فَإِن جعلت اسْم الْفَاعِل فِي معنى مَا أَنْت فِيهِ وَلم يَنْقَطِع أَو مَا تَفْعَلهُ بعد وَلم يَقع جرى مجْرى الْفِعْل الْمُضَارع فِي عمله وَتَقْدِيره لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَذَلِكَ قَوْلك زيد أكل طَعَامك السَّاعَة إِذا كَانَ فِي حَال أكل وَزيد آكل طَعَاما غَدا كَمَا تَقول زيد يَأْكُل السَّاعَة إِذا كَانَ فِي حَال أكل وَزيد يَأْكُل غَدا
وَتقول على هَذَا أَخَوَاك آكلان طَعَاما وقومك ضاربون زيدا وأخواتك ضاربات عمرا
وَتقول مَرَرْت بِرَجُل ضَارب زيدا فتصفه بِهِ لِأَنَّهُ نكرَة مثله كَمَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل يضْرب زيدا
وَلَو قلت ذَلِك فِي اسْم الْفَاعِل إِذا أردْت مَا مضى لم يَقع ذَا الْموقع وَذَلِكَ أَنَّك لَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل ضَارب زيد إِلَّا على الْبَدَل كَمَا لَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل غُلَام زيد
وَتقول مَرَرْت بزيد ضَارِبًا عمرا إِذا أردْت الَّتِي تجرى مجْرى الْفِعْل فَإِن أردْت الْأُخْرَى قلت مَرَرْت بزيد ضَارب عَمْرو كَمَا تَقول مَرَرْت بزيد غُلَام عَمْرو
وَاعْلَم أَنه قد يجوز لَك أَن تحذف النُّون والتنوين من الَّتِي تجْرِي مجْرى الْفِعْل وَلَا يكون الِاسْم إِلَّا نكرَة وَإِن كَانَا مُضَافا إِلَى معرفَة لِأَنَّك إِنَّمَا تحذف النُّون اسْتِخْفَافًا فَلَمَّا ذهب النُّون عَاقبَتهَا الْإِضَافَة وَالْمعْنَى معنى ثبات النُّون فَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} فَلَو لم ترد التَّنْوِين لم يكن صفة لهدي وَهُوَ نكرَة(4/149)
وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {هَذَا عَارض مُمْطِرنَا} و {ثَانِي عطفه} لِأَنَّهُ نصب على الْحَال وَلَا تكون الْحَال إِلَّا نكرَة
وَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {إِنَّا مرسلو النَّاقة} فَإِنَّمَا هَذَا حِكَايَة قَول الله عز وَجل قبل إرسالها
وَكَذَلِكَ {إِلَّا آتِي الرَّحْمَن عبدا} و {كل نفس ذائقة الْمَوْت} وَمن نون قَالَ {آتٍ الرَّحْمَن عبدا} و {ذائقة الْمَوْت} كَمَا قَالَ عز وَجل {وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام} وَهَذَا هُوَ الأَصْل وَذَاكَ أخف وَأكْثر إِذْ لم يكن ناقضاً لِمَعْنى وَكِلَاهُمَا فِي الْجَوْدَة سَوَاء قَالَ جرير
(يَا رُبَّ غَابِطِنَا لَوْ كانَ يَطْلُبُكُمْ ... لاَقَى مُباعَدةً مِنْكُمْ وَحِرْمانا)
فَرب لَا تقع إِلَّا على نكرَة وَإِنَّمَا حذف التَّنْوِين اسْتِخْفَافًا وَهُوَ يُرِيد رب غابط لنا وَمثله(4/150)
(هَلْ أنْتَ بَاعِثُ دِينارٍ لحاجَتِنا ... أَوْ عبدَ ربٍّ أَخَا عَوْنِ بنِ مِخْراقِ)
أَرَادَ باعث دِينَارا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَفْهِمهُ عَمَّا سيقع
وَنصب الثَّانِي لِأَنَّهُ أعمل فِيهِ الْفِعْل كَأَنَّهُ قَالَ أَو باعث عبد رب وَلَو جَرّه على مَا قبله كَانَ عَرَبيا جيدا مثل النصب
وَذَلِكَ لِأَن من شَأْنهمْ أَن يحملوا الْمَعْطُوف على مَا عطف عَلَيْهِ نَحْو هَذَا ضَارب زيد وَعَمْرو غَدا وينصبون عمرا إِلَّا أَن الثَّانِي كلما تبَاعد من الأول قوي النصب واختير نَحْو قَوْلك هَذَا معطي زيد الدَّرَاهِم وعمرا الدَّنَانِير والجر جيد بَالغ
وَلَو قلت هَذَا معطي زيد الْيَوْم الدَّرَاهِم وَغدا عمرا الدَّنَانِير لم يصلح فِي عَمْرو إِلَّا النصب لِأَنَّك لم تعطف الِاسْم على مَا قبله وَإِنَّمَا أوقعت الْعَطف على الظّرْف فَلم يقو الْجَرّ
أَلا ترى أَنَّك تَقول مَرَرْت بزيد وَعَمْرو وَلَا تَقول مَرَرْت أمس بزيد وَالْيَوْم عَمْرو فَإِذا أعملته عمل الْفِعْل جَازَ لِأَن الناصب ينصب مَا تبَاعد مِنْهُ(4/151)
أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا ضَارب الْيَوْم زيدا وَغدا عمرا كَمَا تَقول هَذَا يضْرب الْيَوْم زيدا وَغدا عمرا
وَكَذَلِكَ تَقول هَذَا ضاربك وزيدا غَدا لما لم يجز أَن تعطف الظَّاهِر على الْمُضمر الْمَجْرُور حَملته على الْفِعْل كَقَوْل الله عز وَجل {إِنَّا منجوك وَأهْلك} كَأَنَّهُ قَالَ ومنجون أهلك وَلم تعطف على الْكَاف المجررة
وَمِمَّا تنشده الْعَرَب نصبا وجرا لاشتمال الْمَعْنى عَلَيْهِمَا جَمِيعًا قَول لبيد
(فإِنْ لمْ تَجِدْ مِنْ دُونِ عَدْنَانَ والِدًا ... ودُونَ معدٍّ فَلْتَزَعْكَ العَوَاذِلُ)
ينصبون دون ويجرونها وَقَالَ الفرزدق
(قُعُودٌ لَدَى الأَبْوابِ طُلاَّبُ حَاجَة ... عوانٍ مِن الحاجَاتِ أَوْ حَاجَةً بِكْرًا)(4/152)
وَقَالَ جرير
(جِيئُو بِمِثْلِ بني بَدْرٍ لِقَومِهِمُ ... أَوْ مِثْلَ أُسْرَةِ منْظورِ بنِ سَيَّارِ)
يجرونَ مثل وينصبونها فَمن جر فعلى الأول وَمن نصب فعلى أَو هاتوا مثل أسرة لِأَن هَذَا إِذا أضمر لم يخرج من معنى الأول وَمن قَالَ هَذَا قَالَ خشنت بصدرك وَصدر زيد على الْموضع(4/153)
وعَلى نَحْو من هَذَا أَجَازُوا مَرَرْت بزيد وعمرا لِأَن مَعْنَاهَا أتيت فَحَمله على الْمَعْنى إِذْ كَانَ قَوْلك بزيد بعد مَرَرْت فِي مَوضِع نصب وَقَالَ الشَّاعِر
(أَلاَ حَىَّ نَدْمَانِي عُمَيْرَ بْنَ عَامِرٍ ... إِذَا مَا تَلاقَيْنَا مِنَ اليَوْمِ أَوْ غَدا)
كَأَنَّهُ قَالَ أَو تلاقينا غَدا
وَاعْلَم أَن اسْم الْفَاعِل إِذا كَانَ لما مضى فَقلت هَذَا ضَارب زيد أمس وَعَمْرو وَهَذَا معطي الدَّرَاهِم أمس وَعَمْرو جَازَ لَك أَن تنصب عمرا على الْمَعْنى لبعده من الْجَار فكأنك قلت وَأعْطى عمرا فَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {وجاعل اللَّيْل سكنا وَالشَّمْس وَالْقَمَر حسبانا} على معنى وَجعل فنصب(4/154)
هَذَا بَاب من مسَائِل الْفَاعِل
تَقول مَرَرْت بِرَجُل قَائِم أَبوهُ فَترفع الْأَب بِفِعْلِهِ وتجري قَائِما على رجل لِأَنَّهُ نكرَة وَصفته بنكرة فَصَارَ كَقَوْلِك مَرَرْت بِرَجُل يقوم أَبوهُ
فَإِن قَالَ قَائِل قد علمنَا أَن الْقيام للْأَب فَكيف يجوز أَن يجْرِي على رجل
قيل لَهُ لِأَن قَوْلك قَائِم أَبوهُ إِنَّمَا هُوَ صفة للرجل فِي الْحَقِيقَة
أَلا ترى أَنَّك قد حليت الرجل بِقِيَام أَبِيه كَمَا تحليه بِفِعْلِهِ وفصلت بِهَذِهِ الصّفة بَينه وَبَين رجل لم يقم أَبوهُ كَمَا أَنَّك إِذا قلت مَرَرْت بِرَجُل قَائِم فصلت بَينه وَبَين من لم يقم وَلَو قلت مَرَرْت بِرَجُل قَائِم أَبوهُ تُرِيدُ بقائم التَّأْخِير كَأَنَّك قلت مَرَرْت بِرَجُل أَبوهُ قَائِم ثمَّ قدمت على هَذِه الْجِهَة كَانَ جيدا وَكنت تَقول على هَذَا الشَّرْط مَرَرْت بِرَجُل قائمان أَبَوَاهُ لِأَنَّك تُرِيدُ أَبَوَاهُ قائمان
وعَلى القَوْل الأول وَهُوَ الأجود مَرَرْت بِرَجُل قَائِم أَبَوَاهُ وقائم آباؤه لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْفِعْل الْمُقدم
وَتقول مَرَرْت بزيد ضَارِبًا عمرا أَخَوَاهُ ومررت بجاريتك قَائِما إِلَيْهَا أَبَوَاك وَهَذَا رجل ملازمه إخْوَته أردْت ملازم لَهُ إخْوَته فطرحت التَّنْوِين اسْتِخْفَافًا على مَا وصفت لَك فِي الَّذِي قبله(4/155)
وَتقول زيدا عَمْرو ضَارب كَمَا تَقول زيدا عَمْرو يضْرب
وَلَو قلت زيدا عَمْرو الضَّارِب لم يجز لِأَن الْفِعْل صَار فِي الصِّلَة
وَلَو قلت عبد الله جاريتك أَبوهَا ضَارب كَانَ بَين النَّحْوِيين فِيهَا اخْتِلَاف وَذَلِكَ أَن بَعضهم يَقُول إِذا قلت عبد الله زيد ضَارب فَإِنَّمَا نصبت عبد الله بضارب الَّذِي هُوَ خبر زيد فكأنك قلت زيد يضْرب عبد الله وَزيد ضَارب عبد الله
فَإِذا قلت عبد الله جاريتك أَبوهَا ضَارب فالجارية ابْتِدَاء وأبوها ابْتِدَاء ثَان وضارب خبر أَبِيهَا وهما جَمِيعًا خبر الْجَارِيَة فقد تبَاعد آخر الْكَلَام من أَوله
وَلَيْسَ مَا قَالُوا فِي كَرَاهِيَة النصب بِشَيْء وَذَاكَ لِأَن ضَارِبًا يجْرِي مجْرى الْفِعْل فِي جَمِيع أَحْوَاله من الْعَمَل فالتقديم وَالتَّأْخِير فِي الْفِعْل وَمَا كَانَ خَبرا للْأولِ مُفردا أَو مَعَ غَيره فمجراهما وَاحِد
وَإِنَّمَا يكره الْفَصْل بَين الْعَامِل والمعمول فِيهِ بِمَا لَيْسَ مِنْهُ نَحْو قَوْلك كَانَت زيدا الْحمى تَأْخُذ فتنصب زيدا بتأخذ وَتَأْخُذ خبر كَانَ وتفصل بزيد بَين اسْم كَانَ وخبرها وَلَيْسَ زيد لَهَا باسم وَلَا خبر فَهَذَا الَّذِي لَا يجوز
أَو يكون الْعَامِل غير متصرف فَلَا يجْرِي مجْرى الْفِعْل نَحْو عِنْدِي عشرُون الْيَوْم درهما وَإِن منطلق زيدا وزيدا إِن منطلق فَهَذَا الَّذِي لَا يجوز
فَأَما إِذا كَانَ الْعَامِل متصرفا وَلم تفصل بَينه وَبَين الْمَعْمُول فِيهِ بِشَيْء لَيْسَ مِنْهُ وَلَا بِسَبَبِهِ فعمله فِيهِ كعمله إِذا وليه وَقد فسرنا مثل هَذَا فِيمَا مضى(4/156)
وَمثل ذَلِك من المصادر أعجبني الْيَوْم ضرب زيدا عمرا إِن جعلت الْيَوْم نصبا بأعجبني فَهُوَ جيد
وَإِن نصبته بِالضَّرْبِ كَانَ محالا وَذَلِكَ لِأَن الضَّرْب فِي معنى أَن فعل وَأَن يفعل فمحال أَن ينصب مَا قبله لِأَن مَا بعده فِي صلته وَلَا يعْمل إِلَّا فِيمَا كَانَ من تَمَامه فَيصير بعض الِاسْم وَلَا يقدم بعض الِاسْم على أَوله
فَإِن لم يكن فِي معنى أَن وصلتها أعملته عمل الْفِعْل إِذْ كَانَ نكرَة مثله فَقدمت فِيهِ وأخرت وَذَلِكَ قَوْلك ضربا زيدا وَإِن شِئْت قلت زيدا ضربا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي معنى أَن إِنَّمَا هُوَ أَمر
فقولك ضربا زيدا ينْتَصب بِالْأَمر كَأَنَّك قلت اضْرِب إِلَّا أَنه صَار بَدَلا من الْفِعْل لما حذفته
أَلا ترى أَن قَوْلك سقيا بِمَنْزِلَة سقاك الله ومرحبا بدل من قَوْلك رَحبَتْ بلادك فعلى هَذَا يجْرِي مَا وصفت لَك فِي الإعمال والتقديم وَالتَّأْخِير(4/157)
(هَذَا بَاب الصّفة المشبهة بالفاعل فِيمَا يعْمل فِيهِ)
(وَإِنَّمَا تعْمل فِيمَا كَانَ من سَببهَا وَذَلِكَ كَقَوْلِك هَذَا حسن الْوَجْه وَكثير المَال)
اعْلَم أَن هَذِه الصّفة إِنَّمَا حَدهَا أَن تَقول هَذَا رجل حسن وَجهه وَكثير مَاله فَترفع مَا بعد حسن وَكثير بفعلهما لِأَن الْحسن إِنَّمَا هُوَ للْوَجْه وَالْكَثْرَة إِنَّمَا هِيَ لِلْمَالِ فَهَذَا بِمَنْزِلَة قَوْلك هَذَا رجل قَائِم أَبوهُ وقاعد أَخُوهُ وَيجوز أَن تَقول هَذَا رجل حسن الْوَجْه فَالْوَجْه لم يَجْعَل حسنا معرفَة وَإِن كَانَ مُضَافا إِلَيْهِ وَذَلِكَ لِأَن التَّنْوِين هُوَ الأَصْل وَمعنى هَذِه الْإِضَافَة الِانْفِصَال كَمَا كَانَ ذَلِك فِي قَوْله {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} و {هَذَا عَارض مُمْطِرنَا} لما كَانَ التَّقْدِير إِنَّمَا هُوَ التَّنْوِين ثَبت الِاسْم نكرَة وَصَارَ بِمَنْزِلَة مَا لَفَظُوا بتنوين
فَيجوز فِي هَذَا أوجه(4/158)
مِنْهَا الأَصْل نَحْو حسن وَجهه وَحسن الْوَجْه وَحسن وَجه وَحسن وَجها وَحسن الْوَجْه كل ذَلِك جَائِز وَمَعْنَاهُ وَاحِد فِي نكرته وأجود ذَلِك إِذا لم تقل حسن وَجهه حسن الْوَجْه وَذَلِكَ لِأَن وَجهه كَانَ معرفَة وَهُوَ الأَصْل فَكَانَ الْأَحْسَن أَن يوضع فِي مَوْضِعه معرفَة مثله
لَا تعرف الأول كَمَا كَانَ ذَلِك فِي وَجهه وَأَنه لَو عرفه لم يكن الأول معرفَة وَإِنَّمَا صَار وَجهه معرفَة لِأَنَّهُ علم وَأَنه لَا يَعْنِي من الْوُجُوه إِلَّا وَجهه
وَأما حسن الْوَجْه فَإِنَّهُ أخف فِي اللَّفْظ فحذفوا الْألف وَاللَّام تَخْفِيفًا فَمن ذَلِك قَوْلهم هُوَ حَدِيث عهد بالوجع وَأنْشد
(لاَحِقِ بَطْنٍ بِقَراً سَمِيْنِ)(4/159)
الأَصْل لَا حق بَطْنه وَقَالَ الآخر
(وَلَا سَيِّئ زِيٍّ إِذا مَا تَلَبَّسُوا ... إِلَى حاجةِ يَوْماً مُخَيَّسَةً بُزْلاً)
وَإِنَّمَا جَازَ حذف الْألف وَاللَّام لعلم السَّامع أَنَّك لَا تَعْنِي إِلَّا وَجهه وَأَن الأول لَا يكون بِهِ معرفَة أبدا(4/160)
وَمن قَالَ هُوَ حسن وَجها قَالَ هُوَ الْحسن الْوَجْه يَا فَتى وهما الحسنان الْوُجُوه فنصب لِأَنَّهُ أضمر الْفَاعِل فِي الأول فَجعل الثَّانِي بِمَنْزِلَة الْمَفْعُول بِهِ فَصَارَ كَقَوْلِك الضَّارِب الرجل وَالْقَائِل الْحق وَقَالَ الْحَارِث بن ظَالِم
(فَمَا قَوْمِي بِثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ ... وَلَا بِفَزَارَةَ الشُّعْرَى رِقَاباً)
ويروى الشّعْر الرقابا فَمن قَالَ ذَا يُشبههُ بالضارب الرجل
وَمن قَالَ الضَّارِب الرجل يَقُول تَشْبِيها بالْحسنِ الْوَجْه وَلَا يجوز الضَّارِب زيد كَمَا لَا تَقول الْحسن وَجه
وَإِنَّمَا يجوز إِذا كَانَ فِي الثَّانِي ألف وَلَام وَذَلِكَ لِأَنَّك تَقول هَذَا حسن الْوَجْه فَيكون نكرَة فَإِذا أردْت تعرفه أدخلت فِي الْحسن الْألف وَاللَّام وَلم تعاقبا الْإِضَافَة إِذْ كَانَت الْإِضَافَة هَا هُنَا على خلاف الْمُضَاف لِأَن هَا هُنَا نِيَّة التَّنْوِين فَلذَلِك لم تعرف الأول وَكَانَ كَقَوْلِك الْحسن وَجهه
فَإِذا قلت هُوَ الْحسن وَجها وَالطّيب خَبرا والحسان وُجُوهًا لم يكن إِلَّا النصب لِأَنَّك أبهمت الْحسن وأضمرت فِي الْحسن الْفَاعِل فانتصب مَا بعده لِأَنَّهُ تَمْيِيز إِذا كَانَ نكرَة(4/161)
ويستقيم أَن يكون انتصابه وَهُوَ نكرَة كانتصابه إِذا كَانَت الْألف وَاللَّام على التَّشْبِيه بالمفعول بِهِ وَذَلِكَ قَوْلك هُوَ الْحسن الْوَجْه كَمَا تَقول هُوَ الضَّارِب الرجل
أَلا ترى أَن الْحسن يجْرِي على مَا قبله مؤنثا كَانَ أَو مذكرا كَمَا يجْرِي الْفَاعِل فَتَقول مَرَرْت بِامْرَأَة حَسَنَة الْوَجْه ومررت بأخويك الحسنين الْوُجُوه فعلى هَذَا تميز إِذا حذفت الْألف وَاللَّام فَقلت مَرَرْت بأخويك الحسنين وُجُوهًا كَمَا قَالَ الله عز وَجل {هَل ننبئكم بالأخسرين أعمالا}
وَقَالَ رؤبة
(الحَزْنُ بَابا والعقُورُ كَلْباً)
فَهَذِهِ الْأَوْجه عَرَبِيَّة جَيِّدَة وَبَيت الْأَعْشَى ينشد جرا(4/162)
(الواهِبُ المائِةِ الهِجانِ وعبْدِها ... عُوذًا تَزَجِّى خَلْفَها أَطْفَالَها)(4/163)
فَإِن قَالَ قَائِل مَا بالك جررت عَبدهَا وَإِنَّمَا يُضَاف فِي هَذَا الْبَاب إِلَى مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام تَشْبِيها بالْحسنِ الْوَجْه وَأَنت لَا يجوز لَك أَن تَقول الْوَاهِب الْمِائَة والواهب عَبدهَا
فَإِنَّمَا جَازَ هَذَا فِي الْمَعْطُوف على تَقْدِير واهب عَبدهَا كَمَا جَازَ رب رجل وأخيه وَأَنت لَا تَقول رب أَخِيه وَلكنه على تَقْدِير وَأَخ لَهُ
وَمثل ذَلِك كل شَاة وسخلتها بدرهم وَأَنت لَا تَقول كل سخلتها وَلكنه على التَّقْدِير الَّذِي خبرتك بِهِ وأخرت الِاحْتِجَاج عَنهُ لنذكره فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله
وَاعْلَم أَن هَذِه الصّفة لَا يجوز أَن يتقدمها مفعولها وَذَلِكَ أَنَّهَا لَيست كالفاعل فِي الْحَقِيقَة
أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت زيد ضَارب عمرا وزيدا ضَارب عَمْرو وزيدا عَمْرو ضَارب أَن الثَّانِي عمل فِي الأول وَأَن ضَارِبًا صَار بِمَنْزِلَة يضْرب فِي الْمَعْنى
وَلَو قلت زيد الْحسن وَجها أَو الْحسن الْوَجْه لم يكن الْحسن عمل فِي الْوَجْه شَيْئا وَإِنَّمَا الْحسن فِي الْمَعْنى للْوَجْه فَمن ثمَّ لم يجز أَن تَقول وَجها زيد حسن وَلَا زيد وَجها حسن
وَلذَلِك لم يجز لهَذِهِ الصّفة أَن تعْمل إِلَّا فِيمَا كَانَ من سَببهَا
أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت زيد حسن وَجه أَو حسن الْوَجْه أَو الْحسن وَجها أَنَّك لَا تَعْنِي من الْوُجُوه إِلَّا وَجهه لِأَنَّهُ فِي الأَصْل زيد حسن وَجهه وَكَذَلِكَ كثير المَال وفاره العَبْد وجيد الدَّار يجرين مجْرى وَاحِدًا(4/164)
لَو قلت عمرا زيد الضَّارِب لم يجز وَلَيْسَ امْتِنَاعه من حَيْثُ امْتنعت الصّفة المشبهة وَلَكِن مَعْنَاهُ زيد الضَّارِب عمرا أَي الَّذِي ضرب عمرا فَلَمَّا قدمت عمرا على هَذِه الصّفة لم يجز لِأَنَّهُ بعض الِاسْم إِذْ كَانَ من صلته فَإِنَّمَا امْتنع من هَذَا الْوَجْه
فَإِن جعلت ضَارِبًا وقائلا وَمَا أشبه ذَلِك بغر ألف وَلَام جَازَ التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير والإظهار والإضمار وَجرى مجْرى يضْرب لما ذكرت لَك من المضارعة(4/165)
(هَذَا بَاب من الْمَفْعُول وَلَكنَّا عزلناه مِمَّا قبله لِأَنَّهُ مفعول فِيهِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه النَّحْوِيين الْحَال)
اعْلَم أَنَّك إِذا قلت جَاءَنِي عبد الله وَقصد إِلَى زيد فَخفت أَن يعرف السَّامع اثْنَيْنِ أَو جمَاعَة اسْم كل وَاحِد مِنْهُم عبد الله أَو زيد قلت الطَّوِيل أَو الْعَاقِل أَو الرَّاكِب أَو مَا أشبه ذَلِك من الصِّفَات لتفصل بَين من تَعْنِي وَبَين من خفت أَن يلتبس بِهِ كَأَنَّك قلت جَاءَنِي زيد الْمَعْرُوف بالركوب أَو الْمَعْرُوف بالطول وَكَذَلِكَ جَاءَنِي زيد بن عَمْرو وَزيد النَّازِل مَوضِع كَذَا
فَإِن لم ترد هَذَا وَأَرَدْت الْإِخْبَار عَن الْحَال الَّتِي وَقع فِيهَا مَجِيئه قلت جَاءَنِي زيد رَاكِبًا أَو مَاشِيا فَجئْت بعده بنكرة لَا تكون نعتا لَهُ لِأَنَّهُ معرفَة وَذَلِكَ أَنَّك لم ترد جَاءَنِي زيد الْمَعْرُوف بالركوب وَالْمَشْي فَيكون تحلية بِمَا قد عرف وَإِنَّمَا أردْت مَجِيئه وَقع فِي هَذِه الْحَال
وَكَذَلِكَ رَأَيْت عبد الله جَالِسا ومررت بِعَبْد الله ضَاحِكا خبرت أَن رؤيتك إِيَّاه ومرورك بِهِ وَقعا فِي هَذِه الْحَال مِنْهُ
وَتقول زيد فِي الدَّار قَائِما فتنصب قَائِما بِمَعْنى الْفِعْل الَّذِي وَقع فِي الدَّار لِأَن الْمَعْنى اسْتَقر عبد الله فِي الدَّار وَلذَلِك انتصبت الظروف
أَلا ترى أَنَّك تَقول زيد خَلفك وَزيد دُونك فتنصب الدون وَالْخلف بِفعل زيد كَأَنَّك تَقول اسْتَقر زيد خَلفك وَثَبت دُونك ونفسر هَذَا فِي بَاب الظروف إِن شَاءَ الله(4/166)
فَإِن جعلت فِي الدَّار للْقِيَام وَلم تَجْعَلهُ لزيد قلت زيد فِي الدَّار قَائِم لِأَنَّك إِنَّمَا أردْت زيد قَائِم فِي الدَّار فَجعلت قَائِما خَبرا عَن زيد وَجعلت فِي الدَّار ظرفا لقائم
فَمن قَالَ هَذَا قَالَ إِن زيدا فِي الدَّار قَائِم
وَمن قَالَ الأول قَالَ إِن زيدا فِي الدَّار قَائِما فَيكون فِي الدَّار الْخَبَر ثمَّ خبر على أَيَّة حَال وَقع استقراره فِي الدَّار فَقَالَ قَائِما أَي على هَذِه الْحَال وَلما قَالَ قَائِم إِنَّمَا قَالَ فِي الدَّار ليخبر أَي مَوضِع وَقع قِيَامه
فنظير ذَلِك قَوْله جلّ وَعلا {إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات وعيون آخذين} وَقَوله عز وَجل {إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات ونعيم فاكهين}
وَذَلِكَ أَن قَوْله {فِي جنَّات} خبر إِن فنصب آخذين وفاكهين على الْحَال
وَلَو كَانَ الظّرْف هُوَ الْخَبَر لرفع الْخَبَر كَمَا قَالَ الله عز وَجل {وَفِي النَّار هم خَالدُونَ} لِأَن الْمَعْنى وهم خَالدُونَ فِي النَّار فَإِنَّمَا فِي النَّار ظرف للخلود(4/167)
وَتقول هَذَا زيد رَاكِبًا وَذَاكَ عبد الله قَائِما
فَإِن قَالَ قَائِل مَا الَّذِي ينصب الْحَال وَأَنت لم تذكر فعلا
قيل لَهُ هَذَا إِنَّمَا هُوَ تَنْبِيه كَأَنَّك قلت انتبه لَهُ رَاكِبًا
وَإِذا قلت ذَاك عبد الله قَائِما ذَاك للْإِشَارَة كَأَنَّك قلت أُشير لَك إِلَيْهِ رَاكِبًا فَلَا يجوز أَن يعْمل فِي الْحَال إِلَّا فعل أَو شَيْء فِي معنى الْفِعْل لِأَنَّهَا مفعول فِيهَا
وَفِي كتاب الله جلّ وَعلا {وَهَذَا بعلي شَيخا}
وَلَو قلت زيد أَخُوك قَائِما وَعبد الله أَبوك ضَاحِكا كَانَ غير جَائِز وَذَاكَ أَنه لَيْسَ هَا هُنَا فعل وَلَا معنى فعل وَلَا يَسْتَقِيم أَن يكون أَبَاهُ فِي حَال وَلَا يكون أَبَاهُ فِي حَال أُخْرَى وَلَكِنَّك إِن قلت زيد أَخُوك قَائِما فَأَرَدْت أخوة الصداقة جَازَ لِأَن فِيهِ معنى فعل كَأَنَّك قلت زيد يؤاخيك قَائِما فعلى هَذَا يَسْتَقِيم وَيمْتَنع
وَاعْلَم أَن الْحَال إِذا كَانَ الْعَامِل فِيهَا فعلا صَحِيحا جَازَ فِيهَا كل مَا يجوز فِي الْمَفْعُول بِهِ من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير إِلَّا أَنَّهَا لَا تكون إِلَّا نكرَة
وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك فِيهَا لِأَنَّهُ مفعولة فَكَانَت كَغَيْرِهَا مِمَّا ينْتَصب بِالْفِعْلِ تَقول جَاءَ رَاكِبًا زيد كَمَا تَقول ضرب زيدا عَمْرو وراكبا جَاءَ زيد كَمَا تَقول عمر(4/168)
ضرب زيد وَقَائِمًا زيدا رَأَيْت كَمَا تَقول الدِّرْهَم زيدا أَعْطَيْت وَضربت قَائِما زيدا
وَمن كَلَام الْعَرَب رَأَيْت زيدا مصعدا منحدرا وَرَأَيْت زيدا رَاكِبًا مَاشِيا إِذا كَانَ أَحَدكُمَا رَاكِبًا وَالْآخر مَاشِيا وأحدكما مصعدا وَالْآخر منحدرا
وَقَول الله عز وَجل عندنَا على تَقْدِيم الْحَال وَالله أعلم وَذَلِكَ {خشعا أَبْصَارهم يخرجُون من الأجداث}(4/169)
وَكَذَلِكَ هَذَا الْبَيْت
(مُزْبِداً يخْطِرُ مَا لَمْ يَرَنى ... وإِذَا يَخْلُو لَهُ لَحْمِي رَتَعْ)
وَلست تحْتَاج مَعَ مَا عرفتك من حَالهَا وإجرائها مجْرى الْمَفْعُول وَمَا لزم من ذَلِك من الِاحْتِجَاج إِلَى أَن نوضح لَك بِأَكْثَرَ مِنْهُ
وَقَالَ الشَّاعِر
(ضاحِكاً مَا قَبَّلْتُها حِينَ قَالُوا ... نَقَضُوا صِكَّهَا ورُدَّتْ علَيَّا)
وَتقول ضَارِبًا عمرا رَأَيْت زيدا وَأَنت تُرِيدُ رُؤْيَة الْعين وشاتما أَخَاهُ أقبل عبد الله
فَإِن كَانَ الْعَامِل غير فعل وَلَكِن شَيْء فِي مَعْنَاهُ لم تتقدم الْحَال على الْعَامِل لِأَن هَذَا شَيْء لَا يعْمل مثله فِي الْمَفْعُول وَذَلِكَ قَوْله زيد فِي الدَّار قَائِما وَلَا تقل زيد قَائِما فِي الدَّار وَتقول هَذَا قَائِما حسن وَلَا تقل قَائِما هَذَا حسن(4/170)
وَتقول مَرَرْت رَاكِبًا بزيد إِذا كَانَ رَاكِبًا لَك فَإِن أردْت أَن يكون لزيد لم لم يجز لِأَن الْعَامِل الْبَاء فعلى مَا ذكرت لَك يجْرِي هَذَا الْبَاب
فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا بالك تقدم الظروف وَهِي مفعول فِيهَا وَالْعَامِل معنى الْفِعْل وَلَا يجوز أَن يعْمل فِيهَا التَّنْبِيه كَمَا عمل فِي الْحَال وَكِلَاهُمَا مفعول فِيهِ فَمن أَيْن اخْتلفَا
قيل لَهُ الْفَصْل بَين الْحَال والظرف أَن الْحَال هِيَ الِاسْم الأول فَاعِلا كَانَ أَو مَفْعُولا أَو غير ذَلِك من الِابْتِدَاء وَخَبره والظرف مُتَضَمّن للْحَال وَغَيرهَا وَا يَقع شَيْء إِلَّا فِي زمَان وَمَكَان فالحال تقع فِي الظروف والظروف لَا يُقَال إِنَّهَا وَاقعَة فِي الْحَال
فَإِذا قلت يَوْم الْجُمُعَة زيد فِي الدَّار ف يَوْم الْجُمُعَة غير زيد وَقد عمل فِيهِ اسْتِقْرَار زيد
وَإِذا قلت جَاءَنِي زيد رَاكِبًا فالراكب هُوَ زيد وَكَذَلِكَ ضربت زيدا قَائِما وَزيد منطلق رَاكِبًا فالقائم والراكب وَمَا أشبه ذَلِك هُوَ زيد فَلَمَّا كَانَ إِيَّاه عمل فِيهِ مَا يعْمل فِي الْمَفْعُول بِهِ لِأَنَّهُ اسْم مثله
وَلما كَانَ الظّرْف متضمنا لهَذَا وَغَيره وَكَانَ غَيرهمَا فِي الْمَعْنى إِنَّمَا هُوَ اسْم زمَان أَو مَكَان لَا يَخْلُو من كَون فِيهَا واستقرار كَانَ الناصب لَهما الْمَعْنى الَّذِي جِيءَ بهما من أَجله(4/171)
فَإِن قيل لم لَا تَقول هَذَا زيد يَوْم الْجُمُعَة وَهَذَا زيد شهر رَمَضَان فتعمل التَّنْبِيه
قيل لَهُ إِذا كَانَ الظّرْف من الْمَكَان لم يمْتَنع من شَيْء من الْأَسْمَاء لِأَنَّهَا تفِيد فِيهِ معنى وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت زيد عنْدك أَو فِي دَارك أَو بِالْبَصْرَةِ فقد أفدت فِيهِ مَا قد كَانَ يجوز أَن يَخْلُو مِنْهُ
وَإِذا قلت زيد يَوْم الْجُمُعَة فَلَا معنى لهَذَا لِأَن يَوْم الْجُمُعَة لَا يَخْلُو زيد وَلَا غَيره مِنْهُ وَلَا حَيّ وَلَا ميت فَلَمَّا لم تكن فِيهِ فَائِدَة قَالَ النحويون لَا تكون ظروف الزَّمَان للجثث
وَإِنَّمَا امْتنع قَوْلك هَذَا زيد يَوْم الْجُمُعَة من الْجَوَاز وَإِن كَانَت هَا للتّنْبِيه وَذَا للْإِشَارَة وَلم يكن مثل قَوْلك الْقِتَال شهر رَمَضَان وَيَوْم الْجُمُعَة لِأَنَّك إِذا قلت الْقِتَال يَوْم الْجُمُعَة فقد خبرت بِشَيْء يكون فِي الْجُمُعَة قد كَانَ يجوز أَن يَخْلُو مِنْهُ
وَأَنت إِذا قلت هَذَا زيد فقد نبهت وأعلمت فِي أَي وَقت هُوَ فَلَا معنى لِقَوْلِك يَوْم الْجُمُعَة وَلَا لذكر وَقت لِأَن السَّامع فِي الْوَقْت وَأَنت سَوَاء
أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت أَنا آكل يَوْم الْجُمُعَة وَأَنت تخبر عَن أَنَّك تفعل هَذَا إِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة كَانَ جيدا
وَلَو قلت أَنا آكل يَوْم الْجُمُعَة تخبر عَمَّا أَنْت فِيهِ لم يكن لَهُ معنى فَإِن أردْت أَن تفِيد السَّامع أَن الْيَوْم يَوْم الْجُمُعَة قلت أَنا آكل وَهَذَا يَوْم الْجُمُعَة ليصير خَبرا بعد خبر
فتفهم هَذَا فَإِن معرفَة الْأُصُول إحكام الْبَاب وَإِذا صحت جرت عَلَيْهِ الْمسَائِل على الاسْتقَامَة إِن شَاءَ الله(4/172)
(هَذَا بَاب الْفِعْل الَّذِي يتَعَدَّى إِلَى مفعول وفاعله مُبْهَم وَلَا يتَصَرَّف تصرف غَيره من الْأَفْعَال)
(وَيلْزم طَريقَة وَاحِدَة لِأَن الْمَعْنى لزمَه على ذَلِك وَهُوَ بَاب التَّعَجُّب)
وَذَلِكَ قَوْلك مَا أحسن زيدا وَمَا أكْرم عبد الله
ف مَا اسْم مُرْتَفع بِالِابْتِدَاءِ وَأحسن خَبره وَهُوَ فعل وزيدا مفعول بِهِ فتقديره شَيْء أحسن زيدا إِلَّا أَن معنى التَّعَجُّب دخله مَعَ مَا وَلَا يكون ذَلِك فِي شَيْء غير مَا
فَإِن قَالَ قَائِل هَل رَأَيْت مَا تكون اسْما بِغَيْر صلَة إِلَّا فِي الْجَزَاء والاستفهام
قيل لَهُ إِنَّمَا كَانَت فِي الْجَزَاء والاستفهام بِغَيْر صلَة إِذا قلت مجازيا مَا تصنع أصنع أَو مستفهما مَا تصنع يَا فَتى لِأَنَّك إِنَّمَا تستفهم عَمَّا تنكر وَلَو كنت تعرف كنت مخبرا لَا مستخبرا والصلة تعرفه
وَكَذَلِكَ الْجَزَاء إِذا قلت مَا تصنع أصنع لِأَنَّك أبهمته وَلم تقصد إِلَى شَيْء وَاحِد بِعَيْنِه فَالْمَعْنى من الْإِبْهَام الَّذِي يكون فِي الْجَزَاء والاستفهام كَذَلِك هُوَ التَّعَجُّب لِأَنَّك إِذا قلت مَا أحسن زيدا فقد أبهمت ذَاك فِيهِ وَلم تخصص(4/173)
وَمِمَّا جَاءَ من مَا بِغَيْر صلَة فِي غير الْجَزَاء والاستفهام لمشاركتها إيَّاهُمَا فِي الْإِبْهَام إِنِّي مِمَّا أَن أفعل فَالْمَعْنى إِنِّي من الْأَمر أَن أفعل
وَتقول إِنِّي مِمَّا أفعل على معنى رُبمَا أفعل كَمَا قَالَ
(وإِنَّا لَمِمَّا نَضْرِبُ الكَبْشَ ضَرْبَةً ... على رأسِهِ تُلْقى اللسانَ مِنَ الفَمِ)(4/174)
وَقَالَ الآخر
(أَلاَ غَنِّيا بالزاهِرِيَّةِ إِنَّني ... على النَّأى مِمَّا أَنْ أُلِمَّ بهَا ذِكْرا)
وَمن ذَلِك قَوْلهم دققته دقا نعما أَي نعم الدق
فَإِن قَالَ قَائِل فَإِذا قلت مَا أحسن زيدا فَكَانَ بِمَنْزِلَة شَيْء حسن زيدا فَكيف دخله معنى التَّعَجُّب وَلَيْسَ ذَلِك فِي قَوْلك شَيْء أحسن زيدا
قيل لَهُ قد يدْخل الْمَعْنى فِي اللَّفْظ وَلَا يدْخل فِي نَظِيره فَمن ذَلِك قَوْلهم علم الله لَأَفْعَلَنَّ لَفظه لفظ رزق الله وَمَعْنَاهُ الْقسم
وَمن ذَلِك قَوْلهم غفر الله لزيد لَفظه لفظ الْخَبَر وَمَعْنَاهُ الدُّعَاء
وَمن ذَلِك أَنَّك تَقول تالله لَأَفْعَلَنَّ فتقسم على معنى التَّعَجُّب وَلَا تدخل التَّاء على شَيْء من أَسمَاء الله غير هَذَا الِاسْم لِأَن الْمَعْنى الَّذِي يُوجب التَّعَجُّب إِنَّمَا وَقع هَا هُنَا
وكل مَا لزمَه شَيْء على معنى لم يتَصَرَّف لِأَنَّهُ إِن تصرف بَطل ذَلِك الْمَعْنى وَصَارَ بِمَنْزِلَة الْأَفْعَال الَّتِي تجْرِي على أُصُولهَا وَلم يدخلهَا من الْمَعْنى أَكثر من ذَلِك(4/175)
فَإِن قَالَ قَائِل أَرَأَيْت قَوْلك مَا أحسن زيدا أَلَيْسَ فِي التَّقْدِير والإعمال لَا فِي التَّعَجُّب بِمَنْزِلَة قَوْلك شَيْء حسن زيدا فَكيف تَقول هَذَا فِي قَوْلك مَا أعظم الله يَا فَتى وَمَا أكبر الله قيل لَهُ التَّقْدِير على مَا وصفت لَك وَالْمعْنَى شَيْء عظم الله يَا فَتى وَذَلِكَ الشَّيْء النَّاس الَّذين يصفونه بالعظمة كَقَوْلِك كَبرت كَبِيرا وعظمت عَظِيما
فَإِن قَالَ قَائِل فينتصب هَذَا من حَيْثُ انتصب زيد
قيل لَهُ لَا شَيْء من الْأَفْعَال ينْتَصب على معنى الآخر بِأَكْثَرَ من الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ
أَلا ترى أَنَّك تَقول شتمت زيدا وأكرمت عمرا فالفعل الناصب جنس وَاحِد وَالْمعْنَى مُخْتَلف وَلَيْسَ شَيْء يخبر بِهِ عَن الله عز وَجل إِلَّا على خلاف مَا تخبر بِهِ عَن غَيره فِي الْمَعْنى وجنس الْفِعْل وَاحِد فِي الإعمال
فَمن ذَلِك مَا أذكرهُ لَك ليدل على سائره إِن شَاءَ الله(4/176)
وَهُوَ نَحْو قَوْلك رحم الله النَّاس ورحم زيد عمرا فالرحمة من زيد رقة وتحنن وَالله عز وَجل يجل عَنْهَا
وَكَذَلِكَ علم الله وَهُوَ الْعَالم بِنَفسِهِ وَتقول علم زيد علما وَإِنَّمَا ذَلِك علم جعل فِيهِ وأدب اكْتَسبهُ وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا تخبر بِهِ
وَإِذا كَانَ زيد مَفْعُولا قلت لقِيت زيدا وَرَأَيْت عمرا وَتقول ذكرت الله فَإِنَّمَا تَعْنِي أَن ذكرك كَانَ لهَذَا الِاسْم وَكَذَلِكَ دَعَوْت الله
فمخارج الْأَفْعَال وَاحِدَة فِي الإعمال والمعاني تخْتَلف فعلى هَذَا يجْرِي التَّقْدِير فِيمَا ذكرت لَك
وَقد قَالَ قوم إِن أحسن صلَة ل (مَا) وَالْخَبَر مَحْذُوف
وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا وَذَلِكَ أَن الْأَخْبَار إِنَّمَا تحذف إِذا كَانَ فِي الْكَلَام مَا يدل عَلَيْهَا
وَإِنَّمَا هربوا من أَن يكون مَا وَحدهَا اسْما فتقديرهم الَّذِي حسن زيدا شَيْء وَالْقَوْل فِيهَا مَا بدأنا بِهِ من أَنَّهَا تجْرِي بِغَيْر صلَة لمضارعتها الِاسْتِفْهَام وَالْجَزَاء فِي الْإِبْهَام
فَإِذا قلت مَا أحسن زيدا لم يجز أَن تضع الْفِعْل الْمُضَارع هَا هُنَا فَتَقول مَا يحسن زيدا وَمَا محسن زيدا لِأَن معنى التَّعَجُّب إِنَّمَا دخله على هَيْئَة إِن زَالَ لَفظهَا زَالَ الْمَعْنى
أَلا ترى أَنَّك تَقول الْعُمر والعمر وَلَا يَقع فِي الْقسم إِلَّا مَفْتُوحًا لدُخُول الْمَعْنى على هَذِه الْهَيْئَة(4/177)
وَلَو قلت مَا أحسن عنْدك زيدا وَمَا أجمل الْيَوْم عبد الله لم يجز وَكَذَلِكَ لَو قلت مَا أحسن الْيَوْم وَجه زيد وَمَا أحسن أمس ثوب زيد لِأَن هَذَا الْفِعْل لما لم يتَصَرَّف لزم طَريقَة وَاحِدَة وَصَارَ حكمه كَحكم الْأَسْمَاء
وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّك تَقول أَقَامَ عبد الله زيدا فتنقلب الْوَاو ألفا لِأَنَّهُ فعل وَتقول فِي الِاسْم هَذَا أقوم من ذَا فَلَا يعل وَتقول فِي التَّعَجُّب مَا أقوم زيدا وَمَا أبيعه فَيكون هَذَا الْفِعْل لاحقا بالأسماء لما أَخْبَرتك بِهِ من قلَّة تصرفه
وَاعْلَم أَن بِنَاء فعل التَّعَجُّب إِنَّمَا يكون من بَنَات الثَّلَاثَة نَحْو ضرب وَعلم وَمكث وَذَلِكَ أَنَّك تَقول دخل زيد وأدخلته وَخرج وأخرجته فتلحقه الْهمزَة إِذا جعلته مَحْمُولا على فعل
وَكَذَلِكَ تَقول حسن زيد ثمَّ تَقول مَا أحْسنه لِأَنَّك تُرِيدُ شَيْء أحْسنه
فَإِن قيل فقد قلت مَا أعطَاهُ للدراهم وَأَوْلَاده بِالْمَعْرُوفِ وَإِنَّمَا هُوَ من أعطي وَأولى
فَهَذَا وَإِن كَانَ قد خرج إِلَى الْأَرْبَعَة فَإِنَّمَا أَصله الثَّلَاثَة والهمزة فِي أَوله زَائِدَة(4/178)
وعَلى هَذَا جَاءَ {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح لَوَاقِح} وَلَو كَانَ على لَفظه لَكَانَ ملاقح لِأَنَّهُ يُقَال ألقحت فَهِيَ ملقحة وَلكنه على حذف الزَّوَائِد وَمن ذَلِك قَوْله
(يَخْرُجْنَ مِنْ أَجْوازِ لَيْلٍ غاضِي ... )
وَإِنَّمَا هُوَ مغض وَاسْتعْمل بِحَذْف زِيَادَته وَمثل ذَلِك
(تَكْشِفُ عَنْ جَمَّاتِهِ دَلْوُ الدَّالْ ... )(4/179)
يُرِيد المدلى
وَمن ذَلِك حذفك جَمِيع الزَّائِد إِذا احتجت إِلَى حذفهَا فِي تَصْغِير أَو جمع أَو اضْطر إِلَيْهِ شَاعِر كَمَا قَالَ العجاج
(ومَهْمَه هَالك مَنْ تَعَرَّجا ... )
إِنَّمَا هُوَ مهلك فِي بعض الْأَقَاوِيل
وَاعْلَم أَن مَا جَاوز الثَّلَاثَة بِغَيْر زِيَادَة لم يجز أَن يُقَال فِيهِ مَا أَفعلهُ وَذَلِكَ لِأَنَّك إِن بنيته هَذَا الْبناء حذفت من الأَصْل حرفا وَهَذَا مِمَّا لَا يجوز لِأَن مَعْنَاهُ إِنَّمَا كمل بِحُرُوفِهِ إِذْ كن كُلهنَّ أصولا وَإِنَّمَا يسْتَعْمل فِيمَا كَانَ من هَذَا الْقَبِيل مَا يدل عَلَيْهِ من فعل غَيره
وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت دحرج واحرنجم وَمَا أشبه ذَلِك من الْأَفْعَال من غير هَذَا الْجِنْس قلت مَا أَشد دحرجته وَمَا أَشد احرنجامه لِأَنَّك لَو أدخلت على هَذَا الْهمزَة لخرج من بِنَاء الْأَفْعَال وَلَا يجوز الْحَذف لما وصفت لَك(4/180)
وَكَذَلِكَ مَا كَانَ من الألوان والعيوب نَحْو الْأَعْوَر والأحمر لَا يُقَال مَا أحمره وَلَا مَا أعوره
وَإِنَّمَا امْتنع هَذَا لشيئين أَحدهمَا أَن أصل فعله أَن يكون افْعَل وافعال نَحْو أَحْمَر واحمار وَدخُول الْهمزَة على هَذَا محَال(4/181)
وَالْقَوْل الآخر قَول الْخَلِيل وَهُوَ أَن هَذَا شَيْء قد ثَبت وَاسْتقر فَلَيْسَ يجوز فِيهِ الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فَهُوَ وَإِن كَانَ مشتقاً من الْفِعْل بِمَنْزِلَة الْيَد وَالرجل لَا تَقوله كَمَا لَا تَقول مَا أيداه وَلَا مَا أرجله وَإِنَّمَا أَقُول مَا أَشد يَده فعلى هَذَا مَا أَشد حمرته وَمَا أَشد عوره وَكَذَلِكَ جَمِيع بَابهَا
وَمثل هَذَا قَوْله هَذَا أحسن من هَذَا وَهَذَا أضْرب من ذَا وَهَذَا أَشد عورا من ذَا وَأَشد حولا من ذَا لِأَن هَذَا والتعجب من بَاب وَاحِد
فَإِن قَالَ قَائِل فقد جَاءَ فِي الْقُرْآن {وَمن كَانَ فِي هَذِه أعمى فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى وأضل سَبِيلا}
قيل لَهُ فِي هَذَا جوابان كِلَاهُمَا مقنع أَحدهمَا أَن يكون من عمى الْقلب وَإِلَيْهِ ينْسب أَكثر الضلال لِأَنَّهُ حَقِيقَته كَمَا قَالَ {فَإِنَّهَا لَا تعمى الْأَبْصَار وَلَكِن تعمى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور} فعلى هَذَا تَقول مَا أعماه كَمَا تَقول مَا أحمقه
وَالْوَجْه الآخر أَن يكون من عمى الْعين فَيكون {فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى} لَا تُرِيدُ بِهِ بِهِ أعمى من كَذَا وَلكنه فِي الْآخِرَة أعمى كَمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ فِي الْآخِرَة أضلّ سَبِيلا(4/182)
وَتقول يَا هِنْد أحسن بزيد وَيَا رجلَانِ أحسن بزيد لِأَنَّك لست تَأْمُرهُمْ أَن يصنعوا شَيْئا وَإِنَّمَا الْمَعْنى مَا أحْسنه فَإِذا كَانَ من الألوان والعيوب قلت يَا هِنْد أشدد بحمرة زيد وَيَا رجال أشدد بحمرة زيد وَمن هَذَا الْبَاب قَول الله عز وَجل {أسمع بهم وَأبْصر}
وَلَا يُقَال لله عز وَجل تعجب وَلكنه خرج على كَلَام الْعباد أَي هَؤُلَاءِ مِمَّن يجب أَن يُقَال لَهُم مَا أسمعهم وأبصرهم فِي ذَلِك الْوَقْت
وَمثل هَذَا قَوْله {فقولا لَهُ قولا لينًا لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى} وَلَعَلَّ إِنَّمَا هِيَ للترجي وَلَا يُقَال ذَلِك لله وَلَكِن الْمَعْنى وَالله أعلم إذهبا أَنْتُمَا على رجائكما وقولا القَوْل الَّذِي ترجوان بِهِ ويرجو بِهِ المخلوقون تذكر من طالبوه
وَأما قَوْله {فَمَا أصبرهم على النَّار} فَلَيْسَ من هَذَا وَلكنه وَالله أعلم التَّقْرِير والتوبيخ وَتَقْدِيره أَي شَيْء أصبرهم على النَّار أَي دعاهم إِلَيْهَا واضطرهم إِلَيْهَا كَمَا تَقول صبرت زيدا على الْقَتْل وَنهى رَسُول الله
وَسلم أَن يصبر الرّوح(4/183)
وَمثل ذَلِك قَوْله
(قلتُ لَهُ أَصْبِرْها دائِناً ... أَمْثَالُ بِسطَامِ بنِ قَيْسٍ قَلِيلُ)
فَهَذِهِ مجازه وَلَا يُقَال لله عز وَجل لِأَنَّهُ إِنَّمَا يعجب من يرد عَلَيْهِ مَا لَا يُعلمهُ وَلَا يقدره فيتعجب كَيفَ وَقع مثله وعلام الغيوب يجل عَن هَذَا
(ونقول فِي شَيْء من مسَائِل هَذَا الْبَاب)
مَا أحسن وأجمل زيدا إِذا نصبت بأجمل فَإِن نصبته بِأَحْسَن قلت مَا أحسن وأجمله زيدا لِأَنَّك تُرِيدُ مَا أحسن زيدا وأجمله
وَتقول مَا أحسن مَا كَانَ زيد فَترفع زيد بكان وَتجْعَل مَا مَعَ الْفِعْل فِي معنى(4/184)
الْمصدر وتوقع التَّعَجُّب على مَا وَمَا بعْدهَا صلَة لَهَا فالتقدير مَا أحسن كَون زيد
وَقد يجوز وَهُوَ بعيد مَا أحسن مَا كَانَ زيدا تجْعَل مَا بِمَنْزِلَة الَّذِي فَيصير مَا أحسن الَّذِي كَانَ زيدا كَأَنَّهُ كَانَ اسْمه زيدا ثمَّ انْتقل عَنهُ وَإِنَّمَا قبح هَذَا لجعلهم مَا للآدميين وَإِنَّمَا هَذَا من مَوَاضِع من لِأَن مَا إِنَّمَا هِيَ لذات غير الْآدَمِيّين وصفات الْآدَمِيّين
أَلا ترى أَنَّك تَقول مَا عنْدك فَتَقول فرس أَو حمَار وَلَو قلت من عنْدك لقَالَ زيد أَو عَمْرو
وَالصِّفَات للآدميين الَّتِي تقع عَلَيْهَا مَا فَهِيَ نَحْو قَوْلك عِنْدِي زيد فَأَقُول وَمَا زيد فَيكون جَوَابه طَوِيل أَو قصير أَو شرِيف أَو وضيع
وَإِنَّمَا أجزناه على بعد لِأَن الصّفة قد تحل مَحل الْمَوْصُوف تَقول مَرَرْت بالعاقل وَجَاءَنِي الظريف
وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين فِي قَوْله عز وَجل {وَالسَّمَاء وَمَا بناها} قَالَ وَمن بناها
وَكَانَ أَبُو زيد يروي عَن الْعَرَب أَنَّهَا تَقول سُبْحَانَ مَا سبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ فعلى هَذَا أجزناه
وَتقول مَا أحسن مَا كَانَ زيد وأجمله وَمَا أحسن مَا كَانَت هِنْد وأجمله لِأَنَّك ترد إِلَى مَا وَلَو قلت وأجملها جَازَ على أَن تجْعَل ذَلِك لَهَا
وَإِذا قلت مَا أحسن زيدا فَرددت ذَلِك إِلَى نَفسك قلت مَا أحسنني لِأَن أحسن فعل فَظهر الْمَفْعُول بعده كَمَا يظْهر بعد ضرب وَلَو كَانَ اسْما لظهرت بعده يَاء وَاحِدَة إِذا أَرَادَ الْمُتَكَلّم نَفسه نَحْو قَوْلك هَذَا غلامي(4/185)
وَتقول فِي الِاسْتِفْهَام مَا أحسن زيد إِذا أردْت أَي أحسن من زيد
فَإِذا جعلت الْمَسْأَلَة مِنْك قلت مَا أحسني كَمَا تَقول من غلامي فَإِنَّمَا يجْرِي الْمُضمر مجْرى الظَّاهِر
أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت مَا أحسن زيد فَرددت ذَلِك إِلَى نَفسك قلت مَا أَحْسَنت
وَتقول مَا أحسن زيدا ورجلا مَعَه وَلَوْلَا قَوْلك مَعَه لم يكن للْكَلَام معنى وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت مَا أحسن رجلا فَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُفِيد بِهِ السَّامع شَيْئا لِأَنَّهُ لَا يستنكر أَن يكون فِي النَّاس من هُوَ كَذَا كثيرا
وَلَو قلت مَا أحسن رجلا من بني فلَان أَو رجلا رَأَيْته عنْدك حَتَّى تقويه بِشَيْء يُوجد فِيهِ معنى يخرج من بَاب الإشاعة لصلح
وَهَذَا بِمَنْزِلَة قَوْلك كَانَ رجل عَاقِلا وَإِن رجلا عَاقل يجوز فِيهِ مَا جَازَ فيهمَا وَيمْتَنع فِيهِ مَا يمْتَنع فيهمَا(4/186)
وَتقول مَا أحسن إنْسَانا قَامَ إِلَيْهِ زيد وَمَا أقبح بِالرجلِ أَن يفعل كَذَا فالرجل الْآن شَائِع وَلَيْسَ التَّعَجُّب مِنْهُ وَإِنَّمَا التَّعَجُّب من قَوْلك أَن يفعل كَذَا كنحو مَا أقبح بِالرجلِ أَن يشْتم النَّاس تَقْدِيره مَا أقبح شتم النَّاس بِمن فعله من الرِّجَال
وَلَو قلت مَا أحسن رجلا إِذا طلب مَا عِنْده أعطَاهُ كَانَ هَذَا الْكَلَام جَائِزا وَلم يكن أحسن وَإِن نصب رجلا وَاقعا عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ وَاقع على فعله وَإِنَّمَا جَازَ أَن يُوقع التَّعَجُّب عَلَيْهِ وَهُوَ يُرِيد فعله لِأَن فعله بِهِ كَانَ وَهُوَ الْمَحْمُود عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَة والمذموم كَقَوْلِك رَأَيْت زيدا يضْرب عمرا ثمَّ تَقول رَأَيْت ضرب زيد عمرا فالضرب لَا يرى وَإِنَّمَا رَأَيْت الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ وَرَأَيْت الْفَاعِل يَتَحَرَّك وَذَلِكَ المتحرك يدل على نوع الْحَرَكَة فَأَما الْحَرَكَة نَفسهَا فَلَا ترى لِأَن المرئي لَا يكون إِلَّا جسما ملونا
وَلَو قلت مَا أَكثر هِبتك الدَّنَانِير وإطعامك الْمَسَاكِين كنت قد أوقعت التَّعَجُّب بِالْفِعْلِ واتصل بِهِ التَّعَجُّب من كَثْرَة الْمَفْعُول وَهُوَ الطَّعَام وَالدَّنَانِير الَّتِي يَهَبهَا فكأنك قلت مَا أَكثر الدَّنَانِير الَّتِي تهبها وَالطَّعَام الَّذِي تطعمه وَإِن أردْت هَذَا التَّقْدِير
وَإِن أردْت أَن هِبته أَو طَعَامه يَفْعَلهَا كثيرا إِلَّا أَن ذَلِك يكون نزرا فِي كل مرّة جَازَ وَكَانَ وَجه الْكَلَام أَلا يَقع التَّعَجُّب على هَذَا لِأَن هَذَا شَبيه بالإلغاز لِأَن قصد التَّعَجُّب الْكَثْرَة فَإِذا تؤول على الْقلَّة فقد زَالَ معنى التَّعَجُّب وَلَكِن بعض الْأَشْيَاء يدل على بعض
أَلا ترى أَنَّك تَقول مَا جَاءَنِي غير زيد وتريد مَا جَاءَنِي إِلَّا زيد
وَقد يجوز أَلا يكون زيد جَاءَك غير زيد فَإِنَّمَا زعمت أَن غَيره لم يأتك فَجَائِز أَن يكون أَيْضا مَا جَاءَك إِلَّا أَنَّك أَمْسَكت عَن الْخَبَر فِيهِ وَلِهَذَا مسَائِل غامضة تَأتي فِي موضعهَا إِن شَاءَ الله(4/187)
(هَذَا بَاب مَا جرى فِي بعض اللُّغَات مجْرى الْفِعْل لوُقُوعه فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ حرف وَجَاء لِمَعْنى وَيجْرِي فِي غير تِلْكَ اللُّغَة مجْرى الْحُرُوف غير العوامل وَذَلِكَ الْحَرْف مَا النافية)
تَقول مَا زيد قَائِما وَمَا هَذَا أَخَاك كَذَلِك يفعل أهل الْحجاز
وَذَلِكَ أَنهم رأوها فِي معنى لَيْسَ تقع مُبتَدأَة وتنفي مَا يكون فِي الْحَال وَمَا لم يَقع فَلَمَّا خلصت فِي معنى لَيْسَ ودلت على مَا تدل عَلَيْهِ وَلم يكن بَين نفييهما فصل الْبَتَّةَ حَتَّى صَارَت كل وَاحِدَة تغني عَن الْأُخْرَى أجروها مجْراهَا
فَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {مَا هَذَا بشرا} و {مَا هن أمهاتهم}
وَأما بَنو تَمِيم فَيَقُولُونَ مَا زيد منطلق يدعونها حرفا على حَالهَا بِمَنْزِلَة إِنَّمَا إِذا قلت إِنَّمَا زيد منطلق(4/188)
وَأهل الْحجاز إِذا أدخلُوا عَلَيْهَا مَا يُوجِبهَا أَو قدمُوا خَبَرهَا على اسْمهَا ردوهَا إِلَى أَصْلهَا فَقَالُوا مَا زيد إِلَّا منطلق وَمَا منطلق زيد لِأَنَّهَا حرف لَا يتَصَرَّف تصرف الْأَفْعَال فَلم يقو على نقض النَّفْي كَمَا لم يقو على تَقْدِيم الْخَبَر وَذَلِكَ لما خبرتك بِهِ فِي الْأَفْعَال والحروف وَأَن الشَّيْء إِنَّمَا يتَصَرَّف عمله كَمَا يتَصَرَّف هُوَ فِي نَفسه فَإِذا لزم طَريقَة وَاحِدَة لزم مَا يعْمل فِيهِ طَريقَة وَاحِدَة
وَتقول فِي قَول أهل الْحجاز مَا زيد مُنْطَلقًا أَبوهُ وَلَا خَارِجا أَبوهُ وَمَا زيد قَائِما إِلَيْهِ عبد الله لِأَنَّك تجْرِي عَلَيْهِ مَا كَانَ لشَيْء من سَببه كَمَا يجْرِي عَلَيْهِ مَا كَانَ لَهُ خَاصَّة
أَلا ترى أَنَّك تَقول مَرَرْت بِرَجُل قَائِم أَبوهُ كَمَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل قَائِم
وَتقول إِن شِئْت مَا زيد قَائِما وَلَا خَارج أَبوهُ جعلت أَبَاهُ بِمَنْزِلَة الْأَجْنَبِيّ فَصَارَ خَارج خَبرا مقدما كَأَنَّك قلت مَا زيد مُنْطَلقًا وَلَا أَبوهُ خَارج
وَتقول مَا زيد خَارِجا غُلَامه وَلَا منطلقة جَارِيَته يكون فِي الْعَطف على حَاله
فَأَما قَول بني تَمِيم فعلى أَنهم أدخلُوا مَا على المبتدإ وَقد عمل فِي خَبره كَمَا يعْمل الْفِعْل فِي فَاعله فَكَأَن قَوْلهم مَا زيد عَاقل بِمَنْزِلَة مَا قَامَ زيد لأَنهم أدخلوها على كَلَام قد عمل بعضه فِي بعض فَلم يُغير لِأَنَّهُ لَا يدْخل عَامل على عَامل
وَأما أهل الْحجاز فَإِنَّهُم لما رأوها فِي معنى لَيْسَ فِي جَمِيع مواقعها تغني كل وَاحِدَة مِنْهُمَا عَن صاحبتها أجروها مجْراهَا فِي الْعَمَل مادام الْكَلَام على وَجهه فَقَالُوا مَا زيد مُنْطَلقًا كَمَا يَقُولُونَ لَيْسَ زيد مُنْطَلقًا فَإِن أدخلُوا عَلَيْهَا مَا يُوجِبهَا أَو قدمُوا خَبَرهَا رجعت إِلَى(4/189)
أَنَّهَا حرف فَقَالُوا مَا منطلق زيد لِأَنَّهَا ترجع إِلَى أَن الْكَلَام ابْتِدَاء وَخبر فَصَارَ بِمَنْزِلَة قَوْلك قَائِم زيد وَأَنت تُرِيدُ زيد قَائِم لَا يكون التَّقْدِيم إِلَّا على ذَلِك لِأَن لَيْسَ فعل وَهَذِه لَيست بِفعل تَقول لست ولسنا وَلَيْسوا ولسن وَلَا يكون شَيْء من هَذِه الْإِضْمَار فِي مَا وَلَكِن لما أشبهت الْفِعْل جرت مجْرَاه مَا كَانَ على مجْرَاه وَفِي مَوْضِعه فَلَمَّا فَارَقت ذَلِك لم يجز النَّقْض فِيهَا وَالتَّصَرُّف لِأَنَّهَا فِي نَفسهَا غير متصرفة وَلَا مُحْتَملَة ضميرا
أَلا ترى أَنَّك تَقول إِن زيدا منطلق وَلَو قدمت الْخَبَر لم تقل إِن منطلق زيدا لِأَنَّك لَا تجْعَل الْحُرُوف غير المتصرفة كالأفعال المتصرفة وَلَو فعلت ذَلِك للزمك أَن تصرفها فِي أَنْفسهَا وَهَذَا محَال
فَأَما تَقْدِيم الْخَبَر فقولك مَا منطلق زيد وَمَا مسيء من أَعتب
فَإِنَّمَا قدمت على حد قَوْلك مَا زيد منطلق وَلَو أردْت التَّقْدِيم على قَوْلك مَا زيد مُنْطَلقًا لم يجز كَمَا لَا يجوز إِن منطلق زيدا
وَهَذَا قَول مغن فِي جَمِيع الْعَرَبيَّة كل مَا كَانَ متصرفا عمل فِي الْمُقدم والمؤخر وَإِن لم يكن متصرفا لم يُفَارق مَوْضِعه لِأَنَّهُ مدْخل على غَيره
وَأما نقض الْخَبَر فقولك مَا زيد إِلَّا منطلق لِأَنَّك نفيت عَنهُ كل شَيْء إِلَّا الانطلاق فَلم تصلح مَا أَن تكون عاملة فِي نقض النَّفْي كَمَا لم تعْمل فِي تَقْدِيم الْخَبَر
قَالَ الله عز وَجل {وَمَا أمرنَا إِلَّا وَاحِدَة كلمح} و {مَا هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ} وَقَالَ حَيْثُ كَانَت فِي موضعهَا {مَا هَذَا بشرا} و {مَا هن أمهاتهم}
فَهَذَا أَصْلهَا الَّذِي شرحنا وسنفرد بَابا للمسائل إِذْ كَانَت لَا تصح إِلَّا بعد الْفَرَاغ من الْأُصُول(4/190)
فَأَما قَول الفرزدق
(فأَصْبَحُوا قَدْ أعادَ الله نِعْمَتَهُمْ ... إذْ هُمْ قُريشٌ وإِذْ مَا مِثْلَهُمُ بشَرُ)
فالرفع الْوَجْه وَقد نَصبه بعض النَّحْوِيين وَذهب إِلَى أَنه خبر مقدم وَهَذَا خطأ فَاحش وَغلط بَين وَلَكِن نَصبه يجوز على أَن تَجْعَلهُ نعتا مقدما وتضمر الْخَبَر فتنصبه على(4/191)
الْحَال مثل قَوْلك فِيهَا قَائِما رجل وَذَلِكَ أَن النَّعْت لَا يكون قبل المنعوت وَالْحَال مفعول فِيهَا وَالْمَفْعُول يكون مقدما ومؤخرا وَقد فسرنا الْحَال بالعامل إِذا كَانَ فعلا وَإِذا كَانَ على معنى الْفِعْل بِمَا يسْتَغْنى عَن إِعَادَة القَوْل فِيهِ(4/192)
(هَذَا بَاب من مسَائِل مَا)
تَقول مَا زيد مُنْطَلقًا وَلَا قَائِم عَمْرو رفعت قَائِما لِأَنَّهُ خبر مقدم فكأنك قلت وَمَا قَائِم عَمْرو
وَتقول مَا زيد مُنْطَلقًا وَلَا قَائِما أَبوهُ وَإِن شِئْت قلت وَلَا قَائِم أَبوهُ
أما النصب فلأنك أجريت على زيد الْخَبَر لِأَنَّهُ لما هُوَ من سَببه فَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا كَانَ لَهُ
أَلا ترى أَنَّك تَقول مَا زيد قَائِما أَبوهُ كَمَا تَقول مَا زيد قَائِما وَلَو قلت مَا زيد قَائِما عَمْرو كَانَ محالا
وَأما الرّفْع فعلى أَنَّك جعلته خَبرا للْأَب ثمَّ قَدمته على ذَلِك فكأنك قلت مَا زيد أَبوهُ قَائِم فَكَانَ بِمَنْزِلَة الْأَجْنَبِيّ فِي الِانْقِطَاع من الأول ومباينا للْأَجْنَبِيّ فِي وُقُوعه خبر الأول رفعت أَو نصبت
أما قَوْلنَا بِمَنْزِلَة الْأَجْنَبِيّ فَإنَّك إِذا قلت مَا زيد مُنْطَلقًا وَلَا قَائِم أَبوهُ فَهُوَ كَقَوْلِك وَلَا قَائِم عَمْرو لِأَنَّك عطفت جملَة على جملَة فَاسْتَوَى مَا لَهُ سَبَب وَمَا لَا سَبَب لَهُ
وَأما قَوْلنَا إِذا كَانَ خَبرا بَان من الْأَجْنَبِيّ رفعت أَو نصبت فَذَلِك قَوْلك مَا زيد مُنْطَلقًا أَبوهُ وَمَا زيد أَبوهُ منطلق لَا يجوز أَن يكون الْأَجْنَبِيّ فِي هَذَا الْموضع لَو(4/193)
قلت مَا زيد مُنْطَلقًا عَمْرو أَو مَا زيد عَمْرو منطلق كَانَ خطأ وَلم يكن للْكَلَام معنى لِأَنَّك ذكرت زيدا وَلم تصل بِهِ خَبرا
فَإِن قلت مَا زيد مُنْطَلقًا عَمْرو إِلَيْهِ أَو مَا زيد مُنْطَلقًا رجل يُحِبهُ أَو نَحْو ذَلِك من الرواجع إِلَيْهِ صَحَّ الْكَلَام وَصَحَّ مَعْنَاهُ وَهَذَا بَين جدا
وَتقول مَا أَبُو هِنْد قَائِما وَلَا منطلقة أمه على مَا وصفت لَك وَلَو قلت مَا أَبُو هِنْد قَائِما وَلَا منطلقة أمهَا كَانَ خطأ لِأَنَّك لم ترد إِلَى الْأَب شَيْئا وَهُوَ الَّذِي عَنهُ تخبر وَإِنَّمَا جِئْت بِالْهَاءِ لغيره
أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول مَا أَبُو هِنْد منطلقة أمهَا
فَأَما قَول الشَّاعِر
(فليْسَ بمعروفِ لنا أَنْ نَرُدَّها ... صِحاحاً وَلَا مُسْتَنْكَرٌ أَنْ تُعَقَّرَا)
فَإِن هَذَا الْبَيْت إِنَّمَا جَاءَ فِي لَيْسَ وَلَيْسَ تَقْدِيم الْخَبَر وتأخيره فِيهَا سَوَاء
وَلَكنَّا نشرحه على مَا يصلح مثله فِي مَا وَمَا يمْتَنع إِنَّمَا كَانَ فِي ذكر الْخَيل فَقَالَ فَلَيْسَ بِمَعْرُوف لنا أَن نردها أَي فَلَيْسَ بِمَعْرُوف لنا ردهَا ف (ردهَا) اسْم لَيْسَ وبمعروف لنا الْخَبَر ثمَّ قَالَ وَلَا مستنكر أَن تعقرا وتأويله وَلَا مستنكر عقرهَا فَهَذَا لَا يكون إِلَّا مُنْقَطِعًا عَن الأول لِأَن الْعقر مُضَاف إِلَى ضمير الْخَيل(4/194)
وَلَيْسَ يرجع إِلَى الرَّد وَالرَّدّ غير الْخَيل فَهَذَا بِمَنْزِلَة قَوْلك مَا أَبُو زَيْنَب قَائِما وَلَا ذَاهِبَة أمهَا لِأَن الْأُم ترجع إِلَى زَيْنَب لَا إِلَى من خبر عَنهُ وَهُوَ الْأَب
وَلَو قلت فِي لَيْسَ خَاصَّة وَلَا مستنكرا أَن تعقرا على الْموضع كَانَ حسنا لِأَن لَيْسَ يقدم فِيهَا الْخَبَر فكأنك قلت لَيْسَ بمنطلق عَمْرو وَلَا قَائِما بكر على قَوْلك وَلَيْسَ قَائِما بكر
وَأما الْخَفْض فَيمْتَنع لِأَنَّك تعطف بِحرف وَاحِد على عاملين وهما الْبَاء وَلَيْسَ فكأنك قلت زيد فِي الدَّار والحجرة عَمْرو فتعطف على فِي والمبتدأ
وَكَانَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش يُجِيزهُ وَقد قَرَأَ بعض الْقُرَّاء {وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار وَمَا أنزل الله من السَّمَاء من رزق فأحيا بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا وتصريف الرِّيَاح آيَات لقوم يعْقلُونَ} فعطف على إِن وعَلى فِي وَهَذَا عندنَا غير جَائِز(4/195)
وَمثل الْبَيْت الْمُتَقَدّم قَوْله
(هَوِّنْ عَلَيْكَ فإِنَّ الأُمُورَ ... بِكَفِّ الإِلهِ مَقادِيرُها)
(فليْسَ بآتيكَ منْهِيُّها ... وَلَا قاصرٌ عنكَ مأمُورُها)
لِأَن الْمَأْمُور رَاجع إِلَى الْأُمُور ومنهيها بَعْضهَا
فالرفع على مثل قَوْلك لَيْسَ زيد قَائِما وَلَا عَمْرو منطلق قطعته من الأول وعطفت جملَة على جملَة
وَالنّصب قد فسرناه على الْموضع
وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ يُجِيز الْجَرّ فِي هَذَا وَفِي الَّذِي قبله فَيَقُول وَلَا قَاصِر وَلَا مستنكر وَيذْهب إِلَى أَن الرَّد مُتَّصِل بِالْخَيْلِ وَأَن المنهى مُتَّصِل بالأمور فَإِذا رد إِلَى الْمنْهِي فَكَأَنَّهُ قد رد إِلَى الْأُمُور ويحتج بِهَذِهِ الأبيات الَّتِي أذكرها وَهِي قَول الشَّاعِر(4/196)
(وتشْرَقُ بالقوْلِ قَدْ أَذَعْتَهُ ... كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ القَنَاةِ مِنَ الدَّمِ)
فأنث لِأَن الصَّدْر من الْقَنَاة وَكَذَلِكَ قَوْله
(لَمَّا أَتَى خَبرُ الزُّبَيْرِ تَواضَعَتْ ... سُورُ المدِينَةِ والجِبالُ الخُشَّعُ)
وَمثله
(مشَيْنَ كَمَا اهتزَّتْ رِماحٌ تِسفَّهُتْ ... أَعالِيَهَا مَرُّ الرِّياحِ النَّواسِمِ)(4/197)
وَمثله
(إِذا مَرُّ السنينَ تعرَّقتْنَا ... كَفى الأَيتَام فَقْدَ أَبي اليتيمِ)
وَفِي كتاب الله عز وَجل {فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين} وَمثل هَذَا كثير جدا(4/198)
وَلَيْسَ القَوْل عِنْدِي كَمَا ذهب إِلَيْهِ وسنفصل بَين هَذَا وَبَين مَا ذكر إِن شَاءَ الله
أما قَوْله {فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين} فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه أَرَادَ بأعناقهم جماعاتهم من قَوْلك أَتَانِي عنق من النَّاس أَي جمَاعَة وَإِلَى هَذَا كَانَ يذهب بعض الْمُفَسّرين وَهُوَ رَأْي أبي زيد الْأنْصَارِيّ
وَأما مَا عَلَيْهِ جمَاعَة أهل النَّحْو وَأكْثر أهل التَّفْسِير فِيمَا أعلم فَإِنَّهُ أضَاف الْأَعْنَاق إِلَيْهِم يُرِيد الرّقاب ثمَّ جعل الْخَبَر عَنْهُم لِأَن خضوعهم بخضوع الْأَعْنَاق وَمن ذَلِك قَول النَّاس ذلت عنقِي لفُلَان وذلت رقبتي لَك قَالَ عمَارَة
(فَإِنِّي امْرُؤ من عصبَة خندفية ... أَبَت للأعادي أَن تذيخ رقابها)
جعل للأعادي تبيينا وَلم يدْخلهُ فِي صلَة أَن
وَأما قَوْله كَمَا شَرقَتْ صدر الْقَنَاة من الدَّم فَإِن صدر الْقَنَاة قناة وَكَذَلِكَ سور الْمَدِينَة لِأَنَّهَا إِنَّمَا مدنت بسورها
وَأما قَوْله
(طُولُ اللَّيالي أَسْرَعتْ فِي نَقْضِي ... )(4/199)
فَإِن الطول غير منفكة اللَّيَالِي مِنْهُ فتقديره اللَّيَالِي أسرعت فِي نقضي
وَقَرِيب مِنْهُ قَوْله
(رأَتْ مرَّ السِّنِينْ أَخَذْنَ مِنِّي ... )
لِأَن السنين إِنَّمَا تعقل بمرورها وتصرفها
وَالَّذِي قَالَ خَارج من هَذَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يجوز أَن تخبر عَن الْمُضَاف إِذا ذكرت الْمُضَاف إِلَيْهِ إِذا كَانَ الأول بعضه أَو كَانَ الْمَعْنى مُشْتَمِلًا عَلَيْهِ فَأَما قَوْله
(فلَيْسَ بمعْرُوف لَنَا أَنْ نَرُدَّها ... )
فَإِن الرَّد غير الْخَيل والعقر رَاجع إِلَى الْخَيل فِي قَوْله
(وَلَا مُسْتَنْكِرٍ أَنْ تُعْقَّرَا ... )
فَلَيْسَ بمتَّصل بِشَيْء من الرَّد وَلَا دَاخل فِي الْمَعْنى فَأَما قَوْله
(فَلَيْسَ بآتِيك مِنْهِيُّها)
فَهُوَ أقرب قَلِيلا وَلَيْسَ مِنْهُ لِأَن الْمَأْمُور بَعْضهَا والمنهي بَعْضهَا وقربه أَنَّهُمَا قد أحاطا بالأمور
وَلَيْسَ يجوز الْخَفْض عندنَا إِلَّا على عاملين فِيمَن أجَازه وَقد ذكرنَا ذَلِك(4/200)
وَتقول مَا زيد قَائِما إِلَّا أَبوهُ أردْت مَا زيد قَائِما أحد إِلَّا أَبوهُ فَجَاز ذَلِك لِأَن أحدا منفي عَنهُ الْقيام وَكَذَلِكَ مَا زيد آكلا إِلَّا الْخبز أردْت مَا زيد آكلا شَيْئا إِلَّا الْخبز وَمَا زيد إِلَّا طَعَامك آكل رفعت آكلا لِأَنَّهُ وَقع مُوجبا فعلى هَذَا يجْرِي أصُول هَذَا الْبَاب ومسائله(4/201)
هَذَا بَاب النداء
اعْلَم أَنَّك إِذا دَعَوْت مُضَافا نصبته وانتصابه على الْفِعْل الْمَتْرُوك إِظْهَاره وَذَلِكَ قَوْلك يَا عبد الله لِأَن يَا بدل من قَوْلك أَدْعُو عبد الله وَأُرِيد لَا أَنَّك تخبر أَنَّك تفعل وَلَكِن بهَا وَقع أَنَّك قد أوقعت فعلا فَإِذا قلت يَا عبد الله فقد وَقع دعاؤك بِعَبْد الله فانتصب على أَنه مفعول تعدى إِلَيْهِ فعلك
وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ نكرَة نَحْو يَا رجلا صَالحا وَيَا قوما منطلقين وَالْمعْنَى وَاحِد(4/202)
وعَلى هَذَا {يَا حسرة على الْعباد}
وَقَالَ الشَّاعِر
(أَدَاراً بِحُزْوَى هِجْتِ لِلْعَيْنِ عَبْرةً ... فَماءُ الهَوَى يَرْفَضُّ أَوْ يَتَرَقْرَقْ)
وَقَالَ الشَّاعِر
(لعلَّكَ يَا تَيْسا نَزَا فِي مَرِيرَةٍ ... تُعَذِّبُ لَيْلى أنْ تَراني أَزُورُها)(4/203)
وَقَالَ الآخر
(فيا راكِبِّا إِمَا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ ... نداماي مِنْ نَجْرَانَ أَنْ لَا تَلاقِيا)
وَأما الْمُضَاف فكقوله {يَا قَومنَا أجِيبُوا دَاعِي الله} وَمَا أشبهه
فَإِن كَانَ المنادى وَاحِدًا مُفردا معرفَة بني على الضَّم وَلم يلْحقهُ تَنْوِين وَإِنَّمَا فعل ذَلِك بِهِ لِخُرُوجِهِ عَن الْبَاب ومضارعته مَا لَا يكون معربا وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت يَا زيد وَيَا عَمْرو فقد أخرجته من بَابه لِأَن حد الْأَسْمَاء الظَّاهِرَة أَن تخبر بهَا وَاحِد عَن وَاحِد غَائِب والمخبر عَنهُ غَيرهَا فَتَقول قَالَ زيد فزيد غَيْرك وَغير الْمُخَاطب وَلَا تَقول قَالَ زيد وَأَنت تعنيه أَعنِي الْمُخَاطب فَلَمَّا قلت يَا زيد خاطبته بِهَذَا الِاسْم فأدخلته فِي بَاب مَا لَا يكون إِلَّا(4/204)
مَبْنِيا نَحْو أَنْت وَإِيَّاك وَالتَّاء فِي قُمْت وَالْكَاف فِي ضربتك ومررت بك فَلَمَّا أخرج من بَاب الْمعرفَة وَأدْخل فِي بَاب المبنية لزمَه مثل حكمهَا وبنيته على الضَّم لتخالف بِهِ جِهَة مَا كَانَ عَلَيْهِ معربا لِأَنَّهُ دخل فِي بَاب الغايات
أَلا ترى أَنَّك تَقول جِئْت قبلك وَمن قبلك فَلَمَّا صَار غَايَة لما أذكرهُ فِي مَوْضِعه قلت جِئْت قبل يَا فَتى وَجئْت من قبل قَالَ الله عز وَجل {لله الْأَمر من قبل وَمن بعد}
وَكَذَلِكَ تَقول جِئْت فِي أول النَّاس وَتقول ابدأ بِهَذَا أول يَا فَتى لما خرج من بَاب الْإِعْرَاب فَصَارَ غَايَة خُولِفَ بِهِ عَن جِهَته وَلِهَذَا مَوضِع يذكر فِيهِ مستقصى بحججه إِن شَاءَ الله
فَإِن قَالَ قَائِل فالمضاف والنكرة مخاطبان كَمَا كَانَ فِي الْمُفْرد الْمعرفَة وَقد كَانَ حَقّهمَا أَن يخبر عَنْهُمَا وَلَا يخاطبا
قيل لَهُ قد علمنَا أَن الْمُضَاف معرفَة بالمضاف إِلَيْهِ كَمَا كَانَ قبل النداء والنكرة فِي حَال النداء كَمَا كَانَ قبل ذَلِك
وَزيد وَمَا أشبهه فِي حَال النداء معرفَة بِالْإِشَارَةِ منتقل عَنهُ مَا كَانَ قبل ذَلِك فِيهِ من التَّعْرِيف
أَلا ترى أَنَّك تَقول إِذا أردْت الْمعرفَة يَا رجل أقبل
فَإِنَّمَا تَقْدِيره يَا أَيهَا الرجل أقبل وَلَيْسَ على معنى مَعْهُود وَلَكِن حدثت فِيهِ إِشَارَة النداء فَلذَلِك لم تدخل فِيهِ الْألف وَاللَّام وَصَارَ معرفَة بِمَا صَارَت بِهِ المبهمة معارف(4/205)
والمبهمة مثل هَذَا وَذَاكَ وَهَذِه وَتلك وَأُولَئِكَ وَذَاكَ وذاكن وذلكن إِلَّا أَنَّك إِذا ناديته فَهُوَ معرفَة بِالْإِشَارَةِ كَمَا كَانَت هَذِه الْأَسْمَاء غير أَنه مُخَاطب وَهِي مخبر عَنْهَا فَهَذَا يُوضح لَك أَمر الْوَاحِد الْمُفْرد
وَمَعَ ذَلِك أَن الْمُضَاف تَمنعهُ الْإِضَافَة من الْبناء كَمَا كَانَ ذَلِك فِي قبل وَبعد وأمس وَمَا أشبههن
تَقول ذهب أمس بِمَا فِيهِ وَقد ذهب أمسنا وَكَذَلِكَ تَقول جِئْت من قبل وَمن بعد يَا فَتى كَمَا قَالَ الله عز وَجل {وَمن قبل مَا فرطتم فِي يُوسُف} فَلَمَّا أضَاف قَالَ {من بعد أَن أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم} و {من بعد أَن نزع الشَّيْطَان بيني وَبَين إخوتي}
والفصل بَين قَوْلك يَا رجل أقبل إِن أردْت بِهِ الْمعرفَة وَبَين قَوْلك يَا رجلا أقبل إِذا أردْت النكرَة أَنَّك إِذا ضممت فَإِنَّمَا تُرِيدُ رجلا بِعَيْنِه تُشِير إِلَيْهِ دون سَائِر أمته
وَإِذا نصبت ونونت فَإِنَّمَا تَقْدِيره يَا وَاحِدًا مِمَّن لَهُ هَذَا الِاسْم فَكل من أجابك من الرِّجَال فَهُوَ الَّذِي عنيت كَقَوْلِك لَأَضرِبَن رجلا فَمن كَانَ لَهُ هَذَا الِاسْم بر بِهِ قسمك
وَلَو قلت لَأَضرِبَن الرجل لَك لم يكن إِلَّا وَاحِدًا مَعْلُوما بِعَيْنِه إِلَّا أَن هَذَا لَا يكون إِلَّا على مَعْهُود
فأعربت النكرَة لِأَنَّهَا فِي بَابهَا لم تخرجها مِنْهُ وَمَعَ هَذَا أَن التَّنْوِين الَّذِي فِيهِ مَانع من الْبناء كَمَا كَانَ ذَلِك فِي الْمُضَاف(4/206)
وَمن جعل قبل وَبعد نكرتين نون وأجراهما على وُجُوه الْإِعْرَاب وَقد قَرَأَ بعض الْقُرَّاء {لله الْأَمر من قبل وَمن بعد}
فَمن جَعلهمَا نكرتين فتقديره وَالله أعلم لله الْأَمر أَولا وآخرا
وَمن جَعلهمَا معرفتين فتقدير ذَلِك قبل مَا نعلم وَبعده وَقبل كل شَيْء وَبعده
تَقول يَا زيد وَعَمْرو أَقبلَا وَيَا هِنْد وَزيد أَقبلَا تجْرِي كل مُفْرد معرفَة وَإِن اخْتلفت أجناسه مجْرى وَاحِد لِأَن النداء يُخرجهُ إِلَى طَريقَة وَاحِدَة
فَإِن نعت مُفردا بمفرد فَأَنت فِي النَّعْت بِالْخِيَارِ إِن شِئْت رفعته وَإِن شِئْت نصبته
تَقول يَا زيد الْعَاقِل أقبل وَيَا عَمْرو الظريف هَلُمَّ وَإِن شِئْت قلت الْعَاقِل والظريف
أما الرّفْع فلأنك أتبعته مَرْفُوعا
فَإِن قَالَ فَهَذَا الْمَرْفُوع فِي مَوضِع مَنْصُوب فَلم لَا يكون بِمَنْزِلَة قَوْلك مَرَرْت بعثمان الظريف لم تتبعه لاسم لِأَن الِاسْم فِي مَوضِع مخفوض وَأَنه مَنعه أَنه لَا ينْصَرف فجرت صفته على مَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يكون عَلَيْهِ فالفصل بَينهمَا اطراد الْبناء فِي كل منادى مُفْرد حَتَّى يصير الْبناء عِلّة لرفعه وَإِن كَانَ ذَلِك الرّفْع غير إِعْرَاب وَلَيْسَ كل اسْم مَمْنُوعًا من الصّرْف(4/207)
فَمن ذَلِك قَوْله
(يَا حَكَمُ الوارِثُ عَنْ عَبْدِ الملِكْ ... )
فَهُوَ الْأَكْثَر فِي الْكَلَام
وَأما النصب فعلى الْموضع لِأَن مَوضِع زيد مَنْصُوب
فتقدير هَذَا إِذا رفعت تَقْدِير قَوْلك لَيْسَ زيد بقائم وَلَا قَاعد على اللَّفْظ وَإِن كَانَت الْبَاء زَائِدَة
وَتَقْدِير الْمَنْصُوب تَقْدِير قَوْلك لَيْسَ زيد بقائم وَلَا قَاعِدا حملت قَاعِدا على الْموضع إِلَّا أَن هَذَا مُعرب فِي مَوْضِعه وَزيد مَبْنِيّ فِي النداء وَلَكِنِّي مثلت لَك بِمَا اخْتلف وجهاه كاختلاف نعت زيد الْمُفْرد وَمِمَّا جَاءَ من نعت المنادى الْمُفْرد مَنْصُوبًا قَول جرير
(فَمَا كَعْبُ بْنُ مَامَةَ وابنُ سُعْدَى ... بأَجْوَدَ مِنْكَ يَا عُمرُ الجَوادَا)(4/208)
وَإِذا نعت مُفردا بمضاف لم يكن الْمُضَاف إِلَّا مَنْصُوبًا تَقول يَا زيد ذَا الجمة وَيَا زيد غُلَام عَمْرو
والفصل بَين هَذَا وَبَين الْمُفْرد أَنَّك إِذا نعت شَيْئا بِشَيْء فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ لَو كَانَ فِي مَوْضِعه فقولك مَرَرْت بزيد الظريف كَقَوْلِك مَرَرْت بالظريف وَكَذَلِكَ مَرَرْت بِعَمْرو الْعَاقِل
فَأَنت إِذا قلت يَا زيد الظريف فتقديره يَا ظريف على مَا حددت لَك
وقولك يَا زيد ذَا الجمة بِمَنْزِلَة يَا ذَا الجمة فَلذَلِك لم يكن الْمُضَاف إِذا كَانَ نعتا إِلَّا نصبا
أما الْمُضَاف المنادى فنعته لَا يكون إِلَّا نصبا مُفردا كَانَ أَو مُضَافا وَذَلِكَ قَوْلك يَا عبد الله الْعَاقِل لِأَنَّك إِن حَملته على اللَّفْظ فَهُوَ مَنْصُوب والموضع مَوضِع نصب
فَأَما قَوْله
(إِنَّي وأَسْطارٍ سُطِرْنَ سَطْرا ... لقائِلٌ يَا نصرُ نصرٌ نَصْرا)
فَإِن هَذَا الْبَيْت ينشد على ضروب فَمن قَالَ يَا نصر نصرا نصرا فَإِنَّهُ جعل المنصوبين تبيينا لمضموم وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه النحويون عطف الْبَيَان وَمَجْرَاهُ مجْرى الصّفة فأجراه على قَوْلك يَا زيد الظريف وَتَقْدِيره تَقْدِير قَوْلك يَا رجل زيدا أقبل جعلت زيدا بَيَانا للرجل على قَول من نصب الصّفة(4/209)
وينشد يَا نصر نصر نصرا جَعلهمَا تبيانا فَأجرى أَحدهمَا على اللَّفْظ وَالْآخر على الْموضع كَمَا تَقول يَا زيد الظريف الْعَاقِل وَلَو حمل الْعَاقِل على أَعنِي كَانَ جيدا
وَمِنْهُم من ينشد يَا نصر نصر نصرا يَجْعَل الثَّانِي بَدَلا من الأول وَينصب الثَّانِي على التَّبْيِين فَكَأَنَّهُ قَالَ يَا نصر نصرا
وَأما الْأَصْمَعِي فَزعم أَن هَذَا الشّعْر يَا نصر نصرا نصرا وَأَنه إِنَّمَا يُرِيد الْمصدر أَي انصرني نصرا(4/210)
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة هَذَا تَصْحِيف إِنَّمَا قَالَه لنصر بن سيار يَا نصر نصرا نصرا إغراء أَي عَلَيْك نصرا يغريه بِهِ اعْلَم أَن الْبَدَل فِي جَمِيع الْعَرَبيَّة يحل مَحل الْمُبدل مِنْهُ وَذَلِكَ قَوْلك مَرَرْت بِرَجُل زيد وبأخيك أبي عبد الله فكأنك قلت مَرَرْت بزيد ومررت بِأبي عبد الله فعلى هَذَا تَقول يَا زيد أَبَا عبد الله فتنصب أَبَا عبد الله نعتا كَانَ أَو بَدَلا لِأَنَّك إِذا أبدلته مِنْهُ فكأنك قلت يَا أَبَا عبد الله وَتقول يَا أخانا زيدا أقبل لِأَن الْبَيَان يجْرِي مجْرى النَّعْت فكأنك قلت يَا أخانا الظريف أقبل لَا يكون فِي الظريف إِلَّا النصب وَلَا فِي زيد إِذا كَانَ تبيينا
وَاعْلَم أَن الْمَعْطُوف على الشَّيْء يحل مَحَله لِأَنَّهُ شَرِيكه فِي الْعَامِل نَحْو مَرَرْت بزيد وَعَمْرو وَجَاءَنِي زيد وَعَمْرو
فعلى هَذَا تَقول يَا زيد وَعَمْرو أَقبلَا وَيَا زيد وَعبد الله أَقبلَا لِأَن عبد الله إِذا حل مَحل زيد فِي النداء لم يكن إِلَّا نصبا تَقول مَرَرْت بِعَمْرو وَمُحَمّد يَا فَتى لِأَن مُحَمَّدًا إِذا حل هَذَا الْمحل لم يكن إِلَّا مخفوضا منونا
وَتقول يَا عبد الله وَزيد أَقبلَا لَا يكون إِلَّا ذَلِك لما ذكرت لَك(4/211)
فَإِن عطفت اسْما فِيهِ ألف وَلَام على مُضَاف أَو مُنْفَرد فَإِن فِيهِ اخْتِلَافا أما الْخَلِيل وسيبويه والمازني فيختارون الرّفْع فَيَقُولُونَ يَا زيد والْحَارث أَقبلَا وَقَرَأَ الْأَعْرَج {يَا جبال أوبي مَعَه وَالطير}
وَأما أَبُو عَمْرو وَعِيسَى بن عمر وَيُونُس وَأَبُو عمر الْجرْمِي فيختارون النصب وَهِي قِرَاءَة الْعَامَّة
وَحجَّة من اخْتَار الرّفْع أَن يَقُول إِذا قلت يَا زيد والْحَارث فَإِنَّمَا أُرِيد يَا زيد وَيَا حَارِث(4/212)
فَيُقَال لَهُم فَقولُوا يَا الْحَارِث فَيَقُولُونَ هَذَا لَا يلْزمنَا لِأَن الْألف وَاللَّام لَا تقع إِلَى جَانب حرف النداء وَأَنْتُم إِذا نصبتموه لم توقعوه أَيْضا ذَلِك الْموقع فكلانا فِي هَذَا سَوَاء
وَإِنَّمَا جوزت لمفارقتها حرف الْإِشَارَة كَمَا تَقول كل شاه وسخلتها بدرهم وَرب رجل وأخيه وَلَا تَقول كل سخلتها وَلَا رب أَخِيه حَتَّى تقدم النكرَة
وَحجَّة الَّذين نصبوا أَنهم قَالُوا نرد الِاسْم بِالْألف وَاللَّام إِلَى الأَصْل كَمَا نرده بِالْإِضَافَة والتنوين إِلَى الأَصْل فيحتج عَلَيْهِم بالنعت الَّذِي فِيهِ الْألف وَاللَّام وكلا الْقَوْلَيْنِ حسن
وَالنّصب عِنْدِي حسن على قِرَاءَة النَّاس
مثل ذَلِك اخْتلَافهمْ فِي الِاسْم المنادى إِذا لحقه التَّنْوِين اضطرارا فِي الشّعْر فَإِن الْأَوَّلين يرَوْنَ رَفعه وَيَقُولُونَ هُوَ بِمَنْزِلَة مَرْفُوع لَا ينْصَرف فَلحقه التَّنْوِين على لَفظه
وَأَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء وَأَصْحَابه يلزمونه النصب وحجتهم فِي ذَلِك مَا ذكرت لَك وَيَقُولُونَ هُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك مَرَرْت بعثمان يَا فَتى فَمَتَى لحقه التَّنْوِين رَجَعَ إِلَى الْخَفْض(4/213)
فمما جَاءَ على ذَلِك قَول مهلهل
(رَفَعتْ رَأْسَهَا إِليَّ وقَالَتْ ... يَا عَدِيًّا لقَدْ وقَتْك الأَواقي)
وَالْأَحْسَن عِنْدِي النصب وَأَن يردهُ التَّنْوِين إِلَى أَصله كَمَا كَانَ ذَلِك فِي النكرَة والمضاف وَكَذَلِكَ بَيت الْأَحْوَص
(سلامُ اللهِ يَا مطَرُ عليْها ... وليسَ عليكَ يَا مَطَرُ السلامُ)(4/214)
وَقَالَ الآخر
(يَا عَدِيًّا لِقَلْبِكَ المُهْتَاجِ ... )
وَأما قَول الصلتان
(أَيَا شَاعِرًا لَا شَاعِر اليَوْمَ مِثْلَهُ ... جَرِيرٌ ولكنْ فِي كُلَيْبٍ تَواضُعُ)
فَكَانَ الْخَلِيل يزْعم أَن هَذَا لَيْسَ نِدَاء من أجل الْمَعْنى وَذَلِكَ أَنه لَو ناداه كَانَ قد نَادَى منكورا وَكَانَ كل من أَجَابَهُ مِمَّن لَهُ هَذَا الِاسْم فَهُوَ الَّذِي نَادَى كَقَوْلِك إِذا جَاءَ رجل فَأَعْلمنِي فَإِنَّمَا أخْبرته بِأَن يعلمك إِذا جَاءَ وَاحِد مِمَّن لَهُ هَذِه البنية قَالَ فَكيف يكون نكرَة وَهُوَ يقْصد إِلَى وَاحِد بِعَيْنِه فيفضله وَلَكِن مجازاه أَنه(4/215)
قَالَ يَا فنبه ثمَّ قَالَ عَلَيْكُم شَاعِرًا لَا شَاعِر الْيَوْم مثله وَفِيه معنى التَّعَجُّب كَأَنَّهُ قَالَ حَسبك بِهِ شَاعِرًا لما فِيهِ من معنى وَاللَّفْظ على مَا شرحت لَك
وَإِذا كَانَت الصّفة لَازِمَة تحل مَحل الصِّلَة فِي أَنه لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا لإبهام الْمَوْصُوف لم يكن إِلَّا رفعا لِأَنَّهَا وَمَا قبلهَا بِمَنْزِلَة الشَّيْء الْوَاحِد لِأَنَّك إِنَّمَا ذكرت مَا قبلهَا لتصل بِهِ إِلَى ندائها فَهِيَ الْمَدْعُو فِي الْمَعْنى وَذَلِكَ قَوْلك يَا أَيهَا الرجل أقبل أَي مدعُو وَالرجل نعت لَهَا وَهَا للتّنْبِيه لِأَن الْأَسْمَاء الَّتِي فِيهَا الْألف وَاللَّام صِفَات للمبهمة مبينَة عَنْهَا ونفسر ذَلِك مستقصي ثمَّ نعود إِلَى مَوْضِعه من النداء إِن شَاءَ الله
تَقول جَاءَنِي هَذَا الرجل فالرجل فِي غير هَذَا الْموضع لَا يذكر إِلَّا على مَعْهُود نَحْو قَوْلك جَاءَنِي الرجل فَمَعْنَاه الَّذِي عَرفته وَالَّذِي كَانَ بيني وَبَيْنك فِيهِ ذكر
فَإِذا قلت جَاءَنِي هَذَا الرجل لم يكن على مَعْهُود وَلَكِن مَعْنَاهُ الَّذِي ترى فَإِنَّمَا هَذَا اسْم مُبْهَم يَقع على كل مَا أَوْمَأت إِلَيْهِ بقربك وَإِنَّمَا توضحه بِمَا تنعته بِهِ ونعته الْأَسْمَاء الَّتِي فِيهَا الْألف وَاللَّام وَيجوز أَن تنعته بِالصِّفَاتِ الَّتِي فِيهَا الْألف وَاللَّام إِذا أَقمت الصّفة مقَام الْمَوْصُوف فَتَقول مَرَرْت بِهَذَا الطَّوِيل إِذا أَشرت إِلَيْهِ فَعلم مَا تَعْنِي بالطويل
وأصل النَّعْت بِهَذِهِ الْأَسْمَاء كَمَا وصفت لَك
فَإِذا قلت يَا أَيهَا الرجل لم يصلح فِي الرجل إِلَّا الرّفْع لِأَنَّهُ المنادى فِي الْحَقِيقَة وَأي مُبْهَم متوصل بِهِ إِلَيْهِ(4/216)
وَكَذَلِكَ يَا هَذَا الرجل إِذا جعلت هَذَا سَببا إِلَى نِدَاء الرجل فَإِذا أردْت أَن تقف على هَذَا كَمَا تقف على زيد فتنادي تَقول يَا هَذَا ثمَّ تنعته كنت فِي النَّعْت مُخَيّرا كَمَا كنت فِي نعت زيد
والفصل بَيت أَي وَبَين هَذَا أَن هَذَا اسْم للْإِشَارَة فَهُوَ يَكْتَفِي بِمَا فِيهِ من الْإِيمَاء
وَأي مجازها مجَاز مَا وَمن تكون اسْما فِي الْخَبَر بصلَة وَتَكون استفهاما ومجازاة فَتَقول أَيهمْ فِي الدَّار كَمَا تَقول من فِي الدَّار وَمَا عنْدك إِلَّا أَن أيا يسْأَل بهَا عَن شَيْء من شَيْء تَقول أَي الْقَوْم زيد؟ فزيد وَاحِد مِنْهُم وَأي بنيك أحب إِلَيْك
وَمن لَا تكون إِلَّا لما يعقل تَقول من فِي الدَّار فَالْجَوَاب زيد أَو عَمْرو وَمَا أشبه ذَلِك وَلَيْسَ جَوَابه أَن تَقول فرس أَو حمَار أَو طَعَام أَو شراب
وَلَو قلت أَي الالة عنْدك أَو أَي الظّهْر عنْدك؟ أجبْت عَن هَذَا على مِقْدَار الْمَسْأَلَة
وَمَا تقع على كل شَيْء وحقيقتها أَن يسْأَل بهَا عَن ذَوَات غير الْآدَمِيّين وَعَن صِفَات الْآدَمِيّين
تَقول مَا عنْدك فتجيب عَن كل شَيْء مَا خلا من يعقل(4/217)
فَأَما وُقُوعهَا على صِفَات الْآدَمِيّين فَأن تَقول مَا زيد فَيَقُول لَك طَوِيل أَو شرِيف أَو نَحْو ذَلِك
فَإِذا أَقمت الصّفة مقَام الْمَوْصُوف أوقعتها على من يعقل وَإِقَامَة الصّفة مقَام الْمَوْصُوف كَقَوْلِك مَرَرْت بظريف ومررت بعاقل فَإِنَّمَا حد هَذَا أَن يكون تَابعا للاسم وأقمته مقَامه
فمما وَقع مَا فِيهِ على الْآدَمِيّين قَول الله {وَالَّذين هم لفروجهم حافظون إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم فَإِنَّهُم غير ملومين}
وَقَالَ قوم مَا وصلتها مصدر فَمَعْنَاه أَو ملك أَيْمَانهم وَهَذَا أَقيس فِي الْعَرَبيَّة وَقَالَ الله عز وَجل {وَالسَّمَاء وَمَا بناها} فَقَالَ قوم إِنَّمَا هُوَ وَالسَّمَاء وبنائها وَقَالَ قوم مَعْنَاهُ وَمن بناها على مَا قيل فِيمَا قبله
فَأَما وُقُوع هَذِه الْأَسْمَاء فِي الْجَزَاء وَفِي معنى الَّذِي فَبين وَاضح نَحْو من يأتني آته و {وَمَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا} و {أيا مَا تدعوا فَلهُ الْأَسْمَاء الْحسنى} فَلذَلِك أخرنا شَرحه حَتَّى نذكرهُ فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله
فَأَما قَوْله
(يَا أَيُّها الجاهِلُ ذُو التَّنَزِّي ... )(4/218)
وَيَا أَيهَا الرِّجَال ذُو المَال فَإِن الَّذِي يخْتَار الرّفْع وَذَلِكَ لِأَن الرجل مَرْفُوع غير مَبْنِيّ وَذُو التنزي نعت لَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك جَاءَنِي الرجل ذُو المَال
وَالنّصب يجوز على أَن تَجْعَلهُ بَدَلا من أَي فكأنك قلت يَا أَيهَا الرجل يَا ذَا التنزي
وَتقول يَا زيد الْعَاقِل ذُو المَال إِن جعلت ذَا المَال من نعت الْعَاقِل
فَإِن جعلته من نعت زيد أَو بَدَلا من زيد فالنصب
وَتَقْدِيره إِذا كَانَ نعتا يَا زيد ذَا المَال وَإِذا كَانَ بَدَلا فتقديره يَا ذَا المَال
وَأما قَوْله يَا أَيهَا الرجل ذُو الجمة فَلَا يجوز أَن يكون ذُو الجمة من نعت أَي لَا تَقول يَا أَيهَا ذَا الجمة وَذَلِكَ لِأَن المبهمة معارف بأنفسها فَلَا تكون نعوتها معارف بغَيْرهَا لِأَن النَّعْت هُوَ المنعوت فِي الْحَقِيقَة لَا تَقول مَرَرْت بِهَذَا ذِي المَال على النَّعْت كَمَا تَقول بِهَذَا الرجل وَرَأَيْت غُلَام هَذَا الرجل
وَنَظِير مَا ذكرت لَك قَوْله
(أَلا أَيُهذا المنزلُ الدارِسُ الَّذِي ... كأَنَّكَ لَمْ يَعْهَدْ بِكَ الحيَّ عاهِدُ)(4/219)
تجْعَل هَذَا نعتا لأي لِأَنَّهُ مُبْهَم مثله فَهَذَا مَا ذكرت لَك من أَن نعت الشَّيْء على منهاجه
وَتقول يَا هَذَا الطَّوِيل أقبل فِي قَول من قَالَ يَا زيد الطَّوِيل
وَمن قَالَ يَا زيد الطَّوِيل قَالَ يَا هَذَا الطَّوِيل وَلَيْسَ بنعت لهَذَا وَلكنه عطف عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي يُسمى عطف الْبَيَان أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت جَاءَنِي زيد فَخفت أَن يلتبس الزيدان على السَّامع أَو الزيود قلت الطَّوِيل وَمَا أشبهه لتفصل بَينه وَبَين غَيره وَلَا تذكر إِلَّا مَا يَخُصُّهُ مِمَّن لَهُ مثل اسْمه
وَإِذا قلت جَاءَنِي هَذَا فقد أَوْمَأت لَهُ إِلَى وَاحِد بحضرتك وبحضرتك أَشْيَاء كَثِيرَة فَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن تبين لَهُ عَن الْجِنْس الَّذِي أَوْمَأت إِلَيْهِ ليفصل ذَلِك من جَمِيع مَا بحضرتك مِمَّا يرَاهُ فَأَنت هُنَاكَ إِنَّمَا تخص لَهُ شَيْئا من شَيْء مِمَّا يعرفهُ بِقَلْبِه وَأَنت هَا هُنَا إِنَّمَا تبين لَهُ وَاحِد من جمَاعَة تلحقها عينه
فَأَما الطَّوِيل وَمَا أشبهه فَإِنَّمَا حَده أم يكون تَابعا لما يلْحق المبهمة من الْجَوَاهِر تَقول جَاءَنِي هَذَا الرجل الطَّوِيل واشتريت هَذَا الْحمار الفاره يَا هَذَا
وَاعْلَم أَن كل مَوضِع يَقع فِيهِ الْمُضَاف مَنْصُوبًا فِي النداء فَهُوَ الْموضع الَّذِي يَقع فِيهِ الْمُفْرد مضموما غير منون(4/220)
وكل مَوضِع يرْتَفع فِيهِ الْمُضَاف فَهُوَ الْموضع الَّذِي يَقع فِيهِ الْمُفْرد منونا
تَقول يَا أَيهَا الرجل زيد على قَوْلك يَا أَيهَا الرجل ذُو المَال لِأَن زيدا تَبْيِين للرجل كَمَا كَانَ ذُو المَال نعتا للرجل(4/221)
وَإِنَّمَا منعنَا أَن نقُول زيد نعت لِأَن النَّعْت تحلية وَلَيْسَت الْأَسْمَاء الْأَعْلَام مِمَّا يحلى بهَا وَلكنه تَبْيِين لأي وَشرح
وَتقول يَا أَيهَا الرجل زيد أقبل على الْبَدَل من أَي كَمَا تَقول يَا أَيهَا الرجل ذَا الجمة فالبدل من الشَّيْء يحل مَحَله فكأنك قلت يَا زيد وَيَا ذَا الجمة
وَتقول يَا أَيهَا الرجل الضَّارِب زيدا كَمَا تَقول يَا أَيهَا الرجل الظريف وَكَذَلِكَ يَا أَيهَا الرجل الْحسن الْوَجْه وَيَا زيد الْحسن الْوَجْه ترفع لِأَنَّهُ مُفْرد وَإِن كنت قد خفضت الْوَجْه لِأَن تَقْدِيره يَا زيد الْحسن وَجهه وَيَا زيد الْحسن لِأَنَّك نَعته بالْحسنِ ثمَّ بلغت بِهِ موضعا مِنْهُ أَو بِسَبَبِهِ فَهُوَ يجْرِي فِي كل ذَلِك مجْرى الظريف
فَإِن قَالَ قَائِل فَنحْن نجده فِي اللَّفْظ مُضَافا تَقول هَذَا الْحسن الْوَجْه كَمَا تَقول هَذَا صَاحب الدَّار يَا فَتى
قيل لَهُ الْفَصْل بَين هَذَا وَذَاكَ أَنَّك تَقول هَذَا حسن وَجهه فَترفع الْوَجْه بِأَن الْفِعْل لَهُ فَإِذا أدخلت الْألف وَاللَّام قلت هَذَا الْحسن وَجهه فتقديره هَذَا الَّذِي حسن وَجهه كَمَا تَقول هَذَا الْقَائِم أَبوهُ فَلَا معنى للإضافة هَا هُنَا
فَإِذا قلت هَذَا الْحسن الْوَجْه فَإِنَّمَا هُوَ مَنْقُول من هَذَا كَمَا ينْقل النصب من قَوْلك الْحسن وَجها فَلَيْسَ بِخَارِج من معنى الَّذِي(4/222)
وعَلى هَذَا ينشد هَذَا الْبَيْت
(يَا صاحِ يَا ذَا الضامِرُ العَنْسِ ... والرَّحْلِ والأَقْتَابِ والحِلْسِ)
يُرِيد الَّذِي ضمرت عنسه وَسَنذكر حَال هَذِه الْأَسْمَاء إِذا كَانَت مناداة وَمَا يصلح أَن يعرف مِنْهَا وينكر إِن شَاءَ الله(4/223)
(هَذَا بَاب الْأَسْمَاء الَّتِي يلْحقهَا مَا يلْحق الْأَسْمَاء المضافة من النصب لما يضم إِلَيْهِ)
تَقول يَا خيرا من زيد أقبل وَيَا حسنا وَجهه وَيَا عشْرين رجلا وَيَا ضَارِبًا زيدا وَيَا قَائِما فِي الدَّار وَيَا ضَارِبًا رجلا
أما كَون هَذِه الْأَسْمَاء نكرات فقد قُلْنَا فِي النكرات وَكَيف يجب فِيهَا النصب
وَإِنَّمَا نذْكر هَذِه الْأَسْمَاء إِذا كَانَت معارف وَإِنَّمَا تكون معارف على ضَرْبَيْنِ إِمَّا سميت بِهِ رجلا وَإِمَّا دعوتها فِي موَاضعهَا على حد قَوْلك يَا رجل أقبل تُرِيدُ يَا أَيهَا الرجل أقبل وَأي ذَلِك فلفظها وَاحِد مَنْصُوب
أما قَوْلك يَا ضَارِبًا زيدا فَإِنَّمَا أردْت يَا أَيهَا الضَّارِب فَلَمَّا حذفت الْألف وَاللَّام لحق التَّنْوِين للمعاقبة فَرده إِلَى الأَصْل لِأَنَّك لم تنون مُضْطَرّا كَمَا قَالَ
(سَلامُ اللهِ يَا مَطَرٌ عَلَيْهَا ... وليسَ عليكَ يَا مَطَرُ السَّلامُ)
فَيكون دُخُول التَّنْوِين هَا هُنَا كدخوله على اسْم مَرْفُوع لَا ينْصَرف وَلكنه دخل لِأَن مَا بعده من تَمام الِاسْم الَّذِي قبله فَصَارَ التَّنْوِين كحرف فِي وسط الِاسْم فَلم يكن إِلَّا النصب بِمَا دخل الِاسْم من التَّنْوِين والتمام
وَكَذَلِكَ إِن سميت رجلا ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ لَقلت يَا ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ أقبل وَلَيْسَ(4/224)
بِمَنْزِلَة قَوْلك للْجَمَاعَة يَا ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ أَقبلُوا لِأَنَّك أردْت يَا أَيهَا الثَّلَاثَة وَيَا أَيهَا الثَّلَاثُونَ
وَلَو قلت يَا ثَلَاثَة وَالثَّلَاثِينَ لجَاز الرّفْع وَالنّصب مثل يَا زيد والْحَارث والْحَارث وَلَكِنَّك أردْت يَا من يُقَال لَهُ ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ فَكل مَا لحق هَذِه الْأَسْمَاء من تَنْوِين أَو اسْم يضم إِلَيْهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْإِضَافَة
وَكَذَلِكَ لَو سميت رجلا بِقَوْلِك زيد وَعَمْرو لَقلت يَا زيدا وعمرا أقبل
وَلَو سميته طَلْحَة وزيدا قلت يَا طَلْحَة وزيدا أقبل فَإِن أردْت بطلحة الْوَاحِدَة من الطلح قلت يَا طَلْحَة وزيدا أقبل لِأَنَّك سميته بهما منكورة وَلم تكن جَمِيع الِاسْم فَيصير معرفَة إِنَّمَا هِيَ من حَشْو الِاسْم كَمَا كَانَت فِيمَا نقلتها عَنهُ
فَأَما قَوْلك يَا زيد منطلق إِذا سميته بِقَوْلِك زيد منطلق فَلَا يجوز غَيره لِأَن زيدا مُبْتَدأ ومنطلق خَبره فقد عمل زيد فِي منطلق عمل الْفِعْل وَلَا يجوز أَن(4/225)
يدْخل عَامل على عَامل وَلَكِنَّك تحكيه كَمَا أَنَّك لَو سميت رجلا قَامَ زيد لَقلت يَا قَامَ زيد وَجَاءَنِي قَامَ زيد كَمَا قَالَ
(كَذَبْتُمْ وبَيْتِ اللهِ لَا تَأخُذُونَها ... بني شِابَ قَرْنَاها تَصُرُّ وتَحْلُبُ)
والفصل بَين هَذَا وَبَين مَا قبله أَن قَوْلك زيد منطلق كَلَام تَامّ وقولك طَلْحَة وَزيد وضارب رجلا وَخير مِنْك بِمَنْزِلَة قَوْلك زيد يحْتَاج إِلَى خبر أَو فعل حَتَّى يتم
وقولك يَا خيرا من زيد إِذا أردْت الْمعرفَة على معنى يَا رجل يكون على ضَرْبَيْنِ إِن شِئْت قلت يَا خيرا من زيد فنونت وَأَنت تُرِيدُ الْألف وَاللَّام كَمَا كَانَ ذَلِك فِيمَا قبله
وَإِن شِئْت قلت يَا خير أقبل وَذَلِكَ لِأَن قَوْلك زيد أفضل من عَمْرو من وَمَا بعْدهَا تعاقبان الْألف وَاللَّام كَمَا تفعل الْإِضَافَة فَمن لم يقل هَذَا خير من زيد قَالَ هَذَا الْأَخير قد جَاءَ وَهَذَا الْأَفْضَل وَمَا أشبهه وَمن لم يقل يَا أفضل من زيد قَالَ يَا أفضل أقبل على معنى يَا أَيهَا الْأَفْضَل فعلى هَذَا يجْرِي أفعل الَّذِي مَعَه من كَذَا
وقولك يَا حسن الْوَجْه إِذا لم ترد النكرَة إِنَّمَا مَعْنَاهُ يَا أَيهَا الْحسن فَهُوَ وَإِن كَانَ مُضَافا فِي تَقْدِير يَا حسنا وَجهه إِذا أردْت يَا أَيهَا الْحسن وَجهه كَمَا وصفت لَك فِي بَابه فِي أول الْكتاب(4/226)
(هَذَا بَاب الاسمين اللَّذين لَفْظهمَا وَاحِد وَالْآخر مِنْهُمَا مُضَاف)
وَذَلِكَ قَوْلك يَا زيد عَمْرو وَيَا تيم تيم عدي
فالأجود فِي هَذَا أَن تَقول يَا تيم تيم عدي فَترفع الأول لِأَنَّهُ مُفْرد وتنصب الثَّانِي لِأَنَّهُ مُضَاف وَإِن شِئْت كَانَ بَدَلا من الأول وَإِن شِئْت كَانَ عطفا عَلَيْهِ عطف الْبَيَان فَهَذَا أحسن الْوَجْهَيْنِ
وَالْوَجْه الآخر أَن تَقول يَا تيم تيم عدي وَيَا زيد زيد عَمْرو
وَذَلِكَ لِأَنَّك أردْت بِالْأولِ يَا زيد عَمْرو فإمَّا أقحمت الثَّانِي تَأْكِيدًا للْأولِ وَإِمَّا حذفت من الأول الْمُضَاف اسْتغْنَاء بِإِضَافَة الثَّانِي فَكَأَنَّهُ فِي التَّقْدِير يَا تيم عدي يَا تيم عدي(4/227)
كَمَا قَالَ
(إِلاَّ عُلالَةَ أَو بُداهَةَ ... قارِحٍ نَهْدِ الجُزَارَهْ)
أَرَادَ إِلَّا علالة قارح أَو بداهة قارح فَحذف الأول لبَيَان ذَلِك فِي الثَّانِي فَيكون الْكَلَام على هَذَا مَرَرْت بِخَير وَأفضل من ثمَّ وَقَالَ الفرزدق(4/228)
(يَا منّ رأى عارِضاً أُكَفْكِفُه ... بَيْنَ ذِرَاعيْ وجَبْهةِ الأَسَدِ)
أَرَادَ بَين ذراعي الْأسد وجبهة الْأسد
وينشدون هَذَا الْبَيْت لجرير على الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْله
(يَا تيمُ تَيْمَ عدِيٍّ لَا أَبَا لَكُمُ ... لَا يُلْقِينَّكُمُ فِي سَوْأَةٍ عُمَرُ)
الأجود يَا تيم تيم عدي لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَة فِيهِ وَلَا حذف وَلَا إِزَالَة شَيْء عَن مَوْضِعه(4/229)
وَكَذَلِكَ
(يَا زَيْدُ زَيْدَ اليَعْمَلاتِ الذُّبَّل ... تَطَاوَلَ اللَّيْلُ عليكَ فانْزِلِ)(4/230)
(هَذَا بابء تَابِعَة اللَّذين يجعلان بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد)
وَإِنَّمَا الثَّانِي فِي الْحَقِيقَة نعت للْأولِ ولكنهما جعلا بِمَنْزِلَة الْأَسْمَاء الَّتِي يتبع آخر حرف مِنْهَا مَا قبله
وَتلك الْأَسْمَاء نَحْو قَوْلك أَخُوك فتضم الْخَاء من أجل الْوَاو فِي الرّفْع وتفتح فِي النصب وتكسر فِي الْخَفْض إتباعا لما بعْدهَا وَكَذَلِكَ ذُو مَال
وامرؤ يَا فَتى تَقول هَذَا امْرُؤ ومررت بامرئ وَرَأَيْت امْرأ فَتكون الرَّاء تَابِعَة للهمزة
وَذَلِكَ قَوْلك يَا زيد بن عَمْرو فَجعلت زيدا وابنا بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد وأضفته إِلَى مَا بعده
والأجود أَن تَقول يَا زيد بن عَمْرو على النَّعْت وَالْبدل
وَإِنَّمَا يجوز أَن تَقول يَا زيد بن عَمْرو إِذا ذكرت اسْمه الْغَالِب وأضفته إِلَى اسْم أَبِيه أَو كنيته لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكّ من ذَلِك فَهُوَ بِمَنْزِلَة اسْمه الَّذِي هُوَ لَهُ
فَإِن قلت ابْن أخينا وَيَا زيد ابْن ذِي المَال لم يكن إِلَّا كَقَوْلِك يَا زيد ذَا الجمة وَكَذَلِكَ يَا رجل ابْن عبد الله كَأَنَّك قلت يَا رجل يَا ابْن عبد الله(4/231)
وعَلى هَذَا ينشد هَذَا الْبَيْت
(يَا حَكَمَ بْنَ المُنْذِرِ بْنِ الجارُودْ ... )
وَلَو أنْشد يَا حكم بن الْمُنْذر كَانَ أَجود على مَا وَصفنَا فِي صدر الْبَاب(4/232)
(هَذَا بَاب الْحُرُوف الَّتِي تنبه بهَا الْمَدْعُو وَهِي يَا وأيا وهيا وَأي وَألف الِاسْتِفْهَام)
فَهَذِهِ الْحُرُوف سوى الْألف تكون لمد الصَّوْت
وَتَقَع وَا فِي الندبة وَفِيمَا مددت بِهِ صَوْتك كَمَا تمده بالندبة وَإِنَّمَا أَصْلهَا للندبة
وَقد تبتدئ الِاسْم منادى بِغَيْر حرف من هَذِه الْحُرُوف وَذَلِكَ قَوْله
(حارُ بنَ عمْر أَلاَ أَحْلامَ تَزْجُرُكُمْ ... عَنَّا وَأَنْتُمْ مِنَ الجُوفِ الجمَاخِير)(4/233)
وَقَالَ الله جلّ وَعز {رب قد آتيتني من الْملك وعلمتني من تَأْوِيل الْأَحَادِيث فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض}
فَأَما الْألف فكقوله
(أَحارُ بْنَ عَمْرو كأَنِّي خَمْر ... ويَعْدُو عَلى المَرْءِ مَا يَأْتمِرْ)
وكقول الآخر
(أَحارُ أَرَى بَرْقًا أُرِيكَ وَمِيْضَهُ ... كَلَمْعِ اليَدَيْنِ فِي حَبِيٍّ مُكَلَّلِ)(4/234)
وَهَذِه الْحُرُوف فَاشِية فِي النداء فَإِذا كَانَ صَاحبهَا قَرِيبا مِنْك أَو بَعيدا ناديته ب (يَا) تَقول يَا زيد وَيَا أَبَا فلَان
وَأما أيا وهيا فَلَا يكونَانِ إِلَّا للنائم والمستثقل والمتراخى عَنْك لِأَنَّهُمَا لمد الصَّوْت
وَاعْلَم أَن للنداء أسماً يخص بهَا فَمِنْهَا قَوْلهم يَا هَناه أقبل وَلَا يكون ذَلِك فِي غير النداء لِأَنَّهُ كِنَايَة للنداء(4/235)
الصفحة فارغة(4/236)
وَكَذَلِكَ يَا نومان وَيَا فستق وَيَا لكاع
وَهَذِه كلهَا معارف
وَزعم سِيبَوَيْهٍ أَنه لَا يُجِيز نعت شَيْء مِنْهَا لَا تَقول يَا لكاع الخبيثة أقبلى لِأَنَّهَا عَلَامَات بِمَنْزِلَة الْأَصْوَات
وَمِنْهَا قَوْلهم يَا فل أقبل وَلَيْسَ بترخيم فلَان وَلَو كَانَ كَذَلِك لَقلت يَا فلَان أقبل(4/237)
وَمِمَّا يزِيدهُ إيضاحاً أَنَّك تَقول يَا فلة أقبلي
وَقد يضْطَر الشَّاعِر فيستعمل هَذَا فِي غير النداء لِأَنَّهَا فِي النداء معارف فينقلها على ذَلِك وَذَلِكَ قَوْلك
(فِي لَجَّة أَمْسك فُلاناً عَنْ فُلِ)
وَقَالَ الآخر
(أُجَوِّلُ مَا أُجَوِّلُ ثُمَّ آوى ... إِلَى بَيْت قَعِيْدتُه لَكاعِ)(4/238)
وَزعم أَن مثله اللَّهُمَّ إِنَّمَا الْمِيم الْمُشَدّدَة فِي آخِره عوض عَن يَا الَّتِي للتّنْبِيه وَالْهَاء مَضْمُومَة لِأَنَّهُ نِدَاء
وَلَا يجوز عِنْده وَصفه وَلَا أرَاهُ كَمَا قَالَ لِأَنَّهَا إِذا كَانَت بَدَلا من يَا فكأنك قلت يَا الله ثمَّ تصفه كَمَا تصفه فِي هَذَا الْموضع
فَمن ذَلِك قَوْله {قل اللَّهُمَّ فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة}
وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ يزْعم أَنه نِدَاء آخر كَأَنَّهُ قَالَ يَا فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض)
وَاعْلَم أَن الِاسْم لَا يُنَادي وَفِيه الْألف وَاللَّام لِأَنَّك إِذا ناديته فقد صَار معرفَة بِالْإِشَارَةِ بِمَنْزِلَة هَذَا وَذَاكَ وَلَا يدْخل تَعْرِيف على تَعْرِيف فَمن ثمَّ لَا تَقول يَا الرجل تعال
وَأما قَوْلهم يَا ألله اغْفِر فَإِنَّمَا دعى وَفِيه الْألف وَاللَّام لِأَنَّهُمَا كَأحد حُرُوفه أَلا ترى(4/239)
أَنَّهُمَا غير بائنتين مِنْهُ وليستا فِيهِ بمنزلتهما فِي الرجل لِأَنَّك فِي الرجل تثبتهما وتحذفهما وهما فِي اسْم الله ثابتتان وَهُوَ اسْم علم
وَزعم سِيبَوَيْهٍ أَن أصل هَذَا إلاه وَأَن الْألف وَاللَّام بدل من همزَة إِلَه فقد صَارا بِمَنْزِلَة مَا هُوَ من نفس الْحَرْف إِذْ كَانَا بَدَلا مِنْهُ وَإِنَّمَا إثباتهم الْألف فِي قَوْلهم يَا ألله فَكَمَا(4/240)
ثَبت مَعَ ألف الِاسْتِفْهَام فِي قَوْلك آلرجل قَالَ ذَاك وَهَذَا يبين فِي مَوضِع ألفات الْقطع والوصل إِن شَاءَ الله
وَلَيْسَ هَذَا الِاسْم بِمَنْزِلَة الَّذِي وَالَّتِي لِأَنَّهُمَا نعت بَائِن من الِاسْم
وَقد اضْطر الشَّاعِر فَنَادَى بِالَّتِي إِذْ كَانَت الْألف وَاللَّام لَا تنفصلان مِنْهَا وَشبه ذَلِك بِقَوْلِك يَا ألله اغْفِر لي فَقَالَ
(مِنَ أجْلِكِ يَا الَّتِي تَيَّمْتِ قَلْبي ... وأَنْتِ بخِيلةٌ بالوُدِّ عَنِّي)(4/241)
كَمَا اضْطر فَأدْخل يَا فِي اللَّهُمَّ لما كَانَ الْعِوَض فِي آخر الِاسْم فَقَالَ
(إنِّي إِذا مَا حَدثٌ أَلَمَّا ... دَعَوْتُ يَا اللَّهمَّ يَا اللَّهُمَّا)(4/242)
وَأما هَذَا الْبَيْت الَّذِي ينشده بعض النَّحْوِيين
(فيا الغُلامانِ اللَّذان فَرّا ... إِيَّاكُما أَنْ تَكْسِبانا شَرَّا)
فَإِن إنشاده على هَذَا غير جَائِز وَإِنَّمَا صَوَابه فيا غلامان اللَّذَان فرا كَمَا تَقول يَا رجل الْعَاقِل أقبل
وَأما قَوْلهم يَا صَاح أقبل فَإِنَّمَا رخموه لكثرته فِي الْكَلَام كَمَا رخموا مَا فِيهِ هَاء التَّأْنِيث إِذْ قَالُوا يَا نخل مَا أحسنك يُرِيد يَا نَخْلَة فرخم قَالَ الشَّاعِر(4/243)
(صاحِ هَلْ أَبْصَرتَ بالخَيْتَيْنِ مِنْ أَسْماءَ نَارا ... )
يُرِيد صَاحب فأسقط النداء ورخم النكرَة(4/244)
(هَذَا بَاب الْمُضَاف إِلَى الْمُضمر فِي النداء)
اعْلَم أَن إِضَافَة المنادى إِلَى الْكَاف الَّتِي تقع على الْمُخَاطب محَال
وَذَلِكَ لِأَنَّك إِذا قلت يَا غلامك أقبل فقد نقضت مُخَاطبَة المنادى بمخاطبتك الْكَاف
فَإِن أضفت إِلَى الْهَاء صلح على مَعْهُود كَقَوْل الْقَائِل إِذْ ذكر زيدا يَا أَخَاهُ أقبل وَيَا أَبَاهُ وَنَحْو ذَلِك وَكَذَلِكَ يَا أخانا وَيَا أَبَانَا
فَأَما فِي الندبة فَيجوز يَا غلامك وَيَا أَخَاك لِأَن الْمَنْدُوب غير مُخَاطب وَإِنَّمَا هُوَ متفجع عَلَيْهِ وَهَذَا يحكم فِي بَاب الندبة إِن شَاءَ الله
فَإِن أضفت المنادى إِلَى نَفسك فَفِي ذَلِك أقاويل أَجودهَا حذف الْيَاء وَذَلِكَ كَقَوْلِك يَا غُلَام أقبل وَيَا قوم لَا تَفعلُوا وَيَا جاريت أقبلي قَالَ الله عز وَجل {يَا قوم لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا} وَقَالَ {يَا عبَادي فاتقون}(4/245)
وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ فِي الْقُرْآن من ذَا كَقَوْلِه {رب لَا تذر على الأَرْض} و {رب إِنِّي أسكنت من ذريتي}
وَإِنَّمَا كَانَ حذفهَا الْوَجْه لِأَنَّهَا زِيَادَة فِي الِاسْم غير مُنْفَصِلَة مِنْهُ معاقبة للتنوين حَالَة فِي مَحَله فَكَانَ حذفهَا هَا هُنَا كحذف التَّنْوِين من قَوْلك يَا زيد وَيَا عَمْرو وَكَانَت أَحْرَى بذلك إِذْ كَانَت تذْهب فِي الْموضع الَّذِي يثبت فِيهِ التَّنْوِين وَذَلِكَ إِذا التقى ساكنان وَهِي أَحدهمَا تَقول جَاءَنِي غلامي الْعَاقِل وَجَاءَنِي زيد الْعَاقِل فَتحَرك التَّنْوِين لالتقاء الساكنين وتحذف الْيَاء لالتقاء الساكنين وَمَعَ ذَا فَإِن الْيَاء والكسرة تستثقلان والكسرة تدل على الْيَاء فَإِذا حذفتها دلّت عَلَيْهَا كسرتها وأوضحت لَك الْمَعْنى فَهَذَا القَوْل الْمُخْتَار(4/246)
وَالْقَوْل الثَّانِي أَن تثبتها فَتَقول يَا غلامي أقبل وَيَا صَاحِبي هَلُمَّ وَقد قرئَ {يَا عبَادي فاتقون}
وَحجَّة من أثبتها أَنَّهَا اسْم بِمَنْزِلَة زيد فقولك يَا غلامي بِمَنْزِلَة يَا غُلَام زيد فَلَمَّا كَانَت اسْما والمنادى غَيرهَا ثبتَتْ وَمَعَ هَذَا أَنه من قَالَ يَا غُلَام فِي الْوَصْل فَإِنَّمَا يقف على الْمِيم سَاكِنة فيلتبس الْمُفْرد بالمضاف وَإِن رام الْحَرَكَة فَإِن ذَلِك دَلِيل غير بَين لِأَنَّهُ عمل كالإيماء فَمن ذَلِك قَوْله
(فكنتَ إِذْ كُنْتَ إِلهى وَحْدَكَا ... لَمْ يَكُ شَيءٌ ياَ إِلهي قَبْلَكا)
وَالْوَجْه الثَّالِث أَن تثبت الْيَاء متحركة تَقول يَا غلامي أقبل وَيَا صَاحِبي هَلُمَّ فَتثبت الْيَاء على أَصْلهَا وَأَصلهَا الْحَرَكَة
وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّهَا اسْم على حرف وَلَا يكون اسْم على حرف إِلَّا وَذَلِكَ الْحَرْف متحرك لِئَلَّا يسكن وَهُوَ على أقل مَا يكون عَلَيْهِ الْكَلم فيختل أَلا ترى أَن الْكَاف متحركة من ضربتك ومررت بك وَقمت وَقمت يَا فَتى وَقمت يَا امْرَأَة التَّاء متحركة لِأَنَّهَا اسْم
فَأَما الْألف فِي ضربا ويضربان وَالْوَاو فِي ضربوا ويضربون وَالْيَاء فِي تضربين(4/247)
فَتلك فِي درج الْكَلَام وَلَيْسَت فِي وضع هَذِه الَّتِي تقع موقع الظَّاهِرَة لِأَنَّهَا جعلت بحذاء الحركات الَّتِي يعرب بهَا كالضمة والفتحة والكسرة
أَلا ترى أَن قَوْلك قُمْت التَّاء فِي مَوضِع زيد إِذا قلت قَامَ زيد وَكَذَلِكَ ضربتك الْكَاف فِي مَوضِع زيدا إِذا قلت ضربت زيدا وَكَذَلِكَ هَذِه الْيَاء
وَإِنَّمَا كَانَت حركتها الفتحة لِأَن هَذِه الْيَاء تكسر مَا قبلهَا تَقول هَذَا غلامي وَرَأَيْت غلامي فتكسر الْمَرْفُوع والمنصوب
وَالْيَاء المكسور مَا قبلهَا لَا يدخلهَا خفض وَلَا رفع لثقل ذَلِك نَحْو يَاء القَاضِي ويدخلها الْفَتْح فِي قَوْلك رَأَيْت القَاضِي فَلذَلِك بنيت هَذِه الْيَاء على الْفَتْح
وَإِنَّمَا جَازَ إسكانها فِي قَوْلك هَذَا غلامي وَزيد ضَرَبَنِي لِأَن مَا قبلهَا مَعهَا بِمَنْزِلَة شَيْء وَاحِد فَكَانَ عوضا مِمَّا يحذف مِنْهَا والحركات مستثقلة فِي حُرُوف الْمَدّ واللين فَلذَلِك أسكنت اسْتِخْفَافًا
فمما حركت فِيهِ على الأَصْل قَول الله عز وَجل {ياليتني لم أوت كِتَابيه وَلم أدر مَا حسابيه} حركت الْيَاء على الأَصْل وألحقت الْهَاء لبَيَان الْحَرَكَة فِي الْوَقْف
فَإِن وصلت حذفتها لِأَن حَرَكَة الْيَاء تظهر فِي ماليه وسلطانيه وَمَا كَانَ مثل هَذَا إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك {فبهداهم اقتده} فَإِن وصلت حذفت
وَكَذَلِكَ يقْرَأ {لكم دينكُمْ ولي دين} على الإسكان وَالْحَرَكَة
فَإِن كَانَ مَا قبل هَذِه الْيَاء سَاكِنا فالحركة فِيهَا لَا غير لِئَلَّا يلتقي ساكنان وَذَلِكَ(4/248)
قَوْلك هَذِه عشرى يَا فَتى وَهَذِه رحاي فَاعْلَم و {يَا بني لَا تدْخلُوا من بَاب وَاحِد} حذفت النُّون للإضافة وأدغمت الْيَاء الَّتِي كَانَت فِي يَاء الْإِضَافَة فحركت يَاء الْإِضَافَة لِئَلَّا يلتقي ساكنان على أَصلهمَا وَكَذَلِكَ قَوْلك {هِيَ عصاي أتوكأ عَلَيْهَا} لَا يكون إِلَّا ذَلِك لما ذكرت لَك من سُكُون مَا قبلهَا
وَأما قَوْله {يَا بني إِنَّهَا إِن تَكُ} فَإِنَّمَا أضَاف قَوْله بني فَاعْلَم الْيَاء ثَقيلَة فتصرف فِي الْكَلَام لِأَن الْوَاو وَالْيَاء إِذا سكن مَا قبل كل وَاحِد مِنْهُمَا جَريا مجْرى غير المعتل نَحْو دلو وظبي ومغزو ومرمى لَا يكون ذَلِك إِلَّا معربا(4/249)
(هَذَا بَاب مَالا يجوز فِيهِ إِلَّا إِثْبَات الْيَاء)
وَذَلِكَ إِذا أضفت اسْما إِلَى اسْم مُضَاف إِلَيْك نَحْو قَوْلك يَا غُلَام غلامي وَيَا صَاحب صَاحِبي وَيَا ضَارب أخي وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك كَذَلِك لِأَنَّك إِنَّمَا حذفت الأول كحذفك التَّنْوِين من زيد فَكَانَ يَا غُلَام بِمَنْزِلَة يَا زيد فَإِذا قلت يَا غُلَام زيد لم يكن فِي زيد إِلَّا إِثْبَات النُّون لِأَنَّهُ لَيْسَ بمنادى فَكَذَلِك يَا غُلَام غلامي
قَالَ الشَّاعِر
(يَا ابْن أُمِّي ويَا شُقَيِّقَ نَفْسِي ... أَنْتَ خَلَّيْتني لِدهْرٍ شَدِيدِ)
وَقَالَ آخر
(يَا ابْنَ أُمِّي ولَوْ شَهِدْتُكَ إذْ تَدْعُو ... تميما وأَنْتَ غَيْرُ مُجابِ)(4/250)
فَهَذَا حكم جَمِيع هَذَا الْبَاب وَمَجْرَاهُ أَن تثبت الْيَاء فِي كل مَوضِع يثبت فِيهِ التَّنْوِين فِي زيد وَنَحْوه
وَأما قَوْلهم يَا ابْن أم وَيَا ابْن عَم فَإِنَّهُم جعلوهما اسْما وَاحِدًا بِمَنْزِلَة خَمْسَة عشر وَإِنَّمَا فعلوا ذَلِك لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال
أَلا ترى أَن الرجل مِنْهُم يَقُول لمن لَا يعرف وَلمن لَا رحم بَينه وَبَينه يَا ابْن عَم وبا ابْن أم حَتَّى صَار كلَاما شَائِعا مخرجا عَمَّن هُوَ لَهُ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِك خفف فَجعل اسْما وَاحِدًا قَالَ الله عز وَجل {يَا ابْن أم لَا تَأْخُذ بلحيتي وَلَا برأسي} وَلم يكن ذَلِك فِي غير هَذَا إِذْ لم يكن فِيهِ من الِاسْتِعْمَال مَا فِي هَذَا
وَقد قَالُوا يَا ابْن أم لَا تفعل وَذَلِكَ أَنه لما جَعلهمَا اسْما وَاحِدًا صَارَت بِمَنْزِلَة زيد ثمَّ أَضَافَهُ كَمَا تضيف زيدا فَتَقول يَا زيد لَا تفعل
وَمن أثبت الْيَاء فِي زيد أثبتها هَا هُنَا إِلَّا أَن الأجود إِذا أَثْبَتَت الْيَاء أَن يكون إِثْبَاتهَا كإثبات الْيَاء فِي قَوْلك يَا غُلَام غلامي فتجعل ابْنا مُضَافا إِلَى مُضَاف إِلَى الْيَاء
وَالْوَجْه الآخر جَائِز على مَا وصفت لَك
وَأما قَول رؤبة
(إِمَّا تَريْني اليَوْمَ أُمَّ حَمْزِ ... قاربْتُ بَعْدَ عَنَقى وجَمْزى)(4/251)
فَلَيْسَ من هَذَا وَلكنه قدر حَمْزَة أَولا مرخما على قَوْلك يَا حَار فَجعله اسْما على حياله فأضاف إِلَيْهِ كَمَا تضيف إِلَى زيد
وَجُمْلَة هَذَا الْبَاب على مَا صدرنا بِهِ
وَهَذَانِ الاسمان أعنى يَا ابْن أم وَيَا ابْن عَم دخلتهما الْعلَّة الَّتِي دخلت فِي قَوْلك هُوَ جاري بَيت بَيت ولقيته كفة كفة وَهَذَا يشْرَح فِي بَاب مَا يجْرِي ومالا يجْرِي
وإجراؤهما على أصل الْبَاب فِي الْجَوْدَة على مَا ذكرت لَك قَالَ الشَّاعِر
(يَا ابْنَةَ عَمِّي لَا تَلُومِي واهْجعِي ... )
وَبَعْضهمْ ينشد يَا ابْنة عَمَّا
فيبدل من الكسرة فَتْحة وَمن الْيَاء ألفا لِأَن الْيَاء والكسرة مستثقلتان وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع لبس
وكل مُضَاف إِلَى يائك فِي النداء يجوز فِيهِ قلب هَذِه الْيَاء ألفا لِأَنَّهُ لَا لبس فِيهِ وَهُوَ أخف وَبَاب النداء بَاب تَغْيِير(4/252)
أَلا ترى أَنهم يحذفون فِيهِ تَنْوِين زيد وَيدخل فِيهِ وَمثل يَا تيم تيم عدي مثل يَا بؤس للحرب وَيصْلح فِيهِ التَّرْخِيم
وَنَظِير قلبهم هَذِه الْيَاء ألفا مَا قَالُوا فِي مداري وعذاري وبابه إِذا لم يخَافُوا التباسا وَلم يَقُولُوا مثل ذَلِك فِي قَاض لِأَن فِي الْكَلَام مثل فَاعل فكرهوا الالتباس(4/253)
(هَذَا بَاب لَام الْمَدْعُو المستغاث بِهِ وَلَام الْمَدْعُو إِلَيْهِ)
فَإِذا دَعَوْت شَيْئا على جِهَة الاستغاثة فَاللَّام مَعَه مَفْتُوحَة تَقول يَا للنَّاس وَيَا لله وَفِي الحَدِيث لما طعن العلج أَو العَبْد عمر رَحمَه الله صَاح يَا لله للْمُسلمين
فَإِن دَعَوْت إِلَى شَيْء فَاللَّام مَعَه مَكْسُورَة تَقول يَا للعجب وَمَعْنَاهُ يَا قوم تَعَالَوْا إِلَى الْعجب فالتقدير يَا قوم للعجب أَدْعُو وَنحن مفسرو هَاتين لم اختلفتا
أما قَوْلهم يَا للعجب وَيَا للْمَاء فَإِنَّمَا كسرو اللَّام كَمَا كسروا مَعَ كل ظَاهر نَحْو قَوْلك للْمَاء أَدْعُو ولزيد الدَّار ولعَبْد الله الثَّوْب
وَأما الْمَفْتُوحَة الَّتِي للمستغاث فَإِنَّمَا فتحت على الأَصْل ليفرق بَينهَا وَبَين هَذِه الَّتِي وَصفنَا وَكَانَ التَّغْيِير لَهَا ألزم لِأَن هَذِه الْأُخْرَى فِي موضعهَا الَّذِي تلْحق هَذِه اللَّام لَهُ وَتلك إِنَّمَا هِيَ بدل من قَوْلك يَا زيداه إِذا مددت الصَّوْت تستغيث بِهِ فيا لزيد بِمَنْزِلَة يَا زيداه إِذا كَانَ غير مَنْدُوب
فَأَما قَوْلنَا فتحت على الأَصْل فَلِأَن أصل هَذِه اللَّام الْفَتْح تَقول هَذَا لَهُ وَهَذَا لَك
وَإِنَّمَا كسرت مَعَ الظَّاهِر فِرَارًا من اللّبْس لِأَنَّك لَو قلت إِنَّك لهَذَا وَأَنت تُرِيدُ لهَذَا لم يدر السَّامع أَتُرِيدُ لَام الْملك أم اللَّام الَّتِي للتوكيد وَكَذَلِكَ يلزمك فِي الْوَقْف فِي جَمِيع الْأَسْمَاء إِذا قلت فِي مَوضِع إِن هَذَا لزيد إِذا هَذَا لزيد لم يدر السَّامع أَتُرِيدُ أَن هَذَا زيد أم هَذَا لَهُ فَلذَلِك كسرت اللَّام(4/254)
فَأَما فِي المكنى فَهِيَ على أَصْلهَا تَقول إِن هَذَا لَك
فَإِن أردْت لَام التوكيد قلت إِن هَذَا لأَنْت لِأَن الِاسْم الَّذِي وضع للرفع لَيْسَ فِي لفظ الِاسْم الَّذِي وضع للخفض
وَتقول يَا للرِّجَال وللنساء تكسر اللَّام فِي النِّسَاء لِأَنَّك إِنَّمَا فتحتها فِي الأول فرار من اللّبْس فَلَمَّا عطفت عَلَيْهِ الثَّانِي علم أَنه يُرَاد بِهِ مَا أُرِيد بِمَا قبله فأجريتها مجْراهَا فِي الظَّاهِر(4/255)
أَلا ترى أَن من يَقُول إِذا قلت لَهُ رَأَيْت زيدا من زيدا إِنَّمَا أَرَادَ أَن يَحْكِي مَا قلت ليعلم أَنه إِنَّمَا يسْأَل عَن زيد الَّذِي ذكرته فَإِن قَالَ وَمن زيد رفع لِأَنَّهُ لما أَدخل الْوَاو أعلمك أَنه يعْطف على كلامك فاستغنى عَن الْحِكَايَة
فمما قيل فِي ذَلِك قَوْله
(يَبْكِيكَ نَاءٍ بعيدُ الدارِ مُغْتَرِبٌ ... يَا لَلْكُهول ولِلشُبَّان لِلْعَجَبِ)
فَهَذَا نَظِير مَا وصفت لَك لم فِي الْعَطف
فَأَما مَا جَاءَ فِي فتح لَام المستغاث بِهِ وَكسر لَام الْمَدْعُو لَهُ فَأكْثر من أَن يُحْصى مِنْهُ مَا أذكرهُ قَالَ الْحَارِث بن خَالِد
(يَا لَلرِّجالِ لِيومِ الأَرْبِعَاءْ أَمَا ... ينْفَكُّ يبْعَثُ لي بَعْد النُّهَى طَرَباً)(4/256)
وَقَالَ آخر
(يَا لَقومٍ مَنْ للنُّهَى والمَساعي ... يَا لَقومي منْ للنَدى والسْماحِ)
(يَا لَعَطَّافِنا ويَا لَرِياحِ ... وأَبى الحَشْرَجِ الفَتى الوَضَّاحِ)(4/257)
(هَذَا بَاب مَا يجوز أَن تحذف مِنْهُ عَلامَة النداء وَمَا لَا يجوز ذَلِك فِيهِ)
تَقول زيد أقبل وَتقول من لَا يزَال محسنا تعال وَغُلَام زيد هَلُمَّ رب اغْفِر لنا كَمَا قَالَ جلّ وَعز {رب قد آتيتني من الْملك} وَقَالَ عز وَجل {فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض}
فجملة هَذَا أَن كل شَيْء من الْمعرفَة يجوز أَن يكون نعتا لشَيْء فدعوته أَن حذف يَا مِنْهُ غير جَائِز لِأَنَّهُ لَا يجمع عَلَيْهِ أَن يحذف مِنْهُ الْمَوْصُوف وعلامة النداء وَذَلِكَ أَنه لَا يجوز أَن تَقول رجل أقبل وَلَا غُلَام تعال وَلَا هَذَا هَلُمَّ وَأَنت تُرِيدُ النداء وَذَلِكَ أَنه لَا يجوز أَن تَقول رجل أقبل لِأَن هَذِه نعوت أَي تَقول يَا أَيهَا(4/258)
الرجل وَيَا أَيهَا الْغُلَام وَيَا أيهذا لِأَن أيا مُبْهَم والمبهمة إِنَّمَا تنْعَت بِمَا كَانَ فِيهِ الْألف وَاللَّام أَو بِمَا كَانَ مُبْهما مثلهَا وَهَذَا يُفَسر فِي بَاب الْمعرفَة والنكرة إِن شَاءَ الله
قَالَ الشَّاعِر
(ألاَ أَيُّهذَا المنْزلُ الدارسُ الَّذِي ... كأَنَّك لَمْ يَعْهَدْ بِكَ الحَيَّ عاهِدُ)
وَقَالَ
(أَلاَ أَيُّهَذَا الباخَعُ الوَجْدُ نَفْسَه ... لِشيءٍ نَحَتْهُ عَنْ يَدَيْهِ المَقادِرُ)
وَقَالَ الْأَعْشَى
(أَلاَ أَيُّهَذَا السائِلي أيد يَمَّمَتْ ... فإِنَّ لَهَا فِي أَهْلِ يَثْربَ مَوْعِدَا)
فَهَذَا تَقْدِير يَا أَيهَا إِلَّا أَن يضْطَر شَاعِر فَإِن اضْطر كَانَ لَهُ أَن يحذف مِنْهَا عَلامَة النداء وَأحسن ذَلِك مَا كَانَت فِيهِ هَاء التَّأْنِيث لما يلْزمهَا من التَّغْيِير على أَن جَوَازه فِي الْجَمِيع لَا يكون إِلَّا ضَرُورَة(4/259)
وَقَالَ الشَّاعِر وَهُوَ العجاج
(جارِيَ لَا تَسْتَنْكِري عَذِيرِي)(4/260)
وَقَالُوا فِي مثل من الْأَمْثَال والأمثال يستجار فِيهَا مَا يستجاز فِي الشّعْر لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال لَهَا افتد مخنوق وَأصْبح ليل وأطرق كرا يُرِيدُونَ ترخيم الكروان فِيمَن قَالَ يَا حَار وَكَذَلِكَ قَوْلك
(صاحِ هَلْ أَبْصَرْتَ بالخَبْتَتَيْن مِنْ أَسْماءَ نَارا ... )
وَتقول حافر زَمْزَم أقبل لِأَن هَذَا لَا يكون من نعت أَي
وَكَذَلِكَ أَمِير الْمُؤمنِينَ أَعْطِنِي كَمَا قَالَ
(أَمِيرَ المؤْمِنينَ جَمَعْتَ دِيناً ... وحِلْماً فَاضِلاُ لذَوِي الحُلُومِ)
والنكرة أَصْلهَا لَا يجوز هَذَا فِيهَا وَلَا يجوز أَن تَقول رجلا أقبل وَلَا رجلا من أهل الْبَصْرَة أقبل لِأَنَّهَا شائعة فتحتاج إِلَى أَن يلْزمهَا الدَّلِيل على النداء وَإِلَّا فَالْكَلَام ملتبس(4/261)
(هَذَا بَاب مَا يلْزمه التَّغْيِير فِي النداء وَهُوَ فِي الْكَلَام على غير ذَلِك)
فَمن ذَلِك قَوْلهم يَا أَبَت لَا تفعل وَيَا أمت لَا تفعلي فَهَذِهِ الْهَاء إِنَّمَا دخلت بَدَلا من يَاء الْإِضَافَة وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّك إِن جِئْت بِالْيَاءِ حذفتها فَقلت يَا أبي لَا تفعل وَيَا أُمِّي لَا تفعلي
فَأَما الكسرة الَّتِي فِيهَا فدلالة على الْإِضَافَة
وَكَانَت الْهَاء دَاخِلَة على الْأُم لِأَنَّهَا مُؤَنّثَة وعَلى الْأَب كَمَا دخلت فِي رِوَايَة وعلامة للْمُبَالَغَة وَلِأَن الشَّيْئَيْنِ إِذا جَريا مجْرى وَاحِدًا سوى بَين لَفْظهمَا(4/262)
أَلا ترى أَنَّك تَقول فعل أبواي وَهَذَانِ أَبَوَاك تَعْنِي الْأَب وَالأُم وَإِنَّمَا أخرجته مخرج قَوْلك أَب وأبة كَمَا تَقول صَاحب وصاحبة لِأَن كل جَار على الْفِعْل من الْأَسْمَاء فتأنيثه جَار على تذكيره وَمَا كَانَ من غير فعل أَو كَانَ على غير بِنَاء الْفِعْل نَحْو أَحْمَر وعطشان وَمَا أشبه ذَلِك اخْتلف تأنيثه وتذكيره لِأَن الْفِعْل تلْحقهُ الزِّيَادَة للتأنيث فَيكون الِاسْم عَلَيْهِ كَذَلِك تَقول ضرب فَإِن عنيت الْمُؤَنَّث قلت ضربت فعلى هَذَا تَقول ضَارب ضاربة
وَمَا كَانَ من قَوْلك أَحْمَر فالاسم مِنْهُ محمر فَأَما قَوْلك أَحْمَر فمشتق وَلَيْسَ بجار على الْفِعْل فَهَذَا الَّذِي وصفت لَك
وَتقول يَا أم لَا تفعلي وَيَا أَب لَا تفعل إِذا لم ترد قَول من يثبت الْيَاء أَو يعوض مِنْهَا الْهَاء الَّتِي هِيَ تَاء فِي الْوَصْل فَإِن جِئْت بِالتَّاءِ ووقفت عَلَيْهَا كَانَت بِمَنْزِلَة قَوْلك يَا عمَّة وَيَا خَالَة وَيجوز التَّرْخِيم فِيهَا كَمَا جَازَ فِي حمدة وَنَحْوهَا لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت بَدَلا فَإِنَّمَا هِيَ عَلامَة تَأْنِيث فِي وَصلهَا ووقفها سَوَاء
وَقد قرئَ {رب احكم بِالْحَقِّ} فَتَقول إِذا رخمت يَا أم لَا تفعلي فِيمَن قَالَ يَا حَار وترفع فِيمَن قَالَ يَا حَار
وَالْعلم بانها بدل من يَاء الْإِضَافَة كَالْعلمِ بذلك إِذا أثبتها لِأَن قَوْلك يَا أم غير مُسْتَعْمل إِلَّا مُضَافا لِأَنَّهَا من الْأَسْمَاء المضمنة فَإِذا لم تكن مَوْصُولَة بِظَاهِر وَلَا مُضْمر لَهُ عَلامَة الْغَائِب فَهِيَ للمتكلم(4/263)
فَأَما الْمُخَاطب فمحال أَن تكون لَهُ فِي الدُّعَاء لَا تَقول يَا أمك أقبلي لِأَن المخاطبة لَا تجمع اثْنَيْنِ إِلَّا على جِهَة الْإِشْرَاك
والترخيم دَاخل على المعارف لِأَنَّهَا مثبتة مَقْصُود إِلَيْهَا مَبْنِيَّة من غَيرهَا والنكرات شائعة غير مَعْلُوم وَاحِدهَا(4/264)
(هَذَا بَاب المبهمة وصفاتها)
اعْلَم أَنَّك إِذا قلت يَا هَذَا الرجل فَإِنَّمَا أبنت المنادى بذكرك الرجل وَلَيْسَ الرجل على مَعْهُود
فَإِن قلت يَا هَذَا ذَا الجمة لم يصلح أَن يكون ذَا الجمة نعتا لِأَن المبهمة لَا تنْعَت بالمضاف لِأَن الْمُضَاف إِنَّمَا هُوَ معرفَة بِمَا بعده والمبهمة لَا يجوز أَن تُضَاف إِلَى شَيْء لِأَنَّهَا لَا تكون إِلَّا معارف بِالْإِشَارَةِ الَّتِي فِيهَا فَلم تكن نعوتها إِلَّا مثلهَا وَلَكِن يجوز هَذَا على وَجْهَيْن على أَن يكون ذَا الجمة نِدَاء ثَانِيًا فَيكون التَّقْدِير يَا هَذَا يَا ذَا الجمة
وعَلى أَن يكون مَنْصُوبًا بأعنى
فَإِن قلت يَا هَذَا الطَّوِيل جَازَ أَن يكون الطَّوِيل عطفا على هَذَا مُبينًا لَهُ وَيجوز أَن يكون نعتا وَلَيْسَ بِوَجْه الْكَلَام وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يُوضح هَذَا باسم فِيهِ ألف وَلَام لَا بنعت لِأَن هَذَا مُبْهَم فَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يُفَسر بِمَا يقْصد إِلَيْهِ
وَتقول يَا هَذَانِ زيد وَعَمْرو وَإِن شِئْت قلت زيدا وعمرا وَإِن شِئْت قلت زيد وَعَمْرو
أما الرّفْع بِغَيْر تَنْوِين فعلى الْبَدَل كَأَنَّك قلت يَا زيد وَيَا عَمْرو
وَأما الرّفْع بتنوين فعلى عطف الْبَيَان على اللَّفْظ
وَأما قَوْلك زيدا وعمرا فعلى عطف الْبَيَان على الْموضع(4/265)
وَلَو قلت يَا هَذَا وَهَذَا الطَّوِيل والقصير لم يجز أَن يكون الطَّوِيل والقصير نعتا لِأَن المبهمة وَمَا بعْدهَا كالشيء الْوَاحِد
أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت يَا هَذَا الرجل أَنَّك إِنَّمَا توسلت بِهَذَا إِلَى دُعَاء الرجل فَصَارَ الْمَعْنى أَنَّك تُرِيدُ بِهِ الرجل الَّذِي أرى فالرجل على غير مَعْهُود فَإِذا قلت يَا هَذَا وَهَذَا خرج الطَّوِيل والقصير من الِاتِّصَال بِهَذَا وَهَذَا وَلكنه يصلح على عطف الْبَيَان وعَلى أعنى إِذا نصبت وَفِي الْعَطف تنصب إِن شِئْت وترفع إِن شِئْت وَلَكِن إِن قلت يَا هَذَانِ الرّجلَانِ وَيَا هَذَانِ الطويلان كَانَ نعتا بِمَنْزِلَة يَا هَذَا الرجل
فَأَما أَي فِي قَوْلك يَا أَيهَا الرجل فَلَا يجوز الْوَقْف على أَي كَمَا وقفت على هَذَا فَأَنت فِي هَذَا مُخَيّر إِن شِئْت أَن تَقول يَا هَذَا الرجل جَازَ وَذَلِكَ لِأَنَّك تَقول يَا هَذَا وتقف فَإِذا وقفت عَلَيْهِ كنت فِي النَّعْت مُخَيّرا كَمَا كَانَ ذَلِك فِي قَوْلك يَا زيد
فَإِن كنت تقدر هَذَا تَقْدِير أَي فِي أَنَّهَا توسل إِلَى نِدَاء الرجل لم يجز إِلَّا الرّفْع لِأَنَّك قدرتها تَقْدِير أَي وَإِنَّمَا حلت هَذَا الْمحل لِأَنَّهَا إِذا لم تكن استفهاما أَو جَزَاء لم تكن اسْما إِلَّا بصلَة فَإِنَّمَا حذفت مِنْهَا الصِّلَة فِي النداء لِأَن النَّعْت قَامَ مقَامهَا(4/266)
فَإِذا قلت يَا أَيهَا الرجل كَانَت أَي وَالرجل بِمَنْزِلَة شَيْء وَاحِد
أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول يَا أَي وتسكت كَمَا تَقول يَا هَذَا وتقف لِأَن هَذَا مجْراهَا فِي الْكَلَام أَن تَتَكَلَّم بهَا وَحدهَا وَأي لَيْسَ كَذَلِك
فعلى هَذَا تَقول يَا هَذَا ذَا الجمة فتبدل مِنْهَا لِأَنَّهَا تَامَّة أَو تسْتَأْنف نِدَاء بعْدهَا فَأَما يَا أَيهَا ذَا الجمة فَلَا يصلح لِأَن أيا لَا يُوقف عَلَيْهَا فتبدل مِنْهَا وَلذَلِك امْتنع يَا أَيهَا الرجل لِأَنَّهَا وَأي بِمَنْزِلَة الشَّيْء الْوَاحِد
فَإِن قلت يَا أَيهَا الرجل ذُو المَال فَجعلت ذَا المَال من نعت الرجل لم يكن فِيهِ إِلَّا الرّفْع على مَا وصفت لَك
وَإِن جعلته من نعت أَي فخطأ لِأَنَّك لَا تَقول يَا أَيهَا ذَا المَال وَإِن جعلته بَدَلا من أَي نصبت(4/267)
هَذَا بَاب الندبة
وَهُوَ يجْرِي فِي الْكَلَام على ضَرْبَيْنِ أما من أَرَادَ أَن يفصلها من النداء وَألْحق فِي آخرهَا ألفا وَألْحق الْألف فِي الْوَقْف هَاء لخفاء الْألف فتبينها بِالْهَاءِ كَمَا تبين بهَا الْحَرَكَة فَإِن وصل حذفهَا
وَالْوَجْه الآخر أَن تجْرِي مجْرى النداء الْبَتَّةَ وعلامته يَا ووا وَلَا يجوز أَن تحذف مِنْهَا الْعَلامَة لِأَن الندبة لإِظْهَار التفجع وَمد الصَّوْت
وَاعْلَم أَنَّك لَا تندب نكرَة وَلَا مُبْهما وَلَا نعتا لَا تَقول يَا هذاه وَلَا يَا رِجْلَاهُ إِذا جعلت رجلا نكرَة وَلَا يَا زيد الظريفاه لِأَن الندبة عذر للتفجع وَبهَا يخبر الْمُتَكَلّم أَنه قد ناله أَمر عَظِيم وَوَقع فِي خطب جسيم
أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول وامن لَا يعنيني أمره وَلَا وامن لَا أعرفهُ وَذَلِكَ قَوْلك(4/268)
وازيداه فَإِن أتبعته النَّعْت قلت وازيد الظريف سَقَطت الْهَاء لِأَنَّك قد أتبعته كلَاما
وَأَنت فِي الظريف مُخَيّر إِن شِئْت رفعت وَإِن شِئْت نصبت لِأَنَّهُ نعت للمنادى
وَتقول واغلام زيداه واعبد اللهاه لِأَن مَا قبل الْألف لَا يكون إِلَّا مَفْتُوحًا وَسقط التَّنْوِين من زيد لِأَن ألف الندبة زِيَادَة فِي الِاسْم والتنوين زِيَادَة فعاقبت التَّنْوِين
فَأَما من أجْرى الْمَنْدُوب مجْرى المنادى فَإِنَّهُ يَقُول واغلام زيد لِأَنَّهُ إِذا لم يكن أَحدهمَا كَانَ الآخر وَكَذَلِكَ كل متعاقبين
وَتقول وازيدا واعمراه تلْحق الْهَاء بعد الَّذِي تقف عَلَيْهِ لما ذكرت لَك(4/269)
هَذَا بَاب مَا كَانَ من الْمَنْدُوب مُضَافا إِلَيْك
فَفِي ذَلِك أقاويل أما من قَالَ فِي النداء يَا غُلَام أقبل فَإِنَّهُ يَقُول فِي الندبة يَا غلاماه وَذَلِكَ لِأَن الْألف لحقت هَذِه الْمِيم الْمَكْسُورَة فأبدلت من كسرتها فَتْحة للألف كَمَا أَنَّك أبدلت من ضمة زيد فَتْحة فِي قَوْلك يَا زيداه
وَمن رأى أَن يثبت الْيَاء سَاكِنة فَيَقُول يَا غلامي أقبل فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ قَالَ واغلامياه فحرك لالتقاء الساكنين وَأثبت الْيَاء لِأَنَّهَا عَلامَة وَكَانَت فتحتها هَا هُنَا مستخفة كفتحة الْيَاء فِي القَاضِي وَنَحْوه للنصب
وَإِن شَاءَ حذفهَا لالتقاء الساكنين كَمَا تَقول جَاءَ غُلَام الْعَاقِل وَمن رأى أَن يثبها متحركة قَالَ واغلامياه لَيْسَ غير(4/270)
فَإِن أضفته إِلَى مُضَاف وندبت قلت فِي قَول من جعل للندبة عَلامَة واغلام غلامياه لَا يكون إِلَّا ذَلِك وَكَذَلِكَ وَانْقِطَاع ظهرياه لَا بُد من إِثْبَات الْيَاء كَمَا ذكرت لَك فِي النداء لِأَنَّهُ الْموضع الَّذِي ثَبت فِيهِ التَّنْوِين فِي زيد(4/271)
وَإِنَّمَا حذفت الْيَاء فِي النداء لِأَنَّهَا شبهت بِالتَّنْوِينِ فِي زيد وَهِي مَعَ ذَلِك يجوز ثباتها
فَإِذا كَانَ مَوضِع يثبت فِيهِ التَّنْوِين لم يكن إِلَّا إِثْبَاتهَا
وَمن لم ير أَن يَجْعَل للندبة عَلامَة قَالَ يَا غُلَام غلامي وَيَا غلامي وَإِن شَاءَ قَالَ يَا غُلَام وَهُوَ الْوَجْه لِأَنَّهُ من لم يَجْعَل للندبة عَلامَة جعلهَا بِمَنْزِلَة النداء الصَّحِيح
وَهَذَا الْبَيْت ينشد على وَجْهَيْن
(بكاءَ ثَكْلَى فقدتْ حَمِيما ... فَهِيَ تَرَثَّى بأَبى وابنيما)
فَلم يَجْعَل للندبة عَلامَة وَبَعْضهمْ ينشد فَهِيَ ترثى بأبا وابنيما
وَأما قَوْله
(تبْكِيهُمُ دَهْمَاءُ مُعْوِلةٌ ... وتَقُولُ سُعْدَى وارَزِيَّتِيَهْ)
فَإِنَّهُ لم يَجْعَل للندبة عَلامَة وأجرى مجْرى قَول من دَعَا وحرك الْيَاء فَقَالَ واغلامي أقبل فَأثْبت الْهَاء لبَيَان الْحَرَكَة(4/272)
فَإِن كَانَ مَا قبل يَاء الْإِضَافَة سَاكِنا فَلَا بُد من حَرَكَة الْيَاء وَلَا يجوز حذفهَا كَمَا قلت يَا غُلَام أقبل لِأَن هَذَا يدل على ذهَاب يائه الكسرة وَلَو حذفت الْيَاء وَقبلهَا سَاكن لم يكن عَلَيْهَا دَلِيل وَذَلِكَ إِذا لم تجْعَل للندبة عَلامَة وأضفت قَاضِيا إِلَى نَفسك قلت يَا قَاضِي وَيَا غلامي وَيَا مُسْلِمِي
فَإِن جعلت للندبة عَلامَة قلت يَا قاضياه وَيَا مسلمياه وَيَا عشرياه(4/273)
هَذَا بَاب مَا تكون ألف الندبة تَابِعَة فِيهِ لغَيْرهَا فِرَارًا من اللّبْس بَين الْمُذكر والمؤنث وَبَين الِاثْنَيْنِ وَالْجمع
وَذَلِكَ قَوْلك إِذا ندبت غُلَاما لامْرَأَة وَأَنت تخاطب الْمَرْأَة واغلامكيه واذهاب غلامكيه لِأَنَّك تَقول للمذكر واغلامكاه وواذهاب غلامكاه وَانْقِطَاع ظهرهيه فِيمَن قَالَ مَرَرْت بظهرهي يَا فَتى
وَمن قَالَ مَرَرْت بظهرهو يَا فَتى قَالَ وَا انْقِطَاع ظهرهوه لِأَنَّهُ يَقُول فِي الْمُؤَنَّث وَانْقِطَاع ظهرهاه
وَتقول فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع كَذَلِك
فَإِن ندبت غُلَاما لجَماعَة قلت واغلامكموه وواذهاب غلامكموه لِأَنَّك تَقول للاثنين واذهاب غلامكماه وَفِي كل هَذَا قد حذفت من الِاثْنَيْنِ وَالْجمع الْألف وَالْوَاو لالتقاء الساكنين
وَتقول واذهاب غلامهموه فِي قَول من قَالَ مَرَرْت بغلامهموه وَمن قَالَ مَرَرْت بغلامهمي يَا فَتى قَالَ واذهاب غلامهميه وَهَذِه الْهَاء وَالْمِيم وَالْهَاء لعلامة الْمُضمر الَّذِي يَقع فِي رَأَيْته ومررت بِهِ تبين فِي مواضعهن إِن شَاءَ الله(4/274)
وَكَانَ يُونُس يُجِيز أَن يلقِي عَلامَة الندبة على النَّعْت فَيَقُول وازيد الظريفاه وازيداه أَنْت الْفَارِس البطلاه
وَهَذَا عِنْد جَمِيع النَّحْوِيين خطأ لِأَن الْعَلامَة إِنَّمَا تلْحق مَا لحقه تَنْبِيه النداء لمد الصَّوْت والنعت خَارج من ذَا
وَلَو قلت وامن حفر زمزماه وَا أَمِير المؤمنيناه كَانَ جيدا لِأَنَّك قد ندبت معروفين وَلَو قلت وَا أميراه لم يجز لِأَنَّك لم تدل على الْمَنْدُوب وَكَذَلِكَ لَو قلت واهذاه لم يجز لِأَنَّك إِنَّمَا ندبت اسْما مَعْرُوفا بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ وَلنْ تدل عَلَيْهِ بِإِضَافَة وَإِنَّمَا تتفجع لَهُ باسم أَو إِضَافَة تجمع عَلَيْهِ أَو بِشَيْء من أَسْمَائِهِ يعرف بِهِ يكون عذرا للتفجع كَقَوْلِك واسيد العرباه إِذا كَانَ الْمَنْدُوب مَعْرُوفا بذلك(4/275)
هَذَا بَاب الْمعرفَة والنكرة
وأصل الْأَسْمَاء النكرَة وَذَلِكَ لِأَن الِاسْم الْمُنكر هُوَ الْوَاقِع على كل شَيْء من أمته لَا يخص وَاحِد من الْجِنْس دون سائره وَذَلِكَ نَحْو رجل وَفرس وحائط وَأَرْض وكل مَا كَانَ دَاخِلا بالبنية فِي اسْم صَاحبه فَغير مُمَيّز مِنْهُ إِذْ كَانَ الِاسْم قد جَمعهمَا
والمعرفة تدخل على أضْرب جِمَاعهَا خَمْسَة أَشْيَاء
فَمن الْمعرفَة الِاسْم الْخَاص نَحْو زيد وَعَمْرو لِأَنَّك إِنَّمَا سميته بِهَذِهِ الْعَلامَة ليعرف بهَا من غَيره فَإِذا قلت جَاءَنِي زيد علم أَنَّك لقِيت بِهِ وَاحِدًا مِمَّن كَانَ دَاخِلا فِي الْجِنْس ليبان من سَائِر ذَلِك الْجِنْس
فَإِن عرف السَّامع رجلَيْنِ أَو رجَالًا كل وَاحِد مِنْهُم يُقَال لَهُ زيد فصلت بَين بَعضهم وَبَعض بالنعت فَقلت الطَّوِيل والقصير لتميز وَاحِد مِمَّن تعرفه فتعلمه أَنه الْمَقْصُود إِلَيْهِ مِنْهُم
فَإِن كَانَ هُنَاكَ طويلان أبنت أَحدهمَا من صَاحبه بِمَا لَا يُشَارِكهُ صَاحبه فِيهِ وَهَذَا نوع من التَّعْرِيف(4/276)
وَنَوع آخر وَهُوَ مَا أدخلت عَلَيْهِ ألفا ولاما من هَذِه الْأَسْمَاء الْمُشْتَركَة وَذَلِكَ قَوْلك جَاءَنِي الرجل وَلَقِيت الْغُلَام لِأَن مَعْنَاهُ الرجل الَّذِي تعلم والغلام الَّذِي قد عرفت
وَمَا أضفته إِلَى معرفَة فَهُوَ معرفَة نَحْو قَوْلك غُلَام زيد وَصَاحب الرجل وَإِنَّمَا صَار معرفَة بإضافتك إِلَيْهِ إِلَى مَعْرُوف
وَمن الْمعرفَة الْأَسْمَاء المبهمة وَإِنَّمَا كَانَت كَذَلِك لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو من أحد أَمريْن إِمَّا كَانَت للْإِشَارَة نَحْو هَذَا وَذَاكَ وَتلك وَأُولَئِكَ وَهَؤُلَاء أما مَا كَانَ مِمَّا يدنو مِنْك من الْمُذكر فَإنَّك تَقول فِيهِ هَذَا وَالْأَصْل ذَا وَهَا للتّنْبِيه
وَتقول للْأُنْثَى ذه وته وتا
فَإِن ألحقت التَّنْبِيه قلت هَذِه وهاتا وهاته كَمَا قَالَ
(ونَبَّأْتُمَاني أَنَّمَا المَوْتُ بالقُرَى ... فَكَيْفَ وهاتَا هضْبةٌ وقَلِيبُ)
وكما قَالَ الآخر
(ولَيْسَ لَعَيْشِنا هَذَ مَهاهٌ ... ولَيْسَتْ دَارُنا هاتَا بِدَارِ)(4/277)
وَمَا كَانَ من هَذَا متراخيا عَنْك من الْمُذكر فَهُوَ ذَاك وَذَلِكَ وَالْكَاف لَا مَوضِع لَهَا وَهَذَا يذكر فِي بَابه
وَمَا كَانَ من الْمُؤَنَّث فَهُوَ تِلْكَ وتيك وهاتيك وهاتاك
فَإِن ثنيت أَو جمعت قلت هَذَانِ وَفِي الْمُؤَنَّث هَاتَانِ
وَمن قَالَ فِي الْوَاحِدَة هَذِه لم يجز أَن يثني إِلَّا على قَوْلك هاتا لِئَلَّا يلتبس الْمُذكر بالمؤنث
وَتقول فِي الْجمع الْحَاضِر هَؤُلَاءِ وأولاء وهؤلا وأولا يمد جَمِيعًا وَيقصر وَالْمدّ أَجود نَحْو قَوْله عز وَجل {هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ تدعون} وَكَقَوْلِه {هَؤُلَاءِ قَومنَا اتَّخذُوا من دونه} وَالْقصر يجوز وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع تَفْسِيره
قَالَ الْأَعْشَى
(هاؤلا ثُمَّ هؤلا كُلاًّ اعطيتَ نِعالا مَحْذُوَّةً بمثَالِ ... )
وَهَا فِي جَمِيع هَذَا زَائِدَة(4/278)
والمتراخي تَقول فِيهِ أُولَئِكَ وَمن قصر هَؤُلَاءِ قَالَ أولاك لِأَن الْكَاف إِنَّمَا تلْحق للمخاطبة على مَا كَانَ للحاضر لتَكون فصلا بَينهمَا
وَإِنَّمَا صَارَت هَذِه معارف بِمَا فِيهَا من الْإِشَارَة
وَمن الْمعرفَة الْمُضمر نَحْو الْهَاء فِي ضَربته ومررت بِهِ وَالْكَاف فِي ضربتك ومررت بك وَالتَّاء فِي قُمْت وَقمت وَقمت يَا امْرَأَة
والمضمر الْمُنْفَصِل نَحْو هُوَ وَأَنت وإياه وَإِيَّاك
وَمَا لحقته التَّثْنِيَة من جَمِيع مَا وَصفنَا نَحْو مَرَرْت بكما ومررت بهما ومررت بهَا وضربتها وضربتهما وَكَذَلِكَ مَرَرْت بهم وضربتهم
والمنفصل فِي قَوْلهم هُوَ وهما وَإِيَّاك وإياكما وَإِيَّاكُم وإياه وإياهما وَإِيَّاهَا وإياهم وَإِيَّاهَا وإياهن
ومررت بهَا ومررت بهما وبهن
والمضمر الَّذِي لَا عَلامَة لَهُ نَحْو قَوْلك زيد قَامَ وَهِنْد قَامَت وَهُوَ الَّذِي يظْهر الْألف(4/279)
فِي تثنيته فَتَقول قاما وقامتا وَالْوَاو فِي قَامُوا الرِّجَال وَالنُّون فِي قمن النِّسَاء وَالْيَاء فِي قَوْلك أَنْت تقومين وَمَا أشبه هَذَا
وَإِنَّمَا صَار الضَّمِير معرفَة لِأَنَّك لَا تضمره إِلَّا بعد مَا يعرفهُ السَّامع وَذَلِكَ أَنَّك لَا تَقول مَرَرْت بِهِ وَلَا ضَربته وَلَا ذهب وَلَا شَيْئا من ذَلِك حَتَّى تعرفه وَتَدْرِي إِلَى من يرجع هَذَا الضَّمِير وَهَذِه المعارف بَعْضهَا أعرف من بعض وَنحن مميزو ذَلِك إِن شَاءَ الله كَمَا أَن النكرَة بَعْضهَا أنكر من بعض
فالشيء أَعم مَا تَكَلَّمت بِهِ والجسم أخص مِنْهُ وَالْحَيَوَان أخص من الْجِسْم وَالْإِنْسَان أخص من الْحَيَوَان وَالرجل أخص من الْإِنْسَان وَرجل ظريف أخص من رجل
وَاعْتبر هَذَا بِوَاحِدَة بأنك تَقول كل رجل إِنْسَان وَلَا تَقول كل إِنْسَان رجل
وَتقول كل إِنْسَان حَيَوَان وَلَا تَقول كل حَيَوَان إِنْسَان(4/280)
وَمَا كَانَ من النكرات لَا تدخله الْألف وَاللَّام فَهُوَ أقرب إِلَى المعارف نَحْو قَوْلك هَذَا خير مِنْك وَأفضل من زيد وَسَنذكر هَذَا مُبينًا إِن شَاءَ الله
فعلى قدر هَذَا المعارف وَكلما كَانَ الشَّيْء أخص فَهُوَ أعرف
فأخص المعارف بعد مَا لَا يَقع عَلَيْهِ القَوْل إِضْمَار الْمُتَكَلّم نَحْو أَنا وَالتَّاء فِي فعلت وَالْيَاء فِي غلامي وضربتني لِأَنَّهُ لَا يشركهُ فِي هَذَا أحد فَيكون لبسا وَقد يكون بِحَضْرَتِهِ اثْنَان أَو أَكثر فَلَا يدْرِي أَيهمَا الْمُخَاطب؟
فالمضمرة لَا تنْعَت لِأَنَّهَا لَا تكون إِلَّا بعد معرفَة لَا يشوبها لبس
وَمَا كَانَ من الْأَسْمَاء علما فَهُوَ ينعَت بِثَلَاثَة أَشْيَاء(4/281)
ينعَت بِمَا فِيهِ الْألف وَاللَّام نَحْو الظريف والعاقل تَقول مَرَرْت بزيد الْعَاقِل وَرَأَيْت زيدا الْكَرِيم
وَبِمَا كَانَ مُضَافا نَحْو قَوْلك مَرَرْت بزيد أَخِيك وَبِعَبْد الله ذِي المَال وبالأسماء المبهمة نَحْو رَأَيْت زيدا هَذَا ومررت بعمروا ذَاك وَمَا كَانَ مُضَافا إِلَى غير مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام فَكَذَلِك نَعته تَقول مَرَرْت بأخيك الطَّوِيل وَجَاءَنِي غُلَام زيد الْعَاقِل ومررت بأخيك ذِي المَال وَرَأَيْت أَخَاك ذَا الجمة وَجَاءَنِي أَخُوك هَذَا
وَمَا كَانَ من المبهمة فبابه أَن ينعَت بالأسماء الَّتِي فِيهَا الْألف وَاللَّام ثمَّ بالنعوت الَّتِي فِيهَا الْألف وَاللَّام إِذا جَعلتهَا كالأسماء وَلَا يجوز أَن تنْعَت بالمضاف لعِلَّة نذكرها(4/282)
وَذَلِكَ قَوْلك مَرَرْت بِهَذَا الرجل وَرَأَيْت هَذَا الْفرس يَا هَذَا فالفرس وَمَا قبله بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد وَإِن كَانَ نعتا لَهُ لِأَنَّك إِذا أَوْمَأت وَجب أَن تبين فالبيان كاللازم لَهُ
وَتقول مَرَرْت بِهَذَا الظريف إِذا جعلت الظريف كالاسم لَهُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَنْبَغِي أَن تبين عَن النَّوْع الَّذِي تقصده لِأَن هَذَا يَقع على كل مَا أَوْمَأت إِلَيْهِ
وَلَا يجوز أَن تنعتها بِمَا أضيف إِلَى الْألف وَاللَّام لِأَن النَّعْت فِيهَا بِمَنْزِلَة شَيْء وَاحِد مَعهَا فَلَمَّا كَانَت هِيَ لَا تُضَاف لِأَنَّهَا معرفَة بِالْإِشَارَةِ لَا يفارقها التَّعْرِيف لم يجز أَن تُضَاف لِأَن الْمُضَاف إِنَّمَا يقدر نكرَة حَتَّى يعرفهُ أَو يُنكره مَا بعده
فَلذَلِك لَا تَقول جَاءَنِي هَذَا ذُو المَال وَرَأَيْت ذَاك غُلَام الرجل إِلَّا على الْبَدَل أَو تجْعَل رَأَيْت من رُؤْيَة الْقلب فتعديها إِلَى مفعولين
وَأما الْأَسْمَاء الَّتِي فِيهَا الْألف وَاللَّام فتنعت بِمَا كَانَ فِيهِ الْألف وَاللَّام وَبِمَا أضيف إِلَى(4/283)
مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام وَذَلِكَ قَوْلك مَرَرْت بِالرجلِ النَّبِيل وَبِالرجلِ ذِي المَال
والمضمر لَا يُوصف بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بتحلية وَلَا نسب
وَلَا يُوصف لِأَنَّهُ لَا يضمر حَتَّى يعرف وَلِأَن الظَّاهِر لَا يكون نعتا لَهُ كَمَا لَا ينعَت بِهِ وَلكنه يُؤَكد ويبدل مِنْهُ
وَزعم سِيبَوَيْهٍ أَن الشَّيْء لَا يُوصف إِلَّا بِمَا هُوَ دونه فِي التَّعْرِيف فَإِذا قلت هَذَا فقد عَرفته الْمُخَاطب بِعَيْنِه وَقَلبه وَإِذا قلت الرجل أَو الظريف فَإِنَّمَا تعرفه شَيْئا بِقَلْبِه دون عينه
وَأما الْأَسْمَاء الَّتِي هِيَ أَعْلَام نَحْو زيد وَعَمْرو فَلَا ينعَت بهَا لِأَنَّهَا لَيست بتحلية وَلَا نسب وَلَا يكون النَّعْت إِلَّا بِوَاحِد مِنْهُمَا أَو بِمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ
وَنحن مفسرون ذَلِك حرفا حرفا فِي هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله(4/284)
إِذا قلت مَرَرْت بِرَجُل عَاقل أَو طَوِيل فَمن الْفِعْل أَخَذته فحليته بِهِ
فَإِذا قلت مَرَرْت بِرَجُل مثلك أَو حَسبك من رجل أَو مَرَرْت بِرَجُل أَيّمَا رجل فَمَعْنَى مثلك إِنَّمَا هُوَ يشبهك وَأَيّمَا رجل مَعْنَاهُ كَامِل وقولك حَسبك إِنَّمَا مَعْنَاهُ يَكْفِيك يُقَال أحسبني الْأَمر أَي كفاني وَقَوله عز وَجل {عَطاء حسابا} أَي كَافِيا
فَهَذَا مَا كَانَ من التحلية الَّتِي لَا تكون إِلَّا عَن فعل وَمَا ضارع ذَلِك فراجع إِلَى مَعْنَاهُ
وَأما النّسَب فقولك مَرَرْت بِرَجُل تميمي وقيسي وَكَذَلِكَ نسب الْقَرَابَة نَحْو مَرَرْت بزيد أَخِيك وبزيد بن عبد الله(4/285)
(هَذَا بَاب مجْرى نعت النكرَة عَلَيْهَا)
وَذَلِكَ قَوْلك مَرَرْت بِرَجُل ظريف فَوجه هَذَا الْخَفْض لِأَنَّك جعلته وَصفا لما قبله كَمَا أجريت نعت الْمعرفَة عَلَيْهَا
وَإِن نصبت على الْحَال جَازَ وَهَذَا يُفَسر فِي بَاب الْحَال إِن شَاءَ الله
وَتقول مَرَرْت بِرَجُل ذِي مَال فقولك ذِي مَال نكرَة لِأَن ذَا مُضَافَة إِلَى مَال وَمَال نكرَة
ومررت بِرَجُل مثلك
فَإِن قَالَ قَائِل كَيفَ يكون الْمثل نكرَة وَهُوَ مُضَاف إِلَى معرفَة هلا كَانَ كَقَوْلِك مَرَرْت بِعَبْد الله أَخِيك(4/286)
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن الْأُخوة مخطورة وقولك مثلك مُبْهَم مُطلق يجوز أَن يكون مثلك فِي أنكما رجلَانِ أَو فِي أنكما أسمران وَكَذَلِكَ كل مَا تشابهتما بِهِ فالتقدير فِي ذَلِك التَّنْوِين كَأَنَّهُ يَقُول مَرَرْت بِرَجُل شَبيه بك وبرجل مثل لَك
فَإِن أردْت بمثلك الإجراء على أَمر مُتَقَدم حَتَّى يصير مَعْنَاهُ الْمَعْرُوف بشبهك لم يكن إِلَّا معرفَة فَتَقول على هَذَا مَرَرْت بزيد مثلك كَمَا تَقول مَرَرْت بزيد أَخِيك ومررت بزيد الْمَعْرُوف بشبهك(4/287)
وَمثل ذَلِك فِي الْوَجْهَيْنِ مَرَرْت بِرَجُل شبهك ومررت بِرَجُل نَحْوك
فَأَما مَرَرْت بِرَجُل غَيْرك فَلَا يكون إِلَّا نكرَة لِأَنَّهُ مُبْهَم فِي النَّاس أَجْمَعِينَ فَإِنَّمَا يَصح هَذَا وَيفْسد بِمَعْنَاهُ
فَأَما شبيهك فَلَا يكون إِلَّا معرفَة لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من شابهك فَمَعْنَاه مَا مضى كَقَوْلِك مَرَرْت بزيد جليسك فَإِن أردْت النكرَة قلت مَرَرْت بِرَجُل شَبيه بك كَمَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل جليس لَك
فَأَما حَسبك وهدك وشرعك وكفيك فَكلهَا نكرات لِأَن مَعْنَاهَا يَكْفِي(4/288)
وَقد يجوز أَن تَقول مَرَرْت بِرَجُل هدك من رجل تَجْعَلهُ فعلا ومررت بِامْرَأَة هدتك من امْرَأَة وَتقول على هَذَا مَرَرْت بِرَجُل كَفاك من رجل ومررت بِامْرَأَة كفتك من امْرَأَة
وَاعْلَم أَن كل مُضَاف تُرِيدُ بِهِ معنى التَّنْوِين وتحذف التَّنْوِين للمعاقبة مِنْهُ فَهُوَ بَاقٍ على نكرته لِأَن الْمَعْنى معنى التَّنْوِين فَلذَلِك تَقول مَرَرْت بِرَجُل حسن الْوَجْه لِأَن مَعْنَاهُ حسن وَجهه وَكَذَلِكَ مَرَرْت بِرَجُل ضَارب زيد إِذا أردْت بِهِ مَا أَنْت فِيهِ أَو مَا لم يَقع لِأَن مَعْنَاهُ ضَارب زيدا
وَكَذَلِكَ هَذِه المضافات الَّتِي لَا تخص نَحْو مثلك وشبهك وَغَيْرك لِأَنَّك تُرِيدُ هُوَ مثل لَك وَنَحْو لَك وَنَحْو مِنْك
فَأَما غَيْرك إِذا قلت مَرَرْت بِرَجُل غَيْرك فَإِنَّمَا هُوَ مَرَرْت بِرَجُل لَيْسَ بك فَهَذَا شَائِع فِي كل من عدا الْمُخَاطب
ف رب تدخل على كل نكرَة لِأَنَّهَا لَا تخص شَيْئا فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَن الشَّيْء يَقع وَلكنه قَلِيل فَمن ذَلِك قَوْله
(يَا رُبَّ مِثْلِكِ فِي النساءِ غَرِيرةٍ ... بَيْضَاءَ قَدْ مَتَّعْتُهَا بِطلاقِ)
وَقَوله
(يَا رُبَّ غابِطِنا لَوْ كَانَ يَطْلُبُكُمْ ... لَاقَى مُباعَدةً مِنْكُمْ وحِرْماناً)(4/289)
يُرِيد غابط لنا لِأَنَّهُ لَو عَنى وَاحِدًا بِعَيْنِه لم يكن للْكَلَام معنى كَمَا لَا تَقول رب عبد الله وَلَا رب غُلَام أَخِيك
وَتقول مَرَرْت برجلَيْن صالحين فتجري النَّعْت على المنعوت وَقد بيّنت لَك جَوَاز الْحَال ونستقصيه فِي بَابه إِن شَاءَ الله
وَتقول مَرَرْت برجلَيْن مُسلم وَكَافِر وَمُسلم وَكَافِر كِلَاهُمَا جيد بَالغ
وَكَذَلِكَ مَرَرْت برجلَيْن رجل مُسلم وَرجل كَافِر وَإِن شِئْت قلت رجل مُسلم وَرجل كَافِر
أما الْخَفْض فعلى النَّعْت ورددت الِاسْم توكيدا
وَأما الرّفْع فعلى التَّبْعِيض وَتَقْدِيره أَحدهمَا مُسلم وَالْآخر كَافِر وَالْآيَة تقْرَأ على وَجْهَيْن وَهُوَ قَول الله عز وَجل {قد كَانَ لكم آيَة فِي فئتين التقتا فِئَة تقَاتل فِي سَبِيل الله وَأُخْرَى كَافِرَة} بِالرَّفْع والخفض
وَكَذَلِكَ قَول الشَّاعِر
(فكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْنِ رِجْلٌ صَحِيحَةٌ ... ورِجْلٌ رَمى فِيهَا الزَّمانُ فَشَلَّتِ)(4/290)
ينشد رفعا وخفضا وَقَالَ آخر
(وكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْنِ رجْلٌ صَحِيحةٌ ... ورجْلٌ رَمَاهَا صائِبُ الحَدثانِ)
وَقَالَ آخر
(بكَيْتُ وَمَا بُكا رجل حَزِين ... على رَبْعيْن مِسْلوبٍ وبَالي)(4/291)
وَتقول مَرَرْت بِثَلَاثَة رجال قيام يَا فَتى لَا يكون إِلَّا الْخَفْض إِلَّا على مَا يجوز من الْحَال
فَإِن قلت مَرَرْت بِثَلَاثَة رجال صريع وجريح يَا فَتى لم يجز إِلَّا الرّفْع لِأَنَّك لم تأت على عدتهمْ فَإِنَّمَا التَّقْدِير مِنْهُم كَذَا وَمِنْهُم كَذَا لَا يكون إِلَّا كَذَلِك
وَلَو قلت مَرَرْت بِثَلَاثَة قَائِم وقاعد ونائم لَكَانَ جيدا لِأَنَّك أحطت بِعدَّتِهِمْ وَالرَّفْع جيد بَالغ لِأَنَّك إِذا أتيت على الْعدة صلح التَّبْعِيض والنعت وَإِن لم تأت عَلَيْهَا لم يكن إِلَّا التَّبْعِيض
وَتقول مَرَرْت بِرَجُل وَامْرَأَة وحمار قيام فرقت الِاسْم وجمعت النَّعْت كَمَا فرقت(4/292)
هُنَاكَ النَّعْت وَالِاسْم مَجْمُوع وَلَو أردْت هَا هُنَا التَّبْعِيض لم يجز لِأَن قيَاما لَفْظَة وَاحِدَة فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْخَفْض إِلَّا جَوَاز الْحَال
وَتقول مَرَرْت بِرَجُل مثلك غَيْرك ف غير هَا هُنَا توكيد
لِأَن غيرا يتَكَلَّم بهَا على وَجْهَيْن أَحدهمَا للفائدة وَالْآخر للتوكيد
فَإِذا قَالَ مَرَرْت بِرَجُل غير زيد فقد أفادك أَن الرجل الَّذِي مَرَرْت بِهِ سوى زيد وَكَذَلِكَ مَرَرْت بِرَجُل غَيْرك كَأَنَّهُ قَالَ مَرَرْت بِرَجُل آخر لِئَلَّا يتَوَهَّم السَّامع أَنه بِعَيْنِه
فَإِذا قَالَ مَرَرْت بِرَجُل مثلك فقد أعلمهُ أَنه غَيره فَإِن أتبعه غيرا فَإِنَّمَا هُوَ توكيد وَتَشْديد للْكَلَام
وَهَذِه النكرات كلهَا تقع حالات وتبيينا وتجري فِي جَمِيع مجاري النكرَة
تَقول عِنْدِي عشرُون مثلك وَمِائَة مثلك وَعِشْرُونَ غَيْرك
فَأَما عشرُون أَيّمَا رجل فَلَا يجوز وَإِنَّمَا امْتنع من أَنَّك لَا تقيم الصّفة مقَام الْمَوْصُوف حَتَّى تتمكن فِي بَابهَا نَحْو مَرَرْت بظريف ومررت بعاقل لِأَنَّهَا أَسمَاء جَارِيَة على الْفِعْل(4/293)
وَأَيّمَا رجل إِنَّمَا مَعْنَاهُ كَامِل فَلَيْسَ بمأخوذ من فعل
وَمَا زَائِدَة فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مرت بِرَجُل أَي رجل
فعلى هَذَا تقع الصِّفَات موقع الْمَوْصُوف وتمتنع وَالْمَرْفُوع والمنصوب كالمخفوض
والمعرفة يجْرِي نعتها كمجرى نعت النكرَة تَقول مَرَرْت بِعَبْد الله الْعَاقِل وبأخويك الكريمين وبأخويك الْكَرِيم واللئيم على أَنَّك تُرِيدُ أَحدهمَا الْكَرِيم وَأَحَدهمَا اللَّئِيم
وَإِن شِئْت خفضت على النَّعْت(4/294)
وَكَذَلِكَ كَانَ إخْوَتك كريم ولئيم أَي مِنْهُم كَذَا وَمِنْهُم كَذَا إِذا لم ترد الْجِنْس
وَكَانَ إخْوَتك قَائِما وَقَاعِدا ونائماً وترفع إِن شِئْت
وَكَذَلِكَ بِالْألف وَاللَّام إِلَّا أَن مَا كَانَ من هَذَا بِالْألف وَاللَّام فَهُوَ شَيْء مَعْرُوف
تَقول كَانَ زيد الْقَائِم أَي كَانَ زيد ذَلِك الَّذِي رَأَيْته قَائِما
وَإِن قلت كَانَ زيد قَائِما لم تقصد إِلَى وَاحِد رَأَيْته قبل قَائِما
وَاعْلَم أَن الْبَدَل فِي الْكَلَام يكون على أَرْبَعَة أضْرب فَضرب من ذَلِك أَن تبدل الِاسْم من الِاسْم إِذا كَانَا لشَيْء وَاحِد معرفتين كَانَا أَو معرفَة ونكرة أَو مضمرا ومظهرا أَو مضمرين أَو مظهرين وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك مَرَرْت بأخيك زيد أبدلت زيدا من الْأَخ نحيت الْأَخ وَجَعَلته فِي مَوْضِعه فِي الْعَامِل فَصَارَ مثل قَوْلك مَرَرْت بزيد وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَة تَبْيِين وَلَكِن قيل بدل لِأَن الَّذِي عمل فِي الَّذِي قبله قد صَار يعْمل فِيهِ بِأَن فرغ لَهُ
وَلم يجز أَن يكون نعتا لِأَن زيدا لَيْسَ مِمَّا ينعَت بِهِ
فَإِن قلت مَرَرْت بزيد أَخِيك جَازَ فِي الْأَخ أَن يكون بَدَلا وَأَن يكون نعتا والنعت أحسن لِأَنَّهُ مِمَّا ينعَت بِهِ وَالْبدل جيد بَالغ لِأَنَّهُ هُوَ الأول فَهَذَا شَأْن المعرفتين
فَأَما الْمعرفَة والنكرة فَإِن أبدلت معرفَة من نكرَة قلت مَرَرْت بِرَجُل زيد ومررت بِذِي مَال أَخِيك قَالَ الله عز وَجل {وَإنَّك لتهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم صِرَاط الله} فَهَذَا بدل الْمعرفَة من النكرَة(4/295)
وَفِي المعرفتين قَوْله {اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم}
وَفِي بدل النكرَة من الْمعرفَة قَوْله مَرَرْت بزيد صَاحب مَال ومررت بِالرجلِ رجل صَالح قَالَ الله عز وَجل {كلا لَئِن لم تَنْتَهِ لنسفعا بالناصية نَاصِيَة} فَأَما الْمُضمر والمظهر فكقولك زيد مَرَرْت بِهِ أَخِيك وَتقول رَأَيْت زيدا إِيَّاه وأخوك رَأَيْته زيدا والمضمران رَأَيْتُك إِيَّاه فَهَذَا ضرب من الْبَدَل
وَالضَّرْب الآخر أَن تبدل بعض الشَّيْء مِنْهُ لتعلم مَا قصدت لَهُ وتبينه للسامع وَذَلِكَ قَوْلهم ضربت زيدا رَأسه أردْت أَن تبين مَوضِع الضَّرْب مِنْهُ فَصَارَ كَقَوْلِك ضربت رَأس زيد
وَمِنْه جَاءَنِي قَوْمك أَكْثَرهم بيّنت من جَاءَك مِنْهُم قَالَ الله عز وَجل {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} من فِي مَوضِع خفض لِأَنَّهُ على من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا
وَمن ذَلِك إِلَّا أَنه أُعِيد مَعَه حرف الْخَفْض {قَالَ الْمَلأ الَّذين استكبروا من قومه للَّذين استضعفوا لمن آمن مِنْهُم} كَانَ أَيْضا جيدا كالآية الَّتِي ذكرنَا قبل(4/296)
فهذان ضَرْبَان
وَالضَّرْب الثَّالِث أَن يكون الْمَعْنى محيطا بِغَيْر الأول الَّذِي سبق لَهُ الذّكر لالتباسه بِمَا بعده فتبدل مِنْهُ الثَّانِي الْمَقْصُود فِي الْحَقِيقَة وَذَلِكَ قَوْلك مَالِي بهم علم أَمرهم فَأَمرهمْ غَيرهم وَإِنَّمَا أَرَادَ مَالِي بأمرهم علم فَقَالَ مَالِي بهم علم وَهُوَ يُرِيد أَمرهم وَمثل ذَلِك أَسأَلك عَن عبد الله متصرفه فِي تِجَارَته لِأَن الْمَسْأَلَة عَن ذَلِك قَالَ الله عز وَجل {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} لِأَن الْمَسْأَلَة عَن الْقِتَال وَلم يسْأَلُوا أَي الشَّهْر الْحَرَام
وَقَالَ {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود النَّار ذَات الْوقُود} لأَنهم أَصْحَاب النَّار الَّتِي أوقدوها فِي الْأُخْدُود وَقَالَ الْأَعْشَى
(لقَدْ كانَ فِي حَوْلِ ثواءٍ ثَوَيْتُهُ ... تَقَضِّي لُبانَاتٍ وَيَسْأَمَ سائِمُ)
لِأَنَّهُ أَرَادَ ثواءه حولا
فَهَذِهِ ثَلَاثَة أوجه تكون فِي الْقُرْآن وَفِي الشّعْر وَفِي كل كَلَام مُسْتَقِيم
وَوجه رَابِع لَا يكون مثله فِي قُرْآن وَلَا شعر وَلَا كَلَام مُسْتَقِيم وَإِنَّمَا يَأْتِي فِي لفظ النَّاسِي أَو الغالط وَذَلِكَ قَوْلك رَأَيْت زيدا دَاره وَكلمت زيدا عمرا ومررت بِرَجُل حمَار أَرَادَ أَن يَقُول مَرَرْت بِحِمَار فنسي ثمَّ ذكر فنحي(4/297)
الرجل وأوصل الْمُرُور إِلَى مَا قصد إِلَيْهِ أَو غلط ثمَّ استدرك
فَهَذِهِ أَرْبَعَة أوجه فِي الْبَدَل
وَلَو قَالَ فِي هَذَا الْموضع مَرَرْت بِرَجُل بل حمَار وَلَقِيت زيدا بل عمرا كَانَ كَذَلِك إِلَّا أَن بل وَلَا بل من حُرُوف الْإِشْرَاك وَقد ذكرنَا أحوالها فِيمَا تقدم
وَاعْلَم أَن المعارف تُوصَف بالمعارف فَإِن وَقع بعْدهَا شَيْء نكرَة وَالْعَامِل فعل أَو شَيْء فِي مَعْنَاهُ انتصبت النكرَة على الْحَال وَنحن واصفو ذَلِك فِي الْبَاب الَّذِي يَلِي هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله(4/298)
(هَذَا بَاب الْحَالَات والتبيين وَتَفْسِير مَعْنَاهُمَا)
اعْلَم أَنه لَا ينْتَصب شَيْء إِلَّا على أَنه مفعول أَو مشبه بالمفعول فِي لفظ أَو معنى وَالْمَفْعُول على ضروب فَمن ذَلِك الْمصدر وَهُوَ اسْم الْفِعْل وَهُوَ مفعول صَحِيح لِأَن الْإِنْسَان يفعل وَاسم فعله ذَلِك الْمصدر
تَقول ضربت ضربا وَقمت قيَاما فَأَنت فعلت الضَّرْب وَالْقِيَام وَلَو قلت ضربت وَقمت لدللت على أَنَّك فعلت الضَّرْب وَالْقِيَام وَكَذَلِكَ كل فعل تعدى أَو لم يَتَعَدَّ
فَإِذا قلت ضربت زيدا أَو كلمت عمرا فَأَنت لم تفعل زيدا وَلَا عمرا إِنَّمَا فعلت الضَّرْب وَالْكَلَام فأوقعت الضَّرْب بزيد وأوصلت الْكَلَام إِلَى عَمْرو فزيد وَعَمْرو مفعول بهما لِأَنَّك فعلت فعلا أوقعته بهما وأوصلته إِلَيْهِمَا
فَإِن قلت سرت يَوْم الْجُمُعَة وَجَلَست مَكَان زيد فَإِنَّمَا فعلت السّير وَالْجُلُوس فِي هَذَا الزَّمَان وَهَذَا الْمَكَان فالزمان وَالْمَكَان مفعول فيهمَا
والفصل بَينهمَا وَبَين زيد أَنَّك أوصلت إِلَى زيد شَيْئا وَلم تعْمل فِي الزَّمَان شَيْئا إِنَّمَا عملت عملا احتوى عَلَيْهِ الزَّمَان وَالْمَكَان
تَقول ضربت زيدا يَوْم الْجُمُعَة فِي الدَّار فَأَنت لم تصنع بِالدَّار وَالْيَوْم شَيْئا وَلَكِن لَو قلت هدمت الدَّار وبنيت الدَّار لكَانَتْ مفعولة بِمَنْزِلَة زيد لِأَنَّك فعلت فعلا أوصلته إِلَيْهَا
وَكَذَلِكَ الْحَال هِيَ مفعول فِيهَا تَقول جَاءَنِي زيد الطَّوِيل فالطويل نعت وَكَذَلِكَ مَرَرْت بأخيك الْكَرِيم إِنَّمَا مَعْنَاهُ بأخيك الْمَوْصُوف بِالْكَرمِ الْمَعْرُوف بِهِ(4/299)
فَإِذا قلت جَاءَنِي زيد مَاشِيا لم يكن نعتا لِأَنَّك لَو قلت جَاءَنِي زيد الْمَاشِي لَكَانَ مَعْنَاهُ الْمَعْرُوف بِالْمَشْيِ وَكَانَ جَارِيا على زيد لِأَنَّهُ تحلية لَهُ وتبيين أَنه زيد الْمَعْرُوف بِهَذِهِ السمة ليفصل مِمَّن اسْمه مثل اسْمه بِهَذَا الْوَصْف
فَإِذا قلت جَاءَنِي زيد مَاشِيا لم ترد أَنه يعرف بِأَنَّهُ ماش وَلَكِن خبرت بِأَن مَجِيئه وَقع فِي هَذِه الْحَال وَلم يدلل كلامك على مَا هُوَ فِيهِ قبل هَذِه الْحَالة أَو بعْدهَا
فالحال مفعول فِيهَا إِنَّمَا خبرت أَن مَجِيئه وَقع فِي حَال مَشى وَكَذَلِكَ مَرَرْت بزيد ضَاحِكا وصادفت أَخَاك رَاكِبًا
فالحال لَا يعْمل فِيهَا إِلَّا الْفِعْل أَو شَيْء يكون بَدَلا مِنْهُ دَالا عَلَيْهِ وسنبين جَمِيع ذَلِك إِن شَاءَ الله
فَإِذا كَانَ الْعَامِل فِي الْحَال فعلا صلح تَقْدِيمهَا وتأخيرها لتصرف الْعَامِل فِيهَا فَقلت جَاءَ زيد رَاكِبًا وراكبا جَاءَ زيد وَجَاء رَاكِبًا زيد قَالَ الله عز وَجل {خشعا أَبْصَارهم يخرجُون من الأجداث} وَكَذَلِكَ قَائِما لقِيت زيدا وَقَائِمًا أَعْطَيْت زيدا درهما وذاهبا إِلَيْك رَأَيْت زيدا
وَإِن كَانَ الْعَامِل غير فعل لم تكن الْحَال إِلَّا بعده وَذَلِكَ قَوْلك زيد فِي الدَّار قَائِما وَفِي الدَّار قَائِما زيد وَفِي الدَّار زيد قَائِما
إِذا كَانَ قَائِما بعد قَوْلك فِي الدَّار انتصب وَلَا يصلح قَائِما فِي الدَّار زيد وَلَا زيد قَائِما فِي الدَّار وَلَا قَائِما زيد فِي الدَّار لما أخرت الْعَامِل وَلم يكن فعلا لم يتَصَرَّف تصرف الْفِعْل فينصب مَا قبله وَهَذَا إِذا جعلت فِي الدَّار خَبرا فَقلت زيد فِي الدَّار وَفِي الدَّار زيد فاستغنى زيد بِخَبَرِهِ قلت قَائِما وَنَحْوه لتدل على أَيَّة حَال اسْتَقر
فَإِن جعلت قَائِما هُوَ الْخَبَر رفعته وَكَانَ قَوْلك فِي الدَّار فضلَة مُسْتَغْنى عَنْهَا لِأَنَّك إِنَّمَا قلت زيد قَائِم فاستغنى زيد بِخَبَرِهِ ثمَّ خبرت أَيْن مَحل قِيَامه فَقلت فِي الدَّار وَنَحْوه(4/300)
وكل مَا كَانَ فِي الِابْتِدَاء من هَذَا فَكَذَلِك مجْرَاه فِي بَاب إِن وَأَخَوَاتهَا وظننت وَأَخَوَاتهَا وَكَانَ وَأَخَوَاتهَا
إِلَّا أَنه مَا كَانَ من ذَلِك فعلا أَو دخله معنى تصلح عَلَيْهِ الْحَال وتنصبه عَلَيْهِ إِذا أردْت ذَلِك نَحْو ظَنَنْت زيدا قَائِما أَخَاك لِأَنَّك إِنَّمَا ظننته فِي حَال قِيَامه وَكَأن زيدا قَائِما أَخُوك لِأَنَّهُ أشبهه فِي حَال قِيَامه وَلَو قلت إِن زيدا قَائِما فِي الدَّار لم يجز لِأَنَّك لَا تنصبه بِقَوْلِك فِي الدَّار وَهُوَ قبله وَلم يحدث معنى مَعَ إِن يجب بِهِ نصب الْحَال لِأَن هَذِه العوامل كلهَا دَاخِلَة على الِابْتِدَاء قَالَ الله عز وَجل {إِن أَصْحَاب الْجنَّة الْيَوْم فِي شغل فاكهون} فَجعل قَوْله {فاكهون} الْخَبَر و {فِي شغل} تَبْيِين كَقَوْلِك(4/301)
فِي الدَّار وَقَالَ {إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات وعيون آخذين} وَقَالَ {إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات ونعيم فاكهين} على مَا وَصفنَا
وَتقول زيد بك مَأْخُوذ وَزيد عَلَيْك نَازل وَزيد فِيك رَاغِب وَزيد بك كَفِيل وَزيد إِلَيْك مائل وَزيد عَنْك مُحدث لَا يكون فِي جَمِيع ذَلِك إِلَّا الرّفْع لِأَنَّهُ لَا يكون شَيْء مِمَّا اذكرنا ظرفا لزيد لَو قلت زيد فِيك أَو زيد عَنْك أَو زيد بك لم يصلح لِأَن بك إِنَّمَا هِيَ ظرف لمأخوذ وَعَلَيْك ظرف لنازل فَاعْتبر مَا ورد عَلَيْك من هَذَا وَشبهه بِمَا ذكرت لَك
وَتقول زيد علينا أَمِير وأميرا لِأَنَّك لَو قلت زيد علينا وَأَنت تُرِيدُ الْإِمَارَة كَانَ مُسْتَقِيمًا
وَتقول زيد فِي الدَّار أَبوهُ قَائِما على أَن تجْعَل قَائِما حَالا لِأَبِيهِ وَإِن شِئْت رفعت فَإِن جعلته حَالا لزيد لم يستقم لِأَن زيدا لَيْسَ لَهُ فِي الظّرْف ضمير وَلَا يَسْتَقِيم زيد قَائِما فِي الدَّار أَبوهُ بِوَجْه من الْوُجُوه لِأَن الْحَال قبل الْعَامِل وَلَيْسَ بِفعل
وَتقول مَرَرْت رَاكِبًا بزيد إِذا جعلت الْحَال لَك فَإِن جَعلتهَا لزيد لم يَسْتَقِيم(4/302)
لِأَن الْعَامِل فِي زيد الْبَاء وَلَكِن لَو قلت ضربت قَائِما زيدا كَانَ جيدا لأيكما جعلت الْحَال وَكَذَلِكَ رَأَيْت راكبة هندا
فَإِن قلت هَذَا ابْن عمي دنيا وَهَذِه الدَّرَاهِم وزن سَبْعَة وَهَذَا الثَّوْب نسج الْيمن وَهَذَا الدِّرْهَم ضرب الْأَمِير نصبت ذَلِك كُله وَلَيْسَ نَصبه على الْحَال لَو كَانَ كَذَلِك(4/303)
لامتنع قَوْلك نسج الْيمن وَضرب الْأَمِير لِأَن الْمعرفَة لَا تكون حَالا وَلكنهَا مصَادر على قَوْلك ضرب ضربا ونسج نسجا
وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الَّذِي قبله نكرَة قلت هَذَا دِرْهَم وزن سَبْعَة وَهَذَا ثوب نسج الْيمن وَهَذَا دِرْهَم ضرب الْأَمِير
وَإِن شِئْت رفعت فَقلت هَذَا دِرْهَم وزن سَبْعَة وَهَذَا دِرْهَم ضرب الْأَمِير فنعته بِالْمَصْدَرِ لِأَن الْمصدر مفعول فكأنك قلت هَذَا دِرْهَم مَضْرُوب للأمير وَهَذَا ثوب منسوج بِالْيمن
فَإِن قلت هَذَا دِرْهَم ضرب الْأَمِير لم يجز أَن يكون نعتا لِأَن النكرَة لَا تنْعَت بالمعرفة وَلَكِن بيّنت كَأَنَّك جعلته جَوَابا لما قلت هَذَا ثوب وَهَذَا دِرْهَم قيل مَا هُوَ فَقلت ضرب الْأَمِير على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر
وعَلى هَذَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل زيد وَقَالَ {بشر من ذَلِكُم النَّار} وقرئت الْآيَة على وَجْهَيْن {فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء للسائلين} على الْمصدر فَكَأَنَّهُ قَالَ اسْتِوَاء وَقَرَأَ(4/304)
بَعضهم {أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء} على معنى مستويات وَقَالَ جلّ وَعز {قل أَرَأَيْتُم إِن أصبح ماؤكم غورا} فَالْمَعْنى وَالله أعلم غائرا فَوضع الْمصدر مَوضِع الِاسْم وَقَالَت الخنساء
(تَرْتَعُ مَا عَقَلَتْ حتَّى إِذا ادّكَرَتْ ... فإِنَّما هِيَ إِقْبالٌ وإِدْبارُ)
فالمصدر فِي كل هَذَا فِي مَوضِع الِاسْم وَقَالَ لَقِيط بن زُرَارَة
(شَتَّانَ هَذَا والعِناقُ والنَّوْمْ ... والمشْرَبُ البارِدُ والظِّلُّ الدَّوْمْ)
يُرِيد الدَّائِم
فَأَما قَوْلهم هُوَ عَرَبِيّ مَحْضا وَهُوَ صميم قلبا وَهُوَ عَرَبِيّ حسبَة وَهُوَ شرِيف جدا فَإِنَّهَا مصَادر مُؤَكدَة لما قبلهَا(4/305)
والأجود هُوَ عَرَبِيّ مَحْض وعربي قلب لِأَن هَذِه أَسمَاء وَإِن كَانَت تكون على هَذَا اللَّفْظ مصَادر لِأَن الْمصدر ينعَت بِهِ وَالِاسْم لَا يكون إِلَّا نعتا من هَذَا الضَّرْب إِلَّا أَن تَجْعَلهُ حَالا للنكرة
وَأما هُوَ أَعْرَابِي قح فَلَا يكون إِلَّا رفعا لِأَنَّهُ لَيْسَ بمصدر
فَإِذا قلت هُوَ عَرَبِيّ حسبَة فَمَعْنَاه اكْتِفَاء يُقَال أَعْطَانِي فأحسبني أَي كفاني قَالَ الله عز وَجل {عَطاء حسابا} أَي كَافِيا(4/306)
(هَذَا بَاب تَبْيِين الْحَال فِي العوامل الَّتِي فِي معنى الْأَفْعَال وَلَيْسَت بِأَفْعَال وَمَا يمْتَنع من أَن تجْرِي مَعَه الْحَال)
تَقول هَذَا لَك كَافِيا فتنصب الْحَال لما فِي الْكَلَام من معنى الْفِعْل لِأَن معنى لَك معنى تملكه
فَإِن أردْت أَن تلْغي لَك قلت هَذَا لَك كَاف يَا فَتى تُرِيدُ هَذَا كَاف لَك فتجعل كَافِيا خبر الِابْتِدَاء وَتجْعَل لَك ظرفا للكفاية
وَالْآيَة تقْرَأ على وَجْهَيْن {قل هِيَ للَّذين آمنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة} وخالصة على مَا ذكرنَا
وَتقول هَذَا عبد الله قَائِما فتنصب قَائِما لِأَن قَوْلك هَا للتّنْبِيه فَالْمَعْنى انتبه لَهُ قَائِما وَقَالَ الله عز وَجل {هَذِه نَاقَة الله لكم آيَة} و {هَذَا بعلي شَيخا} فَإِن قلت هَذَا زيد قَائِم صلح من أَرْبَعَة أوجه(4/307)
مِنْهَا أَنَّك لما قلت هَذَا زيد اسْتغنى الْكَلَام بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره فَجعلت قَوْلك قَائِم خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف كَأَنَّك قلت هُوَ قَائِم أَو هَذَا قَائِم فَهَذَا وَجه
وَيجوز أَن تجْعَل زيدا بَدَلا من هَذَا أَو تبيينا لَهُ فَيصير الْمَعْنى زيد قَائِم
وَيجوز أَن تجْعَل زيدا وَقَائِمًا كليهمَا الْخَبَر فتخبر بِأَنَّهُ قد جمع ذَا وَذَا كَمَا تَقول هَذَا حُلْو حامض تخبر أَنه قد جمع الطعمين وَلَا تُرِيدُ أَن تنقض الْحَلَاوَة بالحموضة
فَهَذِهِ أَرْبَعَة أوجه فِي الرّفْع
تَقول زيد فِي الدَّار قَائِما إِذا جعلت فِي الدَّار الْخَبَر فَمَعْنَاه اسْتَقر
فَإِن قلت زيد أَبوك قَائِم فَلَا معنى لنصب قَائِم إِذا أردْت بأبيك النّسَب لِأَنَّهُ لَيْسَ هَا هُنَا فعل وَلَا معنى فعل فلست تخبر أَنه أَبوك فِي حَال دون حَال
فَإِن أردْت معنى التبني جَازَ النصب فَقلت زيد أَبوك قَائِما أَي يتبناك فِي هَذِه الْحَال وَلَا تبال بِأَيِّهِمَا كَانَ الْقيام(4/308)
وَالْمَسْأَلَة الأولى تَقول فِيهَا زيد أَبوك قَائِم تجْعَل الْأَب نعتا لزيد أَو بَدَلا مِنْهُ
وَكَذَلِكَ أَخُوك إِذا أردْت النّسَب كَانَ كَالْأَبِ
وَإِن أردْت الصداقة دخل معنى الْفِعْل وَصلح النصب
وَإِن جعلت الْأَخ نعتا أَو بَدَلا كَانَ الرّفْع فِي قَائِم لَا غير فعلى هَذَا وَمَا أشبهه تصلح الْحَال وتمتنع(4/309)
(هَذَا بَاب مَا كَانَت الْحَال فِيهِ مُؤَكدَة لما قبلهَا وَذَلِكَ مَا لم يكن مأخوذا من الْفِعْل)
تَقول زيد أَبوك حَقًا وَهُوَ زيد مَعْرُوفا وَأَنا عبد الله أمرا وَاضحا وَذَلِكَ لِأَن هَذِه الْحَالَات إِنَّمَا تؤكد مَا قبلهَا لِأَنَّك إِذا قلت هُوَ زيد وَأَنا عبد الله فَإِنَّمَا تخبر بخبرين فَإِذا قلت مَعْرُوفا أَو بَينا فَإِنَّمَا الْمَعْنى أَنى قد بيّنت لَك هَذَا وأوضحته وَفِيه الْإِخْبَار لِأَنَّهُ عَلَيْهِ يدل(4/310)
وَلَو قلت أَنا عبد الله مُنْطَلقًا لم يجز لِأَن المنطلق لَا يؤكدني
أَلا ترى أَنَّك لَو قلت أَنا عبد الله مُنْطَلقًا لَكَانَ الْمَعْنى فَاسِدا لِأَن هَذَا الِاسْم لَا يكون لي فِي حَال الانطلاق ويفارقني فِي غَيره وَلَكِن يجوز أَن تَقول أَنا عبد الله مُصَغرًا نَفسك لِرَبِّك ثمَّ تَقول آكلا كَمَا يَأْكُل العبيد وشاربا كَمَا يشرب العبيد لِأَن هَذَا يُؤَكد مَا صدرت بِهِ
وَكَذَلِكَ لَو قلت مفتخرا أَو موعدا أَنا عبد الله شجاعا بطلا وَهُوَ زيد كَرِيمًا حَلِيمًا أَي فاعرفه بِمَا كنت تعرفه بِهِ كَانَ جيدا
وَهَذَا بَاب إِنَّمَا يصلحه ويفسده مَعْنَاهُ فَكل مَا صلح بِهِ الْمَعْنى فَهُوَ جيد وكل مَا فسد بِهِ الْمَعْنى فمردود(4/311)
(هَذَا بَاب مَا يكون من المصادر حَالا لموافقته الْحَال)
وَذَلِكَ قَوْلك جَاءَ زيد مشيا إِنَّمَا مَعْنَاهُ مَاشِيا لِأَن تَقْدِيره جَاءَ زيد يمشي مشيا وَكَذَلِكَ جَاءَ زيد عدوا وركضا وقتلته صبرا لما دخله من الْمَعْنى كَمَا أَن الْحَال قد تكون فِي معنى الْمصدر فَتحمل عَلَيْهِ وَذَلِكَ قَوْلك قُم قَائِما إِنَّمَا الْمَعْنى قُم قيَاما
وَتقول هَنِيئًا مريئا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ هَنَّأَك هناء ومرأك مراء وَلكنه لما كَانَ حَالا كَانَ تَقْدِيره وَجب ذَلِك لَك هَنِيئًا وَثَبت لَك هَنِيئًا(4/312)
وَمثله قَول الفرزدق
(أَلَم تَرَني عَاهَدْتُ رَبِّي وإننى ... لَبَيْنَ رِتَاجٍ قَائِما ومَقامِ)
(على حَلْفَة لَا أَشْتُمُ الدَّهْر مُسْلِماً ... وَلَا خَارِجاً مِنْ فيَّ زُورُ كَلامِ)
وَإِنَّمَا التَّقْدِير لَا أشتم شتما وَلَا أخرج خُرُوجًا لِأَنَّهُ على ذَلِك أقسم فَهَذَا وَجه صَحِيح يَصح عَلَيْهِ معنى هَذَا الشّعْر
وَأما عِيسَى بن عمر فَإِنَّهُ كَانَ يَجْعَل خَارِجا حَالا وَلَا يذكر مَا عَاهَدَ عَلَيْهِ وَلكنه يَقُول عَاهَدت رَبِّي وَأَنا غير خَارج من فِي زور كَلَام(4/313)
(هَذَا بَاب اشْتِرَاك الْمعرفَة والنكرة)
تَقول هَذَا رجل وَعبد الله منطلق إِذا جعلت المنطلق صفة لرجل فَإِن جعلته صفة لعبد الله قلت هَذَا رجل وَعبد الله مُنْطَلقًا كَأَنَّك قلت هَذَا رجل وَهَذَا عبد الله مُنْطَلقًا
فَإِن جعلت الشَّيْء لَهما جَمِيعًا قلت هَذَا رجل وَعبد الله منطلقين لَا يكون إِلَّا ذَلِك لِأَنَّك لَو قلت مُنْطَلقًا لَو يجز لِأَنَّك لَا تَقول على معنى الْحَال هَذَا عبد الله منطلق وَيجوز أَن تَقول هَذَا رجل مُنْطَلقًا فالحال يجوز لَهما والنعت لَا يصلح من أجل عبد الله
وَتقول هَذَانِ رجلَانِ وَعبد الله منطلقان وَهَذَانِ رجلَانِ وَعبد الله مُنْطَلقًا
فَإِن جمعتهم قلت هَذَا رجلَانِ وَعبد الله منطلقين على مَا ذكرت لَك
وَتقول عِنْدِي عبد الله ومررت بِرَجُل قَائِمين فتنصب وَلَيْسَ النصب هَا هُنَا على الْحَال لاخْتِلَاف الْمَعْنيين وَكَذَلِكَ لَو كَانَا معرفتين أَو نكرتين
تَقول هَذَا عبد الله وَجَاءَنِي زيد فارسين إِنَّمَا تنصب على أَعنِي
وَلَو قلت فارسان جَازَ على قَوْلك هما لاخْتِلَاف العاملين(4/314)
وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ يُجِيز جَاءَ عبد الله وَذهب زيد العاقلان على النَّعْت لِأَنَّهُمَا ارتفعا بِالْفِعْلِ فَيَقُول رفعهما من جِهَة وَاحِدَة وَكَذَلِكَ هَذَا زيد وَذَاكَ عبد الله العاقلان لِأَنَّهُمَا خبر ابتدء
وَلَيْسَ القَوْل عِنْدِي كَمَا قَالَ لِأَن النَّعْت إِنَّمَا يرْتَفع بِمَا يرْتَفع بِهِ المنعوت فَإِذا قلت جَاءَ زيد وَذهب عَمْرو العاقلان لم يجز أَن يرْتَفع بفعلين فَإِن رفعتهما بجاء وَحدهَا فَهُوَ محَال لِأَن عبد الله إِنَّمَا يرْتَفع بِذَهَب وَكَذَلِكَ لَو رفعتهما بِذَهَب لم يكن لزيد فِيهَا نصيب
وَإِذا قلت هَذَا زيد فَإِنَّمَا يرْتَفع وَمَعْنَاهُ الْإِشَارَة إِلَى مَا قرب مِنْك وَذَاكَ لما بعد فقد اخْتلفَا فِي الْمَعْنى
وَكَذَلِكَ لَو قلت مَرَرْت بِغُلَام زيد العاقلين تُرِيدُ أَن تنْعَت الْغُلَام وزيدا لم يجز لِأَن زيدا من تَمام اسْم الْغُلَام وَهَذَا قَول الْخَلِيل وَلَا يجوز غَيره
وكل مَا كَانَ فِي النَّعْت فَكَذَلِك مجْرَاه فِي الْحَال فالنصب فِيمَا كَانَ كَذَلِك على أعنى وَالرَّفْع على هما أَو هم والمعرفة والنكرة فِي ذَلِك سَوَاء فَأَما قَوْله
(إنَّ بهَا أَكْتَلَ أَوْ رِزاما ... خُوَيْرِبَيْنِ يَنْفُقَان الهَامَا)
فَإِنَّهُ إِنَّمَا ذكر وَاحِدًا لقَوْله أَو فَلَو أَرَادَ الْحَال لقَالَ خويربا وَلكنه على أعنى وَلَو رَفعه على هما لَكَانَ جيدا(4/315)
وَتقول هَذَا رجل مَعَ عبد الله قَائِمين على الْحَال لِأَنَّك إِذا قلت مَعَ فقد أشركتهما فِي شَيْء وَاحِد كَمَا تَقول هَذَا عبد الله وَزيد
وَتقول هَذَا رجل مَعَ رجل قَائِمين على الْحَال لِأَن الْوَصْف لَا يصلح لاخْتِلَاف إعرابهما فَصَارَ الْحَال لَا يجوز هَا هُنَا غَيره
وَهَذَا مِمَّا إِذا وقفت على مَعْنَاهُ جرت لَك أَلْفَاظه على حَقِيقَتهَا إِن شَاءَ الله(4/316)
(هَذَا بَاب دُخُول الْحَال فِيمَا عملت فِيهِ كَانَ وَأَخَوَاتهَا وَمَا أشبههَا من بَاب العوامل)
اعْلَم أَن بَاب كَانَ وَبَاب علمت وظننت دَاخِلَة كلهَا على الِابْتِدَاء وَخَبره فَكل مَا صلح فِي الِابْتِدَاء صلح فِي هَذِه الْأَبْوَاب وَمَا امْتنع هُنَاكَ امْتنع هُنَا
تَقول كَانَ زيد فِي الدَّار قَائِما فَإِن شِئْت نصبت وَإِن شِئْت جعلت فِي الدَّار الْخَبَر ونصبت قَائِما على الْحَال
وَتقول إِن زيدا فِي الدَّار قَائِما على الْحَال وعَلى القَوْل الآخر إِن زيدا فِي الدَّار قَائِم
وَكَذَلِكَ ظَنَنْت زيدا فِي الدَّار قَائِما
وَإِن كررت الظّرْف فَكَذَلِك تَقول إِن زيدا فِي الدَّار قَائِم فِيهَا وَكَانَ زيد فِي الدَّار قَائِما فِيهَا
وَإِن شِئْت قلت إِن زيدا فِي الدَّار قَائِما فِيهَا يجْرِي مجْرَاه قبل التَّثْنِيَة قَالَ الله جلّ وَعز {فَكَانَ عاقبتهما أَنَّهُمَا فِي النَّار خَالِدين فِيهَا} وَقَالَ {وَأما الَّذين سعدوا فَفِي الْجنَّة خَالِدين فِيهَا} فَكَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة هَذَا فِي الِابْتِدَاء(4/317)
صفحة فارغة(4/318)
(هَذَا بَاب الْمعرفَة الدَّاخِلَة على الْأَجْنَاس)
اعْلَم أَن الْأَشْيَاء الَّتِي لَا تستصحب فتحتاج إِلَى الْفَصْل بَين بَعْضهَا وَبَعض تلحقها ألقاب تميز جِنْسهَا من جنس غَيرهَا
وَذَلِكَ قَوْلك هَذِه أم حبين وَهَذَا سَام أبرص وَأَبُو بريص وَهَذَا أَبُو جخادب لضرب من الجنادب
وَكَذَلِكَ هَذَا أَبُو الْحَارِث للأسد وَهَذَا أُسَامَة وَهَذَا ثعالة للثعلب
وَهَذِه بَنَات أوبر لضرب من الكمأة وَهَذَا ابْن قترة لضرب من الْحَيَّات وَهَذِه أم عَامر وحضاجر وجيأل وَنَحْو ذَلِك للضبع وَهَذَا حمَار قبان وَهَذَا ابْن عرس وَابْن آوى(4/319)
فَهَذِهِ الْأَشْيَاء معارف وَهَذِه الْأَسْمَاء مَوْضُوعَة عَلَيْهَا كزيد وَعَمْرو وَلَيْسَ مَعْنَاهَا معنى زيد وَعَمْرو لِأَنَّك إِذا قلت زيد فقد فصلت بِهَذَا الِاسْم الرجل مِمَّن هُوَ مثله فَإِذا قلت هَذَا سَام أبرص وَابْن عرس فلست تفصل بِهِ وَاحِدًا من هَذَا النَّوْع من صَاحبه لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يتَّخذ فتقصد إِلَى تَعْرِيف بعضه من بعض كَمَا تفعل بِالْخَيْلِ وَالشَّاء وَالْكلاب ولكنما مَعْنَاهُ هَذَا الضَّرْب من السبَاع وَهَذَا الضَّرْب من الْأَجْنَاس الَّتِي رَأَيْتهَا وَسمعت بهَا
وَزعم سِيبَوَيْهٍ أَن قَوْلك أَسد ثمَّ تَقول الْأسد بِمَنْزِلَة رجل وَالرجل وَأُسَامَة وَأَبُو الْحَارِث بِمَنْزِلَة زيد وَأبي عَمْرو وَأَن ابْن عرس بِمَنْزِلَة رجل كَانَ اسْمه كنيته لَا أَسمَاء لَهُ غَيرهَا وَكَذَلِكَ تَقْدِير هَذَا وَمَعْنَاهُ مَا ذكرت لَك
يدلك على أَنه معرفَة أَن آوى غير مَصْرُوف وَأَنَّك لَا تدخل فِي عرس ألفا ولاما وَلَا تصرف قترة وَأُسَامَة وقبان وَلَو كن نكرات لانصرفن
فَأَما ابْن لبون وَابْن مَخَاض فنكرة لِأَنَّهُ مِمَّا يتَّخذ النَّاس فَهُوَ نكرَة إِذا لم تعرف مَا تضيف إِلَيْهِ فَإِن أردْت تَعْرِيفه عرفت مَا تضيفه إِلَيْهِ كَمَا قَالَ
(وابْنُ اللَّبُونِ إِذا مَا لُزَّ فِي قَرَنٍ ... لمْ يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ البُزْلِ القَناعِيسِ)
وَقَالَ
(وَجَدْنا نَهْشَلاً فَضَلَتْ فُقَيْمًا ... كفَضْلِ ابْنِ المَخاضِ على الفَصِيلِ)
وَكَذَلِكَ ابْن مَاء إِن أردْت أَن تعرفه عرفت المَاء فَقلت هَذَا ابْن المَاء يَا فَتى كَمَا قَالَ
(مُفَدَّمةً قَزَّا كأَنَّ عُيُونَها ... عُيُونُ بَناتِ الماءِ أَفْزَعَها الرَّعْدُ)
وَقَالَ آخر
(ورَدْتُ اعْتِسافاً والثُرَيَّا كأَنَّها ... على قِمَّةِ الرأسِ ابْنُ ماءٍ مُحلِّقُ)(4/320)
فنعته بالنكرة لِأَنَّهُ نكرَة
فأخبار هَذَا كأخبار رجل وَنَحْوه وأخبار الْأَوَائِل كأخبار زيد وَعَمْرو وَنَحْوهمَا
تَقول هَذَا ابْن عرس مُقبلا وَهَذَا سَام أبرص مُقبلا وَيجوز فِيهِ الرّفْع من حَيْثُ جَازَ فِي زيد
وَيجوز أَن تَقول هَذَا ابْن عرس مقبل كَمَا تَقول هَذَا زيد مقبل إِذا أردْت زيدا من الزيدين نَحْو جَاءَنِي زيد وَزيد آخر وَجَاءَنِي عُثْمَان وَعُثْمَان آخر
فَإِذا أردْت أَن تنكر ابْن عرس جعلت عرسا نكرَة وَكَذَلِكَ نظراؤه تَقول هَذَا حمَار قبان آخر وَهَذَا أُسَامَة آخر(4/321)
(هَذَا بَاب مَا كَانَ من الْأَسْمَاء نعتا للمبهمة)
وَذَلِكَ مَا كَانَ من الْأَسْمَاء فِيهِ الْألف وَاللَّام
نقُول هَذَا الرجل مقبل من خَمْسَة أوجه فَأَرْبَعَة مثل الَّذِي ذكرنَا فِي زيد وَنَحْوه
وَالْوَجْه الْخَامِس أَن تجْعَل الِاسْم نعتا للمبهم فَتَقول هَذَا الرجل زيد تجْعَل الرجل نعتا فَيكون بِمَنْزِلَة هَذَا زيد كَمَا تَقول زيد الطَّوِيل قَائِم قَالَ الشَّاعِر
(تَوَهَّمْتُ آياتٍ لَهَا فَعَرَفْتُها ... لِسِتَّةِ أَعْوامٍ وذَا العَامُ سَابعُ)
وَإِن جعلت الِاسْم خَبرا فالنصب تَقول هَذَا الرجل قَائِما كَقَوْلِك هَذَا زيد قَائِما(4/322)
(هَذَا بَاب تَثْنِيَة الْأَسْمَاء الَّتِي هِيَ أَعْلَام خَاصَّة)
اعْلَم أَنَّك إِذا ثنيت مِنْهَا شَيْئا أَو جمعته صَار نكرَة وَذَلِكَ قَوْلك هَذَانِ زَيْدَانَ وَهَؤُلَاء زيدون
وَإِنَّمَا صَار نكرَة وَإِن كَانَ الْوَاحِد معرفَة لِأَنَّك حَيْثُ قلت هَذَانِ زَيْدَانَ أخرجته مخرج اثْنَيْنِ من جمَاعَة كلهم زيد كَأَنَّك قلت هَذَانِ زَيْدَانَ من الزيدين
أَلا ترى أَنَّك لم تسم وَاحِدًا مِنْهُمَا زيدين وَلَا سميتهم جَمِيعًا بزيدين وَلَكِنَّك ثنيت زيدا وزيدا فَجَعَلتهمَا بِمَنْزِلَة رجلَيْنِ
فَإِن أردْت تعريفهما قلت هَذَانِ الزيدان لِأَنَّك جعلتهما من أمة كل وَاحِد مِنْهُم زيد نكرَة فَصَارَ بِمَنْزِلَة قَوْلك رجلَيْنِ وَالرّجلَيْنِ
وَكَذَلِكَ قَوْلك الْعمرَان وَمَضَت سنة العمرين إِنَّمَا جعلتهما من أمة كل وَاحِد مِنْهُم عمر فعرفتهما بِالْألف وَاللَّام(4/323)
وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْلك أبانان للجبلين لِأَنَّك سميتها جَمِيعًا بِهَذَا الِاسْم كَمَا تسمى الْوَاحِد بِالِاسْمِ الْعلم
وَجَاز هَذَا فِي الْأَمَاكِن لِأَنَّك توميء إِلَيْهَا إِيمَاء وَاحِدًا لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا لَا يُفَارق صَاحبه
وَلَا يكون مثل هَذَا الأناسي لِأَن الْوَاحِد يُفَارق صَاحبه فتخبر عَنهُ على حياله وَيَزُول ويتصرف
وَمثل أبانين عرفاتقول هَؤُلَاءِ عَرَفَات مُبَارَكًا فِيهَا لِأَن عَرَفَات اسْم مَوَاضِع وَلَيْسَت مِمَّا يَزُول أَو يُفَارق مِنْهُ شَيْء شَيْئا
فَأَما قَوْلهم النَّجْم إِذا أردْت الثريا فَإِنَّهُ معرفَة بِالْألف وَاللَّام عجعول بهما علما فَإِن فارقتاه رَجَعَ إِلَى أَنه نجم من النُّجُوم(4/324)
وَالدَّلِيل على أَنه علم وَأَنه على غير مجَاز قَوْلك الرجل أَنَّك تَأتي بِهِ على غير مَعْهُود فتعلم أَنَّك تَعْنِي الثريا وَلَو قلت لغيره رَأَيْت النَّجْم الَّذِي تعلم فِي أول وهلة على هَذَا الْوَجْه لَكَانَ على مَعْهُود كَالرّجلِ
وَكَذَلِكَ الدبران لِأَنَّهُ مُشْتَقّ من أَنه يدبر النَّجْم الَّذِي يَلِيهِ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة الغريين اللَّذين بِالْكُوفَةِ
كل وَاحِد من هذَيْن الاسمين معرفَة بِالْألف وَاللَّام فَإِن فارقتاه رَجَعَ نكرَة
فَإِن قَالَ قَائِل فَلم لَا يكون الدبران معرفَة بِهَذَا الِاشْتِقَاق الَّذِي هُوَ لَهُ وَلَيْسَ يُقَال لغيره لِأَنَّهُ لَا يُقَال لكل شَيْء دبر شَيْئا دبران
قيل هَذَا مُشْتَقّ كالعدل والعديل فالعدل للمتاع والعديل لَا يكون إِلَّا للنَّاس وَكِلَاهُمَا نكرَة
وَيُقَال أَصَابَهُ دبران الشوق ودبران الْمَرَض لما يَأْتِي بعد
وَكَذَلِكَ الثريا إِنَّمَا هُوَ تَصْغِير ثروى وَهِي فعلى من الْكَثْرَة فَهَذَا يتهيأ فِي كل شَيْء يُقَال رجل ثروان وَامْرَأَة ثروى فَأَما قَوْله(4/325)
(لنا قمَران والنجومُ الطوالِعُ ... )
يُرِيد الشَّمْس وَالْقَمَر فَإِنَّهُ جعل ذَلِك نكرَة وعرفه بِالْألف وَاللَّام كَمَا جَازَ أَن يسميها قمرين وَهَذَا على التَّمْثِيل كشيء يُسمى بِهِ الرجل لجماله وبهائه
وَكَذَلِكَ قَول الشَّاعِر
(جزاني الزَّهْدَمان جَزاءَ سُوْءٍ ... وكنتُ المرْءَ أُجْزَى بالكَرامهْ)
لِأَنَّهُ جَعلهمَا من أمة كل وَاحِد مِنْهُمَا زَهْدَم على مَا وصفت لَك فِي زيد وَإِنَّمَا هما زَهْدَم وكردم فجمعهما على اسْم كَمَا جمع الشَّمْس وَالْقَمَر على الْقَمَر
وَكَذَلِكَ الْعمرَان إِنَّمَا هما أَبُو بكر وَعمر إِلَّا أَنه رد ذَلِك إِلَى مثل حكم الزيدين إِذا جَمعهمَا على اسْم وَاحِد
وَأَنت إِذا قلت هَذَا زيد مقبل تُرِيدُ هَذَا وَاحِد مِمَّن لَهُ هَذَا الِاسْم وَلَا تقصد إِلَى علم بِعَيْنِه كَانَ ذَلِك على منهاج مَا ذكرنَا فِي التَّثْنِيَة
فَأَما الْمُضَاف من الْأَسْمَاء الْأَعْلَام فَإِنَّهُ لَا يكون فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع إِلَّا معرفَة تَقول هَذَا عبد الله وَهَذَانِ عبدا الله وَهَؤُلَاء عبدو الله وَعبيد الله وَعباد الله ولأدنى الْعدَد أعبد الله لِأَن هَذَا تعرفه بِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى معرفَة فَالَّذِي يعرفهُ مَعَه(4/326)
كَذَلِك هَذَا غُلَام زيد وَهَذَانِ غُلَاما زيد
وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ كنية تَقول هَذَا أَبُو زيد وَهَذَانِ أَبَوا زيد لِأَنَّك تُرِيدُ هَذَانِ المعروفان بِهَذَا الِاسْم وصاحبا هَذِه الكنية وَهَؤُلَاء أَبُو زيد وآباء زيد لَا يكون إِلَّا ذَلِك
وَمثله هَذَانِ ابْنا عَم وَهَذَانِ ابْنا خَالَة أَي كل وَاحِد مِنْهُمَا مُضَاف إِلَى هَذِه الْقَرَابَة
فَإِن أردْت أَلا تخبر عَن الكنية نَفسهَا وَلَكِن تخبر أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا أَو مِنْهُم لَهُ ابْن يُقَال لَهُ زيد قلت هَذَانِ أَبَوا الزيدين وَهَؤُلَاء آبَاء الزيدين تخبر أَنهم آبَاء هَؤُلَاءِ الْقَوْم كَقَوْلِك هَاتَانِ دَارا الرجلَيْن ومنزلا أخويك
والفصل بَين هَذَا وَالْأول أَنَّك تومئ فِي هَذَا الْموضع إِلَى شَخْصَيْنِ أَو إِلَى شخوص تضيف إِلَيْهَا
وَأَنت فِي الأول إِنَّمَا تقصد إِلَى كنية يعرف بهَا وَاحِد أَو اثْنَان أَو ثَلَاثَة وَلَا تومئ إِلَى شخص هَذَا الِاسْم لَهُ
فعلى هذَيْن الْمَعْنيين مجْرى هَذَا(4/327)
(هَذَا بَاب الظروف من الْأَمْكِنَة والأزمنة وَمَعْرِفَة قسمهَا وتمكنها وَامْتِنَاع مَا يمْتَنع مِنْهَا من التَّصَرُّف وَيُقَال من الصّرْف)
وَاعْلَم أَن الظروف متضمنة للأشياء فَمَا كَانَ مِنْهَا مَعَه فعل أَو شَيْء فِي معنى الْفِعْل فمجراه مجْرى الْمَفْعُول فَإِن أطلقت الْفِعْل عَلَيْهِ نصبته وَإِن جعلته لَهُ أَو شغلته عَنهُ رفعته ونصبه إِذا انتصب على أَنه مفعول فِيهِ
وَذَلِكَ قَوْلك سرت يَوْم الْجُمُعَة وَجَلَست خلف زيد وَدون عبد الله وَقُدَّام أَخِيك فَهَذِهِ كلهَا مفعول فِيهَا بأنك جَلَست فِي هَذِه الْمَوَاضِع وسرت فِي هَذَا الْحِين
فَإِن شغلت الْفِعْل قلت يَوْم الْجُمُعَة سرت فِيهِ ومكانكم قُمْت فِيهِ كَمَا تَقول عبد الله تَكَلَّمت فِيهِ وَزيد شفعت فِيهِ وأخوك مَرَرْت بِهِ
من رأى نصب هَذَا نصب الظروف بِمَا سَنذكرُهُ بعد هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله
وَذَلِكَ أَن قَوْلك زيد مَرَرْت بِهِ ابْتِدَاء وَخبر ومررت بِهِ فِي مَوضِع قَوْلك منطلق إِذا قلت زيد منطلٌ
وَكَذَلِكَ مَكَانكُمْ قُمْت فِيهِ وَيَوْم الْجُمُعَة سرت فِيهِ بِمَنْزِلَة قَوْلك يَوْم الْجُمُعَة مبارك ومكانكم حسن
وَإِذا كَانَ الْفِعْل لَهُ فَكَذَلِك تَقول مضى يَوْم الْجُمُعَة وَحسن مَكَانكُمْ لِأَنَّهَا أَسمَاء كزيد وَعَمْرو وَإِن كَانَت مَوَاضِع للأشياء
فَأَما مَا تكون فِي معنى الْفِعْل فينتصب بِهِ فنحو قَوْلك المَال لَك يَوْم الْجُمُعَة لِأَن(4/328)
مَعْنَاهُ تملك وَزيد فِي الدَّار يَوْمنَا هَذَا لِأَن مَعْنَاهُ الِاسْتِقْرَار وَزيد صديق عبد الله الْيَوْم لِأَن مَعْنَاهُ أَنه يؤاخيه فِي هَذَا الْيَوْم
وَاعْلَم أَن الظروف من الْمَكَان تقع للأسماء وَالْأَفْعَال
فَأَما وُقُوعهَا للأسماء فَلِأَن فِيهَا معنى الِاسْتِقْرَار
تَقول زيد خَلفك وَزيد أمامك وَعبد الله عنْدكُمْ لِأَن فِيهِ معنى اسْتَقر عبد الله عنْدك
فَأَما الظروف من الزَّمَان فَإِنَّهَا لَا تَتَضَمَّن الجثث لِأَن الِاسْتِقْرَار فِيهَا لَا معنى لَهُ
أَلا ترى أَنَّك تَقول زيد عنْدك يَوْم الْجُمُعَة لِأَن مَعْنَاهُ زيد اسْتَقر عنْدك فِي هَذَا الْيَوْم وَلَو قلت زيد يَوْم الْجُمُعَة لم يستقم لِأَن يَوْم الْجُمُعَة لَا يخاو مِنْهُ زيد وَلَا غَيره فَلَا فَائِدَة فِيهِ وَلَكِن الْقِتَال يَوْم الْجُمُعَة واجتماعكم يَوْم الْجُمُعَة واجتماعكم يَوْم(4/329)
كَذَا وموعدكم الْيَوْم يَا فَتى لِأَنَّهَا أَشْيَاء تكون فِي هَذِه الْأَوْقَات وَقد كَانَ يجوز أَن تَخْلُو مِنْهَا
وَلَو قلت زيد أَخُوك يَوْم الْجُمُعَة وَأَنت تُرِيدُ النّسَب لم يجز لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ معنى فعل فَلَا يكون لَهُ وَجه فَائِدَة وَلَكِن إِن قلت زيد أَخُوك يَوْم الْجُمُعَة تُرِيدُ بِهِ الصداقة كَانَ جيدا لِأَنَّك قلت يؤاخيك فِي هَذَا الْيَوْم فعلى هَذَا تجْرِي هَذِه الْأَشْيَاء
وَاعْلَم أَن هَذِه الظروف المتمكنة يجوز أَن تجعلها أَسمَاء فَتَقول يَوْم الْجُمُعَة قمته فِي مَوضِع قُمْت فِيهِ والفرسخ سرته ومكانكم جلسته وَإِنَّمَا هَذَا اتساع وَالْأَصْل مَا بدأنا بِهِ لِأَنَّهَا مفعول فِيهَا وَلَيْسَت مَفْعُولا بهَا وَإِنَّمَا هَذَا على حذف حرف الْإِضَافَة
أَلا ترى أَن قَوْلك مَرَرْت بزيد لَو حذفت الْبَاء قلت مَرَرْت زيدا إِلَّا أَنه فعل لَا يصل إِلَّا بِحرف إِضَافَة وعَلى هَذَا قَول الله عز وَجل {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا} إِنَّمَا هُوَ وَالله أعلم من قومه فَلَمَّا حذف حرف الْإِضَافَة وصل الْفِعْل فَعمل وَقَالَ الشَّاعِر
(مِنَّا الَّذِي اخْتِيرَ الرجالَ سَماحةً ... وَجُوداً إِذا هَبَّ الرِياحُ الزعازِعُ)(4/330)
يُرِيد من الرِّجَال وَقَالَ الآخر
(أَمَرْتُكَ الخيْرَ فافْعَل مَا أُمِرْتَ بِه ... فقدْ تركتك ذَا مَال وَذَا نَشَب)
يُرِيد بِالْخَيرِ وَقَالَ
(أَستَغْفِرُ اللهَ ذَنْبًا لستُ مُحْصِيَهُ ... رَبَّ العِبادِ إِليه الوَجْهُ والعَمَلُ)
يُرِيد من ذَنْب فَهَذَا على هَذَا
فمما جَاءَ مثل مَا وصفت لَك فِي الظروف قَوْله
(ويومٍ شِهدْناه سُلَيْماً وعامِراً ... قَلِيلا سِوَى الطَّعْنِ النِّهالِ نَوافِلُهْ)
يُرِيد شَهِدنَا فِيهِ
فَأَما قَول الله عز وَجل
(بل مكر اللَّيْل وَالنَّهَار فَإِن تَأْوِيله وَالله أعلم بل مكركم فِي اللَّيْل وَالنَّهَار فأضيف الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول كَمَا تَقول رَأَيْت بِنَاء دَارك جيدا فأضفت الْبناء إِلَى الدَّار وَإِنَّمَا الْبناء فعل الْبَانِي
وَكَذَلِكَ مَا أحسن خياطَة ثَوْبك وَالْفِعْل إِنَّمَا هُوَ الْفَاعِل وَجَازَت إِضَافَته إِلَى الْمَفْعُول لِأَنَّهُ فِيهِ يحل وَالْمَفْعُول فِيهِ كالمفعول بِهِ قَالَ الشَّاعِر
(لقَدْ لُمْتِني يَا أُمَّ غَيْلانَ فِي السُّرَى ... ونِمْتِ وَمَا لَيْلُ المطيِّ بنائِمِ)
وَالْمعْنَى بنائم الْمطِي فِيهِ وَمثله
(فنامَ لَيْلى وتَقَضَّى هَمِّي ... )
ويروى وتجلى وَقَالَ
(أَمَّا النَّهارُ فَفِي قَيْدٍ وسِلْسِلَةٍ ... واللَّيلُ فِي جَوْفِ مَنْحُوتٍ مِنَ السَّاج)(4/331)
فَهَذِهِ الظروف من الزَّمَان وَالْمَكَان مَا كَانَ يَقع مِنْهَا معرفَة ونكرة ويتصرف فَهُوَ كزيد وَعَمْرو يجوز أَن تَجْعَلهُ فَاعِلا ومفعولا مصححا وعَلى السعَة
فَأَما الْمُصَحح فنحو قَوْلك شهِدت يَوْم الْجُمُعَة ووافيت يَوْم السبت وَيَوْم الْأَحَد وقاسيت يَوْمًا طَويلا
وَأما على السعَة فقولك يَوْم الْجُمُعَة ضَربته زيدا تُرِيدُ ضربت فِيهِ زيدا فأوصلت الْفِعْل إِلَيْهِ
فَإِن أجريته إِذا جعلته مَفْعُولا مجْرى مالم يسم فَاعله قلت سير بزيد يَوْمَانِ وسير على فرسك ليلتان أَقمت ذَلِك مقَام الْفَاعِل كَمَا تَقول دخل بزيد الدَّار
وَمَا أجريته من هَذِه الْأَسْمَاء ظرفا انتصب فِي هَذَا الْموضع بِأَنَّهُ مفعول فِيهِ فَقلت سير بزيد يَوْمَيْنِ لِأَنَّك أردْت أَن السّير وَقع فِي يَوْمَيْنِ وأقمت بزيد مقَام الْفَاعِل وَإِن كَانَ مَعَه حرف خفض لِأَن قَوْلك سير بزيد بِمَنْزِلَة قَوْلك ضرب زيد وَلِهَذَا مَوضِع نذكرهُ فِيهِ سوى هَذَا إِن شَاءَ الله
مَا كَانَ من هَذَا من أَسمَاء الْمَكَان فَذَلِك مجْرَاه تَقول سير بزيد فرسخان وسير زيد خَلفك وسير بزيد أمامك وسير بزيد الْمَكَان الَّذِي تعلم
وَاعْلَم أَن من هَذِه الظروف ظروفاً لَا يجوز أَن يكون الْعَمَل إِلَّا فِي جَمِيعهَا وَإِنَّمَا ذَلِك على مِقْدَار الْقَصْد إِلَيْهِ
فمما لَا يكون الْعَمَل فِي بعضه دون بعض قَوْلك صمت يَوْمًا لَا يكون الصَّوْم إِلَّا منتظما لليوم لِأَنَّهُ حكم الصَّوْم وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَمْسَكت عَن الطَّعَام وَالشرَاب يَوْمًا(4/332)
وَكَذَلِكَ سرت فرسخا وميلا لِأَنَّك موقت وَإِنَّمَا تُرِيدُ أَن تخبر بمبلغ سيرك
وَتقول لقِيت زيدا يَوْم الْجُمُعَة فَيكون اللِّقَاء فِي بعض الْيَوْم لِأَنَّك لست بموقت إِنَّمَا أَنْت مؤرخ
وَلَو قيل لَك كم يَوْمًا لقِيت زيدا فَقلت شهرا لجرى جَوَابا ل (كم) لِأَن مَعْنَاهُ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَإِنَّمَا كم سُؤال عَن عدد
وَإِن قيل مَتى لقِيت زيدا فَقلت شهرا لم يجز لِأَن اللِّقَاء لَا يكون إِلَّا فِي بعض شهر وَإِنَّمَا قَالَ لَك مَتى لتوفت لَهُ فتعرفه فَإِنَّمَا جَوَاب ذَلِك يَوْم الْجُمُعَة أَو شهر رَمَضَان أَو مَا أشبه ذَلِك
وَأَيْنَ فِي الْمَكَان بِمَنْزِلَة مَتى فِي الزَّمَان وَكم دَاخِلَة على كل عدد كَمَا أَن كَيفَ مَسْأَلَة عَن كل حَال
فَأَما الظروف الَّتِي لَا تتمكن فنحو ذَات مرّة وبعيدات بَين وسحر إِذا(4/333)
أردْت سحر يَوْمك وبكرا وَكَذَلِكَ عَشِيَّة وعتمة وَذَا صباح وكل مَا كَانَ من معنى عَشِيَّة وضحوة وَكَذَلِكَ أمس
وَمن الْمَكَان نَحْو عِنْد وَحَيْثُ وكل مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا مِمَّا لَا يخص موضعا وَهَذِه جمل يُؤْتى على تفصيلها إِن شَاءَ الله(4/334)
فَمثل خلف وأمام وَقُدَّام يجوز أَن تقع أَسمَاء غير ظروف وَذَلِكَ فِيهَا قَلِيل لما أذكرهُ وَمثل الْيَوْم وَاللَّيْلَة والفرسخ والميل والنحو والناحية
وَمَا كَانَ اسْما ليَوْم نَحْو الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء فَأكْثر تَصرفا فِي الْأَسْمَاء لما أذكرهُ لَك إِن شَاءَ الله
علم أَن كل فعل تعدى أَو لم يَتَعَدَّ فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ إِلَى ثَلَاثَة أَشْيَاء إِلَى الْمصدر لِأَنَّهُ مِنْهُ مُشْتَقّ وَعَلِيهِ يدل وَذَلِكَ قَوْلك قُمْت قيَاما وَقَعَدت قعُودا لِأَنَّك إِذا قلت قُمْت قيَاما فَإِنَّمَا ذكرت أَنَّك قد فعلت الْقيام فَهُوَ لَازم للْفِعْل
وَإِذا قلت قُمْت لم تدل على مفعول فَلذَلِك لم يَتَعَدَّ
أَلا ترى أَنَّك تَقول ضربت فتدل على أَن لفعلك من قد وَقع بِهِ فَلذَلِك تعدى إِلَى مفعول فالفعل لَا يتَعَدَّى إِلَّا بِمَا فِيهِ من الدّلَالَة عَلَيْهِ فَكل فعل لَا يَخْلُو من مصدره
ويلي الْمصدر الزَّمَان فَكل فعل يتَعَدَّى إِلَى الزَّمَان وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت قُمْت دللت على أَن فعلك فِيمَا مضى من الدَّهْر
وَإِذا قلت أقوم وسأقوم دللت على أَنَّك ستفعل فِيمَا يسْتَقْبل من الدَّهْر فالفعل(4/335)
إِنَّمَا هُوَ مَبْنِيّ للدهر بأمثلته ف (فعل) لما مضى مِنْهُ وَيفْعل يكون لما أَنْت فِيهِ وَلما لم يَقع من الدَّهْر فَلذَلِك تَقول سرت يَوْمًا وسأسير يَوْم الْجُمُعَة لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكّ مِنْهُ
وَالْمَكَان لَا يَخْلُو فعل مِنْهُ وَهُوَ أبعد الثَّلَاثَة لِأَن الْفِعْل لَيْسَ بمبني من لَفظه وَلَا للمكان مَاض ومستقبل فَيكون الْفِعْل لما مضى مِنْهُ وَلما لم يمض وَلَكِنَّك إِذا قلت فعلت أَو أفعل علم أَن للْحَدَث مَكَانا كَمَا علم أَنه فِي زمَان
فَإِن كَانَ الْمَكَان مِمَّا لَا يَخْلُو الْحَدث مِنْهُ حصره حصر الزَّمَان وتعدى الْفِعْل إِلَيْهِ
وَإِن كَانَ الْمَكَان مَخْصُوصًا لم يَتَعَدَّ إِلَيْهِ إِلَّا كَمَا يتَعَدَّى إِلَى زيد وَعمر
فَأَما الْمَكَان الَّذِي لَا يَنْفَكّ الْحَدث مِنْهُ فنحو جَلَست مَجْلِسا وَقمت مَكَان صَالحا لِأَنَّهُ لَا يقوم إِلَّا فِي مَكَان وَإِنَّمَا نَعته بعد أَن أعمل فِيهِ الْفِعْل وَلَا يجلس إِلَّا فِي مجْلِس
وَكَذَلِكَ سرت فرسخا لِأَن السّير لَا يَخْلُو من أَن يكون فرسخا أَو بعضه
وَجَلَست خَلفك لَا يَنْفَكّ مِنْهُ شَيْء أَن يكون خلف وَاحِد وَإِنَّمَا أَضَافَهُ بعد أَن كَانَ مُطلقًا وَكَذَلِكَ قُمْت أمامك وَنَحْوه
فَإِن قَالَ جَلَست الدَّار يَا فَتى أَو قُمْت الْمَسْجِد أَو قُمْت الْبَيْت لم يجز لِأَن هَذِه مَوَاضِع مَخْصُوصَة لَيْسَ فِي الْفِعْل عَلَيْهَا دَلِيل(4/336)
فكا مَا كَانَ فِي الْجُمْلَة مِمَّا يدل عَلَيْهِ الْفِعْل فَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَيْهِ وَمَا امْتنع من ذَلِك فَهُوَ مُمْتَنع مِنْهُ
فَأَما دخلت الْبَيْت فَإِن الْبَيْت مفعول تَقول الْبَيْت دَخلته فَإِن قلت(4/337)
فقد أَقُول دخلت فِيهِ قيل هَذَا كَقَوْلِك عبد الله نصحت لَهُ ونصحته وخشنت صَدره وخشنت بصدره فتعديه إِن شِئْت بِحرف وَإِن شِئْت أوصلت الْفِعْل كَمَا تَقول نبأت زيدا يَقُول ذَاك ونبأت عَن زيد فَيكون نبأت زيدا مثل أعلمت زيدا ونبأت عَن زيد مثل خبرت عَن زيد(4/338)
أَلا ترى أَن دخلت إِنَّمَا هُوَ عمل فعلته وأوصلته إِلَى الدَّار لَا يمْتَنع مِنْهُ مَا كَانَ مثل الدَّار تَقول دخلت الْمَسْجِد وَدخلت الْبَيْت قَالَ الله عز وَجل {لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله} فَهُوَ فِي التَّعَدِّي كَقَوْلِك عمرت الدَّار وهدمت الدَّار وأصلحت الدَّار لِأَنَّهُ فعل وصل مِنْك إِلَيْهَا مثل ضربت زيدا
فعلى هَذَا تجْرِي هَذِه الْأَفْعَال فِي الْمَخْصُوص والمبهم
فَأَما مَا لَا يتَمَكَّن من ظروف الْمَكَان وَالزَّمَان فسأصف لَك حروفا تدل على الْعلَّة فِيمَا جرى مجْراهَا لتتناول الْقيَاس من قرب إِن شَاءَ الله
فَأَما عِنْد فَالَّذِي منعهَا من التَّمَكُّن أَنَّهَا لَا تخص موضعا وَلَا تكون إِلَّا مُضَافَة فَإِذا قلت جَلَست عِنْد زيد فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْموضع الَّذِي فِيهِ زيد فَحَيْثُ انْتقل زيد فَذَلِك الْموضع يُقَال لَهُ عِنْد زيد فَهِيَ بِمَنْزِلَة حَيْثُ فِي أَنَّهَا لَا تخص موضعا إِلَّا أَن حَيْثُ توضح بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر وبالفعل وَالْفَاعِل لعِلَّة نذكرها إِن شَاءَ الله(4/339)
وَهَذِه تُضَاف إِلَى مَا بعْدهَا وَلَا يجوز أَن تدخل عَلَيْهَا من حُرُوف الْإِضَافَة إِلَّا من تَقول جِئْت من عِنْد زيد وَلَا يجوز أَن تَقول ذهبت إِلَى عِنْد زيد لِأَن الْمُنْتَهى غَايَة مَعْرُوفَة وَلَيْسَ عِنْد موضعا مَعْرُوفا
وَمن للابتداء وَلَيْسَت للمستقر فَهَذَا أصل عِنْد وَإِن اتسعت واتساعها نَحْو قَوْلك أَنْت عِنْدِي منطلق لِأَن عِنْد للحضرة وَإِنَّمَا أَرَادَ فِيمَا يحضرني فِي نَفسِي
وَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْلك على زيد ثوب فَإِنَّمَا يُرِيد أَنه قد علاهُ ثمَّ تَقول عَلَيْهِ دين تُرِيدُ أَنه قد علاهُ وقهره
وكقولك زيد فِي الدَّار أَي يحل فِيهَا ثمَّ تَقول فِي زيد خصْلَة حَسَنَة فَجَعَلته كالوعاء لَهَا
فلقلة تمكن عِنْد لَا يجوز أَن تجْرِي مجْرى الْأَسْمَاء غير الظروف لَو قلت سير بزيد عنْدك كَمَا تَقول سير بزيد أمامك لم يجز وَلَا تَقول إِن عنْدك حسن كَمَا تَقول إِن مَكَانك حسن
وَكَذَلِكَ لدن لِأَن مَعْنَاهَا معنى عِنْد فَكل مَا كَانَ غير مُتَمَكن فِي بَابه فَغير مخرج مِنْهُ على جِهَة الاتساع إِلَى بَاب آخر(4/340)
أَلا ترى أَن خلف وأمام وَقُدَّام وَنَحْو ذَلِك يتصرفن لِأَن الْأَشْيَاء لَا تَخْلُو مِنْهَا وَلَيْسَ الْوَجْه مَعَ ذَلِك رَفعهَا حَتَّى تضيفها فَتَقول خلف كَذَا وأمام كَذَا حَتَّى تعرف الشَّيْء بِالْإِضَافَة
وَلَو قلت سير بزيد خلف للدَّار أَو أَمَام للدَّار جَازَ على بعد لِأَنَّهُ نكرَة وَإِن كَانَت اللَّام توجب معنى الْإِضَافَة وَلَكِنَّك إِذا قلت خلف لَهَا جعلته مُبْهما ثمَّ علقته بهَا كَقَوْلِك هَذَا غُلَام لزيد فقد علمنَا أَنه فِي ملك زيد وَلَيْسَ الْمَعْرُوف بِهِ فَإِذا قلت غُلَام زيد فَهُوَ مثل أَخُو زيد أَي الْمَعْرُوف بِهِ كَمَا قَالَ لبيد بن ربيعَة
(فَغَدَتْ كِلا الفَرْجيْنِ تَحَسبُ أَنَّه ... مَوْلَى المَخَافَة خَلْفُهَا وأَمَامُها)
والأجود فِي هَذَا أَلا يجْرِي إِلَّا ظرفا لإبهامه وَإِن كَانَ مُضَافا
فَإِذا قلت خَلفك وَاسع فالرفع لَا غير لِأَنَّهُ لَيْسَ بظرف وَإِنَّمَا خبرت عَن الْخلف كَمَا تَقول زيد منطلق
وَكَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة يَوْم مبارك وَإِنَّمَا الظروف أَسمَاء الْأَمْكِنَة والأزمنة فَإِن وَقع فِيهَا فعل نصبها كَمَا ينصب زيدا إِذا وَقع بِهِ إِلَّا أَن زيدا مفعول بِهِ وَهَذِه مفعول فِيهَا
وَتقول وسط رَأسك دهن يَا فَتى لِأَنَّك خبرت أَنه اسْتَقر فِي ذَلِك الْموضع فأسكنت السِّين ونصبت لِأَنَّهُ ظرف(4/341)
وَتقول وسط رَأسك صلب لِأَنَّهُ اسْم غير ظرف وَتقول ضربت وَسطه لِأَنَّهُ الْمَفْعُول بِهِ بِعَيْنِه
وَتقول حفرت وسط الدَّار بِئْرا إِذا جعلت الْوسط كُله بِئْرا كَقَوْلِك خرب وسط الدَّار
وكل مَا كَانَ مَعَه حرف خفض فقد خرج من معنى الظّرْف وَصَارَ اسْما صَحَّ كَقَوْلِك سرت فِي وسط الدَّار لِأَن التضمن ل فِي. وَتقول قُمْت فِي وسط الدَّار كَمَا تَقول قُمْت فِي حَاجَة زيد فَتحَرك السِّين من وسط لِأَنَّهَا هُنَا لَيست بظرف
وَتقول فِيمَا كَانَ من الْأَمَاكِن مُرْسلا أَنْت مني عدوة الْفرس وَأَنت مني دَعْوَة الرجل لِأَنَّهُ أَرَادَ بيني وَبَيْنك وَلم يرد أَنْت فِي هَذَا الْمَكَان فَإِنَّمَا يُنبئ عَن هَذَا مَعْنَاهُ
وَتقول موعدك بَاب الْأَمِير إِذا جعلته هُوَ الْموعد وتنصب إِذا أردْت أَن تَجْعَلهُ ظرفا كَأَنَّك قلت موعدك حَضْرَة بَاب الْأَمِير أَي فِي ذَلِك الْموضع لِأَنَّك إِذا أردْت حَضْرَة كَانَت شَيْئا عَاما(4/342)
وَكَذَلِكَ مَا كَانَ من المصادر حينا فَإِن تَقْدِيره حذف الْمُضَاف إِلَيْهِ وَذَلِكَ قَوْلك موعدك مقدم الْحَاج وخفوق النَّجْم وَكَانَ ذَلِك خلَافَة فلَان فَالْمَعْنى فِي كل ذَلِك وَقت خفوق النَّجْم وزمن مقدم الْحَاج وزمن خلَافَة فلَان وعَلى هَذَا قَالَ الشَّاعِر
(وَمَا هِي إِلَّا فِي إِزارٍ وَعِلْقَةٍ ... مُعارَ ابْنِ هَمَّامٍ عَلى حَيِّ خَثْعما)
أَي فِي هَذَا الْوَقْت
فَأَما قَوْلهم هُوَ مني مقْعد الْقَابِلَة ومنزلة الْوَلَد فَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يقرب مَا بَينهمَا
وَإِذا قَالَ هُوَ مني منَاط الثريا فَإِنَّمَا معنى هَذَا أبعد الْبعد
قَالَ الشَّاعِر
(وإِنَّ بَني حَرْبٍ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمُ ... مَناطَ الثُريَّا قَدْ تَعَلَّتْ نُجُومُها)(4/343)
فجملة هَذَا الْبَاب أَنه كل مَا تصرف جَازَ أَن يَجْعَل اسْما وَيكون فَاعِلا ومفعولا وكل مَا امْتنع من ذَلِك لم يزِيدُوا بِهِ على الظّرْف
وَأما قَوْله
(فَوَرَدْنَ والعيُّوقُ مَقْعَدَ رَابيءِ الضُّرَباءِ خَلْفَ النَّجْمِ لَا يتَتَلَّعُ)
فَإِنَّمَا أَرَادَ التَّقْرِيب وَأَرَادَ مقْعد رابيء الضرباء من الضرباء(4/344)
وَأما قَوْله
(عَزْمْتُ عَلى إقامةِ ذِي صباح ... لِشيءٍ مَا يُسَوَّدُ مَنْ يسودُ)
فَإِنَّمَا اضْطر فأجراه اسْما وَلَو جَازَ مثله فِي الضَّرُورَة لجَاز سير بِهِ ذُو صباح(4/345)
وَأما قَوْلنَا فِي حَيْثُ إِنَّهَا لَا تتمكن فَإِنَّهَا تحْتَاج إِلَى تَفْسِير على حيالها
فَذَلِك لِأَن حَيْثُ فِي الْأَمْكِنَة بِمَنْزِلَة حِين فِي الْأَزْمِنَة تجْرِي مجْراهَا وتحتاج إِلَى مَا يوضحها كَمَا يكون ذَلِك فِي الْحِين إِلَّا أَن حِين فِي بَابهَا وَهَذِه مدخلة عَلَيْهَا فَلذَلِك بنيت وَذَلِكَ قَوْلك قُمْت حَيْثُ زيد قَائِم وَقمت حَيْثُ قَامَ زيد وَلَا يجوز قُمْت حَيْثُ زيد كَمَا تَقول قُمْت فِي مَكَان زيد وَإِنَّمَا يوضحها مَا يُوضح الْأَزْمِنَة أَلا ترى أَنَّك تَقول آتِيك إِذا قَامَ زيد وجئتك إِذا قَامَ زيد وَحين قَامَ زيد وجئتك حِين زيد أَمِير وَيَوْم عبد الله منطلق فَهَذَا تَأْوِيل بنائها(4/346)
(هَذَا بَاب إِضَافَة الْأَزْمِنَة إِلَى الْجمل)
اعْلَم أَنه مَا كَانَ من الْأَزْمِنَة فِي معنى إِذْ فَإِنَّهُ يُضَاف إِلَى الْفِعْل وَالْفَاعِل وَإِلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر كَمَا يكون ذَلِك فِي إِذْ
وَذَلِكَ قَوْلك جئْتُك إِذْ قَامَ زيد وجئتك إِذْ زيد فِي الدَّار
فعلى هَذَا تَقول جئْتُك يَوْم زيد فِي الدَّار وجئتك حِين قَامَ زيد
وَإِن كَانَ الظّرْف فِي معنى إِذا لم يجز أَن يُضَاف إِلَّا إِلَى الْأَفْعَال كَمَا كَانَ ذَلِك فِي إِذا
أَلا ترى أَنَّك تَقول آتِيك إِذا قَامَ زيد وَإِذا طلعت الشَّمْس وَلَا يجوز آتِيك إِذا زيد منطلق لِأَن إِذا فِيهَا معنى الْجَزَاء وَلَا يكون الْجَزَاء إِلَّا بِالْفِعْلِ
تَقول إِذا أَعْطَيْتنِي أكرمتك وَإِذا قدم زيد أَتَيْتُك(4/347)
وَقَول الله عز وَجل {إِذا السَّمَاء انفطرت} و {إِذا السَّمَاء انشقت} مَعْنَاهُ إِذا انشقت السَّمَاء وَلَوْلَا هَذَا الْفِعْل لم يصلح أَن يَقع بعد إِذا لما فِيهَا من معنى الْجَزَاء فعلى هَذَا تَقول آتِيك يَوْم يقوم زيد وَلَا يجوز آتِيك يَوْم زيد منطلق لما ذكرت لَك قَالَ الله عز وَجل {هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم} وَقَالَ {هَذَا يَوْم لَا ينطقون}
فَأَما إِذْ فَإِنَّمَا يَقع بعْدهَا الْجمل لِأَنَّهُ لَا معنى للجزاء فِيهَا لِأَنَّهَا مَاضِيَة لَا تحْتَاج إِلَى الْجَواب تَقول جئْتُك إِذْ قَامَ زيد وَكَانَ هَذَا إِذْ زيد أَمِير كَمَا تَقول هَذَا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة
فَإِذا كَانَ بعْدهَا فعل مَاض قبح أَن يفرق بَينهَا وَبَينه
تَقول جئْتُك إِذْ يقوم زيد فَإِنَّمَا وضعت يقوم فِي مَوضِع قَائِم لمضارعته إِيَّاه وَقَامَ لَا يضارع الْأَسْمَاء وَإِذ إِنَّمَا تُضَاف إِلَى فعل وفاعل أَو ابْتِدَاء وَخبر
فَإِذا أضيفت إِلَى الْفِعْل قدم وَإِذا أضيفت إِلَى الِابْتِدَاء قدم وَلم يكن الْخَبَر إِلَّا اسْما أَو فعلا مِمَّا يضارع الْأَسْمَاء
وَمِمَّا لَا يجوز أَن يكون ظرفا نَاحيَة الدَّار وجوف الدَّار لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْيَد وَالرجل فَكَمَا لَا تَقول زيد الدَّار لَا تَقول زيد جَوف الدَّار حَتَّى تَقول فِي جوفها(4/348)
فَإِن قلت زيد نَاحيَة من الدَّار أَو زيد نَاحيَة عَن الدَّار لَا تُرِيدُ بَعْضهَا حسن ذَلِك
وَمِمَّا لَا يكون إِلَّا ظرفا ويقبح أَن يكون اسْما سوى وَسَوَاء ممدودة بِمَعْنى سوى وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت عِنْدِي رجل سوى زيد فَمَعْنَاه عِنْدِي رجل مَكَان زيد أَي يَد مسده ويغني غناءه
وَقد اضْطر الشَّاعِر فَجعله اسْما لِأَن مَعْنَاهُ معنى غير فَحَمله عَلَيْهِ وَذَلِكَ قَوْله
(تَجانَفُ عَنْ جُلِّ اليّمامةِ نَاقَتي ... وَمَا قَصَدَتْ مِنْ أَهْلِهِ لِسَوائِكا)(4/349)
وَقَالَ آخر
(وَلَا يَنْطِقُ الفَحْشَاءَ مَنْ كانَ مِنْهُمُ ... إِذا جَلَسُوا مِنَّا وَلَا مِنْ سَوائِنَا)
وَإِنَّمَا اضْطر فحملها على مَعْنَاهَا كَمَا أَن الشَّاعِر حَيْثُ اضْطر إِلَى الْكَاف الَّتِي للتشبيه أَن يَجْعَلهَا اسْما أجراها مجْرى مثل لِأَن الْمَعْنى وَاحِد نَحْو قَوْلك زيد كعمرو إِنَّمَا مَعْنَاهُ مثل عَمْرو فَلَمَّا اضْطر قَالَ
(وصَالِياتٍ كَكَما يُؤثْفَيْن ... )
يُرِيد كَمثل مَا
وَقَالَ آخر
(فَصُيِّرُوا مِثْلَ كَعَصْفٍ مَأْكُولْ)
وأَمَّا قولُه
(وأَنْتَ مَكانُك مِنْ وائِلٍ ... مِكانُ القُرادِ مِنِ اسْتِ الجَمَلْ)(4/350)
فَإِنَّهُ لم يَجْعَل أَحدهمَا ظرفا للْآخر وَإِنَّمَا شبه مَكَانا بمَكَان كَقَوْلِك مَكَانك مثل مَكَان زيد
وَتقول آتِيك يَوْم الْجُمُعَة غدْوَة نصبت يَوْم الْجُمُعَة لِأَنَّهُ ظرف ونصبت غدْوَة على الْبَدَل لِأَنَّك أردْت أَن تعرفه فِي أَي وَقت كَمَا تَقول ضربت زيدا رَأسه أردْت أَن تبين مَوضِع الضَّرْب
وَتقول سير بزيد يَوْم الْجُمُعَة غدْوَة على الْبَدَل
وَإِن شِئْت نصبت الْيَوْم فَجَعَلته ظرفا لِقَوْلِك غدْوَة لِأَن الْغَدَاة فِي الْيَوْم
وَإِن شِئْت رفعت الْيَوْم فأقمته مقَام الْفَاعِل ثمَّ أضمرت فعلا فَنصبت بِهِ غدْوَة لِأَن الْمَعْنى على ذَلِك فَلَمَّا قَامَ الأول مقَام الْفَاعِل كَانَ التَّقْدِير سَارُوا غدْوَة يَا فَتى
فَأَما قَوْلهم اللَّيْلَة الْهلَال وَلَا يجوز اللَّيْلَة زيد لِأَن ظرف الزَّمَان لَا تَتَضَمَّن الجثث وَإِنَّمَا استقام هَذَا لِأَن فِيهِ معنى الْحُدُوث إِنَّمَا يُرِيد اللَّيْلَة يحدث الْهلَال فللمعنى صلح
وَلَو قلت اللَّيْلَة الْهلَال كَانَ جيدا تُرِيدُ اللَّيْلَة لَيْلَة الْهلَال فَلَمَّا حذفت لَيْلَة أَقمت الْهلَال مقَامهَا مثل قَول الله عز وَجل {واسأل الْقرْيَة} تُرِيدُ أهل الْقرْيَة
وَكَذَلِكَ زيد عَمْرو وَأَرَدْت مثل عَمْرو فَلَمَّا حذفت مثلا قَامَ عَمْرو مقَامه(4/351)
(هَذَا بَاب من الْإِخْبَار نبين مَا يسْتَعْمل من هَذِه الظروف أَسمَاء وَمَا لَا يكون إِلَّا ظرفا لقلَّة تصرفه)
ونبدأ قبل ذَلِك بِشَيْء عَن الْإِخْبَار عَن الْأَسْمَاء غير الظروف لتستدل بذلك على الظروف إِذا وَردت عَلَيْك إِن شَاءَ الله
تَقول قَامَ زيد فَإِن قيل لَك أخبر عَن زيد فَإِنَّمَا يُقَال لَك اجْعَل زيدا خَبرا وَاجعَل هَذَا الْفِعْل فِي صلَة الِاسْم الَّذِي زيد خَبره فَإِن خبرت عَنهُ ب (الَّذِي) قلت الَّذِي قَامَ زيد
وَإِن أخْبرت عَنهُ بِالْألف وَاللَّام اللَّتَيْنِ فِي معنى الَّذِي قلت الْقَائِم زيد فَإِن قلت ضرب زيد عمرا فَأخْبرت عَن زيد قلت الَّذِي ضرب عمرا زيد جعلت فِي ضرب ضميرا فِي مَوضِع زيد فَاعِلا وَجعلت زيدا خبر الِابْتِدَاء
وَإِن قلته بِالْألف وَاللَّام فَكَذَلِك تَقول الضَّارِب عمرا زيد
وَإِن قيل لَك أخبر عَن عَمْرو قلت الضاربة زيد عَمْرو جعلت الْهَاء المنصوبة فِي مَوضِع عَمْرو وَجعلت عمرا خبر الِابْتِدَاء لِأَنَّك عَنهُ تخبر
والظروف تجْرِي هَذَا المجرى(4/352)
تَقول الْقِتَال يَوْم الْجُمُعَة فَإِن أخْبرت عَن الْقِتَال وضعت مَكَانَهُ ضميرا يكون يَوْم الْجُمُعَة ظرفا لَهُ وَجَعَلته خبر الِابْتِدَاء وَلَا يكون بِالَّذِي لِأَن الْألف وَاللَّام إِنَّمَا تلحقان الْفِعْل لِأَنَّك تبني من الْفِعْل فَاعِلا ثمَّ تدخلهما عَلَيْهِ
وَذَلِكَ قَوْلك الَّذِي هُوَ يَوْم الْجُمُعَة الْقِتَال كَانَ الْقِتَال ابْتِدَاء فَجعلت هُوَ فِي مَوْضِعه
فَإِن أخْبرت عَن يَوْم الْجُمُعَة قلت الَّذِي الْقِتَال فِيهِ يَوْم الْجُمُعَة تكنى عَن يَوْم الْجُمُعَة إِذا كَانَ ظرفا بِقَوْلِك فِيهِ
وَكَذَلِكَ إِذا قلت زيد خَلفك فَقيل لَك أخبر عَن الْخلف قلت الَّذِي فِيهِ زيد خَلفك وَالَّذِي فِيهِ زيد أمامك
وَمن جعله مَفْعُولا على السعَة قَالَ يَوْم الْجُمُعَة صمته وخلفك قمته تُرِيدُ فِيهِ أجراه مجْرى زيد وَعَمْرو فَقَالَ فِي قَوْله قُمْت يَوْم الْجُمُعَة إِذا أخبر عَن الْيَوْم الْقَائِمَة أَنا يَوْم الْجُمُعَة والجالسة أَنا خَلفك
هَذَا لما كَانَ مِنْهَا متصرف فَأَما مَا لَا يتَصَرَّف فنحو عِنْد وَسوى وَذَات مرّة وبعيدات بَين وسحر وبكرا إِذا أردْت سحر يَوْمك وبكرة وَعَشِيَّة وعتمة وصباح مسَاء فَلَا يجوز الْإِخْبَار عَن شَيْء مِنْهَا لِأَنَّك إِذا جعلت شَيْئا مِنْهَا خبر ابْتِدَاء أردْت أَن ترفعه وَالرَّفْع فِيهَا محَال لِأَنَّهَا لَا تكون أَسمَاء غير ظروف لِأَنَّك تَقول مَكَان وَاسع وَلَا تَقول عنْدك وَاسع وَلَا ذَات مرّة خير من مرَّتَيْنِ لفساد ذَلِك فِي الْمَعْنى
وَلَو قيل لَك أخبر عَن عِنْد فِي قَوْلك جَلَست عنْدك لَقلت الْجَالِس فِيهِ أَنا عنْدك وَهَذَا لَا يجوز لما ذكرت لَك فِي صدر الْكتاب(4/353)
(هَذَا بَاب مَا كَانَ من أَسمَاء الْأَوْقَات غير متصرف نَحْو سحر إِذا أردْت بِهِ سحر يَوْمك وبكرا وَمَا كَانَ مثلهمَا فِي قلَّة التَّمَكُّن)
أما غدْوَة وبكرة فاسمان متمكنان معرفَة لَا ينصرفان من أجل التَّأْنِيث تَقول سير عَلَيْهِ بكرَة يَا فَتى وغدوة إِذا أَقمت بكرَة مقَام الْفَاعِل وَإِن أردْت نَصبه على الظّرْف فَكَذَلِك تَقول سير عَلَيْهِ بكرَة يَا فَتى وغدوة يَا فَتى
وَإِنَّمَا صَارا معرفَة لِأَنَّك بنيت غدْوَة اسْما لوقت بِعَيْنِه وبكرة فِي مَعْنَاهَا
أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذِه غَدَاة طيبَة وجئتك غَدَاة طيبه وَلَا تَقول على هَذَا الْوَجْه جئْتُك غدْوَة طيبَة وَلَكِن تَقول آتِيك يَوْم الْجُمُعَة غدْوَة يَا فتي
فَإِن ذكرت صرفت فَقلت سير عَلَيْهِ غدْوَة من الغدوات وبكرة من الْبكر نَحْو قَوْلك رَأَيْت عثمانا آخر وَجَاءَنِي زيد من الزيدين
قَالَ الله عز وَجل {وَلَهُم رزقهم فِيهَا بكرَة وعشيا} وَقَرَأَ بَعضهم {بالغدوة والعشي} فَأدْخل الْألف وَاللَّام على غدْوَة(4/354)
وَأما ضحى وضحى تَصْغِير ضحى وَعَشِيَّة وعشة وعشاء وبصر وظلام وصباح مسَاء فَإِن أردْت من النكرات فهن متصرفات تَقول سير عَلَيْهِ عَشِيَّة من العشايا وضحوة من الضحوات وتنصب إِن شِئْت على الظّرْف
وَكَذَلِكَ سير بِهِ عتمة وعشاء
فَإِن عنيت الْيَوْم الَّذِي أَنْت فِيهِ وَاللَّيْلَة الَّتِي أَنْت فِيهَا لم ترفع من ذَلِك شَيْئا وتنون لِأَنَّهُنَّ نكرات(4/355)
وَتقول سير عَلَيْهِ عَشِيَّة وعشاء وعتمة وَمَسَاء
وَإِنَّمَا قل تصرفه لِأَنَّك وَضعته وَهُوَ نكرَة فِي مَوضِع الْمعرفَة إِذا عنيت بِهِ يَوْمك وليلتك فَإِن صيرته نكرَة رَددته إِلَى بَابه وَأَصله فتصرف
وَأما سحر فمعدول لَا ينْصَرف وَإِنَّمَا عدل عَن الْألف وَاللَّام كأخر وَهَذَا يُفَسر فِيمَا ينْصَرف وَمَال اينصرف
وَكَذَلِكَ إِن صغرته فَقلت سيربه سحيرا صرفته لِأَن فعيلا لَا يكون معدولا وَلَكِن ترفعه بِمَا ذكرت من قلَّة تمكنه
فَإِن نكرته انْصَرف وَجرى على الْوُجُوه لِأَنَّهُ فِي بَابه فَقلت سير عَلَيْهِ سحر أَي سحر من الأسحار وَيجوز نَصبه على الظّرْف قَالَ الله عز وَجل {إِلَّا آل لوط نجيناهم بِسحر} فَهَذَا جملَة هَذَا الْبَاب(4/356)
(هَذَا بَاب لَا الَّتِي للنَّفْي)
اعْلَم أَن لَا إِذا وَقعت على نكرَة نصبتها بِغَيْر تَنْوِين وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك لما أذكرة لَك إِنَّمَا وضعت الْأَخْبَار جوابات للاستفهام إِذا قلت لَا رجل فِي الدَّار لم تقصد إِلَى رجل بِعَيْنِه وَإِنَّمَا نفيت عَن الدَّار صَغِير هَذَا الْجِنْس وكبيرة فَهَذَا جَوَاب قَوْلك هَل من رجل فِي الدَّار لِأَنَّهُ يسْأَل عَن قَلِيل هَذَا الْجِنْس وَكَثِيره
أَلا ترى أَن الْمعرفَة لَا تقع هَا هُنَا لِأَنَّهَا لَا تدل على الْجِنْس وَلَا يَقع الْوَاحِد مِنْهَا فِي مَوضِع الْجَمِيع فَلَو قلت هَل من زيد كَانَ خلفا فَلَمَّا كَانَت لَا كَذَلِك كَانَ دُخُولهَا على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر كدخول إِن وَأَخَوَاتهَا عَلَيْهِمَا فأعملت عمل إِن
فَأَما ترك التَّنْوِين فَإِنَّمَا هُوَ لِأَنَّهَا جعلت وَمَا عملت فِيهِ بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد كخمسة عشر(4/357)
فَإِن قيل أَيكُون الْحَرْف مَعَ الِاسْم اسْما وَاحِدًا
قيل هَذَا مَوْجُود مَعْرُوف تَقول قد علمت أَن زيدا منطلق ف أَن حرف وَهِي وَمَا عملت فِيهِ اسْم وَاحِد وَالْمعْنَى علمت انطلاق زيد وَكَذَلِكَ بَلغنِي أَن زيدا منطلق فَالْمَعْنى بَلغنِي انطلاق زيد
كَذَلِك أَن الْخَفِيفَة مَعَ الْفِعْل إِذا قلت أُرِيد أَن تقوم يَا فَتى إِنَّمَا هُوَ أُرِيد قيامك وَكَذَلِكَ يسرني أَن تقوم مَعْنَاهُ يسرني قيامك
ف لَا وَالِاسْم الَّذِي بعْدهَا المنكور بِمَنْزِلَة قَوْلك يَا ابْن أم جعل اسْما وَاحِدًا كَمَا جعل خَمْسَة عشر وَالثَّانِي فِي مَوضِع خفض بِالْإِضَافَة وَكَذَلِكَ لَا رجل فِي الدَّار رجل فِي مَوضِع نصب منون إِلَّا أَنَّهُمَا جعلا اسْما وَاحِدًا بِمَنْزِلَة مَا ذكرت لَك
وَالدَّلِيل على أَن لَا وَمَا عملت فِيهِ اسْم قَوْلهم غضِبت من لَا شَيْء يَا فَتى وَجئْت بِلَا مَال كَقَوْلِه
(حنَّتْ قَلُوصِي حِينَ لاَ حِينَ مَحنّ)(4/358)
جعلهم اسْما وَاحِدًا
وَلَا يجوز أَن يكون هَذَا النَّفْي إِلَّا عَاما من ذَلِك قَول الله عز وَجل {لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله} وَقَالَ {لَا ريب فِيهِ} وَقَالَ {لَا ملْجأ من الله إِلَّا إِلَيْهِ}
فَإِن قدرت دُخُولهَا على شَيْء قد عمل فِيهِ غَيرهَا لم تعْمل شَيْئا وَكَانَ الْكَلَام كَمَا كَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّك أدخلت النَّفْي على مَا كَانَ مُوجبا وَذَلِكَ قَوْلك أَزِيد فِي الدَّار أم عَمْرو فَتَقول لَا زيد فِي الدَّار وَلَا عَمْرو
وَكَذَلِكَ تَقول أرجل فِي الدَّار أم امْرَأَة فَالْجَوَاب لَا رجل فِي الدَّار وَلَا امْرَأَة لَا تبالى معرفَة كَانَت أم نكرَة
وعَلى هَذَا قِرَاءَة بَعضهم {لَا خوف عَلَيْهِم} وَمن قَرَأَ لَا خوف عَلَيْهِم فعلى مَا ذكرت لَك
وَأما قَوْله {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} فَلَا يكون هم إِلَّا رفعا لِأَن لَا لَا تعْمل فِي المعارف وسأبين لَك هَذَا أَن شَاءَ الله
وَكَذَلِكَ إِن جَعلتهَا جَوَابا لِقَوْلِك رجل فِي الدَّار أَو أهل رجل فِي الدَّار قلت لَا رجل فِي الدَّار
وَهَذَا أقل لأقاويل لِأَنَّهَا لَا تخلص لمعْرِفَة دون نكرَة وَلَا نكرَة دون معرفَة إِذْ كَانَ التكرير وَالْبناء أغلب(4/359)
فالتكرير لَا زيد فِي الدَّار وَلَا عَمْرو وَلَا رجل فِي الدَّار وَلَا امْرَأَة
وَالْبناء لَا رجل فِي الدَّار وَلَا امْرَأَة على جَوَاب من قَالَ هَل من رجل أَو امْرَأَة فِي الدَّار
فمما جَاءَ على قَوْله لَا رجل فِي الدَّار قَوْله
(وأَنْتَ امْرُؤٌ مِنَّا خُلِقْتَ لَغيْرنَا ... حَياتُك لَا نَفْعٌ ومَوْتُكَ فَاجعُ)
وَقَوله
(مَنْ صَدَّ عَنْ نِيرانِها ... فأَنا ابْنُ قَيْسٍ لَا بَراحُ)
فَإِن كَانَت معرفَة لم تكن إِلَّا رفعا لِأَن لَا لَا تعْمل فِي معرفَة وَذَلِكَ قَوْلك لَا زيد فِي الدَّار إِنَّمَا هُوَ جَوَاب أَزِيد فِي الدَّار(4/360)
فَمن ذَلِك قَوْله
(قضَتْ وطَراً واسْتَرْجعتْ ثُمَّ آذَنتْ ... رَكائِبُهَا أَنْ لَا إِلَيْنَا رُجُوعُها)
وَاعْلَم أَن لَا إِن فصلت بَينهَا وَبَين النكرَة لم يجز أَن تجعلها مَعهَا اسْما وَاحِدًا لِأَن الِاسْم لَا يفصل بَين بعضه وَبَعض
فَتَقول لَا فِي الدَّار أحد وَلَا فِي بَيْتك رجل وَقَوله عز وَجل {لَا فِيهَا غول} لَا يجوز غَيره لِأَن لَا وَإِن لم تجعلها اسْما وَاحِدًا مَعَ مَا بعْدهَا لَا تعْمل لِضعْفِهَا إِلَّا فِيمَا يَليهَا
أَلا ترى أَنَّهَا تدخل على الْكَلَام فَلَا تغيره وَلَو كَانَت كَإِن وَأَخَوَاتهَا لأزالت الِابْتِدَاء(4/361)
وَلَا تعْمل إِلَّا فِي نكرَة الْبَتَّةَ وَلَو كَانَت كَغَيْرِهَا من العوامل لعملت فِي الْمعرفَة كَمَا تعْمل فِي النكرَة
فَإِن قلت فَمَا قَوْله
(أَرَى الحَاجاتِ عِنْدَ أَبِي خُبيْب ... نَكِدْنَ وَلَا أُميَّةَ فِي البلادِ)
فقد عملت فِي أُميَّة وَكَذَلِكَ قَوْله
(لَا هَيْثَمَ اللَّيْلَةَ للمَطِيِّ)(4/362)
فَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَن الشَّاعِر إِنَّمَا أَرَادَ لَا أَمْثَال أُميَّة وَلَا من يسد مسدها وَالْمعْنَى وَلَا ذَا فضل فَدخلت أُميَّة فِي هَؤُلَاءِ المنكورين
وَكَذَلِكَ لَا هَيْثَم اللَّيْلَة أَي لَا مجْرى وَلَا سائق كسوق هَيْثَم
وَمثل ذَلِك قَوْلهم فِي الْمثل قَضِيَّة وَلَا أَبَا حسن لَهَا أَي قَضِيَّة وَلَا عَالم بهَا فَدخل عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِيمَن يطْلب لهَذِهِ الْمَسْأَلَة(4/363)
(هَذَا بَاب مَا تعْمل فِيهِ لَا وَلَيْسَ باسم مَعهَا)
تَقول لَا مثل زيد لَك وَلَا غُلَام رجل لَك وَلَا مَاء سَمَاء فِي دَارك
وَإِنَّمَا امْتنع هَذَا من أَن يكون اسْما وَاحِدًا مَعَ لَا لِأَنَّهُ مُضَاف والمضاف لَا يكون مَعَ مَا قبله اسْما أَلا ترى أَنَّك لَا تَجِد اسْمَيْنِ جعلا اسْما وَاحِدًا وهما مُضَاف إِنَّمَا يكونَانِ مفردين كحضرموت وبعلبك وَخَمْسَة عشر وَبَيت بَيت
أَلا ترى أَن قَوْله يَا ابْن أم لما جعل أم مَعَ ابْن اسْما وَاحِدًا حذفت يَاء الْإِضَافَة فَلذَلِك امْتنع هَذَا من أَن يكون مَعَ مَا قبله اسْما وَاحِدًا وعملت فِيهِ لَا فنصبته
وَكَذَلِكَ قَول ذِي الرمة
(هِيَ الدارُ إِذْمَيٌّ لأَهْلِكَ جِيرَةٌ ... لَيالَي لَا أَمْثَالَهن لياليا)
فأمثالهن نصب ب لَا وَلَيْسَ مَعهَا بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد(4/364)
وَمِمَّا لَا يكون مَعهَا اسْما وَاحِدًا مَا وصل بِغَيْرِهِ نَحْو قَوْلك لَا خيرا من زيد لَك وَلَا آمُر بِالْمَعْرُوفِ لَك تثبت التَّنْوِين لِأَنَّهُ لَيْسَ مُنْتَهى الِاسْم لِأَن مَا بعده من تَمَامه فَصَارَ بِمَنْزِلَة حرف من حُرُوف الِاسْم
وَلَو قلت لَا خير عِنْد زيد وَلَا آمُر عِنْده لم يكن إِلَّا بِحَذْف التَّنْوِين لِأَنَّك لم تصله بِمَا يكمله اسْما وَلكنه اسْم تَامّ فَجَعَلته مَعَ لَا اسْما وَاحِدًا
وَتقول لَا آمُر يَوْم الْجُمُعَة لَك إِذا نفيت جَمِيع الآمرين وَزَعَمت أَنهم لَيْسُوا لَهُ يَوْم الْجُمُعَة
فَإِن أردْت أَن تَنْفِي آمرا يَوْم الْجُمُعَة قلت لَا آمرا يَوْم الْجُمُعَة لَك
جعلت يَوْم الْجُمُعَة من تَمام الِاسْم فَصَارَ بِمَنْزِلَة قَوْلك لَا آمرا مَعْرُوفا لَك فَهَذَا يبين مَا يرد من مثل هَذَا(4/365)
وَكَانَ الْخَلِيل وسيبويه يزعمان أَنَّك إِذا قلت لَا غلامين لَك أَن غلامين مَعَ لَا اسْم وَاحِد وَتثبت النُّون كَمَا تثبت مَعَ الْألف وَاللَّام وَفِي تَثْنِيَة مَا لَا ينْصَرف وَجمعه نَحْو قَوْلك هَذَانِ أَحْمَرَانِ وَهَذَانِ المسلمان فالتنوين لَا يثبت فِي وَاحِد من الْمَوْضِعَيْنِ فرقوا بَين النُّون والتنوين وَاعْتَلُّوا بِمَا ذكرت لَك وَلَيْسَ القَوْل عِنْدِي كَذَلِك لِأَن الْأَسْمَاء الْمُثَنَّاة والمجموعة بِالْوَاو وَالنُّون لَا تكون مَعَ مَا قبلهَا اسْما وَاحِدًا لم يُوجد ذَلِك كَمَا لم يُوجد الْمُضَاف وَلَا الْمَوْصُول مَعَ مَا قبله بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد(4/366)
(هَذَا بَاب مَا ينعَت من الْمَنْفِيّ)
اعْلَم أَنَّك إِذا نعت اسْما منفيا فَأَنت فِي نَعته بِالْخِيَارِ إِن شِئْت نونته فَقلت لَا مَاء بَارِدًا لَك وَلَا رجل ظريفا عنْدك وَهُوَ أَقيس الْوَجْهَيْنِ وَأحسن
وَإِن شِئْت جعلت الْمَنْفِيّ ونعته اسْما وَاحِدًا فَقلت لَا رجل ظريف عنْدك وَلَا مَاء بَارِد لَك
فَأَما مَا لم يرد أَن يَجعله اسْما فحجته أَن النَّعْت مُنْفَصِل من المنعوت مُسْتَغْنى عَنهُ فَإِنَّمَا جَاءَ بِهِ بعد أَن مضى الِاسْم على حَاله وَلَو لم يَأْتِ بِهِ لم تحتج إِلَيْهِ
وَحجَّة من رأى أَن يَجعله مَعَ المنعوت اسْما وَاحِدًا أَنه يَقُول لما كَانَ مَوضِع يصلح فِيهِ بِنَاء الاسمين اسْما وَاحِدًا كَانَ بِنَاء اسْم مَعَ اسْم أَكثر من بِنَاء اسْم مَعَ حرف وكل قد ذهب مذهبا إِن قلت لَا رجل ظريفاً عاقلاُ فَأَنت فِي النَّعْت الأول بِالْخِيَارِ فَأَما الثَّانِي فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا التَّنْوِين لِأَنَّهُ لَا يكون ثَلَاثَة أَشْيَاء اسْما وَاحِدًا
وَكَذَلِكَ الْمَعْطُوف لَو قلت لَا رجل وَغُلَامًا عنْدك لم يصلح فِي الْغُلَام إِلَّا التَّنْوِين(4/367)
من أجل وَاو الْعَطف لِأَنَّهُ لَا يكون فِي الْأَسْمَاء مثل حَضرمَوْت اسْما وَاحِدًا إِذا كَانَت بَينهمَا وَاو الْعَطف فعلى هَذَا يجْرِي هَذَا الْبَاب(4/368)
(هَذَا بَاب مَا كَانَ نَعته على الْموضع وَمَا كَانَ مكررا فِيهِ الِاسْم الْوَاحِد)
اعْلَم أَن النَّعْت على اللَّفْظ والتكرير بِمَنْزِلَة وَاحِدَة وَذَلِكَ قَوْلك فِي النَّعْت لَا رجل ظريف لَك وَلَا رجل ظريفا لَك على مَا ذكرت لَك والتكرير على ذَلِك يجْرِي تَقول لَا مَاء مَاء بَارِدًا يَا فَتى وَإِن شِئْت قلت لَا مَاء مَاء بَارِد
فَإِن جعلت النَّعْت على الْموضع قلت لَا مَاء مَاء بَارِدًا
وَإِن شِئْت جعلت الاسمين اسْما وَاحِدًا قلت لَا مَاء مَاء بَارِد وَجعلت مَاء الأول وَالثَّانِي اسْما وَاحِدًا وَجعلت بَارِدًا نعتا على الْموضع لِأَن مَاء وَمَا عملت فِيهِ فِي مَوضِع اسْم مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف كَأَنَّهُ أَرَادَ لَا مَاء لنا وبارد نعت على الْموضع والنعت على اللَّفْظ أحسن
فمما جَاءَ نعتا على الْموضع وَهُوَ هَا هُنَا أحسن قَول الله عز وَجل (مَا لكم من(4/369)
إِلَه غَيره} إِن شِئْت كَانَ غَيره اسْتثِْنَاء وَإِن شِئْت كَانَ نعتا على الْموضع
وَإِنَّمَا كَانَ هُوَ الْوَجْه لِأَن من زَائِدَة لم تحدث فِي الْمَعْنى شَيْئا وَلَا لَيست كَذَلِك لِأَنَّهَا أزالت مَا كَانَ مُوجبا فَصَارَ بهَا منفيا فَمن ذَلِك قَوْله
(ورَدَّ جاَزِرُهُمْ حَرْفاً مُصَرَّمَةً ... وَلَا كَرَيمَ مِنَ الوِلْدانِ مصْبوحُ)(4/370)
والعطف يجْرِي هَذَا المجرى فَمن جعل الْمَعْطُوف على الْموضع قَالَ لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه حمل الثَّانِي على الْموضع
وَنَظِير هَذَا قَوْله
(فلسنا بالجبال وَلَا الحديدا)
حمل الثَّانِي على الْموضع كَأَنَّهُ قَالَ فلسنا الْجبَال ولسنا الحديدا
وَمثله قَول الله عز وَجل {فَأَصدق وأكن} لَوْلَا الْفَاء كَانَ أصدق مَجْزُومًا كَمَا أَنه لَوْلَا الْبَاء لكَانَتْ الْجبَال مَنْصُوبَة لِأَنَّهُ خبر لَيْسَ
وَمثله قَوْلك إِن زيدا منطلق وَعَمْرو وَقَول الله عز وَجل {أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله}
فالأجود فِي الثَّانِي أَن تحمل على الْموضع لِأَن إِن دخلت على مَا لَو لم تدخل عَلَيْهِ لَكَانَ مُبْتَدأ وَلم تغير الْمَعْنى بِدُخُولِهَا
فعلى هَذَا تَقول لَا رجل فِي الدَّار وَلَا امْرَأَة وَمثله قَوْله
(هَذَا لَعَمْرُكُمُ الصَّغَارُ بِعَيْنِهِ ... لاَ أُمَّ لِي إنْ كَانَ ذَاك وَلَا أبُ)(4/371)
وَالْحمل على اللَّفْظ أَجود كَقَوْلِه
(لَا أَبَ وابْناً مِثْل مَرْوانَ وابْنِهِ ... إِذا هُوَ بالمجْدِ ارْتَدَى وتَأَزَّرا)(4/372)
(هَذَا بَاب مَا يَقع مُضَافا بعد اللَّام)
كَمَا وَقع فِي النداء فِي قَوْلك يَا بؤس للحرب إِذا كَانَت اللَّام تؤكد الْإِضَافَة كَمَا يؤكدها الِاسْم إِذا كرر كَقَوْلِك ياتيم تيم عدي
وَذَلِكَ قَوْلك لَا أبالك(4/373)
وَلَا مُسْلِمِي لَك
أما قَوْلك لَا أَبَا لَك فَإِنَّمَا تثبت اللَّام لِأَنَّك تُرِيدُ الْإِضَافَة وَلَوْلَا ذَلِك لحذفتها أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا أَب لزيد ومررت بأب لزيد فَيكون على حرفين
فَإِن قلت هَذَا أَبوك رددت وَكَذَلِكَ رَأَيْت أَبَاك ومررت بأبيك إِنَّمَا رددت للإضافة
فَإِن أردْت الْإِفْرَاد قلت لَا أَب لزيد جعلت لزيد خَبرا أَو أضمرت الْخَبَر وَجَعَلته تبيينا
فَإِن قلت لَا أَبَا لَهُ فالتقدير لَا أَبَاهُ وَدخلت اللَّام لتوكيد الْإِضَافَة كدخولها فِي يَا بؤس للحرب وَكَذَلِكَ الأَصْل فِي هَذَا كَقَوْلِه(4/374)
(أبِالمَوْتِ الَّذِي لَا بُدَّ أَنِّي ... مُلاقٍ لَا أَباكِ تُخَوِّفِينِي)
وَقَالَ الآخر
(فَقَدْ مَاتَ شَمَّاخٌ وماتَ مُزَرَّدٌ ... وأَيُّ كَرِيمٍ لَا أَباكَ يُخَلَّدُ)(4/375)
وعَلى هَذَا تَقول لَا مُسْلِمِي لَك وَلَا مُسْلِمِي لَك
فَإِن قلت لَا مُسلمين فِي دَارك وَلَا مُسلمين عنْدك لم يكن من إِثْبَات النُّون بُد لِأَن فِي وَعند وَسَائِر حُرُوف الْإِضَافَة لَا تدخل على معنى اللَّام لِأَن دُخُول اللَّام بِمَنْزِلَة سُقُوطهَا
أَلا ترى أَن قَوْلك هَذَا غلامك بِمَنْزِلَة قَوْلك هَذَا غُلَام لَك
وَتقول لَا مُسلمين هذَيْن الْيَوْمَيْنِ لَك وَلَا مُسلمين الْيَوْم لَك لِأَنَّهُ لَا يفصل بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ إِلَّا أَن يضْطَر شَاعِر فيفصل بالظروف وَمَا أشبههَا لِأَن الظّرْف لَا يفصل بَين الْعَامِل والمعمول فِيهِ تَقول إِن فِي الدَّار زيدا وَإِن الْيَوْم زيدا قَائِم
فمما جَاءَ فِي الشّعْر فصل بَينه وَبَين مَا عمل فِيهِ قَوْله
(كأَنَّ أَصْوَاتَ مِنْ إِيغَالِهِنَّ بِنا ... أَواخِرِ المَيْسِ أَصْواتُ الفَواريجِ)(4/376)
وَقَالَ آخر
(كَمَا خطَّ الكِتابُ بِكَفِّ يَوْماً ... يَهُودِيٍّ يُقارِبُ أَوْ يُزِيلُ)
وَنَظِير الظّرْف فِي ذَلِك الْمصدر وَمَا كَانَ مثله من حَشْو الْكَلَام كَقَوْلِه
(أَشَمُّ كأَنَّهُ رَجُلٌ عَبُوسٌ ... مُعاوِدُ جُرْأَةً وَقْتِ الهَوادي)
أَرَادَ معاود وَقت الهوادي جرْأَة
وَقَالَ آخر
(لَمَّا رَأَتْ ساتِيْدَمَا اسْتَعْبَرَتْ ... لِلهِ دَرُّ اليَوْمَ مَنْ لامَها)(4/377)
صفحة فارغة(4/378)
(هَذَا بَاب مَا لَا يجوز أَن يحمل من الْمَنْفِيّ على الْموضع)
تَقول لَا غُلَام لَك وَلَا الْعَبَّاس وَلَا غُلَام لَك وَلَا زيد وَلَا غُلَام لَك وَزيد لم يجز أَن يحمل زيد على لَا وَلَكِن ترفعه على الْموضع لِأَن لَا وَمَا عملت فِيهِ فِي مَوضِع رفع لِأَن لَا لَا تعْمل فِي معرفَة
وَمثله كل رجل فِي الدَّار وَزيد فَلهُ دِرْهَم وكل رجل فِي الدَّار وَعبد الله لأكرمنهم لِأَنَّهُ لَا يجوز كل عبد الله فعطف على كل نَفسهَا كَمَا لَا يجوز لَا عبد الله فِي الدَّار فعلى هَذَا يجْرِي مَا ذكرت لَك(4/379)
(هَذَا بَاب مَا إِذا دخلت عَلَيْهِ لَا لم تغيره عَن حَاله لِأَنَّهُ قد عمل فِيهِ الْفِعْل فَلم يجز أَن يعْمل فِي حرف عاملان)
وَذَلِكَ قَوْلك لَا سقيا وَلَا رعيا وَلَا مرْحَبًا وَلَا أَهلا وَلَا كَرَامَة وَلَا مَسَرَّة لِأَن الْكَلَام كَانَ قبل دُخُول لَا أفعل هَذَا وكرامة ومسرة أَي وأكرمك وأسرك فَإِنَّمَا نَصبه الْفِعْل فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ لَا لم تغيره
وَكَذَلِكَ لَا سَلام عَلَيْك وَهُوَ ابْتِدَاء وَخَبره وَمَعْنَاهُ الدُّعَاء(4/380)
على ذَلِك قَالَ الشَّاعِر
(وَنُبِّئْتُ جَوَّاباً وسَكْناً يَسُبُّنِي ... وعَمْرو بْنَ عفْرا لَا سَلاَمٌ عَلَى عَمْرِو)(4/381)
(هَذَا بَاب لَا إِذا دَخلهَا ألف الِاسْتِفْهَام أَو معنى التَّمَنِّي)
أما كَونهَا للاستفهام فعلى حَالهَا قبل أَن يحدث فِيهَا علامته تَقول أَلا رجل فِي الدَّار على قَول من قَالَ لَا رجل فِي الدَّار
وَمن قَالَ لَا رجل فِي الدَّار وَلَا امْرَأَة قَالَ أَلا رجل فِي الدَّار وَلَا امْرَأَة وَمن قَالَ لَا رجل ظريفا فِي الدَّار قَالَ أَلا رجل ظريفا وَمن لم ينون ظريفا قبل الِاسْتِفْهَام لم ينونه هَاهُنَا
وَقد تجْعَل لَا بِمَنْزِلَة لَيْسَ لاجتماعها فِي الْمَعْنى وَلَا تعْمل إِلَّا فِي النكرَة فَتَقول لَا رجل أفضل مِنْك
وَلَا تفصل بَينهَا وَبَين مَا تعْمل فِيهِ لِأَنَّهَا تجْرِي رَافِعَة مجْراهَا ناصبة فعلى هَذَا تستفهم عَنْهَا
فَإِن دَخلهَا معنى التَّمَنِّي فالنصب لَا غير فِي قَول سِيبَوَيْهٍ والخليل وَغَيرهمَا إِلَّا الْمَازِني وَحده
تَقول أَلا مَاء أشربه أَلا مَاء وَعَسَلًا تنون عسلا كَمَا كَانَ فِي قَوْلك لَا رجل وَغُلَامًا فِي الدَّار(4/382)
وَتقول أَلا مَاء بَارِد إِن شِئْت وَإِن شِئْت نونت بَارِدًا وَإِن شِئْت لم تنون كَقَوْلِك لَا رجل ظريفا وَإِن شِئْت نونت ظريفا وَإِن شِئْت لم تنون
وَمن قَالَ لَا رجل وَامْرَأَة لم يقل هُنَا إِلَّا بِالنّصب
واحتجاج النَّحْوِيين أَنه لما دخله معنى التَّمَنِّي زَالَ عَنهُ الِابْتِدَاء وموضعه نصب كَقَوْلِك اللَّهُمَّ غُلَاما أَي هَب لي غُلَاما
وكقولهم إِن زيدا فِي الدَّار وَعَمْرو حمل عَمْرو على الْموضع فَإِن قَالُوا لَيْت زيدا فِي الدَّار وعمرا لم يكن مَوضِع عَمْرو الِابْتِدَاء لِأَن إِن تدخل على معنى الِابْتِدَاء وليت تدخل لِلتَّمَنِّي فلهَا معنى سوى ذَلِك فَلذَلِك لم يكن فِي لَيْت وَلَعَلَّ وَكَأن مَا فِي إِن وَلَكِن من الْحمل على مَوضِع الِابْتِدَاء لِأَن لَهُنَّ مَعَاني غير الِابْتِدَاء فَكَأَن للتشبيه وليت لِلتَّمَنِّي وَلَعَلَّ للتوقع
وَكَانَ الْمَازِني يجْرِي هَذَا مَعَ التَّمَنِّي مجْرَاه قبل وَيَقُول يكون اللَّفْظ على مَا كَانَ عَلَيْهِ وَإِن دخله خلاف مَعْنَاهُ أَلا ترى أَن قَوْلك غفر الله لزيد مَعْنَاهُ الدُّعَاء وَلَفظه لفظ ضرب فَلم يُغير لما دخله من الْمَعْنى وَكَذَلِكَ قَوْلك علم الله لَأَفْعَلَنَّ لَفظه لفظ رزق الله وَمَعْنَاهُ الْقسم فَلم يُغَيِّرهُ
وَكَذَلِكَ حَسبك رفع بِالِابْتِدَاءِ وَمَعْنَاهُ النَّهْي
وَمن قَوْله أَلا رجل أفضل مِنْك ترفع أفضل لِأَنَّهُ خبر الِابْتِدَاء كَمَا كَانَ فِي النَّفْي وَكَذَا يلْزمه
وَالْآخرُونَ ينصبونه وَلَا يكون لَهُ خبر(4/383)
صفحة فارغة(4/384)
صفحة فارغة(4/385)
صفحة فارغة(4/386)
(هَذَا بَاب مسَائِل لَا فِي الْعَطف من الْمعرفَة والنكرة)
اعْلَم أَنَّك لَا تعطف اسْما على اسْم وَلَا فعلا على فعل فِي مَوضِع من الْعَرَبيَّة إِلَّا كَانَ مثله تَقول مَرَرْت بزيد وَعَمْرو وَرَأَيْت زيدا وعمرا وَأَنا آتِيك وأكرمك وَلَا تذْهب فتندم أَي لَا تذْهب وَلَا تندم وَلم يرد الْجَواب
وَتقول لَا رجل وَغُلَامًا عطفت غُلَاما على رجل وَحقّ الرجل أَن ينون وَلَكِن الْبناء مَنعه من ذَلِك كَمَا تَقول مَرَرْت بعثمان وَزيد فموضع عُثْمَان خفض غير أَنه لَا ينْصَرف فَجرى المنصرف على مَوْضِعه
فَإِن قلت لَا رجل وَلَا غُلَام فِي الدَّار وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَإِنَّمَا عطفت الثَّانِي على لَا وَمَا عملت فِيهِ لِأَنَّهَا وَالَّذِي عملت فِيهِ فِي مَوضِع اسْم مَرْفُوع مُبْتَدأ وَلَا بُد للمبتدأ من خبر مُضْمر أَو مظهر
وَنَظِير ذَلِك كل ظريف رجل فِي الدَّار إِن جعلت ظريفا نعتا للرجل وَإِن جعلته لكل رفعت فَقلت كل رجل ظريف فِي الدَّار
وَتقول كل رجل وَغُلَام عنْدك فَإِن حملت الْغُلَام على كل رفعت وَصَارَ وَاحِدًا لِأَن مَا بعد كل إِذا كَانَ وَاحِدًا نكرَة فَهُوَ فِي معنى جمَاعَة إِذا أفردوا وَاحِدًا وَاحِدًا يدلك على ذَلِك قَوْلهم جَاءَنِي كل اثْنَيْنِ فِي الدَّار لِأَن مَعْنَاهُ إِذا جعلُوا اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ
وَتقول لَا رجل فِي الدَّار وَلَا غُلَام يَا فَتى إِن جعلت لَا الثَّانِيَة للنَّفْي كَقَوْلِك لَيْسَ رجل فِي الدَّار وَلَيْسَ غُلَام(4/387)
وَإِن جعلت لَا للْعَطْف مثل مَا مَرَرْت بزيد وَلَا عَمْرو وَقلت لَا رجل فِي الدَّار وَلَا غُلَاما إِن عطفته على رجل وَإِن عطفته على لَا رفعت
وَتقول لَا أَخا لَك وَلَا أَبَا لزيد إِن كَانَت لَا للنَّفْي
وَإِن كَانَت للْعَطْف قلت وَلَا أَبَا لزيد لَا يجوز غير ذَلِك لِأَن اللَّام دخلت على الْمَنْفِيّ لَا فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ كَمَا دخلت فِي النداء وَلم تدخل فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ لِأَنَّك تَقول يَا بؤس للحرب وَلَا تَقول يَا بؤس زيد وبؤس للحرب لِأَن النداء يحْتَمل مَا لَا يحْتَملهُ الْمَعْطُوف وَكَذَلِكَ الْمَنْفِيّ تَقول يَا زيد والْحَارث رفعا ونصبا وَلَو ولى الْحَارِث حرف النداء لم يجز إِلَّا أَن تحذف مِنْهُ الْألف وَاللَّام لِأَن الْإِشَارَة تَعْرِيف فَلَا يدْخل الْألف وَاللَّام على شَيْء معرف بِغَيْرِهِمَا
أَلا ترى أَن تَقْدِير من قَالَ الْحَارِث وَالْعَبَّاس إِنَّمَا يَحْكِي حَالهمَا نكرَة وهما وصف لِأَنَّهُ يُرِيد الشَّيْء بِعَيْنِه وَلَا تَقول على هَذَا جَاءَنِي الْعُمر إِلَّا أَن تسميه بِجمع عمْرَة فتحكي تِلْكَ الْحَال
وَالنَّفْي بِمَنْزِلَة النداء فِيمَا يحْتَمل تَقول لَا رجل فِي الدَّار وَلَا تَقول وَغُلَام فِي الدَّار حَتَّى تنون الْغُلَام على مَا وصفت لَك
وَتقول لَا رجلَيْنِ مُسلمين لَك لابد من إِثْبَات النُّون لِأَن مُسلمين نعت وَلَيْسَ بالمعتمد عَلَيْهِ بِالنَّفْيِ وَإِنَّمَا يحذف من الْمَنْفِيّ لَا من نَعته كَمَا تَقول فِي النداء يَا رجل الظريف أقبل فَإِنَّمَا تحذفان من المنادى وَلَا تحذفان من وَصفه لما ذكرت لَك(4/388)
(هَذَا بَاب الِاسْتِثْنَاء)
وَالِاسْتِثْنَاء على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون الْكَلَام مَحْمُولا على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل دُخُول الِاسْتِثْنَاء
وَذَلِكَ قَوْلك مَا جَاءَنِي إِلَّا زيد وَمَا ضربت إِلَّا زيد وَمَا مَرَرْت إِلَّا بزيد فَإِنَّمَا يجْرِي هَذَا على قَوْلك جَاءَنِي زيد وَرَأَيْت زيدا ومررت بزيد وَتَكون الْأَسْمَاء مَحْمُولَة على أفعالها
وَإِنَّمَا احتجت إِلَى النَّفْي وَالِاسْتِثْنَاء لِأَنَّك إِذا قلت جَاءَنِي زيد فقد يجوز أَن يكون مَعَه غَيره فَإِذا قلت مَا جَاءَنِي إِلَّا زيد نفيت الْمَجِيء كُله إِلَّا مَجِيئه وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا ذكرنَا
وَالْوَجْه الآخر أَن يكون الْفِعْل أَو غَيره من العوامل مَشْغُولًا ثمَّ تَأتي بالمستثنى بعد فَإِذا كَانَ كَذَلِك فالنصب وَاقع على كل مُسْتَثْنى وَذَلِكَ قَوْلك جَاءَنِي الْقَوْم إِلَّا زيد ومررت بالقوم إِلَّا زيدا(4/389)
وعَلى هَذَا مجْرى النَّفْي وَإِن كَانَ الْجُود فِيهِ غَيره نَحْو مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد وَمَا مَرَرْت بِأحد إِلَّا زيد وَذَلِكَ لِأَنَّك لما قلت جَاءَنِي الْقَوْم وَقع عِنْد السَّامع أَن زيدا فيهم فَلَمَّا قلت إِلَّا زيدا كَانَت إِلَّا بَدَلا من قَوْلك أَعنِي زيدا وَاسْتثنى فِيمَن جَاءَنِي زيدا فَكَانَت بَدَلا من الْفِعْل(4/390)
وَهِي حرف الِاسْتِثْنَاء الْأَصْلِيّ وحروف الِاسْتِثْنَاء غَيرهَا مَا أذكرهُ لَك أما مَا كَانَ من ذَلِك اسْما فَغير وَسوى وَسَوَاء
وَمَا كَانَ حرفا سوى إِلَّا فحاشا وخلا
وَمَا كَانَ فعلا فحاشا وخلا وَإِن وافقا لفظ الْحُرُوف وَعدا وَلَا يكون(4/391)
صفحة فارغة(4/392)
صفحة فارغة(4/393)
(هَذَا بَاب الْمُسْتَثْنى من الْمَنْفِيّ)
تَقول مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد وَإِلَّا زيدا وَأما النصب فعلى مَا فسرت لَك وَأما الرّفْع فَهُوَ الْوَجْه لما أذكرهُ لَك إِن شَاءَ الله
تَقول مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد فتجعل زيد بَدَلا من أحد فَيصير التَّقْدِير مَا جَاءَنِي إِلَّا زيد لِأَن الْبَدَل يحل مَحل الْمُبدل مِنْهُ
أَلا ترى أَن قَوْلك مَرَرْت بأخيك زيد إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك مَرَرْت بزيد لِأَنَّك لما رفعت الْأَخ قَامَ زيد مقَامه فعلى هَذَا قلت مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد(4/394)
فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا بَال زيد مُوجبا وَأحد كَانَ منفيا أَلا حل مَحَله قيل قد حل مَحَله فِي الْعَامِل وَإِلَّا لَهَا مَعْنَاهَا
وَلَو قلت جَاءَنِي إخْوَتك إِلَّا زيدا لم يجز إِلَّا النصب لِأَنَّك لَو حذفت الْإِخْوَة بَطل الْكَلَام وَذَلِكَ أَنه كَانَ يكون جَاءَنِي إِلَّا زيد فَلَا يَقع الِاسْتِثْنَاء على شَيْء فَمن ثمَّ بَطل لفظ إِلَّا من النصب لفساد الْبَدَل
فَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُم} لِأَنَّك لَو قدرته إِلَى حذف الضَّمِير وَهُوَ الْوَاو فِي فَعَلُوهُ لَكَانَ مَا فعله إِلَّا قَلِيل مِنْهُم
وَقَالَ فِي الْإِيجَاب {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم} وَقَالَ {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيس}
وَأما قَوْله عز وَجل {وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد إِلَّا امْرَأَتك} وامرأتك فالوجهان جائزان جيدان
فَمن قَالَ إِلَّا امْرَأَتك فَهُوَ مُسْتَثْنى من يلْتَفت وَكَأَنَّهُ قَالَ وَلَا يلْتَفت إِلَّا امْرَأَتك(4/395)
وَيجوز النصب على غير هَذَا الْوَجْه وَلَيْسَ بالجيد على مَا أَعطيتك فِي أول الْبَاب جودة النصب على قَوْله فَأسر بأهلك إِلَّا امْرَأَتك فَلَا يجوز إِلَّا النصب على هَذَا القَوْل لفساد الْبَدَل لَو قيل أسر إِلَّا بامرأتك لم يجز فَإِنَّمَا بَاب الِاسْتِثْنَاء إِذا اسْتغنى الْفِعْل بفاعله أَو الِابْتِدَاء بِخَبَرِهِ النصب إِلَّا أَن يصلح الْبَدَل فَيكون أَجود وَالنّصب على حَاله فِي الْجَوَاز وَإِنَّمَا كَانَ الْبَدَل أَجود لِأَنَّهُ فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَالنّصب بِالِاسْتِثْنَاءِ إِنَّمَا هُوَ للمعنى لَا للفظ
وَبَيَان ذَلِك أَنَّك إِذا قلت جَاءَنِي إخْوَتك إِلَّا زيدا وَزيد أحد إخْوَتك أوقعت عِنْد السَّامع من قبل الِاسْتِثْنَاء أَنه فِيمَن جَاءَ فَإِذا قلت إِلَّا زيدا فَإِنَّمَا وَقعت فِي مَوضِع لَا أَعنِي زيدا مِنْهُم أَو أستثني زيدا مِنْهُم فَهَذَا معنى
وَإِذا قلت مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد فَإِنَّمَا رفعت وَإِنَّمَا نحيت أحدا عَن الْفِعْل وأحللت زيدا بعد الِاسْتِثْنَاء مَحَله فَصَارَ التَّقْدِير مَا جَاءَنِي إِلَّا زيد فَكل مَوضِع صلح فِيهِ الْبَدَل فَهُوَ الْوَجْه وَإِذا لم يصلح الْبَدَل لم يكن إِلَّا النصب كَمَا يجوز فِيمَا صلح فِيهِ الْبَدَل النصب على الِاسْتِثْنَاء(4/396)
(هَذَا بَاب مَا لَا يجوز فِيهِ الْبَدَل)
وَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاء الْمُقدم نَحْو مَا جَاءَنِي إِلَّا زيدا أحد وَمَا مَرَرْت إِلَّا زيدا بِأحد
وَإِنَّمَا امْتنع الْبَدَل لِأَنَّهُ لَيْسَ قبل زيد مَا تبدله مِنْهُ فَصَارَ الْوَجْه الَّذِي كَانَ يصلح على الْمجَاز لَا يجوز هَا هُنَا غَيره
وَذَلِكَ أَنَّك كنت تَقول مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد وتجيز مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيدا فَلَمَّا قدمت الْمُسْتَثْنى بَطل وَجه الْبَدَل فَلم يبْق إِلَّا الْوَجْه الثَّانِي
وَمِثَال هَذَا قَوْلك جَاءَنِي رجل ظريف فتجعل ظريفا نعتا لرجل وَيجوز جَاءَنِي رجل ظريفا على الْحَال فَإِذا قلت جاني ظريفا رجل بَطل الْوَجْه الْجيد لِأَن رجلا لَا يكون نعتا فَصَارَ الَّذِي كَانَ هُنَاكَ مجَازًا لَا يجوز غَيره فَمن ذَلِك قَوْله
(الناسُ أَلْبٌ عَلَيْنا فِيكَ لَيْسَ لَنا ... إِلاَّ السُّيوفَ وأَطْرافَ القَنَا وَزَرُ)(4/397)
وَقَالَ
(وَمَا لِيَ آلَ أَحمَدَ شِيعَةٌ ... ومالِيَ إِلاَّ مَشْعَبَ الحقِّ مَشْعبُ)
وَتقول من لي إِلَّا أَبَاك صديق إِذا أردْت أَن تجْعَل صديق خَبرا ل من كَأَنَّك قلت من صديق لي فَإِن أردْت غير هَذَا الْوَجْه قلت من لي إِلَّا أَبوك صديقا جعلت من ابْتِدَاء وقولك أَبوك خَبره وَجعلت صديقا حَالا
وَإِن شِئْت قلت من لي إِلَّا أَبوك صديق جعلت الْأَب بَدَلا من من فَصَارَ التَّقْدِير أَبوك لي صديق لِأَن من اسْم مستفهم عَنهُ فتقديره أحد إِلَّا أَبوك لي صديق فَإِذا أبدل طرح أحدا وَجعل أَبَاك بَدَلا مِنْهُ فَصَارَ تَقْدِيره مَالِي إِلَّا أَبوك صديق(4/398)
وَتقول فِي بَاب مِنْهُ وَهُوَ أَن تُؤخر صفة الأول تَقول مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد خير مِنْك التَّقْدِير مَا جَاءَنِي أحد خير مِنْك إِلَّا زيد
فَأَنت فِي هَذَا مُخَيّر إِن شِئْت نصبت زيدا لِأَن الأول بِمَنْزِلَة الْمُتَأَخر لتأخر نَعته فَلم تقدم الْمُسْتَثْنى لتبدله من شَيْء لم يتم إِذا كَانَ لَا يعرف إِلَّا بوصفه فقد صَار صفة بِمَنْزِلَة مَا هُوَ مَوْصُول بِهِ
أَلا ترى أَنَّك لَو قلت رَأَيْت زيدا الْأَحْمَر وَهُوَ لَا يعرف إِلَّا بِهَذَا النَّعْت لم يكن قَوْلك رَأَيْت زيدا مغنيا
وَأما من أبدل مِنْهُ فَيَقُول الْوَصْف تَابع مُسْتَغْنى عَنهُ وَإِنَّمَا أبدل من الْمَوْصُوف لَا من من وَصفه وَلَيْسَ الْمُبدل مِنْهُ بِمَنْزِلَة مَا لَيْسَ فِي الْكَلَام إِنَّمَا أبدلت للتبيين وَلم تقل إِنَّه نعت لِأَنَّهُ جَوْهَر لَا ينعَت بِهِ
وَلَو كَانَ الْبَدَل يبطل الْمُبدل مِنْهُ لم يجز أَن تَقول زيد مَرَرْت بِهِ أبي عبد الله لِأَنَّك لَو لم تَعْتَد بِالْهَاءِ فَقلت زيد مَرَرْت بِأبي عبد الله كَانَ خلفا لِأَنَّك جعلت زيدا ابْتِدَاء وَلم ترد إِلَيْهِ شَيْئا فالمبدل مِنْهُ مُثبت فِي الْكَلَام
وَإِنَّمَا سمي الْبَدَل بَدَلا لدُخُوله لما عمل فِيهِ مَا قبله على غير جِهَة الشّركَة
وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ يخْتَار مَا مَرَرْت بِأحد إِلَّا زيد خير مِنْك لِأَن الْبَدَل إِنَّمَا هُوَ من الِاسْم لَا من نَعته والنعت فضلَة يجوز حذفهَا
وَكَانَ الْمَازِني يخْتَار النصب وَيَقُول إِذا أبدلت من الشَّيْء فقد اطرحته من لَفْظِي وَإِن كَانَ فِي الْمَعْنى مَوْجُودا فَكيف أَنعَت مَا قد سقط(4/399)
وَالْقِيَاس عِنْدِي قَول سِيبَوَيْهٍ لِأَن الْكَلَام إِنَّمَا يُرَاد لمعناه
وَالْمعْنَى الصَّحِيح أَن الْبَدَل والمبدل مِنْهُ موجودان مَعًا لم يوضعا على أَن يسْقط أَحدهمَا إِلَّا فِي بدل الْغَلَط فَإِن الْمُبدل مِنْهُ بِمَنْزِلَة مَا لَيْسَ فِي الْكَلَام
وَتقول مَا مِنْهُم أحد اتَّخذت عِنْده يدا إِلَّا زيد كريم على الْبَدَل من أحد وَإِن شِئْت خفضت زيدا فأبدلته من الْهَاء الَّتِي فِي عِنْده لِأَن الْمَعْنى مَا اتَّخذت يدا عِنْد أحد مِنْهُم كريم إِلَّا عِنْد زيد فَهَذَا يدلك على جَمِيع الْبَدَل(4/400)
(هَذَا بَاب مَالا يكون الْمُسْتَثْنى فِيهِ إِلَّا نصبا)
وَذَلِكَ قَوْلك جَاءَنِي إخْوَتك إِلَّا زيدا ومررت بإخوتك إِلَّا زيدا وَلَا يكون الْبَدَل هَا هُنَا لما ذكرت لَك
أَلا ترى أَنَّك لَو طرحت الْإِخْوَة من الْكَلَام لتبدل زيدا مِنْهُم لفسد لَو قلت جَاءَنِي إِلَّا زيدا كَانَ محالا وَكَذَلِكَ مَرَرْت إِلَّا بزيد محَال(4/401)
(هَذَا بَاب مَا يصلح فِيهِ الْبَدَل على وَجْهَيْن)
تَقول مَا ظَنَنْت أحدا يَقُول ذَاك إِلَّا زيدا وَإِن شِئْت قلت إِلَّا زيدا
أما النصب فعلى الْبَدَل من أحد وَإِن شِئْت فعلى أصل الِاسْتِثْنَاء
وَأما الرّفْع فعلى أَن تبدله من الْمُضمر فِي يَقُول لِأَن مَعْنَاهُ مَا أَظُنهُ يَقُول ذَاك أحد إِلَّا زيد فَالَّذِي أضمرته فِي يَقُول منفي عَنهُ القَوْل
وَمثله قَول الشَّاعِر
(فِي ليلةٍ لَا نَرى بهَا أَحَداً ... يَحْكًى عَلَيْنَا إلاَّ كَواكِبُها)(4/402)
أبدل الْكَوَاكِب من الْمُضمر فِي يَحْكِي وَلَو أبدله من أحد كَانَ أَجود لِأَن أحدا منفي فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَالَّذِي فِي الْفِعْل بعده منفي فِي الْمَعْنى
وَمثل ذَلِك مَا علمت أحدا دخل الدَّار إِلَّا زيدا وَإِلَّا زيد إِن شِئْت على مَا تقدم من قَوْلنَا
فَأَما مَا ضربت أحدا يَقُول ذَاك إِلَّا زيدا فالنصب لَا غير لِأَنَّك لم تنف القَوْل
إِنَّمَا ذكرت أَن القَوْل وَاقع وَلَكِنَّك لم تضرب مِمَّن قَالَ إِلَّا زيدا
والفصل بَين علمت وظننت وبابهما وَبَين سَائِر الْأَفْعَال أَن علمت وبابها لَيست أفعالا واصلة مِنْك إِلَى غَيْرك وَإِنَّمَا هِيَ إِخْبَار بِمَا هجس فس نَفسك من يَقِين أَو شكّ(4/403)
فَإِذا قلت علمت زيدا قَائِما فَإِنَّمَا أثبت الْقيام فِي علمك وَلم توصل إِلَى ذَات زيد شَيْئا
وَإِذا قلت مَا علمت زيدا قَائِما فَإِنَّمَا أخْبرت أَنه لم يَقع فِي علمك
وَضربت وبابها أَفعَال واصلة إِلَى الذَّات مكتفية بمفعولاتها فَمَا كَانَ بعْدهَا فَلهُ مَعْنَاهُ وَكَذَلِكَ أَعْطَيْت وبابها نَحْو أَعْطَيْت زيدا درهما وكسوت زيدا ثوبا إِنَّمَا هِيَ هِيَ أَفعَال حَقِيقِيَّة وَدفع كَانَ مِنْك إِلَى زيد وَنقل لمفعول إِلَى مفعول بِهِ فالدرهم وَالثَّوْب منقولان وَزيد مَنْقُول إِلَيْهِ
فَإِذا قلت مَا أَعْطَيْت أحدا درهما إِلَّا دِينَارا أبدلت الدِّينَار مِمَّا قبله لِأَن درهما فِي معنى الْجَمِيع كَأَنَّهُ قَالَ مَا أَعْطَيْت أحدا شَيْئا
وَمِمَّا يدلك على أَنَّهُمَا مفعولان بَائِن أَحدهمَا من صَاحبه أَنَّك لَو حذفت الْفِعْل لتعتبر لم يَقع أحد المفعولين بِصَاحِبِهِ لَو قلت فِي قَوْلك أَعْطَيْت زيدا درهما وكسوت زيدا ثوبا زيد دِرْهَم أَو زيد ثوب كَانَ محالا
وَبَاب كَانَ وَإِن وَعلمت دَاخل على ابْتِدَاء وَخبر
وَذَاكَ أَنَّك لَو حذفت كَانَ من قَوْلك كَانَ زيد مُنْطَلقًا أَو إِن من هَذَا أَو علمت لَكَانَ الْكَلَام الْبَاقِي زيد منطلق
وَإِنَّمَا هَذِه الْأَفْعَال والعوامل دَاخِلَة على ابْتِدَاء وَخبر
وَتقول مَا أَعْطَيْت أحدا يَقُول ذَاك درهما إِلَّا زيدا وَرفع زيد خطأ لما ذكرت لَك
وَتقول مَا مِنْهُم أحد إِلَّا قد قَالَ ذَاك إِلَّا زيدا لَا يصلح فِيهِ إِلَّا النصب وَذَاكَ لِأَن الِاسْتِثْنَاء إِنَّمَا وَقع من القَوْل لِأَن التَّقْدِير كلهم قَالَ ذَاك إِلَّا زيدا
وَتقول أقل رجل رَأَيْته إِلَّا زيد إِذا أردْت النَّفْي بِأَقَلّ كَأَنَّك قلت مَا رجل رَأَيْته إِلَّا زيد وَالتَّقْدِير مَا رجل مرئي إِلَّا زيد وَإِن أردْت أَنَّك قد رَأَيْت قوما رُؤْيَة قَليلَة(4/404)
نصبت زيدا لِأَنَّهُ مُسْتَثْنى من مُوجب وَأَن يكون أقل فِي مَوضِع نفي أَكثر وَكَذَلِكَ كل رجل رَأَيْته يصلح فِيهِ الْوَجْهَانِ(4/405)
وَتقول مَا علمت أَن أحدا يَقُول ذَاك إِلَّا زيدا لِأَن الْمَعْنى مَا علمت إِلَّا أَن أحدا إِلَّا زيدا يَقُول ذَاك
ف زيد من أحد الَّذِي عملت فِيهِ إِن وَلَو جعلت إِلَّا تلِي أَن لم يصلح لِأَن الْحُرُوف لاى تقوى قُوَّة الْأَفْعَال
تَقول مَا جَاءَنِي إِلَّا زيد قَوْمك وَمَا جَاءَنِي إِلَّا زيدا أحد وَلَا يجوز مَا علمت أَن إِلَّا زيدا أحدا فِي الدَّار
فَهَذَا يبين لَك حَال الْمُوجب والمنفي فِي الِاسْتِثْنَاء
وَمَا الحجازية بِمَنْزِلَة إِن فِي الْعَمَل وَإِن اخْتلف عملاهما
واستواؤهما فِي أَنَّهُمَا حرفان ليسَا بِفعل
تَقول مَا الْقَوْم فِيهَا إِلَّا زيد لِأَن فِيهَا مُسْتَقر وَتَقْدِيره لَيْسَ الْقَوْم فِيهَا إِلَّا أَن لَيْسَ يجوز أَن تنصب بهَا مَا بعد إِلَّا لِأَنَّهَا فعل فَتقدم خَبَرهَا وتؤخره وَقد مضى هَذَا التَّفْسِير فِي بَاب مَا وَبَاب لَيْسَ
وَلَو قلت مَا إِلَّا زيدا فِيهَا أحد لم يجز لِأَن مَا لَيست بِفعل
وَتقول لَيْسَ إِلَّا زيدا فِيهَا أحد لِأَن لَيْسَ فعل
وَأما قَول الله عز وَجل {وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء إِلَّا أنفسهم} فَإِن {أنفسهم} بدل من شُهَدَاء لِأَن لَهُم الْخَبَر
وَلَو نصبت أنفسهم وَرفعت شُهَدَاء لصلح وَلم يكن أَجود الْوُجُوه لِأَن شُهَدَاء نكرَة وَلَكِن لَو نصبت الشُّهَدَاء وَرفعت أنفسهم كَانَ جيدا وَقد بيّنت هَذَا فِي بَاب كَانَ(4/406)
وَمِمَّا يستوى فِيهِ الْأَمْرَانِ قَول الله عز وَجل {فَمَا كَانَ جَوَاب قومه إِلَّا أَن قَالُوا} ف أَن قَالُوا مَرْفُوع إِذا نصبت الْجَواب وَهُوَ مَنْصُوب إِذا رفعت الْجَواب لِأَنَّهُمَا معرفتان وَالْأَحْسَن أَن ترفع مَا بعد إِلَّا لِأَنَّهُ مُوجب وَالْوَجْه الآخر حسن جميل
فَأَما قَوْله جلّ ذكره {مَا كَانَ حجتهم إِلَّا أَن قَالُوا} فَالْوَجْه نصب حجتهم لِأَنَّهُ ذكر الْفِعْل
وَالْوَجْه الآخر أعنى رفع حجتهم جيد لِأَن الْحجَّة هِيَ القَوْل فِي الْمَعْنى(4/407)
(هَذَا بَاب مَا تقع فِيهِ إِلَّا وَمَا بعْدهَا نعتا بِمَنْزِلَة غير وَمَا أضيفت إِلَيْهِ)
وَذَلِكَ قَوْلك لَو كَانَ مَعنا رجل إِلَّا زيد لهلكنا قَالَ الله عز وَجل {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} الْمَعْنى وَالله أعلم لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة غير الله وَلَو كَانَ مَعنا رجل غير زيد قَالَ الشَّاعِر(4/408)
(أُنِيخَتْ فأَلْقَتْ بَلْدَةً فوْقَ بَلْدَةٍ ... قَلِيلٌ بهَا الأَصْواتُ إِلاَّ بُغَامُها)
كَأَنَّهُ قَالَ قَلِيل بهَا الْأَصْوَات غير بغامها ف إِلَّا فِي مَوضِع غير
وَمثل ذَلِك قَوْله
(وكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ ... لعَمْرُ أَبيك إِلاَّ الفَرْقَدانِ)
كَأَنَّهُ قَالَ وكل أَخ غير الفرقدين مُفَارقَة أَخُوهُ(4/409)
وَقد تقع غير فِي مَوضِع إِلَّا كَمَا وَقعت إِلَّا فِي مَوضِع غير
وَقَالَ الآخر
(وإِذا أُوليتَ قَرْضاً فاجْزِهِ ... إِنَّما يَجْزِي الفَتى غَيْرُ الجَمَلْ)
فَغير هَذِه فِي مَوضِع إِلَّا(4/410)
وَتقول على هَذَا جَاءَنِي الْقَوْم إِلَّا زيد وَلَا يكون إِلَّا نعتا إِلَّا لما ينعَت بِغَيْر وَذَلِكَ النكرَة والمعرفة بِالْألف وَاللَّام على غير مَعْهُود نَحْو مَا يحسن بِالرجلِ مثلك أَن يفعل ذَاك وَقد أَمر بِالرجلِ غَيْرك فيكرمني(4/411)
(هَذَا بَاب مَا يَقع فِي الِاسْتِثْنَاء من غير نوع الْمَذْكُور قبله)
وَذَلِكَ قَوْلك مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا حمارا وَمَا فِي الْقَوْم أحد إِلَّا دَابَّة
فَوجه هَذَا وَحده النصب وَذَلِكَ لِأَن الثَّانِي لَيْسَ من نوع الأول فيبدل مِنْهُ فتنصبه بِأَصْل الِاسْتِثْنَاء على معنى وَلَكِن وَاللَّفْظ النصب لما ذكرت لَك فِي صدر الْبَاب
فَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {وَمَا لأحد عِنْده من نعْمَة تجزى إِلَّا ابْتِغَاء وَجه ربه الْأَعْلَى}
وَمن ذَلِك {لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله إِلَّا من رحم} فالعاصم الْفَاعِل وَمن رحم مَعْصُوم فَهَذَا خَاصَّة لَا يكون فِيهِ إِلَّا النصب(4/412)
وَأما الأول فقد يجوز فِيهِ الرّفْع وَهُوَ قَول بني تَمِيم
وَتَفْسِير رَفعه على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنَّك إِذا قلت مَا جَاءَنِي رجل إِلَّا حمَار فكأنك قلت مَا جَاءَنِي إِلَّا حمَار وَذكرت رجلا وَمَا أشبهه توكيدا فَكَأَنَّهُ فِي التَّقْدِير مَا جَاءَنِي شَيْء رجل وَلَا غَيره إِلَّا حمَار
وَالْوَجْه الآخر أَن تجْعَل الْحمار يقوم مقَام من جَاءَنِي من الرِّجَال على التَّمْثِيل كَمَا تَقول عتابك السَّيْف وتحيتك الضَّرْب كَمَا قَالَ
(وخَيْل قَدْ دَلَفْتُ لَهَا بِخَيْلٍ ... تَحِيَّةُ بَيْنَهمْ ضَرْبٌ وجِيعُ)
وَقَالَ الآخر
(ليسَ بيني وبَيْنَ قَيْسٍ عِتابٌ ... غَيْرُ طَعْنِ الكُلَى وضَرْبِ الرِّقابِ)
وَبَنُو تَمِيم تقْرَأ هَذِه الْآيَة {إِلَّا ابْتِغَاء وَجه ربه الْأَعْلَى} ويقرءون {مَا لَهُم بِهِ من علم إِلَّا اتِّبَاع الظَّن} يجْعَلُونَ اتِّبَاع الظَّن علمهمْ(4/413)
وَالْوَجْه النصب على مَا ذكرت لَك وَهُوَ الْقيَاس اللَّازِم وَوجه الرّفْع مَا بَيناهُ كَمَا قَالَ
(وبَلْدةٍ لَيس بهَا أَنِيْسُ ... إِلاَّ اليَعافِيرُ وإِلاَّ العِيسُ)
فَجعل اليعاقير أنيس ذَلِك الْمَكَان وينشد بَنو تَمِيم قَول النَّابِغَة
(وقَفْتُ فِيهَا أُصَيْلاَلاً أُسائِلُها ... عَيَّتْ جَواباً وَمَا بالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ)
(إلاَّ أَوارِيَّ لأْباً مَا أُبَيِّنُها ... والنُّؤْى كالحَوْضِ بالمظلومة الجَلَدِ)
وَالْوَجْه النصب وَهُوَ إنشاد أَكثر النَّاس(4/414)
صفحة فارغة(4/415)
وَقَوله جلّ وَعز {فلولا كَانَ من الْقُرُون من قبلكُمْ أولو بَقِيَّة ينهون عَن الْفساد فِي الأَرْض إِلَّا قَلِيلا مِمَّن أنجينا} من هَذَا الْبَاب لِأَن لَوْلَا فِي معنى هلا والنحويون يجيزون الرّفْع فِي مثل هَذَا من الْكَلَام وَلَا يجيزونه فِي الْقُرْآن لِئَلَّا يُغير خطّ الْمُصحف
وَرَفعه على الْوَصْف كَمَا ذكرت لَك فِي الْبَاب الَّذِي قبله
فَأَما قَول الشَّاعِر
(مَنْ كانَ أَسْرَعَ فِي تَفَرُّقِ فَالِجٍ ... فلَبُونُهُ جَرِبَتْ مَعاً وأَغَدّتِ)
(إلاَّ كناشِرةَ الَّذِي ضَيَّعتُمُ ... كالغُصْنِ فِي غُلَوائِه المتَنبِّتِ)(4/416)
فَإِنَّمَا الْكَاف زَائِدَة وَهُوَ اسْتثِْنَاء لَيْسَ من الأول وَلَو حذفت الْكَاف لَكَانَ الْموضع نصبا وَمثل ذَلِك
(لَوْلَا ابْنُ حارِثَةَ الأَميرُ لقَدْ ... أَغْضَيْتُ مِنْ شَتْمِي عَلى رغْمِي)
(إِلاَّ كمُعْرِض المحسِّر بَكْرَه ... عَمْداً يُسَبِّبُني عَلى ظُلْمِ)(4/417)
وَكَذَا قَوْله
(إِلاَّ كخارجَةَ المُكَلِّفِ نَفْسهُ ... وابْنيْ قَبِيصَةَ أَن أُغِيبَ ويَشْهَدَا)
الْكَاف زَائِدَة مُؤَكدَة كتوكيدها فِي قَول الله جلّ وَعز {لَيْسَ كمثله شَيْء} وَمثل ذَلِك قَوْله
(لَواحِقُ الأَقْرابِ فِيهَا كالمقَقْ)
أَي فِيهَا مقق وَهُوَ الطول وَالْكَاف زَائِدَة(4/418)
صفحة فارغة(4/419)
(هَذَا بَاب مَا لَا يكون الِاسْتِثْنَاء فِيهِ إِذا أبدل إِلَّا على الْموضع لِامْتِنَاع اللَّفْظ مِنْهُ)
وَذَلِكَ قَوْلك ماجاءني من أحد إِلَّا زيد على الْبَدَل لِأَن من زَائِدَة وَإِنَّمَا تزاد فِي النَّفْي وَلَا تقع فِي الْإِيجَاب زَائِدَة لِأَن الْمَنْفِيّ المنكور يَقع واحده فِي معنى الْجَمِيع فَتدخل من لإبانة هَذَا الْمَعْنى وَذَلِكَ قَوْلك مَا جَاءَنِي رجل فَيجوز أَن تَعْنِي رجلا وَاحِدًا وَتَقَع الْمعرفَة فِي هَذَا الْموضع تَقول مَا جَاءَنِي عبد الله فَإِذا قلت مَا جَاءَنِي من رجل لم يَقع ذَلِك إِلَّا للْجِنْس كُله وَلَو وضعت فِي مَوضِع هَذَا المنكور مَعْرُوفا لم يجز لَو قلت مَا جَاءَنِي من عبد الله كَانَ محالا لِأَنَّهُ مَعْرُوف بِعَيْنِه فَلَا يشيع فِي الْجِنْس
فَإِذا قلت جَاءَنِي لم تقع من هَا هُنَا زَائِدَة لِأَن معنى الْجَمِيع هَا هُنَا مُمْتَنع لإحاطته بِالنَّاسِ أَجْمَعِينَ كَمَا كَانَ هُنَاكَ نفيا لجميعهم
فَإِذا قلت مَا جَاءَنِي من رجل إِلَّا زيد كَانَ خلفا أَن تَقول إِلَّا زيد لِأَنَّك لَو أبدلته من رجل على اللَّفْظ قلت مَا جَاءَنِي إِلَّا من زيد فَلذَلِك قلت مَا جَاءَنِي من أحد إِلَّا زيد لِأَن من وَمَا بعْدهَا فِي مَوضِع رفع وَلَوْلَا ذَلِك لَكَانَ يَخْلُو الْفِعْل من فَاعل
وَكَذَلِكَ مَا رَأَيْت من أحد إِلَّا زيدا وَلَيْسَ زيد بِشَيْء إِلَّا شَيْئا لَا يعبأ بِهِ وَلَو قلت(4/420)
إِلَّا شَيْء لم يصلح لِأَن التَّقْدِير لست إِلَّا بِشَيْء وَهَذَا محَال لِأَن الْيَاء إِنَّمَا تزاد فِي غير الْوَاجِب توكيدا تَقول مَا زيد بقائم وَلَيْسَ زيد بمنطلق
وعَلى هَذَا ينشد هَذَا الشّعْر وَلَيْسَ يجوز غَيره
(أَبني لُبَيْنَى لَسْتُمُ بِيدٍ ... إلاَّ يَداً ليستْ لَهَا عَضُدُ)
وَتقول على هَذَا مَا زيد بِشَيْء إِلَّا شَيْء لَا يعبأ بِهِ فكأنك قلت مَا زيد إِلَّا شَيْء لَا يعبا بِهِ فَهَذَا وَجه هَذَا الْبَاب(4/421)
(هَذَا بَاب الِاسْتِثْنَاء بِغَيْر)
اعْلَم أَن كل مَوضِع جَازَ أَن تستثني فِيهِ ب (إِلَّا) جَازَ الِاسْتِثْنَاء فِيهِ بِغَيْر
وَغير اسْم يَقع على خلاف الَّذِي يُضَاف إِلَيْهِ ويدخله معنى الِاسْتِثْنَاء لمضارعته إِلَّا
وكل مَوضِع وَقع الِاسْم فِيهِ بعد إِلَّا على ضرب من الْإِعْرَاب كَانَ ذَلِك حَالا فِي غير إِلَّا أَن يكون نعتا فَيجْرِي على المنعوت الَّذِي قبلهَا وَذَلِكَ قَوْلك جَاءَنِي الْقَوْم غير زيد لِأَنَّك كنت تَقول جَاءَنِي الْقَوْم إِلَّا زيدا
وَتقول هَذَا دِرْهَم غير قِيرَاط كَقَوْلِك هَذَا دِرْهَم إِلَّا قيراطا
وَتقول هَذَا دِرْهَم غير جيد لِأَن غيرا نعت أَلا ترى أَنه لَا يَسْتَقِيم هَذَا دِرْهَم إِلَّا جيد(4/422)
فَأَما الْموضع الَّذِي يرْتَفع فِيهِ فَتَقول مَا جَاءَنِي أحد غير زيد على الْوَصْف وعَلى الْبَدَل فالبدل كَقَوْلِك مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد
وَتقول لقِيت الْقَوْم غير زيد على النَّعْت إِذا كَانَ الْقَوْم على غير مَعْهُود وعَلى الْبَدَل
وَالْوَجْه إِذا لم يكن مَا قبل غير نكرَة مَحْضَة أَلا يكون نعتا
فَأَما قَول الله عز وَجل {غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} فَإِن غيرا تكون على ضروب تكون نعتا للَّذين لِأَنَّهَا مُضَافَة إِلَى معرفَة
وَتَكون حَالا فتنصب لِأَن غيرا وَأَخَوَاتهَا يكن نكرات وَهن مضافات لَا معارف هَذَا الْوَجْه فِيهِنَّ جمع وَهُوَ فِي غير خَاصَّة وَاجِب لما تقدم ذكره
وَيكون بَدَلا فَكَأَنَّهُ قَالَ صِرَاط غير المغضوب عَلَيْهِم وَيكون نصبا على اسْتثِْنَاء لَيْسَ من الأول وَهُوَ جَاءَنِي الصالحون إِلَّا الطالحين(4/423)
(هَذَا بَاب تَكْرِير الِاسْتِثْنَاء بِغَيْر عطف)
تَقول مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا عمرا وَإِن شِئْت قلت إِلَّا زيدا إِلَّا عَمْرو فَالْمَعْنى فيهمَا جَمِيعًا وَاحِد وَإِن اخْتلف الْإِعْرَاب لِأَنَّك إِذا شغلت الْفِعْل بِأَحَدِهِمَا انتصب الآخر بِالِاسْتِثْنَاءِ وَلم يصلح الْبَدَل لِأَن الْمَرْفُوع مِنْهُمَا مُوجب
وَتقول مَا جَاءَنِي إِلَّا زيدا إِلَّا عمرا أحد لِأَن التَّقْدِير مَا جَاءَنِي إِلَّا زيدا أحد إِلَّا عَمْرو فَلَمَّا قدمت عمرا صَار كَقَوْلِك مَا جَاءَنِي إِلَّا عمرا أحد لِأَنَّك لَو أَخَّرته كَانَ الْوَجْه مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا عَمْرو وَتقول مَا جَاءَنِي إِلَّا زيدا غير عَمْرو أحد لِأَن غير عَمْرو بِمَنْزِلَة قَوْلك إِلَّا عمرا وَمن ذَلِك قَوْله
(فماليَ إلاَّ اللهَ لَا شيءَ غيرُه ... وَمَالِي إلاَّ اللهَ غيرَك ناصرُ)
كَأَنَّهُ قَالَ إِلَّا إياك(4/424)
وَهَذَا الْبَيْت ينشد على غير وَجه وَهُوَ قَول الشَّاعِر
(مَا بِالْمَدِينَةِ دارٌ غيرُ وَاحِدَة ... دارُ الخليفةِ إلاَّ دارَ مَرْوانا)
تجْعَل غير نعتا يخبر أَنَّهَا غير وَاحِدَة بل هِيَ أدؤر وَدَار الْخَلِيفَة تَبْيِين وتكرير وَإِلَّا دَار مَرْوَان بدل وَإِن شِئْت جعلت دَار مَرْوَان مَنْصُوبَة بِالِاسْتِثْنَاءِ على قَوْلك مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيدا
وَإِن شِئْت قلت مَا لمدينة دَار غير وَاحِدَة إِلَّا دَار مَرْوَان فتنصب غيرا لِأَنَّهُ اسْتثِْنَاء وَإِن شِئْت رفعت غيرا ونصبت دَار مَرْوَان أَيهمَا شِئْت جعلته بَدَلا ونصبت الآخر(4/425)
(هَذَا بَاب الْجمع بَين إِلَّا وَغير وَالْحمل على الْمَعْنى إِن شِئْت)
تَقول مَا جَاءَنِي غير زيد وَإِلَّا عَمْرو لِأَن التَّقْدِير مَا يُفَسر فِي وَضعه إِن شَاءَ الله
وَأما عدا وخلا فهما فعلان ينْتَصب مَا بعدهمَا وَذَلِكَ قَوْلك جَاءَنِي الْقَوْم عدا زيدا لِأَنَّهُ لما قَالَ جَاءَ الْقَوْم وَقع عِنْد السَّامع أَن بَعضهم زيدا فَقَالَ عدا زيدا أَي جَاوز بَعضهم زيدا
فَهَذِهِ تَقْدِيره إِلَّا أَن عدا فِيهَا معنى الِاسْتِثْنَاء وَكَذَلِكَ خلا
فَمَعْنَى عدا جَاوز من قَوْلك لَا يعدونك هَذَا أَي لَا يجاوزنك
وخلا من قَوْلهم خلا يَخْلُو
وَقد تكون خلا حرف خفض فَتَقول جَاءَنِي الْقَوْم خلا زيد مثل سوى زيد
فَإِن قلت فَكيف يكون حرف خفض وفعلا على لفظ وَاحِد فَإِن ذَلِك كثير مِنْهُ حاشا وَقد مضى تَفْسِيرهَا
وَمثل ذَلِك على تكون حرف خفض على حد قَوْلك على زيد دِرْهَم وَتَكون فعلا نَحْو قَوْلك علا زيد الدَّابَّة وعَلى زيد ثوب وَعلا زيدا ثوب وَالْمعْنَى قريب(4/426)
فَإِذا قلت مَا عدا وَمَا خلا لم يكن إِلَّا النصب وَذَاكَ لِأَن مَا اسْم فَلَا توصل إِلَّا بِالْفِعْلِ نَحْو بَلغنِي مَا صنعت أَي صنيعك إِذا أردْت بهَا الْمصدر فَصلتهَا الْفِعْل لَا غير وَكَأَنَّهُ قَالَ مجاوزتهم زيدا إِلَّا أَن فِي عدا وخلا معنى الِاسْتِثْنَاء(4/427)
(هَذَا بَاب الِاسْتِثْنَاء بليس وَلَا يكون)
اعْلَم أَنَّهُمَا لَا يكونَانِ اسْتثِْنَاء إِلَّا وَفِيهِمَا ضمير كَمَا وصفت لَك فِي عدا وخلا وَذَلِكَ قَوْلك جَاءَنِي الْقَوْم لَا يكون زيدا وَجَاءَنِي الْقَوْم لَيْسَ زيدا كَأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ بَعضهم وَلَا يكون بَعضهم
وَكَذَلِكَ أَتَانِي النِّسَاء لَا يكون فُلَانَة يُرِيد لَا يكون بَعضهنَّ إِلَّا أَن هَذَا فِي معنى الِاسْتِثْنَاء وَإِن جعلته وَصفا فجيد وَكَانَ الجرمى يختاره وَهُوَ قَوْلك أَتَانِي الْقَوْم لَيْسُوا إخْوَتك وأتتني امْرَأَة لَا تكون فُلَانَة(4/428)
(هَذَا بَاب مَا حذف من الْمُسْتَثْنى تَخْفِيفًا واجتزئ بِعلم الْمُخَاطب وَذَلِكَ قَوْلك عِنْدِي دِرْهَم لَيْسَ غير أردْت لَيْسَ غير ذَلِك فحذفت وضممت كَمَا ضممت قبل وَبعد لِأَنَّهُ غَايَة(4/429)