الجمهورية اليمنية
جامعة حضرموت للعلوم والتكنولوجيا
كلية التربية – المكلا
قسم اللغة العربية
نزع الخافض في الدرس النحوي
إعداد
حسين بن علوي بن سالم الحبشي
إشراف الأستاذ الدكتور :
عبد الجليل عبيد حسين العان
1425هـ(1/1)
شكرٌ وتقديرٌ
اللهم لك الحمدُ حمداً كثيراً طيِّباً مباركًا فيه ، ملءَ السمواتِ وملءَ الأرضِ ، وملءَ ما شئتَ من شيء بعدُ ، أهلَ الثناءِ والمجدِ ، أحقُّ ما قال العبدُ ، وكلُّنا لك عبدٌ ، أشكرك ربي على نعمك التي لا تعدُّ ، وآلائك التي لا تحدُّ ، أحمدك ربي وأشكرك على أن يسرت لي إتمامَ هذا البحثِ على الوجه الذي أرجو أن ترضى به عني .
ثم أتوجَّهُ بالشكر إلى من رعاني طالباً في برنامج الماجستير ، ومعدًّا هذا البحثَ أستاذي ومشرفي الفاضل الأستاذ الدكتور : عبد الجليل بن عبيد العاني ، الذي له الفضل – بعد الله تعالى – على البحث والباحث مذ كان الموضوعُ عنواناً وفكرةً إلى أنْ صار رسالةً وبحثاً . فله مني الشكرُ كلُّه والتقديرُ والعرفان .
وأتوجَّهُ بالشكر الجزيل إلى جميع أساتذتي الفضلاء في قسم اللغة العربية في كلية التربية بالمكلا بجامعة حضرموت الذين لم يألوا جهداً في توجيهي وإمدادي بما احتجت إليه من كتب من مكتباتهم العامرة . وأرى أنْ أقِفَ شاكراً لأستاذي الفذِّ الدكتور عبدِالله صالح بابعير الذي أغتبطُ بالأخذ عنه وصحبته مذ عرفته ، فكان نعم المعينُ والموجِّهُ والصاحبُ حضراً وسفراً ، فجزاه الله عني خيراً .
ويوجِبُ عليَّ الاعترافُ بالفضل أنْ أشكرَ الأساتذةَ الفضلاءَ في جامعة حضرموت رئاسةً وعمادةَ بحثٍ علميٍّ وإدارةً ، وفي كلية التربية بالمكلا عمادةً وإدارةً على إسنادهم لي طوال مدة بحثي وتفريغهم إياي .
وأتقدم بشكري الجزيلِ في هذا اليومِ إلى أساتذتي الموقَّرينَ في لجنة المناقشة رئاسةً وأعضاءً لتفضُّلِهم عليَّ بقبول مناقشة هذه الرسالة ، فهم أهلٌ لسدِّ خللها وتقويمِ معوجِّها وتهذيبِ نتوآتها والإبانةِ عن مواطن القصور فيها ، سائلا اللهَ الكريمَ أنْ يثيبَهم عنِّي خيرًا.
كما أشكر جميعَ الأخوةِ القائمين على المكتبات التي تزودتُ منها مادة هذا البحث ولاسيما المكتبةُ العامة بغيل باوزير ، ومكتبة كلية التربية بالمكلا . وأشكر كلَّ مَنْ ساعدني وأعانني على إنجاز هذا البحث ، فلهم في النفس منزلةٌ وإن لم يسعفِ المقام لذكرهم ، فهم أهلٌ للفضل والخير والشكر .(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله وحدهَ ، والصلاةُ ، والسلامُ على مَنْ لا نبيَ بعدَه ، وعلى آله وصحبه ، ومَنِ اهتدى بهديه إلى يوم الدين وبعدُ ، فالناظرُ في كتب النحو العربي يجدُ أنَّ نزع الخافض موضوعٌ يتجاذبهُ بابانِ كبيران من أبواب أصول النحو العربي ؛ السماعُ والقياس ، فما يَعُدُّه نحويٌ سماعاً يُحفظ يعدُّه آخرُ قياساً يُحتذي ، لذا يرغب الباحثُ في أن يكون هذا البحثُ محاولةً للتخلُّص من الاضطراب المنتشر في كتب النحو العربي في الحكم على نزع الخافض ، ولتمييز المسموع منه من المقيس ، ومحاولةً - أيضاً - لتقييد الإطلاقات في الحكم على نزع الخافض بالشذوذ والضعف والقُبح على مواضعها اللائقة بها .
ثم إنَّه لم يستقرَّ لهذا الموضوعِ مصطلحٌ ، فهلْ هو نزعُ الخافض ، أو الحذفُ والإيصالُ ، أو الحذفُ والإضمار ، أو الاتِّساع أو غيرُ ذلك مما سيأتي بيانُه ؟ ولا يخفى أهميةُ تحديد المصطلحاتِ، واختيارُ المصطلحِ المناسبِ الذي يصحُّ إطلاقُه على جزئيات المادة ، وهو ما يرجوه الباحثُ
وفي حدود ما أعلمُ ، وبعد التتبُّعِ وسؤالِ ذوي الخبرة ، وجدتُ أنَّ هذا الموضوعَ لم ينلْ حظَّه من البحث ، بحيثُ يفردُ برسالةٍ جامعيَّةٍ متخصصة ، وما كُتِبَ فيه من بحوثٍ لم يكن جامعاً لمسائله وأحكامه ، وممن كتب فيه :
محمد بن أحمد بن عبد الباري الأهدل ( ت : 1298هـ ) ، وقفتُ له على رسالة وَسَمَها بـ ( تعريفُ مَنِ انتصَبَ لتلقِّي الوهبِ الفائض ، بحدِّ المنصوبِ من الأسماءِ بنزعِ الخافض ) وهي رسالةٌ لا تزال مخطوطةً ، صغيرةٌ جداً ، لا تتجاوز صفحتين ونصفَ صفحةٍ ، كلماتُها لا تزيدُ على خمسِمائةِ كلمةٍ ، وأكثرُها نقلٌ من شرح التسهيل للدمامينى ( ت : 827هـ ) .
مصطفى جواد ( ت : 1389 هـ ) ، فقد بحث في كتابه ( دراسات في فلسفة النحو والصرف واللغة والرسم ) مسألةَ نزع الخافض ، وأتى بآراءٍ بديعةٍ وصفَها بأنها " لم يسلكْها علماءُ النحو القدامى"(1) ، ولكنَّه لم يجاوزْ بنزع الخافض حدودَ حذفِ حرف الجر وإيصالِ عمل الفعل إلى المفعول ، فلم يطْرُقْ بابَ حذفِ حرف الجر وإبقاءِ عمله في الاسم بعدَه ، ولا حذفِ المضاف ألبتة .
وممن كتَبَ فيه - أيضاً- عبد الحميد السيد طلب ، فقد أفردَه ببحثٍ في المجلة العربية للعلوم الإنسانية في نحو اثنتيْ عشرةَ صفحةً بعنوان ( نزعُ الخافض عاملٌ نحويٌّ مطَّردٌ للنصب ) بحَث فيه موضوعَ نزع الخافض في إطار العوامل المعنوية بحيثُ ينتصبُ الاسمُ بعد نزع حرف الجر ، فلم يتجاوز بحثُه حدَّ الحذف والإيصال ، غيرَ أنه جعَلَ العملَ للنزع لا للفعل وما أشبهه ، وفسح الطريقَ للقول بنزع الخافض في المفعول فيه والتمييز ، ولم يقصره على المفعول به .
__________
(1) 36.(1/3)
وفي حين شارفتُ على الانتهاء من المبحث الأول في الفصل الثاني ، وقفتُ على بحثٍ لإبراهيم بن سليمان البُعيمى بعنوان : ( المنصوب على نزع الخافض في القرآن ) ، وقد تمحور هذا البحث- بحسب ما دلَّ عليه عنوانُه - حول ما كان في القرآن من المنصوبات على نزع الخافض ويعني بالخافض حرف الجر ، ليس غيرُ ، وقد وقَفَ بكلِّ ما ورَد منه عند حدِّ المسموعِ الذي لا يُقاسُ عليه ما عدا ما كان منزوعاً مع أنَّ وأنْ وكي كما قرره النحويون ، فجاء بحثُه من جهة التوسُّعِ في اقتياس النصب على نزع الخافض دونَ ما اجتهدَ في تقريره مصطفى جواد وعبد الحميد السيد طلب .
هذا ما اطَّلعتُ عليه مما اختُصَّ نزعُ الخافض فيه بالبحث ، وهي بحوثٌ- في نظر الباحث- غيرُ مستوفيةٍ مباحثَ نزعِ الخافض ، لذا يأمل الباحثُ أنْ يستجمعَ هذا البحثُ أطرافَ موضوعِ نزع الخافض ، سواءٌ أحرفاً كان الخافض أمِ اسماً مضافاً .
أما مادة هذا الموضوع في الدرس النحوي ، فقد جاءت مفرقةً لا يجمعُ شتاتَها بابٌ ، غير أنَّ لها مظانَّ في أبوابٍٍ متفرقةٍ تمكِّنُ الباحثَ من قيْدِ مسائلها ، واقتناصِ شواردها ، ومن هذه الأبواب :
- باب تعدي الفعل ولزومه ، مبحث تعدي الفعل اللازم .
- باب المفعول له والظرف ، والتمييز .
- باب حروف الجر ، مبحث حذف حرف الجر .
- باب الإضافة ، مبحث حذف المضاف .
- باب العطف ، مبحث العطف على الضمير المجرور ، والعطف على معمولي عاملين مختلفين .
- باب الحذوف في كتب العربية التي عُنيتْ بذلك كالخصائص والمخصص وأمالي ابن الشجري ومغني اللبيب وغيرها .
ويرى الباحثُ أنَّ من الأهمية بمكان جمعَ شتاتِ ما تفرق بعضِه إلى بعض .(1/4)
لهذا وذاك ، اخترتُ هذا الموضوعَ ليكون ميدانَ رسالتي التي أتقدم بها لاستكمال متطلبات درجة الماجستير في الآداب ، تخصص ( نحو وصرف ) وقد جعلتُها بعنوان ( نزع الخافض في الدرس النحوي ) ، وقد اقتضت طبيعةُ البحث أن يكونَ في مقدِّمةٍ وثلاثةِ فصولٍ وخاتمةٍ .
المقدمة :
بيَّنتُ فيها أهميةَ هذا الموضوعِ ، ودواعيَ اختياري له ، وأجزاءَ البحثِ وغيرَ ذلك مما تقتضيه مقدِّماتُ الرسائلِ الجامعيةِ .
الفصل الأول :
جعلتُه بعنوان ( نزعُ الخافض أحكامٌ مهمة ) وقسمته على أربعة مباحثَ :
المبحث الأول : بعنوان ( نزعُ الخافض مصطلحاً ) بيَّنتُ فيه معنى نزع الخافض في اللغة والاصطلاح ، ثم عرضتُ الألفاظَ الدالَّةَ على مفهوم نزع الخافض في استعمال النحويين ، وهي حذفُ الخافض ، وإسقاطُ الخافضِ ، وسقوطُ الخافضِ ، وإضمارُ الخافضِ ، وفقدانُ الخافضِ ، والحذفُ والإيصالُ ، والفصلُ والوصلُ ، والإلغاءُ ، والاتِّساعُ أو التوسُّع ، موازناً بينها وبين مفهومِ نزع الخافض ، مُظهِراً ملامحَ الاتفاقِ والافتراق .
المبحث الثاني : بعنوان ( ضوابطُ نزع الخافض ) عرضتُ فيه شروطَ نزعِ الخافضِ ، ودواعيَ نزعه ، وأغراضِ النزع ودواعي تقدير الخافض ، وموانع تقديره ، وضوابطَ أخرى هي أشبهُ بقواعدِ الترجيح النحوي عند التعارض تختصُّ بنزع الخافض .
المبحث الثالث : بعنوان ( نزع الخافض والتضمين ) تحدَّثتُ في ثلاثِ مسائلَ :
الأولى : العلاقةُ بين نزع الخافض والتضمين ، ببيان الصورةِ التي يلتقيان فيها ، وأيُّهما أولى بالتخريجِ عليه ، أنزعُ الخافض أم التضمين ؟ مشيراً في أثناء ذلك إلى صُوَرِ التضمين المختلفة لإيضاح أكثر صور التضمين وروداً في العربية وعلاقة ذلك بصورة التقائهما .
الثانية : طرائقُ العلماء في تحليل تركيب صورة التخريج المحتملة لنزع الخافض أو التضمين .
الثالثة : أقسامُ شواهدِ نزع الخافض المحتملة للتخريج على التضمين .(1/5)
المبحث الرابع : بعنوان ( نزعُ الخافض والقياس ) بيَّنتُ فيه حالة الاضطراب المنتشرة في الحكم على نزع الخافض من حيثُ السماعُ والقياسُ ، مما يقود إلى ضرورة اعتماد ضوابطَ للقياس تنمازُ بواسطتها المواضعَ القياسية من المواضع السماعية ، لذلك أبنتُ عن ملامحِ القياسِ المعتمَدِ إجراؤه على مواضع نزع الخافض في النحو العربي .
الفصل الثاني :
جعلته بعنوان ( نزعُ حرف الجر ) وقسمته على ثلاثة مباحثَ :
المبحث الأول : بعنوان ( نزع حرف الجر وانتصاب الاسم ) ووطَّأتُ له بمدخلٍ تساءلتُ فيه أيختصُّ النصبُ بعد نزع حرف الجر بالمفعول به أم يتسع ليشملَ المفعول به وله وفيه والمميِّز ؟ وقادني ذلك إلى البحث في عامل النصب بعد نزع حرف الجر ألفظيٌّ هو أم معنوي ؟ ثم ذكرت خلاف النحويين في الحكم على نزع حرف الجر وانتصاب الاسم من حيث السماع والقياس وبنَيْتُ على ذلك المواضع القياسية مقسماً إياها قسمين : ما انتصب على حدِّ المفعول به ، وما انتصب على غير حدِّ المفعول به ، فشمِلَ القسمُ الأولُ باب نصح وأمر والمنصوب على التحذير على حدِّ ( إياك الأسدَ ) والمقسم به المنصوب ، وشمِلَ القسمُ الثاني المفعولَ له ، والمفعول فيه ، وباب دخل وذهب والمميِّز ، وباب سفه نفسه ، والمصدر المنصوب على حدِّ ( أحقاً أنك ذاهبٌ ) ، وانتصاب ( وحدَه ) . ثم رددتُ مواضع أخرى قيل بانتصابها على نزع حرف الجر .
المبحث الثاني : بعنوان ( نزع حرف الجر وإبقاء الاسم مجروراً ) ذكرت فيه الاختلافَ في حكمه ثم بينت مواضعَه القياسية باحثاً متعلَّقاتِ كلِّ موضعٍ بما يرتبط بنزع الخافض ، ثم عرَّجت على بعض الشواهدِ المسموعِ فيها نزعُ حرف الجر وإبقاءُ الاسمِ مجروراً . ورددت مواضعَ قيل إنها من باب إبقاء الاسم مجروراً بعد نزعِ حرف الجر . وليست منه ووجهتها التوجيهَ المناسبَ لها .
المبحث الثالث : بعنوان ( نزع حرف الجر واحتمال المحل للنصب والجر ) وذلك في مسألتين :(1/6)
الأولى : نزع حرف الجر مع الحرفِ المصدري وصلته ، تتبعت فيها الأحرفَ المصدرية التي ينزع معها حرف الجر وبينت محلَّ المصدر المؤوَّل بعد نزع الجار ، وخصصت أنَّ وأنْ ببحوثٍ من قبيل بيان حكمِ نزع حرف الجر معهما ، وشرط اطراده ، وعلة ذلك ، ثم رددت القولَ بنزع حرف الجر مع أنْ في مواضع ، ووجهتها بما يناسبها .
الثانية : نزع حرف الجر مع الجملة المعلَّق عاملُها . بينت المراد بالتعليق ، وما الذي يعلق من الأفعال ، ثم حصرت تقسيماتِ الأفعال بحسب تعليقها ، وعُنِيْتُ بالأفعال التي تُعَلَّقُ عن العملِ في الجملة الواقعة موقعَ المفعول به المقيَّد بحرف الجر فتتبعت عدداً منها ، ثم بينت معلِّقات هذا القسم من الأفعال ، ومحلَّ تلك الجملةِ المعلَّقِ عاملُها الواقعةِ موقعَ المفعولِ به المقيد بحرف الجر .
الفصل الثالث :
جعلته بعنوان ( نزع المضاف ) وقسمته على مبحثين :
المبحث الأول : بعنوان ( نزعُ المضاف وإقامةُ المضافِ إليه مُقامَه ) ذكرت فيه كثرة هذا الضربِ من نزع المضاف وبينت حكمَه من حيثُ السماعُ والقياسُ ، وضابطَ كلٍّ منهما ، ثم تتبَّعت دواعيَ تقديرِه ، والأحكامَ التي يقوم فيها المضافُ إليه مَقامَ المضافِ ، وخصصت أهمَّ تلك الأحكامِ وهو الإعرابُ بتفصيلِ المواقعِ الإعرابية التي يقوم فيها المضافُ إليه مَقامَ المضاف .
المبحث الثاني : بعنوان ( نزع المضاف وإبقاء المضاف إليه مجرورًا ) قيَّدت فيه إطلاقاتِ الحكمِ عليه بالشذوذ والضعف ببيانِ شروط إجراء القياس فيه ، ثم تتبعت المواضعَ التي يمكن عدُّها قياسيَّةً ورددت مواضعَ أخَرَ قيل فيها بنزع المضاف وإبقاء المضاف إليه مجروراً .(1/7)
هذه هي فصولُ الرسالةِ الثلاثةُ بمباحثِها التسعةِ ، اضطرَّني منها الفصلُ الثاني أن يكونَ غيرَ متناسبٍ في حجمِه من حيثُ الكميَّةُ مع أخويه ، نظرًا لاتساع المادة النحوية المتعلقة به لكونه محطَّ نظرِ النحويين في بحثهم موضوعَ نزع الخافض وقد اجتهدت في حذف ما يمكنني حذفُه منه ، وأبقيتُ على ما رأيتُ اتصالَه بالموضوع اتصالاً مباشراً وإن طال فيه المقام أحياناً .
أما الخاتمة فقد اشتملت على أهم المحاور والأفكار والنتائج التي انتهى إليها الباحثُ .
وقد نهجت في بحثي هذا منهج الوصف والتحليل ، والنقد والاختيار ، وذلك بعرض المسألة النحوية عرضاً موجزاً يفي بحاجة البحث إليها ، محللاً الأقوال فيها ، ناقداً غير المختار منها ، ومقوياً الوجه الذي وقع عليه اختياري .
عُنِيتُ بتخريج الشواهدِ وإن جاءت في ثنايا نصٍّ منقول ، فخرجت الآيات القرآنية على الكتاب العزيز بقراءة حفص عن عاصم ، فإن كان في الآية قراءاتٌ يتطلب البحثُ ذكرَها خرجتها على كتب القراءات والتفسير ، وخرجت الأحاديث النبوية والأقوال المأثورة على مظانها في كتب الحديث النبوي كالصحاح والسنن والمسانيد ، وكتب الأمثال وخرجت الشواهد الشعرية على دوواين الشعراء والمجموعات الشعرية وكتب النحو والأدب ، مقدِّماً التخريجَ على ديوان الشاعر منفرداً كان أو ضمن مجموعة شعرية كأشعار النساء وشعراء إسلاميون ، ثم أخرجها على كتب النحو والأدب والمعاجم معزُوًّا أو غير معزوٍّ ، ذاكراً الخلاف في نسبته إن كان في نسبته خلاف .
إن كان في المراجع المحال عليها تشابهٌ في الأسماء عَيَّنتُ المقصود منها بذكر مؤلفه ، نحو : معاني القرآن للفراء ، ومعاني القرآن للأخفش .
لم أترجم للأعلام الوارد ذكرهم في البحث ، واكتفيت بذكر سنة وفياتهم عند ذكره أول مرة .
ثمة رموز في البحث يمكن بيانها على النحو الآتي :
ج : الجزء .
خ : مخطوط .
ط : الطبعة .
ظ : ظهر الورقة من المرجع المخطوط .
ع : العدد .
غ . ت : من غير تاريخ .
ق : القسم .
قة : ورقة المرجع المخطوط .
ك : كراسة المرجع المخطوط .
و : وجه الورقة من المرجع المخطوط .
فإن كان في ما كتبتْ يدايَ ما يحسُنُ ، فهو من فضل ربي ومَنِّه وكرمه - جلَّ جلاله - ثم لمن رعاني طالباً وباحثاً أستاذي ومشرفي الفاضل الأستاذ الدكتور عبد الجليل بن عبيد العاني - أبقاه الله ذخراً للعربية وطلابها – ثم لأستاذي الفاضل الدكتور عبد الله صالح بابعير الذي اقتفيت أثره – في ما أحسب – مسترشداً بمسلكه في طريقة البحث ، وإن كانت الأخرى فمن قصوري وتقصيري ، واللهُ المسؤولُ أن يعفوَ عن زللي وخطئي ، وكلُّ ذلك عندي ، وأن يسدِّدَ خُطايَ ويهديَني سواءَ السبيل ويكتبَ لي عنده بما هو أهله - لا بما أنا أهله – أجراً ، فهو المستعان وعليه التكلان ، والحمد لله رب العالمين .(1/8)
الفصل الأول:نزع الخافض أحكام مهمة
نزع الخافض : لغةً واصطلاحاً
( النَّزْعُ ) في اللغة مصدرُ نزَع الشيءَ إذا قلعه أو جذبه ، يقول ابن فارس : " النون والزاء ( كذا ) والعين أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على قلع شيءٍ "(1)وجاء في اللسان : " أصل النزع الجذبُ والقلعُ "(2) فالنزع - إذن- إخراج الشيء بشدة ؛ لذا عبَّروا عنه بالجذب والقلع ، ومنه نزْعُ روح الميت ، ونزْع القوس ونزْعُ الدلوِ من البئر ، وكلُّ ذلك شديدٌ غير يسير ، وقالوا : رجُلٌ مِنْزَعٌ : شديدُ النزعِ(3).
و ( الخافض ) في اللغة اسم فاعل من الخفض وهو ضد الرفع ، والمراد به هنا المصطلح النحوي المشهور عند الأكثرين بالجار .
أما نزع الخافض من حيثُ الاصطلاحُ ، فهو مصطلحٌ مركبٌ تركيباً إضافياً ، فالنظر إليه باعتبارين:
الأول : باعتبار مفرديه ، أي كلمة نزع ، وكلمة خافض .
الثاني : باعتبار كونه لقباً لهذا البحث النحوي .
__________
(1) معجم المقاييس في اللغة : 1022 .
(2) نزع ) .…
(3) ينظر : أساس البلاغة : 452 – 453 ، ولسان العرب : ( نزع ) ، وتاج العروس : ( نزع ) .(1/9)
أما باعتبار مفرديه ، فإن كلمة ( النزع ) لم تخرج عن دلالتها اللغوية وهي الجذب والإخراج أي : الحذف ، كما هو شائعٌ عند النحويين ، أما الخافض ، فهو عامل الخفض وهو إما حرف الجر أو الاسم المضاف على المختار من أقوال النحويين في عامل الجر في المضاف إليه ، وهو مذهب سيبويه والأكثرين(1) .
أما باعتباره لقباً لهذا البحث ، فقد اقتصر مَنْ وقَفتُ على كلامهم من واضعي المعجمات الاصطلاحية والنحويين على أحد عاملي الجر ، وهو الحرف ، عند التعبير عن هذا المصطلح ( نزع الخافض ) كما أنهم خصُّوه بصورة واحدةٍ من صورِ نزع حرف الجر وهي صورةُ انتصاب الاسم المجرور بعد نزع حرف الجر ، لذا سأذكر هذه التعريفات مناقشاً إياها ، مبيِّناً مواطن القصور فيها للوصول إلى المفهوم الاصطلاحي الذي أرتضيه :
- يعرِّفُ الدكتور محمد سمير اللبدي مصطلح نزع الخافض بأنه : " حذفُ حرف الجر من الاسم مما يترتب عليه نصبُ الاسم الذي نزع منه حرفُ الجر"(2) .
ويكمُنُ قصورُ هذا التعريف في الأمور الآتية :
تخصيصِه نزعَ الخافض بحذف حرف الجر ، أي أنه قصَرَه على أحد عاملي الجر .
تخصيصِه نزعَ الخافض بصورة انتصاب الاسم بعد نزع الحرف .
عدمِ الإشارة إلي عامل النصب في الصورة المذكورة ، ولا إلى الغرض من النزع .
ويرى طاهر يوسف الخطيب أن نزع الخافض يكون " عندما يحذف حرفُ الجر ويأتي الاسمُ بعده منصوباً يسمى منصوباً على نزع الخافض "(3) .
ولا يختلف ما قاله الخطيبُ عما قاله اللبدي ، لذا يأتي عليه ما سبق في تعريف اللبدي .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 1/419 ، والإيضاح في شرح المفصل : 1/400 ، وشرح الكافية : 2/67 ،وشرح التصريح: 2/24 وهمع الهوامع : 2/421 .
(2) معجم المصطلحات النحوية والصرفية : 222 .
(3) المعجم المفصل في الإعراب : 445 .(1/10)
وكذلك كان صنيعُ أكثر النحويين الذين وقفت على كلامهم ، فقد كانوا يخصُّون نزعَ الخافض بحذف حرف الجر من غير أن يُدخِلوا فيه حذفَ المضاف ، من ذلك قول السجاعي ( ت : 1197هـ ) : "ولفظ ( جراً ونصباً ) في كلامه منصوبان على الظرفية ، والمعنى : ويعربان ( أي : المثني وجمع الذكر السالم ) بالياء وقت جرٍّ ، فحُذِف المضافُ وأُقيمَ المضافُ إليه مُقامَه ، كقولك : جئتك العصر لا على نزع الخافض"(1) .
نعم ، وجدت للتهانوي ( ت : 1158هـ ) مقولةً يُلمِحُ فيها إلى أنَّ حذفَ المضاف من جملة ما يمكن أن يُطلَقَ عليه نزعُ الخافض ، وذلك قوله في الظرف : " إلا أن يقال : إنه منصوب بنزع الخافض نحو : أتيتك خفوقَ النجم ، أي : وقتَ خفوقِ النجم "(2) .
وكذلك جرى مصطلح نزع الخافض عندهم على صورة انتصاب الاسم بعد نزع حرف الجر ، ولم يطلقوه على صورة إبقاء الاسم مجروراً بعد نزع الخافض ، ولذلك جعلوه من الأمور التي يُعدَّى بها الفعلُ القاصر(3) ، يقول المبرد (ت : 285 هـ ) : " اعلم أنك إذا حذفتَ حروفَ الإضافة ( أي حروف الجر ) من المقسم به نصبته لأن الفعل يصل فيعمل ، فتقول : اللهَ لأفعلن ، لأنك أردت : أحلف اللهَ لأفعلن ، وكذلك كلُّ خافض في موضع نصب إذا حذفته ووصل الفعلُ فعمل في ما بعده "(4) ، ويقول الحيدرة اليمني ( ت : 599هـ ) : " وهذا أصل مستمر في كل مجرور سقط منه الجار ، فإنه ينصب ويتعدى إليه الفعل بنفسه "(5).
__________
(1) حاشية السجاعي : 149 .
(2) كشاف اصطلاحات الفنون : 3/120 .
(3) ينظر : مغني اللبيب : 861 ، وشرح الأشموني : 2/97 .
(4) المقتضب : 2/321 .
(5) كشف المشكل : 1/449 - 450 .(1/11)
فإن توسَّع بعضُهم في مدلول هذا المصطلح ، أدخل فيه بعضَ صُورِ نصب الاسم بعد حذف حرف الجر في غير صورة وقوع الفعل عليه ، كالنصب على المفعول لأجله ، والمفعول فيه ، يقول عبد القاهر ( ت : 471هـ ) في المفعول لأجله: " كان الأصل أن تأتي باللام فتقول : جئتك لإكرامٍ لك ثم تُرِك ، لأن الحال تدلُّ عليه ، فلما حُذِفَ نُصِبَ ما بعده كما يكون ذلك في جميع ما يحذف فيه حرف الجر ، كقولك : ما رِمْتُ مكان كذا ، وزيدٌ لا يريم مكانه ، والأصل : لا يريم من مكانه ، كما تقول لا يزول من مكانه "(1).
مما سبق يتَّضحُ أنهم وقفوا بمصطلح نزع الخافض عند حدِّ حذف حرف الجر ، واقتصروا على صورة النصب بعد حذفه ، والذي تقتضيه دلالةُ المصطلح أن يكون جامعاً جميع أجزائه ومباحثه مانعاً من دخول غيرها فيه ؛ لذلك يرى الباحث أن مصطلح نزع الخافض يشمل حذف حرف الجر والمضاف ، لأن كليهما عاملٌ للخفض فإذا حذف الخافض فإما أن يصل العاملُ الذي هو قبْل الخافض إلى الاسم المجرور فيؤثِّرُ فيه بما يقتضيه عمله ، وإما أن يبقى الاسمُ مجروراً ، وكل ذلك مرتبطٌ بغرضٍ يقصده المتكلم .
الألفاظ الدالَّة على مفهوم نزع الخافض
لم يستخدمِ النحويون نزعَ الخافض وحده للدلالة على مفهوم هذا المصطلح ، وإنما استخدموا عباراتٍ متعددةً قاصدين بها ما يُقصد بمصطلح نزع الخافض ، أو بعضِ ما يدلُّ عليه ، فمن ذلك :
1- حذف الخافض أو إسقاط الخافض ، أو سقوط الخافض ، ومشتقاتها :
يكثر استعمال الحذف والإسقاط في مقام تحليل التغيير الحاصل في تركيب الأمثلة التي ينزع فيها حرفُ الجر خاصةً ، فإذا كان الخافضُ هو المضافَ نُصَّ عليه ، فقيل : حُذِفَ المضافُ .
__________
(1) المقتصد : 1/666 . وينظر : شرح الكافية : 2/26-27 .(1/12)
ولما كان الحذف هو الطرح والإسقاط والقطع(1) ، كان استعمال الحذف تارة والإسقاط تارة مقصوداً بهما معانيهما المعجمية ، لا بقصد التفريق بينهما في دلالة المصطلح ، كما هو الشأن في الحذف والإضمار وسيأتي .
فمن التعبير بالإسقاط والسقوط قول ابن هشام ( ت : 761هـ ) : " إن إسقاط الخافض ليس بقياس"(2) وقوله أيضاً : " إن سقوط الخافض لا يقتضي النصب من حيث هو سقوط خافض "(3) .
ويقول ياسين ( ت : 1061هـ ) : " قد يحذف حرف الجر فيصل إليه الفعلُ بنفسه توسعاً ، وهو الذي يسمَّى منصوباً على إسقاط الخافض "(4).
أما التعبير بحذف الخافض فلا يحصى كثرةً ، من ذلك قول مكِّيٍّ ( ت : 437هـ ) في قوله تعالى : { ما كذب الفؤادُ ما رأى } (5): من خفَّف ( كذب ) جعل ( ما ) في موضع نصبٍ على حذف الخافض"(6).
وقوله أيضاً في قوله تعالى : { حملتْه أمُّه وهناً على وهنٍ } (7) " ( وهناً ) على حذف الخافض ، تقديره: حملته أمه بوهنٍ "(8) .
أنزعُ الخافض أم حذفُ الخافض ؟
إذا كان استعمالُ لفظِ الحذف ومشتقاتِه ، قد كثُر جداً في كلامهم ، فلمَ لا يقتصر عليه بدلاً من نزع الخافض ؟
والجواب أن المختار للتعبير عن دلالة هذا المصطلح هو نزع الخافض لا حذف الخافض لأمرين اثنين :
__________
(1) ينظر : لسان العرب ( حذف ) ، وكشاف اصطلاحات الفنون : 1/425 .
(2) المسائل السفرية : 21 .
(3) المرجع السابق . وينظر : الأشباه والنظائر : 6/146 .
(4) حاشية ياسين على شرح التصريح : 1/ 310 . وينظر : حاشية ياسين على الألفية : 1/233 .
(5) النجم : 11 .
(6) مشكل إعراب القرآن : 2/ 692 .
(7) لقمان : 14 .
(8) مشكل إعراب القرآن : 2/ 565 .(1/13)
أولهما : أن بين حرفِ الجر ومجرورِه ، والمضافِ والمضافِ إليه من شدة الاتصال والتلازم ما ليس بين غيرهما(1) ، فنزع الخافض ليس بالسهل بحيث لو أطلق عليه لفظ الحذف ربما تجرَّدَ من دلالة شدة الاتصال التي بين الخافض والمخفوض ؛لأن الحذف " إسقاط جزء الكلام أو كلِّه لدليل "(2) ، والنزعََ إسقاط بشدة َ كما تقدم(3)، لذلك كانت دلالةُ النزع أدقَّ في التعبير من الحذف .
آخرهما : أنَّ استعمالَهم حذفَ الجار أو حذفَ المضاف ، يرِدُ في معرض تحليل التغيير الحاصل في تركيب الأمثلة قاصدين بهما مفهومَهما اللغوي ، كما في صور الحذوف الأخرى ، كحذف الفاعل وحذف المفعول ، وحذف المبتدأ لا على سبيل العرف الاصطلاحي كما هو شأن نزع الخافض الذي صار مصطلحاً شائعاً بعد سيبويه الذي عبَّر عنه تعبيراً غير صريح(4) .
ومع هذا لا مانع – في إطار تحليل التركيب – أن نعبِّر بالحذف ، كقولنا : حُذف حرفُ الجر ، أو حُذف المضاف قاصدين المفهوم اللغوي ولاسيما أنَّ الحذف غيرُ مناقضٍٍ للنزع ، بل هو أعم منه واستعمال العام مراداً به الخاص بدلالة القرائن ، كثيرٌ مشهورٌ " أما المحظورُ فهو الخلطُ بين مصطلحات الظواهر المختلفة "(5) .
2- إضمار الخافض :
يقول الفارسي ( ت : 377هـ ) : " وقد يحذف حرفُ الجر ، فيصل الفعلُ إلى الاسم المحلوف به وذلك نحو: اللهَ لأفعلنَّ ، وربما أُضمِر حرفُ الجر ، فقيل : اللهِ لأفعلنَّ "(6) .
ويقول ابن الخباز ( ت : 639هـ ) : والجر بعد الحذف ( أي حذف المضاف ) ضعيفٌ لأن حرف
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 2/164 ، 3/502 ، وشرح المفصل : 3/19- 20 ، 23 ، وشرح الأشموني : 2/236 275- 280 .
(2) البرهان في علوم القرآن : 3/115 . وينظر : ظاهرة الاستغناء : 33.
(3) ينظر : هذا البحث : 1 .
(4) ينظر : كتاب سيبويه 1/38 - 39 ، والمصطلح النحوي : 148.
(5) ظاهرة النيابة : 44.
(6) الإيضاح : 210 .(1/14)
الجر أقوى من المضاف ، وإضمارَه ضعيفٌ "(1) .
بالنظر في المقولتين السابقتين يتبيَّنُ أن الفارسيَّ ألمح إلى الفرق بين الحذف والإضمار ، في حين لم يفرق ابن الخباز بينهما ، فهل هما بمعنىً واحدٍ ، أو أن ثمة فرقاً بينهما ؟
فإن لم يكن بينهما فرقٌ فظهَر أن استعمالَ نزع الخافض أولى من استعمال إضمار الخافض ؛ لما سبق في حذف الخافض ، وإن كان بينهما فرقٌ ، فما هو ؟ وما الأولى بالاستعمال للدلالة على موضوع البحث أإضمارُ الخافض ، أم نزع الخافض؟ .
يستعمل أكثرُ النحويين حذفَ الخافض وإضمارَه بمعنىً واحدٍ في كثير من كلامهم ، يقول سيبويه ( ت: 180هـ ) : " وسألته عن قوله : على كم جذعٍ بيتك مبنيٌّ ؟ فقال :القياسُ النصبُ ، وهو قول عامة الناس ، فأما الذين جرُّوا ، فإنهم أرادوا معنى مِنْ ، ولكنهم حذفوها هاهنا تخفيفاً على اللسان وصارت على عوضاً منها ...ومثل ذلك : آللهِ لتفعلن ؟ إذا استفهمتَ أضمروا الحرف الذي يجرُّ وحذفوا تخفيفاً على اللسان "(2) .
__________
(1) الغرة المخفية : 1/361 .
(2) كتاب سيبويه : 2/ 160 - 161 .(1/15)
وكما لم يفرق سيبويه هنا بين الحذف والإضمار ، لم يفرق بينهما أيضاً في أبوابٍ نحويةٍ أخرى كحذف الفعل في باب الإغراء والتحذير(1) ، وكذلك صَنَعَ أكثرُ النحويين بعده(2)، ولذلك قال أبو حيان ( ت:745 هـ ) : " وهو موجود في اصطلاح النحويين ، أعني أن يسمى الحذفُ إضماراً "(3) ، وقال الشهاب ( ت : 1069هـ ) : " وقد يستعمل كلٌّ منهما بمعنى الآخر كما يعلم بالاستقراء "(4) ومردُّ ذلك – كما يقول السهيلي ( ت : 581هـ ) - إلى " أن أكثر ألفاظ النحويين محمولةٌ على التجاوز والتسامح لا على الحقيقة لأن مقصدهم التقريبُ على المبتدئين والتعليم للناشئين "(5) .
وأما مذهبُ التفريق بينهما فيظهر بادياً في المقامات الآتية :
في مقام الإبانة عن الحدود النحوية ، فالإضمار ترك الشيء مع بقاء أثره والحذف أعم منه أي : سواءٌ أبقي أثرُه أم لا(6) ، فالتفريق المذكور مرجعه إلى الأثر ، فإن بقي أثرُ العامل فهو إضمار وإلا فهو حذفٌ ، وجعَل بعضُهم مدارَ التفريق بينهما النية(7) ، فما تُرِكَ ذكره من اللفظ وهو مراد بالنية إضمارٌ ، وما ترك ذكرُه في اللفظ والنية حذفٌ .
__________
(1) ينظر : المرجع السابق : 1/273 - 274 .
(2) ينظر جامع البيان : 18/260 ، 20/7 - 8 ، وشرح المفصل : 1/115 ، والإيضاح في شرح المفصل : 1/ 173 وشرح جمل الزجاجي لابن هشام : 83 .
(3) البحر المحيط : 2/86 .
(4) حاشية الشهاب : 1/278 .
(5) نتائج الفكر : 165 .
(6) ينظر البرهان : 30/115 - 116 ، والتعريفات : 46 ، وحاشية الشهاب : 1/ 278 ، والكليات : 384 ، 870 وكشاف اصطلاحات الفنون : 3/110 - 111 ، وظاهرة الاستغناء : 40 .
(7) ينظر الكليات : 384 ، وكشاف اصطلاحات الفنون : 3/111 .(1/16)
وجعل المخزومي ( ت : 1413هـ ) مدار التفريق بينهما تقدُّمَ الذكر(1) ، فإن سقَط اللفظُ بعد أن سبق ذكرُه فهو حذف ، وإن سقط ولم يسبق له ذكر ٌ ، لكن دلَّتِ القرائنُ والمناسبات والملابسات عليه فهو إضمار ، كإضمار الفعل في باب التحذير .
في مقام ما اشتهر التفريق بينهما في بعض الأبواب النحوية ، كباب الفاعل ، فإنهم يقولون : الفاعل يضمر ولا يحذف(2) ، وكباب أنِ الناصبة للفعلِ المضارع ، فتكون مضمرةً جوازاً ووجوباً بعد عددٍ من أحرف العطف والجر بشرطها ، وتكون محذوفة في غير ما تقدم فيرتفع الفعل المضارع بعدها في شواهد معلومة في بابها(3) .
والذي يعنيني من ذلك هنا أنَّ من النحويين من فرق بين الحذف والإضمار عند إسقاط الجار على نحو ما ألمح إليه الفارسي في مقولته السابقِ ذكرُها ، إذ يفهم منها أنَّ إضمار الجار إسقاطه مع بقاء أثره ، وحذفه إسقاطه مع ذهاب أثره .
وأوضح منه قول ابن الحاجب ( ت : 646هـ ) بعد أن ذكر الخلاف في محلِّ أنَّ وأنْ إذا حذف معهما حرف الجر : " يبقى النظر في الأولوية ؛ الحذفُ هو أم الإضمار ، والأولى الحذف(4) لأنه الكثير الشائع ، والإضمار قليل نادر ، فكان حمل هذا الملبس على ما هو كثير في كلامهم أولى من حمله على النادر "(5) .
__________
(1) ينظر : في النحو العربي ، نقد وتوجيه : 223 .
(2) ينظر : نتائج الفكر : 165 ، والرد على النحاة : 83 ، وظاهرة الحذف : 18 .
(3) ينظر : أمالي ابن الشجري : 1/122 - 124 ، 327 ، 329 ، وشرح الكافية: 4/81 - 82 ، ومغني اللبيب : 528 ، والمساعد : 1/179 .
(4) يريد أن محلهما النصبُ بعد نزع الجار ، وليس الجرَّ ؛ لأن القول بالجر يلزم منه إبقاء أثر الجار بعد حذفه وهو الإضمار .
(5) الإيضاح في شرح المفصل : 2/160 .(1/17)
وأوضح من ذلك كله قول الشهاب الخفاجي محشياً على كلام البيضاوي ( ت : 691هـ ) في إضمار حرف القسم وإبقاء عمله في نحو : اللهِ لأفعلنَّ : " وعبَّر بالإضمار دون الحذف لأنهم فرقوا بينهما بأن الإضمار الحذفُ مع بقاء الأثر لأنه يشعر بوجود مقدر له ، والحذف أعم منه "(1) .
فإذا ثبت التفريق بين الحذف والإضمار في ما يخصُّ حرف الجر ، وأنَّ الإضمار هو إسقاط الخافض مع بقاء أثره ، فأيُّ المصطلحين أصلح للدلالة على موضوع البحث ألنزعُ أم الإضمار ؟
يميل الباحثُ إلى أنَّ مصطلح الإضمار لا يصلح إطلاقُه على موضوع البحث لأوجه :
أن مصطلح الإضمار مختص بباب مشهور في النحو العربي ، وهو باب الضمير(2) ، ففي إطلاقه مصطلحاًُ على موضوع البحث تعدُّدٌ لدلالة المصطلح الواحد على مباحثَ مختلفةٍ .
أنه إن قصد به حذف الجار بدلالة السياق ، فإنه يكثر في استعمالهم تخصيصه ببقاء أثر الجار بعد حذفه ، ونزع الخافض أعم من أن يحذف الجار ويبقى أثرُه .
أن النزع أدلُّ على إسقاط الجار من الإضمار ؛ لأن الإضمار هو الإخفاء والستر(3) ، والنزعُ أخذٌ شديدٌ ، فناسب إطلاقه على إسقاط الجار لما بين الجار والمجرور من شدة الاتصال .
3- فقدان الخافض ، أو فقد الخافض :
عبَّر بهذا المصطلح جماعةٌ من متقدمي النحويين ،مفسرين به انتصاب الاسم بعد نزع حرف الجر فيُحكى عن الفراء (ت : 207 هـ ) أنه قال : " خرجت إلى البصرة في طلب العربية فجلست في حلقة يونس ، فجاءه رجلٌ ، فسأله عن قوله(4) :
__________
(1) حاشية الشهاب : 278 .
(2) ينظر : كتاب سيبويه : 2/6 ، والمقتضب 1/264 .
(3) ينظر : نتائج الفكر : 165 ، ولسان العرب ( ضمر ) ، وشرح التصريح : 1/95 ، وظاهرة الاستغناء : 40 .
(4) البيت لحذيفة بن أنس بن الواقعة الهذلي في : شرح ديوان الهذليين : 2/558 ، وبلا نسبة في : المعاني الكبير : 2/972 ، ورصف المباني : 86 ، وتذكرة النحاة : 526 .(1/18)
ولم ينجُ إلا جفنَ سيفٍ ومئزرا ... نجا سالم ٌ، والموتُ منه بشدقه
بم نصب؟ فقال يونس : بفقدان الخافض ، أراد :بجفن سيفٍ وبمئزرٍ "(1) .
ويقول الفراء في أنْ " إذا فقَدتِ الخافضَ كانت نصباً "(2) ويقول أيضاً : " وقد فسرنا ، أنه نصب إذا فُقد الخافض "(3) ويُكثر الطبري ( ت : 310هـ ) في تفسيره من استعمال هذا اللفظ(4) ، وممن استعمله أيضاً الزجاجي ( ت : 337هـ ) يقول في قول الشاعر(5) :
ربَّ العبادِ إليه الوجهُ والعمل ُ ... أستغفرُ اللهَ ذنباً لستُ محصيَه
" قال بعضهم : نُصِبَ ( ذنباً ) بفقدان الخافض "(6) .
هذا مما وقفت عليه في كلامهم في استعمال هذا اللفظ ، واستعمالُ نزع الخافض - في نظر الباحث - أولى من فقد الخافض أو فقدان الخافض لأمرين :
أن استعمال فقدان الخافض أو فقده ، لم يشتهر اشتهار نزع الخافض ، فكان الثاني أحق بالاستعمال لشهرته .
أن مدلول فقدان الخافض أو فقده يقرب من مدلول الحذف والإسقاط ؛ لأن الفقد هو " عدم الشيء بعد وجوده "(7) ، والحذفَ هو " القطع من الشيء "(8) ومدلول مصطلح الحذف أعم من مدلول مصطلح النزع - كما تقدم بيانه - فكان النزع أولى ، لأن تقديم ما دلالتُه على المقصود أخصُّ أولى مما دلالتُه واردةٌ على سبيل العموم .
4- الحذف والإيصال ، أو الحذف والوصل :
__________
(1) تذكرة النحاة : 526 .
(2) معاني القرآن : 1/261 .
(3) المرجع السابق : 2/238 .
(4) ينظر : جامع البيان : 2/519 ، 4/599 ، 17/101 ، 116 .
(5) البيت بلا نسبة في : كتاب سيبويه : 1/37 ، ومعاني القرآن للفراء : 2/314 ، وأدب الكاتب : 347 ، والمقتضب : 2/321 ، والأصول في النحو : 1/178 ، وشرح أبيات سيبويه : 1/179 ، وتحصيل عين الذهب : 67 ، والاقتضاب: 2/762 ، وشرح الفصل : 7/63 ، 8/51 .
(6) الإيضاح في علل النحو : 139 . وينظر : الإفصاح : 242 - 243 .
(7) الكليات : 694 .
(8) نتائج الفكر : 165 .(1/19)
يقول التهانوي : "الحذف والإيصال عند أهل العربية عبارة عن حذف الجار وإيصال الفعل أو شبهه إلى المجرور"(1).
على الرغم من وضوح هذا التعريف تبقى أسئلة تحتاج إلى إجابةٍ أوضح فما المقصود بالجار ؟ أحرفُ الجر والمضافُ ؟ وما المقصود بإيصال الفعل أو شبهه إلى المجرور ، أيقصد به إيصال أثر العامل إلى المجرور بحرف الجر فينصب ، وإلى المضاف إليه فيعرب بإعراب المضاف ، أم يقصد به تركُ الفصلِ بالجار ؟
المعروف في استعمال النحويين إيرادُ مشتقات هذا المصطلح في ما يحذف منه حرف الجر خاصة وينتصب الاسم بعد حذفه بالفعل أو ما يشبهه ، يقول سيبويه في قول الشاعر(2) :
ولأُقبِلَنَّ الخيلَ لابةَ ضرغدِِ ... فلأبغينَّكم قَناً وعُوارِضاً
" إنما يريد : بقناً وعوارضَ ، ولكنه حذف وأوصل الفعل "(3) .
ويقول المبرد : " فإذا حذفت حروف الجر وصل الفعل فعمل "(4) .
ويقول ابن يعيش ( ت : 643هـ ) : " إلاَّ أنهم قد يحذفون هذه الحروف في بعض الاستعمال تخفيفاً في بعض كلامهم ، فيصل الفعل بنفسه ، فيعمل ، قالوا : من ذلك : اخترت الرجالَ زيداً
واستغفرت الله ذنباً "(5) .
فهم – كما ترى - يخصُّون هذا المصطلح بصورةٍ واحدةٍ من صور نزع الخافض ، وهي صورة نزع حرف الجر وانتصاب الاسم ، فلا مدخل فيه لحذف المضاف ألبتة ، ولا لنزع حرف الجر وإبقاء الاسم مجروراً أو احتمال المحل للنصب والجر .
__________
(1) كشاف اصطلاحات الفنون : 1/436 .
(2) البيت لعامر بن الطفيل في : ديوانه: 55 ، والمفضليات : 363 ، وكتاب سيبويه : 1/163 ، 214 ، والأصمعيات : 216 ، وشرح أبيات سيبويه : 1/168 ، وتحصيل عين الذهب : 129 ، وإيضاح شواهد الإيضاح : 1/215 ، وخزانة الأدب : 3/74 .
(3) كتاب سيبويه : 1/214 .
(4) المقتضب : 2/342 . وينظر : 2/321 ، 4/ 330 -331 .
(5) شرح المفصل : 8/50 . وينظر : شرح الجمل لابن عصفور : 1/327 .(1/20)
لذلك كان مصطفى جواد دقيقاً في بيانه معنى الحذف والإيصال بأنه :" حذف حرف الجر من الجملة الفعلية ، وإيصال الفعل إلى المجرور ليباشر نصبه "(1) فقد حدَّد في قوله هذا الجارَّ المحذوفَ والإيصال المقصودَ .
وعليه يكون مصطلح نزع الخافض أحقٌ بالاختيار من مصطلح الحذف والإيصال لأن الأول جامع لمسائل البحث والحذفُ والإيصال مختص بمسألة واحدة من مسائله وهي نزع حرف الجر وانتصاب الاسم التي تقابلها مسألة نزع حرف الجر وإبقاء عمله التي يُعبَّر عنها بالإضمار .
5- الفصل والوصل :
ألمح سيبويه - بحسب ما فهمتُ من كلامه - إلى هذا المصطلح في باب " الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين ، فإن شئت اقتصرت على المفعول الأول ، وإن شئت تعدى إلى الثاني كما تعدى الأول ، وذلك قولك : أعطى عبد الله زيداً درهماً ، ... ومن ذلك : اخترت الرجالَ عبد الله "(2) يقول : "وإنما فُصِلَ هذا أنها أفعال ٌ توصل بحروف الإضافة ، فتقول : اخترت فلاناً من الرجال ، وسميته بفلانٍ .... فلما حذفوا حرف الجر عمِلَ الفعلُ "(3) فأنت ترى أنه سمَّى ما يُطلقُ عليه النحويون - بعدُ- الحذفَ والإيصالَ فصلاً ، وسمَّى تعدية الفعل بوساطة حرف الجر وصلا ً ، فالفصل بترك الجار والوصل بذكره ، وهذا يقرب مما جرى عليه البلاغيون في باب الفصل والوصل فالفصل عندهم "ترك عطف بعض الجمل على بعض ، والوصل عطف بعض الجمل على بعض "(4) .
__________
(1) دراسات في فلسفة النحو والصرف : 36 .
(2) كتاب سيبويه : 1/37 .
(3) المرجع السابق : 1/37 – 38 .
(4) الإيضاح في علوم البلاغة : 151 .(1/21)
هذا مبلغ فهمي القاصر من ظاهر كلام سيبويه ، أرجو أن يكون صواباً ، وذلك أن شراح الكتاب الذين وقفت على كلامهم فسَّروا مقولة سيبويه السابقة الذكر تفسيراً مغايراً لما فهمتُ ، خلاصتُه(1) أن باب اختار الذي يتعدى إلى مفعوله الأول بنفسه ، وإلى الثاني بوساطة حرف الجر مفصولٌ من باب أعطى الذي يتعد إلى مفعولين بنفسه .
وأيًّا ما كان الأمرُ ، فإنَّ الفصل والوصل بالتفسير المتقدم غَيرُ مُوعِِبٍ مسائلَ البحث ولا مانعٍ من إدخالِ غيرِها فيه .
أما كونه غيرَ موعب فلأنَّ الفصل غايةُ ما فيه أن يدلَّ على ما دلَّ عليه الحذفُ والإيصال وقد تقدم ما فيه قريباً .
وأما كونه غيرَ مانعٍ فلأن الوصل مُدخِلٌ مبحثَ التعدي بالحرف ، وهو ليس من صميم البحث وإن كان هو الأصلَ الذي تفرَّع عنه نزعُ حرف الجر .
6- الإلغاء :
قال الطبري في قوله تعالى : { فأين تذهبون } (2) : " يقول تعالى ذكره : فأين تذهبون عن هذا القرآن ... وقيل : { فأين تذهبون } ولم يقل : فإلى أين تذهبون ، كما يقال : ذهبت الشام ، وذهبت السوق وحُكِيَ عن العرب سماعاً : انطلق به الغورَ ، على معنى إلغاءِ الصفة(3) ... واستجيز إلغاء الصفة في ذلك للاستعمال(4) "(5) .
__________
(1) ينظر : شرح كتاب سيبويه : 2/306 ، وشرح عيون كتاب سيبويه : 43 ، والنكت للأعلم : 1/171 .
(2) التكوير :26 .
(3) يريد بالصفة حرف الجر وهو مصطلح كوفي . ينظر : الأصول في النحو : 1/204 ، والاقتضاب : 1/359 وائتلاف النصرة : 159 .
(4) ** كذا ، ولعلَّ الصواب : لكثرة الاستعمال .
(5) جامع البيان 24/262 – 263 .(1/22)
أورد الطبري هذا اللفظ في موضع نزع حرف الجر وانتصاب الاسم ، فإن أراد بالإلغاء ما اصطُلِحَ عليه في باب ظن وهو إبطال العمل لفظاً ومحلاً(1) ، كان مدلول هذا المصطلح في هذا المقام إحدى صور نزع الخافض ، فيكون – إذن – مصطلحاً قاصراً عن أن يشمل مباحث نزع الخافض ، وغاية ما فيه أن يدل على ما دلَّ عليه الحذف والإيصال وفيه ما قد تقدم ، وأغلب الظن أنه أراد دلالة هذا اللفظ المعجمية وهي الترك والإهمال .
7- الاتساع أو التوسع :
الاتساع عند البلاغيين(2) أن يفسح المجال في تأويل معنى بيتٍ - مثلاً - على قدر قوى الناظر فيه وبحسب ما تحتمله ألفاظه .
هذا التعريف على سعته أكثر تحديداً من معنى الاتساع عند النحويين ، فكلُّ صنوفِ التغيير في أصل التركيب من حذفٍ ، وزيادةٍ ، وتقديم وتأخيرٍ ، وحملٍ على المعنى ، هي اتساع نحوي ، يقول ابن جني ( ت : 392هـ ) : " وكيف تصرفتِ الحال ُ فالاتساع فاشٍ في جميع أجناس شجاعة العربية "(3) وذلك لأنَّ " من شأن العرب التوسعَ في كل شيءٍ"(4)فما يأتي على خلاف الأصل قيل فيه : هو على سعة الكلام ، أو لاتساعهم فيه(5) .
__________
(1) ينظر : شرح الفصل : 7/86 ، وشرح الكافية: 4/155 ، وشرح الأشموني : 2/26 .
(2) ينظر : تحرير التحبير : 454 ، وكشاف اصطلاحات الفنون : 4/328 .
(3) الخصائص : 2/447 .
(4) المحلى : 20 .
(5) ينظر : كتاب سيبويه : 1/211 ، 222 ، 230 ، 336 ، وشرح كتاب سيبويه : 2/272 ، والإفصاح : 266 وشرح المفصل : 1/73 .(1/23)
وقد كثر حديث النحويين(1) في الاتساع في باب الظرف إذا أريد له أن يكون مفعولاً به على طريق المجاز ، فيسوغ حينئذٍ إضماره غير مقرونٍ بفي ، نحو : اليومَ سرتُه فذكروا حدَّه ، وشروطَه وفائدته ، وطُرَقَ الكشف عنه ، وللسيوطي ( ت : 911هـ ) عنايةٌ خاصةٌ به(2) .
والذي يعنيني من كل ذلك أنَّ من النحويين من عدَّ نزعَ المضاف وإقامة المضاف إليه مُقامه من الحذف المخصوص باسم الاتساع يقول ابن السراج ( ت : 316هـ ) : " اعلم أن الاتساع ضرب من الحذف ، إلا أن الفرق بين هذا الباب والباب الذي قبله ( أي : باب المضمر المتروك إظهاره ، نحو : إياك الأسد ) أن هذا تقيمه مُقام المحذوف ، وتعربه بإعرابه وذلك الباب تحذفُ العامل فيه وتدعُ ما عمل فيه على حاله في الإعراب ، وهذا البابُ العاملُ فيه بحاله ، وإنما أقيم فيه المضاف إليه مُقام المضاف ، أو تجعل الظرف يقوم مقام الاسم .
فأما الاتساع في إقامة المضاف إليه مقام المضاف فنحو قوله : { واسأل القرية } (3) تريد : أهل القرية وقول العرب : بنو فلانٍ يطؤهم الطريقُ ، يريدون :أهل الطريق ... وأما اتساعهم في الظروف فنحو: صيد عليه يومان ، إنما المعنى : صيد عليه الوحشُ في يومين ، وولد له ستون عاماً والتأويل : وُلد له الولدُ في ستين عاماً "(4) .
__________
(1) ينظر : المقتصد : 1/647 ، وشرح جمل الزجاجي لابن خروف : 1/357 وشرح المفصل : 2/45 - 46 والمساعد : 1/537 - 538 .
(2) ينظر : الأشباه والنظائر : 1/29 - 39 ، والمطالع السعيدة : 331 – 333 ، وهمع الهوامع : 2/123 - 125 .
(3) يوسف : 82 .
(4) الأصول في النحو : 2/255 - 256 .(1/24)
إن ابن السراج هنا يفرق بين الحذف والاتساع ، بأن الحذف إسقاط من غير إحلال ، والاتساع إسقاط مع إحلال ، فيأخذ المحتل الحكم الإعرابي للمحذوف ، فيُنسب إليه الحكم المعنوي الذي كان منسوباً إلى المحذوف ، وفي ذلك نسبة شيءٍ إلى غير ما هو له في الأصل ، وهذا ضربٌ من المجاز ، عبَّر عنه ابن السراج بالاتساع . يقول الرضي ( ت : 686هـ) : " وأما قولهم : سير فرسخان ، وصيد يومُ كذا فمجازٌ قليل "(1) .
فإذا تقرر ذلك ، فإن الاتساع لا يصلح مصطلحاً بديلاً عن نزع الخافض لسببين :
أن الاتساع - بمعنى صنوف التغيير في أصل التركيب - أوسع نطاقاً من الحذف نفسه الذي نزع الخافض جزء منه .
أن الاتساع - بمعنى التجوز في النسبة - إن صدق في نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، فلا يصدق في نزع المضاف وإبقاء المضاف إليه مجروراً ، ولا في نزع حرف الجر مطلقاً .
شروط نزع الخافض
نزع الخافض نوع من الحذف مخصوص ، فالبحث فيه يقود إلى الحديث في ضوابط هذا النوع من الحذف ببيان دواعيه وأغراضه ، وموانعه ، ودواعي تقدير المحذوف ، وضوابطَ أخرى لا عذر للباحث في تركها .
ولما كان نزعُ الخافض نوعاً من الحذف ، والحذفُ خلافُ الأصل ، كان لزاماً الحديثُ في تحقق شرطه قبل البحث في ما سواه .
يذكر النحويون للحذف - عموماً - شروطاً كثيرةً(2) ، سيقتصر البحثُ على ما يختص بنزع الخافض منها ، مقراً بعضَها ، ورادًّا بعضَها الآخر ، بعد المناقشة لها ، وهاك بيانها :
1- الدليل أو القرنية :
__________
(1) شرح الكافية: 1/266.
(2) ينظر : البسيط : 2/617 ، ومغني اللبيب : 786 - 797 ، والبرهان : 3/127 - 130 .(1/25)
الدليل على المحذوف أهم شروط الحذف ، فلا حذف إلا بدليل ، وهو شرط معتد به في جميع الحذوف ، يقول ابن السراج : " اعلم أن جميع ما يحذف فإنهم لا يحذفون شيئاً إلا وفي ما أبقوا دليلٌ على ما ألقوا "(1) ويقول الرضي : " اعلم انه لابدَّ في الواجب الحذف والجائزه من القرينة "(2) .
وإنما كان تحقق الدليل على المحذوف شرطاً مجمعاً عليه ، لأن في تقدير ما لا دليل عليه " ضربٌ من تكليف علم الغيب في معرفته "(3) ولا يؤمن مع تقدير ما لا دليل عليه اللعب بمعاني الكلام لاسيما كلامُ الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم " فغير جائزٍ صرف الكلام عما هو في سياقه إلى غيره إلا بحجةٍ يجب التسليم لها ... فأما الدعاوى فلا تتعذر على أحد "(4) ، فلو قدَّر مقدِّرٌ مضافاً محذوفاً في قوله تعالى: { كُتب عليكم الصيامُ } (5) فقال : التقدير : كتب عليكم معرفة الصيام ، فنُزِع المضافُ وأقيم المضاف إليه مقامه ، لم يلتفت إلى قوله " لأنَّ العرب إنما تحذف من الكلام ما يدل عليه ما يظهر وليس في ظاهر هذا الكلام . على هذا التأويل . دليلٌ على باطنه "(6).
__________
(1) الأصول في النحو : 2/254 . وينظر : شرح عيون الإعراب : 122 .
(2) شرح الكافية: 1/271 .
(3) الخصائص : 2/360 . وينظر : البحر المحيط : 7/24 .
(4) جامع البيان : 9/389 . وينظر : 11/12 ، 55 .
(5) البقرة : 183 .
(6) تأويل مشكل القرآن : 219 . وينظر : أمالي المرتضى : 2/48 ، وبدائع الفوائد : 3/534 – 535 .(1/26)
ومع هذا ، ينبغي أن يقيَّد قولُ السهيلي : " كل ما ذكروه عندي من حذف حرف العطف لا يصح ولا يقوم عليه دليل من قياس ولا سماع ، لأن الحروف لو أضمرت لم يبق ما ينبئ عن معانيها ، ألا ترى أنَّ ( أنَّ ) وأخواتها ، وحروف المجازاة ، وحروف الجر ، وحروف النفي ، والاستفهام ، لو أضمر شيء من ذلك لاحتاج المخاطَبُ إلى وحي يطلعه على ضمير المتكلم وأنه أرادها ونواها "(1) ينبغي أن يقيد قوله هذا بأنَّ ذلك لو كان لغير دليل من سياق الكلام ، ولا من مقتضى الحال ، أما مع الدليل فلا يمتنع الحذف ؛ لذا قال ابن مالك ( ت : 671هـ ) في تقدير حرف الجر في نحو : في الدار زيدٌ ، والحجرةِ عمرٌو ، أي : وفي الحجرةِ عمرٌو : " هذا أقرب من عطفٍ على عاملين ، إذ ليس في هذا التوجيه ما يستبعد إلا حذف حرف الجر ، وبقاء عمله ، ومثلُ هذا لوجود ما يدل على المحذوف جائزٌ بالإجماع "(2) .
والدليل على المحذوف إما مقالي وإما حالي :
فمثال ما نزع منه حرف الجر ودليله مقالي قولهم(3) : امرر بأيُّهم أفضلُ ، إنْ زيدٍ ، وإنْ عمرٍو أي : إن مررت بزيدٍ وإن مررت بعمرٍو ، فبقاءُ الاسم مجروراً بعد نزع الجار دليلٌ مقالي على وجوب تقدير الجار ، لأن الدلالة المقالية " قد تحصل من إعراب اللفظ "(4) وتعيَّنَ كون المحذوف الباء بدلالة السياق .
__________
(1) أمالي السهيلي : 102 .
(2) شرح الكافية الشافية : 3/1241- 1242 .
(3) ينظر : كتاب سيبويه : 1/262- 263 ، وشرح الكافية : 2/177 ، وشرح الأشموني : 2/235 .
(4) البرهان : 3/127 .(1/27)
ومثال ما نزع منه المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ودليلُه حاليٌّ قوله تعالى : { وأشربوا في قلوبهم العجلَ } (1) والتقدير: حُبَّ العجل(2) ، " لأن الماء لا يقال منه : أشرب فلانٌ في قلبه ، وإنما يقال ذلك في حب الشيء ، فيقال منه :أُشرب قلبُ فلانٍ حُبَّ كذا... ولكنه ترك ذكر ( الحب ) اكتفاء بفهم السامع لمعنى الكلام ، إذ كان معلوماً أن العجل لا يُشرِبُ القلبَ، وأنَّ الذي يُشرِبُ القلبَ منه حبُّه "(3) .
فتقدير المضاف في الآية دلَّ عليه النظر في المعنى وهو من دلالة الحال على المحذوف ، يقول ابن جني : " وربما حذفت المضاف بعد المضاف مكرراً ،أنساً بالحال ودلالة على موضوع الكلام كقوله عز وجل : { فقبضتُ قبضةً من أثر الرسول } (4) ، أي : من أثر حافر فرس الرسول "(5).
2- أمن اللبس :
اللبس أن يُفهم غير المراد ، أو أن يفهم المراد وغيره لا بقصد الإبهام(6) ، واللبس محذورٌ في كل تصرفٍ من القول أحذفاً كان أم زيادةً ، أم تقديماً أم تأخيراً لأنه منافٍ للإبانة التي هي المقصد من الكلام .
وأمن اللبس في نزع الخافض مرهونٌ بإقامة الدليل على المحذوف ، وتعيُّن المحذوف عند تعدد الاحتمالات ، فلو قام الدليل على أنَّ ثمة حذفاً ، وبقيت الاحتمالات في تقديره تتجاذبه ، كان نزع الخافض عندئذٍ محذوراً.
__________
(1) البقرة : 93 .
(2) ما قرره الطبري في تفسير الآية هو قول قتادة وأبي العالية والربيع بن أنس .
(3) جامع البيان : 2/359 .
(4) طه : 96 .
(5) المحتسب : 1/290 .
(6) ينظر : حاشية ياسين على شرح التصريح : 1/148، 281 .(1/28)
مثال نزع حرف الجر مع تحقيق شرطه ( أمن اللبس ) قولك : عجبتُ أن نجحتَ ، فالدليل على أن ثمة حذفاً قائمٌ ، وهو ما يقتضيه الفعل اللازم ( عجبت ) من التعدي بحرف جر لا ذكر له في السياق واللبسُ مع حذفه مأمونٌ ، لتعين الحرف المحذوف وهو ( من ) ، فلو لم يتعين الحرف المحذوف لما جاز نزعه ، نحو : رغبت أن تسافر ، فإن رغب يتعدى بحرف جر فهذا دليل على أن ثمة حذفاً ، لكنَّ رغب مما يتعدى بعن وبمن ، وتختلف دلالته باختلاف تعديه بهما ولا قرينة تعيِّن أحدَهما ولا كليهما على سبيل الإبهام ، فلا يجوز حينئذٍ نزعُه(1) .
وردَّ على ابن جني جماعةٌ(2) لتقديره مضافاً في نحو : جلست زيداً ، أي جلست جلوس زيدٍ ، لاحتمال أن يكون التقدير: جلست إلى زيدٍ ، فلما لم يتعيَّنِ المقدرُ امتنع الحذفُ .
فإن تعددت احتمالات التقدير بقصد الإجمال ، فلا يمتنع نزع الخافض ، ولكن يقدر الأخف والأحسن والأفصح والأشد موافقةً للغرض ، مثال ذلك في نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه قوله تعالى: { فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركابٍ } (3) فالتقدير : " فما أوجفتم على أخذه أو حيازته ، أو على اغتنامه أو على تحصيله ... فتقدير ( أخذه ) هاهنا أحسن من تقدير ( اغتنامه ) لأنه أخصر ، ومن تقدير (حيازته) لثقل التأنيث الذي في حيازته "(4) .
__________
(1) سيأتي البيان عن ما يشكل في قوله تعالى : { وترغبون أن تنكحوهن } النساء : 127 ، في المبحث الثالث من الفصل الثاني : 230 .
(2) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/259 ، ومغني اللبيب : 225 ، 788 ، وهمع الهوامع : 2/428- 429 ، وحاشية ياسين على التصريح : 2/55 .
(3) الحشر: 6 .
(4) الإشارة إلى الإيجاز : 4 .(1/29)
3- شرَطَ بعضُ النحويين(1) لجواز الحذف ألا يكون العاملُ ضعيفاً ، وبنوا على ذلك ألاَّ يحذف حرف الجر والجازم والناصب إلا في مواضع قَوِيَتْ فيها الدلالة ، وكثر فيها استعمال تلك العوامل .
ومردُّ هذا الشرط - في نظر الباحث - إلى تحقق شرط الحذف الأهم وهو الدليل ولا معنى لقوة العامل أوضعفه في جواز الحذف أو منعه - على فرض التسليم بالقوة والضعف في العوامل - فمهما كان العامل قوياً ، فلا يجوز حذفه حتى يقوم دليله شاهداً عليه ، فكلما وجد الدليل على المحذوف جاز حذفه ، " وكلما قويت الدلالة على المحذوف كان حذفه أسوغ "(2) فليس جوازُ الحذف مشروطاً بقوة العامل ، ولا امتناعُه بضعفه .
وقد نقَدَ طاهر حمودة(3) هذا الشرط لمخالفته لواقع اللغة وأورد أربعةَ مواضعَ نزع فيها حرف الجر وبقي الاسم مجروراً قياساً ومواضع أخرى حكَمَ عليها بالسماع ، وسيأتي ما يقوي هذا النقد في الفصل الثاني بذكر المواضع القياسية التي ينزع فيها حرف الجر وينتصب الاسم ، والمواضع القياسية التي ينزع فيها ويبقى الاسم مجروراً بأكثر مما ذكر حمودة .
4- من الشروط المتعلقة بنزع الخافض : ألا يؤدي الحذفُ إلى اختصار المختصر(4) وهذا يقتضي - عندهم - عدم جواز حذف حروف المعاني ومنها حروف الجر " لأنَّ الحروف إنما دخلت الكلام لضرب من الاختصار ، فلو ذهبت تحذفها ، لكنت مختصراً لها هي أيضاً ، واختصار المختصر إجحاف به "(5) .
وهذا الشرط ينتقض بأمورٍ منها :
__________
(1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور : 1/370 ، ورصف المباني : 92 ، وبدائع الفوائد : 2/284 ، ومغني اللبيب : 794 ، والأشباه والنظائر : 1/89 – 91 ، 2/264 ، 3/251 - 252 .
(2) المحتسب : 1/278 .
(3) ينظر : ظاهرة الحذف : 130- 131 .
(4) ينظر : الخصائص 2/273 ، وشرح المفصل : 8/7 ، ومغني اللبيب : 794 ، ولأشباه والنظائر : 1/79 - 81 .
(5) الخصائص 2/273 .(1/30)
أنه قد عُهِدَ حذفُ حروف المعاني ، ومنها حروفُ الجر والنصبِ والجزمِ وحرفُ النداء ، فلو كان هذا الشرطُ مستقيماً لما جاز حذفُها فضلاً عن أن تحذف قياساً .
فيحذف الجازم قياساً في نحو قوله تعالى : { قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن } (1) أي : ليقولوا(2).
ويحذف الناصب قياساً في نحو قوله تعالى : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } (3) أي : مريداً لأن يعذبهم(4) .
ويحذف حرف الجر قياساً باتفاق في نحو قوله تعالى : { أفتطمعون أن يؤمنوا } (5) أي : في أن يؤمنوا(6).
ب- أن وضع الضمائر في العربية هو على طريقة الاختصار من الأسماء الظاهرة(7) وقد جاء حذفُها وجوباً كحذف ضمير الشأن ، وجوازاً كالعائد المنصوب في جملة الصلة ، فلو كان هذا الشرط معتداً به لما ساغ حذفُ الضمير ، لأن في حذفه اختصاراً للمختصر وذاك إجحاف به .
دواعي نزع الخافض
نعني بالدواعي ، الأسبابَ الداعية إلى نزع حرف الجر أو المضاف ، ومن أهمها ما يأتي :
1- كثرة الاستعمال :
__________
(1) الإسراء : 53 .
(2) ينظر : البحر المحيط : 7/66 ، وشرح الأشموني : 4/4 .
(3) الأنفال : 33 .
(4) ينظر : شرح المفصل : 7/28 - 29 ، وارتشاف الضرب : 2/399 - 401 ، ومغني اللبيب : 278 - 280 .
(5) البقرة : 75 .
(6) ينظر : إعراب القرآن : 1/201 ، والبيان : 1/97 ، والتبيان : 1/79 .
(7) ينظر : الأشباه والنظائر : 1/70 ، والكليات : 60 .(1/31)
أكثرُ الأسباب تفسيراً لظاهرة الحذف كثرةُ الاستعمال(1) ؛ لأنها "تُشعِرُ بالمحذوف إشعاراً كالقرائن الحالية والمقالية "(2) وهي قاعدةٌ مطَّردة في جواز الحذف ، يقول سيبويه : " وما حُذِفَ في الكلام لكثرة الاستعمال كثيرٌ "(3) ، ويقول السهيليُّ : " وما كثُر دورُه في الكلام كثُر فيه الحذفُ والتغييرُ "(4) ، ويقول ابنُ الحاجبِ : " وما قلَّ استعمالُه قُلَّ حذفُه وما كثر استعمالُه قوي حذفُه "(5) ، ويقول الرضي : "والشيءُ إذا كثر وقوعُه في موضعٍ جاز حذفُه تخفيفاً وكأنَّه منطوقٌ به "(6) ، ويقول السيوطي : " كثرةُ الاستعمالِ أُعتُمدتْ في كثيرٍ من أبوابِ العربيةِ "(7) .
ويغلُبُ تفسيرُ نزع الخافض بكثرة الاستعمال إذا كان الخافضُ حرفَ جر وكان الاسمُ بعد نزعه مجروراً .
__________
(1) ينظر : ظاهرة الحذف : 29 .
(2) الأمالي النحوية : 2/143 .
(3) كتاب سيبويه : 2/130 .
(4) أمالي السهيلي : 55 .
(5) الإيضاح في شرح المفصل : 1/381 .
(6) شرح الكافية: 2/43 . وينظر : 2/177 .
(7) الأشباه والنظائر : 2/304 .(1/32)
ونعني بكثرة الاستعمال سبباً لنزع حرف الجر أن يكثر استعمالُ الفعلِ أو ما يشبهُهُ متعدياً بحرف جر مخصوص ، فيُعرَفُ الحرفُ وموضعُ الحذفِ ، ويُحتاجُ معها إلى التخفيف(1) ، فيُنزعُ حينئذٍ حرفُ الجر ، ويبقى الاسمُ على حاله مجروراً - في الغالب - يقول ابن الشجري ( ت : 542هـ ) : " وإنما استجازوا إضمارَ مِنْ بعد كم ، لأنه قد عُرِف موضعُها ، وكثُر استعمالُها فيه ، كما كثر استعمالُ الباء في جواب قولهم : كيف أصبحتَ ؟ فقيل لرؤبةَ ، فقال: خيرٍ ، عافاك الله ، فحذف الباءَ وأعملها وسوَّغ له ذلك ما ذكرتُه من كثرة استعمالها مع هذا اللفظ "(2) ، ويقول ابن عقيل ( ت : 769هـ ) : "قال (أي ابن الضائع ت : 680هـ ) : وحرف الجر لا يُحذَفُ ويبقى عملُه إلا حيث يكثر استعمالُه كحذفه من اسم الله في القسم ، وحذفِ مِنْ في باب كم فلولا كثرة مجيء على خيرٍ ونحوه في جواب كيف ، لم يُحذَفِ الحرفُ"(3) .
وهل كثرةُ الاستعمال سببٌ يُفسَّر به نزع حرف الجر غير القياسي حسبُ أو يمكن أن يُفسَّرَ به النزعُ القياسيُّ وغيرُ القياسيِّ ؟
الذي يؤخذ من تمثيلهم أن كثرة الاستعمالِ سببٌ يمكن أن يفسَّر به كلا النوعين من النزع ، النزعِ القياسيِّ وغيرِ القياسيَّ ، لذا كانت الأمثلةُ المذكورةُ في كلام ابن الشجري وابن الضائع تمثلانِ وجهتي النزع ، فنزعُ حرف الجر مع مميز كم ومع لفظ الجلالة في القسم ، يمثِّلُ وجهةَ النزعِ القياسيَّةِ ، ونزعُ حرف الجر مع خيرٍ في قول رؤبة ، يمثِّلُ وجهةَ النزعِ السماعية .
الترخُّصُ عند أمْنِ اللبسِ :
وهو سبب يمكن أن يفسَّر به العدولُ عن أصلِ وضع الجملةِِ ، سواءٌ أَكان العدولُ بالحذف أم كان بغيره كالفصل ، أو تشويش الرتبةِ بالتقديم والتأخير ، أو التوسعِ في الإعراب(4) .
__________
(1) ينظر : تصحيح الفصيح وشرحه : 169 .
(2) أمالي ابن الشجري : 2/132.
(3) المساعد : 3/203- 204 .
(4) الأصول : 138- 139.(1/33)
ونزع الخافض نوعٌ من الحذف ، والحذف عدولٌ عن أصل الوضع وهو الذكرُ ، فإن أُمِنَ اللبسُ للعلم بالمحذوف ، حتى يكونَ ذكرُه وعدمُه سواءً ، كان الترخُّصُ بنزع الخافض عندئذٍ سبباً للحذف .
فمن الترخُّصِ بنزع حرف الجر عند أمْنِ اللبس قولُ رؤبةَ(1) : خيرٍ ، عافاك الله . لمن قال له : كيف أصبحت ؟
ومن الترخص بنزع المضاف وإقامة المضاف إليه مُقامه عند أمن اللبس ، نزع لفظ ( أهل ) المضاف إلى ( القرية ) لدلالة السياق ووجود مانعٍ يمنع من الحمل على الظاهر ، كقوله تعالى : { واسأل القريةَ التي كنا فيها } (2) وقوله تعالى : { وكم من قريةٍ أهلكناها فجاءها بأسنا بياتأً أو هم قائلون } (3) .
يقول الزمخشري ( ت : 538هـ ) : " وإذا أمنوا الإلباس حذفوا المضاف وأقاموا المضاف إليه مقامه وأعربوه بإعرابه ، والعلَمُ فيه قوله تعالى : { واسأل القرية } لأنه لا يلبس أن المسؤولَ أهلُها ، لا هي ، ولا يقال : رأيت هنداً ، يعنون غلام هندٍ "(4) .
__________
(1) قول رؤبة محكي في : معاني القرآن للفراء : 1/169 ، وشرح الأبيات المشكلة في الإعراب : 63 ، والخصائص : 1/185 ، وسر صناعة الإعراب : 1/132.وله موضع من البحث سيأتي في المبحث الثاني من الفصل الثاني :210 .
(2) يوسف : 82 .
(3) الأعراف : 4 .
(4) شرح المفصل : 3/23 .(1/34)
ومن الترخص بنزع المضاف وإبقاءِ المضاف إليه مجروراً عند أمن اللبس قولهم(1) : ما كلُّ سوداءَ تمرةً ولا بيضاءَ شحمةً ، أي : ولا كلُّ بيضاءَ " فاستغنيت عن تثنية كل ، لذكرك إياه في أول الكلام ولقلة التباسه على المخاطب "(2) .
3- الثِّقَلُ :
ذهب مصطفى جواد(3) إلى أنَّ العربَ كانوا يستثقلون حروف الجر ويكرهونها ويعُدُّون حذفَها من كلامهم ضرباً من الإيجاز البلاغي ، فكان الإكثارُ من استعمال حروف الجر - عنده - تردياً للغة ونكوصاً منها عن البلاغة.
وليس الأمر - في نظر الباحث - على هذا النحو الذي وصفه مصطفى جواد ، وإنما الأمرُ في ما ورد فيه نزعُ حرف الجر جارٍ على عادة العرب في الإيجاز والاختصار طلباً في تقصير الكلام واطِّراحِ فضوله والاستغناء بقليله عن كثيره(4) شأنُه شأنُ سائر الحذوفات ، لا لثقلٍ في حروف الجر ولا لكراهةِ اللفظِ بها .
__________
(1) ينظر هذا المثل في : كتاب سيبويه : 1/66 ، والمسائل البغداديات : 566 ، وشرح المفصل : 3/27 ، والمقرب : 289، وشرح الكافية: 2/284 ، وشرح التصريح : 2/154 ، وذكره الميداني في : مجمع الأمثال 3/275 مَثَلاً قاله عامر بن ذهل لكنه رواه بلفظ : ما كلُّ بيضاء شحمةً ، ولا كلُّ سوداء تمرةً ، ولا شاهد فيه على هذه الرواية .
(2) كتاب سيبويه : 1/66 .
(3) ينظر : دراسات في فلسفة النحو والصرف : 28 ، 33 ، 43 .
(4) ينظر : أمالي المرتضى : 2/309 .(1/35)
أما تعليل سيبويه وغيره من النحويين(1) نزعَ حرف الجر بالاستخفاف ، أو لأجل التخفيف على اللسان فهو نتيجةٌ لكثرة الاستعمال لا لثقل ذات الحروف ، ولا لكراهة اللفظ بها ، ولكنَّ الشيء إذا كثر في كلامهم تخففوا منه بالحذف ولو كان الحذف لمجرد الثقل لكان حذف حروف الجر في كل موضعٍ كثر استعماله فيه أولم يكثر ، قال سيبويه " وليس كل جار يضمر ... ولكنهم قد يضمرونه ويحذفونه في ما كثر من كلامهم ، لأنهم إلى تخفيف ما أكثروا استعماله أحوج"(2) ، ويقول ابنُ السِّيْد ( ت : 521هـ ) : " إذا حذفوا حرفَ الجر مما هو محتاجٌ إليه فذلك لأسبابٍ ثلاثة :
أحدِها : أن يكثُرَ استعمالُ الشيء ، ويُفهمَ الغرضُ منه والمراد ، فيحذف الحرف تخفيفاً "(3) .
فالثِّقلُ الذي يصحُّ أن يكون سبباً لنزع حرف الجر مقيدٌ بما كان نتاجاً عن كثرة الاستعمال فهو - إذن -نتيجةٌ وسببٌ ، نتيجةٌ عن كثرة الاستعمال ، وسببٌ للحذف الناتج هو عن كثرة الاستعمال ، فكثرة الاستعمال سبب السبب ، والثقلُ سببٌ للحذف ، يوضحه الشكل الآتي :
4- الضرورةُ :
إذا نُزع الخافضُ ( حرفُ الجر أو المضافُ ) في غير المواضع القياسية ، فإن كان في الشعر حمل على الضرورة ، وإن كان في النثر حمل على الشذوذ ، فتكون الضرورة سبباً لنزع الخافض غير المقيس في الشعر ، ثم قد يَتوسَّعُ بعضُهم في الحكم بالضرورة والشذوذ على مواضعَ يراها غيرُه قياسيةً ، فكان لابدَّ من بيان المواضع القياسية بضوابطها ، حتى إذا ما ورد في الشعر مخالفاً لها أمكن حمله على الضرورة ، وسلِمَ الحكم بها عليه من الاضطراب ، وهذا ما يحرص البحث على تجليته في الفصلين الآتيين .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 2/ 160 ، 161 ، 163 ، 172 ، والأصول في النحو : 1/171 ، وشرح الأبيات المشكلة الإعراب : 52 وعلل النحو : 322 .
(2) كتاب سيبويه : 2/163 .
(3) الاقتضاب : 1/369 .(1/36)
ومن الضرائر الشعرية في نزع حرف الجر وإبقاء الاسم مجرورًا قول الشاعر(1):
حتى تبذَّخَ فارتقى الأعلام ... وكريمةٍ من آلِ قيسٍ ألِفتُه
والأصل : فارتقى إلى الأعلامِ(2) . قال الزجاجي : " وقد تُحذَفُ إلى في تعجُّلٍ "(3) وذَكَرَ البيتَ .
ومن نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ضرورةً قول الشاعر(4) :
به عَسَمٌ يبتغي أرنباً ... مر سَّعةٌُ بينَ أرْساغِه
والأصل : يبتغي كعبَ أرنبٍ(5) ، ولا يُعرف ذلك إلا من جهة معرفة عقائد الجاهليين(6) .
وفي كون الضرورة سبباً لنزع حرف الجر يقول ابنُ درستويه ( ت : 347هـ ) في نحو : شكرت زيداً معروفَه ، واستغفرت اللهَ ذنباً :" إنما يجوز ذلك إذا كثُر استعمالُ الفعلِ ، وعُرِف معناه ، واحتيج إلى تخفيفه ، أو اضطُرَّ إلى الحذفِ شاعرٌ "(7) ، ويقول ابن السِّيْد : " إذا حذفوا حرف الجر مما هو محتاجٌ إليه فذلك لأسبابٍ ثلاثة :
أحدها : أنْ يكثرَ استعمالُ الشيء . . .
الثاني : أنْ يُحملَ الشيءُ على شيءٍ آخر . . .
الثالث : أنْ يضطرَّ إلى ذلك شاعرٌ "(8) .
__________
(1) البيت بلا نسبة في : حروف المعاني : 82 ، وشرح ابن عقيل : 1/538 ، وشرح الأشموني : 2/234 ، وهمع الهوامع : 2/383 ، والدرر اللوامع : 4/192 .
(2) ينظر : حروف المعاني : 82 ، وشرح ابن عقيل : 1/538 ، وهمع الهوامع : 2/383 .
(3) حروف المعاني: 82 .
(4) البيت لامرئ القيس بن حجر الكندي في : ديوانه : 128 ، والمعاني الكبير : 1/ 211 ، ولسان العرب ( رسع ) و ( عسم ) ، وشرح ابن عقيل 1/216 ، وبلا نسبة في : شرح الأشموني : 1/208 .
(5) ينظر: حاشية الصبان 1/208 .
(6) ينظر: المرجع السابق .
(7) تصحيح الفصيح وشرحه : 169 .
(8) الاقتضاب : 1/369 - 370 .(1/37)
وفي كون الضرورة سبباً لنزع المضاف يقول أبو حيان : " ويجوز حذفُ المضاف إذا كان الكلامُ مشعراً به ، فإن لم يكنْ مشعراً به لم يجُزْ حذفُه إلا في ضرورةٍ "(1) .
أغراض نزع الخافض
نزع الخافض ضرب مخصوص من الحذف ، وشرط الحذف ألاَّ ينافي الغرض العام من وضع الكلام ، وهو حصول الإفادة والإفهام(2) ، فإن وقع الحذفُ موقعه فإنك " ترى تركَ الذكر أفصحَ من الذكر ، والصمتَ عن الإفادة أزيدَ للإفادة ، وتجدُك أنطقَ إذا لم تنطقْ ، وأتمَّ ما تكونُ بياناً إذا لم تُبِنْ"(3) وإنما كان ذلك كذلك لأن " من شأن العرب الإيجازَ والاختصار إذا كان فيما نطقت به الدلالةُ الكافية على ما حذفت وتركت "(4) أما ما لا دلالة عليه فحذفُه منافٍ لغرض الكلام من الإفادة والإفهام(5) ولو لم يكن في الحذف المدلول عليه إلا " تقليلُ الكلام وتقريب معانيه إلى الأفهام "(6) لكان ذلك كافياً في تحقيق عادة العرب من الإيجاز والاختصار ، ولكنَّ للحذف - ومنه نزع الخافض - أغراضاً أخرَ ينبغي التماسُها ، لأنَّ الحذف خلاف الأصل ، ولا يكون الميل عن الأصل إلاَّ لغرضٍ ، وفي ما يأتي بعضُ الأغراض التي تتعلق بنزع الخافض :
1- التخفيف :
__________
(1) ارتشاف الضرب 2/528 . وينظر : تأويل مشكل القرآن : 202 ، وشرح المفصل : 3/23- 25 والمقرب : 289 556 - 559 ، والبحر المحيط : 4/403 ، 8/243 ، والمساعد : 2/363 ، وهمع الهوامع 2/428 .
(2) ينظر الإشارة إلى الإيجاز : 2 .
(3) دلائل الإعجاز : 146 .
(4) جامع البيان : 1/327 . وينظر : الخصائص : 1/83 ، وأمالي المرتضى : 2/309 .
(5) ينظر : الإشارة إلى الإيجاز : 2 .
(6) المرجع السابق .(1/38)
يكثر في كلام النحويين(1) ذكرُ هذا الغرضِ في مقام تعليل الحذف بسبب كثرة الاستعمال ، وقد تقدم أن كثرة الاستعمال سببٌ يُفسَّرُ به نزعُ حرف الجر كثيراً ، فيدلُّ ذلك على أن من أغراض نزع الحرف التخفيفَ عند الشعور بالثقل ، يوضحه الشكل الآتي :
ومردُّ هذا الغرض إلى أمرٍ لفظي ، وهو سرعة انقضاء اللسان من النطق بالكلام يقول سيبويه :" وسألته عن قوله : على كم جذعٍ بيتك مبني ؟ فقال : القياس النصب وهو قول عامة الناس ، فأما الذين جروا فإنهم أرادوا معنى مِنْ ، ولكنهم حذفوها تخفيفاً على اللسان "(2) .
ويقول ابن السراج :" فمتى وجدت فعلاً حقَّه أن يكون غير متعدٍّ بالصفة التي ذكرت لك ، ووجدتَ العرب قد عدته فاعلم أن ذلك اتساع في اللغة ، واستخفاف وأنَّ الأصل فيه أن يكون متعدياً بحرف جر وإنما حذفوه استخفافاً "(3) .
ويقول الوراق ( ت : 381هـ ) : " ومنه ما يحذف استخفافاً لكثرته في كلامهم كقولهم : نصحت زيداً ، وسمَّيتك زيداًُ ، وكَنَيتك أبا عبد الله ؛ لأن هذه الأشياء قد كثرت في كلامهم فاستخفوها ، فحذفوا حرف الجر"(4) .
من هذه النقول يتضح أن التخفيف على اللسان غرضٌ من أغراض نزع حرف الجر سواء أبقي الاسمُ مجروراً أم انتصب بعد نزع الخافض ، وهذا الغرض أظهر ما يكون في ما نزع منه حرف الجر وبقي الاسم مجروراً كما مثَّل له سيبويه وعلَّل . ويذكر ابن يعيش(5) أن حروف الجر قد تحذف في اللفظ اختصاراً واستخفافاً إذا كان في اللفظ ما يدل عليها فتجري لقوة الدلالة عليها مجرى الثابت الملفوظ به وتكون مرادة في المحذوف منه .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 2/160 ، 161 ، 163 ، وشرح المفصل : 8/50 - 52 ، 9/103-105 ، وشرح الكافية: 2/43 ، 177 ، والبرهان : 3/121 ، والأشباه والنظائر :2/304-305 ، والكليات : 384- 385 .
(2) كتاب سيبويه : 2/160 .
(3) الأصول في النحو : 1/171 .
(4) علل النحو : 322 .
(5) ينظر : شرح المفصل : 8/50 - 52 ، 9/103-105 .(1/39)
وكذا يكون هذا الغرضُ ظاهراً في حال نزع المضاف وبقاء المضاف إليه مجروراً كقوله - صلى الله عليه وسلم - - في رواية - في بيان صفة التيمم : ( يكفيكَ الوجهِ والكفينِ )(1) ، أي مسحُ الوجهِ والكفين(2) ، فمهما نزع الخافض - أياً كان - وبقي الاسم على حاله مجروراً فالغرض حينئذٍ التخفيف ، ولذلك قيل : ما حذف للتخفيف كان في حكم المنطوق به(3) ، أما إذا نزع حرف الجر وانتصب الاسم بعده ، أو نزع المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، فإن التخفيف لا يظهر إلا من جهة أن ثمة حذفاً ، وفي الحذف تقليل الكلام غير أن لنزع الخافض هاهنا أغراضاً هي أظهر وأبين من التخفيف كالاختصار والاتساع والمبالغة وستأتي .
2- الإيجاز والاختصار:
يقول العلوي ( ت : 749 هـ ) : " اعلم أن مدار الإيجاز على الحذف ،لأن موضوعه على الاختصار ، وذلك إنما يكون بحذف مالا يُخِلُّ بالمعنى ولا ينقص من البلاغة "(4) ، فهل الإيجاز والاختصار بمعنىً واحدٍ ؟
الأكثرون على أنهما بمعنى واحدٍ(5) وهو أداء المقصود من الكلام بأقلَّ من عبارةٍ متعارفٍ عليها(6) أي أنه يُقْتَصر على ما يدل على المراد مع حذفٍ أو إضمار(7) ، فيُتَحصَّل على المعنى الكثير في اللفظ
__________
(1) الحديث رواه البخاري في صحيحه في كتاب التيمم ، باب التيمم للوجه والكفين برقم : 341 ، والأشهر روايته بالرفع فاعلاً ليكفي ، وبالنصب على تقدير : أن تمسح الوجه . ينظر : فتح الباري : 1/555 – 556 .
(2) ينظر : شواهد التوضيح والتصحيح :200 ، وفتح الباري : 1/556 .
(3) ينظر : الخصائص 1/284- 285 ، وشرح المفصل : 8/52 ، والأشباه والنظائر : 2/324- 325 .
(4) الطراز : 2/92 .
(5) ينظر : موصل الطلاب : 159 ، ومعترك الأقران : 1/295 ، والكليات : 220 .
(6) ينظر : الإيضاح : 179 ، والطراز : 3/316 - 317 .
(7) ينظر : الإشارة إلى الإيجاز : 2 .(1/40)
القليل(1) بنوعي الإيجاز : إيجاز القصر وإيجاز الحذف(2) .
والذي يعنيني من قسمي الإيجاز الإيجازُ بالحذف ، فهو الذي تندرج فيه صورُ نزع الخافض سواءٌ أحرفاً كان الخافضُ أم اسماً مضافاً ، ففي نزع حرف الجر بقصد الإيجاز والاختصار يقول الفارسي : " وإنما تحذفه من اللفظ اختصاراً واستخفافاً ... فمن هذا القسم الحذف في جميع الظروف ( في ) حُذفت اختصاراً "(3).
وفي نزع المضاف بقصد الإيجاز والاختصار يقول سيبويه : " ومما جاء على اتساع الكلام والاختصار ، قوله تعالى جدُّه " { واسأل القرية التي كنا فيها ، والعير التي أقبلنا فيها } (4)إنما يريد : أهل القرية فاختصر ، وعمل الفعل في القرية ، كما كان عاملاً في الأصل لو كان هاهنا ... ومثل ذلك من كلامهم: بنو فلانٍ يطؤهم الطريق ، يريد: يطؤهم أهل الطريق "(5) .
ويقول أيضاً :" هذا باب ما يكون فيه المصدر حيناً لسعة الكلام والاختصار ، وذلك قولك : متى سير عليه ؟ فيقول : مَقْدَمَ الحاج ، وخفوقَ النجم ، وخلافةَ فلانٍ ، وصلاةَ العصر ، فإنما هو : زمنَ مقدمِ الحاج ، وحينَ خفوقِ النجم ،ولكنه على سعة الكلام والاختصار"(6).
3- الاتساع :
__________
(1) ينظر : البرهان 3/120 ، والطراز : 2/88 ، والكليات : 60 .
(2) ينظر : الإيضاح : 184، 187 ، والطراز : 3/317 .
(3) شرح الأبيات المشكلة الإعراب : 52 .
(4) يوسف : 82
(5) كتاب سيبويه : 1/212 ، 213 . وينظر : تأويل مشكل القرآن : 210- 212 ، والأصول في النحو : 1/193 وظاهرة النيابة : 63 .
(6) كتاب سيبويه : 1/222 . وينظر : معاني النحو : 3/138.(1/41)
أظهر ما يكون الاتساع غرضاً لنزع الخافض في صورة نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مُقامه لأنَّ الاتساع ضرب من الحذف على سبيل التجوز يراد منه نسبةُ ما للمحذوف للقائم مَقامه ، وفي نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه نسبة شيءٍ إلى غير مَن هو له " بسبب نقل الكلمة من حكمٍ كان لها إلى حكمٍ ليس بحقيقية فيها "(1) يقول ابن جني : " ألا ترى أنك إذا قلت : بنو فلانٍ يطؤهم الطريق ففيه من السعة إخبارك عما لا يصح وطؤه ، فتقول على هذا : أخذنا على الطريق الواطئ ، ومررنا بقومٍ موطوئين بالطريق ... أفلا ترى إلى وجه الاتساع عن هذا المجاز "(2) وأبان عن وجه الاتساع في قوله تعالى : { واسأل القرية التي كنا فيها } (3) فقال : " أما الاتساع فلأنه استعمل لفظ السؤال مع ما لا يصح في الحقيقة سؤاله ... ألا تراك تقول : وكم من قريةٍ مسؤولةٍ ، وتقول : القُرى وتسآلُك كقولك : أنت وشأنُك فهذا ونحوه اتساع "(4) .
ويقترن الاتساع غرضاً لنزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه بالإيجاز والاختصار(5) كما تقدم في قول سيبويه(6) ، ومن ذلك أيضاً قول ابن السراج : " واعلم أن العرب قد أقامت أسماءً ليست بأزمنة مقام الأزمنة اتساعاً واختصاراً "(7) .
__________
(1) ظاهرة الحذف : 91 . وينظر : ظاهرة النيابة :64 .
(2) الخصائص 2/446.
(3) يوسف :82 .
(4) الخصائص : 2/447 .
(5) ينظر : ظاهرة النيابة 64 .
(6) ينظر : الصفحة السابقة .
(7) الأصول في النحو : 1/193 .(1/42)
والوجه في اقتران الاتساع بالإيجاز والاختصار أنَّ إقامة المضاف إليه مقام المضاف لا تكون إلا بعد نزع المضاف الذي يحصل به الإيجاز ، ففي نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه يجتمع غرضان ؛ الإيجازُ لأجل نزع المضاف ، والاتساعُ لأجل إقامة المضاف إليه مُقام المضاف ، يقول ابن يعيش :" اعلم أنهم قد جعلوا المصادر أحياناً وأوقاتاً توسعاً ، وذلك نحو: خفوق النجم ، بمعنى مغيبه وخلافة فلانٍ ، وصلاة العصر ، فالخلافة والصلاة مصدران في الحقيقة جُعِلا حيناً توسعاً وإيجازاً فالتوسع بجعل المصدر حيناً وليس من أسماء الزمان ، والإيجاز والاختصار بحذف المضاف ، إذ التقدير في قولك : فعلت خفوقَ النجم ، وصلاةَ العصر : وقتَ خفوقِ النجم ، ووقتَ صلاةِ العصر فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه "(1) .
وإذا ما ورد الاتساع في كلامهم في ما نزع منه حرف الجر فهو من باب التصرف في القول بالحذف الذي هو أحد ضروب شجاعة العربية ، من ذلك ما جاء في إعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج : ( ت : 311هـ ) " الأسماء المخصوصة إذا تعدت إليها الأفعال التي لا تتعدى فإنما هو على الاتساع ، والحكم في تعديها والأصل أن يكون بالحرف"(2) .
4- المبالغة :
تذكر المبالغة غرضاً من أغراض نزع الخافض في باب نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وذلك في المواضع الآتية :
__________
(1) شرح المفصل : 2/44 - 45 .
(2) 1/118 .(1/43)
أ- الإخبار بالمعنى عن اسم الذات ، كقولك : زيد عدلٌ ، ومنه قول الشاعر(1) :
فإنما هي إقبالٌ وإدبارُ ... ترتع ما غفلت حتى إذا اَّدكرتْ
ب- الإخبار باسم الذات عن المعنى ، ومنه قوله تعالى : { ولكنَّ البرَّ مَنْ آمن بالله } (2) .
ج- الإخبار باسم جنس مشهورٍ بمعنى من المعاني ، كقولك : زيد أسدٌ شدةً .
د- النعت بالمصدر ، ومنه قوله تعالى : { وجاؤوا على قميصه بدمٍ كذبٍ } (3) .
هـ- النعت باسم جنسٍ مشهورٍ بمعنىً من المعاني ، كقولك : مررت برجلٍ أسدٍ شدةًٍ .
و- مجيء اسم الجنس المشهور بمعنىً من المعاني حالاً ،كقولك: مررت بزيدٍ أسداً شدةً .
ز- وقوع المصدر حالاً ، نحو : جاء زيدٌ ركضاً .
وللحديث في هذه المسائل من حيثُ مخالفتُها للأصل ، وقياسيتُها ، وتفصيل أقوال النحويين في تخريجها ، موضعٌ من البحث سيأتي ، والمقصود هنا – إجمالاً- أن هذه المسائل لما خالفت الأصل في بابها خرَّجها النحويون على أوجه من التخريج :
أولها : التأويل ، أي : تأويل الجامد بالمشتق .
ثانيها : التقدير ، أي : تقدير مضاف محذوف قام المضاف إليه مقامه .
ثالثها : أن لا تأويل ولا تقدير ، ولكنَّ العرب فعلت ذلك قصداً للمبالغة بجعل العين نفسَ المعنى لا غيرَه ، أو بجعل المعنى هو العين تجسيداً وتشخيصاً .
ولنأخذ المسألة الأولى لنجري عليها تقدير التخريجات ،فيقدر قول الخنساء :
فإنما هي إقبالٌ وإدبارُ .
__________
(1) البيت للخنساء في : شرح ديوانها : 229 ، وكتاب سيبويه : 1/337 ، والكامل : 1/374 ، والمقتضب : 3/230 وشرح أبيات سيبويه : 1/188 ، والخصائص : 2/203 . وبلا نسبة في : شرح المفصل : 1/115 ، وقال شارح الديوان : ويروي : "فإنما هو إقبال وإدبار ، أي : فإنما فعلها " : 229 ، ولا شاهد فيه على هذه الرواية لأن الضمير يعود على المصدر المفهوم من الكلام السابق كقول زهير : وما هو عنها بالحديث المَرجَّم .
(2) البقرة : 177.
(3) يوسف : 18.(1/44)
على القول بالتأويل بالمشتق : هي مقبلة(1) .
وعلى القول بتقدير مضاف : هي ذاتُ إقبالٍ وإدبار(2) .
أو : فعلها إقبالٌ وإدبارٌ(3) .
وعلى أنه لا تأويل ولا تقدير بل بقصد المبالغة فتفسيره(4) أن الخنساء جعلت الناقة الإقبالَ والإدبارَ لكثرة ذلك منها فكأنها أخبرت بجميع الجنس مبالغة ، فينمحي عن الكلام معنى الحدوث حتى كأنها قد تجسَّمت منهما.
وقد ذهب أستاذي عبد الله صالح بابعير في ظاهرة النيابة(5) إلى أن في النعت بالمصدر والإخبار به وجهين حسبُ ، إذ لا مناقضة بين الأول والثالث ، لأن التأويل بالمشتق ردٌّ للاستعمال إلى أصله والمبالغة هي الغرض الذي عُدِلَ لأجله من الأصل إلى الاستعمال قال : "فهذا وجهٌ وعليه قصْدُ المبالغة"(6) .
والوجه الثاني أن يكون على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، قال : "لكن من غير قصد المبالغة ، وإنما القصد هو الإيجاز والاختصار "(7) .
ففي الوجهين نيابة ، لكنَّ المبالغة - عند أستاذي - متحققةٌ على الوجه الأول .
__________
(1) ينظر : الكامل : 3/1356- 1357 ، وأمالي المرتضى : 1/201 ، وشرح الكافية: 1/226 .
(2) ينظر : معاني القرآن للأخفش : 1/269 - 270 ، والنوادر في اللغة : 188 ، والمقتضب : 3/230 ، ومعاني القرآن وإعرابه : 3/141 ، وشرح المفصل : 1/12 ، 115 ، وشرح الكافية الشافية : 2/666 ، وشرح التصريح : 1/332 .
(3) ينظر : الإفصاح : 265- 266 ، وشرح الكافية : 1/226 .
(4) ينظر : معاني القرآن للأخفش : 1/269 ، والكامل : 1/374 ، والمسائل البغداديات : 205 –208 ، ودلائل الإعجاز : 300- 302 ، ومعاني النحو : 1/ 208 ، 2/595 – 597 ، 3/137.
(5) ينظر : 66 - 68 .
(6) ظاهرة النيابة : 67 .
(7) المرجع السابق : 68.(1/45)
وليأذن لي أستاذي في القول بأن المبالغة متحققة على الوجه الثاني أيضاً ، إذ "المبالغة متحققة في الاستخدام لا في الأصل"(1) ، ففي كلا الوجهين ؛ التأويل بالمشتق وتقدير المضاف بيانُ الأصل المفترض الذي عُدِل عنه بقصد المبالغة ، ويبقى بعد ذلك البحثُ في ترجيح أحد الوجهين في كونه الأصل المفترض ، ويدلُّ على أن نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه في نحو ما تقدم يقصد منه المبالغة قول سيبويه في : زيدٌ سيراً سيراً :"وإن شئت رفعت هذا كلَّه ، فجعلت الآخر هو الأول ، فجاز على سعة الكلام ، من ذلك قول الخنساء(2) :
فإنما هي إقبالٌ وإدبارُ ... ترتع ما رتعت حتى إذا ادَّكرتْ
فجعلها الإقبال والإدبار ، فجاز على سعة الكلام ، كقولك : نهارك صائم ، وليلك قائم ، ومثل ذلك قول الشاعر ، وهو متمم بن نويرة(3) :
ولا جزعٍ مما أصابَ فأوجعا ... لعمري وما دهري بتأبينِ هالكٍ
جعل دهره الجزع ، والنصبُ جائزٌ على قوله : فلا عيًّا بهن ولا اجتلابا .
وإنما أراد : وما دهري دهرُ جزعٍ ،ولكنه جاز على سعة الكلام ، واستخفوا واختصروا كما فعل ذلك في ما مضى"(4) .
__________
(1) المرجع السابق .
(2) سبق تخريجه : 24.
(3) البيت له في : المفضليات : 265 ، وتحصيل عين الذهب : 210 ، وسمط اللآلي : 1/87 ، ولسان العرب ( دهر ) و( أبن ) ، وخزانة الأدب : 2/25 .
(4) كتاب سيبويه : 1/336 - 337 . وينظر : المسائل البغداديات : 207 - 208 .(1/46)
فغرض المبالغة مفهوم من قوله :" فجعلها الإقبال والإدبار" وسمَّى ذلك : سعة الكلام ، ولما خرَّج بيت متمم خرجه على تقدير مضاف ، فقال : " وإنما أراد : وما دهري دهر جزع " وأشار إلى قصد المبالغة بقوله : " جعل دهره الجزع " وسمى ذلك سعة الكلام وضمَّ إليه غرضين آخرين هما الاستخفاف والاختصار ، وهما من أغراض نزع المضاف ، فظهر أن سيبويه لم يفصل بين تقدير المضاف وقصد المبالغة ، بل جعل تقديرَ المضاف بيانَ الأصلِ المفتَرَض ، فلما قُصِدَتِ المبالغةُ تُصُرِّفَ في القول بنزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وهو الذي سمَّاه سعةَ الكلام .
نعم ، الأخفش ( ت : 215هـ ) هو الذي فصَل بين تقدير المضاف وقصد المبالغة، فجعل قصد المبالغة وجهاً مغايراً لنزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، وذلك في قوله : " وقال الآخر(1) :
مقلَّدةً أعنتُها صُفُونا ... تركنا الخيل ، وهي عليه نوحاً
وقال بعضهم : وهي عليه نوحٌ
جعلها في التشبيه هي النوح لكثرة ما كان ذلك منها ، كما تقول : إنما أنت سيرٌ ، وإنما هو حمار في الشبه .
أو تجعل الرفع ، كأنه قال : وهي عليه صاحبةُ نوحٍ فألقى الصاحبة وأقام النوح مقامها ، مثل ذلك قول الخنساء(2) :
فإنما هي إقبالٌ وإدبارُ"(3) ... ترتع ما رتعت حتى إذا ادَّكرت
وبقول الأخفش قال المبرد في : زيدٌ سيراً قال: " وإن شئت قلت : زيد سيرٌ يا فتى ، فهذا يجوز على وجهين :
أحدهما : أن يكون زيد صاحبُ سيرٍ ، فأقمت المضاف إليه مقام المضاف ... كما قال الشاعر :
فإنما هي إقبالٌ وإدبارُ ... ترتع ما رتعت حتى إذا ادَّكرت
أي : ذاتُ إقبال وأدبار .
__________
(1) البيت لعمرو بن كلثوم من معلقته المشهورة في ديوانه : 319 ، وشرح القصائد السبع الطوال : 389 ، وشرح المعلقات السبع : 170 ، وشرح المفصل : 10/94 وهو فيها : عاكفةً عليه ، ولا شاهد فيه على هذه الراوية .
(2) سبق تخريجه :24.
(3) معاني القرآن : 1/269-270 .(1/47)
ويكون(1) على أنه جعلها الإقبال والإدبار لكثرة ذاك منها "(2) .
ومن ثَمَّ جرى قصدُ المبالغة وجهاً مستقلاًّ في كلام أكثر النحويين في المسائل المذكورة آنفاً ، حتى صرَّح جماعة(3) بأنه إذا قصدت المبالغة فلا تأويل ولا تقدير .
غير أن عبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة(4) ماز بين نوعين من نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ؛ نوعٍ يكون بقصد المبالغة ، وآخرَ يأتي بغير ذلك القصد ، فجعل نحو : زيدٌ الأسدُ ، وإن كان الأصل فيه : زيدٌ مثلُ الأسد ، فالقصد فيه أن تبالغ في التشبيه فتجعل المذكور كأنه الأسد ، وجعل نحو : زيدٌ الليلُ وإن كان الأصل فيه : أنت مثلُ الليلِ فليس الحذف فيه كالحذف في زيدٌ الأسدُ " بل على أنه جُعِل كأنْ لم يكن لقصد المبالغة ...لأن القصد لم يقع إلى وصفٍ في الليل كالظلمة ونحوها وإنما قُصِدَ الحكمُ الذي له من تعميمه الآفاق "(5) أي : قصد الاتساع والتجوز وليس المبالغة .
ولعلَّ قائلاً يقول : إن عبد القاهر في دلائل الإعجاز(6) استرذل أن يقدر مضاف في نحو بيت الخنساء وعدَّ ذلك إفساداً للشعر وخروجاً به إلى شيءٍ مغسولٍٍ وإلى كلام عاميٍّ مرذولٍ ، فقوله هنا ينقض أن يكون مع قصد المبالغة تقدير مضاف .
__________
(1) هذا هو الوجه الثاني من وجهي تخريج الإخبار بالمصدر عن الذات .
(2) المقتضب : 3/230. وينظر : الكامل : 1/374 – 375 .
(3) ينظر : الخصائص : 2/203 ، والمحتسب : 2/86 – 87 ، 89- 90 ، وارتشاف الضرب : 2/587 – 588 وحاشية ياسين على الألفية : 2/16- 17 ، وحاشية الشهاب : 1/137، ومعاني النحو : 3/137 - 138 .
(4) ينظر : 247- 248 .
(5) أسرار البلاغة : 248 .
(6) ينظر : 300 - 302 .(1/48)
والجواب أن القول بتقدير مضاف محذوفٍ في نحو : إنما هي إقبالٌ وإدبارُ ، أي : ذاتُ إقبالٍ ، أو فعلها إقبالٌ ، إنما هو "بيانٌ لما يقتضيه الكلامُ من أصله "(1) لا أنَّ المعني على تقدير المضاف هو المعنى على نزعه وإقامة المضاف إليه مقامه بقصد المبالغة ، فلو ظُنَّ أنَّ المعنى الآن ، أي بعد النزع والنيابة هو المعنى قبلُ ، لكنَّا قد " أفسدنا الشعر على أنفسنا ، وخرجنا إلى شيءٍ مغسولٍ ، وإلى كلامٍ عامي مرذولٍ "(2) لاسيما أن المضاف المحذوف الذي أقيم المضاف إليه مقامه بقصد المبالغة يقع في المنسأة ويصير كالشريعة المنسوخة(3) .
وبهذا يأتلف كلام عبد القاهر في المواضع المشار إليها من كتابيه و يتضح أن كلامه في الدلائل ليس تضعيفاً للقول بتقدير المضاف في نحو بيت الخنساء ، فإن ذلك بيان للأصل المفترض ، فلما قصدت المبالغة عُدل عن ذلك الأصل فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، وإنما عاب واسترذل أن يكون المعنى هو المعنى ، تماماً كما هو الشأن في الوجه الأول ، فإنه لو قيل في : زيد عدل ، أي : عادل ، لكان ذلك بياناً لما يقتضيه الكلام من أصله ، وليس المعنى في : زيد عادل كالمعنى في : زيد عدلٌ .
ففي جميع المسائل المتقدمة عدولٌ عن الأصل المفترض سوَّغه قصدُ المبالغة على مستوى الاستخدام وفي تقدير المضاف أو التأويل بالمشتق بيانٌ لما كان عليه أصل الكلام من غير أن يكون المعنى هو المعنى .
دواعي تقدير الخافض(4)
__________
(1) أسرار البلاغة : 355 .
(2) دلائل الإعجاز : 302 .
(3) ينظر : أسرار البلاغة : 355- 356 .
(4) ما تقدم من الدواعي ( الأسباب ) هي دواعي النزع قبل حصوله ، وما هاهنا هي دواعي اعتقاد حصول النزع ، فتلك دواعي النزع ، وهذه دواعي التقدير .(1/49)
قد تقدم أنَّ الحذفَ خلافُ الأصل ، فلا يجوز إذن " ترك الظاهر المفهوم من الكلام إلى باطنٍ لا دلالة على صحته "(1) ولكنَّ " العربَ من شأنها - إذا عرفتْ مكان الكلمة ، ولم تشكَّكْ أنَّ سامعها يعرف بما أظهرت من منطقها ما حذفت – حذفُ ما كفى منه الظاهر من منطقها "(2) ، وحينئذٍ لا بدَّ من داعٍ يدعو إلى تقدير ذلك المحذوف ، فلا يصحُّ تقديرُ شيء ما لم تدعُ إليه الحاجة ، فتلك الحاجة هي الداعية لذلكم التقدير .
ولكلٍّ من تقدير حرف الجر ، وتقدير المضاف بأقسامهما دواعٍ خاصة تذكر في أماكنها المناسبة من البحث ،غير أنَّ ثمة داعيينِ عامَّينِ يصلحان أن تنضويَ جميعُ دواعي تقدير الخافض في كنفهما ، هما:
1- تصحيح المعنى :
يقول أبو حيان في المواضع التي يعتقد فيه حصول الحذف : " هي كل موضعٍ يضطر فيه إلى تصحيح المعنى بتقدير محذوف"(3) وذلك لأن الكلام " إنما يصلحه ويفسده معناه "(4) فإذا كان المعنى صحيحاً مستقيماً في ظاهره فلا يدَّعى عندئذٍ حذفٌ ، فضلاً عن أن يقدَّر وإن كان المعنى لا يصح ولا يستقيم إلا بتقدير محذوف ، تعين تقديره ، وكان داعي تقديره تصحيحَ المعنى .
ففي تقدير حرف الجر بداعي تصحيح المعنى ، يقول ابن سيده ( ت : 458هـ ) : " اعلم أن الحروف التي يجوز حذفها على ضربين :
منها : ما يحذف وهو مقدر لصحة معنى الكلام .
ومنها : ما يكون زائداً لضربٍ من التأكيد ، والكلامُ لا يحوج إليه فإذا حذف لم يقدر.
فأما الذي يكون زائداً والمعنى لا يحوج إليه فنحو قولك : كفى بالله ، والمعنى : كفى الله ،... وإذا حذفنا هذا الحرف لم يختل الكلام ولم يحوج المعنى إلى تقديره .
__________
(1) جامع البيان : 2/15 .
(2) المرجع السابق : 1/139- 140 .
(3) البحر المحيط : 3/54 .
(4) الخصائص : 2/433 .(1/50)
وأما الذي يقتضيه الكلام فنحو قولك : نبئت زيداً فعل كذا وكذا ، تقديره نبئت عن زيدٍ ، لأن نبئت في معنى أُخبرت ، والخبرُ يقتضي ( عن ) في المعنى ، وكذلك : أمرتك الخيرَ ، الباء مقدرة ؛ لأن الأمر لا يصل إلى المأمور إلا بحرف لا غير "(1) .
ومثال تقدير مضاف لداعي تصحيح المعنى قوله جلَّ جلاله : { حتى إذا فُتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون } (2) فالتقدير : حتى إذا فتح سدُّ يأجوج ومأجوج(3) ، فنُزع المضاف للعلم به وأقيم المضاف إليه مقامه في إعرابه وأُنِّث لأجله الفعلُ .
ومن تصحيح المعنى أن تقدر مضافاً إذا نظرت في الكتاب فقلت : هذا عمروٌ قال سيبويه : "وإنما المعنى : هذا اسم عمروٍ ، وهذا ذكر عمروٍ ، ونحو هذا ، إلا أن هذا يجوز على سعة الكلام كما تقول جاءت القرية "(4) أي : أهلُها .
ولما قدَّر ابن جني ثلاثة مضافات في قوله تعالى : { فقبضتُ قبضةً من أثر الرسول } (5) ، فجعل التقدير: من أثر وطء حافر فرس الرسول ، قال : " المعنى على هذا ، لأنه في تصحيحه من تقرِّيْه لاستيفاء معانيه، وإذا دلَّ الدليل ، كان التعجب من حيلة العاجز الذليل "(6) .
ويقول ابن القيم ( ت : 751هـ ) : " وإنما يضمر المضاف حين يتعين ، ولا يصح الكلام إلا بتقديره للضرورة كما إذا قيل : أكلت الشاة ، فإن المفهوم من ذلك : أكلت لحمها ، فحَذْفُ المضاف لا يُلْبِسُ "(7) .
2- مراعاة الأصل النحوي :
__________
(1) المخصص: 14/244 .
(2) الأنبياء : 96 .
(3) ينظر إعراب القرآن : 3/80 ، والبحر المحيط : 7/467 .
(4) كتاب سيبويه : 3/269 .
(5) طه : 96 .
(6) المحتسب : 2/345 - 346 .
(7) بدائع الفوائد : 3/535 .(1/51)
في النحو العربي ضوابط تنضبط بها مسائل كل بابٍ ، يقال لها أصولٌ(1) ، فيقال مثلاً : الأصل في صيغة فعُل اللزوم ، أي : القاعدة المستمرة في صيغة فعُل اللزوم فإذا وُجد مما صيغته كذلك متعدياً نحو : أرحُبكم الدخولُ في طاعةِ ابن الكرماني(2) ، قيل : هو على خلاف الأصل ، واجتهد في رده إلى أصله ما أمكن ، أو بيان سبب المخالفة ، فإذا كان الأصل النحوي لا يستقيم إلا بتقدير محذوفٍ، كانت مراعاة ذلك الأصل النحوي داعيةً إلى التقدير .
ففي المثال السابق تعدى رحُب بنفسه فنصب المفعول به ، على خلاف الأصل فيه ، فخرجه النحويون(3) على تضمين رحُبَ اللازمِ معنى وَسِعَ المتعدي فتعدى تعدِّيَه فنصب المفعول . والأقرب في مراعاة الأصل في رحب أن يقدر حرف جر محذوف والتقدير أرحُب عليكم الدخولُ(4) ، فلما نزع حرف الجر انتصب الضمير بعد أن كان مجروراً ، واتصل بالفعل . فداعية التقدير على هذا الوجه من التخريج هو مراعاة الأصل النحوي في رحُب وهو كونه لازماً .
وفي مسائل نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه السابق ذكرها في غرض المبالغة(5) كان داعي تقدير المضاف فيها هو مراعاة الأصل النحوي ، فالأصل في الخبر أن يكون هو المبتدأ والأصل في الحال أن تكون وصفاً لصاحبها وقيداً في عاملها والأصل ألا ينعت بالذوات ، فكان تقدير المضاف فيها - على قولٍ - مراعاةً لتلكم الأصول .
__________
(1) وهي غير أصول الاحتجاج في النحو العربي التي يُعنى بها علمُ أصول النحو ، وقد أفردت بالتصنيف كلمع الأدلة لأبي البركات الأنباري، والاقتراح للسيوطي .
(2) سيأتي تخريج هذا القول في مبحث التضمين : 50 .
(3) ينظر : العين : 3/315 ، وشواهد التوضيح والتصحيح : 146 ، وارتشاف الضرب : 3/51 .
(4) ينظر في تعدي رحُب بعلى : لسان العرب ( رحب ) .
(5) ينظر :24 - 25 من هذا البحث .(1/52)
ومما يدعو إلى تقدير حرف الجر والمضاف مراعاةً للأصل النحوي ،عدمُ صلاحية العامل لمباشرة ظاهر الإعراب ، فيقدر عندئذٍ ما يصلح لمباشرته العاملُ من حرف الجر أو المضاف ، ليستقيم الإعراب ، مثال ما يقدر فيه حرف الجر قول الشاعر(1) :
أشارتْ كليبٍ بالأكفِّ الأصابعُ ... إذا قيل أيُّ الناس شرُّ قبيلةٍ
أي : إلى كليبٍ(2) .
ومثال ما يقدر فيه المضاف قراءة قوله تعالى : { واللهُ يريدُ الآخرةِ } (3) بجر ( الآخرة ) والتقدير : عَرَضَ الآخرةِ أو عمل الآخرةِ أو باقي الآخرة(4) ، فلولا تقدير المضاف في الآية وحرف الجر في البيت لم يصلح العامل أن يباشر الاسم المجرور ، فكان الداعي لتقدير الخافض فيهما مراعاةَ الأصلِ النحوي وهو استقامة الإعراب .
من موانع تقدير الخافض
1- التمسُّك بالأصل عند عدم الدليل :
__________
(1) البيت للفرزدق في : ديوانه : 140، وهو فيه برفع كليب ، على تقدير : هذه كليب ، ويروى : ( أشرَّت كليباً ) ولا شاهد فيه على هاتين الروايتين . ينظر : خزانة الأدب : 9/115، والبيت مروي بجر ( كليب ) في : شرح الجمل لابن خروف : 1/494 ، وشرح الكافية الشافية : 2/635 ، وشرح الكافية : 4/140 ، وارتشاف الضرب : 3/53 ، وتخليص الشواهد : 504 ، ومغني اللبيب : 15، 843 .
(2) ينظر : شرح الكافية: 4/308 ، والمساعد :1/431 ، وشرح الأشموني : 2/234 ، وشرح التصريح : 1/312 .
(3) الأنفال : 67 قرأ الجمهور ( الآخرةَ ) بالنصب ، وقرأ في الشواذ سليمان بن جماز المدني بالجر . ينظر : المحتسب : 1/397 ، وإعراب القراءات الشواذ :1/605 ، والتبيان : 2/632 ، والبحر المحيط : 5/353 ، وحاشية الشهاب : 4/505 ، وروح المعاني : 5/229.
(4) ينظر : المراجع السابقة ، والبهجة المرضية : 1/413 .(1/53)
إذا لم يتحقق شرط النزع الأهم وهو الدليل فلا يصار إلى القول بالتقدير ؛ تمسكاً بالأصل وهو عدم الحذف ، " ومن تمسك بالأصل خرج من عهدة المطالبة بإقامة الدليل ، ومن عدل عن الأصل افتقر إلى(1) إقامة الدليل ، لأن لزوم الأصل واستصحاب الحال أحدُ الأدلة المعتبرة "(2) ويقول ياسين : "الأصل... عدم الحذف ، وإنما يرتكب ذلك عند الحاجة إليه فلو لم يشترط المحققون ما اشترطوه لأفضى إلى جعل ذلك منهجاً قويماً وصراطاً مستقيماً يعبره كلُّ سالك وإن لم يُتَعَذَّرْ غيرُه من المسالك"(3) فلا يسوغ ادعاء نزع حرف الجر وانتصاب الاسم ، ولا نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه من غير دليل ، " وإلاَّ لالتبس الخطابُ ، وفسد التفاهم ، وتعطلت الأدلة "(4) وقد ردَّ جماعة من النحويين(5) ما أجازه ابن جني في نحو : جلست زيداً ، على تقدير مضاف ، أي: جلوسَ زيدٍ ، لاحتمال أن يكون التقدير : إلى زيدٍ .
وفي هذا الجواب نظر لأنه يقود إلى ترجيح أحد الاحتمالين ، فلابن جني أن يقول : إذا دار الأمر بين أن يكون على تقدير مضاف وأن يكون على تقدير حرف جر فتقدير المضاف أولى ، لأن نزع المضاف أسهل من نزع حرف الجر كما سيأتي . وللمانعين من تقدير المضاف أن يقولوا : إن شرط نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه صلاحية إعراب المضاف إليه بإعراب المضاف ، فهل يسوغ إعراب ( زيداً ) مفعولاً مطلقاً نائباً عن المصدر ؟
__________
(1) في الأصل المنقول عنه : من إقامة ، والصواب ما أثبته .
(2) ائتلاف النصرة : 41 .
(3) حاشية ياسين على التصريح : 1/228 . وينظر : البرهان : 3/119 .
(4) بدائع الفوائد : 3/535 .
(5) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/529 ، ومغني اللبيب : 225 ، 788 ، وهمع الهوامع : 2/428 - 429 ، وحاشية ياسين على التصريح : 2/55 .(1/54)
فقد يجاب عن ذلك بأنه من باب نيابة الاسم الجامد عن المصدر كقول الراجز(1) :
حتى إذا صَفُّوا له جدارًا
" فجداراً منصوب على المصدر ، هذا هو الظاهر ألا ترى أن معناه : حتى إذا اصطفوا له اصطفاف جدارٍ ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه "(2) فتظهر براعة ابن جني حينذاك ، ومن ذا الذي يجاري ابن جني في القدرة على الاحتجاج لمذهبه في النحو ؟
ولو لم يفتح الباب لكان أقرب إلى رد ما جوَّزه ، فيقال : الأصل عدم النزع لعدم الدليل ، فضلاً عن أن يبحث له عن تقدير ، ثم إن اللبس بتقدير المضاف حاصلٌ وذلك لأن تقدير المصدر في المثال المذكور ليس بأولى من تقدير ظرف أقيم ( زيد ) مقامه ، أي : جلست مع زيدٍ ، أو عند زيدٍ ،أو مكان زيدٍ .
2- التوكيد :
إذا قلت : جاء زيدٌ ، فالظاهر إسناد المجيء إلى زيد ، وليس ذلك نصًّا فيُحتمل بدلالة السياق أو قرينة الحال - أن يكون المراد : جاء رسولُ زيدٍ ، أو كتابُ زيدٍ ، فيكون إسناد المجيء إلى زيد على تقدير مضافٍ نُزِعَ وأقيم المضاف إليه مقامه فإذا قلت : جاء زيدٌ نفسُه ، ارتفع احتمال إرادة غير الظاهر وكان التوكيد بالنفس أو بالعين مانعاً من تقدير المضاف(3) .
__________
(1) الرجز للعجاج في : ديوانه : 414 ، والخصائص : 3/322 ، وبلا نسبة في : ارتشاف الضرب : 2/205 .
(2) الخصائص : 3/323. وينظر : ظاهرة النيابة : 229 .
(3) ينظر : شرح التصريح : 2/120- 123.(1/55)
وكذا إذا قلت : جاء الزيدان ،وجاء القوم ، ربما تريد : جاء أحدهما ، أو أكثر القوم ، فإذا قلت : جاء الزيدان كلاهما ، والقومُ كلهم ، فقد أزلت بالتوكيد هاهنا احتمال إرادة غير الشمول(1) . وكان التوكيد مانعاً من تقدير المضاف ، ففائدة التوكيد " تمكين المعنى في نفس المخاطب ، وإزالة الغلط في التأويل "(2) ومن التأويل تقدير المضاف . وإنما كان التوكيد مانعاً من تقدير مضافٍ ، لأن الشيء من حيث أكِّد معتنىً به ومن حيث حذف غير معتنىً به(3) ، ولأن الحذف مبني على الاختصار ، والتأكيد مبني على الطول(4) .
3- الإبدال بدل الاشتمال :
إذا قيل : أعجبني زيدٌ أو سُلب زيدٌ ، فالمراد – بدلالة سياق ما أو قرينة حال- أعجبني علمُ زيدٍ وسُلب ثوبُ زيدٍ نزع المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فتقدير المضاف حينئذٍ سائغ .
أما إذا قلت : أعجبني زيدٌ علمهُ ، وسُلب زيد ثوبه ، فلا يجوز هاهنا تقدير مضاف مع زيد لمناقضته الغرض من بدل الاشتمال وهو البيان بعد الإجمال ، والتفسير بعد الإبهام ، لما فيه من التأثير في النفس(5) ، فكان الإبدالُ بدلَ الاشتمال مانعاً من تقدير مضافٍ مع المبدل منه .
يقول الرضي : " سمي بدل الاشتمال ، لاشتمال الفعل المسند إلى المبدل منه على البدل ليفيد ويتم لأن الإعجاب في قولك : أعجبني زيد حسنُه ، وهو مسند إلى زيد لا يُكتفى به من جهة المعنى ، لأنه لم يعجبك للحمه ودمه ، بل لمعنىً فيه وكذا سلب زيد ، ظاهرٌ في أنه لم يسلب هو نفسه ، بل سلب شيء منه "(6) .
ضوابط أخرى لنزع الخافض
1- القول بتقدير المضاف أولى من القول بتقدير حرف الجر :
__________
(1) ينظر : المرجع السابق .
(2) شرح المفصل : 3/40 .
(3) ينظر : البحر المحيط : 8/284 .
(4) ينظر : الخصائص : 1/126 ، ومغني اللبيب 794 ، وشرح التصريح : 2/120- 123 ، ومعترك الأقران : 1/315 .
(5) ينظر : شرح الكافية: 2/401 .
(6) شرح الكافية: 2/402 - 403 . وينظر : المقتضب : 1/27 .(1/56)
إذا احتمل الموضع تقدير مضاف أو حرف جر ، كان تقدير المضاف أولى لأن حذف الحرف ليس بالسهل ، بخلاف حذف الاسم(1) ، من ذلك المواضع الآتية :
المصدر المشبه به على حدِّ قوله تعالى : { ولو يعجِّلُ اللهُ للناسِ الشرَّ استعجالَهم بالخير } (2) ونحو: ضربته ضربَ زيدٍ عمراً ، مما جاء فيه المصدر لغير فاعل الفعل(3) ، وللنحويين في ذلك قولان(4) :
ذهب الخليل وسيبويه إلى أن التقدير في الآية : ولو يعجل الله للناس الشر تعجيلاً مثل استعجالهم(5) ، فحذف ( تعجيلاً ) وأقام صفته مقامه في مستوى التغير الافتراضي المتسلسل الذي هو بين الأصل والاستخدام(6) ، ثم حذف صفته ( مثل ) وأقام المضاف إليه مقامه ، والتقدير في المثال : ضربته ضرباً مثل ضرب زيدٍ عمراً ويقال فيه ما قيل في الآية .
وذهب الأخفش والفراء إلى أن التقدير في الآية : كاستعجالهم ، فنزع حرف الجر وانتصب الاسم .
وقول الخليل وسيبويه أولى بالاختيار ؛ لأن نزع المضاف أسهل من نزع حرف الجر .
وقد يقال : إن في تقدير الأخفش والفراء تقليلاً للمقدر من تقدير الخليل وسيبويه ، ومهما أمكن تقليل المحذوف فهو أولى .
__________
(1) ينظر : حاشية ياسين على الألفية : 1/169 .
(2) يونس : 11 .
(3) ينظر : الإيضاح : 151 ، والمقتصد : 1/587 - 588 ، وظاهرة النيابة : 216 - 217 .
(4) ينظر : معاني القرآن للفراء : 1/458 ، ومعاني القرآن وإعرابه : 3/8 ، وإعراب القرآن : 2/247 ، وأمالي ابن الشجري : 3/188 ، والتبيان : 2/667 ، والبحر المحيط : 6/19 .
(5) ينظر : معاني القرآن وإعرابه : 3/8 ، وإعراب القرآن : 2/247 ، والتبيان : 2/667 ، وقدَّره بعضهم : استعجالاً مثل استعجالهم . ينظر : أمالي ابن الشجري : 3/188 . والأولى أن يقدر تعجيلاً مثل استعجالهم ؛ لأن تقدير المحذوف من جنس المذكور أولى والتعجيل مصدر الفعل ( يعجِّل ) .
(6) ينظر : ظاهرة النيابة : 217- 218 .(1/57)
والجواب أن تقدير الأخفش والفراء أكثر من تقدير الخليل وسيبويه لأن الأصل على قول الأخفش والفراء هو : ولو يعجل الله للناس الشر تعجيلاً كائناً كاستعجالهم ، فحذف المصدر وصفته والجار ، وليس في تقدير الخليل وسيبويه سوى حذف المصدر وصفته.
ما كان على حدِّ قوله تعالى : { كذلك يبين الله لكم أنْ تضلوا } (1) مما جاء فيه أنْ والفعل في مقام التعليل المنفي ومنه قول الشاعر(2) :
فعجَّلْنا القِرى أنْ تشتمونا ... نزلتُم منزلَ الأضيافِ منَّا
وللنحويين في نحو ذلك قولان(3) :
أن يقدر قبل أنْ لامُ التعليل ، وبعدها لا النافية فالتقدير : لئلا تضلوا ، ولئلا تشتمونا ، وهو قول الفراء ، وإليه مال جمعٌ(4) .
أن يقدر قبل أن اسمٌ مضافٌ ، والتقدير : كراهية أن تضلوا ، وكراهية أن تشتمونا . وهو قول أكثر النحويين ، قال ابن هشام : " وهذا أسهل "(5) وإنما كان أسهل مع أن نزع حرف الجر مع أنْ كثير وهو قياس مطردٌ لأن حذف الاسم أكثر من حذف الحرف ، ولأن في تقدير المضاف تقليل للمحذوف . وسيأتي لهذه المسألة مزيد بيان(6) .
__________
(1) النساء : 176 .
(2) البيت لعمرو بن كلثوم من معلقته في : ديوانه : 322 ، وشرح القصائد السبع الطوال : 420 ، وشرح المعلقات السبع : 172 ، وبلا نسبة في : مغني اللبيب : 55 .
(3) ينظر : معاني القرآن للفراء : 1/297 ، 303 ، 366 ، وتأويل مشكل القرآن : 225 ، ومعاني القرآن وإعرابه : 2/136 -137 ، 3/41 ، 243 ، أمالي ابن الشجري : 3/161 ، والتبيان : 1/ 397 ، 429 ، ومغني اللبيب : 55 وهمع الهوامع : 2/327 .
(4) ينظر : تأويل مشكل القرآن : 225 ، وجامع البيان : 10/157 ، ومشكل إعراب القرآن : 1/210 ، ورصف المباني : 117- 118.
(5) شرح شذور الذهب : 324 .
(6) ينظر المبحث الثالث من الفصل الثاني : 240 .(1/58)
ج- قوله تعالى : { هم درجاتٌ عند الله } (1) جعل الرازي تقدير الكلام : لهم درجاتٌ(2) وجعله الأكثرون على تقدير مضاف ، أي : هم ذوو درجاتٍ(3) - وهو الأظهر - فنُزِعَ المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه بقصد المبالغة .
ثم إن تقدير الرازي مشكل من جهة إعراب الضمير ، فإن الغالب أنه إذا نزع حرف الجر انتصب الاسم ، و( هم ) ليس بضمير نصب ، ومن غير الغالب إبقاء الاسم مجروراً بعد نزع الحرف ، وليس لنا ضمير جر منفصل " على أن المعنى دون حذفها ( أي اللام الجارة ) حسن متمكن جداً ، لأنه لما قال : { أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله } (4) وكأنه منتظر للجواب ، قيل له في الجواب : لا ليسوا سواءً ، بل هم درجات عند الله على حسب أعمالهم ، وهذا معنىً صحيح لا يحتاج معه إلى تقدير حذف اللام "(5) .
د- يروى مرفوعاً من حديث عائشة رضي الله عنها : ( فضل الصلاة بسواك على الصلاة بغير سواكٍ سبعين ضعفاً)(6) .
قال العكبري ( ت : 616هـ ) : " كذا وقع في هذه الرواية ، والصواب سبعون "(7) ثم ذهب في تخريجه إلى تقدير مضاف أي : فضلُ سبعين(8) ، نُزع المضاف وبقي المضاف إليه مجروراً .
__________
(1) آل عمران : 163 .
(2) تفسير الفخر الرازي : 5/78 .
(3) ينظر : البيان : 1/230 ، والتبيان : 1/307 ، والبحر المحيط : 3/414 .
(4) آل عمران : 162 .
(5) البحر المحيط : 3/414 .
(6) الحديث رواه بهذا اللفظ أحمد في المسند من حديث عائشة - رضي الله عنها - 18/195- 196 ، برقم : 26218 وبنحوه رواه الحاكم في المستدرك : 1/245 برقم : 515 ، وهو في مجمع الزوائد : 2/263 برقم : 2554 ، قال الحاكم : " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه " ورمز له السيوطي في الجامع الصغير بالصحة . ينظر : فيض القدير شرح الجامع الصغير 4/431 ، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع : 578 ، والسلسلة الضعيفة برقم : 1503 .
(7) إتحاف الحثيث : 216 .
(8) ينظر : المرجع السابق .(1/59)
وخرجه ابن مالك على تقدير حرف الجر أي : بسبعين(1) .
والأول أَوْلى ؛ لأن نزع المضاف أكثر من نزع حرف الجر ، ولأن في ( فضل ) الأُولى دليلاً اكتفي به عن تكرار فضل مرة ثانية ، ومهما أمكن أن يكون الخافض المنزوع من لفظ المذكور فهو أولى .
2- القول بنزع حرف الجر أسهل من القول بزيادته :
إذا ورد فعلٌ متعدٍّ بوساطة حرف الجر تارة ، وبنفسه تارة أخرى ، نحو: أمرتك بالخير ، وأمرتك الخيرَ ، فالحكم بأصالة الحرف أولى من الحكم بزيادته ولاسيَّما إذا كان تعديه بالحرف أكثر ، ومن ثَمَّ تُحمَلُ صورةُ تعدي الفعل بنفسه على نزع الخافض ، يقول العكبري في قوله تعالى : { قالت من أنبأك هذا } (2) : " أمَّا نبأت وأنبأت ، ففعلان متعديان إلى شيءٍ واحدٍ ، وإلى ثانٍ بحرف الجر ، كقولك نبأت زيداً عن حال عمروٍ ، أو بحالِ عمروٍ ، وقد يحذف حرف الجر ، كقوله تعالى: { من أنبأك هذا } أي : عن هذا ، وقد ذهب قومٌ إلى أنه يتعدى بنفسه ، واستدل بهذه الآية ، وليس فيه ( كذا ) دليل ، لأنه قد استعمل في مواضع أخر بحرف الجر أكثر من استعماله بغير حرف الجر ، فالحكم بزيادة الحروف في تلك المواضع لا يجوز ، فأما [ حذف](3) حرف الجر فأسوغ من الحكم بزيادته ، ولهذا كان أكثر "(4) .
ويقول أبو حيان في قوله تعالى : { يسألونك عن الأنفال } (5) : " وينبغي أن تحمل قراءة من قرأ بإسقاط
__________
(1) ينظر : شواهد التوضيح والتصحيح : 94 .
(2) التحريم : 3 .
(3) ما بين المعكوفين ساقط من المطبوع والمقام يقتضيه .
(4) اللباب في علل البناء والإعراب : 1/256 . وينظر: نظرية الحروف العاملة : 53
(5) الأنفال : 1 . قرئ في الشواذ بإسقاط عن وهي قراءة سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وعلي بن الحسين - رضي الله عنهم - وغيرهم ينظر : المحتسب : 1/386 ، والبحر المحيط : 5/269 .(1/60)
عن على إرادتها ، لأنَّ حذف الحرف وهو مرادٌ معنىً أسهل من زيادته لغير معنىً غير التوكيد"(1) .
3- يقدر الخافض المنزوع من لفظ المذكور ما أمكنَ :
يقول ابن هشام : " ينبغي أن يكون المحذوف من لفظ المذكور مهما أمكن "(2) من ذلك في ما نزع منه المضاف ، حديثُ فضلُ الصلاةِ بالسواك ، المتقدم قريباً(3) .
وتحقيقاً لهذه القاعدة في ما نزع منه حرف الجر " أجاز الأخفش والسيرافي وغيرُهما من المحققين جرَّ المجابِ به بحرف محذوف إذا كان حرف الجر ظاهراً في السؤال ، نحو أن تقول : زيدٍ . لمن قال: بمن مررت ؟ "(4) ومنعه الفراء(5) قال ابن عقيل : " والصحيح جوازه ، لقول العرب : خيرٍ بالجر لمن قال : كيف أصبحت ؛ لأن معنى كيف : بأي حال ؟ فإذا جعلوا معنى الحرف دليلاً كان لفظه أولى"(6) .
4- بيان مقدار المقدَّر في الخافض المنزوع :
من قواعد الترجيح النحوي تقليل المقدر ما أمكن(7) ، لأنه " كلما كثُر الإضمار كان أضعف "(8)، يقول الزركشي (ت: 794هـ ) : " الحذف خلاف الأصل ، وعليه ينبني فرعان :
أحدهما : إذا دار الأمر بين الحذف وعدمه ، كان الحمل على عدمه أولى ، لأن الأصل عدم التغيير.
وثانيهما : إذا دار الأمر بين قلة المحذوف وكثرته ، كان الحمل على قلته أولى "(9)
__________
(1) البحر المحيط : 5/269 . ولابن جني رأي يمنع فيه القول بنزع حرف الجر هاهنا ويحمل فيه قراءة الجر بالحرف على السؤال عن الأنفال تعرضاً لطلبها ، واستعلاماً لحالها ، وقراءة النصب على التصريح بالتماس الأنفال وبيان الغرض في السؤال عنها ، فكانت قراءة النصب مؤدية عن السبب لقراءة الجر بالحرف . ينظر : المحتسب 1/386 .
(2) مغني اللبيب : 804 . وينظر : 103 .
(3) ينظر : 36 .
(4) شرح الكافية الشافية : 3/1241 - 1242 .
(5) ينظر : معاني القرآن : 1/196 .
(6) المساعد : 2/299 .
(7) ينظر: الأمالي النحوية : 2/80 ، ومغني اللبيب : 802 .
(8) كتاب سيبويه : 1/259 .
(9) البرهان : 3/119 .(1/61)
لذلك كان تقدير المضاف في قوله تعالى : { كذلك يبيِّنُ اللهُ لكم أنْ تَضلوا } (1) أي كراهية أن تضلوا أولى من تقدير حرف الجر ولا النافية أي : لئلا ، كما تقدم(2) .
وأظهر ما يتصور تقليل مقدار المقدر في مباحث نزع الخافض في مبحث نزع المضاف ، فإذا دلَّ الدليلُ على تقدير مضاف كان أولى من تقدير مضافين من غيرِ حاجةٍ لتقديرهما ، وهكذا إذا اكتفي بتقدير مضافين فهو أولى من تقدير ثلاثة مضافات .
مثال ما كان فيه تقدير مضاف واحدٍ أولى من تقدير مضافين ، قوله تعالى : { وأُشربوا في قلوبهم العجلَ } (3) لما كان العجل لا يُشرب ، اكتفى الأكثرون بتقدير مضاف ، أي : حُبَّ العجل(4) لأن الذي يُشرِبُ القلبَ المحبةُ " لكنه تَرك ذكر الحب اكتفاء بفهم السامع لمعنى الكلام إذ كان معلوماً أن العجل لا يُشرِبُ القلبَ ، وأن الذي يُشرِبُ القلبَ منه حبُّه"(5).
وقدَّر بعضهم مضافين ، أي : حُبَّ عبادة العجل(6) ، فنزع الأول ( حب ) وأقيم الثاني ( عبادة ) مقامهُ ثم نزع الثاني وأقيم ( العجل) مقامه ، على التدريج في نيابة المضافات بعضها عن بعض .
__________
(1) النساء: 176 .
(2) ينظر : 34 .
(3) البقرة : 93 .
(4) ينظر: جامع البيان : 2/359 ، وإعراب القرآن : 1/248 ، والبيان : 1/109 ، والتبيان : 1/93 ، وتفسير القرآن العظيم : 1/291 ، ومغني اللبيب : 802 .
(5) جامع البيان : 2/359 .
(6) ينظر : البحر المحيط : 1/495.(1/62)
وتقليل التقدير هنا أولى ؛ لأن الحب الذي أشربوه في قلوبهم عبادةٌ قلبيةٌ ، فإضافته إليها إضافة الشيء إلى نفسه والأصل ألاَّ يضاف الشيء إلى نفسه (1) وعلى كلا التقديرين يكون الغرضُ من نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه المبالغة يقول أبو حيان : " وحسُن حذف ذينك المضافين وأسند الإشراب إلى ذات العجل مبالغة ، كأنه بصورته أشربوه وإن كان المعنى على ما ذكرناه من الحذف"(2).
ومما يكون فيه تقدير مضافين أولى من تقدير ثلاثة مضافات ، قول الشاعر(3) :
وقد جعلَتْني من حزِيمةَ إصبعا ... فأدركَ إبقاءَ العرادةِ ظلعُها
قدَّر بعضهم مضافين ، أي : ذا مسافةِ إصبعٍ(4) .
وقدر آخرون ثلاثة مضافات ، أي : ذا مقدار مسافة إصبعٍ(5) . قال البغدادي ( ت : 1093هـ ) : " الأولى تقدير مضافين ، أي : ذا مسافة إصبعٍ فإن المسافة معناها البعد، والمقدار لا حاجة إليه "(6) .
أيهما أولى بالتخريج عليه أنزع الخافض أم التضمين ؟
__________
(1) ينظر : شرح الكافية : 2/267 - 275 .
(2) البحر المحيط : 1/495 . وينظر : تفسير القاسمي : 1/353 .
(3) البيت للكلحبة اليربوعي في : المفضليات : 32 ، وشرح اختيارات المفضل : 1/146 ، وخزانة الأدب : 4/369 وقيل لغيره . ينظر : شرح المفصل : 3/29 ، ومغني اللبيب : 2/624 ، وبلا نسبة في : شرح الأشموني : 2/272 .
(4) ينظر : شرح الأبيات المشكلة الإعراب : 495 ، وشرح الكافية الشافية : 2/972 ، ومغني اللبيب : 814 ، وشرح الأشموني : 2/272 - 273 .
(5) ينظر : شرح الكافية : 2/286 - 287 .
(6) خزانة الأدب : 4/369 .(1/63)
المقصود بالتضمين - بحسب ما ارتضاه مجمعُ اللغة العربية بالقاهرة - " أن يؤدي فعلٌ أو ما في معناه في التعبير مؤدَّى فعل آخر أو ما في معناه ، فيُعطَى حكمَه في التعدي واللزوم "(1) ومن أمثلته قوله تعالى : { عيناً يشرب بها عبادُ الله } (2) ضُمِّنَ يشرب المتعدي بنفسه معنى يَروَى أو يلتذُّ المتعدي بوساطة حرف الجر ، فأعطى حكمه في التعدي بالحرف(3) ، ومما يمثلون به أيضاً قوله تعالى : { ولا تعزموا عقدة النكاح } (4) ضمن عزم المتعدي بوساطة حرف الجر ( على ) معنى نوى المتعدي بنفسه فأعطي حكمه في التعدي بلا واسطة(5) .
__________
(1) مجموعة القرارات العلمية في خمسين عاماً : 6. وينظر في حد التضمين وبعض مباحثه : الخصائص : 2/ 309 435، والمحتسب : 1/131 ، والإشارة إلى الإيجاز : 54 – 55 ، وبدائع الفوائد : 2/ 258 ، ومغني اللبيب : 897 وشرح الأشموني : 2/95 ، والأشباه والنظائر : 1/241 ، 6/98 ، وحاشية ياسين على التصريح : 2/4 – 7 ودراسات في فلسفة النحو والصرف : 30 ، والتضمين للإسكندري ( بحث ) : 181 ، وظاهرة النيابة 270 .
(2) الإنسان 6.
(3) ينظر : معاني القرآن للفراء : 3/215 ، والتبيان : 2/1258 ، والبحر المحيط : 10/361 ، ومعترك الأقران : 1/263 ، وروح المعاني : 15/ 171 ، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق1/ج3/459.
(4) البقرة : 235.
(5) ينظر : التبيان : 1/ 188 ، والبحر المحيط : 2/525 ، ومغني اللبيب : 898 ، وشرح الأشموني : 2/97 .(1/64)
والحديث في التضمين من حيثُ فائدتُه ، وكثرتُه ، وقياسيتُه ، وصورُه ، وطرقُه ، وما يختصُّ به والمجيزون له والمانعون وطرائق تخريجهم أمثلتَه التي يوردها المجيزون ، وأيُّهما أولى بالتخريج آلتضمينُ أم تناوبُ حروف الجر ، والتضَمين أم زيادة حرف الجر ، والتضمين أم إضمار الفعل والتضمين أم التجوز بالاستعارة والتضمين أم نزع حرف الجر ، الحديث في ذلك كله يطول جداً والذي يعنيني منه صورةٌ يلتقي فيها التخريجان التضمينُ ونزع الخافض ، وهي التي يصل فيها الفعل أو ما في معناه إلى المفعول بنفسه ، والأصل فيه تعدِّيْه بحرف الجر ، كقوله تعالى : { ولا تعزموا عقدة النكاح } فالأصل في ( تعزموا ) أن يتعدى بعلى ، تقول : عزمت على كذا لا عزمت كذا(1) فلما ورد واصلاً إلى المفعول بنفسه ، اختلف النحويون في تخريجه في هذا المثال على أقوال :
الأول : تضمينه معنى فعلٍ متعدٍّ بنفسه هو ( تنووا ) أو ( تباشروا ) أو ( تقطعوا ) أو نحوها ، فـ (عقدة ) مفعول به(2).
الثاني : تضمينه معنى فعلٍ ، المنصوبُ مصدرُه ، أي : لا تعقدوا عقدة النكاح ، فـ ( عقدة ) مفعول مطلق(3) .
الثالث : إبقاء الفعل ( تعزموا ) على أصل معناه ، وانتصاب ( عقدة ) على نزع حرف الجر والأصل : ولا تعزموا على عقدة النكاح ، فلما نزع الجار ، وصل الفعل إليه فنصبه(4) .
__________
(1) ينظر : شرح الأشموني : 2/97.
(2) ينظر : التبيان : 1/188 ، والبحر المحيط : 2/525 ، ومغني اللبيب : 898 ، وشرح الأشموني : 2/97 ،ودراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق1/ج3/455 - 456 ، وظاهرة النيابة : 278 .
(3) ينظر : مشكل إعراب القرآن : 1/132 ، والبيان : 1/162 ، والمساعد : 1/444 .
(4) ينظر : معاني القرآن وإعرابه : 1/318، وإعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج : 1/110 ، وأمالي ابن الشجري :1/286 والتبيان : 1/161 .(1/65)
ومرد هذه التخريجات الثلاثة إلى قولين : التضمين ونزع الخافض ، وبهما خُرِّجَ قولُه تعالى : { إنَّ اللهَ عهِد إلينا ألاَّ نؤمنَ لرسولٍ حتى يأتيَنا بقربانٍ } (1) :
فقيل(2) : المصدر المؤول من أنْ والفعل ( ألاَّ نؤمنَ ) منصوب على نزع الخافض ، والتقدير : بألاَّ نؤمن ، وقيل : المصدر المؤول مفعول به ، على تضمين عهد معنى أَلْزَمَ .
ومما يحتمل أن يكون منصوباً على نزع الخافض أو أنه مفعول لفعلٍ مضمن معنى فعلٍ متعدٍ قوله تعالى : { لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم } (3) فقيل في ( صراطك )(4) : منصوب على نزع الخافض ، أي : على صراطك ، وقيل : ضمن (لأقعدن ) معنى لأَلْزَمَنَّ ،وقيل: ظرف، وفيه بحث سيأتي في موضعه .
ومثل ذلك كثير ، وهي إحدى الصور التي يمكن تخريجها على التضمين ، وهناك صور أخرى تحتمل التخريج على التضمين من ذلك(5) :
1- تضمين ما يتعدى إلى مفعول بنفسه معنى ما يتعدى - بحرف جر ، كقوله تعالى : { عيناً يشرب بها عباد الله } (6)، وكقوله تعالى : { وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوفِ أذاعوا به } (7) ، قيل : ضمن أذاعوا معنى تحدثوا(8) .
__________
(1) آل عمران : 183 .
(2) ينظر : التبيان : 1/317 ، والبحر المحيط : 3/458 ، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق1/ج3/456 .
(3) الأعراف : 16 .
(4) ينظر : معاني القرآن للفراء : 1/375 ، ومعاني القرآن للأخفش : 2/513 ، وجامع البيان : 12/336 - 338 ومعاني القرآن وإعرابه : 2/324 ، والبحر المحيط : 5/21 ، وشرح الأشموني : 2/96 ، وحاشية ياسين على الألفية: 1/275 .
(5) ينظر : دراسات في فلسفة النحو والصرف : 30 ، والتأويل النحوي : 2/1246 ، وظاهرة النيابة : 273 – 275.
(6) الإنسان : 6 . وينظر : 39 من هذا البحث
(7) النساء : 83 .
(8) ينظر : التبيان : 1/376 ، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم :ق1/ج3/458 .(1/66)
2- تضمين ما يتعدى بوساطة حرف جر ، معنى ما يتعدى بوساطة حرف جر آخر ، كقوله تعالى : { فسوف يأتي الله بقومٍ يحبُّهم ويحبونه أذلةٍ على المؤمنين أعزَّةٍ على الكافرين } (1) عدي ( أذلة ) بعلى لتضمينه معنى العفو والعطف والأصل تعديه باللام (2) .
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى : { ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا } (3) عدي ( نصرناه ) بمن والأصل تعديه بعلى لأنه ضمن معنى خلَّصناه ، أو نجَّيناه أو أخرجناه أو عصمناه أو منعناه(4) .
3- تضمين ما يتعدى إلى مفعول بنفسه معنى آخر مثله في التعدية ، كقوله تعالى : { فأماته الله ُمائة َعامٍ ثم بعثه } (5) يقول ابن هشام : " إن المتبادر انتصاب مائة بأماته ، وذلك ممتنع مع بقائه على معناه الوضعي ، لأن الإماتة سلبُ الحياةِ وهي لا تمتد والصواب أنْ يُضَمَّنَ أماته معنى ألبثه ، فكأنه قيل : فألبثه اللهُ بالموتِ مائة عامٍ ، وحينئذٍ يتعلق الظرفُ بما فيه من المعنى العارض له بالتضمين "(6) .
__________
(1) المائدة : 54 .
(2) ينظر : البحر المحيط : 4/298 ، ومدارج السالكين : 2/310 ، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق1/ج3/458 .
(3) الأنبياء : 77 .
(4) ينظر : التبيان : 2/923 ، والبسيط : 1/465 ، 2/843 ، والبحر المحيط : 7/454 ، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق1/ج3/452 .
(5) البقرة : 259 .
(6) مغني اللبيب : 687 . وينظر : ظاهرة النيابة : 274 - 275 .(1/67)
4- تضمين ما يتعدى إلى المفعول الأول بنفسه وإلى الثاني بوساطة حرف الجر ، معنى ما يتعدى إلى ثلاثة مفعولات ، والمشهور من ذلك خمسة أفعال(1) ؛ نبَّأ وأنبأ وحدَّث وأخبر وخبرَّ ، الأصل فيها أن تتعدى إلى الثاني بالباء أو بعن ، كقوله تعالى : { قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم } (2)وقوله تعالى : { فلما نبأها به } (3) ، فإذا ضمنت هذه الأفعال معنى أعلم تعدت تعديه إلى ثلاثة مفعولات ، كقول الشاعر(4) :
كما زعموا خيرَ أهلِ اليمنْ ... ونبئت قيساً - ولم أبلُهُ -
وقول الآخر(5):
فأقبلتُ من أهلي بمصرَ أعودُها ... وخُبِّرتُ سوداءَ الغميم مريضةً
__________
(1) ينظر : المقتصد : 1/622 ، واللباب : 1/256 ، وشرح الكافية الشافية : 2/569 ، والمباحث الخفية : 1/530 .
(2) البقرة : 33 .
(3) التحريم : 3 .
(4) البيت للأعشى الكبير ، ميمون بن قيس في : ديوانه : 75 ، وتخليص الشواهد : 467 ، وشرح التصريح : 1/265 والدرر اللوامع : 2/278 ، وبلا نسبة في : شرح عمدة الحافظ : 1/251 ، وشرح ابن عقيل : 1/357 وشرح الأشموني : 2/41 ، وهمع الهوامع : 1/507 .
(5) البيت للعوام بن عقبة بن كعب بن زهير في : شرح التصريح : 1/ 265 ، والدرر اللوامع : 2/278 ، وبلا نسبة في : شرح ديوان الحماسة للمرزوقي : 3/1414 ، وشرح عمدة الحافظ : 1/ 252 ، وتخليص الشواهد : 467 وشرح ابن عقيل : 1/357 ، وشرح الأشموني : 2/41 ، وهمع الهوامع : 1/507 .(1/68)
5- تضمين فعلٍ ناسخٍ جامدٍ ، معنى فعل ناسخٍ متصرف ، مثال ذلك ( عسى ) الذي ضمن معنى ( حسب ) فتعدى تعديه فنصب مفعولين في قول أبي بكر لعمر رضي الله عنهما : ( ما عسيتهم أن يفعلوا بي )(1) أي : ما حسبتهم أن يفعلوا بي ، قال ابن مالك : " وكان حقُّه أن يكون عارياً من ( أنْ ) كما لو كان بعد ( حسب ) لكن جيء بـ ( أنْ ) لئلا تخرج عسى بالكلية عن مقتضاها ، ولأنَّ ( أنْ ) قد تسد بصلتها مسدَّ مفعولي حسب ، فلا يستبعد مجيئها بعد المفعول الأول بدلاً منه ، وسادةً مسد ثاني مفعوليها "(2) .
6- تضمين ما يتعدى إلى مفعولين بنفسه معنى ما يتعدى إلى مفعوله الثاني بحرف الجر ، ويمكن أن يمثَّل له برأي جماعةٍ(3) في : استغفرت الله من الذنب ، فأصل استغفر غفر المتعدي إلى واحدٍ فصار بالسين والتاء متعدياً إلى مفعولين ، فلما تضمن معنى : استتبتُ أو تبْتُ تعدى إلى الثاني بحرف الجر .
ويرى بعضهم(4) أن الأصل تعديه إلى الثاني بالحرف ، وتعدى إليه بنفسه لتضمينه معنى استوهبه إياه.
__________
(1) الأثر رواه البخاري في صحيحه في كتاب المغازي باب غزوة خيبر برقم :4240 ، 4241 . ينظر فتح الباري : 7/610 - 611.
(2) شواهد التوضيح والتصحيح : 145 . وينظر : فتح الباري : 7/ 612 .
(3) ينظر المقتصد : 1/615 ، والبسيط : 1/ 424 - 425 ، وارتشاف الضرب : 3/52 - 53 ، والبحر المحيط : 2/304 - 305 ، بدائع الفوائد : 2/292 - 293 ، ومغني اللبيب : 678 – 679 ، وشرح الأشموني : 2/96 وحاشية ياسين على التصريح : 1/394 .
(4) ينظر : الاقتضاب : 1/ 370 .(1/69)
والذي عليه سيبويه وجماعة(1) أن الأصل فيه تعديه إلى الثاني بحرف الجر ، فلما نزع حرف الجر وصل الفعل إليه فعمل ، أي أن انتصابه على نزع الخافض .
هذه بعض الصور التي يمكن أن تخرج على التضمين أو على غيره من طرق التخريج الأخرى كنيابة حروف الجر بعضها عن بعض ، أو إضمار الفعل ، أو زيادة حروف الجر ، أو التجوز بالاستعارة مما لا يعنيني بحثها ، بقدر ما يعنيني عرضُها موجزةً للإجابة عن السؤال الآتي :
أيُّ الصور التي يمكن تخريجها على التضمين أكثر وروداً في العربية ، آلصورة التي يلتقي فيها التخريجان ؛ التضمين ونزع الخافض ، أم صورةٌ أخرى من الصور التي تتخرج على التضمين وغيره من طرائق التخريج غير نزع الخافض ؟
يقول ابن عقيل : " وأكثر ما يكون التضمين في ما يتعدى بحرف ، فيصير يتعدى بنفسه ، ومنه { ولا تعزموا عقدة النكاح } (2) أي : ولا تعقدوا ، وهو كثير ، ومن النحويين من قاسه لكثرته ، ومنهم من قصره على السماع "(3).
هذا جواب ابن عقيل وهو صريح في أن أكثر صور التضمين وروداً هي التي يمكن تخريجها على نزع حرف الجر ، وليس الأمر كما قال ، بل أكثر صور التضمين وروداً هي صورة تضمين المتعدي بحرف جر معنى ما يتعدى بحرف جر آخر ، وذلك لما يأتي :
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 1/37 ، والمقتضب : 4/330 - 331 ، والأصول في النحو : 1/177- 179 ، والمسائل العضديات : 112 والمباحث الخفية : 1/500 - 502 ، وارتشاف الضرب : 3/52 ، وهمع الهوامع : 3/10 .
(2) البقرة : 235 .
(3) المساعد : 1/444 . وينظر نحوه في : 1/428 .(1/70)
1- إنَّ كلام ابن عقيل المتقدم مبتورٌ من كلام أبي حيان ، وبه تتضح حقيقة الأمر يقول أبو حيان : "وإذا أََشربْتَ اللازم معنى فعلٍ متعدٍ ، فأكثر ما يكون في ما يتعدى بحرف جر ، فيصير يتعدى بنفسه فمن النحاة من قاس ذلك لكثرته ومنهم من قصره على السماع "(1) ، فحديث أبي حيان في الفعل اللازم الذي يراد تعديته بالتضمين ، فأكثر ما يكون ذلك في اللازم المتعدي بحرف جر فيصير متعدياً بنفسه لا الأكثرية في مطلق صور التضمين كما تُوْهِمُه مقولةُ ابن عقيل .
2- إن القول بالتضمين إنما جرَّ إليه قولُ بعضهم بنيابة حروف الجر بعضها عن بعض فكان ذلك حافزاً لفقهاء العربية أن يضعوا " رسماً يُعمَلُ عليه ، ويُؤمَنُ التزام الشناعة لمكانه "(2) ، يقول ابن جني: " باب استعمال الحروف بعضها مكان بعض : هذا باب يتلقاه الناسُ مَغسولاً ساذجاً من الصنعة ، وما أبعد الصوابَ عنه ، وأوقفه دونه ، وذلك أنهم يقولون : إنَّ إلى تكون بمعنى مع ... ويقولون : إن في تكون بمعنى على ... ولسنا ندفع أن يكون ذلك كما قالوا ، لكنا نقول : إنه يكون بمعناه في موضعٍ دون موضعٍ على حسب الأحوال الداعية إليه ، والمسوغة له ، فأما في كل موضعٍ ، وعلى كل حالٍ فلا ، ألا ترى أنك إن أخذت بظاهر هذا القول غُفْلاً هكذا لا مقيداً ، لزمك أن تقول : سرتُ إلى زيدٍ وأنت تريد: معه ، وأن تقول : زيد في الفرس ، وأنت تريد : عليه ... ونحو ذلك مما يطول ويتفاحش ولكنْ سنضع في ذلك رسماً يعمل عليه ، ويؤمن من التزام الشناعة لمكانه .
__________
(1) ارتشاف الضرب : 3/51 .
(2) الخصائص : 2/309 . وينظر : بدائع الفوائد : 2/258 ، والبرهان : 3/388 .(1/71)
اعلم أنَّ الفعل إذا كان بمعنى فعلٍ آخر ، وكان أحدهما يتعدى بحرفٍ ، والآخر بآخر ، فإن العرب تتسع ، فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه ، إيذاناً بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر ، فلذلك جيء معه بالحرف المعتاد مع ما هو في معناه"(1).
فإتيان الفعل متعدياً بحرفٍ غير معتادٍ تعدِّيْه به هي أكثر صور التضمين وروداً ولأجلها اشتهر الخلاف بين النحويين في نيابة حروف الجر بعضها مناب بعض :
فالأخفش والمبرد وابن السراج ، يقولون بإقامة حروف الجر بعضها مقام بعض(2) وهو القول الذي اشتهر عند المتأخرين بأنه قول الكوفيين (3) .
والفراء والزجاج وابن جني وأكثر المتأخرين يقولون : لا نيابة بين الحروف ، ويضمن الفعل الذي تعدى بحرف جر غيرِ معتادٍ تعديْه به معنى فعلٍ آخر يتعدى بذلك الحرف ، إن أمكن ذلك وإلا فهو من وضع أحد الحرفين موضع الآخر على سبيل الشذوذ(4) ، وهو القول الذي اشتهر عند المتأخرين بأنه قول البصريين(5) .
__________
(1) الخصائص : 2/306 - 309 . وينظر : إعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج : 3/806 ، والاقتضاب : 1/338 - 342 .
(2) ينظر : معاني القرآن للأخفش : 1/205 - 206 ، والكامل : 2/721 - 722 ، 1000 - 1001 ، والمقتضب : 2/319 – 320 ، وجامع البيان : 1/298 – 299 ، الأصول في النحو : 1/414 - 415 .
(3) ينظر : الاقتضاب : 1/338 ، والجني الداني : 46 ، ومغني اللبيب : 151، ومعاني النحو : 3/6 .
(4) ينظر : معاني القرآن للفراء : 2/251 ، 299 - 300 ، ومعاني القرآن وإعرابه : 1/416 – 417 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/519 – 520 ، وشرح الكافية: 2/345 .
(5) ينظر : الاقتضاب : 1/338 ، والجني الداني : 46 ، ومغني اللبيب : 150 – 151 ، 861 ، ومعاني النحو : 3/6(1/72)
3- ومما يدلُّ على أن صورة تضمين ما يتعدى بحرف جر معنى ما يتعدى بحرف جر آخر هي الأكثر وروداً من غيرها اقتصار جماعة من النحويين عليها عند حديثهم في التضمين يقول ابن جني : " اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر وكان أحدهما يتعدى بحرفٍ والآخر بآخر ، فإن العرب قد تتسع ، فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه إيذاناً بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر ، فلذلك جيء معه بالحرف المعتاد مع ما هو في معناه "(1) .
ويقول فاضل السامرائي : " للتضمين غرض بلاغي ، وهو الجمع بين معنيين بأخصر أسلوب وذلك بذكر فعل وذكر حرف جر ، يستعمل مع فعل آخر ، فنكسب بذلك معنيين ؛ معنى الفعل الأول ومعنى الفعل الثاني ، وذلك نحو قوله تعالى : { ونصرناه من القوم الذين كذبوا } (2) "(3) ثم ذكر صورتين أخريين غير ما تقدم ، لكنه لما كان الغالب وروداً هو صورة تضمين ما يتعدى بحرف جر معنى ما يتعدى بحرف جر آخر جاء بيان معنى التضمين في كلامه محصوراً فيها . وهكذا لما كان الغالب مجيء التضمين في الأفعال جرى تخصيص التضمين بها ، وإن كان يجيء في الأسماء الجارية مجرى الأفعال ، قال الشهاب : " وهكذا الناسُ مع الغالبِ"(4) .
__________
(1) الخصائص : 2/309 ، وينظر : 2/435 ، والاقتضاب : 1/338 ، ومعترك الأقران : 1/263 .
(2) الأنبياء : 77 .
(3) معاني النحو : 3/14 .
(4) حاشية الشهاب : 1/328 .(1/73)
وإذا كان الراجحُ - عند الأكثرين - في الصورة التي يلتقي فيها القول بالتضمين والقول بتناوب الحروف ، هو القولَ بالتضمين ، بل هو الواجبُ كما يقول الرضي : إذا أمكن في كل حرفٍ يتوهم خروجه عن أصله ، وكونه بمعنى كلمة أخرى أو زيادته أن يبقى على أصل معناه الموضوع هو له ويضمَّن فعله المعدى به معنىً من المعاني يستقيم به الكلام فهو الأولى بل الواجب "(1) ، إذا كان هذا هو الراجح أو الواجب في هذه الصورة فما هو الأولى بالتخريج عليه في صورة تعدي العامل إلى المفعول بنفسه والأصل تعديه بحرف الجر أهو تضمين المتعدي بالحرف معنى ما يتعدى بنفسه أم القول بنزع الخافض مع بقاء العامل على أصل وضعه معنىً وعملاً ؟
للنحويين في ذلك وجهتان :
الأولى : وجهة من يغلِّب جانب التخريج على التضمين ، من ذلك قول ابن جني في قوله تعالى في قراءةٍ شاذة : { وما يُخدَعُون إلا أنفسَهم } (2) : " هذا على قولك : خدعت زيداً نفسه ، ومعناه : عن نفسه فإن شئت قلت على هذا : حُذِفَ حرفُ الجر فوَصَلَ الفعلُ كقوله عزَّ اسمه : { واختار موسى قومه سبعين رجلا ً } (3) أي : من قومه ... وإن شئت قلت : حَمَلَه على المعنى ، فأضمر له ما ينصبه ، وذلك أن قولك : خدعت زيداً عن نفسه ، يدخله معنى : انتقصته نفسَه وملكت عليه نفسَه ، وهذا من أسدِِّ وأدمث مذاهب العربية . وذلك أنه موضع يملك فيه المعنى عنانَ الكلام ، فيأخذه ويصرفه بحسب ما يؤثره عليه "(4) .
__________
(1) شرح الكافية: 4/345 . وينظر : شرح الجمل لابن العصفور : 1/519 – 520 ، وبدائع الفوائد : 2/258 – 259.
(2) البقرة : 9 . وبها قرأ أبو طالوت ، عبد السلام بن شداد ، والجارود بن أبي سبرة . ينظر : المحتسب : 1/130 – 131 ، والبحر المحيط : 1/94 .
(3) الأعراف : 155 .
(4) المحتسب : 1/130 - 131 .(1/74)
ومن ذلك قول ابن القيم في قوله تعالى : { اهدنا الصراط المستقيم } (1) : " فعل الهداية يتعدى بنفسه تارة ، وبحرف ( إلى ) تارة ، وباللام تارة ، والثلاثة في القرآن ... والفروق لهذه المواضع تدقُّ جداً عن أفهام العلماء "(2) ثم خرج كل استعمال منها على قاعدة التضمين .
ولعلَّ قائلاً يقول : إن الدعوى بتغليب جانب التضمين أعمُّ وأوسع مما ذكرتَ ، فلعلَّ تخريجهم تلك الأمثلة على التضمين إنما كان بخصوص تلك الأمثلة .
والجواب أن التخريج على التضمين في الأمثلة المذكورة مبنيٌّ على وجهةٍ تحتفي بالتضمين وتتوسع في التخريج عليه وتصفه بأنه " باب من هذه اللغة واسع لطيف طريف "(3) وأنه " غورٌ من أنحاء العربية طريف ولطيف ومصون وبطين "(4) ووجدوا " في اللغة من هذا الفن شيئاً كثيراً لا يكاد يحاط به ، ولعله لو جُمع أكثره لا جميعه لجاء كتاباً ضخماً "(5) ثم إن التخريج عليه طريقةُ فقهاء أهل العربية ، والتخريجَ على ما سواه طريقةُ ظاهرية النحويين(6)، فالقول بالتضمين – عندهم - أولى لما تقدم و" لأنه أسهل من الحذف "(7).
__________
(1) الفاتحة : 6 .
(2) بدائع الفوائد : 2/258 .
(3) الخصائص : 2/435 .
(4) المحتسب : 1/132 .
(5) الخصائص : 2/310 . وينظر : مغني اللبيب : 899 .
(6) ينظر : بدائع الفوائد : 2/258 .
(7) حاشية ياسين على الألفية : 1/285 .(1/75)
لذا يجد التخريج على التضمين صدوداً عند الناظرين إليه بغير تلكم النظرة ، فإذا ما عرض التضمين قولاً في التخريج قيل : " ذلك فاسد ، لأن التضمين ليس بقياس فلا يقال به ما وجد عنه مندوحة "(1)، ومثل ذلك ردُّ أبي حيان على الزمخشري تضمينه حسب معنى قدَّر في قوله تعالى : { أم حسب الذين يعملون السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات } (2) : " التضمين ليس بقياس ، ولا يصار إليه إلاَّ عند الحاجة إليه ، وهذا لا حاجة إليه "(3) .
والتصريح بترجيح التضمين على نزع الخافض في الصورة المحتملة لهما جاء عند ياسين في قوله : " التوسع الذي هو نزع الخافض كذلك(4) ، بل قد يقال : التضمُّن أولى لتكثير المعنى الحاصل به ، و لأنه قيل بأنه قياسي فتدبر "(5)
الوجهة الثانية : وجهة من يغلب التخريج على غير التضمين ، ومن ذلك التخريج على نزع الخافض في صورة الاحتمال ، لأنه " ليس ينبغي أن يحمل فعلٌ على معنى فعلٍ آخر إلا عند انقطاع الأسباب الموجبة لبقاء الشيء على أصله"(6).
__________
(1) شرح الجمل لابن عصفور : 1/329 .
(2) العنكبوت : 4 .
(3) البحر المحيط : 8/341 . وينظر : 2/149 ، 4/439 ، 7/16 .
(4) أي كالتضمين في كونه على خلاف الأصل .
(5) حاشية ياسين على التصريح : 1/265 . وينظر : حاشية الدسوقي : 3/167 .
(6) الأشباه والنظائر : 6/101 ، وهذه المقولة التي أوردها السيوطي هاهنا هي من كلام السخاوي في سفر السعادة ، يردُّ فيها على أبي نزار ( ت : 568هـ ) الملقَّب بملك النحاة إحدى مسائله العشر المتعبات إلى الحشر .(1/76)
وهذه الوجهة هي طريقة سيبويه وابن مالك ، يقول سيبويه في باب أمر : " وإنما فُصل هذا ؛ أنها أفعالٌ توصل بحروف الإضافة ، فتقول اخترت فلاناً من الرجالِ ، وسميته بفلانٍ ، كما تقول : عرفته بهذه العلامة ، وأوضحته بها ، وأستغفر اللهَ من ذلك ، فلما حذفوا حرف الجر عمل الفعل ، ومثل ذلك قول المتلمس(1):
والحَبُّ يأكلُه في القريةِ السوسُ ... آليتَ حَبَّ العراقِ - الدهرَ – أطعمُه
يريد على حَبِّ العراق .
وكما تقول : نبئت زيداً يقول ذاك ، أي : عن زيدٍ ... فهذه الحروف كان أصلها في الاستعمال أن توصل بحروف الإضافة ... ومنه قول الفرزدق(2) :
وجوداً إذا هبَّ الرياحُ الزعازعُ ... منَّا الذي اختِيرَ الرجالَ سماحةً
وقال الفرزدق أيضاً(3) :
كراماً مواليْها لئيماً صميمُها "(4). ... نُبئتُ عبدَ الله بالجوِّ أصبحتْ
وفي ذلك يقول ياسين : " خرَّج سيبويه نبئت عبد الله ، على : نبئت عن عبدالله ، مع احتماله لأن يكون ضمّن نبئت معنى أعلمت ، لكنه ترجح عنده حذف حرف الجر على التضمين "(5) .
__________
(1) البيت له أيضاً في : الأصول في النحو : 1/179 ، وتحصيل عين الذهب : 68 ، وتخليص الشواهد : 507 ، وشرح التصريح : 1/312 ، وخزانة الأدب : 6/323 ، وبلا نسبة في : أوضح المسالك : 2/160 ، ومغني اللبيب : 134 323 .
(2) البيت له في : ديوانه :138 ، والكامل : 1/48 ، والمقتضب :4/330 ، والأصول في النحو : 1/180 ، وشرح أبيات سيبويه : 1/282 ، وتحصيل عين الذهب : 69 ، وشرح المفصل : 8/51 ، والدرر اللوامع : 2/291 ، وبلا نسبة في : همع الهوامع : 1/520 .
(3) البيت له أيضاً في : تحصيل عين الذهب : 69 ، وشرح التصريح : 1/293 ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في : شرح أبيات سيبويه : 1/283 ، وأوضح المسالك 2/136 ، وشرح الأشموني : 2/70 .
(4) كتاب سيبويه: 1/38 - 39 .
(5) حاشية ياسين على الألفية : 1/187.(1/77)
وهو رأي ابن مالك الذي ذهب إلى أَنَّ " أَوْلَى من ذلك يعني من نصب نبَّأ وأخواته ثلاثةً أن يُحمَلَ الثاني منها على نزع الخافض كما في آية التحريم(1) وكما في قول بعض العرب نبئت زيداً ، مقتصراً عليه ، وكما قال سيبويه في : نبئت عبدالله ، والثالث حال ويرجح ذلك كونه حملاً على ما ثبت وهو التوسع ، ، وأن فيه سلامة من التضمين الذي هو خلاف الأصل "(2).
وليس ترجيح النزع هاهنا على التضمين لخصوص الأمثلة المذكورة ، ولكنه يمثل وجهةً للترجيح عند التعارض ، ولذلك كان " كثيرٌ من الفحول كالناظم يرتكب حذف الجار "(3) لأن نزع الجار عندهم أسهل من التضمين(4) " لأنه ليس ينبغي أن يحمل فعلٌ على معنى فعلٍ آخر إلا عند انقطاع الأسباب الموجبة لبقاء الشيء على أصله "(5) .
والمختار في نظر الباحث – الوجهة الثانية لما يأتي :
1- أن نزع الخافض والتضمين " وإن اشتركا في أنهما على خلاف الأصل ، لكن في التضمين تغيير معنى الأصل ، ولا كذلك الحذف "(6) ومهما أمكن إجراء اللفظ على مدلوله الوضعي ، فإنه يكون أولى ، فيترجح حينئذٍ نزع الخافض ، لأنَّ فيه إبقاءً للفظ على أصل وضعه ، بخلاف التضمين ، ففيه زيادة بتغيير الوضع(7) .
__________
(1) يشير إلى قوله تعالى { من أنباك هذا } التحريم : 3
(2) شرح التصريح : 1/265 . وينظر : شرح التسهيل : 2/33-34 .
(3) حاشية ابن حمدون : 253 .
(4) ينظر : الأشباه والنظائر : 1/169 .
(5) المرجع السابق : 6/101 .
(6) مغني اللبيب : 299 . وينظر : الكليات : 384 .
(7) ينظر : الأشباه والنظائر : 1/169-170 .(1/78)
2- في التضمين صرف اللفظ عن ظاهره ، وحمله على غير معناه ، فهو تأويل ولا يصح القول به إلا بالقرينة ( الدليل ) والقرينة الحاملة على معنى المتعدي بنفسه هاهنا هي التعدية(1) والقائلُ بنزع الخافض ينازع في القرينة نفسها أن تكون هي الحاملةَ على التضمين فيؤول الأمر إلى الحمل على معنىً بقرينة متنازعٍ فيها ، فلا ينهض حينئذٍ الدليل لحمل اللفظ على غير معناه و " خروج الشيء عن معناه خلافُ الأصل ، فلا يرتكب ما أمكن حملُه على عدم خروجه عنه "(2) .
يوضحه أن القرينة : هي " الركن الأقوى في التضمين ، إذ لولا القرينة ما عُرِِِِِفَ أن الفعل تُوسِّعَ في معناه "(3) وشرطها أن يؤمن معها اللبس ، قال الاسكندري : " وتقييدنا القرينة بأنها تمنع اللبس احتراز مما لا تمنع اللبس بأن يفهم معها الاقتصار على المعنى الحقيقي في الملفوظ ، ولا تُطرِّق إلى معنىً آخر لفعلٍ ملحوظ "(4) .
__________
(1) ينظر : حاشية ياسين على التصريح : 2/6 ، والتضمين للاسكندري ( بحث ) : 198 .
(2) شرح الكافية: 1/224 .
(3) التضمين للاسكندري ( بحث ) : 197 .
(4) المرجع السابق : 198 .(1/79)
3- إذا قيل بأن نزع الخافض ليس بقياس ، فيترجح حينئذٍ التضمين على النزع ، فالجواب أنه قيل في التضمين ما قيل في نزع الخافض ، يقول ياسين : " والتضمين وإسقاط حرف الجر لا ينقاسان "(1) فإن قيل : الراجح قياسية التضمين بشروطه(2) فالجواب أن نزع حرف الجر وانتصاب ما كان مجروراً به ( الحذف والإيصال ) ، منقاس بضوابطه التي سيأتي الحديث فيها ، فليس للتضمين ولا للنزع مزيةٌ للترجيح من هذه الحيثية ، يقول الكفوي ( ت : 1094هـ ) : "التضمين سماعي لا قياسي ، وإنما يُذهَب إليه عند الضرورة ، أما إذا أمكن إجراء اللفظ على مدلوله ، فإنه يكون أولى ، وكذا الحذف والإيصال ، لكن لشيوعهما صارا(3) كالقياس حتى أكثر العلماء التصرف والقول بهما في مالا سماع فيه"(4) .
طرائق العلماء في تحليل تركيب صورة احتمال نزع الخافض والتضمين
تقدم أن الأولى بالتخريج عليه في صورة الاحتمال هو نزعُ الخافض ، وقد يرجِّح بعض العلماء التخريج على التضمين ، فكان هذا كافياً في توجيه هذه الصورة إلا أننا نجد في أثناء تحليل العلماء لتركيب صورة الاحتمال ثلاث طرائق :
__________
(1) حاشية ياسين على الألفية : 1/330 .
(2) ينظر : شرح التصريح : 1/346 ، وهمع الهوامع : 3/159 - 160 ، وحاشية الصبان : 1/14 ، وحاشية الدسوقي : 3/167 ، ومجموعة القرارات العلمية في خمسين عاماً : 6 ، والتضمين للاسكندري ( بحث ) : 195 - 196 وفي أصول النحو : 120 – 121 ، وظاهرة النيابة : 264 - 265 .
(3) في الأصل: صار ، والصواب ما أثبته .
(4) الكليات : 266 - 267 .(1/80)
أ- طريقة من يضمن ما يتعدى بالحرف معنى ما يتعدى بنفسه ، فيُنيب الفعل المتضمِّن أو ما في معناه مُنابَ الفعل المتضمَّن أو ما في معناه ، فيأخذ المتضمِّن حكم المتضمَّن في العمل فينصبُ ما كان يصل إليه بوساطة حرف الجر ، وهذه الطريقة هي التي كشف عنها وحققها أستاذي عبد الله بابعير في بيان حقيقة التغيير الحاصل في أمثلة التضمين(1) .
ب- طريقة من يبقي دلالة الفعل أو ما في معناه على أصل وضعها ، ويفسر التغيير الحاصل في الاستخدام بنزع حرف الجر وإيصال معنى العامل إلى الاسم فينصبه .
وهاتان الطريقتان هما الشائعتان في تخريج أمثلة صورة الاحتمال ، من ذلك قول العكبري في قوله تعالى : { ولا تعزموا عقدة النكاح } (2) : " أي : على عقدة النكاح وقيل: تعزموا بمعنى تنووا ، وهذا ما يتعدى بنفسه فيعمل عمله"(3) .
ج- طريقة من يجمع بين النزع والتضمين ، ووجدت هذا عند السهيلي وابن القيم ، يقول السهيلي في ما يتعدى بحرف الجر تارة وبنفسه تارة أخرى :" أصل هذا الفصل أن كل فعلٍ يقتضي مفعولاً ويطلبه فلا يصل إلى ما بعده إلا بحرف الجر ... وربما تضمن الفعل معنى فعلٍ آخر متعد بغير حرفٍ فيسقط حرف الجر من أجله ... نحو : نصحت لزيدٍ ولكنهم يقولون : نصحت زيداً فيسقطون الحرف لأن النصيحة متضمنة للإرشاد فكأنهم قالوا : أرشدت زيداً ... وكذلك شكرت ... تقول شكرت لزيدٍ ثم يحذف الحرف ، لأن شكرت متضمنة لحمدت أو مدحتَ "(4) .
ويقول ابن القيم : " كل فعلٍ يقتضي مفعولاً ويطلبه ، ولا يصل إليه بنفسه توصلوا إليه بأداة ، وهي حرف الجر ، ثم إنهم قد يحذفون الحرف ، لتضمن الفعل معنى فعل متعد "(5) .
__________
(1) ينظر : ظاهرة النيابة : 267 - 269 .
(2) البقرة : 235 .
(3) التبيان : 1/188 .
(4) نتائج الفكر : 352 .
(5) بدائع الفوائد : 2/306 .(1/81)
وظاهر كلام مصطفى جواد اتخاذ هذه الطريقة أساساً لتحليل التركيب في صورة الاحتمال وذلك في قوله : " وإذا كان التضمينُ جائزاً انفتح للفصحاء باب حذف الجار مع الفعل اللازم انفتاحاً تاماً "(1) .
وهذه الطريقة تشبه طريقة من يجمع بين التضمين وتناوب الحروف في نحو قوله تعالى : { عيناً يشرب بها عبادُ اللهِ } (2) فالمشهور في تخريج تعدي ( يشرب ) بالباء قولان ؛ إما تضمين يشرب معنى يروى ، وإما مجيء الباء بمعنى مِنْ وهكذا الشأن في أمثلة هذه الصورة ، غير أنه جرى في كلام ابن جني وتبعه ابن يعيش الجمعُ بين الطريقتين ، يقول ابن جني : "اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعلٍ آخر وكان أحدهما يتعدى بحرف والآخر بآخر ، فإن العرب قد تتسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه إيذاناً بأن هذا الفعل في معنى ذلك الفعل "(3) .
__________
(1) دراسات في فلسفة النحو والصرف : 92 .
(2) الإنسان : 6 .
(3) الخصائص : 2/309 . وينظر : شرح المفصل : 8/15 .(1/82)
والذي ينبغي أن يكون هو إفرادُ إحدى الطريقتين بالتخريج ، إما التضمين وإما النزع في الصورة المحتملة لهما ، وإما التضمين وإما تناوب الحروف في الصورة الأخرى المحتملة لهما ، أما الجمع بينهما فذلك مخلٌّ ببيان أصل التركيب ، ثم إن الجمع بين التضمين والنزع في صورة الاحتمال جمعٌ بين طريقتين من طرائق تعدي الفعل اللازم ولا يجتمع للفعل معديان إلا شيئاً حكوه في قراءة أبي جعفر : { يكاد سنا برقه يُذهِبُ بالأبصار } (1) بضم الياء وكسر الهاء ، وخرجوه(2)على زيادة الباء أي : يُذهِبُ الأبصارَ أو على أن الباء بمعنى من ، والمفعول محذوف ، تقديره : يُذهِبُ النور من الأبصار .
أقسام شواهد نزع الخافض ( حرف الجر ) التي قيل بتخريجها على التضمين
يغلب على النحويين في تخريج الشواهد تعدُّدُ أوجه التخريج ، ويغلب عليهم أيضاً في الصورة التي تحتمل النزع والتضمين ذكرُهما ، غير أن من الشواهد ما يكثر تخريجه على التضمين ، ومنها ما يكثر تخريجه على نزع الخافض ، ومنها ما يتقارب فيه ذكر التخريجين فهذه أقسام ثلاثة .
__________
(1) النور : 43 . قرأ بها من العشرة أبو جعفر ، وقرأ بها في الشواذ شيبة . ينظر : جامع البيان : 19/203 والمحتسب : 2/157-158 ، والبحر المحيط 8/58 ، والنشر في القراءات العشر : 2/332 ، وإتحاف فضلاء البشر : 2/300 .
(2) ينظر : جامع البيان : 19/203 ، والمحتسب : 2/158 ، والمخصص : 14/392 ، والبحر المحيط :8/58 .(1/83)
فممَّا يكثر تخريجه على التضمين قول من قال(1) : أرحُبكم الدخولُ في طاعة ابن الكرماني ، وقوله(2)
__________
(1) ينسب هذا القول إلى نصر بن سيار أحد عمال بني أمية على خراسان ( ت : 131هـ ) . ينظر : العين 3/315 وشواهد التوضيح والتصحيح : 146 ، ولسان العرب ( رحب ) ، وارتشاف الضرب : 3/51 . وهل نصرٌ هذا ممن يوثق بعربيته ؟ قال في لسان العرب : " قال الأزهري : لا يجوز رَحُبَكم عند النحويين ، ونصرٌ ليس بحجة " ، وقال القواس في : المباحث الخفية : 1/476 عن هذا الأثر : " قيل : إنه لم يُسْمَعْ ممن يُوثَقُ بعربيته " .
(2) ذكره في : لسان العرب وتاج العروس ( طلع ) حديثاً بلفظ : ( هذا بُسْرٌ قد طلَع اليمنَ ) بالسين المهملة في بسر وبفتح اللام في طلع ، ولم أجده في كتب الحديث بعد البحث الطويل . ويذكره بعض النحويين من قول علي رضي الله عنه بلفظ : ( إنَّ بشراً طلُع اليمن ) بالشين المعجمة في بشر ، وبضم اللام في طلع . ينظر : المساعد : 1/428 =وشرح التسهيل للدماميني ( مخطوط ) ك 34 قة 7 و ، وذكره ابن هشام في مغني اللبيب : 674 بهذا اللفظ غير منسوب ، وذكره الأشموني غير منسوب بلفظ : طلُع بشرٌ اليمنَ ، بضم لام طلع، وبالشين المعجمة في بشر ، ينظر : شرح الأشموني : 2/97 وعلى رواية النحويين الضمَّ في لام طلع يصح الاستشهاد به على تعدي طلُع اللازم إلى المفعول به إما على التضمين وإما على نزع الخافض .
واقتصر ابن هشام في موضع من المغني : 680 على ذكر الفعل طلُع بضم اللام مضمِّناً إياه معنى بلغ من غير أن يذكر معه الأثر ، والذي جاء في معجمات اللغة كأساس البلاغة : 282-283 ، ولسان العرب ، والقاموس ، وتاج العروس ( طلع ) وغيرها إنما هو فتح اللام وكسرها ، ولا ذِكْرَ لضمِّها ، فالقول بأن طلَع جاء مضموماً شيءٌ ذكره النحويون ، ولا رصيد له في معجمات اللغة التي اطلعت عليها ، ويؤيد هذا أن صاحب الصحاح قال في ( رحب ) : " لم يجيء في الصحيح فعُل بضم العين متعدياً غيره " . وينظر : لسان العرب ( رحب ) فقرْنُ طلُع برحُب والقول بأنه لا ثالث لهما قول ينبغي التوقف فيه . وإذا تقرر أن طلع إنما جاء في الأثر مفتوحاً لا مضموماً ، فالفعل متعدٍّ لا لازم كما نصَّ عليه الفيومي في المصباح المنير : 142 . ثم إن الأثر المروي عن علي رضي الله عنه جاء في نهج البلاغة بطبعاته الثلاث التي وقفت عليها بلفظ ( أُنبئتُ بُسْراً قد اطَّلَعَ اليمنَ) . ينظر : 1/43 تحقيق : محمد عبده ، و 1/67 تحقيق : محمد محي الدين ، و67 تحقيق : صبحي الصالح ، فيسقط بهذه الرواية الاستدلالُ على أن طلع جاء متعدياً والصواب أيضاً أن ( بُسراً ) إنما هو بالسين المهملة لا بالشين المعجمة كما هو مذكور في كتب النحويين . وبسر هذا هو بسر بن أرطأه ، ويقال : ابن أبي أرطأة . ينظر : في ترجمته : تهذيب الكمال في أسماء الرجال :4/59.(1/84)
إنَّ بشراً طلُع اليمنَ .
خرجهما كلُّ من وقفتُ على كلامهم على تضمين رحُب معنى وسع ، وتضمين طلُع معنى بلغ لأجل أن ( فعُل ) لا يجيء في الصحيح متعدياً ، قال ابن هشام : " ولا ثالث لهما "(1) ومقتضى القول المختار بأنه " ليس ينبغي أن يحمل فعلٌ على معنى فعلٍ آخر إلا عند انقطاع الأسباب الموجبة لبقاء الشيء على أصله "(2)ترجيحُ التخريج على نزع حرف الجر والتقدير في : أرحبكم الدخولُ ...: أرحُبَ عليكم الدخولُ(3) فلما نزع حرف الجر انتصب الضمير متصلاً ، وفي : طلُع بشرٌ اليمن ، التقدير : طلُع بشرٌ إلى اليمنِ .
ومما يكثر تخريجه على نزع حرف باب أمر واختار كما في نحو : أمرتك الخيرَ ، فقد خرجه الأكثرون على نزع حرف الجر(4) ، فالأصل : أمرتك بالخير ، بل جزم بعض الباحثين بأنه لا تضمين في باب أمر(5) ، في حين عدَّ السهيلي وابن القيم وابن عقيل نحو أمرتك الخيرَ من باب التضمين ضُمِّنَ أمرتك معنى : كلَّفتك وألزمتك(6) .
__________
(1) مغني اللبيب : 674 ، وينظر : حاشية الصبان : 2/67 .
(2) الأشباه والنظائر : 6/101 .
(3) ينظر في تعدي رحُب بعلى : لسان العرب : ( رحب ) .
(4) ينظر : كتاب سيبويه : 1/37 - 38 ، والمقتضب : 4/330 - 331 ، ومعاني القرآن وإعرابه : 1/351 والأصول في النحو : 1/177 - 179 ، وشرح جمل الزجاجي لابن خروف : 1/356 - 357 ، والبسيط : 1/426 وارتشاف الضرب : 3/52 ، والأشباه والنظائر : 8/252 ، وهمع الهوامع : 3/10 - 11 .
(5) ينظر : التضمين للإسكندري ( بحث ) : 119 .
(6) ينظر : نتائج الفكر : 330 ، 336 ، وبدائع الفوائد : 2/291 ، 294 - 295 ، والمساعد : 1/428 ، وفي تعدي كلَّف إلى مفعولين ينظر : أساس البلاغة : 397 ، والمحرر الوجيز : 2/390 ، وخزانة الأدب : 9/124 - 125 .(1/85)
ومما يتقارب فيه التخريجان باب سفِهَ نفسَه وسيأتي بيانه ، من ذلك قوله تعالى : { ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفِهَ نفسَه } (1)، وقوله تعالى : { وكم أهلكنا من قريةٍ بطِرَتْ معيشتَها } (2)وقولهم(3): رشدتَ أمْرَك ، وغبنتَ رأيَك وألمتَ بطنَك ، فقد خُرِّجَ ذلك ونحوه على تخريجات كثيرة منها :
1- التخريج على تضمين معنى فعلٍ متعدٍ ، فيضمن ( سفه ) معنى أهلك أو ضيَّع أو امتهن(4) فيتعدى تعديه فينصب ( نفسه ) ، ويضمن ( بطر ) معنى خسر(5) ، وهكذا يضمَّن كلُّ فعلٍ من هذا الباب معنى فعلٍ متعدٍ مناسب .
2- التخريج على نزع حرف الجر ( في )(6) أي : سفه في نفسه ، وبطرت في معيشتها ، فلما نزع حرف الجر تعدى الفعل فنصب الاسم .
__________
(1) البقرة : 130 .
(2) القصص : 58 .
(3) ينظر : المخصص : 14/245 .
(4) ينظر : معاني القرآن للأخفش : 1/337 - 338 ، ومجاز القرآن : 1/56 ، وإعراب القرآن : 1/263 ، والمسائل البغداديات : 577 ، والانتخاب : 599 ، وارتشاف الضرب : 2/384 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/329 .
(5) ينظر : شرح المقدمة المحسبة : 2/320 ، ومشكل إعراب القرآن : 2/546 ، والبحر المحيط : 8/316 .
(6) ينظر معاني القرآن وإعرابه : 1/210 - 211 ، وإعراب القرآن : 3/240 ، والبحر المحيط : 8/316 ، وهمع الهوامع 2/269 .(1/86)
وفي إشارة إلى تقارب التخريجين يقول الزجاج :" إن ( سفه نفسه ) بمعنى سفه في نفسه ، إلا أن (في ) حُذِفَتْ كما حذفت حروف الجر في غير موضعٍ ، قال الله عزوجل : { وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم } (1)والمعنى : أن تسترضعوا لأولادكم ، فحذف حرف الجر ... فهذا الذي استعمل من حذف حرف الجر موجودٌ في كتاب الله ، وفي أشعار العرب وألفاظها المنثورة ، وهو عندي مذهب صالحٌ . والقول الجيد عندي في هذا أن سفه في موضع جهل ، فالمعنى – والله أعلم – إلا من جهل نفسه ... فوُضِعَ جَهِلَ وعُدِّيَ كما عُدِّيَ "(2) .
نزع الخافض والقياس
لم يخلُ مبحث من مباحث نزع الخافض من الاختلاف في الحكم عليه ، أيقاسُ عليه ، أم يوقف به عند حد المسموع فلا يُتجاوز به حكم الشاذ الذي يحفظ ولا يقاس عليه ؟
إن تمييز المسموع من المقيس مما يجد الباحثُ فيه عنتاً شديداً ، نظراً لاضطراب أقوال النحويين في الحدود المميزة لمعرفة الشاذ المخالف للقياس ، والمطرد المنقاس ، أهي قلَّة الوارد في الباب وكثرتُه ؟ وما حدود هذه القلة والكثرة(3) ؟ وهل يتسنَّ لأحدٍ أن يحصي الوارد في كل بابٍ ليَمِيْزَ نسبة القليل إلى الكثير ؟ أو أن الحد الفاصل المميز للشاذ من المطرد هو مدى الموافقة للطابع العام للعربية (4) ؟
__________
(1) البقرة : 233 ، وقع في المرجع المنقول منه خطأ في نظم الآية حيث جاء فيه : { ولا جناح عليكم أن تسترضعوا أولادكم } .
(2) معاني القرآن وإعرابه : 1/210 - 211 .
(3) ينظر : المسائل البغداديات : 306 - 307 ، والأمالي النحوية : 4/76 ، وشرح المقدمة الكافية : 2/386 ، واللغة والنحو بين القديم والحديث :40 - 63 ، والشاهد وأصول النحو : 236 - 237 ، وظاهرة قياس الحمل : 439 .
(4) ينظر : الخصائص : 1/96 - 97 ، والأشباه والنظائر : 2/180 ، والتعريفات : 164 ، والكليات : 528 - 529 والشاهد وأصول النحو : 237 – 238 ، 267، وظاهرة قياس الحمل : 441 .(1/87)
فإذا ما حكم على الشيء بالشذوذ بطريقة ما ، فهل يكفي ذلك في الحكم عليه بالاطِّراح والإهمال وترك القياس عليه ؟ وما معنى قول سيبويه : " الشاذ إذا كان له وجهٌ جيدٌ "(1) ، وما السبيل في التوفيق بين ترك القياس عليه وقولهم(2): ما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم ، بحسب الوقوف عند ظاهر لفظ هذه القاعدة ، لا بحسب التأويلات الداخلة عليها ؟
أسئلة حائرة ، الوقوف عندها لمحاولة الإجابة عنها يخرج البحثَ عن طبيعته وخطته المرسومة ويدخله في إشكالات كبيرة ، حقُّها أن تفرد برسائلَ متخصصةٍ لكنني لا أستطيع أن أتجاوز العلم بالحد الفاصل بين السماعي والقياسي – ما أمكنني ذلك – لأن من أهم سمات البحث في نزع الخافض معرفة المسموع منه والمقيس ، فكان لابد إذن من بعض القول في ضابط الحكم على الشيء بالسماع أو القياس ، حتى إذا جرى البحثُ يميْزُ المسموع من المقيس كان يكون قد أشار إلى الأساس الذي بنى عليه المفهوم فيهما ، ولأجل أن نتصور الحاجة إلى ضابط الحكم على نزع الخافض بالسماع أو القياس نعرض للاضطراب المنتشر في الحكم على نزع الخافض من حيث السماع والقياس في كل مبحثٍ من مباحثه .
الاضطراب في الحكم على نزع الخافض من حيث السماعُ القياسُ
1- الاضطراب في الحكم على نزع حرف الجر وانتصاب الاسم :
يجمع النحويون على أنَّ نزع حرف الجر من أنَّ وأنْ كثير مطرد منقاس(3) والأكثرون على أن المحل نصب بعد نزع الجار ، واختلفوا في نزع حرف الجر من الاسم الصريح وإيصال عمل الفعل إليه :
__________
(1) كتاب سيبويه : 2/164 . وينظر : ظاهرة قياس الحمل : 456 .
(2) ينظر : الخصائص : 1/114 ، 357 – 369 ، والمنصف : 175 ، والاقتراح : 67 ، وهمع الهوامع : 3/12 والشاهد وأصول النحو: 241 - 242، 271 - 273 .
(3) ينظر : الإيضاح في شرح المفصل : 2/160 ، وشرح الكافية الشافية : 2/633 ، وشرح المكودي 252 - 254 ومغني اللبيب : 838 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/235 .(1/88)
- فمنهم من يخصه بالسماع .
- ومنهم من يقيسه في مواضع .
- ومنهم من يفتح الباب للفصحاء قديماً وحديثاً .
بل اضطرب الحكم عليه في قول النحوي الواحد ، فتارةً يجعله بابَ ضرورة وطريقُه السماع وتارة يعدُّه قياساً صحيحاً ، وآخر يصفه بأنه شاذ لا يرتكب ثم لا يلبث أن يسِمَه بالقياس على ما سمع وهذا كلامهم .
فأما من يخصه بالسماع فمنهم ابن السراج حيث يقول : " اعلم أنه ليس كلُّ فعلٍ يتعدى بحرف جر لك أن تحذف حرف الجر منه وتعدي الفعل ، إنما هذا يجوز في ما استعملوه وأخذ سماعاً عنهم "(1) .
وأما من يقيسه في مواضع بعينها ، فإن هذه المواضع تأخذ في الزيادة من نحوي إلى آخر ، فابن مالك في شرح الكافية الشافية يستثني مما لا يقاس عليه نزعُ الخافض بابَ نصح ، فيخص هذا الموضع بالقياس مع باب أنَّ وأنْ ، فيقول :" ويجوز حذف حرف الجر من أنَّ وأنْ ، فيقال : عجبت أنك ذاهبٌ ، وأنْ قام زيدٌ ، ولا يجوز حذفه مع غيرهما ، فلا يقال : عجبت قعودَ عمروٍ ، فإنْ ورد الحذفُ مع غير أنَّ وأنْ عُدَّ نادراً ولم يقس عليه ، إلا أن يكون من الأفعال التي جمع لها التعدي واللزوم كثيراً مع اتفاق المعنى "(2).
__________
(1) الأصول في النحو : 1/180 .
(2) 2/633. وينظر : 2/636 .(1/89)
وخصَّ الرضي وابن أبي الربيع ( ت : 688هـ ) موضعين آخرين بقياسية الحذف والإيصال هما باب المفعول لأجله وباب المفعول فيه ( الظرف ) ، يقول الرضي : " والذي أرى أن جميع الظروف متوسع فيها ، فقولك : خرجت يوم الجمعة كان في الأصل : خرجت في يوم الجمعة ... وكذا المفعول له ... تعدى إليه الفعلُ بنفسه بعد ما تعدى إليه بحرف الجر ، فهما مثل : ذنباً في قولك : استغفرت الله ذنباً إلاَّ أن حذف حرفي الجر أي : في واللام صار قياساً في البابين ، كما حذف حرف الجر قياساً مع أنَّ وأنْ ، وليس بقياس في غير المواضع الثلاثة ، فلا تقول في مررت بزيدٍ ، وقمت إلى عمروٍ: مررت زيداً أو : قمت عمرًا "(1) .
ويقول ابن أبي الربيع : " وحَذْفُ حرف الجر كثيرٌ في كلام العرب وإن لم يبلغ أن يكون قياساً في كل موضعٍ ، فقد جاء في بعض المواضع قياساً : جاء في المفعول من أجله ، وجاء في ظرف الزمان وظرف المكان "(2).
__________
(1) شرح الكافية: 2/72 .
(2) البسيط : 2/1084 .(1/90)
فإن كان الرضي قد حصر قياس نزع حرف الجر وانتصاب الاسم في المواضع الثلاثة ليس غير فإن الصبان يبلغ بالمواضع القياسية ستةً ، يقول متعقِّباً قول الأشموني : " ( و ) حذفه ( في أنَّ وأنْ يطردْ ) قياساً "(1) : " ظاهرُه اختصاصُ اطراد الحذف بما ذكر، وليس كذلك إذ منه كما في التسهيل نحو: دخلت الدار ، ونحو: اعتَكفْتُ يوم الجمعة ، ونحو: جئتك إكراماً ، ونحو : { فلينظر أيُّها أزكى طعاماً } (2) وليت شعري هل قام زيد ، مما عُلِّق فيه العامل عن الجملة والتقدير : فلينظر في جواب أيها أزكى إلخ وليت شعري بجواب هل إلخ حاصلٌ ... ومنه أيضاً كما سيبينه الشارح نحو: جئت كي تكرمني ، على جعل كي مصدرية مقدراً قبلها لام التعليل ... وفي الدماميني عن ابن عصفور أن الأخفش الأصغر وابن الطراوة ذهبا في الفعل المتعدي إلى اثنين أحدِهما بنفسه والآخر بالجار أنه يجوز حذف الجار إن تعيَّن وتعين موضعه ... فيجوز عندهما : بريت القلم السكينَ ، وقبضت الدراهم زيداً ، ومنه : { واختار موسى قومه } (3) "(4) .
__________
(1) شرح الأشموني : 2/91 .
(2) الكهف : 19 .
(3) الأعراف : 155 .
(4) حاشية الصبان : 2/91 ، وينظر : شرح التسهيل لابن مالك : 2/80 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/313 وشرح التسهيل للدماميني ( مخطوط ) : ك : 34 ، قة : 8 و – ظ .(1/91)
ومن النحويين من ينص على كثرة وروده في العربية كما تقدم في قول ابن أبي الربيع قريباً " وما كثر وفشا ينبغي أن يُدَّعى أنه قياس ، فيقال ما قالته العرب ، وما لم تقله قياساً على ما قالته "(1) يقول الفارقي ( ت : 487هـ ) بعد ذكره بعض شواهد نزع حرف الجر وإيصال عمل الفعل إلى الاسم : "وهو كثير في القرآن والكلام والأشعار "(2) ويقول ابن الشجري : " وحذف الجار ثم إيصال الفعل إلى المجرور به مما كثر استعماله في القرآن والشعر "(3) .
ويفتح مصطفى جواد بابَ نزع حرف الجر وانتصاب الاسم للفصحاء قديماً وحديثاً، لأنه بابٌ شائع في العربية ، وغير مضبوط سماعُه(4) .
هذا الاضطراب في الحكم على نزع حرف الجر وانتصاب الاسم أسماعي هو أم قياسي لم يكن على مستوى الاختلاف في أقوال النحويين حسبُ ، بل كان على مستوى قول النحوي الواحد ، فتجده يعتمد القول بالسماع في موضعٍ ثم ينقضه في موضعٍ آخر ، هذا ابن يعيش يتعقب التخريج على النصب على نزع الخافض في بعض الشواهد بقوله : " لا يحسن ذلك ، لأن حذف حرف الجر وإعمال الفعل اللازم قبله باب ضرورة وطريقُه السماعُ ، فلا يُحْملُ عليه ما وُجِدَ عنه مندوحةٌ "(5) .
ويقول في نزع حرف الجر من نحو قوله تعالى : { واختار موسى قومه } (6) ونحو : أمرتك الخير وأستغفرَ اللهَ ذنباً "وهذا الحذف وإن كان ليس بقياس ، لكن لابد من قبوله ، لأنك إنما تنطق بلغتهم وتحتذي في جميع ذلك أمثلتهم ولا تقيس عليه ، فلا تقول في : مررت بزيدٍ : مررت زيداً ، على أنه قد حكي عن ابن الأعرابي عنهم : مررت زيداً ، وهو شاذ "(7) .
__________
(1) البسيط : 1/416 .
(2) الإفصاح : 77 . وينظر: جامع البيان : 1/169 - 170 .
(3) أمالي ابن الشجري : 1/285 . وينظر : إتحاف الحثيث : 48 ، والبرهان : 3/253 .
(4) ينظر : دراسات في فلسفة النحو والصرف : 28 - 29 .
(5) شرح المفصل : 6/64 .
(6) الأعراف : 155 .
(7) شرح المفصل : 8/51 .(1/92)
وينقض ما قرره في ذينك الموضعين في قوله :" قد حذفوا حرف القسم كثيراً تخفيفاً ، وذلك لقوة الدلالة عليه ، وإذا حذفوا حرف الجر أعملوا الفعل في المقسم عليه ونصبوه ، قالوا : اللهَ لأفعلن بالنصب ، وذلك على قياس صحيح وذلك أنهم إذا عدُّوا الفعل قاصراً إلى اسم رفدوه بحرف الجر تقوية له ، فإذا حذفوا ذلك الحرف إما لضرورة الشعر وإما لضربٍ من التخفيف ، فإنهم يوصلون ذلك الفعل إلى الاسم بنفسه كالأفعال المتعدية فينصبونه به ، نحو قوله تعالى : { واختار موسى قومه سبعين رجلاً } (1) ، وقولهم : استغفرت الله ذنباً ، ويقال : كلته وكلت له ، ووزنته ووزنت له يكون من ذلك قول الشاعر(2) :
كلامُكُمُ عليَّ إذنْ حرامُ ... تمرُّونَ الدَّيارَ ولم تَعُوجُوا
وحكى أبو الحسن في غير الشعر : مررت زيداً ، وكذلك قالوا في القسم : اللهَ لأفعلنَّ "(3) .
وأثر هذا الاضطراب بادٍ في تردد الصبان ( ت : 1206هـ ) في الحكم على نزع حرف الجر
__________
(1) الأعراف : 155 .
(2) البيت لجرير ، وهو في ديوانه : 1/278 ، بلفظ : ( أتضمون الديارَ ولا تُحيَّا ) ، وتصلح شاهداً كذلك على نزع حرف الجر وانتصاب الاسم ، لكن قال الأخفش الأصغر عن هاتين الروايتين : إنهما ليستا بشيءٍ ، وروى البيتَ بلفظ مررتم بالديارِ ولم تعوجوا ، وبهذه الرواية يسقط الاستدلال على الحذف والإيصال . ينظر : الكامل 1/50 ، وخزانة الأدب : 9/121 - 122 . والبيت برواية : ( تمرون الديار ) بلا نسبة في : شرح المفصل : 8/8 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/312 ، وشرح الكافية: 4/140 ، ومغني اللبيب : 138 ، 616 ، وشرح ابن عقيل : 1/407 .
(3) شرح المفصل : 9/103 .(1/93)
وانتصاب الاسم فمرةً يرى أنه " سماعي على الأصح "(1) ومرة يقول : " قد يمنع كونه سماعياً "(2) وقبل هذا وذاك كان قد قال : "ومما يدل على أن ثمَّ قولاً بقياسيته قول الشمس الشوبري في حواشيه على التحرير الفقهي : الراجح أن النصب بنزع الخافض سماعي ا.هـ أو يقال : إن المصنفين نزلوه منزلة القياسي لكثرة ما سمع منه "(3) .
وابن حمدون ( ت : 1269هـ ) يعدُّ نزع حرف الجر وانتصاب الاسم شاذاً لا يجوز ارتكابه ثم يقول في الصفحة نفسها :" فإن قيل : كثير من الفحول كالناظم يرتكب حذف الجار مع أنه غير مقيس ؟ أجيب عنه بأنه إذا سمع في حرف يكون فيه مقيساً كما إذا سمع في الباء يجوز للمولَّدين القياسُ عليه وارتكابه "(4) وما وصفه قبلُ بالشذوذ الذي لا يجوز ارتكابه هو مما سمع في حرفٍ فكان ينبغي على ما قال آخراً أن يكون مقيساً لا شاذاً فيجوز للمولَّدين القياس عليه وارتكابه .
2- الاضطراب في الحكم على نزع حرف الجر وإبقاء الاسم مجروراً :
__________
(1) حاشية الصبان : 1/18 . وينظر : 2/76 .
(2) المرجع السابق : 1/211 .
(3) المرجع السابق : 1/13 .
(4) حاشية ابن حمدون : 253 .(1/94)
ليس الخُلف والاضطراب في هذا بأهون من الاختلاف والاضطراب في سابقه ، فقد وصُف هذا الضرب من نزع الخافض بأنه : قليل(1) ، شاذ(2) ، قبيح(3) ، لا يجوز القياس عليه(4) إلا في ضرورة أو في نادر كلامٍ(5) ، بل هو شاذ باتفاق(6) دعك من أوصافٍ أخرى تذكر في قضايا جزئية من هذا الباب هي مقيسة عند آخرين ، مثل وصف بعضهم نزع حرف الجر وإبقاء عمله في نحو : على كم جذعٍ بيتك مبني بأنه ليس بحسن ولا قوي وإجازته عن بُعد(7) ، وفي نحو : اللهِ لأفعلنَّ ، بأنه شاذ جداً(8) .
هذا غير إطلاق الحكم بالمنع من نحو قولهم : حرف الجر لا يضمر(9) ، أو لا يعمل محذوفاً(10) ثم يَعْقُبُ ذلك ذكرُ مواضعَ قياسيةٍ ينزع فيها حرف الجر ويبقى الاسم مجروراً ، لذلك استشكل ياسين مثل هذا فقال :" قول الشارح : لأن الحرف لا يعمل محذوفاً على إطلاقه مشكل "(11) .
__________
(1) ينظر : الأمالي النحوية : 4/35 ، والإيضاح في شرح المفصل : 2/160 ، والبسيط : 1/356 .
(2) ينظر : سر صناعة الإعراب : 1/132 ، وأمالي ابن الشجري : 2/355 ، والنكت الحسان : 117 .
(3) ينظر : كتاب سيبويه : 2/163 ، وسر صناعة الإعراب : 1/132 .
(4) ينظر : سر صناعة الإعراب :1/132 - 133 ، وأمالي ابن الشجري : 2/89 ، والبسيط : 2/932 ، والأشباه والنظائر : 2/264.
(5) ينظر : شرح المفصل : 8/49 ، والمقرب : 270 – 271 ، وهمع الهوامع : 2/382 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/369.
(6) ينظر : الأمالي النحوية : 4/35 .
(7) ينظر : المقتضب 3/57 ، ويقابل بـ : كتاب سيبويه : 2/160 ، والمساعد : 3/204 .
(8) ينظر : التوطئة : 256 ، ويقابل بـ : شرح الكافية: 4/305 ، والمساعد 3/204 .
(9) ينظر : كتاب سيبويه : 1/254 ، 2/115 ، وأمالي ابن الشجري : 2/79 .
(10) ينظر : النكت الحسان : 111 ، وشرح التصريح : 1/312 .
(11) حاشية ياسين على التصريح : 1/312 .(1/95)
وربما قيَّد بعضُهم ضعفَ نزعِ حرف الجر وإبقاءِ عمله بما إذا حُذف بغير عِوَضٍ(1) فيدلُّ ذلك بمفهوم المخالفة أنه إذا عُوِّض منه سهُل نزعُه مع بقاء عمله .
وفي مقابل هذه الأوصاف ، يوصف هذا الضرب من نزع الخافض بأنه جائزٌ(2) ، بل جائز بإجماع إذا دلَّ عليه دليلٌ(3) وأنه قد كثُر عنهم(4) ، وأنه ليس بموضع ضرورة(5) وأنه مطرد منقاس في مواضع كثيرة(6) ، وله وجه من القياس(7) .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 2/160 – 161 ، 166 ، والمقتضب : 2/336 ، والتعليقة : 1/306 - 307 ، وأمالي ابن الشجري : 2/132 ، والتوطئة : 256 ، وشرح الكافية الشافية : 2/824 ، وارتشاف الضرب : 2/470 - 472 .
(2) ينظر : التبيان : 1/424 .
(3) ينظر : شرح الكافية الشافية : 3/1241 ، ورصف المباني : 253 - 254 .
(4) ينظر : شرح المفصل : 3/78 .
(5) ينظر : التبيان : 1/424 .
(6) ينظر : التسهيل : 149 ،وشرحه لابن مالك : 3/60 ، وشرح الكافية: 4/305 - 308 ، وشرح ألفية ابن مالك: 146، وشرح ابن عقيل : 1/537 - 539 ، والمساعد : 2/299 ، وشرح المكودي : 342 ، والبهجة المرضية : 1/379 - 380 ، وهمع الهوامع : 2/385 – 386 .
(7) ينظر : شرح المفصل : 3/27 .(1/96)
فلو أراد القارئ أن يخرج بحصيلة الحكم على نزع حرف الجر وإبقاء عمله لخرج بالشيء ونقيضه فهو قليل كثير ، جائز غير جائز ، موضع ضرورة ، ليس بموضع ضرورة ، لا يجوز القياس عليه له وجه من القياس ، وينقاس في مواضع كثيرة . فبأيٍّ يأخذ وقد اضطربوا فيه هذا الاضطراب ، بل يجد النحويَّ ينقض قولَه الذي قرره سلفاً ، فهذا العكبري يرد قول الفراء في تقدير حرف الجر في قوله تعالى : { يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه } (1) أي : عن قتالٍ فيه(2) ويصفه بأنه ضعيف جداً ويعلله بأنَّ " حرفَ الجر لا يبقى عمله بعد حذفه في الاختيار "(3) ثم يذكر تخريج أبي عبيدة ( ت: 210هـ ) الجرَّ في ( قتال ) على الجوار ، ويرده بأنَّ " الجوار من مواضع الضرورة والشذوذ ، ولا يحمل عليه ما وُجدت عنه مندوحة "(4) حتى إذا جاء إلى إعراب قوله تعالى : { فاغسلوا وجوهَكم وأيديَكم إلى المرافقِ وامسحوا برؤسِكم وأرجلِكم إلى الكعبين } (5) ذكر في تخريج قراءة جر ( أرجلكم ) وجهين:
أحدهما : الإعراب على الجوار ، ووصفه بأنه " ليس بممتنع أن يقع في القرآن لكثرته ، فقد جاء في القرآن والشعر"(6) ثم ذكر بعض شواهده .
والوجه الثاني : " أن يكون جر الأرجل بجار محذوف تقديره : وافعلوا بأرجلكم غسلاً ، وحذفُ الجار وإبقاء الجر جائز ... وليس بموضع ضرورة ، وقد أفردت لهذه المسألة كتاباً "(7).
__________
(1) البقرة : 217 .
(2) ينظر : معاني القرآن : 1/141 ، والتبيان : 1/174 .
(3) التبيان : 1/174 .
(4) المرجع السابق .
(5) المائدة : 6 . قرأ بنصب ( أرجلكم ) نافع وابن عامر والكسائي وحفص ويعقوب ، وقرأ بجرها ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وأبو بكر . ينظر : حجة القراءات : 221 – 223 ، والتبصرة : 484 ، والبحر المحيط : 4/192 ، والنشر في القراءات العشر : 2/254 ، وإتحاف فضلاء البشر : 1/530 - 531 .
(6) التبيان : 1/422 - 423 .
(7) المرجع السابق .(1/97)
فينظر كيف وصف نزع حرف الجر وإبقاء عمله بأنه ضعيف جداً ، وأنه لا يكون في الاختيار أي إنه لا يكون إلا في الضرورة ، ثم هو بعد حينٍ يصفه بأنه جائز ، وليس بموضع ضرورة ، بل ألف في هذه المسألة كتاباً ، ويقال مثل هذا في مسألة الإعراب على الجوار التي أوردها في الموضعين تارة يحملها على مواضع الضرورة والشذوذ ، وتارة يعدها غير ممتنعة لكثرة ورودها في القرآن والشعر .
فإن قيل : قد عدَل جمعٌ من النحويين عن إطلاق الحكم على نزع حرف الجر وإبقاء عمله بالشذوذ ونحوه، ففصَّلوا بذكر المواضع القياسية(1) فصار ما عدا ذلك عندهم سماعياً .
فيقال هذا الذي يعيد المسألة إلى مربعها الأول – كما يقول المنشئون اليوم – فما ضابط القياس الذي حكم به على تلك المواضع بأنها قياسية ، وبفقده صار ما عداها سماعياً لا يقاس عليه ؟ ثم إن تلك المواضع التي عُدت قياسية يعدها آخرون سماعية لا يقاس عليها ، من ذلك نزع حرف القسم من لفظ الجلالة في : اللهِ لأفعلنَّ ، فرأيُ الشلوبين ( ت : 645هـ ) أن الخفض فيه شاذ جداً(2) ، في حين حمله الرضي على القياس(3) . بل إن جميع المواضع التي قاسها ابن مالك(4) ، وقف منها أبو حيان موقف المتردد المنبِّه على صنيع ابن مالك فيها حيث يقول :" وجميع هذه المسائل التي ذكر ابن مالك أنه
يجوز الجر فيها على إضمار الحرف ينبغي أن يُتثبَّت(5) في القياس عليها "(6) .
3- الاضطراب في الحكم على نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه :
__________
(1) ينظر : التسهيل : 148 ، وشرح الكافية : 4/305 - 308 ، وشرح ألفية ابن مالك : 146 ، وشرح ابن عقيل : 1/537-539 ، وهمع الهوامع : 2/385 - 386 .
(2) ينظر : التوطئة : 256 .
(3) ينظر : شرح الكافية: 4/305 .
(4) ينظر التسهيل : 148-149 ، وشرح الكافية الشافية : 2/828 - 831 .
(5) في الأصل يثبت ، والصواب ما أثبته ينظر : همع الهوامع : 2/386 .
(6) ارتشاف الضرب : 2/472 . وينظر : همع الهوامع : 2/386 .(1/98)
لم يسلم هذا القسم من نزع الخافض من الاختلاف في الحكم عليه بالقياس أو السماع ، وإن كان الأغلب القول بقياسيته بضوابطه ، فقد نصَّ الأكثرون على كثرته في القرآن والشعر وكلام العرب المنثور .
يقول سيبويه في الاتساع بحذف المضاف ونحوه ، كحذف حرف الجر : " وهذا الكلام كثير ... وهو أكثر من أن أُحصِيَه "(1) .
ويقول الفراء في قوله تعالى : { وأشربوا في قلوبهم العجل } (2) : " أراد : حُبَّ العجل ومثل هذا مما تحذفه العرب كثير"(3) .
ويقول الطبري في تفسير قول الله تعالى : { في قلوبهم مرض } (4) : " أخبر الله جل ثناؤه أن في قلوب المنافقين مرضاً وإنما عنى - تبارك وتعالى - بخبره عن مرض قلوبهم الخبرَ عن مرض ما في قلوبهم من الاعتقاد ، استغنى بالخبر عن القلب بذلك والكناية عن تصريح الخبر عن ضمائرهم واعتقاداتهم كما قال عُمر بن لجأ(5) :
رأتْ قمراً بسوقهم نهارا ... وسبَّحتِ المدينةُ لا تلمْها
يريد : وسبح أهلُ المدينةِ ، فاستغنى بمعرفة السامعين خبَره بالخبر عن المدينة ، عن الخبر عن أهلها ، ومثلُه قولُ عنترة العبسي(6) :
إنْ كنتِ جاهلةً بما لم تعلمي ... هلا سألتِ الخيلَ يا ابنةَ مالكٍ
يريد : هلا سألت أصحابَ الخيلِ ، ومنه قولهم : يا خيلَ اللهِ اركبي ، يراد : يا أصحابَ خيلِ الله اركبوا .
__________
(1) كتاب سيبويه : 1/214 - 215 .
(2) البقرة : 93 .
(3) معاني القرآن : 1/62 .
(4) البقرة : 4 .
(5) البيت لعمر بن لجأ في : جامع البيان : 1/279 ، 2/505 ، ولم أجده في مكانٍ آخر .
(6) البيت في ديوانه : 25 ، وهو من معلقته المشهورة .(1/99)
والشواهد على ذلك أكثر من أن يحصيَها كتاب ، وفيما ذكرتُ كفايةٌ لمن وُفِّق لفهمه فكذلك معنى قول الله جل ثناؤه: { في قلوبهم مرض } إنما يعني : في اعتقاد قلوبهم ... مرضٌ ، فاجتزأ بدلالة الخبر عن قلوبهم على معناه عن تصريح الخبر عن اعتقادهم "(1).
ولابن جني في مقام الانتصار للمجاز في اللغة أوصافٌ وإحصاءٌ للكثرة التي جاء عليها نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، يقول : " وحذف المضاف في القرآن والشعر وفصيح الكلام في عدد الرملِ سعةً"(2) ، ويقول متعجباً من كثرته : " وما أكثرَ هذا(3) المضاف في القرآن وفصيح الكلام "(4) ويقول محصياً : " حذفُ المضاف قد كثر ، حتى إن في القرآن - وهو أفصح الكلام - منه أكثرَ من مائة موضع ، بل ثلاثمائة موضع ، وفي الشعر منه ما لا أحصيه "(5) ورأى أن ما يسميه النحويون المجرور على الجوار في نحو : هذا حجرُ ضبٍّ خربٍ ، إنما هو على نزع المضاف ، والتقدير عنده: هذا حجر ضب خربٍ حجرُه ، فنُزِعَ المضافُ ( حجر ) فارتفع الضمير واستتر في خربٍ(6) ، ثم قال : "أما أنا فعندي أن في القرآن مثل هذا الموضع نيِّفاً على ألف موضعٍ ، وذلك أنه على حذف المضاف لا غير . وقلَّت آيةٌ تخلو من حذف المضاف ، نعم ربما كان في الآية الواحدة من ذلك عدةُ مواضع "(7).
__________
(1) جامع البيان : 1/278 - 279 . وينظر : المقتصد : 1/370 ، وأمالي ابن الشجري : 1/78 .
(2) المحتسب : 1/290.
(3) كذا ، فإن لم يكن في الكلام تصحيفٌ فالمعنى : وما أكثرَ هذا المضافَ المحذوفَ ، لأن كلامه كان في التخريج على حذفِ المضافِ ، أو أن يكون في الكلام تصحيفٌ فصوابه : وما أكثرَ حذفَ المضاف ..
(4) المرجع السابق : 2/313 .
(5) الخصائص : 2/452 .
(6) ينظر : المرجع السابق : 1/192 .
(7) المرجع السابق . وينظر : الإتقان : 3/184 .(1/100)
وقد تتبع العز بن عبد السلام ( ت :660هـ ) مواضع الحذف تلك في القرآن على ترتيب السور والآيات(1) فأحصيتُ ما ذكره فبلغ مجموعُه ألفين وثلاثَمائة وخمسين موضعاً ، وهذا غاية ما استُقصي من مضافات القرآن المحذوفة ، مع ذلك قال : " هذا ما حضر من المضافات المحذوفة ، ووراء ما ذكرته حذفٌ كثير في مضافات خفيَّة "(2).
فإذا كان نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه بهذه الكثرة ، فهل كان يتصور أن يُنازع في قياسيته ؟
نقَلَ جماعةٌ من النحويين(3) عن أبي الحسن الأخفش أنه كان لا يقيسه ، يقول ابن جني : " كما أن حذف المضاف أوسع وأفشى وأعم وأوفى(4) ، وإن كان أبو الحسن قد نصَّ على ترك القياس عليه "(5) فإن كان ما حكوه عنه صواباً فقد كان يرى مع منعه القياس عليه كثرة ما ورد منه في القرآن ، فقد جاء في معاني القرآن بعد أن ذكر جملة من شواهد نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه قوله : " فحَذَفَ هذا الكلام ، ودلَّ ما بقي على معناه ، ومثل هذا في القرآن كثير "(6).
__________
(1) ينظر : الإشارة إلى الإيجاز : 115 - 204 ، وينظر كذلك : الإتقان : 3/184 ، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق3/ج3/390.
(2) الإشارة إلى الإيجاز : 204 .
(3) ينظر : الخصائص : 2/284 ، 362 ، 451 ، وشرح المفصل : 3/24 .
(4) أي : من زيادة الحروف .
(5) الخصائص : 2/284 .
(6) 1/208 .(1/101)
وأياً كان الأمر فقد ذهب الأكثرون إلى أن نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه قياسٌ مطرد بشرطه(1) ، واضطرب فيه ابن الحاجب ، فمرةً يثبته ومرة ينفيه ، قال في الأمالي النحوية : " وحذف المضاف جائز في كل موضع ٍ يكون في الكلام قرينةٌ تدلُّ عليه "(2) ، وقال في تخريج قولهم : قضية ولا أبا حسنٍ لها : " فإن التقدير : ولا مثلَ أبي حسنٍ لها والمعنى عليه ، فحذف ( مثل ) وأقيم المضاف إليه مقامه ، فوجب إعرابه بإعرابه ، وهو النصب لانتصاب المضاف المحذوف ؛ لأنه معمول لـ ( لا ) مباشر فيتوهم الامتناع من حيث إنَّ ( لا ) دخلتْ على معرفة منصوبة ، فإذا قدِّر هذا التقدير ارتفع هذا الإشكال ، وكانت ( لا ) داخلة على نكرة على بابها ، ولم يبق إلا حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، ولا بأس بذلك إذا كان ذلك معلوماً "(3) وهذه طريقته في أكثر كلامه(4) ، لكنه في موضع من الإيضاح في شرح المفصل ذهب إلى أنه لا يقاس عليه فقال : " وحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ليس بقياس "(5) .
__________
(1) ينظر : شرح المفصل : 3/23 - 25 ، وارتشاف الضرب : 2/529 - 530 ، وشرح التصريح : 2/55 ، وسيأتي بيانُ شرط نزع المضاف في المبحث الأول من الفصل الثالث : 263 .
(2) 4/19 .
(3) الأمالي النحوية : 4/142 - 143 .
(4) ينظر : الإيضاح في شرح المفصل : 1/189 ، 424 - 425 .
(5) 1/443 .(1/102)
هذا إذا سلَّمنا بكثرة نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، وإلا فقد نازع ابن القيم في كثير مما ادعى ابن جني فيه نزع المضاف ، ورأى أنَّ " أكثر ما ادَّعَى فيه الحذفَ لا يُحتاج فيه إليه ، ولا على صحة دعواه دليل سوى الدعوى المجردة "(1) وبعد أن حمل معنى القرية على أنها إذا أطلقت تناولت الساكن والمسكن ، وإذا قيدت بتركيب خاص واستعمالٍ خاص كانت حقيقة في ما قيدت به ، قال في قوله تعالى : { وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله } (2) : " لا مجاز هاهنا ولا حذف ، وتخلَّصت بهذا من ادعاء الحذف في ما شاء الله من المواضع التي زعم أنها تزيد على ثلاثمائة "(3).
ومع ذلك لم ينفِ ابن القيم نزع المضاف بإطلاق ، بل رأى أنه ليس كلُّ موضعٍ يَقْبَلُ تقدير المضاف ولا كلَّ ما قَبِلَه جاز تقديره حتى يكون في الكلام ما يدل على التقدير دلالة ظاهرة ، ولا توقع اللبس بحيث لا يجد السامع بدًّا من التقدير كما يقول القائل : سافرنا في الثريا ، أي : في نوئها ، وجلسنا في الشمس ، أي : في حرِّها ، وهذا مما يعلم بالسياق فكأنه مذكور ، لم يفتْ إلا التلفظ به "(4) .
ومال طاهر سليمان حموده إلى رأي ابن القيم ، فقال : " الواقع أن كثيراً مما مثَّلوا به لحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه يمكن ردُّه حيث لا مقتضٍ له ولا حاجةٌ تدعو إليه ، أو لأن التقدير قد يخلُّ بالمعنى "(5) .
وبهذا تصير كثرة نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه التي أثبتها الأولون محلَّ نظرٍ ، كما كانت قياسيته محل خلاف لذا كان لزاماً الوقوف عند الضابط الذي يثبت به القياس ، فينماز بذلك القياسي من السماعي ، ويُحْمَلُ ما لم يُسْمَعْ على ما سُمِع .
__________
(1) مختصر الصواعق المرسلة : 335 .
(2) الطلاق : 8 .
(3) مختصر الصواعق المرسلة : 333 ، وينظر : بدائع الفوائد : 3/535 .
(4) مختصر الصواعق المرسلة : 335 .
(5) ظاهرة الحذف : 210 .(1/103)
4- الاضطراب في الحكم على نزع المضاف وإبقاء المضاف إليه مجروراً :
الأغلب أنه إذا نزع المضاف ناب المضاف إليه منابه في الإعراب وفي أحكام أخرى كالتذكير والتأنيث مما سيأتي تفصيله ، ولغلبة هذا القسم من قسمي نزع المضاف صار هو المقصودَ عند إطلاقهم لفظَ حذف المضاف ، من ذلك قول العز ابن عبد السلام : " الحذف أنواع : أحدها حذف المضافات وله أمثلة كثيرة "(1) وهو إنما أراد نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، لأنَّ كلَّ ما ذكره ممَّا حذف فيه المضافُ في القرآن كان من هذا القسم .
وقد يُنزع المضافُ ، ويبقى المضافُ إليه مجروراً كما لو صُرِّح بالمضاف ، قال ابن مالك(2) :
قد كان قبل حذفِ ما تقدما ... وربما جرُّوا الذي أبقَوا كما
كقراءة قوله تعالى : { والله يريد الآخرةِ } (3)بجر لفظ ( الآخرة ) والتقدير : والله يريد عمل الآخرة أو عَرَض الآخرةِ(4) . وكقول الشاعر(5) :
ونارٍ توقَّدُ بالليلِ نارا ... أكلَّ امرئ تَحسبين امرأً
أي : وكلَّ نارٍ(6) .
وقد جاء حكم هذا القسم من نزع الخافض عند النحويين على النحو الآتي :
__________
(1) الإشارة إلى الإيجاز : 2 .
(2) ينظر : الألفية : 51 .
(3) الأنفال : 67 . وسبق تخريج قراءة النصب والجر في لفظ ( الآخرة ) : 31 .
(4) ينظر : المحتسب : 1/397 ، والتبيان : 2/632 ، والبحر المحيط : 5/353 ، والبهجة المرضية : 1/413 .
(5) البيت لأبي دؤاد الأيادي في : كتاب سيبويه : 1/66 ، والأصمعيات : 191 ، وشرح المفصل : 3/26 ، وشرح عمدة الحافظ : 1/500 ، وخزانة الأدب : 9/593 ، وقيل لعدي بن زيد . ينظر : الكامل : 1/376 ، 2/1002. وبلا نسبة في : المحتسب : 1/397 ، ورصف المباني : 348 ، ومغني اللبيب : 382 ، وشرح ابن عقيل : 2/39 وشرح الأشموني : 2/273 ، وهمع الهوامع : 2/430 .
(6) ينظر : كتاب سيبويه : 1/66 ، والمحتسب : 1/397 .(1/104)
أكثر النحويين يطلق الحكم عليه بالشذوذ والقلة والضعف في القياس ، وأنه مسلكٌ مكروه بابه ضرورةُ الشعر .
فمِنْ وصفه بالشذوذ قولُ الفارقي في توجيه الجر في ( طلحة ) من قول الشاعر(1) :
بسجستانَ طلحةِ الطلحاتِ ... رحم اللهُ أعظماً دفنوها
" وتوجيهه على تأويل مضاف ، كأنه في التقدير : أعظم طلحة ... ، وهذا شاذ ؛ لأنه يقلُّ في كلامهم حذف الجار مع بقاء عمله "(2) ومِنْ وَصْفِهِ بأنه مكروه وضرورة شعر قول ابن عطية ( ت : 546هـ) في قوله تعالى : { يا أيها النبي حسبُك اللهُ ومَنِ اتبعك من المؤمنين } (3) : " يصح أن تكون ( مَنْ ) في موضِع خفض بتقدير محذوف ، كأنه قال : وحسبُ من اتبعك ، وهذا الوجه من حذف المضاف مكروهٌ بابه ضرورة الشعر "(4).
ومِنْ وَصْفِه بالضعف قولُ ابن يعيش : " اعلم أن حذف المضاف وإبقاء عمله ضعيف في القياس قليل في الاستعمال"(5).
ومِنْ وَصْفِه بالقلة أي القلة الذاتية المانعة من القياس قولُ ابن يعيش المتقدم وقول ابن عدلان ( ت : 666هـ) في قول الشاعر :
بسجستان طلحةِ الطلحاتِ
" وأما الجر ففيه مضاف محذوف ، تقديره : وأعظمَ طلحةِ ، وقد قرئ : { واللهُ يريدُ الآخرةِ } (6) على هذا ، وهو قليل جداً "(7) .
__________
(1) البيت لعبد الله بن قيس الرقيات في : الحيوان : 1/332 ، وشرح المفصل : 1/47 ، وخزانة الأدب : 8/10 والدرر اللوامع : 6/57 وبلا نسبة في : المقتضب : 2/188 ، والإنصاف : 1/45 ، ورصف المباني : 348 وارتشاف الضرب : 2/532 ، وهمع الهوامع 3/150 ويروى شطره الأول باختلاف يسير بلفظ : نضَّر اللهُ أعظماً دفنوها ، ويروى بنصب طلحة ، فهو على نزع المضاف لكن مع إقامة المضاف إليه مقامه في وجهٍ.
(2) الإفصاح : 114- 115 . وينظر : رصف المباني : 348 .
(3) الأنفال : 64 .
(4) المحرر الوجيز : 8/107 . وينظر : البحر المحيط : 5/348 - 349 .
(5) شرح المفصل : 3/26 .
(6) الأنفال : 67 وينظر في تخريجها : 31 .
(7) الانتخاب : 605 .(1/105)
وفي معنى القلة تعبير بعضهم بـ ( قد يحذف ) و ( ربما يجر ) ونحو ذلك ، كقول ابن عصفور (ت: 669هـ) : "وقد لا يعرب المضاف إليه بعد الحذف بإعراب المضاف "(1) ، وكقول ابن مالك المتقدم : وربما جروا ... ، يقول المكودي (ت: 807هـ ) وفُهم من قوله : وربما ، أنَّ ذلك قليل "(2).
ومِنَ النحويين مَنْ لا يصدُّ باب القبول عن نزع المضاف وإبقاء عمله في المضاف إليه ، بل يصفه بأنه جائز غير منكر على قلته ، وأنه إذا دلَّ على المحذوف دليل حسُن بعض الحسن ، فليس هو بمكروه ولا ضرورة .
يقول ابن جني في تخريج قراءة ابن جماز : { واللهُ يريدُ الآخرةِ } : " وجه جواز ذلك على عزته
وقلة نظيره ، أنه لما قال : { تريدون عرض الدنيا } (3) فجرى ذكر العَرَض فصار كأنه أعاده ثانياً ، فقال : عرض الآخرة ولا ينكر نحو ذلك ، ألا ترى بيت الكتاب(4) :
ونارٍ توقَّدُ بالليلِ نارا ... أكلَّ امرئٍ تَحسبين امرأً
وأن تقديره : وكلَّ نارٍ "(5) .
ويقول الفارقي بعد وصفه بالشذوذ : " لكنْ إذا كان عليه دليلٌ مع تقديره حسُن بعضَ الحسن "(6).
وردَّ أبو حيان قولَ ابن عطية المتقدم بأنه مكروه وبابه ضرورة الشعر بقوله : " وليس بمكروه ولا ضرورة ، وقد أجازه سيبويه في الكلام ، وخرَّج عليه البيتَ(7) وغيرَه من الكلام الفصيح "(8) .
__________
(1) المقرب : 289 .
(2) شرح ألفية ابن مالك : 369 .
(3) الأنفال : 67 .
(4) سبق تخريجه : 64 .
(5) المحتسب : 1/397 .
(6) الإفصاح : 115 .
(7) يشير إلى قول الشاعر :
أكلَّ امرئ تَحسبين امرأً ونارٍ توقد بالليل نارا
(8) البحر المحيط : 5/348 . وينظر : المحرر الوجيز : 8/107 .(1/106)
ومن النحويين من قسم هذا الباب إلى مقيس ومحفوظ لا يقاس عليه ، أو إلى جائزٍ فصيح ، وشاذ قليل(1) ، فهذا مما يوجب النظر في الحكم بالقياس أو السماع على نزع الخافض ، وكيف يكون ، وهو ما سيعنى به تمام هذا المبحث .
ملامح القياس المحكوم به على نزع الخافض
المشهور في تعريف القياس أنه " حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه كرفع الفاعل ونصب المفعول في كل مكانٍ ، وإن لم يكن كل ذلك منقولاً عنهم "(2) ويُلاحظ أن هذا الحد يمثِّلُ مرحلةً متقدِّمة في القياس ، وهي مرحلة (الحمل) أو ( الإلحاق ) بعد التسليم بأن المنقول نفسَه قياسيٌّ حتى يصح إلحاق غير المنقول به ؛ لذا كان البحث في القياس يتطلب معرفة قياسية المنقول أولاً ليُحمل عليه غيرُه ، فإذا ما تحرر المنقول من ربقة الشذوذ أمكن وصفُه بأنه قياسي ، فيحمل عليه حينئذٍ ما في معناه .
وهاهنا يرد السؤال الآتي : بم تتحقق قياسية المنقول ؟
والإجابة عن هذا السؤال هي المحددة لطبيعة القياس الذي نقصده في طول البحث وعرضه ، فينماز به القياسيُّ من غيره سواء أسمينا غير القياسي شاذًّا ، أم سميناه مسموعاً(3) ، وتتحدد ملامح هذا القياس في الأمور الآتية :
1- أن ينضبط المنقول بضابط كلي :
__________
(1) ينظر : شرح عمدة الحافظ : 1/498 - 501 ، والبحر المحيط : 5/353 ، وشرح الأشموني : 2/273 ، وسيأتي مزيد بيان لهذا التقسيم وشرطه في المبحث الثاني من الفصل الثالث .
(2) الإغراب في جدل الإعراب : 45 . وينظر : لمع الأدلة : 93 ، و المغني في النحو : 1/149 ، وفي أصول النحو : 78 ، والقياس النحوي : 85 - 86 .
(3) من النحويين من يفرق بين الشاذ والمسموع ، فالشاذ - عنده - ما خالف القياس مع قلة ، والمسموع ما خالف القياس مع كثرة ، والذي عليه سيبويه هو استخدام لفظة القياس في مقابل السماع . ينظر : حاشية ياسين على التصريح : 1/73 ، وحاشية الصبان :4/137 ، وظاهرة قياس الحمل : 441 ، والقياس النحوي : 142 .(1/107)
يقول الرضي : " المراد بالقياس أن يكون هناك ضابطٌ كليٌّ "(1) .
ويقول الشريف الجرجاني ( ت : 816هـ ) : " القياس ما يمكن أن يذكر فيه ضابطةٌ عند وجود تلك الضابطة يوجد هو "(2).
فمتى وجد الضابط الكلي جرى القياس ، وهاهنا تتفاوت قُدَرُ النحويين في استنباط الضوابط ، فمن استطاع منهم أن يستخرج من كلام العرب قانوناً يضبط به الأشياء المتوافقة أجرى القياس فيها ، لذا كان " أبو علي يعبِّرُ عن القياس بالتوفيق ، أو موافقة الأشياء "(3) ، ومن لم يبلغ ذلك قَصَرَ الواردَ عن العرب على السماع أو حكم عليه بالشذوذ ، يقول محمد الخضر حسين ( ت : 1377هـ ) : " من أسباب اختلافهم في صحة القياس أن يتوفر لدى العالم من استقراء كلام العرب ما يكفي لتركيب القاعدة ، فيجيز القياس ولا يبلغ الآخر بتتبعه مقدار ما يؤخذ منه حكمٌ كلي ، فيقصر الأمر على السماع "(4).
2- مبدأ الكثرة في المنقول مبدأ أصيل معتد به للحكم عليه بأنه قياسي ، وهي طريقة البصريين خلافاً للكوفيين الذين ربما قاسوا على الشاهد الواحد المخالف للأصل(5) .
وهاهنا أمران لابد من بيانهما :
__________
(1) شرح الكافية: 1/272 ، وينظر : حاشية الشهاب : 1/129 .
(2) التعريفات : 233 .
(3) أبو علي الفارسي ، حياته ومكانته : 119 .
(4) القياس في اللغة العربية : 48 .
(5) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/644 ، والاقتراح : 37 ، 114، واللغة والنحو بين القديم والحديث : 48 ، 94 والشاهد وأصول النحو: 253،417 ، وظاهرة قياس الحمل : 436 ، والقياس في النحو :86 ، والقياس النحوي:142.(1/108)
الأول : أن الاعتداد بالكثرة إنما هو في ما جاء على خلاف الأصل ، فإذا خرج الشيء عن أصله اشتُرِطتِ الكثرةُ لجري القياس في المعدول به عن الأصل ليكون أصلاً لغيره ، يقول تمام حسان : "العدول عن أصل القاعدة كالعدول عن أصل الوضع ، إما مطرد أو غير مطرد ، فإذا لم يكن مطرداً فهو الذي يحفظ إن كان فصيحاً ثم لا يقاس عليه بسبب شذوذه ... أما إذا كان العدول مطرداً ، فإن اطراده يجعله أصلاً لأن يقاس عليه ؛ لأنَّ الاطراد مناط القياس "(1) .
ولا اعتداد بشرط الكثرة في ما كان هو الأصلَ في بابه ولو كان مثالاً واحداً إذا كان هو جميعَ ما جاء ، والقياسُ قابلَه ، ولم يأتِ فيه شيء ينقضه(2) ، كقولهم في النسب إلى شنوءة : شنئي ، " فلك - من بعدُ - أن تقول في الإضافة إلى قتوبة : قتبي ، وإلى ركوبة : ركبي ، وإلى حلوبة : حلبي "(3) .
الثاني : هذه الكثرة المعتد بها في ما خالف الأصل ما ضابطها ، أهي المحدودة بعدد ، أم هي المشعرة بالاطراد الذي هو مناط القياس ؟
__________
(1) الأصول : 144 .
(2) ينظر : الخصائص : 1/115- 116 ، والاقتراح : 62 .
(3) الخصائص : 1/115 .(1/109)
لم يذكر القدماء من النحويين تحديداً واضحاً للكثرة(1) ، وغاية ما هنالك ما حدده ابن هشام للكثرة بالنسبة إلى المطرد كخمسة عشر بالنسبة إلى ثلاثةٍ وعشرين(2)، وهي كثرة نسبية لا ذاتية(3) تقتضي استقصاء جميع ما ورد في الباب ليُعلم بعدئذٍ نسبة ما خرج عن الأصل ، أيبلغ حد الغالب أو الكثير أو القليل أو النادر(4). وهو كما ترى أمر تنقضي دونه الأعمار، وهو إلى سبيل الافتراض أقرب منه واقعاً.
وبذل المحدثون جهدهم حينما لم يجدوا لأصل الخلاف في قياسية المنقول وهو الكثرة من يوضحه "حتى المجمع اللغوي القاهري عرض له في عشرات المواضع والبحوث ، وعانى من أمره ما عانى ولم يحاول كشف الضر بإزالة الغموض عن هذه الكثرة والقلة ، والذاتي منها والنسبي "(5) وحين حاولوا إيضاحه انقسموا فريقين :
- فريقاً يرى أن الكثرة المقتضية للقياس هي الكثرة العددية(6) .
- وآخر يرى أن الكثرة ليست في عدد الألفاظ المستعملة ، بل بما عُرف من الطبيعة العامة للعربية في الباب(7) ، فما وافق الطبيعة العامة للعربية في بابه قياسيٌّ ، وما خالفه شاذ .
__________
(1) ينظر : اللغة والنحو بين القديم والحديث : 43 ، 47 ، والشاهد وأصول النحو : 236 ، وظاهرة قياس الحمل :442.
(2) ينظر : الاقتراح : 36 ، والمزهر : 1/186- 187 ، والنحو الوافي 4/635 ( الهامش ) .
(3) ينظر في بيان معناهما وحكمهما : شرح الأشموني 2/249 ، واللغة والنحو بين القديم والحديث : 42 ، والنحو الوافي : 3/63 ، 79 هامش رقم 3 .
(4) ينظر في بيان معاني هذه المصطلحات : الحدود : 73 ، والأشباه والنظائر : 2/180 ، والاقتراح : 36 ، والكليات : 259 ، وكشاف اصطلاحات الفنون : 275 ، وحاشية الصبان : 4/139 ، والنحو الوافي : 4/635 ، وظاهرة قياس الحمل : 438-439 .
(5) اللغة والنحو بين القديم والحديث : 43 .
(6) ينظر : المرجع السابق : 42 ، والشاهد وأصول النحو : 236 .
(7) ينظر : الشاهد وأصول النحو : 237 - 238 .(1/110)
وهذا الأخير غير منضبط ، ويقود إلى الأحكام الانطباعية ، وإن كان قد مالت إليه خديجة الحديثي ونسبته إلى فهم سيبويه(1) ، فإن أريد له أن يكون مستقيماً لزمنا أن نستقصي جميع ما ورد في بابه لينماز به الكثير القياسي من القليل الشاذ ، وفيه ما قد تقدم .
فالخير في الاعتداد بالكثرة العددية للحكم بالقياسي على المنقول المعدول به عن أصله ، ولا بأس في أن تكون الكثرة العددية المبيحة للقياس ثلاثة شواهد " ولعلَّ هذا هو الأحكم والأجدر اليوم بالتفضيل لخلوِّه من التشدد المعوِّق وكذلك من التهاون الذي يؤدي إلى البلبلة والاضطراب في التفاهم "(2) ووجهٌ آخر في الاعتداد بالثلاثة حدًّا للكثرة أنه أقلُّ الجمع على الصحيح من الأقوال(3) ، وليس اختياره ببدع بل قد جرى عُرف المحدِّثين على جعله حدًّا للمشهور من الحديث(4) .
فإذا كان الوارد دون الثلاثة أمكن تسميته شاذاً وصح عندها أن يقال : " اعتراض الشاذ لا ينقض الأصول"(5) .
فإذا اجتمع في ما خالف الأصل الأمران ؛ الضابط الكلي والكثرة العددية المبيحة للقياس صح الحكم بقياسية المنقول يقول ابن الحاجب ملخصاً ما سبق في مقولةٍ موجزةٍ : " إن الإلحاق في اللغة إنما يكون بعد علم القاعدة بالاستقراء في ما كثر "(6).
__________
(1) ينظر : المرجع السابق : 237 ، 267 .
(2) اللغة والنحو بين القديم والحديث : 48 ، الهامش .
(3) ينظر : أقلُّ الجمع عند الأصوليين : 259 .
(4) ينظر : نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر : 43 ، وتدريب الراوي : 2/632 .
(5) درة الغواص : 154 .
(6) الإيضاح في شرح المفصل : 2/52 . ويقصد بالإلحاق هنا القياس لا المصطلح الصرفي المشهور . ينظر : ارتشاف الضرب 1/113 .(1/111)
وعليه يكون المنقول الموافق للأصل في الاستعمال أقيسَ ، والمنقولُ المخالفُ للأصل في الاستعمال المضبوطُ بضابط كلي ، الكثير كثرةً تبيح القياس ، قياسياً ، " فمن المقيس عليه إذن ما هو قياسي ومنه ما هو أقيس "(1) وربما سمَّى بعضهم المنقول المخالف للأصل في الاستعمال المضبوط بما ذكر آنفاً بالمنزل منزلة القياسي(2) .
فالأصل المنقول المستعمل عدم نزع الخافض سواء أحرفاً كان الخافض أم اسماً ، وقد نُقل نزع الخافض ، وهو خلاف الأصل ، لكنه ليس خلاف القياس على الإطلاق ، بل ما كان منه منضبطاً بضابطٍ كلي وتعدَّدَ ورودُه حُكِمَ عليه بالقياس ، وما لم يكن كذلك وُقِفَ به عند حد المسموع . يقول الخضري معلقاً على قول ابن عقيل :" ومذهب الجمهور أنه لا ينقاس حذْفُ حرف الجر مع غير أنَّ وأنْ "(3) يقول : " وفي التسهيل : إن ما ورد فيه الحذف كثيراً من غير ذلك قُبلَ وقيس عليه ، كدخلت الدار والمسجد ، فيقاس عليهما : دخلت البلدَ ، والبيت ، وإن لم يكثر كتوجهت مكة وذهبت الشام لا يقاس عليه : توجهت المسجدَ ، وذهبت الدار(4) مثلاً ، لأنه لم يسمع في غير مكة والشام مع قلته فيهما"(5).
فاعتماد هذين الأمرين ؛ الضابطِ الكلي والكثرة لأجل القياس على ما جاء مخالفاً للأصل في بابه أولى من إباحة القياس بإطلاق أو منعه بإطلاق " لأنَّ الاستخدامات المسموعة في فصيح الكلام ترجح القياس المشروط لا القياس المطلق "(6) .
الفصل الثاني: نزع حرف الجر
هل يختص النصب على نزع الخافض بالمفعول به ؟
__________
(1) الشاهد وأصول النحو : 258 .
(2) ينظر : حاشية الصبان : 1/13 ، ومعجم المصطلحات النحوية والصرفية : 222 .
(3) شرح ابن عقيل : 1/407 .
(4) في التمثيل بهذين المثالين على غير القياسي نظرٌ سيأتي بيانُه في المبحث الأول من الفصل الثاني .
(5) حاشية الخضري : 1/407 . وينظر : شرح التسهيل : 2/80 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/235 .
(6) ظاهرة النيابة : 182 .(1/112)
تقدم في مصطلح نزع الخافض أنَّ الغالب في حديث النحويين تخصيصُهم مصطلحَ ( نزع الخافض) بصورة نزع حرف الجر وانتصاب الاسم المجرور ، بما يغني عن إعادته هاهنا ، لكنهم مع ذلك قد يخصُّون هذه الصورة بموقع المفعول به يقول الرضي : " والذي أرى أن جميع الظروف متوسعٌ فيها فقولك : خرجتُ يومَ الجمعة كان في الأصل : خرجت في يوم الجمعة ، كان يوم الجمعة مع الجار مفعولاً به ، بسبب حرف الجر ، ثم صار مفعولاً به من غير واسطة حرفٍ في اللفظ ، والمعنى على ما كان عليه ، وكذا المفعول له هو أيضاً مفعول به تعدى إليه الفعلُ بنفسه بعد ما تعدى إليه بحرف الجر فهما مثل : ذنباً في قولك : استغفرت الله ذنباً ، إلا أن حذف حرفي الجر أي :( في ) و ( اللام ) صار قياساً في البابين ... على ما أسلفنا إن جميع المفعول فيه هو مفعول به "(1) .
لما رأى الرضي أن الأصل في المفعول فيه والمفعول له هو النصب على نزع حرف الجر كما هو الشأن في : استغفرت الله ذنباً ، جعلهما مفعولاً به بالنظر إلى حصول الحذف والإيصال لا على وقوع الفعل عليهما كما يقع الاستغفار على الذنب ، لاسيما أنه قد عَرَّف المفعول به بأنه " ما صح أن يعبَّر عنه باسم مفعول غيرِ مقيَّدٍ مصوغٍ من عامله المثبت أو المجعول مثبتاً "(2) فهل يصدق على يوم الجمعة في نحو : خرجت يوم الجمعة أنه مخروج ، هكذا من غير قيد ؟
كيف وقد جعل ( زيداً ) المنصوب على نزع حرف الجر بوقوع الفعل عليه في نحو : جئت زيداً وبعت زيداً مالاً ، وكلتُ زيداً طعاماً ، ملحقاً بالمفعول به(3) ؟
__________
(1) شرح الكافية: 2/26-27 . وينظر : الكليات : 808 .
(2) شرح الكافية: 1/301 . وينظر : 4/138.
(3) المرجع السابق : 1/301 .(1/113)
فلم يرتضِ الرضي أن يسمي ما وقع الفعلُ عليه مفعولاً به لما كان أصله الجر بحرف الجر والنصب إنما هو على نزع الحرف ، بل سماه ملحقاً بالمفعول به ؛ فلأنْ لا يسمّى ما وقع الفعلُ فيه أو لأجله مفعولاً به أولى ، لكنه لما رأى أنه قد غَلَبَ في المنصوب على نزع حرف الجر أن يكون من جنس المفعول به ، ووَجَدَ المفعول فيه والمفعول له منصوبين على نزع حرف الجر عدَّهما مفعولين به وإن لم يصدق عليهما حدُّ المفعول به .
وأصرح مما قال الرضي في تخصيص المنصوب على نزع حرف الجر بالمفعول به ، قولُ ياسين: "المنصوب على سعة الكلام منصوبٌ بوقوع الفعل عليه لا بوقوعه فيه "(1) .
هذا ، وربما سمَّى بعضُهم المنصوبَ على نزع حرف الجر الملحق بالمفعول به-كما تقدم في قول الرضي –أو الشبيه بالمفعول به ،يقول الصبان : " وكما يسمَّى هذا ( يعني منصوب الصفة المشبهة ) مشبهاً بالمفعول به ، يسمى المنصوب على التوسع بحذف الجار مشبهاً بالمفعول به "(2) .
والذي يظهر للباحث أن المنصوب على نزع حرف الجر لا يختصُّ بما وقع الفعلُ عليه ، بل يشمل ما وقع الفعل عليه وفيه ، ولأجله ، وغير ذلك مما سيأتي بيانه ، وإذا نزِع حرفُ الجر وانتصب الاسمُ بوقوع الفعلِ عليه ، فيمكن تسميته حينئذٍ بالملحق بالمفعول به أو الشبيه به ، فليس كلُّ منصوب على نزع حرف الجر مفعولاً به ، ولا شبيهاً بالمفعول به ، ومما يدل على ذلك أن تعلُّق الجار والمجرور بالفعل يأتي على معانٍ(3) :
- منها أن يتعلقا تعلق المفعول به ، نحو : مررت بزيدٍ .
- أو تعلق المفعول له ، نحو : سافرت لطلب العلمِ .
- أو تعلق الظرف ، نحو : سآتيك في يوم الخميس.
__________
(1) حاشية ياسين على التصريح : 1/339 .
(2) حاشية الصبان : 3/8 . وينظر : معجم المصطلحات النحوية والصرفية : 112 ، وظاهرة الشبه : 76-77 .
(3) ينظر : الأشباه والنظائر : 3/185 ، والتأويل النحوي : 2/1076 - 1091 .(1/114)
- أو تعلق المميِّز ، نحو : اشتريت رطلاً من عسلٍٍ .
فإذا ما نزِع الجارُّ وانتصب الاسمُ في نحو ما تقدم ، فانتصابُه حينئذٍ يكون بحسب تعلق الجار بالفعل فإن كان متعلقاً به تعلُّقَ المفعول به ، فانتصابه انتصاب المفعول به ، كقولهم : مررت زيداً(1) وإن كان متعلقاً به تعلُّقَ الظرف فهو ظرف ، نحو: سآتيك يوم الخميس ، وإن كان متعلقاً به تعلُّقَ المفعول لأجله فهو مفعول لأجله ، نحو: جئتك رغبةً في العلم ، وهكذا الباقي .
فليس صواباً- إذن - إطلاقُ القول بأن المنصوب على نزع حرف الجر مفعولٌ به ، ولقد أحسَنَ الحلوانيُّ حينما لم يقيد لفظ المفعول بقيد في قوله : " والمجرور بها ( أي بحروف الجر ) في رأي القدماء ضرب من المفعول لأنها تُوْصِلُ أثرَ الفعل إليه ، فإذا قلت : قعد خالدٌ علىالأرض ، رأيتَ المجرورَ ضرباً من المفعول فيه ، إلا أن كلمة الأرض لا تصلح أن تكونَ ظرفَ مكان ؛لأنها مختصة ولهذا توسَّط حرفُ الجر ( على ) فأوصل أثر الفعل إليه "(2) فإذا صلُح في غير هذا المثال نزْعُ حرفُ الجر ، وانتصب الاسم رأيته مفعولاً فيه صريحاً نحو: جلست مكان زيدٍ ، والأصل : جلست في مكانه.
__________
(1) ينظر : شرح المفصل : 8/8 ، 51 ، 9 / 103 ، والتوطئة : 204 ، وتذكرة النحاة : 582 .
(2) الواضح في النحو : 336 .(1/115)
ويمكن الإشارة هنا إلى أن الجرَّ بالحرف ، والنصبَ عند نزعه ، يمثِّلُ مظهراً من مظاهر أخوة النصب للجر التي لحظها النحويون ، وذلك أن " ليس شيءٌ يخرج إلى غيره إلا لأمرٍ ، قد كان وهو على بابه ملاحِظاً له ، وعلى صدرٍ من الهجوم عليه ... وكل حرف ... قد أُخرِج عن بابه إلى باب آخر ، فلا بد أن يكون قبْل إخراجه إليه قد كان يرائيه ، ويلتفت إلى الشق الذي هو فيه "(1) وهذا ما ينطبق على نزع حرف الجر وانتصاب الاسم فإنه قد كانتِ المفعوليةُ في المجرور ملحوظةً ، فلما نزِع الجارُّ انتصب الاسمُ على المفعول به أو فيه أو له ..... فالمفعوليةُ أحد مظاهر القرابة بين النصب والجر(2) ، وهو ما يعنيني التنبيه عليه ، وثمة مظاهر أخرى لتآخيهما يمكن أن تكون موضوعَ بحثٍ مستقل منها :
الفضلية(3) ، وهي أعم من المفعولية .
الخفة(4) ، وذلك أن الرفع أثقل أوجه الإعراب الثلاثة .
تقارب مخرجيهما(5) .
لفظ الضمائر(6) : يقول ابن مالك : ولفظ ما جر كلفظ ما نُصب .
إعراب المثنى وجمع المذكر السالم ، وجمع المؤنث السالم والممنوع من الصرف(7) ، فقد حمل النصب على الجر في المثنى وجمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم ، وحمل الجر على النصب في الممنوع من الصرف .
عامل النصب بعد نزع حرف الجر
__________
(1) الخصائص : 2/464 -465 .
(2) ينظر : المقتضب : 1/7 ، وشرح كتاب سيبويه : 1/216 ، وشرح عيون الإعراب : 63 ، وأسرار العربية : 65 - 66 والأمالي النحوية : 4/115 ، وشرح الكافية : 3/28 .
(3) ينظر : أسرار العربية : 66 ، وشرح المفصل : 4/138 - 139 ، والبسيط : 1/199 ، وشرح الكافية: 3/23 .
(4) ينظر : شرح كتاب سيبويه : 1/216 ، وأسرار العربية : 66.
(5) ينظر : أسرار العربية : 66 - 67 .
(6) ينظر : أسرار العربية : 66 ، وشرح المفصل : 4/138 ، والمغني في النحو : 2/46 ، والأشباه والنظائر : 3/55.
(7) ينظر : المقتضب : 1/7 ، 3/331 ، وأسرار العربية : 66 ، والأمالي النحوية : 4/115 .(1/116)
يمكننا أن نستشفَّ مما تقدم الجهة التي انتصب بها الاسم بعد نزع حرف الجر ، وهي متعلَّق الجار قبل نزعه ، وذلك أنَّ تعلُّقَ حرفِ الجر بالفعل أو ما يشبهه هو ارتباطه به ارتباطاً معنوياً ، ليكون من متمِّماتِ ذلك العاملِ وقيوده ، فإذا ما نزِع حرفُ الجر وانتصب الاسمُ كان المنصوبُ قيداً لذلك العامل فيكون عندئذٍ متعلَّقُ الجار قبل نزعه هو عاملُ النصب في الاسم بعد نزع الجار . أقول هذا متجاوزاً الجدل الطويل في ما يسمى بنظرية العامل في النحو العربي(1) ، معتمداً العامل النحوي أساساً من أسس هذا البحث .
فما تقرر آنفاً من أن العامل في المنصوب على نزع حرف الجر هو متعلَّقُ الجار قبل نزعه ،قولُ أكثر النحويين ، يقول المبرد: " إذا حذفتَ حروف الإضافة من المقسم به نصبته ؛ لأن الفعل يصل فيعمل ، فتقول : اللهَ لأفعلنَّ ، لأنك أردت : أحلفُ اللهَ لأفعلن ، وكذلك كل خافضٍ في موضع نصبٍ إذا حذفته وصل الفعل فعمل في ما بعده ، كما قال الله عز وجل : { واختار موسى قومه سبعين رجلاً } (2) أي : من قومه "(3) ولهذا سمِّيتْ هذه الصورةُ من صور نزع الخافض بـ( الحذف والإيصال ) أي : حذف حرف الجر وإيصال أثر العامل إلى الاسم المجرور فينصبه ، يقول الفارسي :" والجار إذا حذفوه ... على ضربين :
أحدهما : أن يوصَل الفعلُ ، كباب الظرف ، واخترتُ الرجالَ زيداً .
__________
(1) ينظر تفصيل القول فيها في : الرد على النحاة : 69 ، وإحياء النحو : 22 ، 29-41 ، 195، والنحو الوافي : 1/73 ، وفي التحليل اللغوي : 51 .
(2) الأعراف : 155.
(3) المقتضب : 2/321. وينظر : 2/342 ، 4/330-331.(1/117)
والآخر : ألا يوصل الفعل ، ولكن يكون الحرف كالمثبت في اللفظ فيجرُّون به كما يجرُّون به وهو مثبتٌ وذلك قولهم : اللهِ "(1) .
وقد نسب جماعة من المتأخرين(2) إلى الكوفيين أنَّ الناصب له هو نزع الخافض ، فالعامل عندهم على هذا معنوي ، يقول ياسين في قول ابن مالك(3) :
وإنْ حُذِف فالنصبُ للمُنجرِّ ... وعدِّ لازماً بحرفِ جرِّ
: " لم يبين ما الناصب له ، وهو عند الكوفيين نفسُ إسقاط الجار ، وعند البصريين نفس الفعل وأن المحل المقدر قد ظهر"(4) .
__________
(1) شرح الأبيات المشكلة الإعراب : 53 . وينظر نحو ذلك في : المقتصد : 1/666 ، وشرح المفصل : 1/ 108 8/50 ، 52 وشرح الجمل لابن عصفور : 1/327 ، والمسائل السفرية : 21-22 ، وحاشية ياسين على التصريح : 1/310 .
(2) ينظر : حاشية ياسين على الألفية : 1/233، وحاشية الصبان : 2/90 ، وحاشية الخضري : 1/407 .
(3) ينظر : الألفية : 36 .
(4) حاشية ياسين على الألفية :1/233(1/118)
والذي صرَّح به الفراء هو أنَّ النصب بالفعل لا بإلقاء الجار ، وفي ذلك موافقةٌ لما عليه الأكثرون يقول في قوله عز وجل : { فلعلَّكَ تاركٌ بعضَ ما يُوحَى إليك وضائقٌ به صدرُك أنْ يقولوا لولا أُنزِلَ عليه كنزٌ } (1) : " أنْ في قوله : { أن يقولوا } ... في موضع نصبٍ كما قال عز وجل : { يجعلون أصابِعَهُمْ في آذانِهم مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الموتِ } (2) ألا ترى أنَّ ( مِنْ ) تحسُنُ في الحذر ، فإذا أُلقيتْ انتصب بالفعل ، لا بإلقاء ( مِنْ ) كقول الشاعر(3) :
وأُعْرِضُ عن ذاتِ اللئيم تكرُّما "(4) ... وأغفِرُ عوراءَ الكريمِ اصطناعَهُ
أما قولُه في قول الله عز وجل : { ألاَّ تعبدوا إلا اللهَ } (5): " أنْ في موضع نصبٍ بإلقائك الخافض "(6) فمثل هذا يرد عند البصريين القائلين بأن الناصب هو الفعلُ وهو من التجاوز والتسامح في الألفاظ وذلك أنَّ "أكثرَ ألفاظ النحويين محمولةٌ على التجاوز والتسامح لا على الحقيقة ، لأن مقصدهم التقريب على المبتدئين والتعليم للناشئين"(7) لذلك يقول الخضري مخرِّجاً قولَ البصريين : منصوب بنزع الخافض : "قولُهم : منصوب بنزع الخافض ، أي: عنده "(8) .
__________
(1) هود : 12 .
(2) البقرة : 19.
(3) البيت لحاتم الطائي في ديوانه : 82 ، وكتاب سيبويه : 1/367 ، والنوادر في اللغة : 110 ، واللمع :114 ، وشرح المفصل : 2/54،وخزانة الأدب 3/117 ، وبلا نسبة في : معاني القرآن للفراء : 2/5 ، والكامل: 1/381 والمقتضب: 2/348، وأسرار العربية : 187 ، ويروى في غير معاني القرآن : ( ادخاره ) بدل ( اصطناعه ) ( وشتم ) بدل ( ذات ) ، ولا أثر لذلك في الاستشهاد به .
(4) معاني القرآن: 2/5 .
(5) هود : 2.
(6) معاني القرآن : 2/3 .
(7) نتائج الفكر : 165 .
(8) حاشية الخضري : 1/407 .(1/119)
ولعلَّ ما نسبه المتأخرون إلى الكوفيين من أنَّ عامل النصب هو نزعُ الخافض يرجع إلى قولهم في خبر ( ما ) في نحو : ما زيدٌ قائماً بأنه ليس منتصباً بما ، وإنما هو منصوب بنزع الخافض(1) ( حرف الجر ) يقول الفراء في قوله تعالى : { ما هذا بشرا } (2) : " نصبت ( بشرا ً) لأن الباء قد استعملت فيه فلا يكاد أهلُ الحجاز ينطقون إلا بالباء فلما حذفوها ، أحبوا أن يكون لها أثرٌ في ما خرجت منه ، فنصبوا على ذلك ، ألا ترى أن كلَّ ما في القرآن أتى بالباء إلا هذا ، وقولَه : { ما هُنَّ أمهاتِهم } (3) ، وأما أهلُ نجدٍ فيتكلَّمون بالباء وغير الباء فإذا أسقطوها رفعوا "(4) .
فإن صحَّ هذا الظنُّ فلا ينبغي أن يقدَّم المحتملُ على الصريح ، إذ إن ما ذكره الفراء من أن خبر (ما) منصوب بنزع الخافض محتملٌ وليس بصريح ، وقوله في { أن يقولوا } (5) صريح .
__________
(1) ينظر : الإنصاف : 1/155 ، والتبيين : 324 ، وشرح المفصل : 1/108 ، والمسائل السفرية : 21-22 ، والأشباه والنظائر : 6/146 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/233.
(2) يوسف : 31 .
(3) المجادلة : 2.
(4) معاني القرآن : 2/42 .
(5) هود : 12 .(1/120)
وأيًّا ما كان الأمر فإن جعْلَ ( النزع ) عاملاً للنصب ، قولٌ لبعض النحويين حكاه الزجاجي(1) ولم يعيِّن قائله أمِنَ الكوفيين هو أم من البصريين ؟ وهو القول الذي انتصر له عبد الحميد السيد طلب فرأى أن نزع حرف الجر عاملٌ نحوي مطرد للنصب(2) فجعل نزع حرف الجر هو العامل للنصب في ما يذكره الأكثرون على أنه من باب الحذف والإيصال كالمفعول به في نحو : نصحت خالداً وأمرتك الخيرَ ، والمفعول فيه والتمييز وأطلق الحكم بأن نزع الخافض عامل مطرد للنصب ومِثْلُ هذا يردُّه الزجاجي بقول " وهذا خطأ لأنه لو كان فقدان الخافض ينصب كان ينصب في كل حالٍ ، وليس نجد ذلك ، كقولك : حسبك بزيدٍ ، ثم تقول : حسبك زيدٌ ، فلو كان فقدانُ الخافض ينصب ، ما ارتفع زيد وإنما ينتصب لأنه لما ذهَب حرفُ الجر تعدَّى الفعلُ فعَمِل فيه "(3) وكذا يرده ابن يعيش بقوله : "وهذا غير مرضي ، لأنَّ الخافض إذا سقط إنما انتصب الاسم بعده إذا كان الجار والمجرور في موضع نصبٍ ، فإذا سقط الخافض وصلَ الفعلُ أو ما هو في معناه إلى المجرور ، فنصبه . فالنصب إنما هو للفعل المذكور لا بسقوط الخافض ، ألا ترى أنك تقول : كفى بالله شهيداً فيكون الاسم مجروراً بالباء فإذا سقطت الباء كان الاسم مرفوعاً ، نحو : كفى باللهِ ، لأنه لم يكن موضعهما نصباً بل رفعاً"(4).
فالأمر - في نظر الباحث - ليس كما ذهب إليه عبد الحميد السيد طلب للأسباب الآتية :
__________
(1) ينظر : الإيضاح في علل النحو : 139 .
(2) ينظر : نزع الخافض عامل نحوي مطرد للنصب ( بحث ) : 9 .
(3) الإيضاح في علل النحو : 139 .
(4) شرح المفصل : 1/108 - 109 . وينظر : الغرة المخفية : 1/174 - 175 .(1/121)
أن العامل " هو الأمر الذي يتحقق به المعنى المقتضي للإعراب "(1) ، وهل في مجرد ( النزع ) ما يقتضي أو يوجب النصبَ ؟ يقول ابن هشام : إنَّ " سقوط الخافض لا يقتضي النصب من حيث هو سقوط خافضٍ ، بل من حيث إن العامل الذي كان الجار متعلقاً به لمَّا زال من اللفظ ظهورُ أثره لزوال ما كان الخافضُ يعارضه نَصَبَ ، فإذا لم يكن في الكلام ما يقتضي النصبَ من فعلٍ أو شبهه لم يَجُزِ النصبُ "(2) .
أن ( نزع الخافض ) قد وُجِد وتخلَّفَ أثرُه في المعمول في صورٍ كثيرة هي صور نزع حرف الجر وبقاء الاسم مجروراً التي لم يطرقها عبد الحميد ألبته ، فهل من شأن العوامل النحوية أن تكون معمولاتُها بخلاف ما تقتضيه هي من العمل ؟
أن نظرية العامل في النحو العربي تقتضي ترجيحَ العامل اللفظي على العامل المعنوي(3) " إذِ العاملُ المعنوي في كلام العرب بالنسبة للفظي كالشاذ النادر ، فلا يحمل عليه المتنازعُ فيه "(4) .
حكم نزع حرف الجر وانتصاب الاسم
__________
(1) الإيضاح في شرح المفصل : 159
(2) المسائل السفرية : 21 - 22 . وينظر : إعراب القرآن : 2/418 ، والأشباه والنظائر : 6/146.
(3) ينظر : شرح الكافية: 4/ 156 .
(4) المرجع السابق : 2/308 .(1/122)
تقدَّم في مبحثِ نزعِ الخافضِِ والقياسِ أنهم اضطربوا في الحكم على نزع حرف الجر وانتصاب الاسم ، فقد قالوا فيه : هو مذهب صالحٌ(1) ، وكثيراً ما كان الخليلُ يجيبُ به(2) ، ويستعمله الكوفيون كثيراً(3) ، وأنه كثيرٌ في القرآن والكلام والأشعار(4)، وقياسٌ صحيح(5)، وبابٌ واسعٌ لمطلق النحويين وأهل اللسان فضلاً عن العرب الذين هم أئمة هذا الشأن(6).
وقالوا أيضاً : إنما يجوز في ما استعملوه وأُخذ سماعاً(7)، وأنه بابُ ضرورةٍ وطريقُه السماعُ فلا يُحمَلُ عليه ما وُجِدَ عنه مندوحةٌ(8) ، وأنه سماعي على الأصح(9)، وشاذ لا يجوز ارتكابه(10).
وقالوا أيضاً : هو مطرد ومنقاس في مواضع ، وموقوف على السماع في مواضع(11) .
هذا بعضُ ما قيل في هذه الصورة من صور نزع الخافض ، ولئلا تبقى الأحكام مطلقةً ومتضاربة سيعرض الباحثُ المواضع التي يرى أن نزع حرف الجر وانتصاب الاسم فيها قياسٌ بحسب ضوابط القياس التي تقدمت ، أمَّا المواضع التي لا تجري عليها تلك الضوابط وقيل فيها بنزع حرف الجر وانتصاب الاسم ، فسيُرَدُّ القولُ بنزع الخافض فيها .
مواضع نزع حرف الجر وانتصاب الاسم على حد المفعول به
باب نصح
__________
(1) ينظر : معاني القرآن وإعرابه : 1/211 .
(2) ينظر : كشف المشكل : 1/454 .
(3) ينظر : إعراب القرآن : 3/412 .
(4) ينظر : الإفصاح : 77 ، وأمالي ابن الشجري : 1/285 ، واتحاف الحثيث : 48 ، والبرهان : 3/253 .
(5) ينظر : شرح المفصل : 8/51 .
(6) ينظر : تاج العروس ( بحث ) ، ودراسات في فلسفة النحو والصرف : 42 -43 .
(7) ينظر : الأصول في النحو : 1/180 .
(8) ينظر : شرح المفصل : 6/64 ، ومعجم المصطلحات النحوية والصرفية : 222
(9) ينظر : حاشية الصبان : 1/18 ، 211 .
(10) ينظر : حاشية ابن حمدون : 253 .
(11) ينظر : شرح المكودي : 253، وشرح الأشموني : 2/91 ، والبهجة المرضية : 1/379 -380 .(1/123)
يتفنَّنُ النحويون في تقسيم الأفعال بالنظر إلى عملها أقساماً عديدة ، وغايةُ ما وقفتُ عليه من أقسام الفعل تقسيم المبرد الفعلَ على عشرة أنحاء(1) ، واقتصر ابنُ هشام على سبعة أقسامٍ(2) ، ويذكر غيرُهما للفعل أقساماً دون ذلك(3) .
ومن جملة هذه الأقسام قسمٌ هو موضع البحث هاهنا ، وهو ما يتعدى إلى مفعول واحدٍ بنفسه تارة وبحرف الجر تارة أخرى ، وغلب تمثيلُهم له بـ ( نصح ) و( شكر ) حتى كانا كالأُمَّينِ لهذا القسم من الأفعال ، يقول السيوطي ( ت : 911هـ ) في تعدي نصح : " ولا أظنه مخصوصاً بنصح ، فإنه ممكنٌ في باقي أخواته "(4) فيقال : نصحت لك ، ونصحتك ، وشكرت لك ، وشكرتك ، قال الله تعالى : { ليس على الضعفاءِ ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حَرَجٌ إذا نصحَوا للهِ ورسولِه } (5) وقرئ في الشواذ(6) : { إذا نصحوا اللهَ ورسولَه } بنصب لفظ الجلالة ، ومن ذلك قول الشاعر(7) :
وصاتي ولم تنجحْ لديهم وسائلي ... نصحت بني عوفٍ فلم يتقبَّلوا
__________
(1) ينظر : المقتضب : 3/187-190 .
(2) ينظر : شرح شذور الذهب : 354-376 .
(3) ينظر : شرح عيون الإعراب : 81-82 ، وشرح ملحة الإعراب : 92-93 ، وكشف المشكل : 1/386-389 402-406 ، والمقرب : 175، والمباحث الخفية : 1/475.
(4) همع الهوامع : 3/5 . وينظر حاشية ياسين على التصريح : 1/309 .
(5) التوبة : 91 .
(6) قرأ بها أبو حيوة . ينظر: البحر المحيط : 5/482 .
(7) البيت للنابغة الذبياني في ديوانه : 143 ، ومعاني القرآن للفراء : 1/92 ، وأدب الكاتب : 276 ، والاقتضاب : 2/622 ، وتاج العروس ( نصح ) وبلا نسبة في : المخصص : 14/245 ، وارتشاف الضرب : 3/50 .(1/124)
ومن تعدي شكر بحرف الجر قوله تعالى : { فاذكروني أذْكُرْكم واشكروا لي ولا تكْفُرونِ } (1) ومن تعديه بنفسه قوله تعالى : { فكُلوا مما رزَقَكُمُ اللهُ حلالاً طَيِّباً ، واشْكُروا نعمةَ اللهِ إنْ كنتُم إيِّاه تَعْبُدون } (2) ، وقولُه - صلى الله عليه وسلم - :( لا يشكُرُ اللهَ مَنْ لا يشكرُ الناسَ )(3) وقول الشاعر(4) :
فهلاَّ شكرتَ القومَ إذْ لم تقاتلِ ... هم جمعوا بُؤْسَى ونُعْمى عليكمُ
وقال الآخر(5) :
وخصمٍ يكادُ يغلبُ الحقَّ باطلُه ... وذي نعمةٍ تمَّمْتَها وشكرتَها
__________
(1) البقرة : 152 .
(2) النحل : 114 .
(3) الحديث رواه أحمد 8/61 برقم 7926 ، ورواه بلفظ ( من لا يشكر الناس لا يشكر اللهَ ) في : 7/295 برقم 7496 ورواه أبو داؤد :2/256 برقم 4811 . والترمذي باللفظ الثاني : 4/298-299 برقم 1954 ، 1955 .
(4) البيت بلا نسبة في : معاني القرآن للفراء : 1/92 .
(5) البيت لزهير في ديوانه : 110، وشرح الفصيح للزمخشري : 1/232 .(1/125)
ومما ينبغي التنبيه عليه عند ذكر هذا القسم من أقسام الأفعال أنه ليس كباب فَغَرَ فاه ، وفَغَرَ فوه(1) الذي يأتي لازماً ومتعدياً ، فقد يلتبس بباب نصح إذا قيل : إن باب نصح مما اجتمع له اللزوم والتعدي أو أنه يأتي لازماً ومتعدياً ، كما قد يعبر بعضهم(2) ، بل الأولى أن ينماز البابان في تسميتهما ، فيقال في باب فغر هو ما يأتي لازماً ومتعدياً(3) ، ويقال في باب نصح هو ما يتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ بنفسه تارة وبحرف الجر تارة(4) .
أقوال النحويين في باب نصح :
يقول أبو حيان : " وفي إثبات هذا النوع من الفعل ، وهو أن يكون يتعدى تارة بنفسه ، وتارة بحرف جر بحق الوضع فيه خلاف "(5) ، لذا تعددت أقوال النحويين فيه على النحو الآتي :
__________
(1) ومثله : شحا فوه أي : انفتح ، وشحاه ، أي فتحه ، ينظر : شرح الكافية الشافية : 2/637 ، وهمع الهوامع : 3/5-6 وحاشية الصبان : 2/82 ، وحاشية الخضري : 1/404 .
(2) ينظر : شرح الكافية الشافية : 2/636 ، والمساعد : 1/427 ، وهمع الهوامع : 3/5 .
(3) للاستزادة في أحكام هذا الباب ينظر : أدب الكاتب : 296 ، والخصائص : 2/210 -213 ، وشرح الفصيح للزمخشري : 1/213 ، 2/357 - 358 ، والأمالي النحوية : 2/87 ، والبسيط : 1/419 ، والبحر المحيط : 3/344 4/529 ، 6/154 ، 7/586 ، وحاشية ياسين على التصريح : 1/238 .
(4) ينظر : شرح المقدمة المحسبة :2/306 ، 368 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/305 ، والبحر المحيط : 2/50 والنكت الحسان : 89 ، وشرح شذور الذهب : 356 .
(5) البحر المحيط : 2/50 .(1/126)
ذهب الأكثرون(1) إلى أن باب نصح قسمٌ برأسه من أقسام الأفعال ناتجٌ عن اختلاط اللغات وتداخلها ، وقد جاء كلا الاستعمالين فيه متساوياً ، فلما تساويا في الاستعمال كان كلُّ استعمال أصلاً بنفسه .
وذهب جماعة(2) إلى أن الأصل فيه التعدي بحرف الجر ، ثم قد يُنزَعُ حرفُ الجر فينتصب الاسم بعد أن كان مجروراً ، وصححه ابن عصفور(3) .
ذهبت طائفة(4) إلى أن الأصل فيه هو التعدي إلى المفعول بنفسه ، وحرفَ الجر زائدٌ ، واختاره الرضي والتفتازاني.
ذهب ابن درستويه وتبعه جماعة(5) إلى أن الأصل تعدي أفعال هذا الباب إلى مفعول واحدٍ بنفسه وإلى الثاني بوساطة حرف الجر ، فالأصل أن تقول مثلاً : شكرت لزيدٍ معروفه ، ونصحت لخالدٍ الرأيَ ، فإن شئت نزعت حرف الجر تخفيفاً ، فعدَّيت الفعلَ بنفسه إليهما ، فقلت : شكرت زيداً معروفَه ونصحت خالداً الرأيَ ، ثم يُترَك المفعولُ المسرَّحُ ( معروفَه والرأيَ ) ويبقى غيرُ المسرح الذي أصله الجر بالحرف .
__________
(1) ينظر : شرح المقدمة المحسبة : 2/306 ، 369 ، واللباب : 1/267 - 268 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/306 ، وشرح الكافية الشافية : 2/636 ، والغرة المخفية : 1/233 ، وارتشاف الضرب : 3/49 ، وهمع الهوامع : 3/5 ، وحاشية الصبان : 2/87 .
(2) ينظر : تلقيح الألباب : 70 ، وأمالي ابن الشجري : 2/129-130 ، وكشف المشكل : 1/387 ،والبسيط : 1/460 ورصف المباني : 246 – 247 .
(3) ينظر : شرح الجمل : 1/387 .
(4) ينظر : شرح الكافية: 4/138-139، وشرح التصريح : 1/312 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/231 ، وحاشية ياسين على التصريح : 1/308 .
(5) ينظر : تصحيح الفصيح : 168 - 169 ، والاقتضاب : 1/317 ، والكشاف : 1/101 ، وتلقيح الألباب : 70 وشرح الفصيح للخمي : 94 ، وتذكرة النحاة : 474 ، ودراسات في فلسفة النحو والصرف : 38 .(1/127)
5- ذهب السهيليُّ وابنُ القيم(1) إلى نحو ما ذهب إليه ابنُ درستويه مع فارقٍ يسير ، وهو أن نزع حرف الجر ليس بقصد التخفيف ، وإنما هو لتضمين الفعل معنى فعلٍ متعدٍ بنفسه ، فنصحت زيداً متضمِّنٌ معنى أرشدت ، وشكرته متضمن معنى حمدتُ أو مدحتُ .
والراجح من الأقوال في نظر الباحث القول الثاني للأسباب الآتية :
أن التعدي في هذا الباب بحرف الجر جاء أكثر من التعدي بغير واسطة " فيجب في ما كثُر واطرد أن يدَّعى فيه أنه أصلٌ "(2) فلم يأتِ ( نصح ) في القرآن إلا واصلاً بحرف الجر(3) عدا القراءةِ الشاذة في قوله تعالى { إذا نصحوا للهِ ورسولهِ } (4) بنزع حرف الجر ونصب لفظ الجلالة .
أنه لا تجري عليه علامة الفعل المتعدي بنفسه(5) ، فلا يصاغ منه اسم مفعول تام ، بل يصاغ منه اسم مفعول مفتقر إلى حرف جر ، فتقول : هذا منصوح له كما تقول : هذا مقصود إليه ومجرور به(6) .
فإن قيل : إن من علامة الفعل المتعدي أيضاً اتصالَه بـ ( هاء ) تعود على غير المصدر ، مثل : البابُ أغلقته ، وقد أمكن اتصالُها بنصح ، فتقول : زيدٌ نصحته ، فعلامةٌ بعلامةٍ .
فالجوابُ أنَّ هذه العلامةَ ( هاء غير المصدر ) مقيدةٌ بأن " تصِلَ من غير توسُّعٍ بحذف الجار كما هو المتبادر ، فلا يرِدُ ... الليلةُ قمتها ، والنهارُ صمتُه ، والدار ُ دخلتُها "(7) وزيد نصحته .
__________
(1) ينظر : نتائج الفكر : 352 ، 363 - 364 ، وبدائع الفوائد : 2/306 – 307 .
(2) البسيط : 1/460 .
(3) ورد نصح في القرآن في خمسة مواضع هي : الأعراف : 62 ، 79 ، 93 ، والتوبة : 91 ، وهود : 34 .
(4) التوبة : 91 وسبق تخريج قراءة النصب : 77.
(5) ينظر : شرح الكافية الشافية : 2/629 - 630 ، وشرح الكافية1/301 ، 4/138 ، وشرح الأشموني 2/87 .
(6) ينظر : رصف المباني : 247 .
(7) حاشية الصبان :2/87 ، وينظر : حاشية الخضري : 1/403(1/128)
أن المفعول الذي يتعدى إليه الفعل بنفسه هو ما يحلُّ به الفعلُ(1) ، نحو : ضربت زيداً ، فزيداً قد حلَّ به الضربُ ، والمفعول الذي يتعدى إليه الفعل بحرف الجر لا يكون محلاً للفعل نحو : مررت بزيدٍ ، فالمرور لا يحل بزيدٍ " فينبغي على هذا أن يجعل نصحت زيداً وأمثالُه الأصلُ فيه : نصحت لزيدٍ ... لأن النصح لا يحلُّ بزيدٍ "(2) .
هذا ويُضعِفُ القولَ الأوَّلَ وهو أن استعمالَه بالوجهين لغتان ما يأتي :
قولُ أكثرهم(3) بتساوي الاستعمالين في الكثرة " وفي دعوى التساوي في الكثرة نظر "(4) لقول الفراء : " العرب لا تكاد تقول : شكرتك ، إنما تقول : شكرت لك ، ونصحت لك ولا يقولون : نصحتك ، وربما(5) ولقول الزجاج : " الكلام نصحت لك ،وهو أكثر من نصحتك "(6) ، وكذا قال جماعةَ كُثُر(7): إن استعمال هذا الباب بحرف الجر أكثر وأفصح وأعلى وأجود وأشهر ، وهي لغة القرآن .
ما ذهب إليه ابن عصفور من " أنَّه لا يتصور أن يوجد فعلٌ يتعدى بنفسه وتارة بحرف الجر ؛ لأنه محالٌ أن يكون الفعلُ قوياً ضعيفاً في حالٍ واحدةٍ ، ولا المفعولُ محلاَّ للفعل وغير محل للفعل في حينٍ واحدٍ "(8)
__________
(1) ينظر : الأصول في النحو : 1/169 ، وشرح المفصل : 7/62 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/305 ، والبسيط : 1/411 .
(2) شرح الجمل لابن عصفور : 1/306 .
(3) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور : 1/306 ، وشرح الكافية: 4/139 ، وارتشاف الضرب : 3/49 ، وهمع الهوامع : 3/5 .
(4) حاشية ياسين على الألفية : 1/234 .
(5) * في قوله : (ربما ) إشارة إلى قلة استعماله متعدياً بنفسه . قيلتا "$%& معاني القرآن : 1/92 .
(6) معاني القرآن وإعرابه : 4/138 .
(7) ينظر أدب الكاتب : 276 ، وشرح الفصيح للزمخشري : 1/232 ، ولسان العرب (نصح) ، وتذكرة النحاة 25 والمصباح المنير :232 ، والمساعد : 1/432 ، وشرح التصريح : 1/312 ، وتاج العروس : (نصح) .
(8) شرح الجمل لابن عصفور : 1/306 .(1/129)
وأجيب عن ذلك بأن بعض العرب يمكن أن يلحظ الفعلَ قوياً ، ويلحظُه آخرُ ضعيفاً(1) .
ويُضعِفُ القول الثالث ، وهو أن الفعل متعدٍّ بنفسه وحرفَ الجر زائدٌ ما يأتي :
1 - أن زيادة حروف الجر خلاف الأصل ، كما أن حذفها كذلك(2) " فليس كونه متعدياً واللام زائدة بأولى من كونه لازماً واللامُ محذوفةً توسعاً "(3) .
2 - أنَّ حروفَ الجر وإن زِيدتْ في مواضع ، فليس هذا بجارٍ عليه ضابطُ زيادتها في المفعول به وهو أن الفعل إن كان "يحُلُّ بنفس المفعول ، ويوجَدُ تارة متعديًا بنفسه ، وتارة بحرف جر ، جعلنا الأصلَ وصولَه بنفسه ، وحرفَ الجر زائداً ، نحو : مسحت رأسي ، ومسحت برأسي ، وخشَّنت بصدره وصدرَه ، لأن التخشين بالصدر والمسح يحل بالرأس"(4) .
3- أن القائلين بزيادة حرف الجر هاهنا إنما بنوه على تساوي الاستعمالين ، واتحاد المعنى(5) وقد تقدم ما في تساوي الاستعمالين ، وسيأتي الحديث في اتحاد المعنى في ضابط إجراء القياس في هذا الباب .
4- ومما يضعف القول بالزيادة ويرجح التعدي بالحرف وأن النصب إنما هو على نزع حرف الجر ما تقرر في ضوابط نزع الخافض من " أنَّ دعوى الحذف أولى من دعوى الزيادة "(6) .
أما القول الرابع وهو قول ابن( درستويه ) ، ففيه موافقةُ ، للقول المختار من جهة ومخالفة له من جهةٍ أخرى .
أما جهة الموافقة فهي ذهابه إلى أن انتصاب ( زيداً ) في نحو : شكرت زيداً معروفه على نزع حرف الجر تخفيفاً ، وأن الأصل : شكرت لزيدٍ معروفه .
__________
(1) ينظر : ارتشاف الضرب : 3/50 ، وحاشية ياسين على التصريح : 1/309 .
(2) ينظر : الخصائص : 2/273 ، 280 .
(3) حاشية ياسين على الألفية : 1/231 .
(4) شرح الجمل لابن عصفور : 1/306 - 307 .
(5) ينظر : شرح الكافية: 4/138 – 139 .
(6) حاشية ياسين على الألفية : 1/231 . وينظر : 36 من هذا البحث .(1/130)
وأما جهة المخالفة فهي ذهابه إلى تعدي الفعل (نصح وشكر) إلى مفعولٍ واحدٍ بنفسه وإلى آخر بحرف الجر ، وهذه الجهة هي التي بسببها ضُعِّف هذا القولُ ، واتُّهم بالفساد والتمحل(1) ؛ بل وُصِفَ ابنُ درستويه بسبب ذلك بأنه كثيراً ما يرتكب مثل هذه التمحُّلات(2) . والحجةُ-عند النحويين- في تضعيف ما ذهب إليه ابن درستويه أن ما ادَّعاه لم يسمع في موضعٍ ، يقول ابن عصفور : " ولو كان كما ذهب إليه لسُمع في موضعٍ من المواضع : نصحت زيداً رأيه ، فتوصِلُ نصحت إلى منصوب بعد المجرور ، فإذ لم يسمع ذلك دليلٌ على فساده "(3) . ويقول أبو حيان في ردِّ هذا القولِ : "ويَحتاجُ كونُه يتعدى لواحدٍ بنفسه ، وللآخر بحرف جر ، فتقول شكرت لزيدٍ صنيعَه ، لسماعٍ من العرب ، وحينئذٍ يصار إليه"(4) .
والحقُّ أن ما منعوه من هذه الجهة مسموعٌ منقولٌ عن العرب في شكر ، من ذلك قول الشاعر(5) :
وما ضاعَ معروفٌ يكافئه شكرُ ... شكرتُ لكم آلاءَكم وبلاءَكم
وقول الآخر(6) :
ولم أكُ للمعروفِ ثَمَّ كنودا ... شكرتُ له يومَ العكاظِ نوالَه
وقول الآخر(7) :
__________
(1) ينظر :شرح الجمل لابن عصفور : 1/307 ، وارتشاف الضرب : 3/50 ، والبحر المحيط : 2/50 ، وتاج العروس: (نصح ) .
(2) ينظر تاج العروس : (نصح) .
(3) شرح الجمل : 1/305 .
(4) البحر المحيط: 2/50 .
(5) البيت لحجية بن المضرَّب في أمالي القالي : 1/54 ، والحماسة البصرية:1/257،وبلا نسبة في تذكرة النحاة : 474.
(6) أنشده ابن عباس رضي الله عنه في جواباته نافعَ بن الأزرق ولم ينسبه . ينظر: الإتقان : 2/71 ، ودراسات في فلسفة النحو والصرف : 38 .
(7) البيت ينسب إلى أبي الأسود الدؤلي وهو في ديوانه : 388، ولعبد الله بن الزَّبير في ملحق ديوانه : 142، والحماسة البصرية : 1/425 ولكليهما في الأغاني : 7/403 ، وخزانة الأدب : 2/233 ، وبلا نسبة في : دلائل الإعجاز : 149، وأمالي ابن الشجري :2/129، وتذكرة النحاة : 474 .(1/131)
أياديَ لم تُمنَنْ وإن هي جلَّتِ ... سأشكرُ عمراً ما تراختْ منيَّتي
أي : سأشكر لعمروٍ أيادي(1) ، وعكس ابن الشجري التقدير فقال : " نصب أياديَ بتقدير حذف الخافض ، أراد : على أيادٍ ، فلما حذف (على) نصب "(2) .
فقول ابن درستويه لا يبطل القول المختار ، وإن كان ليس إياه ، فالأصل على القولين في نحو: نصحت زيداً ، وشكرت عمراً التعدي بحرف الجر ، والتقدير: نصحت لزيدٍ ، وشكرت لعمروٍ ، غير أن ابن درستويه يزيد مع ذلك تعدي الفعل إلى مفعولٍ آخر بنفسه ، وهي جهة المخالفة بين القولين فإثباتُها أو إبطالها لا يغيرِّ من إثبات القدر المشترك بين القولين ، ثم إن المفعول الذي أثبتَه ابنُ درستويه ، وخالفه في إثباته من تقدم ذكره وصفه ابن درستويه نفسُه(3) بأنه قد استغني عنه ، وقلَّ استعمالُه في الكلام ، " والقلَّةُ أختُ العَدَم"(4) .
__________
(1) ينظر : تذكرة النحاة: 474 .
(2) الأمالي : 2/129-130 .
(3) ينظر : تصحيح الفصيح : 169 .
(4) حاشية الشهاب: 1/65 .(1/132)
أما طريقة السهيلي وابن القيم وهي أنَّ الفعلَ في حال تعديه بنفسه إلى ما كان مجرورًا بالحرف متضمِّنٌ معنى فعلٍ متعدٍّ بنفسه " فيسقط حرف الجر من أجله "(1)فهي غير مستقيمةٍ لجمعها بين التضمين ونزع حرف الجر . يقول السهيلي : " وربما تضمن الفعلُ معنى فعلٍ آخر متعد بغير حرفٍ ، فيسقط حرفُ الجر من أجله... نحو: نصحت لزيدٍ ، ولكنهم يقولون : نصحت زيداً ، فيسقطون الحرف ؛ لأن النصيحة متضمنةٌ للإرشاد، فكأنهم قالوا : أرشدتُ زيداً ...وكذلك شكرت ... تقول شكرت لزيدٍ ، ثم تحذف الحرف ، لأن شكرت متضمنة لحمدت أو مدحت "(2) . ثم إن القول بتضمين نصح معنى أرشد وشكر معنى مدح أو حمد يعود على الأصل بالإبطال إذِ الأصلُ-عندهما- أن يتعدى نصح وشكر إلى مفعولٍ واحدٍ بنفسه وإلى الثاني بحرف الجر فيقال نصحت لزيدٍ رأيَه ، وشكرت له معروفَه ، فلما ضمِّن نصح معنى أرشد ، وشكر معنى مدح أو حمد ، تعدى إلى زيد بنفسه فكأنه قيل : أرشدت زيداً وشكرته . فأين ثاني المفعولين ؟ فهل يصح أن يقال : أرشدت زيداً رأيه ، وحمدته أو مدحته معروفَه؟ فغاية ما في أرشدت وحمدت ومدحت أن يتعدى إلى ( زيداً ) الذي تعدى إليه نصح وشكر بحرف الجر فصارا بالتضمين متعديين إليه بلا واسطة ، ولكنَّ أرشد ومدح وحمد لا يتعدى إلى الثاني إلا بحرف الجر الذي هو في الأصل منصوب ، فيبطل ذلك تعدي نصح إلى ( رأيه ) وشكر إلى ( معروفه ) بنفسهما ، ويُضَعَّف هذا القولُ أيضاً من جهة ثالثة وهي أن منطلَقَ طريقة السهيلي التضمينُ ، وقد تقدم أنه "ليس ينبغي أن يحمل فعلٌ على معنى فعلٍ آخر إلا عند انقطاع الأسباب الموجبة لبقاء الشيء على أصله "(3) كيف ومع التضمين هذا الاضطراب ؟
حكمُ باب نصح من حيثُ السماعُ والقياسُ :
__________
(1) نتائج الفكر: 352 .
(2) المرجع السابق . وينظر : بدائع الفوائد : 2/306-307 .
(3) الأشباه والنظائر : 6/101 .(1/133)
أكثرُ النحويين – على اختلاف وجهاتهم في باب نصح – يقفون به عند حدِّ المسموع الذي لا يقاس عليه(1) ، ثم اختلفوا في عِدَّة الأفعال المسموعة منه :
فقيل(2) : أربعةٌ ؛ نصح ، وشكر ، وكال ، ووزن .
وقيل(3) : خمسة ؛ الأربعة المذكورة ، وعَدَّ.
وقيل(4) : ستة ٌ ، الخمسة المذكورة ، وجاء ، وربما جعل بعضهم قصد بدل جاء(5).
فيصير مجموع الأفعال على هذا سبعةً ، فلما رأى التهانوي شيئاً من الاختلاف في عدَّتها قال : "والظاهر أنها غير محصورة "(6) .
__________
(1) ينظر : الجمل: 31 ، وشرح المقدمة المحسبة:2/306 ، 369 ، والاقتضاب : 1/369 ، وكشف المشكل : 1/387 - 389 ، 405 - 406 ، والغرة المخفية : 1/233 - 234 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/305 ، والبسيط : 1/464 ، والمباحث الخفية : 1/487 ، والمساعد : 1/427 ، وهمع الهوامع : 3/5 ، والكليات : 809 .
(2) ينظر : بدائع الفوائد : 2/306 .
(3) ينظر : الغرة المخفية : 1/234 ، والكليات : 809 .
(4) ينظر : المباحث الخفية : 1/487 .
(5) ينظر : كشاف اصطلاحات الفنون : 3/373 .
(6) المرجع السابق .(1/134)
وما كان ينبغي أن يكون ثمة اختلاف: لأن كثيراً ممن ألَّف في إصلاح المنطق اللغوي تجاوز بكثير العدد المذكور ، فقد ذكر ابنُ قتيبة في باب إدخال الصفات وإخراجها(1) ثلاثين فعلاً مما يتعدى بنفسه تارة وبحرف الجر تارة ، وقال ابن سيده : " وأذكر ما حكى أهل اللغة من هذا القسم الثاني ، أعني الفعل الذي تعدى بحذف حرف الجر مما يتعدى إلى مفعولٍ أو مفعولين "(2) فأحصيتُ ما ذكره مما يتعدى بنفسه تارة وبحرف الجر تارة مما يصلح أن يكون من باب نصح مخرجاً ما كان من باب أمر أو المفعول فيه ، أو باب سفه نفسه ، فبلغتْ عدةُ أفعال هذا الباب ثلاثة عشر ومائةَ فعلٍ ، فصدق بذلك قول التهانوي فيها " الظاهر أنها غير محصورة "(3) لذا رأى مصطفى جواد(4) في الحذف والإيصال باباً مفتوحاً للفصحاء وافراً وفرةً لا تحصى ولا تستقصى .
ففي هذه الكثرة التي لا تنضبطُ إحصاءً لمتتبعها في معجمات اللغة دليل ٌعلى أنَّ الحكم على هذا الباب بالسماع لقلة ما ورد منه غيرُ صواب .
ورأيت لابن بابشاذ ( ت : 469 هـ ) تعليلاً للوقوف بهذا الباب عند حد المسموع : يقول فيه : "وهي أفعالٌ قليلة تحفظ ولا يقاس عليها ...وإنما كان هذا مسموعاً غيرَ مقيس ؛ لأنه ينبغي أن تكون دلالةُ الفعل على المفعول دلالةً متفقةً غيرَ مختلفةٍ ، ودلالةُ المتعدي دلالةُ المتسلِّط بنفسه ، ودلالةُ المتعدي بحرف جر دلالةُ المتسلِّط بغيره ، فلذلك وقف على المسموع "(5).
__________
(1) ينظر : أدب الكاتب : 347 - 348 .
(2) المخصص : 14/245 .
(3) كشاف اصطلاحات الفنون : 3/373 .
(4) ينظر : دراسات في فلسفة النحو والصرف : 30 .
(5) شرح المقدمة المحسبة : 2/306 .(1/135)
وهذا التعليل لا يأتي على القول المختار في هذا الباب وهو أن الأصل فيه التعدي بالحرف وانتصابَه إنما هو على نزع الخافض ، وإنما يأتي على قول من جعَل هذا النوع من الأفعال من باب تعدد اللغات ، فعند ذلك تتعدد دلالةُ الفعل في التعدي ، أما على القول المختار فدلالة الفعل فيه واحدة فلا تعدد في الدلالة فضلاً عن أن يكون فيها اختلاف ، لذا كان من مرجحات القول المختار أن الفعل لا يحل بالاسم المنصوب تمييزاً لدلالة الفعل المتعدي بالحرف من المتعدي بنفسه.
وإذ قد أتى الباحثُ على حجة المنع من القياس نقلاً وعقلاً ، يَحِقُّ وضعُ السؤال الآتي : هل ذهب ذاهبٌ إلى قياسية باب نصح ؟
لم أرَ غيرَ نحويينِ اثنين ذهبا فيه مذهبَ القياس لمَّح أحدُهما ، وصرَّح الآخر .
أما الأول فهو حفيدُ ابن هشام ، فقد نقل عنه جماعة(1) استشكالَه قياسيةَ نزع حرف الجر مع أنَّ وأنْ وكي ، في حين يُحكَمُ على نزع حرف الجر في نصحته وشكرته بالسماع يقول ياسين : " قال الحفيد : إن أراد بكونه قياساً : أنه يجوز حذف حرف الجر معها ( أي : أنَّ وأنْ وكي ) في أي تركيب سُمع شخصُه أو لم يسمع ، فهو بعينه في نصح وشكر وإن أراد أنه لا يجوز الحذف إلا في ما سُمع دون ما لم يسمع ولو موافقاً للمسموع في المعنى حتى يمتنع الحذف مع ما ولو ، فهذا بعينه في نصح وشكر "(2)
وأما الآخر فهو ابن حمدون حيث قال في هذا النوع من الأفعال : " والجمهور على أنه قسم مستقل مقيس جائز "(3) وهذه الكلمة قلقةٌ جداً في سياقها من حيثُ نسبتُها إلى الجمهور .
والذي يختاره الباحثُ إمكانية إجراء القياس في باب نصح وشكر بالضوابط الآتية :
__________
(1) ينظر : حاشية ياسين على الألفية : 1/234 ، وحاشية الصبان : 2/90 ، وحاشية الخضري : 1/408 .
(2) حاشية ياسين على الألفية : 1/234 .
(3) حاشية ابن حمدون : 249 .(1/136)
1- اتِّحادُ المعنى بين التعبيرين ، أي بين التعدي بحرف الجر ، والتعدي بلا واسطة ، وذلك لأجل أن تبقى دلالةُ الفعل في التعدي واحدةً لا تختلف ، فلا تنقل دلالة الفعل حال تعديه بنفسه بالتضمين إلى دلالة ما تضمنه ، فيخرج حينئذٍ من صورة نزع الخافض إلى التضمين . وقد نصَّ جمع(1) على هذا الضابط عند ذكرهم هذا النوع من الأفعال . يقول السيرافي ( ت : 368 هـ ) : " قولك : تعلقتك وتعلقت بك ، ونصحتك ، ونصحت لك وجئتك وجئت إليك ، فالفعل يكون مرةً واصلاً بحرف ، ومرة بغير حرف ، والمعنى واحد "(2) ويقول ابن مالك : " من الأفعال أفعالٌ استعملت بوجهين ، والمعنى واحدٍ ، كنصحت وشكرت ... يقال : شكرته وشكرت له ، ونصحته ونصحت له "(3) .
__________
(1) ينظر : شرح كتاب سيبويه : 1/216 -217 ، ومعجم مقاييس اللغة : 993 ، والمحرر الوجيز : 2/20 ، وشرح الكافية الشافية : 2/636 ، وحاشية ياسين على الألفية : 231 .
(2) شرح كتاب سيبويه : 1/216 -217 .
(3) شرح الكافية الشافية : 2/636 .(1/137)
ولا يخلُّ هذا الضابط بالقاعدة الأسلوبية " أنه لا يعدل من تعبير إلى تعبير إلا يصحبه عدول من معنىً إلى معنىً "(1) ووجهُ عدم الخلل أن العدول ليس منحصراً في المغايرة والاختلاف ، بل قد يكون في الموافقة مع زيادة المعنى ، كما يعدل على مستوى الصيغ من فاعل إلى فعَّال ، أو قد يكون في إثبات المعنى نصَّا لا احتمالاً كزيادة حرف الجر مع النكرة في سياق النفي ، ولهذا ينبغي التماس أغراض نزع الخافض كالمبالغة في مثل هذا المقام للإبقاء على دلالة تعدي الفعل والإبانة عن وجه العدول من تعبير إلى آخر ، وقد وجدتُ شيئاً من هذا عند الزمخشري في تفسير قوله تعالى : { أبلِّغُكُم رسالاتِ ربِّي وأنصحُ لكم } (2) حيث يقول : " ( وأنصح لكم ) يقال : نصحته ونصحت له وفي زيادة اللام(3) .
اشتهارُ الاستعمالين ، بحيث لا يكون أحدهما مستندَراً(4)، تحقيقاً لمبدأ الكثرة شرطاً للقياس ، فإنْ كان أحدُ الاستعمالين نادراً ، كقولهم(5) مررت زيداً ، فلا يصار إلى القياس عليه .
__________
(1) معاني النحو : 2/720 .
(2) الأعراف : 62
(3) * مراده بزيادة اللام ذكرُها لا أنَّ دخولها كخروجها ؛ لأن الزمخشري ممن يرى أن الوجهين لغتان واستعمال اللام أفصح . ينظر : شرح الفصيح : 1/231 -232 . وحاشية الشهاب : 4/302 . مبالغة ، ودلالة على إمحاض النصيحة وأنها وقعتْ خالصةً للمنصوح له مقصوداً بها جانبه لا غير ، فربَّ نصيحةٍ ينتفع بها الناصح فيقصد النفعين جميعاً ، ولا نصيحة أمحض من نصيحة الله ورسله عليهم السلام "$%& الكشاف : 2/112 . وينظر : البحر المحيط : 5/83 .
(4) ينظر : المساعد : 1/427 ، وكشاف اصطلاحات الفنون : 3/373 .
(5) ينظر شرح المفصل : 8/8، 51 ، 9/103 ، والتوطئة : 204 ، وتذكرة النحاة : 582 .(1/138)
ويرى ياسين(1) أن التعبير بفصاحة الاستعمالين التي تشمل الفصيح والأفصح يستلزم كثرةَ الاستعمال وإن اختلفتِ الكثرةُ ، وللسجاعي نحوه في قوله : " والمراد بالفصيح والأفصح الموافق للاستعمال الكثير ، مع قطع النظر عن موافقة القياس أو مخالفته "(2) .
أما التعبير بتساوي الاستعمالين ، فغير سليم ، وقد مرَّ ما فيه قريباً(3) .
3 - غلبة استعمال التعدي بحرف الجر لكي يكون هو الأصلَ " فيجب في ما كثر واطرد أن يدَّعى فيه أنه أصلٌ " وما قلَّ ولم يطَّردْ أن يدَّعى فيه أنه فرعٌ ، وكذلك نصحت لك ونصحتك ، الأكثر فيه : نصحت لك ، قال تعالى : { وأنصح لكم } (4) ونصحتك قليل ، فيجب أن يُدَّعى أن القليل فرعٌ عن الكثير "(5) .
4 - تعين الحرف المحذوف ، تحقيقأ لشرط أمن اللبس عند الحذف ، فلو لم يتعين الحرف المحذوف لم يجز الحذفُ فضلاً عن أن يقاس عليه ، نحو : آمنت زيداً ، فإنه يتعدى بالباء وباللام تقول: آمنت به ، وآمنت له .
5 - أن يكون المجرورُ متعلقاً بالفعل تعلُّق المفعول به لا تعلُّق المفعول فيه ،نحو : دخلت الدارَ ولا تعلق المفعول لأجله ، نحو : جئت رغبةً في العلم .
فما تحققت فيه الضوابط المذكورة أمكن إجراء القياس فيه ، فيستعمل في ما سمع شخصه وفي ما لم يسمع ، وسأذكر في ما يأتي بعضَ أفعالِ هذا الباب التي تحققت في تقديري ضوابطُ قياسية نزع حرف الجر وانتصاب الاسم في مدخولها .
من أفعال باب نصح :
1 - جاء : تقول : جئت إليك ، وجئتك ، ومنه قول الشاعر(6) :
__________
(1) ينظر : حاشية ياسين على الألفية : 1/234 .
(2) حاشية السجاعي : 69 ، وينظر : كشاف اصطلاحات الفنون : 3/525
(3) ينظر : 80 .
(4) الأعراف : 62 .
(5) البسيط : 1/460
(6) البيت لمجنون ليلى في : ديوانه : 15 ، وأوضح المسالك : 2/293 ، ومغني اللبيب : 601 ، وشرح الأشموني : 2/184 ، وشرح التصريح : 1/385 . ورواية الديوان : عليَّ لئن لاقيت ليلى . ولاشاهد فيه على هذه الرواية .(1/139)
زيارةُ بيت اللهِ رجلانَ حافياً ... عليَّ إذا ما جئتُ ليلى بخفيةٍ
يقول أبو علي : " فأما جئتك ، فإنما أصله : جئت إليك ، فاستعمل بحذف الحرف كما استعمل (دخلت) بحذف الحرف منه "(1) ، ويقول الكفوي : " وحذف الإيصال(2) . وعلى هذا الوجه خُرِّجت جملةٌ من الآيات التي ورد فيها ( جاء ) واصلاً إلى المفعول بنفسه من ذلك قوله تعالى : { لقد جئتَ شيئاً إمراً } (3) قال النحاس : " ( شيئا ) منصوب على أنه مفعول به أي : أتيت شيئا ، ويجوز أن يكون التقدير : جئت بشيءٍ إمرٍ ، فحذفت الباء ، فتعدى الفعلُ فنصب "(4) وقوله تعالى: { فقد جاؤا ظلماً وزورًا } (5) يقول الزجاج :" ونصب ( ظلما وزورا ) على : فقد جاؤا بظلمٍ وزورٍ فلما سقطت الباء أفضى الفعلُ فنصب "(6) .
ورأى ابنُ أبي الربيع في تعدي ( جاء ) بنفسه تارة وبحرف الجر تارة أخرى أصالةَ الاستعمالين وإنما اختلف تعدِّيْه لِلَحظَيْنِ مختلفين ، قال : " فمن قال : جئتك ، لحَظَ : قصدتك ، ومن قال : جئت إليك لحظ : وصلت إليك ، أو مشيت إليك فإنَّ ( قصد ) تصل بنفسها و ( وصل ) تصل بحرف الجر"(7)
__________
(1) التعليقة : 1/62 . وينظر : المسائل البغداديات : 551 ، والمسائل العسكريات : 88 ، والخصائص : 2/278 .
(2) * كذا ، والصواب : والحذف والإيصال . مثل :
جاءني إذ أصله : جاء إليَّ "$%& الكليات : 389 .
(3) الكهف : 71 .
(4) إعراب القرآن : 2/466 .
(5) الفرقان : 4 .
(6) معاني القرآن وإعرابه : 4/58 . وينظر : إعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج : 1/114 ، وإعراب القرآن : 3/152 ، والبحر المحيط : 8/82 .
(7) البسيط : 1/460 . وينظر : 2/981 .(1/140)
وفي هذا الذي قرره نظر ، لأن أكثر ما ورد منه متعدياً في القرآن ملحوظٌ فيه وصل ، لا قصد من ذلك قوله تعالى : { فإنْ زللتُمْ مِنْ بعْدِ ما جاءتْكمُ البيناتُ } (1) وقوله تعالى : { فلمَّا ذَهَبَ عن إبراهيمَ الرَّوْعُ وجاءتْه البشرى يجادِلُنا في قومِ لوطٍ } (2) . وقوله تعالى : { أنحنُ صددْناكُمْ عن الهدى بعد إذْ جاءَكم } (3) وقوله تعالى { بلى قد جاءتك آياتي فكذَّبتَ بها } (4) وغيرها كثير(5) .
2- عزم : يقول الأشموني : " تقول : عزمت على كذا لا عزمت كذا "(6) لذا خُرِّج تعدي عزم بنفسه في قوله تعالى : { فإن عزموا الطلاقَ } (7) وقوله تعالى : { ولا تعزموا عقدة َ النكاح } (8) على تقدير
حرف الجر ، أي: على الطلاق ، وعلى عقدة النكاح(9) .
__________
(1) البقرة : 209 .
(2) هود : 74
(3) سبأ : 32 .
(4) الزمر :59.
(5) ينظر : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم : 187 - 191
(6) شرح الأشموني : 2/97 . وينظر : لسان العرب ( عزم ) ، والقاموس المحيط ( عزم ) وتاج العروس ( عزم )
(7) البقرة : 227 .
(8) البقرة : 235 .
(9) ينظر : إعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج : 1/110 ، ومشكل إعراب القرآن : 1/132 ، والبيان : 1/161 والتبيان : 1/180 ، 188 ، والبحر المحيط : 2/450 ، 525 .(1/141)
3 - كَفَرَ : ذكر الفراء أن " العرب قد تقول : إني لآمرُك ، و آمرُ بك ، وأكفُرُك ، وأكفر بك في معنىً واحدٍ ...قال الله تبارك وتعالى : { ألا إنَّ ثمودَ كفروا ربَّهم } (1) وهي في موضع { يكفرون بالله (2) } و { كفروا بربهم } (3) "(4) ومنه قوله تعالى : { فكيف تتقون إنْ كفرتم يوماً يجعلُ الولدانَ شِيْباً } (5) أي : بيومٍ فحُذِفَ الحرفُ ووَصَلَ الفعلُ فنصب يومًا مفعولاً به على نزع حرف الجر ، وليس هو بظرف ؛ لأن الكفر لا يكون يومئذٍ(6) .
ومما يحتمله هذا الباب :
1 - بتُّ القوم وبتُّ بهم ، أي : عرَّس ، وهو النزول ليلاً(7) .
2- حللت بهم ، وحللتهم(8) .
3- أذاع به ، وأذاعه(9) ، ومنه قوله تعالى : { وإذا جاءَهم أمر ٌمِنَ الأمنِ أوِ الخوفِ أذاعوا به } (10) .
4- طوَّحت به وطوَّحته ، أي : حملته على ركوب مكارهٍ يُخاف هلاكه فيها(11).
5-6- فرَق وفزَع ، يقول ابن سيده : " اعلم أن فرقته وفزعته ، معناه فرقت منه ، وفزعت منه ولكن حذفوا منه ، كما حذفوا من أمرتك الخير "(12).
__________
(1) هود : 68
(2) النساء : 150 .
(3) إبراهيم : 18 .
(4) معاني القرآن : 2/92 . وينظر : جامع البيان : 1/45 ، والتبيان : 1/45 ، والبحر المحيط : 2/50 ، 3/313 6/170- 171 ، وخزانة الأدب : 1/328 ، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق 1/ ج 3/451 .
(5) المزمل : 17 .
(6) ينظر : إعراب القرآن المنسوب للزجاج : 1/122 ، والتبيان : 2/1248.
(7) إعراب القرآن المنسوب للزجاج : 1/122
(8) ينظر الغريب المصنف : 2/695 ، والمخصص : 14/ 245 .
(9) ينظر البحر المحيط : 3/723 .
(10) النساء : 83 .
(11) ينظر : المخصص : 14/248 .
(12) المرجع السابق : 14/286 . وينظر : المقرب : 176 .(1/142)
7- قامت عليك ، وقامتك(1) ، ومنه قول الشاعر(2) :
ولا بكتْك جيادٌ عندَ إسلابِ ... ما شُقَّ جيبٌ ولا قامتْك نائحةٌ
8- نزلت بهم ، ونزلتهم(3).
9- أنصتُّ له ، وأنصته(4) ومنه قول الشاعر(5) :
فإن القول ما قالت حذامِ ... إذا قالت حذامِ فأنصتوها
قال الفراء : " يريد : فأنصتوا لها "(6).
10- نفخ فيه ، ونفخه(7).
11- مكَّنت لك ، ومكَّنتك ، قال تعالى : { ألم يرَوْا كَمْ أهلكْنا من قبلِهم مِنْ قَرْنٍ مكَّنَّاهم ما لم نمكِّنْ لكم } (8) قال أبو حيان : " تعدى مكَّن هنا للذوات بنفسه ، وبحرف الجر ، والأكثر تعديه باللام "(9)
هذا ، وغيرها كثير(10) ، ومما ينبغي التنبه عليه أنه يذكر في باب نصح ما ليس منه من ذلك : عدَّ ونقد ، وكال ، ووزن ، وإنما هي من باب أمر وسيأتي .
ب - باب أمر
__________
(1) ينظر : معاني القرآن للفراء : 1/215 ، والمخصص : 14/247 ، والبحر المحيط : 3/164.
(2) البيت بلا نسبة في : معاني القرآن للفراء : 1/215 ، والمخصص : 14/247 ، والبحر المحيط : 3/164 .
(3) ينظر : الغريب المصنف : 2/695 ، والمخصص 14/245 .
(4) ينظر معاني القرآن للفراء : 2/92 ، والمخصص : 14 /248 .
(5) البيت للُجيم بن صعب في : لسان العرب : ( رقش ) ، وشرح التصريح: 2/225 ، وله أو لوشيم بن طارق في : لسان العرب (نصت) ، وبلا نسبة في معاني القرآن للفراء : 1/215 ، 2/94 ، والخصائص : 2/178 ، وشرح المفصل : 4/64 ، وأوضح المسالك : 4/120 ، وشرح شذور الذهب : 95 ، ومغني اللبيب : 291 .
(6) معاني القرآن : 2/92.
(7) ينظر : معاني القرآن للفراء : 1/214 -215 ، 340 ، والبحر المحيط : 3/163 - 164 .
(8) الأنعام : 6
(9) البحر المحيط : 4/439
(10) ينظر : الغريب المصنف : 2/695 ، وأدب الكاتب : 347 ، وتأويل مشكل القرآن : 228 -230 والمخصص:14/245 - 248 ، و دراسات في فلسفة النحو والصرف : 28، 42 ، والتأويل النحوي : 1/714 .(1/143)
من أقسام الفعل التي يذكرها النحويون قسمٌ يتعدى إلى مفعولين ، أولهما مسرحٌ ، وآخرهما مقيدٌ بحرف الجر تارةً ، ومسرحٌ تارةً(1) ، وغلب تمثيلهم لهذا القسم من الأفعال بأمر واختار ، حتى صارا علَمَينِ على هذا النوع من الأفعال ، يقول أبو حيان : " وزعم الجرجاني أن من باب أمر واختار قولَهم: كلته كذا وكذا ، ووزنته كذا درهماً"(2) ويقول أيضًا : " بدَّل من أخوات اختار "(3) ، ويقول السيوطي : " وقد قالوا في ضبط أفعال باب أمر"(4) .
تقول : أمرتك بالخير ، وأمرتك الخيرَ ، ومنه قول الشاعر(5) :
فقد تركتُكَ ذا مالٍ وذا نشبِ ... أمرتك الخيرَ فافعلْ ما أُمرتَ به
أي : بالخير(6).
وقوله(7) :
ولا أمْرَ للمعصيِّ إلا مضيَّعا ... أمرتكم أمري بمنعرِجِ اللِّوَى
أي : بأمري(8).
__________
(1) ينظر : شرح عيون الإعراب : 82 ، وشرح شذور الذهب : 369 .
(2) ارتشاف الضرب : 3/52 . وينظر نحو ذلك في : المخصص : 14/243 ، والإيضاح في شرح المفصل : 2/52 والمباحث الخفية : 1/62 .
(3) البحر المحيط : 6/436 .
(4) همع الهوامع : 3/12 ، وينظر : الأشباه والنظائر : 8/251 .
(5) البيت لعمرو بن معد يكرب في : ديوانه : 35 ، وكتاب سيبويه : 1/37 ، وتحصيل عين الذهب : 67 والمخصص: 14/244 ، ومغني اللبيب : 415 ، وخزانة الأدب : 9/124 ، والدرر : 5/186 ، وقيل هو للعباس بن مرداس أو لخفاف بن ندبة أو لأعشى طِرْوَد أو لزرعة بن السائب . ينظر : خزانة الأدب : 1/339 ، 342 ،343 وبلا نسبة في : الكامل: 1/48 ، والمقتضب 2/36 ، وشرح المفصل : 8/50 ، وشرح شذور الذهب : 369 .
(6) ينظر : المقتضب : 4/330 ، والأصول في النحو : 1/178 - 179 ، والمباحث الخفية : 1/501 .
(7) البيت للكَلْحَبة العُرَيني في : المفضليات : 32 ، وكتاب سيبويه : 2/337 ، والنوادر : 153 ، والإفصاح : 270 وشرح اختيارات المفضل : 1/148، وخزانة الأدب : 3/357.
(8) ينظر : الإفصاح : 270، والانتخاب : 645 .(1/144)
وقوله(1) :
اللحاظَ التي تودُّ اللحاظُ ... أمرتْني لحاظَها ثم قالتْ
أي : بلحاظها(2) .
وتقول : اخترت زيداً من قومه ، واخترت زيداً قومَه ، ومنه قوله تعالى: { واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا } (3) أي : من قومه(4) ، وقول الشاعر(5) :
واعتلَّ من كان يُرجى عنده السُّوْلُ ... اخترتك الناسَ إذ رثَّتْ خلائقُهم
أي: اخترتك من الناس(6) .
وقوله(7):
وناباً علينا مِثْلَ نابِكَ في الحَيَا ... فقلتُ له: اخترْها قلوصاً سمينةً
أي اختر منها قلوصاً(8).
وقول الراجز(9):
تحت الذي اختارَ له اللهُ الشجرْ
أي : اختارها اللهُ من الشجر(10).
أقوال النحويين في باب أمر :
__________
(1) البيت بلا نسبة في : الإفصاح : 270 .
(2) ينظر : الإفصاح : 270 .
(3) الأعراف : 155 .
(4) ينظر : مجاز القرآن : 1/229 ، ومعاني القرآن للأخفش : 2/534 ، والمقتضب : 4/330 ، وجامع البيان : 13/144 ، ومعاني القرآن وإعرابه : 2/380، ومشكل إعراب القرآن : 1/303، والبحر المحيط : 5/186
(5) البيت للراعي النميري في : ديوان العجاج برواية الأصمعي : 7 ، وجامع البيان : 13/146 ، وهو بلا نسبة في البحر المحيط : 5/186 .
(6) ينظر: جامع البيان : 13/146 ، والبحر المحيط: 5/186.
(7) البيت للراعي النميري في ، ديوان الحماسة : 304 ، وروايته فيه : فقلت لرب النابِ خذها ثنيةً ، ولا شاهدَ فيه على هذه الرواية . والبيت بالرواية المستشهد بها بلا نسبة في : معاني القرآن للفراء : 1/395 ، وجامع البيان : 3/147 .
(8) ينظر: مجاز القرآن : 1/229 .
(9) الرجز للعجاج في : ديوانه : 7 ، ومعاني القرآن للفراء : 1/395 ، ومجاز القرآن : 1/229 ، وجامع البيان : 13/147.
(10) ينظر: جامع البيان : 13/147 .(1/145)
لا يجد الباحثُ كبيرَ عناءٍ إن أراد أن يصنف باب أمر عند أكثر النحويين ، فقد اجتمعت كلمتُهم إلا ما ندر على أن ثاني مفعوليه منصوب على نزع حرف الجر ، ومع هذا بلغت الأقوال فيه مبلغَها في باب نصح ، وهذا بيانُها :
ذهب الأكثرون(1) إلى أن الأصل في أمر ، واختار ، واستغفر ، وسمَّى ، وكنَى ونحوِها أن تتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ بنفسها ، وإلى الثاني بحرف الجر ، فإذا نزع حرف الجر وصل الفعلُ فنصب وذلك " أنه لما كثُر استعمالُ هذه الأفعال خففوها بحذف الجار "(2) فتُوسِّع فيها بالحذف تخفيفاً(3) .
ذهب السهيلي وابن القيم(4) إلى أن الأصل في هذا الباب "التعدي بحرف الجر ... وإنما حُذف لتضمُّن الفعل معنى فعلٍ آخر متعدٍّ ، كأنك حين قلت : اخترت الرجال ، أردتَ : نخلتُ الرجال ونقدتهم ، فأخذت منهم زيداً ، فمن هاهنا أُسقط حرف الجر كما أسقط في أمرتك الخيرَ إذ كان الأمر تكليفاً ، كأنك قلت : كلَّفتك هذا الأمرَ "(5).
ويشترط لذلك - عندهما - شرطان(6) :
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 1/37 ، ومجاز القرآن : 1/229 ، ومعاني القرآن للأخفش : 2/534 ، والمقتضب : 4/330 ، والأصول في النحو : 1/178 ، والإيضاح : 154 ، وشرح عيون كتاب سيبويه : 42 ، وكشف المشكل : 1/404 ، واللباب : 1/269 ، والتوطئة : 205 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/311، وارتشاف الضرب : 3/52 .
(2) المباحث الخفية : 1/502 . وينظر : الغرة المخفية : 1/241 .
(3) ينظر : المقتضب : 4/330 ، وشرح المقدمة المحسبة : 2/360 ، والغرة المخفية : 1/241، وشرح المفصل : 7/63 ، والبسيط 1/426 .
(4) ينظر : نتائج الفكر : 330 ، وبدائع الفوائد : 2/291 .
(5) نتائج الفكر : 330 .
(6) ينظر : نتائج الفكر : 336 - 337 ، وارتشاف الضرب : 3/53 ، وبدائع الفوائد : 2/294 -295 ، وهمع الهوامع : 3/12-13 .(1/146)
اتصال الفعل بالذي يحذف منه الحرف ، فإن تباعد منه لم يكن بدٌّ من حرف الجر. فلا تقولُ : أمرتك يوم الجمعة الخيرَ ، بل : بالخير ؛ " لأنَّ المعنى الذي من أجله حذفتَ الباء ليس بلفظٍ ، وإنما هو معنىً في الكلمة ، وهو ما تضمنته من معنى ( كلفتك ) فلم يقوَ على الحذف إلا مع القربِ من الاسم كما كان ذلك في اخترت"(1) .
ألا يكونَ حذفُ حرف الجر مبنيًّا على حذفٍ ، فلا تقول : أمرتك زيداً ، تريد بزيد ؛ " لأن الأمر في الحقيقة ليس به ، وإنما هو على غيره ، كأنك قلت : أمرتك بضربه أو إكرامه "(2) .
هذان القولانِ هما المشهوران عند النحويين ، ولم يذكر مَنْ له عناية بجمع الأقوال كالسيوطي في الهمع(3) غيرَها ، وثمة قولان آخران أخشى أن يكونا قد تسرَّبا إلى باب أمر من باب نصح ، وهما :
أن استعمال أفعالِ هذا الباب متعديةً تارة إلى مفعولين ، وتارة إلى الثاني بوساطة حرف جر لغتان ، حكاه المجريطي ( ت : 401 هـ ) عن الجرمي ( ت : 225 هـ ) ، وذكره ابن الحاجب أحد قولين في توجيه قوله تعالى : { واختار موسى قومه } (4) .
__________
(1) نتائج الفكر : 336 . وينظر: بدائع الفوائد : 2/294 .
(2) بدائع الفوائد : 2/295 .
(3) ينظر : 3/10 - 13 .
(4) الأعراف : 155 .(1/147)
يقول المجريطي في تفسير قول سيبويه(1) في باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين ومن ذلك اخترت الرجالَ عبد الله ، وسميته زيداً ونحوه : " مذهب سيبويه - رحمه الله - في هذا أن أصل الفعل فيه أن يتعدى بحرف جر ، ثم يحذف حرفُ الجر ، فينفذ الفعلُ إلى المفعول المحذوفِ منه حرفُ الجر فينصب . وقال الجرمي : غلِطَ في هذا سيبويه ، وحجَّتُه أن من الأفعال ما يتعدى بحرف جر ، وبغير حرف جر . والدليل على فساد ما ذهب إليه الجرمي أن الفعل إذا وصل إلى المفعول بلا واسطة فلا معنى لإدخالك ما يوصله إليه ، وإذا كان أصلُه ألا يصلَ إليه إلا بحرف الإضافة حسُن لك أن تستخفَّ وتدخلَه في ما هو أمكن "(2) .
ويقول ابن الحاجب في تخريج قوله تعالى : { واختار موسى قومه } : " صحَّ من وجهين أحدهما : أن ( اختار ) تارة يتعدى بنفسه ، وتارة بحرف الجر ، كقولك : استغفرت الله الذنبَ ، ومن الذنب فليست ( مِنْ ) فيه محذوفةً ، وإنما هي أحد اللغتين "(3).
أن الأصل تعدي أفعالِ هذا الباب إلى مفعولين بنفسها ، وحرفَ الجر زائدٌ ، وهو ثاني الوجهين اللذين ذكرهما ابنُ الحاجب في تخريج قوله تعالى : { واختار موسى قومه } فقال : " والآخر: أنه معدًّى بنفسه، وجاءت ( مِنْ ) على سبيل الزيادة ، لا على أنه معدًّى بمن ، ثم حذفت ، كقولك : ما ضربت أحداً ، وما ضربت من أحدٍ "(4)
والمختار من هذه الأقوال الأربعة القول الأول ، وذلك للأسباب الآتية :
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 1/37 .
(2) شرح عيون كتاب سيبويه : 42 .
(3) الأمالي النحوية : 4/97 - 98 . والوجه أن يقول : إحدى اللغتين .
(4) المرجع السابق : 4/98 .(1/148)
أن التعدي بحرف جر في هذا الباب جاء أكثر من التعدي بلا وساطة حرف الجر أي : إنَّ نحو : أمرتك بالخير جاء أكثر من أمرتك الخيرَ ، ونحو : اخترت زيداً من الرجالِ جاء أكثر من : اخترت الرجالَ زيداً ، قال ابن أبي الربيع في : اخترت الرجالَ زيداً : " الأصل : اخترت من الرجال زيداً ، والدليل على أنه الأصل كثرته ، فإنَّ ما كثُر في كلام العرب وفشا ، ينبغي ألاَّ يدَّعى أنه ثانٍ "(1)
أن الاسم المقيَّدَ بالحرف إذا ما سُرِّح لا تجري على فعله علامةُ المتعدي بنفسه فلا يصاغ له من مصدر فعله اسمُ مفعول تام ، بخلاف الاسم المسرح دائماً ، فإنك تقول في : اخترت الرجالَ زيداً زيدٌ مختار ، والرجال مختارٌ منهم ، فدلَّ ذلك على أصالةِ تعديه إلى الثاني بحرف الجر وأن انتصابَه به تارة إنما هو بعد نزع حرف الجر .
إذا التبس المسرَّحُ بالمقيد تقديراً ، فإنه يجب حينئذٍ إزالةُ اللبسِ بذكر حرف الجر في موضعه فيدلُّ ذلك على أن مالا لبس فيه بإطلاق أصلٌ ، وما يكونُ فيه لبسٌ أحياناً يبعد أن يكونَ أصلاً، فإذا قيل : اخترت القومَ بني تميم ، فلا يُدرَى هل المقصود : اخترت من القوم بني تميم أو اخترت القومَ من بني تميمٍ(2) ؟
أما ما ذهب إليه السهيلي وابن القيم في اخترت الرجال زيداً، فمؤدَّاه أن اخترت نصَب الرجال من جهة تضمُّنه معنى نخلت ، ونصب زيداً من جهة تضمنه معنى أخذت وهل يعمل الفعل عملين لتضمنه معنى فعلين ؟ هذا بعيد ، لاختلاف محل الفعلين ، فمحل النخل ( الرجال )، ومحل الأخذ ( زيداً ) فإن ضمَّنتَ اخترت معنى نخلت تعدى إلى الرجال حسبُ وإن ضمنته معنى أخذت تعدى إلى زيد حسب فإن قيل : المراد : " نخلت الرجال ونقدتهم فأخذت منهم زيداً "(3) ، فالجواب أن هذا تفسير معنى لا تفسير إعراب .
__________
(1) البسيط : 1/423 .
(2) ينظر: شرح ابن عقيل:1/408 .
(3) نتائج الفكر : 330.(1/149)
ثم إن طريقة السهيلي هذه قائمةٌ على التضمين ، والقولُ المختار مبناه على نزع حرف الجر وهما " وإن اشتركا في أنهما خلافُ الأصل لكنْ في التضمين تغييرُ معنى الأصل ولا كذلك الحذف "(1) وأنه "ليس ينبغي أن يُحمَلَ فعلٌ على معنى فعلٍ آخر إلا عند انقطاع الأسباب الموجبة لبقاء الشيء على
أصله "(2) وقد أمكن إبقاؤه على أصله بالقول بنزع حرف الجر الذي هو أسهل من التضمين(3).
أما القولُ بأن التعدي بلا واسطة والتعدي بها لغتان ، فضربٌ من الاجتهاد في التخريج عند القائلين به يفتقر إلى النقل عن العرب بأن هؤلاء يوصلون الفعل بنفسه وأولئك يوصلونه بحرف الجر أما قول سيبويه :" وليست أستغفر اللهَ ذنباً ، وأمرتك الخير أكثر في كلامهم جميعاً ، وإنما يتكلم بها بعضهم "(4) فيوضحه ما قبله وما بعده ، فقد قال قبلُ : "وإنما فُصِل هذا أنها أفعالٌ توصل بحروف الإضافة ، فتقول اخترت فلاناً من الرجال ، وسميته بفلان ... وأستغفرُ اللهَ من ذلك ، فلما حذفوا حرف الجر عمل الفعل"(5) وقال بعدُ : " فهذه الحروف كان أصلها في الاستعمال أن توصل بحرف الإضافة "(6) فغاية ما في تلك المقولة أن من العرب من يعدل عن الأصل ، وهو التعدي بحرف الجر إلى إيصال الفعل إلى الثاني بنفسه ، لا أنَّ ذلك لغتُهم أبداً ، أما الأكثرون فيلتزمون الأصل وهو التعدي بالحرف ، وفرقٌ بين أن يكون التعدي بالحرف لغةَ قومٍ ، والتعدي بلا وساطة حرف لغةَ قومٍ آخرين وبين أن يكون التعدي بالحرف لغةَ جميعهم التي قد يعدِلُ عنها بعضُهم فيعدِّي الفعلَ بنفسه .
__________
(1) مغني اللبيب : 299 . وينظر : الكليات : 384 .
(2) الأشباه والنظائر : 6/101 .
(3) ينظر : المرجع السابق : 1/169.
(4) كتاب سيبويه: 1/38 .
(5) المرجع السابق .
(6) المرجع السابق : 1/38 – 39 .(1/150)
هذا ، ومعجمات اللغة التي وقفتُ عليها لا تساعد على إثبات لغتين ، بل ينص أكثرُها على أن الأصل : التعدي بحرف الجر ، الذي قد يحذف فيصل الفعلُ(1) .
أما القول بزيادة حرف الجر فيُرَدُّ بنحو مارُدَّ في باب نصح ، فيقال :
إنَّ جعْلَ حرف الجر زائداً في أمرتك بالخير ، واخترت من الرجال زيداً ، ليس بأولى من جعله محذوفاً في: أمرتك الخير ، واخترت الرجال زيداً ، بل إن دعوى الحذف أولى من دعوى الزيادة(2).
إن المنصوب الثاني ليس محلاً للفعل بحيث يصدُقُ عليه مصطلحُ المفعول به(3)، ولا يصاغ له
من مصدر فعله اسمُ مفعول تام ، بل الخيرُ مأمور به ، والرجال مختارٌ منهم(4).
ومما يقوِّي القولَ بأن الأصل في أفعال هذا الباب هو التعدي إلى الثاني بحرف الجر ويبطل ما عداه" أنَّ الفعل إذا وصل إلى المفعول بلا واسطة ، فلا معنىً لإدخالك ما يوصله إليه ، وإذا كان أصله
ألا يصل إليه إلا بحرف الإضافة حسُن لك أن تستخفَّ ، وتدخله في ما هو أمكن "(5) .
حكم نزع حرف الجر في باب أمر من حيثُ السماعُ والقياسُ :
__________
(1) ينظر: لسان العرب ( أمر ) ، ( خير ) ، وتاج العروس ( أمر ) ، ( خير ) .
(2) ينظر: حاشية ياسين على الألفية : 1/231.
(3) ينظر : الأصول في النحو : 1/169 ، وشرح المفصل : 7/62 ، وشرح الجمل لابن عصفور: 1/305 ، والبسيط: 1/411.
(4) ينظر : شرح الكافية الشافية :2/629-630، وشرح الكافية: 1/301 ، 4/138، وشرح الأشموني : 2/87 .
(5) شرح عيون كتاب سيبويه : 42 .(1/151)
ذهب أكثر النحويين(1) إلى أنَّ نزع حرف الجر في باب أمر مقصورٌ على السماع وذلك في أفعالٍ محصورةٍ تحفظ ولا يقاس عليها ، ثم هم بعد ذلك مختلفون في عدِّها ما بين مقلٍّ ومستكثر ، فابن عصفور يعدُّها خمسةً ، يقول :" وهي اختار ، واستغفر ، وسمَّى ، وكنَى بمعنى سمَّى ، وأمر "(2) وزاد في المقرَّب(3)سادساً وهو دعا ، وأبو حيان يبلغ بها في موضع من البحر المحيط سبعةً ، يقول : " واختار من الأفعال التي تعدت إلى اثنين أحدِهما بنفسه والآخرِ بوساطة حرف الجر ، وهي مقصورة على السماع ، وهي : اختار ، واستغفر وأمر وكنى ودعا وزوَّج وصدَق "(4) ولم يذكر هنا سمَّى وذكره في موضع آخر(5)، فتصير العدَّة ثمانيةً ، وزاد في ارتشاف الضرب(6) عيَّر وهدى، ومثله صنع السيوطي(7)، وسيأتي تفصيل القول في هذه الأفعال ، ولكنَّ المقصودَ هنا بيانُ اختلاف النحويين في عدة هذا النوع من الأفعال المحكوم على نزع حرف الجر من ثاني مفعوليها بالسماع .
__________
(1) ينظر: كتاب سيبويه :1/38-39، والأصول في النحو:1/180، والمخصص:14/343، والغرة المخفية: 1/242 وشرح الجمل لابن عصفور : 1/311، والمقرَّب: 185، والمباحث الخفية:1/502 ، وارتشاف الضرب : 3/52 والبحر المحيط : 3/119، 5/186، 6/112 ، 7/127 ، والنكت الحسان: 89 ، وهمع الهوامع : 3/10 .
(2) شرح الجمل:1/311 .
(3) 185 .
(4) 5/186 .
(5) ينظر : 6/112، والنكت الحسان : 89 .
(6) ينظر : 3/52 .
(7) ينظر : همع الهوامع :3/10-11 .(1/152)
وذهب علي بن سليمان الملقب بالأخفش الأصغر ( ت : 315هـ ) بحسب ما يُفهَمُ من كلامه في ما كتبه على كامل المبرد ، إلى أن ما كان من باب أمر يجوز نزع حرف الجر من ثاني مفعوليه قياساً إذا تعين الحرفُ ، وتعين مكانُه ، يقول : " ولا يجوز : مررت زيداً ، وأنت تريد : مررت بزيدٍ ... وليس هذا بمنزلة ما يتعدى إلى مفعولين ، فيتعدى إلى أحدهما بحرف جر ، وإلى الآخر بنفسه "(1) ولذلك خرَّج ( لقضاني ) في قول الشاعر(2):
بحجرٍ إلى أهل الحِمَى غَرِضانِ ... فمن يكُ لم يغرِضْ فإنِّي وناقتي
وأخفي الذي لولا الأُسى لقضاني ... تَحِنُّ فتُبدي ما بها من صبابةٍ
على نزع حرف الجر مستحسناً إياه ، لأنه من باب أمر ، فقال: " وأما قوله ( لقضاني ) فإنما يريد: لقضى عليَّ الموتَ كما قال الله تبارك وتعالى : { فلما قضينا عليه الموتَ } (3) فالموتُ في النية ، وهو معلومٌ بمنزلة ما نطقتَ به ، فلهذا ناسب هذا قوله تعالى : { واختار موسى قومه } (4) "(5) .
ويؤيد ذلك تخريجُه النصبَ على نزع الخافض في قوله تعالى { سنعيدها سيرتها الأولى } (6) لكونها مثل اختار ، يقول تلميذه النحاس : " سمعت علي بن سليمان يقول : التقدير إلى سيرتها ، مثل : { واختار موسى قومه } "(7) لهذا ترى النحاس يقتفي أثر شيخه فيجيز نزع حرف الجر في ما كان من باب أمر من غير أن يقصُرَه على السماع ، فيقول : "وحرف الخفض يحذف في ما يتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف "(8) .
__________
(1) الكامل : 1/50 . وينظر : خزانة الأدب : 9/121 .
(2) البيتان لأعرابي من بني كلاب في الكامل : 1/46-47، ولعروة بن حزام في الدرر :4/136، وبلا نسبة في: إيضاح شواهد الإيضاح : 1/182، وارتشاف الضرب : 2/454 ، والجني الداني : 474 ، ومغني اللبيب : 190 وهمع الهوامع : 2/356، وخزانة الأدب : 8/132.
(3) سبأ: 14.
(4) الأعراف : 155
(5) الكامل : 1/49 .
(6) طه : 21
(7) إعراب القرآن : 3/37 .
(8) المرجع السابق : 5/174 .(1/153)
هذا ، وقد نسب جماعة من النحويين(1) إلى الأخفش هذا اطرادَ نزعِ حرف الجر ونصبِ الاسم في ما لا لبس فيه من غير أن يقيدوه بباب أمر " وليس ما نُسب إليه مذهبَه ، وإنما مذهبُه أن يكون الفعلُ متعدياً بنفسه إلى مفعول واحدٍ ، وإلى آخرَ بحرف جر ، فحينئذٍ يجوز حذفه "(2) لذلك رأيناه يقول : " ولا يجوز : مررت زيداً ، وأنت تريد : مررت بزيدٍ ... وليس هذا بمنزلة ما يتعدى إلى مفعولين "(3) ثم أجاب عن رواية بيت جرير(4) :
كلامُكُمُ عليَّ إذنْ حرامُ ... تمرُّون الديارَ ولم تعوجوا
ورواية بعضهم لها : أتمضون الديار : بأن الرواية مغيرة ، وروى هو بسنده عن جرير :
مررتم بالديار ولم تعوجوا
ولهذا تنبَّه أبو حيان إلى خطأ ما نسب إلى الأخفش الأصغر فقال : " وأورد أصحابُنا خلافَ الأخفش هذا على غير ما أورده ابن مالك ، أوردوه في ما يتعدى إلى اثنين ؛ أحدِهما بنفسه ، والآخر بحرف الجر "(5) .
__________
(1) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور : 1/313 ، وشرح الكافية الشافية : 2/635 ، وشرح الكافية: 4/140 والمساعد : 1/430 ، وشرح ابن عقيل : 1/408 ، وشفاء العليل :1/434 ، وشرح التصريح : 1/313 - 314 وحاشيةالصبان : 2/91 .
(2) خزانة الأدب : 9/121 .
(3) الكامل : 1/50 .
(4) سبق تخريجه : 57 .
(5) ارتشاف الضرب : 3/52 .(1/154)
أما ما حكاه القواس(1) ( ت : 696 هـ ) عن السيرافي من أن نزع حرف الجر في باب أمر قياسٌ مطردٌ ، فلم أجد من حكاه عنه غيرُه بل إن ظاهر كلامه في شرح كتاب سيبويه(2) أنَّ باب أمر مقصور على السماع ، ولعلَّ نسبة ذلك إلى السيرافي ترجع إلى تسميته ( قومَه ) في قوله تعالى : { واختار موسى قومه } (3) مفعولاً منه(4) . وهذا - إن صدق - لا يكفي في نسبة قياسية هذا الباب إلى السيرافي وإلا لكان يسمي منصوبَ أمر الثاني في نحو : أمرتك الخير مفعولاً به ، ومنصوب سنعيدها في قوله تعالى { سنعيدها سيرتها الأولى } (5) مفعولاً إليه .
ولأبي علي الفارسي مقولةٌ يُفهَم منها القولُ بقياسية نزْعِ حرف الجر في هذا الباب ، وذلك قوله : " تقول : أبدلت الشيء بالشيء ، والشيء من الشيء ، وقد يحذف حرفُ الجر ، فيتعدى الفعل إلى المفعول الثاني ، كقولهم : اخترت زيداً من الرجال ِ واخترته الرجالَ ،وأستغفر الله من ذنبي ، وأستغفر الله ذنبي ، وكذلك أبدلت وما يجري مجراه "(6) .
وكان أصرح ممن تقدم في قياسية هذا الباب والد السيوطي ( ت : 854 هـ ) في ما نقله عنه ابنه وذلك في تخريجه قول النووي في المنهاج : " وما ضُبِّبَ بذهبٍ ضبةً كبيرةٍ لزينةٍ حُرِّم "(7) أن ( ضبةً) منصوب على نزع الخافض من باب أمرتك الخير ، " قال : ولا يرد عليَّ أنهم لم يعدُّوه من أفعاله لأنا نقول : ما قيس على كلامهم فهو من كلامهم " (8) .
__________
(1) ينظر : المباحث الخفية : 1/502 .
(2) ينظر : 2/310 - 311 .
(3) الأعراف : 155 .
(4) ينظر : المباحث الخفية : 1/502 ، وشرح قطر الندى : 219 ، والأشباه والنظائر : 5/15- 16 ، وحاشية الأمير 1/224 .
(5) طه : 21 .
(6) المسائل العضديات : 112 .
(7) مغني المحتاج ( المتن ) : 1/62 ، وينظر : نهاية المحتاج : 1/106 .
(8) همع الهوامع : 3/12 . وينظر : الأشباه والنظائر : 8/251 - 252 .(1/155)
ويظهر من كلام الكفوي ذهابُه مذهبَ القياس في باب أمر حيث يقول : " وكل فعلٍ متعدِّ لاثنين إلى أحدهما بنفسه ، وإلى الآخر بحرف الجر ، كأمر، واختار، واستغفر، وصدق ، وسمى ، ودعا بمعناه وزوَّج ، ونبَّأ ، وأنبأ ، وأخبر وخبَّر ، وحدَّث غير متضمنه لمعنى أعلم ، فإنه يجوز فيه إسقاط الخافض والنصب " (1) .
وأيًّا كان القائل بالقياس في هذا الباب ، فإن ما ورد منه يكفي لإجراء القياس فيه بالضوابط الآتية :
أن يكون الفعل مما ينصب مفعولين ليس أصلُهما المبتدأَ و الخبر ، وأصلُ الثاني منهما الجرُّ بحرف الجر(2)، فيخرُجُ بذلك بابُ أعطى وكسا الذي ينصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ و الخبر غير أن مفعوليه مسرحان أبداً .
اتحاد المعنى بين التعبيرين ، أي بين جر الثاني بالحرف ، ونصبه بعد نزع الخافض ، يقول عبد القاهر بعد أن ذكر جملةً من أفعال هذا الباب : " وأما قولهم : كسبت كذا ، فبهذه المنزلة من حيث إن الأصل : كسبت له ، ولكنَّ بينه وبين ما مضى فرقاً ، وهو أنه إذا حذف منه اللام كان له معنىً لا يكون مع اللام ... وليس كذا اخترت(3) .
ولا يمنَعُ اتحادُ المعنى بين التعبيرين قصدَ المبالغة في أحدهما ، فإن ذلك موافقةٌ في المعنى مع زيادة ، كما تقدَّم نحوُه في باب نصح(4) .
غلبةُ استعمال تعدي الفعل إلى الثاني بحرف الجر ، ليُستدل بذلك على أصالة التعدي بالحرف وفرعية النصب " فإن ما كثر في كلام العرب وفشا ينبغي ألا يُدَّعى أنه ثان "(5) .
__________
(1) الكليات : 809 .
(2) ينظر : الأشباه والنظائر : 8/252 ، وهمع الهوامع : 3/12 .
(3) * في المطبوع أخذت ، والصواب ما أثبتُّه . الرجالَ زيداً ، لأن مفهومه ، ومفهوم اخترت من الرجالِ زيداً واحدٌ "$%& المقتصد : 1/616 .
(4) ينظر : 85 .
(5) البسيط : 1/423 .(1/156)
تعيُّنُ الحرف المحذوف ، فإن لم يتعينْ المحذوفُ ، فلا يجوز نزعُه(1) ، فلا تقول : أجلست زيداً عمراً ، وأنت تريد : إلى عمروٍ ، لاحتمال إرادة : مع (2) .
تعين موضعِ الحذف ، فإن لم يتعين لم يجز نزعُه(3) ، نحو : اخترت القوم بني تميم ، لأنه لا يعلم هل أردت : اخترت القوم من بني تميم أو أردت : اخترت من القوم بني تميم .
وقد يقال هنا : إن حفظَ الرتبة كفيلٌ بتمييز المسرح لفظاً وتقديراً من المسرح لفظا لا تقديراً. والجوابُ أن هذا مسلَّم به لو لم يتعلق بتقديم المسرح لفظاً لا تقديراً غرضٌ ، فيتعارض عندئذٍ التقديم لغرض ، والتأخير لبيان الرتبة ، فيترجح التقديم لغرضٍ مع الرجوع إلى الأصل بذكر حرف الجر أمناً للبس على التزام الرتبة مع تضييع الغرض من التقديم .
فإذا ما تحققت تلك الضوابط جاز - حينئذٍ - نزعُ حرف الجر ونصب الاسم ، فيقال(4): بريت القلمَ السكينَ ، أي : بالسكين . وقبضت الدراهم زيداً ، أي : من زيدٍ . ووعدت زيداً المجيءَ ، أي : بالمجيء . ووهبت الكتابَ زيداً ، أي : لزيدٍ .
من أحكام المنصوب على نزع الخافض في باب أمر :
الحديث في أحكام المنصوب على نزع الخافض في هذا الباب يطولُ ، ولكنني سأوجز القول فيها محيلاً على مظانها من كتب النحو ، وذلك على النحو الآتي :
هل ينوب المنصوب على نزع الخافض عن الفاعل مع وجود المفعول المسرح لفظاً وتقديراً ؟
__________
(1) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور : 1/312 ، وارتشاف الضرب : 3/53 ، وشرح ابن عقيل : 1/ 408 ، وهمع الهوامع : 3/11 .
(2) ينظر : الغرة المخفية : 1/242 .
(3) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور : 1/312 ، وارتشاف الضرب : 3/53 ، وشرح ابن عقيل : 1/408 ، وهمع الهوامع : 3/11 ، وحاشية الصبان 2/91 .
(4) ينظر : تعليق الفرائد ( خ ) : ك 34 قة 8 ظ ، وحاشية الصبان : 2/91 ، ودراسات في فلسفة النحو والصرف : 37(1/157)
هذه المسألة الخلاف فيها مبني على الخلاف في نيابة الجار والمجرور عن الفاعل مع وجود المفعول به ، وللنحويين فيها أقوال مشهورة (1) .
أما النيابة عن الفاعل في باب أمر ، فيمكن حصر الأقوال فيها على النحو الآتي(2) :
الأكثرون يوجبون إقامة المسرح لفظاً وتقديراً مُقام الفاعل ، فتقول في : اخترت الرجالَ زيداً : اختير زيدٌ الرجالَ ، ولا يجوز : اختير الرجالُ زيداً . ويشهد لهذا القول قولُ الفرزدق(3) :
وبِرًّا إذا هَبَّ الرياحُ الزعازعُ ... ومنَّا الذي اختِيرَ الرجالَ سماحةً
قال أبو حيان : " وعلى هذا ... جاء السماعُ عن العربُ "(4) .
هذا من جهة النقل ، أمَّا من جهة النظَر فـ " مرتبة ما يصل الفعلُ إليه بنفسه قبل مرتبة ما يصل إليه بحرف الجر ... ومرتبة المفعول الأول قبل مرتبة المفعول الثاني "(5) .
2- جوز جماعةٌ نيابةَ المنصوب على نزع الخافض منابَ الفاعل مع وجود المفعول المسرح لفظاً و
__________
(1) ينظر : التبيين : 268 ، وشرح المفصل : 7/74 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/547 ، وشرح الكافية: 1/192 وارتشاف الضرب : 2/194 ، وائتلاف النصرة : 77 ، وشرح التصريح : 1/290 ، والأشباه والنظائر : 3/346 وحاشية الصبان : 2/67 ، وظاهرة النيابة : 206 .
(2) ينظر تفصيل ذلك في : البيان : 2/365 ، والتوطئة : 260 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/549 ، والمقرب : 121 ، والمغني في النحو : 2/206 ، وشرح الكافية: 1/193 ، والبسيط : 2/960-961 ، وارتشاف الضرب : 2/188 ، والمساعد : 1/398، والأشباه والنظائر : 2/330 ، 3/346، وحاشية ياسين على الألفية : 1/211.
(3) سبق تخرجه : 47 .
(4) البحر المحيط : 8/83 . وينظر : ارتشاف الضرب : 2/188.
(5) البرهان : 1/386 .(1/158)
تقديراً ، منهم ابن مالك والرضي(1)، ونُسِبَ إلى الفراء ، وفي معاني القرآن(2) ما يخالفه . فعلى هذا القول يجوز أن تقول : اختير الرجالُ زيداً .
والمختار وجوب نيابة ما تعلق به غرض النيابة عن الفاعل سواءٌ أكان النائبُ المفعولَ المسرحَ لفظاً وتقديراً ، أم كان المسرحَ لفظاً لا تقديراً .
هل يجوز تقديم المنصوب على نزع الخافض على المفعول المسرح لفظاً وتقديراً ؟
للنحويين في ذلك قولان :
الأكثرون(3) يرون أن الأصل تقديم المسرح لفظاً وتقديراً على المنصوب على نزع الخافض ؛ لأن عُلقةَ ما يتعدى إليه العاملُ بنفسه أقوى من علقة ما يتعدى إليه بواسطة ، فتقول : اخترت زيداً الرجالَ ويجوز مع ذلك تقديم المنصوب على نزع الخافض ، فتقول: اخترت الرجالَ زيداً ، وقد يجب تقديمه لعارضٍ ، كأن يكون في المسرح لفظاً وتقديراً ضميرٌ يعود على المنصوب على نزع الخافض ، نحو : اخترتُ القومَ أحدَهم ، ولا تقول : اخترتُ أحدَهم القومَ ، لئلا يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة .
ذهب السهيلي وابن القيم(4) إلى أن الاختيار تقديم المجرور بالحرف ، وتأخير المفعول المسرح فتقول : اخترت من الرجال زيداً ، ويجوز فيه التأخير ، فإذا أسقطت الحرف لم يحسن تأخير ما كان مجروراً ، فيقبح أن تقول : اخترت زيداً الرجالَ ، واخترت عشرةً الرجالَ ، أي من الرجال . ووجه ذلك - عندهما - أن المعنى الداعي الذي من أجله نُزِع حرف الجر هو تضمين الفعل معنى فعل آخر فلم يقوَ على نزع حرف الجر إلا مع اتصاله به وقربه منه .
__________
(1) ينظر : التسهيل : 77 ، وشرح الكافية: 1/193-194 .
(2) ينظر: 3/46 .
(3) ينظر: شرح المفصل : 7/63-64 ، وارتشاف الضرب : 2/273-274، والمساعد: 1/ 432- 433 ، وشرح التصريح:1/314، والأشباه والنظائر : 3/348-349، وهمع الهوامع : 2/11- 12، وحاشية الصبان:2/92 .
(4) ينظر : نتائج الفكر : 330 - 331، وبدائع الفوائد : 2/291- 292 .(1/159)
ووجه ثانٍ يكون مع الفعل اختار وهو أن القليل الذي اختير من الكثير إذا كان مما يتبعض ، ثم ولي الفعل الذي هو (اخترت ) تُوهِّمَ أنه مختار منه أيضاً ، لأن كل ما لا يتبعض يجوز فيه أن يختار ، وأن يختار منه ، فألزموه التأخير ، وقدموا الاسم المختار منه ، فإن كان مما لا يتبعض ، نحو : زيد وعمرو ، فربما جاز على قلةٍ من الكلام ، نحو قول الشاعر(1) :
ومنا الذي اختير الرجال سماحةً
والمختار أن ما تعلَّق به غرض التقديم كالعناية والاهتمام وأمن اللبس ونحو ذلك قُدِّم ، يقول عبد القاهر :" اعلم أن قولك : اخترت من الرجالِ زيداً ،فعلٌ يتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ بغير حرف جر،وإلى الثاني به ، فالمتقدم في الرتبة هو المنصوب ... فإن قدمت من الرجال ، كان النية به التأخير ، وإنما يقدم( مِنْ ) في نحو هذا ، لأن البيان فيه فيُعنى به "(2).
ج- لا يجوز في تابع المنصوب على نزع الخافض في هذا الباب إلا الموافقةُ في الإعراب(3) ، فلا يُقال : اخترت زيداً الرجالَ الكرامِ ، ولا : استغفرت اللهَ الذنبَ العظيمِ .
من أفعال باب أمر
سبق أن ذكرتُ جملةً منها(4) ، وسأذكر هاهنا ما تيسر منها بشواهدها، مستثنياً أمر واختار اللذين انعقد البابُ عليهما ، وتقدمت شواهدُهما .
1-2- بدَّل وأبدل : يقول أبو علي الفارسي : " تقول : أبدلت الشيءَ بالشيء ، والشيءَ ، وقد يحذف حرف الجر ، فيتعدى الفعلُ إلى المفعول الثاني ... وكذلك : أبدلت ... قال الشاعر(5) :
بحنظلةَ الذي أحيا الوئيدا ... فبدّلني مكانَ التَّيْمِ ربِّي
وقد روي : ( حنظلةَ ) على أن يخرم أول النصف الثاني كما يخرم الأول "(6) .
__________
(1) سبق تخريجه : 47 .
(2) المقتصد : 1/613
(3) ينظر : البحر المحيط : 10/523 .
(4) ينظر : 95 من هذا البحث .
(5) البيت لم أجده في مكان بعد التتبع .
(6) المسائل العضديات : 112 . وينظر : التأويل النحوي : 1/711 - 712.(1/160)
وعدَّ أبو حيان(1) بدَّل من أخوات أمر واختار فيتعدى إلى مفعولين ، أحدهما بَدَلٌ وهو الحاصل أو المأخوذ فيتعدى إليه بنفسه ، والآخر مبدَلٌ وهو الذاهب أو المتروك فيتعدى إليه بحرف الجر الذي يجوز حذفه لفهم المعنى ، ومن ذلك قوله تعالى : { ألم ترَ إلى الذين بدَّلوا نعمةَ اللهِ كُفْرًا } (2) أي : بنعمةِ اللهِ(3) وقوله تعالى : { فأولئك يبدِّلُ اللهُ سيِّئاتِهم حَسَناتٍ } (4) ، أي : بسيئاتهم(5).
3- دعا بمعنى سمَّى(6) : تقول : دعوته بأبي عمروٍ ، ودعوتُه أبا عمروٍ ، ومنه قول الشاعر(7) :
أخاها ، ولم أرضعْ لها بلبانِ ... دعتْني أخاها أمُّ عمروٍ ولم أكنْ
والتقدير : دعتني بأخيها ، أي : سمتني بذلك (8) .
وقال الآخر(9) :
ألاَّ أجيبَكمْ إذْ لمْ تُجيبوني ... ماذا عليَّ إذْ تدعونَني ترِعاً
__________
(1) ينظر : البحر المحيط : 2/351 ، 6/435 - 436 .
(2) إبراهيم : 28 .
(3) ينظر : البحر المحيط : 6/435.
(4) الفرقان : 70 .
(5) ينظر : البحر المحيط : 8/131 .
(6) ينظر في عدِّه من هذا الباب : كتاب سيبويه : 1/37 ، والأصول في النحو : 1/179 ، والمخصص : 14/243 والمقرب : 185 ، وارتشاف الضرب : 3/52 ، والبحر المحيط : 5/186 ، 6/112 ، 7/126 - 127 ، وشرح شذور الذهب : 375 ، وهمع الهوامع : 3/11.
(7) البيت بلا نسبة في : الكامل : 1/161 ، وشرح المفصل : 6/27 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/312 والمقرب : 185، والبحر المحيط : 7/127 ، وتخليص الشواهد : 440 ، وشرح شذور الذهب : 375 .
(8) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور : 1/312 .
(9) البيت لذي الإصبع العدواني في المفضليات : 161 ، 162 ، والأغاني : 2/75 ، وشرح اختيارات المفضل : 2/763 ، ورواية البيت في المفضليات : ماذا علي وإن كنتم ذوي كرمٍ . و : ماذا علي وإن كنتم ذوي رحمي . ولا شاهد فيه على هاتين الروايتين .(1/161)
والتقدير : تدعونني بترع ، أي : تسمونني بذلك(1). وقال الآخر(2) :
تجدْه بغيبٍ منك غيرَ نصيحِ ... ألا رُبَّ مَنْ يُدعى نصيحاً وإنْ يَغِبْ
والتقدير : يدعى بنصيحٍ ، أي : يسمَّى بذلك(3) .وقال أبو حيان في قوله تعالى : { وتخِرُّ الجبالُ هدَّا أنْ دَعَوْا للرحمن ِولدًا } (4) :" ومعنى ( دعوا ) سمَّوا ، وهي تتعدى إلى اثنين حُذِف الأولُ منهما ، والتقدير : سمَّوا معبودهم ولدًا للرحمن ، أي : بولدٍ "(5)
4- زوَّج(6): تقول : زوجته بهندٍ ، وزوجته هندًا ، فمن الأول قوله تعالى : { وزوَّجْناهم بحُورٍ عِيْنٍ } (7)، ومن الثاني قوله تعالى { فلما قضَى زيدٌ منها وَطَرًا زوَّجْناكها } (8) ، أي : زوجناك بها ، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( زوَّجْتُكَها بما معك منَ القرآنِ )(9) أي : زوجتك بها .
__________
(1) ينظر : شرح اختيارات المفضل : 2/763 .
(2) البيت بلا نسبة في البحر المحيط : 7/302 . ولم أجده في غيره .
(3) ينظر : البحر المحيط : 7/302 .
(4) مريم : 90-91 .
(5) البحر المحيط : 7/302 . وينظر : 7/126 - 127 .
(6) ينظر في عدِّه من هذا الباب : أدب الكاتب : 347 ، والمخصص : 14/247 ، وارتشاف الضرب : 3/52 ، والبحر المحيط : 5/186 ، 6/112 ، والنكت الحسان : 89 ، وشرح شذور الذهب : 375 ، وهمع الهوامع : 3/11 .
(7) الدخان : 54 ، والطور : 20 .
(8) الأحزاب : 37 .
(9) الحديث رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن من صحيحه باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه ، برقم : 5029 وكتاب النكاح : برقم : 5132 ، 5135 . ينظر فتح الباري : 9/94 ، 228 ، 232.(1/162)
5- سمَّى(1): تقول : سميت ابني بمحمد ، وسميته محمداً ، ومنه قوله تعالى : { وإني سميتها مريم } (2)
أي : بمريم (3) ، وقول الشاعر(4) :
وكان أبوك يُسَمَّى الجُعَلْ ... وسُمِّيتَ كعباً بِشَرِّ العظامِ
أي : سميت بكعب ، ويسمى بالجعل(5) ، وقال آخر(6) :
لأمرٍ قضاه اللهُ في الناسِ مِنْ بُدِّ ... وسميته يَحْيى ليحيا فلم يكنْ
__________
(1) ينظر في عدِّه من هذا الباب : كتاب سيبويه : 1/37 ، وأدب الكاتب : 347 ، ومشكل إعراب القرآن : 1/387 والمخصص : 14/243 ، والتبيان : 1/254 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/311 ، والمقرب : 185 . وارتشاف الضرب : 3/52 ، والبحر المحيط : 3/119 ، 6/112 ، والنكت الحسان : 89 ، وشرح شذور الذهب : 374 .
(2) آل عمران : 36 .
(3) ينظر : التبيان : 1/254 .
(4) البيت للأخطل في : الأغاني :4/417 ، والاقتضاب : 1/176 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/311 ، وخزانة الأدب : 1/438 ، وليس في شرح ديوانه ، ولجرير في : شرح ديوانه : 486 ، والعقد الفريد : 3/311 ، ولعقبة بن الوَغْل التغلبي في خزانة الأدب : 3/49 ، وبلا نسبة في البحر المحيط : 3/119 .
(5) ينظر : البحر المحيط : 3/119.
(6) البيت بلا نسبة في شرح شذور الذهب : 374(1/163)
6- صَدَق(1) : تقول :صَدَقتُ زيداً في الحديث ، وصدقته الحديثَ ، ومنه قوله تعالى : { ولقد صَدَقكَم اللهُ وعدَه } (2) ، أي: في وعدِه (3) ، وقوله تعالى : { ثُمَّ صَدَقَناهُمُ الوعْدَ } (4) ، أي : في الوعد(5) وقوله تعالى : { من المؤمنين رجالٌ صَدَقوا ما عاهدوا اللهَ عليه } (6) ، أي صدقوا اللهَ في ما عاهدوا (7) . ومنه المثَلُ(8) : صدَقني سنَّ بكره ، أي : في سنِّ بكره(9) .
7- عدَّ(10) : تقول عددت المالَ لزيدٍ ، وعددت المال زيداً ، قال البغدادي : " قال اللخمي في شرح أبيات الجمل : وأما عدَّ من العدد(11) .
__________
(1) صَدَق بتخفيف الدال ، ينظر في عدِّه من هذا الباب : التبيان : 1/ 301، وارتشاف الضرب : 3/52 ، والبحر المحيط: 3/378 ، 5/186 ، 8/467 ، 9/499 ، والنكت الحسان : 89 ، وشرح شذور الذهب : 375 ، وهمع الهوامع : 3/11 .
(2) آل عمران : 152 .
(3) ينظر : التبيان : 1/301 ، والبحر المحيط : 3/378 ، وشرح شذور الذهب : 375 .
(4) الأنبياء : 9 .
(5) ينظر : البحر المحيط :7/411 ، وشرح شذور الذهب : 375 .
(6) الأحزاب : 23 .
(7) ينظر : الكشاف : 5/39 ، والبحر المحيط : 8/467 .
(8) ينظر : جمهرة الأمثال : 1/472 ، ومجمع الأمثال : 2/212 ، وهو مثلٌ يضربُ للرجل يكذب في الأمر ويدلُّ بعض أحواله على الصدق فيه .
(9) ينظر : مجمع الأمثال : 2/212 ، والكشاف : 5/39 ، والبحر المحيط : 7/411 ، 8/467 .
(10) ينظر في عدِّه من هذا الباب : المخصص : 14/245 ، وخزانة الأدب : 3/56 .
(11) * احترازاً من عدَّ الذي بمعنى اعتقد ، الذي يتعدى إلى مفعولين بنفسه . ينظر : شرح الأشموني : 2/21 – 22.، وهو إحصاء الشيء ، فيتعدى لمفعولين ، أحدهما بحرف جر ، وقد يحذف ، تقول : عددتك المالَ ، وعددت لك المال"$%& خزانة الأدب : 3/56 .(1/164)
8- استغفر(1) : تقول : استغفرت اللهَ من الذنبِ ، واستغفرت اللهَ الذنبَ ، ومنه قول الشاعر(2) :
ربَّ العبادِ إليه الوجْهُ والعملُ ... أستغفِرُ اللهَ ذنباً لستُ مُحْصِيَهُ
أي: من ذنبٍ ، فحذَف حرف الجر وأوصل الفعل فنصب ، وعلى هذا النحو من التخريج أكثرُ النحويين(3).
وذهب عبد القاهر وابن الطراوة ( ت : 528هـ ) والسهيلي ، وابن هشام في مغني اللبيب(4) إلى أن استغفر متعدٍّ بنفسه إلى مفعولين ، لأن أصل الفعل الذي هو ( غفر ) متعد بنفسه إلى واحدٍ فتعدى بالسين والتاء إلى الثاني ، وأما تعدِيَةُ استغفرت بمِنْ فلتضمنه معنى تبت أو أنبت أو استتبت ، وقد أطال عبد القاهر في تقرير ما ذهب إليه ، وتعجب من تتابع النحويين منذ سيبويه على أن أصله التعدي بحرف الجر ، ثم اعتذر لهم .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 1/37 ، والمقتضب : 4/331 ، والأصول في النحو : 1/178- 179، والمسائل البغداديات : 112 ، وشرح المقدمة المحسبة : 2/360 - 361 .
(2) سبق تخريجه : 7 .
(3) ينظر : كتاب سيبويه : 1/37 ، والمقتضب : 4/331 ، والأصول في النحو : 1/178- 179 ، وإعراب القرآن : 5/175، وشرح كتاب سيبويه : 2/304 ، وشرح أبيات سيبويه : 1/279 .
(4) ينظر : المقتصد : 1/ 614 ، ونتائج الفكر :332 ، وبدائع الفوائد : 2/292 ، ومغني اللبيب : 678-679، وشرح الأشموني : 2/96 ، وحاشية ياسين على التصريح :1/394 . هذا وقد نسب ابن هشام في المغني : 679 إلى ابن عصفور القول بتضمين استغفر معنى استتاب ، وما في شرح الجمل : 1/311 - 312 لا يوافق ما نسبه إليه .(1/165)
وردَّ ابن أبي الربيع على ابن الطراوة قولَه الذي هو عين قول عبد القاهر بأن " الذي ذكره يخيَّل ولا يثبُتُ عند البصريين ، حكى سيبويه أن استفعل تكون على معانٍ ، فمن جُملتها طلبُ الفعل ، قال : ومن ذلك استفهمت عن المسألة ، وبلا شك أن معنى استفهمت : طلبت أن يفهِّمني ، وأنت تقول: فهَّمتك المسألة ، فانظر إلى ( المسألة ) مع ( فهَّم ) منصوبة ، ومع ( استفهم ) مخفوضة بعن ، قد انكسر الأصل الذي ادعى ، قد يكون كما ذكر ، وقد يكون على غير ما ذكر ... فإذا ثبت ما ذكره النحويون وبطل ما ادعاه انبغى أن يدَّعى في ما كثُر وفشا عند عامة العرب وفصحائها أنه الأصل وما كثر عند بعضهم لا يدعى أصلاً "(1) .
9- عيَّر(2) : تقول: عيَّره بكذا ، وعيره كذا، فمن الأول قول عدي بن زيد العبادي(3) :
ـرِ أأنت المبرَّأُ الموفورُ ... أيها الشامتُ المعيِّرُ بالدهـ
ومن الثاني قول المتلمِّس(4) :
أخا كرمٍ إلا أن يتكرَّما ... يُعَيِّرُني أُمِّي رجالٌ ، ولا أرى
وقول النابغة(5) :
وهل عليَّ بأنْ أخشاك من عارِ ... وعَيَّرتْني بنو ذُبيان رهبتَه
__________
(1) البسيط : 1/425 – 426 . وينظر : كتاب سيبويه : 4/70 ، وحاشية الصبان : 2/97 .
(2) ينظر في عدِّه من هذا الباب : ارتشاف الضرب : 3/52 ، وهمع الهوامع : 3/11.
(3) البيت لعدي بن زيد في : طبقات فحول الشعراء : 1/141 ، وعيون الأخبار : 3/132، وأمالي ابن الشجري:1/137 وخزانة الأدب : 9/505.
(4) البيت للملتمس في : الأصمعيات : 244 ، وأدب الكاتب : 274 ، والاقتضاب : 2/629 ، وأمالي ابن الشجري : 1/138، ولسان العرب ( كرم ) وخزانة الأدب : 10/64 ، وتاج العروس ( كرم ) .
(5) البيت للنابغة الذبياني في : ديوانه : 78 ، وأدب الكاتب : 273 ، والاقتضاب : 2/629 ، ولسان العرب : ( عير ) وتاج العروس : ( عير ) . ورواية الديوان : خشيتَه ، بدل : رهبته .(1/166)
وقول ليلى الأخيلية(1) :
وأيُّ حَصَانٍ لا يُقالُ لها : هلا ... أعيرْتَني داءً بأمِّك مثلُه
وقد أنكر ابن قتيبة ( ت : 276 هـ ) والحريري ( ت : 516 هـ ) أن يقال : عيرته بكذا(2) وبيتُ عدي بن زيد حجةٌ عليهما ، قال الجواليقي ( ت :540 هـ ) : " وقد نهى ابن قتيبة عن تعدية عيَّرت بالباء ، واستعمله هو في قوله : إن قريشاً كانت تُعَيَّرُ بأكل السخينة ، وكذلك العلماء ينهون عن الباء في عيرته بكذا ويستعملونه في كلامهم " (3).
10 - كنَى(4) : تقول : كنيته بأبي عبد الله ، وكنيته أبا عبد الله ، ومنه قول الشاعر(5) :
كما الذئبُ يُكْنى أبا جعدَهْ ... هي الخمرُ لا شكَّ تُكْنى الطلا
__________
(1) البيت لليلى الأخيلية في : أشعار النساء : 31 ، وأدب الكاتب : 274 ، والشعر والشعراء : 1/449 ، والأغاني : 3/16، والاقتضاب : 2/630 ، ولسان العرب : ( هلا ) ، وخزانة الأدب : 6/224 ، 228 .
(2) ينظر : أدب الكاتب : 273 ، ودرَّة الغوَّاص : 126 .
(3) شرح أدب الكاتب : 222 .
(4) ينظر في عدِّه من هذا الباب : كتاب سيبويه : 1/37 ، والأصول في النحو : 1/178 ، والمخصص : 14/243 وشرح الجمل لابن عصفور : 1/311 ، والمقرب : 185 ، والمباحث الخفية : 1/511 ، وارتشاف الضرب : 3/52 والبحر المحيط : 5/186 ، والنكت الحسان : 89 .
(5) البيت لعَبِيد بن الأبرص في :ديوانه : 69 ، وأدب الكاتب : 128 ، والأغاني : 11/332 ، والاقتضاب : 2/525 ولسان العرب ( جعد ) ، ( طلى ) ورواية الأغاني : هي الخمر تكنى بأم الطلى . وربما رواه بعضُهم مختلَّ الوزن هكذا : هي الخمر تكنى الطلا ، قال في الاقتضاب : " وذكروا أن الخليل بن أحمد أصلحه فقال : هي الخمر يكنونها بالطلاء " والبيت بلا نسبة في : شرح شذور الذهب : 372 .(1/167)
11- 12- كال ، ووزن(1) : تقول كلت لزيدٍ الطعامَ ، ووزنت له الذهبَ ، وتقول :كلته الطعام ووزنته الذهبَ ، روى الفراء عن أعرابية قولَها : " إذا صَدَرَ الناسُ أتينا التاجرَ فيكيلُنا المدَّ والمدَّينِ
إلى الموسمِ المقبل "(2) .
وربما لا يذكر المكيل ، والموزون كقوله تعالى : { وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون } (3) فيعدهما بعضُهم لأجل ذلك من باب نصح(4) .
13- 17- نبَّأ وأنبأ وحدَّث وخبَّر وأخبر(5) :
__________
(1) ينظر في عدِّهما من هذا الباب : معاني القرآن للفراء : 3/245 - 246 ، وأدب الكاتب : 347 ، وإعراب القرآن : 1/451 ، 5/174 ، وتصحيح الفصيح : 172 ، والمقتصد : 1/616 ، والاقتضاب : 1/371 ، وتلقيح الألباب : 70 وكشف المشكل : 1/405 ، وشرح شذور الذهب : 376 ، ودراسات في فلسفة النحو والصرف : 37.
(2) معاني القرآن : 3/246 .
(3) المطففين : 3 . و( هم ) في ( كالوهم ) و ( وزنوهم ) ضمير في محل نصب على نزع الخافض أي : كالوا لهم ووزنوا لهم ، وليس ضمير رفع توكيداً للواو خلافاً لعيسى بن عمر . ينظر الحجة في ذلك في : مجاز القرآن : 2/289 وجامع البيان : 24/278 ، والمحلَّى : 236 ، ومعاني القرآن وإعرابه : 5/297 - 298 ، وإعراب القرآن : 5/174 ومشكل إعراب القرآن : 2/805 - 806 ، والتبيان : 2/1276 ، والبحر المحيط : 1/426 .
(4) ينظر : المخصص : 14/246 ، وشرح المقدمة المحسبة : 2/306 ، 369 ، وشرح الكافية الشافية : 2/636 والغرة المخفية : 1/234 .
(5) ينظر في عدِّها من هذا الباب : كتاب سيبويه : 1/38-39 ، والانتصار : 48-51 ، والمخصص : 14/244،248 والمقتصد : 1/622 ، وشرح جمل الزجاجي لابن خروف : 1/367 ، والتبيان : 1/50 ، واللباب : 1/256 ، والغرة المخفية : 1/249 ، وشرح المفصل : 7/67 ، والتوطئة : 206 ، والبسيط : 1/451، وتذكرة النحاة : 474 ، 585 .(1/168)
تقول : نبأته عن كذا أو بكذا ، ونبأته كذا . ومن الأول قولُه تعالى : { نبِّوني بعلم } (1) ومن الثاني قوله تعالى : { مَنْ أنبأك هذا } (2) أي : بهذا ، أو عن هذا(3) ، يقول العكبري : " وقد ذهب قومٌ إلى أنه يتعدى بنفسه ، واستدل بهذه الآية ، وليس فيها دليل ، لأنه قد استعمل في مواضع أخر بحرف الجر أكثر من استعماله بغير حرف الجر ، فالحكم بزيادة الحروف في تلك المواضع لا يجوز ، فأما حذف حرف الجر فأسوغ من الحكم بزيادته ، ولهذا كان أكثر ، كقولك : أمرتك الخير "(4) .
وشواهد هذه الأفعال كثيرة معلومة(5) لا نطيل بذكرها ، و "حقيقة تعدي هذه الأفعال بتقدير حرف الجر ، فإذا قلت: أنبأت زيداً خالداً مقيماً ، فالتقدير : عن خالدٍ لأن أنبأت في معنى أخبرت ، والخبر يقتضي ( عن ) في المعنى ، بمنزلة : أمرتك الخير والمراد : بالخير ، لأن الفعل في كل واحدٍ منهما لا يتعدى إلا بحرف جر ، فإذا ظهر حرف الجر كان الأصلَ ، وإذا لم يذكر ، كان على تقدير وجوده واللفظِ به ؛ لأن المعنى عليه واللفظ محوج إليه "(6) .
ويرى أكثر النحويين(7) أن هذه الأفعال إذا تعدت إلى ثلاثة فهي متضمنة معنى أعلمَ .
__________
(1) الأنعام : 143 .
(2) التحريم : 3 .
(3) ينظر : اللباب : 1/256 ، والبحر المحيط : 10/210 .
(4) اللباب : 1/256.
(5) ينظر المراجع التي عدت هذه الأفعال من هذا الباب ، ويزاد عليها : شرح الكافية الشافية : 2/569-567 ، وشرح ألفية ابن مالك : 81- 82 ، والمطالع السعيدة : 255-256 ، وهمع الهوامع : 1/507-509 .
(6) شرح المفصل : 7/67 .
(7) ينظر المراجع في أصل هذه المسألة ويزاد عليها : الإيضاح : 156 ، وشرح المقدمة المحسبة : 2/363 ، وتلقيح الألباب : 73 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/310 ،330 ، والمقرب : 185 ، وشرح عمدة الحافظ : 1/250 - 253 ، ومغني اللبيب : 680 - 681 وشرح الأشموني : 2/40 .(1/169)
وذهب ابن مالك(1) إلى أن الأولى أن يحمل الثاني منها على نزع حرف الجر كما في قوله تعالى : { من أنبأك هذا } (2) أي: عن هذا ، ويحمل الثالث على الحال ورجَّح ذلك بكونه حملاً على ما ثبت ، وهو التوسع بحذف حرف الجر ، وأن فيه السلامة من التضمين .
وما ذهب إليه ابن مالك هو قول سيبويه(3) ، يقول ياسين : " خرج سيبويه : نُبِّئْتُ عبدَ الله(4) .
وذهب بعضهم(5) إلى أنَّ تعدِّيَها إلى ثلاثة إنما هو بالنقل بالهمزة والتضعيف ، وإليه مالَ الصبان(6) .
والوقوف عند هذه الأقوال توجيهاً واستدلالاً وترجيحاً يطول ، ويكفي أن نشير إلى أن قول سيبويه واختيار ابن مالك مبقٍ على الأصل ، و " لا سبيل إلى الخروج عنه إلا بقاطعٍ " (7) .
__________
(1) ينظر : شرح التسهيل : 2/32-34 ، وشرح التصريح : 1/265 ، وحاشية ابن حمدون : 216
(2) التحريم : 3 .
(3) ينظر : كتاب سيبويه : 1/38-39 .
(4) * يشير إلى قول الفرزدق : ونبئت عبد الله بالجو أصبحت . وقد سبق تخريجه في : 47 . على : نبئت عن عبد الله مع احتماله لأن يكون ضُمن نبئت معنى أعلمت لكن ترجح عنده حذف حرف الجر على التضمين"$%& حاشية ياسين على الألفية : 1/187 .
(5) ينظر : البسيط : 1/451 - 454 .
(6) ينظر : حاشية الصبان : 2/41 .
(7) التوطئة : 206 .(1/170)
18 - هدى : ذهب الأكثرون (1) إلى أن أصل هدى أن يتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ بنفسه ويتعدى إلى الثاني بحرف الجر ، كقولك : هديته إلى الطريقِ ، وهديته للطريق ، وقد يُحذف حرف الجر منه لكثرة الاستعمال ، وزوال اللبس ، وطلب الإيجاز ، فيُعدى الفعل بنفسه إلى اثنين " والمعنى واحد "(2) .
__________
(1) ينظر معاني القرآن للفراء : 2/403 ، ومجاز القرآن : 1/15 ، ومعاني القرآن وإعرابه : 3/19 ، وإعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج : 1/106 ، وتصحيح الفصيح : 129 ، وإعراب القرآن : 1/508 ، 2/12 ، ومشكل إعراب القرآن : 1/222 ، 2/676 ، والمخصص : 14/245 ، وشرح الفصيح للخمي : 80-81 ، والبسيط : 1/396-397 وارتشاف الضرب : 3/52 ، وهمع الهوامع : 3/11 ، وحاشية الشهاب : 1/194-195 ، والتأويل النحوي : 1/709- 710 .
(2) معاني القرآن وإعرابه : 3/19 .(1/171)
فمن تعديه بإلى في التنزيل قولُه تعالى : { قل إنَّني هداني ربي إلى صراطٍ مستقيمٍ } (1)وقوله تعالى : { فاهدوهم إلى صراطِ الجحيم } (2) . ومن تعديه باللام قوله تعالى : { قل الله يهدي للحق } (3) وقوله تعالى : { وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا } (4) ومن تعديه بنفسه قوله تعالى : { اهدِنا الصراطَ المستقيمَ } (5) وقوله تعالى : { فاتَّبِعني أهدِك صراطًا سويًّا } (6) .
__________
(1) الأنعام : 161 .
(2) الصافات : 23 . وينظر في تعدِّيهِ بإلى المواضع الآتية : البقرة 142، 213، وآل عمران : 101، والمائدة : 16 والأنعام : 87 ، ويونس : 25، والرعد : 27، والنحل : 121، والحج : 4 ، 24، والنور : 46 ، وص : 22 والشورى : 13 ، 52 ، والنازعات : 19 .
(3) يونس : 35 .
(4) الأعراف : 43 . وينظر نحوها : الكهف : 24، والنور 35 .
(5) الفاتحة : 6 .
(6) مريم : 43 . وينظر في تعدِّيهِ بنفسه المواضع الآتية : النساء : 26 ، 68 ، 137 ، 168 ، والمائدة : 16 والأعراف : 148، وإبراهيم : 12، والقصص : 22، والعنكبوت : 69، والصافات : 118، وغافر : 29 ، 38 والفتح : 2، 21 ، والإنسان : 3 .(1/172)
وذهب آخرون إلى أن تعدي هدى بهذه الطرق الثلاث إنما هو لتضمنه معاني ما يصل بها ، يقول ابن القيم : " فعلُ الهداية متى عُدِّيَ بإلى تضمن الإيصال إلى الغاية المطلوبة فأُتي بحرف الغاية ومتى عُدِّيَ باللام تضمن التخصيص بالشيء المطلوب فأتى باللام الدالة على الاختصاص والتعيين ... وإذا تعدى بنفسه تضمن المعنى الجامع لذلك كله ، وهو التعرف والبيان والإلهام "(1). ويقول الكفوي : "وتتضمن الهداية معانيَ بعضُها يقتضي التعدية(2) .
والراجح هاهنا التضمين على القول بنزع الخافض ، وذلك لتخلف شرط النزع وهو تعين الحرف المحذوف ، فإنَّ (هدى ) يتعدى إلى الثاني بإلى ، وباللام ، فلا يتعين في صورة التعدي بنفسه أحد الحرفين ، فيؤدي حذفه إلى لبسٍ في فهم معنى الهداية أهي هداية الإيصال إلى الغاية المطلوبة ، أم هي هداية التخصيص بالشيء المطلوب .
19 - وعد : قال ابن سيده : " قال الفارسي : فأمَّا قولهم : وعدته كذا ، فأراه متعدياً في أوليَّته بغير وسيط ، وقد زعم قومٌ أنه لا يقال : وعدته كذا إلا على نية إسقاط الوسيط ، وقد تصرَّف التنزيل باللغتين "(3) .
__________
(1) بدائع الفوائد : 2/259 .
(2) * أي : بنفسه من غير وساطة حرف جر . ، وبعضها باللام ، وبعضها بإلى وذلك بحسب اشتمالها على إراءةِ$%&** في المطبوع : إرادة ، والصواب ما أثبتُّه في الموضعين ، وسيأتي في كلامه الذي لم ينقل هاهنا موضعٌ ثالثٌ على الصواب . الطريق ، والإشارة إليها ،وتلويح السالك لها، فبملاحظة الإراءة** يتعدى بنفسه وبملاحظة الإشارة يتعدى بإلى ، وبملاحظة التلويح يتعدى باللام "$%& الكليات : 953-954 .
(3) المخصص : 14/245 . ولم أقف على كلام الفارسي في كتبه التي رجعت إليها ، وينظر : البرهان : 4/189 .(1/173)
ومن أولئك الذين زعموا أنه لا يقال : وعدته كذا إلا على نية إسقاط حرف الجر الزجاجُ ، قال في قوله تعالى : { الشيطان يعِدُكم الفقرَ } (1) : " ومعنى ( يعدكم الفقر ) : يعدكم بالفقر ، ولكنَّ الباء حُذِفت ، وأفضى الفعلُ فنصب "(2) . وممن ذهب إلى ذلك أيضاً عبد القادر البغدادي حيث يقول : "ووعد يتعدى بنفسه إلى واحدٍ ، وإلى ثانٍ بالباء وقد تحذف ، فينصب بنزع الخافض "(3) .
ولكنَّ أكثر من وقفت على كلامهم يذهبون إلى أن وعد يتعدى إلى مفعولين بنفسه(4) وهو ما يؤيد ما ذكره الفارسي أولاً ، بل إنني لم أظفر بآية واحدة من خلال المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم(5) تعدى وعد فيها إلى الثاني بحرف الجر ، والآيات التي تعدى فيها بنفسه إلى اثنين كثيرةٌ(6) ، منها قوله تعالى : { وإذ يعدكم اللهُ إحدى الطائفتين أنها لكم } (7) وقوله تعالى { وعد الله المؤمنين والمؤمناتِ جناتٍ تجري من تحتها الأنهارُ } (8) وقوله تعالى : { وعدكم اللهُ مغانمَ كثيرةً تأخذونها } (9) .
وغير هذه الأفعال مما عُدَّ من هذا الباب كثير(10) .
ج – المنصوب على التحذير على حد: إياك الأسدَ، ورأسك الجدارَ
__________
(1) البقرة : 268 .
(2) معاني القرآن وإعرابه : 1/351 .
(3) خزانة الأدب : 2/106 .
(4) ينظر : معاني القرآن للأخفش : 1/386 ، وإعراب القرآن : 1/337 ، ومشكل إعراب القرآن : 1/221، 310 2/515 ، ومغني اللبيب : 525 .
(5) ينظر : 753 - 754 .
(6) ينظر المواضع الآتية : البقرة : 268 ، والنساء : 120 ، والأنفال : 7 ، والتوبة : 68 ، 72 ، 114 ، والإسراء 64 ، والمؤمنون : 83 ، والنمل : 68 ، والأحزاب : 12 ، فاطر : 40 ، والفتح : 20 .
(7) الأنفال : 7 .
(8) التوبة : 72 .
(9) الفتح : 20 .
(10) ينظر : أدب الكاتب : 347 ، وتأويل مشكل القرآن : 228- 230 ، والمخصص : 14/245 - 248 ، ودراسات في فلسفة النحو والصرف : 37 ، والتأويل النحوي : 1/707 - 714 .(1/174)
يَرِدُ التحذيرُ في العربية - بالنظر إلى المحذَّر - على ثلاث صورٍ(1) :
الأولى : أن يكون المحذَّرُ ضميرَ المخاطَب ، إياك وأخواتِه ، نحو : إياك والكذبَ .
الثانية : أن يكون المحذر اسماً مضافاً إلى ضمير المخاطب ،نحو، نفسَك والأسدَ ، رأسَك والجدار .
الثالثة : أن يحذف المحذر ويذكر المحذر منه حسبُ ، مفرداً نحو : الأسدَ ، أو مكرراً نحو : الأسدَ الأسدَ ، أو معطوفاً عليه غيرُه ، نحو : الغيبةَ والنميمةَ .
ويرِدُ الإغراءُ في العربية على وفق الصورة الثالثة فحسبُ ، فتقول :الأمانةَ ، والأمانةَ الأمانةَ والصدقَ والأمانةَ .
والصورتان الأوليان من صور التحذير تتفرعان إلى صورٍ كثيرة بالنظر إلى المحذر منه(2)، فترد الصورةُ الأولى على النحو الآتي(3) :
أن يكون المحذر منه الصريحُ معطوفاً بالواو على المحذر ( إياك ) ، نحو : إياك والكذبَ إياك والأسدَ .
أن يكون المحذر منه المؤولُ من أن والفعل معطوفاً بالواو على المحذر ( إياك ) نحو : إياك وأنْ تكذب .
أن يكون المحذر منه مجروراً لفظاً بحرف جر مذكور ، نحو : إياك من الكذبِ ، إياك من الأسدِ .
أن يكون المحذر منه مجروراً تقديراً بحرف جر مذكور ، نحو : إياك من أن تكذبَ .
أن يكون المحذر منه الصريحُ مجرداً من حرف العطف وحرف الجر ، نحو : إياك الكذبَ وإياك الأسدَ .
أن يكون المحذر منه المؤول مجرداً من حرف العطف وحرف الجر نحو : إياك أن تكذبَ .
وترد الصورة الثانية من صور التحذير بالنظر إلى المحذر منه على النحو الآتي(4) :
أن يكون المحذر منه معطوفاً على الاسم المضاف إلى ضمير المخاطب ، نحو : رأسَك والجدار .
__________
(1) ينظر : شرح التصريح : 2/192 .
(2) ينظر : شرح المقدمة الكافية : 2/478 - 483 ، وشرح ألفية ابن مالك : 235- 236 ، وحاشية ياسين على الألفية: 2/154-155، ومعاني النحو : 2/525 - 526.
(3) ينظر : المراجع السابقة .
(4) ينظر : كتاب سيبويه : 1/279 ، وارتشاف الضرب : 2/282 .(1/175)
أن يكون المحذر منه مجروراً بحرف جر ، نحو : رأسَك من الجدارِ .
أن يكون المحذر منه مجرداً من حرف العطف وحرف الجر، نحو : رأسَك الجدارَ .
والذي يعنيني الوقوف عنده من صور التحذير الصورتان الأوليان ، وما تفرع منهما ، لا من حيثُ حكمُ ذكرِ العامل أو حذفِه ، ولا من حيثُ طريقةُ تقديره ، بل من حيثُ مجيءُ بعض تلكم الصورِ مخرَّجاً فيها انتصابُ المحذَّرِ منه على نزع حرف الجر ، وهي الصور الآتية :
إياك أن تكذب .
إياك الكذبَ ، إياك الأسدَ .
رأسَك الجدارَ .
فهل الأصلُ في هذه الصور أن يكون المحذر منه مجروراً بحرف جر ، فلما نزع حرف الجر انتصب ، فيكون التقدير على هذا : إياك من أن تكذب ، وإياك من الكذب ، وإياك من الأسدِ ، ورأسك من الجدار ؟
يمكن بيان ذلك بالحديث في كل صورةٍ من هذه الصور الثلاث منفردةً على النحو الآتي :
الصورة الأولى : إياك أن تكذبَ .
منع ابن قتيبة أن تقول : إياك أن تفعل كذا ، قال : " ألا ترى أنك تقول : إياك وكذا ، ولا يقال : إياك كذا ، وقد جاء في الشعر ، وهو قليل ، وقال الشاعر(1) :
وإيَّاك المحاينَ أنْ تحينا . "(2) ... ألا أبلغْ أبا عمرٍو رسولاً
وما منعه ابن قتيبة مطلقاً كان قد أجازه سيبويه مقيداً ، يقول : " لا يجوز أن تقول : إياك زيداً ... وكذلك : أن تفعل إذا أردت : إياك والفعلَ ، فإذا قلت : إياك أن تفعل ، تريد : إياك أعِظُ مخافةَ أن تفعل ، جاز ؛ لأنك لا تريد أن تضمه إلى الاسم الأول ، كأنك قلت : إياك نحِّ لمكان كذا وكذا "(3) فسيبويه ، يمنع ذلك على جهة العطف ( الضم ) ، ويجيزه على جهة الجر ( التعليل ) ، ولعلَّ ابن قتيبة أراد ما ذكره سيبويه أولاً بدليل تعليله وتمثيله .
__________
(1) البيت بلا نسبة في : أدب الكاتب : 273 ، وشرح أدب الكاتب : 220 ، ولم أجده في غيرهما .
(2) أدب الكاتب : 272 . وينظر : شرح أدب الكاتب : 220 .
(3) كتاب سيبويه : 1/279(1/176)
هذا وقد أطلق النحويون - بعدُ - جوازَ ذلك(1) حتى قال ابن هشام : " ولا خلاف في جواز إياك أن تفعل "(2) وذلك " لأنه حيث جاز التركيبُ لا يلزم تخريجُه على وجهٍ معيَّن "(3) .
ومما يشهد لجوازه ورودُه ، من ذلك قولُ عمرَ - - رضي الله عنه - - لما أمَر ببناء المسجد : ( أكِنَّ الناسَ في المطر ، وإياك أن تحمِّرَ أو تصفِّر ، فتفتنَ الناسَ "(4) .
أوجه تخريج هذه الصورة :
في تخريج هذا التركيب وجهان في ظاهر قول سيبويه السابق هما :
1- نزع المضاف ، والتقدير : مخافة أن تفعل .
2- نزع حرف الجر والتقدير : من أن تفعل .
وثمة توجيه ثالث ، وهو أن يقدر فعل التحذير متعدياً إلى اثنين ، فيتعدى إلى الثاني بغير واسطة(5) أي : أحذرك أن تكذب .
ومنع كلُّ الذين وقفت على كلامهم(6) أن يقدر حرف العطف في نحو هذا التركيب ، واختار أكثرهم أن يقدر حرف الجر ، لأن نزع حرف الجر مع أنَّ وأنْ قياس مطرد " وأما حذف العاطف فلم يثبت إلا نادراً "(7) يقول ابن مالك في قول عمر بن الخطاب - - رضي الله عنه - - المتقدم : ( إياك أن تحمِّر أو تصفِّر ) : "فيه شاهد على أن الواو في : ( إياك وأن تفعل ) لا يلزم كما لا يلزم في : إياك والشرَّ لكن إذا لم يثبت فالتقدير : إياك من أن تفعل ، فحذفت ( من ) لأن حذْفَ ما يَجُرُّ أنَّ وأنْ مطردٌ "(8) .
__________
(1) ينظر : التعليقة : 1/180، وشرح عيون كتاب سيبويه : 115 ، وشرح المقدمة الكافية : 2/481 .
(2) أوضح المسالك : 4/71 .
(3) حاشية ياسين على التصريح : 2/193 .
(4) الأثر أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة ، باب بنيان المسجد : 1/160 . وينظر : شواهد التوضيح والتصحيح : 199 - 200 ، وفتح الباري : 1/671 - 672 .
(5) ينظر : شرح التصريح : 2/193 .
(6) ينظر : كتاب سيبويه : 1/279 ، ودرة الغواص : 23 ، والأمالي النحوية : 4/17 ، 105 ، وشرح الكافية : 2/7 .
(7) شرح الكافية: 2/7 .
(8) شواهد التوضيح والتصحيح : 202 .(1/177)
وما ذهب إليه الأكثرون هو المختار ، لما يأتي :
أن حذف حرف الجر من أنْ كثير مطرد منقاس ، بخلاف تقدير العاطف .
أن في تقدير حرف الجر إلحاقاً لهذه الصورة بأخواتها التي يصرح فيها بذكر حرف الجر بخلاف التخريج على تقدير المضاف .
أن في تقدير حرف الجر إبقاءً لدلالة الكلام على الإنشاء ، بخلاف التخريج على تقدير فعل متعد إلى مفعولين ففيه إخراج الكلام عن دلالته إلى الإخبار(1) .
الصورة الثانية : إياك الكذبَ ، وإياك الأسدَ .
منع سيبويه أن تقول : إياك زيداً ، أو إياك الأسدَ ، يقول : " لا يجوز أن تقول : إياك زيداً ... ولو قلت : إياك الأسد تريد من الأسدِ ، لم يجز ، كما جاز في أنْ "(2) .
وما منعه سيبويه كان قد أجازه ابن أبي إسحاق ( ت : 117هـ ) في ما نقله عنه سيبويه(3) ، وجاء منه قول الشاعر(4) :
إلى الشرِّ دعَّاءٌ وللشرِّ جالبُ ... فإيَّاكَ إيَّاكَ المراءَ فإنَّه
وأكثر النحويين على منع هذا التركيب في الكلام(5) تبعاً لسيبويه .وجوزه العكبري وابن الناظم على تقدير فعلٍ متعد إلى مفعولين(6) ، قدره العكبري بـ ( جنِّب نفسك الشرَّ )، وقدره ابن الناظم : بـ ( أحذِّرُك الأسدَ ) .
ثم إن المانعين جوازَ ذلك اختلفوا في تخريج ما جاء منه على أقوال :
__________
(1) ينظر : شرح التصريح : 2/193 ، وحاشية ياسين على الألفية : 2/154 .
(2) كتاب سيبويه : 1/279 .
(3) المرجع السابق .
(4) البيت للفضل بن عبد الرحمن القرشي في:خزانة الأدب : 3/64 ،وبلا نسبة في : كتاب سيبويه : 1/279،والمقتضب: 3/213 ، والخصائص : 3/102 ، وشرح المفصل : 2/25 ، ورصف المباني : 137 ، ومغني اللبيب : 890 .
(5) ينظر : المقتضب : 3/213 ، والتعليقة : 1/180 -181 ، والأمالي النحوية : 4/17 ، والإيضاح في شرح المفصل: 1/305 ، وشرح المقدمة الكافية : 2/281 .
(6) ينظر : اللباب : 1/463 ، وشرح ألفية ابن مالك : 235 .(1/178)
أولها : أن يضمر بعد إياك فعلٌ ، والتقدير: إياك باعد ، اتق المراء ، وهذا قول سيبويه ، وأحد تأويلي أبي علي الفارسي(1).
ثانيها : أن يكون المحذر منه على تقدير حرف الجر أو حرف العطف ، إما شذوذاً وإما في ضرورة شعر ، وهذا توجيه الحريري ، وابن يعيش وابن الحاجب(2) .
ثالثها : أن يكون المحذر منه منصوباً على نزع حرف الجر حملاً له على ما يقدر به وهو أنْ والفعل لكونه مصدراً " فأجري المصدرُ مُجرَى أن والفعل في حذف الجار "(3) ، ونسب الرضي هذا التخريج إلى ابن أبي إسحاق ، ثم قال : " ومع هذا لا يجوز قياس سائر المصادر عليه "(4) . وفي هذا التخريج تفريق بين مثالي هذه الصورة ، إياك الكذبَ ، وإياك الأسدَ ، فإن صدق على : إياك الكذب فلا يصدق على : إياك الأسدَ ؛ لأن الأسد ليس مصدراً .
رابعها : أن يكون المحذر منه منصوباً على نزع حرف الجر ، وهو ظاهر قول ابن أبي إسحاق في ما نقله عنه سيبويه في قوله : " ولو قلت : إياك الأسد ، تريد : من الأسد ، لم يجز كما جاز في أنْ إلا أنهم زعموا أن ابن أبي إسحاق أجاز هذا البيت في شعرٍ (5) :
إلى الشر دعاءٌ وللشر جالبُ "(6) . ... إياك إياك المراءَ فإنه
ونسبه إلى ابن أبي إسحاق على هذا الوجه من التخريج ابنُ الحاجب ، والقواس(7) .
خامسها : أن يكون المحذر منه مفعولاً من أجله على تقدير مضاف محذوف ناب المضاف إليه منابه والتقدير : كراهة المراء ، وهذا ثاني تأويلي أبي علي الفارسي(8) .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 1/279 ، والتعليقة : 1/180 - 181 .
(2) ينظر : درة الغواص : 22 ، وشرح المفصل : 2/25 ، والإيضاح في شرح المفصل : 1/306 .
(3) مغني اللبيب : 889 - 890 . وينظر : أسرار النحو : 132
(4) شرح الكافية: 2/8 .
(5) سبق تخريجه : 112 .
(6) كتاب سيبويه : 1/279 .
(7) ينظر : الإيضاح في شرح المفصل : 1/ 306 ، والمباحث الخفية : 1/496 .
(8) ينظر : المسائل العضديات : 31 .(1/179)
والراجح - في نظر الباحث - تجويزُ مجيء المحذر منه بعد إياك مجرَّداً من العاطف والجار لوروده كما في قوله :
إياك إياك المراءَ
وقول الآخر(1) :
وإياك المحاينَ أن تحينا ... ألا أبلغ أبا عمروٍ رسولاً
ويترجح تخريج ابن أبي إسحاق ، وهو تقدير حرف الجر على غيره لما يأتي :
أن في تقدير حرف الجر تقليلاً للكلام بجعله جملةً واحدة ، بخلاف إضمار الفعل ففيه يكون الكلام جملتين(2)، بتقدير فعلٍ للمحذَّر ، وفعلٍ آخَرَ للمحذَّر منه بلا رابط بين الجملتين ، وتقليل المقدر مهما أمكن أولى .
أن تقدير حرف الجر أسهلُ من تقدير حرف العطف ، إذ إن " حذف الجار قد جاء في كلامهم وله وجه من القياس "(3)، ولم يثبت حذفُ حرف العطف إلا نادراً(4).
أنَّ تقديرَ حرف الجر من غير أن يقيد بكون مدخوله مصدراً ظاهرٌ في قوله :
وإياك المحاين أن تحينا
والمحاين المهالك ، ويقال لها : الحوائن(5) .
أن تقدير حرف الجر أولى هنا من تقدير مضاف ، لأن المضاف المقدر ( المفعول له ) هو على تقدير حرف جر - كما سيأتي - فيؤوْلُ الأمرُ إلى تقدير حرف الجر ، ففي تقديره مباشرة تقليلٌ للمقدر ، وهو أولى .
أن في تقدير حرف الجر إبقاءً لدلالة أسلوب التحذير في هذه الصورة على الإنشاء بخلاف تقدير ابن الناظم ، ففيه إخراج له عن الإنشاء إلى الإخبار(6) .أما على تقدير العكبري ، فيترجح تقدير حرف الجر من جهة تقليل المقدر .
الصورة الثالثة : رأسَك الجدارَ .
منع سيبويه(7) أن تقول : رأسَك الجدارَ ، حتى تقول من الجدار ، أو : والجدارَ كما منع : إياك الأسدَ
__________
(1) سبق تخريجه : 111 .
(2) ينظر : المسائل العضديات : 31.
(3) شرح المفصل : 3/27.
(4) ينظر : شرح الكافية: 2/7 .
(5) ينظر : لسان العرب : ( حين ) وتاج العروس : ( حين ) .
(6) ينظر : شرح التصريح : 2/193 ، وحاشية ياسين على الألفية : 2/154 .
(7) ينظر : كتاب سيبويه : 1/279 .(1/180)
وقد تقدم ترجيح جواز : إياك الأسدَ ، على إرادة حرف الجر ، لا على إرادة حرفِ العطف ، فقياس ذلك هنا يقضي بجواز : رأسَك الجدارَ ، أي : من الجدار ، وتقدير فعلٍ متعدٍّ إلى اثنين في مثل هذا وجيهٌ ، فيكون تقدير العكبري هنا مناسباً ، أي : جنِّب رأسك الجدار ، " لأنه حيث جاز التركيب لا يلزم تخريجه على وجه معين "(1) بل يخرَّج على الأقرب فالأقرب .
د - نزع حرف القسم ، وانتصاب المقسم به ، على حد : اللهَ لأفعلنَّ
يأتي المقسم به بعد نزع حرف الجر على وجهين(2) :
أن ينزع الحرفُ ويوصَلَ فعلُ القسم إلى الاسم المقسم به فينصبه ، فيقال : اللهَ لأفعلن ومن ذلك قول الشاعر(3) :
ومَنْ قلبُه لي في الظباءِ السوانحِ . ... ألاَ رُبَّ مَنْ قلبي له – اللهَ – ناصحٌ
أن ينزع حرفُ القسم ، ويبقى المقسم به مجروراً ، فيقال : اللهِ لأفعلنَّ .
وقد وصف الحيدرة الوجهَ الأول بأنه " الأصلُ المعروفُ ، والطريقُ المسلوكُ "(4) ؛ وذلك لأن الفعل يطلب الاسم المقسم به على جهة الفضلة ، فلما نُزِع حرف الجر ظهر عملُ الفعل(5) ، وسأرجئ تمام الحديث في هذه المسألة إلى حين بحث مسألة نزع حرف القسم وإبقاء المقسم به مجروراً ، لتعلُّقِ أكثر الأحكام بها ، ولتداخلهما .
مواضع نزع حرف الجر وانتصاب الاسم على غير حد المفعول به
نزع حرف الجر وانتصاب الاسم على المفعول له
__________
(1) حاشية ياسين على التصريح : 2/193 .
(2) ينظر : كتاب سيبويه : 3/496- 498 ، ومعاني القرآن للفراء : 2/412 - 413 ، والمقتضب : 2/331 - 336 والأصول في النحو : 1/432 - 433 ، والجمل : 72 ، وشرح المفصل : 9/105 ، وشرح الكافية: 4/311 .
(3) البيت لذي الرُّمة في : ديوانه : 56 ، وكتاب سيبويه : 3/498 ، وتحصيل عين الذهب : 508 . وبلا نسبة في : شرح المفصل : 9/103 .
(4) كشف المشكل : 1/585 .
(5) ينظر : البسيط : 2/930 .(1/181)
المفعولُ له أحدُ المفعولات الخمسة التي انمازت بالدرس والبحث في النحو العربي ، وفق نظرةٍ بديعةٍ للنحويين لعمل الفعل ، مفادُها(1) أن الفعل لا ينصب شيئاً إلا وفي الفعل دليلٌ عليه ، ثم إن بعض هذه المنصوبات أقرب إلى الفعل من بعض ، فالفعلُ يعمل في مصدره بلا خلاف لقوة دلالته عليه إذ كانت دلالته عليه لفظية ، ثم يعمل في غير المصدر كالظرف والحال والمفعولِ له وغيرِها ، لأن الفعل لا يكون إلا في زمان أو مكان ، وعلى هيئةٍ ولغرضٍ .
والذي يعنيني من ذلك في هذا البحث بيانُ وجه النصب في المفعول له ، أهو أصلٌ فيه أم هو أمر عارض أشبه الأصلَ ؟
للإجابة عن ذلك أجدُني بحاجةٍ إلى تقرير أمورٍ هي من مقدمات باب المفعول له ، سأعرض لها بإيجازٍ يفي - إن شاء الله - بحاجتي لها .
1- تسميات المفعول له :
يطلق النحويون(2) على باب المفعول له تسمياتٍ أخرى قريبةً منه ، فيقال له : المفعول لأجله ، ومن أجله ، والموقوع له ، وربما سماه بعضهم(3) التفسير ، أو تفسير الفعل .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 1/34 ، والمقتضب : 4/299 ، 335 ، والأصول في النحو : 1/160 وشرح كتاب سيبويه: 2/277 ، وشرح عيون الإعراب : 148 ، ونتائج الفكر : 387 ، وشرح المفصل : 1/111 ، 7/68 وشرح الجمل لابن عصفور : 2/464 ، وبدائع الفوائد : 2/337 .
(2) ينظر : كتاب سيبويه : 1/367،وإعراب القرآن : 1/194 ، وشرح قطر الندى : 246 ، وشرح الأشموني : 2/122.
(3) ينظر : كتاب سيبويه : 1/367 ، ومعاني القرآن للفراء : 1/17 ، وجامع البيان : 1/354 ، والمصطلح النحوي : 146 ، والصفوة من القواعد الإعرابية : 13 .(1/182)
ففي تقييد تسمياته بحرفٍ يفيد التعليل إشارةٌ إلى أن المفعول له علةٌ لمضمون عامله(1) فأداءُ هذا المعنى وهو التعليل بحرفٍ يفيده كاللام ومن ، أدلُّ على المقصود ، بل هو نصٌّ فيه(2) ، فترشدنا العنوانات الموضوعة إلى تأملِ باب المفعول له كاملاً ، وملاحقةِ إشارة العنوان في ثناياه ، كما يقول الأسلوبيون(3) .
2- حدُّ المفعول له وشرطُ نصبه :
يعرِّفُ النحويون المفعولَ له بتعريفاتٍ متقاربة(4) ، تطول أو تقصر بالنظر إلى إيراد الشروط فيه ، نختار منها هذين التعريفين .
يقول ابن مالك : " المفعول له كلُّ مصدر نُصب لتقديره بلامِ التعليل "(5) ويقول الرضي : " حدُّه الصحيح هو المصدر المقدَّر باللام المعلَّل به حدثٌ شاركه في الفاعل والزمان "(6) .
__________
(1) ينظر : شرح الكافية: 2/30 .
(2) ينظر معاني النحو : 2/659 .
(3) ينظر : مدخل إلى علم الأسلوب : 74 .
(4) ينظر : شرح المقدمة المحسبة : 2/308 ، والنكت على كتاب سيبويه : 1/397 ، وشرح ملحة الإعراب : 105 وتلقيح الألباب : 75 ، وكشف المشكل : 1/441 ، والتوطئة : 345 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 2/463 ، وشرح قطر الندى : 246 – 247 ، وشرح ابن عقيل : 1/439 ، والمساعد : 1/484 ، وشرح الحدود النحوية : 106 .
(5) شرح الكافية الشافية : 2/671 ، وينظر : الفصول في العربية : 23 ، واللباب : 1/277 .
(6) شرح الكافية: 2/32(1/183)
فيبدو من هذين التعريفين أن النصب في المفعول له إنما هو على تقدير حرف الجر المفيد للتعليل فإذا ما ضممنا إلى ذلك قول ابن عصفور في فلسفة تعدي الفعل بحسب دلالته على المعمول ، كانت الصورة أكثر وضوحاً في أن النصب في المفعول له ليس هو الأصلَ ، وإنما الأصلُ الجر بالحرف المفيد للتعليل ، يقول ابن عصفور : " وأقوى تعدِّي هذه الأفعال ، إلى المصدر ؛ لأنه المفعول حقيقة ؛ لأنه يدل عليه بلفظه ومعناه ، ثم إلى المفعول به ؛ لأنه يصل إليه بنفسه لفظاً وتقديراً ، وما بقي لا يصل إليه إلا بحرف جر أو بتقديره "(1) .
فلما كان الأصلُ هو الجر بالحرف المفيد للتعليل ، كان لجواز النصب شروطٌ لابد من توافرها "ليقوى معنى التعليل فيصحَّ حذفُ الحرف الدال عليه ... ووجهُ قوةِ التعليل عند وجود هذه الشرائط أنها الغالب في التعليلات ، فكان فيها تنبيهٌ على التعليل ، فصحَّ حذفُ اللام لما فيها من القوة ، فإذا فات شيءٌ منها ضعُفتْ دلالةُ التعليل ، واحتيج إلى حرف التعليل "(2) .
وهذه الشروط هي – بإيجاز(3)– أن يكون الاسمُ مصدراً ، قلبياً ، مذكوراً للتعليل ، متَّحداً مع عامله في الوقت والفاعل ، مقدَّراً باللام ، وجواب لـ( لمه ) ، وأن يكون من غير لفظ الفعل وأن يكون الفعلُ أعمَّ منه ، وغير ذلك من الشروط ككونه نكرة .
__________
(1) شرح الجمل : 2/464 – 465 .
(2) الإيضاح في شرح المفصل : 1/326 . وينظر : الأمالي النحوية : 3/71 ، وشرح المقدمة الكافية : 2/495.
(3) ينظر تفصيلها في : اللمع : 114 ، وشرح المقدمة المحسبة : 2/308 ، والمقتصد : 1/667 ، وأمالي السهيلي : 124 ، وكشف المشكل : 1/441 ، والغرة المخفية : 1/281 ، وشرح المفصل : 2/52 ، وشرح الكافية: 2/31 وشرح ابن عقيل : 1/439 ، وشرح الأشموني : 2/122 ، وهمع الهوامع : 2/97 ، ومعاني النحو : 2/653 .(1/184)
لم تسلم أغلب هذه الشروط من المنازعة حتى كونُه مصدراً ، فقد نازع فيه يونسُ(1)، فأجاز مجيئَه غيرَ مصدرٍ تمسكاً بقولهم : أما العبيدَ فذو عبيدٍ .
والمختار المعتدُّ به من شروط جواز النصب في المفعول له هو أن يكون الاسمُ مصدراً معلِّلاً للحدث ، وما عدا ذلك من الشروط ، إما أنها غالبةٌ فيه كالاتحاد في الوقت والفاعل وكونه قلبياً(2)، لذا جاء قوله تعالى : { هو الذي يُرِيْكُمُ البرقَ خوفاً وطمعاً } (3) مخالفاً لشرط الاتحاد في الفاعل ، ففاعل الإراءة هو الله تعالى ، والخوفُ والطمعُ من الخلقِ(4). وجاء قوله تعالى : { وأنزلَ التوراة َوالإنجيلَ من قبلُ هدىً للناس } (5) مخالفاً لشرط الاتحاد في الوقت إذ إن هداية الناس ليست مقارنةً لوقت الإنزال(6)، وجاء قوله تعالى : { فأتْبَعَهُمْ فرعونُ وجنودُه بغياً وعَدْواً } (7) مخالفاً لشرط كونه قلبياً ،(8) وإما أنه يمكن إدراجُ بعضها في بعض ككونه على تقدير اللام ، وكونه جواب لمه ، فيندرجان في شرط التعليل ، وإما أنها مردودةٌ كاشتراط بعضهم التنكيرَ(9)، يُرَدُّ بقول الله تعالى : { ومَثَلُ الذين يُنفقون أموالَهم ابتغاءَ مرضاةِ الله وتثبيتاً من أنفسِهم } (10) فـ(ابتغاء مرضاة الله ) معرفة ، و( تثبيتاً ) نكرة(11)
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 1/389 ، وهمع الهوامع : 2/97 ، وحاشية الصبان : 2/122 – 123 وحاشية الخضري : 1/441- 442
(2) ينظر : شرح الكافية: 2/33 ، ومعاني النحو : 2/654 – 661 .
(3) الرعد : 12 .
(4) ينظر : البحر المحيط : 6/364 ، والمطالع السعيدة : 306 ، وهمع الهوامع : 2/98 – 99 .
(5) آل عمران : 3- 4 .
(6) ينظر : البحر المحيط : 3/16 ، ومعاني النحو : 2/654 .
(7) يونس : 90 .
(8) ينظر : شرح الكافية: 2/34 ، ومعاني النحو : 2/655 – 656 .
(9) ينظر : أسرار العربية : 173 ، والغرة المخفية : 1/182 ، وشرح الكافية : 2/35 ، وهمع الهوامع : 2/99 .
(10) البقرة : 265.
(11) ينظر : أسرار العربية : 173 .(1/185)
، ويُرَدُّ أيضاً بقول حاتم(1):
وأُعرِضُ عن شتْمِ اللئيمِ تكرُّما ... وأَغفِرُ عوراءَ الكريمِ ادِّخارَه
وبقول العجاج(2) :
مخافةً وزَعَلَ المحبورِ ... يركبُ كلَّ عاقرٍ جُمْهُورِ
والهولَ من تهوُّلِ الهبورِ
وأياً كان الأمرُ ، فالشروط المعتدُّ بها والمختلَفُ فيها مهما اجتمعت ، فإنه لا يتعين معها النصبُ .
بل الجرُّ مع ذلك جائزٌ ، وعلى هذا أكثر النحويين(3) . ونقلوا عن الجزولي ( ت : 607 هـ ) وجوبَ نصبه إن كان نكرةً(4) ، وظاهرُ كلام ابن عصفور موافقتُه حيث يقول : " فإن كان مقارناً للفعل في الزمان ، وفعلاً لفاعل الفعل المعلَّل ، فلا يخلو من أن يكون معرفةً أو نكرة ، فإن كان نكرةً وَصَل إليه بغير لامٍ ، فتقول : قمت إجلالاً لك ، وإن كان معرفةً ، جاز فيه الوجهان ؛ أن يصل إليه الفعلُ باللام أو بنفسه ، فنقول : قمت إجلالك وقمت لإجلالك "(5) ، وأطلق ابنُ يعيش وجوبَ النصب عند تحقق الشروط ولم يقيدْه بكونه نكرةً فقال : " وإنما وجب النصبُ في ما اجتمع الشرائط "(6) .
__________
(1) سبق تخريجه : 73 .
(2) الرجز للعجاج في : ديوانه : 230 ، وكتاب سيبويه : 1/369 ، وتحصيل عين الذهب : 224 ، وشرح المفصل : 2/54 ، وإيضاح شواهد الإيضاح : 1/246 ، وبلا نسبة في : أسرار العربية : 174 .
(3) ينظر : كشف المشكل : 1/445 ، وشرح الكافية الشافية : 2/677 ، وشرح ألفية ابن مالك : 107 ، وشرح ابن عقيل : 1/442، والمساعد :1/487، وشرح الأشموني:2/124، وشرح التصريح 1/336 ، وهمع الهوامع : 2/100.
(4) ينظر : شرح الكافية: 2/35، وشرح ابن عقيل :1/442 ، والمساعد : 1/487 ، وشرح الأشموني : 2/124 وهمع الهوامع : 2/100 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/266 ، وحاشية الخضري : 1/442 – 443 .
(5) شرح الجمل : 2/466 .
(6) شرح المفصل : 2/54 .(1/186)
فعلى رأي الأكثرين يجوز النصب ولا يجب في ما استوفى الشروط المعتد بها عند القائل بها ، وأنه متى فُقد شيءٌ منها وجب الجر بحرف جرٍّ يفيد التعليل(1) ، فالشروط المذكورة هي شروطٌ لصحة النصب ، لا لتحقُّقِ الماهية ، أي أنها ليست شروطَ كون الاسم مفعولاً له(2) وإن كان هذا " خلافَ اصطلاح القوم ، فإنهم لا يسمون المفعول له إلا المنصوب الجامع للشرائط "(3) ومع هذا ترى النحويين يسمون الجار المفيد للتعليل مع مجروره مفعولاً له ، فيقولون في شرط نيابة الجار والمجرور عن الفاعل : " الجمهور على منع نيابة المفعول له خلافاً للأخفش "(4) ويخرِّجون قولَ الشاعر(5) :
فلا يُكلَّمُ إلا حينَ يبتسِمُ ... يُغضي حياءً ويُغضَى من مهابته
على أن نائب الفاعل ضمير المصدر ، أي : يُغضَى الإغضاءُ المعهود ، قالوا : " ولا يقال : النائب المجرور بمن ، وهو من مهابته ؛ لكونه مفعولاً له "(6) .
__________
(1) ينظر : شرح المقدمة المحسبة : 2/309 ، والمقتصد : 1/699 ، والغرة المخفية : 1/282 ، وشرح المفصل : 2/54 ، والأمالي النحوية : 3/71 ، وارتشاف الضرب : 2/222 ، وشرح الأشموني : 2/123 ، وشرح التصريح : 1/335 . ويستثنى من وجوب الجر عند فقد شرط النصب مسألتان ، ينظر : المقرب : 227 ، وشرح عمدة الحافظ : 1/397 ، والمطالع السعيدة : 306 .
(2) ينظر : الإيضاح في شرح المفصل : 1/326 ، وشرح الكافية: 2/31 – 32 ، وحاشية ابن حمدون : 273 .
(3) شرح الكافية: 2/32 . وينظر : حاشية ياسين على الألفية : 1/266 ، وحاشية ابن حمدون : 275 .
(4) شرح التصريح : 1/290 . وينظر : المغني في النحو : 2/220 – 221 ، وشرح الأشموني : 2/65 – 66
(5) البيت للفرزدق في ديوانه : 182، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي : 4/1622 ، وأمالي المرتضى : 1/68 ومغني اللبيب : 421 ، وللحزين الكناني في الأغاني : 8/216 ، ولسان العرب ( حزن ) وغلَّط الأصفهاني نسبته إلى الفرزدق 8/218 .
(6) شرح التصريح : 1/29 .(1/187)
ويصرح ابن الشجري بأن الجار المفيد للتعليل مع مجروره مفعولٌ له ، وذلك قوله في بيت المتنبي(1):
شوقاً إلى مَنْ يبيتُ يرقدُها ... بئس الليالي سهرتُ من طربي
قال : " وقوله : ( من طربي ) مفعولٌ له ، و( مِنْ ) بمعنى اللام ، كما تقول : جئت لأجلك ، ومن أجلك ، وأكرمته لمخافة شره ، ومن مخافة شره "(2) .
وتوفيقاً بين ما اشتهر من اصطلاح النحويين في المفعول له ، وبين تسمية الجار والمجرور المفيد للتعليل مفعولاً له قسَّم الكفوي(3) المفعولَ له قسمين : صريحاً وغيرَ صريح ، فما كان بحرف الجر فهو غير صريح ، وما كان بغير حرف الجر فهو صريح .
ونخلُصُ من الحديث في حد المفعول له ، وشروطه إلى أن الجر بالحرف المفيد للتعليل هو الأصلُ وأن النصب أمرٌ عَرَضَ له بعد نزع حرف الجر اعتماداً على نظرة النحويين إلى تعدي الفعل إلى المنصوبات ، وكثر ذلك فيه واطرد حتى صار قياساً فيه ، يقول الرضي : " والذي أرى أن جميع الظروف متوسع فيها ... وكذا المفعول له ... تعدى إليه الفعلُ بنفسه بعد ما تعدى إليه بحرف الجر فهما مثل : ذنباً في قولك : استغفرت الله ذنباً ، إلاَّ أن حذف حرفي الجر أي ( في ) و ( اللام ) صار قياساً في البابين كما حذف حرف الجر قياساً مع أنَّ وأنْ "(4) .
ويقوي هذه الوجهة في نصب المفعول له الأمور الآتية :
أنَّ التعليل معنىً ، الأصلُ أداؤه بما هو نصٌّ فيه ، وهو حرف التعليل ، فأداؤه بغيره خلافُ الأصل .
أن إفادة التعليل مع النصب مشروطةٌ بشروط يتقوى بها أداءُ هذا المعنى ، وإفادة التعليل بالحرف لا شرطَ لها ، فما كان قوياً في نفسه أصلٌ في بابه ، بخلاف ما يتقوى بغيره .
__________
(1) ينظر : ديوان أبي الطيب المتنبي بشرح العكبري : 1/302 .
(2) أمالي ابن الشجري : 3/225 . وينظر نحو ذلك في : البحر المحيط : 7/310 ، وحاشية الشهاب : 1/621.
(3) ينظر : الكليات : 808 .
(4) شرح الكافية: 2/72 .(1/188)
أن فقدانَ شرطٍ معتدٍّ به للنصب - عند قائله - يوجبُ الجر باللامِ ونحوِها مما يفيد التعليل ،فيدلُّ ذلك على أنَّ المفعول له في حال النصب مفارقٌ لأصله ، فإذا ما شعَرَ بالوحشة بفقده شرطاً من شروط النصب ، حنَّ للإلفِ ، ولسابق العهدِ .
أن النصب في المفعول له - مع توافر شروطه - غيرُ متعيَّنٍ ، فلا يقوى على الممانعة متى طلب المعيرُ عاريته فـ (العارية مؤدَّاةٌ والمنحة مردودة )(1) .
أقوال أخرى في وجه النصب في المفعول له :
هذا الذي تقرر من أن المفعول له منصوبٌ على نزع الخافض هو قول أكثر النحويين وبقى لهم قولان آخران(2) ، سأذكرهما ثم أَعرِضُ مقولاتٍ متنوعة للقول المختار .
القول الثاني :
__________
(1) أصل هذا القول حديثٌ رواه ابن ماجه في سننه عن أنس بن مالك مرفوعاً ، باب العارية : 2/353 برقم : 2399 وينظر : السلسة الصحيحة برقم : 631 ، وصحيح الجامع برقم : 4115 .
(2) ينظر تفصيل الأقوال في المفعول له في : التوطئة : 345 ، والمباحث الخفية : 1/582 ، وارتشاف الضرب : 2/221 ، والمساعد : 1/484 ، وشرح التصريح : 1/337 ، وهمع الهوامع : 2/99 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/261 ، وحاشية الصبان : 2/122 ، وحاشية الخضري : 1/440 ، ومعاني النحو : 2/650 – 652 .(1/189)
ذهب الكوفيون إلى أن انتصابه انتصابَ المصادر ، وليس على إسقاط حرف الجر ، فكأنه عندهم من قبيل المصدر المعنوي ، فإذا قلت : جئت إكراماً لك ، فكأنك قلت : أكرمتك بمجيئي إليك إكراماً ولهذا لم يترجموه ، ولم يفردوا له باباً(1) ، يقول الفراء في قوله تعالى : { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت } (2) : " نصب ( حذر ) على غير وقوعٍ من الفعل عليه ، لم تُرِدْ : يجعلونها حذراً إنما هو كقولك : أعطيتك خوفاً وفرَقاً ، فأنت لا تعطيه الخوفَ ، وإنما تعطيه من أجل الخوف ،فتنصبه على التفسير ليس بالفعل ... وليس نصبُه على طرح ( مِنْ ) ، وهو مما قد يَستدِلُّ به المبتدئُ المتعلِّمُ"(3).
القول الثالث :
__________
(1) ينظر : أسرار العربية : 175 ، والنكت الحسان : 103 ، وهمع الهوامع : 2/99 .
(2) البقرة : 19 .
(3) معاني القرآن : 1/17 ، وينظر : ارتشاف الضرب : 2/221 .(1/190)
ذهب الزجاج إلى أن انتصابه انتصاب المصدر المؤكد لعامله ، وليس على إسقاط حرف الجر يقول في قوله تعالى : { حذر الموت } (1) : " إنما نصبت ( حذر الموت ) لأنه مفعول له ، والمعنى : يفعلون ذلك لحذر الموت ، وليس نصبُه لسقوط اللام ، وإنما نصبُه أنه في تأويل المصدر ، كأنه قال : يحذرون حذراً "(2) وكرَّر نحوَ ذلك في مواضعَ(3) ، وجوَّز في مواضع أُخر الوجهين(4) ؛ النصبَ على نزع حرف الجر ، وكونَه مصدراً مؤكداً لمضمون عامله ، يقول في قوله تعالى : { ألم ترَ إلى الذين خرجوا من ديارِهم ، وهم ألوفٌ حذَرَ الموتِ } (5) : " ونصب ( حذر الموت ) على أنه مفعول له ، والمعنى : خرجوا لحذر الموتِ ، فلما سقطتِ اللام نُصِبَ على أنه مفعول له ، وجاز أن يكون نصبُه على المصدر ، لأن خروجهم يدلُّ على حذر الموت حذراً "(6) ولأجل هذا اختلفت نقولاتُ النحويين عنه قال أبو حيان : "اختلف النقل عن الزجاج ، فنقل ابن مالك عنه مرةً أنه انتصب نصب نوع المصدر ، ومرةً نقل عنه أن مذهبه مذهب سيبويه ، ونقل ابن عصفور أنه انتصب بفعلٍ من لفظه واجبِ الإضمار ، وقال : نصَّ على ذلك الزجاج في كتاب المعاني له "(7) وكما اختلفوا في النقل عنه في كونه مفعولاً مطلقاً أو منصوباً على نزع الخافض ، اختلفوا أيضاً في النقل عنه على القول بأنه مفعول مطلق أمصدر نوعي هو أم مصدر توكيدي ؟
__________
(1) البقرة : 19 .
(2) معاني القرآن وإعرابه : 1/97.
(3) ينظر : المرجع السابق : 1/173 ، 2/106 .
(4) ينظر : المرجع السابق : 2/295 ، 468 ، 5/43 ، 111 – 112 .
(5) البقرة : 243 .
(6) معاني القرآن وإعرابه : 1/322 .
(7) ارتشاف الضرب : 2/222 .(1/191)
يقول ياسين : " المفعول لأجله : إنما ذكر إلى جانب المفعول المطلق لتآخيهما في اشتراط المصدرية ، حتى قال الزجاج : إنه مفعول مطلق ، وإن انتصابه انتصاب المصدر النوعي ، كذا نقل الناظم ، وقال النبلي : إنه عنده مصدر تأكيدي "(1) .
والنقولات المذكورة عنه آنفاً والمشار إلى مواضعها في كتابه تؤيد ما قاله النبلي ، ويلخِّص عَضيمةُ ( ت : 1404هـ) موقفَ الزجاج من المفعول لأجله على الوجه الصواب في قوله : " يتفق الزجاج مع النحويين في تسمية المفعول لأجله ، وفي أنه يفيد التعليل ، وأنه على تقدير اللام ، ولكنه يخالف النحويين في عامله ، إذ يجعل العامل فعلاً محذوفاً من لفظ المصدر ، فيكونُ إعرابُه كإعراب المفعول المطلق ، سار على هذا في كثير من الآيات في كتابه معاني القرآن ، وجوَّز في بعض المواضع أن يكون المفعول له منصوباً بنزع الخافض "(2) .
وسواءٌ وافَقَ قولُه قولَ الكوفيين في أن انتصاب المفعول له انتصاب المصدر الملاقي للفعل في معناه أم خالفه في أن انتصابه انتصاب المصدر التأكيدي ، فإن كلا القولين ضعيف .
أما الأول فوجه ضعفه " أنه يجيء في ما لا يمكن فيه الملاقاه في المعنى ، إلا بتجوُّزٍ كثيرٍ ، نحو : أبغضت زيداً محبةً في عمروٍ"(3) بخلاف قولك : قعدت جلوساً فإن قعدت يفهم منه الجلوس ، وإن لم يقترن أحدهما بالآخر ، وإذا قلت : زرتك طمعاً ، فإن زرتك لا يفهم منه الطمع إلا إذا اقترن به(4) .
أما الثاني فوجه ضعفه أنه يمتنع حذف عامل المصدر المؤكد ، لأنه إنما جيء به لتقوية عامله وتقرير معناه ، والحذف ينافي ذلك(5) .
__________
(1) حاشية ياسين على الألفية : 1/261 .
(2) دراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق3/ج 2/636 .
(3) النكت الحسان : 103 .
(4) ينظر : المباحث الخفية : 1/582 .
(5) ينظر : شرح الأشموني : 2/115 ، وحاشية الصبان : 2/115 – 116 .(1/192)
هذا ، وقد جمع الحيدرة الأقوال ، وخلط المذاهب في قوله : " وشرائطه ستةٌ أن يكون مصدراً الثاني: أن يكون فعله محذوفاً ... الرابع : أن يكون مقدراً بلام الغرض أو تكون معه ظاهرةً "(1) .
أما قول الفراء : " وليس نصبه على طرح ( مِنْ ) وهو مما قد يستدل به المبتدئ المتعلم "(2) فيمكن أن يقال : إن هذا الاستدلال دليل على صحة الإعراب ، فيدل ذلك على أنه الأصل في المفعول له ، ثم إنه قول أكثر النحويين ، وهذه بعضُ مقولاتهم :
__________
(1) كشف المشكل : 1/441 – 442 .
(2) معاني القرآن : 1/17 .(1/193)
يقول سيبويه : " هذا باب ما انتصب من المصادر ، لأنه عذرٌ لوقوع الأمر ، فانتصب ، لأنه موقوع له ، لأنه تفسير لما قبله لِمَ كان ... وذلك قولك : فعلت ذاك حذارَ الشر ، وفعلت ذلك مخافةَ فلانٍ ، وادخارَ فلانٍ ... فهذا كله ينتصب لأنه مفعول له كأنه قيل : لِمَ فعلت كذا وكذا ؟ فقال : لكذا وكذا ، ولكنه لما طرح اللام عمل فيه ما قبله "(1) ويقول الأخفش في قوله تعالى : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله } (2) : " أما { ابتغاء مرضاة الله } فإن انتصابه على الفعل وهو على اشترى ، كأنه قال: لابتغاء مرضاة اللهِ ، فلما نزع اللام عمل الفعلُ ، ومثله : { حذر الموت } (3) وأشباه هذا كثير ... لما حذف اللام عمل فيه الفعلُ "(4) . ويقول الحريري : " وكان الأصل في المفعول له إدخال اللام عليه فتقول : جئتك لمخافة الشر وبهذا سمي مفعولاً له غير أن العرب حين حذفت اللام منه نصبتْ "(5) . وقال ابن أبي الربيع : " حرف الجر هو الأصل في المفعول من أجله "(6)، وذكر أبو حيان " أن الأصل هو الجر في المفعول له ، وإنما النصبُ ناشئ عن إسقاط الخافض ، لكنه لما كثُر بالشروط المذكورة في النحو ، وصل إليه الفعلُ فنصبه "(7). وقال الخضري : " هو من المنصوب بنزع الخافض عند جمهور البصريين "(8) .
__________
(1) كتاب سيبويه : 1/367 – 369 . وينظر : التوطئة : 345 .
(2) البقرة : 207 .
(3) البقرة : 19 و 243 .
(4) معاني القرآن : 1/360 – 361 . وينظر : اللمع : 114 ، وأسرار العربية : 173 ، والغرة المخفية : 1/272 .
(5) شرح ملحة الإعراب : 106 . وينظر : أمالي ابن الشجري : 2/149 ، واللباب : 1/277 .
(6) البسيط : 1/468 .
(7) البحر المحيط : 9/438 . وينظر : 4/237 .
(8) حاشية الخضري : 1/440 .(1/194)
هذه المقولاتُ ، وغيرُها كثيرٌ(1) تردُّ قول الفراء السابق ذكرُه ، وتدلُّ على أن نزع حرف الجر من المفعول له أصلٌ فيه ، وأن تقدير حرف الجر معه مما يستدل به العالم النحرير لا المبتدئ المتعلم .
ومع هذه المقولات ، يُستغربُ قول مصطفى جواد : " أما الصحيح المطرد عندنا فهو نصب المفعول لأجله ، فإنه في رأينا منصوب بحذف لام الجر ، ألا ترى أنك تقول : سعيت كسباً للمال والأصل : لكسب المالِ ، ولا ندري أسبقنا عالمٌ من علماء النحو أم لم يسبقنا إلى ذلك "(2).
ومع هذه المقولات أيضاً في باب المفعول له الذي لا يضاهيه في كثرتها غيرُه مما قيل فيه بنزع حرف الجر وإيصال الفعل إليه ، لم يعرج عبد الحميد السيد طلب عليه ، ولم يمسه من قريب أو بعيد(3).
نزع حرف الجر وانتصاب الاسم على المفعول فيه
__________
(1) ينظر : الإفصاح : 359 ، والفصول في العربية : 23 ، وشرح المفصل : 7/69 ، وحاشية الصبان : 2/122 .
(2) دراسات في فلسفة النحو والصرف : 42 .
(3) ينظر : نزع الخافض عامل نحوي مطرد للنصب ( بحث ) : 9 - 18 .(1/195)
يسمي البصريون(1) كلَّ ما انتصب من زمانٍ أو مكانٍ على تقدير في ، مفعولاً فيه أو ظرفاً ؛ لأن الحدثَ يقع فيه ، كالشيء يجعل في الظرف(2) ، وبهذا المعنى سماه الكوفيون المحلَّ والوعاء(3) ، لحلول الأفعال فيه ، ونسبوا إلى الكسائي تسميته بالصفة(4) ، لكونه يقع صفة لما قبله من النكرات(5) ، ولم ير النحويون في هذا الاختلاف بأساً ، بل قالوا : إنه اصطلاحٌ لا مشَّاحة فيه(6). وتجنب مهدي المخزومي التسمية بالظرف ، ورأى فيها تأثراً بالفلسفة لا مجال لمثلها في البحث اللغوي(7) ، وفضَّل تسمية هذا الباب بـ ( المكني به عن المكان والزمان )(8) .
__________
(1) ينظر: كتاب سيبويه : 1/216 - 222، ومعاني القرآن للأخفش :1/209 ، والمقتضب : 4/328 والأصول في النحو : 1/190 ، والمحلى : 11 ، والإيضاح : 157 ، واللمع : 110 ، وشرح المقدمة المحسبة : 2/306 ، والنكت في تفسير كتاب سيبويه : 1/218 ، وشرح عيون الأعراب 141 .
(2) ينظر كتاب سيبويه : 1/403 ، ومعاني القرآن للأخفش : 1/209 ، والمحلى : 13
(3) ينظر : جامع البيان : 13/76 ، وشرح عيون الأعراب : 419 ، وأسرار العربية : 166 ، والغرة المخفية :1/258 وارتشاف الضرب : 2/225 ، وكشاف اصطلاحات الفنون : 3/471 ، وحاشية ابن حمدون : 277 ، ومدرسة الكوفة: 309.
(4) ينظر : الأصول في النحو : 1/204 - 205 ، وإعراب القرآن : 1/169 ، وشرح عيون الإعراب : 419 وارتشاف الضرب : 2/225 ، وحاشية ابن حمدون : 277 .
(5) ينظر : الاقتضاب : 1/359 ، وشرح المفصل : 8/7 ، وهمع الهوامع : 2/331 ، والكليات : 395 .
(6) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/225 ، وحاشية ابن حمدون : 277 .
(7) ينظر : في النحو العربي قواعد وتطبيق : 106 - 107 ، ومدرسة الكوفة : 309 – 310 .
(8) ينظر : في النحو العربي قواعد وتطبيق : 106 .(1/196)
كل ذلك أمر يسهل تجاوزه ، إذ لا يعدو أن يكون استحساناً للفظٍ على آخر ، والمعنى بحاله لم يتغير لكنَّ الأمر يختلف عند فاضل السامرائي الذي رأى أن التسمية بالظرف ونحوه والحدَّ الذي وُضِعَ له لا يشملان جميعَ مباحثِ هذا الباب(1) ، لذا رأى أن تسميته بالزمان والمكان أولى من تسميته بالظرف ولهذا الرأي شأنٌ في ما يحاول البحث هاهنا الإجابةَ عنه ، وهو هل المفعول فيه أو الظرف منصوب على نزع حرف الجر ؟
للإجابة عن ذلك سننظر في حد المفعول فيه ، وفي ما ينتصب على الظرفية من أسماء الزمان والمكان عند النحويين ، ثم نعرج على رأي فاضل السامرائي .
حدُّ المفعول فيه :
اتفقت كلمة النحويين في حدِّه في موضع ، واختلفت في موضع آخر منه ، وهذه نماذج من تعريفاتهم .
يقول ابن جني : " اعلم أن الظرف كلُّ اسمٍ من أسماء الزمان والمكان ، يراد فيه معنى في وليست في لفظه "(2) .
ويقول ابن يعيش : " اعلم أن الظرف في عرف أهل هذه الصناعة ليس كلَّ اسم من أسماء الزمان والمكان على الإطلاق ، بل الظرف فيها ماكان منتصباً على تقدير في ، واعتباره بجواز ظهورها معه"(3) .
ويقول ابن مالك " يسمى ظرفاً ومفعولاً فيه ماضُمَّن معنى في باطراد من أسماء الزمان أو المكان"(4).
__________
(1) ينظر : معاني النحو : 2/603 - 608 .
(2) اللمع : 110. وينظر نحوه في : المقتصد : 1/632 ، وأسرار العربية : 166، والغرة المخفية : 1/258، وشرح قطر الندى : 250 .
(3) شرح المفصل : 2/41. وينظر نحوه في : أمالي ابن الشجري : 2/572 ، وشرح الكافية: 2/18، والبسيط : 1/478 ، 493 ، وارتشاف الضرب : 2/225
(4) شرح عمدة الحافظ : 1/410. وينظر مثله في : شرح ألفية ابن مالك : 107، وشرح ابن عقيل : 1/443 والمساعد : 1/489، وشرح الأشموني : 2/225، وشرح التصريح : 1/337، والمطالع السعيدة : 309 ، وهمع الهوامع : 2/102، وحاشية ياسين على الألفية : 1/268- 269.(1/197)
ويقول أيضاً : " المفعول فيه هو ما نُصب من اسم زمان ومكانٍ مقارنٍ لمعنى في دون لفظها "(1) .
هذه التعريفات تتفق في أنَّ الأصل في المفعول فيه أن يكون اسم زمان أو مكانٍ على معنى في ( أي الظرفية ) ، وتختلف في التعبير عن هذا المعنى ، أتضُّمنٌ هو أم تقدير ، أم مقارَنة أم إرادة ؟ والسبب في هذا الاختلاف هو ما يورده بعضهم على بعض من إشكالاتٍ ، فتضُّمن معنى الحرف يوجب بناء الاسم ، وكثيرٌ من الظروف ليست مبنية ، فيحتاج عندئذٍ القائلُ بتضمن اسم الزمان والمكان معنى الحرف أن يجيب عن هذا الإشكال ، ببيان معنى التضمن المقصود والتفريق بينه وبين التضمن الموجب للبناء كما صنع الأشموني في باب المفعول فيه حيث قال : " تضمُّنُ الاسم معنى الحرف على نوعين :
الأول يقتضي البناء ، وهو أن يخلُفَ الاسمُ الحرفَ على معناه ، ويُطرحَ غيرَ منظورٍ إليه كما ... في تضمن متى معنى الهمزة .
والثاني لا يقتضي البناء ، وهو أن يكون الحرف منظوراً إليه لكون الأصل في الوضع ظهورَه وهذا الباب من هذا الثاني "(2) .
__________
(1) شرح الكافية الشافية : 2/675. وينظر : حاشية ياسين على الألفية : 1/268- 269 .
(2) شرح الأشموني : 2/127 .(1/198)
ويقول السيوطي : " قال ابن إياز : معنى تضمن الاسم معنى الحرف معه أن يؤدِّيَ ما يؤديْه الحرف من المعنى ، ويصاغ عليه صياغة لا يظهر ذلك الحرف معه ، قال ابن النحاس في التعليقة : الفرق بين المتضمن معنى الحرف وغير المتضمن : أن المتضمن معنى الحرف لا يجوز إظهار الحرف معه في ذلك المكان ، وغير المتضمن يجوز إظهار الحرف معه في ذلك المكان ، كما إذا قلنا في الظرف : إنه يراد فيه معنى في ، فإنا لا نريد به أن الظرف متضمن معنى في ، كيف ولو كان كذلك لبُني ، وإنما نعني به أن قوة الكلام قوة كلام آخر فيه في ظاهرة ، وكذلك يجوز إظهار في مع الظرف ، فتقول في : خرجت يوم الجمعة : خرجت في يوم الجمعة ، ولا تقول في : أين وكيف مثلاً : هل أين ، ولا أ أين ، ولا هل كيف ، ولا أكيف "(1) .
لهذا الإشكال الوارد على قولهم في ظرف الزمان والمكان : ضُمُّن معنى في ، يقول ابن حمدون : "واعترض قول الناظم ( ضمنا في ) بأنه يقتضي أن الظروف كلَّها مبنيةٌ ، لأن الاسم إذا تضمن معنى الحرف يبنى ، فالأولى عبارة النحاة بقولهم على تقدير في "(2) .
وتستشكل هذه الأولوية من حيث إن " تقدير في يوهم جواز استعمال لفظ في مع كل ظرف ، وليس الأمر كذلك ، لأن من الظروف ما لا يدخل عليه في كعند و مع "(3) .
فيحتاج إلى الجواب عن هذا الإشكال بأن قولهم :" الظرف على تقدير في إنما هو تقدير معنىً وليس المراد أنها مضمرةٌ ولا مضمنة "(4) .
__________
(1) الأشباه والنظائر : 1/243. وينظر : أسرار العربية : 166- 167، واللباب : 1/271، وشرح المفصل : 2/41 والمباحث الخفية : 1/548، وحاشية ياسين على الألفية : 1/268-269 ، وحاشية الخضري : 1/444 .
(2) حاشية ابن حمدون : 278-279. وينظر : الأمالي النحوية : 4/110، والأشباه والنظائر : 1/249.
(3) شرح الكافية الشافية : 2/675 .
(4) الأشباه والنظائر :1/35 .(1/199)
ويستروح ابن مالك إلى أن " ذكر مقارنة المعنى أجود من ذكر تقدير في ، لأن تقدير في يوهم جواز استعمال لفظ في مع كل ظرف ، وليس الأمر كذلك "(1) .
ولا يسلِّم له ياسين بذلك فيقول : " وزعم أن ذكر المقارنة أعم من تقدير في ... وهذا كله بناءً على أنه يلزم من تقدير في أن تدخل عليه ، وقد بينا أن ذلك لا يلزم "(2) .
وهكذا يرِدُ على قولهم : إن في مرادة(3) إشكال التعميم ، فيشمل ذلك إرادتها لفظاً ، فيبقى ما بعدها مجروراً ، يقول الشريف الجرجاني في نحو : صُمْتُ يومَ الجمعة : " إن يوم الجمعة نُسِب إليه شيء وهو صُمْتُ بواسطة حرف الجر ، وهو في ، وليس ذلك الحرف مراداً ، وإلا كان يوم الجمعة مجروراً "(4) .
فيحتاج القائل بإرادة الحرف إلى تقسيم حذف الحرف أقساماً ثلاثة :
" أحدهما : أن يحذف الحرف ويضمن الاسم معناه ، وهذا يوجب بناء الاسم ...
والآخر : أن يعدل الاسم عن اسم فيه حرف ، فهذا المعدول لا يجب بناؤه ...
والضرب الثالث : أن يحذف الحرف في اللفظ ، ويكون مراداً فيه ، وإنما تحذفه من اللفظ اختصاراً واستخفافاً ، فهذا يجري مجرى الثابت ، فمن هذا القسم الحذفُ في جميع الظروف ( في ) حذفت اختصاراً ... فهذا يشبه قولهم : اللهِ لأفعلن في أنهم مع حذفهم ذلك يجري عندهم مجرى غير المحذوف إلا أنه لما حذف في الظرف واستُغنيَ عنه ، وصل الفعلُ إليه فانتصب "(5) .
__________
(1) شرح الكافية الشافية : 2/675
(2) حاشية ياسين على الألفية : 1/269.
(3) ينظر : الإيضاح : 164 .
(4) التعريفات : 278 .
(5) شرح الأبيات المشكلة الإعراب : 51 – 53 . وينظر : الأشباه والنظائر : 1/250 – 251 .(1/200)
هذا الاختلاف في حد المفعول فيه ، لا يجيب عن السؤال المطروح وهو هل الظرف منصوب على نزع حرف الجر ؟ ففي حين نجد من النحويين(1) من يجعل تقدير في تقدير معنى لا تقدير إعراب والمقصودَ من إرادتها أن قوة الكلام في قوة كلام آخر فيه في ظاهرةٌ ، رأينا من النحويين(2) مَنْ ينصُّ على أن في في الظروف محذوفة اختصاراً واستخفافاً ، وأن الفعل واصلٌ إليها بعد حذفها .
وكذلك كان الشأن في الإجابة عن السؤال السابق ، فقد انقسم النحويون فريقين :
فريقاً يرى أن " الظرف لا يقال فيه منصوب على إسقاط حرف الجر "(3) بل " لا يلزم من قول النحاة : إن الظرف يقدر بفي أنه يجوز دخول في عليه ، وأنه يتلفظ به "(4) وذلك " لأن من الظروف ما لا يدخل عليه في كعند و مع "(5) .
وفريقاً – وهم الأكثرون(6) – يرى " أن الظرف أصله أن يكون بحرف الجر "(7) وأنه " إنما انتصب على إسقاط في "(8) لذلك قال ابن معطٍ(9) ( ت : 628 هـ ) :
فهو إذا نصبتها محذوفُ ... وفي به تقدر الظروفُ
ثم صار ذلك " قياساً مستمراً فيه "(10) .
__________
(1) ينظر : الأشباه والنظائر : 1/35 ، 243 .
(2) ينظر : شرح الأبيات المشكلة الإعراب : 52 .
(3) حاشية ابن حمدون : 278 . وينظر : الأشباه والنظائر : 1/35 ، 243 .
(4) حاشية ياسين على الألفية : 1/268 – 269 .
(5) شرح الكافية الشافية : 2/675 .
(6) ينظر : كتاب سيبويه : 1/417 ، ومعاني القرآن وإعرابه : 1/128 ، والأصول في النحو : 1/190 ، والمقتصد : 1/275 ، والنكت في تفسير كتاب سيبويه : 1/176 ، وإصلاح الخلل : 147 ، وشرح المفصل : 2/41 ، والأمالي النحوية : 4/75 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/339 ، 447 ، والبسيط : 1/493 ، 546 ، 2/883 ، 960 .
(7) البسيط : 2/960 .
(8) البحر المحيط : 3/420 .
(9) الألفية : برقم 257 . وينظر : الغرة المخفية : 1/264 ، والمباحث الخفية : 1/548 – 549 .
(10) البسيط : 1/477 .(1/201)
وأول إشارةٍ لهذا الرأي جاءت في قول سيبويه : " تقول : أنت مِنْ خلفي ومعناه : أنت خلفي ، ولكنَّ
الكلام حذفٌ "(1) ثم أخذ النحويون ذلك تقريراً وتعليلاً واستدلالاً .
ففي تقريره يقول الزجاج : " في مع الظرف محذوفة ، تقول : أتيتك اليومَ ، وأتيتك في اليوم "(2) ويقول ابن يعيش : " الظرف منها ( أي من أسماء الزمان والمكان ) ما كان منتصباً على تقدير في واعتباره بجواز ظهورها معه ، ... وليس الظرف متضمناً معنى في فيجب بناؤه لذلك ... وإنما في محذوفة من اللفظ لضرب من التخفيف ، فهي في حكم المنطوق به ألا ترى أنه يجوز ظهور في معه"(3) ويقول ابن الحاجب : " وشروط نصبه تقديرُ في ؛ لأنها إذا وجدت وجد الخفض بها ، فإذا حذفت تعدى الفعلُ فنصب "(4) .
وفي تعليله يقول الوراق : " إن قيل : من أين زعمتم أن الأصل في جميع هذه الظروف أن يكون الفعلُ متعدياً إليها بتوسط حرف الجر ؟
قيل له : لأن الأفعال التي تتعلق بها وتنصبها غير متعدية ، كقولك : قمت يوم الجمعة ، وقمت لا يتعدى ، ولما كانت الأفعال لا تتعدى ، تعدت بحرف الجر ، فكانت هذه الظروف مفعولاً فيها في الحقيقة ، وجب أن يكون الأصل : قمت في يوم الجمعة ، فحذف حرف الجر – لما ذكرناه – ووصل الفعلُ "(5) ويقول ابن الخباز : " وإذا قلت : سرت اليوم ، وجلست مكانك ، وقصدت الظرفية ، فأصله : سرت في اليوم ، وجلست في مكانك ، فحذفت في لأن أسماء الأزمنة والأمكنة لما كانت محل الأحداث دلت ألفاظها على المعنى المقصود بفي "(6) .
__________
(1) كتاب سيبويه : 1/417 .
(2) معاني القرآن وإعرابه : 1/128 .
(3) شرح المفصل : 2/41 . وينظر : شرح الكافية : 1/256 .
(4) شرح المقدمة الكافية : 2/484 .
(5) علل النحو : 368 .
(6) الغرة المخفية : 1/264 .(1/202)
واستدلوا لما أشار إليه سيبويه بأنه إذا جيء بضمير الظرف مع قصد الظرفية جُرَّ بالحرف على الأصل فيه ، لأن الضمائر ترد الأشياء إلى أصولها ، يقول ابن بابشاذ : " ومتى كنَيتَ عن ظرف الزمان والمكان ، وأنت تريد الظرفية ، أعدت فيه ذكر الجار لأنه ليس في المضمر دلالةٌ على الظرفية فلذلك تقول : قمت فيه ، وأنت تعني زماناً ، وقمت فيه وأنت تعني مكاناً خلْفاً أو أماماً ، لأنَّ المضمر يرد الأشياء إلى أصولها "(1) ، ويقول ابن عصفور : " والضمائر ترد الأشياء إلى أصولها ... فلذلك لم يصلِ الفعلُ إلى ضميرها ( أي الظروف ) إلا بفي "(2) وقرره ابن أبي الربيع بأن " العرب أسقطت حرفَ الجر منه ، إذا كان ظاهراً ، فإن كان مضمراً استعمل بحرف الجر على الأصل ، لأن المضمر قد يردُّ الأشياء إلى أصله "(3) .
ولما كان الظرف عند هذا الفريق مقدراً بفي حتى قال ياسين : " قال ابن هشام : لا أعرف خلافاً في أن الظرف على تقدير في أو تضمينها لا على تقدير أو تضمين غيرها "(4) ووجدوا بعض الظروف لا تقدر بفي ، بل بمِنْ ، ووجدوا كذلك قول سيبويه " ولكنَّ الكلام حذف "(5) إنما هو في تقديرِ مِنْ ، أجابوا عن ذلك(6) بأن مِنْ الداخلة على الظروف غير المتصرفة كعند ولدن أكثرها بمعنى في ، نحو : جئت من قبلك ، ومن بعدك ، ومن عند زيد ، ومن أين لك هذا ؟ ومن أمامه ، ومن لدنه ، فصارت مِنْ مثل في فجاز أن تضمر في الظروف إضمار في .
وقيل : مِنْ الداخلة على الظروف غير المتصرفة زائدة(7) .
__________
(1) شرح المقدمة المحسبة : 2/308 .
(2) شرح الجمل : 1/339 . وينظر : 1/447 .
(3) البسيط : 1/477 .
(4) حاشية ياسين على الألفية : 1/270 .
(5) كتاب سيبويه : 1/417 .
(6) ينظر : شرح الكافية: 2/18 ، 3/288 ، وحاشية الصبان : 2/132 ، ومعاني النحو : 2/618 – 620 .
(7) ينظر : المساعد : 2/251 ، وشرح التصريح : 1/342 .(1/203)
والراجح – في نظر الباحث – أن من أصلية وأنها إن لم تكن مفيدة للظرفية فهي لابتداء الغاية ويُعَدُّ بذلك الظرفُ متصرفاً(1) ، وإن كان لم يخرج إلا إلى الجر بحرف الجر . أما إن كان جرُّه بمن المفيدة للظرفية ، فلا يُعَدُّ الظرفُ بذلك متصرفاً لأنه لم يخرج من الظرفية إلا إلى شبهها ، بل إن ابن الحاجب جعل المفعول فيه ما فُعِلَ فيه فعلٌ مذكور من زمان أو مكان(2) ، فشمل بذلك المنتصب على تقدير في ، والمجرور بحرف جر يفيدها ، لذا قال الرضي : " وهذا خلاف اصطلاح القوم ، فإنهم لا يطلقون المفعول فيه إلا على المنصوب بتقدير في "(3) .
وعليه يقيد مفهوم شبه الظرفية بما جُرَّ بحرف جر يفيدها لا بمطلق الجر بالحرف ويدخل في المتصرف المجرور بحرف جر لا يفيد معنى الظرفية ، وإن كان لا يخبر عنه ولا يجر بالإضافة خلافاً لظاهر كلام أكثر النحويين(4) .
ولأجل أن تطرد قاعدة نزع حرف الجر مع الظروف رأى بعض المحدثين(5) أن تقدير في مع الظروف يكون مباشراً وغير مباشرٍ .
فالذي تقدر فيه مباشرة ظروف الزمان غير المبنية ، وظروف المكان غير المقادير ، مثل : جئت يومَ الجمعة ، وقعدت مكانَك ، أي : في مكانك .
__________
(1) ينظر : البسيط : 1/496 ، 2/883 .
(2) ينظر : شرح المقدمة الكافية : 2/484 .
(3) شرح الكافية: 2/11 . وينظر : المقتضب : 4/342 ، وشرح عمدة الحافظ : 1/412 ، وهمع الهوامع : 2/124 وحاشية ياسين على الألفية : 1/270 ، 279 .
(4) ينظر : أمالي ابن الشجري : 2/582 ، وشرح الكافية: 2/679 – 680 ، والمساعد : 2/251 ، وشرح الأشموني : 2/132 ، وحاشية الصبان : 2/132 .
(5) ينظر الواضح في النحو : 263 – 264 .(1/204)
أما ظروف الزمان المبنية ، وظروف المكان الدالة على المقادير ، فلا تقدر من فيها مباشرةً بل بتأويل . فالظرف إذا مبني لشبهه بإنْ الشرطية ولذلك يكون التقدير فيه غير مباشر ، تقول : إذا رأيتك فرحتُ ، وتقديره : إن رأيتك في أي وقتٍ فرحتُ ، وتقول سرت ميلاً وتقديره : سرتُ في مكانٍ يقدر بميلٍ .
وبناءً على هذا الرأي تكون كلُّ أسماء الزمان والمكان الصالحة للنصب على الظرفية منصوبةً على نزع حرف الجر(1) .
والذي يصلح للنصب على الظرفية جميع أسماء الزمان مبهمُها ومختصُّها(2) ، وأما أسماء المكان فلا يصلح للنصب على الظرفية إلا أنواعٌ منها ، وهي(3) :
ما دل على مقدار نحو : ميل وفرسخ ، تقول سيرت ميلاً وفرسخاً .
المبهم وهو ما لا يختص بمكان بعينه ، ويَعنُوْنَ به أسماء الجهات الست ، تقول : سرت أمامك.
ما أشبه المبهم ، وهو ما ليس جهةً ولا يختص بمكان بعينه ، كقوله تعالى : { وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً } (4).
ما جرى مجراه ، وهو صفة المكان نحو : هم قريباً منك ، وشرقيَّ الدارِ .
اسم المكان المشتق من المصدر بشرط أن يكون عامله من مادته ، كجلست مجلسَ زيدٍ .
__________
(1) ينظر : كشاف اصطلاحات الفنون : 3/120 ، وحاشية الصبان : 2/125 .
(2) ينظر في تفصيل ذلك : المقتضب : 2/275 ، والأصول في النحو : 1/197 ، واللمع : 112 ، والمقتصد : 1/642 ، وشرح عيون الإعراب : 148 ، وشرح ألفية ابن مالك : 108 ، والبسيط : 1/491 ، وارتشاف الضرب : 2/250 ، وشرح شذور الذهب : 230 ، وشرح قطر الندى : 250 ، والمساعد : 1/521 .
(3) ينظر : المراجع السابقة ، وشرح الأشموني : 2/128 ، وهمع الهوامع : 2/110 ، وأسرار النحو : 134 .
(4) الفرقان : 13 .(1/205)
وما عدا ذلك من أسماء الأمكنة المخصوصة التي لها أقطار تحصرها ونهايات تحيط بها مثل الدار والمسجد والسوق وما أشبه ذلك ، فحكمه أن يصرح معه بحرف الظرفية ، وهو في ، نحو : صليت في المسجد ، وقمت في السوق إلا ما شذ أو كان من باب دخل وسيأتي . أما ما شذ فنحو قول الشاعر(1):
رفيقين قالا خيمتَي أمِّ معبدِ ... جزى اللهُ ربُّ الناسِ خيرَ جزائه
وكان حقه أن يقول : قالا في خيمتي أم معبدِ .
ويرجع النحويون السبب في جواز تعدي الفعل إلى جميع ظروف الزمانِ بخلاف ظروف المكان إلى أن دلالة الفعل على الزمان أقوى من دلالته على المكان ، لأنه يدل على الزمان بصيغته ، وبالالتزام ويدل على المكان بالالتزام فقط(2) وأحسن من هذا تعليل ابن الحاجب بقوله : " إنما لم ينصب الظرف المختص من الأمكنة بتقدير في كما انتصب المبهمُ منه وظرفُ الزمان مطلقاً لثلاثة أمورٍ :
أحدها : أنه لو فعل ذلك فيه لأدى إلى الإلباس بالمفعول به كثيراً ، ألا ترى أنك تقول : اشتريتُ يومَ الجمعة ، وبعتُ يوم الجمعة ، وأسكنتَ يومَ الجمعة ... ولا يلبس كونه ظرفاً ، ولو استُعملتِ الدارُ ونحوُها هذا الاستعمال لالتبس بالمفعول .
الثاني : هو أنه لما دخل في مسماه ما اختص به أشبه ما ليس بظرف ، كالثوب وشبهه فأُجري مُجراه ، بخلاف غيره ، فإنه لم يختص بأمرٍ دخل في مسماه ، فبقي على ظرفيته .
__________
(1) البيت لقائل من الجن في : الروض الأُنف : 4/185 ، وشرح شذور الذهب : 235 ، والدرر : 3/87 ، وبلا نسبة في شرح الجمل لابن عصفور : 1/337 ، ولسان العرب : ( قيل ) وارتشاف الضرب : 2/254 ،وهمع الهوامع :2/114
(2) ينظر : كتاب سيبويه : 1/36 ، والمقتضب : 2/272 ، وعلل النحو : 367 – 369 ، وأمالي ابن الشجري :2/572 وشرح جمل الزجاجي لابن خروف : 1/377 – 378 ، وشرح المفصل : 2/43 ، وشرح ألفية ابن مالك : 108 – 109 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/ 274 .(1/206)
الثالث : هو أن ظرف الزمان المبهم والمختص كثيرٌ في الاستعمال ، فحسن فيه الحذف للكثرة وظرف المكان إنما كثر فيه في الاستعمال المبهم ُ دون المختص ، فأُجري المبهم لكثرته مُجرى ظرف الزمان ، وبقي ما لم يكثر على أصله في استعماله "(1) .
مما تقدم تبيَّن أن المفعول فيه – في رأي الأكثرين – منصوب على نزع حرف الجر ، فكيف يستقيم مع هذا تقدير في في نحو قوله تعالى : { يود أحدهم لو يعمر ألف سنةٍ } (2) وذلك " لأنه لا يصح أن تقول : يعمر في ألف سنةٍ لأن المعنى : إنما هو يعمر ألف سنة لا في ألف سنةٍ "(3) وفي نحو : سرت ميلين وذلك في ما كان العمل في جميع الظروف إما تعميماً كما مر َّ وإما تقسيطاً كأذَّنتُ يومين(4) ؟
للنحويين في توجيه ذلك مذاهب(5) :
ذهب الكوفيون إلى أن ما يكون العملُ في جميعه ليس بظرف ، وانتصابه انتصاب الشبيه بالمفعول به ؛ لأن الظرف ما انتصب على تقديرِ في ، وإذا عمَّ الفعلُ الظرف لم يتقدر عندهم فيه في لأن في عندهم تفيد التبعيض ، وإنما جعلوه شبيهاً بالمفعول به لا مفعولاً به ، لأنهم رأوه ينتصب بعد الأفعال اللازمة .
__________
(1) الأمالي النحوية : 4/75 . وينظر : حاشية ياسين على الألفية : 1/274 ، وحاشية الصبان : 2/129 .
(2) البقرة : 96 .
(3) معاني النحو : 2/606 .
(4) ينظر : حاشية ياسين على الألفية : 1/271 .
(5) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/231 – 232 ، وهمع الهوامع : 2/109 – 110 ، ومعاني النحو : 2/606 – 608.(1/207)
وذهب البصريون إلى أنه ظرف – وإن استغرق الفعلُ الظرفَ – وأنه على تقدير في ، وأنَّ في ليست للتبعيض وإنما هي للوعاء ، ودلَّل على ذلك أبو حيان(1) بقوله تعالى : { فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيامٍ نحسات } (2) فأدخل في على الأيام ، والفعل واقع في جميعها بدليل قوله تعالى : { سخرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ حسوما } (3) ثم قال : { فترى القوم فيها صرعى } (4) فأدخل في على ضمير الأيام والليالي مع أن الرؤية متصلة في جميعها وفي هذا التوجيه طرد لباب المفعول فيه حتى يجري الباب على سَنَن واحدٍ .
وذهب فاضل السامرائي إلى أن ما يكون العملُ في جميعه ينتصب على الظرفية خلافاً للكوفيين ولكنه ليس على تقدير في خلافاً للبصريين ، وردَّ على أبي حيان استدلاله السابق بالآيتين ، ووجَّه آية فصِّلت بأنه ذَكَرتِ الأيامَ منكَّرةً ، والأيامُ النحسات كثيرات وأيام عادٍ منها ، فتكون في للتبعيض .
لذلك رأى أن حد النحويين للظرف لا يصح إلا على قسم واحدٍ من أقسام ثلاثة يأتي عليها الظرف هي :
ما يتضمن معنى في ، أي : ما حلَّ فيه الحدث ، نحو : جئت يوم الجمعة ، وهذا القسم هو الذي يجري عليه حدُّ النحويين .
ما دل على مقدارِ زمانِ الحدثِ أو مكانهِ ، نحو : { سخرها عليهم سبعَ ليالٍ } و { يود أحدهم لو يعمر ألفَ سنةٍ } (5) وسرت ميلين ، وفسح له مدَّ البصر ، وانتظرْني صلاةَ ركعتين ، أي : مقدار زمان ذلك أو مكانه .
ما دلَّ على عددِ أزمنة الحدث أو أمكنته ، نحو : فعلت هذا سبعةَ أيامٍ أي : تكرر الحدث في سبعةِ أيامٍ ، فهذا ليس مبيِّنا لمدة الحدث ، وإنما لعدد أزمنة الحدث ، ونحو : جلست خمسة مجالس أي تكرر الحدث في خمسة أمكنة .
__________
(1) ينظر : البحر المحيط : 10/312 .
(2) فصلت : 16 .
(3) الحاقة : 7 .
(4) الحاقة : 7 .
(5) البقرة : 96 .(1/208)
فإذا كان اسم الزمان والمكان المنصوب على تقدير في إنما هو قسم من أقسام ثلاثة في رأي السامرائي ، فلا ينبغي – عنده – إطلاقُ التسمية بالظرف على الباب ، إذ لا يصدق إلا على القسم الأول منها ، لذلك رأى أن تسمية هذا الباب بـ ( الزمان والمكان ) أولى من تسميته بالظرف .
والمختار – في نظر الباحث – أن يجري الباب على سننٍ واحدٍ ، فما أمكن تقدير في معه قدر كما في القسم الأول والثالث ، أمَّا ما كان العمل في جميعه وهو القسم الثاني فتُخرَّج أمثلتُه على أحد هذين التخريجين :
أن يكون المنصوب مفعولاً مطلقاً لا ظرفاً على حد نيابة اسم الزمان أو المكان عن المصدر كقوله تعالى : { يود أحدهم لو يعمر ألف سنة } (1) التقدير : يعمر تعميراً قدره ألف سنةٍ ، وقولُك : سرت ميلين تقديره : سرت سيراً قدره ميلان أو على حد حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مُقامَه القائم مقام المصدر المحذوف فيقدر نحو : انتظرتك صلاة ركعتين بـ : انتظاراً قدر صلاةِ ركعتين وانتظرتك نحر جزورين بـ : انتظاراً قدر نحر جزورين .
وقريب من هذا التوجيه ما نقله أبو حيان عن السهيلي وابن طلحة في انتصاب ماله مقدار من أسماء الأماكن نحو : ميل وفرسخ ، قال : " زعم السهيلي أن انتصاب هذا النوع انتصابُ المصادر لا انتصاب الظروف ، واللغة تساعده ، لأن اللغويين شرحوا الغلوة والميل والفرسخ والبريد ، بالخُطا و الأبواع ، وذهب ابن طلحة إلى تقدير هذا المقدار بحذف المضاف ، كأنه قال : سير فرسخين ، كما في قولك : ضربته سوطاً ، أي : ضربة سوطٍ "(2) .
أن يكون المنصوب مفعولاً به على تضمين معنى فعلٍ متعدٍّ مناسب ، فسرت في قولك : سرت فرسخاً ، مضمن معنى قطعتُ كأنك قلت : قطعت فرسخاً(3) .
ج - باب دخلَ وذهب
__________
(1) البقرة : 96 .
(2) ارتشاف الضرب : 2/250 . وينظر : نتائج الفكر : 392 - 393 .
(3) ينظر : الأمالي النحوية : 4/126 .(1/209)
سبق ذكرُ ما ينصب على الظرفية ، وما لا ينصب من أسماء الزمان والمكان(1) ، وتبَيَّن أن أسماء الأمكنة المخصوصة كالدار والمسجد ، وما أشبه ذلك لا يتعدى إليها الفعلُ إلا بحرف الجر فيقال : نمت في البيت ، وقرأت في الدارِ ، ولا يقال : نمت البيت ، ولا قرأت الدارَ ، يقول سيبويه : " اعلم أنه ليس كلُّ موضعٍ ، ولا كلُّ مكانٍ يحسن أن يكون ظرفاً فما لا يحسن أن يكون ظرفاً أن العرب لا تقول : هو جوفَ المسجدِ ، ولا هو داخلَ الدارِ ، ولا هو خارج الدارِ حتى تقول : هو في جوفها وفي داخل الدارِ ، ومن خارجها "(2) .
غير أنه وردت أفعالٌ تعدت إلى أسماء الأمكنة المختصة بغير وساطة حرف الجر ، كدخلت البيت وذهبت الشام(3) ، لذا اختلف النحويون في توجيهها على أقوال ، وقبل أن نذكر أقوالهم يحسن أن ننبه على أمرين :
أحدهما : اختلاف تعدي دخل وذهب إلى الأمكنة ، أما دخل فيتعدى بفي وإلى(4) ، وإن كان " كثيراً ما يستعمل في مع الأمكنة بعده "(5) ، أما ذهب فيتعدى بإلى على المشهور(6)
__________
(1) ينظر : 154 – 155 .
(2) كتاب سيبويه : 1/410 . وينظر : شرح المقدمة المحسبة : 2/306 – 307 ، وشرح ألفية ابن مالك : 107 .
(3) ينظر : كتاب سيبويه : 1/35 .
(4) ينظر : إعراب القرآن : 3/413 ، وأمالي ابن الشجري : 2/137 ، والتبيان :1/255 ، 2/1009، ولسان العرب : ( دخل ) .
(5) شرح الكافية: 2/15 .
(6) * جاء في شرح كتاب سيبويه للسيرافي : 2/291 : " فلما قالت العرب : ذهبت الشام ، وحذفوا حرف الجر وهو في أو إلى " ومثله في النكت في تفسير كتاب سيبويه : 1/168 . ، ولأجل ذلك ستختلف جهتا نصب مدخولهما ، ولكنَّ الجامع بينهما تعديْهما إلى أسماء الأمكنة المختصة سواء بوساطة حرف الجر أم بغيرها .
ثانيهما : أن جميع الأقوال الآتي ذكرُها تأتي في دخلت البيت ونحوه ، وبعض هذه الأقوال لا يأتي في ذهبت الشام ونحوه.
أقوال النحويين في منصوب دخل وذهب :
ذهب سيبويه وجماعة$%& ينظر : كتاب سيبويه : 1/35 ، وشرح المقدمة الكافية : 2/488 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/336 وارتشاف الضرب : 2/253 ، وهمع الهوامع : 2/112 – 113 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/274 .(1/210)
وُصفوا بالمحققين إلى أن منصوب دخل وذهب ظرفٌ يقول سيبويه : "وقد قال بعضهم: ذهبت الشام ، يشبِّهُه بالمبهم إذ كان مكاناً يقع عليه المكان والمذهب ... ومثل ذهبت الشام : دخلت البيت"(1) .
ويقول الرضي : " اعلم أن دخلت وسكنت ونزلت تَنصِبُ على الظرفية كلَّ مكانٍ دخلتْ عليه مبهماً كان أو لا نحو: دخلت الدار ، ونزلت الخانَ ، وسكنت الغرفة ، وذلك لكثرة استعمال هذه الأفعال الثلاثة ، فحُذف حرف الجر أعني : في معها في غير المبهم أيضاً ، وانتصابُ ما بعدها على الظرفية عند سيبويه ... أما نحو : ذهبت الشام ، فانتصاب الشام على الظرفية اتفاقاً "(2) .
وحكاية الاتفاق في منصوب ذهب منازعٌ فيها ، فقد قال الخضري بعد أن ذكر أقوالاً في منصوب دخل ثالثها انتصابه على الظرفية ، قال : " لكنَّ القول الثالث لا يأتي في ذهبت وتوجهت لأنه على معنى إلى لا في "(3) .
__________
(1) كتاب سيبويه : 1/35 .
(2) شرح الكافية: 2/15.
(3) حاشية الخضري : 1/407 . وينظر : 1/445 .(1/211)
ذهب الأخفش والجرمي والمبرد(1) إلى أن منصوب دخل مفعول به على الحقيقة لا على الاتساع بنزع حرف الجر ، أما تعدِّيْه بحرف الجر فأصلٌ ثانٍ ، فهما أصلان بمنزلة نصحت له ونصحته يقول المبرد : " فإن قال : جلست الدار يا فتى ، أو قمت المسجدَ ، أو قمت البيت ، لم يجز ، لأن هذه مواضع مخصوصة ، ليس في الفعل عليها دليلٌ ... فأما دخلت البيت ، فإن البيت مفعول ، تقول : البيت دخلته ، فإن قلت ، فقد أقول : دخلت فيه ، قيل : هذا كقولك : نصحت له ، ونصحته ... ألا ترى أن دخلت إنما هو عملٌ فعلته وأوصلته إلى الدار ، ولا يمتنع منه ما كان مثل الدار ، تقول : دخلت المسجد ، ودخلت البيت ، قال الله عز وجل : { لتدخلُنَّ المسجدَ الحرامَ إن شاءَ اللهُ } (2) فهو في التعدي كقولك : عمرت الدارَ ، وهدمت الدارَ ، وأصلحت الدارَ ، لأنه فعل وصل منك إليها مثل : ضربت زيداً "(3) .
وصوَّب هذا القولُ ابنُ يعيش في موضع من شرح المفصل(4) ، وصوَّب غيره في موضع آخر(5) . وقسَم أبو حيان(6) هذا القول قسمين ، فجعل النصب على المفعول به قولاً ، وتعدي الفعل تارة بنفسه وتارة بحرف الجر قولاً آخر .
وخلاف الأخفش ومن وافقه لا يأتي في منصوب ذهب ، قال ابن يعيش : " أما ذهبت فمتفق على كونه غير متعد بنفسه ، وقد حذف منه حرف الجر "(7) .
__________
(1) ينظر : المقتضب : 4/336 – 339 ، وشرح كتاب سيبويه : 2/294 ، والتعليقة : 1/60 ، والمسائل البغداديات : 549 ، والنكت في تفسير كتاب سيبويه : 1/168 – 169 ، وشرح عيون الإعراب : 129 ، وأمالي ابن الشجري : 2/138 ، وأسرار العربية : 169 ، وشرح جمل الزجاجي لابن خروف : 1/377 ، وهمع الهوامع : 2/113 .
(2) الفتح : 27 .
(3) المقتضب : 4/336 – 339 .
(4) ينظر : 2/44 .
(5) ينظر : 7 /63 .
(6) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/253 .
(7) شرح المفصل : 2/44 .(1/212)
ذهب أبو علي الفارسي إلى أن انتصاب مدخول دخل وذهب على نزع حرف الجر، يقول : "وقولهم : دخلت البيت ، وذهبت الشام عند سيبويه ... حكمُه أن يتعدى الفعل إليه بحرف الجر ، لكنَّ حرف الجر حذِف للاتساع "(1) فظاهر كلامه موافقة سيبويه في انتصاب نحو ذلك على الظرفية ، إذ لم يتعرض لنفي الظرفية عنها ، وقد نسب إليه جماعةٌ(2) أن المنصوب مفعول به بعد التوسع بإسقاط الخافض ، والحقُّ أن هذا قول ابن مالك فقد جاء في شرح الكافية الشافية : " فإن كان الفعل المتعلق بالمكان المختص ( دخل ) جاز أن يتعدى إليه بنفسه لا على أنه ظرف ، بل على أنه مفعول به متعدىً إليه بحرفٍ ، تم حذف حرف الجر تخفيفاً لكثرة الاستعمال ، فوقع الفعل عليه ونصبه "(3) .
وصوب هذا القول ابن يعيش في موضع من شرح المفصل(4) ، وبه قال كثيرون(5) .
ذهب السهيلي في ما حكاه أبو حيان والسيوطي(6) إلى التفصيل في مدخول دخل فإن كان مما يتسع كالبلد العظيم ، وجب النصب ، كقولك : دخلت العراقَ ، ويقبح : دخلت في العراقِ ، وإن كان مما يضيق كالبئر والحلقة كان النصبُ بعيداً جداً ، فتقول : دخلت في البئر ، وأدخلت أصبعي في الحلقة ، قال أبو حيان : " وسكت عن المتوسط وقياس تفصيله جواز وصول الفعل إليه بنفسه وبواسطة في "(7).
والذي وقفت عليه من كلامه ترجيح قول سيبويه بأن دخل غير متعد إلى مفعولٍ لأن مصدره الدخول(8) .
__________
(1) المسائل البغداديات : 550 . وينظر : التعليقة : 1/61 .
(2) ينظر : ارتشاف الضرب:2/253،وشرح الأشموني:2/126، وهمع الهوامع : 113 ، وحاشية الخضري : 1/450 .
(3) 2/683 .
(4) ينظر : 7/63 .
(5) ينظر : شرح عيون الإعراب : 128 – 129 ، والغرة المخفية : 1/264 – 265 ، والبسيط : 1/460 ، والمباحث الخفية 1/551 ، ومغني اللبيب : 749 ، وشرح التصريح : 1/339 .
(6) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/253 ، وهمع الهوامع : 2/113 .
(7) ارتشاف الضرب : 2/253 .
(8) ينظر : نتائج الفكر : 321 .(1/213)
ذكر ابن عقيل(1) من جملة الأقوال في منصوب دخل وذهب ، نصبَه على التشبيه بالمفعول به بعد أن ذكر نصبه على الظرفية ، ونصبه على المفعول به بعد نزع حرف الجر ، لذا قال الخضري : " وهذا غير القول بأنه مفعول به على التوسع بإسقاط الخافض ، لأن الشارح حكاه معه "(2) .
فهذه الأقوال الخمسة مردُّها إلى قولين بالنظر إلى تعدي الفعل هل هو متعد أو غير متعد(3) ؟ فمَنْ رأى أنه غير متعدِ حكم على منصوبه بأحد ثلاثةِ أوجهٍ :
أنه ظرف .
أنه مفعول به على نزع حرف الجر .
أنه شبيه بالمفعول به .
ومن نظر إلى أنه متعدٍّ حكم على منصوبه بأنه مفعول به .
ومن جمع بين النظرين عداه تارة بنفسه وتارة بحرف الجر .
وقد ذهب أكثر النحويين إلى أن دخل متعدٍّ بوساطة حرف الجر ، أما ذهب فتعديها بحرف الجر متفق عليه كما تقدم . ولهم في الاحتجاج على أن دخل فعل لازم حججٌ يطول بيانُها نوجزها في الآتي(4):
الاستدلال بالنظير ، فإن غرت نظير دخلت وهي لا تتعدى إلا بحرف جر " فيجب لما هو بمعناها ألا تتعدى إلا بذلك الحرف ، وهذا هو الأكثر وهو الأصل "(5) .
الاستدلال بالنقيض ، فإن خرج نقيض دخل ، وهو لازم ، فكذلك ما كان ضده .
__________
(1) ينظر : شرح ابن عقيل : 1/444 – 445 ، 449 – 450 .
(2) حاشية الخضري : 1/445 . وينظر : 1/450 .
(3) ينظر : الإيضاح في شرح المفصل : 1/317 - 318 ، وشرح المقدمة الكافية : 2/489.
(4) ينظر : تفصيل ذلك في : المقتضب : 4/60 – 61 الهامش ، والأصول في النحو : 1/170 ، وشرح كتاب سيبويه : 2/295 ، والتعليقة : 1/61 ، والمسائل البغداديات : 549 ، وأمالي ابن الشجري : 2/138 وأسرار العربية : 169، واللباب : 1/273 - 274،وشرح المفصل : 2/43 ، وشرح الكافية الشافية : 2/684،وشرح الكافية: 2/15 .
(5) البسيط : 1/461.(1/214)
وفي هذين الاستدلالين نظر(1) إذ " لا يلزم من كون الشيء في معنى الشيء أن يعدى تعديته "(2) فضلاً أن يكون نقيضه.
الاستدلال بالمصدر ، فإن مصدر دخل الدخول ، وفُعُول إنما يكثر في غير المتعدي نحو : القعود والجلوس ، "ولا يجيء في المتعدي إلا قليلاً ، نحو : اللزوم ، والنهوك ، والحملُ على الأكثر أولى "(3) .
الاستدلال بالنقل بالهمزة والباء(4) ، والنقل في فَعَلَ اللازم مقيس ، وفي المتعدي غير مقيس ، وقد سُمع : أدخلته الدار ، ودخلت به ، فحمله على القياس أولى .
5-الاستدلال بعدم الاطراد(5) ، إذ لو كان متعدياً بنفسه إلى المكان على أنه مفعول به لتعدي بنفسه إلى غير المكان ، ولم يحتج معه إلى حرف جر في نحو قولهم : دخلت في الأمر ، وهم لا يقولون : دخلت ا لأمرَ ، ولا دخلت حديثهَم ، لئلا يجمع بين مجازين ؛ حذف في ، وتعليق الدخول باسم المعنى(6).
ويحتجُّ القائلون بتعدي دخل بنفسه بحجتين(7) :
الأولى : أنك تقول : البيتُ دخلته ، ولو كان لازماً لتعدى إلى ضميره بحرف الجر ، لأن الضمائر ترد الأشياء إلى أصولها .
والثانية : اطراد وصول دخلت إلى ما بعدها بنفسه ، فلا يمتنع من النصب ما كان مثل البيت فتقول : دخلت المسجدَ ، ودخلت الدارَ .
والمختار القول بأن دخل فعل لازم . أما الحجتان المذكورتان في تعديه بنفسه فيمكن نقضهما بالآتي:
__________
(1) ينظر : المقتضب : 4/61 الهامش ، والمقتصد : 1/600- 601 .
(2) البحر المحيط : 4/506 .
(3) شرح الجمل لابن عصفور : 1/336. وينظر : حاشية الشهاب : 1/66.
(4) ينظر : البسيط : 1/462.
(5) ينظر : شرح عيون الإعراب : 129، وشرح الكافية الشافية : 2/684، والبحر المحيط : 10/477.
(6) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور : 1/336 ، ومغني اللبيب : 417 ، 856 ، والأشباه والنظائر : 1/37 – 38 .
(7) ينظر : المقتضب : 4/337 ، 339 ، وشرح المفصل : 2/44 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/335 .(1/215)
أما الأولى ، فإنهم قالوا أيضاً : البيتُ دخلت فيه ، وكون الضمائر ترد الأشياء إلى أصولها فهذا هو الغالب(1) .
أما الثانية فتنتقض بنحو : دخلت في الأمر ، ولا يقال : دخلت الأمرَ كما تقدم قريباً .
فالراجح : إذن – أن دخل فعل لازم ، وأن انتصاب اسم المكان المختصِّ بعده على الظرفية والظرفُ – كما تقدم – منصوبٌ على نزع حرف الجر ، أما ذهب فالراجح أن انتصاب اسم المكان المختص بعده على المفعول به بعد نزع حرف الجر ، فيجتمع الفعلان في نصب اسم المكان المختص على نزع الخافض ، ويفترقان في جهة النصب ، فينصبه دخل على الظرفية ، وينصبه ذهب على المفعول به " ألا ترى أن الفرق بين الظرف وبين المفعول به أن المفعول به محل للفعل خاصة ،نحو: ضربت زيداً ، فزيداً محل للضرب ، والظرفُ محلٌ للفعل والفاعل "(2) فإذا قلت : دخلت البيت فإنما "عنيت بذلك انتقالك من بسيط الأرض ومنكشفها إلى ما كان فيها غير بسيط منكشف "(3) فيكون البيت محلاً للفعل والفاعل وإذا قلت : ذهبت الشام ، فإن " الذهابَ لم يقع في الشام بل في طريقها إليها "(4) فليس الشام محلاً للفعل والفاعل ، وإنما وقع فعل الفاعل عليه بوساطة حرف الجر المحذوف .
ولكلا الفعلين نظائر ، بها استحقا – في نظر الباحث – أن يصيرا باباً من أبواب نزع حرف الجر وانتصاب ما كان مجروراً من أسماء الأمكنة المختصة ، وقبل أن نعرض لبعض نظائرهما نعرض لحكم قياسية هذا الباب .
حكمُ قياسيَّة باب دخل وذهب :
__________
(1) ينظر : حاشية السجاعي : 195 .
(2) شرح الجمل لابن عصفور : 1/336 .
(3) الأصول في النحو : 1/170 .
(4) حاشية الخضري : 1/445 .(1/216)
ذهب سيبويه وكثير من النحويين(1) إلى أن تعدي دخل وذهب إلى أسماء الأمكنة المختصة بغير وساطة حرف الجر شاذٌ يحفظ ولا يقاس عليه ، يقول سيبويه : " وقد قال بعضهم : ذهبت الشام ... وهذا شاذ ... ومثل ذهبت الشام : دخلت البيت "(2) ، ويقول أبو علي الفارسي : " وهذه الحروف شواذ أعني : ذهبت الشامَ ، ودخلت البيتَ ونحوهما"(3) .
وفرَّق كثيرٌ منهم بين دخل وذهب(4) من حيث إنَّ دخل يتعدى إلى كل اسم مكان مختص ، ولم يتعدَّ ذهب إلا مع الشام ، يقول الحيدرة : " ذهبت الشام ، ودخلت البيت لا يجوز أن يقاس عليهما فذهب خاص للشام ، لا يجوز فيه أن تقول : ذهبت مكة ، وإنما تقول : ذهبت إلى مكة ، ودخلت عامٌ لكل مدخول فيه ، تقول دخلت البيت ، ودخلت السوق ، والقرية "(5) من أجل ذلك فُرِّق بينهما في الحكم بالقياس عليهما ، فحكموا بقياسية تعدي دخل إلى كل اسم مكان مختص بعد نزع حرف الجر وقصروا ذهب على السماع ، يقول السيوطي : " ويطرد ، أي : يكثر ويقاس حذفه أي: الحرف لكثرة الاستعمال نحو : دخلت الدار ، فيقاس عليه : دخلت البلدَ ، والبيت ، بخلاف ما لم يكثر ، نحو : ذهبت الشام وتوجهت مكة ، فيسمع ، ولا يقاس "(6) .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 1/35 ، والتعليقة : 1/61 ، ومشكل إعراب القرآن : 1/405 ، وشرح جمل الزجاجي لابن خروف : 1/376 ، وشرح المفصل : 2/44 ، 7/63 ، وشرح الكافية: 2/682 ، والبسيط : 1/492 .
(2) كتاب سيبويه : 1/35 .
(3) التعليقة : 1/61 .
(4) ينظر : تلقيح الألباب : 74 ، وكشف المشكل : 1/466 ، وارتشاف الضرب : 2/253 – 254 ، وهمع الهوامع : 3/6، وشرح الحدود النحوية : 108 .
(5) كشف المشكل : 1/466 .
(6) همع الهوامع : 3/6 .(1/217)
وهذا التفريق أولى خطوات اعتماد القياس في هذا الباب ، فإذا ثبت الحكم بالقياس في دخل لكثرة الأمكنة المختصة التي تعدى إليها بعد نزع حرف الجر ، فيمكن إثبات حكم القياس في ذهب بإثبات تعدد الأمكنة المختصة التي وصل إليها بعد نزع حرف الجر .
حكى الفراء أن ذهب تعدى إلى غير الشام ، فقال في قوله تعالى : { فأين تذهبون } (1) " العرب تقول : إلى أين تذهب؟ ، وأين تذهب ؟ ويقولون : ذهبت الشام ، وذهبت السوق ، وانطلقت الشام ، وانطلقت السوق ، وخرجت الشام ، سمعناه في هذه الأحرف الثلاثة خرجت وانطلقت وذهبت .... وأنشدني بعض بني عُقيل(2) :
وأيَّ الأرض تذهبُ للصياحِ ... تصيحُ بنا حنيفةُ إذ رأتنا
يريد : إلى أيِّ الأرضِ تذهبُ ، واستجازوا في هؤلاء الأحرف إلقاء إلى لكثرة استعمالهم إياها"(3).
وحكوا عن الفراء أيضاً أنه نقل عن العرب تعدي ذهب إلى غير ما تقدم ذكره من أسماء الأماكن المختصة(4) نحو : عُمان ، وخراسان ، والعراق .
ووافق ابنُ خروفٍ ( ت : 609 هـ ) الفراءَ في تعدي ذهب إلى غير الشام بل إلى جميع البلدان والنواحي ، وإن كان قد وقف به عند حد المسموع ، يقول : " لا يتعدى الفعل من النوع المختص إلا بالحرف إلا شاذاً يوقف فيه عند السماع نحو : ... دخلت البيت والدار والمسجدَ ، عدَّوه إلى جميع المختصة ، وكذلك : ذهبت الشامَ والكوفةَ والبصرةَ ، وزاد الفراء : انطلقت : عدَّوهما إلى جميع البلدان والنواحي "(5) .
__________
(1) التكوير : 26 .
(2) البيت لبعض بني عُقيل في : معاني القرآن للفراء : 3/243 ، وجامع البيان : 24/263 ، وبلا نسبة في لسان العرب ( أيا ) وتاج العروس ( أيي ) .
(3) معاني القرآن : 3/243 .
(4) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور : 1/338 ، وارتشاف الضرب : 2/253 ، وهمع الهوامع : 2/113 .
(5) شرح الجمل الزجاجي : 1/376 .(1/218)
واعتذر بعض المانعين(1) من القياس في هذا الباب بأن ما حكاه الفراء شيءٌ لم يحفظه سيبويه ولا البصريون ، بل حاول ابن عصفور الطعن في ما رواه الفراء فقال : " وأهل البصرة لا يحفظون ذلك لكنه عندي يحتمل أن يكون قد سمع ذلك في المنظوم ، فقاس عليه النثر ، لأن الكوفيين كثيراً ما يفعلون هذا ، أعني أنهم يجيزون في الكلام ما لا يحفظ إلا في الشعر فإذا تبين أن هذا مذهبه ، ولم يصرح هل سمع ذلك في الكلام أو في الشعر لم يكن في ذلك حجة "(2) .
وهذا التشكيك ليس بالحسن لا سيما مع قولهم في الفراء : " هو سامع لغة حافظ ثقة "(3) ، وقال السيوطي في هذا المقام : "والفراء ثقة في ما ينقله "(4) .
والتمس بعضهم(5) في الشام معنى الجهة ليبقيَ دلالةَ هذه الكلمة على الإبهام فيكون الفعلُ بذلك جارياً على القياس في التعدي إلى أسماء الأمكنة ، فكأنك قلت : ذهبت شأمةً ، وقاسَ عليها ما في معناها نحو : ذهبت اليمنَ ، لأن اليمنَ فيه أيضاً معنى ( يمنةً ) ، ورُدَّ(6) هذا بأن يمنةً وشأمةً أنفسهما لو سمي بهما لخرجا من إبهامهما إلى التخصيص ، فيعود البحثُ جذعاً في تعدي الفعل إلى اسم المكان المختص ويمكن ردُّ هذا القول أيضاً بما حكاه الفراء من قولهم : ذهبت السوق ، فليس في السوق معنى الجهة ومع هذا تعدى إليه ذهب بعد نزع الخافض .
__________
(1) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور : 1/338 – 339 ، وارتشاف الضرب : 2/253 .
(2) شرح الجمل : 1/338 – 339 .
(3) البحر المحيط : 6/271.
(4) همع الهوامع : 2/113 .
(5) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور : 1/337 - 338 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/174- 175 .
(6) شرح الجمل لابن عصفور : 1/338.(1/219)
وقد استحسن الزبيدي في ائتلاف النصرة القول بقياسية تعدي ذهب ونحوه إلى أسماء الأمكنة المختصة ، فقال : "مذهب البصريين أنه لا يجوز حذف إلى وشبهها من الفعل في مثل : ذهبت الشام إلا في هذه اللفظة ، لسماعهم إياها عن العرب ، فلا يجيزون ذهبت مصرَ ، ولا ذهبت البصرةَ ومذهبُ الكوفيين جوازُه ، وهو عندهم مقيس في انطلق وذهب وخرج فيقولون : انطلقت السوق وخرجت البَرَّ ، وذهبت مصر ، وشبهه ، وهذا هو الأقيس ، لصحة معنى الكلام ، وعدم إخلاله ، مع كثرة استعماله "(1) .
والمختار الحكم بقياسية تعدي دخل وذهب ونحوهما إلى أسماء الأماكن المختصة بحسب الضوابط الآتية :
أن يثبت تعدي الفعل إلى اسم المكان المختص بوساطة حرف الجر تارة وبنفسه تارة أخرى .
أن تتحقق أصالة تعدي الفعل بحرف الجر بكثرة وروده كذلك أو بالاستدلال بمصدره ونحو ذلك مما يُثبت لزوم الفعل .
أن تتعدد الأمكنة المختصة التي يتعدى إليه الفعل بلا وساطة حرف الجر .
فهذه الضوابط تجري في دخل وذهب ، أما الأول والثاني ، فلما تقدم ذكره في أقوال النحويين في منصوبهما ، وفي حجج القائلين بلزوم دخل .
__________
(1) 136.(1/220)
أما الضابط الثالث فمن تعدي دخل قوله تعالى : { كلما دخلَ عليها زكريا المحرابَ } (1) أي : إلى المحراب ، أو في المحراب(2) ، وقوله تعالى : { قالت نملةٌ يأيها النملُ ادخلوا مساكنَكم } (3) وقوله تعالى : { قيل لها ادخلي الصرحَ } (4) أي : إلى الصرح أو في الصرح(5) . وغيرها كثير(6). ومن تعدي ذهب قوله تعالى : { فأين تذهبون } (7) يقول الطبري : " ولم يقل: فإلى أين تذهبون كما يقال : ذهبت الشامَ ، وذهبت السوقَ"(8) ومن ذلك ما أنشده الفراء(9) :
وأيَّ الأرضِ تذهب للصياحِ ... تصيح بنا حنيفةُ إذ رأتنا
أي إلى أي الأرضِ تذهبُ(10) . وقولهم : ذهبت الشام ، وذهبت السوق .
فكل ما تحققت فيه تكلم الضوابط يقاس على ما سمع منه ما لم يسمع ، فيقال : دخلت المدرسة ودخلت الكلية ، ونحو ذلك ، ويقال في ذهب : ذهبت صنعاء ، وذهبت مكة .
هذا ، ويخرُج بالضابط الأول كل ما كان من باب نصح ، لأن منصوبه ليس اسم مكان فضلاً أن يكون مختصاً .
ويخرج بالضابط الثاني ما كان متعدياً بنفسه ، وربما يزاد معه حرف الجر ، نحو : قرأت بالسورةِ والأصل : قرأت السورة .
__________
(1) آل عمران : 37 .
(2) ينظر : التبيان : 1/255 .
(3) النمل : 18 .
(4) النمل : 44 .
(5) ينظر : إعراب القرآن : 3/213 ، والتبيان : 2/1009 .
(6) أحصيت المواضع التي تعدى فيها دخل وأدخل إلى اسم المكان المختص بلا وساطة حرف جر ، في القرآن الكريم بحسب المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم : 253- 255 فبلغ عددها اثنين وسبعين موضعاً .
(7) التكوير : 26 .
(8) جامع البيان : 24/263. وينظر : مشكل إعراب القرآن : 2/3 ، 8 ، والتبيان : 2/1273 .
(9) سبق تخريجه : 139 .
(10) ينظر : معاني القرآن للفراء : 3/243 ، وجامع البيان : 24/263.(1/221)
ويخرج بالضابط الثالث ما تعدى إلى اسم مكان مختص واحدٍ ولم يتعدد تعديْه إلى غيره ، فهذا يقتصر فيه على المسموع منه ، نحو قول الشاعر(1) :
فيه كما عسل الطريقَ الثعلبُ ... لدنٌ بهزِّ الكفِّ يعسلُ متنُه
أي : كما عسل في الطريق الثعلبُ(2) .
وقول الآخر(3) :
كلُّ محلو لكٍ إلى إخلاس ... أنكرتْني أن شاب مِفْرَقَ رأسي
يقول الفارقي : " يريد : شاب في مفرق رأسي ، فلما حذف في نصب ... ولا يكون ( مفرق ) نصباً على الظرف ، لأنه معلوم مخصوص ، فكأنه بمنزلة بغداد والبصرة من الأماكن ، فكما لا تقول: سرت بغداد ، ولا جلست البصرة ، كذلك لا تقول : شاب مفرقَ رأسِه شعرٌ "(4) .
وعلى ما تقرر في البحث هاهنا يكون ( مفرق ) ظرفاً منصوباً على نزع حرف الجر على غير القياس .
ومن المسموع أيضاً قول الشاعر(5)
ولأقبلنَّ الخيلَ لابةَ ضرغدِِ ... فلأبغينَّكم قناً وعُوارِضاً
أي : في قناً وعوارضَ(6) .
ما يجري من الأفعال مجرى دخل :
1- قعد :
__________
(1) البيت لساعدة بن جؤية الهذلي في كتاب سيبويه : 1/36 ، 214 ، والنوادر في اللغة : 15 ، وشرح أشعار الهذليين : 3/1120 ، وتخليص الشواهد : 503 ، وشرح التصريح : 1/312 ، وخزانة الأدب : 3/82 ، والدرر : 3/86 وبلا نسبة في : الخصائص : 3/319 ، وأسرار العربية : 169 ، ومغني اللبيب : 15 618.
(2) ينظر : كتاب سيبويه : 1/35 - 36 ، وشرح الأشموني : 2/97 .
(3) البيت بلا نسبة في : الإفصاح : 242 ، والانتخاب : 633 .
(4) الإفصاح : 242 - 243 .
(5) سبق تخريجه :8 .
(6) ينظر : شرح الكافية الشافية : 2/682 ، والمباحث الخفية : 1/550 .(1/222)
الأصل في قعد أن يتعدى إلى اسم المكان المختص بفي أو ما يفيد معنى الظرفية كالباء ومن ذلك قوله تعالى : { ولا تقعدوا بكل صراطٍ } (1) فقعد فعلٌ لازم ، بدليل مجيء مصدره على فعول ، تقول : قعدت قعوداً ، وجاء واصلاً إلى اسم المكان المختص بعد نزع حرف الجر في قوله تعالى : { لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم } (2) أي : في صراطك(3)، وقيل : على صراطك(4) ، وقيل : ضمن لأقعدن معنى لألزَمَنَّ(5) ، والأول أولى(6) ، ومنه قوله تعالى : { واقعدوا لهم كلَّ مرصد } (7) أي : في كل مرصد(8) وقيل : على كل مرصد(9) ، والأول أولى ، قال النحاس : "قال الأخفش : واقعدوا لهم على كل مرصد وحذفت على ... إلا أن كل مرصد نصبُه على الظرفية جيد "(10) ، ومنه ما حكاه الفراء : قعدت لك وجهَ الطريقِ ، قال : " لأن الطريق صفة في المعنى ، فاحتمل ما يحتمله اليوم والليلة والعام إذا قيل : آتيك غداً ، أو آتيك في غدٍ "(11) .
2-3- سكن ونزل :
__________
(1) الأعراف : 86 . قال في البحر المحيط : 5/107 : " والباء في بكل صراطٍ ظرفية ، نحو : زيدٌ بالبصرة أي : في كل صراطٍ ، وفي البصرة " .
(2) الأعراف : 16 .
(3) ينظر : معاني القرآن للفراء : 1/375 ، وجامع البيان : 12/336 - 338، وإعراب القرآن : 2/117، ومشكل إعراب القرآن : 1/324 ، والتبيان : 1/559 ، والبحر المحيط : 5/21.
(4) ينظر : معاني القرآن للأخفش : 2/513 ، ومعاني القرآن وإعرابه : 2/324 ، ومشكل إعراب القرآن : 1/284 .
(5) ينظر : البحر المحيط : 5/21 .
(6) ينظر : حاشية ياسين على الألفية : 1/275 ، ودراسات في فلسفة النحو والصرف : 92 .
(7) التوبة : 5 .
(8) ينظر :معاني القرآن وإعرابه :2/430،وإعراب القرآن : 2/203 ، والتبيان : 2/635 ، والبحر المحيط :5/373 .
(9) ينظر : معاني القرآن للأخفش : 2/549 ، وشرح الأشموني : 2/97 .
(10) إعراب القرآن : 2/203 .
(11) ينظر : معاني القرآن : 1/375 .(1/223)
يقول الرضي : " اعلم أن دخلت وسكنت ونزلت تنصب على الظرفية كلَّ مكانٍ دخلت عليه مبهماً كان أو لا ، نحو: دخلت الدار ، ونزلت الخانَ ، وسكنت الغرفةَ وذلك لكثرة استعمال هذه الأفعال الثلاثة ، فحذْفُ حرف الجر ، أعني : في معها في غير المبهم أيضاً ، وانتصابُ ما بعدها على الظرفية عند سيبويه "(1) .
ما يجري من الأفعال مجرى ذهب :
1- استبق :
الأصل في استبق أن يتعدى إلى اسم المكان المختص بإلى(2) ، وقد جاء واصلاً إليه بغير وساطة حرف الجر في قوله تعالى : { ولكلٍّ وجهةٌ هو مولِّيها ، فاستبقوا الخيرات } (3) أي : إلى الخيرات ، على أن معنى الخيرات : الجهات الفاضلات(4) .
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى : { فاستبقا الباب } (5) ، أي : إلى البابِ(6) ، وقوله تعالى : { فاستبَقُوا الصراطَ فأنى يُبصرون } (7) أي : إلى الصراط(8) .
2-5 خرج ، ورجع ، وانطلق ، وتوجَّه :
__________
(1) شرح الكافية: 2/15، وينظر : كتاب سيبويه : 1/35 ، وشرح ابن عقيل : 1/449 ، وشرح التصريح : 1/339 وشرح الحدود النحوية : 108، وحاشية الصبان : 2/126 ، وحاشية الخضري : 1/449 .
(2) ينظر : البحر المحيط : 6/259.
(3) البقرة : 148 .
(4) ينظر : الكشاف : 1/100 ، والجامع لأحكام القرآن : 2/165 ، وتفسير أبي السعود : 1/217 ، وحاشية الشهاب : 2/423 .
(5) يوسف : 25 .
(6) ينظر : البحر المحيط : 6/259 ، وحاشية الشهاب : 5/290 .
(7) يس : 66 .
(8) ينظر الكشاف : 5/101 ، والبحر المحيط : 9/79 ، وتفسير أبي السعود : 5/309 ، وحاشية الشهاب : 8/38 .(1/224)
يقول الفراء : " العرب تقول : إلى أين تذهب ، وأين تذهب ، ويقولون : وذهبت الشام وذهبت السوق ، وانطلق الشام ، وانطلق السوق ، وخرجت الشام سمعناه في هذه الأحرف الثلاثة ، خرجت وانطلقت ، وذهبت ، وقال الكسائي: سمعت العرب تقول : انطلق به الغورَ ، فتنصب على معنى إلقاء الصفة ... واستجازوا في هذه الأحرف إلقاء ( إلى ) لكثرة استعمالهم إياها "(1) .
ويقول ابن سيده ناقلاً عن ابن دريد : " رأيت العربَ قد ألِفتِ المحالَّ حتى جرى الكلام بالغائب المتصل ، فقالوا : خرجت الشام ، وذهبت الكوفة ، وانطلقت الغورَ ، فأنفذت هذه الحروف في البلدان كلها "(2) . وقالوا أيضاً : توجهت مكة(3) ، ورجع أدراجه(4) .
فلنا بمقتضى القياس أن نقول : انطلقت المدرسة ، وتوجهت الكليةَ ، وخرجت المزرعة ، ورجعت البيت ، فإن عرض لبسٌ تعين ذكر حرف الجر كما في خرجت المزرعة بأن لم يكن السياق أو الحال دالاً على كون المزرعة غاية الخروج فيلتبس حينئذٍ بكونها مبدأَه .
د- نزع حرف الجر وانتصاب الاسم على التمييز ( المميِّز )
التمييز مصطلح نحوي ، يطلق ويراد به أحد أمرين :
المعنى المصدري للفظِ التمييز وهو : " تخليص الأجناس بعضها من بعض "(5) وعلى هذا النحو جاء تعريف ابن الدهان ( ت : 569هـ ) بأنه " تبيين الأجناس المحتملها المحلُّ الواحد بواحدٍ منكورٍ جامدٍ ، يحسن تقدير من فيه "(6) .
__________
(1) معاني القرآن : 3/243. وينظر : جامع البيان : 24/ 263 ، وشرح جمل الزجاجي لابن خروف : 1/376 .
(2) المخصص : 14/246 .
(3) ينظر : معاني القرآن للأخفش : 2/513 ، وحاشية الصبان : 2/90 ، وحاشية الخضري : 1/449 .
(4) ينظر : المقرب : 213 ، وارتشاف الضرب : 2/253 .
(5) اللمع : 119 .
(6) الفصول في العربية : 25. وينظر الغرة المخفية : 1/274 ، والمباحث الخفية : 1/572 .(1/225)
المميِّز ، أي : الاسم الفضلةٍ النكرة الجامد المفسِّر لما انبهم من الذوات والنسب الذي يحسن تقدير من فيه غالباً(1) ، وإنما كان مميِّزاً لأنه " يميِّز مراد المتكلم من غير مراده "(2) فتقول اشتريت رطلاً عسلاً ، وتصبب زيدٌ عرقاً .
وعلى المعنى الثاني انعقد البابُ النحوي ، وغلب التعبير بلفظ التمييز عليه ، وإن كانت الدقَّةُ تقتضي التعبير بلفظ المميِّز تفريقاً بينه وبين المميَّز وهو المبهم المراد تمييزُه ، والتمييز بالمعنى المصدري لذا ماز بعضهم(3) حد التمييز من المميز ، ونظير هذا ما أوردوه في باب الاستثناء أيترجم له بالاستثناء أم بالمستثنى(4) ؟
وللمميِّز تسميات أخرى(5) كالتبيين والمبين والتفسير والمفسر والترجمة والمترجم ويقال في غير الآخِرة ما قيل في التمييز والمميِّز ، أما الترجمة والمترجم فتسمية كوفية(6) .
وقد سمَّى بعضهم(7) المميِّز بالمفعول منه ، ولهذه التسمية شأنٌ في ما نقصد بيانَه .
__________
(1) ينظر : الأصول في النحو : 1/308 ، وكشف المشكل : 1/485 ، وشرح المفصل : 2/70 ، وشرح ألفية ابن مالك : 136 ، وشرح قطر الندى : 258 – 259 ، وشرح الحدود النحوية : 115 .
(2) الكليات : 289 .
(3) ينظر : اللمع : 119 ، والغرة المخفية : 1/274، والمباحث الخفية : 1/572 .
(4) ينظر : حاشية الصبان : 2/141 .
(5) ينظر : المقتضب : 3/32 ، وشرح ألفية ابن مالك : 136 ، والبحر المحيط : 3/255، وشرح ابن عقيل : 1/505 وشرح الأشموني : 2/194 ، وهمع الهوامع : 2/262.
(6) ينظر : معاني القرآن للفراء : 2/104 .
(7) ينظر : شرح عيون الإعراب : 157 .(1/226)
والمقصود بالوقوف عنده في حد المميِّز هو قولهم : " يحسن تقدير من فيه "(1) وقولهم : " يسأل عنه بمه ، ويجاب عنه بمِنْ "(2) ، ومعلومٌ أن المميِّز أحد المنصوبات ، فهل النصب فيه صورة محوَّلة عن الجر بحرف الجر ؟ هذا ما سيحاول الباحثُ الإجابةَ عنه في هذا المقام .
ما الأصلُ في المميِّز ألنصب أم الجر ؟
يرد المميز على مستوى الاستخدام في ثلاثِ صورٍ(3) :
صورة النصب ، نحو : اشتريت رطلاً عسلاً ، وعندي عشرون درهماً ، وهذه أشهر الصور الثلاث ، وعليها انعقد باب التمييز في النحو العربي ، ويقسمه النحويون قسمين(4) :
مميِّز مفرد أو ذات ، ويقال له المنصوب عن تمام الاسم .
ومميِّز جملة أو نسبة ، ويقال له المنصوب عن تمام الكلام .
ومميز المفرد أنواع ، منها :
مميز كيل ، نحو : عندي صاعٌ بُرَّاً ، وما أشبه الكيل ، نحو : عندي ذنوبٌ ماءً .
مميز وزن ، نحو : عندي رطلٌ عسلاً ، وما أشبه الوزن ، نحو : { فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره } (5).
ج- مميز مساحة ، نحو : عندي ذراعٌ ثوباً ، وما أشبه المساحة ، نحو : ما في السماء قدرُ راحةٍ سحاباً .
د- مميز عدد ، نحو : عندي عشرون كتاباً .
ومميز الجملة قسمان : محول ، وغير محول .
__________
(1) الفصول في العربية : 25 .
(2) كشف المشكل : 1/485 .
(3) ينظر : كتاب سيبويه : 2/117 ، 174 ، وشرح عمدة الحافظ : 1/470 - 472، وحاشية ابن حمدون : 300 ومعاني النحو : 2/753، ومعجم المصطلحات النحوية والصرفية : 215 ، والمنهاج : 116. أما صورة الإتباع نحو : عندي خاتمٌ ذهبٌ ، فهي صورة متحركة ، فلا يستقيم عدُّها أصلاً لغيرها .
(4) ينظر : كتاب سيبويه : 1/204 ، 2/174 ، والأصول في النحو : 1/307 ، والإيضاح : 173، 180، والغرة المخفية : 1/274 ، وشرح الجمل لابن عصفور: 2/289 ، وشرح ألفية ابن مالك : 136 ، وتذكرة النحاة : 611 .
(5) الزلزلة : 7 .(1/227)
فالمحول ، إما عن فاعلٍ ، نحو : تصبَّبَ زيدٌ عرقاً ، ومنه قوله تعالى : { واشتعل الرأس شيباً } (1) وإما عن مفعول به ، نحو : غرست الأرضَ شجراً ، ومنه قوله تعالى : { وفجَّرنا الأرضَ عيوناً } (2) وإما محول عن مبتدأ مضاف ، نحو : { أنا أكثرُ منك مالاً } (3) أي : مالي أكثر من مالك .
وغير المحول نحو : ما أكرمَه رجلاً ، وحسبُك به خليلاً ، وللهِ درُّه فارساً ، وويحَه رجلاً ، وكفى بالله هادياً ونحو: { بئس الشرابُ وساءت مرتفقًا } (4) و { نعم الثوابُ وحَسُنَتْ مرتفقًا } (5) ، ونعم رجلاً زيدٌ وبئس رجلاً عمروٌ ، وغير ذلك .
صورة الجر بحرف الجر ، نحو : اشتريت رطلاً من عسلٍ ، وعندي عشرون من الدراهمِ . يقول البغدادي في قول الشاعر(6) :
موطأ الأكنافِ رحيبِ الذراعْ ... ياسيِّداً ما أنت من سيدٍ
: " و( من سيد )...تمييز مجرور بمن "(7) .
صورة الجر بالمضاف ، نحو : اشتريت رطلَ عسلٍ ، وعندي مائة درهمٍ . يقول الرضي في نحو : مائة درهمٍ : "والتمييز نفسه قد ينجر إذا كان جره أخفَّ من نصبه كما في هذا "(8) .
فهل صور الاستخدام الثلاث أصول أو أن بعضها أصل وغيرها محول عنه ؟
__________
(1) مريم : 4.
(2) القمر :12.
(3) الكهف : 34 .
(4) الكهف : 29 .
(5) الكهف: 31 .
(6) البيت للسفاح بن بكير اليربوعي في المفضليات : 322 ، وشرح اختيارات المفضل : 3/1363 ، والحماسة البصرية:1/593 ، وخزانة الأدب : 6/91 ، والدرر: 3/23 ، وبلا نسبة في : شرح شذور الذهب : 258 ، وشرح قطر الندى: 454 وهمع الهوامع: 2/32، 265 ويروى : يا فارساً ما أنت من فارس .
(7) خزانة الأدب : 6/93 ، وينظر : التأويل النحوي : 2/1090.
(8) شرح الكافية: 2/91 .(1/228)
ظاهر كلام سيبويه في موضعين من كتابه(1) القول بأصالة النصب ، وأن حرف الجر الداخل على المميز زائد بغرض التوكيد ، يقول في باب ما ينتصب انتصاب الاسم بعد المقادير : " وذلك قولك : ويحه رجلاً ، ولله دره رجلاً ، وحسبك به رجلاً وما أشبه ذلك ، وإن شئت قلت : ويحه من رجلٍ وحسبك به من رجلٍ ، ولله دره من رجلٍ ، فتدخُلُ مِنْ هاهنا كدخولها في كم توكيداً "(2) .
ويظهر في موضعين آخرَينِ(3) ذهابُه إلى أن صورة النصب محولة عن صورة الجر بحرف الجر الذي حذِف استخفافاً يقول في نحو : امتلأت ماءً ، وتفقأت شحماً : " إنما أصله : امتلأت من الماءِ وتفقأت من الشحمِِ ، فحذف هذا استخفافاً"(4) ويقول : " قولك : ما في السماء موضعُ كفٍّ سحاباً ، ولي مثلُه عبداً ، وما في الناس مثلُه فارساً ، وعليها مثلُها زبداً ، وذلك أنك أردت أن تقول : لي مثلُه من العبيد ، ولي مثلُه من العسل ، وما في السماء موضع كف من السحابِ ، فحُذف ذلك تخفيفاً ، كما حذفه من عشرين حين قال : عشرون درهماً "(5) .
ولاختلاف قول سيبويه في أصل المميِّز اختلف النحويون فيه على رأيين :
الرأي الأول : الأصل فيه النصب ، يقول الرضي :" ونصب المميِّز نصٌّ على كونه مميزاً وهو الأصل في التمييز بخلاف الجر فإنه عَلَمُ الإضافة "(6) ويقول ياسين :" وحكم التمييز النصبُ ، قال اللقاني : أي : حكمه الأصلي النصب ، وإلا فقد يأتي أن الجر حكم له "(7) أي : وإن كان على خلاف الأصل ، فينبني على هذا الرأي أمران :
__________
(1) ينظر : 2/174 ، 4/225 .
(2) 2/174.
(3) ينظر : 1/205 ، 2/172 .
(4) 1/205 .
(5) 2/172.
(6) شرح الكافية: 2/92 .
(7) حاشية ياسين على التصريح : 1/395 .(1/229)
القول بزيادة مِنِ الداخلة على المميز في صورة الجر ، وبه قال أبو حيان ، ونسبه إلى سيبويه(1)، ويلزم من ذلك زيادتها في الإيجاب ، وهو خلاف المشهور من مذهب البصريين(2) ولا يقول به أبو حيان(3) .
الحاجة إلى الجواب عن قول النحويين في حد المميز : ما كان فيه معنى من(4) ، أو المضمن معنى من(5) ، أو ما كان مقدراً بمن(6)، ونحو ذلك بأن يقال :" ليس المراد من قولهم في التمييز بمعنى من أن تكون من مقدرة قبله ، لئلا يخرج عنه المحول عن الفاعل والمفعول والمبتدأ ، وتمييز العدد وإنما المراد أن الاسم جيء به لتبيين الجنس كما يجاء بمن المبينة للجنس ، لا أنَّ مِنْ مقدرةٌ "(7) .
فلما استقر هذا الرأي عند بعض المحدثين استساغ أن يقول في رجلٍ الثانية من قولك : هذا رجلٌ ناهيك من رجلٍ : "رجلٍ : اسم مجرور لفظاً منصوب محلاً على التمييز "(8) .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 2/174 ، 4/225 ، وارتشاف الضرب : 2/384 .
(2) ينظر : مغني اللبيب : 426 – 429 ، وشرح الأشموني : 2/200 .
(3) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/444 – 445 .
(4) ينظر : اللمع : 120 ، وشرح الكافية الشافية : 2/767 ، والمساعد : 2/54 ، وشرح الأشموني : 2/194 والمطالع السعيدة : 365 .
(5) ينظر : شرح ألفية ابن مالك : 136 ، وشرح ابن عقيل : 1/505 ، وشرح المكودي : 319 .
(6) ينظر : شرح المقدمة المحسبة : 2/316 ، وشرح جمل الزجاجي لابن خروف : 2/999 ، وشرح المفصل : 2/70.
(7) شرح التصريح : 1/395. وينظر : حاشية ياسين على الألفية : 1/327 ، وحاشية الصبان : 2/194 ، وحاشية ابن حمدون : 319 ، وحاشية الخضري : 1/505 .
(8) المعجم المفصل في الإعراب : 443.(1/230)
الرأي الثاني : الأصل في المميز المنصوب الجرُّ بحرف جر يفيد بيان الجنس . يقول عبد القاهر : "و( مِنْ ) من أعلام التمييز ، ألا ترى أنك تقول : عندي قفيزان من بُرٍّ ، وكذا جميع ما يكون تمييزاً فإن ( مِنْ ) تدخل عليه ، بل هو الأصل فيه ، فهو كقولهم : ويحه رجلاً وويحه من رجلٍ "(1) . ويقول أيضاً : " اعلم أن الأصل في التبيين ( مِنْ ) كقولك : ما في السماء قدرُ راحةٍ من السحاب ، ولي عشرون من الدراهم ، إلا أنهم اختصروا فحذفوا من ونصبوا المميِّز تشبيهاً بالمفعول نحو ما تقدم فقيل : ما في السماء قدر راحةٍ سحاباً ، ولله دره رجلاً ، فاستعمال الأصل الذي هو ( مِنْ ) جائزٌ حسنٌ "(2).
وإلى هذا الرأي ذهب مصطفى جواد ، وعبد الحميد السيد طلب(3) .
وينبني على هذا الرأي أمور :
أولها : بيان المعنى الوظيفي لمِنِ الجارة للميِّز :
ذهب الأكثرون(4) أنها لبيان الجنس ، ولم يُثبت أبو حيان هذا المعنى لمِنْ مطلقاً فقال : " الصحيح أن هذا المعنى ليس بثابتٍ لمن "(5) .
وذهب آخرون(6) إلى أنها للتبعيض ، وهو ظاهر قول سيبويه في موضع(7) .
__________
(1) المقتصد : 2/726 .
(2) المرجع السابق : 2/727 .
(3) ينظر : دراسات في فلسفة النحو والصرف : 28 ، ونزع الخافض عامل نحوي مطرد للنصب ( بحث ) : 15-17.
(4) ينظر : شرح جمل الزجاجي لابن خروف : 2/999 ، والغرة المخفية : 1/275 ، والأمالي النحوية : 4/ 29 ورصف المباني : 323 ، وهمع الهوامع : 2/262 ، وحاشية ياسين على التصريح : 1/394 ، وخزانة الأدب : 3/254 ، وحاشية الصبان : 2/199 ، وحاشية ابن حمدون : 323 ، وحاشية الخضري : 1/512 ، والمنهاج : 116.
(5) البحر المحيط : 8/133. وينظر : مغني اللبيب : 420 - 421 .
(6) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/384 ، وشرح الأشموني : 2/200 ، والبهجة المرضية : 1/359 ، وهمع الهوامع : 2/265 ، وحاشية ياسين على التصريح : 1/395.
(7) ينظر : كتاب سيبويه : 4/225 .(1/231)
ثانيها : إذا تقرر أن مِنِ الداخلةَ على المميز حرفُ جر أصلي فما متعلقة ؟
وجدت للأنطاكي تفصيلاً(1) لم أجده عند غيره يذهب فيه إلى أن متعلَّق من الداخلة على المميز محذوف ، فإن كانت من ومميزُها بعد كم أو كأين أو ما أو الذي فمتعلقهما حال محذوفة من الاسم المبهم ، تقديرها في نحو : كم من قريةٍ زرتها : عددٌ كثيرٌ حالةَ كونه من القرى زرتها ، وتقديرها في نحو : إن ما معك من مالٍ لا يكفي : إن ما وُجِد معك حالة كونه من مالٍ لا يكفي .
وإن كان المميز المجرور بمن بعد غير ما ذكر ، فالجار والمجرور متعلقان بصفة محذوفة للاسم المميز .
ثالثها : إذا كان الأصل في المميز هو الجر بحرف الجر والنصبُ إنما هو على نزع حرف الجر فهل يقال في المميِّز المنصوب : إنه المضمَّن معنى مِنْ ، أو ما فيه معنى من ، أو المقدر بمن ؟
يأتي هنا ما سبق بيانه في الظرف من أن التضمُّن يقتضي البناء ، لذا قال ياسين في قول بعضهم : إن المميز المنصوب بمعنى مِنْ ، وهي غير مقدرة في الكلام : " هو في غاية الإشكال لاقتضائه بناء التمييز ، لكونه متضمناً لمعنى الحرف "(2) وتخلَّص من ذلك الإشكال ابن حمدون(3) باختيار لفظ التقدير على القول بالتضمن.
رابعها : أيستقيم تقدير المميزات كلِّها بمن ؟
تقدم قول عبد القاهر أن جميع ما يكون مميزاً ، فإن من تدخل عليه(4) ، لكنَّ كثيراً من النحويين(5) يستثنون مسائل لا يستقيم فيها تقدير من مع المميز ، وهي :
__________
(1) ينظر : المنهاج : 116.
(2) حاشية ياسين على الألفية : 1/327.
(3) ينظر : حاشية ابن حمدون : 45.
(4) ينظر : المقتصد : 2/726 - 727.
(5) ينظر : المقتضب : 3/67 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 2/290 ، والمقرب : 230 – 232 ، وشرح الكافية الشافية : 2/773 ، وارتشاف الضرب : 2/23 ، ومغني اللبيب : 732 ، والمساعد : 2/61 ، وشرح الأشموني : 2/198 – 199 ، وشرح التصريح : 1/398 - 399 ، وهمع الهوامع : 2/265 ، والتأويل النحوي : 1/724.(1/232)
مميز الأعداد ، فلا يقال : عندي عشرون من درهمٍ ، في قولك عندي عشرون درهماً .
المميز المحول عن الفاعل والمفعول والمبتدأ ، نحو : تصبب زيد عرقاً ، وغرست الأرض شجراً ، و { أنا أكثر منك مالاً } (1).
مميِّز فاعل نعم وبئس ، فقد عدَّه ابن عصفور(2) من غير المنقول الذي يشبه المنقول ومنع إدخال من عليه ، وقال أبو حيان : " لا يجوز دخول من على هذا التمييز ، لا يقال : نِعْمَ من رجلٍ زيدٌ فإن جاء فضرورة "(3).
ووجه عدم جواز تقدير مِنْ مع المميزات المذكورة(4) ، أنَّ مِنْ الجارة للمميِّز هي البيانية - كما هو رأي الأكثرين – وهي التي يكون مجرورُها عينَ المبيَّن بها ، فيفسَّر بها وبمصحوبها اسمُ جنس سابقٍ صالحٍ لحمل ما بعدها عليه ، لذا يمتنع ذلك في العدد لعدم صحة الحمل ، لكون العدد دالاً على متعدد والمميز مفرد ، ويمتنع في المحول عن الفاعل والمفعول والمبتدأ لأن المميِّز مفسِّرٌ للنسبة لا للفظ المذكور ، فما بعد من وهو المميز مباين لما قبلها وهو الفاعل والمفعول والمبتدأ .
وأما غير تلك المميزات فجائزٌ دخولُ من عليها ومنها :
مميز المقادير ؛ المكيلات ، والموزونات ، والممسوحات ، نحو : عندي صاعٌ برًّا ، ومن برٍّ ورطلٌ عسلاً ومن عسلٍ ، وذراعٌ ثوباً ومن ثوبٍ ، وكذلك ما أشبه المقادير ، نحو : عندي ذنوبٌ ماءً ومن ماءٍ ، و { مثقال ذرةٍ خيراً } (5) ومن خيرٍ ، وما في السماء قدرُ راحةٍ سحاباً ، ومن سحابٍ .
__________
(1) الكهف : 34 .
(2) ينظر : شرح الجمل : 2/290.
(3) ارتشاف الضرب : 3/23.
(4) ينظر : الأمالي النحوية : 4/29 ، والنكت الحسان : 101 ، وشرح التصريح : 1/399 ، وحاشية ياسين على التصريح : 1/394 ، وحاشية الصبان : 2/199 ، وحاشية ابن حمدون : 323 ، وحاشية الخضري : 1/511.
(5) الزلزلة : 7 .(1/233)
مميِّزات أخرى غير ما تقدم(1) نحو : لله دره فارساً ، ومن فارسٍ ، وحبذا زيدٍ رجلاً ومن رجلٍ وويحه رجلاً ، ومن رجلٍ ، وما أكرمه رجلاً ، ومن رجلٍ ، وحسبك به خليلاً ومن خليلٍ ، وكفى بزيدٍ ناصراً ، ومن ناصرٍ .
وخرج القائلون بأن جميع المميزات منصوبات على تقدير حرف الجر ما استثناه غيرُهم على النحو الآتي :
مميز العدد المنصوب : نحو : عشرون درهماً ، الأصل فيه : عشرون من الدراهم(2) فحذفوا مِنْ وأل وبناء الجمع واقتصروا على واحدٍ منكورٍ من الجنس ، كل ذلك اختصاراً واستخفافاً ، لأن "الغرض الدلالة على الجنس ، والواحد في ذلك يعمل عمل الجمع ، فيُعْدَلُ إليه رغبةً في الاختصار "(3).
وفي إشارة إلى بعض الأصل جاء مميز العدد مجموعاً(4) ، فقيل : عندي عشرون دراهم ، ومنه قوله تعالى : { وقطَّعناهم اثنتي عشرةَ أسباطاً أمماً } (5) ، فلا يكون بذلك مميز العدد مستثنىً من تقدير حرف الجر لذا جزم ابن السراج والفارسي(6) بأن من تحسُنُ في مميز الأعداد إذا رددته إلى الجنس .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 2/172 ، 174 ، وشرح المفصل : 2/73 ، وشرح الكافية الشافية : 1/466 - 467 471 - 472 ، وارتشاف الضرب : 3/30 ، وتذكرة النحاة : 611 ، والمساعد : 2/61 .
(2) ينظر : كتاب سيبويه : 1/203 ، ومعاني القرآن وإعرابه : 1/141 ، 442 ، وشرح ملحة الإعراب : 114 واللباب : 1/297.
(3) المقتصد : 2/727. وينظر : شرح المفصل : 2/70 .
(4) ينظر : شرح ألفية ابن مالك : 287.
(5) الأعراف : 160.
(6) ينظر : الأصول في النحو : 1/308 ، والإيضاح : 182.(1/234)
المميز المحول عن الفاعل والمفعول والمبتدأ نحو : تفقأتُ شحماً ، وغرست الأرض شجراً وهو أشجع الناس رجلاً ، وأنت أوسع مني علماً ، الأصل : تفقأتُ من الشحم(1) وغرست الأرض من الشجر(2) ، وهو أشجع الناسِ من رجلٍ(3) ، وأنت أوسع مني في العلمِ(4) ، فنُزِع حرف الجر وحُذِفت أل وانتصب المميز .
مميز فاعل نعم وبئس ، نحو : نعم رجلاً زيدٌ ، والأصل فيه : نعم الرجلُ من رجلٍ زيدٌ وقد جاء على الأصل في قول الشاعر(5) :
فنِعْمَ المرءُ من رجلٍ تهامي ... تخيَّرَه فلم يعدِلْ سواه
لذا جوز الأشموني إدخال من على مميز فاعل نعم وبئس(6) .
ورأى المانعون من تقدير حرف الجر في مميز الأعداد والمحول ، رأوا في تقدير حرف الجر فيهما تكلُّفاً وعدمَ استقامةٍ في تأدية المميز معناه(7) ، يقول الرضي : " وقد تكلَّف بعضُهم تقديرَ من في جميع التمييز عن النسبة ، نحو : طاب زيدٌ داراً وعلماً ، وليس بوجهٍ "(8) .
ومن مظاهر هذا التكلف تقدير مصطفى جواد في في نحو : أنت أوسع مني علماً أي : في العلم(9). وفي ذلك إخراج المميز عن دلالته على التبيين .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 1/205 ، وشرح جمل الزجاجي لابن خروف : 2/999 ، وارتشاف الضرب : 2/377.
(2) ينظر : المساعد : 2/63 ، وشرح التصريح : 1/397 .
(3) ينظر : شرح الكافية : 2/109 .
(4) ينظر : دراسات في فلسفة النحو والصرف : 28 .
(5) البيت لأبي بكر بن الأسود المعروف بابن شعوب الليثي في : شرح المفصل : 7/133 ، وشرح التصريح : 1/399 والدرر : 5/211 ، وبلا نسبة في : المقرب : 104 ، وأوضح المسالك : 2/323 ، وشرح الأشموني : 2/200 وخزانة الأدب : 9/397.
(6) ينظر : شرح الأشموني : 2/199.
(7) ينظر : الأمالي النحوية : 4/29 ، وشرح الكافية : 2/106 .
(8) شرح الكافية : 2/106 .
(9) ينظر : دراسات في فلسفة النحو والصرف : 28 .(1/235)
والذي يبدو للباحث أن الأصل في المميز أن يكون مضافاً إضافةً بيانية سواء أكانت تلك الإضافة بإضافة اسم إلى اسمٍ نحو : مائة رجلٍ ، وخاتم ذهبٍ ، ورطل عسلٍ ، وقفيز برٍّ ، أم كانت بالإضافة الحاصلة بوساطة حرف الجر نحو : مائةٌ من الرجال ، خاتمٌ من الذهبِ ، ورطلٌ من عسلٍ وقفيزٌ من برٍّ ، والنصب في المميز صورة محولةٌ عن صورة الجر بحرف الجر ، فلما نزع حرف الجر انتصب الاسم ولا يستثنى من ذلك إلا بعض صور المميز المحول ، فلا تباشره مِنْ ، وإن كان على تقديرها لكونها الأصل في التبيين ، والعذرُ في عدم مباشرتها إياه أن هذا النوع من المميزات أشياء مزالة عن أصلها(1) وهو الفاعل أو المفعول أو المبتدأ المضاف ، فلم يمكن إدخال من عليها مراعاةً لأصلها(2) .
ووجه هذا الاختيار أن الجر بحرف الجر المفيد للتبيين نصٌ في التمييز(3)، والنصب محتمل له ولغيره أحياناً كاحتمال التمييز والحال في نحو : لله دره فارساً ، وحبذا زيد راكباً ، وكرم زيدٌ ضيفاً . فالمنصوب يحتمل أن يكون حالاً أو مميزاً فإذا دخلت عليه من كان نصًّا في التمييز ، فما كان نصًّا في بابه أولى أن يكون أصلاً .
ومما يحتمل أن يكون مميزاً أو مفعولاً به ، قولك : كم رجلاً قابلتَ ؟ وكم ضربتَ رجلاً ! فإذا أريد إزالة اللبس ، والتنصيص على التمييز جيء بمن . ومن ذلك قوله تعالى : { كم تركوا من جناتٍ وعيونٍ } (4).
__________
(1) ينظر : شرح المفصل : 2/74 ، والإيضاح في شرح المفصل : 1/357.
(2) ينظر : النكت الحسان : 102 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/327 - 328.
(3) ينظر : جامع البيان : 8/533 ، والأصول في النحو : 1/226 ، والتعليقة : 1/318 ، وشرح الكافية: 2/106 109، وارتشاف الضرب : 2/380 ، 3/30 ، والبحر المحيط : 3/523 ، وتذكرة النحاة : 464 ، وشرح شذور الذهب : 257 ، ومغني اللبيب : 732 ، وائتلاف النصرة : 97 ، وخزانة الأدب : 3/290 ، ومعاني النحو : 761 .
(4) الدخان : 25 .(1/236)
هـ - نزع حرف الجر وانتصاب الاسم على حدِّ : سَفِهَ نفسَه
يذهب أكثر النحويين(1) إلى أن المميِّز لا يكون إلا نكرة ، وأجاز الكوفيون مجيئه معرفة(2) وقد وردت مقولاتٌ ظاهرها مجيء المميز معرفاً بالإضافة ، ومنها(3) :
سَفِهَ زيدٌ نفسَه ، ورأيَه ، وحلمَه ، ومن ذلك قوله تعالى : { ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه } (4) وقول الشاعر(5) :
فاستجهلتْ حلماؤُها سفاؤُها ... هيهات قد سفهت أميةُ رأيَها
بطِرتَ عيشَك ، ومنه قوله تعالى : { وكم أهلكنا من قريةٍ بطِرَتْ معيشتَها } (6) .
__________
(1) ينظر : اللمع : 119 ، وشرح المقدمة المحسبة : 2/315 ، والمقتصد : 2/693 ، وتلقيح الألباب : 79 ، وكشف المشكل : 1/485، والمقرب : 230 ، وشرح عمدة الحافظ : 2/791 ، وشرح ألفية ابن مالك : 136 ، وشرح الكافية: 2/108، وتذكرة النحاة : 611 ، وشرح قطر الندى : 258،وهمع الهوامع: 2/269، والحدود النحوية : 115 .
(2) ينظر : معاني القرآن للفراء:1/79 ، 2/308، والغرة المخفية:1/279 ،والبحر المحيط :2/746،والمساعد : 2/65.
(3) ينظر : معاني القرآن للفراء : 1/79 ، ومعاني القرآن للأخفش : 1/337 ، والمخصص: 14/245 ، وشرح الكافية: 2/108 ، ولسان العرب : ( سفه ) ، وارتشاف الضرب : 2/384 ، وتاج العروس ( سفه ) ، ودراسات في فلسفة النحو والصرف : 24 .
(4) البقرة : 130.
(5) البيت للفرزدق في : شرح كتاب سيبويه : 2/225 ، والإفصاح : 76 ، والمباحث الخفية : 2/1389 ، ولسان العرب ( كفر ) . وليس في ديوانه 0
(6) القصص : 58 .(1/237)
أثمتَ قَلبَك ، ومنه قوله تعالى : { ومن يكتمها فإنه أثِمَ قلبَه } (1) في قراءةٍ .
ألمتَ بطنك .
رشدتَ أمرك .
غبنتَ رأيَك .
وثقتَ رأيَك .
وجعتَ بطنك .
وفِقتَ أمرَك .
اخْتانَ نفسَه(2) ، عدَّه ابن تيمية ( ت : 728هـ ) من هذا الباب ، وجعل منه قوله تعالى : { علم اللهُ أنكم كنتم تختانون أنفسكم } (3) .
واشتهر نحو : سفه نفسه حتى صار مرجعاً في تفسير ما يماثله ، يقول الفراء في قوله تعالى : { ومن يكتمها فإنه آثمٌ قلبُه } : " أجاز قوم ( قلبَه ) بالنصب ، فإن يكن حقًّا فهو من جهة قولك سفهت رأيك"(4).
فَحُقَّ أن نصطلح على هذا الضرب من القول بباب سفه نفسه ، لننظر كيف خرجه النحويون ؟
تخريج النحويين باب سفه نفسه :
وجد الكوفيون في هذه المقولات ما يقوي مذهبهم في مجيء المميز معرفة ، وزادوا للاستدلال على ذلك بمجيئه معرفاً بأل ، نحو قول الشاعر(5) :
رضيتَ وطِبْتَ النفسَ ياقيسُ عن عمرِو ... رأيتُك لمَّا أنْ عرفتَ جلادَنا
وقول الأخر(6) :
__________
(1) البقرة : 283 . وهي قراءة شاذة نسبها ابن عطية وأبو حيان إلى ابن أبي عبلة ، ونقل الفراء تجويزها عن قومٍ لم يعينهم ، ونقل النحاس تجويزها عن أبي حاتم وخطأه فيها . ينظر : معاني القرآن للفراء : 1/188 ، وإعراب القرآن : 1/350 ، والمحرر الوجيز : 2/380 ، وإعراب القراءات الشواذ : 1/294 ، والبحر المحيط : 2/746.
(2) ينظر : مجموع الفتاوى : 14/441 - 443.
(3) البقرة : 187 .
(4) معاني القرآن : 1/188.
(5) البيت لراشد بن شهاب اليشكري في المفضليات : 310 ، وشرح اختيارات المفضل : 3/1325 ، وشرح التصريح : 1/151 ، 394 ، والدرر : 1/249 ، وبلا نسبة في : شرح عمدة الحافظ : 1/153 ، 479، وارتشاف الضرب: 1/517 ، والجنى الداني : 198 ، وجواهر الأدب : 319 ، وتخليص الشواهد : 168 ، وشرح ابن عقيل : 1/186 .
(6) البيت بلا نسبة في شرح عمدة الحافظ : 1/479 ، والمساعد : 2/65 ، وهمع الهوامع : 2/269 ، والدرر : 4/38 .(1/238)
لظاها ولم تُستعملِ البيضُ والسُّمْرُ ... علامَ مُلِئْتَ الرعبَ ، والحربُ لم يقِدْ
ووافقهم على ذلك الطبري وابن الطراوة وابن تيمية(1) .
ومنع الأكثرون ذلك ، وخرجوا نحو : طبت النفسَ ، وملئت الرعبَ على زيادة أل(2) ، وتأولوا لبابِ سفه نفسه الذي هو موضع البحث أنواعاً من التأويل نجملها في الآتي :
1- أن يُعتَقَدَ تنكيرُ المضاف ، بأن يُنوى بالإضافة الانفصال(3) ، فيكون : سفه زيد نفسَه ، على تقدير: سفه نفساً له ونحو : بطر عيشَه ، على تقدير : عيشاً له ، ونحو : وجع بطنَك ، على تقدير : بطناً لك ، وهكذا الباقي .
2- أن يكون الفعل أو ما في معناه ، متضمناً معنى فعلٍ متعدٍّ(4) ، فيضمن سفه معنى جهِلَ ، أو ضيَّع أو امتهنَ ، أو أهلك(5) ، ويضمن بطر معنى خسر(6) ، ويضمن ألم بطنَه معنى شكا(7) ، وهكذا الباقي .
__________
(1) ينظر : جامع البيان : 3/90 ، 19/602 ، ومجموع الفتاوى : 14/441 – 442 ، 16/570 - 571، وارتشاف الضرب : 2/384 ، وهمع الهوامع : 2/269 ، والمذهب السلفي في النحو واللغة ( بحث ) : 54 - 55 .
(2) ينظر : شرح المقدمة المحسبة :2/315 ، والمقتصد: 2/693 ، وشرح الكافية: 2/108 ، وشرح قطر الندى:258.
(3) ينظر : المساعد : 2/65 ، وشفاء العليل : 2/558 ، وحاشية ياسين على الألفية : 2/329.
(4) ينظر : مجاز القرآن : 1/56 ، ومعاني القرآن وإعرابه : 1/211 ، والمسائل البغداديات : 577 .
(5) ينظر : مشكل إعراب القرآن : 1/111 ، والتبيان : 1/117 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/329 .
(6) ينظر : مشكل إعراب القرآن : 2/546 ، والتبيان : 2/1023 ، والبحر المحيط : 8/316 .
(7) ينظر : شرح الكافية : 2/108 .(1/239)
أن يكون الاسم منصوباً على نزع حرف الجر(1) ، فالأصل : سفه في نفسه(2) ، وبطر في عيشه(3) ورشد في أمره(4) ، وغبن في رأيه(5) ، ووجع في بطنه(6) ، فلما نزع حرف الجر وصَل الفعلُ فنصَب الاسمَ ، ووصف الزجاج هذا التوجيه في ( سفه نفسه ) بقوله : " وهو عندي مذهب صالحٌ "(7).
هذه التوجيهات الثلاثة تصدُقُ على الأمثلة المعروضة في هذا الباب ، ويضاف إليها قول الكوفيين بأن المنصوب مميز ، وثمة توجيهات أخرى تختص ببعض تلك الأمثلة منها :
أن يكون سفِهَ في نحو : سفِهَ نفسَه لغةً في سفَّه بقصد المبالغة فيتعدى تعدِّيَه ، فينصبُ الاسمَ مفعولاً به ، وهو قول يونس(8) .
أن يكون ( معيشتها ) في قوله تعالى : { بطرت معيشتها } (9) ظرفاً على حذف مضاف والتقدير : بطرت أيامَ معيشتها(10) .
3- أن يكون غبِنَ في نحو : غبن رأيَه متعدياً بنفسه ، تقول : غبن خمسين(11) .
__________
(1) ينظر : المخصص : 14/245 ، وشرح المقدمة المحسبة : 2/320 ، وشرح الكافية : 2/108 ، وارتشاف الضرب: 2/384 .
(2) ينظر : معاني القرآن للأخفش : 1/337 ، ومعاني القرآن وإعرابه : 1/210 ، وإعراب القرآن : 1/263 ، ومشكل إعراب القرآن : 1/111 ، والمخصص : 2/320 ، والإفصاح : 77 ، والبيان : 1/123 ،والتبيان : 1/117.
(3) ينظر : إعراب القرآن : 3/240 ، ومشكل إعراب القرآن : 2/546 ، والمخصص : 14/245 ، والبيان : 2/235
(4) ينظر : شرح الكافية : 2/108 ، وارتشاف الضرب : 2/284 .
(5) ينظر : معاني القرآن للأخفش : 1/337 .
(6) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/384 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/329 .
(7) معاني القرآن وإعرابه : 1/211 .
(8) ينظر : معاني القرآن للأخفش : 1/337 ، ومعاني القرآن وإعرابه : 1/209 ، والإفصاح : 77 .
(9) القصص : 58 .
(10) ينظر البحر المحيط : 8/316 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/330 .
(11) ينظر : معاني القرآن للأخفش : 1/338.(1/240)
والذي يترجح من التوجيهات : الصادقة على جميع أمثلة الباب قول الكوفيين من أن الاسم المنتصب مميِّزٌ ، والمميز منتصب على تقدير حرف الجر ( مِنْ ) لكنها لا تباشره هاهنا لكونه محولاً عن الفاعل والمحول عن الفاعل من جملة المميزات المزالة عن أصلها فلم يمكن إدخال من عليها مراعاةً لأصلها(1) والقول بالتمييز في تلك المقولات أيسر التوجيهات ، وأقلها تكلُّفاً ، وأدلها على المعنى المقصود من الكلام ، يقول الفراء : " العرب توقع سفه على نفسه ، وهي معرفة ، وكذلك قوله : { بطرت معيشتها } وهي من المعرفة كالنكرة ؛ لأنه مفسِّر ، والمفسِّر في أكثر الكلام نكرة ... وكذلك قولهم : قد وجعتَ بطنك ، ووثقت رأيك ... إنما الفعلُ للأمر ، فلما أسند الفعل إلى الرجل صلح النصب في ما عاد بذكره على التفسير ، ولذلك لا يجوز تقديمُه ، فلا يقال : رأيَه سفه زيدٌ "(2) ، ويقول ابن تيمية : " وهذا الذي قاله الكوفيون أصح في اللغة والمعنى ، فإن الإنسان هو السفيه نفسُه ، كما قال تعالى : { سيقول السفهاء من الناس } (3) { ولا تؤتوا السفهاء } (4) "(5) .
و – نزع حرف الجر وانتصاب الاسم على حد : أحقاًّ أنك ذاهبٌ
ثمة تراكيبُ يذكرها النحويون ، يجب فيها فتحُ همزة إن بعد ألفاظٍ سُمِعتْ منصوبةً ومنها قولك(6) :
أحقاً أنك ذاهبٌ ؟
أأكبرَ ظنيِ أنك ذاهبٌ ؟
أجهدَ رأيك أنك ذاهب ؟
غيرَ شك أنك ذاهب .
__________
(1) ينظر : الإيضاح في شرح المفصل : 1/357 ، والنكت الحسان : 102 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/327 .
(2) معاني القرآن : 1/79 .
(3) البقرة : 142 .
(4) النساء : 7 .
(5) مجموع الفتاوى : 14/442 .
(6) ينظر : كتاب سيبويه 3/134 – 137 ، وشرح الكافية: 4/364 – 365 ، وشرح التصريح : 1/338 – 339 وحاشية الخضري : 1/452 .(1/241)
يقول سيبويه : " سألت الخليل ، فقلت : ما منعهم أن يقولوا : أحقاًّ إنك ذاهب ؟ على القلب ، كأنك قلت : إنك ذاهب حقاًّ ... فقال : ليس هذا من موضع إنَّ ، لأنَّ إنَّ لا يبتدأ بها في كل موضعٍ ، ولو جاز هذا لجاز : يومَ الجمعة إنك ذاهبٌ ، تريد : إنك ذاهبٌ يومَ الجمعة ، ولقلت : لا محالة إنك ذاهبٌ تريد : إنك لا محالة ذاهبٌ ، فلما لم يجز ذلك حملوه على : أفي حقٍّ أنك ذاهبٌ ، وعلى : أفي أكبر ظني أنك ذاهبٌ ، وصارت أنَّ مبنية عليه كما يبنى الرحيل على غد إذا قلت : غداً الرحيلُ "(1) .
وقد ذهب أكثر النحويين(2) إلى أنَّ هذه الألفاظَ منصوبةٌ على الظرفية ، جاريةٌ مَجرى ظرف الزمان دون ظرف المكان وذلك لأنها يخبر بها عن المصادر ، ولا يخبر بها عن الجثث ، فلا يقال : أحقاًّ زيدٌ؟ ولا أكبرَ ظني زيد ؟ ونُسِبَ هذا القولُ إلى سيبويه .
وذهب المبرد - وتبعه ابن مالك(3) - إلى أن انتصابَ ( حقاًّ ) على المفعولية المطلقة والتقدير : أحقُّ حقاًّ ، أنيب المصدر عن الفعل ، وارتفاعَ أنَّ وما بعدها على الفاعلية ، وإلى هذا الرأي مال فاضل السامرائي(4) .
__________
(1) كتاب سيبويه : 3/135 .
(2) ينظر : التعليقة : 2/248 – 249 ، وشرح عيون كتاب سيبويه : 190 – 191 ، والبسيط : 2/945 ، وارتشاف الضرب : 2/225 ، وتخليص الشواهد : 352 ، وشرح التصريح : 1/338 – 339 .
(3) ينظر : الكامل : 2/1041 ، وشرح ألفية ابن مالك : 64 ، وارتشاف الضرب : 2/226 ، وتخليص الشواهد : 353 وشرح التصريح : 1/339 ، وحاشية الخضري : 1/452 .
(4) ينظر : معاني النحو : 2/617 .(1/242)
والملاحظ أن سيبويه لم يصرح بالظرفية في حديثه السابق ، إذ لا دلالة في ( حقًّا ) ونظائرها على الزمان ، وغاية ما فيه تشبيهُه هذا التركيب بقولك : غدًا الرحيلُ ، ويومَ الجمعة أنك ذاهبٌ ، ولا يكفي ذلك في صحة نسبة الظرفية إلى سيبويه إذ إنه شبهها أيضاً بنحو لا محالة أنك ذاهب ، فالمقصود إنما هو بيان بناء ( أنَّ ) على ما قبلها فتُفتَح همزتُها .
ولما لم يكن وجه الظرفية في ( حقا ) ظاهرًا قال أبو حيان : " ومما انتصب على تقديرِ أنه ظرف زمان قولُ العرب : أحقاً أنك قائمٌ ... وإن لم يكن ظرفَ زمان حقيقةً "(1) لذلك أطلق ابن هشام على الظرفية في ( حقًّا ) الظرفية المجازية(2) .
ووجَّه بعضُهم(3) الظرفية في ( حقًّا ) بتقدير مضاف هو الزمن أو الوقت فيكون التقدير : أفي زمن حقٍّ أنك ذاهبٌ ، ثم حذف المضاف ( زمن ) وأقيم المضاف إليه مقامه كما قيل : سِيرَ عليه مقدمَ الحاج أي : وقت مقدم الحاج .
وخيرٌ من هذا وذاك ما عليه ظاهر كلام سيبويه أن ( حقًّا ) ونظائرَها منصوبةٌ على نزع حرف الجر ، وهو صريح اختيار الرضي وأستاذي عبد الله بابعير(4) ، يقول الرضي في قول الشاعر(5) :
أجدَّكما لا تقضيانِ كَراكُما ... خليليَّ هُبَّا طالما قد رقدتُما
__________
(1) ارتشاف الضرب : 2/225 .
(2) ينظر : تخليص الشواهد : 352 .
(3) ينظر : النكت في تفسير كتاب سيبويه : 2/775 – 776 ، والبحر المحيط : 6/12.
(4) ينظر : شرح الكافية : 1/292 ، وظاهرة النيابة : 235 - 236.
(5) البيت لقس بن ساعدة ، أو لعيسى بن قدامة الأسدي في : الأغاني : 8/161 ، 163، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي : 2/875 ، وخزانة الأدب : 2/71 ، 76 ، ولأحدهما أو للحزين بن الحارث أو نصر بن غالب في خزانة الأدب : 2/77 ، وبلا نسبة في : شرح المفصل : 1/116 ، ولسان العرب ( جدد ) .(1/243)
" نصب أجدَّك ... بطرح الباء ، والمعنى : أبجدٍ منك ، كما قال الأصمعي ، ومثله قوله(1) :
تهدُّدُكم إيايَ وسْطَ المجالسِ ... أحقّْا بني أبناءِ سلمى بنِ جندلٍ
أي : أفي حقٍّ ، ومعنى حقًّا وجدًّا متقاربان "(2) .
ومن ثَمَّ جاء الأصل مستعملاً في شواهدَ ، منها قول الشاعر(3) :
بمالي ثُمَّ يظلمُني الرسيسُ ... أفي حقٍّ مواساتي أخاكمْ
وقول الآخر(4) :
وأنك لا خَلٌّ هواكِ ولا خمرُ ... أفي الحقِّ أني مغرَمٌ بك هائمٌ
وقد جاء القول بالظرفية من جهة تقديرها بفي الذي هو الأصل في الظرف ، فإذا نزع انتصب الاسم الدال على الزمان أو المكان كما تقدم ، وليس في ( حقًّا ) ونظائرِه دلالةٌ على الزمان لا بالأصالة ولا بالنيابة ، والقول بتقدير مضاف يفتقر إلى شرطه الأساسي وهو الدليل ، فلا يتم في هذه الألفاظ القول بالظرفية لمجرد أنها على تقدير في ، وإلا لكان المصدر المؤول في قوله تعالى : { وترغبون أن تنكحوهن } (5) ظرفاً لتقديره بفي في أحد القولين ، ولا قائل به .
__________
(1) البيت للأسود بن يعفر في : كتاب سيبويه : 3/135 ، والأغاني : 7/19 ، وتحصيل عين الذهب : 430 ، وخزانة الأدب : 1/385.
(2) شرح الكافية: 1/291 - 292.
(3) البيت لأبي زبيد الطائي في : شعراء إسلاميون : 636 ، والغريب المصنف : 1/247 ، والأغاني : 6/363 ولسان العرب ( سرس ) وخزانة الأدب : 10/302 ، وبلا نسبة في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي : 2/983 وارتشاف الضرب : 2/225 ، وجواهر الأدب : 353. ويروى السريسُ وهو العنِّين الذي لا يولد له .
(4) البيت لفائد بن المنذر في : شرح التصريح : 1/339 ، وبلا نسبة في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي : 2/983 3/1267 ، وأوضح المسالك : 2/204 ، وتخليص الشواهد : 177 ، ومغني اللبيب : 79 ، وخزانة الأدب : 10/296 .
(5) النساء : 127.(1/244)
ثم إن تقدير تلك الألفاظ بفي ليس لازماً ، بل يمكن تقدير مِنْ كما في : غيرَ شك أنك ذاهب ، أي : من غير شك على الأظهر(1) .
أما القول بنصب هذه الألفاظ على المفعول المطلق ، وأنه مصدر بدل من اللفظ بالفعل فيرد من أوجه :
أن التصريح بفي في الشواهد السابقة وعدم التصريح بالفعل دليلٌ على أن الأصل فيها الجر بالحرف(2) .
أن تقدير الفعل معها يفسد الكلام إذا التقدير : أحقُّ حقًّا ذهابك ، فيصير الكلام مبتدأ بلا خبر(3) .
أن المصدر لا يكون نائباً عن الفعل إلا إذا كان فيه معنى الأمر(4) ، نحو : قياماً لا قعوداً وليس في نحو : أحقًّا أنك ذاهبٌ هذا المعنى .
أن الإعراب على المفعول المطلق لا يطرد في جميع الألفاظ على فرض التسليم به في ( حقا ) بخلاف تقدير حرف الجر فيها .
ز- نزع حرف الجر وانتصاب وحدَه(5)
جاء هذا اللفظُ ( وحدَه ) في أكثر الاستعمال مفرداً منصوباً ، فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث ، ولا يجر في أكثر استعمالاته ، ولا يرفع مطلقاً فإن قصدت التثنية أو الجمع أو التأنيث من السياق ، فتكون للمضاف إليه ( الضمير ) ، فيقال : جاء زيدٌ وحده ، ورأيته وحده ، ومررت به وحده ، وجاءا وحدَهما ومررت بهما وحدهما ، وجاؤوا وحدَهم ، ومررت بهم وحدَهم . وسُمع مجروراً بالمضاف ، وبحرف الجر :
__________
(1) ينظر : ظاهرة النيابة : 236.
(2) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/226.
(3) ينظر : شرح عيون كتاب سيبويه : 191.
(4) ينظر : ظاهرة النيابة : 236.
(5) ينظر تفصيل القول في هذا اللفظ في : كتاب سيبويه : 1/373 ، 377 ، والمقتضب : 3/239 ، والأصول في النحو : 1/166، وشرح عيون الإعراب : 225 ، وشرح ملحة الإعراب : 103 ، وشرح المفصل : 2/63 والمباحث الخفية : 1/569 ، وارتشاف الضرب : 2/339 ،510 ، والبحر المحيط : 7/57 ، والمساعد : 2/341 وشرح الأشموني : 2/172 ، وهمع الهوامع : 2/232 ، وحاشية الصبان : 2/251 ، وظاهرة النيابة : 189 .(1/245)
فالمجرور بالمضاف مسموع في كلمات يقصد بها المدح أو الذم ، فيقال في المدح : فلانٌ قريعُ وحدِه ، ونسيجُ وحدِه ، ورجيل وحدِه ، ذكر الأخير ابن خالويه(1) ( ت : 370هـ ) والمقصود التفرد بالكمال .
ويقال في الذم : عُيَيْرُ وحدِه ، وجُحَيْشُ وحدِه ، ورُجَيْلُ وحدِهِ ، للمستبدِّ برأيه ، ذكر الأخير الرضي(2) .
والمجرور بحرف جر مسموع في كلمات فقد حكي : جلَس على وحدِه ، وجلَس على وحدَيْهما وجلسوا على وحدِيهم .
وقد اختلف النحويون في توجيه نصب ( وحدَه ) على أقوال أهمُّها :
أنه حال جامد معرفة مؤول بالمشتق المنكر ، والتقدير : منفرداً ، وأصله إما اسم موضوع موضع المصدر الواقع موقع الحال ، فوحده في موضع إيحاد ، وإيحاد في موضع موحد ، أي : منفرد ، وإما مصدرٌ واقعٌ موقع الحال ، وكونه مصدراً ، إما أنه لا فعل له ، وإما أن فعله أوحد على حذف الحرف الزائد ، وإما أن فعله وحد ، فقد حكى الأصمعي(3) : وحد الرجل يحد ، أي: انفرد .
أنه مفعول مطلق ، وهو قول الزجاج .
أنه منصوب على نزع حرف الجر ، وهو قول يونس ، يقول سيبويه : " وزعم يونسُ أن وحده بمنزلة عنده "(4) .
ولأجل قول سيبويه هذا نسب كثيرون(5) إلى يونس أن ( وحده ) ظرف ، وردوا عليه قوله هذا بأنه ليس بزمانٍ ولا مكان ، فلا ينبغي أن يجعل ظرفاً بقياس(6) .
__________
(1) ينظر : ليس في كلام العرب : 229 - 230.
(2) ينظر : شرح الكافية: 2/59.
(3) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور : 2/163 ، وشرح الكافية : 2/55 ، والمساعد : 2/341.
(4) كتاب سيبويه : 1/377.
(5) ينظر : شرح جمل الزجاجي لابن خروف : 2/807 ، والتبيان : 2/1116، وشرح المفصل : 2/63، وشرح الجمل لابن عصفور : 2/162، والمباحث الخفية : 1/569، وارتشاف الضرب : 2/340، وشرح الأشموني : 2/172.
(6) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور : 2/162.(1/246)
ويُلاحظ أن سيبويه لم يصرح بنسبة الظرفية في ( وحده ) إلى يونس ، وغاية ما في قوله السابق أنه جعله بمنزلة عنده ، أي في كونه على تقدير حرف الجر ، لا أنه ظرفٌ مثلُه ، ويؤيد ذلك قول سيبويه: " وجعَلَ يونسُ نصب وحده كأنك قلت : مررت برجل على حياله ، فطرحت على ، فمن ثمَّ قال : إنه مثل عنده "(1) .
وقد يُعتذر لمن أطلق الظرفية على ما ذهب إليه يونس بأنه أراد الجار والمجرور لا الظرف الذي هو اسم الزمان أو المكان المنتصب على تقدير في ، غير أن الرضي يلتمس معنىً للظرفية - فيه بُعدٌ- وهو أن ( وحده ) ضد ( معاً ) في قولك : جاؤوا معاً ، فجاء وحده أي : لا مع غيره(2) .
استحسن السهيلي تقدير يونس في ما لا يصلح تقديره بـ ( خصوصاً ) فقال في ما روي مرفوعاً : ( رحم اللهُ أبا ذرٍّ ، يمشي وحدَه ، ويموت وحده )(3) : " وأما الذي في الحديث فلا يتقدر هذا التقدير ، لأنه من المحال أن يموت خصوصاً ، وإنما معناه منفرداً بذاته أي : على حدته كما قال يونس فقول يونس صالحٌ في هذا الموطن ، وتقدير سيبويه له بالخصوص يصلح أن يحمل عليه في أكثر المواطن "(4).
والراجح من الأقوال في توجيه نصب وحده - في نظر الباحث - أنه منصوب على نزع حرف الجر ، ولا يمنع ذلك من التماس الحالية من السياق ، لأن متعلق الجار المحذوف هو الحال(5) في الغالب فالتقدير- إذن - في نحو :جاء زيد وحده: جاء زيد على وحدِه أي : على حياله ، وقولهم : تقديره منفرداً تفسير معنىً لا بيان أصل التركيب ، ويعزز هذا الرأي الأمور الآتية :
__________
(1) كتاب سيبويه : 1/378. وينظر : الأصول في النحو : 1/166.
(2) ينظر : شرح الكافية: 2/58.
(3) الحديث رواه الحاكم في المستدرك : 3/52-53 ، برقم : 4373 ، وصحح إسناده ، وقال الذهبي : فيه إرسال وذكره ابن حجر في الإصابة : 7/109.
(4) الروض الأنف : 7/361. وينظر : دراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق3/ج3/121.
(5) ينظر : شرح المفصل : 2/63، والمباحث الخفية : 1/569.(1/247)
أنه قد نُطق بالأصل ، وهو الجر بالحرف ، فقيل : جلس على وحده ، وجلسا على وحديهما وجلسوا على وحديهم ، كما تقدم .
أنه سمع : زيدٌ وحدَه ، ولا يصح أن يجعل حالاً ، لأنه لا يقال : زيدٌ جالساً ويصح أن يجعل منصوبًا على نزع حرف الجر ومتعلقُه محذوفٌ خبرُ المبتدأ ، كما يقال : زيدٌ عندك ، قال السيوطي : " وهذا المثال مسموعٌ وهو أقوى دليل على ظرفيته "(1) .
أن تقدير على والنطق بها في ما سمع يبعد إرادة الظرفية ، لأن الظرف في الأصل مقدر بفي لا بعلى ، ولما رأى الرضي مجيء على مع وحده قال : " وعلى بمعنى مع "(2) .
هذه هي مواضع انتصاب الاسم بعد نزع حرف الجر بقسميها ؛ المنتصبة على حد المفعول به وعلى غير حد المفعول به ، وثمة مواضعُ أخر يذكر في كتب النحو أن انتصابها على نزع حرف الجر ولا يرى الباحث أنها كذلك وفي ما يأتي بيانها .
مواضع يُرَدُّ فيها القولُ بالنصب على نزع حرف الجر
الحال
__________
(1) همع الهوامع : 2/232 مع التحفظ على إطلاق الظرفية عليه .
(2) شرح الكافية : 2/59 .(1/248)
يعرِّف النحويون الحال بأنه " ما دلَّ على هيئةٍ وصاحبها ، متضمناً ما فيه معنى في ، غير تابعٍ ولا عمدةٍ "(1)، وربما عبَّر بعضهم بأن الحال مقدرة بفي(2) ، أو منصوبة على معنى في(3) ، ولهذا شبِّهت الحال بالظرف ، وبخاصة الزمان ، لأنها تنتقل كانتقال الزمان وانقضائه(4) ، بل عدَّها بعضهم(5) أحد أقسام المفعول فيه التي هي : الزمان والمكان والحال .فهل تنتصب الحال على تقدير حرف الجر كما هو شأن الظرف ، فيكون من جملة المنصوبات على نزع حرف الجر ؟
__________
(1) التسهيل : 108 . وينظر : شرح التسهيل : 2/239 ، والمساعد : 2/5 ، وشفاء العليل : 2/1 .
(2) ينظر : إصلاح الخلل : 106 ، والفصول في العربية : 24 ، والمباحث الخفية : 1/553 .
(3) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور : 1/333.
(4) ينظر : المقتصد : 1/672 ، وشرح المفصل : 2/55 ، والبسيط : 1/510-511 ، والأشباه والنظائر : 4/55-56.
(5) ينظر : شرح عيون الإعراب : 140 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 2/464 .(1/249)
والجواب أن الحال من حيث الإعرابُ ليست على تقدير حرف الجر ، فالأصل فيها النصب والاستخدام جارٍ على هذا الأصل ، وقولهم : هي مضمنة معنى في أو على تقدير في ، أو نحو ذلك فهذا من التسمح في العبارة مبناه على بيان المعنى لا على تفسير أصل الإعراب فيها ، فإذا قلت : جاءني زيد راكباً وجدت الحال " عارياً من حرف الظرف ، ألا ترى أنك لا تقول : جاءني زيد في راكبٍ "(1) كما تقول : جاءني في يوم السبت ، وجلس في مكانه " وإنما أدخلوا حرف الظرف على لفظٍ متأولٍ "(2) فيقولون بياناً للمعنى لا لأصل الإعراب : جاءني زيد في حال الركوب ، فوصول العامل إلى الحال ، إنما هو على معنى الحرف ، لا على تقديره لفظاً بخلاف ظرف المكان(3) ، يقول الرضي : " وعمل الفعل أو شبهه أو معناه في الحال لا يحتاج إلى حرف الجر "(4).
ثم إن هذا القيد في حد الحال - أعني أنه على تقدير في أو على معنى في - غير مانعٍ من أن يدخُلَ فيه غيرُه(5) ، كالنعت ، فإذا قلت مررت برجلٍ راكبٍ ، كان المعنى : مررت برجلٍ في حال ركوبه كما أن قولك : جاء زيد ضاحكاً ، في معنى : جاء زيد في حال ضحكه ، لذلك احتيج إلى قيد ثانٍ وهو ( غير تابع ) فيكون العدول عن هذا القيد في حد الحال أولى لأمرين :
رفع إيهام تقدير الحال بفي لفظاً .
منع إدخال غير الحال فيه كالنعت .
كلمته فاه إلى في
__________
(1) المقتصد : 1/672.
(2) أمالي ابن الشجري : 1/168.
(3) * كذا والأظهر الذي يقتضيه السياق أن يكون الكلام : بخلاف ظرف الزمان ."$%& شرح الجمل لابن عصفور : 2/465.
(4) شرح الكافية : 4/265.
(5) ينظر : شرح ألفية ابن مالك : 124.(1/250)
يخرج النحويون نصب ( فاه ) في المثال المذكور على أوجهٍ من التخريج منها(1) :
أنه حال جامد معرفة مؤول بالمشتق المنكر ، والتقدير : متشافهَيْنِ في أحسن التقديرات ، وقيل: مشافهةً ، وهذا التخريج قول سيبويه والأكثرين.
أنه مفعول به للحال المحذوفة ، والتقدير : جاعلاً فاه إلى فيَّ ، وهو قولُ الكوفيين .
أنه منصوب على نزع حرف الجر ، والتقدير : من فيه إلى فيَّ ، وهو قول الأخفش .
وليس ما ذهب إليه الأخفش براجح ، لأمورٍ :
عدم الدليل على تقدير حرف الجر ، إذ لم يثبت الجر بالحرف في نحو ذلك ليُستدَلَّ به على أنه الأصلُ فيه ، وأن النصب ناشيءٌ عن نزعه .
فساد المعنى ، لأن الإنسان لا يتكلم من فيِّ غيره ، وإنما يتكلم من فيِّ نفسه ، وأجيب عن ذلك بأنه محمول على القلب ، وهو تكلُّف .
عدم الاطراد ، وذلك أنه إذا صدق هذا التقدير في : كلمني فاه إلى فيَّ فلا يصدق في نحو : كلمته فاه إلى في .
__________
(1) ينظر تفصيل القول فيها في : كتاب سيبويه : 1/391 ، والمقتضب : 3/236 ، وشواهد التوضيح والتصحيح: 193 وشرح الكافية : 2/57 ، وارتشاف الضرب : 2/335 ، ومغني اللبيب : 697 ، والمساعد : 2/8 ، وشرح التصريح: 1/370 ، وهمع الهوامع : 2/225 ، وظاهرة النيابة : 152 .(1/251)
والراجح مذهب سيبويه ، وذلك لأن بعض العرب قد نطق بما يدلُّ على - أن الأصل فيه الحال فقالوا : كلمته فوه إلى في ، أي : كلمته وهذه حالُه(1) ، يقول الرضي : " قولهم : جاؤوا قضَّهم بقضيضهم ... الأصل فيه أن يكون قضهم مبتدأ ، وبقضيضهم خبره مثل قولهم : كلمته فاه إلى في أي : فوه إلى فيَّ ، وهو هاهنا أظهر لأنهم استعملوه على الأصل فقالوا : كلمته فوه إلى فيَّ ، ثم انمحى عن الجملتين أعني قضهم بقضيضهم ، وفوه إلى في ، معنى الجملة والكلامِ لمَّا فُهم منها معنى المفرد ، لأن معنى فوه إلى فيَّ : صار مشافهاً ، ومعنى قضهم بقضيضهم : كافةً ، فلما قامت الجملة مقام المفرد وأدت مؤداه أعرب ما قَبِلَ الإعرابَ منها وهو الجزء الأول إعرابَ المفرد الذي قامت مقامه "(2) .
ج- المفعول معه
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 1/391.
(2) شرح الكافية : 2/57.(1/252)
يعرف النحويون المفعول معه(1) بأنه الاسم الفضلة التالي لواوٍ مسبوقةٍ بجملةٍ ذات فعلٍ أو ما يشبهه للبيان عن مصاحبة الفعل ومقارنته له ، ويمثلون له بنحو : سرت والنيل ، واستوى الماءُ والخشبةَ وجاء البردُ والطيالسةَ ، ويقدرونه تارةً بمع ، وتارةً بالباء ، فيقولون : التقدير : مع النيل ، ومع الخشبة ، أو بالخشبة ، ومع الطيالسة ، أو بالطيالسة ، ولأجل هذين التقديرين سماه سيبويه(2) مفعولاً معه ، ومفعولاً به . فعلامَ انتصب الاسم الذي بعد الواو ؟ أعلى نزع حرف الجر ، أم على نزع مع وإقامة الواو مُقامها لكونها بمعناها وظيفياً ، وانتقل الإعرابُ إلى الاسم الذي بعد الواو لعدم إمكانية ظهور الإعراب على الواو كما قيل ذلك في نيابة إلاَّ مناب غير(3) في قوله تعالى : { لو كان فيهما آلهةٌ إلا اللهُ لفسدتا } (4) ؟
بكلٍّ قال فريق ، أما الأول ، فأصرح ما وجدت فيه قولُ ابن السراج في باب المفعول معه : " وهذا الباب ، والباب الذي قبله ، أعني بابَي المفعول له ، والمفعول معه ، كان حقُّهما ألاَّ يفارقُهما حرفُ الجر ، ولكنه حُذِف فيهما "(5) ويقول الحيدرة في هذا المقام : " وهذا أصل مستمر في كل مجرورٍ سقط منه الجار ، فإنه ينصب ويتعدى إليه الفعلُ بنفسه "(6).
__________
(1) ينظر : تلقيح الألباب : 76 ، وكشف المشكل : 1/447 – 448 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 2/466 وشرح ألفية ابن مالك : 110 ، وشرح التصريح : 1/342.
(2) ينظر : كتاب سيبويه : 1/297 – 298 ، وارتشاف الضرب : 2/285 ، والأشباه والنظائر : 7/82 – 83 .
(3) ينظر : البيان : 2/159 ، والتبيان : 2/914 - 915 ، والجنى الداني : 156 ، وظاهرة النيابة : 486 - 487.
(4) الأنبياء : 22.
(5) الأصول في النحو : 1/212.
(6) كشف المشكل : 1/450.(1/253)
ويمكن أن يحمل على هذا الرأي قولُ الأخفش في قوله تعالى : { وآخرون اعترفوا بذنوبِهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر َسيئاً } (1) :" فيجوز في العربية أن تكون ( بآخر ) كما تقول : استوى الماءُ والخشبةَ ، أي : بالخشبةِ ، وخلطت الماءَ واللبنَ ، أي : باللبنِ "(2) .
وهذا التوجيه غير مخدوم عند النحويين - على حد علمي - وذلك أنه لم يبيَّن هل نابت الواو هنا عن الباء على حد نيابة حروف المعاني بعضِها عن بعض - على ما ذهب إليه جماعة - أو أنها عوضٌ منها ؟ ولِمَ لمْ يطرد تقدير الباء في كل موضعٍ يكون فيه الاسمُ مفعولاً معه ، نحو : سرتُ والنيلَ ، ولو تُرِكَتِ الناقةُ وفصيلَها لرضعها ، وما صنعت وأباك ، إذ لا يقدر في ذلك إلا مع(3) ؟
وأما المذهب الثاني القائل بأن الواو قامت مقام مع ، وانتقل الإعراب إلى الاسم بعدها فانتصب على الظرفية ، فحكاه جماعة عن الأخفش(4) وإليه ذهب ابنُ جني وابن بابشاذ ، والشنتريني ( ت : 549هـ) والحيدرة(5) ، ونسبه أبو حيان إلى معظم الكوفيين(6) ، وضعفه الزبيدي ، ووصفه بأنه دعوى لا دليل عليها(7) ، وذلك لأن الأصل عدم النيابة فضلاً أن يكون النائبُ اسماً والمنوبُ عنه حرفاً ، ثم إنه " لو كان الأمرُ كما قال هؤلاء لكان النصبُ في : كل رجلٍ وضيعتُه ، مطرداً ، وليس كذلك "(8).
__________
(1) التوبة : 102.
(2) معاني القرآن : 2/564 . وينظر : جامع البيان : 14/446 - 447.
(3) ينظر : كتاب سيبويه : 1/297 - 298 ، وشرح عيون الإعراب : 185.
(4) ينظر : الإنصاف : 1/228 ، والتبيين : 379 ، 381 ، وشرح المفصل : 2/49 ، 8 ، 9، والمباحث الخفية : 1/587 ، والجني الداني : 156 ، وائتلاف النصرة : 36 ، وشرح التصريح : 1/344 .
(5) ينظر : اللمع : 115 ، وشرح المقدمة المحسبة : 2/309 ، وتلقيح الألباب : 76 ، وكشف المشكل : 1/447 .
(6) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/285 ، وحاشية الصبان : 2/136 .
(7) ينظر : ائتلاف النصرة : 36 .
(8) حاشية الصبان : 2/136.(1/254)
فيلاحظ أن كلا التقديرين لا يطرد ، لذلك يبطل ادِّعاء أن الأصل في المفعول معه الجرُّ بحرف الجر وأن النصب حصل بعد نزع الجار ، أو أن الأصل أن يكون المفعولُ معه مضافاً إليه الظرفُ مع فلما حذف أقيمت الواو مقامها وانتقل الإعراب إلى ما بعدها ، أما تقدير النحويين المفعول معه تارة بمع وتارة بالباء فهو لتفسير المعنى ، لا لبيان أصل التركيب ، فالنصبُ في المفعول معه أصلٌ غير محوَّل عن غيره لذلك كان أبو حيان مدقِّقاً في حده المفعول معه حين قال : " هو الاسم التالي واواً يجعله بنفسها في المعنى كمجرور مع "(1) ، فقوله : يجعله بنفسها أي ليس بالنيابة عن مع ، وقوله : في المعنى أي : ليس في أصل التركيب .
د- خبر ما في نحو : { ما هذا بشرا } (2)
حكى سيبويه أنَّ أهل الحجاز يُجْرُون ما مُجرى ليس بشرطها(3) ، فتقول : ما عبدُ اللهِ أخاك ، وما زيد منطلقاً ، ومن ذلك قوله تعالى : { ما هذا بشرًا } وقوله تعالى : { ما هُنَّ أمهاتِهم } (4) ، ووصَف الزجاج هذه اللغةَ بأنها اللغةُ القدمى الجيدة(5) . وإنما وصفها بأنها القدمى ، لأن الكثير في لغة الحجاز إنما هو جر الخبر بالباء ، فتقول : ما زيد بقائمٍ ، وبهذه اللغة جاء القرآن كثيراً(6) ، لذا قال الفراء : "لا يكاد أهل الحجاز ينطقون إلا بالباء "(7) .
فهاتان لغتان لأهل الحجاز ؛ اللغة القديمة وهي لغة نصب خبر ما وهي الأقلُّ استعمالاً " حتى إن النحويين لم يجدوا شاهداً على نصب الخبر في أشعار الحجازيين غير قول الشاعر(8) :
__________
(1) ارتشاف الضرب : 2/285.
(2) يوسف : 31.
(3) ينظر : كتاب سيبويه : 1/57 – 59 .
(4) المجادلة : 2.
(5) معاني القرآن وإعرابه : 3/108. وينظر : الكشاف : 3/74.
(6) ينظر : البحر المحيط : 6/271.
(7) معاني القرآن: 2/42.
(8) البيتان بلا نسبة في: شرح ابن عقيل : 1/263 ، والأشباه والنظائر : 3/123 ، وحاشية الخضري : 1/263.(1/255)
تصِلُ الجيوش إليكم أقوادَها ... وأنا النذيرُ بحرَّةٍ مسودَّةٍ
حَنِقُو الصدورَ وما هم أولادَها "(1). ... أبناؤها متكنفون أباهم
واللغة الثانية الحجازية لغة جر الخبر بالباء وهي الأكثر استعمالاً
وحكى سيبويه أن بني تميم يجرونها مُجرى هل ، أي لا يعملونها في شيء(2) وحكاها الكسائي والفراء لغة لأهل نجد وتهامة(3) ، فتقول : ما زيد قائمٌ .
والذي يعنيني الوقوف عنده في هذا التركيب بيان وجه النصب في نحو : ما زيدٌ قائماً على اللغة الحجازية القدمى ، وهل الأصل فيه الجر بالحرف فلما نزع انتصب الاسم ؟
هذه المسألة من مسائل الخلاف الشهيرة بين البصريين والكوفيين(4) .
ذهب البصريون(5) إلى أن ما هي العاملة في الخبر النصب بشروطٍ ثلاثةٍ على خلافٍ في بعضها :
ألاَّ يزادَ بعدها إنْ .
ألاَّ ينتقضَ نفيُ خبرها بإلاَّ .
ألا يتقدمَ خبرُها على اسمها .
وذهب الكوفيون(6) إلى أن ما لا تعمل ، وأن النصب أثر نزع حرف الجر ، يقول الفراء في قوله تعالى: { ما هذا بشرا } (7) : " نصبت ( بشرا ً) لأن الباء قد استعملت فيه ... فلما حذفوها أحبوا أن يكون لها أثرٌ في ما خرجت منه ، فنصبوا على ذلك "(8) .
وحجج الفريقين مبسوطة في كتب الخلاف النحوي ، والراجح في نظر الباحث مذهب البصريين لما يأتي :
__________
(1) البحر المحيط : 6/271.
(2) ينظر : كتاب سيبويه : 1/57 ، ومعاني القرآن وإعرابه : 3/108.
(3) ينظر : معاني القرآن : 2/42 ، 3/ 139 ، وإعراب القرآن : 2/328.
(4) ينظر : الإنصاف : 1/155- 161 ، والتبيين : 334 – 336 ، وائتلاف النصرة : 165 .
(5) ينظر : كتاب سيبويه : 1/57 ، والمقتضب : 4/188 ، والأصول في النحو : 1/60 ، وشرح المفصل : 1/108.
(6) ينظر : معاني القرآن للفراء : 2/42 ، 3/139 ، وإعراب القرآن : 2/327 ، 4/372 ، واللباب : 1/175 .
(7) يوسف : 31.
(8) معاني القرآن : 2/42 . وينظر : 3/139.(1/256)
أن نزع حرف الجر لا يوجب النصب لذات النزع(1) ، وإنما ينتصب الاسم بعد نزع حرف الجر إذا كان ثمة ما يقتضي نصبَه على جهة الفضلية من فعلٍ أو ما يشبهه ، فإذا وجد حرف الجر كان العمل له لقربه ، فإذا نزع عاد العمل للفعل أو ما يشبهه ، ولو كان نزع حرف الجر يوجب النصب لكان ذلك مطرداً في كل موضعٍ ولا خلاف أن كثيراً من الأسماء ينزع منها حرف الجر ، ولا تنتصب بنزعه نحو قوله تعالى : { وكفى بالله ولياً وكفي بالله نصيراً } (2) فلو نزع حرف الجر لكان : وكفى اللهُ ولياً وكفى اللهُ نصيراً ، وكذلك قولك : بحسبك درهمٌ ، وما جاءني من أحدٍ ، فلو نزعت حرف الجر لقلت : حسبك زيد ، وما جاءني أحدٌ ، فدلَّ ذلك على أن نزع حرف الجر لا يوجب النصب وإنما النصب للفعل أو ما يشبهه .
أن الأصل في الكلام ( البنية العميقة ) عدم الباء(3) ، فالأصل : زيد قائمٌ وليس الأصل : زيد بقائمٍ ، فلما قصد نفيُ الخبر مجرداً من التوكيد ، قيل : ما زيدٌ قائماً ، فجيء بما لأداء معنى النفي حسبُ ، فإذا لم تثبُتْ في الأصل لم يحكم بأنها محذوفة ، فلما قصد توكيد النفي ، قيل : ما زيد بقائمٍ فتكون معاني الجمل بحسب تسلسلها من البنية العميقة حتى البنية السطحية مرتبة على النحو الآتي :
قيام زيد ، وتمثله جملة : زيدٌ قائمٌ .
نفي قيام زيد ، وتمثله جملة: ما زيدٌ قائماً .
توكيد نفي قيام زيد ، وتمثله جملة : ما زيدٌ بقائمٍ .
وقد أوجز العكبري ذلك في قوله :" النصب هنا قبل الجر "(4) .
__________
(1) ينظر : أسرار العربية : 139 ، والإنصاف : 1/157 ، واللباب : 1/175 ، وشرح الكافية : 2/223 ، والبسيط : 1/477 ، 2/930 ، والمسائل السفرية : 21 .
(2) النساء :45.
(3) ينظر : التبيين : 325 ، وشرح الكافية : 2/223.
(4) التبيين : 325.(1/257)
تناقض قول الكوفيين ، وذلك أن الفراء أجاز أن يقال : ما بمنطلقٍ زيدٌ(1) وأنشد قول الشاعر(2) :
وما بالحُرِّ أنتَ ولا العتيقِ ... أما واللهِ أنْ لو كنتَ حُرًّا
ومنع أن يقال : ما منطلقاً زيدٌ ، بل أوجب الرفع . فلو كان النصب بنزع حرف الجر لكان الاسم منصوباً تقدم أو تأخر ، فلما كان العمل لِمَا على ما ذهب إليه البصريون عملت في حال توفر شرطها وهو الترتيب ، وأُهمِلتْ لتخلفه .
لهذا وذاك وصف ابن يعيش قول الكوفيين في خبر ما بأنه غير مرضي(3) ووصفه الرضي بأنه ليس بشيء(4) .
حكم نزع حرف الجر وبقاء الاسم مجروراً
اضطربت أقوال النحويين في الحكم على نزع حرف الجر وبقاء الاسم مجروراً ، فقيل(5) : لا يجوز إلا في ضرورة شعرٍ أو نادر كلام ، وقيل(6) : هو جائز بإجماع إذا دلَّ عليه دليلٌ ، وليس بموضع ضرورة .
__________
(1) ينظر : معاني القرآن : 2/43 - 44، وإعراب القرآن : 2/327 - 328.
(2) البيت أنشدته امرأة من غنيٍّ للفراء . ينظر : معاني القرآن : 2/44 ، وهو بلا نسبة في : الإنصاف : 1/185 ورصف المباني : 116 ، والجني الداني : 222 ، وجواهر الأدب : 197 ، ومغني اللبيب : 50 ، وهمع الهوامع : 2/398 ، وخزانة الأدب : 4/31 ، 136 ، والدرر : 4/96 ، 219.
(3) ينظر : شرح المفصل : 1/108.
(4) ينظر : شرح الكافية: 2/223.
(5) ينظر : معاني القرآن للفراء : 1/196 ، وشرح المفصل : 8/49 ، والمقرب : 270 – 271 ، وهمع الهوامع : 2/382 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/369.
(6) ينظر : التبيان : 1/424 ، وشرح الكافية الشافية : 3/1241 ، ورصف المباني : 253 - 254.(1/258)
ووُصِفَ ما ورد منه بأنه(1) : شاذٌّ ، قبيح ، ضعيف ، مخالف للقياس ، وفي مقابل ذلك وُصِفَ بأنه(2) قد كثر عنهم ، واطرد في مواضع كثيرة ، وله وجه من القياس .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 2/163 ، والإفصاح : 303 ، وسر صناعة الإعراب : 1/132، وأمالي ابن الشجري : 2/89 ، 355 ، والأمالي النحوية : 4/35، والإيضاح في شرح المفصل : 1/401 ، والبسيط : 2/932 ، والنكت الحسان : 117 ، والأشباه والنظائر : 2/264 ، وهمع الهوامع : 2/382 ، وحاشية الصبان : 1/58.
(2) ينظر : التبيان : 1/424 ، وشرح المفصل : 3/27 ، 78 ، وشرح الكافية: 4/305 ، وشرح ألفية ابن مالك : 146 ، وشرح ابن عقيل : 1/537 ، والمساعد : 2/299، والبهجة المرضية : 1/379 ، وهمع الهوامع : 2/385.(1/259)
والمختار أن الأصل بقاء حرف الجر ، وأنه لا يجوز نزعه اختياراً إلا إذا قوِيتِ الدلالةُ عليه كاشتهار الموضع بحرف الجر ، ووجد داعٍ من دواعي نزعه كاستفاضة الاستعمال ، وأريد بذلك تحقيق غرض من أغراض نزع الخافض كالاستخفاف ، فإذا ما تحقق الدليل وثبت السبب لتحقيق غرضٍ من أغراض نزع الخافض ساغ نزع حرف الجر وبقاء عمله في الاسم بعده . هذا ابن جني يحمل قراءة حمزة { واتقوا اللهَ الذي تساءلون به والأرحامِ } (1) على تقدير حرف جر محذوف ، أي : وبالأرحامِ ، ويرى " أن المحذوف إذا دلَّت الدلالة عليه كان في حكم الملفوظ به ، إلا أن يعترض هناك من صناعة اللفظ ما يمنع منه "(2) ويبيِّنُ ابن الشجري بعض مسوغات نزع حرف الجر وبقاء عمله في قوله : " وإنما استجازوا إضمارمن بعد كم ؛ لأنه قد عُرِف موضعُها وكثر استعمالُها فيه "(3) ويقرر السيوطي ذلك في نزع اللام في : لا أبا لك بقوله: " والذي شجعهم على حذفها شهرةُ مكانها وأنه صار معلَماً لاستفاضة استعمالها فيه ، وهو نوعٌ من دلالة الحال التي لسانها أنطق من لسان المقال "(4) .
وثمة مواضع اطرد فيها نزع حرف الجر مع بقاء عمله ،انعقد لأجل الإبانة عنها هذا المبحث .
مواضع نزع حرف الجر وإبقاء عمله قياساً
أ- نزع حرف الجر من المقسم به
__________
(1) النساء : 1 ، قرأ حمزة بخفض الأرحام وقرأ باقي العشرة بالنصب وقرئ في الشواذ بالرفع ينظر : الحجة لابن خالويه : 118 ، والمحتسب : 1/278 ، وحجة القراءات : 188 ، والتبصرة : 472 ، والبحر المحيط : 3/497 والنشر : 2/247 ، وإتحاف فضلاء البشر : 1/501 - 502.
(2) الخصائص : 1/285. وينظر : شرح المفصل : 8/52 ، والأشباه والنظائر : 2/324 - 325.
(3) أمالي ابن الشجري : 2/132.
(4) الأشباه والنظائر : 4/205.(1/260)
يلحقُ أسلوبَ القسم في العربية ضروبٌ من التخفيف ، لكثرة استعماله في كلامهم(1) ، فإن كان جملةً فعليةً نحو : أحلف بالله لأجتهدنَّ ، تخففوا منه تارة بحذف الفعل ، فيقال بالله لأجتهدنَّ ، وتارة بحذف المقسم به مع حرف القسم ، فيقال : أحلف لأجتهدنَّ ، وقد يحذف حرف القسم مع فعل القسم ، ويبقى المقسم به ويأتي ذلك على وجهين(2):
الوجه الأول : أن ينصب المقسم به ، فيقال : اللهَ لأجتهدنَّ ، وهو الأجودُ ، والأصلُ المعروفُ والطريقُ المسلوكُ(3) . وللنحويين في نصب الاسم المقسم به تقديران(4) :
أولهما : أن ينصب على نزع حرف الجر فيصل فعل القسم إليه على قاعدة الحذف والإيصال ،وذلك أنهم إذا عدُّوا فعلا قاصرا إلى اسمٍ رفدوه بحرف الجر تقويةً له ، فإذا حذفوا ذلك الحرف ... فإنهم يوصلون ذلك الفعل إلى الاسم بنفسه كالأفعال المتعدية فينصبونه به "(5) فالتقدير : أحلف اللهَ أي :بالله.
ثانيهما : أن يُنصبَ بفعل محذوف يصل إليه بنفسه ، والتقدير : ألزم نفسي يمينَ اللهِ ثم يحذف المضاف ( يمين ) ويقام المضاف إليه مقامه.
وأوّل التقديرين أرجح لأمرين :
أنه الجاري على الأصل في أسلوب القسم ، أما التقدير الثاني فقائمٌ على تضمين الفعل أُلزم معنى فعل القسم(6). والجاري على الأصل أولى من المضمَّن .
__________
(1) ينظر شرح المفصل : 9/91-94 ، والإيضاح شرح المفصل : 2/323-324 .
(2) ينظر : كتاب سيبويه : 3/497، والمقتضب 2/321 ، 324 ، 336 ، والأصول في النحو : 1/432،والمحلى : 82 واللمع : 242، والمقتصد : 2/867، وإصلاح الخلل : 190 ، وكشف المشكل : 1/585 ، وشرح المفصل : 9/105 وشرح الكافية: 4/311 ، المباحث الخفية : 1/421 .
(3) ينظر : كشف المشكل : 1/585 ، والمباحث الخفية : 1/423 .
(4) ينظر : الجمل : 72 ، وارتشاف الضرب 2/476 ، والمساعد : 2/306 ، وهمع الهوامع : 2/391 .
(5) شرح المفصل : 9/103 .
(6) ينظر : خزانة الأدب : 10/49 .(1/261)
أنه أقل تقديراً من الثاني . ومهما أمكن تقليل المقدر فهو أولى .
وهذا الضرب – أعني نصب المقسم به بعد نزع حرف الجر – مطَّردٌ في كل مقسم به(1) فنقول : اللهَ لأجتهدنّ ، و: العزيزَ لأُحسنَنَّ ، و : الحكيمَ لأَبلُغَنَّ أملي ، قال أبو عبيد ( ت : 224هـ ): " كلُّ شيء من أسماء الله حلفتَ به بغير واوٍ فهو نصبٌ "(2) من ذلك قراءة النصب في قوله تعالى : { قال فالحقَّ والحقَّ أقولُ } (3) ، ( الحقَّ ) الأول مقسم به منصوب على نزع حرف الجر في أحد أوجه التخريج(4) ومن ذلك أيضاً قوله تعالى : { وقيلَه يارب } (5) في قراءة نصب ( قيله ) على حذف حرف القسم وانتصاب الاسم(6)، ومنه قولهم(7) : أمانةَ الله ، ويمينَ الله بالنصب فيهما ، والتقدير : بأمانةِ ، وبيمينِ اللهِ قال الشاعر(8)
__________
(1) ينظر : شرح الكافية الشافية : 2/861 ، والبسيط : 2/931 .
(2) الغريب المصنف : 2 / 696 .
(3) ص : 84 . قرأ عاصم وحمزة وخلف برفع الأول ونصب الثاني ، وقرأ باقي العشرة بنصبهما وهي قراءة الجمهور وقرئ في الشواذ برفعهما ، والشاهد في هذه الآية على قراءة الجمهور . ينظر معاني القرآن للفراء : 2/412 ،وإعراب القرآن : 3/473 ، والتبصرة : 657 ،والبحر المحيط : 9/175، والنشر : 2/362 ،وإتحاف فضلاء البشر : 2/425.
(4) ينظر : تأويل مشكل القرآن : 2/629 ، وإعراب القرآن : 3/474 ، والبسيط 2/932 ، والبحر المحيط : 9/176 ودراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق3/ج3/317 .
(5) الزخرف : 88 . قرأ عاصم وحمزة بخفض ( قيله ) وقرأ باقي العشرة بنصبه ، وقرئ في الشواذ برفعه . ينظر : المحتسب : 2/306-307 ، والتبصرة : 672 ، والبحر المحيط : 9/392 ، والنشر : 2/460-461 .
(6) ينظر : البسيط : 2/932-933 .
(7) ينظر : المقتضب : 2/327 ، والإفصاح : 235 ، وشرح جمل الزجاجي لابن خروف : 1/509 ، والغرة المخفية: 1/198 ، وشرح المفصل : 9/92 ، 103 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/543 ، وخزانة الأدب : 10/48 .
(8) البيت بلا نسبة في كتاب سيبويه : 3/61 ، 498 ، والمحلى : 82 ، وتحصيل عين الذهب : 403 ، وشرح المفصل : 9/92 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/543 ، وشرح الكافية الشافية : 2/861 ، ويقال هو مما وضعه النحويون. ينظر : كتاب سيبويه : 3/61 ، وتحصيل عين الذهب : 403 .(1/262)
:
فذاك أمانةَ اللهِ الثريدُ ... إذا ما الخبزُ تأدمُه بلحمٍ
وقال الآخر(1) :
ولو قطَّعوا رأسي لديكِ وأوصالي ... فقلتُ : يمينَ اللهِ أبرحُ قاعداً
الوجه الثاني : أن يبقى المقسم به مجروراً ، فيقال : اللهِ لأجتهدنَّ . وهو موضع البحث هاهنا وثمة أسئلةٌ متعددة ، سأوجز – ما استطعت - الإجابةَ عنها بما يقتضيه المقام ، وهي :
ما الذي يُنزع من أحرف القسم ألباء هو أم الواو ؟
وما هي الأعواض من حرف القسم المحذوف ؟
وبم يكون الجر أبالعِوَض أم بالمعوَّضِ منه المحذوف ؟
وما حكم بقاء المقسم به مجروراً بغير عوض ؟ وهل يختص ذلك بلفظ الجلالة ، أو يشمل كلَّ مقسم به ؟
ما الذي ينزع من أحرف القسم ؟
يذكر النحويون أن للقسم خمسةَ أحرفٍ هي : الباء ، والواو ، والتاء ، واللام ، ومُنْ ، وقد سماها
سيبويه حروف الإضافة إلى المحلوف به(2). ولكلٍّ خصائصُ تُذكر في مظانها(3).
__________
(1) البيت لامرئ القيس في ديوانه : 32 ، وكتاب سيبويه : 3/504 ، والخصائص : 2/284 ،وشرح المفصل : 7/110 وخزانة الأدب : 10/48 ، والدرر : 4/212 . وبلا نسبة في المقتضب : 2/362 ، ومغني اللبيب :834 .
(2) ينظر : كتاب سيبويه :3/496 .
(3) ينظر : كتاب سيبويه : 3/496، والمقتضب : 2/318 ، وإعراب القرآن : 5/187 ، وشرح ملحة الإعراب: 67 والتوطئة : 256 ، وشرح الكافية الشافية : 2/864 ، والمباحث الخفية : 1/421 .(1/263)
وقد نصَّ الأكثرون(1)على أن الباء أصلٌ لأحرف القسم ، والواو عوضٌ منها ، والتاء عوض من الواو حتى قال ابن أبي الربيع : " لا أعلم في هذا خلافاً أن الأصل الباء وأن الواو بدلٌ من الباء إلا السهيلي فإنه رد على جميع النحويين ، وقال : ليست الواو بدلاً من الباء "(2) ولكنها عنده واو العطف.
ورد أبو حيان قول السهيلي(3) بأنها لو كان أصلها العطف لم يدخل عليها واو العطف كما في قول الشاعر(4):
وواللهِ ما دهري بعشقٍ ولا سقمْ ... أرقتُ ولم تخدعْ لعينِيَ هجعةٌ
ومع ذلك لم يذهب أبو حيان مذهب الأكثرين ، بل ذهب إلى أنْ ليس شيءٌ منها أصلٌ لآخر(5)، ولعلَّ هذا ظاهر قول سيبويه ، يقول : " وللقسم والمقسم به أدواتٌ في حروف الجر ، وأكثرها الواو ، ثم الباء ، يدخلان على كل محلوف ، ثم التاء ، ولا تدخل إلا في واحدٍ "(6).
وذكر الإربلِّي ( ت : بعد 745هـ ) قولاً آخر عن بعض النحويين ، وهو أن الواو أصل الباء(7).
فإذا كانت الواو – في قول الأكثرين – عوضاً من الباء ، والتاء عوضاً من الواو فكيف تعد – في قولهم – الواوُ والتاءُ من أحرف القسم بلْهَ حروف الجر ؟
__________
(1) ينظر : المقتضب : 2/319 ،320 ، والجمل : 72 ، والإيضاح : 202 ، ومعاني الحروف: 41 ، وسر صناعة الإعراب : 2/639 ، وكشف المشكل : 1/583 ، وشرح الكافية : 4/311 ، وفتح الله : 59 .
(2) البسيط : 2/925 . وينظر : أمالي السهيلي : 44 .
(3) ينظر : ارتشاف الضرب 2/481 .
(4) البيت لراشد بن شهاب اليشكري في : المفضليات : 308 ، وشرح اختيارات المفضل : 3/1318 ، وبلا نسبة في : ارتشاف الضرب 2/481 ، وهمع الهوامع : 2/394 ، والدرر 4/215.
(5) ينظر : البحر المحيط : 7/444 .
(6) كتاب سيبويه : 3/496 .
(7) ينظر : جواهر الأدب : 165 .(1/264)
والمختار أن حرف الجر الوحيد المفيد للقسم هو الباء ، فإذا نزع عُوِّض منه الواو ، أما التاء فهي بدل من الواو وليست بعوض(1) :
بمشمخرٍّ به الظيَّانُ والآسُ ... للهِ يبقى على الأيام ذو حيدٍ
وقولهم(2) : مِنْ ربي لأفعلن ، ومُنْ ربي إنك لأشِرٌ ، فلغةٌ لبعض العرب قليلة نادرة " والقلَّةُ أختُ العدم "(3).
ويؤيد أصالةَ الباء في القسم الأمورُ الآتية :
__________
(1) * ينظر للفرق بين العوض والبدل : ظاهرة النيابة : 111-113 ، وظاهرة التعويض : 5-9 ، وينظر وجه إبدال التاء من الواو : معاني القرآن للفراء : 2/51 ، وجامع البيان 16/180 ، ومعاني الحروف : 41 – 42 ، واللباب : 1/375 . .
وأما اللام ومن كما في قول الشاعر$%& البيت لأمية بن أبي عائد الهذلي في : كتاب سيبويه : 3/497 ، وتحصيل عين الذهب : 508 ، وشرح المفصل : 9/99 ، ولأبي ذؤيب الهذلي في : شرح أشعار الهذليين : 1/227 ، ولسان العرب ( ظين ) وتاج العروس ( ظين ) ولمالك بن خالد الخناعي في : شرح أشعار الهذليين : 1/439 ، لكنه في الموضعين منه مرويٌّ بلفظ : يا ميَّ لن يعجز الأيامَ ذو حيدٍ ( ذو خدم ) ، ولا شاهد فيه على هاتين الروايتين ، ولعبد مناة الهذلي في : شرح المفصل : 9/98 ينظر الخلاف في نسبة هذا البيت في : خزانة الأدب : 10/104 ، والدرر : 4/162 . والبيت بلا نسبة في : المقتضب:2/324 ، والمباحث الخفية : 1/429 ، ورصف المباني :118،والجنى الداني :98 ، ومغني اللبيب :283 .
(2) ينظر : كتاب سيبويه : 3/497 ، 499 ، والمقتضب : 2/331 .
(3) حاشية الشهاب : 1/65 .(1/265)
أنه الحر ف الوحيد الذي يتعدى به فعلُ القسم ظاهراً ومقدَّراً(1)، بخلاف الواو ، فإنها لا تأتي إلا حيث يكون فعل القسم محذوفاً ، فيقال : أقسم بالله ولا يقال : أقسم والله ، فإذا أريدت الواو قيل : واللهِ من غير أن يذكر فعل القسم ، فهذا دليلٌ على قوة الباء وأصالته في القسم .
أنه الحرف الوحيد الذي يجُرُّ الظاهرَ والمضمرَ(2)، بخلاف الواو والتاء ، فلا يدخلان إلا على الظاهر ، وتختص التاء بلفظ الجلالة " فيدلُّكَ هذا على أن الأصل باء الجر ، لأن مَنْ يقول : واللهِ ، إذا أضمر قال : به لأفعلن ، فجرى هذا مجرى الأشياء التي ترد الضمير إلى أصله "(3).
أنه الحرف الوحيد الذي يستعمل في السؤال الذي فيه معنى القسم(4) ، فيقال : نشدتك بالله ، ولا يقال : نشدتك والله ، ونحو : بالله إلا فعلت .
أن الواو والتاء لا يعملان الجر في غير أسلوب القسم(5) ، فدعوى الجر بهما في القسم مفتقرةٌ إلى الاطراد .
أن الأصل في الواو ألا تعمل للاشتراك(6) ، والتاء إنما هي بدل منها ، فلإن لا يعمل الفرعُ أولى .
أن للباء نظيراً – وهو رُبَّ – في كونه حرفَ جرٍّ والواو عوضاً منه لا حرف عطف على ما ذهب إليه أستاذي عبدالله بابعير(7).
__________
(1) ينظر : شرح جمل الزجاجي لابن خروف : 1/519 ، واللباب : 1/374 ، والغرة المخفية : 1/194 ، وشرح المفصل : 9/101 ، وارتشاف الضرب : 2/476 ، وجواهر الأدب : 165 .
(2) ينظر : تلقيح الألباب : 118-119 ، واللباب : 1/375 ، والغرة المخفية : 1/194 ، وشرح المفصل : 9/101 .
(3) التعليقة : 4/5 . وينظر : الإيضاح : 202 .
(4) ينظر : شرح المفصل : 9/101 ، وجواهر الأدب : 165 .
(5) ينظر : الغرة المخفية : 1/194 .
(6) ينظر : الإنصاف : 1/351 ، واللباب : 1/365 ، وشرح المفصل : 2/118 ، وجواهر الأدب : 63 ، 225 .
(7) ينظر : ظاهرة التعويض ( بحث ) : 32 ، وسيأتي في بحث رُبَّ مزيد بيان لهذه الواو : 213 .(1/266)
وفي إشارة إلى أصالة الباء قرئ في الشواذ بالباء في كل موضعٍ قرئ فيه بالتاء(1) التي هي بدلٌ من الواو .
فإذا تقرر أن الأصل في أحرف القسم هو الباء ، فينبغي أن لايقدَّر غيرُه عند نزع الجار وبقاء المقسم به مجروراً .
هل يشترط لبقاء المقسم به مجروراً أن يعوض منه ؟
حكى سيبويه أنَّ من العرب من يقول : " اللهِ لأفعلن ، وذلك أنه أراد حرف الجر ، وإياه نوى فجاز حيث كثُر في كلامهم ، وحذفوه تخفيفاً وهم ينوونه "(2).
وأجاز الكوفيون(3) قياسَ سائرِ ألفاظ المقسم به على ( الله ) نحو : العزيزِ لأفعلن .
فحكاية سيبويه الجر بغير عوض في لفظ الجلالة خاصة ، وتجويز الكوفيين ذلك في غيره ، يشير إلى أنه ليس من شرط جر المقسم به بعد نزع حرف القسم أن يعوض منه .
وذهب المبرد و الشلوبين(4)إلى أن حرف الجر لا يحذف ويعمل إلاَّ بعوض ، فيشمل هذا القولُ حكايةَ سيبويه عن العرب : اللهِ لأفعلن ، فلا يجوز فيه نزع حرف الجر لأنه لم يعوض منه ، بل كان ذلك صريحَ قول المبرد : " اعلم أن من العرب من يقول : اللهِ لأفعلنَّ ، يريد الواو فيحذفها ، وليس هذا بجيد في القياس ، ولا معروف في اللغة ولا جائز عند كثير من النحويين ، وإنما ذكرناه ، لأنه شيء قد قيل ، وليس بجائز عندي ، لأن حرف الجر لا يحذف ويعمل إلا بعوض"(5).
__________
(1) ينظر : دراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق3/ج3/304 ، 316-317 .
(2) كتاب سيبويه : 3/498 .
(3) ينظر : معاني القرآن للفراء : 2/413 ، وشرح الكافية : 2/305 ، وائتلاف النصرة : 146 .
(4) ينظر : المقتضب : 2/336 ، والتوطئة : 256 .
(5) المقتضب : 2/336 .(1/267)
وذهب أكثر النحويين(1) إلى التوفيق بين قولي سيبويه والمبرد بأن العوض شرطٌ لبقاء المقسم به مجروراً بعد نزع الخافض في الاختيار إلا لفظ الجلالة فيجوز فيه بقاء الجر بلا عوض ، لكثرة استعماله ، وما سوى ذلك لا يجوز إلا في الضرورة .
والراجح - في نظر الباحث – أنه لا يشترط لبقاء الاسم مجروراً بعد نزع حرف الجر أن يعوض منه ، وذلك " لأن من كلام العرب أن يحذفوا ويعوضوا ، وأن يحذفوا ولا يعوضوا "(2) سواء أفي المجال التصريفي كان ذلك أم في المجال التركيبي . وسيأتي للقسَمِ نظائرُ في المسائل الآتية التي ينزع فيها حرف الجر ويبقى الاسم مجروراً ، ويعوَّض منه حيناً ، ولا يعوَّض منه حيناً آخر .
فإذا تقرر أنه قد يعوض من حرف الجر المحذوف في أسلوب القسم ، فما هي الأعواض منه ؟
__________
(1) ينظر : تلقيح الألباب : 120 , وشرح الكافية الشافية : 2/823 ، 861 ، و المباحث الخفية : 1/424 ، وارتشاف الضرب : 2/477 ، وجواهر الأدب :222 .
(2) إعراب القراءات السبع وعللها : 1/130 ، وينظر : الأشباه النظائر : 1/294 ، وظاهر التعويض (بحث ) : 1 .(1/268)
يذكر النحويون أعواضاً ثلاثة لحرف القسم(1) هي : ها والهمزة وقطع همزة الوصل من لفظ الجلالة فيقال : هاللهِ بإثبات ألف ها وحذفها وآلله وألله ، ومن ذلك قراءة قوله تعالى : { ولا نكتم شهادة اللهِ } (2) قرئ : آلله ، وألله .
وأكثر النحويين(3) على أن ها للتنبيه ، والهمزة للاستفهام ، وهما مع ذلك عوضان من حرف الجر المحذوف .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 2/160 ، 3/499 ، والمقتضب : 2/321، والمقتصد : 2/759 ، وإصلاح الخلل : 190 وأمالي ابن الشجري : 2/133 ، واللباب 1/276 ، وشرح المفصل : 9/106 ، والتوطئة : 256 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/543 ، وشرح الكافية الشافية : 2/823 ،865 ، والبسيط : 2/933 ، وشرح الأشموني : 2/205 .
(2) المائدة : 106. قرأ الجمهور ومنهم العشرة بإضافة ( شهادة ) إلى لفظ الجلالة ، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه والسلمي ونعيم بن ميسرة بتنوين ( شهادة ) ونصب لفظ الجلالة ، وقرأ علي والسلمي والحسن بتنوين شهادة ومد الهمزة من لفظ الجلالة وجره ، وقرأ الشعبي وغيره بقطع الهمزة وجره ، وقرئت بتنوين شهادة ووصل همزة لفظ الجلالة ونصبه . ينظر : مختصر في شواذ القرآن : 41 ، والمحتسب : 1/329 ، وإعراب القراءات الشواذ : 1/462، والتبيان : 1/468 ، والبحر المحيط : 4/396 .
(3) ينظر : كتاب سيبويه : 2/160، 3/499 ، والمقتضب : 2/321 ، والأصول في النحو : 1/431 ، وفتح الله : 55 .(1/269)
ووافق ابن خروف الأكثرين على أن الهمزة للاستفهام ، لكنَّه خالفهم في كونها عوضاً من حرف الجر المحذوف ، قال: " وإنما دخلت لمعناها لا للعوض "(1) وقد استظهر هذا الرأي – موافقة لا متابعة – في الهمزة وها - أستاذي عبدالله بابعير(2) بناء على أن العوض لا وظيفة له على مستوى الدلالة أو التركيب ، بل يؤتى به لإكمال نقصٍ لفظيٍّ ينشأ عن إسقاط بعض عناصر البنية التصريفية للكلمة ، أو بعض عناصر التركيب اللفظي أو الجملي ، ولكلٍّ من حرفي التنبيه والاستفهام وظيفة دلالية يؤديها عند دخوله في سياق القسم المؤدَّى بالحرف المحذوف ، أما قطع همزة الوصل فرأى أنه ليس عوضاً كذلك بل هو تغيير لحِقَ همزة الوصل في لفظ الجلالة من صورة الوصل إلى صورة القطع ، فالهمزة في أصلها باقية وإنما غُيِّرت من همزة الوصل إلى همزة القطع ، فليس ثمة عوضٌ مستجلَبٌ لحرف الجر المحذوف .
ولأبي حيان وجهة ثالثة ، وهي أنه يوافق الأكثرين على أن الأحرف الثلاثة ها ، والهمزة ، وقطع الهمزة ، أعواضٌ من حرف الجر المحذوف ، ولكن الهمزة – عنده - ليست استفهاماً حقيقة ، وها ليست للتنبيه يقول : " وأصحابنا يعبرون عن هذه الهمزة بهمزة الاستفهام وليست استفهاماً حقيقة "(3) ويقول : في ها : " وأصحابنا يعبرون بها للتنبيه "(4).
وقد تقدم أن لا عوض من حرف القسم الباء إلا الواوَ ، والتاءُ بدلٌ من الواو(5) أما هذه الأحرف الثلاثة ها ، والهمزة ، وقطع الهمزة ، فالقول فيها ما ذهب إليه أستاذي .
__________
(1) شرح جمل الزجاجي : 1/509 .
(2) ينظر ظاهرة التعويض ( بحث ) : 4 ، 36-37 .
(3) ارتشاف الضرب : 2/477 .
(4) المرجع السابق . وينظر : المساعد : 2/307 ، وهمع الهوامع : 2/392 .
(5) ينظر : 170 من هذا البحث .(1/270)
وعلى القول بأن هذه الأحرف الثلاثة جاءت عوضاً من حرف الجر المحذوف ينبغي أن تكون عوضاً من الباء لا من الواو ، لكونه الأصل في أحرف القسم ، وأكثر من رأيت من النحويين يجعلها عوضاً من الواو مع قول أكثرهم : إن الباء هي الأصل(1) ، وصرَّح المرادي ( ت : 749هـ ) بالمراد فقال : " ينبغي أن تكون أي الهمزة عوضاً من الباء دون غيرها لأصالة الباء في القسم "(2).
بم يكون الجر ، أبالعوضِ أم بحرف الجر المحذوف ( المعوض منه ) ؟
أيّاً كان العوضُ الواوُ كما تقرَّرَ اختيارُه سلفاً أو الأحرفُ الثلاثة ها ، والهمزة ، وهمزة القطع في رأي الأكثرين ، فبم يكون عمل الجر أبالحرف المحذوف أم بالعوض ؟
للنحويين في ذلك مذهبان :
ذهب الأخفش إلى أن الجر بالعوض ، حكاه عنه جماعةٌ(3) ، واختاره الأكثرون(4) ، وقواه ابن مالك في شرح الكافية الشافية(5) ، وقال الصبان : " وهو المتجه عندي "(6).
وذهب ابن مالك في التسهيل والإربلي ، ويُعزى إلى الكوفيين(7) إلى أن الجر بحرف الجر المحذوف المعوض منه لا بالعوض المذكور .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 2/160، 3/499-500 ، والمقتضب : 2/322 ، 336 ، وسر صناعة الإعراب : 1/133 واللمع : 243 ، وشرح المفصل : 9/105 ، 106 ، والمباحث الخفية : 1/424 .
(2) الجنى الداني : 33 .
(3) ينظر : التسهيل : 151 ، وشرحه لابن مالك : 3/67 ، وارتشاف الضرب : 2/479 ، وشرح الأشموني : 2/205 .
(4) ينظر : الجمل : 72 ، وعلل النحو : 213 ، والبسيط : 2/934 ، والمباحث الخفية : 1/424 ، وفتح الله : 52 .
(5) ينظر : 2/866 .
(6) حاشية الصبان : 2/205 .
(7) ينظر : التسهيل : 151 ، وشرحه لابن مالك : 3/67-68 ، وارتشاف الضرب : 2/479 ، وجواهر الأدب : 38 والمساعد : 2/308 ، وهمع الهوامع : 2/393 .(1/271)
والمختار أن العمل لحرف الجر المحذوف لا للعوض بناءً على الفرق بين العوض والنائب(1) فالعوضُ لا أثر له في العناصر الأخرى الموجودة في السياق ، والنائبُ ذو أثر في بعض عناصر السياق المذكورة إن كان عاملاً عَمَلَ المنوب عنه .
ما حكم نزع حرف الجر وبقاء الاسم المقسم به مجروراً بلا عوض ؟
للنحويين في ذلك ثلاثة أقوال :
الأول : جوازُ ذلك في لفظ الجلالة خاصة ، ومنعُه في ما سواه ، وذلك لكثرة استعمال هذه اللفظة في القسم " ولاختصاص لفظ الجلالة بخصائص ليست لغيرها تبعاً لاختصاص مسماها بخصائص "(2) وإلى هذا القول ذهب سيبويه والأكثرون (3).
وهل ذلك سماعٌ فيه أو قياس ؟
عبَّر بعضهم عن ذلك بأنه سماع ، يقول ابن عصفور في قولهم : اللهِ لأقومن " لا يقاس عليه لأن إضمار الخافض وإبقاء عمله لا يجوز إلاَّ حيث سمع "(4) وعدّه حَمُّودة أحد مواضع الحذف السماعي(5) .
وعبّر آخرون بأنه قياسٌ فيه ، يقول الرضي : " اعلم أن حروف الجر لا تحذف مع بقاء عملها قياساً إلاّ في : اللهِ قسماً عند البصريين "(6) وعدّه الأشموني والخضري(7) أحد المواضع التي يطرد فيها نزع حرف الجر وإبقاء الاسم مجروراً .
__________
(1) ينظر : ظاهرة النيابة : 95 ، وظاهرة التعويض ( بحث ) : 10 .
(2) شرح الكافية : 4/305 ، وينظر : همع الهوامع : 2/392 ، وفتح الله : 359-360 .
(3) ينظر : كتاب سيبويه : 3/498 ، وشرح الكافية : 4/305 ، والبسيط : 2/932 ، والمباحث الخفية : 1/424 وجواهر الأدب : 222 ، والمساعد : 2/307 ، وائتلاف النصرة : 147 .
(4) شرح الجمل : 1/543 .
(5) ينظر : ظاهرة الحذف : 247 ، 249 .
(6) شرح الكافية : 4/305 .
(7) ينظر : شرح الأشموني : 2/234 ، وحاشية الخضري : 1/537 .(1/272)
ويمكن التوفيق بين ذينك التعبيرين بأن مقصود القائلين بالسماع أن نزع حرف الجر وإبقاء المقسم به مجروراً لا يتعدى حُكمُه لفظ الجلالة إلى كل مقسم به ، فلا يقال : العزيزِ ، الحكيم ِ ، بل يقصَر هذا الحكمُ على لفظ الجلالة في كل مثال سواء أسمع شخصه أم لم يسمع ، وهذا الأخير هو مقصد القائلين بالقياس والاطراد ، أي : إنه مقيس في لفظ الجلالة في كل مثال وإن لم يسمع هو عينُه .
الثاني : المنع مطلقاً ، سواء ألفظَ الجلالة كان المقسم به أم غيرَه ، وإليه ذهب المبرد ، يقول في قولهم : اللهِ لأفعلن : " وليس هذا بجيد في القياس ، ولا معروف في اللغة ، ولا جائز عند كثير من النحويين ... وليس بجائز عندي ، لأن حرف الجر لا يحذف ويعمل إلا بعوض "(1) لذا كان حكم بقاء الجر في لفظ الجلالة في قول العرب : اللهِ لأفعلن ، على هذا القول ، شاذاًّ جداً(2) .
الثالث : الجواز مطلقاً ، سواءٌ ألفظَ الجلالة كان المقسم به أم غيره ، فيقال : اللهِ لأذهبنَّ ، العزيزِ لأقومنَّ(3) ، يقول الفراء في قوله تعالى : { قال فالحقَّ والحقَّ أقول } (4) : " ولو خفض الحقَّ الأول خافضٌ يجعله الله تعالى يعني في الإعراب فيقسم به كان صواباً ، والعرب تلقي الواو من القسم ويخفضونه ، سمعناهم يقولون : اللهِ لأفعلنَّ ، فيقول المجيب : اللهِ لأفعلنَّ ، لأن المعنى مستعمل والمستعمل يجوز فيه الحذفُ "(5) .
__________
(1) المقتضب : 2/336 .
(2) ينظر : التوطئة : 256 .
(3) * تمثيل بعضهم على جواز نزع حرف القسم وبقاء المقسم به مجروراً بنحو : الكعبةِ ، خدشٌ في التوحيد لا يليق . ينظر: شرح الكافية : 4/305 ، 311 . ، وهو قول الكوفيين$%& ينظر : معاني القرآن للفراء : 2/413 ، وشرح الكافية : 4/305 ، 311 ، والبسيط : 2/932 ، وارتشاف الضرب : 2/479 ، والمساعد : 2/307 .
(4) ص : 84 . سبق تخريج القراءات في هذه الآية : 169 .
(5) معاني القرآن : 2/413 . وينظر : إعراب القرآن : 3/474 .(1/273)
وذُكر أنَّ أبا عمر الجرمي(1) حكى أن من العرب من يضمر حرف الجر في كل قسم كما أضمروا رب مع الواو وغيرها . ويشهد لهذا القول قراءة بعضهم { ولا نكتم شهادةً اللهِ } (2) بتنوينِ ( شهادة ) ووصل الهمزة من لفظ الجلالة وجره من غير تعويض ولا تنبيه(3) ، ويشهد له أيضاً تخريج كثير من المعربين والمفسرين الحروف المقطعة في فواتح السور على أنها في موضع جر على نزع حرف القسم(4) ، ورده ابنُ هشام في المغني ، وأجاب عنه الشهاب في حاشيته على البيضاوي(5) .
لهذه الشواهد يُرَدُّ قول حمودة " لا نكاد نجد شواهد حُذِف فيها الجارُّ مع غير لفظ الجلالة ، لذا يعد هذا الحذف خاصاً به "(6).
والراجح من الأقوال ما ذهب إليه الكوفيون ، لما يأتي :
تحقُّقُ شرط نزع الخافض الأهم فيه وهو قيام الدليل اللفظي شاهداً على نزع حرف الجر، وهو بقاء الاسم المقسم به مجروراً .
تحقق شرطه الآخر وهو أمن اللبس بتعيُّن المحذوف ، وموضع الحذف ، لأنَّ المحذوف هو الباء ليس غير .
تعدُّدُ شواهد نزع الجار وبقاء المقسم به مجروراً ، وهذا كفيلٌ بالحكم بقياسية نزع حرف القسم من كل مقسم به .
قيام غرض من أغراض نزع الخافض لداعٍ من دواعيه ، وهو التخفيف لكثرة استعمال أسلوب القسم .
وخلاصة القول في ما تقدم يمكن عرضها في النقاط الآتية :
يُنزع حرف الجر من المقسم به فينصب الاسم على نزع الخافض في الأغلب ، وربما بقي المقسم به مجروراً .
__________
(1) ينظر : ارتشاف الضرب :2/479 ، والمساعد : 2/307-308 .
(2) المائدة : 106 ، سبق تخريج القراءات فيها : 173 .
(3) ينظر التبيان : 1/468 ، وشرح المفصل : 9/105 .
(4) ينظر : تأويل مشكل القرآن : 299-300 ، ومشكل إعراب القرآن : 2/622 ، والأمالي النحوية : 4/37 ، والتبيان: 1/14 ، والبحر المحيط : 9/48 ، 135 .
(5) ينظر : مغني اللبيب : 770 ، وحاشية الشهاب : 1/277-278 .
(6) ظاهرة الحذف : 249 .(1/274)
الأصل في حرف القسم الباءُ ، والواو عوضٌ منه ، والتاء بدل من الواو .
ينبغي ألاَّ يُعَدَّ الواوُ والتاءُ حرفي جر .
ينبغي ألا يُقَدَّرَ غيرُ الباء .
لا يُشْتَرَطُ لنزع حرف القسم وإبقاء المقسم به مجروراً التعويضُ منه .
ها التنبيه ، وهمزة الاستفهام ليسا بعوضين ، وإنما دخلتا لمعناهما ، وأما قطع الهمزة فهو تغيير لحِقَ همزة الوصل في لفظ الجلالة من صورة القطع ، فليس ثمة عوضٌ مستجلب لحرف جر محذوف .
ينبغي أن يكون الجر بحرف الجر المحذوف لا بالعوض منه .
نزع حرف القسم وبقاء الاسم مجروراً قياسٌ مع كل مقسمٍ به لفظ الجلالة أو غيره .
نزع رُبَّ
الحديث في رُبَّ طويل جدّاً ، أسمٌ هي أم حرفُ جر ؟ وعلى القول بحرفيتها أزائدةٌ هي أم غير زائدة ؟ وعلى القول بزيادتها في الإعراب لا في المعنى ألها متعلَّق أم لا ؟ وعلى القول بأن لها متعلَّقاً أمحذوفٌ هو أم مذكور بعدها ؟ وما معناها أتفيد التقليل أم تفيد التكثير ؟ وبم تختص من بين سائر حروف الجر ؟ ولِمَ اختُصَّت بما اختُصَّت به ؟ إلى غير ذلك من المسائل المتعلقة بها(1) .
والذي يعنيني الوقوف عنده من مباحثها هو نزعُها وإبقاءُ عملها في مدخولها بناءً على أنها حرفٌ موافقةً لمذهب أكثر النحويين(2) .
__________
(1) ينظر تفصيل تلك المسائل في : كتاب سيبويه : 1/427 ، 2/108 ، 176 ، والمقتضب : 3/15 ، 57 ، 66 4/139 ، وشرح ملحة الإعراب : 65-66 ، وتلقيح الألباب : 108 ، وأسرار العربية : 237 ، والإنصاف : 2/317 ، وأمالي السهيلي : 72 ، وشرح المفصل : 8/26، والإيضاح في شرح المفصل : 2/151 ، وشرح الكافية : 4/295 ، وارتشاف الضرب : 2/455 ، وتذكرة النحاة : 7 ، ومغني اللبيب : 179 ، وائتلاف النصرة : 144-145.
(2) ينظر : المراجع السابقة .(1/275)
ومسألة نزع رب وبقاء عملها من أشهر مسائل نزع حرف الجر وبقاء الاسم مجروراً ، حتى إنَّ حكم النحويين الصارم بالشذوذ على نزع الجار وبقاء عمله يتخلف هاهنا وجعلوا ذلك من خصائص رُبَّ(1) ، فما حكم نزع رُبَّ وبقاء عملها إذن ؟
يذكر النحويون أن لنزع رُبَّ حالين :
أن تنزع بعد حرف .
أن تنزع مع التجرد منه .
ويختلف الحكم باختلاف الحالين ، وباختلاف الحرف الذي تنزع بعده رُبَّ .
أما الحروف التي تنزع بعدها رُبَّ ويبقى عملها ، فالمشهور أنها ثلاثة أحرف وزاد بعضهم رابعاً وهي على النحو الآتي :
أولها : الواو : ونزعُ رُبَّ بعدها أكثر ما يكون "(2) ودواوين العرب مشحونة بذلك "(3) ومنه قول الشاعر(4) :
عليَّ بأنواع الهمومِ ليبتلي ... وليلٍ كموج البحر أرخى سدولَه
__________
(1) ينظر : الجنى الداني : 454 ، وهمع الهوامع : 2/382-383 ، وحاشية ياسين على التصريح : 1/312 .
(2) ينظر : شرح جمل الزجاجي لابن خروف : 1/79 ، والغرة المخفية : 1/190 ، وشرح عمدة الحافظ : 1/262 وشرح الكافية الشافية : 2/821 ، ومغني اللبيب : 181 ، وشرح التصريح : 2/22 .
(3) المساعد : 2/295 ، وينظر : همع الهوامع : 2/382 .
(4) البيت لامرئ القيس في ديوانه : 18 ، وشرح عمدة الحافظ : 1/272 ، وشرح الكافية الشافية : 2/821 ، وخزانة الأدب : 2/286 ، 3/255 ، وبلا نسبة في أوضح المسالك : 3/67 ، وشرح شذور الذهب : 321 ، ومغني اللبيب : 473 ، وشرح الأشموني : 2/233 .(1/276)
ثانيها : الفاء : ونزع رُبَّ بعدها جاء كثيراً ، قاله ابن مالك(1) ، ونوزع فيه لقلة ما ورد منه(2) وأجاب المرادي والأشموني(3) بأن المراد بالكثرة الكثرة النسبية أي إنه كثير بالنسبة إلى بل ، وقد سبق الحيدرةُ إلى التنبيه على أن ما ورد في نزع رُبَّ بعد الفاء كافٍ لإثبات حكم القياس عليه ، يقول بعد أنْ ذكر أربعة شواهد : " وإنما أكثرنا من التمثيل فتحاً لباب القياس "(4) ومن ذلك قولُ الشاعر(5) :
فألهيتها عن ذي تمائمَ مغيَلِ ... فمثلِك حبلى قد طرقتُ ومرضعاً
__________
(1) ينظر : التسهيل : 148 ، شرح عمدة الحافظ : 1/262 .
(2) ينظر : المساعد : 2/295 .
(3) ينظر : الجنى الداني : 455 ، وشرح الأشموني : 2/233 .
(4) كشف المشكل : 1/565 .
(5) البيت لامرئ القيس في : ديوانه : 12 ، وكتاب سيبويه ، 2/163 ، وشرح أبيات سيبويه : 1/303 ، شرح الكافية الشافية : 2/821 ، خزانة الأدب : 1/326 ، 10/31 ، ورواية سيبويه له بالواو ( ومثلك ) فلا شاهد فيه على حذف رب بعد الفاء على هذه الرواية ، والبيت بلا نسبة في : رصف المباني : 387 ، ومغني اللبيب : 181 .(1/277)
ثالثها : بل : ويَصِفُ نزعَ رُبَّ بعدها جميعُ مَنْ وقفتُ على كلامهم بالقلة(1) ، ولعلهم يريدون : القلة النسبية ، أي : بالنسبة إلى الفاء أو الواو ، لا القلة الذاتية ، وذلك لأنهم يقرنون الفاء وبل في حكم واحدِ من نحو قولهم : " إذا حُذِفتْ وجب بقاء عملها ، وأن هذا الحكم – أعني حذفها وبقاء عملها – على نوعين : كثير وقليل ، فالكثير بعد الواو ... والقليل بعد الفاء وبل "(2) ولأن الشواهد الواردة التي تذكر في بل تضاهي في عددها شواهدَ الفاء ، ومنها : قول الراجز(3) :
بل بلدٍ ذي صُعُد وأصبابْ
وقوله(4) :
لا يُشترى كُتَّانُه وجَهْرمُهْ ... بل بلدٍ ملءِ الفجاجِ قتمُه
وقوله(5) :
بل مهمهٍ قطعتُ بعد مهمهٍ
وقوله(6) :
__________
(1) ينظر : شرح ألفية ابن مالك : 146 ، وشرح شذور الذهب : 320-322 ، وشرح ابن عقيل : 1/536 ، وشرح الأشموني : 2/232 ، وهمع الهوامع : 2/382 .
(2) شرح شذور الذهب : 320-322 .
(3) الرجز لرؤبة في : ديوانه : 6 ، وخزانة الأدب : 10/36 ، وبلا نسبة في : شرح الأبيات المشكلة الإعراب : 61 وارتشاف الضرب 2/461 ، ومغني اللبيب : 182 ، وفيه ( آكام ) بدل ( وأصباب ) ، وشرح الأشموني : 2/232 .
(4) الرجز لرؤبة في : ديوانه : 150 ، والدرر : 1/114 ، 4/194 ، وبلا نسبة في : شرح الأبيات المشكلة الإعراب : 62 ، والإنصاف : 2/62 ، وشرح عمدة الحافظ : 1/273 ، وشرح الكافية الشافية : 2/822 .
(5) الرجز لرؤبة في : ديوانه : 166 ، ولسان العرب ( بلل ) وخزانة الأدب : 7/516 ، ورواية الديوان : ومهمهٍ أطرافه في مهمه . ولاشاهد فيه على ( بل ) ، وبلا نسبة في : أوضح المسالك : 3/69 ، وتاج العروس : ( بلل ) .
(6) الرجز لسؤر الذئب في : لسان العرب ( بلل ) ، وبلا نسبة في : الخصائص : 1/304 ، وسر صناعة الإعراب : 1/159 ، وشرح عيون الإعراب : 199 ، والإنصاف : 1/353 ، وشرح المفصل : 2/118 ، 4/67 ، وشرح الشافية : 4/506 ، ورصف المباني : 156 ، 192 .(1/278)
بل جوزِ تيهاء َكظهرِ الجحفتْ
وقول الشاعر(1) :
يُزْجي حبيّاً إذا خبا ثقبا ... بل مَنْ رأى البرقَ بتُّ أرقبُه
فهذا الشواهد تشهد بأن القلة في نزع رُبَّ بعد بل نسبيةٌ كما هي في الفاء ، لذلك يأتي في بل ما قاله الحيدرة في الفاء: " وإنما أكثرنا من التمثيل فتحاً لباب القياس "(2) وهو ما قرره الرضي في قوله : "ويحذف حرف الجر قياساً مع بقاء عملها إذا كان الجار ( رُبَّ ) بشرطين :
أحدهما : أن يكون ذلك في الشعر خاصة .
الثاني : أن تكون بعد الواو أو الفاء أو بل "(3) فلم يستثنِ حرفاً من الأحرف الثلاثة من حكم القياس على نزع رُبَّ بعده .
رابعها : ثُمَّ ، ونزع رُبَّ بعده لم يذكره – في ما اطلعت عليه – غير ابن أبي الربيع ، وحكم عليه بالقلَّة(4) ، ونقله أبو حيان عن صاحب الكافي(5) ، ثم نقله عن أبي حيان السيوطي ،ثم عن السيوطي الصبان(6) ، ولم يذكروا له شاهداً واحداً فأغلب الظن أن ذلك وهمٌ تسرَّب من تعلُّق الأحرف الثلاثة الواو والفاء وثم بأحكام واحدة منها إضمار أنْ الناصبة بعدها جوازاً ومجيئها للاستئناف .
__________
(1) البيت للبيد بن ربيعة في : ديوانه : 29 ، وكتاب سيبويه : 4/223 ، وبلا نسبة في رصف المباني : 156 . وروايته في الديوان : ياهل ترى البرق . ولاشاهد فيه على هذه الرواية .
(2) كشف المشكل : 1/565 .
(3) شرح الكافية: 4/305 .
(4) ينظر : البسيط : 2/871 .
(5) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/462 ، وصاحب الكافي هو أبو جعفر أحمد بن محمد النحاس ( ت : 338هـ ) قاله محقق ارتشاف الضرب : 2/462 ، وينظر معجم المؤلفين : 1/251-252 .
(6) ينظر : همع الهوامع : 2/382 ، وحاشية الصبان : 2/332 .(1/279)
أما نزع رُبَّ مجرَّدة من تلكم الأحرف ، فأكثر النحويين يحكم عليه بالقلة والندرة(1) ، ويستشهد له بقول الشاعر :(2)
كدتُ أقضي الحياةَ مِنْ جللِهْ ... رسمِ دارٍ وقفتُ في طللِهْ
وزاد الأنباري(3) ( ت : 577هـ )على هذا الشاهد شاهداً آخر وهو قول الشاعر(4) :
تقلِّب عينيها إذا طار طائرُ ... مثلِك أو خيرٍ تركتُ رذيَّةً
شروط قياس نزع رُبَّ وبقاء عملها :
مرَّ قول الرضي : إن لقياس نزع رُبَّ وإبقاء عملها شرطين هما :
أن يكون ذلك في الشعر خاصة .
أن تكون بعد الواو أو الفاء أو بل .
__________
(1) ينظر : شرح ألفية ابن مالك : 146 ، وشرح الكافية : 4/305 ، والمساعد : 1/536 ، وشرح الأشموني : 2/232 .
(2) البيت لجميل بن معمر في ديوانه : 102 ، والأغاني : 4/190 ، وأمالي القالي : 1/246 ، ومغني اللبيب : 164 وشرح التصريح : 2/23 ، وخزانة الأدب : 10/23 ، والدرر : 4/199 ، وبلا نسبة في : الخصائص : 1/285 والإنصاف : 1/368 ، وشرح المفصل : 3/82 ، 8/52 ، وشرح الكافية الشافية : 2/822 .
(3) ينظر : الإنصاف : 1/352 .
(4) البيت لأبي الربيس التغلبي في : شرح أبيات سيبويه : 2/5 ، وللجون المحرزي في : خزانة الأدب : 6/81 ، وبلا نسبة في : كتاب سيبويه : 2/164 ، والبيان والتبيين : 3/307 ، والحيوان : 3/415 ، وتحصيل عين الذهب : 295 ولسان العرب ( رهب ) . ورواية غير صاحب الإنصاف ( فمثلِك ) أو ( ومثلِك ) فلا شاهد فيه على هاتين الروايتين ويكون البيت تامَّ الوزن ، وهو على رواية صاحب الإنصاف مخرومٌ ، ينظر: الوافي في العروض والقوافي : 41 .(1/280)
والأول أقرب إلى الوصف منه إلى الشرط ، فيبعد أن يكون ذلك شرطاً ، وذلك أن من له عناية بتتبع الضرائر الشعرية لم يعُدَّ نزع رُبَّ وإبقاء عملها أحد ضرائر الحذف(1) وقد أشار السيوطي إلى ضعف هذا الشرط فقال : " وادعى الرضي أن الجر برُبَّ محذوفة بعد الثلاثة خاصٌّ بالشعر "(2) لذلك كانت مقولة ابن الخباز أقرب إلى الوصف منها إلى الشرط حيثُ يقول : " أضمروها في الشعر بعد ثلاثة أحرف "(3) فلا يمنع ذلك من إثبات إضمارها بعدهن في النثر ، وعليه ينبغي استبدال لم بلا في قول الحلواني : " ينبغي أن تعلم أن إضمار رُبَّ لا يرد إلا في لغة الشعر ، ولم يعرف شاهدٌ نثري أضمرت فيه ألبتة "(4).
أما الشرط الثاني فهو شرط أغلبي بالنظر إلى كثرة ورود نزع رُبَّ بعد الأحرف الثلاثة ، بخلاف نزعها مع التجرد منها ، لذلك جوَّز المالقيُّ ( ت : 702هـ ) نزعَها من غير حرفٍ لدلالة معمولها عليها من جهة لزومه الجر والتنكير(5) ، وهذا هو الظاهر لأنه الموافق لقاعدة الحذف العامة ، وهو قيام الدليل على المحذوف الذي يمكن حذفه للعلم به بعينه ، ومعرفة مكان حذفه(6) .
وثمة شرطان آخران :
أولهما : ألا يكون مدخولُها ضميراً(7) ، فإن دخلت على ضمير – ولا يكون إلا ضمير الغيبة – نحو :
__________
(1) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور : 2/584-614 .
(2) همع الهوامع : 2/385 .
(3) الغرة المخفية : 1/190 .
(4) الواضح في النحو : 348 .
(5) ينظر : رصف المباني : 191 .
(6) ينظر حاشية الصبان : 1/214 .
(7) ينظر : شرح شذور الذهب : 320 .(1/281)
رُبَّه رجلاً قابلت امتنع نزعها ، لأن الأصل أنها لا تدخل إلاَّ على النكرات(1) ، فبقاء مدخولها النكرة مجروراً بعد نزعها دليلٌ على إرادتها وهذا غير متحقق عند دخولها على الضمير ، فلو نزعت لصار الضمير ضمير رفع ولم يبق ثمة دليل ٌعليها ، ولذهب الغرض الذي لأجله جرَّتْ رُبَّ الضمير ، وهو إرادة تعظيم الأمر وتفخيمه(2) .
ثانيهما : ألا تكون رُبَّ معطوفة على رُبَّ أخرى مذكورة قبلها(3) ، فإن قلت : رُبَّ رجلٍ عالم لقيت ورُبَّ رجلٍ كريمٍ صاحبت ، وجب إظهارها .
ويبدو أن التبريزي ( ت : 502هـ ) لم يعتدَّ بهذا الشرط حيث قال في قولَيْ الشاعر(4) :
باكرتُ لذَّتهم بأدكنَ مترعِ ... فسُمَيَّ ما يُدريكِ أن رُبَّ فتيةٍ
................................... ... .........................................
عجَّلْتُ طبختَه لرهطٍ جُوَّعِ
... ومعرِّص ، تغلي المراجلُ تحته
قال : " ومعرِّصٍ ، يجوز أن يكون معطوفاً على قوله : رُبَّ فتيةٍ ، كأنه قال : ورُبَّ معرص "(5).
فاتضح مما سبق أن شرط قياس نزع رُبَّ هو أن يكون مدخولُها اسماً ظاهراً ليبقى بعد نزعها دالاً عليها ببقاء عملها فيه فإن كان مدخولُها الضميرَ فلا يجوز عندئذٍ نزعُها ، أما مجيء الأحرف قبلها فليس شرطاً لنزعها وإنما هو الغالب في ما وردت فيه رُبَّ منزوعةً .
ما نوع الأحرف التي تنزع بعدها رُبَّ ، وبم يكون الجر أبرُبَّ المنزوعة أم بالأحرف المذكورة ؟
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 1/427 ، 2/108 ، والمقتضب : 4/139 ، 150، 289 .
(2) ينظر : شرح المفصل : 8/28 .
(3) ينظر : البسيط : 2/868 .
(4) البيتان للحادرة في : المفضليات : 46 ، وشرح اختيارات المفضل : 1/228 ، وثاني البيتين بلا نسبة في : الخصائص : 3/219 ، ولسان العرب ( جوع ) .
(5) شرح اختيارات المفضل : 1/288 .(1/282)
اختلف النحويون في نوع الأحرف التي تكون رُبَّ بعدها منزوعةً ، وفي عملها ، أهي أحرف عطف أم هي أحرف جر لقيامها مقام رُبَّ ، أم هي عوض من رُبَّ المنزوعة ؟ الحديث في حقيقة هذه الأحرف وعملها سيكون على النحو الآتي :
الواو :
ذهب أكثر النحويين إلى أنها حرف عطف(1) ، وقد يسميها بعضهم حرف ابتداء أو استئناف(2) ، وأن الجر برُبَّ مقدرة ، فإن كانت تلك الواو في أثناء الكلام فالعطف بها ظاهر ، وإن كانت في افتتاحه فهي عاطفةٌ أيضاً ، إما على ما في نفس المتكلم ، وإما على سؤال مقدرٍ جاءت رُبَّ ومعمولُها جواباً له يقول ابن السراج : " والنحويون كالمجتمعين على أن رُبَّ جواب إنما "(3).
وقد استدل الأكثرون على أن الجر برُبَّ مقدرةً لا بالواو بما يطول تفصيله ، ويمكن إيجازه على النحو الذي يأتي في مقام الترجيح .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 2/163 ، والأصول في النحو : 1/420 ، والمقتصد: 2/836 ، وأمالي ابن الشجري : 1/216 ، 2/134 ، والإنصاف : 1/350 ، واللباب : 365 ، وشرح المفصل : 2/118 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/512 ، وشرح الكافية : 4/307 ، والبسيط : 2/869 ، ومغني اللبيب : 473 ، والمساعد : 2/296 .
(2) ينظر : رصف المباني : 191 ، والواضح في النحو : 347 .
(3) الأصول في النحو : 1/417 . وينظر : شرح الجمل لابن عصفور : 1/512 ، والمقرب : 273-274 .(1/283)
وذهب المبرد والكوفيون(1) إلى أن الجر بالواو لقيامها مقام رُبَّ ، وذلك أنها لما أُبدلت في القسم من الباء لاتحاد مخرجهما أبدلت من رُبَّ على سبيل نيابة حروف الجر بعضها عن بعض ، وظاهر كلام جماعة(2) موافقتُهم على أن الجر بالواو لا برُبَّ المحذوفة وقد يعبَّر عن قيام الواو مقام رُبَّ بأنها عوضٌ منها(3) .
واستُدِلَّ لهذا الرأي بمجيء الواو في أول القصائد(4)، فلو كانت عاطفة لما ابتدئ بها في أوَّل القصيد
وذهب فاضل السامرائي(5) إلى أنَّ هذه الواو حرفٌ خاصٌّ ذو دلالة معينة ، يختلف عن حرف العطف وعن رُبَّ ، فليس بمعنى واحدٍ منهما ، وأن الجر ليس برُبَّ المحذوفة ، ويبدو من كلامه أن الجر بالواو نفسها ، ثم أخذ يبيِّنُ دلالة هذه الواو واختصاصها بأمور فارقت بها رُبَّ منطلقاً مما ألمح إليه برجشتراسر(6) من أن هذه الواو قد تعمل الجر كرُبَّ غير أن معناها ليس كمعنى رُبَّ في كثير من الحالات ، وأن أصل هذه الواو غامضٌ .
__________
(1) ينظر : المقتضب : 2/318،347 ، والنكت في تفسير كتاب سيبويه : 1/528 ، 2/770 ، وشرح الكافية: 4/307 .
(2) ينظر : شرح كتاب سيبويه : 91-92 ، والتعليقة : 2/128 ، وشرح المقدمة الكافية : 3/952-953 ، والإيضاح في شرح المفصل : 2/161 ، النكت الحسان : 111، 117 .
(3) ينظر : معاني الحروف: 46-47 ، والمقتصد : 2/836 ، وأمالي ابن الشجري : 2/134 .
(4) ينظر : أمالي ابن الشجري : 1/217 ، والإنصاف : 1/350 .
(5) ينظر : معاني النحو : 3/40-44 .
(6) ينظر : التطور النحوي : 132 ، ومعاني النحو : 3/42 .(1/284)
وذهب أستاذي عبدالله بابعير(1) إلى أن الجر برُبَّ المحذوفة ، وأن الواو والحرفين الآخَرَيْنِ ؛ الفاء وبل ، ليست أحرف عطف ، وإنما هي أعواضٌ من رُبَّ المحذوفة ، فلا عمل لها ولا دلالة وإنما هي أحرفٌ جيء بها لإكمال النقص اللفظي في العبارة الناتج عن إسقاط المعوض ( رُبَّ ) ، فإن حصل أنْ جُمع بين أحد هذه الأحرف ورب(2) بحسب ما بدا من كلامهما وإن لم يكن صريحاً .
الفاء وبل :
الخلاف فيهما أهون من الخلاف في الواو ، إذ لا يأتي فيهما خلافُ المبرد والكوفيين ولا ما ذهب إليه برجشتراسر وفاضل السامرائي ، ومع ذلك تعددت الأقوال فيهما على النحو الآتي :
ذهب الأكثرون إلى أن الجر برُبَّ مقدرةً ، وقد حكى جماعةٌ الاتفاق عليه(3) ، كأنهم لم يعتدوا بخلاف المخالف ، والفاء عندهم إما عاطفة كقوله(4) :
فألهيتها عن ذي تمائم مغيل ... فمثلِك حبلى قد طرقت ومرضعاً
__________
(1) ينظر : ظاهرة التعويض ( بحث ) : 30-32 .
(2) * هذا على فرض التسليم بالنقل عن العرب ، وإلا فقد قال الإربلي : " يجوز منعه إذ لم يذكروا له شاهداً " جواهر الأدب : 166 . ، فليس الحرف السابق لرب عندئذٍ عوضاً منها ؛ لأنه لا يجمع بين العوض والمعوض منه ، وإنما هي أحرف ابتداء أو عطف بحسب ما يقتضيه السياق .
وربما يكون هذا مذهباً للأخفش وابن جني$%& ينظر : معاني القرآن : 2/484 ، والخصائص : 1/263 ، 264 .
(3) ينظر : شرح الكافية الشافية : 2/821 ، وشرح الكافية : 4/307 ، والجنى الداني : 76 ، والمساعد : 2/296 وشرح الأشموني : 2/233 ، وحاشية الصبان : 2/233 ، وحاشية الخضري : 1/536 .
(4) سبق تخريجه : 178 .(1/285)
وقد يعبِّر بعضهم عنها بأنها للسببية(1) ، وإما واقعة في جواب الشرط كقوله(2) :
يكاد عليَّ يلتهبُ التهابا ... فإنْ أهلك فذي حَنَقٍ لظاه
أي : فرُبَّ ذي حنقٍ ، وقول الآخر(3) :
وينزغْكِ الوشاةُ أولو النِّياطِ ... فإما تُعرضِنَّ أميمَ عني
نواعمَ في المروطِ وفي الرياط ... فحورٍ قد لهوتُ بهنَّ عِينٍ
أي : فرُبَّ حورٍ .
وأما بل ، فحرف عطف تفيد الانقطاع من كلام واستئناف آخر ،ويعبَّر عنه بالابتداء أوالإضراب(4) .
__________
(1) ينظر : رصف المباني : 387 ، ومغني اللبيب : 215 .
(2) البيت لربيعة بن مقروم الضبي في : شعراء إسلاميون : 254 ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي : 2/544 ، وأمالي ابن الشجري:1/217،وخزانة الأدب:10/29،32 ،وبلا نسبة في:شرح عيون الإعراب:200 ، ومغني اللبيب : 218 .
(3) البيتان للمنتخل الهذلي في : شرح أشعار الهذليين : 3/1267 ، وشرح عمدة الحافظ : 1/273 ، وللهذلي غير معين في : أمالي ابن الشجري : 2/135 ، والجنى الداني : 75 ، وبلا نسبة في : الإنصاف : 1/353 ، وكشف المشكل : 1/563 ، واللباب : 1/365 ، وشرح الأشموني : 2/232 .
(4) ينظر : معاني القرآن للأخفش : 1/170-171 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/479 ، ورصف المباني : 155 157 ، 191 ، والجنى الداني : 237 ، وجواهر الأدب : 225 ، والواضح في النحو : 347 .(1/286)
وذهب بعضُهم في ما حكاه جماعةٌ(1) إلى أن الجر بالفاء وبل ، إما لقيامهما مقام رُبَّ ، وإما لقيام الواو مقام رُبَّ ، والفاء بدلٌ من الواو .واختار هذا المذهب أبو حيان في النكت الحسان(2) والحجة – عنده - في ذلك أن حروف الجر لا تعمل مضمرة على قاعدة البصريين(3) .
وذهب أستاذي(4) إلى أنهما حرفا تعويض عن رُبَّ المحذوفة كالواو كما تقدم في الواو .
والمختار من الأقوال أن الجر برُبَّ المحذوفة ، وأما الأحرف المذكورة قبلها فلها دلالتها الوظيفية في ما دخلت فيه ، أما الواو فهي العاطفة ، وأما الفاء فالأكثر كونها عاطفة وقد تكون واقعة في جواب الشرط ، وأما بل فهي حرف إضراب . ووجه هذا الاختيار ما يأتي :
__________
(1) ينظر : شرح كتاب سيبويه : 1/91-92 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/479 ، ورصف المباني : 155-156 225 ، وارتشاف الضرب : 2/461 ، والجنى الداني : 75 ، 237 .
(2) ينظر : 111 ، وقد وافق الجمهور في ارتشاف الضرب : 2/440 ، 461 ، وفي تذكرة النحاة : 8 ، 428 ، 430 .
(3) ينظر : النكت الحسان : 111 .
(4) ينظر : ظاهرة التعويض ( بحث ) : 32 .(1/287)
1- أن الأصل في الواو أن تكون حرف عطف(1) ، والغالب في الفاء أن تأتي عاطفة أو واقعة في جواب الشرط(2) والأصل في بل أن تكون لانقطاع كلام واستئناف آخر(3) أي : الإضراب ، ففي الاختيار المذكور موافقةٌ للأصل أو للغالب ، ومن تمسك بالأصل خرج من عهدة المطالبة بالدليل . أما مجيئها في ابتداء القصائد فمحمولٌ على العطف على ما في نفس المتكلم ، يقول السهيلي : " إنك تجدها في أول الكلام كثيراً ، إشارة منهم إلى تعداد المذكور قبلها من فخرٍ ، أو مدحٍ أو غير ذلك ، فهذه كلها معانٍ مضمرة في النفس ، وهذه الحروف عاطفة عليها "(4) .
2- أن الأصلَ عدمُ إعمال هذه الأحرف لاشتراكها في الدخول على القبيلين الاسمِ والفعلِ(5) .
3- أنه لم يعهد كون هذه الأحرف جارة إلا الواو في القسم وقد تقدم ما فيه(6) .
4- أن رُبَّ جرَّت حيث لا حرف معها يُظَنُّ أنه نائبٌ عنها ، فيُسْتَصْحَبُ العمل لها مع هذه الأحرف(7) .
5- أنه لا يدخل عليها حرف عطف الواو فيدلُّ ذلك على أنها هي العاطفةُ ، وليست جارةً فلو كانت جارةَ لأمكن دخولُ واو أخرى عليها(8) كما قيل ذلك في القسم في : والله فإنك تقول : وواللهِ .
__________
(1) ينظر : البسيط : 2/870 ، والمباحث الخفية : 1/410 ، وتذكرة النحاة : 8 .
(2) ينظر : مغني اللبيب : 217-218 .
(3) ينظر : معاني القرآن للأخفش : 1/170-171 .
(4) نتائج الفكر :261 . وينظر : الإنصاف :1/350 ، والبسيط :2/869 ، والجنى الداني :155 ، ومغني اللبيب :473.
(5) ينظر : الإنصاف : 1/351 ، واللباب : 1/365 ، وشرح المفصل : 2/118 ، وجواهر الأدب : 63 ، 225 .
(6) ينظر : 171 . وينظر كذلك : البسيط : 2/780 ، وحاشية الصبان : 2/233 .
(7) ينظر : شرح الأبيات المشكلة الإعراب : 61 ، وشرح الجمل للزجاجي : 1/479 ، والمباحث الخفية : 1/410 ورصف المباني : 191-192 .
(8) ينظر : همع الهوامع : 2/384 .(1/288)
6- أن نزع حرف الجر وإبقاء عمله قد جاء في غير باب رُبَّ كباب القسم كما تقدم ، وفي مميز كم وغيرها من المواضع التي سيأتي بيانها ، فمنْعُ الجر برُبَّ منزوعةً لمخالفته قاعدة البصريين كما قال أبو حيان(1) مردودٌ بذهاب أكثر البصريين أنفسِهم إلى أن رُبَّ هي الجارة(2) ، وبقول أبي حيان نفسِه : "لسنا متعبدين بقول نحاة البصرة "(3) .
7- أنه يمكن الجمع بين هذه الأحرف ورُبَّ ، فيقال : ورُبَّ بلدٍ قطعت ، أو فرُبَّ مثلك فلو كانت عوضاً أو نائبة عنها لما اجتمعا(4) وهذا وإن لم يثبت نقلاً كما قال الإربلي(5) ، فإن عبدالقاهر يقول : " استعمال رُبَّ مع الواو ... شائع "(6).
8- أنه يتعين ألا تكون بعض هذه الأحرف في سياقات بعينها عوضاً من رُبَّ كالفاء إذا كانت واقعة في جواب الشرط كما في قوله(7) :
يكاد عليَّ يلتهب التهاباً ... فإن أهلك فذي حنق لظاه
فيؤدي ذلك إلى سقوط العوض والمعوض معاً وذلك ممتنع عند أستاذي(8) كما أن الجمع بينهما ممتنع أيضاً .
أنشد الأخفش قول الراجز(9) :
بل . وبلدةٍ ما الأنسُ من أُهَّالِها
__________
(1) ينظر : النكت الحسان : 111 . وينظر كذلك : 184 من هذا البحث .
(2) ينظر : كتاب سيبويه : 2/163-164 ، والأصول في النحو : 1/420-421 ، وشرح الأبيات المشكلة الإعراب : 60-62 ، والإنصاف : 1/350-354 .
(3) البحر المحيط : 5/15 . وينظر : حاشية الشهاب : 1/277-278 .
(4) ينظر : المقتضب : 2/322 ، والمقتصد : 2/836-837 ، والإنصاف : 1/354 ، والبسيط : 2/870 .
(5) ينظر : جواهر الأدب : 166 .
(6) المقتصد : 2/837 .
(7) سبق تخريجه :183 .
(8) ينظر : ظاهرة التعويض ( بحث ) : 4 .
(9) الرجز بلا نسبة في : معاني القرآن : 1/170 ، ولسان العرب : ( بلل ) ، وتاج العروس ( بلل ) قال الأخفش في معاني القرآن : 1/171 : " بل ليست من البيت ولا تعد في وزنه ، ولكن يقطع بها كلام ويستأنف آخر " .(1/289)
وظاهر ذلك اجتماع عوضين ( بل والواو ) من معوض واحد ( رُبَّ ) وهو ممتنع عند أستاذي(1) فيمتنع أن تكون بل عوضاً من ربَّ .
10- أن من العرب من نصب ما سُمِعَ مجروراً برُبَّ المحذوفة بعد الواو على الاشتغال فلو كانت الواو عوضاً لبقي الجر ، لأن نزع الجار مع التعويض منه مبقٍ لعمله(2) ، يقول سيبويه : " وليس كل جار يضمر ... ولكنهم قد يضمرونه ويحذفونه في ما كثر من كلامهم لأنهم إلى تخفيف ما أكثروا استعمالَه أحوجُ ، وقال الشاعر(3) :
لعطف وما يخشى السُّماةَ ربيبُها ... وجدَّاءَ ما يرجى بها ذو قرابة
وقال امرؤ القيس(4) :
فألهيتها عن ذي تمائم مغيلِ ... ومثلك بكراً قد طرقت وثيباً
أي : رُبَّ .
ومِنْ العرب مَنْ ينصبه على الفعل ، وقال الشاعر(5) :
تقلِّبُ عينيها إذا مرَّ طائرُ ... ومثلَك رهبى قد تركتُ رذيةً
سمعنا ذلك ممن يرويه عن العرب "(6).
فإذا تقرر أن لهذه الأحرف دلالاتِها الخاصة ، وأن الجر إنما هو برُبَّ مقدرة بعدها تارة ، ومجردة منها تارة أخرى ، فلا معنى لنسبة هذه الأحرف إلى رُبَّ ، إلا أن يكون ذلك من قبيل الإضافة لأدنى ملابسة ، يقول المالقي : " لا ينبغي أنْ تجعل فاء رُبَّ ، لأنها ليست بمعناها ، فلا معنى لنسبتها إليها"(7).
ج – نزع حرف الجر من مميز كم
__________
(1) ينظر : ظاهرة التعويض ( بحث ) : 4
(2) ينظر : التوطئة : 256 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/543-544 .
(3) البيت للعنبري في : كتاب سيبويه : 2/163 ، وتحصيل عين الذهب : 294 ، وبلا نسبة في : لسان العرب ( جدد ) (وسما ) .
(4) سبق تخريجه : 178 .
(5) سبق تخريجه : 180 .
(6) كتاب سيبويه : 2/163-164 .
(7) رصف المباني : 387 .(1/290)
كم بنوعيها الاستفهامية والخبرية اسم مبهم مفتقر إلى مميِّزٍ يرفع إبهامها ، يقول الرضي : " كم الاستفهامية وكم الخبرية تدلان على عددٍ ومعدود ، فالاستفهامية لعدد مبهم عند المتكلم معلوم في ظنه عند المخاطب ، والخبرية لعددٍ مبهم عند المخاطب وربما يعرفه المتكلم وأما المعدود فهو مجهول عند المخاطب في الاستفهامية والخبرية ، فلذا احتيج إلى التمييز المبيِّن للمعدود "(1) .
ويذكر النحويون أوجهاً تتفق فيها كم الخبرية والاستفهامية ، وأوجهاً أخرى تفترقان فيها(2) ، ومن أوجه افتراقهما الحالة الإعرابية للمميِّز لهما ، فكم الاستفهامية تُميَّز بمنصوب وكم الخبرية تميز بمجرور ، فيقال في الاستفهامية : كم كتاباً اشتريتَ ؟ ، ويقال في الخبرية المراد بها التكثير : كم كتابٍ قرأتُ ! ويذكرون(3) أنه قد تُحْمَلُ الاستفهاميةُ على الخبرية فيُجَرُّ مميِّزُها وتحمل الخبرية على الاستفهامية فينصب مميزها إذا فهم المعنى ، وأنه إذا فصل بين كم الخبرية ومميزها فالمختار نصبه وأنه قد يجر مميز كم الاستفهامية إذا جرت هي بحرف جر إلى غير ذلك من الأحكام المتعلقة بالحالة الإعرابية لمميز كم بنوعيها ، فهل الأصل في مميزهما الجر بحرف الجر فإذا نزع انتصب تارة وبقي مجروراً تارة أخرى ؟ هذا ما سيحاول الباحث الإجابة عنه في ما يأتي .
أولاً : مميز كم الاستفهامية :
__________
(1) شرح الكافية: 3/238-239 . وينظر : المساعد : 2/106 ، وشرح الأشموني : 4/79 .
(2) ينظر : شرح التصريح : 2/279 ، والأشباه والنظائر : 4/121 .
(3) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور : 2/46-47 ، والمقرب : 390 ، وشرح عمدة الحافظ : 1/531 ، وشرح الكافية: 3/242 ، وشرح ألفية ابن مالك : 291 ، وحاشية ياسين على الألفية : 2/341 .(1/291)
للنحويين في حكم مميز كم الاستفهامية أقوالٌ ثلاثة(1) .
أولها : أنَّ النصب فيه لازم مطلقاً ، سواءٌ أدخل على كم حرفُ جر أم لا ، فجر مميزها على هذا القول ممنوعٌ مطلقاً وهذا ظاهر قول المبرد في المقتضب : "والبصريون يجيزون على قبحٍ : على كم جذعٍ ، وبكم رجلٍ ، يجعلون ما دخل على كم من حروف الخفض دليلاً على مِنْ ويحذفونها ويريدون : على كم من جذعٍ ، وبكم من رجلٍ ... وليس إضمار مِنْ من حروف الخفض بحسن ولا قوي ، وإنما إجازته على بُعْدٍ ، وما ذكرته لك حجة من أجازه "(2) .
ثانيها : أن الجر فيه جائزٌ مطلقاً ، وهو عند القائلين به من باب الحمل على مميز كم الخبرية إذا فُهم المعنى(3) ، فيقال: كم كتابٍ اشتريت ؟
ثالثها : أن النصب فيه لازم ، إن لم يدخل على كم حرف جر ، وراجحٌ على الجر إن دخل عليها حرف جر ، فيقال: بكم درهماً اشتريت الكتاب ؟ وبكم درهمٍ اشتريت الكتاب ؟
وفي توجيه جر مميز كم الاستفهامية قولان(4) :
أنه مجرور بحرف جر محذوف ، والتقدير : بكم من درهمٍ ، وهذا قول الخليل وسيبويه وأكثر النحويين .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 2/160 ، والمقتضب : 3/56-57 ، والجمل : 135 ، وكشف المشكل : 2/75 ، وارتشاف الضرب : 1/378 ، ومغني اللبيب : 245 ، وشرح الأشموني : 2/79-80 ، وشرح التصريح : 2/279 ، وهمع الهوامع : 2/274 ، وحاشية السجاعي : 307 ، وحاشية الخضري : 2/322 .
(2) المقتضب : 3/56-57 .
(3) ينظر : اللباب : 1/317 ، وشرح الكافية: 3/242 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 2/46-47 ، والمقرب : 390 .
(4) ينظر تفصيل ذلك في : كتاب سيبويه :2/160 ، والجمل : 135 ، وإصلاح الخلل : 229 ، وشرح ألفية ابن مالك : 290 ، وارتشاف الضرب : 1/378 ، وشرح شذور الذهب : 256 ، وشرح قطر الندى : 262 ، ومغني اللبيب : 245،395،والمساعد:2/108،وشرح الأشموني:2/80،وشرح التصريح: 2/23،279 ، وهمع الهوامع: 2/275 .(1/292)
ب- أنه مجرور بالمضاف ( كم ) وهو المشهور عن الزجاج ، وإليه مال البطليوسي في إصلاح الخلل .
وعلى قول الخليل وسيبويه تأتي مسألة نزع حرف الجر وإبقاء عمله ، وفيها أحكام ينبغي الإبانة عنها تتمثل في الإجابة عن السؤالين الآتيين .
ما شرط نزع حرف الجر من مميز كم الاستفهامية وإبقاء عمله ؟
ما حكم نزع الجار هاهنا أجائزٌ هو أم واجبٌ ؟ وهل يطرد نزعه أو يقتصر فيه على المسموع؟
شرط نزع حرف الجر من مميز كم الاستفهامية وإبقاء عمله :
اشترط أكثر النحويين(1) للقول بجواز جر مميز كم الاستفهامية بحرف جر محذوف أن تجر كم نفسُها بحرف جر ، ليكون عوضاً من المحذوف ، يقول سيبويه سائلاً الخليل " وسألته عن قوله : على كم جذعٍ بيتُك مبنيٌّ ؟ فقال : القياس النصبُ ؟ وهو قول عامة الناس ، فأما الذين جروا ، فإنهم أرادوا معنى مِنْ ، ولكنهم حذفوها هاهنا تخفيفاً على اللسان وصارت على عوضاً منها "(2) ويقول المبرد : "والبصريون يجيزون على قبحٍ : على كم جذعٍ ، وبكم رجلٍ ، يجعلون ما دخل على كم من حروف الخفض دليلاً على مِنْ ويحذفونها ويريدون : على كم من جذعٍ ، وبكم من رجلٍ ، فإذا لم تُدخِلْها حرفَ الخفض ، فلا اختلاف في أنه لايجوز الإضمارُ "(3) .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 2/160 ، والمقتضب : 3/56-57 ، والجمل : 135 ، وشرح المفصل : 4/128 ، وشرح الجمل لابن عصفور :2/47 ، والمقرب : 390 ، وشرح الكافية : 3/239 ، وشرح ابن عقيل : 2/322 .
(2) كتاب سيبويه : 2/160 .
(3) المقتضب : 3/56-57 ، وينبه إلى أن في حكاية المبرد عدم الاختلاف نظراً ، إذ سبق قول في جواز جر مميز كم الاستفهامية مطلقاً وسيأتي أنه قول بعضهم على تقدير حرف جر .(1/293)
واشترط ابن هشام في شرح الشذور(1) شرطاً ثانياً ، وهو أن يكون مميز كم إلى جانبها فإن فُصِلَ بينهما وجب نصبُه ، وهذا الشرط يقرره النحويون ضمناً في مسألة الفصل بين كم الاستفهامية ومميزها يقول الزجاجي : " فإن فصلت بين كم وما تعمل فيه لم يجز إلا النصبُ على كل حالٍ ، كقولك : كم عندك غلاماً ؟ وبكم يومَ الجمعة درهماً اشتريت ثوبك؟ "(2).
ولمناقشة هذين الشرطين موضع من البحث سيأتي .
حكم نزع حرف الجر من مميز كم الاستفهامية :
وفقاً للشرطين المذكورين آنفاً يجوز جر مميز كم الاستفهامية بمن مقدرة على المختار عند الأكثرين ويجوز نصبه ، وهو الأكثر ، فإذا جُرَّ مميز كم بمن المقدرة فهل يثبت لنزع حرف الجر وإبقاء عمله هاهنا حكم القياس ؟ وهل نزع حرف الجر واجبٌ أو جائز ؟
يذهب القائلون بجواز جر مميز كم الاستفهامية بشرطه إلى أنَّ نزعَ حرف الجر من وإبقاءَ عمله مقيسٌ مطَّردٌ(3) ، وذلك " لأنه قد عُرف موضعُها ، وكَثُرَ استعمالُها فيه "(4) يقول ابن مالك : " لما ذكرتُ الحرف المجرور به الله محلوفاً به ، رأيت أن أردف ذلك بما يماثله في الحذف الذي لا يقتصر فيه على المسموع ، فمن ذلك حذف من بعد كم الاستفهامية إذا دخل عليها حرف جر "(5) وهذا القول هو ظاهر كلام سيبويه(6) .
__________
(1) ينظر : 255 .
(2) الجمل : 135 . وينظر : حاشية على الألفية : 2/341 .
(3) ينظر : شرح الكافية الشافية : 2/825 ، وشرح ألفية ابن مالك : 146 ، وشرح ابن عقيل : 1/538 ، والمساعد: 3/203 ، وشرح الأشموني : 2/234 ، وشرح المكودي : 342 ، وشرح التصريح : 2/23 ،وهمع الهوامع :2/382.
(4) الجمل : 135 .
(5) شرح الكافية الشافية : 2/825 .
(6) ينظر : كتاب سيبويه : 2/160 .(1/294)
وذهب المبرد إلى أن نزع حرف الجر هاهنا قبيح ، وإجازته على بعد ، حيث يقول : " والبصريون يجيزون على قبح : على كم جذعٍ وبكم من رجلٍ ... وليس إضمار مِنْ من حروف الخفض بحسن ولا قوي ، وإنما إجازته على بعد ، وما ذكرته لك حجة من أجازه "(1) .
وفي ما يتعلق بحكم نزع حرف الجر هاهنا أواجب هو أم جائز ؟ يعبر بعض النحويين(2) عن ذلك بالجواز مع قولهم بأن حرف الجر الداخل على كم عِوَضٌ من مِنْ فيجيزون في الاستعمال أن يقال : بكم من درهم اشتريت الكتاب ؟ وفي ذلك جمعٌ بين العوض والمعوض .
وتنبه لذلك جماعةٌ(3) فحكموا بوجوب نزع حرف الجر لثبوت العوض من المحذوف وهما لا يجتمعان يقول ابن حمدون : " والحق ... أنه لا يجوز إظهار مِنْ ، لأنهم جعلوا حرف الجر الداخل على كم عوضاً عن من الجارة ، ولا يجمع بين العوض والمعوض منه "(4) .
__________
(1) المقتضب : 3/56-57 .
(2) ينظر : الجمل : 135 ، وشرح المكودي : 656 .
(3) ينظر : ارتشاف الضرب : 1/378 ، ومغني اللبيب : 245 ، وحاشية ياسين على الألفية : 2/338 ، وحاشية السجاعي :310 ، وحاشية الصبان : 4/79-80 ، وحاشية ابن حمدون : 656 ، ،وحاشية الخضري : 2/322 .
(4) حاشية ابن حمدون : 656 .(1/295)
وفي كون حرف الجر الداخل على كم الاستفهامية عوضاً من المحذوف نظرٌ ، وذلك لأن العوض لا وظيفة له على مستوى الدلالة أو التركيب ، وإنما يؤتى به لإكمال نقصٍ لفظي حسب(1) ، وحرف الجر الداخل على كم ذو دلالة وظيفية ، ووظيفة تركيبية ، فلا يصلح أن يكون عوضاً ، ثم إنه لو كان عوضاً من المحذوف لتعين جر المميز ، لأن نزع الجار مع التعويض منه مبقٍ لعمله(2) ، فلما لم يكن التعويضُ هاهنا ظاهراً عبّر عنه أبو حيان بما لا يفيد القطع به في قوله : "وكأنَّ دخول حرف الجر على كم عوضٌ من حرف الجر المحذوف من التمييز "(3) .
لذلك يترجح – في نظر الباحث – عدمُ اشتراط دخول حرف الجر على كم الاستفهامية لجر مميزها بل يجوز جره مطلقاً كما ذهب إليه جماعة منهم الفراء والزجاج وابن السراج والسيرافي(4) ، وأن الأصل في مميزها الجر بحرف الجر وأما النصب فصورة محولة عن الأصل وذلك لما يأتي :
أن الأصل في المميز جره بمن كما تقدم في بحث التمييز(5) ، يقول سيبويه في نحو قولك : عشرون درهماً ، وكم لك درهماً : " إنما أرادوا : عشرين من الدراهم ، وهذا معنى الكلام ولكنهم حذفوا الألف واللام ، وصيروه إلى الواحد ، وحذفوا مِنْ استخفافاً ... وكذلك كم ، إنما أرادوا كم لك من الدراهم ، أو كم من الدراهم لك "(6) وأصرح منه قول المبرد : " لما اجتمع في كم الاستفهامية وأنها تقع سؤالاً عن واحدٍ كما تقع سؤالاً عن جمعٍ ... دخلت من على الأصل ، ودخلت في التي هي خبر لأنها في العدد والإبهام كهذه "(7) .
__________
(1) ينظر : ظاهرة التعويض ( بحث ) : 4 .
(2) ينظر : التوطئة : 256 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/543-544 .
(3) النكت الحسان : 174 .
(4) ينظر : ارتشاف الضرب : 1/378 ، ومغني اللبيب : 245 ، وشرح الأشموني : 4/80 .
(5) ينظر : 151 .
(6) كتاب سيبويه : 2/157-158 . وينظر : الأصول في النحو : 1/315 .
(7) المقتضب : وينظر : دراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق1/ج2/400 .(1/296)
إذا التبس مميز كم المنصوب بالمفعول به تعيَّن جرُّه بمن ، وفي ذلك رجوع إلى الأصل ، لأن ما كان نصاً في معناه فهو أولى أن يكون أصلاً ، ويكون ذلك إذا فُصِلَ بين كم ومميزها بفعل متعدٍّ نحو : كم أكرمت رجلاً ؟(1) فإذا أريد التمييز وجب جره بمن فتقول : كم أكرمت من رجلٍ ؟ يقول الأعلم ( ت : 476هـ ) : " وتدخل على المنصوب مِن لتخرجه من معنى المفعول إلى معنى التمييز"(2) ويقول ابن حيان : " وتقول : كم ضربت رجلاً ؟ فيجوز أن يكون رجلاً تمييزاً ، ويجوز أن يكون مفعولاً بضربت ، والتمييز محذوف ، فلو دخلتْ مِنْ على رجلٍ لزم أن يكون تمييزاً "(3) .
نصَّ جماعة من النحويين(4) على أنَّ مِنْ الجارة تدخل على مميز كم الاستفهامية وإن كان دخولها على مميز الخبرية أكثر ، وفي ثبوت ذلك بيان أصل مميز كم بنوعيها ، وهو الجر بحرف الجر يقول ابن الحاجب : " وتدخل من فيهما "(5) ويقول أبو حيان : "ويجوز دخول من على تمييز الاستفهامية والخبرية سواءٌ ولِيَها أم فُصِل بينهما "(6) .
__________
(1) ينظر : مشكل إعراب القرآن : 1/125 ، والتبيان : 1/170 ، وارتشاف الضرب : 1/379 ، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق1/ج2/404 .
(2) النكت : 1/532 .
(3) ارتشاف الضرب : 1/379 .
(4) ينظر : شرح المقدمة الكافية : 3/764 ، والمباحث الخفية : 2/1118 ، والبحر المحيط : 2/350 ، وحاشية ياسين على الألفية : 2/338 ، وحاشية الصبان 4/80 ، وحاشية الخضري : 2/322 .
(5) شرح المقدمة الكافية : 3/764 .
(6) البحر المحيط : 2/350 .(1/297)
أما قول الرضي في شرح قول ابن حاجب السابق : " أما في الخبرية فكثير ... وأما مميز كم الاستفهامية فلم أعثر عليه مجروراً بمن في نظمٍ ولا نثر ، ولا دلَّ على جوازه كتابٌ من كتب النحو ولا أدري ما صحته(1) " فقد استدرك عليه القائلون بدخول من على مميز كم الاستفهامية بالمواضع التي فصل فيها بين كم ومميزها بفعل متعد وجيء بمن داخلةً على المميز لئلا يلتبس بالمفعول به كقوله تعالى : { سلْ بني إسرائيلَ كم آتيناهم من آيةٍ بينةٍ } (2) يقول عضيمة : " في القرآن خمسُ آيات تحتمل كم فيها أن تكون استفهامية وخبرية ، وقد جر تمييزها بمن "(3) .
ولقائل أن يقول : هذا إنما هو مع الفصل لمنع اللبس .
ويجاب بأن دخولها – ولو كان مع الفصل – كافٍ في إثبات أصل المسألة ، وهو دخول من على مميز كم الاستفهامية .
وأما قوله بأنه لم يدل على جوازه كتاب من كتب النحو ، فيُردُّ بثبوت ذلك فيها ، يقول المبرد :" فأما قوله : كم من رجلٍ قد رأيته ؟ فتدخل مِنْ وأنت لا تقول : عشرون من رجلٍ ، فإنما ذلك لأن كم استفهام "(4) ويقول القواس : " واعلم أن مِنْ تدخل على مميزها ، أما الاستفهامية ، فنحو : كم من رجلٍ جاءك ؟ وأما الخبرية فكقوله تعالى : { وكم من قرية } (5) "(6) .
__________
(1) شرح الكافية: 3/242-243 .
(2) البقرة : 211 .
(3) دراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق1/ج2/399 . وينظر : 402-403 . وفي قول عضيمة المحال عليه ردٌّ على قول السيوطي في معترك الأقران : 2/195 : إن كم الاستفهامية لم ترِدْ في القرآن .
(4) المقتضب : 3/66 .
(5) الأعراف : 4 .
(6) المباحث الخفية : 2/1118 .(1/298)
كثرة دخول مِنْ على مميز كم الخبرية ، فهذا دليل على أصالة جر مميزها بمن ، والاستفهامية في ذلك كالخبرية من حيث حاجة كلٍّ منهما إلى مميز يرفع إبهامهما ، وإنما غلب نصب مميز كم الاستفهامية بعد نزع حرف الجر تفريقاً بين الاستفهامية والخبرية يقول ابن السراج : " وخُصَّ الاستفهام بالنصب ليكون فرقاً بينه وبين الخبر ... فإذا قلت : كم درهماً لك ، فإنما أردت : كم لك من الدراهم ... ولكنهم حذفوا من استخفافاً "(1)واكتفوا بالواحد،"لأنَّ التمييز يقع واحدُهُ في موضع الجميع"(2).
والعلة في بقاء الجر عند دخول الجار على كم – وإن لم يكن شرطاً فيه – قصدُ التطابق بين كم ومميزها جراًّ(3) .
مميز كم الخبرية :
يأتي مميز كم الخبرية على أحوالٍ ثلاثة :
الأول : أن يكون مجروراً بمن " وهو استعمال شائع في الكلام "(4) ولم تقع في القرآن إلا كذلك يقول أبو حيان : "وكثيراً ما جاءت الخبرية في القرآن ، ولم يأتِ تمييزها في القرآن إلا مجروراً بمن "(5) ومنه قوله تعالى { كم من فئةٍ قليلةٍ غلبتْ فئةً كثيرةً بإذن الله } (6).
الثاني : أن يكون مجروراً من غير مِنْ مفرداً أو مجموعاً ، مثاله مفرداً قول الشاعر(7) :
بناحية الحجلين منعمَّةَ القلبِ ... وكم ليلةٍ قد بتُّها غيرَ آثمٍ
ومثاله مجموعاً قول الآخر(8) :
__________
(1) الأصول في النحو : 1/315 .
(2) المقتضب : 3/58 .
(3) ينظر : شرح الكافية: 3/239 ، وحاشية السجاعي : 310 .
(4) حاشية ياسين على الألفية : 2/339 . وينظر : شرح المفصل : 4/134 ، وشرح المقدمة الكافية : 3/764 .
(5) البحر المحيط : 5/6 . وينظر : 2/591 ، والمقتضب : 3/67 تعليق المحقق .
(6) البقرة : 249 . /6 . وينظر : 2/591 ، والمقتضب : 3/67 تعليق المحقق .
البقرة : 249 .
(7) البيت بلا نسبة في : شرح الأشموني : 4/80 .
(8) البيت بلا نسبة في : مغني اللبيب : 245 ، وشرح الأشموني : 4/80 ، وهمع الهوامع : 2/276 ، الدرر : 4/276.(1/299)
ونعيمِ سوقةٍ بادوا ... كم ملوكٍ باد ملكُهم
الثالث : أن يكون منصوباً ، ومنه – على وجهٍ من التخريج – قول الفرزدق(1) :
فدعاءُ قد حلبتْ عليَّ عشاري ... كم عمةً لك يا جريرُ وخالةً
نظراً لهذه الأحوال الثلاثة اختلف النحويون في توجيه مميز كم الخبرية على قولين :
ذهب أكثر النحويين(2) إلى أن مميز كم الخبرية مجرور بإضافة كم إليه لأنها للتكثير ، والعرب تكثر بالمائة والألف ومميز هذين العددين مجرور بالإضافة فكذلك مميز كم الخبرية ، أو لأن كم شابهت رُبَّ في معناها وهو التكثير ، فجَرَتْ مجراها في الإعمال أما مِنِ الداخلة عليه كما في الحال الأولى فهي زائدة للتوكيد ، وأما انتصابه كما في الحال الثالثة فهو إما من باب حمل كم الخبرية على كم الاستفهامية ، وإما أنه لغة لبعض العرب وهي لغة قليلة ينسبها بعضهم إلى تميم(3) .
__________
(1) البيت في ديوانه : 312 ، وكتاب سيبويه : 2/72 ، 162 ، 166 ، وشرح عيون كتاب سيبويه : 150 ، وإصلاح الخلل : 231 ، ومغني اللبيب : 245 ، وشرح التصريح : 2/280 ، وخزانة الأدب : 6/439 ، وبلا نسبة في : المقتضب : 3/58 ، وسر صناعة الإعراب : 1/331 ، وشرح الكافية الشافية : 4/1707 ، وشرح الأشموني: 4/81.
(2) ينظر : كتاب سيبويه : 2/161 ، والمقتضب : 3/59 ، 66 ، والتبيين : 426 ، واللباب :1/316 ، والإيضاح في شرح المفصل:1/524،وشرح عمدة الحافظ : 1/531 وشرح الكافية: 3/242 ، وارتشاف الضرب : 1/380 ومغني اللبيب : 245 ، والمساعد : 2/109 ، وائتلاف النصرة : 42 ، وهمع الهوامع : 2/277 .
(3) ينظر : كتاب سيبويه : 2/161 ، واللباب : 1/317 ، وشرح المفصل : 4/130 ، وحاشية السجاعي : 307-308 .(1/300)
ذهب آخرون(1) إلى أن مميز كم الخبرية مجرور بحرف جر إما مذكورٍ كما في الحال الأولى وإما مقدرٍ كما في الحال الثانية ، أما انتصابه كما في الحال الثالثة فعلى الحمل على كم الاستفهامية .
وقد نسب سيبويه والمبرد(2) هذا القول إلى بعضهم ولم يعيِّناه ، ونسبه جماعة إلى الخليل والكوفيين(3) يقول الفراء في قوله تعالى : { كم من فئة قليلة } (4) : " إذا أُلقيتْ مِنْ كان في الاسم النكرة النصب والخفض ، من ذلك قول العرب : كم رجلٍ كريمٍ قد رأيت ، وكم جيشاً جراراً قد هزمت ... فمَنْ نصب قال : كان أصل كم الاستفهام وما بعدها من النكرة مفسر كتفسير العدد ، فتركناها في الخبر على جهتها ، وما كانت عليه في الاستفهام فنصبنا ما بعد كم من النكرات ... ومن خفض قال : طال صحبة مِنْ للنكرة في كم ، فلما حذفناها أعملنا إرادتَها ، فخفضنا ، كما قالت العرب : إذا قيل لأحدهم : كيف أصبحت ؟ قال : خيرٍ ، عافاك الله ، فخفض ، يريد : بخيرٍ "(5) .
وإلى هذا المذهب مال النحاس والحيدرة(6) ، ونسبه أبو حيان في النكت(7) إلى الزجاج .
__________
(1) ينظر : معاني القرآن للفراء : 1/168 ،وإعراب القرآن: 1/327 ،وكشف المشكل :2/75 ،والنكت الحسان : 174 .
(2) ينظر : كتاب سيبويه : 2/161 ، والمقتضب : 3/61 .
(3) ينظر : شرح الأبيات المشكلة الإعراب : 62 ، وأمالي ابن الشجري : 2/132 ، وشرح المفصل : 4/134 ، وشرح الكافية الشافية : 4/1710 ، وارتشاف الضرب : 1/379 ، وشرح التصريح : 2/279 ، وهمع الهوامع : 2/276 .
(4) البقرة : 249 .
(5) معاني القرآن : 1/168-169 .
(6) ينظر : إعراب القرآن : 1/327 ، 4/98-99 ، 273 ، وكشف المشكل : 2/75 .
(7) ينظر : 174 .(1/301)
والأرجح من المذهبين الثاني مع تعديل يسير ، وهو أن نصب مميز كم ليس من باب حمل كم الخبرية على كم الاستفهامية ، وإنما هو أحد وجهي نزع حرف الجر في الفضلات ، فإذا ما نزع حرف الجر فإما أن يبقى مدخوله مجروراً ، وإما أن ينتصب على أحد وجوه النصب المقصود من الكلام كالتمييز ، وخولف بين مميزَيْ كم للفرق بين نوعي كم ، فإذا ما اتضح المعنى وفُهم المراد جُر مميز كم الاستفهامية ، ونُصب مميز كم الخبرية ، والحجة في ترجيح هذا القول ما يأتي :
كثرة إظهار مِنْ مع مميز كم الخبرية حتى إنه لم يرد في القرآن إلا مجروراً بمن كما تقدم(1) فأنْ يُحمَلَ جرُّه في الحال الثانية على تقدير مِنْ أولى من أن يُدَّعى جرُّه بالمضاف ( كم ) ، يقول ابن الحاجب : " وجه القول الآخر ( أي إضمار مِنْ ) ما ثبت من إظهار الجار في كثير من كلامهم ، وهي مع حذفها بمعناها فحُملتْ عليها "(2) وذلك لأن الشيء إذا عرف في موضعٍ وكثر استعماله فيه جاز تركه لقوة الدلالة عليه(3) .
__________
(1) ينظر : 190-191 .
(2) الإيضاح في شرح المفصل : 1/528 . وينظر شرح المقدمة الكافية : 3/764 .
(3) ينظر : أمالي ابن الشجري : 2/132 ، وشرح الكافية : 3/240 .(1/302)
إذا التبس مميز كم الخبرية بالمفعول به تعين إدخال مِنْ عند إرادة التمييز(1) ، ففي ذلك دليل على أصالة جر مميز كم الخبرية بمن ، لأن مالا لبس فيه مقدَّمٌ على ما فيه لبسٌ وما أفاد المراد نصاًّ أصل لما لم يفده إلاَّ احتمالاً ، ويكون ذلك إذا فُصِلَ بين كم الخبرية ومميزها بفعل متعدٍّ ، من ذلك قوله تعالى: { وكم قصمنا من قريةٍ } (2) و { وكم أرسلنا من نبي في الأولين } (3) و { كم تركوا من جناتٍ وعيون } (4) قال النحاس : " وأفصح اللغات إذا فَصَلْتَ أن تأتي بمن ، وهي اللغة التي جاء بها القرآن "(5)
التصريح بمن في المعطوف على مميز كم الخبرية المجرد منها ، ففيه دليل على إرادتها في المعطوف عليه ، وذلك قول الشاعر(6) :
كم ضاحكٍ من ذا ومِنْ ساخرِ ... يا عجبَ الناسِ متَى سُوِّيا
أي : كم من ضاحكٍ ومن ساخرِ .
وبذلك استدل أبو علي الفارسي(7) ، واستدل أيضاً بقول الشاعر(8) :
بفودَيْه سبعون السنينَ الكواملِ ... رأين خليساً بعد أحوى تلعَّبتْ
أي سبعون من السنين الكوامل(9) .
__________
(1) ينظر : شرح الكافية : 3/242 ، وشرح التصريح : 2/279 ، وحاشية السجاعي : 307 ، وحاشية الصبان : 4/83 ودراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق1/ج2/404 .
(2) الأنبياء : 11 .
(3) الزخرف : 6 .
(4) الدخان : 25 .
(5) إعراب القرآن : 4/99 . وينظر : 3/66 .
(6) البيت للأعشى بن ميمون في : ديوانه : 191 ، وشرح الأبيات المشكلة الإعراب : 62 ، ورواية الديوان : كم ضاحكٍ من ذا وكم ساخرٍ ، ولا شاهد فيه على هذه الرواية .
(7) ينظر شرح الأبيات المشكلة الإعراب : 62 .
(8) البيت لجرير أو لغيره في : شرح الأبيات المشكلة الإعراب : 62 ، وليس في ديوانه ، ولا في شرح ديوانه ، ولأبي حية النميري في : أمالي ابن الشجري :2/132 .
(9) ينظر : شرح الأبيات المشكلة الإعراب : 62 .(1/303)
ووجه الدلالة أن كم الخبرية كناية عن عدد كثير ، كما أن العدد سبعين يراد به غالباً التكثير ، وقد جاء مميزه في البيت المذكور مجروراً بمن المقدرة ، فكذا مميز كم الخبرية .
ومما يضعف المذهب الأول وهو أنَّ جر مميز كم الخبرية بها لمشابهتها العدد الكثير ( المائة والألف ) وأن مِنْ في حال دخولها زائدةٌ ، الأمور الآتية :
أنه يُفصل بين كم الخبرية ومميزها منصوباً ومجروراً ، مجرداً من مِنْ ومقروناً بها ، فمن الأول قول الشاعر(1) :
إذ لا أكادُ من الإقتارِ أَحْتَمِلُ ... كم نالني منهمُ فضلاً على عَدَمٍ
ومن الثاني قول الآخر(2) :
ضخمِ الدسيعةِ ماجدٍ نفَّاع ... كم في بني بكرِ بنِ سعدٍ سيِّدٍ
ومن الثالث قوله تعالى : { كم تركوا من جناتٍ وعيون } (3) .
__________
(1) البيت للقطامي في : ديوانه : 30 ، وكتاب سيبويه : 2/165 ، وجمهرة أشعار العرب : 655 ، واللمع : 207 وشرح المفصل : 4/131 ، وخزانة الأدب : 6/432 والدرر : 4/49 ، ورواية الديوان : فضلٌ بالرفع ، ولاشاهد فيه على هذه الرواية ، وبلا نسبة في : المقتضب : 3/60 ، والإنصاف : 1/284 ، وشرح عمدة الحافظ : 1/535 وشرح الأشموني : 4/82 ، وهمع الهوامع : 2/277 .
(2) البيت للفرزدق في : شرح المفصل : 4/132 ، وخزانة الأدب : 6/431 ، وليس في شرح ديوانه ، وبلا نسبة في : كتاب سيبويه : 2/168 ، والمقتضب : 3/62 ، والإنصاف : 1/382 ، وشرح الكافية الشافية : 4/1709 ، وشرح الأشموني : 4/82 ، وخزانة الأدب : 6/431 .
(3) الدخان : 25 .(1/304)
على تفصيل عند النحويين في نوع الفاصل وفي حكم الفصل به ، وهي من مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين(1) ولا يتأتى شيء من ذلك في إضافة العدد إلى المعدود ، فَيَبْعُدُ بذلك عقدُ المشابهة في حكم الإضافة بين كم ومميزها وبين العدد والمعدود .
2- أن المشهور بالتكثير في الأعداد هو العدد سبعون ، ومن التكثير به قوله تعالى : { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرةً فلن يغفر الله لهم } (2) يقول الزمخشري : " والسبعون جارٍ مجرى المثَل في كلامهم للتكثير "(3) فلو كانت موازنة كم الخبرية بالأعداد المفيدة للتكثير مقصودةً لكان العدد سبعون أولى بأن تأخذ كم أحكامه ومنها نصب مميِّزه ، من أن تأخذ أحكامَ المائة والألف .
3- أن قولهم بزيادة من الداخلة على مميز كم الخبرية يُخِلُّ بشرط زيادتها عندهم وهو تقدُّم نفيٍ أو شبهه ، ويُجوِّز زيادتَها في غير مواضعها ، يقول أبو حيان في قوله تعالى : { كم من فئة } (4) :" (من فئة ) قيل زائدة ، وليس من مواضع زيادتها "(5) ويقول ياسين : " تزاد من في تمييز كم الخبرية إذا فُصِلَ بينه وبين كم بفعل متعدٍّ ، نحو : { كم تركوا من جنات } (6) ... وهذا واردٌ على اشتراطهم هنا تقدم النفي وشبهه "(7) .
ثم إنَّ القول بأصالة حرف الجر مع تقديره محذوفاً أولى من القول بزيادته مذكوراً على فرض التسليم بزيادة مِنْ في الإيجاب .
__________
(1) ينظر تفصيل ذلك في : كتاب سيبويه :2/165 ، الجمل : 135 ، والإنصاف : 1/282-287 ، والتبيين : 429-431 ، واللباب :1/318 والإيضاح في شرح المفصل : 1/526 ، وشرح الكافية: 3/240 ، وارتشاف الضرب : 1/380 ، والمساعد : 2/112 ، وائتلاف النصرة : 41 ، وشرح الأشموني : 4/81 ، والأشباه والنظائر : 4/121 .
(2) التوبة : 80 .
(3) الكشاف : 2/205 .
(4) البقرة : 249 .
(5) البحر المحيط : 2/591 .
(6) الدخان : 25 .
(7) حاشية ياسين على الألفية : 1/343 .(1/305)
لذلك يترجح القول بأصالة مِنْ الداخلة على مميز كم الخبرية وأنها البيانية التي تدخل على كل مميز يقول الخضري ( ت : 1287 هـ ) فيها : " وهي من البيانية لأنها هي التي تجر التمييز مطلقاً لبيان جنس المميز "(1) وعليه يكون متعلقها محذوفاً صفة لكم ، يقول أبو حيان : " ( من فئة ) قيل : زائدة وليس من مواضع زيادتها ، وقيل : في موضع الصفة لكم "(2) واختار الأنطاكي أن يكون متعلقها حالاً محذوفةً(3) .
ويمكن إيجاز القول في ما سبق في النقاط الآتية :
الأصل في مميز كم بنوعيها الجر بحرف الجر .
كثر استعمال حرف الجر مع مميز كم وعُرف موضعه ، لذلك ساغ نزعُه .
إذا نزع حرف الجر ( من ) فإما أن يبقى المميز مجروراً وإما أن ينتصب .
غلب النصب على مميز كم الاستفهامية ، والجر على مميز كم الخبرية تفريقاً بين نوعي كم فإذا اتضح معنى كلٍّ جاز جر مميز الاستفهامية ونصب مميز الخبرية .
إذا التبس مميز كم المنصوب بالمفعول به وجب الرجوع إلى الأصل وهو الجر بحرف الجر .
حرف الجر الداخل على مميز كم أصلي وليس بزائدٍ ومتعلقه محذوف نعتًا لكم أو حالاً منها.
د- نزع حرف الجر من ( أمسِ )
لأمس استعمالان(4) ، يستعمل ظرفاً وغيرَ ظرفٍ .
الاستعمال الأول :
إذا استعمل أمسِ ظرفاً كان مكسوراً عند جميع العرب(5) ، نحو : جئتك أمسِ ، وفي كونه معرباً أو مبنياً خلاف بين النحويين :
__________
(1) حاشية الخضري : 2/322 .
(2) البحر المحيط : 2/591 .
(3) ينظر : المنهاج : 116 .
(4) ينظر تفصيل ذلك في : كتاب سيبويه : 2/162 ، 3/283 ، والمقتضب : 3/183 ، والمسائل العضديات : 244،وشرح عيون كتاب سيبويه : 205، وأمالي ابن الشجري : 2/595 ، والأمالي النحوية : 4/81 ، والإيضاح في شرح المفصل : 1/516 ، وشرح شذور الذهب : 98، وشرح الأشموني : 3/267 ، وخزانة الأدب : 7/153.
(5) ينظر :ارتشاف الضرب :2/249 ، والمساعد :1/519 ، وهمع الهوامع :2/138 ،وحاشية ياسين على الألفية:1/22.(1/306)
ذهب أكثر النحويين إلى أن حركته حركة بناء ، ثم اختلفوا في علة بنائه على أقوال(1) :
قيل : لتضمنه معنى حرف التعريف ، وهو اللام ،وعليه الأكثرون .
وقيل : لتضمنه معنى حرف الإشارة .
وقيل : لأنه في معنى الفعل .
وقيل : لشبهه الحرف ؛ لافتقاره في الدلالة على موضوعه إلى اليوم الذي أنت فيه .
وكسر لأجل التقاء الساكنين .
ذهب الخليل إلى أن حركته حركة إعراب ، ولكنهم نزعوا حرفَ الجر والألفَ واللامَ تخفيفاً فالأصل في : لقيته أمسِ ، لقيته بالأمس(2) .
قال سيبويه في رد قول الخليل : " ولا يقوى قولُ الخليل في أمسِ ، لأنك تقول : ذهب أمسِ بما فيه"(3) .
حكى ابن خالويه قولاً مركباً من القولين السابقين ، فقال : " وقال آخرون إنما بني لأن العرب لا تكاد تنطق به إلا مع الباء ... فلما نزعوا الباء تركوه على نية الباء "(4) .
ذهب قوم(5) منهم الكسائي إلى أنه ليس معرباً ولا مبنياً ، بل هو محكي ، سمِّيَ بفعل الأمر فقولك : جئت أمسِ معناه : الذي كنت تقول فيه : أمسِ ، فكثرت هذه الكلمة على ألسنتهم حتى صارت لليوم الذي قبل يومك وليلتك .
وقريب من هذا قول السهيلي(6) ، إلا أنه صرح ببناء أمسِ .
والراجح من هذه المذاهب قولُ الخليل لوجوه :
__________
(1) ينظر تفصيل ذلك في : المسائل العضديات : 245 ، وشرح المقدمة المحسبة : 1/183-184 ، والمقتصد : 1/141 وشرح الفصيح للزمخشري : 2/681 ، وأسرار العربية : 51، والغرة المخفية : 1/97 ، والمباحث الخفية : 1/233 .
(2) ينظر : كتب سيبويه : 2/162 .
(3) المرجع السابق : 2/164 .
(4) ليس في كلام العرب : 297 .
(5) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/249 ، وهمع الهوامع : 2/138 .
(6) ينظر : نتائج الفكر : 113-114 ، وارتشاف الضرب : 2/249 .(1/307)
أحدها : ما قاله ابن خالويه آنفاً من أن العرب لا تكاد تنطق بأمس إلا مع الباء ، ولم يقع في القرآن إلا كذلك يقول عضيمة : " وكل ما وقع من أمس في القرآن كان بأل ، ومجروراً بالباء "(1) فلما كثر استعماله كذلك تخففوا منه بنزع حرف الجر وأل .
ثانيها : أن الأصل في الأسماء الإعراب ، والبناءُ خلافُ الأصلُ ، ومهما أمكن الإبقاء على الأصل فهو أولى ، وقول الخليل موافق للأصل فهو أولى .
ثالثها : أن البناء غير ممتنع في الأسماء عند تحقق موجبه ، وما ذكره الأكثرون من أن علة بنائه تضمُّنُه معنى لام التعريف غير مطابق لموجب البناء بالتضمن ، وذلك لأن التضمن الموجب للبناء " هو أن يخلف الاسمُ الحرفَ على معناه ، ويطرح غيرَ منظور إليه كما ... في تضمن متى معنى الهمزة "(2) فالاسم المتضمن معنى الحرف لا يجوز إظهار الحرف معه في ذلك المكان(3) وأمسِ لا يمتنع أن يظهر معه أل ، بل هو الغالب فيه .
__________
(1) دراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق3/ج2/705 .
(2) شرح الأشموني : 2/127 .
(3) ينظر : الأشباه والنظائر : 1/243 .(1/308)
وأجاب بعضهم(1) عن ذلك بأنه إنما دخلت عليه أل بعد تنكيره وإعرابه . وفي هذا الجواب تكلُّفٌ يغني عنه القول بأن أمس ظرف ، والأصل في الظرف الجر بحرف جر يفيد الظرفية ، وقد غلب دخول الباء عليه ، فتخففوا منه بنزعها ونزع أل ، لاسيما وقد جاء أمسِ مقترناً بأل مجروراً على تقدير حرف الجر في قول الشاعر(2) :
ببابك حتى كادتِ الشمسُ تغربُ ... وإني وقفتُ اليومَ والأمسِ قبلَه
فيبعد عندئذ القول ببناء أمسِ مع اقترانه بأل ، لذا احتاج القائلون بالبناء إلى الإجابة عن ذلك(3) بأن أل زائدة ، والبناء مستصحب ، أو أنه توهم دخول في على اليوم ، ثم عطف عليه عطف التوهم ، وأسهل من ذلك كله القول بنزع حرف الجر وبقاء عمله ، كيف " والحمل على التوهم – ما وُجِدَ محملٌ صحيحٌ– بعيد من الحكمة "(4) والقول باستصحاب البناء مبني على التسليم ببناء أمسِ مجردة من أل وهو موضع النزاع !
__________
(1) ينظر : المباحث الخفية : 1/233 ، وحاشية حمدون : 51 .
(2) البيت لنصيب بن رباح في : ديوانه : 62 ، والأغاني : 5/34 ، ولسان العرب : ( أين ) و ( أمس ) ، وبلا نسبة في: الخصائص : 1/394 ، 3/57 ، وأمالي ابن الشجري : 2/596 ، والإنصاف : 1/298 ، وشرح المفصل : 2/260 وارتشاف الضرب : 2/250 ، وشرح شذور الذهب : 101 ، وهمع الهوامع : 2/140 ، ويروى البيت بفتح سين (الأمس ) وكسره ، وعلى رواية الفتح لا شاهد فيه لأنه منصوب عطفاً على الظرف ( اليوم ) .
(3) ينظر : معاني القرآن للفراء : 1/467 ، وليس في كلام العرب : 297 ، وارتشاف الضرب : 2/250 ، وشرح شذور الذهب : 102 ، وهمع الهوامع : 2/140 ، وحاشية الصبان : 3/268 ، وحاشية الخضري : 1/68 .
(4) شرح الشافية : 1/30 .(1/309)
رابعها : أن أغلب استعمالات أمسِ قد جاءت على الإعراب إذ كان غير ظرف(1) ، وذلك إذا نكِّر أو عرف بأل ظاهرةً ، أو أضيف ، أو جُمع جمع تكسير ، أو صغر على رأي ، كقولك : رُبَّ أمسٍ تمنيت عودته ، و : إنَّ الأمسَ يوم حسنٌ ، وما كان أطيب أمسَنا ، ومرت بنا أموسٌ طيبةٌ ، ومر بنا أميسٌ مرَّ النسيم ، فإلحاق أمسِ الظرف بما غلب استعماله فيه غير ظرف أولى ليجري الاسم على سنن واحدٍ وهو الإعراب .
خامسها : أنَّ رد سيبويه على الخليل بأن قوله لا يقوى في أمسِ لأنك تقول : ذهب أمسِ بما فيه كما تقدم ، احتجاجٌ بغير صورة المسألة إذ الكلام في أمسِ المستعمل ظرفاً ، والمثال المذكور جاء فيه أمسِ غير ظرف ، ففيه إلزام للخليل بما لم يلتزم به ، بل إن سيبويه ذكر عن الخليل في موضعين من كتابه(2) ما ظاهره القول ببناء أمسِ غير الظرفية ، وسيأتي توجيه أمس غير الظرفية بما يوافق توجيه الخليل في أمسِ الظرفية .
ولو اعتُرض بنحو قولهم(3) : لقيته أمسِ الأحدثَ ، بنصب الأحدث ، لكان متجهاً لكنَّ الإجابة عنه أيسر من مخالفة الوجوه الخمسة السابق ذكرها عند القول ببناء أمس ، فيقال في توجيه نصب الأحدث: إنه نعت مقطوعٌ إلى النصب(4) .
فإذا ما تقرر أن أمسِ المستعمل ظرفاً إنما هو على تقدير حرف جر محذوف مع أل ، فما المراد به وهل ثمة فرقٌ في استعماله مقترناً بأل ، ومجرداً منها ؟
يقول الخضري في المجرد من أل : " هو اليوم الذي يليه يومك خاصة ، أو اليوم المعهود ، وإن بعُد ... فيكون كالمحلى بأل ، أما المنوَّنُ فيعم كل أمس "(5) .
__________
(1) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/249 ، وشرح شذور الذهب : 100 ، والمساعد : 2/520 ، وشرح الأشموني : 3/268 ، وهمع الهوامع : 2/140 ، وحاشية الخضري : 1/67 .
(2) ينظر : 3/283 ، 302 .
(3) ينظر : كتاب سيبويه : 2/183 ، ومعاني القرآن للأخفش : 1/158 .
(4) ينظر : شرح الكافية: 2/343 ، 345 .
(5) حاشية الخضري : 1/67 .(1/310)
وذهب فاضل السامرائي(1) إلى أن بين المجرد من أل ، والمقترن بها فرقاً ، فإذا قلت : فعلت هذا أمسِ ، وفعلت هذا بالأمسِ ، فالأول يراد به اليوم الذي يليه يومك أما الثاني فيراد به اليوم المعهود بينك وبين المخاطب ، أي : اليوم الذي يعلمه المخاطب سواء أكان الذي يليه يومك أم كان ما قبله .
والذي يظهر للباحث أنه إن كان ثمة عهدٌ وعلم سابق بينك وبين المخاطب فإن أمس ِ يدُلُّ على ذلك اليوم المعهود سواءٌ اقترن بأل أم لا ، وإن لم يكن ثمة عهد سابق فمقتضى كونه معرفةً أن يدُلَّ على يوم معين ، وأصدق يوم يدل عليه هو اليوم الذي يليه يومُك ، سواءٌ اقترن بأل أم لا ، أما إذا لم يُقْصَدْ به يومٌ معين لا بالعهد ولا بالأصدقيَّة كان نكرةً منونة فتقول : جئتك أمساً .
الاستعمال الثاني :
إذا استعمل ( أمسِ ) غير ظرف ، فإن تجرد من أل والإضافة وأفرد وأريد به معين ، نحو : ذهب أمسِ بما فيه ، وأمسِ الدابرُ لا يعود ، ففيه لغاتٌ(2) :
الحجازيون يكسرون آخره رفعاً ونصباً وجراً ، فيقال : ذهب أمسِ بما فيه ، وأحببت أمسِ السعيد وما رأيتك مذ أمسِ .
ومن التميميين من يعربه إعراب مالا ينصرف في الرفع فقط ، ويكسرونه في النصب والجر فيوافقون الحجازيين في النصب والجر ويخالفونهم في الرفع .
ومنهم من يعربه إعراب مالا ينصرف مطلقاً .
ومنهم من يعربه إعراب المنصرف في الأحوال الثلاثة ، فيقال : ذهب أمسٌ بما فيه ، قال ابن يعيش : " وهو غريبٌ في الاستعمال دون القياس "(3) .
__________
(1) ينظر : معاني النحو : 2/635 .
(2) ينظر تفصيل ذلك في : كتاب سيبويه : 3/283، والمسائل العضديات : 244 ، والأمالي النحوية : 4/81 ، وشرح الكافية: 3/309، وارتشاف الضرب : 2/249 ، وهمع الهوامع : 2/139، وخزانة الأدب : 7/153.
(3) شرح المفصل : 4/107 . وينظر : الأشباه والنظائر : 2/180 .(1/311)
ويذهب النحويون في توجيه لغة الحجازيين ، وما وافقهم فيه التميميون إلى أن أمسِ مبني على الكسر ، كما هو قولهم في أمسِ الظرفية .
ولو ذهب ذاهبٌ إلى أن ( أمسِ ) معربٌ منصرفٌ مطلقاً ، لكان وجهاً له ما يسوغه من ذلك(1) :
أن الأصل في الأسماء الإعراب .
أن الأغلب في استعمالات أمسِ الإعراب .
أن علة البناء غير متجهة .
أن في هذا التوجيه تخلُّصاً من جعل أمسِ معرباً تارة ومبنياً تارة .
أن في هذا التوجيه تخلصاً من جعل أمسِ مبنياً تارة بالكسر كما هو مذهب الأكثرين وتارة بالفتح كما ذهب إليه الزجاجي(2) في نحو : مذ أمسَ وسيأتي ، " والأصل في المبني ألا تختلف صيغه"(3).
وما يشكل على هذا التوجيه يخرج على أحد التخريجين الآتيين :
أن تقدر مع ( أمس ) الألف واللام ، فيقال في نحو : ذهب أمسُ بما فيه التقدير : ذهب الأمسُ بما فيه ، ومن ذلك قول الشاعر(4) :
كذاك الزمانُ بيننا يتردَّدُ ... هل الدهرُ إلا اليومُ أو أمسُ أو غدٌ
أي : ما الدهر إلا اليوم أو الأمسُ أو غد ٌ .
وهذا التخريج مأخوذ من قول الخليل في أمس الظرفية(5) التي ينزع منها حرف الجر وأل ، فلا يستبعد أن ينزع من أمسِ غير الظرفية أل وحدها والعلة هي العلة وهي كثرة الاستعمال ، والغرض هو الغرض وهو التخفيف .
__________
(1) ينظر تفصيل ماعدا الأخير في ما سبق : 198-199 .
(2) ينظر : الجمل : 299 ، وهذا البحث : 201 .
(3) مغني اللبيب : 58 .
(4) البيت لحاتم الطائي في ديوانه : 33 .
(5) ينظر : كتاب سيبويه : 2/162 ، وهذا البحث : 197 .(1/312)
أن يكون أمس مضافاً إلى ياء المتكلم التي قصِّرت حركتها في النطق واكتفي بالكسرة ، فيقال في نحو : أمسِ الدابرُ لا يعود ، وذهب أمسِ بما فيه ؛ الأصل أمسي الدابرُ لا يعود ، وذهب أمسي بما فيه . ولهذا نظائر(1) منها قولهم في الذي : الذِ ، وفي التي : التِ ، وفي ياقومي : ياقومِ ، ويعبر النحويون عن تقصير الحركة الطويلة في نحو ما تقدم بالحذف " وهذا يمكن تعليله على أن من قال بهذا القول نظر إلى الحروف المكتوبة أو إلى الكتابة ، لأن من عادة العرب التسامح في اللفظ ، أما في النطق فإن الياء في هذه الحالة هي المد ، والمد لم يحذف ، إنما قصِّر فأصبح حركة قصيرة ، وكان قبل القصر حركةً طويلةً "(2) .
فإذا أضيف أمس إلى غير ياء المتكلم تبيَّن فيه الإعرابُ ، فتقول : أمسُنا الذاهبُ لايعود ، والإضافة لا تمنع البناء لو كان مبنيّاً ، ولكنه لما كان مضافاً إلى ياء المتكلم التي يتعذر معها ظهورُ حركة الإعراب ، ولزمت الكسرة لمناسبة الياء ، وقصِّرت مَدَّةُ الياء ، قيل ببناء أمس على الكسر .
أما ما ذُكر عن بعض بني تميم من استعمال أمس غير منصرف في الرفع وغيره واستشهدوا له بقول الراجز(3) :
عجائزاً مثل السعالى خمسا ... لقد رأيت عجباً مذ أمسا
فقد نازع في إثبات ذلك أبو على الشلوبيني ، وغلَّط حكاية هذا الوجه من الاستعمال عنهم(4) ، وعلى فرض التسليم بثبوت ذلك وفقاً للشاهد المذكور اختلف النحويون في توجيهه على قولين :
__________
(1) ينظر : الحذف والتعويض في اللهجات العربية : 198-203 .
(2) المرجع السابق : 200-201 .
(3) الرجز بلا نسبة في : كتاب سيبويه : 3/285 ، والنوادر في اللغة : 57 ، والجمل : 299 ، والمسائل العضديات : 246 ، والإفصاح : 237 ، وأمالي ابن الشجري : 2/596 ، وأسرار العربية : 52 ، وشرح المفصل : 4/106 وشرح شذور الذهب : 99 ، وخزانة الأدب : 7/153 ، والدرر : 3/108 .
(4) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/249 .(1/313)
ذهب الزجاجي إلى بنائه على الفتح فقال: " ومن العرب من يبنيه على الفتح "(1) وذكر الشاهد السابق .
لم يرتضِ النحويون(2) القول بالبناء هنا ، وغلََّطوا ما ذهب إليه الزجاجي فيه ، وخرجوا مذ أمسَ في الشاهد المذكور على إعراب أمس مع منعه من الصرف لغةً لبعضهم ، يقول الرضي : " ليس بناء أمسِ على الفتح لغة ، كما قال الزجاجي ، مغتراً بقوله :
لقد رأيت عجباً مذ أمسا "(3)
ففي تغليطهم ما ذهب إليه الزجاجي من بناء أمس على الفتح ميلٌ إلى إعرابه وإن كان مع المنع من الصرف ، فهذا يقوي جانب الإعراب في أمسِ الظرفية وغير الظرفية على ما ذهب إليه الباحث ، إلا أن هذا الشاهد لا يتأتى فيه التخريجان السابقان في إعراب أمس إعراب ما ينصرف بتقدير الإضافة إلى ياء المتكلم أو بتقدير أل ، لأنه ليس اسماً بل هو خارج من دائرة الاسمية إلى دائرة الفعلية كما ذهب إليه السهيلي ولم يستبعده(4) ، والتقدير : مذ أمسى المساء(5) .
والخلاصة أن ( أمس ) الاسمية معرب منصرف مطلقاً سواءٌ أظرفاً كان أم غيرَ ظرفٍ ، فالمستعملُ ظرفاً مجرورٌ بحرف جر محذوف مع أل نحو لقيتك أمسِ ، أي : بالأمسِ ، والمستعمل غير ظرف كمجيئه فاعلاً أو مبتدأ ، يقدر معه أل أو الإضافة إلى ياء المتكلم ، نحو : أمسِ الدابرُ لا يعود والتقدير : أمسي الدابر ، ونحو : ما رأيتك مذ أمسِ ، التقدير : ما رأيتك مذ الأمسِ ، ونحو : أمسُ الدابرُ لايعود التقدير : الأمسُ الدابرُ لايعود ، ومالا يتأتى فيه ذلك يخرُجُ عن كونه اسماً إلى كونه فعلاً نحو : مذ أمسا أي : مذ أمسى المساء .
هـ - مواضع ينزع فيها حرف الجر ويبقى فيها عمله لتقدم ذكره
__________
(1) الجمل : 299 ، وينظر : الانتخاب : 632 .
(2) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/249 ، وشرح قطر الندى : 25 والمساعد : 1/520 ، وخزانة الأدب : 7/154.
(3) شرح الكافية : 3/312 .
(4) ينظر : نتائج الفكر : 114 .
(5) ينظر : شرح قطر الندى : 25 .(1/314)
ذكر جماعة من النحويين(1) مواضعَ ينزع فيها حرف الجر ويبقى عمله قياساً مطرداً ، وضابطها العام هو تقدم ذكر مثيل المحذوف ، يقول سيبويه في أحد تلك المواضع : " ولا يجوز أن يضمر الجار لكنهم لما ذكروه أول كلامهم شبهوه بغيره من الفعل "(2) أي : في حذفه مع بقاء عمله " فأَعْلَمَ بهذا أن حرف الجر إذا جرى ذكرُه كان إضمارُه أقوى من إضماره إذا لم يجر ذكره "(3) ، ويعلل الرضي نزع الجار وإبقاء عمله في بعض مواضعه الآتي ذكرها بقوله : " وذلك لقوة الدلالة على الجار بتقدم ذكره"(4).
والحق أن مجرد تقدم ذكر الجار لا يكفي لكي يكون نزعه قياسياً ، فإن غاية تقدم ذكره جوازُ نزعه لا كونه قياسياً(5) فلابد في كل موضعٍ تقدَّم ذكرُ مثيل حرف الجر المنزوع من ضابط خاص ينضبط به الموضع ويقاس عليه ما يماثله ، وهذا أوان الشروع في بيان تلك المواضع :
أ– أن يكون حرف الجر المنزوع مسبوقاً بإن الشرطية ، أو إلاَّ المكونة من إن الشرطية ولا النافية وقبل ذلك كلامٌ مشتمل على مثيل للحرف المنزوع مثال ذلك : سلِّمْ على مَنْ شئت إن محمدٍ وإن عليٍّ والتقدير : إن شئت فسلم على محمدٍ ، وإن شئت فسلم على عليٍّ .
__________
(1) ينظر : التسهيل : 148 ، وشرحه لابن مالك : 3/58 ، وشرح الكافية الشافية : 2/826 ، وارتشاف الضرب : 2/470 ، والمساعد : 2/295 ، وشرح الأشموني : 2/234 ، وهمع الهوامع : 2/385 والنحو الوافي : 2/532 .
(2) كتاب سيبويه : 1/263 .
(3) المسائل البغداديات : 467 .
(4) شرح الكافية: 2/177 . وينظر : شرح ألفية ابن مالك : 146 .
(5) ينظر : حاشية الصبان : 1/243 .(1/315)
وقولُك : مررت برجلٍ إلاَّ صالحٍ فطالحٍ ، والتقدير : إلا أمرُّ بصالح فقد مررت بطالحٍ ، يقول سيبويه في باب ما يضمر فيه الفعلُ المستعمل إظهاره بعد حرف : " ومن ذلك أيضاً قولك : مررت برجل صالحٍ ، وإلاَّ صالحاً فطالحٌ ، ومن العرب من يقول : إلا صالحاً فطالحاً ، كأنه يقول : إلا يكن صالحاً فقد مررت به أو لقيته طالحاً ، وزعم يونس أن من العرب من يقول : إلا صالحٍ فطالحٍ ، على: إلا أكن مررت بصالحٍ فبطالحٍ ... ومن ثَمَّ قال يونس : امرر على أيُّهم أفضلُ إن زيدٍ وإن عمروٍ يعني : إن مررت بزيدٍ أو مررت بعمروٍ "(1) .
وهل من شرطِ نزع حرف الجر بعد إنْ وإلا هاهنا أنْ يَصحَّ رجوعُ ضمير كان المقدر إلى مصدرِ ما عُدِّيَ بحرف جر كما أشار إليه الرضي وأبو حيان(2) نحو : المرءُ مقتول بما قتل به إن سيفٍ فسيفٍ أي : إن كان قتلُه بسيفٍ فقتلُه بسيفٍ ونحو : مررت برجلٍ إلا صالحٍ فطالحٍ ، أي : إلا يكن المرور بصالحٍ فالمرور بطالحٍ ؟
ظاهر تقدير سيبويه(3) في ما حكاه عن يونس عدم اشتراطه ، وذلك لأنه قدر فعل الكون مسنداً إلى ضمير المتكلم ثم قدر بعده فعلاً آخر ، بل ليس من شرط نزع الجار بعد إن وإلاّ أن يكون الجارُّ المنزوع ومجرورُه واقعين في حيِّز كان المقدرة يرشد إلى ذلك تقدير سيبويه في ما حكاه عن يونس(4) في نحو : امرر على أيُّهم أفضل إن زيدٍ وإن عمروٍ أي : إن مررت بزيدٍ وإن مررت بعمروٍ ، وكذلك تقدير ابن مالك(5) في : إلا صالحٍ فطالحٍ ، قدره : إلا أمرُّ بصالحٍ فقد مررت بطالحٍ .
__________
(1) كتاب سيبويه :1/262-263 .
(2) ينظر : شرح الكافية: 2/177 ، وارتشاف الضرب : 2/98 .
(3) ينظر : كتاب سيبويه :1/262 .
(4) ينظر : المرجع السابق : 1/263 .
(5) شرح الكافية الشافية : 2/827 ، وشواهد التوضيح والتصحيح : 93-94 .(1/316)
ووجه تقدير كان بعد إنْ وإلا أنه موضع يكثر حذفها مع اسمها ويبقى خبرُها ، أو مع خبرها ويبقى اسمُها كما في قولهم : الناس مجزيون بأعمالهم إن خيراً فخيرٌ ، وإن شراًّ فشرٌّ ، وثمة أوجهٌ أربعةٌ مشهورة في مثل هذا التركيب(1) أرجحها نصبُ ما بعد إن ورفع ما بعد الفاء ، والتقدير : إن كان عملُهم خيراً ، فجزاؤهم خيرٌ .
فمن بنى على هذا الأصل قدَّرَ كان واسمَها وربما قدر فعلاً آخر وحرف جر ، فكثرت عنده المقدرات ، كما هو تقدير سيبويه(2) : إلا أكن مررت بصالحٍ فبطالحٍ ، ولكثرة التقديرات ضُعِّفَ جرُّ الاسم بعد إن وإلاَّ(3) .
ومن أبقى على هذا الأصل ، وقلل المقدرات اشترط أن يرجع ضمير كان على مصدر المجرور بالحرف المذكور كما في تقدير الرضي(4) : إلا يكن المرور بصالحٍ . ولا يطرد هذا التقدير في نحو : امرر على أيُّهم أفضلُ ، إن زيدٍ وإن عمروٍ .
ومن لم يعبأ بتقدير كان بعد إن وإلاَّ قلَّت عنده المقدرات المحذوفة كما هو صنيع ابن مالك في جعله التقدير : إلا أمرُّ بصالحٍ فقد مررت بطالحٍ .
ورأى بعضُ النحويين(5) في تقدير ابن مالك نقضاً للمعنى ، وأوجب تقدير الكون لتصحيح المعنى وذلك لأنك أثبت المرور أولاً بقولك : مررت برجل ، ثم قلت : إلا أمر بصالحٍ ، والمرورُ واقعٌ فلابد من إضمار الكون ليدل على الاستقبال على أن المعنى : إلاَّ أكن في ما يستقبل موصوفاً بكوني مررت بصالحٍ فأنا قد مررت بطالحٍ .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه :1/258-259 ، وشرح الكافية: 2/175-177 ، وارتشاف الضرب : 2/96-98 .
(2) ينظر : كتاب سيبويه :1/262 .
(3) ينظر : كتاب سيبويه :1/262-263 ، والتعليقة : 1/174 .
(4) ينظر : شرح الكافية: 2/177 .
(5) ينظر : شرح التصريح : 2/23 ، وحاشية الصبان : 2/235 .(1/317)
والمختار أنه مهما أمكن تقليل المقدر مع سلامة المعنى فهو أولى ، لذا يترجح طريقة الرضي في التقدير في ما أمكن أن يأتي فيه ذلك التقدير ، ومالا يتأتى فيه يقدر ما يصح به المعنى وإن طالت المقدرات .
ب– أن يكون حرفُ الجر المنزوعُ مسبوقاً بفاء الجزاء الواقعة في جواب شرطٍ قبله مثيلُ ذلك الحرف ، كما في قولهم: مررت برجلٍ صالح إلا صالحٍ فطالحٍ ، والتقدير : إلا يكن مروري بصالحٍ فقد مررت بطالحٍ ، كما تقدم ، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من كان عنده طعامُ اثنين فليذهب بثالثٍ ، وإن أربعةٍ فخامسٍ أو سادسٍ )(1) أي : وإن قام بأربعة ، فليذهب بخامس ، كذا قدره ابن مالك(2) ، والأظهر أن يكون التقدير : وإن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو بسادس(3) ، وذلك ليوافق ما صُرِّح به في بعض روايات هذا الحديث ، وهو المناسب للسياق ، لأن التقدير من جنس المذكور أولى ، فعلى تقدير ابن مالك يكون الحديث شاهداً لنزع حرف الجر بعد إن والفاء ، وعلى الأظهر يكون شاهداً على نزع حرف الجر بعد الفاء حسبُ .
__________
(1) الحديث أخرجه البخاري بهذا اللفظ في كتاب مواقيت الصلاة ، باب السمر مع الأهل والضيف ، برقم : 602 ، ورواه في مواضع أخر ولا شاهد فيها برقم : 3581 ، 6140 ، 6141 . ينظر فتح الباري : 6/723-724 ، ورواه مسلم برقم : 5333 ، ولا شاهد في روايته ، ينظر شرح مسلم : 14/244 .
(2) ينظر : شواهد التوضيح والتصحيح : 94 .
(3) ينظر : فتح الباري : 6/724 .(1/318)
ج– أن يكون حرفُ الجر المنزوعُ بعد عاطف ، والمعطوفُ عليه مشتملاً على حرف جر مماثلٍ للمحذوف ، وقد فَصَلَ بين العاطف والجار المنزوع لو الشرطيةُ(1) ، كقولك : ائتني بدابةٍ ولو حمارٍ أي : ولو أتيتني بحمار . ومن ذلك قول الشاعر(2) :
كُفيتم ولم تخشوا هواناً ولا وهْنا ... متى عذتُمُ بنا ، ولو فئةٍ منا
أي : ولو عذتم بفئة(3) .
وحكى الأخفش أنه يقال : جئْ بزيدٍ أو عمروٍ ولو كليهما(4) ، أي : ولو بكليهما .
وقد جوز سيبويه(5) في الاسم الواقع بعد لو في نحو ما تقدم النصبَ والرفعَ والجرَّ ، وأرجحُها النصبُ على تقدير كان أي : ولو كان المأتي به حماراً ، لأنه يكثر إضمار كان مع اسمها بعد لو .
د– أن يكون الحرف المنزوع واقعاً بعد حرف من حروف التحضيض(6) ( هلاَّ ، وألاَّ ، ولولا ولوما) والتحضيض واقعٌ بعد ما اشتمل على مثل المنزوع ، كأن يقال : تصدقتُ بدرهم ، فتقول : هلاَّ دينارٍ ، أي : هلاَّ تصدقت بدينار .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه :1/269 ، وشرح المفصل : 2/98 ، والمساعد : 2/298 ، وهمع الهوامع : 2/385 ، وحاشية الصبان : 2/234-235 ، والنحو الوافي : 2/534 .
(2) البيت بلا نسبة في ارتشاف الضرب : 2/471 ، وشرح الأشموني : 2/234 ، وهمع الهوامع :2/385 ، والدرر : 4/200 .
(3) ينظر : حاشية الصبان : 2/234-235 .
(4) ينظر : شرح الكافية الشافية : 2/ 830، وارتشاف الضرب : 2/471 ، والمساعد : 2/298 .
(5) ينظر : كتاب سيبويه : 1/268-269 ، وارتشاف الضرب : 2/96 .
(6) ينظر : كتاب سيبويه : 1/268-269 ، وشرح الكافية الشافية : 2/830 ، وارتشاف الضرب : 2/471 ، والمساعد: 2/299 ، وشفاء العليل : 2/680 ، وشرح الأشموني : 2/235 ، وهمع الهوامع : 2/385 ، وحاشية الخضري : 1/835 ، والنحو الوافي : 2/534 .(1/319)
والراجح في الاسم بعد حرف التحضيض في نحو ما تقدم النصب على إضمار كان واسمها(1) والتقدير : هلا كان المتصدَّقُ به ديناراً ، وقد حكى فيه سيبويه الجر(2) ونُقل عن الأخفش أن جره كثير(3).
هذا ويخص أكثر النحويين(4) ( هلاَّ ) من بين سائر أخواتها بجر الاسم بعدها بحرف جر محذوف وعمَّم الخضري الحكم بعد كل ما أفاد التحضيض من أدواته(5) ، وهو الأظهر ، وإنما خصت هلا بذلك لكونها أشهر أحرف التحضيض ولكون بعض الأحرف المذكورة كلولا ولوما يستعمل في غير التحضيض .
هـ- أن يكون حرفُ الجر المنزوعُ ومجرورُه واقعين في جواب سؤال ، والسؤالُ مشتملاً على مثيل حرف الجر المنزوع(6) ، كقولك : زيدٍ ، في جواب من قال : بمن مررت ؟ والتقدير : مررت بزيدٍ ، ومن ذلك ما يروى مرفوعاً : ( أقربِهما منكِ باباً )(7) لمن قال له : إلى أيِّهما أُهدي ؟
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 1/268 ، وارتشاف الضرب : 2/96-97 .
(2) ينظر : كتاب سيبويه : 1/269 .
(3) ينظر :شرح الكافية الشافية : 2/830 ،وارتشاف الضرب : 2/471 ،والمساعد : 2/299 ،وهمع الهوامع : 2/385.
(4) ينظر : المراجع السابقة ، ويزاد عليها : شرح الأشموني : 2/235 .
(5) ينظر : حاشية الخضري : 1/538-539 .
(6) ينظر :شرح الكافية الشافية :3/1241،وارتشاف الضرب:2/471،والمساعد: 2/299 ، وشرح الأشموني : 2/234 .
(7) الحديث رواه البخاري في كتاب الشفعة باب أيُّ الجوار أقرب برقم : 2259 ، وفي كتاب الأدب باب حق الجوار في قرب الأبواب برقم:6020 ، لكنَّ الرواية في الموضعين بلفظ : إلى أقربهما ، ولا شاهد فيه على هذه الرواية ، لكن قال ابن حجر : يروى : قال : أقربهما بحذف حرف الجر . ينظر : فتح الباري : 4/536 ، 10/539 ، والحديث باللفظ المستشهد به في:إتحاف الحثيث:215،وشواهد التوضيح والتصحيح:94،والمساعد:2/298 ، وهمع الهوامع : 2/385 .(1/320)
وجر المجاب به بحرف جر منزوع إذا كان حرف الجر ظاهراً في السؤال هو قول المحققين كما قال ابن مالك(1) ونسبه إلى الأخفش والسيرافي . ومنع الفراء(2) نزعَ حرف الجر وإبقاءَ عمله في نحو ذلك ، ووجهُ المنع عنده أن إضمار الخافض غيرُ جائزٍ .
والأول أرجح ، وذلك لأنه " إذا كان معنى حرف الجر في السؤال قد سوغ للمجيب أن يجر بحرفٍ محذوف كقول رؤبة : خيرٍ . بالجر ، لمن قال : كيف أصبحت ؟ فلأنْ يسوِّغُ ظهورُ حرف الجر في السؤال إعمالَ الجار المحذوف أحقُّ وأولى"(3) .
و- أن يكون حرفُ الجر المنزوعُ ومجرورُه واقعين في ردِّ كلام منفي ، وفي هذا الكلام المنفي مثيل الحرف المنزوع(4) مثل : بلى زيدٍ ، في جواب من قال : ما مررت بأحدِ ، والتقدير : بلى مررت بزيدٍ .
ز– أن يكون حرفُ الجر المنزوعُ بعد همزة الاستفهام ، والاستفهامُ ناشئاً من كلام مشتمل على مثيل للحرف المنزوع(5) ، كقولك : أزيدِ بن عمرو ؟ لمن قال : مررت بزيدٍ ، والتقدير : أمررت بزيدِ ابن عمرو ؟
__________
(1) ينظر : شرح الكافية الشافية : 3/1241-1242 .
(2) ينظر : معاني القرآن : 1/196 .
(3) شرح الكافية الشافية : 3/1241-1242 . وينظر : همع الهوامع : 2/186 .
(4) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/471 ، وهمع الهوامع : 2/385 .
(5) ينظر : شرح التسهيل : 3/60 ، وشرح الكافية الشافية : 2/830 ،وارتشاف الضرب : 2/471 ،والمساعد : 2/299 وشرح الأشموني : 2/235 ، وهمع الهوامع : 2/385 ، حاشية الخضري : 1/538 ، والنحو الوافي : 2/534 .(1/321)
ح- أن يكون حرفُ الجر المنزوعُ واقعاً هو والاسمُ المجرور به بعد حرف عطف بغير فاصل بين الحرفين ، والمعطوفُ عليه مشتملاً على حرف جر مماثل للمحذوف وتعدَّدَ المعطوفُ عليه مع اختلاف العامل فيهما(1) ، كقولك : في الدار زيدٌ والحجرةِ عمروٌ ، فالتقدير : في الدار زيدٌ ، وفي الحجرة عمروٌ ، وذلك لئلا يلزم من عدم تقدير حرف الجر هاهنا العطف على معمولي عاملين مختلفين ، وهو ممنوع مطلقاً في ما يحكى عن سيبويه ، وهو قول المبرد وابن السراج(2) سواء أتقدم المجرور في المعطوف عليه أم تأخر ، وهو اختيار ابن عصفور وابن مالك(3) ، ووصف ابن هشام هذا القول بأنه قول المحققين(4) ، ومن جوَّز العطف على معمولي عاملين مختلفين مطلقاً كما حكي عن الأخفش(5) أو بشرط أن يتقدم المجرور في المعطوف عليه ويتأخر المرفوع أو المنصوب ، ثم يأتي المعطوف مرتباً ترتيب المعطوف عليه كالمثال المتقدم ، من جوَّز ذلك لم ير حاجةً في تقدير حرف جر في المعطوف عليه ، وهو مذهب أكثر المتأخرين(6) .
__________
(1) ينظر تفصيل القول في مسألة العطف على معمولي عاملين مختلفين في: كتاب سيبويه : 1/65 ،والمقتضب : 4/194 والأصول في النحو : 2/69،والمسائل العسكريات:116،والنكت في تفسير كتاب سيبويه : 1/201 ، واللباب : 1/433 وشرح المفصل : 3/27 ، وشرح الكافية الشافية : 3/1236،ومغني اللبيب :362،وشرح الأشموني : 3/122 .
(2) ينظر : كتاب سيبويه : 1/65، والمقتضب : 4/195 ، والأصول في النحو : 2/69 ، 75 ، والأمالي النحوية: 3/150 ، وشرح الكافية: 2/367 .
(3) ينظر : شرح الجمل : 1/259 ، وشرح الكافية الشافية : 3/1240-11241 .
(4) ينظر : مغني اللبيب : 512 .
(5) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور : 1/259 ، وشرح الكافية: 2/366 ، وأسرار النحو : 162 .
(6) ينظر : الأمالي النحوية : 2/43-45 ، وشرح المقدمة الكافية : 2/647 .(1/322)
ومما يُستَدَلُّ به في هذا المقام قوله تعالى : { إن في السموات والأرض لآياتٍ للمؤمنين ، وفي خلقكم ، وما يبث من دابة آياتٌ لقومٍ يوقنون ، واختلافِ الليل والنهار وما أنزلَ اللهُ منَ السماءِ منْ رزقٍ فأحيا به الأرضَ بعدَ موتِها وتصريفِ الرياحِ آياتٌٍ لقوم يعقلون } (1) .
فظاهر قوله تعالى : ( واختلاف ... آيات لقومٍ يعقلون ) العطف على ( خلقكم ) و ( آيات لقومٍ يوقنون ) وهما معمولان لعاملين مختلفين ، أولهما ( إنَّ ) في حال نصب ( آيات ) أو الابتداء في حال الرفع وثانيهما في .
وخرجه المانعون من القول بالعطف على معمولي عاملين مختلفين على نزع حرف الجر وبقاء عمله ، ويؤيده التصريح به في قراءة ابن مسعود ( وفي اختلاف الليل والنهار ) .
وعلى هذا النحو يخرج قول الشاعر(2) :
وكفَّيْهِ حرُّ النار ما يتحرَّفُ ... وباشَرَ راعيها الصَّلا بلبانِه
أي : وبكفيه حرُّ النار .
وقول الراجز(3) :
بالكنَّة خيراً والحماةِ شراًّ ... أوصيتُ من قسوةٍ قلباً حراًّ
__________
(1) الجاثية : 3-5 . قرأ حمزة والكسائي ويعقوب بنصب ( آيات ) في قوله : ( آيات لقومٍ ) في الموضعين وقرأ باقي العشرة بالرفع فيهما ، وعلى كلا القراءتين يصح الاستشهاد على ما نحن بصدده . ينظر : معاني القرآن للفراء : 3/45 ومعاني القرآن إعرابه : 4/431 ، وإعراب القرآن : 4/139 ، والتبصرة : 674 ، والبحر المحيط : 9/413، ومغني اللبيب : 633 ، والنشر : 2/371 ، وإتحاف فضلاء البشر : 2/465 .
(2) البيت للفرزدق في : المسائل العسكريات : 116 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/260 . وليس في شرح ديوانه.
(3) الرجز لأبي النجم العجلي في : ديوانه : 123 ، وأمالي ابن الشجري : 1/73 ، وخزانة الأدب : 2/356 ، وبلا نسبة في : المسائل العسكريات : 117 ، والإفصاح : 218 ، وشرح الكافية الشافية : 2/829 .(1/323)
أي : وبالحماة شراًّ .وقول الشاعر(1) :
وللطيرِ مَجْرىً ، والجنوبِ مصارعُ . ... ألا يا لقومٍ كلُّ ما حُمَّ واقعٌ
أي : وللجنوب مصارع .
هذا ، ولم يرَ المانعون من العطف على معمولي عاملين مختلفين بأساً من تقدير حرف الجر وإن فَصَل بين الواو والاسم المجرور بعده فاصلٌ هو لا كقول الراجز(2) :
ولا حبيبٍ رَأْفَةٌ فيَجْبُرا ... ما لمحبٍّ جَلَدٌ أن يهجرا
أي : ولا لحبيبٍ رأفةٌ .
هذه المسائل الثماني التي نزع فيها حرف الجر وبقي عمله في الاسم بعده لتقدم ذكره ، الحكم بالقياس عليها هو طريقة ابن مالك ، قال في التسهيل : " ويقاس على جميعها "(3) وعلى نهجه سار ابنه والأشموني والخضري وغيرهم(4) وتردد أبو حيان في إثبات القياس عليها فقال : " وجميع هذه المسائل التي ذكر ابن مالك أنه يجوز الجر فيها على إضمار الحرف ينبغي أن يُتَثَبَّتَ في القياس عليها "(5) والمنازعة في اقتياس ما ذكر هي طريقة المغاربة(6) والعلة في ذلك عندهم " أنه لا يجوز حذفُ الجار وإبقاءُ عمله إلا إذا عُوِّضَ منه "(7) .
__________
(1) البيت لخداش بن بشر التميمي المعروف بالبعيث في : لسان العرب : ( حمم ) ، وبلا نسبة في : معاني القرآن للفراء: 1/196،وشرح الكافية الشافية:3/1243،وارتشاف الضرب : 2/471 ، وهمع الهوامع : 3/191 ، والدرر : 6/153.
(2) الرجز بلا نسبة في : شرح التسهيل : 3/59 ، وارتشاف الضرب : 2/471 ، والمساعد : 2/298 ، وشفاء العليل : 2/681 ، وشرح الأشموني : 2/234 ، وهمع الهوامع : 2/385 ، والدرر : 4/199 .
(3) 149 . وينظر : شرح الكافية الشافية : 2/827 ، والمساعد : 2/299 .
(4) ينظر : شرح ألفية ابن مالك: 146،وشرح الأشموني:2/234، وحاشية الخضري :1/538، والنحو الوافي: 2/532 .
(5) ارتشاف الضرب : 2/472 . وينظر : همع الهوامع : 2/386 .
(6) ينظر : المساعد : 2/299 .
(7) همع الهوامع : 2/386 .(1/324)
وأوجه الطريقتين طريقة القياس على ما سبق ذكره بالضوابط المذكورة ، ويؤيد ذلك الأمور الآتية :
أنه ليس من شرط اطراد نزع حرف الجر وإبقاء عمله التعويض منه كما تقدم في القسم ورُبَّ(1).
حكَم سيبويه(2) على الجر في نحو : مررت برجل إلا صالحٍ فطالحٍ بأنه قبيح ضعيف ، وعلَّلَ حكمَه هذا بكثرة الإضمار ، وذلك بإضمار فعلين وحرف جر " وكلما كثر الإضمار كان أضعف "(3) لكنه سوَّغ نزع حرف الجر بكونه ذُكِرَ في أول الكلام ثم قال : " وكان هذا عندهم أقوى إذا أُضمِرت رب ونحوُها في قولهم(4) :
وبلدةٍ ليس بها أنيسُ "(5)
ومن هذه المقولة تدرَّج النحويون في الحكم على نزع حرف الجر وإبقاء عمله عند سيبويه في المثال المذكور ، من ثبوت قوة نزعه ، إلى نفي القبح عنه ، حتى الحكم بالاطراد .
يقول أبو علي الفارسي بعد أن نقل كلام سيبويه السابق : " فأعْلَمَ بهذا أن حرف الجر إذا جرى ذكره كان إضماره أقوى من إضماره إذا لم يجر ذكره "(6) .
ويقول ابن مالك : " جعل سيبويه إضمار هذه الباء بعد إنْ أسهل من إضمار رب بعد الواو ، فعُلِمَ أن إضمار الجار في هذا النوع غيرُ قبيح "(7) وبقول ابن مالك قال ابنه (8).
__________
(1) ينظر : الانتصار : 97 ، وهذا البحث : 172 .
(2) ينظر : كتاب سيبويه : 1/262 .
(3) شرح المفصل : 2/98 .
(4) الرجز لجِرَان العَوْد في : شرح التصريح : 1/353 ، وخزانة الأدب : 10/17 ، والدرر : 3/162 ، وبلا نسبة في : كتاب سيبويه : 1/263 ، والمقتضب : 2/319 ، 347 ، 414 ، والإنصاف : 1/252 ، وشرح المفصل : 2/117 3/27 ، 7/21 ، 8/52 ، والجنى الداني : 164 ، وجواهر الأدب : 165 ، وشرح شذور الذهب : 265 .
(5) كتاب سيبويه : 1/263 .
(6) المسائل البغداديات : 467 .
(7) شرح الكافية الشافية : 2/827 .
(8) ينظر : شرح ألفية ابن مالك: 146 .(1/325)
ويقول أبو حيان : " وجعل سيبويه إضمار الباء بعد إنْ لتضمن ما قبلها إياها أسهل من إضمار رب بعد الواو ، فعلم بذلك اطِّرادُه عنده "(1) وبقول أبي حيان قال ابن عقيل(2) .
رجح الأكثرون تقدير حرف الجر على القول بالعطف على معمولي عاملين مختلفين ؛ وذلك لأنه " ليس في هذا التوجيه ما يُسْتبعَدُ إلا حذفُ حرف الجر وبقاء عمله ، ومثل هذا لوجود ما يدل على المحذوف جائز بإجماع "(3) ويقال مثل ذلك في باقي المسائل .
شواهدُ مسموعة نزِع فيها حرفُ الجر وبقي عمله
الأصل في حروف الجر " ألا تحذف وتبقى معمولاتها ، وألا تحذف معمولاتها وتبقى هي ... فإن وجد شيء منها يحذف فبالدلالة القائمة عليه "(4) فلو لم يقم الدليلُ شاهداً لها " لم يبقَ ما ينبئ عن معانيها ... ولاحتاج المخاطَبُ إلى وحي يطلعه على ضمير المتكلم وأنه أرادها ونواها "(5) فإذا دل الدليل وأُمن اللبس وانضبط الموضع صار الحذف مقيساً ، وقد تقدمت مواضعه وإذا ضعُفت الدلالة على المحذوف ولم ينضبط الموضع بضوابط القياس حكم على الوارد بالشذوذ والحفظ في خانة المسموع الذي لا يقاس عليه .
والعادةُ في المسموع ألاَّ يأتي عليه الحصر – وإن قلَّ – غير أن معرفتنا بما ورد مقيساً تحمل على أنَّ ماعدا المقيسَ مسموعٌ ، ومن ذلك ما يأتي :
__________
(1) ارتشاف الضرب : 2/472 .
(2) ينظر : المساعد : 2/299 .
(3) شرح الكافية الشافية : 3/1242 .
(4) رصف المباني : 253-254 .
(5) أمالي السهيلي : 102 .(1/326)
قول رؤبة بن العجاج : خيرٍ ، عافاك الله(1) ، في جواب من قال له : كيف أصبحتَ يريد : بخير ، أو على خيرٍ أو في خيرٍ ، وذلك لأن حرف الجر المحذوف يقدر بحسب ما تتقدر به كيف(2) فإن قُدِّرَتْ بـ : على أي حالٍ أصبحت ؟ فجوابها يكون : على خيرٍ ، وإن قُدرت بـ : بأي حالٍ أصبحت ؟ كان جوابها : بخير ، وإن قُدرت بـ : في أي حالٍ أصبحت ؟ كان جوابها : في خير ٍ .
وربما صُرِّح بحرف جر غير ما تقدم ، فقد سمع من كلامهم – ونسبه أبو حيان إلى رؤبة – أنه إذا قيل له : كيف أصبحت ؟ قال : كخيرٍ(3) ، فمن أثبت من النحويين معنى الاستعلاء للكاف جعل الكاف هنا بمعنى على المفيدة للاستعلاء ، ومن لم يثبته قدر مضافاً محذوفاً وأبقى الكاف على أصل معناها وهو التشبيه ، والتقدير : كصاحب خيرٍ ، وجوَّز ابنُ جني أن تكون الكافُ بمعنى الباء(4) .
ونزع حرف الجر في قول رؤبة محكوم عليه بالشذوذ ، يقول الرضي : " وإضمار الباء باقياً عملُها في قول رؤبة : خيرٍ ، لَمَّا قيل له : كيف أصبحت ؟ شاذٌّ "(5) ومع هذا حاكاه ابن فارس في قوله(6) :
تُقَضَّى حاجةٌ وتفوتُ حاجُ ... وقالوا : كيف أنتَ ؟ قلتُ : خيرٍ
__________
(1) سبق تخريجه : 18 .
(2) ينظر : شرح جمل الزجاجي لابن خروف : 2/1066 .
(3) ينظر : سر صناعة الإعراب : 1/320 ، وارتشاف الضرب : 2/437 ، وجواهر الأدب : 124 .
(4) ينظر : المراجع السابقة ، ويزاد عليها : المساعد : 2/276 ، وهمع الهوامع : 2/362-363 ، وحاشية ياسين على التصريح : 2/16 ، وحاشية الصبان : 2/225 .
(5) شرح الكافية: 4/308 .
(6) ينظر : معجم مقاييس اللغة : 7 من مقدمة المحقق ، ودرة الغواص : 54-55 ، والمنتظم : 14/274 ، ومعجم الأدباء : 1/537 .(1/327)
روايةُ حديث أبي هريرة قال : قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( صلاةُ الرجلِ في جماعةٍٍ تُضعَّفُ على صلاته في بيتِه وسوقِه خمسٍ وعشرين ضعفًا )(1) أي : بخمسٍ(2).
قولُ الفرزدق (3):
أشارتْ كُليبٍ بالأكفِّ الأصابعُ ... إذا قيل أيُّ الناسِ شرٌّ قبيلةً
أي : إلى كليب . والحكمُ على نزع حرف الجر وبقاء عمله بالشذوذ في الشاهد المذكور تواطئت عليه أقوالُ النحويين(4) ، بل نفى ابنُ مالك أن يكون في ذلك خلافٌ فقال : " ولا خلاف في شذوذ بقاء الجر في نحو :
أشارت كليبٍ بالأكفِّ الأصابعُ "(5)
غيرَ أنَّ روايةَ البيت مختلفٌ فيها ، يقول البغدادي : " رأيته في ديوانه ، وفي المناقضات منصوبًا وأنشده أبو علي في التذكرة القصرية بالرفع ، قال شارحُها : أراد : أشارت الأصابعُ هذه كليبٌ ويُروَى : أشرَّتْ كليباً ، أي : رفعت "(6) فالرواية – كما ترى – محتملةٌ ومع الاحتمال يسقط الاستدلالُ به على كونه من المسموع فيه الجرُّ بعد نزع حرف الجر ، والحملُ على مالا خلاف فيه أولى من الحمل على ما فيه خلافٌ .
قول الشاعر(7) :
حتى تبذَّخَ فارتقى الأعلامِ ... وكريمةٍ مِنْ آلِ قيسٍ ألفتُه
__________
(1) الحديث في أكثر كتب السنة مصرَّحٌ فيه بالباء مع العدد ، أو مرويٌّ بنصب العدد ، ولا شاهد فيه على هاتين الروايتين من ذلك مثلاً ما في البخاري برقم : 645-649 ، ينظر : فتح الباري : 2/162 والحديث بالرواية المستشهد بها على حذف حرف الجر وبقاء عمله رواه أبو عوانة في مسنده : 1/349-350 برقم : 1247 ، 1250 ، 1252.
(2) ينظر : شواهد التوضيح والتصحيح : 94 ، وهمع الهوامع : 2/382 .
(3) سبق تخريجه : 31 .
(4) ينظر : شرح الكافية : 4/308 ، والمساعد : 1/431 ، وشرح الأشموني : 2/234 ، وشرح التصريح : 1/312 .
(5) التسهيل : 83 . وينظر : شرحه لابن مالك : 2/81-82 .
(6) خزانة الأدب : 9/115 .
(7) سبق تخريجه : 20 .(1/328)
أي : إلى الأعلام(1) .
قال الزجاجي : " وقد تحذف إلى في تعجُّلٍ "(2) وذكر البيت ، ولعله أراد : سرعة انقضاء الوزن فلم يتسنَّ للشاعر إتمامُ الكلام فتخفَّفَ بنزع حرف الجر لدلالة السياق .
قول الشاعر(3) :
عني ولا أنت ديَّاني فتخزوني ... لاهِ ابنُ عمك لا أُفْضِلْتَ في حسبٍ
أي : للهِ ابنُ عمك(4) .
نزع منه لام الجر ولام التعريف ، وبقيت عين الكلمة على المختار(5) ، وقيل الباقية لام الجر وينسب إلى المبرد ، وقدره بعضهم قسماً(6) ، فتكون اللام للقسم ، ولا أفضلت جوابه ، ورده البغدادي بأن (ابن عمك ) يبقى ضائعاً(7) وزاد بعضهم في التقدير مضافاً(8) ، والتقدير : لله درُّ ابنِ عمك ، ورده البغدادي بأنه تكلُّفٌ مستغنىً عنه(9) .
__________
(1) ينظر : شرح التسهيل : 2/82 ، وشرح الأشموني : 2/234 ، وهمع الهوامع : 2/382 .
(2) حروف المعاني: 82 .
(3) البيت لذي الإصبع العدواني في : المفضليات : 160، 162 ، وأدب الكاتب : 337 ، والأغاني : 2/74 ، وشرح اختيارات المفضل : 2/750 ، والاقتضاب : 1/350 ، 2/724 ، ومغني اللبيب : 196 ، وخزانة الأدب : 7/158 168 ، والدرر : 4/143 ، وبلا نسبة في : الخصائص : 2/288 ، والإنصاف : 1/368 .
(4) ينظر : كتاب سيبويه : 2/115 ، والتعليقة : 1/276-278 ، وشرح المفصل : 9/104-105 .
(5) ينظر : المراجع السابقة ويزاد عليها : الإيضاح في شرح المفصل : 2/161-162 ، وشرح الكافية : 3/313 والبسيط : 2/934-935 ، وارتشاف الضرب : 2/472 ، وشرح التصريح : 2/15 ، والأشباه والنظائر : 1/103 2/203 ، وهمع الهوامع : 2/386 ، وحاشية الصبان : 2/223 .
(6) ينظر : أمالي المرتضى : 1/252 .
(7) ينظر : خزانة الأدب : 7/172 .
(8) ينظر : مغني اللبيب : 196 ، وحاشية الصبان : 2/223 ، وحاشية ابن حمدون : 335 .
(9) ينظر : خزانة الأدب : 7/172 .(1/329)
ومن ذلك قولهم : لاه أبوك ، يقول سيبويه : " تريد : للهِ أبوك ، حذفوا الألف واللامين ، وليس هذا طريقة الكلام ولا سبيله ، لأنه ليس من كلامهم أن يضمروا الجار "(1) .
المواضع التي يُرَدُّ فيها القول بنزع حرف الجر وإبقاءالاسم مجروراً
يذكر بعضُ النحويين مواضعَ ينزع فيها حرف الجر ويبقى عمله على سبيل الاطراد ، وليست هذه المواضعُ – في نظر الباحث – مما ينزع فيها حرف الجر ويبقى عمله فضلاً أن يكون مقيساً ، وهذه المواضع هي :
مجيء الاسم مجروراً بعد حتَّى(2) :
إذا جاء الاسم الصريح مجروراً بعد حتى ، كقوله تعالى : { سلامٌ هيَ حتى مطلعِ الفجر ِ } (3) ، فأكثر النحويين على أن الجر بحتى نفسها ، وذهب الكسائي إلى أن الجر بإلى مقدرةً بعد حتى ، ووافقه في ذلك ابن خالويه(4) ، والتقدير : حتى انتهت إلى مطلع الفجر(5) .
والأرجح ما ذهب إليه الأكثرون لما يأتي :
أن في تقدير إلى بعد حتى تقدير ما المعنى غير محتاج إليه ، إذ لم تقم الدلالة على تقدير إلى وعدمُ التقدير أولى من التقدير ، وفي تقدير مالا حاجة إليه " خروج عن المتناولات القريبة من غير برهانٍ ولا قرينةٍ ، وذلك لا يجوز "(6) .
__________
(1) كتاب سيبويه : 2/115 .
(2) ينظر تفصيل هذه المسألة في : أسرار العربية : 240 ، والإنصاف : 2/121-124 ، وشرح المفصل : 8/17 وشرح الكافية : 4/53-54 ، 277 ، وارتشاف الضرب : 2/466 ، وهمع الهوامع : 2/299-300 .
(3) القدر : 5 .
(4) ينظر : إعراب القراءات السبع وعللها : 2/510 .
(5) ينظر المرجع السابق ، وشرح الكافية : 4/54 .
(6) الإنصاف : 2/124 .(1/330)
أن في تقدير إلى بعدها إبطالاً للمعنى الوظيفي لحتى(1) ، وهو أن يكون ما بعدها داخلاً في حكم ما قبلها – إلا إن دلت القرينة على عدم دخوله فيه – وأن يكون ما بعدها مما يُستبعد وجوده في العادة كقولك : اجترأ على الناس حتى الصبيانِ ، فلو جعلنا إلى مكان حتى ، لما حصل هذا المعنى .
أنه يقال : حتَّامَ(2) ، كما يقال : إلام ، وفيمَ ، وبمَ ، ولِمَ ، وعمَّ ، فلو لم تكن حتى هي الجارة لما ساغ حذف الألف من ما الاستفهامية .
أما حتى العاطفة التي هي بمنزلة الواو إذا عطفتَ بها على مجرورٍ ، فإنه يلزم حينئذٍ إعادةُ الجار بعدها لئلا تلتبس بالجارة(3) ، وذلك قولك : اعتكفت في الشهر حتى في آخره فإذا قلت : حتى آخرِه احتمل أن تكون الجارة ، وأن تكون العاطفة ، فإذا محضتَها للعطف أعدت الجار بعدها .
مجيء الاسم مجروراً بعد لعلَّ :
يُنسب إلى عُقيل جرُّ ما بعد لعلَّ(4) ، فتقول : لعلَّ زيدٍ خارجٌ ، من ذلك قول الشاعر(5) :
لعلَّ أبي المغوارِ منك قريبُ ... فقلت ادعُ أخرى وارفعِ الصوتَ جَهْرَةً
__________
(1) ينظر : شرح المفصل : 8/17 ، ومغني اللبيب : 167-168 .
(2) ينظر : شرح المفصل : 4/8-9 .
(3) ينظر : مغني اللبيب : 172-173 ، والمساعد : 2/451-453 .
(4) ينظر : سر صناعة الإعراب : 1/407 ، ومغني اللبيب : 206 ، 377 .
(5) البيت لكعب بن سعد الغنوي في : النوادر : 37 ، والأصمعيات : 96 ، وسر صناعة الإعراب : 1/407 ، وأمالي القالي : 2/151 ، وخزانة الأدب : 10/453 ، 460 ، والدرر : 4/174 ، وبلا نسبة في : رصف المباني : 375 ومغني اللبيب : 377 ، وشرح الأشموني : 2/205 ، وشرح التصريح : 1/213 ، وهمع الهوامع : 2/373 ، ورواية البيت في : الأصمعيات وأمالي القالي بنصب ( أبا ) ولا شاهد فيه على هذه الرواية .(1/331)
روى أبو زيد(1) ( ت : 215هـ ) كسر اللام الثانية من لعلّ وجر أبي المغوار ، ونقل أبو الحسن الأخفش(2) عن أبي عبيدة أنه سمع لام لعلَّ مفتوحة في لغة من يجر بها ، وأنشد قول الشاعر (3) :
جهاراً من زهير أو أَسِيدٍ ... لعلَّ اللهِ يمكنني عليها
وقد استشكل النحويون جر ما بعدها لأمرين(4) :
أنها عملت عمل الحروف والأفعال في حالة واحدة ، وهذا مما لم يثبت ، وذلك أنها عملت الجر والرفع ، فعملت الجرَّ لكونها حرفاً ، وعملت الرفع لمشابهتها الأفعال .
أنه لا متعلَّقَ لها ظاهراً ولا مقدراً ، وحرفُ الجر لا بدَّ له من متعلَّقٍ .
لذلك أبقوا على ما استقر في لعلَّ من أنها تنصب الاسم وترفع الخبر ، وقدروا لأجل ذلك في ما ورد مجروراً بعدها ضميرَ الشأن اسماً لها ، وجروا الاسم بعدها بحرف جر محذوف ، والتقدير في : لعل أبي المغوار منك قريب : لعلَّه لأبي المغوار منك جوابٌ قريبٌ .
وفي هذا تكلُّفٌ يغني عنه القول بأن الجر بلعلَّ لغةٌ لقومٍ بأعيانهم(5) ، وأنه لا متعلق لها شأنها في ذلك شأن عددٍ من أحرف الجر الشبيهة بالزائدة(6) كلولا ورب وخلا وعدا وحاشا ، فليس ثمة حاجةٌ تدعو - على هذا التوجيه – إلى تقدير حرف جر محذوف لجر ما بعد لعل .
ج- مجيء الاسم المجرور بعد عاطفٍ على خبر ليس أو ما المنصوب :
__________
(1) ينظر : النوادر في اللغة : 37 .
(2) ينظر : معاني القرآن : 1/305 .
(3) البيت لخالد بن جعفر بن كلاب العبسي في : الأغاني : 6/57 ، وأمالي المرتضى : 1/212 ، وخزانة الأدب : 10/464 ، 466 ، وبلا نسبة في : معاني القرآن للأخفش : 1/305 ، وسر صناعة الإعراب : 1/407 ، وشرح عمدة الحافظ : 1/269 ، والجنى الداني : 583 ، وشرح التصريح : 2/3 .
(4) ينظر : شرح الكافية: 4/394-395 ، وجواهر الأدب : 401-402 .
(5) ينظر : مغني اللبيب : 377 .
(6) ينظر : المرجع السابق : 575-578 .(1/332)
جاء في كلام العرب جر الاسم الواقع بعد الواو العاطفة على خبر ليس أو ما المنصوب ، نحو :
ليس زيدٌ جباناً ولا بخيلٍ ، وما زيدٌ جباناً ولا بخيلٍ ، ومن ذلك قول الشاعر(1) :
ولا سابقٍ شيئاً إذا كان جائياً ... بدا لي أني لستُ مدركَ ما مضى
وقول الآخر(2) :
ولا ناعبٍ إلاَّ ببينٍ غرابُها ... مشائيمُ ليسوا مصلحينَ عشيرةً
فما حُكْمُ الاسم الذي بعد الواو ، أمجرورٌ هو بحرف جر محذوف أم معطوف على توهم جرِّ خبر ليس بحرف جر زائد؟
للنحويين في ذلك قولان :
ذهب الأكثرون(3) إلى أن ذلك من باب العطف على التوهم ، يقول سيبويه : " سألت الخليل عن قوله عز وجل: { فأصدَّقَ وأكنْ منَ الصالحين } (4) فقال : هذا كقول زهير :
__________
(1) البيت لزهير بن أبي سلمى في : شرح شعره : 208 ، وكتاب سيبويه : 1/165 ، 3/29 ، 51 ، 100 ، 4/163 وشرح المفصل : 2/52 ، وشرح الكافية الشافية : 1/427 ، وتخليص الشواهد : 512 ، ومغني اللبيب : 131 وخزانة الأدب : 9/105 ، والدرر : 6/163 ، وروايته في شرح شعره : ولا سابقي شيءٌ إذا كان جائيا . ولاشاهد فيه على هذه الرواية .وينسب إلى صرمة الأنصاري في : كتاب سيبويه : 1/306 ، والإنصاف : 1/179 وبلا نسبة في : الخصائص : 2/353 ، وأسرار العربية : 148 .
(2) البيت للأخوص الرياحي في : كتاب سيبويه : 1/165 ، 306 ، والحيوان : 3/431 ، والإنصاف : 1/180 ، وشرح المفصل :2/52، وخزانة الأدب : 4/148 ، وينسب إلى الفرزدق في : كتاب سيبويه : 3/29 ، وليس في شرح ديوانه وبلا نسبة في : الخصائص : 2/354 ، وأسرار العربية : 148 ، ومغني اللبيب : 622 ، وشرح الأشموني : 2/235.
(3) ينظر : كتاب سيبويه : 3/29 ، 100-101 ، والخصائص : 2/353 ، 424 ، ودرة الغواص : 49 ، والإنصاف : 1/179 ، 2/95 ، وشرح المفصل : 2/52 ، 7/56-57 ، والإيضاح في شرح المفصل : 2/182-183 ، وجواهر الأدب : 52 ، ومغني اللبيب : 380 ، 619 .
(4) المنافقون :10 .(1/333)
ولا سابقٍ شيئاً إذا كان جائياً ... بدا لي أني لستُ مدركَ ما مضى
فإنما جرُّوا هذا ؛ لأن الأول قد يدخله الباء ، فجاؤوا بالثاني ، وكأنهم قد أثبتوا في الأول الباء فكذلك هذا لما كان الفعل الذي قبله قد يكون جزماً ولا فاء فيه ، تكلموا بالثاني وكأنهم قد جزموا قبله فعلى هذا توهموا هذا "(1) .
ذهب العكبري وابن مالك(2) إلى أن الاسم بعد الواو مجرورٌ بحرف جر نُزع وبقي عمله وينسب هذا المذهب إلى الكوفيين(3) ، وقد عدَّ ابن مالك نزع حرف الجر هاهنا من المواضع التي يقاس فيها نزع حرف الجر مع بقاء الاسم مجروراً .
وإلى هذا القول مال ابن حمدون وفاضل السامرائي(4) .
ونحا جماعة(5) هذا المنحى غير أنهم مزجوا في العبارة المذهبين وخلطوا القولين ، من ذلك قول الخضري : " وكذا يطرد الحذف ( أي حذف حرف الجر مع بقاء عمله ) في المعطوف على خبر ليس وما ، الصالح لدخول الباء كقوله(6) :
ولا سابقٍ شيئاً إذا كان جائياً ... بدا لي أني لست مدرك ما مضى
بجر سابق على توهم الباء في مدرك "(7) .
والراجح - في نظر الباحث – أن الجر هنا من باب العطف على التوهم(8)
__________
(1) كتاب سيبويه : 3/100-101 .
(2) ينظر :التبيان : 1/424 ، وشرح الكافية الشافية : 1/427 .
(3) ينظر : الإنصاف : 1/368-370 .
(4) ينظر : حاشية ابن حمدون : 36 ، ومعاني النحو : 1/288 .
(5) ينظر : المساعد : 2/299-300 ، وشرح الأشموني : 2/235 ، وحاشية الخضري : 1/539 .
(6) سبق تخريجه في الصفحة السابقة .
(7) حاشية الخضري : 1/539 .
(8) * يقال للعطف على التوهم إذا كان في القرآن : العطف على المعنى تأدباً . ينظر : الإتقان : 2/321 ، ومعترك الأقران : 3/620 . وفقاً للضوابط الآتية :
أن العطف على التوهم إنما يجري على سنن العربية وفطرتها ، ولا صلة له بالخطأ أو الوهم أو الغفلة$%& ينظر : مجموعة القرارات العلمية : 26-27 .(1/334)
، وذلك بأن يجوِّز العربي في ذهنه ملاحظةَ ذلك المعنى في المعطوف عليه ، فيعطف ملاحظاً إياه ، لا أنه غلِطَ في كلامه ، والربط بين التوهم والخطأ ليس بلازم في الدلالة اللغوية ، إذ إن من معاني التوهم التمثيل والتخيل . أما تعبير سيبويه عنه بالغلط(1) فليس مراده بذلك الخطأ واللحن وإنما المراد أن يعامل شيءٌ معاملةَ آخر على سبيل الافتراض لفائدة في الدلالة .
ينبغي التفريق بين العطف على التوهم ، والعطف على الموضع(2) ، وقد تقدمت أمثلة العطف على التوهم ومثال العطف على الموضع قول الشاعر(3) :
فلسنا بالجبالِ ولا الحديدا ... معاويَ إننا بشرٌ فأسجحْ
والفرق بينهما أن العطف على التوهم من باب تقدير المعدوم موجوداً ، والعطف على الموضع من باب تقدير الموجود معدوماً ، فالعامل في العطف على التوهم مفقود وأثره موجود والعامل في العطف على الموضع موجود وأثره مفقود .
3- أن العطف على التوهم هو أحد مظاهر الحمل على المعنى أو ما يسمَّى ببناء اللغة على التوهم وقد تتبع الحموز مظاهره فأوصلها إلى تسعة عشر مظهراً(4) تشمل مظاهرَ لغويةً وأخرى صرفيةً بالإضافة إلى مظاهره النحوية .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 2/155 ، 4/160 .
(2) ينظر : الإيضاح في شرح المفصل : 2/43-44 ، 182-183 ، والبسيط : 2/796 ، والبحر المحيط : 10/185 ومغني اللبيب : 322 ، والإتقان : 2/319-320 ، والتأويل النحوي : 2/1167 ، 1215 .
(3) البيت لعقيبة بن هبيرة الأسدي في : كتاب سيبويه : 1/67 ، وسر صناعة الإعراب : 1/131 ، 294 ، والإنصاف : 1/308 ، وخزانة الأدب : 2/229 ، وبلا نسبة في : كتاب سيبويه : 2/292 ، والشعر والشعراء : 1/99 والمقتضب: 2/338 ، ورصف المباني : 122 ، 148 ، ومغني اللبيب : 621 .
(4) ينظر : التأويل النحوي : 2/1170-1171 .(1/335)
4- القائلون بالتخريج على العطف على التوهم يرون كثرة ما ورد منه ، لكنهم لا يسوغون القياس عليه(1) ، يقول أبو حيان : " والعطف على التوهم كثير ، وإن كان لا ينقاس ، لكن إن وقع شيءٌ وأمكن تخريجه عليه خُرِّج "(2) ، والذين يرون أنه مسألة منقاسة غير مختصة بالشعر لا يتوسعون في التخريج عليه عند إمكان غيره ، وذلك لأن الحمل على التوهم مع تيسر غيره بعيد من الحكمة(3) .
وعلى كلا الرأيين يرجح القول بالعطف على التوهم في مسألتنا هذه على القول بنزع حرف الجر وبقاء الاسم مجروراً ، ويقوي هذا الاختيار الأمران الآتيان :
أنه قد جاء جر خبر ليس وما بالباء الزائدة لتوكيد النفي كثيراً(4) ، فأن يُلتفَتَ إليه بعد الانصراف عنه أمر ليس بالبعيد ، وهو ما سماه ابن جني بمراعاة الفروع(5) .
أن تقدير حرف الجر بعد الواو العاطفة لا يخلو من توهم أيضاً ، وهو توهم أصالة حرف الجر الزائد ، وذلك أن الأصل في أحرف الجر الزائدة إذا لم تثبت لفظاً ألا يثبُتَ أثرُها ، فدعوى ثبوت أثرها مع عدمها فيه جمع بين الزيادة ، وتوهم الأصالة ، وهذا أبعد من مجرد توهم جر خبر ليس وما .
د- مجي الاسم مجرورًا بعد حاشا :
تأتي حاشا على ثلاثة أقسام(6) :
1- تكون فعلاً متعدياً متصرفاً ، تقول : حاشيته بمعنى استثنيته ، ومضارعه أحاشي .
__________
(1) ينظر : البحر المحيط : 4/272 ، 9/259 ، ومجموعة القرارات العلمية : 27 .
(2) البحر المحيط : 9/259 .
(3) ينظر : شرح الشافية : 1/30 .
(4) ينظر : البسيط : 2/464 ، وجواهر الأدب : 52 .
(5) ينظر : الخصائص : 2/353 .
(6) ينظر تفصيل هذه المسألة في : الإنصاف : 1/258-262 ، وشرح المفصل : 8/47-49 ، وشرح الكافية: 2/152-153 ، وارتشاف الضرب : 2/317-318 ، والجنى الداني : 558-564 ، ومغني اللبيب : 164-166.(1/336)
2- وتكون للتنزيه(1) .
3- وتكون للاستثناء كقولك : جاء القوم حاشا زيدٍ .
وفي التنزيهية خلاف أفعلٌ هي أم اسمٌ بمعنى البراءة أم اسمُ فعلٍ بمعنى برئت ؟ أقوال .
وفي الاستثنائية خلاف أيضاً أهي حرف جر فحسب ، أم تكون حرفاً وتكون فعلاً ؟.
وإذا كانت فعلاً في كلا القسمين ألها فاعلٌ أم لا ؟ وإذا كان لها فاعل فما هو ؟ للنحويين في كل ذلك أقوال تنظر في مظانها ، والذي يعنيني مما تقدم هو مجيء الاسم مجروراً بعد حاشا سواء أكانت التنزيهية ، كقراءة أبي بن كعب وعبدالله ابن مسعود : ( حاشا اللهِ ) أم كانت الاستثنائية كقولك : جاء القوم حاشا زيدٍ ، فقد نسب جماعة من النحويين(2) إلى الفراء أن حاشا فعلٌ لا فاعل له ، والاسم المجرور بعده مجرور بلامٍ حذفت وبقي عملها ، فالأصل - عنده – حاشا للهِ ، فلما كثر استعماله نزع حرف الجر وبقي عمله .
__________
(1) * في حاشا التنزيهية لغات منها إثباتُ ألفها وحذفُه ، ينظر : معاني القرآن وإعرابه : 3/107 ، وإعراب القرآن : 2/326 ، وإعراب القراءات الشواذ : 1/699-701 . كقوله تعالى : { حاش لله } $%& يوسف : 31 . في الآية قراءات كثيرة ، قرأ الجمهور ( حاشَ لله ) بحذف الألف من ( حاشا ) وإثبات اللام في لفظ الجلالة ، وقرأ أبو عمرو : ( حاشا لله ) بإثبات ألف حاشا واللام ، وقرأ أبي بن كعب وعبدالله بن مسعود ( حاشا اللهِ ) بإثبات الألف وجر لفظ الجلالة بلا لامٍ ، وقرأ أبو السمال ( حاشاً لله ) بتنوين حاشا ، وغير ذلك من القراءات ينظر : =حجة القراءات : 359 ، والمحتسب : 2/11-13 ، وإعراب القراءات الشواذ : 1/699-701 ، وإتحاف فضلاء البشر : 2/146 ، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق1/ج2/134 .
(2) ينظر : شرح المفصل : 8/49 ، وشرح الكافية:2/152 ، وارتشاف الضرب : 2/318 ، والجنى الداني : 560-564 ، وظاهر كلام الفراء في معاني القرآن : 2/42 أن حاشا اسم مضاف بمنزلة : معاذ الله .(1/337)
وذهب بعضهم(1) إلى أن الأصل : حاشا الله ، واللام زائدة في حاشا لله .
والمختار في حاشا التنزيهية المجرور ما بعدها أنها اسمٌ مضافٌ بمنزلة معاذ الله وسبحان الله ، وفي حاشا الاستثنائية المجرور ما بعدها أنها حرف جر والمستثنى مجرور بها كل ذلك عملاً بالظاهر وترك تقدير مالا يدل عليه دليلٌ أولى .
هـ - مجيء الاسم مجروراً بعد عاطف على ضمير جر :
للنحويين في عطف الاسم الظاهر على الضمير المجرور أقوالٌ ثلاثة(2) :
ذهب أكثر النحويين(3) إلى لزوم إعادة الجار سواءٌ أحرفاً كان الجار أم اسماً ، نحو : قوله تعالى: { فقال لها وللأرضِ ائتِيا طَوْعاً أو كَرْهاً } (4) وقوله : { قالوا نعبدُ إلهَك وإلهَ آبائك } (5) ، وما أوهم عطف الاسم الظاهر على ضمير الجر من غير إعادة الجار فمدفوع في نحره .أما الشعر فضرورة كقول الشاعر(6) :
فاذهبْ فما بك والأيامِ من عجبِ ... فاليومَ قرَّبتَ تهجونا وتشتُمنا
__________
(1) ينظر : التبيان : 2/731 .
(2) ينظر تفصيل هذه المسألة في : كتاب سيبويه : 1/248 ، 2/381 ، ومعاني القرآن للفراء : 1/252 ، 2/86 والمقتضب : 4/152 ، والخصائص : 2/19 ، والمقتصد : 2/959 ، والإنصاف : 2/3 ، وشرح المفصل : 3/76 والبحر المحيط : 2/385 ، وائتلاف النصرة : 62 ، وشرح الأشموني : 3/114 ، وشرح التصريح : 1/151 .
(3) ينظر : المراجع السابقة .
(4) فصلت : 11 .
(5) البقرة : 133 .
(6) البيت من شواهد سيبويه الخمسين التي لايعرف قائلها . ينظر : كتاب سيبويه : 2/383 ، والكامل : 3/931 ، واللمع : 157 ، والإنصاف : 2/4 ، وشرح المفصل : 3/78 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/247 ، وشرح الكافية الشافية : 3/1250 ، وإيضاح شواهد الإيضاح : 1/385 ، وخزانة الأدب : 5/121 ، والدرر : 2/81 .(1/338)
وأما غير الشعر ، فإن كان نثراً كحكاية قطرب ( ت : 206هـ ) : ما فيها غيرُه وفرسِه(1) ، فشاذٌّ وإن كان قراءةً كقوله تعالى : ( واتقوا اللهَ الذي تساءلون به والأرحامِ )(2) فمنهم مَنْ لم يُجِزِ القراءةَ بها ، يقول المبرد : " وقرأ حمزة ( الذي تساءلون به والأرحامِ ) وهذا مما لا يجوز عندنا إلا أن يضطر إليه شاعرٌ "(3) ومنهم من أوَّلها ونظائرَها بوجوه من التأويل(4)؛ منها تقدير حرف جر بعد العاطف ، أي : وبالأرحامِ يقول ابن جني في قراءة حمزة : " ليست هذه القراءة عندنا من الإبعاد والفحش والشناعة والضعف على ما رآه وذهب إليه أبو العباس بل الأمر فيها دون ذلك وأخف وألطف ، وذلك أن لحمزة أن يقول لأبي العباس : إنني لم أحمل الأرحام على العطف على المجرور المضمر ، بل اعتقدت أن يكون فيه باءٌ ثانية حتى كأني قلت : وبالأرحام ، ثم حذفت الباء لتقدم ذكرها "(5) .
__________
(1) ينظر : شرح الكافية الشافية : 3/1250 ، وشواهد التوضيح والتصحيح : 55 ، وشرح الأشموني : 3/115 .
(2) النساء : 1 وقد سبق تخريج القراءات فيها ينظر : 167 .
(3) الكامل : 2/931 . وينظر : جامع البيان : 7/523 ، ومعاني القرآن وإعرابه : 2/6-7 ، وإعراب القرآن : 1/430-432 ، والمقتصد : 2/960.
(4) ينظر : إعراب القراءات السبع وعللها : 1/127 ، والخصائص : 1/285 ، والكشاف : 1/224-225 ، وتفسير الفخر الرازي : 5/171 ، وشرح المفصل : 3/78 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/248 ، وشرح الكافية الشافية : 2/693 ، وشرح الكافية: 2/359 ، وأسرار النحو : 161 ، وحاشية ابن حمدون : 491 .
(5) الخصائص : 1/285 .(1/339)
ولأصحاب هذا القول المانعين من عطف الاسم الظاهر على الضمير المجرور حججٌ نحوية مفادها بإيجاز(1) :
أن ضمير الجر شبيه بالتنوين ، ووجه الشبه بينهما أنه لا يُفصل بينه وبين ما اتصل به ، أو أنه على حرف واحد ، أو أنه معاقب له بدليل حذفه في النداء نحو : ياغلامِ فكما لا يعطف على التنوين ، ينبغي ألا يعطف على ما أشبهه .
أنه لما امتنع عطف ضمير الجر على الاسم الظاهر في نحو : مررت بزيدٍ وكَ إلا بإعادة الجار فتقول : مررت بزيد وبك ، لم يعطف الظاهر على المضمر إلا بإعادته .
ج- أن الضمير المجرور كالجزء من الجار بدليل عدم استقلاله ، فلو عُطف عليه من غير إعادة الجار لكان كالعطف على جزء الكلمة ، وهو لا يجوز .
__________
(1) ينظر تفصيل ذلك في : كتاب سيبويه : 2/381 ، والتعليقة : 1/162 ، وشرح المقدمة المحسبة : 2/430 والمقتصد : 2/959 ، والإفصاح : 125 ، وأمالي ابن الشجري : 2/103 ، والإنصاف : 2/6-7 ، وشرح المفصل : 3/76 ، والإيضاح قي شرح المفصل : 1/455 .(1/340)
2- ذهب جمع من متقدمي النحويين(1) إلى جواز عطف الاسم الظاهر على الضمير المجرور من غير إعادة الجار ، وهو اختيار جماعة من المتأخرين ، منهم ابن مالك وأبو حيان وابن القيم ، وابن عقيل والزبيدي والسيوطي(2) ، والأفضل عندهم إعادة الجار لكنَّ ذلك غيرُ لازم ، والحجة في جوازه كثرة ما ورد منه في القرآن وفي شعر العرب وبعض منثورهم.
__________
(1) ينسب هذا القول إلى يونس وقطرب والأخفش والكوفيين ، وظاهر كلام الأخفش في معاني القرآن : 1/430-431 خلافُه ، ينظر في نسبة هذا القول : معاني القرآن للفراء : 1/252 ، 2/86 ، وشواهد التوضيح والتصحيح : 53 والبحر المحيط : 6/473 ، وخزانة الأدب : 5/122 .
(2) ينظر : التسهيل : 177 ، وشواهد التوضيح والتصحيح : 53 ، وشرح الكافية الشافية : 3/1254 ، والبحر المحيط : 2/387 ، 3/500 ، وزاد المعاد : 1/37 ، والمساعد : 470-471 ، وائتلاف النصرة : 62 ، ومعترك الأقران : 3/621 ، وهمع الهوامع : 3/189 ، والتأويل النحوي : 1/715 .(1/341)
فمما يمكن حملُه على العطف على الضمير المجرور بحرف جر في القرآن الكريم قوله تعالى : { وصَدٌّ عن سبيلِ اللهِ وكفرٌ به والمسجدِ الحرامِ } (1) وقوله تعالى : ( يستفتونك في النساءِ ، قل اللهُ يفتيكم فيهنَّ وما يتلى عليكم )(2) وقوله تعالى : ( وجعلنا لكم فيها معايشَ ومَن لستم له برازقين )(3) وغيرُها كثير(4) .
ومما جاء منه في الشعر قوله(5) :
وتُكشَفُ غمَّاءُ الخطوبِ الفوادحِ ... بنا أبداً لا غيرِنا تُدرَكُ المنى
وقول الآخر(6) :
فقد خاب من يصلى بها وسعيرِها ... إذا أوقدوا ناراً لحربِ عدوِّهم
وقول الآخر(7) :
من الحمامِ عدانا شرَّ مورودِ ... لو كانت لي وزهيرٍ ثالثٌ وردت
__________
(1) البقرة : 217 . وينظر في أوجه تخريجها : معاني القرآن للفراء : 1/141 ، ومعاني القرآن للأخفش : 4/81-83 وإعراب القرآن : 1308 ، ومشكل إعراب القرآن : 1/128 ، والتبيان : 1/175 ، والبحر المحيط : 2/385-388 وبدائع الفوائد : 3/537-538 ، ومغني اللبيب : 700 .
(2) النساء : 127 . وينظر في أوجه تخريجها : معاني القرآن وإعرابه : 2/114 ، والتبيان 1/393 ، والبحر المحيط : 4/81-83 .
(3) الحجر : 20 . وينظر في أوجه تخريجها : معاني القرآن للفراء : 2/86 ، ومشكل إعراب القرآن : 1/411 ، والبحر المحيط : 6/473 .
(4) ينظر : التبيان : 1/549 ، 555 ، 2/1243 ، 1259 ، والبحر المحيط : 9/413 ، 10/294 ، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق1/ج3/543-547 .
(5) البيت لرجل من طي في : شرح التسهيل : 3/235 ، وبلا نسبة في : شرح عمدة الحافظ : 2/664 ، وشرح الكافية الشافية : 3/1253 ، وشواهد التوضيح والتصحيح : 56 ، وشرح ألفية ابن مالك : 212 ، والبحر المحيط : 2/387-388 .
(6) البيت بلا نسبة في : المراجع السابقة .
(7) البيت بلا نسبة في : المراجع السابقة .(1/342)
وقول الآخر(1) :
أفيها كان حتفي أم سواها ... أكرُّ على الكتيبة لا أبالي
وقول الآخر(2) :
وأبي نعيمِ ذي اللواءِ المحْرِقِ ... هلاَّ سألتِ بذي الجماجمِ عنهمُ
وقول الآخر(3) :
وجبناً عن رجالٍ آخرينا ... عفاريتاً عليَّ وأكلِ مالي
وقول الآخر(4) :
بأعراضكم مثلِ الإماءِ الولائدِ ... أريحوا البلادَ منكم ودبيبِكم
3- ذهب الجرمي والزيادي(5) ( ت : 249هـ ) إلى جوازه في الكلام بشرط أن يؤكَّد ضميرُ الجر بنحو : مررت بك أنت وزيدٍ ، قياساً على ضمير الرفع .
هذا ، ونزع الخافض وإبقاء عمله يتصور في هذه المسألة على قول من يمنع عطف الاسم الظاهر على الضمير المجرور ، فيخرِّج ما يرِدُ عليه منه على تقدير الجار .
والمختار من الأقوال المذكورة القول بجواز عطف الاسم الظاهر على الضمير المجرور من غير إعادة الجار للأمور الآتية:
كثرة الشواهد الواردة فيه كما تقدم ذكرها ،فليس صحيحاً أنه " إنما جاء في بيتين أو ثلاثة "(6) .
__________
(1) البيت للعباس بن مرداس في : شرح ديوان الحماسة للمرزوقي : 1/158 ،وشرح التسهيل : 3/234 ، وشرح الكافية الشافية : 3/1252 ، والبحر المحيط : 2/388 ، وخزانة الأدب : 2/388 ، وبلا نسبة في : الإنصاف : 1/274 2/5 ، وشرح عمدة الحافظ : 2/663 .
(2) البيت بلا نسبة في معاني القرآن للفراء : 2/86 ، والإنصاف : 2/6 ، 12 ، وشرح التسهيل : 3/234 ، وشرح عمدة الحافظ : 2/662 ، وشرح الكافية الشافية : 3/1252 ، والبحر المحيط : 2/387 ، وخزانة الأدب : 5/123 .
(3) البيت لرافع بن هريم في : التنبيه والإيضاح : 2/300 ، ولسان العرب : ( كيس ) ، وبلا نسبة في : البيان والتبيين : 1/185 ، 4/57 ، وارتشاف الضرب : 2/220 .
(4) البيت بلا نسبة قي : الغرة المخفية : 1/391 .
(5) ينظر : النكت الحسان : 131 ، وشرح الأشموني : 3/115-116 .
(6) المقتصد : 2/960 .(1/343)
ضعف حجج المانعين ، وذلك أنه يمكن نقضُها بمثلها أو بما هو أقوى منها(1) ، ويمكن رد النقض بمثله ، أو بما هو أضعف منه(2) ، ويكفي في ردِّها أنها أقيسة عقلية ورد السماعُ بخلافها "والقياسُ يتضاءل عند السماع لاسيما بمثل هذه الأقيسة التي هي أوهن من بيت العنكبوت "(3) .
أن أخويْ ضميرِ الجر – أعني ضميرَي النصب والرفع – يعطف عليهما على تفصيل في ضمير الرفع(4) ، وليس ثمة مانعٌ قوي يمنع من أن يحمل عليهما ضمير الجر في أصل الجواز وإن كان الأكثر الأفضل فيه أن يعاد مع المعطوف الجارُّ ، كما أن الأكثر الأفضل في العطف على ضمير الرفع توكيده أو الفصل بينه وبين المعطوف .
أنهم حكموا بالعطف على الضمير المجرور من غير إعادة الخافض الاسمي ( المضاف ) في مواضع منها :
أ- العطف على الضمير المجرور باسم الفاعل ، نحو : هذا ضاربه وزيدٍ ، يقول الشلوبين : " ولك في العطف على المجرور باسم الفاعل الحمل على اللفظ على الإطلاق ، وإن لم يعطف على المضمر المخفوض بعد إعادة الخافض ، نحو : هذا ضاربه وزيدٍ "(5) .
ب- إذا أوقع عود الخافض في لبسٍ(6) ، نحو : جاءني غلامُك وغلامُ زيدٍ ، وأنت تريد غلاماً واحداً مشتركاً بينهما ، فلا يجوز ذلك ، بل تقول : جاءني غلامك وزيدٍ .
فهذا يقرب القول بجواز العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الخافض الاسمي والحرفي إذ البابُ واحدٌ .
__________
(1) ينظر : شرح الكافية الشافية : 3/1247-1248 ، وشواهد التوضيح والتصحيح : 53-54 .
(2) ينظر : شرح ألفية ابن مالك : 213 .
(3) تفسير الفخر الرازي : 5/171 .
(4) ينظر : كتاب سيبويه : 1/278 ، 298 ، وشرح المفصل : 3/76 ، وشرح الكافية: 2/355-356 .
(5) التوطئة : 262 . وفي آخر المقولة اضطراب ، ولكنَّ المعنى واضح .
(6) ينظر : شرح الكافية: 2/358 ، وحاشية الصبان : 3/114 .(1/344)
وقد يقال : لِمَ لا تكون صورة العطف على الضمير المجرور بالحرف من باب نزع حرف الجر وبقاء عمله لتقدم ذكره وانضباط موضعه ؟ فعلام رجحتَ العطف هاهنا ؟
والجواب عن ذلك أن العطف على الضمير المجرور هو الظاهر والمتناول القريب ولا مانع منه والقاعدة أنه " لا يصار إلى الأمر الخفي إذا أمكن العمل بالظاهر الجلي "(1) ولا يترك الظاهر إلى المقدر إلا إذا كان المقدر أقوى منه(2) ، فإن كان مقارباً له فعدمُ التقدير أولى من التقدير .
ولهذا لا يمتنع تقدير حرف الجر حين يقوى داعي التقدير كالتصريح بالجار المحذوف في موضع آخر، من ذلك قوله تعالى : { واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامِ } (3) فقد قرأ ابن مسعود ( وبالأرحامِ )(4) فتقدير حرف الجر في قراءة حمزة أولى من العطف على الضمير المجرور .
نزع حرف الجر واحتمال المحل للنصب والجر
إذا نزع حرف الجر ، فإما أن ينتصبَ الاسمُ وإما أن يبقى مجروراً على حاله ، وكلُّ ذلك إما قياسي وإما سماعي ، وقد تقدم بيان ذلك في المبحثين السابقين من هذا الفصل . وثمة مواضعُ ينزع فيها حرف الجر ولا يظهر أثرُه في مدخوله أنصبٌ هو أم جر ؟ فلما كان المحلُّ محتملاً لهما جرى فريق من النحويين على الأكثر في ما ينزع منه حرف الجر وهو النصب ، وذهب آخرون إلى إبقائه مجروراً ، ولكلٍّ وجهةٌ .
وهذه المواضع التي ينزع فيها حرف الجر والمحلُّ فيها محتمِلٌ للنصب والجر تندرج في مسألتين :
__________
(1) شرح الكافية: 2/308 . وينظر : مغني اللبيب : 340 ، 567 ، 786 .
(2) ينظر : شرح الكافية: 3/481 .
(3) النساء : 1 . وقد سبق تخريج القراءات فيها ينظر : 167 .
(4) ينظر : البحر المحيط : 3/498 .(1/345)
الأولى : أن يكون مدخولُ حرف الجر المنزوع المصدرَ المؤوَّل من الحرف المصدري وصلته(1) – مصدريةً ناصبةً قطعاً ، وتعليليةً جارةً قطعاً ، ومحتملةً لهما :
أما المصدريةُ الناصبة قطعاً فهي الواقعة بعد اللام ، وليس بعدها أنْ ، والفعل بعدها منصوب نحو قوله تعالى : { لكيلا تأسوا على ما فاتكم } (2) .
وأما التعليلية الجارة قطعاً فهي الواقعة في ما يأتي :
__________
(1) * المقصود بالأحرف المصدرية الأحرف الخمسة المشتهرة عند النحويين لاسيما المتأخرون وهي : أنَّ وأنْ وكي وما ولو ، ولا نقصد ما قيل إنه من الموصولات الحرفية وهي : الذي واللام وهمزة التسوية وإذ وكيف . ينظر في مظان هذه الأدوات من كتب حروف المعاني كالجنى الداني ، ومغني اللبيب ، وينظر أيضاً : التأويل النحوي 1/705-707 2/1114-1119 ، وظاهرة النيابة : 468-478 . .
الثانية : أن يكون مدخولُ حرف الجر المنزوع الجملةَ المعلَّقَ عاملُها .
أولاً : نزع حرف الجر مع المصدر المؤول من الحرف المصدري وصلته
ليست الأحرف المصدرية على درجة سواءٍ من الشهرة بنزع حرف الجر معها ، بل الأمر فيها متفاوت ، فمنها ما اتفق النحويون على أنَّ نزع حرف الجر معها قياسٌ مطرد وهي أنَّ وأنْ ، ومنها ما لم يُنَصَّ على نزعه معها إلاَّ نادراً وهي لو ، أو على سبيل الاحتمال بالقياس وهي ما . وفي ما يأتي بيان هذه الأحرف المصدرية والأحكام المتعلقة بنزع حرف الجر معها .
1-2- أنَّ وأنْ : الحديث فيهما يطول ، لذا يحسن تأخيره بعد بيان بقية الأحرف المصدرية .
3- كي :
تأتي كي – على مذهب الجمهور$%& ينظر : كتاب سيبويه : 3/6 ، والمقتضب : 2/6 ، 9 ، ومعاني الحروف : 99 ، والإنصاف : 2/99 ، وشرح المفصل : 7/17 ، وشرح الكافية : 4/47 ، ورصف المباني : 215 ، وارتشاف الضرب : 1/518 ، 2/392 ومغني اللبيب : 241 ، وشرح الأشموني : 3/278 ، وشرح التصريح : 2/230 ، وهمع الهوامع : 2/289-290 .
(2) الحديد : 23 .(1/346)
الداخلة على ما الاستفهامية نحو : كيمه .
الداخلة على ما المصدرية ، كقول الشاعر(1) :
يُرجَّى الفتى كيما يضرُّ وينفعُ ... إذا أنت لم تنفعْ فضُرَّ فإنَّما
المذكورة قبل اللام كقوله(2) :
وعدتْني غيرَ مختلسِ ... كي لتقضيَني رقيَّةُ ما
المذكورة قبل أنْ ، كقوله(3) :
لسانَك كيما أن تغرَّ وتخدعا ... فقالتْ أكلَّ الناسِ أصبحتَ مانحاً
وأما المحتملة لهما فهي على النحو الآتي :
المجردة من اللام وأنْ نحو قوله تعالى : { كيلا يكونَ دُوْلةً } (4) .
الواقعة بينهما ، كقول الشاعر(5) :
فتتركَها شنًّا ببيداءَ بلقعِ ... أردتَ لكيما أن تطيرَ بقربتي
__________
(1) البيت مختلف في قائلة فقيل هو للنابغة الذبياني في : شرح التصريح : 2/3 ، وليس في ديوانه ، وقيل لقيس بن الخطيم وهو في : زيادات ديوانه : 235 ، وكتاب الصناعتين : 347 . وينظر : خزانة الأدب : 8/501 . وبلا نسبة في تذكرة النحاة : 609 ، والجنى الداني : 262 ، ومغني اللبيب : 241 ، وشرح الأشموني : 2/204 .
(2) البيت لعبدالله بن قيس الرقيات في : شرح التصريح : 2/231 ، وخزانة الأدب : 8/490، 491 ، والدرر : 1/170 وبلا نسبة في : أوضح المسالك : 4/183 ، وشرح الأشموني : 3/281 ، وهمع الهوامع : 1/181 .
(3) البيت لجميل بن معمر في : ديوانه : 74 ، وشرح المفصل : 9/14 ، 16 ، وشرح التصريح : 2/3 ، وخزانة الأدب : 8/481 ، والدرر : 4/67 . وبلا نسبة في : شرح عمدة الحافظ : 1/267 ، ورصف المباني : 217 والجنى الداني : 262 ، ومغني اللبيب : 242 ، همع الهوامع : 2/219.
(4) الحشر : 7 .
(5) البيت بلا نسبة في : الإنصاف : 2/107 ، وشرح المفصل : 7/19 ، ورصف المباني : 216 ، والجنى الداني : 265 ، وجواهر الأدب : 232 ، وأوضح المسالك : 4/141 ، ومغني اللبيب : 242 ، وشرح الأشموني : 3/280 وخزانة الأدب : 8/485 ، قال في الخزانة : 8/489 : " هذا البيت قلَّما خلا منه كتابٌ نحوي ولم يُعرَفْ قائلُه " .(1/347)
وذهب الكوفيون إلى أن كي لا تأتي إلا مصدريةً ناصبةً دائماً ، ولا تكونُ جارةً ، ويردُّه قولُهم : كيمه .
وذهب بعضهم إلى أنها جارة دائماً ، والنصب بعدها بأن ظاهرة أو مقدرة ، وينسب هذا القول إلى الأخفش ، وفي معاني القرآن(1) ما يوافق مذهب الجمهور .
ويُرَدُّ هذا القولُ – أياًّ كان القائلُ به – بدخول اللام على كي في نحو : { لكيلا تأسوا } (2) وحرف الجر لا يدخل على مثله إلا في نادرٍ من القول .
وفي القولين الأخيرين ينتفي عن كي الاشتراك وتخلُصُ للعمل في الأسماء أو في الأفعال ، لكنَّ المختار ما ذهب إليه الجمهور لأن العرب ولِيَتْها الاسمَ المجرورَ والفعل المنصوب والأصلُ " في كل ما ولي شيئاً وطلبه وأثَّر فيه العملَ أن يُحكمَ بالعمل له "(3) .
__________
(1) ينظر : 1/300 .
(2) الحديد : 23 .
(3) رصف المباني : 217 .(1/348)
والذي يعنيني من الحديث في كي مجيئُها مصدرية ، وذلك أنه لا يتصور نزع حرف الجر معها إلا إذا كانت مصدريةً بمنزلة أنْ ، فإذا قيل : جئت كي أتعلمَ احتمل أن تكون كي جارة وأن المصدرية الناصبة مقدرةٌ بعدها ، واختاره عبد القاهر(1) وأن تكون هي المصدرية الناصبة ، واللامُ قبلها مقدرةٌ وهو اختيار ابن الحاجب وابن الناظم(2) ، وهو الأظهر ، وذلك لكثرة وقوع اللام قبلها ، كقوله تعالى : { لكيلا تأسَوْا } (3) لأن المعنى في نحو : جئت لكي أتعلمَ ، وكي أتعلم واحدٌ ، فاعتقاد أنَّ كي في الثاني غير كي في الأول بعيد(4) ، ثم إنَّ القول بأن كي مصدريةٌ في صورة الاحتمال هو مقتضى قولهم : إنَّ "كي إذا أطلقت لا تنصرف إلا للمصدرية "(5) ، ولذلك عُدَّ من مواضع نزع حرف الجر قياساً نزعه مع كي وصلتها ، فهذا يقتضي بأن كي في صورة الاحتمال هي المصدرية ليس غير . يقول المالقي : "وكثيراً ما يحذف حرف الجر مع أنْ ، ولما كانت كي مثل أنْ جاز إضمارها معها كما يجوز مع أن "(6) ويقول ابن هشام : " ولا يحذف الجار قياساً إلا مع أنَّ وأنْ ، وأهمل النحويون هنا ذكر كي مع تجويزهم في نحو : جئت كي تكرمني أن تكون كي مصدرية واللام مقدرة ، والمعنى : لكي تكرمني"(7) ويقول الأشموني : " ومثل أنَّ وأنْ في حذف حرف الجر قياساً كي المصدرية ، نحو : جئتك كي تقوم أي : لكي تقوم "(8) .
__________
(1) ينظر : المقتصد : 2/1052-1503 .
(2) ينظر : الإيضاح في شرح المفصل : 2/13-14 ، وشرح ألفية ابن مالك : 26 .
(3) الحديد : 23 .
(4) ينظر الإيضاح في شرح المفصل : 2/13-14 .
(5) حاشية ابن حمدون : 596 .
(6) رصف المباني : 217 .
(7) مغني اللبيب : 681-682 ، وينظر : همع الهوامع : 3/7 .
(8) شرح الأشموني : 2/92 .(1/349)
وتختص كي المصدرية بأنه لا ينزع معها إلا اللام المفيدة للتعليل خاصة ، لأنه لا يستقيم تقديرُ غيرها(1) ، بخلاف أنَّ وأنْ . فإذا نزع حرف الجر ( اللام ) مع كي ، فما محلُّ المصدر المؤول من كي وصلتها ، أمجرورٌ بحرف الجر المنزوع ، أم منصوبٌ على نزع الخافض ، وما الجهة التي انتصب عليها ؟
ينصُّ النحويون على أن كي المؤولة مع صلتها بالمصدر يقدر قبلها لامُ التعليل كما تقدم ، ويندر أن يعرِّجوا على محل المصدر بعد نزع حرف الجر أنصبٌ هو أم جر ؟ والذي يقتضيه كلامُهم أن يكون محل كي والفعل نصبٌ لأنه واقع موقع المفعول له ، وهو ما ألمح إليه أبو حيان حيث يقول : " يجوز في كي في أحد محتمليها ، وهو إذا كانت ناصبة بنفسها لا حرفَ جر أن تقع مفعولاً له ، لأنها إذ ذاك ينسبك منها مصدرٌ ، فتكون مثل أنَّ وأنْ "(2) وفي المقابل عَدَّ الأشموني(3) نزع لام التعليل قبل كي وصلتها من مواضع اطراد نزع حرف الجر وإبقاء الاسم مجروراً ، والراجح – في نظر الباحث – أن الموضع نصب على المفعول له لما يأتي :
أن النصب في ما ينزع منه حرف الجر هو الغالبُ ، والجرَّ دون ذلك ، والحمل على الغالب أولى .
__________
(1) ينظر : رصف المباني : 217 ، وارتشاف الضرب : 1/518 ، ومغني اللبيب : 682 ، وشرح شذور الذهب : 323 ، وهمع الهوامع : 3/7 ، وحاشية الخضري : 1/407 .
(2) ارتشاف الضرب : 2/224 .
(3) ينظر : شرح الأشموني : 2/235 ، والنحو الوافي : 2/534 .(1/350)
أنه لا مانع عند النحويين أن يأتي المفعول له مصدراً صريحاً منصوباً أو مؤولاً من أنَّ وأنْ وصلتهما(1) والمحلُّ نصبٌ ، وعلى ذلك جرى معربو القرآن(2) ، وقد تقدم في حد المفعول له(3) أنه المصدر المقدر باللام المعلل به حدثٌ ، فيكون محل كي وصلتها نصباً قياساً واندراجاً ، قياساً على أنَّ وأنْ ، واندراجاَ في حد المفعول له .
4- لو :
أثبت جماعةٌ من النحويين(4) لـ( لو ) كونها حرفاً مصدرياً ، خلافاً للجمهور الذين قصروا دلالتها على الشرط وتأولوا ما استدل به القائلون بالمصدرية على تقدير جواب للو محذوف ، كقوله تعالى : { يودُّ أحدُهم لو يُعَمَّرُ ألفَ سنةٍ } (5) فالتقدير – على أنها مصدرية – يود أحدهم التعميرَ ، وتقدير الجمهور : يود أحدهم التعمير لو يعمر ألف سنةٍ لسره ذلك(6) ، فقدروا محذوفين ، مفعول يود ، وجواب لو . وفيه تكلُّف يغني عنه القول بأن لو حرف مصدري يسبك – مع صلته – مصدراً يكون مفعولاً به لِيَوَدُّ في الآية المذكورة .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 1/390 ، 3/153-154 ، والأصول في النحو : 1/265 ، 267 ، وأمالي ابن الشجري : 3/162-163 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/263 .
(2) ينظر : معاني القرآن وإعرابه : 4/82 ، وإعراب القرآن : 2/4-5 ، 3/174 ، والتبيان : 1/251 ، 271 .
(3) ينظر : 117 .
(4) ينظر : التبيان : 1/96 ، وارتشاف الضرب : 1/518-519 ، والجنى الداني : 297 ، ومغني اللبيب : 349-350 وحاشية الشنواني على موصل الطلاب (خ) : 62 .
(5) البقرة : 97 .
(6) ينظر : مغني اللبيب : 350 .(1/351)
والغالب في لو المصدرية أن تقع بعد مفهم تمنٍّ كودَّ ويودُّ ، وشواهد ذلك في القرآن كثيرة(1) ومن وقوعها بعد غيره قول الشاعر(2):
منَّ الفتى وهو المغيظُ المُحنِقُ ... ما كان ضرَّك لو مننتَ ، وربما
والتقدير : ما كان ضرَّك منُّك .
ومن وقوع لو المصدرية بعد مالا يفهم منه التمني ، ومحلها مع صلتها نصبٌ على نزع حرف الجر – على ما ذهب إليه جمعٌ (3)– قوله تعالى : { وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقَهم اللهُ } (4) والتقدير : وماذا عليهم في الإيمان بالله واليوم الآخر ، وهذا هو الموضع الوحيد في التنزيل الذي وجده الحموز(5) وقد نُزِع منه حرف الجر مع المصدر المؤول من ( لو ) وما في حيِّزها . وقدَّر المانعون من مجيء لو مصدرية محذوفين في هذه الآية ، الجار والمجرور ، وجواب لو ، فالتقدير عندهم(6) : وماذا عليهم في الإيمان بالله واليوم الآخر والإنفاق في سبيل الله لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله لحصلت لهم السعادة . وفي التقدير إطالة من غير طائل ، وأخصر منه – مع الدلالة على المراد – جعلُ لو مصدريةً ، والمصدر المؤول منصوبٌ على نزع حرف الجر .
5- ما :
( ما ) المصدرية نوعان (7):
__________
(1) ينظر : مغني اللبيب : 350 ، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق1/ج3/660-663 .
(2) البيت لقتيلة بن النضر بن الحارث في : الأغاني : 1/50 ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي : 2/966 ، وأوضح المسالك : 4/201 ، ومغني اللبيب : 350 ، وبلا نسبة في : تذكرة النحاة : 38 ، وهمع الهوامع : 1/264 .
(3) ينظر :التبيان : 1/358 ، والبحر المحيط : 3/639 ، والدر المصون : 2/363 ، وحاشية الشهاب : 3/269 .
(4) النساء : 39 .
(5) ينظر : التأويل النحوي : 1/707 .
(6) ينظر : البحر المحيط : 3/639 .
(7) ينظر تفصيل القول فيهما في : الجنى الداني : 330 ، ومغني اللبيب : 399-403 ، وظاهرة النيابة : 470-473 .(1/352)
الزمانية ، وهي التي تسبك – مع صلتها – مصدراً نائباً عن ظرف الزمان على حد نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، كقوله تعالى : { وأوصاني بالصلاةِ والزكاةِ ما دمتُ حيًّا } (1) ، أي : مدة دوامي حياً .
غير الزمانية ، وهي التي تسبك – مع صلتها – مصدراً صريحاً حسبُ يعرب بحسب موقعه من الجملة فاعلاً أو مفعولاً أو مجروراً بحرف الجر ، نحو قوله تعالى : { عزيز ٌعليه ما عنِتُّم } (2) أي: عنتُكم ، وقوله تعالى : { ودُّوا ما عنِتُّم } (3) أي : عنتَكم ، ونحو : أزورك لِمَا تُحسِنُ إليَّ ، أي : لإحسانك.
وعند هذا المثال الأخير تساءل أبو حيان فقال : " هل يجوز حذفُ حرف الجر منه كما جاز في أنَّ وأنْ ؟ "(4) وأجاب بقوله : " لا أعرف في ذلك نصاًّ على أحدٍ "(5) .
__________
(1) مريم : 31 .
(2) التوبة : 128 .
(3) آل عمران : 118 .
(4) ارتشاف الضرب : 2/224 .
(5) المرجع السابق .(1/353)
والذي يقتضيه القياس على أنَّ وأنْ الجواز ، ولعلَّ ما يمنع من القول به في المثال المذكور التباسُ ما هذه غير الزمانية المنزوعِ قبلها حرفُ الجر بما المصدرية الزمانية ، وذلك أنك لو قلت : أزورك ما تحسن إليَّ لتبادر إلى الفهم إرادةُ ما الزمانية فيكون التقدير : أزورك مدة إحسانك إلي ، ولا دليل على إرادة حرف الجر ، فلما عدم الدليل ولم يؤمن اللبس امتنع نزعُ حرف الجر مع ما غير الزمانية في نحو ما تقدم ، وشرطُ نزع الخافض ثبوت الدليل ، وأمن اللبس ، فلو تحقق الشرطان لقوي القول بالجواز ، لأنه مقتضى القياس على أنَّ وأنْ ، لاسيما مع ثبوت علة جواز نزع حرف الجر مع أنَّ وأنْ في ما المصدرية غير الزمانية ، وهي كثرةُ جرها بحرف الجر (1)، أو طولها بالصلة ، أو استقباح دخول حرفٍ على حرفٍ ، أو عدم تبين الإعراب فيها(2) .
أنَّ وأنْ : أنَّ وأنْ حرفان مصدريان يقدر بهما وبصلتهما مصدرٌ(3) ، سواءٌ عملتا عمل الباب الذي ينتظمهما أم لا ، فأنَّ عاملةٌ عمل إنَّ تنصب المبتدأ وترفع الخبر ، فإذا دخلتها ما الكافة منعتها من أن تعمل النصب والرفع ، وبقي سبكُها المصدرَ قائماً في كل حالٍ . كذلك أنِ الثنائية الناصبة للمضارع إذا دخلت على الماضي أو الأمر أُلغِيَ عملُها النصبَ ، وبقي سبكُها المصدرَ لا يتغير .
__________
(1) ينظر في كثرة الشواهد القرآنية على جر ما المصدرية غير الزمانية بحرف الجر : دراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق1/ج3/29-39 .
(2) ينظر : معاني القرآن للفراء : 2/222 ، والمقتضب : 2/36 ، ومشكل إعراب القرآن : 1/345 ، وشرح المفصل : 8/51 ، والأشباه والنظائر : 4/65 ، وحاشية الصبان : 2/92 ، وحاشية ابن حمدون 254 .
(3) ينظر تفصيل القول في أحكامهما في : كتاب سيبويه : 3/119-131 ، 151-162 ، وشرح الكافية : 4/354 471 ، وارتشاف الضرب : 1/518 ، ومغني اللبيب : 41 ، 59 ، وهمع الهوامع : 1/439، وظاهرة النيابة : 469 .(1/354)
حكم نزع حرف الجر مع أنَّ وأنْ :
اتفق النحويون على جواز نزع حرف الجر مع أنَّ وأنْ بشرطه ، وهو الموضع الوحيد من مباحث نزع الخافض الذي لا يجد فيه الباحثُ اضطراباً في حكمه ، ولكنهم اختلفوا - بعدُ - في محل المصدر المؤول بعد نزع الجار ، وفي علة جواز النزع . يقول سيبويه : " اعلم أنَّ اللامَ ونحوَها من حروف الجر قد تحذف من أنْ كما حذفت من أنَّ ، جعلوها بمنزلة المصدر حين قلت : فعلت ذاك حذر الشر أي لحذر الشرِ ... فأنْ هاهنا حالُها في حذف حرف الجر كحال أنًَّ وتفسيرُها كتفسيرها ، وهي مع صلتها بمنزلة المصدر "(1) .
وقد تنوَّعت مقولات النحويين في وصف حكم نزع حرف الجر مع أنَّ وأنْ ، ومردُّها جميعها إلى الاستحسان ، من ذلك وصفه بأنه حسنٌ(2) ، وجيدٌ(3) ، وسائغٌ(4) ، وكثير في القرآن والكلام(5) ، وغالب(6) وأنه قياس مطرد(7) .
شرط اطراد نزع حرف الجر مع أنَّ وأنْ :
__________
(1) كتاب سيبويه : 3/154 .
(2) ينظر : معاني القرآن للأخفش : 1/287 ، والأمالي النحوية : 1/100 .
(3) ينظر : المقتضب : 2/35 .
(4) ينظر : معاني القرآن وإعرابه : 1/309 .
(5) ينظر : معاني القرآن للفراء : 2/222 ، ومعاني القرآن للأخفش : 1/332 ، ، ومشكل إعراب القرآن : 2/527 وشرح المفصل : 8/51 ، والأشباه النظائر : 4/65 ، وهمع الهوامع : 3/6 ، وكشاف اصطلاحات الفنون : 1/430 .
(6) ينظر : الإشارة إلى الإيجاز : 16 .
(7) ينظر : الأمالي النحوية : 1/100 ، وشرح ألفية ابن مالك: 96 ، ورصف المباني : 255 ، وارتشاف الضرب : 3/51 ، والبحر المحيط : 2/343 ، 680 ، وتخليص الشواهد : 511 ، ومغني اللبيب : 681 ، وجواهر الأدب : 198 ، وشرح ابن عقيل : 1/407 ، والمساعد : 1/429 ، والبهجة المرضية : 1/276 ، والكليات : 287 .(1/355)
شرطُ اطراد نزع حرف الجر مع أنَّ وأنْ أمنُ اللبس(1) ، وذلك بأن يتعيَّنَ حرفُ الجر المنزوع كقوله تعالى : { وبشِّرِ الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ أنَّ لهم جناتٍ } (2) أي : بأن لهم(3) ، وقوله تعالى : { أفتطمعون أنْ يؤمنوا لكم } (4) أي: في أن يؤمنوا لكم(5) .
فإن لم يؤمنِ اللبسُ بأن لم يتعين حرف الجر المنزوع ، لم يطرد الحذف ، نحو : رغبت أن تقومَ فلا يُدرَى هل القيام مرغوب فيه أو عنه ؟ فيختلف المعنى باختلاف تقدير حرف الجر في أو عن .
يقول ابن مالك في الكافية الشافية(6) :
مطردٌ إلا إذا ما اللبسُ عنْ ... وحذفُ حرفِ الجر معْ أنَّ وأنْ
__________
(1) ينظر : شرح الكافية : 4/139 ، ، وارتشاف الضرب : 3/51 ، والبحر المحيط : 2/343 ، ومغني اللبيب : 787 وشرح ابن عقيل : 1/408 ، وشرح المكودي : 254 ، وشرح التصريح : 1/313 والبهجة المرضية : 1/276 .
(2) البقرة : 25 .
(3) ينظر : معاني القرآن وإعرابه : 1/101 ، وإعراب القرآن: 1/201 ، 3/320 ، والتبيان : 1/41 ، وحاشية الشهاب : 2/95 .
(4) البقرة : 75 .
(5) ينظر : إعراب القرآن : 1/201 ، ومشكل إعراب القرآن : 1/99 ، والبيان : 1/97 ، والتبيان : 1/79 ودراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق1/ج1/364-369 .
(6) ينظر : شرح الكافية الشافية : 2/632 .(1/356)
ويرِدُ على هذا الشرط قولُه تعالى : { وترغبون أن تنكحوهن } (1) فقد نزع حرف الجر مع أنْ ، وهو غير متعين بدليل أن منهم من يقدر : في(2) ، ومنهم من يقدر : عنْ(3) ، والمعنى محتمل وأجيب عن ذلك بأجوبةٍ(4) :
أن الحذف في الآية من باب الإجمال لا اللبس ، بناءً على الفرق بين الإجمال واللبس(5) فاللبس أن يُفهَمَ غيرُ المراد ، وهو محذور ، والإجمال أن يفهم المراد وغيره بقصد الإبهام والإبهام إذا ناسب المقام كان من مقاصد البلغاء ، والمقام في الآية مناسب للإبهام وذلك لأنَّ " أولياء اليتامى كانوا يرغبون فيهن إن كنَّ جميلات ، ويأكلون أموالهن ، وإلاَّ كانوا يعضلونهن طمعاً في ميراثهن "(6) فأُبهِم حرفُ الجر " ليرتدع من يرغب فيهن لجمالهن ومن يرغب عنهن لذمامتهن "(7) .
أن الخلاف في حرف الجر المنزوع في الآية إنما هو بالنظر إلى القرينة ( سبب النزول ) فتعيين سبب النزول يعين الحرف المقدر أهو في أم هو عن ؟ فالخلاف في الحقيقة في القرينة " فصار كلٌّ من الحرفين مراداً على سبيل البدل "(8) وقوة الاستنباط كفيلة بترجيح إرادة أحد الحرفين كما هو صنيع الطبري(9) .
__________
(1) النساء : 127 . وينظر نظائر هذه الآية في احتمال تقدير حرفي جر أو أكثر في : دراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق1/ج1/368 .
(2) ينظر : مشكل إعراب القرآن : 1/209 .
(3) ينظر : جامع البيان : 9/262-264 ، ومعاني القرآن وإعرابه : 2/114-115 .
(4) ينظر : مغني اللبيب : 788 ، وشرح الأشموني : 2/91 ، وشرح التصريح : 1/313 ، والبهجة المرضية : 1/277 وهمع الهوامع : 3/7 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/236 ، وحاشية ابن حمدون : 254 .
(5) ينظر : حاشية ياسين على التصريح : 1/148 ، 281 .
(6) تفسير البيضاوي : 3/363-364 .
(7) شرح الأشموني : 2/91 . وينظر : شرح التصريح : 1/313 .
(8) حاشية الشهاب : 3/364 .
(9) ينظر : جامع البيان : 9/264 .(1/357)
أجاب السيوطي بأنه " لا يلزم من عدم الاطراد – أي القياس – عدم الورود "(1) أي : أنَّ غير المقيس قد يرد ، وبنحو ما أجاب السيوطي أجاب ابن حمدون(2) .
والجوابان الأولان أسلم ، وذلك أنَّ الجواب الثالث مبنيَّ على التسليم بشذوذ ما ورد في الآية ، فيلزم على هذا تخريج القرآن على الشاذ وكتاب الله عز وجل " لا توَجَّه معانيه وما فيه من البيان إلى الشواذ من الكلام والمعاني ، وله في الفصيح من المنطق ، والظاهر من المعاني المفهوم وجهٌ صحيح موجود"(3).
علة اطراد نزع حرف الجر مع أنَّ وأنْ :
اختلف النحويون في استنباط العلة النحوية التي سهلت نزع حرف الجر مع أنَّ وأنْ حتى صار ذلك قياساً مطرداً ، على أقوال :
ذهب أكثرهم(4) إلى أن العلة هي طول الكلام بالصلة ، وطول الكلام يستدعي التخفيف فاحتُمِل نزعُ حرف الجر بقصد التخفيف.
والحامل لهم على اعتماد طول الكلام بالصلة علةً للنزع ، التفريقُ في حكم نزع حرف الجر بين المصدر الصريح والمصدر المؤول من أنَّ وأنْ و وما في حيزهما ، فلا يجوز نزعه مع المصدر الصريح لعدم الطول ، ويجوز مع المؤول للطول ، فتقول : عجبت من أن قمتَ ، وعجبت أنْ قمتَ ولا تقول : عجبت قيامَك ، أي : من قيامك .
ويشكل على هذا التعليل طول الموصول الاسمي بصلته وهو مع ذلك مما لا يجوز نزع حرف الجر معه باطراد .
__________
(1) البهجة المرضية : 1/277 .
(2) ينظر : حاشية ابن حمدون : 254 .
(3) جامع البيان : 7/100 .
(4) ينظر : المقتضب : 2/36 ، وإعراب القرآن : 1/257 ، والبيان : 1/65 ، وشرح المفصل : 8/51 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/311 ، والمساعد : 1/429 ، وشرح الأشموني : 2/92 ، وشرح المكودي : 254 ، والأشباه والنظائر : 4/65 ، وحاشية الشهاب : 2/95 ، وحاشية ابن حمدون : 254 .(1/358)
وأجيب عن ذلك بأن العلة النحوية غير مطردة(1) ، أو بالتفريق بين الموصول الحرفي والموصول الاسمي بأنَّ " الموصول الحرفي مع صلته واحد بدليل صحة التأويل ، فلذلك اعتبر طوله بالصلة بخلاف الموصول الاسمي ، فلا يصح فيه التأويل فلم يعتبر طوله بالصلة"(2).
وذهب الفراء(3) إلى أن علة نزع حرف الجر مع أنَّ وأنْ عدم تبيُّن الإعراب فيهما ، بخلاف المصدر الصريح .
ويشكل عليه المعرَبُ من الأسماء إعراباً تقديرياً نحو : مصطفى ، فلا يقال : مررت مصطفى ، أي بمصطفى ، وسلَّمت مصطفى ، أي : على مصطفى .
ذهب السهيلي(4) إلى أن العلة في ذلك هي استقباح دخول حرفٍ على حرفٍ ، واستحسنه ابن حمدون(5) .
ولو قيل : إن مجموع تلك الأوصاف هو علة اطراد نزع حرف الجر مع أنَّ وأنْ لكان قولاً سالماً مما يعترض تلك الأقوال منفردةً . هذا إن كان ثمة بدٌّ من التعليل ، وإلا فلو لم يعلَّل بأكثر من ورود نزع حرف الجر مع أنَّ وأنْ في العربية كثيراً – كما هو تعليل سيبويه(6) - لكان في ذلك السلامةُ من التخرصات والظنون .
محل المصدر المؤول من أنَّ وأنْ مع صلتهما بعد نزع حرف الجر :
إذا كان النحويون قد اتفقوا على جواز نزع حرف الجر مع أنَّ وأنْ بشرطه , وأنَّ ذلك قياس فيهما فقد اختلفوا في محل المصدر المؤول منهما مع صلتهما بعد نزع حرف الجر على أقوال :
__________
(1) ينظر : حاشية الصبان : 2/92 .
(2) حاشية ابن حمدون : 254 .
(3) ينظر : معاني القرآن : 2/222 .
(4) ينظر : حاشية الصبان : 2/92 .
(5) ينظر : حاشية ابن حمدون : 254 .
(6) ينظر : كتاب سيبويه : 3/128 ، وهمع الهوامع : 3/6 .(1/359)
ذهب الخليل والفراء والأخفش وأكثر النحويين إلى أن المحل نصب(1) ، يقول سيبويه : " وسألت الخليل عن قوله جل ذكره : { وأنَّ هذه أمتُكم أمةً واحدةً وأنا ربُّكم فاتقون } (2) فقال : إنما هو على حذف اللام ، وكأنه قال : ولأن هذه أمتكم أمةً واحدة وأنا ربكم فاتقون ... هذا قول الخليل "(3) ووُصف هذا القول بأنه الأقيس(4) والأولى(5) ، بل قيل : إنه " لا اختلاف بين الناس أن الموضع نصب "(6) .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 3/126-128 ، ومعاني القرآن للفراء : 1/58 ، 148 ، 261 ، 300 ، ومعاني القرآن للأخفش : 1/332 ، والمقتضب : 2/347 ، والمسائل العضديات : 32-33 ، والأمالي النحوية : 4/35 ، والإيضاح في شرح المفصل : 2/160 ، وشرح الكافية : 4/139 ، ورصف المباني : 255 ، وارتشاف الضرب : 3/51 ومغني اللبيب : 682 ، وهمع الهوامع : 3/7 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/234 ، وحاشية الخضري : 1/407 .
(2) المؤمنون : 52 . قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح همزة إنَّ وتشديد النون ، وقرأ ابن عامر بفتح الهمزة وتخفيف النون ، وقرأ الكوفيون ؛ حمزة والكسائي وعاصم بكسر الهمزة ، وعلى قراءة الفتح يصح الاستشهاد . ينظر : التذكرة في القراءات الثمان : 2/452-453 ، والتبصرة : 606 ، والنشر : 2/328 ، وإتحاف فضلاء البشر : 2/285 .
(3) كتاب سيبويه : 3/126-128 .
(4) ينظر : شرح الأشموني : 2/92 ، وشرح المكودي : 254 ، وحاشية الخضري : 1/407 .
(5) ينظر : إعراب القرآن : 2/221 ، وشرح الكافية : 4/139 .
(6) معاني القرآن وإعرابه : 2/286 . وينظر : 1/299 .(1/360)
ووجه أقيسيَّة هذا القول وأولويته أن النصب بعد نزع حرف الجر في ما ظهر فيه الإعراب أكثر من إبقاء الاسم مجروراً ، والحمل على الأكثر أولى(1) ، فيكون " القياس على ما ظهر فيه الإعراب أن تكون كل واحدةٍ منهما في موضع نصب"(2) .
وذهب الكسائي إلى أن المحل جرٌّ ، يقول الفراء : " قوله : { وقلوبُهم وجلةٌ أنهم } (3) وجلةٌ من أنهم ، فإذا ألقيتَ مِنْ نصبتَ ، وكل شيء في القرآن حذفت منه خافضاً ، فإنَّ الكسائي يقول : هو خفض على حاله ، وقد فسرنا أنه نصب إذا فقد الخافض "(4) .
وقد قوَّى سيبويه القول بالجر من غير أن يبطل قول الخليل ، فبعد أن حكى النصب عن الخليل قال: " ولو قال إنسان : إن ( أنَّ ) في موضع جر ... ولكنه حرف كثر استعماله في كلامهم ، فجاز فيه حذف الجار كما حذفوا رُبَّ في قولهم(5):
وبلدٍ تحسبه مكسوحاً
__________
(1) ينظر : الأمالي النحوية : 4/35-36 ، والإيضاح في شرح المفصل : 2/160 ، ورصف المباني : 255 ، ومغني اللبيب : 682 ، والمساعد : 1/429 .
(2) رصف المباني : 255 .
(3) المؤمنون : 6 .
(4) معاني القرآن : 2/238 ، وينظر نحو ذلك في : 1/58 ، 148 ، 2/173 ، وإعراب القرآن : 1/201 2/298 .
(5) الرجز لأبي النجم في : أساس البلاغة : 286 ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في : كتاب سيبويه : 3/128 ، وخزانة الأدب : 10/30 .(1/361)
لكان القول قوياًّ ، وله نظائر نحو قوله : لاهِ أبوك ، والأول قول الخليل(1)
__________
(1) * مع وضوح ما ذكره سيبويه عن شيخه الخليل ، وما ذكره الفراء عن شيخه الكسائي ، تجد النحويين يخلطون في نسبة الأقوال إلى أصحابها ، فقد نسب جماعةٌ كُثُر إلى الخليل أن محل أنَّ وأنْ بعد نزع الخافض جرٌّ ، وأقدم من وقفت على ذلك عنده الزجاج في معاني القرآن وإعرابه : 1/309 ثم النحاس في إعراب القرآن 1/311-312 ، ثم ابن جني في المحتسب : 1/302 ، ثم مكي في مشكل إعراب القرآن في مواضع منها : 1/333 ، 345 ، 2/764 ، 788 ، ثم الأنباري في البيان : 1/97 ، ثم العكبري في التبيان في كل موضع يذكر فيه الأقوال من ذلك : 1/41 ، 43 ، 73 79 ، ولم يأتِ بالنسبة على وجهها إلا في موضعٍ واحدٍ 2/799 ، ثم ابن الحاجب في الأمالي النحوية : 4/35 ، وفي الإيضاح في شرح المفصل : 2/160 ، ثم ابن مالك في شرح الكافية الشافية : 2/634 ، ثم اشتهر عنه حتى وقف المصححون لما نُسِبَ إلى الخليل عليه وعلى ابن العلج صاحب البسيط ، ينظر : ارتشاف الضرب : 3/51 ، وممن نسب إلى الخليل الجر بعد ابن مالك ابنُه في شرح ألفية ابن مالك : 97 ، والرضي في شرح الكافية : 4/139 ، وأبو حيان في البحر المحيط : 1/81 ، والأشموني في شرح الألفية : 2/92 ، 235 ، والسيوطي في البهجة : 1/276 والصبان في حاشيته : 2/235 ، والحموز في التأويل النحوي : 1/706-707 وغيرهم .
وقد تنبه جماعة إلى خطأ ما نسب إلى الخليل فنبهوا عليه ، منهم أبو حيان في ارتشاف الضرب : 3/51 ، وابن هشام في مغني اللبيب : 682-683 ، وابن عقيل في المساعد : 1/430 ، وخالد الأزهري في شرح التصريح : 1/313 والسيوطي في همع الهوامع : 3/7 ، والصبان في موضع من الحاشية : 2/92 ، والخضري في حاشيته : 1/409 وهادي عطية مطر في الحروف العاملة : 43-44 .
ونَسَبَ ابنُ عقيل في شرح الألفية : 1/409 إلى الكسائي أن محل أنَّ وأنْ بعد نزع الخافض نصبٌ ، وهو خلاف ما ذكره عنه تلميذه الفراء . ينظر معاني القرآن : 2/238 ، ونسب ابن عقيل في الموضع السابق من شرح الألفية إلى الأخفش أن المحل جر ، وهو خلاف ما قرره الأخفش في معاني القرآن : 1/331-332 . "$%& كتاب سيبويه : 3/128 . وينظر : النكت في تفسير كتاب سيبويه : 2/769 ، وشرح التصريح : 1/313 .(1/362)
.
هذا وتجويز سيبويه الوجهين يصلح أن يكون قولاً ثالثاً وإن كان قد قوَّى القولَ بالجر ومال إليه(1) ، وأنه الأقوى(2) والأقرب إلى الصحة(3) ، وربما يختاره بعض معربي القرآن في توجيه شواهد بعينها(4) .
ووجه قوة هذا القول من جهتين :
الأولى : السماع ، وذلك في قول الشاعر(5) :
إليَّ ولا دينٍ بها أنا طالبُهْ ... وما زرتُ ليلى أنْ تكونَ حبيبةً
__________
(1) ** ذهب أبو حيان في ارتشاف الضرب : 3/51-52 بعد أَنْ صحَّحَ ما نسب إلى الخليل إلى أن سيبويه لم يصرِّح بمذهبٍ لأنه لما أن ذكر قول الخليل قال : " ولو قال إنسان إن الموضع جر لكان قولاً قوياً ، كذا قال أبو حيان ، وليس ما ذهب إليه بوجيه ، لأن عادة سيبويه أنه لا يتعقب شيخه بقولٍ لنفسه في مقام الاجتهاد ، لا في مقام النقل عن العرب ، حتى قيل : إنه إذا قال بعد حكايته قول الخليل : وقال غيره ، فإنه يعني نفسه .
وتجويز سيبويه الوجهين هو ما فهمه الزجاج في معاني القرآن وإعرابه : 2/286 ، والأعلم الشنتمري في النكت : 2/769 ، وابن هشام في تخليص الشواهد : 51 ، وابن عقيل في شرح الألفية : 1/409 ، وخالد الأزهري في شرح التصريح : 1/313 . .
وقد وُصِفَ القولُ بالجر بأنه قولُ قومٍ يُرتضَى علمُهم من رؤساء النحويين$%& ينظر : معاني القرآن وإعرابه : 5/227 ، وتذكرة النحاة : 584 .
(2) ينظر : النكت في تفسير كتاب سيبويه : 2/769 .
(3) ينظر : الواضح في النحو : 80 هامش رقم :1 .
(4) ينظر : معاني القرآن وإعرابه : 1/309 ، ومشكل إعراب القرآن : 2/527-528 ، 775 ، 788 .
(5) البيت للفرزدق في : ديوانه : 78 ، وكتاب سيبويه : 3/29 ، وشرح أبيات سيبويه : 2/110 ، وتحصيل عين الذهب : 376 ، وسمط اللآلي : 1/572 ، وتخليص الشواهد : 511 ، والدرر : 5/183 ، وبلا نسبة في : شرح الكافية الشافية : 2/634 ، ومغني اللبيب : 683 ، والمساعد : 1/429 ، وشرح الأشموني : 2/92 ، وهمع الهوامع : 3/7 .(1/363)
فجَرُّ ( دينٍ ) المعطوف على ( أن تكون ) دليلٌ على أن محل المصدر المؤول من أنْ والفعل بعد نزع حرف الجر جرٌّ(1).
وخرجه الذاهبون إلى أن محل أنَّ وأنْ نصب بعد نصب الخافض ، على أنه من باب العطف على التوهم(2) ، كأن الشاعر توهم دخول اللام على ( أن تكون ) ، وذهب بعضهم(3) إلى أن ( دينٍ ) مجرور بحرف جر محذوفٍ والتقدير : ولا لدينٍِ .
والأولى في توجيه هذا الشاهد القول بالعطف على محل ( أن تكون ) لأنه الظاهر(4) ولا محوج لادِّعاء التوهم أو تقدير حرف جر .
فإن قيل : لا ينبغي الاعتماد على هذا الشاهد في بناء قاعدة جر محل أنَّ وأنْ بعد نزع الخافض لأنه قد دخله الاحتمال ، والدليل إذا دخله الاحتمال سقط به الاستدلال ، فالجواب أن شرط الاحتمال الذي يسقط به الاستدلال أن يكون ظاهراً أما إن كان غير ظاهر فلا يلتفت إليه(5).
وبذلك يبقى الشاهد صالحاً للاستدلال به على أن المحل جر .
__________
(1) ينظر : شرح ألفية ابن مالك : 97 ،ومغني اللبيب : 683 ،وشرح الأشموني : 2/92 ،وحاشية الخضري : 1/409 .
(2) ينظر : كتاب سيبويه : 3/29 ، وشرح أبيات سيبويه : 2/110-111 ، والنكت في تفسير كتاب سيبويه : 1/712 ومغني اللبيب : 683 ، والمساعد : 1/429-430 ، وحاشية الصبان : 2/92 .
(3) ينظر : شرح الأشموني : 2/235 .
(4) ينظر : حاشية ياسين على الألفية : 1/235 ، وحاشية الصبان : 2/135-136 ، وحاشية الخضري : 1/409 .
(5) ينظر : حاشية ياسين على الألفية : 1/235 .(1/364)
الثانية : القياس ، وهي طريقة سيبويه لتقوية القول بالجر ، وقد تقدم قوله قريباً(1) فقد قاسه على نزع رب ، ونزع اللام من لفظ الجلالة في نحو : لاهِ أبوك ، والجامع بينهما كثرة الاستعمال ، فلما كثر استعمال حرف الجر مع أنَّ وأنْ ، نُزِع وبقي عمله كما نزعت رب واللام " فحرف الجر وإن لم يذكر فكأنه موجود في الحكم "(2) .
وأغرب الحلواني(3) حين اعتمد الحكم بالسماع والقياس على نزع الخافض فارقاً في الحكم على محل المخفوض ، فما كان نزعُ حرف الجر فيه سماعياً فالوجه النصبُ ، وما كان نزع حرف الجر فيه قياسياً فالوجه فيه الجر ، وبنى على ذلك حكمَه على محل أنَّ وأنْ وهو الجر لأنه من القسم القياسي .
وحسناً فعل سيبويه حينما مثَّل بمثالين ينتمي أحدهما إلى باب النزع السماعي وهو لاهِ أبوك والآخر إلى باب النزع القياسي وهو وبلدٍ ، وكلاهما نُزع منه حرف الجر وبقي عمله الجرَّ في الاسم بعده ، فكان ينبغي – على طريقة الحلواني – افتراقهما في الإعراب لافتراقهما في حكم السماع والقياس ، دعك مما تقرر في المبحثين السابقين من مواضع قياسية نزع فيها حرف الجر وانتصب الاسم ، وهي على طريقة الحلواني ينبغي جرُّها ، ومواضع أخرى سماعية نزع فيها حرف الجر وبقي الاسم مجروراً ، وهي على طريقة الحلواني ينبغي نصبُها.
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 3/126-128 ، وهذا البحث : 233 .
(2) النكت في تفسير كتاب سيبويه : 2/769 .
(3) ينظر الواضح في النحو : 352-353 .(1/365)
والراجح – في نظر الباحث – أن محل أنَّ وأنْ بعد نزع حرف الجر جوازُ الوجهين النصب والجر لاحتمال المحل لهما ، غير أنه يمكن أن يقال مع ذلك : إنه إذا اطرد نصب الاسم الصريح بعد نزع الخافض كثاني مفعولي أمر ، وكالمفعول لأجله ، ووقع المصدر المؤول من أنَّ وأنْ وما في حيزهما موقعه فالأوجَهُ والأقوى أن يكون محلُّ أنَّ وأنْ نصباً حملاً له على ما ظهر فيه الإعراب في بابه مثال وقوع أن والفعل موقع ثاني مفعولي أمر قوله تعالى : { إن اللهَ يأمرُكم أنْ تذبحوا بقرةً } (1) فالتقدير: بأن تذبحوا ، والأصل : بذبح بقرةٍ ، فلو نزع حرف الجر منه لقيل : يأمركم ذبحَ بقرةٍ كما تقول : أمرتك الخير َ ، لذا قال العكبري في الآية السابق ذكرها : " ( أن تذبحوا ) في موضع نصب على تقدير إسقاط حرف الجر وتقديره : بأن تذبحوا ، وعلى قول الخليل : هو في موضع جر بالباء ويجوز أن يقول الخليل هو هنا في موضع نصب فتعدى أمر بنفسه كما قال(2) :
أمرتك الخيرَ فافعل ما أمرت به "(3) .
ومثال وقوع أنْ والفعل وأنَّ ومعموليها موقع المفعول لأجله قوله تعالى : { إنا نطمعُ أنْ يغفرَ لنا ربُّنا خطايانا أنْ كنَّا أوَّلَ المؤمنين } (4) أي : لأن كنا(5) ، وقوله تعالى : { ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذابَ أنَّ القوَّةَ للهِ جميعاً } (6) أي: لأنَّ القوة(7) .
__________
(1) البقرة : 67 .
(2) سبق تخريجه : 90 .
(3) التبيان : 1/73 . وينتبه إلى خطأ نسبة الجر إلى الخليل .
(4) الشعراء : 51 .
(5) ينظر : أمالي ابن الشجري : 3/162 ، وينظر شواهد أخرى نزع فيها اللام مع أنْ في : دراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق1/ج1/366-367 .
(6) البقرة : 165 .
(7) ينظر : إعراب القرآن : 1/277 ، وينظر شواهد أخرى نزع فيها اللام مع أنَّ في : دراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق1/ج1/464-467 .(1/366)
فالمصدر المؤول في ذلك ونحوه الأولى فيه أن يقال : إنه في موضع نصب ، والجرُّ جائزٌ بدليل قول الشاعر(1) :
إليَّ ولا دينٍ بها أنا طالبه ... وما زرت ليلى أن تكون حبيبةً
فأن تكون مفعول لأجله لكنه هاهنا في موضع جر بدليل جر المعطوف عليه .
أما إذا كان المصدرُ المؤول المنزوعُ حرفُ الجر منه واقعاً موقع ما لم يطرد فيه نصب الاسم الصريح لو نزع منه حرف الجر فالحكم بجر المحل فيه أظهر ، وذلك لأنه لما كثر نزعُه معهما عمل محذوفاً عمله موجوداً في اللفظ ، مثال ذلك قوله تعالى : { ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً } (2) أي : في أن تبتغوا(3) ، وقوله تعالى : { وتصِفُ ألسنتُهم الكذبَ أنَّ لهم الحسنى } (4) أي : بأن لهم(5) .
أما قول أبي حيان في ( ألاَّ يقيما ) من قوله تعالى : { ولا يحلُّ لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألاَّ يقيما حدود الله } (6) : " ولا يجيء هنا خلاف الخليل وسيبويه أنه إذا حذف حرف الجر من أنْ ، هل هذا في موضع نصب أو في موضع جر ؟ بل هذا في موضع نصب ؛ لأنه مقدر بالمصدر ، والمصدر لو صرح به كان منصوباً واصلاً إليه العاملُ بنفسه ، فكذلك هذا المقدر به ، وهذا الذي ذكرناه من أنَّ أنْ والفعل إذا كانا في موضع المفعول من أجله فالموضع نصب لاغير ، منصوص من النحويين ووجهه ظاهر "(7) فيُرَدُّ من وجهين :
__________
(1) سبق تخريجه : 234 .
(2) البقرة : 198 .
(3) ينظر : التبيان : 1/162 .
(4) النحل : 62 .
(5) ينظر : التبيان : 2/799 ، والبحر المحيط : 6/551 .
(6) البقرة : 229 .
(7) البحر المحيط : 2/471 . وينظر : دراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق1/ج2/660 .(1/367)
الأول : أن خلاف سيبويه للخليل إنما جاء في ما كان موقعُه موقعَ المفعول من أجله يقول سيبويه : " وسألت الخليل عن قوله جل ذكره : { وأنَّ هذه أمتُكم أمةً واحدةً وأنا ربُّكم فاتقون } (1) فقال : إنما هو على حذف اللام ، كأنه قال : ولأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ، وقال : نظيرها { لإيلاف قريش } (2) لأنه إنما هو : لذلك فليعبدوا ، فإن حذَفتَ اللام من أنْ فهو نصبٌ ، كما أنك لو حذفت اللام من لإيلاف كان نصباً ، هذا قول الخليل ... وقال سبحانه وتعالى : { فدعا ربَّه أني مغلوبٌ فانتصِرْ } (3) وقال: { ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومِه أني لكم نذير مبين } (4) وإنما أراد : بأني مغلوب ، وبأني لكم نذير مبين لكنه حذف الباء ، وقال : { وأنَّ المساجدَ للهِ فلا تدْعُوا معَ اللهِ أحداً } (5) بمنزلة { وأن هذه أمتكم أمة واحدة } والمعنى : ولأن هذه أمتكم فاتقون ، ولأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً ، ولو قال إنسان : إنَّ أنَّ في موضع جر في هذه الأشياء ... لكان قولاً قوياً "(6) ويقول سيبويه أيضاً : " اعلم أن اللام ونحوها من حروف الجر قد تحذف من أنْ كما حذفت من أنَّ جعلوها بمنزلة المصدر حين قلت : فعلت ذلك حذر الشر ، أي : لحذر الشر ، ويكون مجروراً على التفسير الآخر "(7) .
__________
(1) المؤمنون : 52 . وقد سبق تخريج القراءات فيها : 232 .
(2) قريش : 1 .
(3) القمر : 10 .
(4) هود : 25 . قرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة بكسر همزة ( إني ) وقرأ باقي العشرة بفتحها . ينظر : التبصرة : 538 ، والنشر : 2/288 ، وإتحاف فضلاء البشر : 2/124 .
(5) الجن : 18 .
(6) كتاب سيبويه : 3/126-128 .
(7) المرجع السابق : 3/153-154 .(1/368)
الثاني : أن نصوص النحويين متظافرة على حكاية الخلاف مطلقاً ، ومقيداً في ما كان في موضع المفعول لأجله(1) ، بل إن أبا حيان نفسه أشار إلى الخلاف في مثل هذا الموضع(2) .
مواضع يُردُّ القولُ فيها بنزع حرف الجر مع أنْ
نزع حرف الجر في نحو : عسى زيدٌ أنْ يقوم :
تستعمل عسى في تركيب الكلام على وجوه متعددة(3) منها أن يليَها اسمٌ ظاهر ثم أنْ والفعل لإفادة الترجي في المحبوب والإشفاق في المكروه ، وكذا الشأن في أختيها حرى واخلولق إلاَّ أنه يلتزم الإتيان معهما بأنْ . فعلى هذا النمط من التركيب يقال :
عسى زيدٌ أن يقوم .
وحرى الطالبُ أن ينجحَ .
واخلولقتِ السماءُ أن تمطرَ .
وللنحويين في توجيه إعراب هذا التركيب أوجه(4) ، منها أنَّ عسى فعلٌ تام متضمن معنى قرُب أو دنا ، والاسم المرفوع فاعله ، وأن والفعل في موضع نصب على نزع حرف الجر ، والتقدير : قرب زيد من القيام ، أو دنا من القيام .
__________
(1) ينظر : جامع البيان : 8/174 ، ومعاني القرآن وإعرابه : 5/236 ، وإعراب القرآن : 5/149 ، والمحتسب : 1/302 ، ومشكل إعراب القرآن : 1/245 ، 2/764 ، وأمالي ابن الشجري : 3/152 ، والتبيان : 1/107 ، 454-455 .
(2) ينظر : البحر المحيط : 2/738 ، 7/302 .
(3) ينظر تفصيل القول في هذه المسألة في : كتاب سيبويه : 3/99 ، 157 ، والمقتضب : 3/68 ، وشرح جمل الزجاجي لابن خروف : 2/842 ، وشرح الكافية الشافية : 1/450 ، وشرح الكافية : 4/214 ، وارتشاف الضرب : 2/119 ، ومغني اللبيب : 43 ، 201 ، 907 ، وشرح الأشموني : 1/260 ، وشرح التصريح : 1/203-204 .
(4) ينظر : المراجع السابقة .(1/369)
وهذا التوجيه هو أحد قولي سيبويه ، يقول : " وتقول : عسيتَ أن تفعل ، فأنْ هاهنا بمنزلتها في قولك : قاربت أن تفعل ، أي : قاربت ذاك ، وبمنزلة دنوت أن تفعل واخلولقت السماء أن تمطر ، أي: لأن تمطر ، وعسيت بمنزلة : اخلولقت السماء "(1) وللمبرد نحوه(2) ، وقد حكاه عنهما – بحسب الظاهر من كلامهما – جمعٌ من النحويين(3) ، غير أن عضيمة(4) استظهر أن سيبويه والمبرد يريان أن أفعال الرجاء تعمل عمل كان في مثل هذا التركيب فالمرفوع اسمها وأن والفعل خبرها كما هو مذهب الجمهور ، وتفسيرهما هذه الأفعال بقارب أو دنا إنما هو تفسير معنى لا تفسير إعراب .
وأياً كان الأمر ، فقد صار هذا القول مذهباً محكياً مختاراً لدى بعض النحويين ، يقول ابن الناظم : " والأولى جعلُ أن بصلتها مفعولاً به على إسقاط الجار ، والفعل قبلها تام "(5) ومال الرضي إلى هذا القول في حرى واخلولق خاصة(6) .
واستبعد ابن هشام(7) أن يكون المصدر المؤول من أن والفعل مقدراً قبله حرفُ الجر وهو الراجح - في نظر الباحث– لما يأتي :
أن حرف الجر لم يظهر في هذا التركيب – مع كثرة استعماله – في وقت من الأوقات(8) .
أن القول بتقدير حرف الجر مبنيٌّ على تضمين الفعل معنى فعلٍ آخر ، وهو تأويل يخرج اللفظ عن مقتضاه بلا ضرورة(9) .
__________
(1) كتاب سيبويه : 3/157 .
(2) ينظر : المقتضب : 3/68-69 .
(3) ينظر : شرح عمدة الحافظ : 2/821 ، والجنى الداني : 464 ، ومغني اللبيب : 202 .
(4) ينظر : المقتضب : 3/68-69 ، هامش رقم : 2 .
(5) شرح ألفية ابن مالك : 59 .
(6) ينظر : شرح الكافية : 4/219 . وينظر كذلك : حاشية ياسين على الألفية :1/121 ، وحاشية ياسين على التصريح : 1/206 .
(7) ينظر : مغني اللبيب : 43 .
(8) ينظر : المرجع السابق .
(9) ينظر : همع الهوامع : 1/416 .(1/370)
هذا وقد طرد الرضي القول بنزع حرف الجر مع أنْ في أفعال المقاربة أيضاً ؛ كاد وكرب وأوشك فإذا اقترن مدخولُها الثاني بأنْ – وهو قليل مع كاد وكرب – فالمصدر المؤول – عنده – بتقدير حرف الجر ، أي : كاد وكرب من أن يقوم ، وأوشك في أن يقوم ثم حذف حرف الجر على القياس مع أن ثم قال : " وأوجبوا هنا حذفها لكثرة الاستعمال ، وأنْ إما منصوبة أو مجرورة "(1) .
ويجاب عن قوله " وأوجبوا هنا حذفها لكثرة الاستعمال " بأن ذلك مفرعٌ على التسليم بأن حرف الجر منزوع مع أنْ بعد أفعال المقاربة ، وليس كذلك .
2- نزع لام الجحود مع أنْ:
ينتصب الفعل المضارع بعد لام يطلق عليها النحويون لام الجحود أو لام النفي(2) ، وتجيء بعد كونٍ ناقصٍ منفي ماضٍ لفظاً أو معنىً ، نحو : { ما كان اللهُ ليعذبَهم } (3) و { لم يكنِ اللهُ ليغفر َلهم } (4) واختلفوا في حقيقة هذه اللام ، أهي حرف جر والمضارع بعدها منصوب بأن مضمرة وجوباً ، وخبر كان محذوف ، والتقدير : ما كان اللهُ مريداً لتعذيبهم ، وهو مذهب البصريين ، أم هي حرف توكيد والنصب بها ، والمضارع بعدها خبر كان ، وهو مذهب الكوفيين ، أم هي حرف توكيد والنصب بأن مضمرة بعدها وجوباً والمصدر المؤول خبر أن ، وهو قول ابن مالك ؟ أقوال للنحويين .
وتفريعاً على مذهب البصريين جوَّز الرضي نزع لام الجحود وإظهار أنْ ، وجعَلَ من ذلك قوله تعالى : { وما كان هذا القرآنُ أنْ ُيفتَرى } (5) فقال : " كان أصله ليفترى فلما حذفت اللام بناءً على جواز حذف اللام مع أنَّ وأنْ ، جاز إظهار أنِ الواجبةِ الإضمار بعدها "(6) .
__________
(1) شرح الكافية : 4/221 .
(2) ينظر تفصيل القول في هذه اللام في : كتاب سيبويه : 3/7 ، والمقتضب : 2/7 ، وشرح المفصل : 7/28 ، وشرح الكافية الشافية : 3/1539 ، ومغني اللبيب : 278 ، وشرح الأشموني : 3/291 وهمع الهوامع : 297-299 .
(3) الأنفال : 33 .
(4) النساء : 137 .
(5) يونس : 37 .
(6) شرح الكافية : 4/62 .(1/371)
ونظَرَ في ما قاله الرضي جماعةٌ(1) ، فمنعوا دعوى نزع لام الجحود – وهو الراجح – لعدم قيام الدليل على ذلك ، أما الآيةُ التي استدلَّ بها فغيرُ متعيَّنٍ حملُها على ذلك ؛ إذ يمكن تخريجُها على أوجهٍ من التخريج هي أقربُ من القول بنزع لام الجحود وإظهار أنِ الواجبة الإضمار ، ومن تلك الأوجه(2) :
أن يكون المصدرُ المؤوَّلُ ( أن يفترى ) واقعًا موقعَ خبر كان ، أي : افتراءً ، وهذا المصدرُ واقعٌ موقعَ اسمِ المفعول ، أي : مفترىً ، على سبيل النيابة المزدوجة(3) ، فأن يفترى مؤول بالافتراء والافتراء مؤول بمفترىً ، فيحصل التطابق بين اسم كان ( القرآن ) الذي هو بمعنى المقروء والخبر .
أن يكون المصدر المؤول ( أن يفترى ) خبرًا لكان ، و ( القرآن ) إما بمعنى القراءة فالتطابق حاصل بالإخبار بمصدر عن مصدر ، وإما بمعنى المقروء وأخبر عنه بالمصدر على تقدير مضاف بقصد المبالغة أي : ذا افتراء – وهو الراجح ، كقولهم : زيد عدلٌ .
__________
(1) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/400 ، وشرح الأشموني : 3/294 ، وشرح التصريح : 2/236 ، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق1/ج2/461-462 .
(2) ينظر : الجامع لأحكام القرآن : 8/343 ، والبحر المحيط : 6/57 ، ومغني اللبيب : 202 ، 709 ، 907 ، وهمع الهوامع : 2/298 ، وحاشية ياسين على التصريح : 2/236 ، وحاشية الصبان : 3/294.
(3) ينظر لبيان هذا النوع من النيابة وأمثلتها : ظاهرة النيابة : 60-62 .(1/372)
3- نزع حرف الجر مع أنْ على حدِّ قوله تعالى : { يبيَّنُ اللهُ لكم أنْ تَضِلُّوا } (1)
تقدم أن للنحويين في ذلك قولين(2) :
أن يقدر قبل أنْ حرفُ جر وبعدها لا النافيةُ ، والتقدير : لئلا تضلوا ، وهو قول الفراء(3) وإليه مال ابن قتيبة والطبري ومكي والمالقي(4) .
أن يقدر قبل أنِ اسمٌ مضافٌ ، والتقدير : كراهية أن تضلوا أو مخافة أن تضلوا أو خشية أن تضلوا فلما نزع المضاف ( المفعول لأجله ) أقيم المضاف إليه ( المصدر المؤول ) مقامه ، وهو قول أكثر النحويين(5) ، وهو الأولى بالاختيار لأمرين :
أن نزعَ المضاف وإقامةَ المضاف إليه مقامه أكثرُ من نزع حرف الجر ، والحملُ على الأكثر أولى ، كما تقرر في مبحث ضوابط نزع الخافض .
أن في تقدير المضاف تقليلاً للمحذوف ، ويلزم على تقدير حرف الجر تقدير لا النافية بعد أن ليصح المعنى ، ومهما أمكن تقليل المحذوف فهو أولى .
__________
(1) النساء : 176 ، ونظير هذه الآية آيات كثيرات أشير إلى بعضها ، وينظر توجيهها في مظانها من كتب معاني القرآن وإعرابه من ذلك : آل عمران : 73 ، والنساء : 6 ، 135 ، والمائدة : 15 ، 19 ، 49 ، والأنعام : 25 ، 156 والأعراف : 20 ، 169 ، وهود : 12 ، والنحل : 15 ، والكهف : 57 ، والأنبياء : 11 ، والحج : 65 ، والنور : 22 ، والشعراء : 2 ، وفاطر : 41 ، والزمر : 56 ، والفتح : 25 ، والحجرات : 2 ، والممتحنة : 1 .
(2) ينظر : 34 من هذا البحث .
(3) ينظر : معاني القرآن : 1/297 ، 303 ، 366 .
(4) ينظر : تأويل مشكل القرآن :225 ، وجامع البيان : 10/157 ، ومشكل إعراب القرآن : 1/210 ، ورصف المباني: 117-118.
(5) ينظر : معاني القرآن وإعرابه : 2/136-137 ، 3/41 ، 243 ، وإعراب القرآن : 2/61 ، 73 ، 108 ، 118 والتبيان: 1/397 ، 429 ، 2/917 ، ومغني اللبيب : 55 ، وهمع الهوامع : 2/327 .(1/373)
لذا وُصِفَ القولُ بنزع المضاف هاهنا بأنه الأجود والأحسن والأسهل ، يقول الزجاج في قوله تعالى: { وجعلنا على قلوبهم أكنَّةً أن يفقهوه } (1) : " ومعنى ( أن يفقهوه ) كراهة أن يفقهوا ، وقيل : معناه : ألاَّ يفقهوه ، والمعنيان واحد ، غير أنَّ ( كراهة ) أجود في العربية "(2) ويقول أبو حيان في قوله تعالى : { إلا أن تكونا ملكين } (3) : " وإضمار الاسم وهو ( كراهة) أحسن من إضمار الحرف وهو ( لا ) "(4) ويقول ابن هشام : " وقيل في { يبين اللهُ لكم أن تضلوا } : إن الأصل : لئلا تضلوا ، فحذفت اللام الجارة ، ولا النافية ، وقيل الأصل : كراهة أن تضلوا ، فحُذِفَ المضافُ ، وهذا أسهل "(5) .
ثانياً : نزع حرف الجر من الجملة المعلَّق عاملها
__________
(1) الكهف : 57 .
(2) معاني القرآن وإعرابه : 3/243 .
(3) الأعراف : 20 .
(4) البحر المحيط : 5/25 ، وينظر : 3/112-114 .
(5) شرح شذور الذهب : 324 .(1/374)
المقصود بالتعليق هاهنا إبطال عمل العامل في لفظ معموله لا في محله لمانع(1). وأصل التعليق عن العمل أن يكون في الأفعال القلبية(2) ، من ذلك قوله تعالى : { لقد علمتَ ما هؤلاء ينطقون } (3) وقوله تعالى : { ولتعلمُنَّ أيُّنا أشدُّ عذاباً وأبقى } (4) فامتنع أن يعمل الفعل القلبي ( علم ) في لفظ ما بعده لوجود ماله الصدارة في جملته كالنفي بما والاستفهام وغير ذلك من المعلقات ، لكنَّ محلُّ الجملة نصبٌ بدليل ظهوره في التابع(5) ، تقول : ظننت لزيدٌ قائمٌ وعمراً منطلقاً ، وكقول الشاعر(6) :
ولا موجعاتِ القلبِ حتَّى تولَّتِ ... وما كنتُ أدري قبلَ عزَّة ما البكا
__________
(1) ينظر : شرح المفصل : 7/86 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/326 ، والمقرب : 183 ، وشرح الكافية : 4/159 ، وشرح ابن عقيل : 1/342-343 ، والمساعد : 1/368 ، وشرح الأشموني : 2/26 .
(2) * يقصد بالأفعال القلبية الأفعال المعنوية التي متعلَّقُها القلبُ والشعورُ ، ويقابلها الأفعال الحسية العلاجية كضرب وتكلم . من باب ظن$%& ينظر : ارتشاف الضرب : 3/74 .
(3) الأنبياء : 65 .
(4) طه : 71 .
(5) ينظر : مغني اللبيب : 546-547 ، وشرح ابن عقيل : 1/343 .
(6) البيت لكثيِّر عزة في : ديوانه : 95 ، وشرح شذور الذهب : 368 ، وشرح قطر الندى : 247 ، ومغني اللبيب : 546 ، وشرح التصريح : 1/257 ، وخزانة الأدب : 9/146 ، وبلا نسبة في : شرح الأشموني : 2/32 .(1/375)
ولقد اشتهر التعليق في الأفعال القلبية من باب ظن حتى صار أحدَ فروع مباحث هذا الباب ، بل خصَّه بعضُهم – كالزمخشري – بها ، فلا يُعلَّق – عنده – غيرُها(1) . ووسع يونس الدائرة فأجاز تعليق جميع الأفعال(2) ، نحو : ضربت أيُّهم في الدار . وتوسط آخرون ، فأجازوه في كل فعل قلبي(3) ولو لم يكن من أفعال باب ظن كفعل النظر بمعنى التأمل وفعل التفكر ، ونحو ذلك ، تقول : فكرت أهذا صحيح ؟ ومنعوه في غيرها .
وألحق كثير من النحويين(4) بأفعال القلوب في التعليق غيرَها كنظَر البصرية ، وأبصر ورأى العينية وسأل ، واستنبأ . والتمسوا لتسويغ جريان التعليق فيها – وإن لم تكن من الأفعال القلبية – معنىً يقربها منها ، فقالوا في سأل إنما علِّق لأن السؤال سبب العلم ، فأُجري السبب مُجرى المسبب (5) ، وكذا الشأن في غيره ، فالنظر البصري وسيلةٌ إلى العلم فأجري الموصِلُ مُجرى الموصَل إليه .
واختار الرضي طريقةً بديعة لحصر الأفعال التي يمكن تعليقها(6) يرتكز فيها التعليق على المعرفة سواءٌ أقلبياً كان المعلَّقُ أم حسياً ، فجعل التعليقَ بالاستفهام يرِدُ بعد ثلاثة أنواع من الأفعال :
- أفعال الشك التي لا ترجيح فيها لأحد الجانبين على الآخر ، نحو : شككت أزيدٌ في الدار أم عمروٌ ، ونسيت أو ترددت أأقوم أم أقعدُ ؟
- أفعال العلم ، كعلمت ، وتبينت ، ودريت .
__________
(1) ينظر : شرح المفصل : 7/86-87 .
(2) ينظر : شرح المفصل : 7/87 ، وشرح الكافية : 4/165 ، والمساعد : 1/369 ، وشرح التصريح : 1/256 والتأويل النحوي : 2/919 .
(3) ينظر : الإيضاح في شرح المفصل : 2/70 ، وتخليص الشواهد : 454 ، ومغني اللبيب : 543 .
(4) ينظر : المقرب : 184 ، وشرح ألفية ابن مالك : 78 ، وشرح الأشموني : 2/32-33 ، وموصل الطلاب : 40.
(5) ينظر : البحر المحيط : 2/349 ، 10/246 .
(6) ينظر : شرح الكافية : 4/165 .(1/376)
- الأفعال التي يطلب بها العلم ، نحو : فكرت ، وامتحنت ، وبلوت ، وسألت ، واستفهمت وجميع أفعال الحواس الخمس ؛ كلمت ، وأبصرت ، ونظرت ، واستمعت ، وشممت ، وذقت ، تقول : فكرت أزيدٌ يأتيني أم عمرو ؟
والذي يتجه – في نظر الباحث – أن الأفعال التي يجوز تعليقها عن العمل أقرب إلى العد منها إلى الحد ، إذ " ليس كل أفعال القلوب يجوز تعليقها ، ألا ترى : أراد ، وكره ، وأحب ، وأبغض من أفعال القلوب ولا تعلق ، ومما ذكر فيه التعليق أفعال ليست من أفعال القلوب فمنها نظر البصرية ... وأبصر ... وسأل ... وتبصر ... ومنها استنبأ بمعنى استعلم "(1) بل ليست جميع أفعال القلوب التي من باب ظن تعلق ، فهبْ التي بمعنى ظُنَّ وتعلَّم التي بمعنى اعلم مستثنيان من حكم التعليق(2) . وبالنظر في الأفعال التي ورد تعليقها وُجِدَ أنها تنقسم أقساماً أربعة(3) :
قسم يتعدى إلى واحدٍ بحرف الجر ، نحو : فكر ، تقول : فكرت أصحيح هذا العملُ ؟
قسم يتعدى إلى واحدٍ بنفسه نحو : عرف ، تقول : عرفتُ مَنْ أنت ؟
قسم يتعدى إلى واحدٍ بنفسه وإلى الآخر بحرف الجر ، نحو : سأل ، تقول : سألت الركب هل قدم زيد ؟
قسم يتعدى إلى مفعولين بنفسه ، نحو : ظن وحسب وخال ، وسائر أفعال القلوب من هذا الباب عدا هبْ وتعلمْ ، كقوله تعالى : { لنعلمَ أيُّ الحزبين أحصى } (4) .
ويمكن رد هذه الأقسام الأربعة إلى قسمين :
الأول : أن تكون الجملة المعلق عاملها عن العمل فيها لفظاً واقعةً موقع الاسم المقيد بحرف الجر فيشمل ذلك القسمين الأول والثالث .
الثاني : أن تكون الجملة المعلق عاملها واقعةً موقع ما سُرِّحَ من المفعولات واحداً كان أم اثنين فيشمل القسمين الباقيين .
__________
(1) ارتشاف الضرب : 3/71-73 .
(2) ينظر : شرح ابن عقيل : 1/341 ، وشرح الأشموني : 2/26-27 .
(3) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور : 1/327 ، والمقرب : 184 .
(4) الكهف : 12 .(1/377)
والذي يعنيني من ذينك القسمين هو القسم الأول ، لذا سيقتصر البحث على المسائل المتعلقة بهذا القسم كذكر الأفعال المنضوية تحت هذا القسم ، وبم يكون تعليقُها ، ومحلِّ الجملة المعلق عاملها بعد نزع حرف الجر .
الأفعال المعلقة عن العمل في الجملة الواقعة موقع المقيد بحرف الجر :
الأصل في هذه الأفعال أن تتعدى بحرف الجر إلى الاسم المفرد الذي وقعت الجملة المعلق عاملها عن العمل فيها موقعه ، نحو : فكرت في الأمر ، ونظرت فيه ، وشعرت به ، واستنبأت عنه ، وسألت زيداً عن حالِ عمروٍ ، ونحو ذلك ، فإذا ما حال بينها وبين معمولها الواصلةِ هي إليه بوساطة حرف الجر حائلٌ ، نُزع الجار من ذلك الأصل ، وأقيمت الجملة مقامه ، يقول ابن عصفور في نحو : فكرت أيُّهم زيدٌ ؟ " كأنه في الأصل : فكرت في أيُّهم زيدٌ ؟ إلا أنهم استقبحوا تعليق الخافض ؛ لضعفه فحذفوه وأوصلوا الفعل إليه بنفسه "(1) .
ومن تلكم الأفعال المعلقة ، وهي في الأصل متعدية بحرف الجر :
تبصَّر : تبصَّر إن كان من إبصار العين فهو متعدٍّ بنفسه ، جاء في لسان العرب " تبصَّرتُ الشيءَ : شِبْهُ رمقته "(2) قال في القاموس : " أبصره وتبصَّره : نظر هل يبصره "(3) وإن كان بمعنى التفكر والتأمل فهو متعد بحرف الجر ( في ) قال في لسان العرب : " والتبصر التأمل والتعرف ... وتبصَّر في رأيه واستبصر : تبين ما يأتيه من خير أو شرٍّ "(4)
ويحتمل تبصَّر المعنيين في قول الشاعر(5) :
سؤالُك نقباً بين حَزْمَى شَعَبْعَبِ ... تبصَّرْ خليليْ هل ترى من ظعائنٍ
__________
(1) شرح الجمل : 1/327 .
(2) بصر ) .
(3) بصر ) .
(4) بصر ) .
(5) البيت لامرئ القيس في ديوانه : 34 ، ولزهير مثل الشطر الأول ، وشطره الثاني : تحملن بالعلياء من فوق جرثمِ في : ديوانه : 66 ، والبيت بلا نسبة في شرح ابن عقيل : 2/248 .(1/378)
فعلى معنى إبصار العين – وهو ما استظهره أبو حيان(1) – تكونُ جملةُ الاستفهام واقعةً موقع مفعول تبصر المتعدي إليه بنفسه .
وعلى معنى التأمل تكون جملة الاستفهام واقعة موقع الاسم المقيد بحرف الجر .
2- ما باليت ، ولا أبالي : الأكثر في استعمال هذا الفعل أن يكون ملازماً للنفي(2) ، ومعناه : لا أكترث به ، وهل هو لازم أو متعدٍّ ؟
جاء استعماله متعدياً تارة ولازماً تارة أخرى كما في الحديث : ( ويبقى حثالةٌ كحثالة الشعير لا يباليهم اللهُ بالةً )(3) وفي رواية ( لا يبالي اللهُ بهم شيئاً ) وقد ذهب الزمخشري إلى أن استعماله متعدياً بنفسه أفصح(4) ، بل نقل النووي(5) عن بعض أهل زمانه تخطئةَ استعماله متعدياً بحرف الجر وأن الصواب فيه استعمالُه متعدياً بنفسه وأنه لم يسمع من العرب إلاَّ هكذا ، وردَّ النووي عليه زعمه هذا بأربعة شواهد حديثية جاء فيها لا أبالي متعدياً بحرف الجر من ذلك ما ثبت في البخاري من حديث أبي برزة - رضي الله عنه - قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح وأحدنا يعرف جليسه ... ولا يبالي بتأخير العشاء )(6)
__________
(1) ينظر : ارتشاف الضرب : 3/72 .
(2) ينظر : تاج العروس ( بلي ) .
(3) الحديث رواه البخاري من حديث مرداس الأسلمي بهذا اللفظ في كتاب الرقاق من صحيحه ، باب ذهاب الصالحين برقم : 6434 . ينظر : فتح الباري : 11/293-294 ، ورواه أحمد بلفظ الرواية الأخرى برقم : 17658 ، 17659 ينظر : المسند : 13/475-476 .
(4) ينظر : أساس البلاغة : 30 ، وتاج العروس : ( بلي ) .
(5) ينظر : تهذيب الأسماء واللغات : 3/32 ، وحاشية ياسين على التصريح : 2/142 .
(6) الحديث أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة من صحيحه باب وقت الظهر عند الزوال برقم : 541 . ينظر : فتح الباري : 2/28 ، ورواه مسلم بلفظ ( كان لا يبالي بعض تأخير العشاء ) في كتاب المساجد برقم : 235 ، 236 ولا شاهد فيه على هذه الرواية . وللاستزادة في صور تعدي هذا الفعل في الأحاديث النبوية ينظر : المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي : 1/218 .(1/379)
فثبت بذلك صحة تعديه بحرف الجر ، بل قال الزبيدي ( ت : 1205هـ ) : " قال شيخنا : وقد صححوا أنه يتعدى بالباء أيضاً "(1) ، ولو ذهب ذاهبٌ إلى أن الأصل فيه تعديه بوساطة حرف الجر وأن النصب إنما حصل بعد نزع الجار لأنس به هذا البحث .
وأيًّا كان الأمر فحين يعلَّق عن العمل في نحو قولك : لا أبالي أقمت أم قعدت ! يبقى الاحتمال في كونه متعدياً بحرف الجر قائماً على كل حالٍ ، لذا يصح أن يقال في جملة ( قمت ) : إنها في موضع نصب على نزع الخافض على القول بتعدي لا أبالي بحرف الجر ، وإن لم يكن هو الأصل فيه .
ومما جاء لا أبالي فيه معلقاً قول الشاعر(2):
أموتيَ ناءٍ أم هوَ الآنَ واقعُ ... ولستُ أبالي بعدَ فقديَ مالكاً
3- درى : يقول ابن هشام : " لـ( درى ) استعمالان :
أغلبهما أن يتعدى بالباء ، نحو دريت بكذا ، ومنه قوله تعالى : و { ولا أدراكم به } (3) وإنما تعدى إلى الضمير بسبب دخول همزة النقل عليه .
وأندرهما أن يتعدى إلى اثنين بنفسه ، كقوله(4) :
فإنَّ اغتباطاً بالوفاء حميدُ "(5) ... دُريت الوفيَّ العهد يا عُرْوَ فاغتبط
__________
(1) تاج العروس : ( بلي ) .
(2) البيت بلا نسبة في : جواهر الأدب : 187 ، وأوضح المسالك : 3/327 ، ومغني اللبيب : 55 ، وشرح التصريح : 2/142 ، وهمع الهوامع : 3/166 ، والدرر : 6/97 .
(3) يونس : 16 .
(4) البيت بلا نسبة في : أوضح المسالك : 2/32 ، وشرح شذور الذهب : 360 ، وشرح قطر الندى : 237 ، وشرح الأشموني : 2/23 ، وشرح التصريح : 1/247 ، وهمع الهوامع : 1/480 ، والدرر : 2/245 .
(5) تخليص الشواهد : 425-426 . وينظر : كتاب سيبويه : 1/238 ، والتعليقة : 1/156 ، والمساعد : 1/258 .(1/380)
وثاني هذين الاستعمالين الذي وصفه ابن هشام بالنادر هو الذي اشتهر عند النحويين لإيراده لهم في الأفعال القلبية من باب ظن المفيدة لليقين(1) بمعنى علم فيتعدى تعدِّيَها .
وقد ذكر بعضهم لـ ( درى ) استعمالاً ثالثاً ، وهو أن يتعدى إلى ثلاثة مفعولات(2) ، وذلك إذا دخلته الهمزة ، ووليه استفهام في نحو قوله تعالى : { وما أدراك ما القارعة } (3) فالكاف مفعوله الأول ، وسدت الجملة الاستفهامية مسد المفعولين الثاني والثالث . واستبعده الصبان(4) وحمله على القسْمِ الغالب فيه وهو تعديه بحرف الجر ، وإنما تعدى إلى الضمير بسبب دخول همزة النقل ، وعلِّق عن العمل في مفعوله الذي يصل إليه بوساطة حرف الجر ، فتكون جملة ( ما القارعة ) واقعة موقع الاسم المجرور بحرف الجر في الأصل وهو الأظهر ، لأن الحمل على ما غلب فيه الاستعمال أولى .
وقد جاء ( درى ) معلقاً عن العمل مجرداً من همزة التعدية ، ومقترناً بها ، فمن تعليقه غير معدًّى بها(5) قوله تعالى : { وإن أدري أقريبٌ أم بعيدٌ ما توعدون } (6) وقوله تعالى : { وأنا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض } (7) .
__________
(1) ينظر : شرح الكافية : 4/150 ، وشرح ابن عقيل : 1/333 ، والمساعد : 1/358 ، وشرح الأشموني : 2/23 .
(2) ينظر : حاشية السجاعي : 219 ، وحاشية الصبان : 2/23 .
(3) القارعة : 3 .
(4) ينظر : حاشية الصبان : 2/23 .
(5) ينظر لمزيد من الشواهد على ذلك في : دراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق2/ج1/88 ، والتأويل النحوي : 2/923.
(6) الأنبياء : 109 .
(7) الجن : 10 .(1/381)
ومما جاء فيه درى معلقاً وهو معدًّى بهمزة التعدية قوله تعالى : { وما أدراك ما الحاقة } (1) يقول أبو حيان : " أصل درى أن يعدى بالباء ، وقد تحذف على قلةٍ فإذا دخلت همزة النقل تعدى إلى واحدٍ بنفسه ، وإلى الآخر بحرف الجر ، فقوله : ( ما الحاقة ) بعد ( أدراك ) في موضع نصب بعد إسقاط حرف الجر "(2) ويقول السجاعي في قوله تعالى : ( وما أدراك ما عليون )(3) : " ( ما عليون ) في موضع نصب على إسقاط الخافض ، لأن ( أدرى ) بالهمز يتعدى لاثنين الأول بنفسه ، والثاني بالباء ... فلما وقعت جملة الاستفهام معلَّقة لها كانت في موضع المفعول الثاني "(4) .
4- سأل : يتعدى فعل السؤال(5) إلى اثنين بنفسه إذا كان لطلب مالٍ ونحوه ، تقول : سألته مالاً ويتعدى إلى أحدهما بنفسه وإلى الآخر بحرف الجر ( عن أو الباء ) إذا كان لطلب التعريف بالشيء كقوله تعالى: { يسألونك عن الأهلة } (6) وفي هذه الحال قد ينزع حرف الجر فيصل إلى الثاني بنفسه فيكون من باب اختار ، ومن ذلك قراءة ابن مسعود قولَه تعالى : { يسألونك الأنفالَ } (7) أي : عن الأنفال بدليل القراءة المتواترة التي صُرِّح فيها بالتعدية إلى الأنفال بعن .
__________
(1) الحاقة : 3 .
(2) البحر المحيط : 10/254 .
(3) المطففين : 19 .
(4) حاشية السجاعي : 78 .
(5) ينظر : مشكل إعراب القرآن : 2/756 ، والبحر المحيط : 5/268-269 ، والبرهان : 4/188-189 ، والإتقان : 2/316 ، وحاشية ياسين على التصريح : 1/4 .
(6) البقرة : 189 .
(7) الأنفال : 1 . وقد سبق تخريج القراءات فيها : 36 .(1/382)
وعلى الوجه الثاني من تعدي سأل جاء في مواضع كثيرة(1) معلقاً عن العمل في جملة الاستفهام الواقعة موقع المفعول الثاني المقيد بالجار ، من ذلك قوله تعالى : { يسألونك ماذا أحل لهم } (2) وقوله تعالى: { سلهم أيهم بذلك زعيمٌ } (3) وقول الشاعر(4) :
سائلْ بني أسَدٍ ما هذه الصوتُ ؟ ... يا أيُّها الراكبُ المُزجِي مطيَّتَه
5- شَعَرَ : يتعدى شعر إلى مفعوله بالباء(5) ، فتقول : شعرت به ، أي : علمت به ، وفطنت له وجاء معلقاً في التنزيل في قوله تعالى : { وما يشعرون أيان يُبعثون } (6) ، فجملة ( أيان يبعثون ) في موضع نصب بيشعرون بعد نزع حرف الجر(7) .
وقد اشتهر استعمال مصدر هذا الفعل معلقاً في أسلوب : ليت شعري(8) ، في نحو : ليت شعري هل أبصرت الحقَّ ؟ وفي توجيه إعراب هذا التركيب أوجهٌ أشهرُها أن جملة الاستفهام في موضع المفعول بعد نزع حرف الجر على سبيل التعليق ، وخبر ليت محذوف تقديره : ثابت أو حاصلٌُ .
__________
(1) ينظر : البحر المحيط : 2/349 ، 9/377 ، 10/246،والبرهان : 4/188 ، والتأويل النحوي : 1/707 ، 2/922.
(2) المائدة : 4 .
(3) القلم : 40 .
(4) البيت لرويشد بن كثير الطائي في : سر صناعة الإعراب : 1/11 ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي : 1/166 وشرح المفصل : 5/95 ، ولسان العرب : ( صوت ) ، والدرر : 6/239 ، وبلا نسبة في :الخصائص : 2/416 والإنصاف : 2/267 ، والبسيط : 1/328 ، 378 ، 2/783 ، وارتشاف الضرب : 1/352 ، وتخليص الشواهد : 148 ، وخزانة الأدب : 4/207 .
(5) ينظر : الأفعال : 2/186 ، وارتشاف الضرب : 2/136 ، والقاموس : ( شعر ) .
(6) النمل : 65 .
(7) ينظر : البحر المحيط : 8/261 ، وروح المعاني : 10/223-224 ، والتأويل النحوي : 2/925 .
(8) ينظر : لبيان معنى هذا الأسلوب وأوجه إعرابه : كتاب سيبويه : 1/236 ، وشرح الكافية : 4/400 ، ولسان العرب: ( شعر ) ، وارتشاف الضرب : 2/136-137 ، وتاج العروس : ( شعر ) ، والنحو الوافي : 1/635 .(1/383)
6- شَهِدَ : يقال(1) : شهد الرجلُ على كذا ، وشهد بكذا ، بمعنى أخبر أو نحو ذلك ، ومنه قوله تعالى : { وما شهدنا إلا بما علمنا } (2) وقوله تعالى : { إلا من شهد بالحق } (3) وقوله تعالى : { وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله } (4) ويقال : شهده أي حضره ، ومنه قوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } (5) وقوله تعالى : { ثم لنقولن لوليِّه ما شهدنا مهلكَ أهله } (6) .
وقد جاء شهد على الوجه الأول من التعدية معلَّقاً من ذلك قوله تعالى : { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهدُ إنك لرسول الله واللهُ يعلمُ إنك لرسوله واللهُ يشهدُ إنَّ المنافقون لكاذبون } (7) والأصل : نشهد بأنك ... ويشهد بأن المنافقين لكنْ نُزِعَ حرفُ الجر وعُلِّقَ الفعلُ عن العمل في محل أنَّ ؛ لوجود اللام المؤكدة(8)، ولو لم تكن لفتحت همزة إنَّ وكان المصدر المؤول في موضع نصب أو جر على الخلاف.
ومن ذلك أيضاً تعليق المصدر ( شهادة ) في قوله تعالى : { فشهادةُ أحدِهم أربعُ شهاداتٍ بالله إنه لمن الصادقين } (9) فالأصل : على أنه من الصادقين ، فنزع حرف الجر وكسرت همزة إن وعلق العامل عنها بلام التوكيد(10) .
__________
(1) ينظر : لسان العرب : ( شهد ) ، والمصباح المنير : 124 ، وتاج العروس : ( شهد ) .
(2) يوسف : 81 .
(3) الزخرف : 86 .
(4) الأحقاف : 10 .
(5) البقرة : 185 .
(6) النمل : 49 .
(7) المنافقون : 1 .
(8) ينظر : البيان : 2/440 ، والتأويل النحوي : 2/927 .
(9) النور : 6 .
(10) ينظر : البيان 2/192 ، والتبيان : 2/965 ، وتفسير البيضاوي : 7/20 ، وروح المعاني : 9/302 ، والتأويل النحوي : 2/927 .(1/384)
7- أفتى واستفتى : يتعدى فعل الفتوى إلى مفعولين إلى أحدهما بنفسه وإلى الآخر بحرف الجر ( في ) جاء في لسان العرب : " وأفتاه في الأمر : أبانه له ، وأفتى الرجلُ في المسألة ، واستفتيته فيها فأفتاني إفتاء "(1) ومنه قوله تعالى : { يستفتونك في النساءِ قل اللهُ يُفتيكم فيهنَّ } (2) وقوله تعالى : { يستفتونك قل اللهُ يُفتيكم في الكلالةِ } (3) .
وقد جاء معلقاً عن العمل في ما يتعدى إليه بوساطة حرف الجر(4) في موضعين من القرآن الكريم في قوله تعالى : { فاستفتهم أهم أشد خلقاً } (5) وقوله تعالى : { فاستفتهم ألربك البناتُ ولهم البنون } (6) .
8- فكَّر : فكر فعلٌ لازم يتعدى بفي(7) ، جاء في القاموس : " فكَر فيه ، وأفكر وفكَّر وتفكَّر "(8) ويجيء معلقاً " تقول : فكَّرت في أمر زيدٍ ، ثم تقول : فكرت هل يجيء زيد؟ "(9).ومما جاء فكَّر فيه معلقاً قوله تعالى : { أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنةٍ } (10) على أن ( ما ) إما استفهامية وإما نافية(11) قال أبو حيان : " والظاهر أنَّ يتفكروا معلَّق عن الجملة المنفية ، وهي في موضع نصب بيتفكروا بعد إسقاط حرف الجر ، لأن التفكر من أعمال القلوب ، فيجوز تعليقه والمعنى : أولم يتأملوا ويتدبروا في انتفاء هذا الوصف عن الرسول ، فإنه منتفٍ لا محالة "(12) .
__________
(1) فتا ) .
(2) النساء : 127 .
(3) النساء : 176 .
(4) ينظر : المنصوب على نزع الخافض في القرآن ( بحث ) : 321-322 .
(5) الصافات : 11 .
(6) الصافات : 149 .
(7) ينظر : الأفعال : 2/476 ، وحاشية الصبان : 2/33 .
(8) فكر ) .
(9) البحر المحيط : 2/638 .
(10) الأعراف : 184 .
(11) ينظر : التبيان : 1/605 ، والبحر المحيط : 5/234-235 ، وحاشية الصبان : 2/32 .
(12) البحر المحيط : 5/234 .(1/385)
ونقل أبو حيان(1) عن الحوفي ( ت : 430هـ ) أن تفكر لا تُعَلَّقُ ، وردَّه بأنه قد ثبت تعليقه فلا ينبغي أن يعدل عنه ، وقد أثبت تعليقَه جماعةٌ منهم ابن عصفور وابن مالك والرضي وابن هشام والأشموني والخضري(2) .
9-10- نظر القلبية والبصرية : يأتي النظر بمعنى التفكر والتأمل الباطني فيتعدى هو وما اشتق منه بفي(3) ، تقول : نظرت في أمرك ، أي : تفكرت فيه ، ومنه قوله تعالى : { أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض } (4) .
ويأتي بمعنى الإبصار والتأمل بالعين ، فيتعدى بإلى(5) ، ومنه قوله تعالى : { وتراهم ينظرون إليك وهم لايبصرون } (6) وقوله تعالى : { فإذا جاء الخوفُ رأيتَهم ينظرون إليك تدورُ أعينُهم } (7) .
__________
(1) ينظر : المرجع السابق : 5/234-235 .
(2) ينظر : المقرب : 184 ، وشرح الكافية الشافية : 2/562 ، وشرح الكافية : 4/166 ، ومغني اللبيب : 543 وشرح الأشموني : 2/32-33 ، وحاشية الخضري : 1/342 ، والتأويل النحوي : 2/925 .
(3) ينظر : لسان العرب : ( نظر ) ، البحر المحيط : 6/110 ، 7/70 ، 8/232 ، والقاموس : (نظر ) ، وتاج العروس : ( نظر ) .
(4) الأعراف : 185 .
(5) ينظر : لسان العرب : ( نظر ) ، البحر المحيط : 6/110 ، 7/49 ،70 ،10/106 ، والقاموس : (نظر ) ، وتاج العروس : ( نظر ) .
(6) الأعراف : 198 .
(7) الأحزاب : 19 .(1/386)
ولا خلاف بين النحويين في تعليق فعل النظر القلبي ، لكثرة ما ورد منه(1) ، ومن ذلك قوله تعالى : { فلينظر أيها أزكى طعاماً } (2) وقوله تعالى : { قال سننظرُ أصدقتَ أم كنتَ من الكاذبين } (3) قال أبو حيان : " ( أصدقت ) جملة معلق عنها ( سننظر ) وهي في موضع نصب على إسقاط حرف الجر ، لأن نظر بمعنى التأمل والتفكر إنما يتعدى بحرف الجر الذي هو في "(4) ومنه قوله تعالى : { والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين } (5) قال في البحر المحيط : " والجملة معلق عنها ( انظري ) فهي في موضع مفعول لانظري بعد إسقاط الحرف من اسم الاستفهام "(6) .
__________
(1) ينظر : دراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق1/ج2/412 ، ويُتأمل المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم : 705 .
(2) الكهف : 19 .
(3) النمل : 27 .
(4) البحر المحيط : 8/232 .
(5) النمل : 33 .
(6) 8/236 .(1/387)
أما النظر البصري فقد أجاز تعليقَه الزمخشريُّ وابن عصفور وابن مالك(1) ، وأورد أبو حيان وابن هشام ما يشبه الاعتراض على تعليقه ، يقول أبو حيان : " ذهب ابن عصفور وابن مالك إلى أنه يجوز تعليقها وتبعا في ذلك ابن خروف قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير(2) ويقول ابن هشام متعقباً الزمخشري: " ولم أقف على تعليق النظر البصري والاستماع إلا من جهته "(3) ومع ذلك فقد صرَّحا بإجازة تعليقه في مواضع أخر يقول أبو حيان : " انظر البصرية تتعدى بإلى ، ويجوز فيها التعليق ، فتقول : انظر كيف يصنع زيد ؟ قال تعالى : { انظر كيف فضلنا بعضَهم على بعضٍ } (4) "(5) ويقول ابن هشام : " اعلم أن النظر البصري يعلَّق فعلًه كالنظر القلبي ، قال تعالى : { فلينظر أيها أزكى طعاماً } (6) وقال سبحانه : { انظر كيف فضلنا بعضَهم على بعض } "(7) .
بم يكون التعليق في هذا القسم من الأفعال :
المعلقات لعمل أفعال القلوب في باب ظن كثيرة(8) منها الاستفهام بصوره المتعددة ولامُ الابتداء والنفي بما وإن ولا ، ومنها أيضاً إنَّ المكسورة إذا كان في حيزها اللام ومنها جواب القسم ، ولعلَّ وغيرُها من المعلقات المعلومة في بابها .
__________
(1) ينظر : الكشاف : 3/31 ، وشرح الكافية الشافية : 2/560-562 ، وارتشاف الضرب : 3/71 .
(2) * هو أحمد بن إبراهيم بن الزبير : ( ت : 708هـ ) . ينظر : بغية الوعاة : 1/291-292 . : لم يذهب أحد إلى تعليق نظر غير ابن خروف "$%& ارتشاف الضرب : 3/71 .
(3) مغني اللبيب : 546 .
(4) الإسراء : 21 .
(5) البحر المحيط : 2/638 . وينظر : 10/432 .
(6) الكهف : 19 .
(7) مغني اللبيب : 763 .
(8) للاستزادة عن هذه المعلقات وخلاف النحويين فيها : ينظر : كتاب سيبويه : 1/235 ، وشرح الكافية : 4/159 وارتشاف الضرب : 3/69 ، وشرح شذور الذهب : 365 ، وشرح الأشموني : 2/29 ، وهمع الهوامع : 1/494.(1/388)
أما التعليق في غير باب ظن فينصُّ جمع من النحويين(1) على أنه لا يكون إلا بالاستفهام خاصة فيشمل هذا التخصيصُ المعلَّقَ من الأفعال المتعدية إلى مفعول واحدٍ كعرفت أبو من زيدٌ ، ونسيت من أنت ؟ والمعلقَ من الأفعال المتعدية بحرف الجر القلبية وغير القلبية ، وهي التي يُعنى بها هذا البحثُ .
وبالنظر في الأفعال التي سبق ذكرها نجد أن التعليق قد حصل فيها – في الغالب – بالاستفهام(2) على ما هو الظاهر في ( ما ) يقول أبو حيان : " والظاهر أن ( يتفكروا ) معلَّق عن الجملة المنفية "(3) وجزم به الصبان(4) .
وجاء التعليق بلعلَّ مع درى وأدرى(5) ، ومنه قوله تعالى : { وإن أدري لعله فتنةٌ لكم ومتاعٌ إلى حين } (6) وقوله تعالى : { وما يدريك لعل الساعةَ تكونُ قريباً } (7) .
وجاء التعليق بإنَّ التي في حيزها اللام مع شهد ، ومنه قوله تعالى : { والله يشهد إنهم لكاذبون } (8) .
__________
(1) ينظر : همع الهوامع : 1/496 ، وحاشية الصبان : 2/32 ، وحاشية الخضري : 1/342 .
(2) * لا يراد بالاستفهام هاهنا معناه الحقيقي ، بل يخرج إلى معانٍ أخرى تستفاد من سياق الكلام وقرائن الأحوال كالتقرير والتعجيز . ينظر : شرح الكافية : 4/163 ، والبحر المحيط : 2/348-349 ، 638 ، 10/432 ، 465 . غير أنه ليس المعلِّق الوحيد لأفعال هذا القسم ، بل قد جاءت معلَّقة بالنفي ، وبلعلَّ وبإنَّ التي في حيزها اللام .
فمن التعليق بالنفي قوله تعالى : { أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة } $%& الأعراف : 184 .
(3) البحر المحيط : 5/234 . وينظر : حاشية الصبان : 2/32 .
(4) ينظر : حاشية الصبان : 2/33 .
(5) ينظر : شرح الأشموني : 2/31 ، وهمع الهوامع : 1/495 ، والتأويل النحوي : 2/924 .
(6) الأنبياء : 111 .
(7) الأحزاب : 63 .
(8) المنافقون : 1 .(1/389)
وجوَّز الزمخشري أن تكون كم خبريةً(1) في قوله تعالى : { سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة } (2) فهذا يقضي بأن كم الخبرية أحدُ معلَّقات الأفعال المتعدية بحرف الجر ، لكن قال ابن هشام : " ولم يذكر النحويون أن كم الخبرية تعلِّق العامل عن العمل "(3) وعدَّها في شرح الشذور(4) أحد معلقات أفعال القلوب .
فتبين بهذا أن التعليق بالاستفهام في أفعال هذا القسم غالبٌ وليس بلازم .
محل الجملة المعلَّق عاملها الواقعة موقع المفعول المقيد بحرف الجر :
إذا علق الفعل القلبي من باب ظن عن العمل في مفعوليه ، نحو : علمت مَنْ أنت ؟ وعلمت ما زيدٌ مسافر ، سدت الجملة المعلق عاملها مسد المفعولين اللذين يتطلبهما الفعل القلبي(5) ، فتنتظم هذه الصورة في سلك ظاهرة الاستغناء(6) ، بخلاف ما إذا تقدم أحدُ المفعولين منصوباً على المعلَّق ، نحو : علمت زيداً أبو من ؟ فـ( زيداً ) مفعول علمت الأول و ( أبو من ) في محل نصب مفعوله الثاني ، فلا استغناء حينئذ(7) فتكون هذه الصورة منتظمة في ظاهرة أخرى هي ظاهرة النيابة لقيام الجملة مقام المفرد .
أما إذا عُلقت الأفعالُ التي أصلها أن تتعدى بحرف الجر - وهو موضوع البحث هنا – فما محل الجملة الواقعة موقع المفعول المقيد بالجار ؟
__________
(1) ينظر : الكشاف : 1/123 .
(2) البقرة : 211 .
(3) مغني اللبيب : 657 ، وينظر : البحر المحيط : 2/349-350 .
(4) 353 ، 367 .
(5) ينظر : المقرب : 184 ، وشرح الكافية : 4/166 ، ومغني اللبيب : 545 ، والمساعد : 1/371 ، وحاشية ياسين على التصريح : 1/253 .
(6) ينظر وجه ذلك في : ظاهرة الاستغناء : 99-100 .
(7) ينظر وجه ذلك في : المرجع السابق : 103-104 .(1/390)
من يذهب من النحويين إلى أن تعليق هذه الأفعال جاءها من جهة تضمُّنها معنى فعلٍ متعدٍّ عدَّاها إلى ما يتعدى إليه ذلك الفعلُ ؛ فإن كانت متضمنة معنى علِم جعل الجملة سادة مسد المفعولين اللذين يتطلبهما الفعل بالتضمين لا بالأصالة(1) ، وإن كانت متضمنة معنى عرَف تعدت إلى مفعولٍ واحدٍ فالجملة في محل نصب مفعولٍ به للفعل المتضمِّن معنى الفعل المتعدي بنفسه إلى مفعولٍ واحدٍ(2)
وينص أكثر النحويين على أن الجملة في محل نصب على نزع الخافض(3) ، ووجه ذلك أن " ما يصل إليه الفعل بحرف جر إذا حذف معه حرف الجر وصل بنفسه "(4) في الغالب ، فكأنَّ الأصل في نحو: فكرت أيُّهم زيد ؟ " فكرت في أيُّهم زيد ؟ إلا أنهم استقبحوا تعليق الخافض لضعفه ، فحذفوه وأوصلوا الفعل إليه بنفسه "(5) بل إن القول بالتعليق في تلك الأفعال قاضٍ بالحكم على محل الجملة بالنصب لأن المعلَّق عاملٌ في المحل(6) .
__________
(1) ينظر : ارتشاف الضرب : 3/74 ، والبحر المحيط : 5/234 ، وموصل الطلاب : 40-41 .
(2) ينظر : شرح الكافية : 4/166 .
(3) ينظر : شرح التسهيل : 2/23 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/327، والمقرب:184، وشرح الكافية : 4/165 وارتشاف الضرب : 3/74 ، وحاشية السجاعي : 78 ، وحاشية الصبان : 2/23،32 ، وحاشية الخضري : 1/342 .
(4) شرح الجمل لابن عصفور : 1/327 .
(5) المرجع السابق .
(6) ينظر : مغني اللبيب : 546-547 .(1/391)
ولم أجد من ذهب إلى أن محل الجملة جر بحرف الجر المحذوف سوى أبي حيان في موضع من البحر المحيط يقول فيه في تفسير قوله تعالى : { أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جِنَّةٍ } (1) : " وقال أصحابنا : إذا كان فعل القلب يتعدى بحرف الجر قدرت الجملة في موضع جر بعد إسقاط حرف الجر"(2) وأغلب الظن أن هذه اللفظة خطأ طباعي أو سبق قلم من ناسخ(3) ، ولمخالفتها أيضاً نصوصَ مَنْ وقفتُ على كلامهم من أصحابه الأندلسيين أو البصريين ، ثم إنَّ القول بإعمال حرف الجر منزوعاً ، والجار والمجرور متعلَّق بالفعل المعلَّق قبله يُخرِج الاستفهام ونحوه من المعلقات عن أن تكون لها الصدارة في جملتها ، وليس ذلك بالمرضي عند أكثر النحويين ، لذا ردوا على الكوفيين مذهبهم في كيمه أن أصلها كي الناصبة للفعل المضارع المحذوف وما بعدها الاستفهامية ، والتقدير : كي أفعلَ ما ؟ ردَّوا عليهم ذلك بأن في ذلك نقضاً لأصولٍ منها الصدارة للاستفهام(4) .
__________
(1) ينظر : الأعراف : 184 .
(2) 5/234 .
(3) * يقوي هذا الظن اختلاف طبعات هذا الكتاب في هذه اللفظة ففي طبعة دار إحياء التراث وهي مصورة من طبعة بولاق جاءت المقولة فيها على الوجه الصواب هكذا " في موضع نصب بعد إسقاط حرف الجر " ينظر : 4/431 . لمخالفتها جميع المواضع التي نص فيها على محل الجملة وأنه نصب$%& ينظر البحر المحيط : 2/638 ، 5/237 ، 7/70 ، 8/232 ، 236 ، 9/117 ، 377 ، 10/246 ، 254 ، 432 .
(4) ينظر : شرح الكافية : 4/50 ، وارتشاف الضرب : 2/392 ، ومغني اللبيب : 242، وشرح التصريح : 2/230 .(1/392)
اللهم إلاَّ أن يقال بجواز بقاء عمل الجار بعد نزعه على مذهب من لا يرى أن للاستفهام الصدارة(1) ومن ذلك ما في الصحيحين من حديث أم حبيبة قالت : قلت يا رسول الله : هل لك في بنت أبي سفيان قال : " فأفعل ماذا ؟ "(2) ومن ذلك أيضاً قول أمِّ عائشة لعائشة رضي الله عنهما : " أقول ماذا ؟ "(3) ولأن " العرب قد أدخلت إلى على كيف ، فحكي أنهم قالوا : انظر إلى كيف يصنع ؟ "(4) .
__________
(1) ينظر : شواهد التوضيح والتصحيح : 206 ، والبسيط : 1/72-73 من مقدمة المحقق ، ورصف المباني : 187 ومغني اللبيب : 768 ، والصدارة في النحو العربي : 124 .
(2) الحديث رواه البخاري في كتاب النكاح ، باب { وربائبكم اللاتي في حجوركم } برقم : 5106 . ينظر : فتح الباري : 9/192 ، ورواه مسلم في كتاب الرضاع باب تحريم الربيبة وأخت المرأة برقم : 3571 . ينظر : صحيح مسلم بشرح النووي : 10/267 .
(3) الحديث رواه البخاري في كتاب التفسير باب { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة } برقم : 4757 . ينظر : فتح الباري : 8/599-600 ، ورواه في مواضع أخر بلفظ : ما أدري ما أقول برقم : 4141 ، 4750 .
(4) البحر المحيط : 10/465 . وينظر : شرح الكافية : 3/292 .(1/393)
- ثمة وجه رابع – لا يخلو من تكلُّف كسابقه – وهو أن تكون الجملة المعلَّق عاملها بدلاً من الجار والمجرور المحذوف فهي في محل نصب ، لأن موضع الجار والمجرور نصب فالتقدير في ، نحو : انظر أيَّ الرِّجْلَينِ تقدِّم وأيَّهما تؤخر ؟ أي : انظر في أمرك أيَّ الرجلين تقدم . ويمكن أن يستدل لهذا الوجه بأنه قد جاءت الجملة المعلق عاملها بعد أن استوفى الفعل معمولاته بما في ذلك الجار والمجرور في مواضع كثيرة منها قوله تعالى : { وانظر إلى العظام كيف ننشزها } (1) وقوله تعالى : { يسألونك عن الساعة أيان مرساها } (2) وقوله تعالى : { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلِقَتْ } (3) وخُرِّجت الجملة في كل تلك المواضع على أنها – على الأصح – بدل اشتمال من موضع الجار والمجرور(4) على تقدير مضاف مع المجرور ، فالتقدير في الآيات المذكورات : أفلا ينظرون إلى حال الإبل كيف خلقت ، ويسألونك عن وقت الساعة أيان مرساها ، وانظر إلى حال العظام كيف ننشزها . فتحمل المواضع التي وَلِيَتْ فيها الجملةُ المصدَّرةُ بالمعلِّق الفعلَ المعلَّق على أنه قد حُذِفَ منها الجار والمجرور وجاءت هذه الجملة بدلاً منه .
ويُرَدُّ هذا التوجيهُ بأن بدل الاشتمال يمنع من أن يكون المبدل منه مقدراً لمخالفته الغرض الذي يأتي لأجله ، وهو البيان بعد الإجمال والتفسير بعد الإبهام(5) .
__________
(1) البقرة : 259 .
(2) الأعراف : 187 .
(3) الغاشية : 17 .
(4) ينظر : التبيان : 1/606 ، والبحر المحيط : 2/638 ، 5/237 ، 10/465 .
(5) ينظر : شرح الكافية : 2/410 ، وهذا البحث : 33 .(1/394)
غير أنه يمكن أن يكون هذا التوجيه مقدمة للأظهر من التوجيهات في بيان إعراب الجملة المعلق عاملُها المتعدي بوساطة حرف الجر – في نظر الباحث – وهو أن يكون محلُّها النصبَ لوقوعها موقعَ الجار والمجرور المحذوفين ، فالأصل في نحو : فكرت أهذا صحيح ؟ : فكرت في الأمر أهذا صحيح أم لا ؟ فلما حذف الجار والمجرور نابت الجملة منابه وأخذت موقعه ، وللشهاب الخفاجي فضل الإشارة إلى هذا التوجيه ، فقد قال في قوله تعالى : { يستنبؤنك أحقٌّ هو } (1) : "استنبأ المشهور فيها أن تتعدى إلى مفعولين أحدهما بدون واسطة ، والآخر بواسطة عن ، والمفعول الأول هنا هو الكاف والثاني قامت مقامه الجملة لأن المعنى : يسألونك عن جواب هذا السؤال ، إذ الاستفهام لا يسأل عنه "(2) وللدسوقي ( ت : 1230هـ ) التفاتةٌ إلى ذلك حين ذهب إلى " أن الجملة حلّت محل الجار والمجرور فمن ثمَّ كان معنى الجار ملاحظاً فيها ... ولا يلاحظ أن الأصل كان جارًّا داخلاً عليها "(3)
الفصل الثالث: نزع المضاف
نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه
كثرتُه ، وحكمُه من حيثُ السماعُ والقياسُ
لا يختلف العلماءُ في ثبوت نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ولا في كون ذلك كثيراً في العربية ، وإن كانوا قد يختلفون في تخريج كثيرٍ من شواهده ، هل هي من قبيل نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أولا ، يستوي في ذلك الذاهبون مذهب التوسع في التخريج عليه ، والواقفون موقفَ التثبُّتِ من إطلاق تقديره في كل موضعٍ سنح القولُ به ، ويستوي في ذلك أيضاً القائلون بقياسيته والمانعون من القياس عليه .
__________
(1) يونس : 53 .
(2) حاشية الشهاب : 5/65 . وينظر : روح المعاني : 6/128 .
(3) حاشية الدسوقي : 2/472 ، وينظر : حاشية الأمير : 2/65 .(1/395)
وأقوالُ العلماء في إثباته وكثرته كثيرةٌ جداً(1) ، تقدَّمتْ نقولاتٌ منها في مبحث نزع الخافض والقياس بما يغني عن إعادتها(2)، ولنقفْ هاهنا على نماذجَ من أقوالهم في إثباته ، على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم .
يقول ابن جني الذي يرى أنَّ نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه كعدد الرمل سعةً ، يقول في قول الشاعر(3) :
وفي اللهِ إن لم يعدلوا حَكَمٌ عَدْلُ ... أفاءتْ بنو مروانَ ظُلْماً دماءَنا
: " ألا ترى أنه لا يجوز أن يُعْتَقَدَ أن الله سبحانه ظرفٌ لشيءٍ ، ولا متضمن له ، فهو إذاً على حذف المضاف ، أي : في عدل الله حكَمٌ عدل "(4) .
ويقول السهيلي : " إذا قلت : جاهدت في الله ، وأحببت في الله ، محالٌ أن يكون هذا اللفظُ حقيقةً لما يدلُّ عليه هذا الحرف من معنى الوعاء ، وإنما هو على حذف مضاف ، أي : في مرضاةِ الله وطاعته"(5)
ويقول الرضي : " وقولهم : أنت أخي في الله ، أي : في رضاء الله ... وكذا قولهم : الحب في الله والبغض في الله"(6).
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 1/215 ، ومعاني القرآن للفراء : 1/62 ، ومعاني القرآن للأخفش : 1/208 ، والنوادر في اللغة : 189 ، وتأويل مشكل القرآن : 210 ، وجامع البيان : 1/279 ، والخصائص : 1/192 ، 2/284 ، 362 451 ، والمقتصد : 1/370 ، وأمالي ابن الشجري : 1/78 ، 2/22 .
(2) ينظر : 60 من هذا البحث .
(3) البيت بلا نسبة في : الخصائص : 2/475 ، والمحتسب : 1/191 ، ولسان العرب ( حكم ) ،وتاج العروس ( حكم).
(4) الخصائص : 2/475 . وينظر : المحتسب : 1/191 .
(5) نتائج الفكر : 296 .
(6) شرح الكافية: 4/285 .(1/396)
ويقول ابن القيم الذي يرى أنَّ " حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه لا يسوغ ادِّعاؤه مطلقاً وإلاَّ لالتبس الخطابُ ، وفسد التفاهم ، وتعطلت الأدلَّة "(1) وأنه لا إضمار ولا حذف في الآية التي صارت العَلَمَ على نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وهي قوله تعالى : { واسأل القرية } (2) لأن القرية اسم للسكان في مسكن مجتمع ، فتطلق على السكان تارة ، وعلى المسكن تارة بحسب سياق الكلام(3) ، والذي نازع ابنَ جني في كثير مما ادَّعى فيه نزع المضاف (4) يقول مع ذلك : " إنما يضمرُ المضافُ حيث يتعين ، ولا يصح الكلام إلا بتقديره للضرورة ، كما إذا قيل : أكلت الشاة فإن المفهوم من ذلك أكلت لحمها ، فحذْفُ المضاف لا يُلبس ، وكذلك إذا قلت : أكل فلانٌ كدَّ فلانٍ ، إذا أكل ماله فإن المفهوم أكل ثمرة كدِّه ، فحذْفُ المضاف هنا لا يلبس ، ونظائره كثيرة "(5) وبعد أن نقل كلام السهيلي السابق ذكرُه أقَرَّهُ بقوله : " وهذا من كلامه من المرقَّصات ، فإنه أحسن فيه ما شاء "(6) .
__________
(1) بدائع الفوائد : 3/535 .
(2) يوسف : 82 .
(3) ينظر : بدائع الفوائد : 3/535 .
(4) ينظر : مختصر الصواعق المرسلة : 333 .
(5) بدائع الفوائد : 3/353 . وينظر : مختصر الصواعق المرسلة : 335 .
(6) بدائع الفوائد : 2/246 . وينظر : المذهب السلفي في النحو واللغة ( بحث ) : 49 .(1/397)
وما كان ليكون نزعُ المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه محلَّ وفاقٍ إلاَّ لأنه من جملة الخطاب بما في منطلق العرب من الكلام(1) . يقول ابن تيمية في قوله تعالى : { الحج أشهرٌ معلومات } (2) : " معلوم أن أوقاتَ الحج أشهر معلومات ، ليس المراد أن نفس الأفعال هي الزمان ، ولا يَفهم هذا أحدٌ من اللفظ ولكن قد يقال : في الكلام محذوف تقديره : وقت الحج أشهر معلومات ، ومن عادة العرب الحسنة في خطابها أنهم يحذفون من الكلام ما يكون المذكور دليلاً عليه اختصاراً ... وكذلك قوله : { من آمن } (3) تقديره : بر من آمن ، أو : صاحب من آمن ، وكذلك : ( الحج أشهر ) أي : أوقات الحج أشهر "(4) .
ومع ذلك اختلفوا في الحكم عليه من حيثُ السماعُ والقياس ، فقد ذكر ابنُ جني وابن يعيش أن أبا الحسن الأخفش لا يرى القياس عليه(5) ، واحتج عليه ابن جني بكثرة ما ورد منه(6) ، فإن كان كما ذُكر عنه ، وإلا فقد كان يرى أن ما ورد منه في القرآن شيءٌ كثيرٌ(7) ، وخرَّج عليه مواضعَ من غير أن يتعرض لمنع القياس عليه(8) .
واضطرب ابنُ الحاجب في قياسيته ، فلم ير بأساً بنزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه في كل موضعٍ يكون في الكلام قرينةٌ تدل عليه(9) ، ومنَعَ القياسَ عليه في بعض كلامه(10) .
__________
(1) ينظر : جامع البيان : 1/316 .
(2) البقرة : 197 .
(3) البقرة : 177 .
(4) مجموع الفتاوى : 20/466 .
(5) ينظر : الخصائص : 2/284 ، 362 ، 451 ، وشرح المفصل : 3/24 .
(6) ينظر : الخصائص : 2/451 .
(7) ينظر : معاني القرآن : 1/208 .
(8) ينظر : المرجع السابق : 1/207 – 208 ، 269 ، 348 ، 353 .
(9) ينظر : الأمالي النحوية : 4/19 ، 142 – 143 ، والإيضاح في شرح المفصل : 1/28 – 29 .
(10) ينظر : الإيضاح في شرح المفصل : 1/443 . وقد سبق نقل كلامه في : 62 من هذا البحث .(1/398)
وأكثر النحويين على أن نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه قد كثُر في القرآن وكلام العرب وهو في ذلك على قسمين : سماعي ، وقياسي(1) .
فالسماعي : ما يصح أن يستبِدَّ القائمُ مقام المضاف بنسبة الحكم إليه ، كقول الشاعر(2) :
طبيبٌ بما أعيا النطاسيَّ حِذْيَما ... فهل لكم فيها إليَّ فإنني
والأصل : ابن حذيم ، لأنه العالم بالطب والمشهور به ، لا حذيم ، فقد ورد في المثل : أطب من ابن حذيم(3) ، ومثل هذا الحذف يلبس على المخاطَب ، لأنه لا دليل على المحذوف إلا أن يكون المخاطَب عالماً بالتاريخ حاذقاً بالأعلام . وصوَّب البغدادي – تبعاً للزمخشري – " أنه لا إلباس فيه ، فإن الإلباس وعدمَه إنما يكون بالنسبة للمخاطَب الذي يُلقي المتكلم كلامه إليه ، لا بالنسبة إلى أمثالنا ، فإنه وإن كان عندنا من قبيل الإلباس ، مفهوم واضح عند المخاطب به في ذلك العصر"(4) ، ومن ذلك قول الشاعر(5) :
قضى نحبَه في ملتقى الحربِ هوبرُ ... عشيَّةَ فرَّ الحارثيُّون بعدَ ما
__________
(1) ينظر : شرح المفصل : 3/24 – 25 ، وارتشاف الضرب : 2/529 ، والمساعد : 2/364 ، وشرح التصريح : 2/55 ، وهمع الهوامع : 2/428 .
(2) البيت لأوس بن حجر في : ديوانه : 111 ، وتأويل مشكل القرآن : 201 ، ولسان العرب ( نطس ) و ( حذم ) وخزانة الأدب : 4/342 ، وبلا نسبة في : الخصائص : 2/453 ، وشرح المفصل : 3/25 .
(3) ينظر : تأويل مشكل القرآن : 201 ، وشرح المفصل : 3/25 ، وخزانة الأدب : 4/342 .
(4) خزانة الأدب : 4/343 . وينظر : الكشاف : 1/111 .
(5) البيت لذي الرُّمَّة في ديوانه : 112 ، وتأويل مشكل القرآن : 201 ، وخزانة الأدب : 4/342 ، والدرر : 5/37 وبلا نسبة في : شرح الأبيات المشكلة الإعراب : 387 ، وشرح المفصل : 3/24 ، وهمع الهوامع : 2/428 .(1/399)
أي : ابن هوبر " قال الكلبي : الهوبرُ هو يزيد بن هوبر ، كان قُتِلَ في المعركة فحُذِفَ المضاف لأن المخاطَبَ مشاهدٌ لذلك في الحرب ، فلا يشكل عليه المقتول "(1) وهو بالنسبة لغيره مشكل لاستبداد المضاف إليه بنسبة الحكم إليه من غير قرينةٍ إلا العلمَ بالتاريخ ، ومن ذلك قول الآخر(2) :
إنَّ بي يا عتيقُ ما قد كفاني ... لا تلمْني عتيقُ ، حسبي الذي بي
أراد : ابن أبي عتيق(3) .
ومثلُ تلك الأبياتِ أبياتٌ أخرى ، وردت لا يؤمن معها اللبس ، نصَّ النحويون على تقدير المضاف فيها ، ولأبي علي الفارسي عنايةٌ خاصة بها(4) . فما كان كذلك يقتصر فيه على المسموع " فلا يجوز لنا استعماله ولا القياس عليه . لو قلت : رأيت هنداً ، وأنت تريد : غلام هندٍ ، لم يجز ، لأن الرؤية يجوز أن تقع على هند ، كما تقع على الغلام "(5) .
__________
(1) شرح المفصل : 3/24 . وينظر : تأويل مشكل القرآن : 201 .
(2) البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه : 291 ، وشرح التصريح : 2/55 ، وبلا نسبة في : ارتشاف الضرب : 2/529 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/408 .
(3) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/595 ، وشرح التصريح : 2/55 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/408 .
(4) ينظر : شرح الأبيات المشكلة الإعراب : 368 – 415 .
(5) شرح المفصل : 3/24 . وينظر : همع الهوامع : 2/428 .(1/400)
والقياسي : مالا يصح أن يستبد القائم مقام المضاف بنسبة الحكم إليه كقوله تعالى : { وأُشْربوا في قلوبهم العجلَ } (1) أي : حُبَّ العجل لأن العجل لا يُشرَب ، وإنما يُشرَبُ حبُّه بدليل قوله : ( في قلوبهم ) ومن ذلك قوله تعالى في قراءة : { هل تستطيع ربَّك } (2) والتقدير : هل تستطيع سؤالَ ربِّك(3) وشواهدُه كثيرة .
ويشترط لنزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه قياساً شرطان :
أحدهما : أن يقوم الدليل على تعيين المضاف المحذوف(4) ، ليجري الكلام على سنن العرب في الاختصار ، فيدُلُّ ما أبقت من كلامها على ما ألقت ، ويؤمن معه اللبسُ ، فإن لم يكن في الكلام ما يشعر به لم يجز حذفه ، لأن في ذلك نقضاً لكلام العرب وخلطاً للمعاني(5) . يقول العز بن عبد السلام : " والعرب لا يحذفون ما لا دلالة عليه ولا وصلة إليه ، لأن حذف مالا دلالة عليه منافٍ لغرض الكلام من الإفادة والإفهام ، وفائدةُ الحذف تقليلُ الكلام وتقريبُ معانيه إلى الأفهام"(6) وما ورد عنهم من ذلك مما دليله منفصلٌ – كما تقدم في نزع المضاف السماعي – عُدَّ من ضرائر الشعر أو من الشذوذ في الكلام(7) .
__________
(1) البقرة : 93 .
(2) المائدة : 112 . قرأ الكسائي بتاء الخطاب في ( تستطيع ) ونصب ( ربَّك ) وقرأ الباقون من العشرة بياء الغيبة ورفع ( ربُّك ) . ينظر التبصرة : 489 ، والنشر : 2/256 ، وإتحاف فضلاء البشر : 1/545 .
(3) ينظر : البيان : 1/310 ، والتبيان : 1/473 ، وإتحاف فضلاء البشر : 1/545 .
(4) ينظر : إعراب القرآن : 2/341 ، 5/178 – 179 ، ومغني اللبيب : 225 ، وشرح ابن عقيل : 2/38 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/7 ، وحاشية ابن حمدون : 369 .
(5) ينظر : مشكل إعراب القرآن : 2/779 .
(6) الإشارة إلى الإيجاز : 2 .
(7) ينظر : المقرب : 289 ، 558 ، وارتشاف الضرب : 2/528 .(1/401)
والدليل على المحذوف إما حاليٌّ ، كقولك : " إذا نظرت في الكتاب : هذا عمروٌ وإنما المعنى : هذا اسم عمروٍ، وهذا ذكر عمروٍ "(1)، وإما مقالي سياقي ، كعود الضمير على المضاف المحذوف مؤنثاً أو مذكراً ، ومفرداً أو مجموعاً ، والمضافُ إليه القائمُ مقامَ المضافِ المحذوفِ بخلاف ذلك ، كقوله تعالى: { أو كظلماتٍ في بحرٍ لجي يغشاه موج } (2)والتقدير : كذي ظلمات ، بدليل عود الضمير المذكر عليه في (يغشاه) ، وإما صناعي ، كأن يكون المنعوت نكرة والنعت معرفة نحو : له صوت صوتُ الحمار على ما أجازه الخليل(3) والتقدير : مثل صوت الحمار ، ليصح وصف النكرة بمثلها .
وقد ذكر ابن عبد السلام تسعة أنواع من أدلة نزع المضاف ، نوجزها في الآتي(4) :
أولها : ما يدل العقل على حذفه والمقصود الأظهر على تعيينه ، كقوله تعالى : { حُرِّمتْ عليكم أمهاتكم } (5) أي : نكاح أمهاتكم .
ثانيها : ما يدل عليه العقلُ بمجرده ، ومثَّل له على طريقة الخلف في تأويل الصفات(6) بـ { وجاء ربُّك } (7) أي : أمره .
ثالثها : ما يدل عليه الوقوعُ ، كقوله تعالى : { وما أفاء الله على رسوله منهم } (8) أي : من أموالهم ويدل على هذا المحذوف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يملك رقاب بني النضير ولم يكونوا من جملة الفيء وأن الذي أفاء الله عليهم إنما كان أموالَهم .
__________
(1) كتاب سيبويه :3/269.
(2) النور : 40 .
(3) ينظر : كتاب سيبويه : 1/361 .
(4) ينظر : الإشارة إلى الإيجاز : 3 – 9 . وينظر كذلك : البرهان : 3/123 – 126 ، والكليات : 385 ، 617 ودراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق 3 / ج 3 / 391 .
(5) النساء : 23 .
(6) ينظر : دراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق 3 / ج 3 / 391 ، وهذا البحث : 275 .
(7) الفجر : 22 .
(8) الحشر : 6 .(1/402)
رابعها : ما يدل العقلُ على حذفه والعادة على تعيينه ، كقوله تعالى حكايةً عن امرأة العزيز : { فذلكُنَّ الذي لمتُنَّني فيه } (1) أي : في حبِّه ، لقوله تعالى : { قد شغفها حبًّا } (2)أو في مراودته لقوله تعالى : { تراود فتاها عن نفسه } (3) والعادةُ دالةٌ على تعيين المراودة ، لأن الحب المفرط لا يلام الإنسان عليه في العادة لقهره وغلبته ، وإنما يلام على المراودة الداخلة تحت كسبه التي يقدر الإنسان أن يدفعها عن نفسه بخلاف المحبة .
خامسها : ما يدل العادة على حذفه وتعيينه ، كقوله : { لو نعلمُ قتالاً لاتَّبعناكم } 120(4) أي : مكانَ قتالٍ ، لكونهم أخبرَ الناس بالقتال ، ويتعيَّرون بأنهم لا يعرفونه ، على ما ذهب إليه مجاهد في تفسير الآية(5) .
سادسها : ما يدل عليه السياق ، كقول تعالى : { إني تركتُ ملَّةَ قومٍ } (6) أي : اتِّباعَ ملةِ قومٍ ، بدليل مقابلته بقوله : { واتَّبعتُ ملة آبائي } (7) .
سابعها : ما يدل العقلُ على حذفه والشرعُ على تعيينه ، كقوله تعالى : { لا ينهاكم اللهُ عن الذين لم يقاتلوكم في الدينِ ولم يُخرجوكم من ديارِكم أن تبرُّوهم وتقسطوا إليهم } (8) أي عن صلة الذين ، أو بر الذين ، دل العقلُ على الحذف فيه لأنه لا يصح النهي عن الأعيان ، ودلَّ الشرعُ على الصلة ، لحديث أسماء في صلة أمِّها الكافرة (9).
__________
(1) يوسف : 32 .
(2) يوسف : 30 .
(3) يوسف : 30 .
(4) آل عمران : 167 .
(5) ينظر : جامع البيان : 7/380 .
(6) يوسف 37 .
(7) يوسف : 38 .
(8) الممتحنة : 8 .
(9) الحديث رواه أحمد في المسند : 18/363 – 364 ، برقم : 26792 – 26794 ، والبخاري في صحيحه كتاب الهبة باب الهدية للمشركين ، برقم : 2620 . ينظر : فتح الباري : 5/285 .(1/403)
ويشكل على تقدير المضاف في الآية وجودُ مانعٍ وهو بدل الاشتمال { أن تبروهم } إلا أن يكون على مذهب من يرجع جميع الأبدال إلى البدل المطابق ، فيقدر لأجل ذلك مضافاً في المبدل منه كما سيأتي بيانه .
ثامنها : ما دل الشرعُ على حذفه وتعيينه ، كقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } (1)أي : مواضع الصلاة ، في قول .
تاسعها : ألاَّ يستقيمَ الكلامُ ، ولا يصحَّ المعنى إلا به ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله عز وجل قال : ( إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه فصبر فله الجنة )(2) أي بفقد حبيبتيه أو بأخذ حبيبتيه ، وكقوله - صلى الله عليه وسلم - :( إياك والحلوبَ )(3) أي : وذبحَ الحلوبِ .
ثاني الشرطين : ألاَّ يكون المضاف إليه جملة :
شرطه جماعةٌ من النحويين(4) ، لأن الجملة لا تصلح أن تُعرَبَ بإعراب المضاف فلا يبقى في اللفظ دليلٌ على المحذوف ، وتوسع آخرون في التعبير عن هذا الشرط بقولهم : إن إقامة المضاف إليه مقام المضاف مشروطة بصلاحيته لذلك الإعراب(5) ، وفرَّعوا عليه ألا يكون المضاف إليه جملة ، ويشكل عليه مسائل قدروا فيها مضافاً ولا يصلح المضاف إليه القائم مقام المضاف أن يعرب بإعراب المضاف ، من ذلك :
__________
(1) النساء : 43 .
(2) الحديث أخرجه أحمد في المسند : 10/466 ، برقم : 12407 ، والبخاري في صحيحه ، كتاب المرضى ، باب فضل من ذهب بصره ، برقم : 5653 . ينظر : فتح الباري : 10/142 .
(3) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الأشربة ، باب جواز استتباعه غيره : 13/212 ، برقم : 5281 ، وابن ماجه في كتاب الذبائح ، باب النهي عن ذبح ذوات الدَّرِّ : 3/126 ، برقم : 3180 .
(4) ينظر : حاشية ياسين على التصريح : 2/55 ، وحاشية ابن حمدون : 369 – 370 .
(5) ينظر : حاشية ياسين على الألفية : 1/277 ، وحاشية الصبان : 2/271 ، وحاشية الخضري : 2/38 .(1/404)
- مجيء اسم لا النافية للجنس معرفةً(1) ، نحو : قضيةٌ ولا أبا حسنٍ لها ، وقول الراجز :
لا هيثم الليلة للمطي
والتقدير : قضية ولا مثلَ أبي حسنٍ لها ، ولا مثلَ هيثمٍ .
- مجيء المنادى اسمَ جنسٍ مشبَّهاً به محلّى بأل ، نحو : يا الأسدُ شجاعةً ، ويا الخليفةُ هيبةً والتقدير : يا مثلَ الأسدِ ويا مثلَ الخليفةِ ، في قول بعضهم(2) .
- ما أجازه الخليل في نحو : له صوتٌ صوتُ الحمارِ(3) ، والتقدير : مثلُ صوتِ الحمار .
- تخريج بعضهم ما جوزه الكسائي في المسألة الزنبورية ( فإذا هو إياها ) على أن إياها حال على تقدير مضاف ، والخبر محذوف ، والتقدير : فإذا هو ثابت مثلَها(4) .
- تخريج بعضهم مجيء ظرف المكان المشتق المختص غير متَّحدةٍ مادتُه مع مادةِ عامله ، كقولهم : هو مني مناطَ الثريا ومزجَرَ الكلب ، على تقدير مضاف ،أي : هو مني مكاناً مثلَ مكانِ مناطِ الثريا(5).
والمختار أن هذا الشرط أغلبيٌّ ،وليس بمطرد في كل المواضع التي ينزع فيها المضاف ويقام المضاف إليه مقامه . والشرط المعتمد الأهم قيام الدليل على المضاف المحذوف،ومن هنا لا حاجة إلى تقدير مضاف في المواضع الآتية :
__________
(1) سيأتي مزيد بيانٍ لهذه المسألة ، وتخريج شواهدها في : 280 .
(2) ينظر : شرح التصريح : 2/272– 273 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/110، 407 ، وحاشية ياسين على التصريح : 2/273 .
(3) ينظر : كتاب سيبويه : 1/361 .
(4) ينظر : الأمالي النحوية : 4/142 – 143 ، ومغني اللبيب : 126 .
(5) ينظر : ملحة الإعراب : 121 ، وأمالي ابن الشجري : 2/585 ، وكشف المشكل : 1/469 – 470 .(1/405)
- المواضع التي يقسِم اللهُ تعالى فيها ببعض مخلوقاته تعظيماً لشأنها ، مثل { والنجم } (1)و { المرسلات عرفا } (2) و { والفجرِ } (3)و { والضحى } (4)و { والعصرِ } (5) ونحو ذلك لعدم الدليل على إرادة مقسمٍ به غير المذكور ، وقد حكوا عن قطرب تقدير مضافٍ فيها(6) أي : ورَبِّ النجم وهكذا الباقي .
- مجيء مِنْ الجارة لابتداء الغاية في الزمان ،كقوله تعالى : { لمسجدٌ أُسِّسَ على التقوى من أول يومٍ أحقُّ أن تقومَ فيه } (7)فقد أجازه الأخفش والكوفيون ومنعه البصريون(8) ، وتأوَّلوا ما جاء منه على تقدير مضاف فقدروا في الآية : من تأسيس أول يومٍ .
ولم يرتضِ أكثر النحويين(9) هذا التأويل وأثبتوا لمِنْ هذا المعنى الوظيفي لكثرة الشواهد على ذلك ولعدم الدليل القاضي بالتقدير . ولسيبويه في هذه المسألة قولان(10) .
__________
(1) النجم : 1 .
(2) المرسلات : 1 .
(3) الفجر : 1 .
(4) الضحى : 1.
(5) العصر : 1 .
(6) ينظر : معاني القرآن وإعرابه : 3/126 – 127 ، وإعراب القرآن : 4/265 ، 5/112 ، 139 .
(7) التوبة : 108 .
(8) ينظر : المقتضب : 1/44 ، 4/264 ، وشرح أبيات سيبويه : 1/166 ، والتعليقة : 1/24 ، ودرة الغواص : 76 – 77 ، وأسرار العربية : 245 ، والإنصاف : 1/345 ، وائتلاف النصرة : 142 .
(9) ينظر : معاني الحروف : 103 ، والمحرر الوجيز : 8/275 ، وشرح جمل الزجاجي لابن خروف : 1/473 والغرة المخفية : 1/181 ، والأمالي النحوية : 1/135 ، وشرح الكافية الشافية : 2/796 ، والجنى الداني : 308 ومغني اللبيب : 419 ، والمساعد : 246 وهمع الهوامع : 2/376 .
(10) ينظر : كتاب سيبويه : 1/264 – 265 ، 4/224 ، وشواهد التوضيح والتصحيح : 129 – 130 .(1/406)
- مجيء اللفظ بصيغة يشترك فيها اسم الزمان والمكان والمصدر الميمي كصيغة ( مفعَل ) نحو: جئتك مقدم الحاج ، فكونه اسمَ زمانٍ منتصباً على الظرفية أولى من كونه مصدراً نائباً عن اسم الزمان الواقع ظرفاً على تقدير مضافٍ(1) ، أي: وقت مقدم الحاج .
- مواضع كثيرة تكلَّف النحويون وغيرُهم تقديرَ مضاف فيها لم يدلَّ عليه دليل(2) من ذلك تقدير العز بن عبد السلام مضافاً في قوله تعالى : { فنظر نظرةً في النجوم } (3) أي : نظر نظرةً في علم النجوم(4) .
نوعا إقامة المضاف إليه مقام المضاف
يقسِّمُ النحويون الإضافةَ بالنظر إلى تعدُّد المضاف إلى قسمين(5) : إضافة مفردة وإضافة مكررة فإذا نزع المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، ووُقِفَ عند هذا الحد كانت النيابة حينذاك مفردةً ، وإذا نزع المضاف بعد المضاف وأقيم الثالث أو الرابع مقام الأول ، كانت النيابة متدرِّجةً ، لأن الأصح عند المحققين أن النزع والنيابة يتم على التدريج وليس دفعةً واحدةً(6) ، ففي النيابة المفردة ينزع مضافٌ واحدٌ حسبُ ، ويقوم المضاف إليه مقامه ، وفي النيابة المتدرجة ينزع مضافان أو ثلاثة وهو غاية ما ورد من المضافات المحذوفة المتتالية ، وبذلك يُقَيَّدُ قولُ الرضي : " وقد يحذف مضاف بعد مضاف وهلمَّ جرًّا لقيام المضاف إليه الأخير مقامه ".(7)
__________
(1) سيأتي مزيد بيان لذلك : 297 .
(2) ينظر : ظاهرة الحذف : 209 – 211 .
(3) الصافات : 88 .
(4) ينظر : الإشارة إلى الإيجاز : 188 .
(5) ينظر : شرح المفصل : 3/31 ، وشرح الكافية: 1/356 .
(6) ينظر : مغني اللبيب : 803 ، والبرهان : 3/132 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/408 ، وحاشية الصبان : 2/272 ، وينظر في تحليل التركيب من الأصل إلى الاستعمال في هذا النوع من النيابة ( المتدرجة ) أو المكررة بحسب اصطلاح أستاذي : ظاهرة النيابة : 57 – 58 .
(7) ينظر : شرح الكافية: 2/286 .(1/407)
وقد اجتمعت النيابتان المفردة والمتدرجة في قوله تعالى : { ذلك ومن يعظِّمْ شعائرَ اللهِ فإنها من تقوى القلوب } (1) والتقدير : فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب(2) فنُزِعَ ( تعظيم ) وأقيم المضاف إليه ضمير الجر ( ها ) مقامه فأعرب بإعراب المضاف فصار ضميرَ نصبٍ على سبيل النيابة المفردة ، ونُزِعَ ( أفعال) وأقيم ( ذوي ) مقامه ثم نُزِعَ (ذوي ) وأقيم مقامه ( تقوى ) فصار معرباً بإعراب المضاف الأول على سبيل النيابة المتدرجة .
ومما نزع فيه مضافان أيضاً قولُه تعالى : { كالذي يغشى عليه من الموت } (3) والتقدير : كدوران عين الذي يغشى عليه(4) ، وقوله تعالى : { وتجعلون رزقَكم أنكم تكذِّبون } (5) والتقدير : وتجعلون بدَلَ شكرِ رزقكم(6) .
ومما نزع فيه ثلاثةُ مضافات قوله تعالى : { إن الله مبتليكم بنهَرٍ } (7) والتقدير : بتحريم شرب ماء نهرٍ(8)، وقوله تعالى : { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذَّب بها الأولون } (9) والتقدير : إلا كراهةَ مثْلِ عقوبة تكذيب الأولين(10) .
__________
(1) الحج : 32 .
(2) ينظر : البحر المحيط : 7/506 ، ومغني اللبيب : 814 ، والبرهان : 3/174 ، ومعترك الأقران : 1/330 .
(3) الأحزاب : 19 .
(4) ينظر : شرح الكافية الشافية : 2/967 ، وارتشاف الضرب : 2/530 ، ومغني اللبيب : 803 .
(5) الواقعة : 82 .
(6) ينظر : شرح الكافية الشافية : 2/967 ، وشرح الأشموني : 2/272 .
(7) البقرة : 249 .
(8) ينظر : الإشارة إلى الإيجاز : 125 .
(9) الإسراء : 59 .
(10) ينظر : الإشارة إلى الإيجاز : 167 . وينظر ما يوافق تقدير المضافات المذكورة في الآية من حيث المعنى في : جامع البيان : 7/476(1/408)
ويحلِّلُ ابن جني التغير الحاصل في ما نزع فيه مضافٌ بعد مضاف بالتدريج في قوله تعالى : { ليس لها من دون الله كاشفة } (1) والتقدير : ليس لها من جزاء عبادة معبودٍ دون الله كاشفة ، فيقول : " حُذِفَ المضافُ الأول ، فصار تقديره : ليس لها من عبادة معبودٍ دونِ الله كاشفة ، ثم حذف المضاف الثاني الذي هو عبادة ، فصار تقديره : ليس لها من معبودِ دونِ الله كاشفة ، ثم حذف المضاف الثالث فصار إلى قوله : ليس لها من دون الله كاشفة ، وهذا على تقديرك ( دون الله ) اسماً هنا لا ظرفاً لأن الإضافة إليه تسلبه معنى الظرفية ... ولا تستنكر كثرةَ المضافات المحذوفة هناك فإن المعنى إذا دلَّ على شيءٍ وقبِلَه القياسُ أُمضي على ذلك ولم يُسْتَوحَشْ منه ، ألا ترى إلى قوله سبحانه { فقبضت قبضة من أثر الرسول } (2) ألا تراه أن معناه : من تراب أرضِ أثرِ وطءِ حافر فرسِ الرسولِ ، أي : من تراب الأرض الحاملة لأثر وطء فرس الرسول، المعنى على هذا ، لأنه في تصحيحه من تقرِّيه لاستيفاء معانيه ، وإذا دلَّ الدليلُ كان التعجبُ من حيلة العاجز الذليل"(3) .
وقد تكتنف النيابة أحد المضافات فيحذف متلوُّه وتاليه ، على نحو ما مرَّ في تحليل ابن جني لنزع المضافات في قوله تعالى : { فقبضت قبضة من أثر الرسولِ } فقد نزع مضافان قبل ( أثر ) وثلاثة مضافات بعده ، وفي ذلك يقول ابن مالك في الكافية الشافية (4):
تاليه والمتلوُّ فاعرف واعترف ... وربما أبقي ثانٍ وحُذِفْ
ومثَّل له بقول الشاعر(5) :
لججْتَ وأَقْوَتْ من أُميمةَ دارُها ... فإنَّك منها والتعذُّر بَعْدَما
__________
(1) النجم : 58 .
(2) طه : 96 .
(3) المحتسب : 2/345 – 346 .
(4) ينظر : 2/973 .
(5) البيتان لأبي ذؤيب الهذلي في : شرح أشعار الهذليين : 1/76 ، ولسان العرب ( سبع ) وتاج العروس ( سبع ) ببعض اختلاف في غير موضع الشاهد ، وبلا نسبة في : شرح الكافية الشافية : 2/973 .(1/409)
وقالتْ حرامٌ أنْ يرجَّلَ جارُها ... كشبه الذي ظلَّتْ تسبِّعُ سُؤْرَها
والتقدير : تسبِّعُ ذا سؤرِ كلبها(1) ، فحذف المضاف إلى سؤر وهو ( ذا ) والمضاف إليه سؤر وهو (كلب ) وأقام المضاف إليه في الموضعين مقام المضاف .
وأكثر ما جاء من نوعي النيابة على حد نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، النيابة المفردة ثم المتدرجة التي نزع فيها مضافان ، ثم المتدرجة التي نزع فيها ثلاثة مضافات ، ومصداق ذلك أن العز بن عبد السلام لم يقدر ثلاثةَ مضافات من بين ألفين وثلاثمائة وخمسين موضعاً من مواضع نزع المضاف في القرآن إلا في موضعين(2) ، وقدر مضافين في مائة واثني عشر موضعًا ، وما بقي كان من نصيب النيابة المفردة .
من دواعي تقدير المضاف
تقدم في مبحث ضوابط نزع الخافض أن ثمة داعيين اثنين عامَّين تنضوي تحتهما دواعي التقدير هما : داعي تصحيح المعنى ، وداعي مراعاة الأصل النحوي ، وأشرت إلى أن ثمة دواعيَ خاصةً لتقدير المضاف الذي قام المضاف إليه مقامه وهذا أوانُ بيان تلك الدواعي ومنها :
1 – تعلَُق المعاني بالذوات(3) .
فإنما هي إقبالٌ وإدبارُ ... ترتعُ ما رتعت حتى إذا ادَّكرتْ
والتقدير : زيدٌ ذو عدلٍ ، وهي ذات إقبالٍ ، فنزع المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه على وجهٍ من أوجه التخريج التي سيأتي بيانُها(4) .
__________
(1) ينظر : شرح الكافية الشافية : 2/973 .
(2) ينظر : الإشارة إلى الإيجاز : 125 ، 167 .
(3) * التعبير بالذوات أحد تعبيرات النحويين : ويعبر بعضهم عن ذلك بالجثث أو الأجسام أو الأعيان ، وللفرق بين الجثة والقامة والجسم ينظر : اللمع : 76 ، وشرح جمل الزجاجي : 1/401 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/82 ، وحاشية ابن حمدون : 141 . :
مما يستدعي تقدير مضاف لتعلق المعاني بالذوات الأمورُ الآتية :
أ – الإخبار بالمعنى عن الذات :
كقولك : زيد عدلٌ ، ومنه قول الخنساء$%& سبق تخريجه : 24 .
(4) ينظر : 284 .(1/410)
ومن ذلك قوله تعالى : { إنه عملٌ غيرُ صالحٍ } (1) أي : إنه ذو عملٍ غير صالحٍ(2) ، " جعله نفس العمل مبالغة في ذمه "(3) .
ب – الإخبار بالذاتِ عن المعنى :
كقولك : الجودُ حاتمٌ ، والتقدير : الجود جودُ حاتمٍ ، ومنه قوله تعالى : { ولكنَّ البرَّ مَنْ آمن بالله } (4) والتقدير : ولكنَّ البرَّ برُّ من آمن ، أو : ولكن ذا البرِّ برُّ من آمن(5) ، فنزع المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه في وجهٍ من أوجه التخريج التي سيأتي بيانها أيضاً(6) .
ومن ذلك قوله تعالى في قراءة : { فاتقوا النارَ التي وُقودُها الناسُ والحجارة } (7) قال ابن جني : " هذا عندنا على حذف مضاف ، أي : ذو وُقودِها ، أو : أصحابُ وُقودها الناسُ ، وذلك أن الوُقود بالضم هو المصدر ، والمصدر ، ليس بالناس"(8).
ومن ذلك حديث معاذ بن أنس الجهني مرفوعاً : ( الجفاء كل الجفاء ... من يسمع منادي الله ينادي بالصلاة يدعو إلى الفلاح ولا يجيب )(9) فالجفاءُ معنىً أُخبر عنه بـ ( من يسمع ) فـ " لابد من حذف مضاف ، تقديره : إعراض من يسمع ، لأن ( مَنْ ) جنس بمعنى شخص أو إنسان ، والجفاء ليس بإنسان ، والخبر يجب أن يكون هو المبتدأ أي في المعنى"(10) .
__________
(1) هود : 46 .
(2) ينظر : أمالي المرتضى : 1/504 ، وأمالي ابن الشجري : 1/106 ، والإشارة إلى الإيجاز : 157 .
(3) البحر المحيط : 6/161 – 162 .
(4) البقرة : 177 .
(5) ينظر الكامل : 1/375 ، والمقتضب : 3/231 ، ومعاني القرآن وإعرابه : 1/246 .
(6) ينظر : 285 .
(7) البقرة : 24 . قرأ الجمهور بفتح الواو من ( وقودها ) وبضمها قرأ الحسن بخلافٍ عنه ، ومجاهد وطلحة بن مصرف وعيسى الهمداني ، وهذه القراءة محل الاستشهاد . ينظر : مختصر في شواذ القرآن : 11 ، والمحتسب : 1/144 .
(8) المحتسب : 1/144 .
(9) الحديث رواه أحمد في مسنده : 2/252 برقم : 15564 .
(10) إتحاف الحثيث : 183 .(1/411)
ومما أخبر فيه بالذات عن المعنى قول الشاعر(1):
كهُلْكِ الفتى قد أسلمَ الحيَّ حاضرُه ... وشرُّ المنايا ميِّتٌ وسْطَ أهله
أي : وشرُّ المنايا منيَّةُ ميِّتٍ(2).
وقول الآخر(3) :
ولكنَّ الغنى ربٌّ غفورُ ... قليلٌ عيبُه ، والعيبُ جمٌّ
أي : ولكنَّ الغنى غنى ربٍّ غفورٍ(4) .
ج – النعت بالمصدر :
كقولك : هذا رجلٌ عدلٌ ورضىً . والأصل في النعت أن يدل على معنىً وصاحبه ، والمصدر لا يدل إلا على المعنى المجرد ، ولأجل الرجوع به إلى أصله خُرِّج – في أحد أوجه التخريج – على تقدير مضاف ، والتقدير: هذا رجلٌ ذو عدلٍ، وذو رضىً .
ومن ذلك قراءة قوله تعالى : { لقد جئتم شيئاً أدًّا } (5) أي : ذا أدٍّ(6) .
د – مجيء المصدر المنكَّر واقعاً موقع الحال(7)
__________
(1) البيت للحطيئة في : ديوانه : 325 ، وكتاب سيبويه : 1/215 ، وأمالي المرتضى : 1/49 ، وبلا نسبة في : شرح القصائد السبع الطوال : 451 ، والإنصاف : 1/64 .
(2) ينظر : كتاب سيبويه : 1/215 ، وأمالي المرتضى : 1/49 ، والإنصاف : 1/64 .
(3) البيت لعروة بن الورد في : ديوانه : 123 ، والعقد الفريد : 2/345 ، ولكنه بلفظ : ولكنْ للغنى ربٌّ غفورٌ . ولا شاهد فيه على هذه الرواية ، وبلا نسبة في : أمالي المرتضى : 1/50 ، والإنصاف : 1/66 .
(4) ينظر : أمالي المرتضى : 1/50 ، والإنصاف : 1/66 .
(5) مريم : 89 . قرأ الجمهور بكسر همزة ( إدًّا ) ، وقرأ بفتحها أبو عبد الرحمن السلمي . ينظر : معاني القرآن للفراء: 2/173 ، والمحتسب : 2/89 ، والكشاف : 4/22 ، والأدُّ : القوة .
(6) ينظر : المحتسب : 2/89 ، والبحر المحيط : 7/300 .
(7) * في قول سيبويه والأكثرين ، وسيأتي ذكر الأقوال الأخرى في هذه المسألة : 303 من هذا البحث . :
نحو : جاء زيد ركضاً ، يقول ابن الناظم : " الحال وصاحبها خبر ومخبر عنها في المعنى ، فحقُّ الحال أن تدل على ما يدلُّ عليه نفسُ صاحبها كالخبر بالنسبة إلى المبتدأ ، ومقتضى هذا ألاَّ يكون المصدر حالاً لئلا يلزم الإخبار بمعنىً عن عين"$%& شرح ألفية ابن مالك: 126 . وينظر : شرح التصريح : 1/374 ، ومعاني النحو : 2/720 .(1/412)
.
ومع هذا ورد من ذلك شيء كثير ، ومنه(1) : أتيته ركضاً ، وعدواً ، ومشياً ، وأخذت ذلك عنه سماعاً ، يقول ابن مالك (2):
بكثرةٍ كبغتةً زيدٌ طلعْ ... ومصدرٌ منكَّرٌ حالاً يقعْ
ولأجل الرجوع به إلى أصله قدَّرَ النحويون معه – في أحد أوجه التخريج – مضافاً(3) ، فيقدر في الأمثلة المذكورة : أتيته ذا ركضٍ وذا مشي وهكذا الباقي .
هـ - نسبة الحكم الشرعي ( الحل والحرمة ) إلى الذوات :
مما يستدعي تقدير مضافٍ – عند كثير من العلماء – نسبة الحل والحرمة إلى الذوات وذلك " لأن الأعيان لا تحرُمُ إنما تحرم الأفعالُ فيها(4) " لذلك يقدرون مضافات محذوفة في نحو قوله تعالى : { إنما
حرَّم عليكم الميتةَ والدمَ } (5) أي : أكل الميتة ،يقول أبو حيان : " أسند التحريم إلى الميتة والظاهر أن المحذوف هو الأكل ، لأن التحريم لا يتعلَّق بالعين ، لأن السابق المباح هو الأكل في قوله : { كلوا مما في الأرض } (6) { كلوا من طيبات ما رزقناكم } (7) فالممنوع هنا هو الأكل ، وهكذا حذف المضاف يقدَّر بما يناسب "(8) . ويدل لذلك أيضًا حديث : ( إنما حرُم من الميتة أكلُها )(9)
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 1/370 .
(2) ينظر : الألفية : 43 .
(3) ينظر : شرح الكافية : 2/76 ، وارتشاف الضرب : 2/343 ، والبحر المحيط : 7/49 ، وشرح الأشموني : 2/173 ، وشرح التصريح : 1/375 ، وهمع الهوامع : 2/228 . وسيأتي بيان أوجه التخريج الأخرى : 344 .
(4) المسائل البغداديات : 597 .
(5) البقرة : 173 .
(6) البقرة : 168 .
(7) البقرة : 172 .
(8) البحر المحيط : 2/111 .
(9) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الزكاة ، باب الصدقة على موالي أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - برقم : 1492 . ينظر : فتح الباري: 3/433 وأخرجه مسلم في كتاب الحيض ، باب طهارة جلود الميتة بالدباغ ، برقم : 804 ، 805 . ينظر : شرح مسلم : 4/274 – 275 .(1/413)
ومن ذلك قوله تعالى : { حُرِّمتْ عليكم أمهاتُكم } (1) ، أي : نكاحهن ، قال ابن جرير : " يعني بذلك – تعالى ذكره - : حُرِّم عليكم نكاح أمهاتكم ، فتُرِكَ ذكرُ النكاح اكتفاءً بدلالة الكلام عليه "(2) ومثله قوله تعالى : { وأُحِلَّ لكم ما وراءَ ذلكم } (3) أي نكاح ما وراء ذلكم ، وقوله تعالى : { أُحِلَّتْ لكم بهيمةُ الأنعامِ } (4) أي : أكلُ بهيمة الأنعام(5) .
ولابن القيم اعتراضٌ أصيلٌ على منع اتصاف الأعيان بالحلِّ والحرمة(6) خلاصتُه أنَّ تحليل الأعيان وتحريمَها ليس طلباً لإيجادها أو عدمها ، فإن هذا لا يفهمه أحدٌ ولا يخطرُ ببال السمع أصلاً ، وإنما المفهومُ من كونها حلالاً أو حراماً الإذنُ في التناول والمنع منه ، هذا حقيقةُ اللفظ وموضوعُه وعرفُ استعماله ، فكما أنَّ الأعيانَ تُوصف بكونها طيبةً وخبيثةً ونافعةً وضارةً ، فكذلك تُوصفُ بكونها حلالاً وحراماً ، إذ الحلُّ والحرمة تبعٌ لطيبها وخبثها ، وكونها ضارةً ونافعةً ، فوصفُها بكونها حلالاً أو حراماً جارٍ مَجرى وصفها بكونها طيبةً أو خبيثةً ، ودلالةُ تحريم العين وتحليلها على الفعل المتعلق بها من باب دلالة الالتزام ، وما كان مدلولاً عليه بدلالة الالتزام لا يقال فيه : إنه محذوفٌ مقدر ، فالقائل لغيره : اصعد السطحَ ، قد دلَّه بالالتزام على الصعود إلى السُّلَّم ، ولا يقال : إنَّ في الكلام مضمراً محذوفاً ، فلا يتوقف – إذنْ – فهمُ المراد من نسبة الحل والحرمة إلى الأعيان على تقدير مضاف محذوف .
و – نسبة النهي إلى الذوات :
__________
(1) النساء : 23 .
(2) جامع البيان : 8/141 . وينظر : الإشارة إلى الإيجاز : 132 .
(3) النساء : 24 .
(4) المائدة : 1 .
(5) ينظر : الإشارة إلى الإيجاز : 136 .
(6) ينظر : مختصر الصواعق المرسلة : 335 – 338 ، وينظر كذلك : البرهان : 3/168 .(1/414)
كما أنَّ الأعيانَ لا توصف بالحلِّ والحرمة – في قول الأكثرين – والحرمةُ فرعُ النهي ، كذلك لا يصحُّ النهي عن الأعيان(1) ، فلا يقال : لا تكن زيداً إلا أن يكونَ ثمة مضافٌ مقدَّرٌ ، أيْ : لا تكنْ مثلَ زيدٍ ، وكذا لو قلت : لا تكن كزيدٍ كان التقدير : لا يكن حالُك كحال زيدٍ ، ومن ذلك قوله تعالى : { ولا تكن كصاحبِ الحوت } (2) يقول أبو حيان : " وليس النهي منصبًّا على الذوات ، إنما المعنى : لا يكن حالُك مثلَ حاله "(3).
ز – تعلُّق السؤال بالذوات :
كقولك : سألت زيداً عن عمروٍ ، أي عن حال عمروٍ ، ومنه قوله تعالى : { إنَّ السمعَ والبصرَ والفؤادَ كلُّ أولئك كان عنه مسؤولاً } (4) يقول ابنُ هشام : " وفي الآية حذفُ مضافٍ وإضمارٌ لما دلَّ عليه المعنى لا اللفظُ ، أي : إنَّ كلَّ أفعالِ هذه الجوارح كان المكلَّف مسؤولاً عنه ، وإنما قدرنا المضاف ، لأنَّ السؤال عن أفعال الحواس لا عن أنفسها "(5).
ح – تعلُّق الوعد بالذوات :
يقول مكي في قوله تعالى : { وعدكم اللهُ مغانمَ كثيرةً } (6) : " في الكلام حذف مضاف ، التقدير : وعدكم اللهُ ملكَ مغانم ... لأن المفعول الثاني لوعد لا يكون إلا مصدراً ، لأن الجثثَ لا يقعُ الوعدُ عليها ، إنما يقع على ملكها وحيازتها تقول : وعدتك غلاماً ، فلم تعده رقبة غلامٍ ، إنما وعدته ملكَ رقبةِ غلامٍ "(7) .
ط – تعلُّق اللوم بالذوات :
__________
(1) ينظر : الإشارة إلى الإيجاز : 6 .
(2) القلم : 48 .
(3) البحر المحيط : 10/248 . وينظر : روح المعاني : 15/42 .
(4) الإسراء : 36 .
(5) مغني اللبيب : 263 – 264 . وينظر : الإشارة إلى الإيجاز : 167 .
(6) الفتح : 20 .
(7) مشكل إعراب القرآن : 2/677 . وينظر : إعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج : 1/93 .(1/415)
نحو : لمتُ زيداً في عمروٍ ، أي : في حبه أو نحوه ، لأن الذوات لا يتعلق بها لوم(1) ، ومن ذلك قوله تعالى : { فذلكن الذي لمتنني فيه } (2) أي : في حبه بدليل { قد شغفها حباً } (3) أو : في مراودته، بدليل:
{ تراودُ فتاها عن نفسه } (4) وهو أولى ، لأنه فعلُها بخلاف الحب .
2- تعلُّق الزمان بالذوات :
__________
(1) ينظر : الإشارة إلى الإيجاز : 5 ، ومغني اللبيب : 812 ، والبرهان : 3/125 .
(2) يوسف : 32
(3) يوسف : 30 .
(4) يوسف : 30 .(1/416)
ذهب أكثر النحويين(1) إلى أن أسماءَ الزمان لا تقعُ أخباراً عن الجثث ، فلا يقال : زيدٌ اليومَ ، لعدم الفائدة ، لأن كل موجودٍ فإن اليوم يكون زماناً له ، فليس شيءٌ من الموجودات أولى به من شيء بخلاف أسماء الأحداث فإن الإخبار بالزمان عنها مفيدٌ " لأن الأحداثَ ليست أموراً ثابتة موجودة في كل الأحيان ، بل هي أعراضٌ منقضية تحدُثُ في وقتٍ دون وقت ، فإذا قلت : القتالُ اليوم ، أو الخروجُ بعد غدٍ ، استفاد المخاطَبُ ما لم يكن عنده لجواز أنْ يخلوَ ذلك الوقتُ من ذلك الحدثِ "(2) فإذا ورد ما يوهم الإخبارَ بالزمان عن الجثة فمؤوَّلٌ – عندهم – على تقدير مضاف هو معنىً أُقيمت الجثةُ مُقامه ، ليصحَّ الإخبارُ بالزمان ، لأنه – في الحقيقة - من باب الإخبار بالزمان عن المعنى ومن ذلك قولهم : الليلةَ الهلالُ ، والتقدير : الليلةَ طلوعُ الهلالِ ، ومنه قول الراجز(3) :
يُلقِحُه قومٌ وتنتجونَه ... أكلَّ عامٍ نَعَمٌ تحوونَهُ
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 1/136 ، والمقتضب : 3/274 ، 4/132 ، 351 ، والأصول في النحو : 1/63 ، وشرح أبيات سيبويه : 1/83 ، والإيضاح : 96 ، واللمع : 75 ، والمقتصد : 1/228 ، وأمالي ابن الشجري : 1/309 .
(2) شرح المفصل : 1/89 .
(3) الرجز لقيس بن الحصين الحارثي في : شرح أبيات سيبويه : 1/83 ، وخزانة الأدب : 1/390 ، وبلا نسبة في : كتاب سيبويه : 1/129 ، واللمع : 76 ، وتحصيل عين الذهب : 118 ، والإنصاف : 1/95 ، والرد على النحاة : 113 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/355 ، والبسيط : 1/601 ، وشرح الأشموني : 1/203 .(1/417)
أي : أكلَّ عامٍ أخذُ نعمٍ أو إحرازُ نعمٍ(1) ، وقولهم في المثل(2) : اليومَ خمرٌ وغداً أمرٌ ، أي : اليوم شربُ خمرٍ(3) ، ومن ذلك حديث : ( اليهودُ غداً ، والنصارى بعد غدٍ )(4) أي : تعييدُ اليهودِ غداً، وتعييدُ النصارى بعد غدٍ (5) .
وذهب ابنُ السِّيْد والسهيليُّ وابنُ خروفٍ وابنُ مالكٍ وتبعه جمعٌ(6) إلى أن العبرة في الإخبار بالزمان عن الجثة بحصول الفائدة ، فبأي شيءٍ حصلت حُكم بجوازه بتقدير مضاف أو غيره ، ومما تحصل به الفائدة الأمورُ الآتية :
- أن يدلَّ الدليلُ على أن ثمة مضافاً محذوفاً ، مثل أن يقدُمَ من سفرٍ قومٌ كان معهم زيد ، فيقول بعضهم : زيدٌ غداً أي : قدومُ زيدٍ غداً (7) .
__________
(1) ينظر : شرح أبيات سيبويه : 1/83 ، واللمع : 76 ، وشواهد التوضيح والتصحيح : 95 .
(2) المثل لهمام بن مرة ، وقيل : لامرئ القيس بن حجر . ينظر : جمهرة الأمثال : 2/334 ، ومجمع الأمثال : 526 وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ : 1/164 ، وارتشاف الضرب : 2/55 .
(3) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور : 1/356 ، والمباحث الخفية : 2/534 ، وشرح شذور الذهب : 184 .
(4) الحديث رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الجمعة ، باب فرض الجمعة برقم : 876 . ينظر : فتح الباري : 2/432 ورواه في باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل برقم : 896 ، بلفظ : ( فغداً لليهود ، وبعد غدٍ للنصارى ) ولا شاهد فيه . ينظر فتح الباري : 2/465 .
(5) ينظر : شواهد التوضيح والتصحيح : 95 ، وفتح الباري : 2/434 .
(6) ينظر : إصلاح الخلل : 127 ، ونتائج الفكر : 426 ، وشرح جمل الزجاجي : 1/391 ، 401 ، وشرح عمدة الحافظ : 1/164،وشرح ألفية ابن مالك: 44 ،والبسيط : 1/601،وارتشاف الضرب : 2/55 ،وبدائع الفوائد 3/552 .
(7) ينظر : شرح الكافية الشافية : 1/351 .(1/418)
- أن تكون الذات مشبهةً الحدثَ في تجددها وقتاً فوقتاً ، نحو : الرُّطَبُ شهرَيْ ربيعٍ والليلةَ الهلالُ في رأي جماعة(1).
- أن يكون اسمُ الذات مسؤولاً به عن اسم زمانٍ مختصٍّ نحو : في أيِّ الفصول نحن ؟ وفي أي شهر نحن(2) ؟
- أن يختصَّ اسمُ الزمان بوصفٍ أو إضافةٍ أو علَميَّةٍ مع جره بفي ، نحو : نحن في يومٍ طيبٍ ، أو: في شهر ربيعٍ ، أو: في رمضان(3) .
فإذا كان اسمُ الزمان أو المكان موغلاً في الإبهام لم يجز الإخبارُ بهما مطلقاً لاعن الحدث ولا عن الجثة (4) فلا يقال : زيدٌ مكاناً ، ولا القتالُ زماناً ، لعدم تحقق الفائدة من الإخبار بهما .
3- تعلُّق اسمِ المكانِ المؤقَّت بالذوات :
وذلك بالإخبار باسم المكان عن الذات ، فإذا قيل : زيدٌ مني فرسخٌ أو فرسخاً يقدَّر مضاف(5) أي : بُعْدُ زيدٍ مني فرسخ .
4- تعلُّق الطلب بما قد وقع :
كقولك : فِ بوعدك ، والتقدير : فِ بمقتضى وعدك ، لأن الوعد قولٌ قد مضى وانقضى ، ولا يتصور فيه نقض ولا وفاء وإنما المراد الوفاء بمقتضاه(6) ، ومن ذلك قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } (7) وقوله تعالى : { وأوفوا بعهد الله } (8) أي بمقتضاهما .
5- عدم اعتدال التقسيم :
__________
(1) ينظر : المقتصد : 1/290 ، وبدائع الفوائد : 3/553 ، والمساعد : 1/237 .
(2) ينظر : شرح جمل الزجاجي لابن خروف : 1/391 ، وارتشاف الضرب : 2/56 ، وهمع الهوامع : 1/322 .
(3) ينظر : المغنى في النحو : 2/310 ، والمساعد 1/238 ، وحاشية الصبان : 1/203 ، وحاشية الخضري : 1/210.
(4) ينظر : إصلاح الخلل : 127 ، والمغني في النحو : 2/310 ، والبسيط : 1/605 ، وحاشية الصبان :1/203 .
(5) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/60 ، وهمع الهوامع : 1/323.
(6) ينظر : الإشارة إلى الإيجاز : 136 ، ومغني اللبيب : 812 .
(7) المائدة : 1 .
(8) النحل : 91.(1/419)
إذا قلت : نحن الطلابَ منَّا المجتهدون ، ومنَّا دون ذلك ، فإن أشير بـ ( ذلك ) إلى الاجتهاد لإفراده كان لابد من تقدير مضاف ليعتدل التقسيم(1)، والتقدير : منا المجتهدون ، ومنا دون أهل ذلك الاجتهاد وإن أشير بـ( ذلك ) إلى الجماعة أو كان اسمُ الإشارة المفرد مستعملاً للمجموع بمعنى أولئك ، فلا حاجة إلى تقدير مضاف لاعتدال التقسيم ، ومن ذلك قوله تعالى : { وقطَّعناهم في الأرضِ أمماً منهم الصالحون ومنهم دونَ ذلك } (2) فعلى القول بأن ( ذلك ) مشارٌ به إلى الصلاح يكون التقدير :ومنا دون أهل ذلك الصلاح ، نزع المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه .
6- عدم المطابقة في ما تجب فيه المطابقةُ : ومن ذلك :
أ – عدم مطابقة الخبر للمبتدأ في المعنى :
فالأصل أن يكون المبتدأ هو الخبر في المعنى ، نحو : زيد أخوك ، فإن لم يتطابقا معنىً ، اقتضى ذلك تقدير مضاف نحو قوله تعالى : { الحجُّ أشهُرٌ معلوماتٌ } (3) فالأشهُرُ ليست هي الحج وليس المراد أن نفس الأفعال هي الزمان ، لذا يقدر مضاف ليطابق الخبر المبتدأ(4) والتقدير إما أن يكون مع المبتدأ ، أي : أوقاتُ الحج أشهر معلومات ، وإما أن يكون مع الخبر أي : الحجُّ حجُّ أشهرٍ معلوماتٍ(5) .
__________
(1) ينظر : البحر المحيط : 5/209-210 ، والدر المصون : 3/365 ، وروح المعاني : 9/89 .
(2) الأعراف : 168 .
(3) البقرة : 197 .
(4) ينظر : مجموع الفتاوى : 20/466 ، والبحر المحيط : 2/276 .
(5) ينظر : معاني القرآن للفراء : 1/119 ، ومشكل إعراب القرآن : 1/123 ، والتبيان : 1/160 .(1/420)
ومن ذلك الإخبار بالعَلَم أو باسم الجنس المشهور بمعنىً من المعاني بقصد التشبيه(1) ، نحو : أبو يوسف أبو حنيفة ، وزيدٌ الأسدُ ، فأبو يوسف ليس هو أبو حنيفة ، وزيد ليس هو الأسد في الحقيقة لذلك يقدر مضاف يحقق المثليَّة ، أي : أبو يوسف مثل أبي حنيفة ، وزيد مثلُ الأسد ، والغرض الذي نزع لأجله المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه هو المبالغة ، يقول الأزهري : " وإنما حذف ( مثل ) ليزول لفظُ التشبيه ، فيكونَ الكلامُ أبلغَ "(2) .
وعَدَّ ابنُ خروف وابنُ أبي الربيع(3) قصدَ المبالغة وجهاً غير تقدير المضاف ، وهو غيرُ وجيهٍ لأنْ لا منافاةَ بين تقدير الأصل وقصد المبالغة على مستوى الاستخدام .
ب – عدم مطابقة ضمير الفصل لما قبله :
يوجب الأكثرون(4) أن يكون ضمير الفصل مطابقاً لما قبله إفراداً وتذكيراً وتكلُّماً ، ومقابلاتها ، فإذا جاء غيرَ مطابقٍ ردُّوه بلطف الصنعة إلى المطابقة وذلك بتقدير مضاف ، ومن ذلك قول الشاعر(5) :
يراني لو أُصبتُ هو المصابا ... وكائنْ بالأباطحِ من صديقٍ
__________
(1) ينظر : أمالي ابن الشجري : 1/270 – 272 ، وشرح جمل الزجاجي لابن خروف : 1/392 ، والبسيط : 1/611.
(2) شرح التصريح : 1/375 .
(3) ينظر : شرح جمل الزجاجي : 1/392 ، والبسيط : 1/611 – 612 .
(4) ينظر : كتاب سيبويه : 2/394 – 395 ، وأمالي ابن الشجري : 1/160 – 163 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 2/66 ، والمباحث الخفية : 1/668 ، ورصف المباني : 130 ، وارتشاف الضرب : 1/493 – 494 .
(5) البيت لجرير في شرح ديوانه : 17 ، وأمالي ابن الشجري : 1/160 ، ومغني اللبيب : 643 ، وخزانة الأدب : 5/384 ، 388 ، والدرر : 1/224 ، وبلا نسبة في : شرح المفصل : 3/110 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 2/66 ورصف المباني : 130 ، وارتشاف الضرب : 1/494 ، وشرح الأشموني : 4/87 .(1/421)
والأصل أن يقال : يراني لو أصبت أنا المصابا ، فلم يطابق ضميرُ الفصلِ في البيت ما قبله في التكلم لذا قدَّروا – في أحد أوجه تخريجه – مضافاً محذوفاً ليكون ضميرُ الفصل مطابقاً ما قبله في الغيبة والتقدير : يرى مصابي هو المصابا .
ج – عدم مطابقة المخصوص للفاعل في أسلوب المدح والذم .
يذكر النحويون(1) أنه يجب أن يكون المخصوص بالمدح والذم مجانساً لفاعل فعل المدح أو الذم (نعم وبئس ) أو لمميِّزه إن كان الفاعل ضميراً مستتراً ، فلا يقال : نعم الرجلُ فرسُ زيدٍ ، لأن الفرس ليس من جنس الرجال ، والغرض أن يفضَّل الشيء أو يحقرَّ على جنسه لا على غير جنسه ، فحقُّ المخصوص – إذن – أن يطابق الفاعلَ أو مميِّزه في جنسه فتقول : نعم الرجلُ زيدٌ ، ونعم رجلاً زيدٌ لذلك احتيج إلى تقدير مضاف في نحو قوله تعالى : { بئسَ مثلُ القومِ الذين كذَّبوا بآياتنا } (2) ، أي بئس مثل القوم مثل الذين كذبوا(3) . وقوله تعالى : { ساءَ مثلاً القومُ الذين كذبوا } (4) أي : ساء مثلاً مثلُ القومِ(5) .
د – عدم مطابقة البدل للمبدل منه :
__________
(1) ينظر : المقتصد : 1/369 ، وأمالي ابن الشجري : 3/182 ، وشرح المفصل : 7/137 ، والتوطئة : 272 والإيضاح في شرح المفصل : 2/104 ، وارتشاف الضرب : 3/25 – 26 ، والتأويل النحوي : 1/380 .
(2) الجمعة : 5 .
(3) ينظر : التبيان : 2/1222، والمباحث الخفية : 2/973 ، والبحر المحيط : 5/226 ،10/172 .
(4) الأعراف : 177 .
(5) ينظر : معاني القرآن للأخفش : 2/537، وجامع البيان : 13/275، وإعراب القرآن : 2/164، ومشكل إعراب القرآن : 1/306.(1/422)
ذهب بعضُ النحويين(1) إلى ردِّ الأبدالِ كلِّها إلى البدل المطابق ( بدل كلٍّ من كلٍّ ) فقدَّر لأجل ذلك مضافاً محذوفاً مع المبدل منه أو مع البدل ليتطابقا في الكمية إن كان البدل في ظاهره بدل بعض ، أو في الجنس إن كان البدل في ظاهره بدل اشتمال ، ففي نحو : أكلت الرغيفَ ثلثَه ، يكون التقدير لأجل المطابقة في الكمية : أكلتُ بعضَ الرغيف ثلثَه ، وثلثُه هو بعضُه حقيقةً ، وفي نحو : أعجبني زيدٌ علمُه ، يكون التقدير لأجل المطابقة في الجنس : أعجبني وصفُ زيدٍ علمُه ، وعلمه وصفُه .
ومن ذلك تقديرُ السهيلي وجماعةٍ(2) مضافاً مع البدل في قوله تعالى : { قُتِلَ أصحابُ الأخدود . النارِ } (3) أي : أخدودِ النارِ .
7- النعت باسم جنس مشهورٍ بمعنًى من المعاني بقصد التشبيه :
سبيلُ النعتِ التحليةُ بالوصفِ المشتقِّ الدالِّ على معنًى وذاتٍ اتصفت به ، وقد يُنعَتُ بالجامد على خلاف الأصل ، ومن ذلك النعتُ بجنسٍ مشهورٍ بمعنًى من المعاني نحو : مررت برجلٍ أسدٍ شدةً فلما كان القصدُ التشبيهَ خُرِّج – في أحد أوجه التخريج – على تقدير مضاف ، أي : مثل أسدٍ(4) .
8- الخلاف العقدي :
__________
(1) ينظر : النكت الحسان : 125، والتأويل النحوي : 1/375.
(2) ينظر : أمالي السهيلي : 113 ، والمباحث الخفية : 2/810
(3) البروج : 4
(4) ينظر : كتاب سيبويه : 1/434 ، والمقتضب : 3/259 ، 341 ، وشرح المفصل : 3/49 ، وشرح الكافية : 2/320-322 ، والأشباه والنظائر : 4/148-150 ، وسيأتي أوجه التخريج الأخرى : 308-309 .(1/423)
من أخطر دواعي تقدير المضاف دعوى فساد اعتقاد ظواهر نصوص آيات الصفات وأحاديثها بزعم أن ظاهرها يقتضي التشبيه(1) يقولون : جاء أمر ربك وقد أبطل ابن القيم هذا التقدير من عشرة وجوهٍ(2) ، وأثبت ياسين في موضعٍ من حاشيته على الألفية(3) صفةَ المجيء على الوجه اللائق به تعالى من غير تأويلٍ بتقدير مضاف .
9- الخلاف الفقهي :
__________
(1) * هذا باب من الاعتقاد طال نزاعُ الناسِ فيه ولا يزال ، والسلامةُ فيه إثباتُ ما أثبته اللهُ - تعالى - لنفسه أو أثبته له رسولُه - صلى الله عليه وسلم - من غير تمثيل ولا تكييف ، ونفيُ ما نفاه اللهُ - تعالى - عن نفسه أو نفاه عنه رسولُه - صلى الله عليه وسلم - من غير تحريف ولا تعطيل ، مصداقاً لقوله تعالى : { ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير } الشورى : 11 . ينظر : جامع البيان : 4/260 – 267 24/417 ، والتدمرية : 7 . ، فيُتأوَّلُ لدفع توهُّمِ التشبيه بأنواعٍ من التأويلات ، منها تقديرُ المضاف كتأويل كثيرٍ من النحويين وغيرهم قولَه تعالى : { وجاءَ ربُّك والمَلَكُ صفاًّ صفاًّ } $%& الفجر : 22 .
(2) ينظر : مختصر الصواعق المرسلة : 339 – 341 .
(3) ينظر : 1/352 .(1/424)
كما أن المذاهب العقدية ذاتُ أثرٍ في تقدير المضاف ، تؤثِّرُ كذلك الخلافاتُ الفقهية فيه ، ولو وُقف عند أثرهما في تقدير المضاف لجاء من ذلك شيءٌ كثير ، يمكن أن يكون بحثاً مستقلاً . ومن أثر الخلاف الفقهي في تقدير المضاف تقديرُه في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أتحلفون وتستحقُّون دمَ صاحبِكم )(1) ففي القديم للشافعي(2) يستحقُّ أولياءُ القتيل بالقَسامة في قتل العمد القصاصَ ، فخرِّج لأجل ذلك الحديثُ المذكور على تقدير : أتحلفون وتستحقون دمَ قاتلِ صاحبكم ، وفي الجديد لا يستحقون القصاصَ بل الدِّيَةَ ، وخُرِّج لأجل ذلك الحديثُ على تقدير : وتستحقون بدَلَ دمِ صاحبكم .
هذه بعض دواعي تقدير المضاف التي مرجعُها أحدُ أمرين : تصحيحُ المعنى أو إقامةُ الأصل النحوي .
الأحكام التي يقوم فيها المضاف إليه مَقامَ المضاف
1- الإعراب :
__________
(1) الحديث رواه البخاري في صحيحه في كتاب الأحكام باب كتاب الحاكم إلى عمَّاله ، برقم : 7192 . ينظر : فتح الباري 13/224 ، ورواه مسلم في صحيحه في كتاب القسامة برقم : 4318 . ينظر : شرح مسلم : 11/146 .
(2) ينظر : مغني المحتاج : 4/151 . وتنظر أمثلةٌ أخرى في : بداية المجتهد : 1/132 والمجموع شرح المهذب : 1/293 .(1/425)
إذا نزع المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، فإنه يأخذ بعضَ أحكامه ولابدَّ ، وأوَّلُ الأحكام التي يأخذها المضافُ إليه من المضاف بعد نزعه إعرابُه فيصير مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً بحسب حال المضاف ، بعد أن كان مجروراً بالمضاف ،هذا هو الغالبُ في نيابة المضاف إليه منابَ المضاف وثمة حالةٌ ذاتُ صُوَرٍ يُنزع فيها المضافُ ويقومُ المضافُ إليه مُقامَه لكنه لا يُعرَبُ بإعرابه ، وذلك في ما كان موضعُ المضاف يختلفُ حكمُه باختلاف الإفراد والإضافة ، فإذا نزع المضافُ ، والمضافُ إليه مفردٌ فلا يأخذ عند نيابته عن المضاف حكمَ المضاف الإعرابيَّ بل يستقلُّ بالحكم الإعرابي الذي يستحقُّه ، ومن صور هذه الحالة :
- قيام المضاف إليه المفرد المعرفة مقام اسم لا النافية للجنس المضاف كقول الراجز(1):
لا هيثمَ الليلةَ للمطيِّ
والأصل : لا مثلَ هيثمَ .
- قيام المضاف إليه المقترن بأل مقام المنادى المضاف ، نحو قولهم : يا الخليفةُ هيبةً ، ويا الأسدُ شجاعةً ، والأصل : يا مثلَ الخليفةِ ، ويا مثلَ الأسدِ . يقول ياسين عند قول ابن مالك(2) :
عنه في الإعرابِ إذا ما حُذِفا ... وما يلي المضافَ يأتي خلفاً
" ينبغي أن يستثنى من ذلك ألا يكون المكانُ مشروطاً فيه الإفرادُ لحكمٍ ، والإضافةُ لحكمٍ ، ومن ثم قالوا : يا الخليفةُ هيبةً ، وأصله : يا أشبهَ الخليفةِ هيبةً ، لأن هذا الموضع إنما ينتصب به المضاف لا المفرد ، فلو أقمت الخليفة مقام الأول ونصبته لم يصح لأن الأول لو كان وحده كان مضموماً ، فكذلك الثاني ، وأشار ابن هشام في الحواشي لذلك ، فقال : لنا مسألة يحذف منها المضاف ، ولا يقوم المضاف إليه مقامه "(3) أي في إعرابه وإن كان قد وقع موقعه في كونه منادى .
__________
(1) سيأتي تخريجه : 280 .
(2) ينظر : الألفية : 51 .
(3) حاشية ياسين على الألفية : 1/407 – 408 .(1/426)
هذا ، والمواضعُ الإعرابية التي ينوب فيها المضاف إليه مناب المضاف فيأخذُ حكمَه الإعرابي كثيرةٌ سيأتي تفصيلها بعد أن نذكرَ بقيةَ الأحكام التي ذكر النحويون أنَّ المضافَ إليه النائبَ قد يأخذُها في سياقاتٍ خاصةٍ من المضافِ المنوبِ عنه .
2- التذكير :
إذا نُزع المضافُ المذكَّر وأُقيم المضافُ إليه مُقامَه في إعرابه فقد يقوم مقامه أيضاً في تذكيره(1) وذلك بتذكير الفعل المستحق للتأنيث أو بعود الضمير عليه مذكراً . مثال الأول : جُدِعَ هندٌ والأصل : جُدِعَ أنفُ هندٍ(2) ، فلما نزع المضاف قام المضاف إليه مقامه في إعرابه وتذكيره . ومثَّل الأكثرون للثاني بقول الشاعر(3) :
بَرَدى يُصفَّقُ بالرحيقِ السلسلِ ... يَسْقُون مَنْ وَرَدَ البريصَ عليهم
والأصل : ماءَ بردى ، وبردى اسمُ نهرٍ بالشام ، فلفظه مؤنث ، لأن هذا البناء لا تكون ألفه إلا للتأنيث(4) ، فلما نزع المضاف المذكر ( ماء ) أقيم المضاف إليه المؤنث ( بردى ) مقامه في إعرابه وتذكيره ، لذلك عاد عليه الضمير في ( يصفق) مذكراً ، ولو لم يكن قائماً مقامه في التذكير لعاد إليه الضميرُ مؤنثاً فقيل : ( تصفق ) كما هو روايةٌ في البيت .
__________
(1) ينظر : شرح المفصل : 3/25 – 26 ، والأمالي النحوية : 2/151 ، والإيضاح في شرح المفصل : 1/425 وشرح الكافية الشافية : 2/968 ، وشرح الكافية: 2/285 ، وشرح الأشموني : 2/272 ،والبهجة المرضية: 1/410 .
(2) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/530 .
(3) البيت لحسان بن ثابت في : ديوانه : 122 ، وشرح المفصل : 3/25 ، وخزانة الأدب : 4/352 ، والدرر : 5/38 ورواه صاحب الأغاني : 8/108 ( تُصفَّق ) بالتاء ، ولا شاهد فيه على هذه الرواية والبيت بلا نسبة في : الأمالي النحوية : 2/151 ، وهمع الهوامع : 2/429 .
(4) ينظر : شرح المفصل : 3/26 .(1/427)
ولابن القيم وجهة أخرى في عود الضمير مذكراً على ( بردى ) يخالف فيها ما قرره الأكثرون في ما سبق ، يذهب فيها(1) إلى أن التذكير في ( يصفق ) ليس بالنظر إلى المضاف المحذوف على القول بأن ثمة مضافاً محذوفاً ، وإنما هو بالنظر إلى إرادة النهر حملاً على المعنى ، وهو قول حكاه البغدادي عن ابن المستوفي حيث قال : " لو قال قائل : إنه أعاد الضمير مذكراً على المعنى ، لأن بردى نهر لوجد مساغاً "(2)وهو ما استظهره أستاذي عبد الله بابعير موافقةً لا متابعةً(3) .
3- التأنيث:
قد يقوم المضاف إليه المذكر مقام المضاف المؤنث في تأنيثه(4) فيؤنث لأجله الفعل المستحق للتذكير أو يعود عليه الضمير مؤنثاً ، مثال الأول قولك : فُقِئتْ زيدٌ(5) ، والأصل : فقئت عينُ زيدٍ ، فلما نزع المضاف المؤنث ( عين ) أقيم المضاف إليه المذكر ( زيد) مقامه في إعرابه وتأنيثه ، ومثال عود الضمير عليه مؤنثاً قول الشاعر(6) :
والمسكُ من أردانها نافحهْ ... مرَّتْ بنا في نسوةٍ خولةٌ
والأصل : ورائحة المسك نافحةٌ(7) ، ومثَّل له الرضي بنحو : قطعتُ السارقَ فاندملتْ ، أي : قطعتُ يد السارقِ فاندملتْ(8) .
4- التنكير :
__________
(1) ينظر : بدائع الفوائد : 3/534 – 536 .
(2) ينظر : خزانة الأدب : 4/352 .
(3) ينظر : ظاهرة النيابة : 241 .
(4) ينظر : شرح الكافية الشافية : 2/969 ، وشرح الكافية: 2/286 ، وشرح الأشموني : 2/272 ، والبهجة المرضية : 1/410 ، والمطالع السعيدة : 430 ، وحاشية ابن حمدون : 369 .
(5) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/530 .
(6) البيت بلا نسبة في : شرح الأبيات المشكلة الإعراب : 410 ، وشرح الكافية الشافية : 2/969 ، وشرح الأشموني : 2/272 ، والبهجة المرضية : 1/410 ، وهمع الهوامع : 2/429 ، والدرر : 5/39 .
(7) ينظر : شرح الأبيات المشكلة الإعراب : 410 ، وشرح الكافية الشافية : 2/969 ، وشرح الأشموني : 2/272 .
(8) ينظر : شرح الكافية : 2/286 .(1/428)
يقوم المضاف إليه المعرفة مقام المضاف النكرة(1) إن كان المضافُ المحذوف لفظَ ( مثل ) واقعاً موقع الحال أو النعت أو اسم لا النافية للجنس .
فمن قيامه مقام الحال والمضاف المحذوف لفظ ( مثل ) قولك : هذا زيدٌ زهيراً شعراً والأصل : مثلَ زهيرٍ ، فالمضاف ( مثل ) نكرة موغلة في الإبهام لم تتعرف بإضافتها إلى ( زهير ) المعرفة ، وقد وقع موقع الحال المشتق ، والأصل : مشبِهاً زهيراً ، فلما نزع المضاف ( مثل ) وأقيم المضاف إليه مقامه في موضع الحال أخذ حكمه الإعرابي وهو النصب بعد أن كان مجروراً وحكمه المعنوي وهو التنكير بعد أن كان معرفةً إذ الغالب في الحال أن تكون نكرة .
ومن ذلك قولهم(2) : ذهبوا أيادي سبأ ، أي : مثل أيادي سبأ فجاء ( أيادي سبأ ) حالاً وهو معرفة لنيابته عن ( مثل ) النكرة في إعرابها وتنكيرها .
ومن قيام المضاف إليه المعرفة مقام المضاف النكرة ( مثل ) في موقع النعت قولك : مررت برجلٍ زهيرٍ شعراً ، والأصل: مثلِ زهيرٍ ، فالمضاف ( مثل ) نكرة موغلة في الإبهام فلم يستفد بإضافته إلى المعرفة ( زهير ) التعريف ، لذلك وُصِفَتْ به النكرةُ ( رجل ) فلما نزع المضاف ( مثل ) وأقيم المضاف إليه المعرفة ( زهير ) مقامه ، أعرب بإعرابه وأخذ حكمَه من حيثُ التنكيرُ فصحَّ وصْفُ النكرة به .
__________
(1) ينظر : شرح الكافية : 2/286 ، والمساعد : 2/364 ، وشفاء العليل : 2/722 ، وحاشية ابن حمدون : 369 .
(2) أصل هذا المثل أن قوم سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان لما أنذروا بسيل العرم خرجوا من اليمن متفرقين في البلاد ، فقيل لكل جماعةٍ تفرقوا : ذهبوا أيدي سبأ أو أيادي سبأ ، والمراد بالأيدي الأبناء والأسرة . ينظر : مجمع الأمثال : 2/4 ، وشرح المفصل : 4/123 – 124.(1/429)
ومن ذلك ما جوزه الخليل وضعفه سيبويه(1) في نحو : له صوتٌ صوتُ الحمارِ على تقدير مضاف أي : مثلُ صوتِ الحمارِ ، ولولاه لما صح وصف النكرة ( صوت ) بالمعرفة ( صوت الحمار ) .
هذا ، وقد خصَّ ابن مالك في شرح الكافية الشافية نيابةَ المضاف إليه مناب المضاف في التنكير بوقوعه موقعَ الحال ، فقال : " ومن ذلك قيامُ المعرفة المضاف إليها ( مثلُ ) مقامه في الحالية ... كقولهم : تفرقوا أيادي سبأ ، أي : مثل أيادي سبأ ، فحذف ( مثل ) وخلفه ( أيادي سبأ ) في الحالية "(2) وتبعه في ذلك الأشموني(3) وتعقبه الصبان بقوله : " قوله ( وفي الحالية ) مثلها الصفة نحو : مررت بقومٍ أيادي سبأ ، لو قال بدل الحالية : التنكير كما في التسهيل لشملهما "(4) .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 1/361 ، والتعليقة : 1/204 .
(2) 2/970 .
(3) ينظر : شرح الأشموني : 2/272 .
(4) حاشية الصبان : 2/272 .(1/430)
ومن قيام المضاف إليه المعرفة مقام المضاف النكرة ( مثل ) في موقع اسم لا النافية للجنس قولهم(1): قضية ولا أبا حسنٍ لها ، والأصل : ولا مثلَ أبي حسنٍ لها(2) وذلك أن ( لا ) النافية للجنس لا تعمل في المعارف ،و ( مثل ) المضاف إلى معرفةٍ نكرةٌ لتوغله في الإبهام ، فلما نزع أقيم المضاف إليه ( أبي حسنٍ ) مقامه في إعرابه وتنكيره ، ويدلُّ لذلك أنه إذا وُصِفَ لم يوصَفْ إلا بنكرة فيقال : " لا أبا أمية عاقلاً لك ، ولا يقال : العاقل ، لنيابته مناب النكرة "(3) .
5- التركيب :
قد يقوم المضافُ إليه المفردُ المعرفةُ المشهورُ بمعنىً من المعاني مقام المضاف النكرة إذا كان لفظَ (مثل ) في تركيبه مع ( لا ) التي لنفي الجنس ، فيُبنى لوقوعه موقع ما يبنى معها(4) كقول الراجز(5) :
ولا فتًى مثلَ ابن خيبريِّ ... لا هيثمَ الليلةَ للمطيِّ
__________
(1) يروى من قول عمر في علي رضي الله عنهما في شرح جمل الزجاجي لابن خروف 2/984 ، وحاشية الصبان : 2/4 ، ولم أجده – مع طول البحث – في كتب الحديث والسير والتراجم والتاريخ والأمثال التي وقفت عليها والثابت عن عمر - رضي الله عنه - قوله : " أقرأُنا أُبَيٌّ وأقضانا عليٌّ " كما في صحيح البخاري كتاب التفسير باب قوله : { ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها } ينظر : فتح الباري : 8/207 . والأثر المشار إليه بلا نسبة في : كتاب سيبويه : 2/297 والمقتضب : 4/363 وشرح المفصل : 2/104 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 2/276 ، وشرح الأشموني : 2/4.
(2) ينظر : كتاب سيبويه : 2/297 ، والمقتضب : 4/362 ، والأصول في النحو : 1/382 .
(3) ارتشاف الضرب : 2/171 .
(4) ينظر : شرح الكافية الشافية : 1/529 – 530 ، 2/970 – 971 .
(5) الرجز لبعض بني دبير في :الدرر:2/213،وبلا نسبة في:كتاب سيبويه :2/296،والمقتضب:4/362،والأصول في النحو:1/382،وشرح عيون الإعراب:123،وشرح جمل الزجاجي لابن خروف:2/984،وخزانة الأدب:4/53 .(1/431)
وقول الشاعر(1) :
نَكِدْنَ ولا أميَّةَ في البلادِ ... أرى الحاجاتِ عند أبي خُبيبٍ
والتقدير : لا مثل هيثم ، ولا مثل أمية ، في أحد أوجه تخريج دخول لا النافية للجنس على المعارف فلما نزع المضاف قام المضاف إليه مقامه في التنكير والتركيب مع لا .
وللنحويين في مجيء اسم لا النافية للجنس معرفة مضافاً أو مفرداً وجهان آخران غير تقدير المضاف هما(2) :
أن ينزَّلَ العَلَمُ المشهورُ بمعنىً من المعاني منزلةَ الجنس الدال على ذلك المعنى فيؤوَّل ( لا أبا حسنٍ لها ) بلا فيصلَ لها أو لا عالمَ لها ويؤول ( لا هيثمَ ) بلا مُجرِيَ أولا سائق . وعلى هذا التوجيه أكثر النحويين .
أن يقدر بلا مسمى بهذا الاسم ، أو لا واحد من مسميات هذا الاسم .
6- الإفراد والجمع :
__________
(1) البيت لعبد الله بن الزَّبِير الأسدي في : ملحق ديوانه : 147 ، وكتاب سيبويه : 2/297 ، والأصول في النحو : 1/383 ، وتحصيل عين الذهب : 345 ، وخزانة الأدب : 4/57 ، والدرر : 2/211 ، ولفضالة بن شريك في : الأغاني : 1/48 ، 6/317 ، وخزانة الأدب 5/376 ، وبلا نسبة في : المقتضب : 4/362 ، والمغني في النحو : 3/263 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 2/276 .
(2) ينظر : المقتضب : 4/362 ، والأمالي النحوية : 4/142 ، ومغني اللبيب : 126 ، وشرح ابن عقيل: 1/318 وحاشية ياسين على التصريح :1/236، وخزانة الأدب :4/53، وحاشية الصبان :2/4 ، وحاشية الخضري :1/318 .(1/432)
قد يُعطى المضافُ إليه النائبُ مناب المضاف المحذوف حكمَ المضاف من حيث الإفرادُ والجمع فيعود الضمير عليه كما كان عائداً على المضاف المحذوف(1) ويمثِّلون له بقوله - صلى الله عليه وسلم - في الذهب والحرير: ( إنَّ هذينِ حرامٌ على ذكور أمتي)(2) والتقدير : إن استعمال هذين حرامٌ(3) ، فلما نزع المضاف المفرد أقيم المضاف إليه المثنى مقامه في إعرابه وإفراده فعاد عليه الضمير مفرداً .
وذهب ابن القيم(4) إلى أنه ليس ثمة مضافٌ مقدر ، والسرُّ في إفراد الخبر التنبيه والإشارة على أن كلَّ واحدٍ من الذهب والحرير بمفرده موصوف بأنه حرام ، فلو ثنِّيَ الخبرُ لم يكن فيه تنبيهٌ على هذا المعنى .
ويمكن أن يقال إن تقدير المضاف بيانٌ للأصل في التركيب بدليل إفراد الخبر والغرض من الحذف والنيابة ما ذكره ابن القيم .
ومما أقيم فيه المضاف إليه مقام المضاف في حكمه من حيث الجمعُ قوله تعالى : { وتلك القرى أهلكناهم } (5) والتقدير: وأهل تلك القرى أهلكناهم(6) فأعاد ضمير الذكور العقلاء في ( أهلكناهم ) على ( تلك القرى ) لقيام المضاف إليه مقام المضاف .
7- الحُكْمُ :
__________
(1) ينظر : الإيضاح في شرح المفصل : 1/425 ، والمطالع السعيدة : 431 ، وأسرار النحو : 156 .
(2) الحديث أخرجه أحمد في المسند : 2/9 ، برقم : 935 ، وأبو داؤد في سننه : 4/49 برقم : 4047 ، والنسائي في السنن الكبرى : 5/436 ، برقم : 9445 .
(3) ينظر : شرح الكافية الشافية : 2/969 ، وشرح الأشموني : 2/272 .
(4) ينظر : بدائع الفوائد : 3/536 .
(5) الكهف : 59 .
(6) ينظر : معاني القرآن للأخفش : 2/619 ، ومعاني القرآن وإعرابه : 3/297 ، والبحر المحيط : 7/195 .(1/433)
حمل الصبان(1) الحديثَ المذكور آنفاً على قيام المضاف إليه مقام المضاف في الحكم عليه بشيء وهو الحُرْمَةُ ، وجعل من قيامه مقامه في الحكم عليه بشيءٍ قوله تعالى : { وتلك القرى أهلكناهم } أي في الحكم عليها بالهلاك ، وظاهر كلام ابن مالك وصريح صنيع السيوطي(2) الاكتفاءُ بإنابة المضاف إليه في ما تقدم مناب المضاف في حكمه من حيثُ الإفرادُ والجمعُ لا في الحكم عليه بشيءٍ .
8- العقل :
عدَّ الرضي قوله تعالى : { وكم من قريةٍ أهلكناها فجاءها بأسُنا بياتاً أوهم قائلون } (3) من باب إقامة المضاف إليه مقام المضاف في العقل(4) لعود ضمير العقلاء ( هم ) على ( قريةٍ ) لقيامها مقامَ المضاف المحذوف ( أهل ) .
__________
(1) ينظر : حاشية الصبان : 2/272 .
(2) ينظر : شرح الكافية الشافية : 2/969 ، والمطالع السعيدة : 431 .
(3) الأعراف : 4 .
(4) شرح الكافية : 2/286 . وينظر : البحر المحيط : 8/140 – 141 .(1/434)
هذه أشهر الأحكام التي قيل فيها بنيابة المضاف إليه عن المضاف بعد نزعه ، والأظهر – في نظر الباحث – أن الحكم الوحيد الذي يقوم فيه المضاف إليه مقام المضاف هو الإعراب(1) فإنهم تارة يجرون الأحكام على لفظ ما قام مقامه في إعرابه غير ملتفتين إلى المحذوف وكأنه وقع في المنسأة وصار كالشريعة المنسوخة فيعيدون الضمائر على المذكور بحسب حاله مفرداً كان أم مجموعاً ، مذكراً أم مؤنثاً ، كقوله تعالى : { وكم من قريةٍ أهلكناها فجاءها بأسُنا بياتاً } (2) وهذا الأعم الأغلب ، وتارةً يلتفتون إلى المضاف المحذوف فيعاملونه معاملة المذكور ، فيعيدون عليه الضمير مفرداً وجمعاً ومذكرًا ومؤنثاً وعاقلاً ، والقائمُ مَقامَه في الإعراب بخلافه في كل ذلك ليكون في اللفظ دليلٌ على إرادة المحذوف ، لا أن النائب أخذ حكم المنوب عنه في تلك الأحكام ، يقول ابن يعيش في قول الشاعر(3) :
بَرَدَى يُصفَّقُ بالرحيقِ السلسلِ ... يسقون من وَرَدَ البريصَ عليهم
" ويجوز أن يكون الضمير عائداً إلى المحذوف وهو الماء ، فيكون المحذوف مراداً من وجهٍ وغير مرادٍ من وجهٍ ، فمن جهة عود الضمير إليه كان ملحوظاً مراداً ومن جهة الإعراب غير مراد"(4).
ولا يشكل على هذا الاختيار إلا القول بنيابته منابه في التركيب في نحو(5) :
لا هيثمَ الليلةَ للمطي
__________
(1) * باستثناء الحالة المشار إليها : 277 التي لا يأخذ فيها النائب عن المضاف حكمه الإعرابي . أما سائر الأحكام التي ذُكرتْ فلم يَنُبِ المضافُ إليه مناب المضاف فيها ، وإنما جرى ذلك على طريقة العرب إذا ما حذفوا المضاف$%& ينظر : ارتشاف الضرب : 2/529 ، والمساعد : 2/363 ، والبرهان : 3/169 ، وشرح التصريح : 2/55 وحاشية ياسين على الألفية : 1/409 ، وحاشية الصبان : 2/271 ، وحاشية ابن حمدون : 369 .
(2) الأعراف : 54 .
(3) سبق تخريجه : 278 .
(4) شرح المفصل : 3/26 .
(5) سبق تخريجه : 280 .(1/435)
لذلك يوجه بناءُ ( هيثمَ ) ونظائرهِ مما استُعمِلَ هذا الاستعمالُ على أنه ليس من قبيل حذف المضاف وإنما هو من باب جعل العلم لاشتهاره بمعنىً من المعاني كأنه اسمُ جنسٍ موضوعٌ لإفادة ذلك المعنى فصارت دلالتهُ دلالة النكرة ، والمعنى لا مجري أو لا سائق ، لذلك صح دخول ( لا ) عليه وبني معها كما تبنى معها النكرات فهو كقولهم : لكل فرعونٍ موسىً أي : لكل جبارٍ قهارٌ(1) ، فيصرفُ فرعون وموسى لكونهما صارا نكرتين لتأويلهما بالمعنى المذكور .
ومما يقوِّي هذا التوجيهَ في نحو : لا هيثم ويضعف القول بتقدير مضاف فيه الأمور الآتية(2) :
1- أنه قد ورد العلم المفرد مركباً مع ( لا ) مخبراً عنه بـ ( مثل ) في قول الشاعر(3) :
بريءٌ من الحمَّى سليمُ الجوانحِ ... بكيت على زيدٍ ولا زيدَ مثلُه
فلو كانت إضافة ( مثل ) منويةً ، لكان التقدير : ولا مثل زيدٍ مثلُه ، وذلك فاسد .
2- أن مقصود المتكلم نفيُ مسمَّى العلم نفسِه لا نفيُ مثلِه .
3- أن المعامَلَ بهذه المعاملةِ قد يكون انتفاءُ مثله معلوماً لكل أحدٍ ، فلا يكون في نفيه فائدةٌ ، نحو: لا بصرةَ لكم .
__________
(1) ينظر : شرح الكافية : 2/198 .
(2) ينظر : شرح الكافية الشافية : 1/531 ، وحاشية ياسين على التصريح : 1/236 ، وخزانة الأدب : 4/53 – 54 وحاشية الصبان : 2/4 – 5 ، وحاشية الخضري : 1/318 .
(3) البيت بلا نسبة في : شرح الكافية الشافية : 1/531 ، وتخليص الشواهد : 166 ، وخزانة الأدب : 4/53 ، وحاشية ياسين على التصريح : 1/236 ، وحاشية الصبان : 2/5 ، والدرر : 2/215 .(1/436)
كل ذلك مفرَّعٌ على قول من منع مجيء اسم لا معرفة فقدر لأجل ذلك مضافاً ، وهم البصريون . أما الكوفيون فقد جَوَّزوا مجيئه معرفة(1) نحو : لا زيدَ في الدار ، ولا عبد الله حاضرٌ ، ولا هوَ ، ولا هي ، فعلى قولهم هذا لا يحتاج نحو : لا هيثم ، ولا أمية ، ولا أبا حسنٍ ، إلى تأويل بتقدير مضاف ولا غيره .
المواقع الإعرابية التي يقوم فيها المضاف إليه مقام المضاف
بعد أن ترجَّحَ أن المضاف إليه لا يقوم مقام المضاف إلا في إعرابه ، يجدرُ بنا أن نذكر المواقع الإعرابية التي ينوب فيها المضاف إليه مناب المضاف بعد نزعه وذلك على النحو الآتي :
1- نيابةُ المضاف إليه عن المضاف في موقع المبتدأ أو ما أصله المبتدأ :
ويأتي ذلك في مواضعَ منها :
أ – الإخبار بالزمان عن الجثة ، نحو : الليلةَ الهلالُ ، والتقدير : الليلةَ حدوثُ الهلالِ ، وقد تقدم بيان خلاف النحويين في جواز الإخبار بالزمان عن الجثة(2).
ب – الإخبار بالظرف المؤقت عن الجثة ، نحو : أنت مني فرسخان ، والتقدير : بعدُك مني مقدارُ فرسخين(3).
ج – الإخبار بالمعنى عن الجثة ، نحو : زيد عدلٌ ، أي : حال زيدٍ عدلٌ ومنه قول الخنساء(4) :
فإنما هي إقبالٌ وإدبارُ ... ترتع ما رتعت حتى إذا ادَّكرتْ
أي : فإنما فعلُها إقبالٌ وإدبارُ(5).
وللنحويين في نحو ذلك توجيهاتٌ ثلاثةٌ(6):
__________
(1) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/170 – 171 ، وهمع الهوامع : 1/463 ، وخزانة الأدب : 4/54
(2) ينظر : 271 من هذا البحث .
(3) ينظر : النكت في تفسير كتاب سيبويه : 1/427 ، وشرح اختيارات المفصل : 1/147 .
(4) سبق تخريجه : 24 .
(5) ينظر : الإفصاح : 265 – 266 ، وشرح الكافية: 1/226 .
(6) ينظر الكامل : 1/374 ، 3/1356 ، والمقتضب : 3/230 ، والمسائل البغداديات : 205-208 ، والخصائص : 2/202 ، 3/189 ،وشرح المفصل : 1/112 ، 115 ،وشرح الكافية الشافية : 2/666 ،وشرح التصريح : 1/332 .(1/437)
أحدها : تقدير المضاف إما مع المبتدأ كما تقدم ، وإما مع الخبر والتقدير : زيدٌ ذو عدلٍ ، وهي ذات إقبال .
ثانيها : التأويل بالمشتق فيؤوَّل عدل بعادل وإقبال بمقبلة .
ثالثها : أنه لا تأويل ولا تقدير ، وإنما جعلت الذات نفس المعنى بقصد المبالغة فكأنَّ ( زيد ) هو العدل لكثرة ذلك منه و ( الناقة ) هي الإقبال والإدبار لكثرة ذلك منها ، وقد تقدم في أغراض نزع الخافض أن ليس ثمة إلا التخريجان الأولان لبيان الأصل المفترض ، أما قصْدُ المبالغة فهو الغرض الذي عُدِلَ من أجله عن الأصل إلى الاستعمال ، ويبقى بعد ذلك البحثُ في ترجيح أحد التخريجين الأولين في كونه الأصلَ المفترض . ومما يمكن أن يرجح به تقدير المضاف ما قاله ياسين في باب النعت بالمصدر : " رأيت بخط الموضِّح في التذكرة ما نصه : مسألة : يدلُّ على أن الأصل في المصادر ألاَّ يوصف بها قوله سبحانه : { وأشهِدوا ذَوَيْ عدلٍ منكم } (1) أي رجلين ذوي عدلٍ ، فتُوُصِّلَ إلى وصف الموصوف المقدر بعدلٍ بذوي كما يتوصل بأسماء الأجناس غير المصادر بذو ، وما تصرف منها ، فيقال : برجلٍ ذي مالٍ ... وكذا ذو علمٍ وذو فضلٍ ولولا ذلك لم يجز المجيء بذي ألا ترى أنه لا يجوز : برجلٍ ذي عالمٍ ، كما لا يجوز يا أيها زيد ، لأن زيد يباشر النداء بنفسه فلا يحتاج للواسطة ، وقد يرجَّح بهذه المسألة ونحوها قول من يقول في : مررت برجلٍ عدلٍ : إنه على حذف مضاف لا على التأويل باسم الفاعل "(2).
والإخبار بالمصدر كالنعت به فيقال فيه مثل ما نقله ياسين عن ابن هشام .
د- الإخبار بالجثة عن المعنى كقوله تعالى : { ولكنَّ البرَّ مَنْ آمن } (3) والتقدير : ولكن ذا البرِّ مَنْ آمن(4) .
__________
(1) الطلاق : 2.
(2) حاشية ياسين على الألفية : 2/17 . وينظر : حاشية ابن حمدون : 458 .
(3) البقرة : 177 .
(4) ينظر : الكامل : 1/375 ، ومعاني القرآن وإعرابه : 1/246 ، وإعراب القرآن : 1/279 ، والتبيان : 1/143 .(1/438)
وللنحويين في الإخبار بالجثة عن المعنى ثلاثة توجيهات(1):
أحدها : تقدير المضاف إما مع المبتدأ كما تقدم وإما مع الخبر ، أي : ولكن البرَّ برُّ من آمن .
ثانيها : التأويل بالمشتق فيؤول البر باسم الفاعل البار .
ثالثها : جعل المعنى هو العين لإرادة التكثير والمبالغة .
ويزاد على ما تقدم توجيه رابع في خصوص هذه الآية . وهو أن يكون ( البر ) اسم فاعل من برَّ وأصله برِر مثل فطِنَ فنقلت كسرة الراء إلى الباء(2). وعلى هذا لا تأويل ولا تقدير . أما قصد المبالغة فهو الغرض الذي لأجله عدل من الأصل إلى الاستخدام كما تقدم في الإخبار بالمعنى عن الذات .
وإنما احتيج إلى هذه التقديرات في الموضعين الأخيرين ليصح أن يكون المبتدأ هو الخبر إذ الجثث لا تكون خبراً عن المصادر ولا المصادر خبراً عن الجثث(3).
هـ - مجيء اسم لا النافية للجنس معرفةً – في وجهٍ من أوجه التخريج -(4) نحو : قضية ولا أبا حسنٍ لها والتقدير: ولا مثل أبي حسن لها .
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 1/212 ، والمقتضب : 3/231 ، وشرح الكافية: 1/226 ، ومعاني النحو : 3/137 .
(2) ينظر : التبيان : 1/143 .
(3) ينظر : مشكل إعراب القرآن : 1/118 ، وشرح الكافية الشافية : 2/666 .
(4) ينظر : 283 من هذا البحث .(1/439)
و – في أسلوب حبذا هند وحبذا الهندانِ ، والتقدير : حبذا حسنُ هندٍ وحسنُ الهندين ، في قول حكوه عن ابن كيسان(1) ( ت : 320 هـ ) وإنما قدَّر مضافاً لتوجيه عدم تغيُّر اسم الإشارة ( ذا ) عن الإفراد والتذكير مع تغير المخصوص ( المبتدأ ) فيكون المشار إليه بـ ( ذا ) هو المصدر المضاف الذي حذف وقام المضاف إليه مقامه . ورُدَّ هذا التوجيهُ بأنه دعوى بلا بينة لعدم ظهور هذا المقدر في شيء من كلامهم . ووجَّه الأكثرون التزام الإفراد والتذكير في ( ذا ) بأن هذا الأسلوب أشبه الأمثال والأمثال لا تُغيَّر .
2- نيابة المضاف إليه عن المضاف في موقع الخبر أو ما أصله الخبر :
ويأتي ذلك في مواضع منها :
أ – الإخبار بالمعنى عن الجثة ، نحو : زيد عدل ، أي ذو عدلٍ .
ب – الإخبار بالجثة عن المعنى ، نحو : الجود حاتم ، أي : الجودُ جودُ حاتمٍ ، وقوله تعالى { ولكنَّ البرَِّ من آمن } (2) والتقدير : ولكن البر برُّ من آمن .
وقد تقدم قريباً أنه يمكن أن يقدر المضاف مع المبتدأ ، فإذا دار الأمر بين كون المضاف المحذوف مبتدأً وكونِه خبراً فأيُّهما أولى ؟
ذهب ابن جني وتبعه جماعة من النحويين(3) إلى أن الأعجاز أولى بالحذف من الصدور لذا كان تقدير المضاف مع الخبر أولى .
وحكى ابن هشام عن بعض النحويين(4) أن كون المحذوف هو المبتدأ أولى ، لأن الخبر محطُّ الفائدة لذلك يكون تقدير المضاف مع المبتدأ أولى .
__________
(1) ينظر في أقوال النحويين في أصل هذا التركيب والخلاف في تخريجه : ارتشاف الضرب : 3/29 ، وشرح الأشموني: 3/41 ، وشرح التصريح : 2/99 – 100 ، وحاشية الصبان : 3/41 .
(2) البقرة : 177 .
(3) ينظر : الخصائص : 2/362 ، ومغني اللبيب : 813 – 814 ، وكشاف اصطلاحات الفنون : 1/426 .
(4) ينظر : مغني اللبيب : 805 – 806 .(1/440)
ويذكر كثير من النحويين الوجهين من غير نظرٍ إلى أولوية أحدهما ، والأظهر – في نظر الباحث – أن يقدر المضاف في مكانه اللائق به بحسب ما يدل عليه سياق الكلام وإن كان يمكن تقديره في سياقٍ آخر في غير مكانه الأول ، لذلك كان تقدير المضاف مع المبتدأ في قوله تعالى : { الحج أشهرٌ معلومات } (1) أولى وأثبت فقهاً وتفسيراً(2) وكان تقدير المضاف مع الخبر في قوله تعالى : { ولكن البر من آمن بالله } (3) أوجه سياقاً ، لأن الكلام في سياق تصحيح مفهوم البر(4) وهو اختيار سيبويه(5) " وإنما اختار هذا سيبويه لأن السابق إنما هو نفي كون البر هو تولية الوجه قبل المشرق والمغرب ، فالذي يستدرك إنما هو من جنس ما ينفى ، ونظير ذلك : ليس الكرم أن تبذل درهماً ، ولكنَّ الكرم بذلُ الآلافِ ، فلا يناسب : ولكنَّ الكريمَ من يبذل الآلاف ، إلا إن كان قلبه : ليس الكريم بباذلِ درهمٍ "(6) .
ج- الإخبار بالعَلَمِ المشبَّه به مبتدؤه(7) ، نحو : أنت زهيرٌ شعراً ، وحاتمٌ جوداً ، والتقدير : مثل زهيرٍ ، ومثل حاتمٍ ونحو : أبو يوسف أبو حنيفة ، أي : مثل أبي حنيفة ، ولمثل ذلك عقد ابن جني في الخصائص(8) باباً بعنوان : باب في الاستخلاص من الأعلام معاني الأوصاف ، وأنشد فيه قول الشاعر(9) :
ليس عليَّ حَسَبي بضؤلانْ ... أنا أبو المنهالِ بعضَ الأحيانْ
__________
(1) البقرة : 197 .
(2) ينظر : جامع البيان : 4/114 ، ومجموع الفتاوى : 20/466 ، وفتح الباري : 3/511 .
(3) البقرة : 177 .
(4) ينظر : جامع البيان : 3/339 ، وتفسير البيضاوي : 2/450 ، ومجموع الفتاوى : 20/466 .
(5) ينظر : كتاب سيبويه : 1/212 .
(6) البحر المحيط : 2/132 .
(7) ينظر : أمالي ابن الشجري : 1/270 وشرح جمل الزجاجي لابن خروف : 1/392 ، والبسيط : 1/611 .
(8) ينظر : 3/270 .
(9) البيت بلا نسبة في الخصائص : 3/270 ، ومغني اللبيب : 568 ، 668 ، والدرر : 5/310 .(1/441)
والتقدير : أنا مثلُ أبي المنهال(1).
د – الإخبار باسم الجنس المشبه به مبتدؤه(2) ، نحو : أنت الأسدُ شجاعةً أي : مثل الأسد ، ومنه قول الشاعر(3):
وشرُّك مبسوطٌ وخيرُك ملتوي ... لسانُك لي أرْيٌ وعينُك علقمٌ
أي : لسانك لي مثلُ أريٍ وعينك مثل علقمٍ(4).
هـ - قول العرب(5) : راكبُ الناقةِ طليحان ، لا يطابق الخبر فيه المبتدأ ، لذا خرجه النحويون على أوجهٍ(6):
تقدير مضاف في موقع الخبر قام المضاف إليه مقامه ، والتقدير : راكبُ الناقة أحدُ طليحين .
تقدير معطوف على المبتدأ ، أي : راكب الناقة والناقة طليحان . وهو الأظهر اكتفاءً بذكر الناقة عن أن يذكرها مرة ثانية .
أنه من باب الاحتباك(7) وذلك بأن يُحذف من الأول ما أُثبِت نظيرُه في الثاني ، ومن الثاني ما أُثبِت نظيره في الأول ، والتقدير : راكب الناقة طليح ، وهما طليحان . وفيه حذف كثير ، وتقليل المقدر ما أمكن أولى .
3- نيابة المضاف إليه عن المضاف في موقع الفاعل ونائبه :
مما أقيم فيه المضاف إليه مقام المضاف في موقع الفاعل قول الشاعر(8):
واستبَّ بعدك يا كُليبُ المجلسُ ... نُبِّئْتُ أن النارَ بعدك أُوقدتْ
__________
(1) ينظر : المراجع السابقة .
(2) ينظر : شرح جمل الزجاجي لابن خروف : 1/392 ، وشرح التصريح : 1/375 .
(3) البيت ليزيد بن الحكم الثقفي في : أمالي ابن الشجري : 1/270 ، وخزانة الأدب : 4/144 .
(4) ينظر : المرجعان السابقان .
(5) ينظر : الخصائص : 1/289 ، والمحتسب : 2/273 .
(6) ينظر : المرجعان السابقان ، وشرح الكافية: 1/252 ، والمباحث الخفية : 2/828 ، ولسان العرب ( طلح ) وارتشاف الضرب : 2/38 ، ومغني اللبيب : 853 ، وشرح التصريح : 2/154 ، والأشباه والنظائر : 3/116 .
(7) ينظر : التعريفات : 25 ، والكليات : 57 .
(8) البيت لمهلهل في : أمالي القالي : 1/95 ، وسمط اللآلي : 1/298 ، وأمالي ابن الشجري : 1/283 .(1/442)
أي : أهلُ المجلسِ(1)، وقول الآخر(2) :
وشرُّك عنِّي ما ارتوى الماءُ مرتوٍ ... فليت كفافاً كان خيرُك كلُّه
أي : ما ارتوى شاربُ الماءِ(3).
ومما أقيم فيه المضاف إليه مقام المضاف في موقع نائب الفاعل على سبيل النيابة المزدوجة(4) قولك: فقئتْ هندٌ ، فالأصل : فقأ شخصٌ عينَ هندٍ ، أنيب المفعول به مناب الفاعل بعد حذفه فصار التركيب: فُقِئتْ عينُ هندٍ ، ثم نزع المضاف وناب المضاف إليه منابه ، فصار : فقئتْ هندٌ ، ومن ذلك قولك : ذُهِبَ به السوقُ وسُلِكَ به الطريقُ(5) والتقدير : ذُهِبَ به مكان السوقِ .
4- نيابة المضاف إليه مناب المضاف في موقع المفعول به :
كقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا اللهَ ينصرْكم } (6) أي : إن تنصروا دينَ الله(7) ، وكقوله - صلى الله عليه وسلم - : (احفظِ اللهَ يحفظْك )(8) أي : احفظ دينَ الله(9).
__________
(1) ينظر : أمالي ابن الشجري : 1/283 .
(2) البيت ليزيد بن الحكم الثقفي في : الأغاني : 6/479 ، ومغني اللبيب : 381 ، وخزانة الأدب : 10/499 . وبلا نسبة في : الإنصاف : 1/173 .
(3) ينظر : أمالي ابن الشجري : 1/283 ، ومغني اللبيب : 381 .
(4) ينظر في بيان هذا النوع من النيابة : ظاهرة النيابة : 60 .
(5) ينظر : كتاب سيبويه : 1/234 ، والنكت في تفسير كتاب سيبويه : 1/324 – 325 .
(6) محمد : 7 .
(7) ينظر : الإشارة إلى الإيجار : 194 ، وشرح رياض الصالحين : 2/450 .
(8) الحديث أخرجه أحمد في المسند : 3/194 ، برقم : 2669 ، والترمذي في سننه : 4/575 ؛ برقم : 2516 .
(9) ينظر : جامع العلوم والحكم 1/484 ، وشرح رياض الصالحين : 2/450 .(1/443)
ويقدَّر مضافٌ قام المضاف إليه مقامه في موقع المفعول به إذا تعدى فعل السمع إلى غير مسموع (ذات ) وجاءت بعده جملةٌ تدل على مسموع(1) نحو : سمعت زيداً يتكلم وسمعت رجلاً يتحدث والتقدير: سمعت صوتَ زيدٍ ، وصوتَ رجلٍ ، في قول من لا يعدي سمع إلا إلى مفعولٍ واحدٍ كسائر أفعال الحواس ، وهو قول الأكثرين ، وتكون الجملة بعده حالاً أو نعتاً بحسب ما قبلها ، أما من ألحق سمع بأفعال باب ظن فلا يقدِّر مضافاً محذوفاً بل الاسمُ ( الذات ) مفعولُه الأول والجملةُ مفعولُه الثاني.
ويقدر الجميعُ مضافاً في قوله تعالى : { هل يسمعونكم إذ تدعون } (2) أي : هل يسمعون دعاءكم(3)بدليل: ( إذ تدعون ) كما جاء مصرَّحاً به في قوله تعالى : { إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم } (4) وإذا تعدى فعل السمع إلى مسموعٍ فلا خلاف في أنه يتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ ، نحو : سمعت كلام زيدٍ ومقالة خالدٍ .
ومما يُقدَّر فيه مضافٌ في موقع المفعول به أسلوبُ التحذير بإياك(5) ، نحو : إياك والشرَّ والتقدير : احذر تلاقي نفسك والشر ، على حذف مضافين ، أو يقدر : باعد نفسك من الشر والشرَّ منك ، على حذف مضاف واحدٍ .
5- نيابة المضاف إليه عن المضاف في موقع المفعول المطلق :
__________
(1) ينظر : شرح المقدمة المحسبة : 2/365 ، والمقتصد : 1/598 ، واللباب : 1/268 ، وشرح المفصل : 7/62 – 63 ، والأمالي النحوية : 1/85 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/308 ، وشرح الكافية الشافية : 2/547 وارتشاف الضرب : 3/62 .
(2) الشعراء : 72 .
(3) ينظر : معاني القرآن للأخفش : 2/646 ، وجامع البيان : 9/361 ، والإيضاح : 153 ، والمحتسب : 2/173 والتبيان : 2/996 ، وشواهد التوضيح والتصحيح : 121 ، والبحر المحيط : 8/163 .
(4) فاطر : 14 .
(5) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/281 ، وشرح الأشموني : 3/188 ، وشرح الحدود : 101 ، وحاشية ياسين على الألفية : 2/155 .(1/444)
الأصلُ في المفعول المطلق أن يكونَ مصدرَ عامله ، وقد يقومُ غيرُ مصدر العامل مقامه في موقع المفعول المطلق(1) من ذلك إقامةُ المضاف إليه مقام المصدر المضاف ، سواءٌ أكان ذلك النائبُ (المضاف إليه ) مصدراً أم كان غيرَ مصدرٍ . وفي ما يأتي نتتبع ما ينوب فيه غير مصدر العامل في موضع المفعول المطلق على حدِّ نزع المضاف حسبُ ، تاركين صور النيابة الأخرى التي يقوم فيها غيرُ مصدر العامل مقامه في موقع المفعول المطلق على غير حد نزع المضاف كنيابة ( كل ) و(بعض) واسم الإشارة ونحو ذلك عن المصدر .
__________
(1) ينظر : شرح الكافية الشافية : 2/656 ، وارتشاف الضرب : 2/202 – 205 ، وشرح قطر الندى : 314 ، وشرح الأشموني : 2/109، 212 – 114 ، وشرح التصريح : 1/328 ، وظاهرة النيابة : 210 – 230 .(1/445)
أ – نيابة مصدرٍ مشبَّهٍ به عن مصدرٍ في موقع المفعول المطلق ، على حدِّ : ضربته ضربَ الأميرِ اللصَّ(1) وذلك في كل ما حُذف منه موصوفٌ هو مصدر أصالةً في موقع المفعول المطلق ، ثم حُذِفتْ صفتُه وهي ( مثل ) مضافةً إلى مصدر أقيم هذا المصدرُ الأخير ( المضاف إليه ) بعد نزع المضاف مقامَ المصدر المحذوف . والتقدير في المثال المذكور : ضربته ضرباً مثلَ ضربِ الأمير اللصَّ ، فحذف المصدر الموصوف ( ضرباً ) وأقيمت صفته ( مثل ) مقامه في مستوى التغيير الافتراضي المتسلسل الذي هو بين مستويي الأصل والاستخدام(2) فصار التركيب : ضربته مثلَ ضرب الأميرِ اللص ، ثم نزع المضاف ( مثل ) وأقيم المضاف إليه ( ضرب الأمير ) مقامه في موقع المفعول المطلق ، و ( ضرب الأمير ) مصدر لكنه ليس مصدرَ عامله وذلك لأنك لا تفعلُ فعلَ غيرك " وهذا الحذفُ والإضمار وإن كثُر فهو فاشٍ في كلام العرب مطرد"(3) من ذلك قوله تعالى : { ولو يعجِّلُ اللهُ للناس الشرَّ استعجالَهم بالخيرِ } (4) والتقدير : تعجيلاً مثلَ استعجالهم(5) ، وقوله تعالى: { ويدعُ الإنسانُ بالشرِّ دعاءَه بالخير } (6) أي : دعاءً مثلَ دعائه بالخيرِ(7) ، وقوله تعالى : { وهي تمرُّ مرَّ السحابِ } (8) أي : مرًّا مثلَ مرِّ السحابِ(9) ، وقوله تعالى : { فشاربون شربَ الهِيْمِ } (10) أي : شرباً مثلَ شرب الهيم(11) ، وقولُ أنس بن مالك رضي الله عنه : ( فما
__________
(1) ينظر : الإيضاح : 150 – 151 ، والمقتصد : 1/588 ، وشرح المفصل : 1/115 ، وشرح الكافية: 1/268 .
(2) ينظر : ظاهرة النيابة : 217 – 218 .
(3) شرح المفصل : 1/115 .
(4) يونس : 11 .
(5) ينظر : إعراب القرآن : 2/247 ، وأمالي ابن الشجري : 3/188 ، والبحر المحيط : 6/19 .
(6) الإسراء : 11 .
(7) ينظر : مشكل إعراب القرآن : 1/403 .
(8) النمل : 88 .
(9) ينظر : إعراب القرآن : 3/223 .
(10) الواقعة : 55 .
(11) ينظر : مشكل إعراب القرآن : 2/713 ، والتبيان : 2/1205 .(1/446)
فرِحْنا بشيء فَرَحَنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم أنت مع من أحببت )(1) والتقدير : فرحاً مثل فرحنا(2) وقول الشاعر(3) :
طَرَبَ الوالهِ أو كالمختبِلْ ... وأراني طرِباً في إثرِهم
والتقدير : طَرَباً مثلَ طرَبِ الوالهِ ، يقول ابن السِّيْد : " اجتمع فيه حذفُ الموصوف وأقام صفته مقامه ، وحذفُ المضاف وإنابةُ المضاف إليه منابه على مثال قولهم : ضربته ضربَ الأميرِ اللصَّ"(4).
ب – نيابة الاسم الجامد المشبَّه به - وليس مصدراً – عن المصدر في موقع المفعول المطلق : وذلك في كل ما حُذف فيه المصدرُ الواقعُ مفعولاً مطلقاً بالأصالة ، وصفتُه وهي ( مثل ) المضافة إلى اسم جامد ليس مصدراً ، وأقيم هذا الاسم الجامد مقام المصدر الأول ، كقول الشاعر(5) :
وما صاحبُ الحاجات إلا معذَّبا ... وما الدهرُ إلا منجنوناً بأهله
__________
(1) الحديث أخرجه أحمد في المسند : 11/162 ، برقم 13304 ، والبخاري في صحيحه ، كتاب فضائل الصحابة باب مناقب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - برقم : 3668 ، ينظر فتح الباري : 7/61 .
(2) ينظر : إتحاف الحثيث : 54 .
(3) البيت للنابغة الجعدي في : معجم مقاييس اللغة : 612 ، والاقتضاب : 2/414 ، والتنبيه والإيضاح : 1/108 ولسان العرب (طرب) .
(4) الاقتضاب : 2/414 .
(5) البيت بلا نسبة في : المقرب : 159 ، وشرح الكافية: 2/218 ، ورصف المباني : 311 ، والجنى الداني : 325 وشرح الأشموني : 1/248 ، وخزانة الأدب : 4/122 ، والدرر : 2/98 ، 3/171 ويروى : أرى الدهر إلا منجنوناً ينظر : المحتسب : 1/415 ، ومغني اللبيب : 102 ، وخزانة الأدب : 4/123 . ولا شاهد فيه على هذه الرواية . والمنجنون الدولاب الذي يستقى به .(1/447)
والتقدير : وما الدهر إلا يدور دوراناً مثلَ دورانِ منجنونٍ " فحُذِفَ الفعلُ والمصدرُ والصفةُ ومضافُها ، وأقيم المضافُ إليه مقامَ المصدر الأول "(1) على حد النيابة المتدرِّجة ، ويقتصر أكثر من يخرجه على أنه مفعول مطلق أقيم مقام المصدر المضاف في تقديره على حذف الفعل والمصدر المضاف ، فيقدره بيدور دورانَ منجنونٍ(2) وفي ذلك وقوفٌ بالتقدير - لو جاء كذلك – عند حد نيابة المصدر المشبه به عن مصدرٍ ، أي على حدِّ : ضربته ضربَ الأميرِ ، الذي هو على تقدير حذف الصفة وموصوفها كما تقدم قريباً .
ومن ذلك أيضاً قول الشاعر(3) :
نسيمَ الصَّبا جاءت بريَّا القرنفلِ ... إذا التفتتْ نحوِيْ تضوَّعَ ريحُها
والتقدير : تضوَّعَ ريحُها تضوعاً مثلَ تضوُّعِ نسيم الصبا(4) .
ومن ذلك أيضاً قول الراجز(5) :
حتى إذا صَفُّوا له جداراً
يقول ابن جني : " فـ ( جداراً ) منصوب على المصدر ، هذا هو الظاهر ، ألا ترى أن معناه : حتى إذا اصطفوا له اصطفافَ جدارٍ ، ثم حذِف المضافُ وأقيم المضاف إليه مقامه "(6). وتمام التقدير أن يقال : حتى إذا اصطفوا له اصطفافاً مثلَ اصطفافِ جدارٍ .
__________
(1) رصف المباني : 311 .
(2) ينظر : المقرب : 159 ، وشرح الكافية : 2/218 – 219 ، والجنى الداني : 326 ، وخزانة الأدب : 4/122 وحاشية الصبان : 1/248 . وللنحويين في نصب ( منجنوناً ) أوجهٌ أخرى تنظر في المراجع المذكورة آنفاً ، أما (معذبا) فهو مصدر ميمي كممزق في قوله تعالى : { ومزقناهم كلَّ ممزق } سبأ : 19 ، وانتصب مفعولاً مطلقاً لفعل محذوفٍ والتقدير : وما صاحبُ الحاجاتِ إلا يُعذَّب تعذيباً .
(3) البيت لامرئ القيس في :ديوانه :15،ورصف المباني:312،وخزانة الأدب:3/152،وبلا نسبة في:مغني اللبيب:803.
(4) ينظر : رصف المباني : 312 .
(5) سبق تخريجه : 32 .
(6) الخصائص : 3/326 . وينظر : ظاهرة النيابة : 129 – 130 .(1/448)
ومنه قول الشاعر(1) :
بمغنٍ فتيلاً عن سوادِ بنِ قاربِ ... فكن لي شفيعاً يومَ لا ذو شفاعةٍ
أي : بمغنٍ إغناءً مثلَ إغناءِ فتيلٍ(2) .
ج- نيابة اسم الآلة عن المصدر في موقع المفعول المطلق ، نحو : ضربته سوطاً ، على أن التقدير : ضربته ضربة سوطٍ ، فلما نزع المضاف أقيم المضاف إليه مقامه ، وهذا قولُ جماعةٍ من النحويين منهم ابنُ جني(3) الذي عدَّ ذلك التقدير تصحيحاً للإعراب مع تقبُّلِ تفسير المعنى له ، لأن معنى ضربت زيداً سوطاً – عنده – هو ضربت زيداً ضربةً بسوطٍ ، ولو ذهبتَ تقدر إعرابه وفق تفسير معناه للزمك أن تقدِّرَ أنك حذفتَ الباء فتحتاج إلى اعتذار من حذف حرف الجر وقد غنيت عن ذلك بقولك : إنه على حذف المضاف ، أي : ضربةَ سوطٍ ، ومعناه : ضربةً بسوط ، قال : " فهذا –لعمري– معناه فأما طريقُ إعرابه وتقديرُه فحذفُ المضاف "(4) .
__________
(1) البيت لسويد بن قارب الدوسي في : شرح عمدة الحافظ : 1/215 ، والجنى الداني : 54 ، وشرح التصريح : 1/201 ، 2/41 والدرر : 2/126 ، 3/148 ، وبلا نسبة في : مغني اللبيب : 548 ، 759 ، وشرح ابن عقيل : 1/269 ، وحاشية ابن حمدون : 168 . والفتيل : الخيط الذي يكون في شق النواة .
(2) ينظر : حاشية ابن حمدون : 167 .
(3) ينظر : الخصائص : 1/284 ، والغرة المخفية : 1/253 ، والتوطئة : 209 ، وشرح الجمل لابن عصفور : 1/332 ، وشرح ابن عقيل : 1/427 ، والمساعد : 1/468 ، وهمع الهوامع : 2/77 ، وحاشية الصبان 2/114 .
(4) الخصائص : 1/284 .(1/449)
وقد يسوغُ هذا التوجيهُ في ما جاء المصدرُ فيه للمرة ، فلو تعدَّدَ لم يكنْ ذلك التوجيهُ مستساغاً يدلُّك على ذلك قولك: ضربت زيداً مائةَ سوطٍ " لستَ تعني أنك ضربته بمائة سوطٍ ، ولكنك تعني : أنك ضربته مائةَ ضربةٍ بسوطٍ "(1) فافتقر هذا التوجيهُ إلى الاطراد ، لذلك ذهب أكثر النحويين(2) إلى أن الأصل : ضربته ضربة بسوطٍ ، وضربتين بسوطٍ ، وضرباتٍ بسوطٍ ، فحذِف المصدرُ وأقيم اسمُ الآلة مقامه فأُعطي إعرابَه وإفرادَه وتثنيتَه وجمعَه .
واعتُرِضَ هذا التوجيهُ بأنه تفسيرُ معنىً لا بيانٌ لأصل التركيب(3) ، فحاول ابنُ يعيشَ أنْ يصحِّحَ أصلَ هذا التركيبِ(4) بأنَّ موضع ( بالسوط ) نصبٌ صفةً لضربة ثم حذِف الموصوفُ وأقيمتِ الصفةُ مقامَه ، ثم حذِف حرفُ الجر ، فتعدى الفعلُ فنصَب ، فأفاد العدَّ ، والدلالةَ على الآلة .
وسبق للعكبري أن رد هذا التوجيه بقوله : " وليس السوط هاهنا منصوباً على تقدير حرف الجر لثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أن حذف الحرف ليس بقياس .
والثاني : أن في قولك ( سوطاً ) دلالةً على المرة الواحدة ، ألا ترى أنك تقول ضربته أسواطاً ولو كانت الباء مرادةً لم تدل على ذلك .
والثالث : أنك تقول : ضربته مائة سوطٍ ، ولا تريد مائة ضربةٍ بسوطٍ ، إذ لو أردت ذلك كان المعنى أن جميع الضربات بآلة واحدة ، وليس المعنى عليه ، بل تقول : ضربته مائة سوطٍ ، وإن كانت كلُّ ضربةٍ بآلةٍ غيرِ الآلة الأخرى "(5) .
__________
(1) المقتضب : 4/51 .
(2) ينظر : المقتضب : 4/51 ، والأصول في النحو : 1/169 ، وشرح الكافية: 1/269 ، وشرح ألفية ابن مالك: 103 وشرح التصريح :1/328 ، والمطالع السعيدة :300 ، وحاشية ياسين على الألفية :1/254،والواضح في النحو :240.
(3) ينظر : الأصول في النحو : 1/169 ، والخصائص : 1/284 ، وظاهرة النيابة : 224 .
(4) ينظر : شرح المفصل : 1/112 – 113 .
(5) اللباب : 1/263 .(1/450)
والمختار ما ذهب إليه أستاذي(1) من أن الأصل هو : ضربته ضرباً ، وعندما أُريد بيانُ وقوعِ الفعلِ بآلةٍ مخصوصةٍ دون غيرها ، حذِف المصدرُ من الأصل وجيء بالآلة المخصوصة فوضِعتْ موضعَه فقلت : ضربته سوطاً ، ومقرعةً وعصاً ، وجاز تثنيةُ الآلة وجمعُها لقيامها مقام المصدر المثنى والمجموع ، فتجري التثنيةُ والجمعُ في هذه المسألة على المصدر لا على الآلة فتقول : " ضربته سوطين وأسواطاً مع أنك لم تضربه العدد المذكور إلا بسوطٍ واحدٍ ، لكنك ثنَّيتَ الآلةَ وجمعتها لقيامها مقام المصدر المثنى والمجموع "(2) .
د – نيابة اسم الزمان عن المصدر في موقع المفعول المطلق ، نحو : سرت يومين ، أي : سير يومين ، في رأي من يجعل انتصاب أسماء الزمان المعدودة والمؤقتة انتصاب المفعول المطلق على تقدير مضاف(3) ، ومن ذلك قول الشاعر(4) :
وبتَّ كما بات السليمُ مسهَّدا ... ألم تغتمِضْ عيناك ليلةَ أرمدا
__________
(1) ينظر : ظاهرة النيابة : 225 .
(2) شرح الكافية: 1/269 .
(3) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/326 ، وظاهرة النيابة : 228 .
(4) البيت للأعشى في ديوانه : 185 ، وشطره الثاني مروي فيه بلفظ : وعادك ما عاد السليم المسهَّدا . والبيت له أيضاً في : الخصائص : 3/322 ، وأمالي ابن الشجري : 2/22 ، ومغني اللبيب : 813 ، وخزانة الأدب : 6/155 والدرر 3/61 ، وبلا نسبة في : شرح الأشموني : 2/114 ، وهمع الهوامع : 2/77 .(1/451)
يقول ابن جني : " تقديره : ألم تغتمض عيناك اغتماضَ ليلةِ أرمد ، فلما حذف المضاف الذي هو (اغتماض ) أقام ( ليلة ) مقامه فنصبها على المصدر كما كان الاغتماضُ منصوباً عليه "(1) . وعند هذا الحد من التقدير يقِفُ أكثرُ النحويين(2) ، وتمام التقدير أن يقال : ألم تغتمض عيناك اغتماضاً مثل اغتماض ليلة رجل أرمد ، فحذف المصدر ( اغتماضاً ) وأقام صفته ( مثل ) مقامه ، ثم حذف المضاف ( مثل ) وأقام المضاف إليه مقامه ( اغتماض ليلة ) ثم حذف المضاف ( اغتماض ) وأقام المضاف إليه اسم الزمان ( ليلة ) مقامه في موقع المفعول المطلق ، ثم حذف ( رجل ) وأبقى صفته ومن نيابة اسم الزمان عن المصدر في موقع المفعول المطلق قول الآخر(3) :
تردُّ الكتيبةَ نصفَ النهارِ ... وطعنةِ مستبسلٍ ثائرِ
أي : مقدار مسيرةِ نصفِ النهارِ(4) .
6- نيابة المضاف إليه عن المضاف في موقع المفعول لأجله :
اطَّرد نزعُ المضاف وإقامةُ المضاف إليه مُقامَه في موقع المفعول لأجله في ما كان على حدِّ قوله تعالى : { يبيِّنُ اللهُ لكم أنْ تضلوا } (5) أي : كراهةَ أن تضلوا في أحد تخريجَي النحويين(6) .
ومما أقيم فيه المضاف إليه – وهو اسمٌ صريح – مقام المضاف كراهة ونحوها في موقع المفعول لأجله قولُ الشاعر(7) :
( نعم ) مِنْ فتًى لا يمنعُ الجودَ قاتلَهْ ... أبَى جودُه ( لا ) البخلَ واستعجلتْ بهِ
__________
(1) الخصائص : 3/323 .
(2) ينظر : أمالي ابن الشجري : 2/22 ، ومغني اللبيب : 813 ، والمساعد : 1/469 ، وشرح الأشموني : 2/114 وهمع الهوامع : 2/77 وحاشية الخضري : 1/426 .
(3) البيت بلا نسبة في : الخصائص : 3/323 .
(4) ينظر : الخصائص : 3/323 .
(5) النساء : 176 .
(6) ينظر نظائر الآية المذكورة وما قيل في تخريجها في : 34 ، 240 من هذا البحث .
(7) البيت بلا نسبة في : الخصائص : 2/35 ، 283 ، والجنى الداني : 302 ، ومغني اللبيب : 328(1/452)
فـ ( لا ) مفعول به بقصد الحكاية ، و ( البخلَ ) مفعول لأجله على تقدير مضافَ ، أي : كراهيةَ البخلِ(1) .
ومن ذلك – وإن كان بالعطف على المفعول لأجله في أحد توجيهات النحويين – قول الراجز(2) :
مخافةَ الإفلاسِ واللِّيانا ... قد كنتُ داينتُ بها حسَّانا
أي : مخافة الإفلاسِ ، ومخافة الليانِ(3) .
ومما أقيم فيه المضاف إليه – وهو اسم صريح – مقام المضاف وليس هو كراهية أو نحوها في موقع المفعول لأجله ، قوله تعالى : { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبةً من الله } (4) . والتقدير : لوقوع توبةٍ أو لحصولِ توبةٍ من اللهِ(5) .
7- نيابة المضاف إليه عن المضاف في موقع المفعول فيه ( الظرف ) :
__________
(1) ينظر : مغني اللبيب : 328 .
(2) الرجز لرؤبة في : كتاب سيبويه : 1/191 ، وليس في ديوانه ، وقيل : لزياد العنبري في : شرح التصريح : 2/65 وقيل : له أو لرؤبة في : الدرر : 6/190 ، وبلا نسبة في : شرح المفصل : 6/65 ، ومغني اللبيب : 619 ، وشرح ابن عقيل : 2/57 ، وخزانة الأدب : 5/100 .
(3) ينظر : شرح المفصل : 6/65 ، ومغني اللبيب : 619 ، وحاشية ياسين على التصريح : 2/65 .
(4) النساء : 92 .
(5) ينظر هذا الوجه في إعراب ( توبة ) وأوجه أخرى في : البيان : 1/264 ، والتبيان : 1/381 ، والبحر المحيط : 4/27 ، وروح المعاني : 5/110 .(1/453)
الأصلُ في المفعول فيه أنْ يكونَ اسمَ زمانٍ على تقدير في(1) وقد يُنصَبُ على الظرفية ألفاظٌ ليست بأسماء زمان ولا مكان على سبيل النيابة لا الأصالة ، ومن صور النيابة عن اسمي الزمان والمكان في موقع الظرف ، النيابة عنهما على حد نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، وثمة صورٌ أخرى للنيابة عنهما على غير حد نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه لا يعنيني الوقوف عندها(2). أمَّا النيابة عنهما على حدِّ نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه في موقع المفعول فيه فتشملُ المواضعَ الآتية :
أ – نيابة المصدر الصريح عن اسم الزمان في موقع المفعول فيه(3) :
ينوب المصدر عن اسم الزمان الواقع ظرفاً في الأصل كثيراً ، وذلك بأن يكون اسمُ الزمان مضافاً إلى المصدر فينزع المضاف ويقوم المضاف إليه مقامه فيعرب بإعرابه على سبيل النيابة ، نحو : جئتك طلوعَ الشمس ، وانتظرته حلبَ ناقةٍ والأصلُ في ذلك : جئتك وقتَ طلوعِ الشمس ، وانتظرته وقتَ حلب ناقةٍ .والغرض من هذه النيابة التوسع والإيجاز فالتوسعُ بجعل المصدر حيناً على سبيل النيابة ، وليس من أسماء الزمان ، والإيجازُ بنزع المضاف .
__________
(1) ينظر : 125 من هذا البحث .
(2) ينظر تفصيل القول فيها في : كتاب سيبويه : 1/222 وشرح المفصل : 2/44 ، وارتشاف الضرب : 2/225 .
(3) ينظر : تفصيل القول في هذه المسألة : كتاب سيبويه : 1/222 ، والمقتضب : 4/342 – 343 ، والأصول في النحو : 1/193 والمغني في النحو : 1/91 ، وشرح الأشموني : 2/133 ، وهمع الهوامع : 2/125 ، وحاشية الخضري : 2/452 ، ومعاني النحو : 2/617 ، والواضح في النحو : 271 – 272 .(1/454)
وشرط نيابة المصدر المضاف إليه عن اسم الزمان المضاف في موقع الظرف – عند الأكثرين – أن يكون النائب دالاً على تعيين الوقت أو بيان المقدار ، فمن دلالته على تعيين الوقت قولك : أتيتك طلوعَ الشمسِ ،وخفوق النجم ، وصلاة العصر ، وخلافة فلان ، وقدوم الحاج ، . والأصل في ذلك : وقتَ طلوعِ الشمس ، ووقت خفوق النجم ، وهكذا الباقي ومن ذلك قوله تعالى : { ومن الليل فسبِّحْه وإدبارَ النجوم } (1) والتقدير : ووقتَ إدبارِ النجوم(2) .
ومن دلالته على بيان المقدار قولهم : انتظرتك حلبَ ناقةٍ ، ونحرَ جزورين ، وسير عليه ترويحتين والأصل : وقت حلب ناقةٍ ، ووقت نحر جزورين ، ووقت ترويحتين ، والمعنى : انتظرتك هذا القدر من الوقت ، وسير عليه هذا القدر من الوقت ، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ليصلِّ أحدُكم نشاطَه )(3) أي : مدَّةَ نشاطِه(4) وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من قاتل في سبيل الله تعالى فواقَ ناقةٍ )(5) أي وقتَ فواقِ ناقةٍ(6) ، وقول الشاعر(7) :
خَضَبَ البنانَ ورأسَه بالعظلمِ ... عهدي به مدَّ النهار كأنما
__________
(1) الطور : 49 .
(2) ينظر : إعراب القرآن : 4/264 ، ومشكل إعراب القرآن : 2/691 ، وشرح الكافية: 2/24 .
(3) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب التهجد ، باب ما يكره من التشديد في العبادة ، برقم : 1150 ، ينظر: فتح الباري 3/44 .
(4) ينظر : إتحاف الحثيث : 47 ، وفتح الباري : 3/45 .
(5) الحديث أخرجه أحمد في المسند : 14/479 برقم : 19336 ، و16/179 برقم : 21949 ، وأبو داؤد في سننه : 3/21 ، برقم : 2541 ، والترمذي في سننه : 4/158 ، برقم : 1656 .
(6) ينظر : إتحاف الحثيث : 169 .
(7) البيت لعنترة في : شرح ديوانه : 27 ، وشرح القصائد السبع الطوال : 351 ، وشرح المعلقات السبع : 125 ويروى : شدَّ النهارِ ينظر : لسان العرب : ( شدد ) وتاج العروس ( شدد ) .(1/455)
أي : وقت مد النهارِ(1) ، وقول الآخر(2) :
ونحنُ إذا مِتْنا أشدُّ تغانيا ... كلانا غنىٌّ عن أخيه حياتَه
أي : مدة حياته(3) .
فإن لم يعيِّنْ المصدرُ المضافُ إليه وقتاً ولم يبيِّنْ مقداراً ، لم تجُزْ نيابتُه عن اسم الزمان المضاف فلا يقال : انتظرتك قيامَ زيدٍ ، على تقدير : زمن قيام زيد ، ونقل أبو حيان عن الكوفيين جوازَه(4) .
ولكثرة ما ورد من نيابة المصدر عن اسم الزمان في موقع الظرف على حد نزع المضاف ، حكَمَ عليه النحويون بالقياس(5) فتقول : انتبهتُ بزوغَ الفجر وانتظرته قراءةَ جزأين ، أي : وقتَ بزوغِ الفجر ووقتَ قراءةِ جزأين .
__________
(1) ينظر : شرح القصائد السبع الطوال : 351 .
(2) البيت للأبيرد الرياحي في : الأغاني : 7/88 ، ويروى لعبد الله بن معاوية بن جعفر ابن أبي طالب في : شعر عبد الله بن معاوية : 90 ، وللمغيرة بن جبناء التميمي في : لسان العرب : ( غنا ) ، وبلا نسبة في : أمالي المرتضى : 1/31 ، وأوضح المسالك : 3/124 ، وتخليص الشواهد 65 ، ومغني اللبيب : 270 ، والدرر : 5/24 .
(3) ينظر الواضح في النحو : 271 .
(4) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/57 .
(5) ينظر : شرح ابن عقيل : 1/452 ، وشرح الأشموني : 2/133 .(1/456)
هذا ، ونقل الرضي عن أبي علي " أنَّ المصدر يقام مقامَ الزمان من غير إضمار مضاف ، وذلك لما بينهما من التجانس بكونهما مدلولي الفعل ، ولذلك ينصِبُ الفعلُ مبهميهما ومؤقتيهما بخلاف المكان"(1) والذي وقفتُ عليه من كلامه موافقةُ ما عليه الأكثرون من تقدير مضاف(2) . نعم ، ذكر ابنُ فلاح خلافاً في دلالة المصدر على الزمان(3) في نحو : مضربَ الشول ، وخفوقَ النجم ومقدمَ الحاج أهي بتقدير مضاف ، أم أن دلالته على الزمن اصطلاحية عرضية لا وضعية ؟ لذلك لو عُدمتْ إضافتُه لم يُفهمْ منه الزمانُ ، ولو كانت دلالتُه على الزمن وضعيةً لفهِم الزمنُ مع عدم الإضافة.
__________
(1) شرح الكافية : 2/24 .
(2) ينظر : التعليقة : 1/10 – 11 ، 2/209 – 210 ، 4/245 – 246 ، والمسائل البغداديات : 277 .
(3) ينظر : المغني في النحو : 1/91 .(1/457)
ومما ينبغي التنبيه عليه أن صيغة ( مَفْعَل ) صيغةٌ مشتركة بين المصدر الميمي واسمَيِ الزمان والمكان في ما كان غير مكسور العين في المضارع(1) نحو : مذهَب ، ومقتَل ومقدَم ، فتمثيل كثير من النحويين(2) بنحو : جئتك مقدمَ الحاج على أنه مصدر قام مقام اسم الزمان ، غيرُ لائقٍ كما يقول ابن الحاجب(3) ، لأنه يحتمل أن يكون مصدراً ويحتمل أن يكون زماناً بأصل وضعه ، فجعلُه هاهنا للمصدر بالأصالة معدولاً عنه إلى الظرف خروجٌ عن القياس ، والممثِّل بالمثال مستدلاً على حكم ادَّعاه لا يمثِّل بما هو على خلاف ما ذُكَرَ عنه ظاهراً ، بل ولا يحتمل ، يقول أبو حيان في : محيا وممات ومقدم : "إنها تُستعمل بالرفع مصدراً واسم زمان واسم مكان ، فإذا استعملت اسم مكان أو اسم زمانٍ ، لم يكن ذلك على حذف مضاف قامت هذه مقامه ، لأنها موضوعة للزمان وللمكان كما وضعت للمصدر فهي مشتركة بين هذه المدلولات الثلاثة بخلاف خفوق النجم ، فإنه وضع للمصدر فقط "(4) فالسلامة إذن أن يمثل بما تمحَّضَ للمصدرية نحو : جئتك قدوم الحاج كما هو تمثيل جماعة(5) .
__________
(1) ينظر : المساعد 2/632 ، وشفاء العليل : 2/865 .
(2) ينظر كتاب سيبويه : 1/222 ، والمقتضب : 2/121 ، 3/197 ، 4/343 ، والأصول في النحو : 1/193 والمسائل البغداديات : 591 ، وشرح المفصل : 2/42 ، 44 ، وارتشاف الضرب : 2/225 ، والبحر المحيط : 6/35.
(3) ينظر : الإيضاح في شرح المفصل : 1/321 ، وينظر كذلك : شرح الكافية : 2/24 .
(4) البحر المحيط : 9/421 . وينظر : المقتضب : 2/121 ، 3/197 الهامش .
(5) ينظر : شرح الجمل لابن عصفور :1/332، ومغني اللبيب:400،وشرح التصريح:1/338،وهمع الهوامع: 2/125 .(1/458)
وفي هذا المقام يذكر بعض النحويين(1) أن المصدر قد يجعل ظرفاً من غير أن يقدَّر معه مضاف محذوف ويمثلون له بنحو: زيد هيئتَك ، والجارية جلوتَها وبحديث : ( ذكاةُ الجنين ذكاةَ أمِّه )(2) وأحقًّا أنك ذاهبٌ ؟ ووجه الظرفية – عندهم – في هذه المصادر أنها على تقدير في كما هو شأن الظروف .
والظاهر أن المصدر في ما ذُكِر ليس بظرف ، لأنه ليس اسمَ زمان ولا مكان ولا قائماً مقامهما بعد حذفهما ، وأنَّ انتصابه إنما هو على نزع حرف الجر بالعامل المحذوف الواقع خبراً للمبتدأ ، والتقدير: زيدٌ كائنٌ في هيئتك والجارية كائنة في جلوتها ، وذكاةُ الجنين حاصلةٌ بذكاة أمه ، وتقدم البحث في أحقاًّ أنك ذاهبٌ ؟(3) .
ب – نيابة المصدر المؤول من ما والفعل عن اسم الزمان المضاف في موقع المفعول فيه :
__________
(1) ينظر : شرح ألفية ابن مالك: 109 ، والبهجة المرضية : 1/311 – 312 .
(2) الحديث أخرجه أحمد في المسند : 10/100 ، برقم : 11199 ، وأبو داؤد في سننه : 3/103 ، برقم : 2827 وابن ماجه في سننه : 3/132 ، برقم : 3199 ، والترمذي في سننه : 4/60 ، برقم : 1476 وروايته فيها برفع ( ذكاة ) الثانية ولا شاهد فيه على هذه الرواية ، وللحديث برواية نصب ( ذكاة ) الثانية – لو ثبتت – توجيهاتٌ أخرى غير ما تقدم ينظر : المغني في النحو : 2/382 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/114 ، وعون المعبود : 8/21 .
(3) ينظر : 155 .(1/459)
تقدم في المبحث الثالث من الفصل الثاني أن ما المصدرية نوعان : زمانية وغير زمانية(1) والذي يعنينا هنا ما الزمانية(2) وهي التي يسميها كثير من النحويين ما الظرفية ، وتسميتها بالزمانية أشملُ من مجرد وقوعها مع صلتها موقع الظرف(3) ، فقد تكون واقعةً موقع الظرف نحو : { وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًّا } (4) وقد تكون غير ظرف نحو : { كلَّما أضاءَ لهم مشَوا فيه } (5) فإن الزمان المقدر هنا مجرورٌ ، أي : كلَّ وقتِ إضاءةٍ ، والمجرور لا يسمى ظرفاً فإذا وقعت موقع الظرف صحَّ – حينذاك – تسميتُها ما المصدرية الظرفية .
وحقيقة ما هذه أنها مع الفعل بمعنى المصدر ، فهي آلة السبك(6) " والظرف على الحقيقة هو الاسم المحذوف الذي أقيم هذا المصدر مقامه ، كأنه إذا قال : أجلس ما جلست ، فقد قال : أجلسُ جلوسَك أي : أجلسُ وقت جلوسك فحذَف الوقتَ أو الزمن أو ما أشبهه من أسماء الزمان وأقام المصدر مقامه كما أقيم المصدر مقام الظرف الزماني في قولهم : جئت مقدم الحاج ، وخفوق النجم ، وخلافة فلانٍ وما أشبه ذلك مما يحذف فيه اسم الزمان ، ويقام المصدر فيه مُقامه "(7) .
__________
(1) ينظر : 227 من هذا البحث .
(2) للاستزادة في ( ما ) الزمانية أحرفٌ هي أم اسم ؟ وبم توصل ؟ وهل تأتي مفيدةً لمعنى الشرط ؟ ينظر : شرح المفصل : 7/111 ، وشرح الكافية : 4/472 ، وارتشاف الضرب : 1/520 ، والجنى الداني : 331 ، ومغني اللبيب: 399 ، والعيد الذهبي : 339 ، وما دام المصدرية الشرطية وشواهدها ( بحث ) : 639 ، وظاهرة النيابة : 471 .
(3) ينظر : أمالي ابن الشجري : 1/284 ، وإتحاف الحثيث : 50 ، ومغني اللبيب : 400 .
(4) مريم : 31 .
(5) البقرة : 20 .
(6) ينظر : حاشية ابن حمدون : 156 .
(7) المسائل البغداديات : 277 .(1/460)
ويطرد مجيء ما مصدريةً ظرفيةَ في مادام كقوله تعالى : { لا يؤدِّه إليك إلا ما دُمْتَ عليه قائماً } (1) أي : إلا مدة دوامك(2) وقوله تعالى : { وكنتُ عليهم شهيداً ما دمتُ فيهم } (3) أي مدة دوامي فيهم(4) .
وكونها مصدرية ظرفية في ماخلا وأخويه راجحٌ عند جماعة(5) ، يقول عبد القاهر : " إذا دخلت ما على خلا لم يكن إلا النصبُ ، كقولك : جاءني القومُ ما خلا عبدَ الله ؛ لأن ما بمعنى المصدر ... فموضع ما مع ما بعدها نصبٌ لكونها بمعنى المصدر ... فكأن ما هاهنا في تقدير الزمان كمادام في قولك : أجلس مادام زيد جالساً ، تريد : أجلس وقت دوام زيدٍ جالساً ، ثم تحذف المضاف ، فتقول : أجلس دوام زيدٍ جالساً ، كما قالوا : جئتك خفوقَ النجم ، يريدون : وقتَ خفوقِ النجم ثم وضِعت مادام موضعَ المصدر ، فكذلك يكون التقدير : أتاني القومُ وقتَ خلوِّ بعضِهم عبدَ الله ، ثم : خلوَّ بعضهِم عبدَ الله ، ثم وضع ما مع الفعل موضع المصدر ، وأضمر الفاعل الذي هو بعضهم ، فصار قولك : جاءني القوم ما خلا عبد الله بمنزلة : قولك : جاءني القوم وقت مفارقتهم عبد الله "(6) .
هل تشارك ما المصدرية الظرفية في النيابة عن اسم الزمان المضاف أنِ المصدرية ؟
__________
(1) آل عمران : 75 .
(2) ينظر : التبيان : 1/262 وجوز العكبري في هذا الموضع أن تكون مادام حالاً ، ورده ياسين وحكى الاتفاق على منعه ، ينظر : حاشية ياسين على الألفية : 1/306 .
(3) المائدة : 117 .
(4) ينظر : التبيان : 1/476 .
(5) ينظر: المقتصد : 2/717 – 718 ، وشرح الكافية :2/123 ، ومغنى اللبيب :179 ، وحاشية ياسين الألفية : 1/306.
(6) المقتصد : 2/717 - 718 .(1/461)
ذهب أكثر النحويين(1) إلى أن ما تختص بالنيابة عن اسم الزمان المضاف بعد نزعه ولا يشاركُها في ذلك أنْ ولا غيرُها من الأحرف المصدرية ، يقول أبو حيان : " أما جعْلُ أن وما بعدها ظرفاً فلا يجوز نصَّ النحويون على ذلك ، وأنه مما انفردت به ما المصدرية ، ومنعوا أن تقول : أجيئك أن يصيح الديكُ ، تريد : وقت صياح الديك "(2). وفي معرض رده على الزمخشري يغرب أبو حيان فيُشرِكُ ما مع أن في المنع يقول : " نصُّوا على أنه لا يقوم مقام الظرف إلا المصدر المصرَّح كقولك : أجيئك صياح الديك ، ولا يجيزون : أجيئك أن يصيح الديك ، ولا ما يصيح الديك "(3) .
وذهب الزمخشري إلى أنَّ أن المصدرية تشارك ما في نيابتها عن اسم الزمان المحذوف ، وجوز مجيئها كذلك في عدد من الآيات ، من ذلك قوله تعالى : { ألم ترَ إلى الذي حاجَّ إبراهيمَ في ربِّه أنْ آتاه اللهُ الملكَ } (4) والتقدير : وقتَ أن آتاه الله الملك(5) ، وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتَ النبي إلا أن يُؤذَنَ لكم } (6) أي : وقت أن يؤذن لكم(7) وقوله تعالى : { وما تشاؤون إلا أن يشاءَ اللهُ } (8) أي : إلا وقتَ أن يشاء الله(9) ويشهد لهذا التوجيه في هذه الآية قراءةُ ابن مسعود(10) : { إلا ما يشاء الله } .
__________
(1) ينظر: شرح الكافية: 4/471 – 472 ، وارتشاف الضرب : 1/520 ، والبحر المحيط : 8/499 ، ومغني اللبيب : 401 ، والمساعد : 1/172 ، وهمع الهوامع : 2/126 .
(2) البحر المحيط : 4/24 .
(3) المرجع السابق : 10/370 .
(4) البقرة : 258.
(5) ينظر : الكشاف : 1/147 ، والبحر المحيط : 2/626 ، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق 1/ج 1/344 .
(6) الأحزاب : 53 .
(7) ينظر : الكشاف : 5/51 ، والبحر المحيط : 8/499 .
(8) الإنسان 30 .
(9) ينظر : الكشاف : 6/195 ، والتبيان : 2/261 ، والبحر المحيط : 10 /370 .
(10) ينظر : مختصر في شواذ القرآن : 167 ، والكشاف : 6/195 .(1/462)
هذا ، وقد نقل أبو حيان وابن هشام(1) عن ابن جني جوازَ وقوع أن والفعل موقع الظرف بعد نزع المضاف ، والذي صرَّح به في المحتسب أنَّ " أنْ لا تكون ظرفاً ألا ترى أنَّ مَنْ قال : زيارتك إياي مقدم الحاج ، لا يقول : زيارتك إياي أن يقدم الحاج ؟ وذلك أن لفظ المصدر الصريح أشبه بالظرف من أن وصلتها التي بمعنى المصدر إذا كان اسماً لحدث ، والظرفُ اسمٌ للوقت ، والوقت يكاد يكون حدثاً ، وعلى كل حال فلست تحصل من ظروف الزمان على أكثر من الحدث الذي هو حركات الفلك فلما تدانيا هذا التداني ساغ وقوعُ أحدهما موقع صاحبه ، أما أنْ فحرفٌ موصول جُعل بدلَ لفظِه على أنه في معنى المصدر ، وما أبعد هذا عن الظرفية "(2) .
ج – نيابة اسم العين عن المصدر النائب عن اسم زمانٍ في موقع المفعول فيه :
__________
(1) ينظر : البحر المحيط : 6/297 ، ومغني اللبيب : 401 .
(2) 2/98 .(1/463)
وَقَّتتِ العربُ بأسماءٍ وأعيانٍ جرتْ مجرى الأحداث لقيامها مقام المصادر النائبة عن أسماء الزمان الواقعة ظروفاً "كقولهم: لا أفعل ذلك مِعْزَى الفزْرِ ، ولا أكلم زيداً القارظين ، ولا أُسالِمُ عمراً هبيرةَ بن سعدٍ ، ومن كلام العرب الفصيح : لأفعلن ذلك الشمسَ والقمرَ ، أي : مدة طلوعهما ، ولا أكلم فلاناً الفرقدين ، فينصبون هذا وأشباهه نصب الظروف والتقدير : لا أفعل ذلك مدة فرقة غنم الفزر ، ومدة مغيب القارظين ، ومدة مغيب هبيرة بن سعدٍ ، ولأفعلن ذلك مدة بقاء الشمس والقمر ، أي : مدة طلوعهما ، وهذا سبيل التوقيت بالفرقدين وغيرهما "(1) فحذفوا من كل ذلك اسمَ الزمان المضاف الواقعَ ظرفاً ، وأقاموا مقامه المصدر على حد : آتيك قدومَ الحاج ، ثم حذفوا المصدرَ المضاف إلى اسم العين وأقاموا اسمَ العين مقامه(2) فحُذف في كل ذلك مضافان على سبيل النيابة المتدرجة .
ومما يمكن أن يكون على هذا النمط قول الشاعر(3) :
لأَعُلَّ منها حين هَبَّ نيامُها ... باكرتُ حاجتَها الدجاجَ بسحرةٍ
__________
(1) شرح الكافية الشافية : 2/686 ، وينظر لبيان معاني هذه الأمثال مع اختلاف في ألفاظ بعضها بما لا يصلح أن يكون شاهداً : مجمع الأمثال : 3/152 ،153 ، 179 .
(2) ينظر : شرح الكافية :2/25 ، وشرح ألفية ابن مالك:110 ، وشرح الأشموني :2/133 ، وشرح التصريح : 1/338 وهمع الهوامع :2/126 ، وحاشية ياسين على الألفية :1/280 ، ومعاني النحو :2/617 ، وظاهرة النيابة :233 .
(3) البيت للبيد بن ربيعة في : ديوانه : 315 ، والمعاني الكبير : 1/453 ، وشرح القصائد السبع الطوال : 577 وشرح المعلقات السبع : 244 ، وخزانة الأدب : 3/100 .(1/464)
والتقدير : وقت صياح الدجاج(1) ، وقول الآخر(2) :
تبكي عليك نجومَ الليلِ والقمرا ... فالشمسُ كاسفةٌ ليست بطالعةٍ
أي : تبكي عليك مدةَ طلوع نجوم الليل(3) .
د – نيابة المصدر الصريح عن اسم المكان المضاف في موقع المفعول فيه :
ينوب المصدرُ الصريحُ عن اسم المكان في موقع المفعول فيه قليلاً(4) ونيابته عنه من باب نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، فيكون المصدر النائب مفهِماً مكاناً أو مقداراً(5) . مثالُ المفهم مكاناً قولك : جلست قربَ زيدٍ ، ووسطَ القوم(6) أي : مكان قربِ زيدٍ ، ومكان وسط القوم . ومثال المفهم مقداراً قولك : جلست منه مدَّ البصر ، ومشيت غلوةَ سهمٍ ، ورميَةَ نشَّابةٍ والتقدير : جلست منه مسافةَ مدِّ البصر ، ومشيت مسافةَ غلوةِ سهمٍ ، ومسافةَ رميةِ نشَّابةٍ .
__________
(1) ينظر : شرح الكافية : 2/25 – 27 .
(2) البيت لجرير في : شرح ديوانه : 304 ، والعقد الفريد : 1/88 ، وأمالي المرتضى : 1/52 ، وبلا نسبة في : معاني القرآن للأخفش : 2/522 ، والإفصاح : 192 . ويروى برفع ( نجوم ) فلا شاهد فيه على هذه الرواية .
(3) ينظر : معاني القرآن للأخفش : 2/522 ، والإفصاح : 192 ، والأشباه والنظائر : 5/307 – 310 .
(4) ينظر : شرح عمدة الحافظ : 1/216 ، وشرح الكافية الشافية : 2/686 ، وشرح الكافية: 2/24 ، وشرح ألفية ابن مالك: 109 ، وارتشاف الضرب : 2/252 ، وشرح ابن عقيل : 1/452 ، وشرح التصريح : 1/338 .
(5) ينظر : معاني النحو : 2/617 .
(6) ينظر : شرح ألفية ابن مالك: 109 .(1/465)
وذهب الرضي إلى أن ( بين ) مصدرٌ بمعنى الفراق واقع موقع الظرف على تقدير مضاف(1) ، فتارة يكون نائباً عن اسم مكان لكون المضاف المحذوف مكاناً نحو : جلست بينكما ، أي : جلست مكان فراقكما ، فيكون من هذا الباب ، وتارة يكون نائباً عن اسم زمان ، لكون المضاف المحذوف زماناً نحو : فعلت ذلك بين دخولك وخروجك ، أي : فعلت ذلك زمانَ فراقِ دخولك وخروجك فيكون من باب نيابة المصدر عن اسم الزمان .
__________
(1) ينظر : شرح الكافية: 3/281 – 282 .(1/466)
أما تقدير جماعةٍ من النحويين(1) مضافا في ما ورد عن العرب من أسماء الأمكنة المختصة المشتقة التي اختلفت مادتُها عن مادة عاملها من نحو قولهم " في المرتفع : زيد مني مناطَ الثريا ، وفي الأنيس المقرَّب : زيد مني مقعدَ القابلة ، وفي المبعَد المهان : زيد مني مزجرَ الكلب "(2) على أنها مصادر انتصبت انتصاب ظرف المكان على تقدير مضاف ، أي : زيدٌ مني مكانَ مناطِ الثريا ، ومكانَ مقعد القابلة ، ومكانَ مزجر الكلب ، فغير لائقٍ ، لأن صيغة ( مَفْعَل ) مشتركة بين المصدر والزمان والمكان في ما كان غير مكسور العين في المضارع فجعْلُها هاهنا للمصدر بالأصالة معدولاً عنه إلى ظرف المكان بتقدير مضاف خروج عن القياس(3) " فإذا استُعملتْ اسمَ مكان أو اسم زمانٍ لم يكن ذلك على حذف مضاف قامت هذه مقامه ؛ لأنها موضوعةٌ للزمان وللمكان ، كما وضعت للمصدر فهي مشتركة بين هذه المدلولات الثلاثة "(4) بخلاف : ( قربَ زيد ) ، فإنه وضع للمصدر فلما دلَّ على المكان قُدِّر معه اسمُ المكان المضاف ، لذلك ذهب أكثر النحويين(5) إلى أن نحو: مناط الثريا ، ومقعد القابلة ، ومزجر الكلب ، ومعقد الإزار أسماءُ أمكنة انتصبت على الظرفية شذوذاً لكونها أسماء أمكنة مختصة وشرطُ النصب على الظرفية المكانية الإبهامُ ، ولكونها اشتقت من غير مادة عاملها ، وشرط اطراد النصب على الظرفية المكانية في المشتق من اسم الحدث أن تتحد مادته ومادة عامله ، كقوله تعالى : { وأنَّا كنا نقعُدُ منها مقاعدَ للسمع }
__________
(1) ينظر : شرح ملحة الإعراب : 121 ، وأمالي ابن الشجري : 2/585 – 586 ، وكشف المشكل : 1/469 .
(2) شرح ملحة الإعراب : 121 .
(3) ينظر : الإيضاح في شرح المفصل : 1/321 .
(4) البحر المحيط : 9/421 .
(5) ينظر : كتاب سيبويه : 1/412 – 414 ، وأسرار العربية : 168 – 169 ، وارتشاف الضرب : 2/255 – 256 وشرح ابن عقيل : 1/448 ، وشرح الأشموني : 2/130 ، وشرح التصريح : 1/341 – 342 .(1/467)
(1) .
وقيل : الأصل في : زيد مني مناط الثريا ونحوه : زيد مني مكاناً مثلَ مكانِ مناطِ الثريا(2) فحذف الظرف المبهم ( مكانا ً) وأقيمت صفته مقامه ( مثل ) فأعربت بإعرابه ،ثم حذفت ، وأقيم المضاف إليه مقامها ، ثم حذف المضاف الثاني ( مكان ) وأقيم المضاف إليه ( مناط الثريا ) مقامه فانتصب على الظرف بالنيابة لا بالأصالة .
وفي هذا القول تطويل في التقدير ، وأقرب منه أن تكون هذه الأسماء المسموعة مقدَّرةً بحرف الجر ( في ) انتصبت بعد نزعه ، والتقدير(3) : هو مني مستقرٌ في مقعدِ القابلة ، وفي مزجر الكلب ، وفي مناط الثريا ، وبتقدير حرف الجر معها استدل سيبويه على ظرفيتها(4) ، وإن كان معناها : هو مني في المكان الذي تقعد فيه القابلة وبالمكان الذي يعقد عليه الإزار ، فهذا معناها أما سبيل الإعراب فيها فعلى تقدير حرف الجر المتعلق بالاستقرار الواقع خبراً عن المبتدأ .
هذا ، ولقلَّة ما ورد من المصادر القائمة مقام اسم المكان في موقع الظرف نحو : جلست قرب زيدٍ حكم الأكثرون عليه بأنه غير مقيس(5) ، فلا تقول : آتيك جلوسَ زيدٍ ، وأنت تريد : مكان جلوسه واستدرك ياسين وغيرُه(6) عليهم ذلك بأن قولك جلست قرب زيدٍ ونحوه من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، والمضافُ إليه لا يستقل بنسبة الحكم إليه ، إذ لا يتصور كون الجلوس في القرب بالمعنى المصدري ، وحَذْفُ المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه في ما كان كذلك مقيسٌ عند الأكثرين فلم كان هنا غير مقيس ؟
8- نيابة المضاف إليه عن المضاف في موقع المفعول معه :
__________
(1) الجن : 9.
(2) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/256، وحاشية ياسين على الألفية : 1/277.
(3) ينظر : شرح التصريح : 1/342.
(4) ينظر : كتاب سيبويه : 1/412-414.
(5) ينظر : شرح ابن عقيل : 1/452، وشرح الأشموني : 2/133.
(6) ينظر : حاشية ياسين على الألفية : 1/281، وحاشية الصبان : 2/133.(1/468)
كقولك : جاء زيدٌ والشمسَ ، أي : وطلوعَ الشمسِ(1) .
9- نيابة المضاف إليه عن المضاف في موقع الحال :
الأغلب في الحال أن تكون وصفاً مشتقاً ، وجاءت في مواضعَ – على خلاف الأصل – جامدةً(2) فخرج النحويون بعضَ تلك المواضعِ على تقدير مضاف قام المضاف إليه مقامه بعد نزعه ، ليستقيم الأصل فيها ، وذلك في الموضعين الآتيين:
أ – وقوع المصدر المنكَّر موقع الحال(3) ، نحو : جاء زيد ركضاً .
- ذهب سيبويه والأكثرون إلى أن نحو : جاء زيد ركضاً ومشياً ، وعدواً ، وأخذتُ ذلك عنه سمعاً وسماعاً ، وكلمته مشافهةً ، ولقيته عياناً وفجأةً ومفاجأةً وكفاحاً ومكافحةً ، ذهبوا إلى أنه مما وقع فيه المصدرُ موقعَ الحال على خلاف الأصل ؛ لأن الأصل في الحال أن يكون مشتقاً ، فتأولوا ما ورد من ذلك على أحد ثلاثة أوجهٍ :
تقدير المضاف ، أي : جاء ذا ركضٍ ، فلما نزع المضاف قام المضاف إليه مقامه . ونسب الأزهري هذا الوجهَ من التخريج إلى جماعةٍ لم يعيِّنْهم ، ونسبه الصبان إلى الكوفيين(4) ، وهو خلاف المشهور عنهم .
التأويل بالمشتق ، فيؤول أتيته ركضاً براكضاً وقتلته صبراً أي : مصبوراً . وعلى هذا الوجه من التخريج الأكثرون .
أنه لا تأويل ولا تقدير ، وإنما وقع المصدر حالاً مبالغةً .
__________
(1) ينظر : شرح التصريح : 2/55 .
(2) ينظر تفصيل ذلك في :شرح المفصل:2/59،وشرح الكافية:2/69،وشرح الأشموني:2/170،وظاهرة النيابة:148.
(3) ينظر تفصيل هذه المسألة في : كتاب سيبويه : 1/370، والمقتضب : 3/243 ، 268 ، والأصول في النحو : 1/164، وشرح المفصل : 2/60، وشرح الكافية: 2/76، وارتشاف الضرب : 2/343، ومغني اللبيب : 729 والمساعد:2/13، وشرح الأشموني:2/173، وهمع الهوامع:2/228، ومعاني النحو:2/720، وظاهرة النيابة:180 .
(4) ينظر : شرح التصريح : 1/375، وحاشية الصبان : 3/64.(1/469)
- وذهب الأخفش والمبرد في ظاهرِ قولٍ له ، وافقه عليه ابن السراج(1) إلى أن تلك المصادر مفعولات مطلقة لفعلٍ محذوف من لفظ المصدر المذكور ، والجملة من الفعل المحذوف وفاعله هي الحال والتقدير في أتيته ركضاً : أتيته أركض ركضاً ، وكذا الباقي .
- وذهب الكوفيون – في ما نسبه إليهم جمعٌ(2) – إلى أن المصادر المنصوبة مفعولاتٌ مطلقة لأفعالها المذكورة ، لكون المصدر من نوع الفعل ، كـ : رجع القهقرى .
- وذهب آخرون إلى أنها مفعولات مطلقة على تقدير مضاف(3) ، أي : أتيته إتيان ركضٍ ، فلما نزع المضاف أقيم المضاف إليه مقامه ، ونقل أبو حيان عن ابن هشام الخضراوي ( ت : 646هـ ) ترجيحَه له بأنه تقدير حسن سهل(4) .
والأظهر – في نظر الباحث – أن تلك المصادر وقعت موقع الحال وليست مفعولات مطلقة وأنها إما على تقدير مضاف وإما على التأويل بالمشتق .
أما وجه كونها أحوالاً لا مفعولاتٍ مطلقةً ، فلأنك "تجد مثل هذا صالحاً وقوعُه جواباً لكيف "(5) .
وأما أنها قد تكون على تقدير مضاف ، فذلك إذا قُصِدتِ المبالغةُ بجعل العين ( صاحب الحال ) هو المعنى فيحذف ما يدل على الذات وهو المضاف ويقوم المعنى مقامه للإبانة عن كثرة الفعل .
__________
(1) ينظر : المقتضب : 3/243، 268-269، والأصول في النحو : 1/164، وشرح ألفية ابن مالك: 126-127.
(2) ينظر : جامع البيان : 17/449-450، وارتشاف الضرب : 2/342-343، وشرح الأشموني : 2/173، وشرح التصريح : 1/375.
(3) ينظر : ارتشاف الضرب:2/343، وشرح الأشموني:2/173، وهمع الهوامع:2/228، وحاشية الخضري:1/486.
(4) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/343.
(5) بدائع الفوائد : 3/526.(1/470)
وأما أنها قد تكون على التأويل بالمشتق ، فذلك إذا قُصِدَ الاتساعُ في المعنى ، بأن تدل على ما يدل عليه المصدر مع زيادة فائدة الحال . يقول ابن القيم في قوله تعالى : { ادعوا ربكم تضرعاً وخفيةً } (1) : " الصحيح في هذا أنه منصوب على الحال ، والمعنى عليه ، فإن المعنى : ادعوا ربكم متضرعين إليه خائفين طامعين ...وهو أحسن من أن يقال : ادعوه متضرعين خائفين ، والذي حسَّنه أن المأمور به هاهنا شيئان : الدعاء المقيَّد بصفة معينة ، وهي صفة التضرع والخوف والطمع ، فالمقصود تقييد المأمور بتلك الصفة ، وتقييد الموصوف الذي هو صاحبها بها ، فأتى بالحال على لفظ المصدر لصلاحيته لأن يكون صفةً للفاعل ، وصفة للفعل المأمور به ، فتأمل هذه النكتة ، فإنك إذا قلت : اذكر ربك تضرُّعاً فإنك تريد : اذكره متضرِّعاً إليه ، واذكره ذِكْرَ تضرُّعٍ ، فأنت مريد للأمرين معاً ... وبالجملة فالمصدرية في هذا الباب لا تنافي الحال ، بل الإتيان بالحال هاهنا بلفظ المصدر يفيد ما يفيده المصدر مع زيادة فائدة الحال فهو أتم معنىً ولا تنافي بينهما "(2) .
هذا ، واختلف النحويون في القياس على ما سمع من هذا الباب ؛ فذهب سيبويه والأكثرون(3) إلى أنه لا يستعمل من ذلك إلا ما استعملته العرب ، ولا يقاس عليه غيرُه سواء أكان المصدر من أنواع الفعل وتقسيماته نحو : أقبل زيد مشياً أم كان من غير أنواعه نحو : جاء زيد بكاءً .
__________
(1) الأعراف : 55 .
(2) بدائع الفوائد : 3/526-527. وينظر : المنهج السلفي في النحو واللغة ( بحث ) : 52.
(3) ينظر : كتاب سيبويه : 1/370 ، والأصول في النحو : 1/164 ، وشرح المفصل : 2/59 ، وشرح الكافية: 2/75 وشرح ألفية ابن مالك: 126 ، والبحر المحيط : 9/350 ، وشرح الأشموني : 2/173 ، وشرح التصريح : 1/375 .(1/471)
وأجاز المبرد القياس على ما كان من نوع الفعل فيقيس على : جئته ركضاً : جئته سرعةً ، ورِجْلَةً قال : " ولو قلت: جئته إعطاءً لم يجز ، لأن الإعطاء ليس من المجيء ، ولكن جئته سعياً ، فهذا جيِّدٌ لأنَّ المجيءَ يكون سعياً "(1) ولم يستبعد ابنُ مالك هذا المذهبَ ، ورجَّحه فاضلُ السامرائي وأستاذي(2) .
ونُقل عن المبرد تجويزُ القياس عليه مطلقاً(3) سواء أكان المصدر من نوع الفعل أم كان من غير نوعه ، وبذلك أخذ المجمع القاهري ، وهو اختيار عباس حسن(4) . وربما يشهد لهذا القول ظواهر نصوص من القرآن الكريم(5) من ذلك قوله تعالى : { إنَّ الذين يأكلون أموالَ اليتامى ظلماً } (6) وقوله تعالى :
{ فراغَ عليهم ضرباً باليمين } (7) .
وذهب ابن مالك في التسهيل إلى قياسية وقوع المصدر موقع الحال في ثلاث مسائل(8) :
أن يكون المصدر المنصوب واقعاً بعد خبرٍ مقترنٍ بأل الدالة على الكمال ، وقد سمع من هذا قولهم : أنت الرجل علماً ، فيقاس عليه : أنت الرجل أدباً وحلماً ونبلاً وشجاعةً .
أن يكون المصدر واقعاً بعد خبرٍ شُبِّه مبتدؤه به ، وقد سمع من هذا قولهم : هو زهير شعراً فيقاس عليه : أنت حاتمٌ جوداً ، وعليٌّ شجاعةً .
أن يقع المصدر بعد أمَّا الشرطية ، وقد سمع من ذلك قولهم : أما علماً فعالمٌ ، فيقاس عليه : أما ثراءً فثريٌّ .
__________
(1) المقتضب : 3/234 .
(2) ينظر : شرح الكافية الشافية : 2/736 ، ومعاني النحو : 2/719 ، وظاهرة النيابة : 182 .
(3) ينظر : المساعد : 2/14 ، وشرح الأشموني : 2/173 ، وهمع الهوامع : 2/228 .
(4) ينظر : مجموعة القرارات العلمية : 109 ، والنحو الوافي : 2/372 .
(5) ينظر : دراسات لأسلوب القرآن الكريم : ق 3 /ج 3 / 113 – 115 .
(6) النساء : 10 .
(7) الصافات : 93 .
(8) ينظر : التسهيل :109 ، وينظر كذلك :وشرح التصريح:1/375 ، وهمع الهوامع :2/228 ، وعدَّة السالك :2/269.(1/472)
واستظهر الرضي وأبو حيان وابنُ هشام في المسألتين الأوليين أن يكون المصدر المنصوب فيهما مميِّزاً لا حالاً(1) .
ب – وقوع الجامد غير المصدر موقع الحال في ما دلَّ على تشبيه ، نحو : كرَّ زيدٌ أسداً وبدَتْ هندٌ قمراً ، ووقع المصطرعان عِدْلَي عَيْرٍ .
وللنحويين في ذلك توجيهان(2) :
الأول : تأويله بالمشتق ، فـ ( أسداً ) مؤول بـ ( شجاعاً ) و ( قمراً ) مؤول بـ ( مضيئة ) و (عدلي عير ) مؤول بـ ( مصطحبَينِ ) ، وإنما أوقعتِ العربُ هذه الأسماءَ الجامدة ونحوَها موقعَ الأوصافِ الدالَّة على هيئة " لأنَّهم يجعلون الشيء المشتهر في معنىً من المعاني كالصفة المفيدة لذلك المعنى نحو قولهم : لكل فرعونٍ موسًى بصرفهما ، أي : لكل جبارٍ قهارٌ "(3) .
الثاني : تقدير مضاف ، أي : مثلَ أسدٍ ، ومثل قمرٍ ، ومثل عدلي عيرٍ .
وتقدير المضاف في نحو ما تقدم " أصرح في الدلالة على التشبيه ، لأنها إذا أوِّلت بالمشتق خفي فيها الدلالة على التشبيه"(4) . ومما جاءت فيه الحال جامدة دالة على تشبيه قول الشاعر(5):
وما بالُنا اليومَ شاءَ النجفْ ... فما بالُنا أمسِ أُسْدَ العَرِينِ
أي : مثلَ أسد العرين ، ومثل شاءِ النجف . على تقدير مضاف ، أو : شجعاناً وأذلاء ، على التأويل
__________
(1) ينظر : شرح الكافية : 2/75 ، وارتشاف الضرب : 2/343 – 344 ، ومغني اللبيب : 574 .
(2) ينظر : شرح الكافية الشافية : 2/730 ، وشرح الكافية : 2/70 ، وشرح ألفية ابن مالك: 125 ، وارتشاف الضرب: 2/334 والمساعد : 2/8 ، وشرح الأشموني : 2/170 ، وشرح التصريح : 1/369 .
(3) شرح الكافية : 2/70 – 71 .
(4) شرح التصريح : 1/370 .
(5) البيت لأحد أصحاب علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في :مروج الذهب:2/416،وشرح الكافية:2/70،وخزانة الأدب:3/191 .(1/473)
بالمشتق . ومن ذلك قولهم في المثل : ذهبوا أيادي سبأ ، أي : مثلَ أيادي سبأ(1) أو متفرقين ، وجوَّز الرضي أن يكون ( أيادي سبأ ) مفعولاً مطلقاً من باب قيام الاسم الجامد المشبه به مقام المصدر(2) والتقدير : ذهبوا ذهاباً مثل ذهاب أيادي سبأ ، فحُذِف المصدر ( ذهاباً ) وأقام صفته مقامه ( مثل ) تم حذف المضاف الأول ثم الثاني على التدريج وأقام المضاف إليه ( أيادي سبأ ) مقام المصدر في موقع المفعول المطلق على نحو ما تقدم في نحو(3) :
وما الدهرُ إلا منجنوناً بأهله .
10- نيابة المضاف إليه عن المضاف في موقع النعت .
يعرِّفُ ابنُ مالكٍ النعتَ بأنه " التابع المقصود بالاشتقاق وضعاً أو تأويلاً "(4) فالأصل في النعت أن يكون وصفاً مشتقاً وهو ما يدل على حدثٍ وصاحبه(5) كاسم الفاعل واسم المفعول ، تابعاً لما قبله في تعريفه وتنكيره ، وما جاء على خلاف الأصل فيه رده النحويون بالتأويل إليه(6) ، ومن طرق التأويل للإبقاء على الأصل تقدير مضاف قام المضاف إليه الجامد مقامه . وسنقِفُ عند مواضع جاء فيها النعتُ على خلاف الأصل فكان من طرائق تخريجها تقدير المضاف ، ومن ذلك :
__________
(1) ينظر : المقتضب : 4/25 – 26 ، وشرح الكافية : 3/226 ، وشرح التصريح : 2/55 ، وهمع الهوامع : 2/429.
(2) ينظر : شرح الكافية : 3/226 .
(3) ينظر : 291 من هذا البحث .
(4) التسهيل :167 . وينظر : ارتشاف الضرب : 2/579 ، والمساعد : 2/401 ، وشفاء العليل : 2/747 .
(5) ينظر : شرح الكافية الشافية : 3/1158 ، وشرح ابن عقيل : 2/122 ، وحاشية ابن حمدون : 455 .
(6) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/587 – 589 .(1/474)
النعت بالمصدر الصريح(1):
تقدير المضاف ، أي : ذو عدلٍ ، وذو رضىً ، وذو الصاحبية وفروعها من المؤول بالمشتق فيؤُوْلُ تقدير (ذو ) إلى التأويل بالمشتق .
التأويل بالمشتق ، أي : عادلٌ ومرضىٌّ ، فوقع المصدر موقع اسم الفاعل أو موقع اسم المفعول.
وينسب التوجيه الأول إلى البصريين ، والتوجيه الثاني إلى الكوفيين(2) ، قال ابن هشام : " والمشهور أن الخلاف مطلق "(3) .
أن يُجعَلَ الموصوفُ نفسَ المصدر مبالغةً ، كأنه في الحقيقة مخلوق من ذلك الفعل ، وذلك لكثرة تعاطيه له واعتيادِه إياه .
__________
(1) * يشترط للنعت بالمصدر الصريح شروطٌ منها أن يكون مفرداً مذكراً غير مبدوء بميمٍ زائدة ، وألا يكون دالاً على الطلب . وهذه الشروط لضبط المسموع منه عند من يقصر حكمه على السماع ، ولإجراء القياس فيه عند من يثبت فيه القياس . ينظر : ارتشاف الضرب : 2/587، وشرح الأشموني : 3/65، وشرح التصريح : 2/113، وحاشية الخضري : 2/125، والنحو الوافي : 3/460، أما المصدر المؤول من الحرف المصدري وصلته فلا يقع نعتاً كما لا يقع حالاً ، مثلما هو شأنُ المصدر الصريح ، تقول : مررت برجلٍ رضًى ولا تقول : مررت برجلٍ أن يُرضى . ينظر: ارتشاف الضرب : 2/589. : نحو : هذا رجلٌ عدلٌ ورضىً .
للنحويين في توجيه مجيء المصدر نعتاً ثلاثةُ مذاهبَ$%& ينظر تفصيل القول في هذه المسألة في : النوادر في اللغة : 188، والأصول في النحو : 2/31 ، والخصائص : 3/259، وشرح الفصيح للزمخشري : 2/351، ونتائج الفكر : 292 وشرح المفصل : 3/50 وشرح عمدة الحافظ : 1/542 ، وشرح الكافية الشافية : 3/1160 ، وشرح الكافية : 2/320 ، ومعاني النحو:1/208 ، 3/184 .
(2) ينظر : ارتشاف الضرب:2/587 ، وشرح ابن عقيل : 2/126، وائتلاف النصرة :74 ، وشرح التصريح :2/113.
(3) المسائل السفرية : 15 ، وينظر : الأشباه والنظائر : 6/137 .(1/475)
ومَنْ يخرِّجُ على الوجه الأخير يرى أنْ لا تأويلَ ولا تقدير ، وقد تقدم مراراً أن قصد المبالغة إنما هو الغرض الذي عدل من أجله عن الأصل إلى الاستعمال ويشهد للقول بأن تقدير المضاف هو الأصل قوله تعالى : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } (1) أي : رجلين ذوي عدلٍ ، فتُوُصِّلَ إلى الوصف بعدلٍ بذوي كما يُتَوصَّلُ بأسماء الأجناس غير المصادر بذو وما تصرف منها(2) فيقال: مررت برجلٍ ذي مالٍ ، فكما لا يوصف بأسماء الأجناس لا يوصف كذلك بالمصادر فلما أريد الوصف بهما توصِّل إلى ذلك بذو وفروعها ، فإذا ورد الوصف بالمصدر كان ذلك محمولاً على تقدير ( ذو ) معه ، يقول ياسين : " وقد يرجح بهذه المسألة ونحوها قولُ مَنْ يقول في : مررت برجلٍ عدلٍ : إنه على حذف مضاف لا على التأويل باسم الفاعل "(3) .
وهل النعت بالمصدر مقيس أو مسموعٌ ؟
يذهب أكثر النحويين إلى أنه مقصور على السماع(4) ، مع قولهم : إن ما ورد منه شيء كثير ، يقول ابن مالك(5) :
فالتزموا الإفرادَ والتذكيرا ... ونعتوا بمصدرٍ كثيراً
واستشكل الصبانُ قصرَهم إياه على السماع فقال : " وليْ في المقام بحثٌ ، وهو أنهم كيف حكموا بعدم الاطراد مع أن وقوع المصدر نعتاً أو حالاً ، إما على المبالغة ، أو على المجاز إن قدر المضاف أو على المجاز المرسل ...وكل من الثلاثة مطرد كما صرح به علماء المعاني "(6) لهذا قرر مجمع اللغة العربية بالقاهرة(7) قياسية النعت بالمصدر بالشروط التي ضُبِطَ بها ما سُمِع المتقدم ذكرُها(8) .
__________
(1) الطلاق : 2.
(2) ينظر : حاشية ياسين على الألفية : 2/17، وحاشية ابن حمدون : 458.
(3) حاشية ياسين على الألفية : 2/17.
(4) ينظر : شرح الأشموني : 3/64 ، والأشباه والنظائر : 3/204 ، وحاشية الخضري : 2/125.
(5) ينظر : الألفية : 60 .
(6) حاشية الصبان : 3/64-65.
(7) ينظر : مجموعة القرارات العلمية : 108، والنحو الوافي : 3/461-462.
(8) ينظر : 306 من هذا البحث ( الحاشية ) .(1/476)
ب- النعت باسم جنسٍ مشهورٍ بمعنىً من المعاني : نحو : مررت برجلٍ أسدٍ شدةً ونارٍ حمرةً.
للنحويين في تخريج نحو ذلك ثلاثةُ توجيهات(1) :
أن يكون على تقدير مضاف ، أي : مثل أسدٍ ، ومثل نارٍ ومثل بمعنى مماثل ، وعلى هذه الطريقة في التخريج أكثر النحويين .
أن يكون على تأويل الجوهر بما يليق به من الأوصاف ، فيؤوَّل أسدٍ بجريءٍ ، وحمارٍ ببليدٍ وعلى هذا النحو من التوجيه جرى المبرد في أحد رأييه .
جوز الرضي أن يؤوَّل اسمُ الجنس بوصفٍ مشتق دالٍّ على الكمال ، أي : كاملٍ شدةً ، وكاملٍ حمرةً .
والتوجيه الأول أولى لأنه لا يبقى للمميِّز المنصوب ( شدة ) و ( حمرةً ) معنىً على التوجيه الثاني وتذهب على التوجيه الثالث الفوارق المعنوية بين الأوصاف بالأجناس المختلفة .
هذا ، وقد ضعَّف سيبويه(2) النعتَ بالجنس لأنه جوهر ، ولا يوصف بالجواهر وإنما طريق التحلية بالفعل أي : الوصف المشتق نحو : آكل وشارب ، وأجاز مجيء اسم الجنس المشهور بمعنىً من المعاني حالاً نحو : مررت بزيدٍ أسداً شدةً .
واعتُرِضَ ما ذهب إليه سيبويه بأن القياس يقتضي التسوية بينهما(3) لأنه يرجع بالتأويل إلى معنى الوصف بنزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه فليس المرادُ من الجنس شخصَه ، وإنما المراد أنه مثلُه في معناه المشهور به .
ج- نعت النكرة بجامدٍ معرفةٍ بقصد التشبيه ، نحو : له صوتٌ صوتُ الحمارِ
__________
(1) ينظر : كتاب سيبويه : 1/434، والمقتضب : 3/259-260، 341-342، وشرح المفصل : 3/49، والإيضاح في شرح المفصل : 1/443، وشرح الكافية : 2/320-322، والأشباه والنظائر : 4/148-150 .
(2) ينظر : كتاب سيبويه : 1/434.
(3) ينظر : شرح المفصل : 3/49، والأشباه والنظائر : 4/148-150.(1/477)
ذهب الخليل إلى أن صوت الحمار نعت لصوت على تقدير مضاف ، أي :مثل صوت الحمار وبذلك التقدير صحَّ وصفُ النكرة صوت بمثلها ، لأن مثل لا تستفيد التعريف من المضاف إليه المعرفة لتوغلها في الإبهام ، وبنى عليه أن تقول : هذا رجلٌ أخو زيدٍ ، على الوصف أي : مثلُ أخي زيدٍ وردَّه سيبويه في قوله : " زعم الخليل أنه يجوز : له صوتٌ صوتُ الحمار ِ على الصفة لأنه تشبيهٌ فمن ثَمَّ جاز أن توصف به النكرةُ ، وزعم الخليل – رحمه الله – أنه يجوز أن يقول الرجل : هذا رجلٌ أخو زيدٍ ، إذا أردت أن تشبِّهَه بأخي زيدٍ ، وهذا قبيح ضعيف لا يجوز إلا في موضع الاضطرار ولو جاز هذا لقلت : هذا قصيرٌ طويلٌ ، تريد : مثلُ الطويل فلم يجز هذا كما قبُح أن تكون المعرفة حالاً للنكرة إلا في الشعر ، وهو في الصفة أقبح لأنك تنقض ما تكلمت به، فلم يجامعه في الحال كما فارقه في الصفة "(1) .
ويذكر الرضي أن غير الخليل يحمل ما مثَّل به الخليلُ على أنه نعتٌ جامدٌ مؤولٌ بالمشتق(2) والتقدير : له صوتٌ منكرٌ كما تقول : مررت برجلٍ أسدٍ ، أي : جريءٍ .
وما قاله الرضي يمكن أن يكون لو كان مثالُ الخليل : له صوتٌ صوت حمارٍ بالتنكير ولكنَّ الخليل إنما مثَّل بما لا يمكن أن يكون نعتاً في الظاهر لاختلاف الصفة في التعريف عن الموصوف النكرة إلا بتقدير مضافٍ يحفظ للنعت تطابقه مع المنعوت النكرة . نعم ، يمكن أن يكون لما مثَّل به الخليل أوجهٌ أخرى غيرُ النعت ، فلا يقتضي تقدير مضاف كأنْ يكونَ بدلاً أو خبراً لمبتدأ محذوف(3) ، أي : له صوتٌ هو صوتُ الحمار .
11- نيابة المضاف إليه عن المضاف في موضع البدل :
__________
(1) كتاب سيبويه : 1/361. وينظر : التعليقة:1/204،والإيضاح في شرح المفصل:1/230وارتشاف الضرب: 2/529.
(2) ينظر : شرح الكافية : 1/285.
(3) ينظر : حاشية الخضري : 1/437-438.(1/478)
تقدم في بحث دواعي تقدير المضاف(1) أن بعض النحويين يرد الأبدال كلها إلى بدل كل من كل ويوجب المطابقة بين البدل والمبدل منه ، فيقدر لأجل ذلك مضافاً إما مع البدل وإما مع المبدل منه ومن تقدير المضاف مع البدل قوله تعالى: { قُتِلَ أصحابُ الأخدودِ النارِ ذات الوقود } (2) والتقدير : أخدودِ النارِ(3).
هذه أشهر المواضع الإعرابية التي يقوم فيها المضاف إليه مقام المضاف بعد نزعه ، وثمة مواضع أُخَرُ يمكن تقدير المضاف فيها كموضع الجر بحرف الجر ، متى قام الدليل على إرادة المضاف المحذوف ، ونظرةٌ في صفحاتٍ من الإشارة إلى الإيجاز(4) كفيلةٌ بتحصيلِ هذه المواضعِ وغيرها .
نزع المضاف وإبقاء المضاف إليه مجرورًا
حكمُه ، وشروطُ قياسيَّته ، والمواضعُ القياسية
إذا نزع المضاف فالأغلب الأشهر أن يقوم المضاف إليه مقامه في إعرابه ، حتى جعل بعضُهم قيامَ المضاف إليه مقام المضاف شرطاً لقياسية نزع المضاف(5) ، وليس كذلك ، بل قد ينزع المضاف ويبقى المضاف إليه مجروراً قياساً في مواضع سيأتي بيانها .
والنحويون مختلفون في حكم بقاء المضاف إليه مجروراً بعد نزع المضاف :
فمنهم من يطلق الحكم عليه بأنه شاذ ضعيف ، قليل جداً ، مكروه بابه الشعر(6) .
ومنهم من يفصِّلُ في الحكم عليه بالقياس ، فمنه المقيس بشرطه ، ومنه غير المقيس(7) .
__________
(1) ينظر : 274 من هذا البحث .
(2) البروج : 4-5.
(3) ينظر : أمالي السهيلي :113، والمباحث الخفية : 2/810، والبحر المحيط : 10/444.
(4) ينظر : 115-204.
(5) ينظر : حاشية ياسين على الألفية : 1/408 .
(6) ينظر : الإفصاح : 114 ، والمحرر الوجيز : 8/107 ، وشرح المفصل : 3/26 ، والانتخاب : 605 ، والمباحث الخفية : 1/741 ، ورصف المباني : 348 ، وهذا البحث : 63-64 .
(7) ينظر : شرح عمدة الحافظ : 1/498 ، وارتشاف الضرب : 2/530 – 533 ، وشرح الأشموني : 2/273 ، وشرح التصريح : 2/56 ، وهمع الهوامع : 2/429 .(1/479)
وما كان مقيساً فهو كثير وجائز فصيح ، وليس بمكروه ولا ضرورة(1) .
ثم هم مختلفون في شروط المقيس منه ، فمَنْ يقتصر على بعضها يعدُّ ما جاء على خلافها شاذاً ومن يتوسع في شروطه يُدخِلُ في المقيس ما أخرجه غيرُه .
فالشرطُ لإبقاء المضاف إليه مجروراً بعد نزع المضاف – عند ابن عصفور(2) – أن يتقدم في اللفظ ذكرُ نظير المحذوف نحو قولهم(3) : ما كلُّ سوداءَ تمرةً ، ولا بيضاءَ شحمةً ، والتقدير : ولا كلُّ بيضاء شحمة ، وهذا ظاهر قول سيبويه في المثل المذكور ، وفي قول أبي دؤاد(4) :
ونارٍ توقَّدُ بالليلِ نارًا ... أكلَّ امرئٍ تحسبين امرأً
يقول : " استغنيتَ عن تثنية ( كل ) لذكرك إياه في أول الكلام ، ولقلة التباسه على المخاطب "(5) .
وشَرَطَ ابنُ مالك – وتبعه الأكثرون(6) – أن يكون المحذوف معطوفاً على مثله لفظاً ومعنىً ، وألا يفصل بين العاطف والمجرور فاصلٌ غير لا، فهذه شروط ثلاثة : العطف ، ومماثلة المحذوف للمعطوف عليه ، وعدم الفصل بغير لا ، وربما زاد بعضهم شرطاً رابعاً وهو أن يتقدم نفيٌ أو استفهام ولا يشترطه الأكثرون(7) . مثال العطف بلا فصلٍ ، بيتُ أبي دؤاد المذكور آنفاً ، وقولُ الآخر(8) :
ـزِّ وذي غربةٍ وفقيرٍ مَهينُ ... كلُّ مُثْرٍ في أهله ظاهرُ العـ
أي : وكلُّ ذي غربةٍ .
__________
(1) ينظر : شرح الكافية الشافية : 2/974 ، والبحر المحيط : 5/348 ، 353 .
(2) ينظر : المقرب : 289 .
(3) سبق تخريجه : 18 .
(4) سبق تخريجه : 63 .
(5) كتاب سيبويه : 1/66 .
(6) ينظر : شرح عمدة الحافظ : 1/498 – 502 ، وشرح الكافية الشافية : 2/972 – 974 ، وشرح ألفية ابن مالك: 157 ، وشرح ابن عقيل : 2/39 – 40 ، وشرح الأشموني : 2/273 ، وشرح التصريح : 2/56 .
(7) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/531 ، والمساعد : 2/366 ، وهمع الهوامع : 2/430 .
(8) البيت بلا نسبة في : ارتشاف الضرب : 2/531 ، وهمع الهوامع : 2/430 ، والدرر : 5/42 .(1/480)
ومثال العطف مع الفصل بلا ، قولهم : ما كلُّ سوداءَ تمرةً ، ولا بيضاءَ شحمةً ، وقول الشاعر(1):
ولا الشرِّ يأتيه امرؤٌ وهو طائعٌ ... ولم أرَ مثلَ الخيرِ يتركُه الفتى
أي : ولا مثلَ الشرِّ .
فعلى ما ذهب إليه ابن مالك يُحكَم بعدم قياسية بقاء الجر مع الفصل بغير لا ، ويمثلون له بقراءة ابن جمَّاز : { تريدون عرَضَ الدنيا والله يريدُ الآخرةِ } (2) أي : يريد عرض الآخرة على سبيل المقابلة ، ويُحكَم أيضاً بعدم قياسية بقاء الجر مع عدم العطف ، كما في قول الشاعر(3) :
بسجستانَ طلحةِ الطلحاتِ ... رحِمَ اللهُ أعظُماً دفنوها
أي : أعظمَ طلحةِ الطلحات .
يقول الأشموني في ما تحققت فيه الشروط التي اعتَدَّ بها ابنُ مالك : " الجر والحالةُ هذه مقيسٌ .... والجر في ما خلا من الشروط محفوظٌ لا يقاس عليه "(4) .
أما على ما شرطه ابن عصفور ، فالجر في نحو ما سبق سائغٌ لتقدم ذكر نظير المحذوف ، فليس من شرط إبقاء المضاف إليه مجروراً بعد نزع المضاف – عنده – العطفُ لا متصلاً ولا منفصلاً بلا.
__________
(1) البيت لبشر القشيري في : شرح عمدة الحافظ : 1/501 ، وبلا نسبة في : ارتشاف الضرب 2/531 ، والمساعد : 2/366 ، وشرح الأشموني : 2/273 ، وهمع الهوامع : 2/430 ، والدرر : 5/40 .
(2) الأنفال : 67 وسبق تخريج القراءة المذكورة : 31 .
(3) سبق تخريجه : 64.
(4) شرح الأشموني : 2/273. وينظر : المساعد : 2/367.(1/481)
والراجح – في نظر الباحث – أن الوقوف عند تقدم مثيل المحذوف لا يكفي لإجراء حكم القياس في كل موضعٍ ينزع فيه المضاف ويبقى المضاف إليه مجروراً حتى ينضبط ذلك الموضعُ بضابطٍ كليٍّ وتكثر شواهدُه كثرةً تُطَمْئِنُ المتحدثَ على نسقها أنَّ مخالفته للأقيس أي : ذكر المضاف ، لم تخرجه إلى الشذوذ في القول ، بل تنقله من الأقيس إلى ما هو قياسي . وما شرطه ابن مالك من شروط إنما كانت لضبط ما سمع عن العرب من شواهد نزع المضاف وإبقاء المضاف إليه مجروراً ليجري عليها القياس في ما لم يسمع ، ولكنَّ الوقوف عند اشتراط العطف بلا فصل أو مع الفصل بلا أخذاً من بعض الشواهد يُهدِرُ شواهدَ أخرى لم يكن المضاف المحذوف فيها معطوفاً ، فاشتراط العطف - إذن - ليس ضابطاً كلياً تنضبط به جميعُ مواضع نزع المضاف وإبقاء المضاف إليه مجروراً ، يدلُّك على ذلك أنه لما كان اشتراطُ تقدُّمِ نفيٍ أو استفهامٍ على المعطوف عليه أخذاً من بعض الشواهد مهدراً شواهدَ نُزع فيها المضاف وبقي المضاف إليه مجروراً ولم يتقدم نفيٌ ولا استفهامٌ ، أهمله الأكثرون .
والذي يمكنني اعتماده لإجراء القياس على نزع المضاف وإبقاء المضاف إليه مجروراً الأمران الآتيان :
تقدُّمُ ذكرِ مثِل المحذوف ليكون دليلَ المقدَّر ، فيمتنعُ بذلك اللبسُ .
ثبوتُ الحامل على تقدير المضاف ، بحيث يمتنع الحملُ على غير تقديره .
ويتحقق هذان الأمران في ما يأتي :
1- أن يكون المضافُ المحذوفُ المسبوقُ بمثله إثرَ عاطفٍ متصلٍ به أو منفصلٍ عنه بلا والحامل على تقدير المضاف المانع من غيره أحد الأمور الآتية :(1/482)
أ – اقتضاء الكلام العطف على معمولي عاملين مختلفين(1) ، ومثال ذلك قولهم : ما كلُّ سوداءَ تمرةً ولا بيضاءَ شحمةً ، والتقدير : ولا كلُّ بيضاء شحمة ، فلو لم يقدر المضاف المحذوف لكانت ( بيضاء) معطوفة على ( سوداء ) التي هي معمولة لـ ( كل ) وتكون ( شحمة ) معطوفة على ( تمرة ) التي هي معمولة لـ ( ما ) فعطفُ ( بيضاء ) على (سوداء ) و ( شحمة ) على ( تمرة ) عطفٌ على معمولي عاملين مختلفين ، وهو ممنوع عند الأكثرين ، لذا قُدِّر مضافٌ للسلامة من القول به ، فيكون العطف عندئذٍ من باب عطف معمولين على معمولي عاملٍ واحد و " استغنيت عن تثنية كل لذكرك إياه في أول الكلام ولقلة التباسه على المخاطب "(2) .
ومن جوَّز العطف على معمولي عاملين مختلفين – وهو الأخفش – لم يرَ بأساً من ترك تقدير مضافٍ ، إذ ليس عنده ما يوجبُ تقديرَه .
هذا ، والشواهد التي قدَّر فيها النحويون مضافاً إثر عاطفٍ متصلٍ أو منفصلٍ بلا ، لئلا يلزم من ترك تقديره العطف على معمولي عاملين مختلفين ، كثيرةٌ فمن المتصل قول الشاعر(3) :
ونارٍ توقَّدُ بالليلِ نارا ... أكلَّ امرئ تحسبين امرأً
والتقدير : وكلَّ نارٍ ، وقول الآخر(4) :
ــزِّ وذي غربةٍ وفقير مَهينُ ... كلُّ مثرٍ في أهله ظاهرُ العـ
أي : وكلُّ ذي غربةٍ . ومن المنفصل بلا المثَلُ المذكور آنفاً ، وقول الآخر(5) :
ولا الشرِّ يأتيه امرؤٌ وهو طائعٌ ... ولم أرَ مثلَ الخير يتركه الفتى
أي : ولا مثل الشرِّ .
ويصلح مثالاً لذلك قولُك : ما مثلُ عبد الله يقول ذاك ولا أخيه يكرهُه .
__________
(1) ينظر ذكر الخلاف في هذه المسألة في : 241 .
(2) كتاب سيبويه : 1/66 .
(3) سبق تخريجه : 63 .
(4) سبق تخريجه : 311 .
(5) سبق تخريجه : 311 .(1/483)
يقول ابن يعيش في هذا المثال : " لم يكن بدٌّ من تقدير ( مثل ) أو العطف على عاملين إذ كان (الأخ) مجروراً بعاملٍ ويكرهه في موضع نصبٍ بعاملٍ آخر ، وإذا كان لابد فيه من أحد الوجهين وأحدُهما لا يصح ، وجب حمله على الوجه الآخر وهو على تقدير مضاف محذوف وهو مثل "(1) .
ب – الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بأجنبي ، وفسادُ بالعطف ، كقولك : ما مثلُ عبد الله يقول ذلك ولا أخيه. يقول الرضي : " يجب إضمار المضاف هاهنا ، فيكون مما حذف المضاف فيه وأبقي المضاف إليه على إعرابه ، وذلك لأن ( أخيه ) لو كان معطوفاً على عبد الله لكان المعنى : ما رجلٌ هو مثلهما يقول ذلك ، وليس هو المراد ، بل المعنى : ما مثل هذا ولا مثل هذا يقولان ذلك وأيضاً لو كان معطوفاً عليه ، لكان قد فصل بين المعطوف والمعطوف عليه المجرورِ بأجنبي ، وذلك لا يجوز "(2) .
ج- عدم مطابقة الخبر للمخبر عنه ، نحو : ما مثل أخيك ولا أبيك يقولان ذلك .يقول ابن يعيش : " هذا لا بد فيه من تقدير ( مثل ) أيضاً ، وليس من جهة العطف على عاملين ، ولكن من جهةٍ أخرى وذلك أنك إذا عطفت الأب على الأخ لم يجز تثنية الخبر "(3) بل الواجب إفراده فتقول : يقول ذلك ؛ ليطابق المبتدأ ، والمعنى : ما مثلُهما يقولُ ذلك فلما أخبر بالمثنى وجب تقدير مضاف مع أبيك ؛ ليحصل التطابق فيكون المعنى : ما مثلاهما يقولان ذلك ، ومن هذا قول الشاعر(4) :
ـذي بيَ من عفراءَ ما شفياني ... لوَ انَّ طبيبَ الإنسِ والجنِّ داويا الـ
والتقدير : وطبيبَ الجنِّ .
__________
(1) شرح المفصل : 3/28 .
(2) شرح الكافية : 2/284 .
(3) شرح المفصل : 3/28 . وينظر : شرح الكافية : 2/284 ، وشرح التصريح : 2/56 .
(4) البيت لعروة بن حذام في : الدرر : 5/41 ، وبلا نسبة في المساعد : 2/366 ، وهمع الهوامع : 2/430 .(1/484)
ففي المسائل الثلاث السابقة وجب تقديرُ مضافٍ إثر عاطفٍ لمانع يمنع من أنْ يثبتَ للمجرور بعد العاطف حكمُ العطف على ما قبله ، فإن لم يكن ثمة مانعٌ يمنع من إجراء العطف ، أو كان المانعُ ضعيفاً ، لم تكن ثمة حاجةٌ إلى تكلُّف تقدير مضاف . مثال عدم وجود مانعٍ من العطف قولك : ما مثل عبد الله ولا أخيه يقول ذلك ، فـ( أخيه ) معطوف على عبد الله ، ولا حاجة تدعو إلى تقدير مضاف إذ المعنى : ما مثلُهما يقول ذلك .
ومثال ما كان المانع فيه ضعيفاً قولك : زيدٌ ما مثلُه وأخيه يقول ذلك ، وذلك في ما كان يلزم فيه العطفُ على الضمير المجرور بالمضاف ، فقد تقدم(1) أن الراجح جواز العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار ، وأن حجج المنع من ذلك ضعيفةٌ فعلى ما ترجح يكون ( أخيه ) في المثال المذكور معطوفاً على الضمير في ( مثله ) ولا حاجة إلى تقدير مضاف لأنّ الحامل على التقدير غيرُ ناهض ، والمانعَ من ترك التقدير ضعيفٌ .فمن شواهد العطف على الضمير المجرور بالمضاف من غير أن يُقدَّر – على المختار – إثرَ العاطف مضافٌ ، قوله تعالى : { يا أيها النبي حسبك اللهُ ومَنِ اتبعك من المؤمنين } (2) فمَنْ في موضع جر معطوفًا على الكاف في حسبك(3) ، وقولهم(4) : ما فيها غيرُه وفرسِه ففرسه معطوف على الهاء في غيره ، ومن ذلك أيضاً قول الشاعر(5) :
وما بينها والكعبِ غوطٌ نفانفُ ... نُعلِّق في مثلِ السواري سيوفَنا
__________
(1) ينظر : 218 .
(2) الأنفال : 64 .
(3) ينظر : التبيان : 2/631 .
(4) سبق تخريجه : 216 .
(5) البيت لمسكين الدارمي في : الحيوان : 6/494 ، وبلا نسبة في : معاني القرآن للفراء : 2/86 ، وشرح المفصل : 3/79 ، وشرح عمدة الحافظ : 2/663 ، وشرح الكافية الشافية : 3/1251 وشرح الأشموني : 3/115 .(1/485)
فـ ( الكعبِ ) معطوف على ( ها ) في ( بينها ) ، وقول الآخر(1) :
فحسبُك والضحاكِ سيفٌ مهنَّدُ ... إذا كانتِ الهيجاءُ وانشقَّتِ العصا
هذا ، وليس من العطف على مماثلٍ قراءةُ ابن جماز قولَه تعالى : { تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرةِ } (2) لأن المضاف المحذوف ليس معطوفاً وليس مماثلاً للمذكور بل هو مقابلٌ في تقدير من قدَّر : باقي الآخرةِ ، أو ثواب الآخرةِ ، أو عمل الآخرةِ(3) أما من قدره : عرض الآخرة على سبيل التقابل(4) فهو مماثلٌ للمذكور ، لكنه ليس معطوفاً عليه وإنما هو بعضُ المعطوف ، وهو الجملة . ووجهُ نزع المضاف في الآية وإبقاء المضاف إليه مجروراً يوضحه ابنُ جني بأنه لمَّا " جرى ذكر العرَض صار كأنه أعاده ثانياًَ ... ولعمري إنه إذا نصب فقال على قراءة الجماعة : { والله يريدُ الآخرةَ } فإنما يريد : عرض الآخرة إلا أنه يحذف المضاف ويقيم المضاف إليه مقامه ، وإذا جَرَّ فقال : { يريد الآخرة ِ } صار كأن العرض في اللفظ موجود لم يحذف ، فاحتُمل ضعف الإعراب تجريداً للمعنى وإزالةً للشك أن يظُنَّ ظانٌّ أنه يريد الآخرة إرادة مرسلةً هكذا "(5) .
أن يكون المضاف المحذوف المسبوق بمثله بدلاً مطابقاً ، والمانع من أن يقوم المضاف إليه مقامه خروج البدل عن صُوَرِه المشهورة ، وذلك نحو قول الشاعر(6) :
بسجستان طلحةِ الطلحاتِ ... رحم اللهُ أعظماً دفنوها
__________
(1) البيت لجرير في : ذيل الأمالي : 140، وليس في : ديوانه ، ولا شرح ديوانه ، وبلا نسبة في : سمط اللآلي : 2/899 ، وشرح الكافية الشافية : 3/1254، والبحر المحيط : 5/348.
(2) الأنفال : 64 وينظر تخريج القراءة المذكورة : 31 .
(3) ينظر : البحر المحيط : 5/353، وشرح ابن عقيل : 1/39 ، وشرح التصريح : 2/56، والبهجة المرضية : 1/413 وهمع الهوامع : 2/430 ، وحاشية ياسين على الألفية : 1/410.
(4) ينظر : التبيان : 2/632.
(5) المحتسب : 1/397-398.
(6) سبق تخريجه : 64 .(1/486)
والتقدير : أعظمَ طلحةِ الطلحاتِ ، فلو أقام المضاف إليه مقام المضاف بعد حذفه للزم مجيء بدل كل من بعض ،ولم يثبتْه الأكثرون(1) ، ومن ذلك قول الآخر(2) :
بأسحمَ داجٍ عَوْضُ لا نتفرَّقُ ... رضيعَي لبانٍ ثديِ أمٍّ تحالفا
أي : لبان ثدي أمٍّ ، يقول ابن السيد : " ومن خفض ( ثدي أم ) جعله بدلاً من لفظ اللبان ، ومن نصبه أبدله من موضعه ، لأنه في موضع نصب ، ولا بد من تقدير مضافٍ محذوف في كلا الوجهين كأنه قال : لبانِ ثدي أم ، وإنما لزم تقدير مضاف ، لأنه لا يخلو من أن يكون بدل الشيء من الشيء وهما لعينٍ واحدة ، أو بدل بعض من كل ، أو بدل اشتمال ، فلا يجوز أن يكون من بدل البعض ، لأن الثدي ليس بعض اللبان ، ولا يجوز أن يكون بدل اشتمال ، لأن معنى قولنا بدل اشتمال أن يكون الأول يشتمل على الثاني ، وذلك لا يصح هاهنا ، وقد ذهب قومٌ إلى أن الثاني هو المشتمل على الأول وذلك غلط ، فلم يبق إلا أن يكون بدل الشيء من الشيء ، وهما لعينٍ واحدةٍ ، والثدي ليس اللبان فوجب أن يقدر : لبان ثدي "(3) .
__________
(1) ينظر : همع الهوامع : 3/150، وحاشية ياسين على الألفية : 1/410-411، والنحو الوافي : 3/674.
(2) البيت للأعشى في ديوانه : 275 ، وأدب الكاتب : 266، والأغاني : 5/79، والخصائص : 1/265، وشرح المفصل : 4/107-108، ومغني اللبيب : 200،276، وخزانة الأدب : 7/126، والدرر: 3/133، وبلا نسبة في الإنصاف : 1/374.
(3) الاقتضاب : 2/619. وينظر : نتائج الفكر : 308، وخزانة الأدب : 7/146.(1/487)
ومنه ما حُكِي عن العرب(1) : أطعمونا لحماً سميناً شاةٍ ذبحوها ، أي : لحمَ شاةٍ . وقولهم(2) : رأيت التيميَّ تَيْمِ عدي وتيمِ قريش ، ورأيت العبديَّ عبدِ منافٍ ، ويقال ذلك في كل قبيلة يكون فيها اشتراك والتقدير : أحدَ تيمِ عدي ، وأحدَ عبدِ منافٍ .
فهذه الشواهد لا يقوم فيها المضاف إليه مقام المضاف وإلا للزم مجيءُ بدل كل من بعض ، لذا بقي المضافُ إليه مجروراً ليكون المضاف المحذوف في حكم الملفوظ ، فإذا ورد في بعض تلك الشواهد غيرَ مجرورٍ فالأولى أن يخرَّج على تقدير فعل محذوف لا على تقدير مضاف قام المضاف إليه مقامه نحو قوله :
بسجستان طلحةِ الطلحاتِ
أي : أعني طلحة الطلحاتِ
وقد ينزع البدل المضاف لدلالة المبدل منه عليه ويمتنع أن يقوم المضاف إليه مقام المضاف ولو على صورة بدل كل من بعض كقول الراجز(3) :
يأكلُ ناراً وسيصلى سَقَرا ... الآكلُ المالَ اليتيمِ بَطَراً
__________
(1) ينظر : البحر المحيط : 1/307، والمساعد : 2/367. ويروى : أكلت لحما شاةٍ ، على مطل الفتحة في ( لحم ) عند التذكُّر حتى نشأت عنها ألفٌ . ينظر : سر صناعة الإعراب : 2/778، والمحتسب : 1/262،371، والبحر المحيط : 3/333.
(2) ينظر : شرح عمدة الحافظ : 1/501، وارتشاف الضرب : 2/532، وائتلاف النصرة : 176-177، وشرح الأشموني : 2/273، ويروى : رأيت التيميَّ عديٍّ ، فخرجه الكوفيون على أن ( عدي ) بدل من ياء النسبة ينظر : شرح المقدمة المحسبة : 1/273-274، وارتشاف الضرب : 2/532، وائتلاف النصرة : 176، وهي مسألة غير مسطورة في كتب البصريين كما يقول أبو حيان في ارتشاف الضرب 2/532. ويمكن تخريجه على نزع المضاف بعد المضاف وإبقاء المضاف إليه مجروراً والأصل : رأيت التيميَّ أحدَ تيمِ عديٍّ .
(3) الرجز بلا نسبة في :شواهد التوضيح والتصحيح : 58 ، وهمع الهوامع : 2/430، والدرر : 5/42 .(1/488)
أي : الآكلُ المالَ مالَ اليتيم ، ومثله قول الشاعر(1) :
ما دام يبذلُه في السرِّ والعلنِ ... المالُ ذي كرمٍ تنمي محامدُه
والتقدير : المالُ مالُ ذي كرمٍ ، وكقول العرب(2) : أما واللهِ لو تعلمون العلم الكبيرةِ سنُّه ، يريدون : علمَ الكبيرةِ سنُّه ، وكقولهم(3) : يعجبني الإكرامُ عندك سعدٍ بنيْه ، أي : يعجبني الإكرامُ عندك إكرامُ سعدٍ بنيه ، فلو أقيم المضاف إليه مقام المضاف ليكون بدلاً مما قبله لانعكس ضابط بدل الاشتمال وهو أن يكون المبدل منه مشتملاً على البدل وليس العكس كما سبق في كلام ابن السيد ، لذلك بقي المضاف إليه مجروراً بعد نزع المضاف .
لهذه الشواهدِ وغيرِها ذهب الكوفيون إلى قياسية نزع البدل المضاف لدلالة المبدل منه عليه ، وإبقاء المضاف إليه مجروراً لامتناع قيامه مقام المضاف المحذوف ، فتقول : يعجبني القيامُ زيدٍ ، أي : يعجبني القيامُ قيامُ زيدٍ . ومنعه البصريون ، وحملوا ما ورد منه على الشذوذ أو الضرورة الشعرية(4) .
__________
(1) البيت بلا نسبة في : شواهد التوضيح والتصحيح : 58 .
(2) ينظر : البحر المحيط : 3/632.
(3) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/531، والبحر المحيط : 1/307 .
(4) ينظر : ارتشاف الضرب : 2/531، والمساعد : 2/367، وهمع الهوامع : 2/430 ، وحاشية الصبان : 2/273.(1/489)
وفي التفاتةٍ إلى صحة ما ذهب إليه الكوفيون خرَّج ابنُ مالك عدداً من الأحاديث على هذا النحو من الحذف(1) ، واستحسن أبو حيان هذا التخريج في قوله تعالى : { واتقوا يوماً لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئاً } (2) والتقدير : واتقوا يوماً يومَ لا تجزي ، يقول : " ولا يبعد حذف ( يوم ) لدلالة ما قبله عليه بهذا المسموع الذي حكاه الكسائي والفراء عن العرب(3) .
__________
(1) ينظر : شواهد التوضيح والتصحيح : 57-59.
(2) البقرة : 48.
(3) * يريد المقولات المحكيَّة عن العرب المذكورة آنفاً . ، ويحسِّن هذا التخريج كون المضاف إليه جملة فلا يظهر فيها إعراب ، فيتنافر مع إعراب ما قبله ، فإذا جاز ذلك في نثرهم مع التنافر ، فلأن يجوز مع عدم التنافر أولى ، ولم أرَ أحداً من المعربين والمفسرين خرجوا هذه الجملة هذا التخريج ، بل هم مجمعون عل أن الجملة صفة ليومٍ ويلزم من ذلك حذفُ الرابط أيضاً من الجمل المعطوفة على (لاتجزي) أي : ولا يقبل منها شفاعةٌ فيه ، ولا يؤخذ منها عدلٌ فيه، ولا هم ينصرون فيه ، وعلى ذلك التخريج لا يحتاج إلى إضمار هذه الروابط "$%& البحر المحيط : 1/307-308.(1/490)
فهذان الموضعان بمسائلهما يقاس عليهما نزعُ المضاف مع إبقاء المضاف إليه مجروراً ، وقد جاء مسموعاً بقاءُ المضاف إليه مجروراً في مواضعَ لا تجري عليها الضوابط السابقة ، فلم يُسبَق للمضاف المحذوف فيها ذكرٌ ، وليس معطوفاً ولا بدلاً ، وذلك ثقةً بفهم السامع في تعيين المحذوف ، ولقرينةِ عدم صلاحية العامل لمباشرة المجرور بعد نزع المضاف ، ومنه حديث ( يكفيك الوجهِ والكفين )(1) أي: مسحُ الوجهِ والكفين ، وقول الراجز(2) :
هذا لعمرُ اللهِ إسرائينا ... قالت – وكنت رجلاً فطيناً -
أي : مسخُ بني إسرائينا ، فنزع المضاف الأول ثم الثاني مع إبقاء المضاف إليه ( إسرائين ) مجروراً .
مواضع يُردُّ القولُ فيها بنزع المضاف وإبقاء المضاف إليه مجروراً
صورة العطف على ضمير الجر من غير إعادة الجار ، والجار للضمير اسمٌ نحو : ما فيها غيرُه وفرسِه ، وقد تقدمت بعضُ أمثلته وبيانُ وجه عدم الحاجة إلى تقدير مضاف(3) .
مجيء ضمير الجر بعد لولا الامتناعية في نحو : لولاي ، ولولاك ، ولولاه . ومذهب المبرد منْعُ ثبوت ذلك ، وهو محجوجٌ بالشواهد التي ورد فيها هذا الاستعمالُ من ذلك قول الشاعر(4) :
بأجرامه مِنْ قنَّة النِيقِ مِنهوي ... وكم موطنٍ لولاي طحتُ كما هوى
__________
(1) سبق تخريجه : 22.
(2) البيت بلا نسبة في : المعاني الكبير : 2/646 ، وسمط الآلي : 2/681 ، وتخليص الشواهد : 456 ، وشرح ابن عقيل : 1/353 ، وشرح التصريح : 1/264 ، والدرر : 272 . وثمة توجيهٌ آخرُ للبيت وهو أن يكون من باب إجراء القول مُجرى الظن فنصب مفعولين (هذا) و ( اسرائينا ) .
(3) ينظر : 313-314 .
(4) البيت ليزيد بن الحكم الثقفي في : كتاب سيبويه : 2/374 ، والأغاني : 6/479 ، وأمالي القالي : 1/68 ، وسر صناعة الإعراب : 1/395 ، وشرح المفصل : 3/118 ، وخزانة الأدب : 3/126 ، 5/329 ، والدرر : 4/175 وبلا نسبة في : الإنصاف : 2/199 ، ورصف المباني : 295 ، وجواهر الأدب : 397 .(1/491)
وقول الراجز(1) :
لولاكما لخرجت نفساهما
وقول…الشاعر(2) :
ولولاهُ ما قَلَّتْ لديَّ الدراهمُ ... خليليَّ إنَّ العامريَّ لغارمٌ
واتفق النحويون – غير المبرد – على إثبات مثل ذلك الاستعمال(3) وإن كان الغالب أنه إذا وليها الضمير فإنه يكون ضميرَ رفعٍ وبه جاء التنزيل في قوله تعالى : { لولا أنتم لكنا مؤمنين } (4) واتفقوا أيضاً على أنه إذا وليَها الاسمُ الظاهر فإنه لا يكون إلاَّ مرفوعاً كقوله تعالى : { ولولا رهطُك لرجمناك } (5) ، ثم اختلفوا في توجيه مجيء ضمير الجر بعد لولا على قولين مشهورين :
أولهما : مذهب سيبويه والجمهور أن لولا حرفُ جر شبيهٌ بالزائد ، وموضع المجرور بها رفع بالابتداء والخبر محذوف .
ثانيهما : مذهب الأخفش والكوفيين أن لولا حرف ابتداء ، والضمير المتصل في موضع رفع بالابتداء من باب نيابة الضمائر بعضها منابَ بعض ، فناب هنا ضميرُ الجر المتصل مناب ضمير الرفع المنفصل كما ناب ضمير الرفع المنفصل مناب ضمير الجر في نحو : ما أنا كأنت ولا أنت كأنا.
وثمة توجيهٌ ثالث جوَّزه المالقي(6) ، وهو أن يكون ضمير الجر على تقدير مضاف نُزِعَ وبقي الضميرُ على خفضه ، والتقدير : لولا وجودُك .
__________
(1) الرجز لرؤبة في : خزانة الأدب : 5/334 ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في : رصف المباني : 296 .
(2) البيت بلا نسبة في : همع الهوامع : 2/375 ، والدرر : 4/177 .
(3) ينظر تفصيل القول في هذه المسألة وبيان مذاهب النحويين في توجيه إعراب ضمير الجر بعد لولا في : كتاب سيبويه : 2/373، ومعاني القرآن للفراء : 2/85، والنكت في تفسير كتاب سيبويه : 1/663-665، والإنصاف : 2/196 وشرح الجمل لابن عصفور : 2/481، وشرح الكافية الشافية : 2/787، وارتشاف الضرب : 2/469، ومغني اللبيب 361 ، وظاهرة النيابة : 192-194.
(4) سبأ : 31.
(5) هود : 91 .
(6) ينظر : رصف المباني : 296-297، والجنى الداني : 604-605.(1/492)
وهذا التوجيه منه هاهنا عجيبٌ ، لأنه يذهب إلى أن نزع المضاف وإبقاء المضاف إليه مجروراً في ما ظهر إعرابه شاذٌ عُطِفَ على غيره أولا(1) ، وعلَّل امتناع بقاء الجر في المضاف إليه بأنَّ " المضاف إليه حالٌ محل التنوين ، وكما لا يبقى التنوينُ دون اسم ، كذا لا يبقى المضافُ إليه دون المضاف "(2) فإذا كان ذلك ممتنعاً في ما ظهر إعرابه فأن يمتنع التخريج عليه في ما كان محتملاً أولى.
3- ذهب الأخفش(3) إلى أن كسرة ذال ( حينئذٍ ويومئذٍ ) ونحو ذلك كسرةُ إعراب وأن ( إذ ) إنما بنيت على السكون في نحو : جئت إذْ زيدٌ في الدار ، لإضافتها إلى الجملة ، فلما حذفت الجملة عاد إليها الإعراب ، فجُرَّت بالمضاف .
ورد عليه الجمهور(4) القائلون بأن ( إذ ) مبنية على السكون أصالة والتنوين في نحو : حينئذٍ ويومئذٍ إنما هو عِوَضٌ من المضاف إليه المحذوف ( الجملة ) وكُسِرتِ الذال لالتقاء الساكنين ، ردوا عليه مذهبه بأن ذلك الكسرَ يوجد من غير إضافة إلى إذ كما في قول الشاعر(5) :
بعاقبةٍ وأنتَ إذٍ صحيحُ ... نهيتُك عن طلابِك أمَّ عمروٍ
فلا وجه لجر ( إذ ) ولم يسبقها مضاف ، فثبت أن الأصل فيها البناء على السكون ، وأن الكسر عارض لالتقاء الساكنين ، وهما الذال وتنوين العوض والتقدير في البيت : وأنت صحيحٌ إذْ نهيتك عن طلابك أمَّ عمروٍ .
__________
(1) ينظر : رصف المباني : 348.
(2) المرجع السابق .
(3) ينظر : معاني القرآن : 2/484.
(4) ينظر : شرح المفصل : 3/29-30، وشرح الكافية الشافية : 2/939-940، ورصف المباني : 347-348، ومغني اللبيب : 118-119.
(5) البيت لأبي ذؤيب الهذلي في : شرح أشعار الهذليين : 1/171، وخزانة الأدب : 6/490 . وبلا نسبة في : الخصائص : 2/376، وسر صناعة الإعراب : 2/504، وشرح المفصل : 3/29.(1/493)
فأجاب الأخفش عن ذلك بأن ( إذ ) في البيت على تقدير مضاف ، كأنه أراد : حينئذٍ ، ثم حذف حين وأبقى المضاف إليه مجروراً " وهذا بعيدٌ ، وغيرُ قول الأخفش أولى بالصواب "(1) لأنَّ متطلَّب البناء فيها قوي(2) لوضعها على حرفين ولأن افتقارَها باقٍ في المعنى ، ولأن عدم التقدير أولى من التقدير .
الخاتمة
نزعُ الخافض مصطلحٌ نحوي يتجاذبه بابان كبيران من أبواب أصول النحو العربي ؛ السماع والقياس ، وقد كثر في الحكم عليه اضطرابُ النحويين ، فجاءت هذه الرسالةُ محاولةً لإيضاح مفهوم نزع الخافض مصطلحاً ، ولمعرفةِ الحدود الفاصلة بين ما هو قياسيٌّ فيُحْتذى ، وما هو سماعيٌّ فيُحفظُ.
حددتُ – بادئ ذي بَدءٍ – مفهومَ مصطلحِ نزع الخافض منطلِقاً من المعاني اللغوية لهذا التركيبِ الإضافي ، ملمحاً إلى أنَّ دلالة ( نزع ) وهي إخراج الشيء بشدة هي المناسبُ إطلاقُها على حذف حرف الجر أو المضاف لما بين حرف الجر ومجروره ، والمضاف والمضاف إليه من التلازم ومبيِّناً أن الخافض أشملُ من أن يخصَّ حرفَ الجر وحدَه ، بل يشملُه ويشملُ المضافَ أيضاً ؛ لذا تأسَّستِ الرسالةُ وفقَ تحديد هذا المصطلح على التغيير الحاصل عند حذف حرف الجر ، والتغيير الحاصل عند حذف المضاف ، ثم عرَّجتْ على الألفاظ الدالة على مفهوم هذا المصطلح في استخدامات النحويين فوازنتْ بينها وبين نزع الخافض كالحذف والإيصال ، والإضمار ، والاتساع ، والإلغاء وغيرِ ذلك ، وخَلَصَتْ إلى أن استعمال مصطلح ( نزع الخافض ) أولى بالاختيار لكونه أدلَّ على المقصود من غيره ؛ لشموله صُوَرَ نزع الخافض فلا يختص ببعض تلك الصور كما هو شأن الإضمار والحذف والإيصال ، ولا هو أعمُّ من أن يدلَّ على صُوَرِ نزع الخافض وغيرها كالاتساع ، ولكونه أشهر من بعض المصطلحات التي يمكن أن تكون بمعناه كفقدان الخافض .
__________
(1) شرح الكافية الشافية : 2/940.
(2) ينظر : مغني اللبيب : 119.(1/494)
وإتماماً لتحديد مفهوم هذا المصطلح سعتِ الدراسةُ في بيان شروط نزع الخافض التي هي بعضُ شروط الحذف مقرَّةً بعضَها ، ورادَّةً بعضَها الآخر ، ثم أبانتْ عن دواعي نزع الخافض وعن دواعي تقديره ، مفرِّقةً بين داعي النزع وداعي التقدير . ولما كان نزع الخافض تغييراً حاصلاً على مستوى التركيب كان لزاماً بيانُ الغرض الأسلوبي للعدول من تركيبٍ إلى تركيبٍ آخر ، فأوضحتِ الدراسةُ بعضَ تلك الأغراضِ كالتخفيف والإيجاز والمبالغة والاتساع ، ثم عرجتْ على موانعِ تقدير الخافض مشيرةً إلى أنها إما عدمية كالتمسُّك بالأصل عند عدم الدليل على الحذف ، وإما وجوديَّةٌ كوجود ما ينافي الحذف مثل التوكيد وبدل الاشتمال .ثم قرَّرتْ بعضَ الضوابط الأخرى التي هي أشبه بقواعد الترجيح النحوي عند التعارض . ولما كانت بعض صور نزع حرف الجر قد تلتقي في التخريج مع القول بالتضمين تتبَّعتِ الدراسةُ صور التضمين للإبانة عن أن صورة الالتقاء بينهما ليست هي الأكثرَ وروداً في العربية ، ثم أبانتْ عن أن القول بنزع حرف الجر أولى من القول بالتخريج على التضمين في صورة التقائهما . ومن أهم ما عُنِيَتِ الدراسةُ بتجليته حكمُ نزع الخافض فكشفت عن الاضطراب المنتشر في الحكم عليه بالسماع أو القياس في كل صور نزع الخافض ، ودعتْ إلى الحاجة إلى إزالة ذلك الاضطرابِ في الدرس النحوي باعتماد ضوابطَ يُمكِنُ الحكمُ بها على الوارد عن العرب بالسماع أو القياس ، فحاولتِ الدراسةُ وضْعَ ملامحَ للحكم بالقياس على ما ورد في باب نزع الخافض حتى إذا جرى البحثُ يَمِيْزُ المسموعَ من المقيس كان قد بنى أساساً يُعتمَد عليه لذلك التفريق .(1/495)
ثم أخذتِ الدراسةُ في تتبُّع مواضعِ نزع الخافض ( حرف الجر والمضاف ) في أبواب النحو العربي ومسائله وفق ما تحصَّل في المصطلح ، فما وافق المفهومَ الاصطلاحي لنزع الخافض قُبِلَ واستُقصِيَتْ مسائلُه ، وما خالفه رُدَّ ووُجِّه التوجيهَ اللائقَ به . ويمكن إيجازُ أهمِّ نتائج القبول والرد لمواضع نزع الخافض على النحو الآتي :
أولاً : مواضع القبول :
قسَّمتُ مواضعَ انتصاب الاسم بعد نزع حرف الجر إلى قسمين :
مواضعُ ينتصب فيها على حد المفعول به فشملت : باب نصح ، وباب أمر ، وباب المنصوب على التحذير على حد ( إياك الأسدَ ) ، ومسألة انتصاب المقسم به على حد ( اللهَ لأفعلن ) .
ومواضع ينتصب فيها الاسم على غير حد المفعول به ، فشملت : باب المفعول له ، والمفعول فيه ، وباب دخل وذهب ، والمميِّز ، وباب سفه نفسه ، ومسألة النصب على حد ( أحقاً أنك ذاهبٌ ) ومسألة نصب ( وحدَه ) .
أما مواضعُ بقاء الاسم مجرورًا بعد نزع حرف الجر فكانت على النحو الآتي :
نزع حرف الجر مع المقسم به ، ومسألة نزع رب ، ونزع حرف الجر مع مميز كم بنوعيها ونزع حرف الجر مع أمسِ ، مع القول بإعرابها مطلقاً سواءٌ أظرفيةً كانت أم غيرَ ظرفية ، ومسائل ثمان نُزِعَ فيها حرفُ الجر لتقدم ذكره مع انضباط كلٍّ بضابطٍ كلي .
وثمة موضعان لا يظهر فيهما أثر نزع حرف الجر فأفردتهما بمبحث مستقلٍّ ، هما :
نزع حرف الجر مع الحرف المصدري وصلته .
ونزع حرف الجر مع الجملة المعلَّق عاملها .
وتتبعت في مبحث نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه المواضعَ الإعرابية التي يمكن أن يقوم فيها المضاف إليه مقام المضاف فيأخذ حكمَه الإعرابي . وتلمستُ من شواهد نزع المضاف الدواعي الداعية إلى تقديره .
وأثبتُّ في مبحث نزع المضاف وإبقاء المضاف إليه مجروراً مواضعَ قياسية مدارُها على أمرين :
تقدم ذكر مثيل المحذوف .
وثبوت الحامل على تقدير المضاف .
ثانياً : مواضع الرد :(1/496)
رددت القول بنزع الخافض ( حرف الجر والمضاف ) في المواضع والمسائل الآتية :
انتصاب الحال على نزع حرف الجر .
انتصاب ( فاه ) في نحو : كلمته فاه إلى فيَّ ، على نزع حرف الجر .
انتصاب المفعول معه على نزع حرف الجر .
انتصاب خبر ما في نحو : { ما هذا بشراً } على نزع حرف الجر .
إبقاء الاسم مجرورًا بعد حتى ، إثرَ نزع حرف الجر ( إلى ) .
إبقاء الاسم مجرورًا بعد لعل ، إثرَ نزع حرف الجر ( اللام ) .
إبقاء الاسم مجرورًا بعد عاطف على خبر ليس أو ما المنصوبِ ، إثر نزع حرف الجر .
إبقاء الاسم مجرورًا بعد حاشا ، إثر نزع حرف الجر .
إبقاء الاسم مجرورًا بعد عاطف على ضمير جرٍّ ، إثر نزع حرف الجر .
نزع حرف الجر مع أنْ في نحو : عسى زيدٌ أن يقوم .
نزع لام الجحود مع أنْ في نحو : قوله تعالى : { وماكان هذا القرآنُ أنْ يُفتَرَى } .
نزع حرف الجر مع أنْ على حد قوله تعالى : { يبيِّنُ الله لكم أنْ تضلوا } .
رددتُ أن يكون المضاف إليه آخذاً في حال نيابته عن المضاف غيرَ حكمِ المضاف الإعرابي موجهاً ما قيل بأن المضاف إليه قد يأخذ حكم المضاف بعد نزعه في التذكير أو التأنيث أو التنكير أو غير ذلك .
رددت القول بنزع المضاف وإبقاء المضاف إليه مجرورًا في المواضع الآتية :
إذا كان الاسم المجرور بعد عاطف على ضمير الجر من غير إعادة الجار .
إذا كان الاسم المجرور ( الضمير ) بعد لولا الامتناعية ( لولاي ، ولولاك ، ولولاه ) .
إذا كان الاسم ( إذ ) في نحو : وأنت إذٍ صحيحٌ .
الملخَّص
نزع الخافض في الدرس النحوي
أتت هذه الدراسةُ في ثلاثة فصول ، مشتملةً على تسعة مباحثَ ، سبقتها مقدمةٌ وتلتها خاتمةٌ :
- المقدمة :
أبانت عن أهمية الموضوع ، ودواعي اختياره ، وأقسامه .
- الفصل الأول :
عنوانه ( نزعُ الخافض أحكامٌ مهمَّةٌ ) ويضمُّ أربعةَ مباحثَ :
- المبحث الأول :(1/497)
بعنوان ( نزع الخافض مصطلحاً ) بيَّنت فيه المقصودَ بنزع الخافض في اللغة والاصطلاح والألفاظَ الدالَّةَ على مفهوم نزع الخافض في استخدام النحويين ، ووجهَ اختيار نزع الخافض دالاًّ على موضوع البحث .
- المبحث الثاني :
بعنوان ( ضوابط نزع الخافض ) تتبَّعتُ فيه شروطَ نزع الخافض ، ودواعيَ نزعه وأغراضَ النزع ودواعيَ تقديرِ الخافض ، وضوابطَ للترجيح عند التعارض متعلِّقةً بنزعِ الخافض .
- المبحث الثالث :
بعنوان ( نزع الخافض والتضمين ) أوضحتُ فيه علاقةَ نزع الخافض بالتضمين ، وطرائقَ العلماء في تحليلِ تركيبِ صورةِ احتمالِ التخريجِ على نزع الخافض والتضمين ، وأقسامَ شواهدِ نزعِ الخافض التي قيل بتخريجها على التضمين .
- المبحث الرابع :
بعنوان ( نزع الخافض والقياس ) تمَّ فيه وضعُ ملامحَ للقياس المعتمد إجراؤه على مواضعِ نزع الخافض ، بعد بيان اضطراب النحويين في الحكم على نزع الخافض من حيثُ السماعُ والقياسُ .
- الفصل الثاني :
عنوانه ( نزع حرف الجر ) وفيه ثلاثةُ مباحثَ :
- المبحث الأول :
بعنوان ( نزع حرف الجر وانتصاب الاسم ) قسَّمت فيه انتصابَ الاسمِ بعد نزع حرف الجر قسمين؛ ما ينتصب على حدِّ المفعول به ، وما ينتصب على حد غيرِ المفعول به ، وتتبعت في كلٍّ منهما مواضعَهما القياسيةَ ، ثم رددْتُ مواضعَ قيل بانتصابها على نزع حرف الجر .
- المبحث الثاني :
بعنوان ( نزع حرف الجر وإبقاء الاسم مجروراً ) تتبعت فيه مواضعَه القياسيةَ ، ثم رددت مواضعَ قيل بأنها من باب نزع حرف الجر وإبقاء الاسم مجروراً ، ووجهتُها التوجيهَ المناسبَ لها .
- المبحث الثالث :
بعنوان : ( نزع حرف الجر واحتمال المحل للنصب والجر ) اختَصَّ بمسألتين هما : نزعُ حرفِ الجر مع الحرف المصدري وصلته ، ونزعُ حرف الجر مع الجملة المعلَّقِ عاملُها .
- الفصل الثالث :
عنوانه ( نزع المضاف ) وفيه مبحثان :
- المبحث الأول :(1/498)
بعنوان ( نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مُقامَه ) أبنت فيه عن حكمه من حيثُ السماعُ والقياسُ وضابطِ كلٍّ منهما ، وتتبعت دواعيَ تقديرِه ، والأحكامَ التي يقوم فيها المضافُ إليه مَقامَ المضافِ .
- المبحث الثاني :
بعنوان ( نزع المضاف وإبقاء المضاف إليه مجروراً ) تتبعت فيه مواضعَه القياسيةَ ، ورددت مواضعَ قيل فيها بنزع المضاف وإبقاء المضاف إليه مجروراً .
- الخاتمة :
اشتملتْ على أهمِّ المحاورِ والأفكارِ والنتائجِ التي انتهى إليها البحثُ .(1/499)
مصادر البحث ومراجعه
أولاً : القرآن الكريم .
ثانياً : المخطوطات والرسائل الجامعية :
تعريف من انتصب لتلقي الوهب الفائض ، بحد المنصوب من الأسماء بنزع الخافض . الأهدل : محمد بن أحمد بن عبد الباري ، ( ت : 1298هـ ) مصورة من مخطوطة بيد : محمد بن إبراهيم بن طاهر الأهدل سنة 1409هـ.
تعليق الفرائد شرح تسهيل الفوائد . الدماميني : بدر الدين ، محمد بن أبي بكر ( ت : 827هـ ) مصورة عن مخطوطة مكتبة الأحقاف للمخطوطات بتريم برقم : 2380 .
حاشية الشنواني على موصل الطلاب . الشنواني : أبو بكر بن إسماعيل بن عمر : ( ت : 1019هـ ) ، مصورة عن مخطوطة محمد بن عبد الجليل قايد العزي بزبيد .
ظاهرة الاستغناء في النحو العربي . بابعير : عبدالله صالح عمر ، ( رسالة ماجستير ) ، جامعة اليرموك ، كلية الآداب ، 1993م .
ظاهرة الشبه في النحو العربي . باخبازي : عبد اللطيف سالم ، ( رسالة ماجستير ) ، جامعة المستنصرية ، كلية الآداب ، 1997م .
ظاهرة النيابة في العربية : بابعير : عبدالله صالح عمر ، ( رسالة دكتوراه ) الجامعة المستنصرية ، كلية الآداب ، 1997م .
ثالثاً : المطبوعة المنشورة :(1/500)
ائتلاف النصرة في اختلاف نحاة الكوفة والبصرة . الزبيدي : عبد اللطيف بن أبي بكر الشرجي ( ت : 802هـ) ، تحقيق : طارق الجنابي ، بيروت ، عالم الكتب ، ط1 ، 1987م .
أبو علي الفارسي ، حياته ، ومكانته بين أئمة التفسير والعربية ، وآثاره في القراءات النحوية . شلبي : عبد الفتاح إسماعيل ، جدة ، دار المطبوعات الحديثة ، ط3 ، 1989م .
إتحاف الحثيث إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث . العكبري : أبو البقاء ، عبد الله بن الحسين ( ت : 616هـ ) ، تحقيق : محمد إبراهيم سليم ، القاهرة ، مكتبة ابن سينا ، ط1 ، 1990م .
إتحاف فضلاء البَشَر بقراءات الأربعةَ عشرَ . البنا : أحمد بن محمد ( ت : 1117هـ ) تحقيق: شعبان محمد إسماعيل ، بيروت ، عالم الكتب ، ط1 ، 1987م .
الإتقان في علوم القرآن . السيوطي : جلال الدين ، عبد الرحمن بن أبي بكر ، ( ت : 911هـ) تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ، بيروت ، المكتبة العصرية ، ط1 ، 1987م .
أدب الكاتب . ابن قتيبة : أبو محمد ، عبد الله بن مسلم الدينوري ، ( ت : 276هـ ) ، تحقيق : على فاعور بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1988م .
ارتشاف الضرب من لسان العرب . أبو حيان : أثير الدين ، محمد بن يوسف بن علي الغرناطي ( ت : 745هـ) ، تحقيق : مصطفى أحمد النماس :
الجزء الأول : القاهرة ، مطبعة النسر الذهبي ، ط1 ، 1984م .
الجزء الثاني :القاهرة ، مطبعة المدني ، ط1 ، 1987م .
الجزء الثالث : القاهرة : مطبعة المدني ، ط1 ، 1989م .
أساس البلاغة . الزمخشري : جار الله ، أبو القاسم ، محمود بن عمر ( ت : 538هـ ) تحقيق : عبدالرحيم محمود ، بيروت ، دار المعرفة ( غ . ت ) .
أسرار البلاغة . الجرجاني : عبد القاهر بن عبد الرحمن ، ( ت : 474هـ ) ، قرأه وعلَّق عليه: أبو فهر ، محمود محمد شاكر ، القاهرة ، مطبعة المدني ، جدة ، ط1 ، 1991م .(1/501)
أسرار العربية . الأنباري : أبو البركات ، عبد الرحمن بن محمد ( ت : 577هـ ) ، تحقيق : فخر صالح قدارة ، بيروت ، دار الجيل ، ط1 ، 1995م .
أسرار النحو . ابن كمال باشا : شمس الدين ، أحمد بن سليمان ، ( ت : 940هـ ) تحقيق : أحمد حسن الحامد ، عمَّان ، دار الفكر ، ( غ . ت ) .
الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز . العز بن عبد السلام : أبو محمد ، عبدالعزيز بن عبد السلام السلمي (ت: 660هـ ) اعتنى بطبعه وقدَّم له : رمزي سعد الدين دمشقية ، بيروت دار البشائر الإسلامية ، ط1 ، 1987م .
الأشباه والنظائر في النحو . السيوطي : جلال الدين ، عبد الرحمن بن أبي بكر ، ( ت : 911هـ ) ، تحقيق : عبد العال سالم مكرم ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، ط1 ، 1985م .
أشعار النساء . المرزباني : أبو عبيد الله ، محمد بن عمران ، (ت : 384هـ ) ،حققه : سامي مكي العاني ، وهلال ناجي ، بغداد ، دار الرسالة ، 1976 م .
الإصابة في تمييز الصحابة . العسقلاني : أحمد بن علي بن حجر ، ( ت : 852هـ ) ،تحقيق : عادل أحمد عبد الموجود ، وعلي محمد معوض ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ،1995م .
إصلاح الخلل الواقع في الجمل للزجاجي . البطليوسي : عبد الله بن السِّيْد ، ( ت : 521هـ ) تحقيق عبد الله النشرتي ، الرياض ، دار المريخ ، ط1 ، 1979م .
الأصمعيات . الأصمعي : أبو سعيد ، عبد الملك بن قريب ، ( ت : 216هـ ) ، تحقيق : أحمد شاكر ، وعبد السلام هارون ، بيروت ، ط5 ، ( غ . ت )
الأصول . حسان : تمام ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، وبغداد ، دار الشؤون الثقافية العامة ، ط1 ، 1996م .
الأصول في النحو . ابن السراج : أبو بكر ، محمد بن السري ، ( ت : 316هـ ) ، تحقيق : عبد الحسين الفتلي ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، ط3 ، 1996م .(1/502)
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن . الشنقيطي : محمد الأمين بن محمد المختار الجكني (ت : 1393هـ ) وتتمته لتلميذه : عطية محمد سالم ، اعتنى به : صلاح الدين العلايلي بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، ط1 ، 1996م .
إعراب القراءات السبع وعللها . ابن خالويه : أبو عبد الله ، الحسين بن أحمد ، ( ت : 370هـ) حققه وقدم له: عبدالرحمن بن سليمان العثيمين ، القاهرة ، مكتبة الخانجي ، ط1 ، 1992م .
إعراب القراءات الشواذ . العكبري : أبو البقاء ، عبد الله بن الحسين ، ( ت : 616هـ ) تحقيق: محمد بن السيد أحمد عزوز ، بيروت ، عالم الكتب ، ط1 ، 1996م .
إعراب القرآن .النحاس : أبو جعفر ، أحمد بن محمد بن إسماعيل ، ( ت : 338هـ ) ، تحقيق: زهير غازي زاهد ، بيروت ، عالم الكتب ، مكتبة النهضة العربية ، ط3 ، 1988م .
إعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج . تحقيق : إبراهيم الأبياري ، بيروت ، دار الكتاب اللبناني ط3 ، 1986م.
الأعلام . الزِّرِكْلي : خير الدين بن محمود بن محمد ، ( ت : 1976 ) ، بيروت ، دار العلم للملايين ، ط14 ، 1999م .
الأغاني . الأصفهاني : أبو الفرج ، علي بن الحسين ، ( ت : 356هـ ) ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، ط2 ، 1997م .
الإغراب في جدل الإعراب . الأنباري : أبو البركات ، عبد الرحمن بن محمد ( ت : 557هـ ) تحقيق : سعيد الأفغاني ، دمشق ، مطبعة الجامعة السورية ، ط1 ، 1957م .
الإفصاح . الفارقي : الحسن بن أسد ، (ت : 487هـ ) ، تحقيق : سعيد الأفغاني ، بيروت 1980م .
الأفعال . ابن القطاع : أبو القاسم ، علي بن جعفر السعدي ، ( ت : 515هـ ) ، بيروت ، عالم الكتب ، ط1 ، 1983 .
الاقتراح في علم أصول النحو . السيوطي : جلال الدين ، عبد الرحمن بن أبي بكر ، ( ت : 911هـ ) ، تحقيق : محمد حسن الشافعي ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1998م .(1/503)
الاقتضاب في شرح أدب الكتاب . البطليوسي : أبو محمد ،عبد الله بن محمد بن السِّيْد ، ( ت : 521هـ ) تحقيق :محمد باسل عيون السود ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1999م .
أقل الجمع عند الأصوليين وأثر الاختلاف فيه . النملة : عبد الكريم بن علي ، الرياض ، مكتبة الرشد ، ط1 1993م .
الألفاظ والأساليب . ما نظرت فيه لجنة الأصول ، ولجنة الألفاظ والأساليب ، وعرض على مجلس المجمع ومؤتمره من الدورة الخامسة والثلاثين إلى الدورة الحادية والأربعين . أعد المادة وعلَّق عليها : محمد شوقي أمين ، ومصطفى حجازي ، القاهرة ، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية ، 1977م .
ألفية ابن مالك في النحو والصرف . ابن مالك : محمد بن عبدالله ، ( ت : 672هـ ) ، بيروت دار الفكر ، 1996م .
الأمالي . القالي : أبو علي ، إسماعيل بن القاسم ، ( ت : 356هـ ) ، بيروت ، دار الجيل ط2 ، 1987 م .
أمالي السهيلي . السهيلي : أبو القاسم ، عبدالرحمن بن عبدالله ، ( ت : 581هـ ) ، تحقيق : محمد إبراهيم البنا ، القاهرة ، مطبعة السعادة ، ط1 ، 1979م .
أمالي ابن الشجري . ابن الشجري : أبو السعادات ، علي بن حمزة العلوي ، ( ت : 542هـ ) تحقيق : محمود الطناحي ، القاهرة ، مكتبة الخانجي ، مطبعة المدني ، ط1 ، 1992م .
أمالي المرتضى ، غرر الفوائد ودرر القلائد . المرتضى : الشريف ، علي بن الحسن ( ت : 436هـ ) ، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ، القاهرة ، دار إحياء الكتب العربية ، ط1 1954م .
الأمالي النحوية . ابن الحاجب : أبو عمرو ، عثمان بن عمر ، ( ت : 646هـ ) ، تحقيق : هادي حسن حمودي ، بيروت ، عالم الكتب ، مكتبة النهضة العربية ، ط1 ، 1985م .
الانتخاب لكشف الأبيات المشكلة الإعراب . ابن عدلان : علي الموصلي ، ( ت : 666هـ ) تحقيق : حاتم صالح الضامن ، منشور في كتاب ( نصوص محققة في اللغة والنحو ) ، بغداد وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جامعة بغداد ، 1991م .(1/504)
الانتصار لسيبويه على المبرد . ابن ولاد : أبو العباس ، أحمد بن محمد التميمي ، ( ت : 332هـ ) ، تحقيق : زهير عبد المحسن سلطان ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، ط1 ، 1996م .
الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين . الأنباري : أبو البركات ، عبد الرحمن بن محمد ، (ت : 577هـ ) ، تحقيق : حسن حمد ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 1998م .
أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك . ابن هشام : عبد الله بن يوسف ، ( ت : 761هـ ) تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد ، بيروت ، المكتبة العصرية ، ط1 ، 1998م .
الإيضاح . الفارسي : أبو علي ، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار ، ( ت : 377هـ ) ، تحقيق : كاظم بحر المرجان ، بيروت ، عالم الكتب ، ط2 ، 1996م .
إيضاح شواهد الإيضاح . القيسي : أبو علي ، الحسن بن عبد الله ( ت : في القرن السادس الهجري ) ، تحقيق : محمد حمود الدعجاني ، بيروت ، دار الغرب الإسلامي ، ط1 ، 1987م
الإيضاح في شرح المفصل . ابن الحاجب : أبو عمرو ، عثمان بن عمر ، ( ت : 646هـ ) تحقيق : موسى بناي العكيلي ، بغداد ، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ، إحياء التراث الإسلامي ، ط1 ، 1982م .
الإيضاح في علل النحو . الزجاجي : أبو القاسم ، عبد الرحمن بن إسحاق ، ( ت : 337هـ ) تحقيق : مازن المبارك ، بيروت ، دار النفائس ، ط6 ، 1996م .
الإيضاح في علوم البلاغة . القزويني : أبو عبد الله ، محمد بن عبد الرحمن ،( ت : 739هـ ) بيروت ، دار الكتب العلمية ، ( غ . ت ) .
البحر المحيط . أبو حيان : محمد بن يوسف ، ( ت : 745هـ ) ،عناية : زهير جعيد ، بيروت دار الفكر ، 1992م .
البحر المحيط . أبو حيان ، وبهامشه : النهر الماد لأبي حيان ، والدر اللقيط . للقيسي : أبي محمد ، أحمد بن عبد القادر ، ( ت : 749هـ ) ، بيروت ، مؤسسة التاريخ العربي ، دار إحياء التراث العربي ، ط2 ، 1990م .(1/505)
البحر المحيط في أصول الفقه . الزركشي : بدر الدين ، محمد بن بهادر بن عبدالله ، ( ت : 794هـ ) ، تحقيق : محمد محمد تامر ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 2000م .
بدائع الفوائد . ابن القيم : محمد بن أبي بكر بن أيوب ، ( ت : 751هـ ) ، تحقيق : هشام عبد العزيز عطا ، وعادل عبد الحميد العدوي ، وأشرف أحمد الجمال ، بإشراف : سعيد عبد الفتاح مكة المكرمة ، مكتبة نزار مصطفى الباز ، ط1 ، 1996م .
بداية المجتهد ونهاية المقتصد . ابن رشد : أبو الوليد : محمد بن أحمد بن محمد الحفيد ، ( ت : 595هـ ) ،تحقيق : محمد صبحي حسن حلاق ، القاهرة ،مكتبة ابن تيمية ، ط1 ، 1415هـ .
البرهان في علوم القرآن . الزركشي : بدر الدين ، محمد بن بهادر بن عبدالله ، ( ت : 794هـ) ، تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1988م
البسيط في شرح جمل الزجاجي . ابن أبي الربيع : أبو الحسين ، عبيد الله بن أحمد الإشبيلي (ت : 688هـ ) تحقيق : عياد بن عيد الثبيتي ، بيروت ،دار الغرب الإسلامي ، ط1 ، 1986م
بُغيَة الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة . السيوطي : جلال الدين ، عبد الرحمن بن أبي بكر (ت : 911هـ ) تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ، بيروت ، المكتبة العصرية ، ( غ . ت )
البهجة المرضية في شرح الألفية . السيوطي : جلال الدين ، عبد الرحمن بن أبي بكر ، ( ت : 911هـ ) وبهامشه : توضيحات للبهجة المرضية للسيد صادق الشيرازي ، قم ، دار الإيمان مطبعة كورش طهران ، ط1 ، 1403هـ .
البيان في غريب إعراب القرآن . الأنباري : أبو البركات ، عبد الرحمن بن محمد ( ت : 577هـ ) ، تحقيق : طه عبد الحميد طه ، مراجعة : مصطفى السقا ، القاهرة ، الهيئة العامة للكتاب ، 1980م .
البيان والتبيين . الجاحظ : أبو عثمان ، عمرو بن بحر ، ( ت : 255هـ ) تحقيق : عبد السلام هارون ، القاهرة ، مكتبة الخانجي ، ط4 ، 1975م .(1/506)
تاج العروس من جواهر القاموس . الزبيدي : أبو الفيض ، محمد مرتضى ، ( ت : 1205هـ) تحقيق : علي شيري ، بيروت ، دار الفكر ، 1994م .
تأويل مشكل القرآن . ابن قتيبة : أبو محمد ، عبد الله بن مسلم الدينوري ، ( ت : 276هـ ) تحقيق : السيد أحمد صقر ، بيروت ، المكتبة العلمية ، ( غ . ت ) .
التأويل النحوي في القرآن الكريم . الحموز : عبد الفتاح أحمد ، الرياض ، مكتبة الرشد ، ط1 1984م .
التبصرة في القراءات السبع . مكي : أبو محمد ، مكي بن أبي طالب القيسي ،( ت : 437هـ ) تحقيق : محمد غوث الندوي ، بومباي ، الدار السلفية ، ط2 ، 1982م .
التبيان في إعراب القرآن . العكبري : أبو البقاء ، عبد الله بن الحسين ، ( ت : 616هـ ) تحقيق : علي محمد البجاوي ، القاهرة ، دار إحياء الكتب العربية ، 1976م .
التبيين عن مذاهب النحويين البصريين والكوفيين . العكبري : أبو البقاء ، عبد الله بن الحسين (ت : 616هـ) ، تحقيق : عبد الرحمن بن سليمان العثيمين ، الرياض ، مكتبة العبيكان ، ط1 2000م .
تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن . ابن أبي الأصبع : أبو محمد عبد العظيم بن عبد الواحد ، ( ت : 654هـ ) ، تحقيق : حفني محمد شرف ، القاهرة ، دار التعاون ، ط1 ، 1995م .
تحصيل عين الذهب من معدن جوهر الأدب في علم مجازات العرب . الشنتمري : الأعلم ، أبو الحجاج ، يوسف بن سليمان بن عيسى ، ( ت : 476هـ ) ، تحقيق : زهير عبد المحسن سلطان ، بغداد ، دار الشؤون الثقافية العامة ، ط1 ، 1992 .
تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد . ابن هشام : عبد الله بن يوسف ،( ت : 761هـ ) ، تحقيق : عباس مصطفى الصوالحي ، بيروت ، المكتبة العربية ، ط1 ، 1986م .
تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي . السيوطي : جلال الدين ، عبد الرحمن بن أبي بكر (ت : 911هـ ) ، تحقيق : نظر محمد الفاريابي ، بيروت ، مكتبة الكوثر ، ط3 ، 1417هـ(1/507)
التدمرية . ابن تيمية : أحمد بن عبد الحليم ( ت : 728هـ ) ، تحقيق : محمد بن عودة السعوي الرياض ، مكتبة العبيكان ، ط5 ، 1998م .
تذكرة النحاة . أبو حيان : محمد بن يوسف ، ( ت : 745هـ ) ، تحقيق : عفيف عبد الرحمن بيروت ، مؤسسة الرسالة ، ط1 ، 1986م .
تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد . ابن مالك : محمد بن عبدالله ، ( ت : 672هـ ) ، تحقيق : محمد كامل بركات ، القاهرة ، دار الكاتب العربي ، 1968م .
تصحيح الفصيح وشرحه . ابن درستويه : أبو محمد ، عبدالله بن جعفر ، ( ت : 347هـ ) تحقيق : محمد بدوي المختون ، مراجعة : رمضان عبد التواب ، القاهرة ، مطابع الأهرام ، ط1 1998م .
التطور النحوي للغة العربية . برجشتراسر ، ( ت : 1933م ) ، إخراج : رمضان عبد التواب القاهرة ، مكتبة الخانجي ، 1997م .
التعريفات . الجرجاني : السيد الشريف ، علي بن محمد بن علي ، ( ت : 816هـ ) ، تحقيق : إبراهيم الأبياري ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، ط4 ، 1998م .
التعليقة على كتاب سيبويه . الفارسي : أبو علي ، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار ، ( ت : 377هـ ) ، عوض بن حمد القوزي :
الجزء الأول : القاهرة ، مطبعة الأمانة ، ط1 ، 1990م .
الجزء الثاني : القاهرة ، دار المعارف ، ط1 ، 1992م .
الجزء الثالث : القاهرة ، دار المعارف ، ط1 ، 1993م .
الجزء الرابع : الرياض ، مطابع الحسني ، 1994م .
الجزء الخامس والسادس : الرياض ، مطابع الحسني ، 1996م .
تفسير أبي السعود . أبو السعود : محمد بن محمد بن مصطفى ، ( ت : 982هـ ) ، تحقيق : عبد اللطيف عبد الرحمن ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1999م .
تفسير الفخر الرازي . الرازي : فخر الدين ، محمد بن عمر ، ( ت : 604هـ ) ، قدم له : خليل محيي الدين الميس ، بيروت ، دار الفكر ، 1994م .
تفسير القاسمي . القاسمي : جمال الدين ، محمد ( ت : 1332هـ ) ، تحقيق : محمد باسل عيون السود ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1998م .(1/508)
تفسير القرآن العظيم . ابن كثير : أبو الفداء ، إسماعيل ( ت : 774هـ ) ، تحقيق : عبد الرزاق المهدي ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، ط2 ، 2002م .
تلقيح الألباب في عوامل الإعراب . الشنتريني : أبو بكر ، محمد بن عبد الملك ، ( ت : 549هـ ) ، تحقيق : معيض بن مساعد العوفي ، جدة ، دار المدني ، ط1 ، 1989م .
التنبيه والإيضاح عما وقع في الصحاح . ابن بري : أبو محمد ، عبد الله ، ( ت : 582هـ ) تحقيق : عبد العليم الطحاوي ، مراجعة : عبد السلام هارون ، القاهرة ، الهيئة المصرية للكتاب ط1 ، 1981م .
تهذيب الأسماء واللغات . النووي : أبو زكريا ، محيي الدين بن شرف ، ( ت : 676هـ ) عني بنشره وتصحيحه : إدارة الطباعة المنيرية ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ( غ . ت ) .
تهذيب الكمال في أسماء الرجال . المزي : أبو الحجاج ، يوسف ، ( ت : 742هـ ) ، تحقيق : بشار عواد معروف ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، ط5 ، 1994م .
التوطئة . الشلوبين : أبو علي ، عمر بن محمد بن عبد الله الإشبيلي ، ( ت : 645هـ ) تحقيق : يوسف المطوع ، القاهرة ، دار التراث العربي ، ط2 ، 1980م .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن . الطبري : أبو جعفر ، محمد بن جرير ، ( ت : 310هـ ) تحقيق : محمود محمد شاكر ، القاهرة ، دار المعارف ، ط2 ، 1971م .
الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه ( صحيح البخاري ) . البخاري : أبو عبد الله ، محمد بن إسماعيل ، ( ت : 256هـ ) ، حققه : محب الدين الخطيب ، ورقمه : محمد فؤاد عبد الباقي ، بيروت ، دار إحياء التراث ، ط1 ، 1400هـ .
جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم . ابن رجب : أبو الفرج ، عبد الرحمن بن شهاب الدين ، ( ت : 795هـ ) ،تحقيق : طارق بن عوض الله بن محمد ، الرياض دار ابن الجوزي ، ط1، 1995م.(1/509)
الجامع لأحكام القرآن . القرطبي : أبو عبدالله ، محمد بن أحمد الأنصاري ، ( ت : 671هـ ) تحقيق : هشام سمير البخاري ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، ط1 ، 1995م .
الجمل في النحو . الزجاجي : أبو القاسم ، عبد الرحمن بن إسحاق ، ( ت : 337هـ )، تحقيق: علي توفيق الحمد ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، دار الأمل ، ط3 ، 1986م .
جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام .القرشي : أبو زيد ، محمد بن أبي الخطاب ( ت : 230 هـ ) تحقيق : علي محمد البجاوي (غ .ت ) .
جمهرة الأمثال . العسكري : أبو هلال ، الحسن بن عبد الله بن سهل ، ( ت : 395هـ ) تحقيق : أحمد عبد السلام ، خرج أحاديثه : محمد سعيد بسيوني زغلول ، بيروت ، دار الكتب العربية ، ط1 ، 1988م .
الجنى الداني في حروف المعاني . المرادي : الحسن بن قاسم ، ( ت : 749هـ ) ، تحقيق : فخر الدين قباوة ومحمد نديم فاضل ، بيروت ، دار الآفاق الجديدة ، ط2 ، 1988م .
جواهر الأدب في معرفة كلام العرب . الإربلي : علاء الدين بن علي ، ( ت : في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري ) ، تحقيق : إميل بديع يعقوب ، بيروت ، دار النفائس ، ط1 1991م .
حاشية الأمير على مغني اللبيب . الأمير : محمد بن محمد السنباوي ، ( 1232هـ ) ، القاهرة دار إحياء الكتب العربية ، ( غ . ت ) .
حاشية ابن حمدون على شرح المكودي لألفية ابن مالك . ابن حمدون : أبو العباس ، أحمد بن محمد ، ( ت : 1232هـ ) ، تحقيق : محمد صدقي ، بيروت ، دار الفكر ، 1995م
حاشية الخضري على شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك . الخضري : محمد الدمياطي ، ( ت : 1287هـ ) تحقيق : تركي فرحان المصطفى ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1998م .
حاشية الدسوقي على مغني اللبيب . الدسوقي : مصطفى بن محمد عرفة ، ( ت : 1230هـ ) تحقيق : عبد السلام محمد أمين ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 2000م(1/510)
حاشية السجاعي على شرح قطر الندى . السجاعي : أحمد بن أحمد ، ( 1197هـ ) ، تحقيق : عدنان مطرجي ، بيروت ، مؤسسة الكتب الثقافية ، 1998م .
حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي . الخفاجي : شهاب الدين ، أحمد بن محمد بن عمر ، ( ت : 1069هـ ) تحقيق : عبد الرزاق المهدي ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1997م
حاشية الصبان على شرح الأشموني لألفية ابن مالك . الصبان : محمد بن علي ، ( ت : 1206هـ ) ، القاهرة ، دار إحياء الكتب العربية ، ( غ . ت ) .
حاشية ياسين على ألفية ابن مالك . ياسين : بن زين الدين بن أبي بكر بن محمد بن عليم الحمصي ، ( ت : 1061هـ ) ، فاس ، المطبعة المولوية ، 1337هـ .
حاشية ياسين على شرح التصريح . ياسين : بن زين الدين بن أبي بكر بن محمد بن عليم الحمصي ، ( ت : 1061هـ ) ، بيروت ، دار الفكر ، ( غ . ت ) .
الحجة للقراءات السبع . ابن خالويه : أبو عبد الله ، الحسين بن أحمد ، ( ت : 370هـ ) تحقيق : عبد العال سالم مكرم ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، ط6 ، 1996م .
حجة القراءات . ابن زنجلة : أبو زرعة ، عبد الرحمن بن محمد ، ( ت : في القرن الرابع الهجري ) ، تحقيق : سعيد الأفغاني ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، ط5 ، 1997م .
الحدود . الرماني : أبو الحسن ، علي بن عيسى ، ( ت : 384هـ ) ، تحقيق : إبراهيم السامرائي ، عمان ، دار الفكر ، ط1 ، 1984م .
الحذف والتعويض في اللهجات العربية من خلال معجم الصحاح للجوهري . السحيمي : سليمان بن سالم رجاء ، المدينة المنورة ، مكتبة الغرباء الأثرية ، ط1 ، 1995م .
الحروف العاملة في القرآن الكريم بين النحويين والبلاغيين . الهلالي : هادي عطية مطر بيروت ، عالم الكتب ، مكتبة النهضة العربية ، ط1 ، 1986م .
حروف المعاني . الزجاجي : أبو القاسم ، عبد الرحمن بن إسحاق ، ( ت : 337هـ ) ، تحقيق: علي توفيق الحمد ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، ط2 ، 1986م .(1/511)
الحماسة البصرية . البصري : صدر الدين ، علي بن أبي الفرج بن الحسن ، ( ت : 656هـ ) تحقيق : عادل جمال سليمان ، القاهرة ، 1978م .
الحيوان . الجاحظ : أبو عثمان ، عمرو بن بحر ، ( ت : 255هـ ) ، تحقيق : عبد السلام هارون ، دار إحياء التراث العربي ، ط3 ، 1969م .
خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب . البغدادي : عبد القادر بن عمر ، ( ت : 1093هـ ) تحقيق : محمد نبيل طريفي ، بإشراف : إميل بديع يعقوب ، بيروت ، دار الكتب العلمية 1998م .
الخصائص . ابن جني : أبو الفتح : عثمان ، ( ت : 392هـ ) ، تحقيق : محمد علي النجار بيروت ، دار الهدى ( غ . ت ) .
دراسات في فلسفة النحو والصرف والرسم . جواد : مصطفى ، ( ت : 1389هـ ) ، بغداد مطبعة أسعد ، 1968م.
دراسات في نظرية النحو العربي وتطبيقاتها . أبو جناح : صاحب ، عمان ، دار الفكر ، ط1 1998م .
دراسات لأسلوب القرآن الكريم . عضيمة : محمد عبد الخالق ،( ت : 1404هـ ) ، القاهرة دار الحديث ،1980م.
درة الغواص في أوهام الخواص . الحريري : أبو محمد ، القاسم بن علي ، ( ت : 516هـ ) بغداد ، مكتبة المثنى ، ( غ . ت ) .
الدرر اللوامع على همع الهوامع شرح جمع الجوامع . الشنقيطي : أحمد بن الأمين ، ( ت : 1331هـ ) ، تحقيق : عبدالعال سالم مكرم ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، ط1 ، 1984م .
دلائل الإعجاز . الجرجاني : أبو بكر ، عبد القاهر بن عبد الرحمن ، ( ت : 474هـ ) تحقيق : محمود محمد شاكر ، القاهرة ، مكتبة الخانجي ، مطبعة المدني ، ط3 ، 1992 .
ديوان أبي الأسود الدؤلي . صنعة : السكري : أبي سعيد ، الحسن ، ( ت : 275هـ أو 290هـ ) ، تحقيق : محمد حسن آل ياسين ، بيروت ، دار الهلال ، ط2 ، 1998م .
ديوان الأعشى الكبير ، ميمون بن قيس . شرحه وعلق عليه : محمد محمد حسين ، بيروت مؤسسة الرسالة ، ط1 ، 1973م .
ديوان امرئ القيس . تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ، القاهرة ، دار المعارف ، ط5 1990م .(1/512)
ديوان أوس بن حجر . تحقيق : محمد يوسف نجم ، بيروت ، دار صادر ، ط3 ، 1979م .
ديوان جرير . بشرح : محمد بن حبيب ، تحقيق : نعمان محمد أمين طه ، القاهرة ، دار المعارف ، 1971م .
ديوان جميل بثينة .حققه : فوزي عطوي ، بيروت ، الشركة اللبنانية للكتاب ، ط1 ، 1969 م.
ديوان حاتم الطائي = شرح ديوان حاتم الطائي .
ديوان حسان بن ثابت . تحقيق : سيد حنفي حسنين ، القاهرة ، دار المعارف ، ط1 ، 1983م .
ديوان الحطيئة . رواه وشرحه : ابن السكيت : أبو يوسف ، يعقوب بن إسحاق ، ( ت : 246هـ ) ، تحقيق : نعمان محمد أمين طه ، القاهرة ، مكتبة الخانجي ، ط1 ، 1987م .
ديوان الحماسة . أبو تمام : حبيب بن أوس الطائي ، ( ت : 231هـ ) ، برواية : الجواليقي : أبي منصور ، موهوب بن أحمد ، ( ت : 540هـ ) ، شرحه وعلق عليه : أحمد حسن بسج بيروت ، دار الكتب العلمية ط1 ، 1998م .
ديوان الخنساء = شرح ديوان الخنساء .
ديوان ذي الرمة . قدم له وشرحه : أحمد حسن بسج ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 1995م .
ديوان رؤبة بن العجاج . ضمن (مجموع أشعار العرب ) اعتنى بتصحيحه وترتيبه : وليم بن الورد البروسيّ ، ليبسيغ ، ألمانيا ، 1903 م .
ديوان زهير بن أبي سلمى = شرح شعر زهير .
ديوان أبي الطيب المتنبي ، بشرح أبي البقاء العكبري ، ( ت : 616هـ ) ، المسمى : التبيان في شرح الديوان . حققه : كمال طالب ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1997م .
ديوان عامر بن الطفيل .رواية : محمد بن القاسم الأنباري عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب بيروت ، دار بيروت ، 1982 م .
ديوان عبدالله بن الزَّبِير الأسدي = شعر عبدالله بن الزَّبِير الأسدي .
ديوان عَبِيد بن الأبرص = عَبِيد بن الأبرص ،شعره ومعجمه اللغوي .
ديوان العجاج . رواية : الأصمعي : أبي سعيد ، عبد الملك بن قريب ، ( ت : 216هـ ) عنى بتحقيقه : عزة حسن ، بيروت ، مكتبة دار الشرق ، 1971 م .(1/513)
ديوان عروة بن الورد = شعر عروة بن الورد .
ديوان عمرو بن كلثوم التغلبي . تحقيق : أيمن ميدان ، الكويت ،النادي الأدبي الثقافي ، ط1 1992 .
ديوان عمرو بن معديكرب الزبيدي . صنعه : هاشم الطعان ، بغداد ، مطبعة الجمهورية 1970 م .
ديوان عمر بن أبي ربيعة = شرح ديوان عمر بن أبي ربيعة .
ديوان عنترة = شرح ديوان عنترة .
ديوان الفرزدق = شرح ديوان الفرزدق .
ديوان القطامي . تحقيق : إبراهيم السامرائي وأحمد مطلوب ، بيروت ، دار الثقافة ، ط1 1960 م .
ديوان قيس بن الخطيم . تحقيق : ناصر الدين الأسد ، بيروت ، دار صادر ، ط2 ، 1967 م .
ديوان كثيِّر عزة . جمعه وشرحه : إحسان عباس ، بيروت ، دار الثقافة ، 1971م .
ديوان لبيد بن ربيعة العامري = شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري .
ديوان مجنون ليلى . جمعه ورتبه : أبوبكر الوالبي ، تحقيق : جلال الدين الحلبي ، قدم له : زكي مبارك ، القاهرة ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، 1939 م .
ديوان النابغة الذبياني . تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ، القاهرة ، دار المعارف ، ط3 1990م .
ديوان أبي النجم العجلي . صنعه وشرحه : علاء الدين أغا ،الرياض ،النادي الأدبي ،1981 م.
ديوان نُصيب بن رباح = شعر نُصيب بن رباح .
ذيل الأمالي والنوادر . القالي : أبو علي ، إسماعيل بن القاسم ، ( ت : 356هـ ) ، مراجعة : لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، دار الجيل ، ط2 ، 1987م .
الرد على النحاة . ابن مضاء : أبو العباس ، أحمد بن عبد الرحمن اللخمي ، ( ت : 592هـ ) تحقيق : محمد إبراهيم البنا ، القاهرة ، دار الاعتصام ، ط1 ، 1979م .
رصف المباني في شرح حروف المعاني . المالقي : أحمد بن عبد النور ، ( ت : 702هـ ) تحقيق : أحمد بن محمد الخراط ، دمشق ، مطبوعات مجمع اللغة العربية ، ( غ . ت ) .(1/514)
روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني . الألوسي : أبو الثناء ، محمود بن عبد الله ، ( ت : 1270هـ ) ، تحقيق : علي عبد الباري عطية ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 1994م .
الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام . السهيلي : أبو القاسم ، عبد الرحمن ، ( ت: 581هـ ) تحقيق : عبد الرحمن الوكيل ، القاهرة ، مكتبة ابن تيمية ، ط1 ، 1993م .
زاد المعاد في هدي خير العباد . ابن القيم : محمد بن أبي بكر بن أيوب ، ( ت : 751هـ ) تحقيق : شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، 1998م .
سر صناعة الإعراب . ابن جني : أبو الفتح : عثمان ، ( ت : 392هـ ) ، تحقيق : حسن هنداوي ، دمشق ، دار القلم ، ط3 ، 1993م .
سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها . الألباني : محمد ناصر الدين ، ( ت : 1420هـ ) ، الرياض ، مكتبة المعارف ، 1995م .
سمط اللآلي في شرح أمالي القالي . البكري : أبو عبيد ، عبد الله بن عبد العزيز بن محمد (ت: 487هـ ) ، تحقيق : عبد العزيز الميمني ، بيروت ، دار الحديث ، ط2 ، 1984م .
سنن الترمذي . الترمذي : أبو عيسى : محمد بن عيسى بن سورة ، ( ت : 279هـ ) تحقيق : كمال يوسف الحوت ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ( غ . ت ) .
سنن أبي داؤود . أبو داؤود : سليمان بن الأشعث السجستاني ، ( ت : 275هـ ) ، القاهرة دار الحديث ، ( غ . ت ) .
السنن الكبرى . النسائي : أبو عبد الرحمن ، أحمد بن شعيب ، ( ت : 303هـ ) ، تحقيق عبد الغفار سليمان البنداري ، وسيد كسروي حسن ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1991م .
سنن ابن ماجه . القزويني : أبو عبد الله ، محمد بن يزيد ، ( ت : 275هـ ) ، حقق نصوصه ورقمه : محمد فؤاد عبد الباقي ، وخرج أحاديثه وفهرسه : مصطفى محمد حسين الذهبي ، دار الحديث ، ط1 ، 1998م .(1/515)
الشاهد وأصول النحو في كتاب سيبويه . الحديثي : خديجة ، الكويت ، مطبوعات جامعة الكويت مطابع مقهوي ، ط1 ، 1974م .
شرح أبيات سيبويه . السيرافي : أبو محمد ، يوسف بن أبي سعيد الحسن بن عبد الله المرزبان ( ت : 385هـ ) تحقيق : محمد علي الريح هاشم ، راجعه : طه عبد الرؤوف سعد ، القاهرة دار الفكر ، مكتبة الكليات الأزهرية ، ط1 ، 1974م .
شرح الأبيات المشكلة الإعراب ، المسمى ( إيضاح الشعر ) . الفارسي : أبوعلي ، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار ( ت : 377هـ ) ، تحقيق : حسن هنداوي ، دمشق ، دار القلم ، بيروت دار العلوم الثقافية ، ط1، 1987م
شرح اختيارات المفضل . التبريزي : الخطيب ، يحي بن علي بن محمد بن الحسن ، ( ت : 502هـ ) ، تحقيق : فخر الدين قباوة ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط2 ، 1987م .
شرح أدب الكاتب . الجواليقي : أبو منصور ، موهوب بن أحمد ، ( ت : 540هـ ) ، قدم له : مصطفى صادق الرافعي ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، ( غ . ت ) .
شرح أشعار الهذليين . السكري : أبو سعيد ، الحسن بن الحسين ، ( ت : 275هـ أو 290هـ) تحقيق : عبد الستار أحمد فراج ، مراجعة : محمود محمد شاكر،القاهرة ، دار العروبة ، مطبعة المدني ، 1965م .
شرح الأشموني لألفية ابن مالك . الأشموني : أبو الحسن ، علي بن محمد بن عيسى ، ( ت : نحو 900هـ ) القاهرة ، دار إحياء الكتب العربية ، ( غ . ت ) .
شرح ألفية ابن مالك . ابن الناظم : بدر الدين ، محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك ، ( ت : 686هـ ) عناية : محمد سليم اللبابيدي ، بيروت ، مصورة من منشورات ناصر خسرو 1312هـ .
شرح التسهيل . ابن مالك : محمد بن عبدالله ، ( ت : 672هـ ) ، تحقيق : محمد عبد القادر عطا ، وطارق فتح السيد ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 2001م .
شرح التصريح على التوضيح . الأزهري : خالد بن عبد الله ،( ت : 905هـ )، بيروت ، دار الفكر ، ( غ .ت ).(1/516)
شرح جمل الزجاجي . ابن خروف : أبو الحسن ، علي بن محمد بن علي . ( ت : 609هـ ) تحقيق : سلوى محمد عمر عرب ، مكة ، معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى ، ط1 ، 1419هـ .
شرح جمل الزجاجي ( الشرح الكبير ) .ابن عصفور : علي بن مؤمن بن محمد الإشبيلي ، (ت: 669هـ ) تحقيق : صاحب أبو جناح ، بيروت ، عالم الكتب ، ط1 ، 1999م .
شرح جمل الزجاجي . ابن هشام : عبد الله بن يوسف ، ( ت : 761هـ ) ، تحقيق : علي محسن عيسى مال الله ، بيروت ، عالم الكتب ، مكتبة النهضة العربية ، ط2 ، 1986م .
شرح الحدود النحوية . الفاكهي : عبد الله بن أحمد بن علي ، ( ت : 972هـ ) ، تحقيق : زكي فهمي الألوسي ، بغداد ، دار الكتب ، ط1 ، 1988م .
شرح ديوان الأخطل التغلبي . صنفه : إيليا سليم الحاوي ، بيروت ، دار الثقافة ، ( غ . ت ) .
شرح ديوان جرير . الصاوي: محمد إسماعيل ، بيروت ، دار الأندلس (غ . ت ) .
شرح ديوان حاتم الطائي . شرحه : إبراهيم الجزيني ، بيروت ، دار الكاتب العربي ، ط1 1968 م .
شرح ديوان الحماسة . المرزوقي : أبو علي ، أحمد بن محمد بن الحسن ، ( ت : 421هـ ) نشره : أحمد أمين ، وعبد السلام هارون ، القاهرة ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ط1 ، 1953م .
شرح ديوان الخنساء . ثعلب : أبو العباس ، أحمد بن يحيى ، ( ت : 291هـ ) ، تحقيق : فايز محمد ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، ط2 ، 1996م .
شرح ديوان عمر بن أبي ربيعة المخزومي ، تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد ، بيروت دار الأندلس ، ( غ . ت ).
شرح ديوان عنترة . شرحه : كرم البستاني ، بيروت ، دار بيروت ، (غ . ت ) .
شرح ديوان الفرزدق . تحقيق : المستشرق جيمس د. سايمز ، بغداد ، مكتبة الثقافة العربية ، (غ . ت ) .
شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري . حققه وقدم له : إحسان عباس ، الكويت ، مطبعة حكومة الكويت ، 1984 م .(1/517)
شرح رياض الصالحين للنووي . ابن عثيمين : محمد بن صالح ، ( ت : 1421هـ ) ، تقديم : عبد الله بن محمد الطيار ، الرياض ، دار الوطن ، ط1 ، 1995م .
شرح شافية ابن الحاجب . الرضي : محمد بن الحسن الاستراباذي ،( ت : 686هـ ) ، تحقيق: محمد نور حسن ، ومحمد الزفزاف ، ومحمد محيي الدين عبد الحميد ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1982م .
شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب . ابن هشام : عبد الله بن يوسف ، ( ت : 761هـ ) تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد ، بيروت ، المكتبة العصرية . ( غ . ت ) .
شرح شعر زهير بن أبي سلمى . صنعة : أبي العباس ، أحمد بن يحيى ثعلب ( ت : 291 هـ) تحقيق : فخر الدين قباوة ، بيروت ، دار الآفاق الجديدة ، ط1 ، 1982 .
شرح صحيح مسلم . النووي : محيي الدين بن شرف ، ( ت : 676هـ ) تحقيق : خليل مأمون شيحا ، بيروت ، دار المعرفة ، ط5 ، 1998م .
شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك . ابن عقيل : بهاء الدين ، عبد الله بن عبد الرحمن ، ( ت : 769هـ ) ، تحقيق : تركي فرحان ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1998م .
شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ . ابن مالك : محمد بن عبدالله ، ( ت : 672هـ ) ، تحقيق : عدنان عبد الرحمن الدوري ، بغداد ، مطبعة العاني ، ط1 ، 1977م .
شرح عيون الإعراب . المجاشعي : أبو الحسن ، علي بن فضال ، ( ت : 479هـ ) ، تحقيق : جميل حنا حداد ، الزرقاء ، مكتبة المنار ، ط1 ، 1985م .
شرح عيون كتاب سيبويه . المجريطي : أبو نصر ، هارون بن موسى بن صالح ، ( ت : 401هـ) ، عبدربه عبد اللطيف عبدربه ، القاهرة ، مطبعة حسان ، ط1 ، 1984م .
شرح الفصيح . الزمخشري : أبو القاسم ، محمود بن عمر ، ( ت : 538هـ ) ، تحقيق : إبراهيم بن عبد الله بن جمهور الغامدي ، مكة المكرمة ، معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى ، ط1 ، 1417هـ .(1/518)
شرح الفصيح . اللخمي : أبو عبدالله ، محمد بن أحمد بن هشام ، ( ت : 577هـ ) ، تحقيق : مهيدي عبيد جاسم ، بغداد ، وزارة الثقافة والإعلام ، ط1 ، 1988م.
شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات . ابن الأنباري : أبو بكر ، محمد بن القاسم ، ( ت : 328هـ ) تحقيق : عبد السلام هارون ، القاهرة ، دار المعارف ، ط4 ، 1980م .
شرح قطر الندى وبل الصدى . ابن هشام : عبد الله بن يوسف ، ( ت : 761هـ ) ، تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد ، بيروت ، المكتبة العصرية ، ط1 ، 1996م .
شرح كافية ابن الحاجب . الرضي : محمد بن الحسن الاستراباذي ، ( ت : 686هـ ) ، تحقيق: إميل بديع يعقوب ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1998م .
شرح الكافية الشافية . ابن مالك : محمد بن عبدالله ، ( ت : 672هـ ) ، تحقيق : عبد المنعم أحمد هريدي ، مكة المكرمة ، جامعة أم القرى ، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي ( غ . ت ) .
شرح كتاب سيبويه . السيرافي : أبو سعيد ، الحسن بن عبدالله المرزبان ، ( ت : 368هـ ) حقق الجزء الأول: رمضان عبد التواب ، ومحمود فهمي حجازي ، ومحمد هاشم عبد الدايم القاهرة ، الهيئة العامة المصرية للكتاب ، ط1 ، 1986م . وحقق الجزء الثاني : رمضان عبد التواب ، القاهرة ، الهيئة العامة المصرية للكتاب ، ط1 ،1990م .
شرح المعلقات السبع . الزوزني : أبو عبد الله ، الحسين بن أحمد بن الحسين ، ( ت : 486هـ) بيروت ، مكتبة المعارف ، ط5 ، 1985م .
شرح المفصل . ابن يعيش : موفق الدين ، يعيش ، ( ت : 643هـ ) ، بيروت ، عالم الكتب (غ . ت ) .
شرح المقدمة الكافية في علم الإعراب . ابن الحاجب : أبو عمرو ، عثمان بن عمر ، ( ت : 646هـ ) ، تحقيق: جمال عبد العاطي مخيمر أحمد ، مكة المكرمة ، مكتبة نزار مصطفى الباز ط1 ، 1997م .(1/519)
شرح المقدمة المحسبة . ابن بابشاذ : طاهر بن أحمد ، ( ت : 469هـ ) ، تحقيق : خالد عبد الكريم ، الكويت ،المطبعة العصرية ، ط1 ، الجزء الأول : 1976م ،والجزء الثاني : 1977م
شرح المكودي لألفية ابن مالك . المكودي : أبو زيد ، عبد الرحمن بن علي بن صالح ، ( ت : 807هـ ) ، تحقيق: محمد صدقي ، بيروت ، دار الفكر ، 1995م .
شرح ملحمة الإعراب . الحريري : أبو محمد ، القاسم بن علي ، ( ت : 516هـ ) ، تحقيق : فائز فارس ، إربد دار الأمل ، ط1 ، 1991م .
شعراء إسلاميون . القيسي : نوري حمودي ، بيروت ، عالم الكتب ، مكتبة النهضة العربية ط1 ، 1984م .
شعر عبدالله بن الزَّبِير الأسدي .جمعه وحققه : يحيى الجبوري ، بغداد ، دار الحرية ،1974م
شعر عروة بن الورد العبسي . صنعة : ابن السكيت ، أبي يوسف ، يعقوب بن إسحاق ( ت : 244 هـ ) تحقيق : محمد فؤاد نعناع ، القاهرة ، مكتبة الخانجي ، ط1 ، 1995 م .
شعر نُصَيب بن رباح . جمعه: داوود سلوم ، بغداد ،مكتبة الأندلس ، مطبعة الإرشاد ،1967 م
الشعر والشعراء . ابن قتيبة : أبو محمد ، عبد الله بن مسلم الدينوري ، ( ت : 276هـ ) تحقيق : أحمد محمد شاكر ، القاهرة ، دار الحديث ، ط2 ، 1998م .
شفاء العليل في إيضاح التسهيل . السلسيلي : أبو عبدالله ، محمد بن عيسى ، ( ت : 770هـ ) تحقيق : الشريف عبد الله بن علي الحسيني البركاتي ، بيروت ، دار الندوة ، ط1 ، 1986م .
شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح . ابن مالك : محمد بن عبدالله ، ( ت : 672هـ ) تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ، بيروت ، عالم الكتب ، ط3 ، 1983م .
الصحاح ( تاج اللغة وصحاح العربية ) الجوهري : إسماعيل بن حماد ، ( ت : 393 هـ ) تحقيق : أحمد عبد الغفور عطار ، بيروت ، دار العلم للملايين ، ط3 ، 1984 م .
صحيح البخاري = الجامع الصحيح المسند .(1/520)
صحيح الجامع الصغير وزياداته . الألباني : محمد ناصر الدين ، ( ت : 1420هـ ) ، أشرف على طبعه : زهير الشاويش ، بيروت ، المكتب الإسلامي ، ط3 ، 1988م .
صحيح مسلم = شرح صحيح مسلم .
الصدارة في النحو العربي . الشنقيطي : عبد الرحمن محمود مختار ، القاهرة ، النهار للطبع والنشر والتوزيع ، ط2 ، 1999م .
الصفوة من القواعد الإعرابية . بكار : عبد الكريم ، دمشق ، دار القلم ، ط1 ، 1987م .
(كتاب ) الصناعتين ؛ الكتابة والشعر . العسكري : أبو هلال ، الحسن بن عبد الله بن سهل (ت : 395هـ ) ، تحقيق : مفيد قميحة ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط2 ، 1989م .
طبقات فحول الشعراء . الجمحي : محمد بن سلام ، ( ت : 231هـ ) ، قرأه وشرحه : محمود محمد شاكر ، القاهرة ، مطبعة المدني ، جدة ، دار المدني ، 1974م .
الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز . العلوي : يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم اليمني ، ( ت: 749هـ ) ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ( غ . ت ) .
ظاهرة الحذف في الدرس اللغوي . حمودة : طاهر سليمان ، الإسكندرية ، الدار الجامعية 1983م .
ظاهرة قياس الحمل في اللغة العربية بين علماء اللغة القدامى والمحدثين . البهجة : عبد الفتاح حسن علي ، عمان ، دار الفكر ، ط1 ، 1998م .
عَبِيد بن الأبرص ، شعره ومعجمه اللغوي . توفيق أسعد ، الكويت ، مطبعة حكومة الكويت ط1 ، 1989 م .
العقد الفريد . ابن عبدربه : أحمد بن محمد الأندلسي ، ( ت : 328هـ ) ، تحقيق : عبد المجيد الترحيني ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1997م .
علل النحو . الوراق : أبو الحسن ، محمد بن عبد الله ( ت : 381هـ ) ، تحقيق : محمد جاسم محمد الدرويش ، الرياض ، مكتبة الرشيد ، ط1 ، 1999م .
عون المعبود شرح سنن أبي داؤود . العظيم أبادي : أبو الطيب ، محمد ، ( ت : بعد 1323هـ) تحقيق : عبد الرحمن محمد عثمان ، القاهرة ، مكتبة ابن تيمية ، ط2 ، 1992م(1/521)
العيد الذهبي لمجمع اللغة العربية بالقاهرة 1934م-1983م مسرد كامل لمقرراته اللغوية و تسجيل تصويري لمؤتمراته السنوية 1971م-1984م . الخطيب : عدنان ، دمشق ، دار الفكر 1986م .
العين . الخليل : أبو عبد الرحمن ، الخليل بن أحمد الفراهيدي ، ( ت : 175هـ ) ، تحقيق : مهدي المخزومي ، وإبراهيم السامرائي ، بيروت ، دار الهلال ، ( غ . ت ) .
عيون الأخبار . ابن قتيبة : أبو محمد ، عبد الله بن مسلم الدينوري ، ( ت : 276هـ ) ،تحقيق: يوسف علي طويل ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1998م .
الغرة المخفية في شرح الدرة الألفية لابن معطٍ ،( ت : 628هـ ) . ابن الخباز : أبو العباس : أحمد بن الحسين بن أحمد ، ( ت : 639هـ ) ، تحقيق : حامد محمد العبدلي ، بغداد ، دار الأنبار ، مطبعة العاني ، 1991م.
الغريب المصنف . ابن سلام : أبو عبيد ، القاسم ، ( ت : 224هـ ) ، تحقيق : محمد مختار العبيدي ، القاهرة ، دار مصر ، ط2 ، 1996م .
فتح الباري بشرح صحيح البخاري . العسقلاني : أبو الفضل ، أحمد بن علي بن حجر ، ( ت : 852هـ ) مصورة عن الطبعة التي حقق أصلها : عبد العزيز بن باز ورقم كتبها وأبوابها وأحاديثها : محمد فؤاد عبد الباقي ، القاهرة ، دار الحديث ، ط1 ، 1998م .
فتح الله بخصائصِ الاسمِ الله . الروحاني : محمد بن موسى ، ملتان - باكستان ، المكتبة الإمدادية ، ط1 ، 1979م .
الفصول في العربية . ابن الدهان : أبو محمد ، سعيد بن المبارك بن علي ، ( ت : 569هـ ) تحقيق : فائز فارس ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، ط1 ، 1988م .
في أصول النحو . الأفغاني : سعيد ، بيروت ، دار الفكر ، ( غ . ت ) .
في التحليل اللغوي . عمايرة : خليل أحمد ، الزرقاء ، مكتبة المنار ، ط1 ، 1987م .
فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير . المناوي : محمد بن عبد الرؤوف ( ت : 1031هـ ) ، بيروت ، دار الفكر ، ( غ . ت ) .(1/522)
في النحو العربي ، قواعد وتطبيق . المخزومي : مهدي ، ( ت : 1993هـ ) ، بيروت ، دار الرائد ، ط2 1986م .
في النحو العربي ، نقد وتوجيه . المخزومي : مهدي ، ( ت : 1993هـ ) ، بيروت ، دار الرائد ، ط2 ، 1986م
القاموس المحيط . الفيروزأبادي : مجد الدين ، محمد بن يعقوب ، ( ت : 817هـ ) ، تحقيق : مكتب التراث في مؤسسة الرسالة بإشراف : محمد نعيم العرقسوسي ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ط6 ، 1998م.
القياس في اللغة العربية . حسين : محمد الخضر ، بيروت ، دار الحداثة ، ط1 ، 1983 .
القياس في النحو مع تحقيق باب الشاذ من المسائل العسكريات ، لأبي علي الفارسي ( ت : 377هـ ) . إلياس : منى ، دمشق ، دار الفكر ، ط1 ، 1985م .
القياس النحوي بين مدرستي البصرة والكوفة .السويح: محمد عاشور، مصراته- ليبيا ، الدار الجماهيرية ، ط1 ، 1986م
الكامل في اللغة والأدب . المبرد : أبو العباس ، محمد بن يزيد ، ( ت : 285هـ ) ، تحقيق : محمد أحمد الدالي ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، ط3 ، 1997م .
كتاب سيبويه . سيبويه : أبو بشر ، عمرو بن عثمان بن قنبر ، ( ت : 180هـ ) ، تحقيق : عبد السلام هارون ، القاهرة ، مكتبة الخانجي ، ط3 ، 1988م .
كشاف اصطلاحات الفنون . التهانوي : محمد بن علي بن علي بن محمد ( ت : 1158هـ ) تحقيق : أحمد حسن بسج ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1998م .
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل . الزمخشري : جار الله ، أبو القاسم ، محمود بن عمر ( ت : 538هـ ) ، تحقيق : محمد مرسي عامر ، القاهرة ، دار المصحف ، ط2 ، 1977م .
كشف المشكل في النحو . الحيدرة : علي بن سليمان اليمني ، ( ت : 599هـ ) ، تحقيق : هادي عطية مطر ، بغداد ، مطبعة الإرشاد ، ط1 ، 1984م .
الكليات . الكفوي : أبو البقاء ، أيوب بن موسى الحسيني ، ( ت : 1094هـ ) ، تحقيق : عدنان درويش ، ومحمد المصري ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، ط2 ، 1993م .(1/523)
اللباب في علل البناء والإعراب . العكبري : أبو البقاء ، عبد الله بن الحسين ، ( ت : 616هـ) حقق الجزء الأول : غازي مختار طليمات ، وحقق الجزء الثاني : عبدالإله نبهان ، دمشق ، دار الفكر ، ط1 ، 1995م .
لسان العرب . ابن منظور : أبو الفضل ، محمد بن مكرم ، ( ت : 710هـ ) ، بيروت ، دار صادر ، ط3 ، 1994م .
اللغة والنحو بين القديم والحديث . حسن : عباس ، القاهرة ، دار المعارف ، ط2 ، 1971م .
لمع الأدلة في أصول النحو . الأنباري : أبو البركات ، عبد الرحمن بن محمد ( ت : 577هـ ) تحقيق : سعيد الأفغاني ، دمشق ، مطبعة الجامعة السورية ، ط1 ، 1957م .
اللمع في العربية . ابن جني : أبو الفتح : عثمان ، ( ت : 392هـ ) ، تحقيق : حامد المؤمن بيروت ، عالم الكتب ، مكتبة النهضة العربية ، ط2 ، 1985م .
ليس في كلام العرب . ابن خالويه : أبو عبد الله ، الحسين بن أحمد ، ( ت : 370هـ ) تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار ، بيروت ، دار العلم للملايين ، ط2 ، 1979م .
المباحث الخفية في حل مشكلات الدرة الألفية لابن معطٍ ، ( ت : 628هـ ) . القواس : عبد العزيز بن جمعة ، (ت : 696هـ ) ، تحقيق : علي موسى الشوملي ، الرياض ، مكتبة الخريجي ط1 ، 1985م .
مجاز القرآن . أبو عبيدة : معمر بن مثنى التيمي ، ( ت : 210هـ ) ، تحقيق : محمد فؤاد سزكين ، القاهرة مكتبة الخانجي ، ( غ . ت ) .
مجمع الأمثال . الميداني : أحمد بن محمد بن أحمد ، ( ت : 518هـ ) ، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ، بيروت ، دار الجيل ، ط2 ، 1987م .
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد . الهيثمي : علي بن أبي بكر ، ( ت : 807هـ ) ، تحقيق : عبد الله محمد الدرويش ، بيروت ، دار الفكر ، 1994م .
مجموعة القرارات العلمية لمجمع اللغة العربية بالقاهرة في خمسين عاماً ، 1934م-1984م . أخرجها وراجعها : محمد شوقي أمين وإبراهيم الترزي ، القاهرة ، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية ، 1984م .(1/524)
المجموع شرح المهذب . النووي : أبو زكريا ، محيي الدين بن شرف ،( ت : 676هـ) ، حققه وأكمله : محمد نجيب المطيعي ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1995م .
مجموع الفتاوى . ابن تيمية : أحمد بن عبد الحليم ( ت : 728هـ ) ، جمعها ورتبها : عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، 1997م .
المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها . ابن جني : أبو الفتح : عثمان ، ( ت : 392هـ ) ، تحقيق : محمد عبد القادر عطا ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1998م .
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز . ابن عطية : أبو محمد ، عبد الحق بن غالب ، ( ت : 546هـ ) ، تحقيق: المجلس العلمي بفاس ، المحمدية - المغرب ، مطابع فضالة ، ط2 1982م .
المحلى ( وجوه النصب ) . ابن شقير : أبو بكر ، أحمد بن الحسين ، ( ت : 317هـ ) ،تحقيق: فائز فارس ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، دار الأمل ، ط1 ، 1987م .
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم : محمد بن أبي بكر بن أيوب (ت : 751هـ ) اختصره : محمد الموصلي ، تحقيق : سيد إبراهيم ، القاهرة ، دار الحديث ط1 1992م .
مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع . ابن خالويه : أبو عبد الله ، الحسين بن أحمد ، ( ت: 370هـ ) بيروت ، عالم الكتب ، ( غ . ت ) .
المخصص . ابن سيده : أبو الحسن ، علي بن إسماعيل ، ( ت : 458هـ ) ، قدم له : خليل إبراهيم فجال ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، ط1 ، 1996م .
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين . ابن القيم : محمد بن أبي بكر بن أيوب (ت : 751هـ ) تحقيق : محمد المعتصم بالله البغدادي ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، ط4 1997 .
مدخل إلى علم الأسلوب . عياد : شكري محمد ، الرياض ، دار العلوم ، ط1 ، 1982م .
مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة اللغة والنحو . المخزومي : مهدي ، ( ت : 1993م ) بيروت ، دار الرائد العربي ، ط2 ، 1986م .(1/525)
مروج الذهب ومعادن الجوهر . المسعودي : أبو الحسن ، علي بن الحسين بن علي ، ( ت : 346هـ ) ، شرحه وقدم له : مفيد محمد قميحة ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، ( غ . ت) .
المزهر في علوم اللغة وأنواعها . السيوطي : جلال الدين ، عبد الرحمن بن أبي بكر ، ( ت : 911هـ ) ، تحقيق : فؤاد علي منصور ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1998م.
المسائل الحلبيات . الفارسي : أبو علي ، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار ، ( ت : 377هـ ) تحقيق : حسن هنداوي ، دمشق ، دار القلم ، بيروت ، دار المنارة ، ط1 ، 1987م .
المسائل السفرية في النحو . ابن هشام : عبد الله بن يوسف ، ( ت : 761هـ ) ، تحقيق : حاتم صالح الضامن ، بيروت ، دار الرسالة ، ط1 ، 1983م .
المسائل العسكريات في النحو العربي . الفارسي : أبو علي ، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار (ت : 377هـ ) ، تحقيق : علي جابر منصور ، بغداد ، مطبعة جامعة بغداد ، ط2 ، 1982 .
المسائل العضديات . الفارسي : أبو علي ، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار ، ( ت : 377هـ ) تحقيق : شيخ راشد ، دمشق ، منشورات وزارة الثقافة ، ط1 ، 1986م .
المسائل المشكلة المعروفة بالبغداديات . الفارسي : أبو علي ، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار (ت : 377هـ ) تحقيق : صلاح الدين عبد الله السنكاوي ، بغداد ، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ، 1983م .
المساعد على تسهيل الفوائد . ابن عقيل : بهاء الدين ، عبد الله بن عبد الرحمن ، ( ت : 769هـ ) ، تحقيق : محمد بركات ، دمشق ، دار الفكر ، 1980م .
المستدرك على الصحيحين . الحاكم : أبو عبد الله ، محمد بن عبد الله ، ( ت : 405هـ ) تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1990 .
المسند . ابن حنبل : أبو عبد الله ، أحمد بن محمد ، ( ت : 241هـ ) ، تحقيق : أحمد شاكر وحمزة أحمد الزين ، دار الحديث ، ط1 ، 1995م .(1/526)
مسند أبي عوانة . أبو عوانة : يعقوب بن إسحاق الاسفرائيني ، ( ت : 316هـ ) ، تحقيق : أيمن بن عارف الدمشقي ، بيروت ، دار المعرفة ، ط1 ، 1998م .
مشكل إعراب القرآن . مكي: أبو محمد ، مكي بن أبي طالب القيسي ، ( ت : 437هـ ) تحقيق : حاتم الصالح الضامن ، بغداد ، مطبعة سلمان الأعظمي ، ط1 ، 1975م .
المصباح المنير . الفيومي : أبو العباس ، أحمد بن محمد بن علي ، ( ت : 770هـ ) ، بيروت مكتبة لبنان ، 1987م .
المصطلح النحوي ، نشأته وتطوره حتى أواخر القرن الثالث الهجري . القوزي : عوض حمد الرياض ، شركة الطباعة العربية ، ط1 ، 1981م .
المطالع السعيدة بشرح ألفية السيوطي ( الفريدة في النحو والتصريف والخط ) . السيوطي : جلال الدين ، عبد الرحمن بن أبي بكر ، ( ت : 911هـ ) ، تحقيق : طاهر سليمان حمودة الإسكندرية ، الدار الجامعية ، 1983م.
معاني الحروف . الرماني : أبو الحسن ، علي بن عيسى ، ( ت : 384هـ ) ، تحقيق : عبد الفتاح إسماعيل الشلبي ، مكة المكرمة ، مكتبة الطالب الجامعي ، ط2 ، 1986م .
معاني القرآن . الأخفش : أبو الحسن ، سعيد بن مسعدة البلخي ، ( ت : 215هـ ) ، تحقيق : عبد الأمير محمد الورد ، بيروت ، عالم الكتب ، ط1 ، 1985م .
معاني القرآن . الفراء : أبو زكريا ، يحي بن زياد ، ( ت : 207هـ ) ، تحقيق : محمد علي النجار ، وأحمد يوسف تيجاني ، بيروت ، عالم الكتب ، ط3 ، 1988م .
معاني القرآن وإعرابه . الزجاج : أبو إسحاق ، إبراهيم بن السري ، ( ت : 311هـ ) تحقيق: عبد الجليل عبده شلبي ، بيروت ، عالم الكتب ، ط1 ، 1988م .
المعاني الكبير في أبيات المعاني . ابن قتيبة : أبو محمد ، عبد الله بن مسلم الدينوري ، ( ت : 276هـ ) ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1988م .
معاني النحو . السامرائي : فاضل صالح ، بغداد ، جامعة بغداد ، ط1 ، الجزءان الأول والثاني 1989م والجزءان الثالث والرابع 1991م .(1/527)
معترك الأقران في إعجاز القرآن . السيوطي : جلال الدين ، عبد الرحمن بن أبي بكر ، ( ت : 911هـ ) تحقيق: علي محمد البجاوي ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، 1973م .
معجم الأدباء . ياقوت : أبو عبد الله ، بن عبدالله الحموي ( ت : 626هـ )، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1991م .
معجم المؤلفين . كحالة : عمر رضا ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، ط1 ، 1993م .
معجم المصطلحات النحوية والصرفية . اللبدي : محمد سمير نجيب ، بيروت ، مؤسسة الرسالة دار الفرقان ، ط1 ، 1985م .
المعجم المفصل في الإعراب . الخطيب : طاهر يوسف ، مراجعة : إميل بديع يعقوب ، بيروت دار الكتب العلمية ، ط2 ، 1996م .
المعجم المفصل في الشواهد العربية . يعقوب : إميل بديع ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 1996م .
المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي . رتبه ونظمه : لفيف من المستشرقين ، ونشره : أ . ي. ونسنك ، ليدن ، مكتبة بريل ، 1936م .
المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم . عبد الباقي : محمد فؤاد ، القاهرة ، دار الحديث ، ط1 1986م .
معجم المقاييس في اللغة . ابن فارس : أبو الحسين ، أحمد ، ( ت : 395هـ ) ، تحقيق : شهاب الدين أبو عمرو ، بيروت ، دار الفكر ، ط2 ، 1998م .
المغني في النحو . ابن فلاح : تقي الدين ، أبو الخير ، منصور اليمني ، ( ت : 680هـ ) تحقيق : عبد الرزاق أسعد السعدي ، بغداد ، دار الشؤون الثقافية العامة ، ط1 ، الجزء الأول والثاني 1999م ، والجزء الثالث : 2000م .
مغني اللبيب عن كتب الأعاريب . ابن هشام : عبد الله بن يوسف ، ( ت : 761هـ ) ، تحقيق: مازن المبارك ، ومحمد علي حمد الله ، مراجعة : سعيد الأفغاني ، بيروت ، دار الفكر ، ط5 1985م .
مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج . الشربيني : محمد بن محمد بن الخطيب ، (ت: 977هـ ) ، اعتنى به : محمد خليل عيتاني ، بيروت، دار المعرفة ، ط1 ، 1997م .(1/528)
مفردات ألفاظ القرآن . الراغب : الحسين بن محمد بن المفضل الأصفهاني . ( ت : 425هـ ) تحقيق : صفوان عدنان داوودي ، دمشق ، دار القلم ، ط2 ، 1997م .
المفضليات . الضبي : المفضل بن محمد ، ( ت : 168هـ أو 178هـ ) ، تحقيق : أحمد محمد شاكر ، وعبد السلام هارون ، القاهرة ، دار المعارف ، ط10 ، 1992م .
المقتصد في شرح الإيضاح . الجرجاني : عبد القاهر بن عبد الرحمن ، ( ت : 474هـ ) تحقيق : كاظم بحر مرجان ، بغداد ، دار الرشيد ، ط1 ، 1982م .
المقتضب . المبرد : أبو العباس ، محمد بن يزيد ، ( ت : 285هـ ) ، تحقيق : محمد عبد الخالق عضيمة ، بيروت عالم الكتب ، ( غ . ت ) .
المقرب ومعه مُثُل المقرب . ابن عصفور : علي بن مؤمن بن محمد الإشبيلي ، ( ت : 669هـ) ، تحقيق : عادل أحمد عبد الموجود ، وعلي محمد معوض ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1998م .
منازل الحروف . الرماني : أبو الحسن ، علي بن عيسى ، ( ت : 384هـ ) ، تحقيق : إبراهيم السامرائي ، عمّان ، دار الفكر ، ط1 ، 1984م .
المنصف شرح كتاب التصريف للمازني ، ( ت : 249هـ ) . ابن جني : أبو الفتح : عثمان(ت : 392هـ ) ، تحقيق : محمد عبد القادر عطا ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1999م
منع تجويز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز . الشنقيطي : محمد الأمين بن محمد المختار الجكني ( ت : 1393هـ ) ( مطبوع آخر أضواء البيان للمؤلف نفسه ) ، عناية صلاح الدين العلايلي ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، ط1 ، 1996م .
المنهاج في القواعد والإعراب . الأنطاكي : محمد ، بيروت ، دار الشرق العربي ، ط8 ، ( غ .ت ) .
موسوعة أطراف الحديث النبوي . زغلول : محمد سعيد بن بسيوني ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ( غ . ت ) .
موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب . الأزهري : خالد بن عبد الله ، ( ت : 905هـ ) تحقيق: محمد إبراهيم سليم ، القاهرة ، مكتبة ابن سينا ، ( غ . ت ) .(1/529)
نتائج الفكر . السهيلي : أبو القاسم ، عبدالرحمن بن عبدالله ، ( ت : 581هـ ) ، تحقيق : محمد إبراهيم البنا ، بيروت ، منشورات جامعة قار يونس ، مطابع الشروق ، 1978م .
النحو الوافي . حسن : عباس ، القاهرة ، دار المعارف ، ط5 ، 1975م .
نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر . العسقلاني : أحمد بن علي بن حجر ( ت :852هـ ) تحقيق : نور الدين عتر، بيروت دار الخير ، مطبعة الصباح ، ط2 ، 1993م.
النشر في القراءات العشر . ابن الجزري : أبو الخير ، محمد بن محمد ، ( ت : 833هـ ) أشرف على تصحيحه: علي محمد الضباع ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ( غ . ت ) .
نظرية الحروف العاملة ومبناها وطبيعة استعمالها القرآني بلاغياً . الهلالي : هادي عطية مطر بيروت ، عالم الكتب ، مكتبة النهضة العربية ، ط1 ، 1986م .
النكت الحسان في شرح غاية الإحسان . أبو حيان : أثير الدين ، محمد بن يوسف بن علي الغرناطي ، ( ت : 745هـ ) ، تحقيق : عبد الحسين الفتلي ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، ط1 1985م .
النكت في تفسير كتاب سيبويه . الشنتمري : الأعلم ، أبو الحجاج ، يوسف بن سليمان بن عيسى ( ت : 476هـ ) ، تحقيق : زهير عبد المحسن سلطان ، الكويت ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، ط1 ، 1987م .
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج . الرملي : شمس الدين ، أبو العباس ، أحمد بن حمزة ، ( ت : 1004هـ ) ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1994م .
نهج البلاغة . وهو مجموع ما اختاره الشريف أبو الحسن محمد الرضي بن الحسن الموسوي من كلام أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - .
تحقيق : محمد عبده ، بيروت ، دار الفكر العربي ، ط1 ، 1996م .
تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد ، القاهرة ، مطبعة الاستقامة ، ( غ . ت)
تحقيق : صبحي الصالح ، بيروت ، دار الكتاب اللبناني ، مكتبة المدرسة ، ط3 ، 1983م .(1/530)
النوادر في اللغة . أبو زيد : سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري ، ( ت : 215هـ ) ، بيروت دار الكتاب العربي ، ط2 ، 1967م .
همع الهوامع في شرح جمع الجوامع . السيوطي : جلال الدين ،عبد الرحمن بن أبي بكر ، (ت: 911هـ ) تحقيق : أحمد شمس الدين ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط1 ، 1998م .
الواضح في النحو والصرف ( قسم النحو ) . الحلواني : محمد خير ، اللاذقية ، مكتبة الشاطئ الأزرق ، ط3 ، 1979م .
الوافي في العروض والقوافي . التبريزي : الخطيب ، يحي بن علي بن محمد بن الحسن ، ( ت: 502هـ ) تحقيق : فخر الدين قباوة ، دمشق ، دار الفكر ، 1986م .
رابعاً : البحوث المنشورة في المجلات والدوريات :
بعض الشوائب في النحو . حسن :عباس، مجلة اللسان العربي ، الرباط ،م15 ، ج1 ، 1977م
التضمين . الإسكندري : أحمد ، مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة ، ج1 ، 1935م .
ظاهرة التعويض في النحو العربي . بابعير : عبد الله صالح ، مجلة أبحاث اليرموك ، سلسلة الآداب واللغويات ، م21 ، ع1 ، 2003م .
مادام المصدرية الشرطية وشواهدها . البصام : صبحي ، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق م57 ، ج4 ، أكتوبر 1982م .
المذهب السلفي ( ابن قيم الجوزية وشيخه ابن تيمية ) في النحو واللغة . الحموز : عبد الفتاح مجلة مؤتة للبحوث والدراسات ، الأردن ، م1 ، ع1 ، يونيو 1986م .
المنصوب على نزع الخافض في القرآن . البعيمي : إبراهيم بن سليمان ، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، ع 116 ، 1422هـ .
مواضع جواز التقاء الساكنين في العربية الفصحى . بابعير : عبدالله صالح . مجلة الدراسات اللغوية ، الرياض ، مركز الملك فيصل ، م5 ، ع1 ، إبريل-يونيو 2003م .
نزع الخافض عامل نحوي مطرد للنصب . طلب : عبد الحميد السيد ، المجلة العربية للعلوم الإنسانية ، جامعة الكويت ، م4 ، ع13 ، 1984م .(1/531)
محتوى البحث
- المقدمة
- الفصل الأول : نزع الخافض أحكام مهمة
- المبحث الأول : نزع الخافض مصطلحاً
- نزع الخافض لغة واصطلاحاً
- الألفاظ الدالة على مفهوم نزع الخافض :
- حذف الخافض أو إسقاط الخافض
- إضمار الخافض
- فقدان الخافض
-الحذف والإيصال
- الفصل والوصل
- الإلغاء ..
- الاتساع أو التوسع
- المبحث الثاني : ضوابط نزع الخافض
- شروط نزع الخافض
- دواعي نزع الخافض
- أغراض نزع الخافض
- دواعي تقدير الخافض
- موانع تقدير الخافض
- ضوابط أخرى لنزع الخافض
- المبحث الثالث : نزع الخافض والتضمين
- أيهما أولى بالتخريج ، أنزع الخافض أم التضمين ؟
- طرائق العلماء في تحليل تركيب صورة احتمال نزع الخافض والتضمين(1/532)
- أقسام شواهد نزع الخافض التي قيل بتخريجها على التضمين
- المبحث الرابع : نزع الخافض والقياس
- الاضطراب في الحكم على نزع الخافض من حيث السماع والقياس :
- الاضطراب في الحكم على نزع حرف الجر وانتصاب الاسم
- الاضطراب في الحكم على نزع حرف الجر وإبقاء الاسم مجروراً
- الاضطراب في الحكم على نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه
- الاضطراب في الحكم على نزع المضاف وإبقاء المضاف إليه مجروراً
- ملامح القياس المحكوم به على نزع الخافض .
-الفصل الثاني : نزع حرف الجر
- المبحث الأول : نزع حرف الجر وانتصاب الاسم
- هل يختص النصب على نزع حرف الجر في المفعول به
- عامل النصب بعد نزع حرف الجر
- حكم نزع حرف الجر وانتصاب الاسم
- مواضع نزع حرف الجر وانتصاب الاسم :
- القسم الأول : نزع حرف الجر وانتصاب الاسم على حد المفعول به ، ويشمل :
- باب نصح
- باب أمر
- باب المنصوب على التحذير على حد ( إياك الأسد )
- انتصاب المقسم به على حد ( اللهَ لأفعلن )
. - القسم الثاني : نزع حرف الجر وانتصاب الاسم على غير حد المفعول به ،ويشمل: :(1/533)
- المفعول له
- المفعول فيه
- باب دخل وذهب
- المميِّز .
- باب سفه نفسه
- النصب على حد ( أحقًّا أنك ذاهبٌ )
- نصب ( وحده )
- مواضع يرد القول فيها بالنصب على نزع حرف الجر ، وتشمل :
- الحال
- كلمته فاه إلى فيَّ
- المفعول معه
- خبر ما في نحو : ( ما هذا بشراً )
- المبحث الثاني : نزع حرف الجر وإبقاء الاسم مجروراً
- حكم نزع حرف الجر وإبقاء الاسم مجروراً
- مواضع نزع حرف الجر وإبقاء عمله قياساً
- نزع حرف الجر مع المقسم به
- نزع رُبَّ
- نزع حرف الجر مع مميِّز كم(1/534)
- نزع حرف الجر مع أمس
- نزع حرف الجر لتقدم ذكره في ثماني مسائل
- شواهد مسموعة نزع فيها حرف الجر وبقيَ الاسم مجروراً
- مواضع يرد فيها القول بإبقاء الاسم مجروراً بعد نزع حرف الجر
- مجيء الاسم مجروراً بعد حتى
- مجيء الاسم مجروراً بعد لعل
- مجيء الاسم مجروراً بعد عاطفٍ على خبر ليس أو ما المنصوب
- مجيء الاسم مجروراً بعد حاشا
- مجيء الاسم مجروراً بعد عاطفٍ على ضمير جر
- المبحث الثالث : نزع حرف الجر واحتمال المحل للنصب والجر
- أولاً : نزع حرف الجر مع الحرف المصدري وصلته
- نزعه مع كي والفعل
- نزعه مع لو والفعل
- نزعه مع ما
- نزعه مع أنَّ وأنْ
- حكم نزع حرف الجر مع أنَّ وأنْ
- شرط اطراد نزع حرف الجر مع أنَّ وأنْ
- علة اطراد نزع حرف الجر مع أنَّ وأنْ(1/535)
- محل المصدر المؤول من أنَّ وأنْ مع صلتهما بعد نزع حرف الجر
- مواضع يرد القول فيها بنزع حرف الجر مع أنْ :
- نزع حرف الجر في نحو : عسى زيدٌ أن يقومَ
- نزع لام الجحود
- نزع حرف الجر مع أنْ على حد قوله تعالى : ( يبين الله لكم أن تضلوا )
- ثانياً : نزع حرف الجر مع الجملة المعلَّق عاملها
- المقصود بالتعليق ، وما الذي يعلق من الأفعال
- تقسيم الأفعال التي يمكن تعليقها
- الأفعال المعلقة عن العمل في الجملة الواقعة موقعَ المفعول المقيَّد بحرف الجر
- بم يكون التعليق في هذا القسم من الأفعال
- محل الجملة المعلق عاملها الواقعة موقع المفعول المقيَّد بحرف الجر
- الفصل الثالث : نزع المضاف
- المبحث الأول : نزع المضاف وإقامة المضاف إليه مُقامَه
- كثرته ، وحكمه من حيث السماع والقياس
- نوعا إقامة المضاف إليه مقام المضاف
- من دواعي تقدير المضاف
- تعلُّق المعاني بالذوات
- تعلُّق الزمان بالذوات(1/536)
- تعلُّق اسم المكان المؤقت بالذوات
- تعلُّق الطلب بما قد وقع
- عدم اعتدال التقسيم
- عدم المطابقة في ما تجب فيه المطابقة
- النعت باسم جنسٍ مشهورٍ بمعنى من المعاني بقصد التشبيه
- الخلاف العقدي
- الخلاف الفقهي
- الأحكام التي يقوم فيها المضاف إليه مقام المضاف
- الإعراب .
- التذكير
- التأنيث
- التنكير
- التركيب
- الإفراد والجمع
- الحكم
- العقل
- المواقع الإعرابية التي يقوم فيها المضاف إليه مقام المضاف(1/537)
- موقع المبتدأ أو ما أصله المبتدأ
- موقع الخبر أو ما أصله الخبر
- موقع الفاعل ، ونائب الفاعل
- موقع المفعول به
- موقع المفعول المطلق
- موقع المفعول لأجله
- موقع المفعول فيه
- موقع المفعول معه
- موقع الحال
- موقع النعت
- موقع البدل
- المبحث الثاني : نزع المضاف وإبقاء المضاف إليه مجروراً
- حكمه ، وشروط قياسيته
- المواضع القياسية
- مواضع يرد القول فيها بنزع المضاف وإبقاء المضاف إليه مجروراً
- الخاتمة
- مصادر البحث ومراجعه
- ملخص البحث باللغة العربية
- محتوى البحث(1/538)