْأَسْمَاء الْوَاقِعَة على مُعظم شرعا كأسماء الله تَعَالَى وَلَا الْأَسْمَاء المنافية لِمَعْنى التصغير ككبير وجسيم وَلَا كل وَلَا بعض وَلَا أَي وَلَا الظروف غير المتمكنة نَحْو ذَات مرّة وَلَا الْأَسْمَاء المحكية وَلَا أَسمَاء شهور السّنة كالمحرم وصفر وباقيها وَلَا أَسمَاء الْأُسْبُوع كالسبت والأحد وباقيها على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَاخْتَارَهُ ابْن كيسَان(3/391)
وَمذهب الْكُوفِيّين والمازني والجرمي جَوَاز تَصْغِير أَيَّام الْأُسْبُوع وَزعم بعض النَّحْوِيين أَنَّك إِذا قلت الْيَوْم الْجُمُعَة وَالْيَوْم السبت فَرفعت الْيَوْم جَازَ تَصْغِير الْجُمُعَة والسبت وَإِن نصبت لم يجز تصغيرهما وَزعم بَعضهم أَنه يجوز التصغير فِي النصب وَيبْطل فِي الرّفْع وَأَجَازَ الْمَازِني تصغيرهما فِي الرّفْع وَالنّصب أه
مَسْأَلَة
(ص) مَسْأَلَة تَصْغِير التَّرْخِيم تحذف فِيهِ الزَّوَائِد وَرُبمَا حذف أصل يُشبههُ وَلَا يَسْتَغْنِي عَن التَّاء مؤنث وَالأَصَح أَنه لَا يخْتَص بِالْعلمِ وَأَنه يُقَال فِي غير التَّرْخِيم فِي إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل بريهيم وسميعيل وَمِنْه بريه وَسميع وفَاقا (ش) من التصغير نوع يُسمى تَصْغِير التَّرْخِيم وَذَلِكَ بِحَذْف الزَّوَائِد مَعَ إِعْطَاء مَا يَلِيق بِهِ من فعيل أَو فعيعل كَقَوْلِك فِي أَزْهَر زُهَيْر وَفِي أسود سُوَيْد وَفِي منطلق طليق وَفِي مستخرج خريج وَفِي مدحرج دحيرج وَفِي زعفران زعيفر وَلَا فرق فِي جَوَاز تَصْغِير التَّرْخِيم بَين الْأَعْلَام وَغَيرهَا عِنْد الْبَصرِيين وَزعم الْفراء وثعلب أَنه يخْتَص بالأعلام كحارث وأسود علمين فَيُقَال فيهمَا حُرَيْث وسُويد بخلافهما وصفين فَلَا يُقَال إِلَّا حويرث وأسيود أَو أسيد فَإِن كَانَ المصغر اسْما لمؤنث عَارِيا من التَّاء وَجب دُخُول التَّاء مُطلقًا فَيُقَال فِي زَيْنَب وسعاد وحبلى زنيبة وسعيدة وحبيلة قَالَ أَبُو حَيَّان نعم الصِّفَات الَّتِي للمؤنث نَحْو طَالِق وحائض لَا تلحقها التَّاء فِي تَصْغِير التَّرْخِيم بل يُقَال طليق وحييض وَقد يحذف لتصغير التَّرْخِيم أصل يشبه الزَّائِد مِثَاله مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ عَن الْخَلِيل فِي تَصْغِير إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل تَصْغِير ترخيم بريه وَسميع بِحَذْف الْمِيم وَاللَّام من آخرهما وهما أصل بِاتِّفَاق لَكِن لما كَانَا مِمَّا يزادان من كَلَامهم ذَهَبُوا بهما مَذْهَب الزِّيَادَة فحذفوهما وَحسن ذَلِك طول الِاسْم وكونهما آخرا تحذف الْهمزَة مِنْهُمَا وَهِي أصل فِي قَول الْمبرد زَائِدَة فِي قَول سِيبَوَيْهٍ(3/392)
حجَّة الْمبرد أَن الْهمزَة لَا تكون زَائِدَة أَولا إِلَّا وَبعدهَا أَرْبَعَة أصُول وَحجَّة سِيبَوَيْهٍ أَن الْعَرَب حِين صغرت هذَيْن الاسمين تَصْغِير ترخيم حذفت الْهمزَة وَيَنْبَنِي على هَذَا الْخلاف تصغيرهما تَصْغِير غير التَّرْخِيم فَذهب سِيبَوَيْهٍ إِلَى حذف الْهمزَة فَيصير مَا بَقِي على (فعيعيل) خماسيا رابعه حرف مد ولين فَلَا يحذف مِنْهُ شَيْء وَتقول بريهيم وسميعيل وَذهب الْمبرد إِلَى إبْقَاء الْهمزَة لأصالتها عِنْده وَإِلَى حذف الْمِيم وَاللَّام كَمَا تحذف آخر الخماسي الْأُصُول فَيُقَال أبيريه وأسيميع كَمَا يُقَال فِي سفرجل سفيرج قَالَ أَبُو حَيَّان وَالصَّحِيح مَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ وَهَكَذَا صغر الْعَرَب فِيمَا رَوَاهُ أَبُو زيد وَغَيره
الْمَنْسُوب
(ص) الْمَنْسُوب هُوَ الْمَجْهُول حرف إعرابه يَاء مُشَدّدَة يكسر متلوها ويحذف تَاء التَّأْنِيث وعلامة التَّثْنِيَة والتصحيح فَإِن لحق الْمُؤَنَّث تَغْيِير وَهُوَ غير علم رد إِلَى مُفْرد وَإِلَّا أبقى إِلَّا نَحْو سدرات وَعجز الْمركب والمضاف إِن لم يفد تعريفا تَحْقِيقا أَو تَقْديرا وَلم يلبس وَإِلَّا فصدره وَجوز الْجرْمِي حذف صدر المزج وَالْجُمْلَة وَنسب أَبُو حَاتِم إِلَى الجزأين والأخفش إِن ألبس (ش) يَجْعَل حرف الْإِعْرَاب من الْمَنْسُوب يَاء مُشَدّدَة تزاد فِي آخِره وَيكسر لأَجلهَا مَا قبلهَا كهاشمي ومالكي وَإِنَّمَا كسر تَشْبِيها بياء الْإِضَافَة وَهَذَا أحد التغييرات اللاحقة للاسم الْمَنْسُوب إِلَيْهِ إِذْ يلْحقهُ ثَلَاث تغييرات لَفْظِي وَهُوَ كسر مَا قبل الْيَاء وانتقال الْإِعْرَاب إِلَيْهَا ومعنوي وَهُوَ صَيْرُورَته اسْما لما لم يكن لَهُ وحكمي وَهُوَ رَفعه لما بعده على الفاعلية كالصفة المشبهة نَحْو مَرَرْت بِرَجُل(3/393)
قرشي أَبوهُ كَأَنَّك قلت منتسب إِلَى قُرَيْش أَبوهُ ويطرد ذَلِك فِيهِ وَإِن لم يكن مشتقا وَإِن لم يرفع الظَّاهِر رفع الضَّمِير المستكن فِيهِ كَمَا يرفعهُ اسْم الْفَاعِل الْمُشْتَقّ وَلما كَانَ فِيهِ هَذِه التغيرات كثر فِيهِ التَّغَيُّر وَالْخُرُوج عَن الْقيَاس إِذْ التَّغْيِير يأنس بالتغيير ويحذف لهَذِهِ الْيَاء آخر الِاسْم إِن كَانَ تَاء تَأْنِيث كَقَوْلِك فِي النّسَب إِلَى مَكَّة وَفَاطِمَة مكي وفاطمي حذرا من اجْتِمَاع تاءي تَأْنِيث عِنْد نِسْبَة مُؤَنّثَة فِي نَحْو مَكِّيَّة وفاطمية إِذْ لَو بقيت لقيل مكيتة وفاطميتة قَالَ أَبُو حَيَّان وَقَول النَّاس (دِرْهَم خليفتي لحن) أَو كَانَ عَلامَة تَثْنِيَة أَو جمع تَصْحِيح بواو وَنون أَو بِأَلف وتاء كَقَوْلِك فِي النّسَب إِلَى عَبْدَانِ وعبدين وزيدان وزيدين واثنين ومسلمين ومسلمات وَعشْرين عَبدِي وزيدي واثني ومسلمي وعشري حذارا من اجْتِمَاع إعرابين فِي اسْم وَاحِد لَو لم تحذف فِيمَا عدا (مسلمات) وَمن اجْتِمَاع حرفي تَأْنِيث فِي مسلمات فَإِن نسب إِلَى مَا جمع بِالْألف وَالتَّاء وَكَانَ فِي الْجمع تَغْيِير بحركة لَازِمَة كجفنات أَو جَائِزَة كسدرات وغرفات فَإِن لم يكن علما رَددته إِلَى مفرده فَتَقول جفني وسدري وغرفي بِسُكُون عين الْكَلِمَة وَإِن كَانَ علما أبقيت الْحَرَكَة فَتَقول جفني وسدرى وغرفي فَإِن كَانَ التَّغْيِير كسرة كسدرات رَددتهَا فَتْحة وَنسب إِلَيْهِ كَمَا ينْسب إِلَى الْإِبِل فَتَقول سدري كَمَا تَقول إبلي وتحذف لهَذِهِ الْيَاء أَيْضا عجز الْمركب تركيب جملَة أَو مزج أَو عدد إِجْرَاء لَهُ مجْرى تَاء التَّأْنِيث فَيُقَال فِي النّسَب إِلَى تأبط شرا وبعلبك وَخَمْسَة عشر تأبطي وبعلي وخمسي(3/394)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَكَانَ مُقْتَضى الْقيَاس أَن الْجُمْلَة لَا ينْسب إِلَيْهَا كَمَا أَنَّهَا لَا تثنى وَلَا تجمع وَلَا تعرب وَلَا تُضَاف وَلَا تصغر وَإِنَّمَا جَازَ النّسَب إِلَى الصَّدْر مِنْهَا تَشْبِيها بالمركب تركيب مزج قَالَ وَيدخل تَحت قَوْلنَا عجز الْمركب النِّسْبَة إِلَى لَوْلَا وحيثما وشبههما فَيُقَال لوي بتَخْفِيف الْوَاو وحيثي بِحَذْف عجزهما لجريانهما مجْرى الْجُمْلَة الَّتِي تحكي وَتقول فِي النِّسْبَة إِلَى كنت كوني بِحَذْف تَاء الضَّمِير ورد الْوَاو لزوَال مُوجب الْحَذف وَهُوَ اجتماعها مَعَ النُّون الساكنة لأجل التَّاء وَقد نسبوا إِلَى الْجُمْلَة بأسرها فَقَالُوا كنتي لَكِن فِي الشّعْر قَالَ الْأَعْشَى: 1781 -
(فَأَصْبَحت كنتيًّا وأَصْبَحْتُ عاجنا ... )
وَقَالَ آخر: 1782 -
(إِذا مَا كُنْتَ مُلْتَمِساً لقُوتٍ ... فَلَا تَصْرخْ بكُنْتيّ يُجيبُ)
قَالَ وَلَو سمي بجملة زَائِدَة على كَلِمَتَيْنِ كَأَن تسمي رجلا (يخرج الْيَوْم زيد) حذف مَا زَاد على الْجُزْء الأول وَقيل خرجي وَجوز الْجرْمِي فِي الْجُمْلَة والمزج النّسَب إِلَى الْجُزْء الأول أَو الثَّانِي فَتَقول تأبطي أَو شري وبعلي أَو بكي(3/395)
وَجوز أَبُو حَاتِم السجسْتانِي النّسَب إِلَيْهِمَا مَعًا مقترنين فَيُقَال تأبطي شري وبعلي بكي ورامي هرمزي وَفِي الْعدَد إحدي عشري وَقَالَ الْأَخْفَش فِي (الْأَوْسَط) وَإِن خفت الإلباس قلت رامي هرمزي ويحذف أَيْضا لهَذِهِ الْيَاء عجز الْمركب تركيب إِضَافَة إِن لم يتعرف الأول بِالثَّانِي تَحْقِيقا وَلَا تَقْديرا وَلم يخف لبس كَقَوْلِهِم فِي النّسَب إِلَى امْرِئ الْقَيْس امرئي ومرئي فامرؤ الْقَيْس لم يتعرف الأول فِيهِ بِالثَّانِي لَا تَحْقِيقا وَلَا تَقْديرا لِأَنَّهُ لم تسبق لَهُ إِضَافَة قبل اسْتِعْمَاله علما كَمَا سبقت لأبي بكر مثلا وَإِن تعرف الأول بِالثَّانِي تَحْقِيقا أَو تَقْديرا أَولا وَلَكِن خيف لبس حذف الصَّدْر وَنسب إِلَى الْعَجز مِثَال الأول قَوْلهم فِي ابْن عمر وَابْن الزبير وَابْن كرَاع وَابْن دعْلج عمري وزبيري وكراعي ودعلجي وَمِثَال الثَّانِي قَوْلهم فِي أبي بكر بكري فَأَبُو بكر لم يتعرف فِيهِ الأول بِالثَّانِي تَحْقِيقا لِأَن الِاسْم لَا يكون مُعَرفا من جِهَتَيْنِ العلمية وَالْإِضَافَة لكنه تعرف بِهِ تَقْديرا لِأَنَّهُ قبل العلمية كَانَ (أَبُو) مُعَرفا ببكر تَحْقِيقا وَمِثَال الثَّالِث قَوْلهم فِي عبد منَاف وَعبد الْأَشْهَل منافي وأشهلي لأَنهم لَو قَالُوا عَبدِي لالتبس بِالنِّسْبَةِ إِلَى عبد الْقَيْس فَإِنَّهُم قَالُوا فِي النِّسْبَة إِلَيْهِ عَبدِي فرقوا بَين مَا يكون الأول مُضَافا إِلَى اسْم يقْصد قَصده ويتعرف الْمُضَاف الأول بِهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِك غَالب أَو طرأت عَلَيْهِ العلمية نَحْو ابْن عمر وَأبي بكر وَعبد منَاف وَعبد الْأَشْهَل وَعبد الْمطلب وَكَذَا كل مَا كَانَ فِيهِ ابْن أَو أَب أَو أم وَبَين مَا لَيْسَ كَذَلِك نَحْو امْرِئ الْقَيْس وَعبد الْقَيْس فَإِن الْقَيْس لَيْسَ بِشَيْء مَعْرُوف بِغَيْر إِضَافَة امْرِئ إِلَيْهِ أَو عبد وَقَالُوا فِي الرجل من بني عبد الله بن دارم دارمي وَمن بني عبد الله بن الدئل دئلي نسبوا إِلَى الْجد قَالَ أَبُو حَيَّان وَالْمرَاد بالمضاف فِي الْمَسْأَلَة الَّذِي يكون علما أَو غَالِبا بِحَيْثُ يكون مَجْمُوعه لِمَعْنى مُفْرد لَا الْمُضَاف على الْإِطْلَاق فَإِن مثل غُلَام زيد إِذا لم يكن كَذَلِك ينْسب فِيهِ إِلَى زيد أَو إِلَى غُلَام وَيكون إِذْ ذَاك من قبيل النِّسْبَة إِلَى الْمُفْرد لَا إِلَى الْمُضَاف لِأَن كلا من جزأيه بَاقٍ على مَعْنَاهُ(3/396)
(ص) وياء المنقوص إِلَّا الثلاثي فَترد وتقلب واوا والمشددة بعد أَكثر من حرفين وَقد تقلب واوا فِي مرموي فَإِن كَانَ حرفان حذفت أولى الياءين وقلبت الثَّانِيَة أَو حرف فالقلب وشذ غَيره خلافًا لأبي عَمْرو وَألف التَّأْنِيث رَابِعَة أَو فَوْقهَا مُطلقًا وَالْوَاو تلو ضم ثَالِث فَصَاعِدا وَالْيَاء الْمَكْسُورَة المدغم فِيهَا الموصولة بِالْآخرِ (ش) يحذف للنسب يَاء المنقوص غير الثلاثي فَيُقَال فِي قَاض ومعتل ومستدع قَاضِي ومعتلي ومستدعي بِخِلَاف الثلاثي كعم وشج فَإِنَّهُ ترد لامه وتقلب واوا سَوَاء كَانَت فِي الأَصْل واوا أم يَاء كَرَاهَة اجْتِمَاع الْأَمْثَال فَيُقَال عموي وشجوي وَقد يَقع ذَلِك فِي الرباعي أَيْضا فَيُقَال قاضوي لكنه شَاذ وتحذف أَيْضا الْيَاء الْمُشَدّدَة بعد أَكثر من حرفين سَوَاء كَانَت من بنية الْكَلِمَة أم دخلت للنسبة ككرسي ويحني ومرمي وشاهي فتحذف ياءاتها وَيثبت مَكَانهَا يَاء النّسَب فَتَصِير كلفظها كَرَاهَة اجْتِمَاع أَربع ياءات وَلِأَنَّهُ لَا يُوجد فِي آخر اسْم أَربع زَوَائِد من جنس وَاحِد وَقد يُقَال فِي مرموي بِحَذْف الْيَاء الزَّائِدَة المنقلبة عَن الْوَاو الزَّائِدَة فِي اسْم الْمَفْعُول وقلب الْيَاء الَّتِي هِيَ لَام الْكَلِمَة واوا كَمَا يُقَال فِي عَليّ علوي فَإِن كَانَ قبل الْيَاء الْمُشَدّدَة حرفان فَقَط كقصي حذفت أولى الياءين وقلبت الثَّانِيَة واوا فَيُقَال قصوي أَو حرف وَاحِد كحي وطي قلبت الثَّانِيَة واوا وَصحت الأولى محركة بِالْفَتْح فَيُقَال حيوي لِأَنَّهُ لَو نسب إِلَيْهِمَا على لَفْظهمَا لاجتمع فِي آخر الِاسْم أَربع ياءات وَذَلِكَ مستثقل فِي كَلَامهم وشذ قَوْلهم حييي وَكَانَ أَبُو عَمْرو يختاره لِأَن لَيْسَ فِيهِ زَائِد يحذف وتحذف أَيْضا ألف التَّأْنِيث رَابِعَة أَو فَوْقهَا فَيُقَال فِي جمزى وحبلى جمزي وحبلي بِخِلَاف ألف الْإِلْحَاق كعلقى أَو لَام الْكَلِمَة كملهى كَمَا سَيَأْتِي وتحذف أَيْضا الْوَاو تلو مضموم ثَالِث فَصَاعِدا فَيُقَال فِي عرقوة وترقوة وقمحدوة عرقي وترقي وقمحدي بِخِلَافِهَا بعد مضموم ثَان كرموه من الرَّمْي فَلَا تحذف(3/397)
وتحذف أَيْضا الْيَاء الْمَكْسُورَة المدغم فِيهَا الموصولة بِالْآخرِ فِرَارًا من توالي ياءات بَينهَا كسر فَيُقَال فِي سيد وميت سَيِّدي وميتي بِالتَّخْفِيفِ حذفا للياء المدغم فِيهَا الْيَاء الأولى وشذ قَوْلهم طائي بقلب الْيَاء ألفا الْمَكْسُورَة الْقيَاس طيئي فَلَو كَانَت الْيَاء غير مَكْسُورَة كهبيخ لم تحذف بل يُقَال هبيخي وَكَذَا لَو كسرت وَلم توصل بِالْآخرِ كمهيم تَصْغِير مهيام مفعال من هام فَيُقَال مهيمي بِلَا خلاف لِأَن الْيَاء الْمَكْسُورَة المدغم فِيهَا مفصولة من الآخر بياء التعويض (ص) وتقلب واوا ألف ثَالِثَة أَو رَابِعَة لإلحاق أَو أصل وَقد تحذف أَو تقلب رَابِعَة لتأنيث فِيمَا سكن ثَانِيه مثل [حبلوي] أَو خَامِسَة تلو مشدد وَقد تزاد ألف قبل بدل رَابِعَة مُطلقًا وهمزة تَأْنِيث غَالِبا وَفِي غَيرهَا وَجْهَان (ش) تقلب فِي النّسَب واوا ألف ثَالِثَة كفتوي وعصوي فِي فَتى وعصا أَو رَابِعَة لغير تَأْنِيث كالإلحاق فِي علقى وَلَام الْكَلِمَة فِي ملهى فَيُقَال فيهمَا علقوي وملهوي وَقد تحذف هَذِه أَعنِي الرَّابِعَة لغير تَأْنِيث تَشْبِيها لَهَا بِأَلف التَّأْنِيث فَيُقَال علقي وملهي وَقد تقلب الرَّابِعَة الَّتِي للتأنيث فِيمَا سكن ثَانِيه فَيُقَال فِي حُبْلَى حبلوى حملا على ملهى وعلقى بِخِلَاف مَا تحرّك ثَانِيه كجمزى فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْحَذف وَقد تزاد ألف قبل بدل الْألف الرَّابِعَة مُطلقًا سَوَاء كَانَت للتأنيث كَمَا نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ أَو للإلحاق كَمَا ذكره أَبُو زيد أَو منقلبة عَن أصل كَمَا ذكره السيرافي فَيُقَال حبلاوي وعلقاوي وملهاوي فَإِن وَقعت الْألف خَامِسَة وَهِي منقلبة عَن أصل بعد مشدد نَحْو مصلى ومثنى فمذهب سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور الْحَذف كحالها إِذا وَقعت خَامِسَة منقلبة عَن أصل وَلَيْسَ قبلهَا مشدد كمشترى فَإِنَّهُ لَا خلاف فِي حذفهَا وَمذهب يُونُس جعله(3/398)
مثل معطى وملهى فيجيز فِيهِ الْقلب كَمَا يُجِيز الْحَذف وتقلب أَيْضا واوا همزَة أبدلت من ألف التَّأْنِيث فَيُقَال فِي حَمْرَاء وصفراء حمراوي وصفراوي وَمن الْعَرَب من يَقُول حمرائي وصفرائي فتقر الْهمزَة من غير قلب تَشْبِيها بِأَلف كسَاء قَالَ فِي التوشيح وَذَلِكَ قَلِيل رَدِيء نَقله أَبُو حَاتِم فِي كتاب التَّذْكِير والتأنيث وَفِي همزَة غَيرهَا تالية ألف وَجْهَان الْإِقْرَار وَالْقلب سَوَاء كَانَت أَصْلِيَّة كقراء ووضاء أَو مُلْحقَة بِأَصْل كعلباء أَو منقلبة عَن أصل ككساء فَيُقَال قرائي وقراوي ووضائي ووضاوي وعلبائي وعلباوي وكسائي وكساوي والتصحيح فِي الْأَصْلِيَّة أَجود من الْقلب قَالَه ابْن مَالك قَالَ أَبُو حَيَّان فيفهم مِنْهُ أَن الْقلب فِي الْأَخيرينِ أَجود قَالَ وَالَّذِي ذكره غَيره أَن الْقلب فِي بَاب علْبَاء أحسن وَالْإِقْرَار فِي بَاب كسَاء أحسن بِنَاء لباب النّسَب على بَاب التَّثْنِيَة قَالَ وَقد قَالُوا فِي بَاب التَّثْنِيَة كسايان فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ النّسَب فَيُقَال كسايي بِالْيَاءِ أه (ص) وَيُقَال فِي فعيلة فعلي وفعلية وفعولة فعلي مَا لم يكن مضاعفا أَو أجوف صَحِيح اللَّام قَالَ ابْن مَالك أَو تعدم الشُّهْرَة وشذ نَحْو سليمي وقاس أَبُو البركات بن الْأَنْبَارِي نَحْو الْحَنَفِيّ فِي الْمَذْهَب وَأثبت الْأَخْفَش وَاو فعولة وحذفها ابْن الطراوة وَأبقى الضمة ويقاسان فِي فعيل وفعيل معتلي اللَّام لَا صَحِيحَيْنِ فِي الْأَصَح وَثَالِثهَا يقاسان فِي يَاء ثَالِثَة وَرَابِعهَا فِي فعيل فَقَط (ش) يُقَال فِي النّسَب إِلَى فعيلة بِضَم الْفَاء وَفتح الْعين فعلي كَذَلِك بِحَذْف الْيَاء الزَّائِدَة وتاء التَّأْنِيث نَحْو جُهَيْنَة جهين وضبيعة وضبعي وشذ ردينة ورديني بِإِثْبَات الْيَاء وَيُقَال فِي فعيلة بِفَتْح الْفَاء وَكسر الْعين فعلي بفتحهما وَحذف الْيَاء وَالتَّاء(3/399)
كحنيفة وحنفي وَرَبِيعَة ورِبْعِي وشذ قَوْلهم فِي سليم سليمي وَفِي عميرَة عميري وَفِي السليقة سليقي بِإِثْبَات الْيَاء من غير تَغْيِير وقاس الْكَمَال أَبُو البركات عبد الرَّحْمَن بن الْأَنْبَارِي الْحَنَفِيّ فِي النِّسْبَة إِلَى مَذْهَب أبي حنيفَة فرقا بَينه وَبَين الْمَنْسُوب إِلَى قَبيلَة بني حنيفَة حَيْثُ يُقَال فِي حنيفي كَمَا فرقوا بَين الْمَنْسُوب إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَإِلَى مَدِينَة الْمَنْصُور فَقَالُوا فِي الأول مدنِي وَفِي الثَّانِي مديني وَيُقَال فِي فعولة فعلي بحذ الْوَاو وَالتَّاء وَفتح الْعين سَوَاء كَانَت اللَّام صَحِيحَة كحمثولة وحملي وركوبة وركبي أم معتلة كعدوة وعدوي هَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَذهب الْأَخْفَش والجرمي والمبرد إِلَى أَنه ينْسب إِلَيْهِ على لَفظه كَقَوْلِهِم فِي أَزْد شنُوءَة شنوي وَذهب ابْن الطراوة إِلَى أَنه تحذف الْوَاو وَيتْرك مَا قبلهَا على الضَّم فَيُقَال حملي وركبي فَإِن ضوعفت الثَّلَاثَة كعديدة وضريرة تَصْغِير الْعدة والضرة وشديدة وقديدة وضرورة لم تحذف الْيَاء وَلَا الْوَاو كَرَاهَة اجْتِمَاع المثلين لَو حذفا فَإِنَّهُ كَانَ يصير عددي وضرري وشددي وقددي وضرري فَهَرَبُوا إِلَى الْفَصْل بَين المثلين بِالْيَاءِ وَالْوَاو وَالنِّسْبَة إِلَيْهِمَا على لَفظهَا فَقَالُوا عديدي وشديدي وضروري وَكَذَا إِن اعتلت عينهَا وَاللَّام صَحِيحَة لَا تحذف كلويزة ولويزي وطويلة وطويلي وقوولة وقوولي فَإِن اعتلت هِيَ وَاللَّام أَيْضا حذفت كطويه وطووي وحيية وحيوي وطهية وطهوي وَيُقَال فِي فعيل وفعيل صحيحي اللَّام أَو معتلين فُعَلِيّ وفَعَليّ بِحَذْف الْيَاء مِثَال الصَّحِيحَيْنِ هُذَيْل وهذلي وَثَقِيف وثقفي وَمِثَال المعتلين قصي وقصوي وَعلي وعلوي وَفِي قِيَاس ذَلِك أَقْوَال أَصَحهَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ يُقَال فِي المعتلين دون الصَّحِيحَيْنِ فَإِنَّهُمَا ينْسب إِلَيْهِمَا على لَفْظهمَا ككليب وكليبي وَتَمِيم وتميمي وَمَا جَاءَ من الْحَذف يحمل على الشذوذ(3/400)
وَالثَّانِي يُقَاس الصحيحان قِيَاسا مطردا كالمعتلين وَعَلِيهِ الْمبرد وَالثَّالِث إِن كَانَت الْيَاء ثَالِثَة حذفت نَحْو قُرَيْش وقرشي وهذيل وهذلي قَالَه المهاباذي قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا خلاف لمَذْهَب سِيبَوَيْهٍ ولمذهب الْمبرد أَيْضا وَالرَّابِع يُقَاس فِي فعيل لِكَثْرَة مَا جَاءَ فِيهِ سمع غير مَا تقدم ضبري من بني ضبير وفقمي من بني فقيم (كنَانَة) وملحي فِي مليح خُزَاعَة وقرمي فِي قريم وسلمي فِي سليم بِخِلَاف فعيل فَإِنَّهُ لم يحذف مِنْهُ إِلَّا ثَقِيف وثقفي فَالْقِيَاس على هَذِه اللَّفْظَة الْوَاحِدَة فِي غَايَة الْبعد والضعف أما فعول فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا النِّسْبَة على لَفظه من غير تَغْيِير وفَاقا كعدو وعدوي (ص) وَيفتح غَالِبا كسر فعل مثلث الْفَاء وجوبا وَقيل جَوَازًا وَبَاب تغلب سَمَاعا وَقيل قِيَاسا لَا بَاب جندل وفَاقا (ش) إِذا نسبت إِلَى فعل بِفَتْح الْفَاء وَكسر الْعين أَو فعل بِكَسْر الْفَاء وَالْعين أَو فعل بِضَم الْفَاء وَكسر الْعين فتحت الْعين من الثَّالِثَة كنمر ونمري وإبل وإبلي ودئل ودئلي وَكَذَا مَا ختم بتاء التَّأْنِيث من ذَلِك كشقرة وشقري وحبرة وحبري وشذ قَوْلهم فِي الصَّعق صعقي بِكَسْر الْعين وَالصَّاد قبلهَا إتباعا وَقَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا أعلم خلافًا فِي وجوب فتح الْعين فِي نَحْو نمر وإبل ودئل إِلَّا مَا ذكره طَاهِر الْقزْوِينِي فِي مُقَدّمَة لَهُ أَن ذَلِك على جِهَة الْجَوَاز وَأَنه يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ وَقد تفتح الْعين الْمَكْسُورَة من الرباعي كتغلب وتغلبي ويثرب ويثربي ومشرق ومغرب ومشرقي ومغربي وَقد اخْتلف فِي قِيَاس ذَلِك على قَوْلَيْنِ أصَحهمَا وَهُوَ مَذْهَب الْخَلِيل وسيبويه أَنه شَاذ يحفظ مَا ورد مِنْهُ وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ(3/401)
وَالثَّانِي أَنه مطرد ينقاس وعزي إِلَى الْمبرد وَابْن السراج والرماني والفارسي والصيمري وَجَمَاعَة قَالَ أَبُو حَيَّان هَكَذَا نقل الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بعض أَصْحَابنَا وَذهب أَبُو مُوسَى إِلَى توَسط بَين الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ أَن الْمُخْتَار أَلا يفتح قَالَ وَهَذَا مُخَالف لقَوْل سِيبَوَيْهٍ من أَنه شَاذ وَلقَوْل الْمبرد أَنه مطرد وَلَا يخْتَار الْكسر قَالَ وَنقل أَبُو الْقَاسِم البطليوسي فِي شَرحه لكتاب سِيبَوَيْهٍ أَن الْجُمْهُور على جَوَاز الْوَجْهَيْنِ فِيهِ وَأَنه إِنَّمَا خَالف فِيهِ أَبُو عَمْرو فَأوجب الْكسر قَالَ وَهَذَا مُخَالف للنَّقْل السَّابِق وَلَا يُغير بَاب جندل وعلبط ودردم وهدهد وعجلط وسلسة مِمَّا توالت حركاته وَلم يسكن ثَانِيه وَكسر مَا قبل آخِره بل ينْسب إِلَيْهِ على لَفظه من غير تَحْويل كَسرته فَتْحة بِلَا خلاف (ص) وَلَا يرد من الْمَحْذُوف الْفَاء أَو الْعين إِلَّا المنقوص وَترد اللَّام إِن كَانَ أجوف أَو جبر فِي التَّثْنِيَة أَو جمع الْمُؤَنَّث وَإِلَّا فَوَجْهَانِ فَإِن عرض الْوَصْل جَازَ حذفه وَالرَّدّ وَعَكسه وتفتح عين المجبور وَقيل يسكن مَا أَصله السّكُون وَلَا يحذف الْوَصْل من غير مَا ذكر (ش) لَا يرد فِي النّسَب مَا حذف من فَاء أَو عين إِن كَانَت اللَّام صَحِيحَة فَيُقَال فِي عدَّة عدي وَفِي سه سهي وَفِي مذ مُسَمّى بهَا مذي وَيرد إِن كَانَت اللَّام معتلة فَيُقَال فِي شية وشوي وَفِي (يرى) مُسَمّى بهَا يرئي يرد الْفَاء وَالْعين وَأما الْمَحْذُوف اللَّام فَيرد إِن كَانَ معتل الْعين سَوَاء كَانَت اللَّام المحذوفة حرف عِلّة كذي بِمَعْنى صَاحب فَيُقَال ذووي أم حرفا صَحِيحا كشاة أَصْلهَا شوهة بِسُكُون الْوَاو كصحفة فَلَمَّا حذفت الْهَاء باشرت تَاء التَّأْنِيث الْوَاو فَانْقَلَبت الْفَاء لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا فالمحذوف هَاء وَهُوَ حرف صَحِيح فَيُقَال فِي(3/402)
النِّسْبَة إِلَيْهِ على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ شاهي برد اللَّام وإبقاء الْألف المبدلة وعَلى مَذْهَب الْأَخْفَش شوهي برد الْوَاو أَيْضا إِلَى أَصْلهَا فَإِن كَانَ صَحِيح الْعين وَجب رد اللَّام أَيْضا إِن جبر بردهَا فِي التَّثْنِيَة كأب وَإِخْوَته فتقولء ابوي وأخوي كَمَا تَقول أَبَوَانِ وَأَخَوَانِ وَتقول فموي على لُغَة من يَقُول فموان أَو فِي الْجمع بِالْألف وَالتَّاء كعضة وهنة وَسنة فَتَقول عضوي وهنوي وسنوي على لُغَة من جعل الْمَحْذُوف مِنْهَا الْوَاو أَو عضيهي وهنهي وسنهي على لُغَة من جعل الْمَحْذُوف مِنْهَا الْهَاء كَمَا تَقول سنوات وسنهات وَإِن لم يجْبر برد لامه فِي التَّثْنِيَة وَلَا فِي الْجمع بِالْألف وَالْيَاء جَازَ فِيهِ وَجْهَان الرَّد وَتَركه نَحْو حر فَقَالَ حرحي أَو حري وشفة فَيُقَال شفهي أَو شفي فَإِن كَانَ الْمَحْذُوف اللَّام وَعوض فِي أَوله همز الْوَصْل جَازَ حذف الْهمزَة وَالرَّدّ وإبقاء الْهمزَة وَترك الرَّد فَيُقَال فِي ابْن وَاسم بنوي وسموي أَو ابْني واسمي وَلَا يجمع بَين الْهمزَة وَالرَّدّ لِئَلَّا يجمع بَين الْعِوَض والمعوض وَيُقَال فِي ابْن ابنمي أَو ابْني أَو بنوي وتفتح عين المجبور مُطلقًا سَوَاء كَانَ أَصْلهَا السّكُون أم الْحَرَكَة كالأمثلة السَّابِقَة كلهَا تفتح عينهَا وَهَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور وَقَالَ الْأَخْفَش إِن كَانَ أَصْلهَا السّكُون سكنت يُقَال فِي النّسَب إِلَى شَاة شوهي بِسُكُون الْوَاو قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا مِنْهُ قِيَاس مصادم للنَّص فَهُوَ من فَسَاد الْوَضع قَالَ وَقد رَجَعَ فِي الْأَوْسَط إِلَى مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَذكره سَمَاعا عَن الْعَرَب وَلَا تحذف همزَة الْوَصْل من غير مَا ذكر فَيُقَال فِي النِّسْبَة إِلَى (امْرِئ) امرئي وَإِلَى استغاثة استغاثي وَالرَّاء وَالنُّون من امْرِئ وابنم تابعان فِي الْكسر لما بعدهمَا فِي غير النّسَب (ص) ويضعف ثَانِي الثنائي وضعا جَوَازًا إِن صَحَّ ووجوبا إِن اعتل إِلَّا بِالْألف فيهمز (ش) إِذا نسب إِلَى الثنائي وضعا فَإِن كَانَ آخِره حرف صَحِيح جَازَ تَضْعِيفه وَعدم تَضْعِيفه فَيُقَال فِي كم كمي بِالتَّشْدِيدِ أَو كمي بِالتَّخْفِيفِ وَإِن كَانَ آخِره يَاء أَو واوا وَجب تَضْعِيفه فَيُقَال فِي كي وَلَو كيوي ولووي كحيوي(3/403)
وَإِن كَانَ آخِره ألف ضعف بِالْهَمْز فَيُقَال فِي لَا لائي وَيجوز لاوي لما تقدم من أَن الْهمزَة لغير التَّأْنِيث يجوز فِيهَا الْإِقْرَار وَالْقلب واوا (ص) وتبدل يَاء سِقَايَة وحولايا همزَة أَو واوا وتزيد (غَايَة) الْإِقْرَار لَا يُغير ثلاثي سَاكن الْعين صحيحها لامه وَاو أَو يَاء فَإِن أنث بِالتَّاءِ فثالثها يقر مَا قبل الْوَاو وتقلب فِي بَاب بنت ثَالِثهَا حذف التَّاء وَإِقْرَار مَا قبل (ش) النّسَب إِلَى سِقَايَة وحولايا بإبدال الْيَاء همزَة فَيُقَال سقائي وحولائي لِأَن التَّاء وَالْألف يحذفان فتتطرف الْيَاء وَقبلهَا ألف زَائِدَة فتبدل همزَة كَمَا هُوَ قَاعِدَة بَاب الْإِبْدَال وَقد تجْعَل هَذِه الْهمزَة واوا فَيُقَال سقاوي وحولاوي أما نَحْو سقاوة فَتبقى الْوَاو فِيهِ على حَالهَا وَلَا تقلب همزَة فَيُقَال سقاوي لِأَن الْعَرَب قد تقلب الْهمزَة واوا فَإِذا حذفت لم يجز فِيهَا إِلَّا الْإِثْبَات وَأما غَايَة وَنَحْوهَا كطاية وثاية مِمَّا ثالثه يَاء بعد الْألف فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه النِّسْبَة إِلَيْهِ على لَفظه فَيُقَال غايي وإبدال الْيَاء همزَة كَمَا قلبت فِي سِقَايَة فَيُقَال غائي وإبدال الْهمزَة المبدلة من الْيَاء واوا فَيُقَال غاوي والهمزة أَجود لِأَن فِيهِ سَلامَة من استثقال الياءات وإبدال أخف من إبدالين وَلَا يُغير ثلاثي سَاكن الْعين صحيحها لامه يَاء أَو وَاو أَو خَال من تَاء التَّأْنِيث كظبي وغزو بِاتِّفَاق فَيُقَال ظبيي وغزوي فَإِن أنث بِالتَّاءِ كظبية ودمية وزبية وَعُرْوَة وركوة ورشوة فَفِيهِ أَقْوَال أَحدهَا وَهُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ والخليل أَنه لَا يُغير أَيْضا بل ينْسب إِلَيْهِ على لَفظه بعد حذف التَّاء سَوَاء كَانَ من ذَوَات الْوَاو أَو من ذَوَات الْيَاء وَالثَّانِي أَنه ينْسب إِلَيْهِ كَمَا ينْسب إِلَى المنقوص الثلاثي فتقلب الْيَاء واوا فِي اليائي وَيفتح مَا قبل الْوَاو فِيهَا وَفِي الواوي فَيُقَال ظبوي وعروي وَعَلِيهِ يُونُس وَاخْتَارَهُ الزّجاج وَالثَّالِث التَّفْرِقَة بَين ذَوَات الْيَاء فتفتح مَا قبلهَا وَتَقَلُّبهَا واوا كالثلاثي المنقوص وَبَين ذَوَات الْوَاو فتبقيه سَاكِنا وَتقول عروي وَعَلِيهِ ابْن عُصْفُور وَفِي النّسَب إِلَى بنت وَأُخْت وثنتان وكلتا وَكَيْت وذيت مَذَاهِب(3/404)
أَحدهَا وَعَلِيهِ الْخَلِيل وسيبويه أَنه تحذف التَّاء وينسب إِلَيْهَا كمذكراتها فَيُقَال بنوي وأخوي وثنوي وكلوي وكيوي وذيوي كَسَائِر الْأَلْفَاظ المؤنثة بِالتَّاءِ وَالثَّانِي وَعَلِيهِ يُونُس أَنه ينْسب إِلَيْهَا على لَفظهَا بإبقاء التاءن فَيُقَال بِنْتي وأختي وثنتي وكلي أَو كلتوي وكيتي وذيتي فِرَارًا من اللّبْس وَهُوَ اخْتِيَاري وَالثَّالِث وَعَلِيهِ الْأَخْفَش أَنه تحذف التَّاء ويقر مَا قبلهَا على سكونه وَمَا قبل السَّاكِن على حركته وَيرد الْمَحْذُوف فَيُقَال بنوي وأخوي وثنتي وكلوي وكيوي وذيوي (ص) وينسب لاسم الْجمع وَالْجمع الْمُسَمّى بِهِ وَالْغَالِب وَمَا لَا وَاحِد لَهُ وَإِلَّا فَالْأَصَحّ ينْسب لمفرده إِن لم يلبس وَثَالِثهَا إِن كَانَ غير شَاذ (ش) إِذا نسب إِلَى اسْم الْجمع أَو الْجمع الْمُسَمّى بِهِ أَو الْجمع الْغَالِب أَو الْجمع الَّذِي واحده مهمل نسب إِلَيْهِ على لَفظه كَمَا ينْسب إِلَى الْوَاحِد فَيُقَال فِي قوم وتمر قومِي وتمري وَفِي كلاب وضباب وأنمار أَسمَاء قبائل كلابي وضبابي وأنماري لِأَنَّهَا بالعلمية لم يبْق يلحظ بهَا مُفْرد أصلا وَفِي الْأَنْصَار أَنْصَارِي لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ بَاقِيا على جمعيته لم يخرج عَنْهَا لكنه غَالب على قبائل بأعيانهم فنسب إِلَيْهِ على لَفظه كَالْعلمِ وَفِي شماطيط وعباديد شماطيطي وعباديدي إِذْ لَيْسَ لَهُ وَاحِد معِين يرجع إِلَيْهِ وَأما الْجمع الْبَاقِي على جمعيته وَله وَاحِد مُسْتَعْمل فَإِنَّهُ ينْسب إِلَى الْوَاحِد مِنْهُ فَيُقَال فِي الْفَرَائِض فَرضِي وَفِي الحمس أحمسي وَفِي الْفَرْع أفرعي قَالَ أَبُو حَيَّان بِشَرْط أَلا يكون رده إِلَى الْوَاحِد يُغير الْمَعْنى فَإِن كَانَ كَذَلِك نسب إِلَى لفظ الْجمع كأعرابي إِذْ لَو قيل فِيهِ عَرَبِيّ رد إِلَى الْمُفْرد لالتبس الْأَعَمّ بالأخص لاخْتِصَاص الْأَعْرَاب بالبوادي وَعُمُوم الْعَرَب وَأَجَازَ قوم أَن ينْسب إِلَى الْجمع على لَفظه مُطلقًا وَخرج عَلَيْهِ قَول النَّاس فرائضي وكتبي وقلانسي(3/405)
وَذهب هَؤُلَاءِ إِلَى أَن الْقمرِي والدبسي مَنْسُوب إِلَى الْجمع من قَوْلهم طيور قمر ودبس وَعند الْأَوَّلين هُوَ مَنْسُوب إِلَى القمرة وَهِي الْبيَاض والدبس أَو مثل كرْسِي مِمَّا بني على الْيَاء الَّتِي تشبه يَاء النّسَب وَأَجَازَ أَبُو زيد فِي مَا لَهُ وَاحِد شَاذ كمذاكير ومحاسن أَن ينْسب إِلَيْهِ على لَفظه كَالَّذي واحده مهمل فَيُقَال مذاكيري ومحاسني وسيبويه ينْسب إِلَى مفرده الشاذ فَيَقُول ذكري وحسني لِأَنَّهُ قد نطق لَهُ بِوَاحِد فِي الْجُمْلَة وَمن الشاذ على الأول وَقَوْلهمْ كلابي الْخلق وَالْقِيَاس كَلْبِي وَقَوْلهمْ فِي الْجمع الْمُسَمّى بِهِ فرهودي نِسْبَة إِلَى الفراهيد وَالْقِيَاس فراهيدي وَإِذا سمي بِنَحْوِ تمرات وأرضين وسنين ثمَّ نسب إِلَيْهَا فتحت عين تمرات وأرضين وَكسر فَاء سِنِين فرقا بَين النِّسْبَة إِلَيْهَا حَال العلمية وَبَين النِّسْبَة إِلَيْهَا حَال الجمعية فَإِنَّهُ فِي كلا الْحَالين يلْزم حذف الْألف وَالتَّاء وَالْيَاء وَالنُّون فَلَو أسكنت الْعين وَفتحت الْفَاء لالتبس فَيُقَال فِي الْعلم تمري وأرضي وسني وَفِي الْجمع تمري وأرضي وسنوي أَو سنهي
شواذ النّسَب
(ص) شواذ النّسَب الْمُخَالفَة لما ملا لَا تحصى وَمِنْهَا بِنَاء فعلل من جزئي الْمركب ولحاق الْيَاء لأبعاض الْجَسَد مَبْنِيَّة على فعال أَو مُلْحقًا بهَا ألف وَنون للْمُبَالَغَة وَالْفرق بَين الْوَاحِد وجنسه وَالزِّيَادَة والإغناء عَنْهَا بفعال من الحرفة وفاعل وَفعل بِمَعْنى صَاحب الشَّيْء وَإِقَامَة أَحدهمَا مقَام الآخر أَو غَيرهمَا وقاس الْمبرد بَاب فعال وتخفف الْيَاء فيعوض قبل اللَّام ألف وَلَا يجمعان إِلَّا شذوذا (ش) مَا سمع من النّسَب مغيرا لم يذكر فِي هَذَا الْبَاب أَو متروكا فِيهِ التَّغْيِير الْمُقَرّر فِيهِ لم يقس عَلَيْهِ وعد فِي شواذ النّسَب الَّتِي تحفظ وَلَا يُقَاس عَلَيْهَا وَهِي كَثِيرَة لَا تحصى فَمن المغير قَوْلهم فِي النّسَب إِلَى السهل سهلي بِضَم السِّين(3/406)
وَهُوَ خلاف مَا تقرر فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ بِحَيْثُ يُقَال فِي كلب كَلْبِي بِضَم الْكَاف وَقَوْلهمْ فِي الشتَاء شتوي وَقِيَاسه شتائي على لَفظه وَقَوْلهمْ فِي الْبَصْرَة بَصرِي بِكَسْر الْبَاء وَقِيَاسه فتحهَا وللشيخ الْهم دهري بِضَم الدَّال نِسْبَة إِلَى الدَّهْر وَقِيَاسه فتحهَا وَفِي خُرَاسَان خرسي وخراسي وَفِي الرّيّ رازي وَفِي مرو مروزي وَفِي دراب جرد دراوردي وَفِي دَار الْبِطِّيخ دريخي وَفِي سوق اللَّيْل سقلي وَمن الْمَتْرُوك تَغْيِيره وَالْقِيَاس أَن يُغير قَوْلهم كلب عميري فِي النّسَب إِلَى عميرَة وَمن شواذ النّسَب بناؤهم فعلل من جزئي الْمركب كَقَوْلِهِم فِي عبد شمس عبشمي وَفِي عبد الدَّار عبدري وَفِي امْرِئ الْقَيْس مرقسي وَعبد الْقَيْس عبقسي وَفِي حَضرمَوْت حضرمي وَمِنْهَا لحاق يَاء النّسَب أَسمَاء أبعاض الْجَسَد مَبْنِيَّة على فعال أَو مزيدا فِي آخرهَا ألف وَنون للدلالة على عظمها كَقَوْلِهِم أنافي للعظيم الْأنف ورآسي للعظيم الرَّأْس وعضادي للعظيم الْعَضُد وفخاذي للعظم الْفَخْذ وَفِي الَّذِي طوله أَو عرضه شبر أحادي أَو شبران ثنائي أَو ثَلَاثَة ثلاثي وَهَكَذَا رباعي وخماسي وسداسي وسباعي فَلَا يُقَاس على شَيْء من ذَلِك بِحَيْثُ يُقَال فِي الْعَظِيم الكبد أَو الْوَجْه كبادي أَو جاهي بل يقْتَصر على مَا سمع وكقولهم فِي الْعَظِيم الرَّقَبَة والجمة واللحية وَالشعر رقباني وجماني ولحياني وشعراني فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ بِحَيْثُ يُقَال فِي الْعَظِيم الرَّأْس رأساني وَمِنْهَا لحاق الْيَاء عَلامَة للْمُبَالَغَة كَقَوْلِهِم رجل أعجمي وأشعري وأحمري أَو للْفرق بَين الْوَاحِد وجنسه كزنج وزنجي ومجوس ومجوسي ويهود ويهودي وروم ورومي أَو زَائِدَة إِمَّا لَازِمَة ككرسي وحواري وكلب زبني فَهَذِهِ الْيَاء لَيست للنسب بل هِيَ زَائِدَة فبنيت الْكَلِمَة عَلَيْهَا أَو غير لَازِمَة كَقَوْلِه: 1783 -
(والدّهر بالإنسان دوّاريُّ ... )
وَلَا يُقَال إِنَّهَا زَائِدَة للْمُبَالَغَة لِأَنَّهَا قد استفيدت من بنائِهِ على فعال وَلَا يُقَاس على شَيْء مِمَّا ذكر وَمِنْهَا الإغناء عَن يَاء النّسَب بصوغ فعال من الحرفة كخباز وقزاز وسقاء(3/407)
وَبَقَاء وزجاج وبزاز وبقال وخياط ونجار وبصوغ فَاعل وَفعل بِمَعْنى صَاحب الشَّيْء كتامر وَلابْن ونابل أَي صَاحب تمر وَلبن ونبل وَطعم وَلبن وَعمل أَي صَاحب طَعَام وَلبن وَعمل وَقد يُقَام فعال مقَام فَاعل كنبال بِمَعْنى نابل أَي صَاحب نبل وَخرج عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا رَبك بظلام للعبيد} [فصلت: 46] أَي بِذِي ظلم وَقد يُقَام فَاعل مقَام فعال كحائك فِي معنى حواك لِأَن الحياكة من الْحَرْف وَقد يُقَام غَيرهمَا مقامهما نَحْو امْرَأَة معطار أَي ذَات عطر وناقة محضير وكل هَذَا مَوْقُوف على السماع وَلَا يُقَاس شَيْء مِنْهُ وَإِن كَانَ قد كثر فِي كَلَامهم قَالَ سِيبَوَيْهٍ فَلَا يُقَال لصَاحب الْبر برار وَلَا لصَاحب الشّعير شعار وَلَا لصَاحب الدَّقِيق دقاق وَلَا لصَاحب الْفَاكِهَة فكاه والمبرد يقيس بَاب فَاعل وفعال لِأَنَّهُ فِي كَلَامهم أَكثر من أَن يُحْصى وَقد تخفف يَاء النّسَب بِحَذْف إِحْدَى ياءيها فيعوض مِنْهَا ألف قبل لَام الْكَلِمَة كَقَوْلِهِم فِي يمني يماني وَفِي شَامي شآمي وَيصير الِاسْم إِذا ذَاك منقوصا تَقول قَامَ الْيَمَانِيّ وَرَأَيْت الْيَمَانِيّ ومررت باليماني وَلأَجل كَون هَذِه الْألف عوضا من الْيَاء المحذوفة لَا يَجْتَمِعَانِ إِلَّا شذوذا فِي الشّعْر
التقاء الساكنين
(ص) التقاء الساكنين الْغَالِب أَنه لَا يكون فِي الْوَصْل إِلَّا فِي حرف لين مَعَ مدغم مُتَّصِل وَقد يُغير بإبدال الْألف همزَة وَأَنه فِيمَا عداهُ يحذف الأول إِن كَانَ مدا أَو نون توكيد أَو لدن وَألا يُحَرك مَا لم يكن الثَّانِي آخر كلمة فَهُوَ وَإنَّهُ يُحَرك بِالْكَسْرِ وَقد يفتح أَو يضم لموجب فَإِن الْوَاو بعد فتح لجمع تضم وَلغيره تكسر وَإِن نون (عَن) تكسر مُطلقًا و (من) مَعَ غير اللَّام وتفتح مَعهَا وتحذف إِن لم تُدْغَم بِكَثْرَة وفَاقا لأبي حَيَّان وَقَالَ ابْن مَالك بقلة وَابْن عُصْفُور ضَرُورَة وَحذف التَّنْوِين وضمه لتلو ضم لَازم لُغَة 0 ش) لَا يَخْلُو التقاء الساكنين من حذف أَحدهمَا أَو تحريكه وَهُوَ الأَصْل لِأَنَّهُ أقل إخلالا وَلذَلِك لَا يعدل إِلَيْهِ إِلَّا بعد تعذره بِوَجْه مَا(3/408)
وأصل التَّخْفِيف أَن يكون من السَّاكِن الْمُتَأَخر لِأَن الثّقل يَنْتَهِي عِنْده وَلذَلِك لَا يكون التَّغَيُّر فِي الأول إِلَّا لوجه يرجحه وَقيل الأَصْل تَحْرِيك السَّاكِن الأول لِأَن بِهِ التَّوَصُّل إِلَى النُّطْق بِالثَّانِي فَهُوَ كهمزة الْوَصْل وَقَالَ قوم الأَصْل تَحْرِيك مَا هُوَ طرف الْكَلِمَة أَو الساكنين كَانَ أَو ثَانِيهمَا لِأَن الْأَوَاخِر مَوَاضِع التَّغْيِير وَلذَلِك كَانَ الْإِعْرَاب آخرا والتقاء الساكنين من الْأَحْوَال الْعَارِضَة للكلمة ثمَّ تَارَة يكون السَّاكِن أَصله الْحَرَكَة وَتارَة لَا ويلتقيان فِي الْوَقْف مُطلقًا سَوَاء كَانَ الأول حرف عِلّة أم لَا نَحْو يعلمُونَ وَصرف وَلَا يَلْتَقِيَانِ فِي الْوَصْل إِلَّا وأولهما حرف لين وَثَانِيهمَا مدغم مُتَّصِل نَحْو دَابَّة ودويبة والضالين بِخِلَاف الْمُنْفَصِل فيحذف لَهُ الأول وَرُبمَا ثَبت كَقِرَاءَة {عَنهُ تلهى} [عبس: 10] {مَا لكم لَا تناصرون} [الصافات: 25] وَرُبمَا فر من التقائهما فِي الْمُتَّصِل بإبدال همزَة مَفْتُوحَة من الْألف وَقُرِئَ {فَيَومئِذٍ لاَّ يُسئَلُ عَن ذَنبِهِ أِنسٌ وَلاَ جأَنُ} [الرَّحْمَن: 39] {وَلاَ الظّألين}(3/409)
[الْفَاتِحَة: 7] وَقَالَ الشَّاعِر: 1784 -
(وللأرْض أَمَّا سُودُها فَتَحجَّلّتْ ... بَياضاً وَأما بيضُها فادْهَأَمَتِ)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا ينقاس شَيْء من ذَلِك إِلَّا فِي ضَرُورَة الشّعْر على كَثْرَة مَا جَاءَ مِنْهُ فَإِن لم يكن الثَّانِي مدغما حذف الأول إِن كَانَ حرف مد أَو نون توكيد خَفِيفَة أَو نون (لدن) كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَقيل ادخلا النَّار مَعَ الداخلين} [التَّحْرِيم: 10] {يَقُولُوا الَّتِي} [الْإِسْرَاء: 53] {أَفِي الله شكّ} [إِبْرَاهِيم: 10] وَتقول اضْرِب الرجل تُرِيدُ اضربن ورأيته لدا الصَّباح أَي لدن وشذ إِثْبَات الْألف فِي قَوْلهم الْتَقت حلقتا البطال وَقَوْلهمْ فِي الْقسم هَا الله وإي الله بِإِثْبَات الْألف وَالْيَاء وَكسر نون لدن كَقَوْلِه: 1785 -
(تَنْتَهضُ الرِّعْدَةُ فِي ظُهَيري ... من لَدُن الظُّهْر إِلَى العُصَيْر)
وَإِن كَانَ غير ذَلِك حرك أَعنِي الأول نَحْو اضْرِب الرجل إِلَّا أَن يكون الثَّانِي آخر كلمة فيحرك هُوَ أَي الثَّانِي كأين وَكَيف وأمس وَحَيْثُ ومنذ وَإِذا كَانَ الأول تنوينا فَالْأَصْل فِيهِ عِنْد التقاء الساكنين الْكسر نَحْو مَرَرْت بزيد الظريف فَإِن كَانَ بعد السَّاكِن مضموم ضما لَازِما فَمن الْعَرَب من يضم إتباعا نَحْو هَذَا زيد اخْرُج إِلَيْهِ وَفِيهِمْ من يكسر فَإِن كَانَت الضمة عارضة فَلَيْسَ إِلَّا الْكسر نَحْو زيد ابْنك وَزيد اسْمك وَقَالَ الْجرْمِي حذف التَّنْوِين لالتقاء الساكنين مُطلقًا لُغَة وَعَلَيْهَا قرئَ {أحد الله الصَّمد} [الْإِخْلَاص: 1، 2] {وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار} [يس: 40] وَقَالَ(3/410)
1786 -
(وَلَا ذاكِر اللهَ إِلَّا قلِيلا ... )
وأصل مَا حرك من الساكنين الْكسر لِأَنَّهَا حَرَكَة لَا توهم إعرابا إِذْ لَا يكون فِي كلمة لَيْسَ فِيهَا تَنْوِين وَلَا مَا يُعَاقِبهُ من أل وَالْإِضَافَة بِخِلَاف الضَّم وَالْفَتْح فَإِنَّهُمَا يكونَانِ إعرابا وَلَا تَنْوِين مَعَهُمَا قَالَ صَاحب (الْبَسِيط) هَذَا قَول النَّحْوِيين قَالَ وَيحْتَمل أَن يُقَال الْفَتْح الأَصْل لِأَن الْفراء من الثّقل وَالْفَتْح أخف الحركات فَكَانَ أصلا أَو يُقَال لَا أصل فِي الالتقاء لحركة بل يَقْتَضِي التحريك خَاصَّة وَتَعْيِين الْحَرَكَة يكون لوجوه تخص ويعدل عَن الْكسر إِمَّا للتَّخْفِيف كأين وَكَيف لِأَن الْكسر مجانس للياء فثقل اجْتِمَاعهمَا وأشبه اجْتِمَاع مثلين وَمِنْه {آلمَ اللهُ} [آل عمرَان: 1 - 2] بِفَتْح الْمِيم(3/411)
أَو للجبر كقبل وَبعد لِأَنَّهُمَا لما حذف مَا أضيفا إِلَيْهِ وبنيا صَار لَهما بذلك دهن فجبرا بِأَن بنيا على الضَّم لتخالف حَرَكَة بنائهما حَرَكَة إعرابهما أَو للإتباع تمّ تَارَة يكون إتباعا لحركة مَا قبل وَتارَة يكون لما بعد كمنذ ضمة الذَّال قبلهَا إتباعا لضمة الْمِيم قبلهَا وَنَحْو {قل ادعوا} [الْإِسْرَاء: 110] ضمت لَام (قل) إتباعا لضمة الْعين بعْدهَا أَو ردا إِلَى الأَصْل نَحْو مذ الْيَوْم تحرّك بِالضَّمِّ لِأَن أَصله مُنْذُ فَيرد إِلَى أَصله وتجنبا للبس كَانَت و (اضربن) لخطاب الْمُذكر حركا بِالْفَتْح لِئَلَّا يلتبس بخطاب الْمُؤَنَّث أَو حملا على نَظِير ك (نَحن) حرك بِالضَّمِّ على (هم) وَالْوَاو أَو إيثارا للتجانس نَحْو (إسحار) مُسَمّى بِهِ إِذا رخم فَإِنَّهُ تحذف راؤه الْأَخِيرَة فَيبقى آخر الْكَلِمَة رَاء سَاكِنة بعد ألف سَاكِنة فَتحَرك بِالْفَتْح لمجانسة الْألف وَالْغَالِب فِي نون (من) أَنَّهَا تفتح مَعَ حرف التَّعْرِيف وتكسر مَعَ غَيره نَحْو {وَمن النَّاس} [الْبَقَرَة: 204، وَغَيرهَا] {من الَّذين فرقوا دينهم} [الرّوم: 32] (من ابْنك) وَقل عَكسه أَي الْكسر مَعَ حرف التَّعْرِيف وَالْفَتْح مَعَ غَيره وَكَذَا حذفهَا مَعَ حرف التَّعْرِيف كَقَوْلِه 1787 -
(كأنهُما مِلآن لمْ يَتغيّرا ... )
أَي من الْآن وَقد جعل ابْن مَالك هَذَا قَلِيلا وَجعله ابْن عُصْفُور وَغَيره من الضرورات ونازعهما أَبُو حَيَّان فَقَالَ إِنَّه حسن شَائِع لَا قَلِيل وَلَا ضَرُورَة(3/412)
قَالَ وَلَو تتبعنا دواوين الْعَرَب لاجتمع من ذَلِك شَيْء كثير فَكيف يَجْعَل قَلِيلا أَو ضَرُورَة بل هُوَ كثير وَيجوز فِي سَعَة الْكَلَام قَالَ وطالما بنى النحويون الْأَحْكَام على بَيت وَاحِد أَو بَيْتَيْنِ فَكيف لَا يَبْنِي جَوَاز حذف نون (من) فِي هَذِه الْحَالة وَقد جَاءَ مِنْهُ مَا لَا يُحْصى كَثْرَة قَالَ نعم لجوازه شَرط وَهُوَ أَن تكون اللَّام ظَاهِرَة غير مدغمة فِيمَا بعْدهَا فَلَا تَقول فِي من الظَّالِم م الظَّالِم وَلَا فِي (من اللَّيْل) (م اللَّيْل) قَالَ وَنَظِير ذَلِك حذف نون (بني) فَإِنَّهُم لَا يحذفونها إِلَّا إِذا كَانَ بعْدهَا لَام ظَاهِرَة فَيَقُولُونَ فِي بني الْحَارِث بلحارث وَلَا يَقُولُونَ فِي بني النجار بلنجار قَالَ وَوَقع فِي شعر المؤرخ التغلبي حذف نون (من) عِنْد لَام التَّعْرِيف المدغم فِي النُّون إِلَّا أَنه حِين حذف النُّون أظهر لَام التَّعْرِيف قَالَ 1789 -
(المطعمين لَدَى الشِّتاء ... سدائفاً مِلْنِيبِ غُرَّا)
انْتهى وَالْغَالِب فِي نون (عَن) أَنَّهَا تكسر مُطلقًا مَعَ لَام التَّعْرِيف وَمَعَ غَيره نَحْو رَضِي الله عَن الْمُؤمنِينَ وَعَن ابْنك وَقد تضم مَعَ اللَّام حكى الْأَخْفَش (عَن الْقَوْم) قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَيْسَ لَهَا وَجه من الْقيَاس وَالْغَالِب فِي الْوَاو المفتوح مَا قبلهَا الضَّم إِن كَانَت للْجمع نَحْو اخشوا النَّاس وَالْكَسْر إِن لم تكن للْجمع نَحْو لَو استطعنا وَقد ترد بِالْعَكْسِ فتكسر وَاو الْجمع وتضم وَاو غَيره وَقد تفتح وَاو الْجمع قرئَ {اشْتَروا الضَّلَالَة} [الْبَقَرَة: 16] بِالْفَتْح(3/413)
3 - الإمالة
(ص) الإمالة هِيَ أَن تنحي الصَّوْت جَوَازًا بِالْألف نَحْو الْيَاء لكَونهَا بدلهَا فِي طرف أَو آيلة إِلَيْهَا أبدل عين مَا يُقَال فِيهِ (فَلت) أَو تلوها يَاء أَو قبلهَا وَلَو مفصولة بِحرف أَو حرفين ثَانِيهمَا هَاء أَو تلوها كسرة أَو قبلهَا بِحرف أَو حرفين أَولهمَا سَاكن أَو بَينهمَا هَاء (ش) الْمَقْصُود بالإمالة تناسب الصَّوْت وَذَلِكَ أَن الْألف وَالْيَاء وَإِن تقاربا فِي وصف وَقد تباينا من حَيْثُ أَن الْألف من حُرُوف الْحلق وَالْيَاء من حُرُوف الْفَم فقاربوا بَينهمَا بِأَن نَحوا بِالْألف نَحْو الْيَاء وَلَا يُمكن أَن ينحي بهَا نَحْو الْيَاء حَتَّى ينحي بالفتحة نَحْو الكسرة فَيحصل بذلك التناسب وَنَظِير ذَلِك اجْتِمَاع الصَّاد وَالدَّال واجتماع السِّين وَالدَّال فَإِن كلا من الصَّاد وَالسِّين يشرب صَوت حرف قريب من الدَّال وَهُوَ صَوت الزَّاي لِأَن الصَّاد مستعل مطبق مهموس رخو وَالدَّال بِخِلَاف ذَلِك وَالسِّين مهموس فأشربا صَوت الزَّاي لموافقته للدال فِي كَونهَا مجهورة شَدِيدَة وَإِنَّمَا فعلوا ذَلِك ليتقارب مَا تبَاعد من الْحُرُوف ثمَّ الإمالة جَائِزَة لَا وَاجِبَة بِالنّظرِ إِلَى لِسَان الْعَرَب لِأَن الْعَرَب مُخْتَلفُونَ فِي ذَلِك فَمنهمْ من أمال وهم تَمِيم وَأسد وَقيس ويمامه أهل نجد وَمِنْهُم من لم يمل إِلَّا فِي مَوَاضِع قَليلَة وهم أهل الْحجاز وَبَاب الإمالة الِاسْم وَالْفِعْل بِخِلَاف الْحَرْف فَإِنَّهُ وَإِن أميل مِنْهُ شَيْء فَهُوَ قَلِيل جدا بِحَيْثُ لَا ينقاس بل يقْتَصر فِيهِ على مورد السماع وَأَسْبَاب الإمالة فِيمَا ذكر أَبُو بكر بن السراج استخراجا من كتاب سِيبَوَيْهٍ سِتَّة وَهِي كسرة تكون قبل الْألف أَو بعْدهَا وياء قبلهَا وانقلاب الْألف عَن الْيَاء وتشبيه ألف بِالْألف المنقلبة عَن الْيَاء وكسرة تعرض فِي بعض الْأَحْوَال وَذَلِكَ مَا(3/414)
لم يمْنَع من ذَلِك مَانع على مَا تبين وَشرح فِيهِ قَالَ أَبُو حَيَّان وَقد زَاد سِيبَوَيْهٍ ثَلَاثَة أَسبَاب شَاذَّة وَهِي شبه الْألف بِالْألف المشبهة بِالْألف المنقلبة وَفرق بَين الِاسْم والحرف وَكَثْرَة الِاسْتِعْمَال اه فَتَقول إِذا كَانَت الْألف متطرفة منقلبة عَن الْيَاء وأصلية نَحْو فَتى وَرمى وملهى ومرمى سَوَاء كَانَت فِي اسْم أَو فعل وَسَوَاء كَانَت ألفا منقبلة عَن يَاء أصليه أم عَن يَاء منقلبة عَن وَاو نَحْو ملهى وَأعْطى وَكَذَا إِن كَانَ مآلها إِلَى الْيَاء فَإِنَّهَا تمال مِثَاله ألف التَّأْنِيث الْمَقْصُورَة فَإِنَّهَا تؤول إِلَى الْيَاء فِي حَال التَّثْنِيَة وَالْجمع بِاتِّفَاق من الْعَرَب وَقَيده فِي التسهيل بقوله دون ممازجة زَائِد احْتِرَازًا من نَحْو قفا وقطا لِأَن أَلفه تؤول إِلَى الْيَاء مَعَ يَاء الْإِضَافَة فِي لُغَة هُذَيْل وتقرأ ألفا فِي لُغَة غَيرهم قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذِه الْمَسْأَلَة أَعنِي إِذا كَانَت الْألف لَا تؤول إِلَى الْيَاء إِلَّا بممازجة زَائِد فِيهَا خلاف فَالظَّاهِر من مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ أَنه يُسَوِّي فِيمَا كَانَ على ثَلَاثَة أحرف من بَنَات الْوَاو بَين الِاسْم وَبَين النَّقْل وَلَا يفرق بَينهمَا فِي جَوَاز الإمالة قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَقد يتركون الإمالة فِيمَا كَانَ على ثَلَاثَة أحرف من بَنَات الْوَاو نَحْو قفا وعصا قَالَ أَرَادوا أَنِّي يفصلوا بَينهَا وَبَين بَنَات الْيَاء وَهُوَ قَلِيل وَفرق النحويون الْفَارِسِي وَغَيره بَين الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال فيطردون الإمالة فِي الْفِعْل ويجعلونها شَاذَّة فِي الِاسْم قَالَ وَإِنَّمَا غر النَّحْوِيين فِي ذَلِك وَالله أعلم مَا حُكيَ من أَن الْقُرَّاء السَّبْعَة اتّفقت فِيمَا كَانَ على ثَلَاثَة أحرف من الِاسْم وألفه منقلبة عَن وَاو على الْفَتْح والقراءات سنة متبعة وَقد يتفقون على الْجَائِز وَلَا يقْدَح اتِّفَاقهم إِذا سلم فِي نقل سِيبَوَيْهٍ انْتهى وَكَذَا تمال الْألف إِذا كَانَت مبدلة من عين مَا يُقَال فِيهِ (فَلت) قَالَ أَبُو حَيَّان وَعبر بَعضهم عَن هَذَا السَّبَب بالإمالة لكسرة تعرض من بعض الْأَحْوَال(3/415)
قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَمِمَّا يميلون كل شَيْء كَانَ من بَنَات الْيَاء وَالْوَاو مِمَّا هِيَ فِيهِ عين إِذا كَانَ أول (فعلت) مكسورا نَحوا لكسره كَمَا نَحوا نَحْو الْيَاء فِيمَا كَانَت أَلفه فِي مَوَاضِع الْيَاء وَهِي لُغَة لبَعض الْحجاز اه وَذَلِكَ نَحْو خَافَ وطاب وَزَاد وَجَاء فَتَقول خفت وطبت وزدت وَجئْت فتحذف الْعين إِذا لحقت تَاء الضَّمِير وَيصير إِذْ ذَاك إِلَى فَلت وَاحْترز من أَن يصير إِلَى (فَلت) بِضَم الْفَاء نَحْو قلت فَإِنَّهُ لَا يمال قَالَ وَنَحْوه لِأَنَّهُ لَا يَاء فِيهِ وَلَا كسرة تعرض وَكَذَا تمال الْألف إِذا كَانَت مُتَقَدّمَة على يَاء تَلِيهَا نَحْو بَايع أَو مُتَأَخِّرَة عَنْهَا مُتَّصِلَة بهَا كالسيال ل (شَجَرَة) والضياح للبن الممزوج قَالَ أَبُو حَيَّان والإمالة فِي بياع وكيال أقوى لِأَن الْيَاء مضعفة أَو مُنْفَصِلَة بِحرف نَحْو شَيبَان والإمالة إِذا كَانَت الْيَاء سَاكِنة أقوى مِنْهَا إِذا كَانَت متحركة نَحْو الْحَيَوَان لِأَن الانخفاض فِي الساكنة أظهر لقربها من حُرُوف الْمَدّ أَو مُنْفَصِلَة بحرفين ثَانِيهمَا هَاء نَحْو (بَيتهَا) وَرَأَيْت جيبها قَالَ أَبُو حَيَّان وَأطلق صَاحب التسهيل فِي ذَلِك وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يقْصد بألا يفصل بَين الْهَاء وَالْيَاء ضمة نَحْو بَيتهَا فَإِنَّهُ لَا يجوز الإمالة لِأَن الضمة فِيهَا ارْتِفَاع فِي النُّطْق والإمالة فِيهَا انخفاض فتدافعا قَالَ وَإِنَّمَا شَرطه أَن يكون ثَانِيهمَا هَاء لخفائها فَكَأَنَّهُ لَيْسَ بَين الْيَاء وَالْألف إِلَّا حرف وَاحِد قَالَ وَاعْلَم أَن الْيَاء وَإِن كَانَت من أقوى أَسبَاب الإمالة فَإنَّا لم نجدها سَببا مُوجبا للشَّيْء مِمَّا أمالت الْقُرَّاء إِلَّا فِي نَحْو {الْخيرَات} [الْبَقَرَة: 148] و {حيران} [الْأَنْعَام: 71] فِي قِرَاءَة ورش وَإِلَّا فِي مَذْهَب قُتَيْبَة وَحده فَإِن الإمالة مَوْجُودَة فِي قِرَاءَته لذَلِك(3/416)
وَكَذَا تمال الْألف لكَونهَا مُتَقَدّمَة على كسرة تَلِيهَا نَحْو مَسَاجِد أَو مُتَأَخِّرَة عَنْهَا بِحرف نَحْو عماد أَو حرفين أَولهمَا سَاكن نحون شملال بِخِلَاف مَا إِذا كَانَا متحركين نَحْو أكلت عنبا وَمَا إِذا تقدم ثَلَاثَة أحرف فَإِنَّهُ لَا يجوز الإمالة إِلَّا أَن تكون أَحدهَا الْهَاء نَحْو (درهماك) وَيُرِيد أَن (يَنْزِعهَا) لخفاء الْهَاء وَشَرطه أَلا يكون إِحْدَى الحركتين ضمة فَلَا يجوز إمالة (هُوَ يضْربهَا) لحجر الضمة بَين الكسرة وَالْألف وَحكم الكسرة فِي وسط الِاسْم حكمهَا فِي أَوله (فالاسوداد) مثل (عماد) وكل مَا كَانَت الكسرة أقرب إِلَى الْألف كَانَت الإمالة أولى (فكتاب) أولى من (جِلْبَاب) وَكلما كثرت الكسرات كَانَت الإمالة أولى وَقد انْتهى أَسبَاب الإمالة وملخصها أَنَّهَا ترجع إِلَى شَيْئَيْنِ الْيَاء والكسرة وَقد اخْتلف فِي أَيهمَا أقوى فَذهب ابْن السراج إِلَى أَن الْيَاء أقوى من الكسرة لِأَنَّهَا حرف والكسرة بَعْضهَا وَذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَن الكسرة أقوى لِأَنَّهَا تجلب الإمالة ظَاهِرَة ومقدرة وَهُوَ ظَاهر كَلَام سِيبَوَيْهٍ وَاسْتدلَّ لَهُ من جِهَة السماع بِأَن أهل الْحجاز يمليون الْألف للكسرة وَلَا يمليونها للياء وَمن جِهَة الْمَعْنى بِأَن الاستثقال فِي النُّطْق بالكسرة أظهر مِنْهُ فِي النُّطْق بِالْيَاءِ الَّتِي لَيست مُدَّة وَإِن كَانَت مُدَّة فالكسرة مَعهَا نَحْو ديماس فَلَا شكّ أَن إمالة مثل هَذَا أقوى من إمالة سربال وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي الْيَاء الَّتِي لَيست مَعهَا كسرة (ص) ويغلب الْيَاء والكسرة غير المنويتين تَأَخّر مستعل وَلَو بِحرف أَو حرفين لَا ثَلَاثَة وتقدمه غير مكسور أَو سَاكن إثره وَرَاء مَفْتُوحَة أَو مَضْمُومَة ويكف كسر الرَّاء كل مَانع إِن لم يتباعد وَلَا يُؤثر سَبَب فِي كلمة أُخْرَى وَرُبمَا(3/417)
أثر الْمَانِع مُنْفَصِلا وَالْكَسْر منويا فِي مَوْقُوف ومدغم فَإِن كَانَ الْإِدْغَام من كَلِمَتَيْنِ أثر على الصَّحِيح (ش) يغلب الْيَاء والكسرة الموجودتين إِلَّا المنويتين تَأَخّر حرف من حُرُوف الاستعلاء السَّبْعَة مُتَّصِل بهَا نَحْو باخل أَو مُنْفَصِل بِحرف نَحْو ناهض أَو بحرفين نَحْو مناشيط فَلَا يمال شَيْء من ذَلِك فِي الْأَفْصَح وَنقل سِيبَوَيْهٍ إمالة نَحْو مناشيط عَن قوم من الْعَرَب لتراخي حرف الاستعلاء قَالَ وَهِي قَليلَة فَإِن كَانَ الْفَصْل بِثَلَاثَة أحرف لم يغلب لتراخيه نَحْو يُرِيد أَن يضْربهَا بِسَوْط وَبَعض الْعَرَب غلب حرف الاستعلاء وَإِن بعد وَمَا صدرت بِهِ من التَّعْبِير تبِعت فِيهِ التسهيل وَقد تعقبه أَبُو حَيَّان قَائِلا أما تَمْثِيل حرف الاستعلاء بالمتأخر عَن الْألف الَّتِي من شَأْنهَا أَن تمال لأجل الْيَاء لَوْلَا ذَلِك الْحَرْف فيقتضيه كَلَام المُصَنّف قَالَ وغلبته للكسرة وَاضح وَأما غَلَبَة الْيَاء فَلم نجد ذَلِك فِيهَا لَا فِي تَأَخّر حرف الاستعلاء عَن الْألف وَلَا فِي تقدمه عَلَيْهَا إِنَّمَا يمْنَع مَعَ الكسرة فَقَط قَالَ وَكَذَلِكَ قَوْله الموجودتين لَا المنويتين غلط لِأَنَّهُ لَيْسَ لنا يَاء منوية تمال الْألف لأَجلهَا لَا مُتَقَدّمَة على الْألف وَلَا مُتَأَخِّرَة وَإِنَّمَا الكسرة هِيَ الَّتِي تكون مَوْجُودَة ومنوية قَالَ فَذكر الْيَاء هُنَا غلط وَصَوَابه أَن يُقَال تقلب الكسرة الْمَوْجُودَة لَا المنوية وَمِثَال مَا الكسرة فِيهِ منوية وَبعد الْألف حرف الاستعلاء (هَذَا مَاض) فِي الْوَقْف ومررت بماض قيل اصله ماضض فأدغم انْتهى وَكَذَلِكَ يغلب حرف الاستعلاء إِن تقدم على الْألف فَلَا تجوز الإمالة نَحْو قَاعد وغانم وصاعد وطائف وضامن وظالم إِلَّا أَن يكون مكسورا نَحْو غلاب أَو سَاكِنا بعد مكسور نَحْو مِصْبَاح فَإِنَّهُ تجوز الإمالة وَمَتى اتَّصَلت بِالْألف رَاء مَفْتُوحَة أَو مَضْمُومَة منعت الإمالة قَالَ أَبُو حَيَّان سَوَاء تقدّمت نَحْو رَاشد وفراش أَو تَأَخَّرت نَحْو هَذَا كَافِر وحمار وَرَأَيْت حمارا(3/418)
وَبَعض الْعَرَب يمِيل وَلَا يلْتَفت إِلَى الرَّاء فَإِن كسرت الرَّاء كفت الْمَانِع كقارب وغارم فَإِن حرف الاستعلاء وَلَو لم تكن الرَّاء الْمَكْسُورَة بعد الْألف يمْنَع من الإمالة لَكِن الرَّاء الْمَكْسُورَة نزلت منزلَة حرفين مكسورين فَقَوِيت فِي جَانب الإمالة حَتَّى غلبت المستعلى وَإِنَّمَا قويت هَذِه الألفات لِأَنَّك تستعلي بلسانك ثمَّ تنحدر وَذَلِكَ سهل فَحَيْثُ قوي الْمُوجب التزموه وَلذَلِك لم يغلب الرَّاء الْمَكْسُورَة حرف الاستعلاء إِذا كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْهَا نَحْو فَارق لِأَن ذَلِك لَو أميل إصعاد بعد انحدار وَهُوَ صَعب فَإِن كَانَت هَذِه الرَّاء غير مُتَّصِلَة بِالْألف نَحْو {أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر} [الْقِيَامَة: 40] لم تغلب الْقَاف لبعدها إِلَّا فِي لُغَة شَاذَّة قَالَ أَبُو حَيَّان وَفِي قَول التسهيل كفت الْمَانِع اخْتِصَار حسن وَذَلِكَ أَن الْمَانِع يَشْمَل حرف الاستعلاء ويشمل الرَّاء الْمَفْتُوحَة الَّتِي تنزلت منزلَة حرف الاستعلاء فَإِذا اتَّصَلت بِالْألف الرَّاء الْمَكْسُورَة كفت مَا منع من الإمالة وَهُوَ حرف الاستعلاء نَحْو غَارِم وَالرَّاء الْمَفْتُوحَة نَحْو قرارك لِأَن الرَّاء الْمَفْتُوحَة لَيست فِي بَاب الْمَنْع بأقوى من حرف الاستعلاء اه فَلذَلِك زِدْت فِي التَّصْرِيح بِقَوْلِي كل مَانع وَبَعض الْعَرَب يَجْعَل الرَّاء الْمَكْسُورَة مَانِعَة من الإمالة كالمفتوحة والمضمومة وَلَا يُؤثر سَبَب الإمالة إِلَّا وَهُوَ بعض مَا الْألف بعضه فَلَو كَانَ السَّبَب من كلمة وَالْألف من أُخْرَى نَحْو هَذَا قَاضِي سَابُور وَرَأَيْت يَدي سَابُور لم يجز إمالة ألف سَابُور لِأَن الْيَاء والكسرة الموجبين للإمالة من كلمة وَالْألف من كلمة أُخْرَى وَكَذَلِكَ لَو قلت 1790 -
(هَا إنَّ ذِي عِذرَة ... )(3/419)
لم تمل ألف هَا لأجل كسرة همزَة إِن لِأَن ألف (هَا) من كلمة والكسرة من كلمة أُخْرَى قَالَ أَبُو حَيَّان وَيسْتَثْنى من هَذِه مَسْأَلَة بَينهَا وَعِنْدهَا وَلنْ يضْربهَا فَإِن الْهَاء ألفها الَّتِي تمال من كلمة وَالسَّبَب الَّذِي هُوَ الْيَاء أَو الكسرة من كلمة قَالَ وَقد مضى تَعْلِيل اغتفار ذَلِك فِي الْهَاء وَكَأَنَّهَا مفقودة لخفائها قَالَ وَقد نصوا على أَن الكسرة إِذا كَانَت مُنْفَصِلَة من الْكَلِمَة الَّتِي فِيهَا الْألف فَإِنَّهَا قد تمال الْألف لَهَا وَإِن كَانَت أَضْعَف من الكسرة الَّتِي تكون مَعهَا فِي الْكَلِمَة الْوَاحِدَة قَالَ سِيبَوَيْهٍ سمعناهم يَقُولُونَ لزيد مَال فأمالوا للكسرة وشبهوا بِالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَة اه وَقد يُؤثر مَانع الإمالة وَهُوَ فِي كلمة أُخْرَى غير الْكَلِمَة الَّتِي فِيهَا الْألف نَحْو يُرِيد أَن يضْربهَا قبل فالألف من كلمة وَالْمَانِع هُوَ الْقَاف من كلمة أُخْرَى وَرُبمَا أثرت الكسرة منوية فِي مَوْقُوف عَلَيْهِ أَو مدغم نَحْو هَذَا حَاج وَهَؤُلَاء حواج وَالْأَكْثَر فِي لِسَان الْعَرَب أَن مَا كَانَت الكسرة ذَاهِبَة مِنْهُ للإدغام أَنه لَا تمال أَلفه قَالَ أَبُو حَيَّان وَظَاهر قَول التسهيل فِي مدغم يَشْمَل إدغام مَا كَانَ فِي كلمة نَحْو حاد وإدغام مَا كَانَ فِي كَلِمَتَيْنِ نَحْو {إِن الْأَبْرَار لفي نعيم} [الانفطار: 13] وَقد حكى صَاحب كتاب التَّفْصِيل خلافًا فِي إمالة الْألف الَّتِي قبل الرَّاء المدغمة فِي مثلهَا أَو فِي اللَّام نَحْو {مَعَ الْأَبْرَار رَبنَا} [آل عمرَان: 193 - 194] {وَالنَّهَار لآيَات} [آل عمرَان: 190] فَقَالَ بَعضهم يمْنَع الإمالة فِي ذَلِك لذهاب الجالب لَهَا وَهِي الكسرة بِالْإِدْغَامِ وَهَذَا مَذْهَب ناشىء من النَّحْوِيين الْبَصرِيين وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ الإمالة ثَابِتَة فِي ذَلِك مَعَ الْإِدْغَام كثبوتها مَعَ غَيره وَذَلِكَ أَن تسكين الْحَرْف للإدغام عَارض بِمَنْزِلَة تسكينه للْوَقْف إِذا هُوَ بصدد أَلا يدغم وَلَا يُوقف عَلَيْهِ والعارض لايعتد بِهِ وَإِلَى هَذَا ذهب أَحْمد بن يحيى(3/420)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ عِنْدِي الصَّحِيح لِأَن الإمالة قد حَكَاهَا سِيبَوَيْهٍ فِي نَحْو حاد وَإِن كَانَ الْأَفْصَح أَلا تمال فَإِذا كَانَ قد جَازَ ذَلِك فِي مثل حاد مَعَ أَن كَسرته لَا تظهر إِلَّا أَن اضْطر شَاعِر ففك فَلِأَن يجوز مَعَ هَذَا أولى لِأَن هَذَا الْإِدْغَام لَيْسَ بِوَاجِب وَهُوَ زائل إِذا وقفت وَلَا سِيمَا إِذا قُلْنَا بِأَن المدغم فِي شَيْء يشار إِلَى حركته إِشَارَة لَطِيفَة فَكَأَن الْحَرَكَة إِذْ ذَاك مَوْجُودَة لَكِنَّهَا ضعفت (ص) وأميل بِلَا سَبَب للمجاورة والفواصل قيل وَكَثْرَة الِاسْتِعْمَال (ش) من أَسبَاب الإمالة فِيمَا عري من الْأَسْبَاب السِّتَّة السَّابِقَة مُجَاوزَة الممال قَالَ سِيبَوَيْهٍ قَالُوا (رَأينَا عمادا) فأمالوا للإمالة كَمَا أمالوا للكسرة وَقَالُوا مغزانا فِي قَول من قَالَ عمادا فأمالوهم جَمِيعًا وَذَا قِيَاس انْتهى قَالَ أَبُو حَيَّان وَقد قَرَأَ القرآء بالإمالة للإمالة فِي عدَّة كلم من ذَلِك صَاد {وَالنَّصَارَى} [الْبَقَرَة: 62] وتاء {واليتامى} [الْبَقَرَة: 83] وسين {أُسَارَى} [الْبَقَرَة: 85] و {كسَالَى} [النِّسَاء: 142] وكاف {سكارى} [النِّسَاء: 43] أمالها بعض الْقُرَّاء لإمالة مَا بعْدهَا وَقَوْلنَا مجاورة الممال يَشْمَل مَا أميل لتقدم الإمالة عَلَيْهِ وَمَا أميل لتأخر الإمالة عَنهُ وَمن أَسبَابهَا مُرَاعَاة الفواصل كإمالة {وَالضُّحَى وَالَّيلِ إِذَاس سَجَى} [الضُّحَى: 1 - 2] بمراعاة قلى وَمَا بعده من رُءُوس الْآي وعد قوم مِنْهُم صَاحب البديع والبهاباذي من أَسبَاب الإمالة كَثْرَة الِاسْتِعْمَال كإمالة الْأَعْلَام نَحْو الْحجَّاج والعجاج اسْم الراجز مَرْفُوعا ومنصوبا قَالَ أَبُو حَيَّان(3/421)
كَثْرَة الِاسْتِعْمَال من الْأَسْبَاب الشاذة الَّتِي أميلت الْألف لأَجلهَا (ص) والفتحة قيل رَاء مَكْسُورَة أَو هَاء تَأْنِيث لَا سكت على الصَّحِيح (ش) أميل من الفتحات نَوْعَانِ أَحدهمَا مَا تلته رَاء مَكْسُورَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذِه الإمالة مطردَة وَلها شَرْطَانِ أَحدهمَا أَن تكون الرَّاء الْمَكْسُورَة تلِي فَتْحة فِي غير يَاء أَو يكون بَينهمَا حرف سَاكن غير الْيَاء نَحْو (من عَمْرو) وخبط ريَاح أَو مكسور نَحْو يَاسر وَسَوَاء كَانَت الفتحة فِي حرف الاستعلاء نَحْو من الْبَقر أم فِي رَاء نَحْو (شرر) أم فِي غَيرهمَا نَحْو (من الْكبر) أم كَانَت الرَّاء والفتحة فِي كلمة كَمَا مثلنَا أم فِي كَلِمَتَيْنِ نَحْو رَأَيْت خبط ريَاح إِلَّا أَن الْمُتَّصِلَة أقوى فِي إِيجَاد الإمالة من الْمُنْفَصِلَة فَهِيَ فِي من الْبَقر أقوى مِنْهَا فِي خبط ريَاح فَإِن كَانَت الفتحة فِي يَاء نَحْو من الْغَيْر أَو السَّاكِن الْفَاصِل بَين الفتحة وَالرَّاء يَاء نَحْو لغير امْتنعت الإمالة فِيهِ الشَّرْط الثَّانِي أَلا يكون بعد الرَّاء الْمَكْسُورَة حرف استعلاء فَإِنَّهُ لَا تجوز الإمالة وَذَلِكَ نَحْو الشرق والصرط النَّوْع الثَّانِي مَا يَلِيهِ هَاء تَأْنِيث مَوْقُوف عَلَيْهَا قَالَ أَبُو حَيَّان سَبَب الإمالة لهاء التَّأْنِيث من الْأَسْبَاب الشاذة وَهُوَ أَنَّهَا شبهت بِالْألف المشبهة بِالْألف المنقلبة قَالَ سِيبَوَيْهٍ سَمِعت الْعَرَب يَقُولُونَ ضربت ضَرْبَة وَأخذت أَخْذَة شبهت الْهَاء بِالْألف فأمال مَا قبلهَا كَمَا يمِيل قبل الْألف قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يبين سِيبَوَيْهٍ بِأَيّ ألف شبهت وَالظَّاهِر أَنَّهَا شبهت بِأَلف التَّأْنِيث لاشْتِرَاكهمَا فِي معنى التَّأْنِيث قَالَ وكل هَاء تَأْنِيث فَإِن الإمالة جائرة فِي(3/422)
الفتحة الَّتِي قبلهَا وَلَا تمال الْألف قبلهَا نَحْو الْحَيَاة والنجاة وَالزَّكَاة إِلَّا إِن كَانَ فِيهَا مَا يُوجب الإمالة نَحْو إمالة (مرضاة) و (تقاة) وَسَوَاء كَانَت هَذِه الْهَاء للْمُبَالَغَة نَحْو عَلامَة ونسابة أم لَا لِأَنَّهَا كلهَا تَاء تَأْنِيث فَإِن كَانَت الْهَاء للسكت نَحْو {مَا هيه} [القارعة: 10] فَذهب ثَعْلَب وَابْن الْأَنْبَارِي إِلَى جَوَاز ذَلِك وَقد قَرَأَ بِهِ أَبُو مُزَاحم الخاقاني فِي قِرَاءَة الْكسَائي قَالَ أَبُو الْحسن بن الباذش وَوجه إمالة ذَلِك الشّبَه اللَّفْظِيّ الَّذِي بَينهَا وَبَين هَاء التَّأْنِيث اه (ص) وَلَا يمال مَبْنِيّ الأَصْل غير (هَا) و (نَا) و (ذَا) و (مَتى) و (أَنى) وَلَا حرف غير مُسَمّى بِهِ إِلَّا (بلَى) وَلَا فِي (إِمَّا لَا) قيل وَالْجَوَاب قَالَ قوم وَحَتَّى وَالْفراء وَلَكِن وَغير مَا مر مسموع أَو غير فصيح (ش) لَا يمال من الْأَسْمَاء إِلَّا المتمكن وأميل من غير المتمكن أَي من الْمَبْنِيّ الْأَصْلِيّ (هَا) و (نَا) نَحْو مر بهَا وَنظر إِلَيْهَا وَمر بِنَا وَنظر إِلَيْنَا وَذَا اسْم الْإِشَارَة سمع (ذَا قَائِم) بالإمالة وإمالته شَاذَّة وَوجه إمالته أَن أَلفه يَاء وَأَنه قد تصرف فِيهِ بِالتَّصْغِيرِ وَإِن كَانَ التصغير لَا يدْخل نَظَائِره فتصرف فِيهِ بالإمالة وأمالت الْعَرَب (مَتى) فِي كلتا حالتيها من الِاسْتِفْهَام وَالشّرط وَكَذَلِكَ أَنى وإمالة ألفها إِنَّمَا هِيَ لشبهها بِالْألف المشبهة بِالْألف المنقلبة(3/423)
وَاخْتلف فِي وَزنهَا فَقيل فعلى وَإِلَيْهِ ذهب الْأَهْوَازِي وَاخْتَارَهُ ابْن مُجَاهِد وَجوز أَن يكون أفعل وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحسن بن الباذش لِأَن زِيَادَة الْهمزَة أَولا عِنْد سِيبَوَيْهٍ أَكثر من زِيَادَة الْألف آخرا وَخرج بِمني الأَصْل مَا عرض بِنَاؤُه كالمنادي نَحْو يَا فَتى وَيَا حُبْلَى فَإِن أمالته مطردَة وإمالة الْفِعْل الْمَاضِي مطردَة وَإِن كَانَ المبنى الأَصْل وَأما الْحُرُوف فَلم يمل مِنْهَا إِلَّا (بلَى) لِأَنَّهَا تنوب عَن الْجُمْلَة فِي الْجَواب فَصَارَ لَهَا بذلك مزية على غَيرهَا وَلَا فِي (إِمَّا لَا) لِأَنَّهَا مَوْضُوعَة مَوضِع الْجُمْلَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل لِأَن الْمَعْنى إِن لم تفعل كَذَا فافعل كَذَا وَلَو أفردت من (إِمَّا) لما صحت إمالة ألف (لَا) وَحكى ابْن جني عَن قطرب إمالة (لَا) فِي الْجَواب لكَونهَا مُسْتَقلَّة فِي الْجَواب كالاسم قَالَ الخضراوي وَالْأَحْسَن أَن يُقَال كالفعل لِأَنَّهَا اسْتَقَلت لنيابتها عَن الْفِعْل قَالَ أَبُو حَيَّان وَحكى صَاحب (الغنية) وَهُوَ أَبُو يَعْقُوب يُوسُف بن الْحسن الاستراباذي فِي هَذَا الْكتاب عَن أبي بكر بن مقسم أَن بعض أهل نجد وَأكْثر أهل الْيمن يميلون ألف (حَتَّى) لِأَن الإمالة غلابة على ألسنتهم فِي أَكثر الْكَلَام(3/424)
وَعَامة الْعَرَب والقراء على فتحهَا قَالَ أَبُو يَعْقُوب وَقد رُوِيَ إمالتها عَن حَمْزَة وَالْكسَائِيّ إمالة لَطِيفَة وَذهب سِيبَوَيْهٍ وَأَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي والمهاباذي وَغَيرهم إِلَى منع إمالة حَتَّى قَالَ أَبُو حَيَّان وهم محجوجون بِنَقْل ابْن مقسم قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي وَإِنَّمَا كتبت بِالْيَاءِ وَإِن كَانَت لَا تمال فرقا بَين دُخُولهَا على الظَّاهِر والمكي فلز الْألف فِيهَا مَعَ المكنى حِين قَالُوا حتاي وحتا وحتاه وَانْصَرف إِلَى الْيَاء مَعَ الظَّاهِر حِين قَالُوا حَتَّى زيد انْتهى قَالَ أَبُو حَيَّان وَاخْتلف أَيْضا فِي إمالة (لَكِن) فَذهب إِلَى جَوَاز ذَلِك الْفراء تَشْبِيها لألفها بِأَلف فَاعل وَالصَّحِيح أَنه لَا يجوز الإمالة لِأَنَّهَا لم تسمع فِيهَا وَالْأَصْل فِي الأدوات أَلا تمال وَمَا أميل مِنْهَا فَإِن ذَلِك فِيهَا على طَريقَة الشذوذ فَلَا يتَعَدَّى مورد السماع وَمَا سمي بِهِ من الْحُرُوف دَخلته الإمالة لِخُرُوجِهِ عَن حيّز الحرفية إِلَى حيّز الْأَسْمَاء كَقَوْلِهِم فِي حُرُوف المعجم بَاء تَاء ثاء يَاء وَكَذَا أَوَائِل السُّور الَّتِي آخرهَا ألف كالراء فَإِن لم يكن كصاد وقاف فَلَا خلاف فِي فتحهَا قَالَ أَبُو حَيَّان وَقد حكوا إمالة ألف يَا فِي النداء وَوجه ذَلِك أَنَّهَا عاملة فِي الْمُنَادِي فِي قَول ونائبة عَن الْعَامِل فِي قَول فَصَارَ لَهَا بذلك مزية على غَيرهَا من الْحُرُوف وشبهت أَيْضا بِمَا أميل من كَلَام المعجم نَحْو إمالتهم ألف بَاء وتاء وَرَاء وَغير مَا تقدم تَقْرِيره فِي الْبَاب شَاذ مسموع أَو لُغَة ضَعِيفَة لقوم من الْعَرَب لم يوثق بفصاحتهم وَقد تقدم فِي الشَّرْح الْإِشَارَة إِلَى بعض ذَلِك
3 - الْوَقْف
(ص) الْوَقْف إِذا وقف على سَاكن لم يُغير إِلَّا المهمل خطا فيحذف إِلَّا التَّنْوِين فِي غير الْهَاء فَالْأَصَحّ إِبْدَاله فِي الْفَتْح ألفا وحذفه فِي غَيره وَفِي الْمَقْصُور الْمنون(3/425)
ثَالِثهَا الْأَصَح كَالصَّحِيحِ والمنقوص غير الْمَنْصُوب إِن حذف فاؤه أَو عينه فبالباء حتما وَإِلَّا فَالْأَصَحّ إِن نون الْحَذف وَإِلَّا فالإثبات خلافًا ليونس فِي الْمُنَادِي وياء الْمُتَكَلّم الساكنة وصلا والمحذوفة وَالْيَاء وَالْوَاو المتحركتان كَالصَّحِيحِ والساكنان لَا يحذفان اخْتِيَارا خلافًا للفراء وَكَذَا ألف الْمَقْصُور وَضمير الغائبة وفَاقا لأبي حَيَّان وَيجوز إِبْدَال ألف الْمَبْنِيّ همزَة وإقرارها ولحوق الْهَاء وإبدال الْألف مُطلقًا همزَة أَو يَاء أَو واوا لُغَة وَالْمُخْتَار وفَاقا للمبرد والمازني وَابْن عُصْفُور وَخِلَافًا لِلْجُمْهُورِ الْوَقْف على (إِذن) بالنُّون وَفِي (كَائِن) خلف وَترد نون (لم يَك) وَمنعه الْفراء (ش) إِذا كَانَ آخر الْمَوْقُوف عَلَيْهِ سَاكِنا ثَبت بِحَالهِ فِي الْوَقْف كحاله فِي الدرج وَذَلِكَ نَحْو لم وَمن وَالَّذِي وَلم يقم وَلم يقوما وَسَوَاء كَانَ مَبْنِيا أم معربا إِلَّا أَن يكون آخر الْمَوْقُوف عَلَيْهِ حرفا أهمل فِي الْخط أَي لم تجْعَل لَهُ صُورَة فِي الْخط فَصَارَ يلفظ بِهِ وَلَا يصور لَهُ شكل وَهُوَ التَّنْوِين وَنون (إِذن) على مَذْهَب من يرى كتبهَا بِالْألف وَنون التوكيد بعد فَتْحة أَو ألف فَإِنَّهُ يحذف إِلَّا تَنْوِين مَفْتُوح مُعرب أَو مَبْنِيّ غير مؤنث بِالْهَاءِ فَإِنَّهُ يُبدل ألفا فِي الْإِعْرَاب فِي لِسَان الْعَرَب نَحْو رَأَيْت زيدا وويها وإيها فَإِن كَانَ مؤنثا بِالْهَاءِ نَحْو رَأَيْت قَائِمَة فَإنَّك لَا تبدل من التَّنْوِين فِيهِ ألف هَذَا أَيْضا على الأعرف من لِسَان الْعَرَب وهم الَّذين يقفون بإبدال التَّاء هَاء وَأما من يقف بِالتَّاءِ وهم بعض الْعَرَب فَإِنَّهُ يُبدل من التَّنْوِين فِي هَذَا النَّوْع ألفا فَيَقُولُونَ رَأَيْت قائمتا قَالَ 1791 -
(إذَا اغْتَزَلَتْ من بُقام الفَرير ... فيا حُسْنَ شَمْلِتَها شَمْلَتا)(3/426)
وَخرج بالمؤنث بِالْهَاءِ الْمُؤَنَّث بِالتَّاءِ نَحْو بنت وَأُخْت فَإِنَّهُ يُبدل فِيهِ التَّنْوِين ألفا كَغَيْر الْمُؤَنَّث نَحْو رَأَيْت بِنْتا وأختا ولغة ربيعَة حذف التَّنْوِين من الْمَنْصُوب وَلَا يبدلون مِنْهُ ألفا فَيَقُولُونَ رَأَيْت زيد حملا لَهُ على الْمَرْفُوع وَالْمَجْرُور ليجري الْبَاب مجْرى وَاحِدًا قَالَ 1792 -
(أَلا حبَّذا غُنْمٌ وحُسْنُ حَدِيثها ... لقد تَرَكَتْ قلبِي بهَا هائماً دَنِفْ)
وَوجه الْحَذف فِي الرّفْع والجر استثقال الْإِبْدَال فِيهَا ولغة أَزْد السراة الْإِبْدَال فِي الْأَحْوَال الثَّلَاثَة حكى أَبُو الْخطاب عَنْهُم أَنهم يبدلون فِي الرّفْع وَالنّصب والجر حرفا يُنَاسب الْحَرَكَة أَي واوا وألفا أَو يَاء وَكَأن الْبَيَان عِنْدهم أولى وَإِن لزم الثّقل وَمذهب سِيبَوَيْهٍ فِيمَا نقل أَكثر النَّحْوِيين أَن الْمَقْصُور الْمنون كَالصَّحِيحِ فِيمَا ذكر من أَن أشهر اللُّغَات فِيهِ حذف التَّنْوِين من المضموم والمكسور وإبداله ألفا من المفتوح نَحْو قَامَ فَتى ومررت بفتى وَرَأَيْت فَتى فَإِن الْعَرَب مجمعون على الْوُقُوف بِالْألف فَفِي حَالَة الضَّم وَالْكَسْر هِيَ الْألف الَّتِي كَانَت فِي آخر الْكَلِمَة وحذفت لالتقائها سَاكِنة مَعَ التَّنْوِين لِأَنَّهُ لما حذف التَّنْوِين عَادَتْ الْألف إِذْ قد زَالَ مُوجب الْحَذف وَأما فِي المفتوح فَإِنَّهَا بدل من التَّنْوِين وَبِهَذَا الْمَذْهَب قَالَ أَبُو عَليّ فِي أحد قوليه وَالْجُمْهُور وَابْن مَالك فِي التسهيل وَذهب الْمَازِني إِلَى إِبْدَال الْألف من تنوينه مُطلقًا رفعا وجرا ونصبا قَالَ لِأَن التَّنْوِين فِي الْأَحْوَال كلهَا قبله فَتْحة فَأشبه التَّنْوِين فِي رَأَيْت زيدا لأَنهم إِنَّمَا وقفُوا على رَأَيْت زيدا بالإبدال ألفا لِأَن الْألف لَا ثقل فِيهَا بِخِلَاف الْوَاو وَالْيَاء وَهَذِه الْعلَّة مَوْجُودَة فِي الْمَقْصُور الْمنون وَبِهَذَا الْمَذْهَب قَالَ الْأَخْفَش وَالْفراء أَبُو عَليّ أَولا وَذهب أَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ إِلَى عدم الْإِبْدَال فِيهِ مُطلقًا وَذَلِكَ أَنه يحذف التَّنْوِين رفعا وجرا ونصبا فتعود الْألف فِي الْأَحْوَال كلهَا وَهَذَا الْمَذْهَب قَالَه ابْن(3/427)
كيسَان والسيرافي وَابْن برهَان وَابْن مَالك فِي الكافية وشرها وَعَزاهُ مكي بن ابي طَالب إِلَى الْكُوفِيّين وَعَزاهُ أَبُو أَبُو جَعْفَر بن الباذش فِي الْإِقْنَاع إِلَى مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ والخليل وَقَالَ أَبُو حَيَّان إِنَّه الْأَرْجَح وَأما المنقوص فَإِن حذف فاؤه ك وَفِي يَفِي علما ومثلما وقِي يقي أَو عينه ك مر اسْم فَاعل من أرأى يرئي علما فَإِنَّهُ يُوقف عَلَيْهِ برد الْيَاء حتما فِي الْأَحْوَال كلهَا إِذْ لَو وقف عَلَيْهِ بِدُونِهَا لزم الْإِخْلَال بِالْكَلِمَةِ إِذْ لم يبْق فِيهَا إِلَّا حرف وَاحِد وَإِن لم يحذف مِنْهُ فَاء وَلَا عين فَإِن كَانَ مَنْصُوبًا ثبتَتْ فِي الْيَاء فِي الْوَقْف وابدل من التَّنْوِين ألف نَحْو رَأَيْت القَاضِي وَرَأَيْت قَاضِيا وَإِن كَانَ مَرْفُوعا أَو مجروراً فالأفصح إِن كَانَ منونا حذف يائه نَحْو هَذَا قَاض ومررت بقاض وَإِن كَانَ غير منون إِثْبَات يائه وَتَحْت ذَلِك صور أَن يكون مُعَرفا بِاللَّامِ نحجو جَاءَ القَاضِي ومررت بِالْقَاضِي أَو بِالْإِضَافَة نَحْو جَاءَ قَاضِي مَكَّة وقاضي الْمَدِينَة أَو غير منصرف نَحْو هَؤُلَاءِ جواري أَو منادى نَحْو يَا قَاضِي وَاخْتِيَار إِثْبَات الْيَاء فِي الْوَقْف على المنادى وَهُوَ مَذْهَب الْخَلِيل وَمذهب يُونُس اخْتِيَار حذفهَا نَحْو يَا قَاض قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ أقوى لِأَن النداء مَحل حذف أَلا تراهم رخموا فِيهِ الْأَسْمَاء وَمُقَابل الْأَفْصَح فِي الْمنون لُغَة قوم يثبتون الْيَاء فِيهِ نَحْو هَذَا قَاضِي وغازي وَبهَا قَرَأَ ابْن كثير وورش فِي أحرف وَمُقَابِله فِي الْمُعَرّف بِاللَّامِ لُغَة قوم يحذفون الْيَاء مِنْهُ وعَلى هَذِه اللُّغَة قَوْله {الْكَبِير المتعال} [الرَّعْد: 9] {يَوْم التناد} [غَافِر: 32] وهب جَارِيَة فِي الْمُضَاف الملاقي السَّاكِن نَحْو قَاضِي الْمَدِينَة إِذا وقف عَلَيْهِ وزالت الْإِضَافَة وَحكم يَاء الْمُتَكَلّم الساكنة وصلا والمحذوفة وَحكم الْيَاء وَالْوَاو المتحركين حكم الصَّحِيح فَيُوقف على الأولى بِالسُّكُونِ كَمَا هِيَ فِي الدرج نَحْو جَاءَ غلامي وَرَأَيْت غلامي ومررت بغلامي وعَلى الثَّانِيَة بإبقاء حذفهَا كحالها فِي(3/428)
الْوَصْل نَحْو يَا قوم وعَلى الآخرين بِحَذْف الْحَرَكَة نَحْو لن يَرْمِي وَلنْ يَغْزُو وَأما يَاء الْمُتَكَلّم المتحركة فَإِنَّهُ يجوز الْوَقْف عَلَيْهِ بِالسُّكُونِ وَيجوز الْهَاء مَعَ التحريك فَتَقول فِي قَامَ غلامي قَامَ غلامي وَقَامَ غلاميه وَأما الْيَاء وَالْوَاو الساكنتان فَيُوقف عَلَيْهِمَا بِالسُّكُونِ كحالهما فِي الْوَصْل نَحْو يَرْمِي وَيَدْعُو وَلَا يحذفان إِلَّا فِي فاصلة أَو قافية كَقَوْلِه تَعَالَى {وَالَّيلِ إِذَا يَسرِ} [الْفجْر: 4] وَقَول الشَّاعِر 1793 -
(وأراك تَفْري مَا خلَقْتَ وَبَعض ... الْقَوْم يخلق ثمَّ لَا يَفْر)
وَأَجَازَ الْفراء الْحَذف فِي سَعَة الْكَلَام لِكَثْرَة مَا ورد من ذَلِك وَمِنْه {ذَلِك مَا كُنَّا نبغ} [الْكَهْف: 64] قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا خلاف أَن الْمَقْصُور لَا تحذف أَلفه إِلَّا فِي ضَرُورَة كَقَوْلِه 1794 -
(رَهْطُ مَرجُوم ورَهْطُ ابْن المُعَلْ ... )
يُرِيد ابْن الْمُعَلَّى وَأما ألف ضمير الغائبة فَذكر ابْن مَالك أَنه قد يحذف مَنْقُولًا فَتحه اخْتِيَارا كَقَوْلِه (والكرامة ذَات أكْرمكُم الله بِهِ) يُرِيد بهَا فَحذف الْألف وَسكن الْهَاء وَنقل حركتها إِلَى الْيَاء وَلذَلِك فتحهَا قَالَ أَبُو حَيَّان وَظَاهر كَلَامه قِيَاس ذَلِك لِأَنَّهُ قَالَ اخْتِيَارا فعلى مَا ذكر يجوز أَن يقف على مِنْهَا وعنها وفيهَا مِنْهُ وَعنهُ وَفِيه قَالَ وَإِنَّمَا رُوِيَ مِنْهُ فِيمَا(3/429)
علمناه هَذَا الْحَرْف الْوَاحِد على جِهَة الندور لبَعض الْعَرَب وَيَنْبَغِي فِي إِثْبَات ذَلِك إِلَى كَثْرَة توجب الْقيَاس قَالَ وكل مبْنى آخِره ألف نَحْو (هَا) و (هُنَا) يجوز فِيهِ ثَلَاثَة أوجه إبقاؤها ألفا كَمَا فِي الْوَصْل وإبدالها همزَة وإلحاق هَاء السكت بعْدهَا سمع (هُوَ أَحْرَى بهاء) بِالْهَمْزَةِ وَأما قلب الْألف هَاء كَقَوْلِه 1795 -
(من هَا هُنَا وَمن هُنهْ ... )
فشاذ إِلَّا فِي الِاسْم الْمَنْدُوب فَإِنَّهُ يتَعَيَّن فِيهِ الْوَجْه الثَّالِث وَهُوَ إِلْحَاق الْهَاء نَحْو يَا زيداه وَلَا يُوقف عَلَيْهِ بِالْألف فَقَط وَلَا تبدل أَلفه همزَة ولحوق هَذِه الْهَاء خَاص بالمبني فَلَا يُقَال موساه وَلَا عيساه حذرا من التباسه بالمضاف إِلَيْهِ وَرُبمَا قلبت الْألف الْمَوْقُوف عَلَيْهَا همزَة أَو يَاء أَو واوا نَحْو هَذِه أفعأ أَو أفعي أَو أفعو فِي هَذِه أَفْعَى وَهَذِه عصأ أَو عصى أَو عصو فِي عَصا الأولى والأخيرة لُغَة بعض طَيئ وَالثَّانيَِة لُغَة فَزَارَة وَنَصّ سِيبَوَيْهٍ على أَن هَذِه اللُّغَات الثَّلَاث فِي كل ألف فِي آخر اسْم سَوَاء كَانَت أَصْلِيَّة أَو غير أَصْلِيَّة وَحكى الْخَلِيل أَن بَعضهم يَقُول رَأَيْت رجلا فيهمز لِأَنَّهَا ألف فِي آخر الِاسْم وَاخْتلف فِي الْوَقْف على إِذن فمذهب أبي عَليّ وَالْجُمْهُور إِبْدَال نونها فِي الْوَقْف ألفا وَذهب طَائِفَة إِلَى أَنه يُوقف عَلَيْهَا بالنُّون قَالَ أَبُو حَيَّان وَأما عَن وَلنْ وَأَن وَنَحْوهَا فَإِنَّهَا يُوقف عَلَيْهَا بالنُّون إِذا اضْطر إِلَى ذَلِك لِأَنَّهَا حرف لَا يحسن الْوَقْف عَلَيْهَا بِخِلَاف إِذن فَإِنَّهُ يحسن الْوَقْف عَلَيْهَا والفصل قَالَ وَأما النُّون الْخَفِيفَة فَلَا خلاف أَنه يُوقف عَلَيْهَا بإبدال نونها ألفا إِذا انْفَتح مَا قبلهَا قَالَ وَاخْتلف فِي (كَائِن)(3/430)
قَالَ وَإِذا حذف من الْفِعْل حرف صَحِيح لِكَثْرَة ذَلِك الِاسْتِعْمَال وَذَلِكَ الْمُضَارع من كَانَ نَحْو لم يَك ثمَّ وقف عَلَيْهِ فنص بعض أَصْحَابنَا أَنه لَا يكون فِيهِ الْوَقْف على الْكَاف وَلَا يجْرِي مجْرى (مَا أدر) فِي الْوُقُوف على الرَّاء لِأَن نون لم يَك لم تحذف عِنْد التقاء الساكنين بِلَا تحرّك فِيهِ بِخِلَاف يَاء (مَا أَدْرِي) فَإِنَّهَا تحذف عِنْد التقاء الساكنين فَلَمَّا خَالفه فِي الْوَصْل فِي هَذَا خَالفه فِي الْوَقْف وَلِأَنَّهُ لَو وقف عَلَيْهِ بِالسُّكُونِ لَكَانَ إخلالا بِالْكَلِمَةِ فَصَارَ بِمَنْزِلَة مَا مر قَالَ وَظَاهره أَنه ترد النُّون المحذوفة كَمَا ترد الْيَاء فِي مر وَأما الْقُرَّاء فَإِنَّهُم يقفون على الْكَاف وَلَا يردون الْمَحْذُوف قَالَ وعلامة الْجَزْم فِي (لم يَك) حذف الْحَرَكَة الَّتِي كَانَت على النُّون المحذوفة لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال وَصرح أَبُو عَليّ فِي (العسكريات بِأَنَّهُ حذفت الْحَرَكَة للجزم ثمَّ كثر استعمالهم لَهُ فحذفوا النُّون للجزم كَمَا تحذف حُرُوف الْعلَّة للجزم لِأَنَّهَا تشبهها فِي أُمُور مَعْلُومَة فَهُوَ جزم بعد جزم حذف بتدريج وَنَظِير لم يَك لم يكن انْتهى (ص) مَسْأَلَة يُوقف على حَرَكَة غير التَّاء بِالسُّكُونِ وَالروم مُطلقًا وَقيل لَا روم فِي الْفَتْح والإشمام فِي الضَّم والتضعيف إِن لم يكن همزَة أَو لينًا أَو تالي سُكُون أَو مَنْصُوبًا منونا وَنقل حركته لساكن قبله إِن قبلهَا وَلم يُوجب عدم النظير مَا لم يكن همزَة وَلَا ينْقل من غَيرهَا الْفَتْح فِي الْأَصَح ثمَّ يحذف وَيُوقف على الْمَنْقُول إِلَيْهِ ثَابتا لَهُ مَا مر فِي الْأَفْصَح وَالْمَنْقُول حَرَكَة الآخر وَقيل مثلهَا لالتقاء الساكنين وَقيل للدلالة على الْإِعْرَاب وَقيل لَهما (ش) إِذا كَانَ آخر الْمَوْقُوف عَلَيْهِ متحركا غير تَاء التَّأْنِيث جَازَ فِي الْوَقْف عَلَيْهِ أُمُور أَحدهمَا السّكُون وَهُوَ الأَصْل فِي الْوَقْف على المتحرك وَذكروا أَنه لما كَانَ الأَصْل لشيئين أَحدهمَا أَن الْحَرْف الْمَوْقُوف عَلَيْهِ مضاد للحرف الْمُبْتَدَأ بِهِ لِأَن الْوَقْف هُوَ الِانْتِهَاء والانتهاء مضاد للابتداء فَيَنْبَغِي أَن تكون صفته مضادة لصفته والابتداء لَا يكون إِلَّا بمتحرك فَيكون هَذَا سَاكِنا(3/431)
وَالْآخر أَن الْوَقْف مَوضِع استراحة لِأَنَّهُ مَوضِع يضعف فِيهِ الصَّوْت فَاخْتَارُوا للحرف الْمَوْقُوف عَلَيْهِ أخف الْأَحْوَال وَهُوَ السّكُون وَجعلُوا علامته فِي الْخط حاء فَوق الْحَرْف وَصورتهَا هَكَذَا (ح) الثَّانِي الرّوم وَهُوَ إخفاء الصَّوْت بالحركة هَكَذَا شَرحه ابْن مَالك وَقَالَ بَعضهم هُوَ ضعف الصَّوْت بالحركة من غير سُكُون فَتكون حَالَة متوسطة بَين الْحَرَكَة والسكون وَتَكون فِي الحركات كلهَا فِي الْمَرْفُوع منونا كَانَ أَو غير منون وَهُوَ كجزء من الضمة وَفِي الْمَنْصُوب غير الْمنون وَفِي المفتوح وَفِي الْمَجْرُور بالكسرة وبالفتحة وَفِي المكسور وَهُوَ كجزء من الكسرة وَيحْتَاج فِي الْمَنْصُوب والمفتوح إِلَى رياضة لخفة الفتحة وَتَنَاول اللِّسَان لَهَا بِسُرْعَة وَلذَلِك لم يجزه الْفراء فِي الفتحة وَأم النحويون فمذهب الْجُمْهُور جَوَازه فِي الفتحة قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْحسن بن عَليّ بن أَحْمد بن خلف الْأنْصَارِيّ عرف بِابْن الباذش زعم أَبُو حَاتِم أَن الرّوم لَا يكون فِي الْمَنْصُوب لخفته وَالنَّاس على خِلَافه لِأَن الرّوم لَا يرفع حكمه حكم السّكُون لما فِيهِ من جري بعض الْحَرَكَة فِي الْوَقْف فَلَا يمْنَع أَن يكون الْفَتْح كَغَيْرِهِ اه وَأما الْمَنْصُوب الْمنون فَمن وقف عَلَيْهِ من الْعَرَب دون تَعْرِيض فَإِنَّهُ يقف بالإسكان وَالروم الثَّالِث الإشمام وَهُوَ الْإِشَارَة إِلَى الْحَرَكَة دون صَوت فَهُوَ لَا يدْرك إِلَّا بِالرُّؤْيَةِ وَلَيْسَ للسمع فِيهِ حَظّ وَلذَلِك لَا يُدْرِكهُ الْأَعْمَى ويدركه بالتعلم بِأَن يضم شَفَتَيْه إِذا وقف على الْحَرْف قَالَ أَبُو الْحسن الحصري فِي قصيدته: 1796 -
(يُرى رُوْمُنا والعُمْيُ تَسْمعُ صَوْتَهُ ... وإشْمَامُنَا مِثْلُ الإشَارة بالشّعْر)(3/432)
وَذكر النحويون أَن الإشمام مُخْتَصّ بالضمة سَوَاء كَانَت إعرابا أم بِنَاء قَالُوا وَلَا يكون فِي الْمَنْصُوب وَالْمَجْرُور لِأَن الفتحة من الْحلق والكسرة من وسط الْفَم وَلَا تمكن الْإِشَارَة لموضعهما فالإشمام فِي النصب والجر لِأَنَّهُ لَا آله لَهُ بِخِلَاف الرّوم لِأَنَّهُ عمل اللِّسَان فَقَط فيلفظ بهما لفظا خَفِيفا وَيسمع قَالَ أَبُو حَيَّان وَقَوْلهمْ فِي الرّوم إِنَّه عمل اللِّسَان لَا يتم إِلَّا فِي الْحُرُوف اللسانية وَهِي الَّتِي يكون للسان عمل فِي حركاتها أَلا ترى أَن الْحُرُوف الحلقية والشفهية لَا عمل للسان فِيهَا وَمَعَ ذَلِك فِيهَا الرّوم وَإِنَّمَا لم يكن الإشمام فِي الفتحة والكسرة لِأَن الْإِشَارَة إِلَيْهِمَا فِيهَا تَشْوِيه لهيئة الشّفة انْتهى الرَّابِع التَّضْعِيف وَيُقَال فِيهِ التثقيل تَارَة بِأَن تَجِيء بِحرف سَاكن من جنس الْحَرْف الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فيجتمع ساكنان فيحرك الثَّانِي ويدغم فِيهِ الأول وَقَالَ بَعضهم التَّضْعِيف تَشْدِيد الحرفين فِي الْوَقْف نَحْو (هَذَا جَعْفَر) و (قَامَ الرجل) وَلَا يجوز ذَلِك فِي الْهَمْز نَحْو (بِنَاء) لِأَن الْعَرَب تنكبت إدغام الْهمزَة فِي الْهمزَة إِلَّا إِذا كَانَت عينا نَحْو سَأَلَ ولال وَلَا فِي حرف لين نَحْو يعي وسرو وَلَا فِي تالي سَاكن نَحْو عَمْرو وَبكر وَيَوْم وَبَين وَلَا فِي مَنْصُوب منون لِأَنَّهُ يُوقف عَلَيْهِ فِي أشهر اللُّغَات بإبدال ألف من تنوينه وَلَا تَضْعِيف فِي الْألف قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يُؤثر الْوُقُوف بالتضعيف عَن أحد من الْقُرَّاء إِلَّا مَا رَوَاهُ عصمَة بن عُرْوَة عَن عَاصِم أَنه وقف على قَوْله تَعَالَى: (متسطر) [الْقَمَر: 53] فِي سُورَة الْقَمَر بتَشْديد الرَّاء وَذَلِكَ بِخِلَاف الإسكان الرّوم والإشمام فَإِن ذَلِك مَرْوِيّ عَنْهُم الْخَامِس النَّقْل بِأَن تنقل حَرَكَة الْحَرْف الْمَوْقُوف عَلَيْهِ إِلَى الْحَرْف السَّاكِن قبله نَحْو قَامَ عَمْرو بِضَم الْمِيم ومررت ببكر بِكَسْر الْكَاف قَالَ 1797 -
(أَنا ابْنُ مَاويّة إِذْ جَدّ النَقَرْ ... )(3/433)
وَقَالَ: 1798 -
(أرَتْنِيَ حِجْلاً على سَاقيهَا ... فهش الْفُؤَاد لذاك الحِجلْ)
وَقَالَ: 1799 -
(عَجبْتُ والدَّهْر كثير عَجَبُهُ ... من عَنَزيٍّ سَبَّنِي لم اَضْربُهْ)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يُؤثر الْوُقُوف بِالنَّقْلِ عَن أحد من الْقُرَّاء إِلَّا مَا رُوِيَ عَن أبي عَمْرو أَنه قَرَأَ {وَتَوَاصَو بالصَّبِرْ} [الْعَصْر: 3] بِكَسْر الْبَاء وَقَرَأَ سَلام عَن السّديّ (والعصِر) بِكَسْر الصَّاد قَالَ وَالظَّاهِر من كَلَام ابْن مَالك أَن الْحَرَكَة الَّتِي كَانَت على الْحُرُوف الْمَوْقُوف عَلَيْهِ هِيَ بِعَينهَا الَّتِي نقلت إِلَى السَّاكِن قبل الْحَرْف وَبِه قَالَ بعض النَّحْوِيين قَالَ نقلوا لِئَلَّا تذْهب حَرَكَة الْإِعْرَاب بِالْجُمْلَةِ وَقَالَ أَبُو عَليّ هَذِه الْحَرَكَة لالتقاء الساكين وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِأَنَّهُم لم ينقلوا فِي زيد وَعون لِأَن الْيَاء وَالْوَاو احتملتا ذَلِك كَمَا احتملتا أَن يدغم مَا بعدهمَا فِي نَحْو ثوب بكر قَالَ أَبُو حَيَّان وينفصل عَن هَذَا بِمَا يلْزم من استثقال الْحَرَكَة فِي حرف الْعلَّة(3/434)
قَالَ وَقَالَ أَبُو عَليّ أَيْضا وَلَيْسَ بتحريك لالتقاء الساكين مَحْضا أَلا ترى أَنه يدل على الْحَرَكَة المحذوفة من الثَّانِي فَدلَّ هَذَا على أَن النَّقْل جمع بَين التَّخَلُّص من التقاء الساكنين وَبَين الدّلَالَة على حَرَكَة الْإِعْرَاب وَقَالَ الْمبرد والسيرافي هَذَا النَّقْل للدلالة على الْحَرَكَة المحذوفة كَمَا راموا الْحَرْف وأشموه للدلالة واحتجا بِأَن الْوَقْف يحْتَمل فِيهِ الْجمع بَين ساكنين وَلَا يتَعَذَّر فَإِنَّمَا نقلوا لبَيَان حَرَكَة الْمَوْقُوف عَلَيْهِ ثمَّ إِن النَّقْل لَا يكون إِلَّا إِلَى سَاكن فَإِن كَانَ مَا قبل الْحَرْف الآخر متحركا فَلَا يجوز النَّقْل فَلَا يُقَال مَرَرْت بِالرجلِ بِكَسْر الْجِيم نقلا لحركة اللَّام إِلَيْهَا لِأَنَّهَا مَشْغُولَة بحركتها وَلِأَن النَّقْل إِنَّمَا كَانَ فِرَارًا من التقاء الساكنين وَهُوَ مَفْقُود فِي الَّذِي تحرّك مَا قبله ولغة لخم النَّقْل إِلَى المتحرك قَالَ: 1800 -
(منْ يأتمِرْ للحوم فِيمَا قَصدُهُ ... تُحْمدْ مسَاعيه ويُعْلَمْ رشَدُهُ)
وَشرط السَّاكِن أَن يكون صَحِيحا فَإِن كَانَ حرف عِلّة ك (دَار) و (عون) و (بَين) لم يجز النَّقْل إِلَيْهِ لاستثقال الْحَرَكَة على حرف الْعلَّة وَألا يكون مضاعفا نَحْو (العل) فَلَا يُقَال انتفعت بالعلل لِأَن ذَلِك مفض إِلَى فك المدغم وَقد اعْتَرَفُوا على إدغامه فَلَا يفك مثل هَذَا إِلَّا فِي ضَرُورَة الشّعْر وَشرط الْمَنْقُول مِنْهُ أَن يكون حرفا صَحِيحا فَلَا ينْقل من غَزْو لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى كَون الآخر واوا قبلهَا ضمة فِي الْمَرْفُوع وَذَلِكَ مرفوض وَإِلَى الْقلب والتغيير فِي المخفوض وَشرط النَّقْل أَلا يُؤَدِّي إِلَى عدم النظير فَلَا يجوز فِي انتفعت ببسر لِأَنَّهُ يصير على وزن فعل وَهُوَ مَفْقُود فِي الْأَسْمَاء وَلَا فِي هَذَا بشر لِأَنَّهُ يصير على وزن فعل وَهُوَ مَفْقُود فِي الْكَلَام بل يتبع فَيُقَال بسر وَهَذَا بشر وَيسْتَثْنى من هَذَا الشَّرْط المهموز فَإِنَّهُ يجوز النَّقْل فِيهِ وَإِن أدّى إِلَى عدم النظير وَيغْتَفر فِيهِ ذَلِك لِأَن الضَّرُورَة فِيهِ أخف من الْهَمْز السَّاكِن مَا قبله فَيُقَال هَذَا الردء ومررت بالبطء(3/435)
وَشرط الْحَرَكَة المنقولة أَلا تكون فَتْحة فَلَا يُقَال قَرَأت الْعلم بِالنَّقْلِ بل الْعلم بالإتباع وَذكروا فِي امْتنَاع النَّقْل من الفتحة إِلَى السَّاكِن قبلهَا وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنهم لَو نقلوا فِي الْوَقْف وَسَكنُوا فِي الْوَصْل كَانُوا كَأَنَّهُمْ سكنوا فعل وَلَا يجوز تسكينه بِخِلَاف المضموم والمكسور قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا ضَعِيف لِأَن فِيهِ مُرَاعَاة الْحَالة الْعَارِضَة وَهِي النَّقْل فِي الْوَقْف فَصَارَ الْوَقْف كَأَنَّهُ أصل إِذْ خَافُوا أَن يكون فِي ذَلِك فعل إِذا وصلوا والوصل هُوَ الأَصْل وَهُوَ السّكُون وَالثَّانِي أَن الْمَنْصُوب إِن كَانَ منونا فيبدل من تَنْوِين ألف فَلَا يُمكن النَّقْل لِأَن مَا قبل الْألف تلْزمهُ الفتحة وَذَلِكَ بِخِلَاف الْمَرْفُوع وَالْمَجْرُور وَإِن كَانَ فِيهِ الْألف وَاللَّام فَهُوَ فِي حكم الْمنون لِأَنَّهَا بدل مِنْهُ وَلِأَن الْألف وَاللَّام لَا تلْزم فَكَانَ التَّنْوِين مَوْجُودا قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا ضَعِيف لِأَن هَذِه الْعلَّة لَيست شَامِلَة أَلا ترى أَن من الْأَسْمَاء الْمَفْتُوحَة السَّاكِن مَا قبلهَا مَا لَا يكون منونا وَلَا فِيهِ ألف وَلَام وَذَلِكَ نَحْو جمل ودعد وَهِنْد إِذا منعن من الصّرْف وَنَحْو حضجر اسْم امْرَأَة فَلَا مَانع يمْنَع هَذَا النَّوْع من النَّقْل فِي النصب لارْتِفَاع تِلْكَ الْعلَّة الْمَانِعَة وَيسْتَثْنى من هَذَا الشَّرْط أَيْضا المهموز فَإِنَّهُ يجوز فِيهِ نقل حرَّة الْهمزَة إِذا كَانَت فَتْحة إِلَى السَّاكِن الصَّحِيح قبلهَا فَيُقَال رَأَيْت الردء والخبء واغتفر فِيهِ ذَلِك كَمَا اغتفر فِيهِ الْأَدَاء إِلَى عدم النظير بل هَذَا أولى وَخَالف الْكُوفِيُّونَ فِي هَذَا الشَّرْط فأجازوا نقل الفتحة إِلَى السَّاكِن قبلهَا مُطلقًا وَإِن لم يكن مهموزا فَيَقُولُونَ رايت الْبكر فِي رَأَيْت الْبكر وَوَافَقَهُمْ الْجرْمِي قِيَاسا مِنْهُ لَا سَمَاعا قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يُؤثر ذَلِك عَن أحد من الْقُرَّاء وَفِي (الإفصاح) قد اتسعت الْقرَاءَات وَكثر فِيهَا الشاذ وَلم يسمع فِيهَا هَذَا الْوَقْف وَإِنَّمَا جَاءَ فِي الشّعْر وَإِذا نقلت حَرَكَة الْهمزَة حذفهَا الحجازيون واقفين على حَامِل حركتها كَمَا يُوقف علها مستبدا بهَا فَيُقَال هَذَا الرَّد وَرَأَيْت الرَّد ومررت بِالرَّدِّ فَيصير السَّاكِن الَّذِي يُحَرك آخر الْكَلِمَة فَيجْرِي عَلَيْهِ مَا جرى على الصَّحِيح إِذا وقف عَلَيْهِ فِي الْوُجُوه السِّتَّة الإسكان وَالروم والإشمام والإبدال حَيْثُ يكون والتضعيف(3/436)
وحذفوها فِي الآخر وألقوا حركتها على مَا قبلهَا كَمَا حذفوها إِذا كَانَت حَشْوًا نَحْو أرؤس فَقَالُوا أرس وَكَانَ الْحَذف فِيهَا أولى لِأَن الْأَوَاخِر هِيَ مَحل التَّغْيِير وَأما غير الْحِجَازِيِّينَ فَإِنَّهُم يثبتون الْهمزَة بعد النَّقْل سَاكِنة فَيَقُولُونَ هَذَا الردء وَرَأَيْت الردء وَرَأَيْت البطا والخبا والردا ومررت بالبطي والخبي والردي أَو مُتبعا نَحْو هَذَا البطو وَرَأَيْت البطو ومررت بالبطو وَهَذَا الخبا وَرَأَيْت الخبا وَمَرَّتْ الخبا
وَهَذَا الرَّدِيء وَرَأَيْت الردي ومررت بالردي
إِبْدَال تَاء التَّأْنِيث هَاء
(ص) والأفصح إِبْدَال التَّاء فِي الِاسْم تلو حَرَكَة هَاء وسلامتها فِي جمع التَّصْحِيح وَشبهه وَفِي هَيْهَات ولات وَجْهَان وَالْأَحْسَن وفَاقا لأبي حَيَّان سَلامَة ربت وثمت ولعلت (ش) إِذا كَانَ آخر الْمَوْقُوف عَلَيْهِ تَاء تَأْنِيث فِي اسْم فالأفصح إبدالها فِي الْوَقْف هَاء إِن تحرّك مَا قبلهَا لفظا كفاطمه وقائمه وطلحه وغلمه أَو تَقْديرا كالحياه والقناه فَإِن أصل هَذِه الْألف حرف عِلّة متحرك انقلبت عَنهُ وَاحْترز بِهَذَا الشَّرْط من نَحْو بنت وَأُخْت فَإِن تاءهما للتأنيث لَكِن لم يَتَحَرَّك مَا قبلهَا لفظا وَلَا تَقْديرا فَيُوقف عَلَيْهَا بِالتَّاءِ لَا بِالْهَاءِ وَخرج بقولنَا فِي اسْم التَّاء الَّتِي تكون فِي الْفِعْل نَحْو قَامَت وَقَعَدت وبقولنا تَاء التَّأْنِيث تَاء التابوت والفرات فَإِنَّهُ مَشْهُور اللُّغَة الْوَقْف عَلَيْهَا بِالتَّاءِ وَإِن كَانَ بعض الْعَرَب وقف عَلَيْهِمَا بِالْهَاءِ وَبَعض الْعَرَب لَا يُبدل وَإِن اجْتمعت الشُّرُوط قَالَ بَعضهم يَا أهل سُورَة البقرت فَقَالَ مُجيب لَا أحفظ فِيهَا وَلَا آيت وَقَالَ الراجز: 1810 -
(الله نَجّاك بكَفّيْ مُسْلِمَتْ ... من بَعْدِما وبَعْدما وبَعْدِمَتْ)(3/437)
(كَانَت نُفُوسُ الْقَوْم عِنْد الغَلْصَمَتْ ... وكادت الحُرّة أَن تُدْعى أَمَتْ)
قَالَ أَبُو حَيَّان وعَلى هَذِه اللُّغَة كتب فِي الْمُصحف أَلْفَاظ بِالتَّاءِ نَحْو قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُومِ طَعَامُ الأَثِيمِ} [الدُّخان: 43، 44] {أَهُم يَقسِمُونَ رَحمَتَ رَبِّكَ} [الزخرف: 32] وَسَوَاء على اللُّغَة الفصحى كَانَت التَّاء فِي مُفْرد أَو جمع تكسير كَمَا مثل أما جمع التَّصْحِيح والمحمول عَلَيْهِ كالهندات وَالْبَنَات وَالْأَخَوَات وَأولَات فالأفصح الْوَقْف عَلَيْهِ بِالتَّاءِ وَيجوز إبدالها هَاء سمع (دفن البناه من المكرماه) و (كَيفَ الإخوه والأخواه) قَالَ أَبُو حَيَّان وَكَانَ الْقيَاس أَن يكون الْوَقْف بِالْهَاءِ لِأَنَّهَا الَّتِي للتأنيث لكِنهمْ أَرَادوا التَّفْرِقَة بَينهَا وَبَين مَا تكون فِيهِ للْوَاحِد كالسعلاة وعلقاة لِأَن التَّاء فِي الْمُفْرد بِمَنْزِلَة شَيْء ضم إِلَى شَيْء وَالتَّاء فِي الْجمع قريبَة من تَاء الْإِلْحَاق تحو تَاء (عفريت) لِأَنَّهَا صَارَت مَعَ التَّأْنِيث تدل على الْجمع كالواو وَالنُّون فِي زيدين فَصحت لذَلِك(3/438)
وَفِي الإفصاح مَا حَكَاهُ الْفراء وقطرب من الْوَقْف عَلَيْهَا بِالْهَاءِ شَاذ لَا يُقَاس عَلَيْهِ وَفِي كتاب اللوائح لأبي الْفضل الرَّازِيّ أَن الْوَقْف عَلَيْهَا بِالْهَاءِ لُغَة طييء وَفِي هَيْهَات وَجْهَان إِقْرَار التَّاء وإبدالها هَاء وَقد وقف عَلَيْهَا بِالْوَجْهَيْنِ فِي السَّبْعَة وعَلى لات وَيَا أَبَت قَالَ أَبُو حَيَّان وَأما ثمت وربت ولعلت فَالْقِيَاس على لات سَائِغ فَيُوقف عَلَيْهِنَّ بِالتَّاءِ وَالْهَاء قَالَ وَقد ذهب إِلَى ذَلِك فِي ربت ابْن مَالك قَالَ وَالْأَحْسَن عِنْدِي الْوَقْف عَلَيْهَا بِالتَّاءِ كالوصل
هَاء السكت
(ص) وَيُوقف السكت وجوبا على فعل حذف آخِره مَعَ فائه أَو عينه وَمَا الاستفهامية إِن جرت باسم وَإِلَّا فاختيارا وَيجوز فِي حَرَكَة لَا تشبه الإعرابية لَا مَبْنِيّ للنداء أَو قطع عَن الْإِضَافَة أَو اسْم لَا وَكَذَا الْمَاضِي فِي الْأَصَح وَثَالِثهَا تلْحق اللَّازِم (ش) مِمَّا يخْتَص بِهِ الْوَقْف زِيَادَة هَاء السكت فَيُوقف بهَا على الْفِعْل المعتل الآخر فِي الْجَزْم أَو فِي الْوَقْف فَإِن كَانَ مَحْذُوف الْفَاء نَحْو لَا تق زيدا وقِ عمرا مَحْذُوف الْعين نَحْو لَا تَرَ زيدا أَو ت بكرا ووقف عَلَيْهِ وَجب إِلْحَاق الْهَاء لِأَنَّهُ بَقِي على حرف وَاحِد كَمَا وَجب رد الْيَاء فِي نَحْو مر وَنَحْوه وَإِنَّمَا لم ترد هُنَا اللَّام المحذوفة لِأَن الْمُوجب لحذفها قَائِم مَوْجُود وَهُوَ الْجَزْم أَو الْوَقْف بِخِلَاف مر فَإِن الْمُوجب لحذف لامه قد زَالَ فِي الْوَقْف فَلذَلِك كَانَ الْحَرْف اللَّاحِق فِي ق وَنَحْوه الْهَاء وَكَانَ لُزُومهَا فِي الْوَقْف عوضا من الْمَحْذُوف الَّذِي هُوَ الْفَاء وَالْعين لَا اللَّام(3/439)
وَإِن كَانَ غير مَحْذُوف الْفَاء وَلَا الْعين فيختار إِلْحَاق الْهَاء نَحْو ارمه واغزه وَلَا ترمه وَلَا تغزه وَيجوز تَركهَا وَإِنَّمَا كَانَ الْأَكْثَر وَالِاخْتِيَار إِلْحَاق الْهَاء فِي هَذَا النَّوْع لِأَن الْكَلِمَة قد لحقها الاعتلال بِحَذْف آخرهَا فكرهوا أَن يجمعوا عَلَيْهَا حذف لامها وَحذف الْحَرَكَة وَوجه اللُّغَة الْأُخْرَى أَن الْكَلِمَة قويت بالاعتماد على كَونهَا على أَكثر من حرف فشبهت بِمَا لم يحذف مِنْهُ شَيْء والمدغم فِي ذَلِك كَغَيْرِهِ نَحْو لم يضل الْأَكْثَر فِيهِ لم يضله وَمَا الاستفهامية إِن جرت باسم نَحْو مَجِيء م جِئْت وَجب عِنْد الْوَقْف إلحاقها الْهَاء فَيُقَال مَجِيء مَه وَإِن جرت بِحرف نَحْو لم تفعل وَعم تسْأَل فَالْأَحْسَن إلحاقها الْهَاء فَيُقَال لمه وَعَمه وَيجوز لم وَعم بالإسكان وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا لِأَن الْجَار الْحرفِي مُتَّصِل كالجزء مِنْهَا فَصَارَت كَأَنَّهَا على حرفين فَأَشْبَهت ارمه وَأما الِاسْم فَلَيْسَ مُتَّصِلا بالشَّيْء كاتصال الْحَرْف فَلَزِمَ كَون الِاسْم على حرف وَاحِد فَأشبه قه وَالْوَقْف بِغَيْر هَاء فِيمَا حرف الْجَرّ مِنْهُ على أَزِيد من حرف وَاحِد نَحْو على م وَإِلَى م أقل مِنْهُ فِيمَا كَانَ على حرف وَاحِد نَحْو بِمَ وَلم قَالَ أَبُو حَيَّان وَقد جَاءَ فِي السَّبْعَة الْوَقْف على مَا الاستفهامية المجرورة بالحرف وَإِن كَانَ أَكثر وقوفهم عَلَيْهَا بِغَيْر الْهَاء وَذَلِكَ بِاتِّبَاع رسم الْمُصحف وَالَّذين نقلوا اللِّسَان الْعَرَبِيّ ذكرُوا أَن الْأَكْثَر والأفصح الْوَقْف بِالْهَاءِ اه وَيجوز اتِّصَال الْهَاء بِكُل متحرك حَرَكَة غير إعرابية سَوَاء كَانَت بنائية نَحْو هوه وهيه وثمه وَإنَّهُ أم لَا نَحْو الزيدانه والمسلمونه وَيجوز فِي ذَلِك ترك الْهَاء وَالْوَقْف بِالسُّكُونِ وَلَا تتصل بمنادى مضموم وَلَا بمبني لقطعه عَن الْإِضَافَة نَحْو: {من قبل وَمن بعد} [الرّوم 4] وشذ قَوْله: 1802 -
(وأضحى من عَلهْ ... )(3/440)
وَلَا باسم لَا نَحْو لَا رجل وَلَا بِفعل مَاض نَحْو ضرب وَعلة هَذِه أَن حركاتها وَإِن كَانَت بِنَاء فَهِيَ شَبيهَة بحركات الْإِعْرَاب لوجودها عِنْد مقتضياتها وانتفائها عِنْد عدمهَا ورجوعها إِلَى أَصْلهَا من الْإِعْرَاب وَأما حَرَكَة الْفِعْل الْمَاضِي وَإِن كَانَ مَبْنِيا بِالْأَصْلِ فَإِنَّهُ شَبيه بالمضارع كَمَا مر أول الْكتاب وَمَا ذكر من أَنَّهَا لَا تلْحق الْمَاضِي هُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور وَقيل تلْحقهُ مُطلقًا لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على حَرَكَة لَازِمَة فلحقته قِيَاسا على غَيره من المبنيات وَقيل تلْحقهُ إِن لم يخف لبس وَلَا تحلقه إِن خيف فَيُقَال فِي قعد قعده وَلَا يُقَال فِي ضرب ضربه لِئَلَّا يلتبس بضمير الْمَفْعُول بِخِلَاف قعده فَإِنَّهُ لَا يتَعَدَّى إِلَى مفعول فَلَا يلبس وَهُوَ معنى قولي وَثَالِثهَا تلْحق اللَّازِم أَي دون الْمُتَعَدِّي 0 ص) وَقد يُوقف على حرف موصلا بِأَلف أَو همزَة والأفصح الْوَقْف على الروي بِمدَّة وَيجْرِي الْوَصْل كالوقف ضَرُورَة كثيرا ودونها قَلِيلا 0 ش) مِثَال الْمَسْأَلَة الأولى قَوْله: 1803 -
(قد وَعَدَتني أُمُّ عَمْرو أنْ تا ... )
فَوقف على حرف المضارعة وَوَصله بِأَلف وَقَوله: 1804 -
(بِالْخَيرِ خَيْراتٍ وَإِن شرًّا فأا ... )(3/441)
أَي فشر فَوقف على الْفَاء الَّتِي هِيَ جَوَاب الشَّرْط وَوَصلهَا بِهَمْزَة وَألف وَمِثَال الْوَقْف على الروي بِزِيَادَة مُدَّة مُطلقًا قصد الترنم أم لَا وَذَلِكَ لُغَة الْحِجَازِيِّينَ قَوْله: 1805 -
(وَأَنَّك مهما تأمري الْقلب يَفعلى ... )
والتميميون لَا يَفْعَلُونَ ذَلِك إِلَّا إِذا ترنموا فَإِن لم يترنموا حذفوا الْمدَّة ثمَّ مِنْهُم من يقف بِالسُّكُونِ كَمَا يقف فِي الْكَلَام كَأَنَّهُ لَيْسَ فِي شعر فَيَقُول: 1806 -
(أقلى اللّوم عاذِلَ والعِتابْ ... )
وَمِنْهُم من يعوض من الْمدَّة التَّنْوِين كَمَا تقدم أما الْمَقْصُور وَمَا شاكله فَلَا يحذف أحد مدَّته وَمِثَال إِجْرَاء الْوَصْل مجْرى الْوَقْف ضَرُورَة قَوْله: 1807 -
(يَا أَبَا الْأسود لِمْ خلَفتني ... )
سكن مِيم لم فِي الْوَصْل وَقَوله: 1808 -
(أتَوْا نَارِي فَقلت منون أَنْتُم ... )(3/442)
وَإِنَّمَا تثبت الزِّيَادَة فِي الْوَقْف قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا كثير لَا يكَاد ينْحَصر ومثاله اخْتِيَارا قَوْله تَعَالَى: {لم يتسنه وَانْظُر} [الْبَقَرَة: 259] {فبهداهم اقتده} [الْأَنْعَام: 90] أثبت الْهَاء فِي الْوَصْل إِجْرَاء لَهُ مجْرى الْوَقْف(3/443)
خَاتِمَة
لَا ابْتِدَاء بساكن
(ص) لَا ابْتِدَاء بساكن قَالَ ابْن جني وَأَبُو الْبَقَاء وَهُوَ محَال فِي كل لُغَة وَالسَّيِّد وَشَيخنَا الكافيجي مُمكن فِي غير الْألف فَإِن احْتِيجَ إِلَيْهِ جِيءَ بهمز الْوَصْل وَذَلِكَ فِي الْمَاضِي الخماسي والسداسي وَأمره ومصدره وَأم الثلاثي وأل وَأمر على قَول وحفظت فِي اسْم واست وايمن وابنم وَابْن واثنين وامرئ وفروعها وتكسر إِلَّا فِي ايمن وأل فتفتح وَإِلَّا متلو ساكنها ضمة أَصْلِيَّة فتضم على الْأَفْصَح وتشم لإشمامه فِي الْأَصَح وَلَا تثبت وصلا اخْتِيَارا وَاخْتلف هَل وضعت أَولا وصلا وَهل وضعت سَاكِنة وَإِذا تلت تلت همزَة الِاسْتِفْهَام مَفْتُوحَة فَقَالَ ابْن الباذش تسهل وَأَبُو عَليّ وَابْن الْحَاجِب تبدل ألفا وَابْن عَظِيمَة تحذف 0 ش) لَا يبتدأ بساكن وَهُوَ محَال فِي كل لُغَة أما فِي الْألف فبالإجماع وَأما فِي غَيرهَا فَكَذَلِك نَص عَلَيْهِ ابْن جني وَأَبُو الْبَقَاء العكبري وَذهب السَّيِّد الْجِرْجَانِيّ وَشَيخنَا الْعَلامَة الكافيجي إِلَى أَنه مُمكن إِلَّا أَنه مستثقل فَإِذا احْتِيجَ إِلَى الِابْتِدَاء بالساكن توصل إِلَيْهِ باجتلاب همزَة الْوَصْل وَذَلِكَ فِي الْأَفْعَال الْمَاضِيَة الخماسية والسداسية كانطلق واستخرج وَفِي الْأَمر مِنْهَا كانطلق واستخرج وَفِي مصادرها كالانطلاق والاستخراج وَفِي فعل الْأَمر من الثلاثي كاضرب وَاعْلَم واخرج وَفِي أل الْمعرفَة على رَأْي من يَقُول إِن أَدَاة التَّعْرِيف اللَّام وَحدهَا أَو أل بجملتها وهمزتها وصل وَقد تقدم الْخلاف فِي ذَلِك وَفِي أم الْمعرفَة فِي لُغَة طَيئ وَلم تقع همزَة الْوَصْل فِي شَيْء من الْحُرُوف سوى أل وَأم المذكورتين وَلَا فِي الْأَسْمَاء إِلَّا فِي عشرَة أَسمَاء مَحْفُوظَة وَهِي اسْم واست وايمن وابنم وَابْن وَابْنَة وَاثْنَانِ وَاثْنَتَانِ وامرئ وَامْرَأَة وَهِي مَكْسُورَة فِي الْأَسْمَاء الْمَذْكُورَة إِلَّا(3/444)
ايمن فَإِنَّهَا فِيهِ مَفْتُوحَة وتفتح أَيْضا فِي أل وَأم وَلَا رَابِع لَهَا وَهِي فِيمَا عدا ذَلِك مَكْسُورَة إِلَّا إِن تَلا السَّاكِن الَّذِي بعْدهَا ضمة أَصْلِيَّة فَإِنَّهَا تضم تبعا لَهُ فِي الْأَفْصَح وَسَوَاء كَانَت تِلْكَ الضمة مَوْجُودَة كاخرج فِي الْأَمر واستخرج فِي الْمَاضِي الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول أم مقدرَة كاغزي يَا هِنْد وادعي لِأَن أَصله اغزوي وادعوي فاستثقلت الكسرة على الْوَاو فنقلت ثمَّ حذف الْوَاو للساكنين وَاحْترز بالأصلية من الْعَارِضَة نَحْو امشووا واقضووا فَإِن الْهمزَة فِيهِ مَكْسُورَة وَمن الْعَرَب من يكسر همزَة الْوَصْل مَعَ الْأَصْلِيَّة أَيْضا على الأَصْل وَلَا يتبع وَهِي لُغَة شَاذَّة حَكَاهَا ابْن جني فِي الْمنصف وتشم الْهمزَة الضَّم قبل الضمة المشمة نَحْو انقيد واختير على لُغَة الإشمام وَلَا تثبت همزَة الْوَصْل غير مبدوء بهَا إِلَّا فِي ضَرُورَة كَقَوْلِه: 1809 -
(إِذْ جَاوز الإِثْنَيْن سرُّ فإنّهُ ... بنَثٍّ وتكثير الحديثِ قَمِينُ)
وَكثر قطعهَا فِي أَوَائِل أَنْصَاف الأبيات لِأَنَّهَا إِذْ ذَاك كَأَنَّهَا فِي ابْتِدَاء الْكَلَام كَقَوْلِه: 1810 -
(لَا نسب الْيَوْم وَلَا خلة ... إتّسَعَ الخَرْقُ على الراقع)
وَقد اخْتلف فِي همزَة الْوَصْل هَل وضعت همزَة فَقَالَ ابْن جني نعم وَقيل يحْتَمل أَن يكون أَصْلهَا ألفا وَإِنَّمَا قلبت همزَة(3/445)
لأجل الْحَرَكَة فَقَالَ الْفَارِسِي وَغَيره اجتلبت سَاكِنة وَكسرت لالتقاء الساكنين وَعلله الشلوبين بِأَن أصل الْحُرُوف السّكُون وَقيل اجتلبت متحركة لِأَن سَبَب الْإِتْيَان بهَا التَّوَصُّل إِلَى الِابْتِدَاء بالساكن فَوَجَبَ كَونهَا متحركة كَسَائِر الْحُرُوف المبدوء بهَا وأحق الحركات بهَا الكسرة لِأَنَّهَا راجحة على الضمة بقلة الثّقل وعَلى الفتحة بِأَنَّهَا لَا توهم استفهاما وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ حركتها للإتباع فَكسرت فِي إضرب إتباعاً للكسرة وضمت فِي أخرج إتباعا للضمة وَلم تتبع فِي المفتوح لِئَلَّا يلتبس الْأَمر بالْخبر وَإِذا وَقعت همزَة الْوَصْل الْمَفْتُوحَة بعد همزَة الِاسْتِفْهَام كَقَوْلِه تَعَالَى: {ءَآلذَّكرَينِ حَرَّمَ} [الْأَنْعَام: 143] فقد كَانَ حَقّهَا أَن تحذف كَمَا يحذف غَيرهَا من همزات الْوَصْل إِذا وليت همزَة الِاسْتِفْهَام كَقَوْلِه تَعَالَى: {أصطفى الْبَنَات على الْبَنِينَ} [الصافات: 153] لكنه كَانَ يعلم أَهِي همزَة الِاسْتِفْهَام أم همزَة أل لَو حذفت وبدئ بهَا فَعدل عَن ذَلِك إِلَى إبدالها ألفا أَو تسهيلها وَذهب أَبُو عَمْرو بن عَظِيمَة إِلَى أَن همزَة الِاسْتِفْهَام حذفت على الأَصْل وَأَن الْمدَّة لَيست بَدَلا مِنْهَا وَإِنَّمَا هِيَ مُدَّة زَائِدَة للْفرق بَين الِاسْتِفْهَام وَالْخَبَر وَيَردهُ وَجه التسهيل وَقَالَ المهاباذي إِذا دخلت همزَة الِاسْتِفْهَام على همزَة الْوَصْل حذفت إِلَّا أَن تكون مَفْتُوحَة كَالَّتِي مَعَ لَام التَّعْرِيف وأيمن وأيم فَإِنَّهَا تثبت ألفا فِي هَذِه الثَّلَاثَة(3/446)
1 - الْكتاب السَّابِع فِي التصريف
الِاشْتِقَاق الْمِيزَان الصرفي حُرُوف الزِّيَادَة الْحَذف القياسي والشاذ الْإِبْدَال النَّقْل الْإِدْغَام الْخط رسم الْمُصحف التنقيط(3/447)
صفحة فارغة(3/448)
1 - الْكتاب السَّابِع فِي التصريف
(ص) أَعنِي تَغْيِير الْكَلم بِالزِّيَادَةِ والحذف والإعلال وَيخْتَص بِالِاسْمِ المعرب وَالْفِعْل الْمُتَصَرف (ش) التصريف لُغَة التقليب من حَالَة إِلَى حَالَة وَهُوَ مصدر صرف أَي جعله يَنْقَلِب فِي أنحاء كَثِيرَة وجهات مُخْتَلفَة وَمِنْه: {انْظُر كَيفَ نصرف الْآيَات} [الْأَنْعَام: 46] {وَلَقَد صَرَّفنَا فِي هَذَا القُرءَانِ لِيَذَّكَّرُوا} [الْإِسْرَاء: 41] أَي جَعَلْنَاهُ على أنحاء وجهات مُتعَدِّدَة أَي لَيْسَ ضربا وَاحِدًا أما فِي اصْطِلَاح النُّحَاة فَقَالَ فِي التسهيل هُوَ علم يتَعَلَّق ببنية الْكَلِمَة وَمَا لحروفها من أَصَالَة وَزِيَادَة وَصِحَّة وإعلال وَشبه ذَلِك وَقَالَ أَبُو حَيَّان علم النَّحْو مُشْتَمل على أَحْكَام الْكَلِمَة وَالْأَحْكَام على قسمَيْنِ قسم يلْحقهَا حَالَة التَّرْكِيب وَقسم يلْحقهَا حَالَة الْإِفْرَاد فَالْأول قِسْمَانِ قسم إعرابي وَقسم غير إعرابي وَسمي هَذَانِ القسمان علم الْإِعْرَاب تَغْلِيبًا لأحد الْقسمَيْنِ وَالثَّانِي أَيْضا قِسْمَانِ قسم تَتَغَيَّر فِيهِ الصِّيَغ لاخْتِلَاف الْمعَانِي نَحْو ضرب وضارب وتضارب واضطراب وكالتصغير والتكسير وَبِنَاء الْآلَات وَأَسْمَاء المصادر وَغير ذَلِك وَهَذَا جرت عَادَة النَّحْوِيين بِذكرِهِ قبل علم التصريف وَإِن كَانَ مِنْهُ وَقسم تَتَغَيَّر فِيهِ الْكَلِمَة لاخْتِلَاف الْمعَانِي كالنقص والإبدال وَالْقلب وَالنَّقْل وَغير ذَلِك ومتعلق التصريف من أَنْوَاع الْكَلِمَة الِاسْم الْعَرَب وَالْفِعْل الْمُتَصَرف فَلَا مدْخل لَهُ فِي الْحُرُوف وَلَا فِي الْأَسْمَاء المبنية وَلَا الْأَفْعَال الجامدة نَحْو لَيْسَ وَعَسَى(3/449)
الِاشْتِقَاق
(ص) الِاشْتِقَاق أَصْغَر وَهُوَ رد لفظ إِلَى آخر لمناسبة فِي الْمَعْنى والحروف الْأَصْلِيَّة وأكبر وَيجوز فِيهِ ترك التَّرْتِيب وَلم يُثبتهُ غير أبي عَليّ وَابْن جني وَأنكر قوم الأول أَيْضا وَقَالَ الزّجاج كل كلمة فِيهَا حرف من كلمة فَهِيَ مُشْتَقَّة مِنْهَا وَعَزاهُ لسيبويه وَلَا بُد فِيهِ من تَغْيِير وَلَو تَقْديرا (ش) الِاشْتِقَاق نَوْعَانِ أكبر وأصغر فالأكبر هُوَ عقد تقاليب الْكَلِمَة كلهَا على معنى وَاحِد كَمَا ذهب إِلَيْهِ ابْن جني فِي مَادَّة ق ول أَن تقاليبها السِّتَّة على معنى الخفة والسرعة نَحْو القَوْل والقلو والولق والوقل واللوق واللقو وكما ذكر صَاحب الْمُحَرر فِي مَادَّة الْكَلِمَة أَن خَمْسَة مِنْهَا مَوْضُوعَة لِمَعْنى الشدَّة وَالْقُوَّة وَهِي الْكَلم والكمل واللكم والمكل وَالْملك وَالسَّادِس مهمل وَهُوَ اللمك قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يقل بِهَذَا الِاشْتِقَاق الْأَكْبَر أحد من النَّحْوِيين إِلَّا أَبُو الْفَتْح بن جني وَحكي عَن أبي عَليّ أَنه كَانَ يأنس بِهِ فِي بعض الْمَوَاضِع قَالَ وَالصَّحِيح أَن هَذَا الِاشْتِقَاق غير معول عَلَيْهِ لعدم اطراده والاشتقاق الْأَصْغَر هُوَ إنْشَاء مركب من مَادَّة يدل عَلَيْهَا وعَلى مَعْنَاهُ وَهَذَا الِاشْتِقَاق أَيْضا فِيهِ خلاف ذهب الْخَلِيل وسيبويه وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو الْخطاب وَعِيسَى بن عمر والأصمعي وَأَبُو زيد وَأَبُو عُبَيْدَة والجرمي وقطرب والمازني والمبرد والزجاج وَالْكسَائِيّ وَالْفراء والشيباني وَابْن الْأَعرَابِي وثعلب إِلَى أَن الْكَلم بعضه مُشْتَقّ وَبَعضه غير مُشْتَقّ وَذَهَبت طَائِفَة من متأخري أهل اللُّغَة أَن الْكَلم كُله مُشْتَقّ وَقد نسب هَذَا الْمَذْهَب للزجاج وَزعم بَعضهم أَن سِيبَوَيْهٍ كَانَ يرى ذَلِك وَزعم قوم من أهل النّظر أَن الْكَلم كُله أصل وَلَيْسَ مِنْهُ شَيْء اشتق من غَيره وتفريع النَّاس إِنَّمَا هُوَ على القَوْل الأول قَالَ أَبُو حَيَّان وَاعْلَم أَنه يعرض فِي اللَّفْظ الْمُشْتَقّ مَعَ الْمُشْتَقّ مِنْهُ تغييرات تِسْعَة(3/450)
الأول زِيَادَة حَرَكَة كضرب من ضرب الثَّانِي زِيَادَة حرف كطالب من طلب الثَّالِث زِيَادَة حَرَكَة وحرف كضارب من ضرب الرَّابِع نقص حَرَكَة كفرس من الْفرس الْخَامِس نقص حرف كنبت من النَّبَات وَخرج من الْخُرُوج السَّادِس نقص حَرَكَة وحرف كنزا من النزوات السَّابِع نقص حَرَكَة وَزِيَادَة حرف كغضبي من الْغَضَب الثَّامِن نقص حرف وَزِيَادَة حَرَكَة كحرم من الحرمان التَّاسِع زِيَادَة حَرَكَة وحرف ونقصان حَرَكَة وحرف نَحْو استنوق من النَّاقة فالعين فِي النَّاقة سَاكِنة وَفِي استنوق متحركة وَالْفَاء فِي النَّاقة متحركة وَفِي استنوق سَاكِنة وَالتَّاء فِي النَّاقة مَوْجُودَة وَفِي استنوق مفقودة وَالسِّين فِي النَّاقة مفقودة وَفِي استنوق مَوْجُودَة
الْمِيزَان الصرفي
(ص) مَسْأَلَة يُوزن أول الْأُصُول بِالْفَاءِ وَثَانِيها بِالْعينِ وَثَالِثهَا بِاللَّامِ وتكرر للفائق وَحكم الكوفية بِزِيَادَة غير الثَّلَاثَة ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْوَزْن وَصفته وَالزَّائِد بِلَفْظِهِ إِلَّا المكرر فِيمَا تقدمه وَبدل تَاء افتعل فبالتاء ويحذف من الزنة ويقلب كَهُوَ وَيعرف الزَّائِد بالاشتقاق وَشبهه وسقوطه من نَظِير وَكَونه لِمَعْنى أَو فِي مَوضِع تلْزم فِيهِ زِيَادَته أَو تكْثر واختصاصه بِبِنَاء لَا يَقع فِيهِ مَا لَا يصلح للزِّيَادَة وَلُزُوم عدم النظير بِتَقْدِير أصالته فِيمَا هُوَ مِنْهُ أَو نَظِيره (ش) اصْطلحَ النحويون على أَن يزنوا بِلَفْظ الْفِعْل لما كَانَ الْفِعْل يعبر بِهِ عَن كل فعل وَكَانَت الْأَفْعَال لَهَا ظُهُور الزِّيَادَة والأصالة بِأَدْنَى نظر ثمَّ حملُوا الْأَسْمَاء عَلَيْهَا فِي أَن وزنوها بِالْفِعْلِ فَكَانَ أقل مَا تكون عَلَيْهِ الْكَلِمَة الَّتِي يدخلهَا التصريف ثَلَاثَة أحرف فَجعلُوا حُرُوف الْفِعْل مُقَابلَة لأصول الْكَلِمَة والحرف الزَّائِد منطوقا بِهِ(3/451)
بِلَفْظِهِ ليمتاز الْأَصْلِيّ من الزَّائِد فَإِن لم تغن الْأُصُول كررت عِنْد الْبَصرِيين فَيُقَال وزن جَعْفَر فعلل وَوزن سفرجل فعلل لِأَن الْكَلِمَة تكون عِنْدهم ثلاثية ورباعية وخماسية وَهِي مُجَرّدَة من الزَّوَائِد وَأما الْكُوفِيُّونَ فَذَهَبُوا إِلَى أَن نِهَايَة أصل الْكَلِمَة ثَلَاثَة وَمَا زَاد على الثَّلَاثَة حكمُوا بِزِيَادَتِهِ فيزنون مَا كَانَ ثلاثيا بِلَفْظ الْفِعْل وَأما مَا زَاد نَحْو جَعْفَر وسفرجل فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَمنهمْ من قَالَ لَا نزن شَيْئا من ذَلِك وَإِذا سُئِلَ عَن وَزنه قَالَ لَا أَدْرِي وَمِنْهُم من يزن وَاخْتلف هَؤُلَاءِ فَمنهمْ من ينْطق بِلَفْظ مَا زَاد عَن الثَّالِث فَيَقُول وزن جَعْفَر فعلر وَوزن سفرجل فعلجل وَمِنْهُم من يزن ذَلِك كوزننا فَيَقُول فعلل وفعلل مَعَ اعْتِقَاد زِيَادَة مَا زَاد على الثَّلَاثَة قَالَ أَبُو حَيَّان فَإِن قلت مَا فَائِدَة وزن الْكَلِمَة بِالْفِعْلِ قلت فَائِدَته التَّوَصُّل إِلَى معرفَة الزَّائِد من الْأَصْلِيّ على سَبِيل الِاخْتِصَار فَإِن قَوْلك وزن اسْتِخْرَاج استفعال أخصر من أَن تَقول الْألف وَالسِّين وَالتَّاء وَالْألف فِي اسْتِخْرَاج زَوَائِد وَإِذا حذف من الْكَلِمَة شَيْء فلك أَن تزنه بِاعْتِبَار أَصله أَو اعْتِبَار مَا صَار إِلَيْهِ فوزن شية وسه وَيَد بِاعْتِبَار الأَصْل فعلة وَفعل وَفعل وَبِاعْتِبَار الْحَذف عِلّة وفل وفع وَإِذا وَقع فِي الْكَلِمَة قلب قلب فِي الزنة فَيُقَال وزن أَشْيَاء لفعاء على رَأْي من يرى أَن فِيهَا قلبا ويوزن المكرر للتضعيف بِمَا تقدمه لَا بِلَفْظِهِ فَيُقَال وزن قردد فعلل لَا فعلد لِأَن الدَّال لما لم ترد مُنْفَرِدَة فِي الأَصْل لم يجعلوها مُنْفَرِدَة فِي الْوَزْن وَيحصل الْفرق بَينه وَبَين بَاب جَعْفَر بالموزون لَا بِالْوَزْنِ ويوزن الْمُبدل من تَاء الافتعال بِالتَّاءِ لَا بالحرف الْمُبدل فَيُقَال فِي وزن اصْطفى افتعل لَا افطعل وَجُمْلَة مَا يعرف بِهِ الزَّائِد تِسْعَة أَشْيَاء أَحدهَا الِاشْتِقَاق فَإِن دلّ على أَن ألف ضَارب وهمز اضْرِب وَرَاء ضرب زَوَائِد(3/452)
الثَّانِي شبه الِاشْتِقَاق وَالْفرق بَينه وَبَين مَا قبله أَن الأول فِيهِ سُقُوط من أصل وَهَذَا فِيهِ سُقُوط من فرع مِثَاله ألف قذال وواو عَجُوز وياء كثيب فَإِنَّهَا تسْقط فِي الْجمع وَهُوَ قذل وَعجز وكثب وَالْجمع فرع والإفراد أصل فَدلَّ على زيادتها فِيهِ الثَّالِث سُقُوطه من نَظِير كإطل وأيطل وهما بِمَعْنى فالياء من أيطل زَائِدَة لسقوطها فِي إطل الرَّابِع كَونه لِمَعْنى فَإِن رَأَيْت حرفا فِي كلمة يفهم مِنْهُ معنى فاحكم بِزِيَادَتِهِ كحروف المضارعة وَألف فَاعل وتاء افتعل وياء التصغير الْخَامِس كَونه فِي مَوضِع تلْزم فِيهِ زِيَادَته كنون (عفنقس) بِالْفَاءِ وَهُوَ الْعسر الْأَخْلَاق لَا يعف لَهُ اشتقاق وَحكم بِزِيَادَة نونه لِأَنَّهَا وَقعت ثَالِثَة سَاكِنة وَبعدهَا حرفان وَلَيْسَت مدغمة فِيمَا بعْدهَا وَمَا وجد من ذَلِك مِمَّا عرف لَهُ اشتقاق كَانَت النُّون فِي زَائِدَة على جِهَة اللُّزُوم كجحنفل وحبنطى السَّادِس كَونه فِي مَوضِع تكْثر فِيهِ زِيَادَته كهمزة أفكل وَهِي الرَّعْد لَا يعرف لَهُ اشتقاق وَحكم بِزِيَادَة همزته لِكَثْرَة زِيَادَة الْهمزَة أَولا قبل ثَلَاثَة أحرف السَّابِع اخْتِصَاصه بباء لَا يَقع موقعه مِنْهَا مَا لَا يصلح للزِّيَادَة كنون حنطأو بِوَزْن فنعلو فَإِنَّهَا زَائِدَة إِذْ لم يَجِيء مَكَان النُّون فِي نَحْو هَذَا الْبناء حرف أُصَلِّي الثَّامِن وَالتَّاسِع لُزُوم عدم النظير بِتَقْدِير أصالته فِيمَا هُوَ مِنْهُ أَو فِي نَظِير مَا هُوَ مِنْهُ مِثَال الأول ملوط وَهِي مقرعة الْحَدِيد فالواو زَائِدَة وَالْمِيم أَصْلِيَّة ووزنه فعول لِأَنَّهُ لَو عكس لَكَانَ وزن مفعلا ومفعل مَفْقُود وفعول مَوْجُود نَحْو عتود وعسول وعلود وَمِثَال الثَّانِي وَالْمرَاد بِهِ أَن يكون فِي الْكَلِمَة حرف لَا يُمكن إِلَّا زِيَادَته لكَون الْكَلِمَة على بِنَاء مَخْصُوص لَا يكون إِلَّا من الْأَبْنِيَة الْمَزِيد فِيهَا ثمَّ تسمع فِي تِلْكَ الْكَلِمَة لُغَة أُخْرَى يتَعَيَّن فِيهَا حَرَكَة ذَلِك الْحَرْف فَيحْتَمل بتغيير تِلْكَ الْحَرَكَة أَن يكون ذَلِك الْحَرْف أصلا وَأَن يكون زَائِدا فَيحمل على الزِّيَادَة للْقطع بِأَنَّهُ زَائِد فِي اللُّغَة الْأُخْرَى وَذَلِكَ (تَتْفُل) فَإِن فِيهِ لُغَات أَحدهَا بِفَتْح التَّاء الأولى وَضم الْفَاء فَهَذَا وَزنه تفعل كتنضب فالتاء فِيهِ زَائِدَة لأَنا لَو قدرناها أَصْلِيَّة لزم من ذَلِك عدم(3/453)
النظير لِأَنَّهُ يكون وَزنه حِينَئِذٍ فعللا وفعلل بِنَاء لم يَجِيء عَلَيْهِ شَيْء من الْكَلم واللغة الْأُخْرَى تنفل بِضَم التَّاء وَالْفَاء فَهَذَا يحْتَمل أَن تكون التَّاء فِيهِ أَصْلِيَّة وَيكون وَزنه (فعللا) كبرثن لكنه يلْزم من ذَلِك عدم النظير فِي اللَّفْظ الَّذِي هُوَ ذَلِك الْحَرْف مِنْهُ أَلا ترى أَن التَّاء فِي تَتْفُل المضموم أَوله موجوة فِي تفل المفتوح أَوله فلزوم عدم النظير فِي تَتْفُل إِذا قدرناها أَصْلِيَّة دَلِيل على الزِّيَادَة فِي تَتْفُل إِذْ هَذِه التَّاء هِيَ تِلْكَ وَلم تَتَغَيَّر إِلَّا بالحركة
حُرُوف الزِّيَادَة
(ص) حُرُوف الزِّيَادَة (تَسْلِيم وهناء) فَمَتَى صَحِبت أَكثر من أصلين ألف أَو يَاء أَو وَاو أَو غير مصدرة أَو همزَة مصدرة أَو مؤخرة هِيَ أَو نون بعد ألف زَائِدَة أَو مِيم مصدرة فزائدة مَا لم يُعَارض دَلِيل الْأَصَالَة كملازمة مِيم معد اشتقاقا والتقدم على أَرْبَعَة أصُول فِي غير فعل أَو اسْم بشبهه (ش) حُرُوف الزِّيَادَة عشرَة وَقد جمعهَا النَّاس فِي أَنْوَاع من الْكَلَام كَقَوْلِهِم (سألتمونيها) و (الْيَوْم تنساه) و (أَمَان وتسهيل) و (تَسْلِيم وهناء) فَيحكم بِزِيَادَة مَا صحب أَكثر من أصلين من ألف أَو يَاء أَو وَاو غير مصدرة نَحْو كتاب وكثيب وعجوز بِخِلَاف مَا صحب أصلين فَقَط كدار وفيل وغول فَلَيْسَ بزائد لِأَن أقل مَا تكون عَلَيْهِ الْكَلِمَة ثَلَاثَة أحرف وَقَوْلِي غير مصدرة قيد فِي الْوَاو فَقَط لِأَن الْألف لَا تتصدر لسكونها وَالْيَاء تتصدر وَهِي زَائِدَة وَمِثَال تصدر الْوَاو (ورنتل) فَهِيَ أصل لَا زَائِدَة وَكَذَا يحكم بِزِيَادَة الْهمزَة إِذا صَحِبت أَكثر من أصلين وَكَانَت مصدرة نَحْو أَحْمَر وأصفر أَو مؤخرة نَحْو حَمْرَاء وصفراء فَإِن صَحِبت أصلين فَقَط كَانَت أصلا نَحْو أَبنَاء و (أجأ) أَو بَدَلا من أصل نَحْو مَاء وَكسَاء وَكَذَا يحكم بِزِيَادَة النُّون إِذا صَحِبت أَكثر من أصلين وَكَانَت مؤخرة بعد ألف زَائِدَة نَحْو قطران وَعُثْمَان وسرحان وَكَذَا يحكم بِزِيَادَة الْمِيم إِذا صَحِبت أَكثر من أصلين وَكَانَت مصدرة نَحْو منسج ومرحب فَإِن كَانَ بعْدهَا أصلان فَقَط قضي عَلَيْهَا بِالْأَصَالَةِ إِذْ لَا أقل من ثَلَاثَة أصُول(3/454)
وَمحل الحكم بِالزِّيَادَةِ فِي جَمِيع الْمَذْكُورَات أَعنِي الْألف وَالْيَاء وَالْوَاو والهمزة وَالنُّون وَالْمِيم مَا إِذا لم يُعَارض الزِّيَادَة دَلِيل الْأَصَالَة كملازمة مِيم معد فِي الِاشْتِقَاق فَإِنَّهُم حِين اشتقوا من معد فعلا قَالُوا تمعدد وكالتقدم على أَرْبَعَة أصُول فِي غير فعل أم اسْم يُشبههُ نَحْو يستعور وورنتل وإصطبل أما الْفِعْل وَشبهه فَإِن الزِّيَادَة تتقدم فيهمَا على أَرْبَعَة أصُول نَحْو تدحرج ومتدحرج (ص) وزيدت النُّون فِي نَفْعل وَانْصَرف واحرنجم والمثنى وَالْجمع وَنَحْو غضنفر (ش) النُّون تزاد باطراد فِي أول الْمُضَارع وَفِي بَاب الانفعال والافعنلال وفروعهما كالانصراف والاحرنجام وَفِي آخر التَّثْنِيَة وَالْجمع كالزيدان والزيدون وساكنة مفكوكة بَين حرفين قبلهَا نَحْو غضنفر وجحنفل وعقنقل بِخِلَاف المدغمة كعجنس وهجنف فَلَا يحكم عَلَيْهَا بِالزِّيَادَةِ فوزنهما فعلل (ص) وَالتَّاء فِي تفعل وتفعلل وَتفعل وتفاعل وافتعل ومسلمة وَالسِّين مَعهَا فِي الاشتقعال وفروعه وَالْهَاء وَقفا أنكرها الْمبرد وَاللَّام فِي الْإِشَارَة (ش) تزاد التَّاء باطراد فِي أول الْمُضَارع وَفِي بَاب التفعلل كالتدحرج والتفعل كالتكسر والتفاعل كالتغافل والافتعال كالاكتساب وفروعها وَفِي صِفَات المؤنثة كمسلمة وتزاد مَعَ السِّين فِي الاستفعال كالاستخراج وفروعه وتزاد الْهَاء فِي الْوَقْف وَاللَّام فِي الْإِشَارَة على مَا مر فِي بابهما وَأنكر الْمبرد زِيَادَة الْهَاء لِأَنَّهَا لم تأت فِي كلمة مَبْنِيَّة على الْهَاء وَإِنَّمَا تلْحق لبَيَان الْحَرَكَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَالصَّحِيح أَنَّهَا من حُرُوف الزِّيَادَة وَإِن كَانَت زيادتها قَليلَة من ذَلِك أمهة وهبلع وهجرع وهركولة (ص) وتقل زِيَادَة مَا ذكر خَالِيا من قيد وَلَا تقبل إِلَّا بِدَلِيل كهمزة شمأل وهاء أُمَّهَات وأهراق وسين قدموس واسطاع فَإِن لم يثبت زِيَادَة الْألف فبدل لَا أصل إِلَّا فِي حرف أَو شبهه أَو تَضَمَّنت كلمة متماثلين ومتباينين لم تثبت زِيَادَة أَحدهَا فأحد المثلين زَائِد مَا لم يماثل الْفَاء أَو الْعين المفصولة بِأَصْل فَإِن تماثلت أَرْبَعَة وَلَا أصل للكلمة فَالْكل(3/455)
أصُول وَثَالِثهَا إِن لم يفهم الْمَعْنى بِسُقُوط الثَّالِث وَفِي الأولى بِالزِّيَادَةِ من المضاعف ثَالِثهَا الثَّانِي فِي نَحْو اقعنسس وَالْأول فِي نَحْو علم والهمزة وَالنُّون آخرا بعد الْألف بَينهَا وَبَين الْفَاء مشددأ وحرفان أَحدهمَا لين يحْتَمل زيادتهما وَزِيَادَة أحد المثلين أَو اللين إِلَّا لمَانع (ش) تقل زِيَادَة مَا ذكر من الْحُرُوف إِن خلا مِمَّا قيد بِهِ فِيمَا سبق وَلَا تقبل زِيَادَته إِلَّا بِدَلِيل يحْكى من الدَّلَائِل التِّسْعَة السَّابِق ذكرهَا كسقوط همزَة شمأل واحبنطأ فِي الشُّمُول والحبط فَإِنَّهُ دَلِيل زيادتها مَعَ فقد شَرطهَا وَهُوَ التصدر أَو التَّأَخُّر بعد ألف زَائِدَة وَسُقُوط هَاء أُمَّهَات فِي أمات وهاء أهراق فِي أراق وسين قدموس وَهُوَ بِمَعْنى قديم زيدت فِيهِ السِّين للإلحاق بعصفور وسين اسطاع فِي أطَاع فَإِن لم تثبت زِيَادَة الْألف فَهِيَ بدل لَا أصل كالرحى والعصى إِلَّا فِي حرف كلا وبلى وَإِلَى أَو شبهه كالأولى وَمَا الاسمية وَالضَّابِط أَن الْألف لَا تكون أصلا إِلَّا فِي حرف أَو شبهه وَإِن تَضَمَّنت كلمة حرفين متباينين وحرفين متماثلين وَلم تثبت زِيَادَة أحد المتباينين حكم على أحد المتماثلين بِالزِّيَادَةِ نَحْو جليب وقردد فَإِن ثَبت زِيَادَة أحد المتباينين لم يحكم على أحد المتماثلين بِالزِّيَادَةِ بل هُوَ أصل نَحْو مفر ومقر فَإِن الْمِيم فيهمَا قد ثبتَتْ زيادتها وَكَذَا إِذا ماثل أحد المثلين الْفَاء أَو الْعين المفصولة بِأَصْل فَإِنَّهُ لَا يحكم حِينَئِذٍ على أحد المتماثلين بِالزِّيَادَةِ نَحْو كَوْكَب وقوقل فَإِنَّهُمَا تضمنا حرفين متماثلين وهما القافان والكافان وحرفين متباينين وهما الْوَاو وَالْبَاء وَالْوَاو وَاللَّام وَلَا يحكم على أحد المتماثلين الَّذِي هُوَ الْقَاف وَالْكَاف بِالزِّيَادَةِ لمماثلة الْفَاء بل هما أصلان وَنَحْو حَدْرَد فَإِنَّهُ تضمن حرفين متباينين وهما الْحَاء وَالرَّاء وحرفين متماثلين وهما الدالان وَلَا يحكم على أحد الدالين بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ قد ماثل أحد المتماثلين الْعين الَّتِي هِيَ الدَّال وَفصل بَين المتماثلين بِأَصْل وَهُوَ الرَّاء الَّتِي هِيَ لَام الْكَلِمَة الأولى(3/456)
فَإِن فصل بَينهمَا بزائد كَانَ أحد المتماثلين زَائِدا كحنفقيق اجْتمع فِيهِ مثلان وهما القافان ومتباينان وهما الْخَاء وَالْفَاء وَقد ماثل المثلين عين الْكَلِمَة وَقد فصل بَينهمَا بزائد فَيحكم على أحد المثلين بِأَنَّهُ زَائِد أَلا ترى أَنه مَأْخُوذ من الخفق وَكَذَا لَو لم يَقع فصل أَلْبَتَّة نَحْو (مشمخر) فأحد المثلين زَائِد فَإِن تماثلت أَرْبَعَة وَلَا أصل للكلمة غَيرهَا نَحْو سمسم وقمقم وفلفل وزلزل فَالْكل أصُول هَذَا مَذْهَب الْبَصرِيين لِأَنَّهُ إِن جعل كل من المثلين زَائِدا أدّى إِلَى بِنَاء الْكَلِمَة على أقل من ثَلَاثَة أَو أَحدهمَا أدّى إِلَى بِنَاء مَفْقُود إِذْ يصير وَزنهَا على تَقْدِير زِيَادَة أول الْكَلِمَة (عفعل) وعَلى زِيَادَة الثَّانِي (فَلَعَلَّ) وعَلى زِيَادَة الثَّالِث (فعفل) وَكلهَا مَفْقُود وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن هَذَا الْبَاب وَنَحْوه ثلاثي أَصله فعل فاستثقل التَّضْعِيف فحالوا بَين المضاعفين بِحرف مثل فَاء الْفِعْل وَقيل مَحل الْخلاف فِيمَا يفهم الْمَعْنى بِسُقُوط ثالثه نَحْو كبكب بِخِلَاف غَيره فَإِن كَانَ للكلمة أصل غير الْأَرْبَعَة حكم بِزِيَادَة أَحدهمَا نَحْو مرمريس فَإِنَّهُ ثلاثي مَأْخُوذ من المرس فَلَا تعم الْحُرُوف الْأَصَالَة وَاخْتلف فِي المثلين فِي نَحْو اقعنسس وَعلم أَيهمَا الزَّائِد فَذهب الْخَلِيل إِلَى أَن الزَّائِد هُوَ الأول وَذهب يُونُس إِلَى أَن الثَّانِي هُوَ الزَّائِد وَأما سِيبَوَيْهٍ فَإِنَّهُ حكم بِأَن الثَّانِي هُوَ الزَّائِد ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك وكلا الْوَجْهَيْنِ صَوَاب وَمذهب وَصحح الْفَارِسِي مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَصحح ابْن عُصْفُور مَذْهَب الْخَلِيل وَقد بسطت أَدِلَّة ذَلِك فِي كتاب (الْأَشْبَاه والنظائر النحوية) وَاخْتَارَ ابْن مَالك فِي التسهيل أَن الثَّانِي أولى بِالزِّيَادَةِ فِي بَاب (اقعنسس) وَالْأول أولى فِي بَاب (علم) وَمَا آخِره همزَة أَو نون بعد ألف بَينهَا وَبَين الْفَاء حرف مشدد نَحْو (قثاء) و (رمان) أَو حرفان أَحدهمَا لين نَحْو (زيزاء) و (قوباء) و (عقيان) و (عنوان) و (علوان) فَيحْتَمل أَصَالَة الْأَخير من الْهمزَة أَو النُّون(3/457)
وَزِيَادَة أحد المثلين فِي المشدد أَو اللين فِي قسميه وَالْعَكْس أَي زِيَادَة الآخر وأصالة أحد المثلين أَو اللين فوزن قثاء على الأول فعال ورمال وعَلى الثَّانِي فعلاء وفعلان مَا لم يكن مَانع من أَدَاء إِلَى إهمال تِلْكَ الْمَادَّة أَو قلَّة نَظِير فَيتَعَيَّن فِي (مزاء) زِيَادَة الْهمزَة لِأَن مَادَّة مزاء مُهْملَة ومادة (مزز) مَوْضُوعَة بِدَلِيل قَوْلهم مزة وَفِي (لوذان) زِيَادَة النُّون لِأَن مَادَّة (لذن) مُهْملَة ومادة (لوذ) مَوْضُوعَة لقَولهم (لواذ) وَفِي سقاء زِيَادَة أحد المثلين لِأَن مَادَّة س ق ق مُهْملَة ومادة س ق ي مَوْضُوعَة وَفِي قينان زِيَادَة الْيَاء لِأَن مَادَّة ق. ي. ن مُهْملَة ومادة ق. ن. ن مَوْضُوعَة لقَولهم قنن وأقنان
مَعَاني الْحَرْف الزَّائِد
(ص) مَسْأَلَة الزَّائِد إِمَّا لِمَعْنى أَو إِمْكَان أَو بَيَان حَرَكَة أَو مد أَو عوض أَو تَكْثِير أَو إِلْحَاق وَهُوَ بِمَا جعل بِهِ ثلاثي أَو رباعي موازنا لما فَوْقه مُسَاوِيا لَهُ فِي حكمه وَلَا تلْحق الْألف إِلَّا آخِره مبدلة من يَاء وَلَا الْهمزَة أَولا إِلَّا مَعَ مساعد وَلَا إِلْحَاق أَو بِنَاء نَظِير من غير تدرب وامتحان إِلَّا بِسَمَاع على أصح الْأَقْوَال (ش) الزَّائِد يكون لأحد سَبْعَة أَشْيَاء الأول لِمَعْنى وَهُوَ أقوى الزَّائِد كحرف المضارعة الثَّانِي الْإِمْكَان كهمزة الْوَصْل الثَّالِث لبَيَان الْحَرَكَة كهاء السكت فِي الْوَقْف الرَّابِع للمد ككتاب وعجوز وقضيب الْخَامِس للعوض كتاء التَّأْنِيث فِي زنادقة فَإِنَّهَا عوض من يَاء زنديق وَلذَا لَا يَجْتَمِعَانِ(3/458)
السَّادِس لتكثير الْكَلِمَة كألف (قبعثرى) وَنون (كنهبل) السَّابِع للإلحاق كواو كوثر وياء (ضيغم) وَضَابِط الَّذِي للإلحاق مَا جعل بِهِ ثلاثي أَو رباعي موازنا لما فَوْقه ك (رعشن) نونه زَائِدَة للإلحاق لِأَنَّهُ من الارتعاش فَألْحق بِجَعْفَر و (فردوس) واوه زَائِدَة للإلحاق (بجردحل) و (إنقحل) همزته ونونه زائدتان للإلحاق لِأَنَّهُ من القحل فَألْحق (بجردحل) وَالْمرَاد بالموازنة الْمُوَافقَة فِي الحركات والسكنات وَعدد الْحُرُوف لِأَنَّهُ يُوزن كوزنه وبالمساواة فِي حكمه ثُبُوت الْأَحْكَام الثَّابِتَة للملحق بِهِ للمحلق من صِحَة واعتلال وتجرد من حُرُوف الزِّيَادَة وتضمن لَهَا وزنة الْمصدر الشَّائِع فَلَو قيل ابْن من الضَّرْب مثل (جَعْفَر) يُقَال (ضربب) أَو مثل (برثن) يُقَال (ضربب) أَو مثل (زبرج) يُقَال (ضربب) وَلَو قيل ابْن من البيع مثل (صعون) يُقَال (بُيُوع) فَيصح وَلَا يدغم وَلَو قيل ابْن من القَوْل مثل (طيال) يُقَال (قيال) فيعل وَلَو بني من سحك مثل (احرنجم) قيل اسحنكك) فَيضمن النُّون الَّتِي هِيَ مزيدة فِي الملحق بِهِ وزيدت الْهمزَة وَإِحْدَى الكافين للإلحاق وَلَو بنى من (دحرج) مثل (قبعثرى) قيل (دحرحجى) فَيضمن الْألف الَّتِي هِيَ مزيدة الملحق وَزِيَادَة خَامِس للإلحاق وَقيل فِي مصدر (بيطر) الملحق (بيطرة) كَمَا جَاءَ مصدر (دحرج) على (دحرجة) وَلَا تلْحق الْألف إِلَّا آخِره مبدلة من يَاء (كعلقى) فِي لُغَة من نون فَإِنَّهُ مُلْحق (بِجَعْفَر) و (ذفرى) فِي لُغَة من نون فَإِنَّهُ مُلْحق بدرهم و (حبنطى) مُلْحق (بسفرجل) وَلَا تلْحق حَشْوًا وَلَا آخرا مبدلة من وَاو(3/459)
وَلَا تلْحق الْهمزَة أَولا إِلَّا مَعَ مساعد أَي إِن كَانَ مَعهَا حرف آخر زَائِد للإلحاق أَيْضا كنون (ألندد) الملحق بسفرجل وواو (إدرون) الملحق (بجردحل) فَإِن وَقعت أَولا وَلَيْسَ مَعهَا حرف زَائِد لم تكن للإلحاق (كأفكل) وَإِن وَقعت حَشْوًا أَو طرفا فَإِنَّهَا تكون للإلحاق وَلَا يحْتَاج إِلَى مساعد من حرف زَائِد نَحْو شأمل مُلْحق بِجَعْفَر وَقد يكون مَعهَا حرف زَائِد نَحْو علْبَاء مُلْحق بقرطاس وَلَا إِلْحَاق إِلَّا بِسَمَاع من الْعَرَب إِلَّا أَن يكون على جِهَة التدرب والامتحان كالأمثلة الَّتِي يتَكَلَّم بهَا النحويون متضمنة لحروف الْإِلْحَاق على طَريقَة أبنية الْعَرَب يقصدون بذلك تمرين المشتغل بِهَذَا الْفَنّ وإجادة فكره وَنَظره وَهَذَا الحكم جَار فِي كل مَا أردْت أَن تبني من كلمة نَظِير كلمة أُخْرَى وَإِن لم يكن إِلْحَاق فَإِن ذَلِك لَا يجوز إِلَّا أَن يكون على وَجه التدرب والامتحان هَذَا أصح الْمذَاهب فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّهُ إِحْدَاث لفظ لم تَتَكَلَّم بِهِ الْعَرَب وَالثَّانِي يجوز مُطلقًا لِأَن الْعَرَب قد أدخلت فِي كَلَامهَا الْأَلْفَاظ الأعجمية كثيرا سَوَاء كَانَت على بِنَاء كَلَامهَا أم لم تكن فَكَذَلِك يجوز إِدْخَال هَذِه الْأَلْفَاظ المصنوعة هُنَا فِي كَلَامهم وَإِن لم تكن مِنْهُ قِيَاسا على الأعجمية وَعَلِيهِ الْفَارِسِي قَالَ لَو شَاءَ شَاعِر أَو متسع أَن يَبْنِي بإلحاق اللَّام اسْما أَو فعلا أَو صفة لجَاز ذَلِك لَهُ وَكَانَ من كَلَام الْعَرَب وَذَلِكَ قَوْلك حزجج أحسن من دخلل وضريب زيد ومررت بِرَجُل كريم وضريب قَالَ ابْن جني فَقلت لَهُ أترتجل اللُّغَة ارتجالا قَالَ لَيْسَ هَذَا ارتجالا لكنه مقيس على كَلَامهم أَلا ترى أَنَّك تَقول طَابَ الخشكنان فتجعله من كَلَام الْعَرَب وَإِن لم تكن الْعَرَب قد تَكَلَّمت بِهِ فرفعك إِيَّاه ونصبك صَار مَنْسُوبا إِلَى كَلَامهم انْتهى ورد بِأَن اللَّفْظ الأعجمي لَا يصير بِإِدْخَال الْعَرَب لَهُ فِي كَلَامهَا عَرَبيا بل تكون قد تَكَلَّمت بِهِ بلغَة غَيرهَا وَإِذا تكلمنا نَحن بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ المصنوعة كناقد تكلمنا بِمَا لَا يرجع إِلَى لُغَة من اللُّغَات(3/460)
وَالْمذهب الثَّالِث التَّفْصِيل بَين مَا تكون الْعَرَب قد فعت مثله فِي كَلَامهَا كثيرا واطرد فَيجوز لنا إِحْدَاث نَظِيره وَإِلَّا فَلَا فَإِذا قيل ابْن من الضَّرْب مثل جَعْفَر قُلْنَا ضربب فَهَذَا مُلْحق بِكَلَام الْعَرَب لِأَن الرباعي قد ألحق بِهِ كثيرا من الثلاثي بالتضعيف نَحْو مهدد وقردد وَبِغير التَّضْعِيف نَحْو شأمل ورعشن وَلَا فرق بَين قِيَاس اللَّفْظ على اللَّفْظ وَالْحكم على الحكم عِنْد صَاحب هَذَا الْمَذْهَب وَالَّذين قَالُوا بِالْقِيَاسِ فِي مثل هَذِه الْأَشْيَاء اخْتلفُوا فِي المعتل وَالصَّحِيح أَنَّهُمَا بَاب وَاحِد فَمَا سمع فِي أَحدهمَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ الآخر أَو هما بَابَانِ متباينان يجْرِي فِي أَحدهمَا مَا لَا يجرى فِي الآخر فَذهب سِيبَوَيْهٍ وَجَمَاعَة إِلَى أَنَّهُمَا بَاب وَاحِد وَذهب الْجرْمِي والمبرد إِلَى أَنَّهُمَا بَابَانِ
3 - الْحَذف القياسي والشاذ
(ص) الْحَذف يطرد فِي ألف مَا الاستفهامية المجرورة وَفَاء نَحْو وعد فِي مضارعة وَأمره ومصدره محركة عينه بحركتها وهمز أفعل فِي مضارعه ووصفية مَا لم تقلب هَاء أَو عينا وَعين فيعلولة خلافًا للكوفية وواو فيعل وفيعلة وَفِي قِيَاس يائهما خلف وَفَاء (مر) لَا بعد وَاو أَو فَاء وَخذ وكل وَمَا خرج عَن ذَلِك من حذف أَو إبْقَاء فشاذ وَمِنْه خلافًا للشلوبين حذف عين وَقيل لَام أحس وظل وَمَسّ مَبْنِيا على السّكُون مكسور أول الْأَخيرينِ ومفتوحا وَقل فِي أَمر ومضارع وَيَا نَحْو استحيى وفروعه وَكثر فِي أُبَالِي جزما وَاللَّام واوا وَمِنْه اسْم خلافًا للكوفية وَالْيَاء وَالْهَاء قَلِيل والهمزة وَالنُّون وَفِي غير اللَّام أقل (ش) الْحَذف قِسْمَانِ مقيس وشاذ فالمقيس حذف ألف مَا الاستفهامية المجرورة نَحْو {عَم يتساءلون} [النبأ: 1] {فيمَ أَنْت من ذكرَاهَا} [النازعات: 43] {لم تؤذونني} [الصَّفّ: 5] (مَجِيء م جِئْت) وشذ إبقاؤها فِي قَوْله: 1881 -
(على مَا قَامَ يَشتِمُني لَئِيمٌ ... )(3/461)
وَقيل إِن ذَلِك لُغَة لبَعض الْعَرَب وَخرج عَلَيْهَا بَعضهم قَوْله تَعَالَى {يَالَيتَ قَومِي يَعلَمُونَ بَمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} [يس: 26 - 27] أَي بِأَيّ شَيْء قَالَ الخضراوي وَهَذَا قَول مَرْغُوب عَنهُ وَخرج بالاستفهامية الموصولة والشرطية فَلَا يحذف ألفها وَإِن دخل عَلَيْهَا الْجَار وَذكر أَبُو زيد والمبرد أَن حذف ألف (مَا) الموصولة ثَبت لُغَة كثير من الْعَرَب يَقُولُونَ (سل عَم شِئْت) لِكَثْرَة استعمالهم إِيَّاه وَخرج بالمجرورة المرفوعة والمنصوبة فَلَا يحذف الْألف مِنْهَا إِلَّا فِي الضَّرُورَة كَقَوْلِه: 1812 -
(أَلا مَ تَقول الناعيات أَلا مَهْ ... )
وَلَو ركبت (مَا) الاستفهامية مَعَ (ذَا) لم تحذف أَيْضا نَحْو (على مَاذَا يلْزَمنِي)
وَوجه الْحَذف من الاستفهامية التَّخْفِيف وَخص بهَا لِأَنَّهَا مستبدة بِنَفسِهَا بِخِلَاف الشّرطِيَّة لِأَنَّهَا مُتَعَلقَة بِمَا بعْدهَا وَبِخِلَاف الموصولة لافتقارها إِلَى الصِّلَة وَمن المطرد حذف الْوَاو من مضارع ثلاثي فاؤه وَاو استثقالا لوقوعها فِي فعل بَين يَاء مَفْتُوحَة وكسرة ظَاهِرَة كيعد أَو مقدرَة كيقع ويسع وَحمل على ذِي الْيَاء أخواته كأعد وتعد ويعد وَالْأَمر كعد والمصدر الْكَائِن على (فعل) محرك الْعين بحركة الْفَاء معوضا عَنْهَا تَاء تَأْنِيث كعدة وَسَوَاء كَانَ الْمَاضِي على فعل كوعد أَو فعل كومق وَلَا يجوز الْحَذف من مضارع رباعي كأوعد يوعد ويوعيد مِثَال يَقْطِين من الْوَعْد(3/462)
وَلَا من الِاسْم كموعد لما فِيهِ لَو حذف من توالي الْحَذف إِذْ قد حذف مِنْهُ الْهمزَة وَلِأَن ضمة الْيَاء قوت الْوَاو وَلِأَن الْفِعْل أثقل مِنْهُ وَلَا إِذا وَقعت بَين يَاء مَفْتُوحَة وضمة أَو فَتْحة نَحْو وضؤ يوضؤ وشذ وجد يجد بِالضَّمِّ ويذر ويدع وَلَا مِمَّا فاؤه يَاء كيسر الرجل يسر ويعرت الشَّاة تَيْعر وشذ يَئِسَ يَئِسُ وَمن المطرد حذف همزَة أفعل من مضارعه واسمي فَاعله ومفعوله نَحْو أكْرم استثقالا لِاجْتِمَاع همزتين إِذْ كَانَ الأَصْل أأكرم وَحمل عَلَيْهِ نكرم وتكرم وَيكرم ومكرم ومكرم طردا للباب وشذ إِثْبَاتهَا فِي قَوْلهم أَرض مؤرنبة بِكَسْر النُّون أَي كثير الأرانب وَكسَاء مؤرنب إِذا خلط صوفه بوبر الأرانب وَقَوله: 1813 -
(فإنهُ أهْلٌ لأنْ يُؤكَرمَا ... )
فَلَو قلبت همزَة أفعل هَاء أَو عينا لم تحذف للأمن من التقاء الهمزتين نَحْو هراق المَاء يهريق فَهُوَ مهريق ومهراق وعيهل الْإِبِل يعيهلها فَهُوَ معيهل وَالْإِبِل معيهلة أَي مُهْملَة وَمن المطرد حذف عين فيعلولة سَوَاء كَانَت واوا نَحْو كينونة أَو يَاء نَحْو طيرورة الأَصْل كيونونة وطيروورة اجْتمع فِي الأول يَاء وواو سبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ فقلبت الْوَاو يَاء وأدغمت الْيَاء فِيهَا وَفِي الثَّانِي أدغمت الْيَاء المزيدة فِي الْيَاء الَّتِي هِيَ عين الْكَلِمَة فَصَارَ كينونة وطيرورة ثمَّ حذفت عين الْكَلِمَة على جِهَة اللُّزُوم فَصَارَ كينونة وطيرورة وَصَارَ الْوَزْن فيعولة هَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ فِي هَذِه المصادر أَن وَزنهَا فيعلولة(3/463)
وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنه لَا حذف وَأَن الأَصْل فعلولة بِضَم الْفَاء ففتحت لتسلم الْيَاء من ذَوَات الْيَاء وَحمل عَلَيْهَا ذَوَات الْوَاو وَمن المطرد حذف عين فعيل وفيعلة قَالَ أَبُو حَيَّان أما ذَوَات الْوَاو فَلَا نعلم خلافًا فِي قِيَاسه كسيد وسيدة يُقَال فِيهِ سيد وسيدة وَأما ذَوَات الْيَاء كلين ولينة فَفِيهَا خلاف زعم أَبُو عَليّ وَتَبعهُ ابْن مَالك أَن تخفيفها يحفظ وَلَا ينقاس قَالَ وَهُوَ مَرْجُوح وَالأَصَح أَنه مقيس لَا مَحْفُوظ قَالَ وَفِي محفوظي أَن الْأَصْمَعِي حكى أَن الْعَرَب تخفف مثل هَذَا كُله وَلم تفصل بَين ذَوَات الْوَاو وَذَوَات الْيَاء بل سرد مثلا من هَذَا وَمن هَذَا قَالَ إِلَّا (حبذا) فَلم أسمع أحدا من الْعَرَب يخففه أهـ وَقد عقدت لذَلِك تَرْجَمَة فِي كتابي (المزهر) وَمن المطرد حذف فاءات خُذ وكل وَمر وَالْأَصْل أأخذ أأكل أأمر فالهمزة الثَّانِيَة هِيَ فَاء الْفِعْل وَالْأولَى همزَة الْوَصْل فحذفت فَاء الْكَلِمَة فانحذفت همزَة الْوَصْل لِأَن مَا بعد الْفَاء المحذوفة محرك فَلَا حَاجَة إِلَى إِقْرَارهَا قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يَجْعَل سِيبَوَيْهٍ لهَذَا الْحَذف عِلّة سوى السماع الْمَحْض وَقد حكى أَبُو عَليّ وَابْن جني أؤكل على الأَصْل إِلَّا أَنَّهَا فِي غَايَة الشذوذ اسْتِعْمَالا فَإِن تقدم (مر) وَاو أَو فَاء فالإثبات أَجود نَحْو (وَأمر) (فَأمر) وَلَا يُقَاس على هَذِه الثَّلَاثَة غَيرهَا إِلَّا فِي ضَرُورَة كَقَوْلِه: 1814 -
(ت لي آل زيد وانَدُهُمْ لي جَماعَةَ ... )
يُرِيد أئت لي آل زيد وَمَا خرج عَمَّا تقدم فشاذ وَقد تقدم بعضه وَمِنْه حذف أحد المثلين من أحس وظل وَمَسّ إِذا اتَّصل بتاء الضَّمِير أَو نونه نَحْو أحست وَأحسن وظلت وظللن ومست ومسن(3/464)
قَالَ سِيبَوَيْهٍ هَذَا بَاب مَا شَذَّ من المضاعف وَذَلِكَ قَوْلهم أحست يُرِيدُونَ أحسست وَأحسن يُرِيدُونَ أحسسن وَمثل ذَلِك (ظلت) و (مست) حذفوا وألقوا الْحَرَكَة على الْفَاء كَمَا قَالُوا خفت وَلَيْسَ هَذَا الْحَذف إِلَّا شاذا وَالْأَصْل فِي هَذَا عَرَبِيّ كثير وَذَلِكَ قَوْلك أحسست وظللت ومسست وَلَا نعلم شَيْئا من المضاعف شَذَّ إِلَّا هَذِه الأحرف أهـ وَقَالَ أَبُو حَيَّان وَقد نَص سِيبَوَيْهٍ فِي عدَّة مَوَاضِع على شذوذ هَذَا الْحَذف وَقد اخْتلف أَصْحَابنَا فِي هَذَا فَذهب أَبُو عَليّ الشلوبين إِلَى أَن ذَلِك مطرد فِي مِثَال هَذِه الْأَفْعَال كأحب وانهم وانحط وَذهب ابْن عُصْفُور وَابْن الضائع إِلَى أَن ذَلِك لَا يطرد ثمَّ الْمَحْذُوف من هَذِه الْأَفْعَال الثَّلَاثَة الْعين وَبِه جزم ابْن مَالك وَغَيره وَيجوز فِي الْأَخيرينِ أَعنِي ظلّ وَمَسّ كسر أَولهمَا بإلقاء حَرَكَة الْعين عَلَيْهِ وإبقاء فَتحه وَقل وُقُوع هَذَا الْحَذف فِي الْأَمر والمضارع وَمِنْه {وَقرن فِي بيوتكن} [الْأَحْزَاب: 33] وَالْأَصْل اقررن وَسمع الْفراء ينحطن فِي ينحططن وَبَعض الْعَرَب يحذف إِحْدَى يائي {يستحي} [الْبَقَرَة ": 26] إِمَّا اللَّام أَو الْعين وَهِي لُغَة تَمِيم وَبهَا قَرَأَ ابْن مُحَيْصِن وَرويت عَن ابْن كثير ويستحيي لُغَة الْحِجَازِيِّينَ وَسَائِر الْعَرَب وفروعه سَائِر الصِّيَغ من الْمَاضِي وَالْأَمر والمثنى وَالْجمع والمؤنث وَالْوَصْف فَيَقُول التَّمِيمِيُّونَ استحيا استح يستحيان يستحون يستحن مستح مستحى مِنْهُ(3/465)
وَيَقُول غَيرهم استحيا استحي يستحيان يستحيون يستحيين مستحِيٌّ مستحَيٌّ مِنْهُ وَكثر الْحَذف فِي أُبَالِي إِذا جزم فَقَالُوا لم أبل وَالْأَصْل لم أبال لِكَثْرَة استعمالهم إِيَّاه توهموا أَن اللَّام هِيَ الْأَخِيرَة فسكنوها للجازم فحذفت الْألف لالتقاء الساكنين وَكثر حذف اللَّام فِي الْأَسْمَاء إِذا كَانَت واوا (كأب) و (أَخ) و (حم) و (هن) و (ذِي) على مَذْهَب الْخَلِيل وَابْن وَاسم على مَذْهَب الْبَصرِيين وَالْأَصْل عِنْدهم سمو لِأَنَّهُ من السمو حذفت لامه وَعوض عَنْهَا همز الْوَصْل والكوفيون يَقُولُونَ أَصله وسم من السمة حذفت فاؤه ورد بِأَن جمعه أَسمَاء وتصغيره سمي وَلَو كَانَ كَمَا قَالُوا لَكَانَ أوساما ووسيما لِأَن التصغير والتكسير يردان الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا وَقل حذف اللَّام إِذا كَانَت يَاء كَلَام (يَد) و (دم) أَو هَاء كَلَام (شفة) وعضة وفم وشَاة وَأَقل مِنْهُ حذفهَا إِذا كَانَت همزَة كَقَوْلِهِم قوم برَاء وَالْأَصْل بُرَآء على وزن ظرفاء أَو نونا كدد وفل وَالْأَصْل ددن وَفُلَان وَأَقل من ذَلِك حذفهَا إِذا كَانَت حاء كحر أَصله حرح قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا أحفظ من حذف الْحَاء غَيره وَأَقل من ذَلِك حذف غير اللَّام إِمَّا الْفَاء كناس وَالْأَصْل أنَاس أَو الْعين كسه وَالْأَصْل سته
3 - الْإِبْدَال
(ص) الْإِبْدَال أحرفه (طويت دَائِما) فتبدل الْهمزَة من كل يَاء أَو وَاو طرفا وَلَو تَقْديرا بعد ألف زَائِدَة أَو بَدَلا من عين فَاعل معلها وَمن أول واوين صدرتا وَلَيْسَت الثَّانِيَة مُدَّة فوعل أَو مبدلة من همزَة وَمن وَاو خَفِيفَة ضمت لَازِما وَمن تالي ألف شبه مفاعل مدا مزيدا أَو ثَانِي لينين اكتنفاها(3/466)
وَيفتح هَذَا الْهمزَة مجعولا واوا إِن كانتها اللَّام وسلمت فِي الْمُفْرد بعد ألف وياء إِن كَانَت غَيرهَا أَو همزَة (ش) الْإِبْدَال قِسْمَانِ شَائِع وَغَيره فَغير الشَّائِع وَقع فِي كل حرف إِلَّا الْألف وَألف فِيهِ أَئِمَّة اللُّغَة كتبا مِنْهُم يَعْقُوب بن السّكيت وَأَبُو الطّيب عبد الْوَاحِد بن عَليّ اللّغَوِيّ وَفِي كتابي (المزهر) نوع مِنْهُ حافل والشائع الضَّرُورِيّ فِي التصريف أحرفه ثَمَانِيَة يجمعها قَوْلك طويت دَائِما
إِبْدَال الْوَاو وَالْيَاء همزَة
فتبدل الْهمزَة من كل يَاء أَو وَاو متطرفة بعد ألف زَائِدَة نَحْو رِدَاء وَكسَاء الأَصْل رداي من الردية وكساو من الْكسْوَة وَسَوَاء كَانَ تطرفها ظَاهرا أم تَقْديرا وَهِي الْمُتَّصِلَة بهاء التَّأْنِيث الْعَارِضَة كصلاءة وعظاءة بِخِلَاف اللَّازِمَة وَهِي الَّتِي بنيت الْكَلِمَة عَلَيْهَا فَإِنَّهَا لَا تبدل مِنْهَا همزَة كهداية وحماية وإداوة وهراوة وَلَا إِبْدَال بعد ألف أَصْلِيَّة نَحْو آيَة وتبدل الْهمزَة أَيْضا من كل يَاء أَو وَاو وَقعت عينا لما يوازن فَاعل وفاعلة من اسْم معتز إِلَى فعل معتل الْعين نَحْو بَائِع وقائم وأصلهما بَايع وقاوم وفعلهما بَاعَ وَقَامَ معل بِخِلَاف مَا لم يعل فعله كصيد وعور فَهُوَ صايد وعاور فَلَا إِبْدَال فِيهِ وَبِخِلَاف مَا لم يوازن فَاعِلا وَإِن أعل فعله كمنيل ومطيل من أَطَالَ وأنال وتبدل الْهمزَة أَيْضا من أول واوين صدرتا وَلَيْسَت الثَّانِيَة مُدَّة فوعل وَلَا مبدلة من همزَة كأواصل جمع واصلة أَصله وواصل استثقل اجْتِمَاع الواوين فأبدل من أولاهما همزَة إِذْ لم يُمكن إبدالها يَاء للاستثقال كالواو وَلَا ألفا لسكونها(3/467)
فعدلوا إِلَى الْهمزَة إِذْ هِيَ أقرب إِلَى الْألف لِكَوْنِهِمَا من مخرج وَاحِد من أَن الْهمزَة تقلب فِي التسهيل واوا وياء فقد شاركت حُرُوف اللين بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ ثَانِي الواوين مُدَّة فوعل كوورى وفى من وارى ووافى فَلَا إِبْدَال فِيهِ وَكَذَا إِذا كَانَ مبدلا من همزَة كالوولى تَأْنِيث الأوأل أَصله وؤلى فأبدلوا من الْهمزَة واوا لضمة مَا قبلهَا فَلَا تبدل الْوَاو الأولى همزَة لِأَن الثَّانِيَة بدل مِنْهَا فَكَأَنَّهَا مَوْجُودَة وَصَارَ مستثقلا كَمَا لَو قيل الأألى بهمزتين وتبدل الْهمزَة أَيْضا من كل وَاو مَضْمُومَة لَازِمَة غير مُشَدّدَة كوجوه ووقتت فَيُقَال أجوه وأقتت لِأَن الْوَاو إِذا كَانَت مَضْمُومَة فَكَأَنَّهُ اجْتمع واوان فاستثقل وَاحْترز بِلُزُوم الضمة من نَحْو اخشوا الله و {لتبلون} [آل عمرَان: 186] فَلَا إِبْدَال لعروضها وَبِغير الْمُشَدّدَة من نَحْو تعوذ وتعود فَلَا إِبْدَال أَيْضا وَلَو أمكن تَخْفيف الْوَاو بالإسكان نَحْو سُوُر وسُوْر فَلَا إِبْدَال أَيْضا أوردهُ أَبُو حَيَّان على عبارَة التسهيل وَهُوَ عِنْدِي دَاخل تَحت قَوْله ضمة لَازِمَة وتبدل الْهمزَة أَيْضا من تالي ألف شبه مفاعل إِذا كَانَ مدا مزيدا كالقلائد والصحائف والعجائز بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ أَصْلِيًّا كمعايش ومفاوز فَإِن الْمَدّ فيهمَا عين الْكَلِمَة وتبدل الْهمزَة أَيْضا من ثَانِي حرفي لين اكتنفا مُدَّة مفاعل كأوائل جمع أول وينائف جمع نَيف وسيائد جمع سيد وتفتح هَذِه الْهمزَة فِي هَذِه الصُّورَة وَالَّتِي قبلهَا مَجْهُولَة واوا فِي مَا لامه وَاو سلمت فِي الْمُفْرد بعد ألف كهراوة وهراوى وإداوة كأداوى وَالْأَصْل هراءي وأداءي ثمَّ صَار (هراءا) و (أداءا) ثمَّ أبدل من الْهمزَة وَاو كَرَاهَة اجْتِمَاع أَلفَيْنِ بَينهمَا همزَة مَفْتُوحَة والهمزة كَأَنَّهَا ألف فَكَأَنَّهُ اجْتمع ثَلَاث ألفات(3/468)
ومجعولة يَاء إِن كَانَت اللَّام غير مَا ذكر بِأَن تكون يَاء نَحْو هَدِيَّة وهدايا أَو واوا اعتلت فِي الْمُفْرد وَلم تسلم كمطية ومطايا أَو كَانَت همزَة كخطيئة وخطايا
إِبْدَال الْهمزَة مُدَّة تجانس الْحَرَكَة
(ص) وتبدل الْهمزَة الساكنة بعد متحركة مُتَّصِلَة مُدَّة تجانس والمتحركة يَاء إِن كسرت أَو تلته وَلم تضم أَو كَانَت لاما مُطلقًا فِي غير ذَلِك فِي نَحْو أؤم وَجْهَان وأبدل الْمَازِني الْيَاء مِنْهَا فَاء لأَفْعَل والأخفش مَضْمُومَة بعد كسر وَالْوَاو من عكسها وتبدل تلو الساكنة يَاء إِن كَانَت مَوضِع اللَّام وَإِلَّا تصح وَلَو تولى همزات أبدلت الثَّانِيَة وَالرَّابِعَة وحقق الْبَاقِي (ش) تبدل الْهمزَة الساكنة بعد همزَة متحركة مُتَّصِلَة مُدَّة تجانس الْحَرَكَة فتبدل ألفا فِي آدم وياء فِي إِيمَان وواوا فِي أومن وَأَصلهَا أأدم وإئمان وَأُؤْمِنُ فَإِن تحركت الهمزتان المتصلتان وَالْأولَى لغير المضارعة أبدلت الثَّانِيَة يَاء إِن كسرت مُطلقًا سَوَاء تلت فتحا نَحْو أيمة وَالْأَصْل أَئِمَّة أَو كسرا نَحْو أَيْن مضارع أَن وَالْأَصْل أإن أَو ضما نَحْو أيم مِثَال أئم من الْأُم وَالْأَصْل أأمم نقلت حَرَكَة مَا بعد الْهمزَة الساكنة إِلَيْهَا لأجل الْإِدْغَام فَانْكَسَرت فأبدلت يَاء أَو تلت كسرا وَلم تضم نَحْو إيم مثل إِصْبَع من الْأُم الأَصْل إأمم نقلت حَرَكَة الْمِيم إِلَى الْهمزَة الساكنة لأجل الْإِدْغَام كَمَا تقدم أَو كَانَت لاما مُطلقًا سَوَاء كَانَت فِي اسْم أَو فعل تلت فتحا أَو ضما أَو كسرا مِثَاله بعد الْفَتْح قرأى وقرأى إِذا بنيت من الْقِرَاءَة اسْما مثل جَعْفَر وَدِرْهَم وقرأى إِذا بنيت فعلا مثل دحرج الأَصْل قرأأ وقرأأ وقرأأ(3/469)
ومثاله بعد الضَّم قرأي مثل برثن من الْقِرَاءَة الأَصْل قرؤؤ فأبدل من الْهمزَة يَاء فَصَارَ فِي آخر الِاسْم وَاو سَاكِنة قبلهَا ضمة فقلبت الضمة كسرة وَالْوَاو يَاء فَصَارَ من بَاب المنقوص ومثاله بعد الْكسر قرإي مثل زبرج الأَصْل قرإأ أبدلت الْهمزَة يَاء ثمَّ استثقل الضمة فِي الْيَاء فَصَارَ مثل قَاض وتبدل الْهمزَة الثَّانِيَة واوا إِن فتحت بعد مَفْتُوحَة أَو مَضْمُومَة نَحْو أوادم جمع آدم أَصله أءادم وأويدم تَصْغِير آدم أَصله أأيدم أَو ضمت مُطلقًا سَوَاء تلت فتحا أَو ضما أَو كسرا كأوم مِثَال أصْبع وأوم مثل أبلم وإوم مِثَال إِصْبَع من الْأُم نقلت فِيهَا حَرَكَة الْمِيم إِلَى الْهمزَة الساكنة لأجل الْإِدْغَام فقلبت الْهمزَة واوا من جنس حَرَكَة نَفسهَا وَفِي نَحْو أؤم وَجْهَان وَخَالف الْمَازِني فِي مَسْأَلَة وَهِي مَا إِذا كَانَت الْهمزَة الثَّانِيَة فَاء لأَفْعَل فَإِنَّهُ يبدلها يَاء كَأَن تبني أفعل من الْأُم فَتَقول على رَأْيه (هَذَا أيم من هَذَا) وعَلى رَأْي الْجَمَاعَة هَذَا أوم وَحجَّة الْمَازِني الْحمل على أيمة لِأَن الفتحة أُخْت الكسرة فالأقيس أَن يكون حكم الْهمزَة الْمَفْتُوحَة كَحكم الْمَكْسُورَة فِي الْإِبْدَال لَا كالمضمومة وَخَالف الْأَخْفَش فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا مَسْأَلَة أإم مثل أصْبع فمذهبنا أَنه تبدل الْهمزَة يَاء لمناسبة حركتها ومذهبه إبدالها واوا لمناسبة حَرَكَة مَا قبلهَا فَتَقول أوم وَالثَّانيَِة مَسْأَلَة إأم مثل إِصْبَع فمذهبنا إبدالها واوا لمناسبة حركتها ومذهبه إبدالها يَاء لمناسبة حَرَكَة مَا قبلهَا فَيَقُول إيم وَالْحَاصِل أَن الْأَخْفَش يُبدل الْمَكْسُورَة بعد الضَّم واوا والمضومة بعد الْكسر يَاء فَإِن سكنت الْهمزَة الأولى أبدلت الثَّانِيَة يَاء إِن كَانَت مَوضِع اللَّام وَإِلَّا صحت نَحْو قرأي مثل قمطر الأَصْل قرأأ أبدلت الْهمزَة الثَّانِيَة يَاء فِرَارًا من الاستثقال لَو(3/470)
بقيت وَمن مُخَالفَة الأقيسة لِأَنَّهُ مَتى التقى مثلان وَالْأول سَاكن فِي كلمة وَجب الْإِدْغَام وَقد أَجمعت الْعَرَب على ترك الْإِدْغَام فِي الهمزتين من كلمة إِلَّا إِذا كَانَتَا عينين نَحْو سآل ولآل وَهَذَانِ مِثَال قولي (وَإِلَّا صحت) وَخرج بِقَيْد الِاتِّصَال مَا لَو فصل بَين الهمزتين فَإِنَّهُمَا يصحان نَحْو الآء وَهُوَ شجر وَلَو توالى أَكثر من همزتين حققت الأولى وَالثَّالِثَة وَالْخَامِسَة وأبدلت الثَّانِيَة وَالرَّابِعَة كَأَن تبني من الْهمزَة مِثَال أترجة فَتَقول أُ أْ أُ أْ أَة فتبدل الثَّانِيَة واوا لضمة مَا قبلهَا وَكَذَلِكَ الرَّابِعَة وَتحقّق الأولى وَالثَّالِثَة وَالْخَامِسَة فَتَقول أُوْ أُوْ أَةٌ وَلَو بنيت من الْهمزَة مثل قمطر قلت إيَأْ أٌ وَالْأَصْل إِ أَأْ أٌ فتبدل الثَّانِيَة يَاء من جنس حَرَكَة مَا قبلهَا
تَخْفيف الْهمزَة المفردة الساكنة
(ص) مَسْأَلَة يجوز تَخْفيف الْهمزَة المفردة الساكنة بإبدالها مجانس حَرَكَة متلوها والمتحركة بعد سَاكن بالحذف وَنقل حركتها إِلَيْهِ مَا لم يكن مدا زَائِدا أَو يَاء تَصْغِير فتقلب وتدغم أَو نون انفعال فتقر وألفا فتسهل بَينهَا ومجانس حركتها وَكَذَا مُثَلّثَة بعد فتح ومكسورة ومضمومة بعد كسر أَو ضم فِي الْأَصَح وتقلب مَفْتُوحَة تلو كسر يَاء وَضم واوا (ش) هَذَا فصل فِي تَخْفيف الْهمزَة المفردة إِذا كَانَت الْهمزَة سَاكِنة فَإِن كَانَت مَا قبلهَا سَاكِنا لزم تحريكه لالتقاء الساكنين بِحَسب مَا يجب من الحركات كَنَظِيرِهِ مَعَ غير الْهمزَة وَإِن كَانَ مَا قبلهَا متحركا جَازَ أَن تخفف بإبدالها حرفا من جنس حَرَكَة مَا قبلهَا فتبدل ألفا فِي كأس وياء فِي ذِئْب وواوا فِي بؤس وَإِن تحركت الْهمزَة بعد سَاكن خففت بحذفها وَنقل حركتها إِلَى السَّاكِن قبلهَا كقلولك فِي اسْأَل سل مَا لم يكن السَّاكِن قبلهَا حرف مد زَائِد كخطيئة ومقروءة فَإِن الْهمزَة تقلب حرفا مثله وتدغم فِيهِ فَيُقَال خطية ومقروءة أَو يَاء تَصْغِير فَكَذَلِك كحطيئة أَو نون انفعال نَحْو انأطر فَإِن الْهمزَة تحقق فِيهِ حذرا من الإلباس أَو ألفا مبدلة من أصل كالهباء فَإِن الْهمزَة تسهل يَجْعَلهَا بَين بَين وَلَا حذف وَلَا نقل فِي الصُّور الْأَرْبَع(3/471)
وَإِن تحركت الْهمزَة بعد متحرك خففت بالتسهيل بَينهَا وَبَين حرف حركتها إِن كَانَت بعد فتح مُطلقًا مَفْتُوحَة كَانَت كسأل أَو مَكْسُورَة كسئم أَو مَضْمُومَة كلؤم أَو كَانَت بعد كسر أَو ضم وَهِي فِي الصُّورَتَيْنِ مَكْسُورَة أَو مَضْمُومَة كمئين وَسُئِلَ ويستهزئ ورءوس فَإِن كَانَت مَفْتُوحَة قلبت بعد الْكسر يَاء كمير فِي مئر جمع مئرة وَبعد الضَّم واوا كجون فِي جؤن جمع جؤنة وَرجل سولة فِي سؤلة وَخَالف الْأَخْفَش فِي صُورَتَيْنِ وَهِي المضمومة بعد كسرة ك (يستهزئ) والمكسورة بعد ضمة كسئل فأبدل الأولى يَاء وَالثَّانيَِة واوا
إِبْدَال الْوَاو يَاء
(ص) وتبدل الْيَاء بعد كسرة من وَاو عين مصدر أعلت فِي فعله لَا موازن فعل وَعين فعال جمعا لوَاحِد سكنت فِيهِ أَو اعتلت وَصحت اللَّام وتقلب فِي فعل لَا فعلة وَمن ألف وَاو سَاكِنة أَو آخرا وَلَو تَقْديرا وَمِنْهَا بعد فتح رابعه فَصَاعِدا وَلَام فعلى وَصفا وَمَعَ يَاء مُتَّصِلَة إِن سبقت إِحْدَاهمَا سَاكِنة وتأصل السَّبق وَكَذَا السّكُون فِي الْأَصَح وتدغم متطرفة وَلَو تَقْديرا بعد واوين سكن ثَانِيهمَا أَو كائنة لَام فعول جمعا وَيُعْطى متلوهما مَا ذكر من إِبْدَال وإدغام فَإِن كَانَت لَام مفعول غير واوي الْعين أَو مكسورها أَو لَام فعول مصدرا أَو عين فعل جمعا فالتصحيح أَكثر أَو مفعول من فعل فالإعلال (ش) تبدل الْيَاء بعد كسرة من وَاو هِيَ عين مصدر لفعل معل الْعين مَوْزُون بفعال نَحْو قَامَ قيَاما وَعَاد عيادا بِخِلَاف عين غير الْمصدر كصوان وَسوَاك والمصدر المفتوح أَوله كرواح(3/472)
أَو المضموم كعوار أَو المكسور الَّذِي لم تعل عين فعله كلاوذ لِوَاذًا وعاود عوادا أَو الْمَوْزُون بِفعل كالحول وتبدل أَيْضا بعد كسرة من وَاو هِيَ عين جمع لوَاحِد سَاكن الْعين أَو معتلها صَحِيح اللَّام مَوْزُون بفعال كَثوب وَثيَاب وحوض وحياض وَدَار وديار وريح ورياح بِخِلَاف عين الْمُفْرد كخوان وَمَا مفرده معتل اللَّام كجرو وجراء حذرا من اجْتِمَاع الإعلالين فِي كلمة وهما إِبْدَال اللَّام همزَة وإبدال الْعين يَاء فاقتصر على أحد الإعلالين وَكَانَ الآخر لِأَن الْأَوَاخِر هِيَ مَحل التغييرات أما الْمَوْزُون بِغَيْر فعال وَهُوَ فعل فَإِن فِيهِ الْوَجْهَيْنِ كحاجة وحوج وحيلة وحيل وَتارَة وتير وَقِيمَة وقيم وثور وثيرة وكوز وكوزة وعود وعودة إِلَّا أَن الإعلال فِي فعل أغلب والتصحيح فِي فعلة أغلب
إِبْدَال الْألف يَاء
وتبدل الْيَاء بعد كسرة من ألف وواو سَاكِنة أَو متطرفة تَحْقِيقا أَو تَقْديرا وَهِي الَّتِي تَلِيهَا عَلامَة التَّأْنِيث أَو زيادتا فعلان نَحْو محراب ومحاريب ومحيريب وَنَحْو إيعاد وميعاد وَنَحْو الْغَازِي وأكسية جمع كسَاء وشجيان
إِبْدَال الْوَاو يَاء
وتبدل الْيَاء بعد فَتْحة من وَاو وَقعت رَابِعَة فَصَاعِدا فِي اسْم أَو فعل نَحْو المعطيان يرضيان والمستعليان يسترضيان وتبدل الْيَاء من وَاو هِيَ لَام فعلى وَصفا كالعليا وَالدُّنْيَا وَمن الْوَاو الملاقية يَاء فِي كلمة إِن سكن سابقهما سكونا أَصْلِيًّا وتأصل السَّبق أَيْضا ثمَّ تُدْغَم إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى كسيد وهين الأَصْل سيود وهيون قلبت الْوَاو يَاء وأدغمت فِيهَا الْيَاء لِاجْتِمَاع الشُّرُوط وَاحْترز بِكَلِمَة عَمَّا فِي كَلِمَتَيْنِ كَقَوْلِك هُوَ يُرِيد ويسبق السَّاكِن عَن تَأَخره كالطويل والغيور(3/473)
وبأصالة السّكُون عَن عروضه كقوي مخفف قوي وبأصالة السَّابِق عَن عروضه كروية مخفف رُؤْيَة فَإِن الْوَاو بدل الْهمزَة لَا أصل وتبدل الْيَاء أَيْضا من الْوَاو المتطرفة لفظا أَو تَقْديرا بعد واوين سكنت ثَانِيهمَا كَأَن تبنى مَفْعُولا ومفعولة من نَحْو قوي فَإِنَّهُ يُقَال مقووو ومقوووة فتجتمع ثَلَاث واوات فِي الطّرف مَعَ الضمة فاستثقل ذَلِك فقلبت الْوَاو الْأَخِيرَة يَاء ثمَّ المتوسطة لِاجْتِمَاع يَاء وواو وَسبق إحدهما بِالسُّكُونِ ثمَّ قلبت الضمة كسرة لأجل صِحَة الْيَاء أدغمت الْيَاء فِي الْيَاء فَقَالُوا مقوي ومقوية وتبدل الْيَاء أَيْضا من الْوَاو الكائنة لَام فعول جمعا ك (عصي) أَصله عصوو فأبدلت الْوَاو الْأَخِيرَة وَهِي لَام الْكَلِمَة يَاء وَأعْطِي متلوها الَّذِي هُوَ وَاو الْمَدّ من إبدالها يَاء وإدغامها فِي الْيَاء الْأَخِيرَة وقلبت الضمة كسرة لتصح الْيَاء فَإِن كَانَت الْوَاو لَام مفعول لَيست عينه واوا وَلَا هُوَ من فعل مكسور الْعين أَو لَام فعول مصدرا لَا جمعا أَو عين فعل جمعا فَوَجْهَانِ والتصحيح أَكثر مِثَال الأول مغزو ومغزي وَالثَّانِي عتا عتوا وعتيا وَالثَّالِث نوم وَصَوْم ونيم وصيم وَإِن كَانَت لَام مفعول من فعل فَوَجْهَانِ والإعلال أرجح نَحْو مرضِي ومرضو (ص) وتبدل الْوَاو بعد ضم من ألف وياء سَاكِنة مُفْردَة لَا فِي جمع فيكسر لَهَا الضَّم وَلَام فعل ومتلوة بزيادتي فعلان أَو تَاء بنيت عَلَيْهَا الْكَلِمَة وَلَام فعلى اسْما وَفِي عين فعلى وَصفا وَجْهَان (ش) تبدل الْوَاو بعد ضم من ألف كَقَوْلِك فِي تَصْغِير (ضَارب) (ضويرب) وَمن يَاء سَاكِنة مُفْردَة فِي غير جمع نَحْو (موقن) وَالْأَصْل (ميقن) لِأَنَّهُ من الْيَقِين وَاحْترز بالمفردة من المكررة (كبياع) وَبِغير الْجمع مِنْهُ فَإِنَّهُ تبدل فِيهِ واوا وَلَكِن تقلب الضمة كسرة لتسلم الْيَاء نَحْو (بيض) وَالْأَصْل بيض لِأَن وَزنه فعل (كحمر)(3/474)
وتبدل الْوَاو أَيْضا بعد الضَّم من الْيَاء الْوَاقِعَة لَام (فعل) ك (رمو) و (قضو) وَقبل زِيَادَتي فعلان كرموان مثل سبعان من الرَّمْي أَو قبل تَاء بنيت عَلَيْهَا الْكَلِمَة نَحْو رموة مثل تَمْرَة من الرَّمْي وتبدل الْوَاو من يَاء هِيَ لَام فعلى اسْما كتقوى وَفِي عين فعلى وَصفا وَجْهَان الْإِبْدَال كالطوبى والكوسى مؤنث الأطيب والأكيس والتصحيح ك {قسْمَة ضيزى} [النَّجْم: 22] وَامْرَأَة حيكى
إِبْدَال الْوَاو وَالْيَاء ألفا
(ص) وتبدل الْألف من يَاء أَو وَاو بعد فتح مُتَّصِل بِشَرْط أَن يتحركا بِأَصْل وَألا يَليهَا سَاكن أَو غير ألف وياء مُشَدّدَة وَهِي لَام وَألا يكون وَصفه أفعل وَلَا وَزنه افتعل وواوي الْعين دَالا على تفَاعل وَلَا اسْما آخِره زِيَادَة تخصه خلافًا للمازني فِي الْأَخِيرَة فَإِن اسْتحق ذَلِك حرفان صَحَّ الأول غَالِبا (ش) تبدل الْألف من يَاء أَو وَاو نَحْو بَاعَ وَقَالَ أَصلهمَا بيع وَقَول وَرمى وغزا أَصلهمَا رمى وغزو بِشُرُوط أَن يَكُونَا بعد فتح بِخِلَاف نَحْو غَزْو وظبي وَرَضي وشقي وشج وَعم وأدل وأظب وَأَن يتصلا بِهِ بِخِلَاف (آي) و (وَاو) فَإِنَّهُمَا لم يتصلا بالفتحة إِذْ حجز بنيهما الْألف وَأَن يتحركا بِخِلَاف مَا إِذا سكنا نَحْو غَزْو وَرمي من قمطر وَأَن تكون حركتهما أَصْلِيَّة بِخِلَاف مَا هُوَ سَاكن فِي الأَصْل وَعرض تحريكه نَحْو يرعوي ويرميي فَإِن حَرَكَة هَذِه الْوَاو وَالْيَاء عارضة إِذْ أَصلهمَا السّكُون لِأَن مثالهما فِي الصَّحِيح يحمر مضارع احمر وَألا يَليهَا سَاكن بِخِلَاف نَحْو طَوِيل وغيور وَهَذَا الشَّرْط فِي الْعين خَاصَّة أما اللَّام فَلَا يضر إيلاؤها السَّاكِن إِلَّا أَن يكون ألفا كرميا وغزوا ورحيان والغليان والنزوان أَو يَاء مُشَدّدَة نَحْو عضوي فَلَا تنْقَلب الْيَاء وَالْوَاو ألفا من مثل هَذَا وَألا يكون وَصفه أفعل بِخِلَاف نَحْو صيد وحول وعور وَسيد فَإِنَّهَا صحت لفتحتها من أصيد وأحول وأعور وأسود(3/475)
وَألا يكون فعلا وَزنه افتعل وَهُوَ واوي الْعين دَال على تفَاعل بِخِلَاف نَحْو اجتوروا وازدوجوا واعتوروا فَإِنَّهُ صحت فِيهِ الْوَاو لِأَنَّهُ من معنى تجاوروا وتزاوجوا وتعاوروا فَإِن كَانَ على افتعل وَهُوَ يائي الْعين وَجب الإعلال نَحْو امتازوا وابتاعوا واستافوا أَي تضاربوا بِالسُّيُوفِ وَإِنَّمَا لم تصحح ذَوَات الْيَاء لِأَن الْيَاء أشبه بِالْألف من الْوَاو فرجحت عَلَيْهَا فِي الإعلال وَألا يكون اسْما آخِره زِيَادَة تخص الْأَسْمَاء بِخِلَاف السيلان والجولان وَخَالف الْمَازِني فِي هَذَا الشَّرْط فَأجَاز إعلاله وَعَلِيهِ جَاءَ داران وحادان من دَار يَدُور وحاد يحيد فَإِن اسْتحق هَذَا الإعلال حرفان فالغالب تَصْحِيح الأول وإعلال الثَّانِي نَحْو هوى وطوى
إِبْدَال النُّون ميما
(ص) وتبدل الْمِيم من نون سَاكِنة قبل بَاء وَالتَّاء من فَاء افتعال لينًا وشذ فِي الْهمزَة والطاء من تائه تلو مطبق وَالدَّال مِنْهَا تلو دَال أَو ذال أَو زَاي وَمَا عدا مَا قرر شَاذ مسموع أَو لُغَة قَليلَة وَيعرف بالإبدال بالتصاريف (ش) تبدل الْمِيم من النُّون الساكنة قبل بَاء نَحْو عنبر وشنباء {أَن بورك} [النَّمْل: 8] وَالنُّون أُخْت الْمِيم وَقد أدغمت فِيهَا نَحْو من مَالك فأرادوا إعلالها مَعَ الْبَاء كَمَا أعلوها مَعَ الْمِيم
إِبْدَال الْوَاو وَالْيَاء تَاء
وتبدل التَّاء من فَاء الافتقال وفروعه إِن كَانَت يَاء أَو واوا نَحْو اتّعد يَتَعَدَّ اتّعِدْ ومتعد ومصدرها الاتعاد وَالْأَصْل اوتعد لِأَنَّهُ من الْوَعْد وَكَذَا اتسر وفروعه أَصله ايتسر لِأَنَّهُ من الْيُسْر وَإِنَّمَا أبدلوا الْفَاء تَاء لأَنهم لَو أقروها لتلاعبت بهَا حركات مَا قبلهَا فَكَانَت تكون بعد الكسرة يَاء وَبعد الفتحة ألفا وَبعد الضمة واوا فأبدلوا مِنْهَا حرفا جلدا(3/476)
لَا يتَغَيَّر لما قبله وَهِي مَعَ ذَلِك أقرب من الْفَم إِلَى الْوَاو وشذ إبدالها من فَاء الافتعال إِذا كَانَت همزَة نَحْو اتزر من الْإِزَار والفصيح ائتزر
إِبْدَال التَّاء طاء
وتبدل وتبدل الطَّاء من تَاء الافتعال تلو حرف مطبق نَحْو اصْطفى واضطر واطعن واظلطلم إِبْدَال التَّاء دَالا الدَّال من تَاء الافتعال تلو دَال وذال أَو زَاي نَحْو أدان وادكروا وازدان وَمَا خرج عَمَّا قرر من هَذَا الْبَاب فَهُوَ شَاذ مسموع يحفظ وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ أَو لُغَة قَليلَة لقوم من الْعَرَب وعلامة صِحَة الْبَدَلِيَّة الرُّجُوع من بضع التصاريف إِلَى الْمُبدل مِنْهُ
3 - النَّقْل
(ص) النَّقْل ينْقل للساكن الصَّحِيح حَرَكَة لين عين فعل غير تعجب وَلَا مصرف من (عور) وَنَحْوه وَلَا مضاعف اللَّام وَلَا معلها أَو اسْم غير جَار على فعل مصحح أَوله مِيم زَائِدَة غير مَكْسُورَة أَو مُوَافق للمضارع فِي زِيَادَته أَو وَزنه لَا فيهمَا أَو مصدر على إفعال واستفعال وتبدل ب (مجانسها) وتحذف ألفهما معوضا مِنْهَا التَّاء غَالِبا وَاو مفعول بعده وَقيل الثَّلَاثَة فَإِن كَانَت يَاء كسرت المنقولة صونا عَن الْإِبْدَال وقاس أَبُو زيد تَصْحِيح الْمصدر والمبرد تَصْحِيح مصون (ش) تنقل حَرَكَة الْعين للساكن الصَّحِيح قبلهَا إِن كَانَت من فعل أَو اسْم بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة نَحْو يَبِيع وَيَقُول الأَصْل يَبِيع وَيَقُول وَنَحْو مقَام ومقال الأَصْل مقوم ومقول وَشرط الْفِعْل أَلا يكون لتعجب بِخِلَاف نَحْو مَا أبين هَذَا وَمَا أطوله وَلَا مصرفا من نَحْو عور بِخِلَاف نَحْو يصيد وَيعود وأصيد وأعور وأعوره الله وَلَا مضاعف اللَّام بِخِلَاف نَحْو ابيض واسود حذرا من الإلباس وَلَا معل اللَّام بِخِلَاف نَحْو أَهْوى واستحيا حذرا من توالي إعلالين وَشرط الِاسْم أَلا يكون غير جَار على فعل مصحح بِخِلَاف نَحْو مقاول مبايع(3/477)
فَإِن حرف الْعلَّة لَا يعل فِي هَذَا الِاسْم لجريانه على تقاول وتبايع وَأَن يكون أَوله مِيم غير مَكْسُورَة إِمَّا مَفْتُوحَة كَمَا مر أَو مَضْمُومَة (كمقيم) و (مُبين) بِخِلَاف مَا أَوله مِيم مَكْسُورَة كمخيط ومقول أَو مُوَافقا للمضارع فِي زِيَادَته دون وَزنه نَحْو تقيل وتبيع مثل تحلىء من القَوْل وَالْبيع وَالْأَصْل تَقول وتبيع نقلت حَرَكَة الْعين إِلَى الْفَاء فسكنت وانقلبت وَاو (تَقول) يَاء لكسر مَا قبلهَا أَو فِي وَزنه دون زِيَادَته [كمقام فَإِنَّهُ مُوَافق للْفِعْل فِي وَزنه فَقَط وَفِيه زِيَادَة تنبيء على أَنه لَيْسَ من قبيل الْأَفْعَال وَهِي الْمِيم فأعل] فَإِن وَافقه فِي الزِّيَادَة وَالْوَزْن مَعًا لم يعل نَحْو أسود وأطول مِنْك وَأبين لِأَنَّهُ لَو أعل الْتبس بِلَفْظ الْفِعْل وَلَا ينْقل إِلَى سَاكن معتل كطاوع وَقوم وسير وَإِذا نقل أبدلت الْعين بمجانس الْحَرَكَة المنقولة كَقَوْلِك من أقوم وَأطيب أَقَامَ وأطاب فَإِن جانست الْحَرَكَة الْعين فَلَيْسَ فِيهِ سوى النَّقْل كيقول وَيبِيع وتنقل الْحَرَكَة أَيْضا إِلَى السَّاكِن الصَّحِيح قبلهَا من عين مصدر على إفعال أَو استفعال وتبدل الْعين حِينَئِذٍ بمجانس الْحَرَكَة المنقولة وتحذف ألفهما ويعوض مِنْهَا التَّاء غَالِبا مِثَال ذَلِك إِقَامَة واستقامة الأَصْل إقوام واستقوام نقل وأبدلت الْوَاو ألفا فَالتقى أَلفَانِ فحذفت ألف الْمصدر وَعوض مِنْهَا التَّاء وتنقل الْحَرَكَة أَيْضا من مفعول إِلَى السَّاكِن الصَّحِيح قبلهَا وتحذف واوه باجتماع واوين ساكنين نَحْو مصون وَالْأَصْل مصوون فَإِن كَانَ عين مفعول يَاء كسرت الضمة المنقولة صونا من إِبْدَال الْيَاء بعْدهَا واوا نَحْو مَبِيع(3/478)
وَمَا ذكر من أَن الْمَحْذُوف فِي المصدرين وَاو مفعول هُوَ مَذْهَب الْخَلِيل وسيبويه لِأَن حذف الزَّائِد أولى من حذف الأَصْل وَمذهب الْأَخْفَش أَن الْمَحْذُوف فِي الثَّلَاثَة عين الْكَلِمَة لِأَن حذفهَا أولى من حذف مَا دلّ على معني وَهُوَ المصدرية والمفعولية وَالْكَلَام على ذَلِك مَبْسُوط فِي (الْأَشْبَاه والنظائر) وَرُبمَا صحّح الإفعال والاستفعال وفروعهما سمع أغيمت