الدرس الأول - تعريف الكلمة
فضيلة الدكتور/ محمد بن عبد الرحمن السبيهين
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح. - خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح. - خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح. - خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح. - الدرس الأول - تعريف الكلمة
اسم المادة:
اللغة العربية - المستوى الرابع
عدد الدروس:
20
اسم الدرس:
الدرس الأول - تعريف الكلمة
javascript:OpenDisplayWindow('Library_Files/media/Academy-Lessons/3rd-Year/1st-Class/Arabic-4th-Level/AAR104-271007.rm');| http://media.islamacademy.net/Library_Files/media/Academy-Lessons/3rd-Year/1st-Class/Arabic-4th-Level/AAR104-271007.rm| http://www.islamacademy.net/droos/
الدرس الأخيرالدرس التاليالدرس السابقالدرس الأول
الدرس الأول
تعريف الكلمة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أيها الإخوة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يبارك في أوقاتنا وأعمالنا وأن يجعل ما نفعله خالصا لوجهه الكريم وأن ينفعنا بما نقول وبما نستمع إليه كما أسأله -سبحانه وتعالى- أن يجعل هذا اللقاء مباركا على من استمع إليه وانتفع به وشارك فيه وشاهده وساهم في إعداده وبثه ونشره.(1/1)
ليس من الغريب أن يُتحدَّث في مطلع لقاءات هذه الأكاديمية المباركة في هذه المادة من مواد العلم عن أهمية هذه المادة، ولست في حاجة لأن أبين أهمية دراسة اللغة العربية للمسلم فضلا عن طالب العلم؛ اللغة العربية لسان الدين فهي من علومه، وينبغي أن يكون هذا حاضرا في أذهاننا ليكون عونا لنا في أن نشمر عن ساعد الجد، وأن نستعين بالله -سبحانه وتعالى- لنصل إلى ما نريد نحو فهم قواعد هذه اللغة، وينبغي أن نتحمل تجاه هذه دراسة ما يحصل من نوع تعب أو مشقة في ذلك، مع أني أظن أن من يهواها لم يقابل مشقة ولا تعبًا.
اللغة العربية لغة واسعة، والأصل في دراسة قواعد اللغة العربية أن العرب كانوا في الأصل يتحدثون العربية قبل الإسلام وبعده على سجيتهم، وقواعدهم محفورة بلسانهم، ولم يكونوا بحاجة إلى أن يُحَكِّموا قواعد معينة أو أن تكون هناك قوانين يجعلونها نبراسا يقتدون به في كلامهم، بل كان كل واحد منهم يتكلم على سجيته، وكان كلامه قاعدة كلام العربية، إلى أن مرت السنون وتوالت العصور وحصل ما حصل من اختلاط العرب بغيرهم، وهذا لا ينبغي أن نعده عيبا، بل هو أحد الأمور التي نشرف بها وهو أنّ ديننا وحّد بين أصحاب اللسان العربي وغيره من الألسنة؛ لأن الإسلام لا يمايز بين لسان ولسان إلا بالتقوى، وجعل المقياس في ذلك هو القربَ من الله -سبحانه وتعالى- وتقواه.(1/2)
فدخل الناس في دين الله أفواجا على اختلاف ألسنتهم، وتأثر اللسان العربي بناء على ذلك، فأصبح غير العربي محتاجا إلى أن يتعلم لسان العربي، وأصبح العربي باحتكاكه وسماعه وحديثه إلى غير العربي غير قادر على إتقان لغته كما كان يتقنها آباؤه وأجداده، ومن هنا لجأنا إلى قانون يُستند إليه لضبط الحديث بالعربية الفصيحة، فلم يكن ذلك القانون إلا ما كان يتحدث به العرب الفصحاء قبل فشو اللحن على ألسنة الناس، وكان أمام من يسعى من الغيورين إلى وضع هذه القواعد وهذا القانون لضبط قواعد العربية بحر كبير من الكلام الفصيح الذي يمكن أن تستنبط منه القوانين، وأكبر من ذلك كلام الله -سبحانه وتعالى- أفصح الكلام، وكلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفصح الناطقين من البشر، وبعد ذلك الكثير من كلام العرب الفصحاء شعرا ونثرا، كانت هذه المادة الواسعة تحتاج إلى أن تستنبط منها القواعد، فبدأ العلماء الغيورون منطلقين في ذلك إلى أن يكونوا سهاما من السهام التي جعلها الله تعالى موجهة لحفظ كتابه العزيز.
فالله تعالى تكفل بحفظ كتابه، وسخر لذلك من الأسباب ما يكفل هذا الحفظ، ولعل من هذه الأسباب من سخرهم من العلماء ليضبطوا قوانين وقواعد هذه اللغة لتبقى الألسنة قادرة على النطق بها على مر العصور مهما ضعفت السلائق، ولكنت الألسنة، وفشا اللحن، وقل المتحدثون باللغة الفصيحة.(1/3)
من هنا شمر كثير من العلماء عن ساعد الجد وبدءوا في جمع هذا الكلام الفصيح ونظروا إلى القواعد التي تنتظمه، فعلموا أن هناك نمطا معينا يسير عليه العرب، فهم أول ما يبدءون في كلامهم كلمة مرفوعة مضمومة الآخر فقالوا: إذن المبتدأ مرفوع، ورأوا أنهم إذا حصل أن هناك حدثا من الأحداث وأن من أداه ذُكِرَ اسمه في أثناء الحديث أنه أيضا يرفع هذا الاسمُ أو يضم آخره فقالوا: الفاعل مرفوع .. وهكذا استطاعوا أن يستنبطوا هذه القواعد باستقرائهم هذا الكلام الفصيح، فرأوا أنه يسير على نمط واحد ونسج مستمر فوضعوا هذه القواعد بناء عليه.
كانت بدايات وضع العربية سهلة ضيقة، ثم بعد ذلك توسعت الدراسات النحوية واستقرت الاصطلاحات النحوية، ووقع الاختلاف بين العلماء نظير اختلاف الكلام العربي، واختلاف القبائل المتكلمة بهذا الكلام، واختلاف لهجات بعض القبائل أيضا مما أوقع شيئا من الخلاف بين العلماء في إجازة هذه اللفظة وعدمها، وإجازة هذا القانون وعدم إجازته، ثم استقرت قواعد النحو عند العلماء المحققين في القرنين السابع والثامن الهجريين؛ بحيث وصل إلينا النحو مستقرا بقواعده وأبوابه المفصلة التي نراها التي كما هي عليه الآن.
كتبانا الذي نشرحه مستعينين بالله -سبحانه وتعالى- سائلينه أن يرزقنا الإخلاص في تعليمه وتعلمه هو أحد كتب هؤلاء العلماء المحققين الذين أشرت إليهم، الذين حققوا علم النحو وجعلوه على نمط واحد مستقر، وأعني بعمل العلماء المحققين أنهم أخذوا الرأي الراجح بدليله فأثبتوه قاعدة على النحو؛ بحيث أصبح النحو الموجود في كتب المحققين في القرنين السابع والثامن الهجريين يأتي بالراجح من القواعد بدليلها على ما كان عليه أكثر العرب يلتقون؛ بحيث استقرت القواعد على هذا في كلامهم، ومن أكبر هؤلاء العلماء المحققين من نتطرق الآن لشرح متنه وهو ابن هشام الأنصاري.(1/4)
ابن هشام علم من أعلام النحو، وقلّ أن يكون هناك دارس للعربية بل لغير العربية من طلبة العلم من لم يسمع بابن هشام، فهو أحد العلماء النحويين الكبار، مصري عاش هو من علماء القرن الثامن، برع وبزغ في مطلع القرن الثامن وتوفي سنة 761هـ. وهو أحد العلماء الكبار الذين خدموا اللغة العربية وخدموا النحو، وحققوه تحقيقا أبقى لنا من كتبه ما نفخر به، وما يسرها هذا العلم بفضل الله -سبحانه وتعالى-.
سلك ابن هشام في تعليمه لتلاميذه ولمن يأتي بعد ذلك مسلك العلماء المسلمين في ذلك النهج المتميز في التعليم، وأقول المتميز؛ لأنه بالفعل من تأمل نهج العلماء السابقين في تعليمهم لتلاميذهم يعلم أنهم سلكوا مناهج متميزة، كانوا يبدءون بوضع المتون، ومعنى ذلك أنهم يريدون من التلاميذ أن يحفظوا هذا المتن حفظا عن ظهر قلب، ثم بعد ذلك يشرحونه، انظر ماذا فعل ابن هشام مثلًا، بدأ بوضع المتون، فوضع متنا مختصرا، كما سيأتي تفصيله بعد ذلك ثم شرح هذا المتن، ثم جعل كتبه على مراحل، ومستويات بحسب مستوى طالب العلم.
وكان العلماء الأولون يضعون لتلاميذهم في العلم الواحد ثلاث مستويات. تجد العالم منهم مثلاً يضع كتابا موجزا فيسميه المختصر أو الوجيز، ثم يؤلف كتابا أوسع منه يشرح هذا فيسميه الوسيط، ثم يشرح شرحا موسعا للمختصين وطالبي الاستزادة فيسميه مثلاً البسيط أي المبسوط الموسع، وهذا بحسب طالب العلم. فطالب العلم يبدأ بالمقدمات والمتون السهلة المختصرة، ثم يتوسع ويكبر إلى أن يصبح نابغا نابها لهذا العلم ويبرع فيه، ويصبح من علمائه بعد ذلك إذا تدرب هذا التدرب.(1/5)
وهذا كان مسلك ابن هشام، ألف أولا أربعة كتب كبرى، طبعا هو كتبه أكثر من ذلك، لكن كتبه النحوية المشهورة التي هي على هذا التدريب الذي ذكرته أربعة، أكثرها اختصارا قطر الندى، فألفه متنا وشرحه هو أيضا لتلاميذه. ثم ألف شرحا هو أكثر من ذلك توسعا سماه شذور الذهب، ثم شرحه أيضا، فله متن وله شرح فيه، ثم ألف أوضح المسالك وهو شرح لألفية ابن مالك المشهورة، ثم ألف بعد ذلك مغني اللبيب دون التزام بالزمن الذي ألف فيه هذه الأمور، لا يعني البعدية هنا الزمن، ولكن أعني تمايز العلم، بعضها أكبر من بعض وأوسع من بعض شرحا وبسطا.
نعم مغني اللبيب يتميز عن الكتب الأخرى بالكثير من الخواص؛ فهو يعنى ببعض القضايا التي تهم المعرب؛ مثل حروف المعاني، ويعنى كذلك بقضايا كبرى قد لا تكون كتب النحو مجالها، لكنه يعتبر كتابا متوسعا للمختصين في النحو، والذين برعوا فيه والذين بلغوا فيه مبلغا معينا، فهو محتاج إلى مثل هذا الكتاب، لكن الهدف من ذكر هذه الأمور بيان ما كان عليه العلماء من أنهم يؤلفون الكتب في العلم الواحد على مستويات متفاوتة ليأخذ الطالب بهذه العلوم واحدا بعد الآخر بادئا بالأقل المختصر إلى الأكثر الوسيط، إلى الأكبر البسيط.
فيبدأ الطالب عند ابن هشام بقدر الندى فيحفظه متنا إن تيسر له ذلك، ثم يقرأ الشرح وقد شرح ابن هشام هذا المتن، ثم ينظر إذا أراد التوسع أيضا متنه الآخر وهو شذور الذهب، وقد شرحه أيضا، ثم يأتي بعد ذلك إلى المتوسع الأكبر وهو أوضح المسالك شرح ألفية ابن مالك، وهو كتاب يأتي في مرحلة تالية لهذين الكتابين.(1/6)
ابن هشام أحد العلماء الكبار المشهود لهم بالعلم والتميز، وطرائقه هذه التي لا يختلف فيها كثيرًا بقية طرائق السلف في تعليم الطلاب هذه العلوم جعلته مرشحا لهذا المنزلة، ووضح من فعله أنه عندما يأتي بالمتن ثم يشرحه، ثم يأتي بمتن أوسع ثم يشرحه أنه يريد أن يوصل طلابه إلى فهم هذه المادة بيقينه أن هذه اللغة الشريفة جديرة أن تُتَعلم وتُتْقن، ليس لحروفها أو ألفاظها، ولكن لما هي عليه من خدمة كتاب الله العزيز وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وما ألفه العلماء في قرون متعاقبة بهذه اللغة الكريمة.
وعن منزلة ابن هشام يقول ابن خُلْدُونَ -وهو أحد العلماء الكبار في دراسات الحضارة والاجتماع والتاريخ وغيرها من العلوم- يقول في عبارة مشهورة: (ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه قد ظهر في المشرق) في مصر، وهو معاصر لابن هشام (رجل يقال ابن هشام أنحى من سيبويه).
هكذا كان يذكر عنه، وهو يدل على المنزلة التي وصل إليها ابن هشام عند المتعلمين وعند طلابه وعند العلماء في ذلك العصر، حتى صارت تَتَحدَّثُ بمنزلته الركبان، ويذكرها العلماء على تباعد الأقطار.
الكتاب الذي نستعين بالله -سبحانه وتعالى- في البدء بشرحه هو (قَطْرُ النَّدَى وَبَلُّ الصَدَى) وهو أكثر المتون اختصارا لابن هشام، وقد تولى هو بنفسه شرح الكتاب. اسمه قطر الندى وبل الصدى، وأظن أن معنى عنوان الكتاب واضح، فالقطر هو النقط، والندى ذلك البلل الذي يكون على أوراق الأشجار وغيرها قبل طلوع الشمس، وهو يضرب به المثل في رقته وخفته ورغبة النفس فيه، فهو أفضل نقط الماء خفة ورقة، يريد أن يبين أن هذا المتن سهل وخفيف، وهكذا يراه هو، وينبغي أن نراه نحن كذلك إذا تأملنا فيه.(1/7)
والجزء الثاني من الاسم وبل الصدى البل هو الترطيب، والصدى هو العطش، والصادي هو العطشان، فكأنه يقول: إن هذا الكتاب ليس بالكتاب المتوسع، فهو لا يكاد يبلغ من الماء إلا القطر، ولا يوصل من العطش إلا إلى البل، فلا تستكثره أيها الطالب ولا تستصعبه أيضا الشادي، واصبر عليه وتعلمه واعلم أنه بداية لك لتنطلق منها إلى تعلم هذا العلم، وأنك إذا تعلمته فقد أخذت بأحد مفاتيحه، وهو معين لك -إن شاء الله تعالى- على فتح مغاليق هذا العلم في الكتب التي هي أكثر اتساعا.
عندما نتكلم عن هذا المتن فقطعا أفضل شروح الكتاب هو شرح المؤلف؛ لأنه هو الأعلم بمقاصده، ودائما إذا كان المؤلف قد ألف متنا ثم شرحه فاعلم أن شرحه هو أفضل الشروح على الإطلاق، لا لكون العالم الذي لا يماثله أحد من السابقين واللاحقين، ولكن لأنه أعرف بمتنه، وأنتم تعرفون أن المتون عادة يكون فيها نوع اختصار بل وأحيانا إلغاز، والسبب في ذلك أنهم يريدون الاختصار الشديد ليتمكن الطالب من الحفظ، فيصلون بهذا الاختصار إلى أن تصبح بعض العبارات مستغلقة غير واضحة بشدة اختصارها وإجمالها فيحتاج إلى بسط وإيضاح، وأبرع الناس وأقدرهم على إيضاح المقصود مما أراد هو المؤلف نفسه إذا كان قد شرحه، ولذلك فالمفترض عند كل من يشرح هذا الكتاب أن ينطلق أول ما ينطلق من شرح مؤلفه له؛ لأنه إذا قرأ شرحه عرف مقصوده بهذا، ثم بعد ذلك يتوسع.
ونحن -إن شاء الله- سنسعى لأن نتوسع بقدر ما يتيحه لنا المقام في هذه الدروس المباركة -إن شاء الله- وأيضا سأسعى إن أذن الله لنا بعمر أتم فيه شرح هذا المتن إلى تبسيطه وتيسيره، حتى إلى من لم يدرس في النحو من قبل شيئا.(1/8)
ولذلك لا يقول قائل: إنه قد مضت مستويات من النحو لم أدرسها فكيف أستطيع أن أواصل، فأقول حتى الذي لم يدرس النحو مطلقا ومن لم يره في المدارس لكنه عنده همة طالب العلم، والحرص على الدراسة أنا قمين بأنه يستطيع مع هذا المتن المختصر، ومع ما سأسعى إليه قدر إمكاني إن استطعت إلى ذلك سبيلا من تسهيل عبارته وتسهيل المقصود منه؛ بحيث نصل إلى أن يتابع الطالب المتخصص بل الذي لم يدرس في النحو شيئا أن يأخذ هذا العلم بالتدريب شيئا فشيئا، وكيف لا يأخذه وهو مع قطر الندى وبل الصدى الذي هو بمثابة المفتاح للنحو وعلومه.
سنبدأ -إن شاء الله تعالى- بمقدمات هذا العلم، ونبدأ في الشروع فيه، ودائما العلماء يبدءون في كتب النحو بالحديث عن أول وحدات هذا العلم، والوحدة الأولى في هذا العلم هي الكلمة، ويبدءون بتقسيم هذه الكلمة.
أنتم تعرفون أن النحو هو علم التركيب؛ فالكلمة الواحدة لا تشكل نحوا، لكن تركب الكلمات بعضها مع بعض هو النحو، فأنت إذا أردت أن تعرف معنى الكلمة فإنك تأتي إليها في المعاجم، وإذا أردت أن تنظر في مكونات الكلمة واشتقاقها، وكيف حصلت؟ وما الذي حذف منها؟ وما أضيف إليها؟ وما حركاتها؟ وكيف تضبط الكلمة الواحدة في وسطها وأولها؟ فأنت تأتي إلى علم الصرف.
لكنك إذا أتيت بعدة كلمات وجعلتها جملة حينئذ تكون دخلت في النحو؛ لأنه لا تظهر علامات الإعراب إلا من خلال تركب الكلام بعضه مع بعض، فإذا تركب الكلام ضبط وظهرت عليه علامات الإعراب والبناء فأصبح نحوا.(1/9)
والنحو كما تعلمون هو علم يتناول ضبط أواخر الكلمة، أما أوائل الكلمة أوسطها فهذا شأنه علم الصرف، وأما معاني الكلمة المفردة فهذا شأن علم اللغة أو المعاجم، ولكن لما كان الكلام الذي يتركب منه النحو عبارة عن كلمة واحدة وأخرى ضم بعضها إلى بعض، وأسندت واحدة إلى الأخرى فتكون منها كلام - كان لا بد من دراسة الكلمة الواحدة للتعرف عليها، ثم بعد ذلك تركيب بعض الكلمات مع بعضها لتكون نحوا، وهكذا كان النحويون يفعلون؛ يدرسون الكلمة وإلام تنقسم؟ ما أنواعها؟ ثم بعد ذلك تتحدد تلك الأنواع وتبين أقسام الكلمة، واستطاع الإنسان أن يميز بين هذه الأقسام ويفرق بينها، ويعرف كل واحدة منها وما يميزها عن الآخر، بدأ في ترتيب الكلام ودخل في أبواب النحو التي تعلق بالبناء والإعراب.
وقد بدأ ابن هشام بقوله: (الكلمة قول مفرد) هكذا أول عبارة تملى في شرح قطر الندى بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه -صلى الله عليه وسلم- بدأ بالنحو فقال: (الكلمة قول مفرد) وكما ذكرت لكم هذا هو شأن النحويين في بداية كتبهم؛ اعتاد الناس عندما يتحدثون عن التعاريف والحدود -والتعريف والحد شيء واحد، والمناطقة كثيرًا ما يسمون التعريف حدا؛ لأن فيه نوعا من الفصل؛ فالحد هو الفصل، والتعريف فيه فصل بين شيء وشيء، فأنت عندما تريد أن تميز شيئا عن شيء تعرفه فيتحدد، من هنا كانت تسمية المناطقة له حدا تسمية دقيقة، والتعريف أيضا دقيق؛ لأن فيه بيان السامع إلى معرفة الشيء هو تعريف به- اعتاد العلماء في كتبهم أن يتحدثوا عن تعريف الشيء لغة واصطلاحا، وعندما نقول لغة فإننا نعني بها المعنى المعجم، وعندما نقول اصطلاحا فإننا نعني اصطلاح النحويين عليها.(1/10)
إذن نستطيع أن نعرفها لغة واصطلاحا؛ أما في اللغة فقد يقال كلمة ويُراد بها كلام كثير، نقول مثلاً: فلان يلقي كلمة بينما هو ألقى صفحة كاملة أو صفحتين أو ثلاثا، ومع ذلك سميناها كلمة، وهذا اصطلاح لغوي، فهم يطلقون على الكلام الكثير كلمة ويريدون الكلام، وكتاب الله -سبحانه وتعالى- فيه شيء من هذا: ? قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ?99? لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ ? [المؤمنون: 100].
ما الكلمة؟ ? كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ?
ماذا قال هو؟ قال: (رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت) هذه جملة وليست كلمة، بل أكثر من جملة، لأن (رب ارجعون) جملة (لعلي أعمل صالح) جملة، وإن كان قوله: (فيما تركت) جارا ومجرورا متعلقا بهذه الجملة إلا أنها محتوية على جملة؛ لأن (تركت) جملة فعلية صغرى داخل جملة؛ لأن صلة الموصول هنا وقعت جملة فعلية. إذن هذه أكثر من جملة ومع ذلك سماها الله -سبحانه وتعالى- كلمة، وهذا في الاصطلاح اللغوي هو الموجود..
نعرب إن شئتم وأنا سأسعى -إن شاء الله وتعالى- إلى أن أكثر من الإعراب؛ لأن من أراد أن يتقن النحو فعليه بالإعراب، «ومن أراد أن يعرب في كلامه فليعرب كلامه» ومن أراد أن يصل بسرعة إلى ضبط كلامه بحيث لا يلحن -ومن منا لا يلحن، ولكن يسعى لأن يبتعد عن اللحن قدر الإمكان- فعليه أن يتقن الإعراب؛ لأن مشكلة كثير من المتحدثين حتى من الخاصة أعني من طلبة العلم وبعض العلماء أنه يحتاج عندما يتحدث أن يستحضر القاعدة ثم ينظر إلى انطباق هذه القاعدة على الكلمة، ثم ينظر ما الذي تستحقه هذه الكلمة من الضبط بناء أو إعرابا، وإذا كان سيتذكر هذا الأمور كلها في الكلمة الواحدة وهو يتكلم بجمل فكيف سيربط كلمات متوالية يتلوها ويسردها في ثوان على جموع من الناس في خطبة أو غيرها؟(1/11)
من هنا كانت الوسيلة المجربة -جربتها وعرفتها في كثير من الإخوة والزملاء والطلاب- أن من يتقن الإعراب يعرب في كلامه لماذا؟ لأنه إذا استحضر إعراب الكلمة وأعربها كثيرًا سهل عليه ورود إعراب الكلمة في ذهنه في أقل من الثانية، فاستطاع أن ينطقها صحيحة في هذا المقدار من الزمن بحيث لا يؤثر ذلك على انطلاقة الكلام، من هنا كان إتقان الإعراب مانعا لذلك التأخر في تذكر إعراب الكلمة، وقد أسألكم بعض الأسئلة الإعرابية لا أريد التأثير عليكم ولا أريد أن أختبركم في شيء، ولكني أريد أن يكون هذا الأمر سهلا على ألسنتكم، جاريا عليها بسهولة، ولا أطلب منكم أيضا الإعرابات المتوسعة أو المحال الإعرابية مثل مواضع الجمل داخل الجمل، ولكن أريد الأشياء السهلة الواضحة، كالتي لا يعذر أحد بجهلها كالمبتدأ والخبر، والفعل والفاعل والمفعول، الجار والمجرور، أنواع الفعل من ماض ومضارع وأمر، هذه الأشياء السهلة التي يفترض أن نعرفها ونحتاج أن نستخدمها.
فلذلك إذا جاءنا شاهد من الشواهد، أو آية من القرآن، أو حديث من الأحاديث، أو بيت من أبيات الشعر، أو مثل من الأمثال نستشهد به ونطبقه على موضوعنا فسنقطع الأمر ونروح عن أنفسنا بأن نتذاكر إعراب ذلك الشاهد أو المثل، ونحن بذلك لا نخرج عن الموضوع، بل نطبق عليه ونرسخه في الأذهان، ونعلم النحو بأبوابه المختلفة.
واعلموا أن «من يعرب يدرس أبواب النحو جميعا» انظر مثلاً في ?رَبِّ ارْجِعُونِ ?99? لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ? في قوله: "رب" فيها نداء و"ارجعون" هذه جملة فعلية فعلها أمر، و"لعل" من أخوات إن فدخلت في باب النواسخ، و"صالحا" مفعول به فدخلت في باب المفعول به، و"فيما تركت" جار ومجرور فدخلت في المجرورات، و"ما" موصولة فدخلت في الاسم الموصول، إذن أنت في إعراب جملة واحدة أو آية واحدة، أو بيت واحد تتناول النحو جله أو كثيرا من أبوابه.(1/12)
فإذا صرنا نفعل ذلك في أمثلة كثيرة وأنا سأعينكم على هذا الأمر لأن المقصد ليس هو الاختبار، ولكن المقصد هو التعود، وكما قلت لكم «من أتقن الإعراب أعرب لسانه» إذا كان أحد منكم مستعدا الآن لبديهيات الإعراب دون تفصيل في هذه الآية الكريمة فليتفضل وأنا أعطيه الكلمة
?قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ?99? لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ?
رب
نداء
نعم هي أصلها يا ربي فرب منادى
منادى
عندما نفصل نقول: منصوب لأنه مضاف أصله "ربي" بياء المتكلم وياء المتكلم محذوفة للتخفيف، والمنادى إذا كان مضافا يكون منصوبا، منادى مضاف منصوب بفتحة مقدرة على الباء المكسورة لأجل ياء المتكلم.
ارجعون.
فعل أمر
فعل أمر معناه هنا الدعاء؛ لأنه من العبد إلى الله -سبحانه وتعالى- وإذا استعمل فعل الأمر من الأدنى إلى الأعلى لا يسمى أمرا وإنما يسمى دعاءً، وتسميته فعل أمر تسمية اصطلاحية، فهي أمر إذا صارت من الأعلى إلى الأدنى أما إذا كانت من العبد إلى ربه فيصبح معنى الأمر حينئذ الدعاء، كما أنه كما أنه إذا كان منك إلى أخيك مثلاً أو زميلك فلا يسمى أمرا لأنك مساو له وإنما يسميه البلاغيون التماسا.
ارجعون
فعل أمر
نقول: فيه فعل أمر مبني على حذف النون؛ لأنه متصل به واو الجماعة، وستعرفون أن الأفعال إذا اتصلت بها واو الجماعة تصبح من الأفعال الخمسة، وسيأتي.
الواو
فاعل
الواو هذه ضمير متصل في محل رفع فاعل، والنون أصله "ارجعوني" فياء المتكلم التي هي مفعول به محذوفة تخفيفا، والنون التي تسبق ياء المتكلم تسمى نون الوقاية، وسميت نون الوقاية؛ لأنها تقي آخر الفعل من الكسر. وهذا سيأتي تفصيله -إن شاء الله-.(1/13)
أرجو من الإخوة أنه عندما تأتي مثل هذه التفصيلات ألا يستثقلوا الأمر ويقولوا فاتتنا أشياء كثيرة، أنا أذكر بعض القضايا لأني أعلم أن من المتابعين من يعرف هذه الأمور، فلا يقولوا أن كل ما يذكره من البديهيات بالنسبة لنا، وأنا أعطي كلا بقدره، على أن الذي لا يعرف هذه الأمور قد حصَّل شيئا كثيرًا من سواها، فلا تبتئس أنه قد فاتك شيء من الإعراب الذي ذكرناه، فسيأتي من الإعرابات ومن الشروح التي تعوض به هذا وزيادة.
لعلي: ناسخ
نعم لعلي حرف ناسخ من أخوات إن، ما عملها؟ تنصب الاسم وترفع الخبر. أين اسمها؟ الياء؛ ياء المتكلم هنا ضمير متصل في محل نصب، يرغب أحد أن يواصل بعد زميله. وأعينه.
أعمل فعل
أعمل فعل مضارع
فعل مضارع
حكمه؟
مرفوع
وعلامة رفعه؟
الضمة
الفاعل، من الذي يعمل؟
المتكلم نفسه
المتكلم نفسه
أعمل أنا، الفاعل ضمير تقديره أن
صالحا؟
منصوب
هو منصوب، أصله أعمل أنا عملا صالحا، فهي نعت ل"عملا" وعملا هذه الأوجه فيها أن تكون مفعولا مطلقا، فتكون صالحا نائبا عن المفعول المطلق فهي منصوبة بنصبه.
فيما تركت؟
في حرف جر
ما؟ ما اسم موصول
ما حكمه؟
حكمه زائد
"ما" اسم قبله "في" إذا كان قبله "في" يكون مجرورا بها.
"ما" اسم موصول يحتاج إلى صلة وسيتبين هذا -إن شاء الله-
تركت؟
ترك فعل، والتاء فاعل، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
ما معنى لا محل لها من الإعراب؟
الجمل كما سيتبين -إن شاء الله تعالى- بعضها لها محل من الإعراب؛ لأنها تقع في موقع كالحال والصفة مثلا، وكلتاهما لها حكم إعرابي... وهناك مواقع تقع فيها الجملة وليس لها حكم إعرابي، فيقال: ليس لها محل من الإعراب ومنها صلة الموصول؛ لأن الحكم الإعرابي للموصول نفسه، وأما الصلة فهي تكملة له، وليس لها محل إعرابي، وإنما هي مكملة لمعنى الاسم الموصول، لا يتم معناها إلا بها، وسميت صلة له لذلك.(1/14)
لا زلنا نتحدث عن معنى الكلمة في اللغة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل).
لبيد بن ربيعة صحابي مخضرم، والمخضرمون هم الذين عاشوا في عصرين مختلفين، ومخضرم الصحابة هم الذين عاشوا في الجاهلية والإسلام، ويقال: إنه عاش ردحا طويلا من الزمن في الجاهلية، وقد روي أنه عاش ستين سنة في الجاهلية وستين في الإسلام فقد عُمِّر، عاش قرابة مائة وعشرين سنة، وهو من كبار شعراء الجاهليين، كما أنه أحد أصحاب المعلقات، بل إن معلقة لبيد تعتبر من أكثر المعلقات جزالة في الألفاظ وغرابة فيها، فلو أن واحدا منكم قرأ ولو مطلعا من معلقة لبيد بن ربيعة لوجد فيها من الغرابة وقوة الألفاظ الشيء الكبير:
عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّها فَمُقَامُها ... بِمنىً تَأَبّدَ غَوْلُها فَرِجَامُهَ
فَمَدَافِعُ الرّيّانِ عُرِّيَ رَسْمُها ... خَلَقاً كما ضمِنَ الوحِيَّ سِلاَمُهَ
دِمَنٌ تَجَرَّمَ بَعْدَ عَهْدِ أَنِيسِها ... حِجَجٌ خَلَوْنَ حَلاَلُها وَحَرامُهَ
رُزِقَتْ مَرَابِيعَ النّجومِ وَصَابَها ... وَدْقُ الرّواعِدِ جودُهَا فَرِهَامُه
مِنْ كُلِّ سَارِيَةٍ وَغَادٍ مُدْجِنٍ ... وَعَشِيّةٍ مُتَجَاوِبٍ إرْزَامُهَ
ربما يقول أحدكم أنا لم أفهم شيئا وكأنه يتكلم بغير العربية وذلك لقوة ألفاظه، لكنهم كانوا يعرفون ذلك الكلام ويسهل عليهم، وقد يفهم الإنسان الجو العام للنص إذا لم يكن عارفا بمعاني الألفاظ، لكن تبقى من القوة والغرابة؛ بحيث يصعب على من لم يرجع إلى المعجم أو يتمرس على ألفاظ الجاهليين أو العرب الأوائل فهمها.(1/15)
أقول ذلك لأبين أن لبيد بن ربيعة كانت له مكانته في الشعر في الجاهلية وأسلم وحسن إسلامه وعاش في الإسلام وقتا طويلا. وتذكر كتب السير أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سأل لبيدا في خلافته عن شيء قاله من الشعر في الإسلام، كأنه يريد أن يستروح لبعض شعره الذي قاله في الإسلام، فتذكر الروايات أنه كتب له شيئا من سورة البقرة، وقال: أبدلني الله بهذه بالشعر. وتقول كتب السير أنه لم يقل في الإسلام إلا بيتا واحدا:
الحمد الله أن لم يأتني أجلي *** حتى اكتسيت من الإسلام سربال
قال في الجاهلية:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل *** وكل نعيم لا محالة زائل
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أصدق كلمة قالها شاعر) وذكر الشطر الأول من البيت ألا كل شيء ما خلا الله باطل، أما الشطر الثاني: وكل نعيم لا محالة زائل فهو غير صحيح، فنعيم الجنة لا يزول، لكنه قالها قبل أن يسلم، إذن فالكلمة الصادقة من بيته هذا هي شطرها الأول أن "كل شيء ما خلا الله باطل" سماها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلمة قال: (أصدق كلمة قالها شاعر) وهو شطر بيت فيه كلمات ومع ذلك سماها كلمة على المعنى اللغوي، كما قلنا في بيان معنى الكلمة أنها عند اللغويين أنها قد تطلق ويراد الكلام الكثير، فرأينا أن القائل يقول: ألقيت كلمة أو ألقى فلان كلمة في الحفل، ورأينا قبل ذلك الله -سبحانه وتعالى- يقول: ? إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ?، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- (أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد) ويذكر شطر بيته له.
هذا كله يبين لنا المعنى اللغوي للكلمة فإن جئنا لبيان معناها الاصطلاحي فالعلماء النحويون يقولون: إن الكلمة اصطلاحا هي: قول مفرد، قول يعني نطقا ولفظا، ومفرد يعني واحدا، يعني كلمة، فلو كانت أكثر من كلمة كانت كلاما وليست كلمة واحدة، فإذن هي قول أي كلام منطوق، وهي مفرد.(1/16)
لو قال إنسان: ما القول؟ لقلنا: إن القول هو اللفظ الذي يدل على معنى .. ليس مجرد الصوت لكنه صوت له معنى؛ لأنك لو سمعت صوتا لا معنى له لا نقول إنه قول، بل نقول إنه صوت، ولو سمعت مثلا شخصا ينطق بحرف ويمد صوته به أو يأتي بحروف يركبها بخلط ليس له معنى نفقهه فنقول هذه أصوات مجتمعة ليس لها معنى، لكن لا نقول قال شيئا؛ لأنه لا يقول شيئا إلا أن يتكلم بكلام له معنى، ولا يصح أن نسميه كلمة إلا إذا كان مفردا فإن تركب فهو أكثر من كلمة، ولذلك قالوا في تعريف الكلمة: إنها قول مفرد إذا قلنا: مثلاً رجل، هذه قول لأنها عبارة عن لفظ ملفوظ، ومفرد لأنه كلمة واحدة، وهو قول لأنه لفظ له معنى وليس بمركب، لكن لو قلنا مثلاً يد الرجل فإنه لا يصح أن نقول -اصطلاحا- هذه كلمة لأنها مركبة، وهم يعرفون المركب: الذي يدل جزؤه على جزء معناه، والمفرد: ما لا يدل جزؤه على جزء معناه .. كيف ذلك؟
نحن في المثال يد الرجل اليد جزء من الرجل فدل جزؤه على جزء معناه فهو مركب، لكن عندما نقول: رجل هل الراء جزء من الرجل؟ لا، بل هي حرف، إذن ليس مركبا؛ لأن المركب ينبغي أن يكون جزؤه دالا على جزء معناه، إذن نخلص من هذا إلى أن الكلمة قول مفرد، قول لفظ له معنى، ومفرد أنه ليس بمركب.
الكلمة إذن تنقسم إلى أقسام، عرفنا معناها في اللغة والاصطلاح، نبدأ الآن في حديث عن أنواعها نركب منها جملا نطبق عليها الإعراب والبناء، فنصبح وقد دخلنا في النحو عند ذلك.
فكأننا نتكلم عن الوحدة الأساس في النحو، وهي الكلمة التي ننطلق منها إلى التركيب ليحصل النحو بعد ذلك.
يقسمون الكلمة أقساما ثلاثا فيقولون: اسم وفعل وحرف.
لو قال قائل: ما الدليل على أن الكلمة تتكون من اسم وفعل وحرف؟ وهل عند من قسمها وحي من الله -سبحانه وتعالى- أنه ليس هناك قسم رابع، وهل اطلع هذا الذي قسمها على كلام العرب ليرى أنه ليس هناك قسم رابع؟(1/17)
الجواب: أن العلماء الذين استنبطوا قوانين اللغة العربية، وهم لم يضعوا هذه القواعد وضعا من عند أنفسهم، لكنهم استنبطوها من كلام العرب الفصحاء، فنظروا ما الذي يسير عليه الكلام الفصيح وما السنن التي يسير عليها فجعلوها قواعد، فهم يأخذون ما سار عليه الكلام الفصيح ويجعلونها قواعد لهذا العلم، إذن العلماء لم يأتوا بقواعد من عندهم لما استنبطوها استنباطا، وعندما استعرضوا كلام العرب الفصيح الكثير، وهذا يشمل كثيرا من الكلام المنثور وأولاه وأوله كلام الله -سبحانه وتعالى- وكلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم بعد ذلك كلام العرب الفصحاء من شعر ونثر - وجدوا أنه لا يخرج عن هذه الأقسام الثلاثة ....(1/18)
الدرس الثاني
فضيلة الدكتور/ محمد بن عبد الرحمن السبيهين
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح. - خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح. - خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح. - خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح. - الدرس الثاني
اسم المادة:
اللغة العربية - المستوى الرابع
عدد الدروس:
20
اسم الدرس:
الدرس الثاني
javascript:OpenDisplayWindow('Library_Files/media/Academy-Lessons/3rd-Year/1st-Class/Arabic-4th-Level/AAR104-291007.rm');| http://media.islamacademy.net/Library_Files/media/Academy-Lessons/3rd-Year/1st-Class/Arabic-4th-Level/AAR104-291007.rm| http://www.islamacademy.net/droos/
الدرس الأخيرالدرس التاليالدرس السابقالدرس الأول
لغة عربية - المستوى الرابع
الدرس الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ... أما بعد؛
فالحديث لا يزال في مقدمة هذا الفن والعلم، وإن كنا سنلج -إن شاء الله- إلى شيء من التفصيل؛ إذ بدأنا في خاتمة اللقاء السابق في مسألة انقسام الكلمة، وقد كان من ضمن ما قلناه أن الكلمة هي الوحدة الأصلية لهذا العلم؛ أعني أننا عرفنا أن النحو هو تركيب الكلام، وأنه ينتج عن هذا التركيب إعراب وبناء وحركات في أواخر الكلمات، ولا بد من كلمات تتركب منها تلك التراكيب، من هنا كان حديث النحويين في مطالع كتبهم عن هذه الوحدة الأصلية أعني الكلمة.
سبق الحديث عن المقصود بالكلمة، وتوقف المقام بنا في آخر الحديث السابق عند انقسام هذه الكلمة، وظاهر لكل مشتغل بهذا الفن وكل محب له وإن لم يشتغل به، بل ولكل طالب علم أن أقسام الكلمة ثلاثة: اسم وفعل وحرف.(1/1)
وختم الحديث في اللقاء السابق عن سؤال متوقع قد يرد من أحد الناس فيقول: ما الدليل على ما تقول؟ وهل أحاط الذين قسموا الكلام إلى اسم وفعل وحرف بكلام العرب كله، فلم يند عنه منهم شيء؛ بحيث علموا أنه لا يكون إلا في هذه الأقسام الثلاثة؟ وهل اطلعوا على كل الكلام فقسموه فلم يجدوا شيئا خارجا عنه؟
والجواب: أن علماء العربية المعنيون بهذه القواعد استعرضوا ما وجدوه من كلام العرب أو معظم ما وجدوه من كلام العرب فوجدوا أنه لا يخرج عن هذه الثلاثة، نعم قد وقع الخلف من بعض العلماء حين رأى أن هناك قسما رابعا، لكن لا يعتد بهذا في مقابل رأي الجمهور الذي يرى أن أقسام الكلام ثلاثة.
وهذه هي القسمة الثلاثية -كما قلت لكم- دعا إليها الاستقراء، والاستقراء هو تتبع أجزاء الشيء ليعلم أنه لا يخرج منها شيء من الكل، وقولي "من الكل" وإن كانت كلمة "كل" من الكلمات المغرقة في التنكير؛ بحيث إنها محتاجة إلى ما تضاف إليه، فيقال كل شيء كل بعض وغير ذلك، لكني أستعمل أسلوب المناطقة اللذين يعرفونها "بأل" لأني أتحدث الآن عن مسألة الاستقراء، والاستقراء مصطلح منطقي، يعني تتبع أجزاء الشيء ليعلم أنه لم يخرج من أجزائه أمر مطلقا، وعلم المنطق علم معني بعدم تخلف العلة عن الحكم مطلقا؛ لأنهم ليس عندهم شيء اسمه الأغلب والأكثر؛ لأن المنطق علم يعنى بالحد الفاصل في الأمور، فإذا وجدت العلة وجد معها الحكم، وإذا سقطت العلة سقط معها الحكم ولا انخرام لهذا الأمر، وإلا لا تكون العلة علة منطقية، من هنا تتبع العلماء كلام العرب، فلنأخذ مثلاً جملة من كتاب الله -سبحانه وتعالى- ولننظر في قوله: ? أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ? [الفيل: 1].(1/2)
وجدوا أن الهمزةَ حرف، ولَمْ حرف، وتَرَى فعل، وكَيْفَ اسم استفهام، وفَعَلَ فعل، ورَبُّ اسم، والكاف كذلك ضمير فهي اسم، والباء في بأصحاب حرف، وأَصْحَاب اسم، والْفِيل حرف تعريف واسم بعده، ولو استمررت في هذه السورة بل في السور كلها بل في كلام العرب قاطبة لما خرج الأمر عن هذه الأقسام الثلاثة، فهو يدور بين اسم وفعل وحرف؛ لأنه إما أن تكون كلمة دالة على معنًى والجزءُ زمن منها فهي فعل، أو كلمة دالة على معنى الزمن ليس جزءا منها فهي اسم، أو ليس لها معنًى في ذاتها ولكنها تربط بين ما سبق ذكره فهي إذًا حرف، هذا المقصود بالتقسيم بالاستقراء، أو بتقسيم الكلمة إلى هذه الأقسام الثلاثة.
ثم ينبغي التنبيه على أمر ما؛ وهو أنه إذا قلنا: حرف فإن المقصود حروف المعاني، وليس حروف المباني، ما معنى هذا الكلام؟
الحروف عند العلماء قسمان:
حروف معاني: وهي ما اصطلح على تسميتها حرفا وإن لم يكن مكونا من حرف هجائي واحد، بل يكوّن من عدة حروف؛ فأنت تنظر مثلاً إلى كلمة "لعل" مكونة من أربعة حروف (لام - وعين - ولام - مضعّفة بحرفين) وفي لم حرفان، وليت ثلاثة حروف، وإن حرفان، و"إلا" من حروف الاستثناء عبارة عن أربعة أحرف (همزة - ولام مضاعفة بحرفين- وألف بعده) ... وهكذا، إذن هذه الحروف هذه تسمى حروف معاني، حقيقتها أنها أكثر من حرف، ولكنها اصطلح على تسميتها حروفا، فهي تدل على معان معينة، وكل واحدة كما ترون تدل على معنى، فهذه تدل على النفي، وهذه على استثناء، وهذه على النهي ... إلى آخره.
النوع الثاني من الحروف: حروف المباني؛ وهي التي تتكون من حرف واحد، وهي الحروف الهجائية، وحينئذ عندما نقول: الكلمة عبارة عن اسم وفعل وحرف فإننا نعني حروف المعاني؛ لأن الحرف الواحد لا يسمى كلمة أصلا، فكلامنا الآن عن حروف المعاني وليس عن حروف المباني.(1/3)
المؤلف -رحمه الله- بدأ بأول هذه الأقسام وهو الاسم، فعرفه بطريقة غير معتادة في طرق التعريف فعرفه بذكر علاماته، والمؤلف بهذه الطريقة أوصلنا إلى المقصود، فلم يقل هو ما دل على معنى في نفسه وليس الزمن جزءا منه، كما يقول النحويون في تعريف الاسم، لكنه مباشرة أعطانا علامته فميزه من قسيمه، وقال: إن الاسم يعرف بأل كالرجل، وبالتنوين كرجلٍ، وبالحديث عنه كتاء ضربتُ أو ضربتَ على السواء.
قد يقول قائل: لماذا لم يعرِّف الاسم؟ والجواب: هذا متن، والمتون يلجأ المؤلف فيها إلى الاختصار ليحفظها الطالب؛ لأن حفظ المتن كان عند العلماء وسيلة من وسائل طلب العلم، أو خطوة من خطوات طلب العلم، فهم يحفظون المتون أولا ثم بعد ذلك يشرحونها، فيشرح أمرا هو في ذهن الطالب محفوظ، وهذا الشأن في كل العلوم، يحفظونها متونا ثم بعد ذلك يشرحونها فتستقر، ومن هنا كانت أهمية الحفظ.
وخطأ كبير عندما يقوم بعض من تغيب عنهم كثير من خصائص العلوم فيتهمون الحفظ بأنه وسيلة لا قيمة لها أو أنه جمود، ويستهزئ بعضهم فيقول: أضيفت نسخة إلى نسخ الكتاب بحفظه، فهذا الكلام غير صحيح، فقد كان منهج العلماء -وهم من أخرجوا بهذا علماء أفذاذا- أن يُحفظ المتن أولا، ولا يُقتصر على ذلك فيقال: إنها نسخة أضافية، بل يُشرح هذا المتن فيصبح الإنسان يحفظ المتن ويعرف معانيه بشرحه بعد ذلك، فجمع حينئذ العلم من أطرافه. من هنا كانت أهمية هذا الأمر.
والمؤلف كما ترون ما عرّف؛ لأنه يسعى للاختصار، وسَلَك سبيلا ينوب عن هذا التعريف، وهو ذكر علامته التي يعرف بها، فذكر ثلاث علامات للاسم.
أهمية وجود هذه العلامات(1/4)
العلامات المقصود بها تمييز الشيء من قسمه، فدائما تدع علامة على الشيء لتميزه، ولو كان معروفا لما احتجت أن تعلمه، فالعلامة على الشيء مثل أن يكون عندك أمور متشابهة فتقوم بوضع علامة على أحدها ليتضح أن هذا الشيء تريد أن تميزه عن بقية أمثاله، من هنا كانت حاجة الدارس إلى أن يميز كل واحد من الأقسام الثلاثة بعلامة؛ لأنك إذا كنت تريد أن تميز الاسم من الفعل من الحرف طبق هذه العلامة، فإن قبلها فهو ذلك النوع، وإن لم يقبلها فابحث عنه في النوع الثاني بتطبيق علاماته عليه أيضا وهكذا.
هذه العلامات متفق عليها؟
هذه العلامات مشهورة بين العلماء، لكن بعضهم يفصل فيها فيزيد، وبعضهم يختصر ويقتصر، والمؤلف كما ترون هنا اقتصر على ثلاث، بينما قال ابن مالك في الألفية:
بالجر والتنوين والنداء وأل ** ومسند للاسم تميز حصل
فذكر الثلاث، وأضاف إليها الجر والنداء وهما علامتان لم يذكرهما المؤلف هنا، وسبب ذكر هذه العلامات أنها ليست شروطا، ففرق بين الشروط والعلامات؛ الشروط ينبغي أن تتوفر كلها في الأمر حتى يحصل، فنقول مثلا: شروط الصلاة تسعة فينبغي أن تحصل هذه الشروط لتتم الصلاة، فلو انتقد منها واحد لم تتم هذه الشعيرة.
فالأمر هنا ليس شروطا حتى نقول: إنه إذا لم توجد هذه الأمور الخمسة أو الثلاثة فإنه لا يكون اسما، وإنما يكفي أن توجد واحدة منها، فهي علامة وأمارة له والأمارات والعلامات يكفي أن يوجد منها شيء للدلالة عليه، وسيأتي -إن شاء الله- مزيد تفصيل لها.(1/5)
ويبدو أن المؤلف -والله اعلم- عندما اقتصر على "أل" و"التنوين" و"الحديث عنه" أنه أراد أن يأتي بعلامة في أوله وهي أل، وعلامة في آخره وهي التنوين، ثم علامة أخرى في المعنى وهي الإسناد إليه، فيكون جَمَع أنواع العلامات، وليس كل العلامات التي ذكرها بأنواعها في مقام الاختصار؛ لأنه ماتن وليس بشارح مفصل، لكن المؤلف قال: يعرف بأل، ولم يقل بأداة التعريف، ولو أنه قال بأداة التعريف لكان أولى، ولعل الدافع له في ذلك أيضا أنه الاختصار، وإلا فإن ما يقوم مقام "أل" علامة أيضا؛ وهو ما يذكره النحويون أعني "أم" الحميرية، وأم هذه هي حرف تعريف عند بعض العرب، ولا تزال بقاياها موجودة إلى الآن في جنوبي الجزيرة العربية، يقلبون اللام في حرف التعريف ميما، ويعنون بها التعريف، فالمقصود إذن حرف التعريف مطلقا؛ سواء "أل" وهي لغة العرب عامة، أو "أم" الحميرية التي هي لغة بعض العرب في السابق والحاضر، فالمقصود دخول حرف التعريف على الكلمة دليل على كونها اسما.
التنوين: واضح ولا أحتاج إلى أن أفصل فيه حتى لا يأخذ وقتا، وسيأتي له حديث -إن شاء الله وتعالى-.
الإسناد إليه: والعلماء يقولون إن علامة الحديث عن الشيء أنفع وأقوى علامات الاسم.
أولا: معنى الحديث عنه:
أنت لا يمكن أن تتحدث عن "فِعْلٍ"؛ لأن الحديث عن الشيء عبارة عن وصفه والإخبار عنه، ولا تخبر عن الفعل بأنه حصل منه شيء، بل تخبر عن الاسم أنه حصل منه كيت وكيت فتقول: الرجل جاء، فأخبرت عن الرجل بمجيئه، أو تصفه فتقول: السيف صارم فوصفته بهذه الصفة، لكنك لا تصف الفعل يذهب أو يقوم أو افعل بصفات معينة، ولا تخبر عنه بخبر؛ لأنه لا يمكن الإخبار عنه، وكذلك الحرف، من هنا كانت هذه العلامة علامة معنوية إن قلت: الإسناد إليه، أو الحديث عنه، أو الإخبار عنه، فكلها تؤدي شيئا واحدا.(1/6)
وقول العلماء: إن هذه العلامات -أعني الحديث عن الكلمة- أنفع العلامات المقصود به أنها يستدل بها أحيانا وحدها على اسمية الكلمة؛ مثلاً عندما تقول: رجل أو كتاب، يقبل أل فتقول: الكتاب، ويقبل التنوين فتقول: كتابٌ، ويقبل الجر فتقول قرأت في كتابٍ، وإذا كان الاسم عارفا عاقلا لنودي فنقول: يا رجل، وتخبر عنه فتقول: الرجل جاء أو الرجل كريم... إلخ إذن كل العلامات انطبقت عليه، لكن انظر قولك مثلاً في تاء الفاعل أو ناء الفاعلين أكرمت فلانا أو جئت فلانا فالتاء هذه ضمير أي اسم، ولكن لا يمكن أن تأتي بـ"أل" لأن الضمير لا يقبل أل، ولا تنونه لأن الضمير مبني، والتنوين لا يكون للمبنيات وإنما هو للمعربات، ولا يمكن أن تنادي الضمير، فإذا أتيت به اسما ظاهرا تناديه لكن وهو ضمير لا يمكن نداؤه.
وأيضا جره: ففي قولك: ذهبت هذه تاء الفاعل ولا تكون إلا مرفوعة، فلم يبق فيها علامة واحدة وهي الإخبار عنه، فقلت: ذهبت فأخبرت عن نفسك بالذهاب فتحدثت عنها، إذن هذه العلامة -أعني الحديث عن الضمير- هي العلامة الوحيدة التي دلتنا على اسميته دون بقية العلامات، ومن هنا قيل: إن الإسناد أو الحديث أو الإخبار هذه العلامة المعنوية هي أنفع العلامات؛ لأنها الوحيدة التي تدل على اسمية الضمائر.
يقول: قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، أسئلتي المتعلقة بكلام ابن القيم -رحمه الله-
السؤال الأول: ما معنى الباء في قوله: به، ما تجاوز به؟ أهي للمصاحبة أو هي سببية؟
السؤال الثاني: إلام يعود الضميران في قوله: ما تجاوز به العبد حده؟
السؤال الثالث: ما معنى تجاوز به؟ هل معناه غالى فيه؟
أما معنى الباء هنا فهي للاستعانة، وهي أشهر معاني الباء، تجاوز به يعني أخذه واصطحبه معه أو استعان به في هذا الأمر، ويمكن أن تكون أيضا للتعدية، وإن استعمال حرف الباء كحرف تعدية أقل من استعمال حروف أخرى كاللام مثلاً.(1/7)
وأما الضميران في تجاوز به حده، ف"به" الهاء تعود الطاغوت، وحده تعود إلى العبد.
وأما سؤاله الأخير عن معنى قول ابن القيم: "تجاوز به" تعدى الشيء المحدود له فيه، وهذا واضح من التعريف الشرعي للطاغوت، المقصود به ما تعدى ما يكون له؛ لأن هناك حدودا تكون للعبد لا يجوز له أن يتجاوزها، فإذا تجاوزها فإن هذا يكون من التعدي وتجاوز الحد في الأمر، حينئذ يخرج الإنسان به إلى الشرك.
يقول: تكلمت عن الشروط وأنها لا بد من أن تكون مكتملة، فهل العلامات لا بد أن يكون مكتملة؟
قلت: هناك فرق بين الشروط والعلامات، ونحن لم نتناول شروطا الآن في حديثنا، لكني فقط أردت التنبيه على أمر، لأن بعض الناس يقول: الشرط في اللغة هو العلامة، وهذا أمر ما قلته الآن لكن عندما دعت الحاجة إلى هذا كان مناسبا أن يذكر، ولما كان تعريف الشرط في اللغة هو العلامة فإنه يلتبس على كثير من طلبة العلم الفرق بينهما، ونحن نتكلم عن الشرط الاصطلاحي وليس الشرط اللغوي، فالشرط الاصطلاحي هو ما لا يحصل المشروط إلا به، وأما العلامة فهي ما يدل على وجود صفةٍ في الشيء. ونحن عندما نذكر هذه الأمور فهي علامات تدل على الاسمية، والشروط ينبغي أن تتوفر كلها؛ لأنه لو انتقد واحد منها لانتقد المشروط، وأما العلامات فلا يجب توفرها كلها في الكلمة فيكفي واحد منها للدلالة عليه، فإذا قلت مثلا: أنت تتميز بصفات وعلامات هي أولا اسمك فلان، وثانيا أنك ابن لفلان، وثالثا أن من صفاتك المشهورة عنك أنك أديب أو خطيب أو شاعر فأنا بأي واحدة من هذه ذكرتك فقد ميزتك عن غيرك ؛ لأنك تشتهر بها جميعا، ولكن الشروط لا بد أن تحقق للمشروط.(1/8)
نحن نتكلم الآن عن علامات، وهذه العلامات تدل على اسمية الشيء، ومن هنا قلنا: إن الفاعل وناء الفاعلين لا تقبل كثيرا من هذه العلامات، بل لا تقبل إلا واحدة منها ومع ذلك فهي ضمائر والضمائر أسماء، ولا يدل على اسميتها كما ترون إلا علامة واحدة، وهي الحديث عنه، فدل هذا على أنه يكفي توفر علامة واحدة في الكلمة من علامات الاسم للدلالة على اسميتها، هذا هو الفرق بين الشرط والعلامة.
جاء تقسيم المصنف على أن هذا الاسم الذي هو أحد أنواع الكلمة قد يأتي أخره ملازما لحركة واحدة، كما نرى في قولنا: "منْ" فآخره ساكن، أو "الذينَ" آخره مفتوح، أو "هؤلاءِ" آخره مكسور، أو "حيثُ" آخره مضموم، وهذه كلها أسماء ولا يتغير آخرها كما ترون، فلا يأتي آخر "الذين" مضموما أو مكسورا أو ساكنا، ولا يأتي في "من" بالنون متحركة بل هي دائمة ساكنة، فهذا الشأن من شؤون الاسم، فإنه يلازم أحيانا حركة واحدة لا يبرحها، وأحيانا نرى بعض الأسماء يتغير آخره، فنراه مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا، وهذه الأنواع الثلاثة -الرفع والنصب والجر- هي التي ترد على الاسم، أما الجزم فهو من خصائص الأفعال، فتقول: هذا زيد ورأيت زيدًا ومررت بزيدٍ فكلمة زيد هذه متغيرة الآخر، أو قرأت كتابًا وهذا كتابٌ وأمسكت بكتابٍ ، فقد جاء في الحالات الثلاث رفع ونصب وجر، إذن من الأسماء ما يلزم حركة واحدة ومنها ما يتغير آخره فما الضابط في هذا؟
نقول الضابط في هذا:
أولا: التسمية لهذا النوع، فقد سمى النحويون ما كان ثابتا على حركة مبنيا، كأنه بني على هذه الحركة فلا يبرحها تشبيها له بالبناء، والشيء إذا بني على أمر لا يمكن تغييره إلا بهدمه، وسموا النوع الثاني الذي يدور بين الأنواع الثلاثة من الإعراب فيرفع وينصب ويجر معربا؛ أي أنه يأتيه الإعراب بأنواعه فيتغير آخره، فرأوا أن ما يتغير آخره يسمى معربا، وما يثبت آخره يسمى مبنيا.
قد يقول قائل: لماذا يتغير آخره؟(1/9)
وهل هذا التغير راجع لرأي المتكلم أو لاقتراحٍ منه؟
والجواب: أن الأمر ليس كذلك، وإنما تغير آخر الاسم المعرب يأتي بحسب المواقع التي يكون فيها، فإذا اقتضى المقام الذي هو فيها الرفع بأن جاء مبتدأ أو خبرا أو فاعلا أو اسما لكان أو خبرا لـ"إن" فإنه يكون مرفوعا. وإذا اقتضى المقام أن يكون منصوبا بأن جاء مفعولا أو حالا أو تمييزا أو منادى مضافا فإنه يكون منصوبا. وإذا اقتضى المقام أن يكون مجرورا بأن يكون بعد حرف جر أو بعد مضاف أو يكون تابعا لمجرور فإنه يجر، إذن تغير آخر الاسم المعرب الذي يتغير آخره، وهذا التغير إنما هو راجع لتغير الحالة التي وقع فيها، أو ما يعبرون عنه بتغير العوامل الداخلة عليه.(1/10)
والنحويون يرون أن الذي أحدث الحركات وأحدث أنواع الإعراب عوامل مسببات، يشبهونها بالأشياء الحسية، فيقولون: الفعل هو الذي رفع الفاعل، والمضاف هو الذي جر المضاف إليه، وحرف الجر هو الذي جر المجرور، وإنَّ هي التي نصبت اسمها ورفعت خبرها، ولَمْ هي التي جزمت الفعل بعدها... إلخ فكأنها هي التي تفعل، سموا هذه الأشياء عوامل وجعلوها مؤثرة بنفسها، كأنها هي التي تؤثر هذا التأثير الإعرابي على هذا الذي بعدها، فقالوا: إذا وقع الاسم في موقع معين ودخل عليه عامل يقتضي الجر فإنه يجر، أو يقتضي النصب فإنه ينصب، أو يقتضي الرفع فإنه يرفع، هذا إذا كان معربا أما إذا كان مبينا، وقد عرفنا منذ قليل المقصود بالمبني، وهو ذلك الاسم الذي يلزم حركة واحدة كقولنا: "كيف" هذا اسم مفتوح الآخر دائما، لا تقل كيفُ بالرفع ولا كيفِ بالكسر، فأنى وقع فهو مفتوح "كيف"، لكن نقول: في محل جر أو في محل نصب، وكذلك "هؤلاء" فإن همزتها في الآخر لا تكون مضمومة ولا مفتوحة، بل لا بد أن تكون مكسورة، ومع ذلك فإنه يكون فاعلا فماذا نفعل؟ نقول: مبني على الكسر في محل رفع فاعل، ويكون مفعولا مثل أكرمت هؤلاءِ فنقول: مبني على الكسر في محل نصب مفعول به، إذن ما يلزم حركة واحدة ولا يتغير حاله مهما تغيرت العوامل الداخلة عليه ومهما تغير موقعه الإعراب فهو المبني، وعرفنا لماذا سمي كذلك.
في محل نصب أو رفع، ما معنى قولك: في محل؟(1/11)
لما قلنا: إن بعض الأسماء معرب فهذا واضح، فكل اسم دخل عليه عامل معين فإنه يؤثر فيه وتظهر علامة عليه، هذا كان معربا، لكن إذا كان مبنيا فالعرب لم تنطقه إلا على هيئة واحدة، فما الحكم إذا جاءنا فاعلاً، "الذين" هذا مفتوح الآخر، ونحن نعرف أن الفاعل يُرفع آخره، فماذا نفعل به؟ هل نغير الحركة التي صار عليها العرب؟ نقول: لا، بل نبقي الاسم على ما هو عليه لأنه مبني، والمبني يلزم حركة واحدة ولا يتغير آخره، لكن نقول في جاء الذين أكرمتهم: الذين اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل، فهو هنا فاعل، لكن العرب ألزمته الفتح، فهو مبني على الفتح، ومعنى كلمة مبني في محل رفع فاعل أنه لو كان يقبل تغير الحركة في آخره لرفعناه، لكنه لما كان لا يقبل تغير الحركة ويلازم الفتح دائما قدّرنا أنه مرفوع لو قبل الرفع، هذا معنى في محل كذا، لو قدر أن يقبل الحركة لكانت حركته علامة من علامات الرفع وهكذا بقية أنواع الإعراب.(1/12)
المؤلف لما تكلم عن المعرب والمبني قدم الحديث عن المعرب وذكره بما ذكرناه منذ قليل؛ لأن الإعراب هو الأصل، والأصل في الكلمة إذا وقعت في جملة أن تدل على معناها، والأصل أن نقول: جاء رجلٌ هذه ضمة في آخر رجل دالة على معنى أن الرجل هو الذي فعل القيام، فهي تدل على معنى، فلم يأت العرب بهذه الحركات هكذا لمجرد تزيين آخر الكلمة، أو لمجرد التغني والترنم بتنوين في آخرها، أو حتى يغيروا بين الرفع والنصب والجر، كما ذكره بعض الناس، وورد عن بعض العلماء كـ "قطرب" الذي يرى أن حركات الإعراب وتناوبها إنما هو لتغيير نمط الحديث، لكن الأصل في هذا أن حركات الإعراب جاءت للدلالة على معان، فالرفع يدل على الفاعلية أو الابتداء، النصب يدل على المفعولية أو الحالية، والجر يدل على الإضافة أو التبعية للمجرور، إذن هذه الحركات جيء بها لمعان، والأصل في الكلمات أن يكون في آخرها حركات تدل على معانيها، هذا هو الشأن، ومن هنا بدأ المؤلف بالحديث عن المعرب ثم ذلك ثنى بالمبني.
قد يسأل سائل ويقول: أنت الآن تقول المعرب هو ما يتغير آخره، فعندما نقول مثلاً كلمة "فلس" تصغيره "فُليس" جمعه "فلوس" أو :أفلس" فغيرنا الكلمة، هل هذا التغير يسمى إعرابا، من يمكنه أن يجيب منكم؟ ونحن نقول: الكلمة التي تلزم وضعا واحدا كلمة مبنية، والتي تتغير كلمة معربة، فهل هذا التغيير في هذه الكلمة هو ما يسمى بالإعراب؟
يجيب: لا، لأن الإعراب يأتي على آخر الكلمة(1/13)
أحسنت، هذا التغيير ليس إعرابا؛ لأن المقصود بالإعراب تغيير حركة آخر الكلمة، والتغيير هنا ليس في آخر الكلمة إنما هو في وسطها كما ترون في قولنا: فُليس، وفي أولها كما ضممنا الفاء، وقد كانت مفتوحة وأضفنا ياء التصغير، وهذا كله في الأوسط وليس في الآخر، والإعراب هو تغير آخر الكلمة، وكذلك قلنا: فلوسا فضممنا الفاء واللام، ولم يكونا مضمومين من قبل، وأضفنا واوًا لأجل جمع التكثير، فليس هذا هو الإعراب، ولكنه يسمى تغييرا صرفيا، والتغيير الصرفي ما يتناول حروف الكلمة ومبناها وليس إعراب آخرها.
لدينا إجابات سريعة يقول: الإعراب هو تغير حال آخر الكلام، وكذلك آخر يقول: التغير ليس بسبب العامل بل من عامل صرفي، كذلك آخر يقول: وهذا يعتبر من الصرف
أحسنتم: أما المبني فيلزم حركة واحدة في آخره لا يتغير عنها، وجاء له أمثلة، مثل الكسر في هؤلاءِ والضم حيثُ والفتح في كيفَ وأينَ والذينَ والسكون في منْ، فالأسماء تختلف في بنائها، فكل اسم منها له حركة تلزمه ويبنى عليها.(1/14)
ذكرنا من قبل أن من يريد قراءة شرح متن معين أو يريد أن يدرس متنا معينا فأولى الشروح بالدراسة هو شرح المؤلف نفسه؛ لأنه أعلم بمقاصد متنه؛ لأن المتون -كما قلنا من قبل- أحيانا يكون فيها نوع من الإلغاز وعدم الوضوح واختلاف الفهوم بين الشراح، فأعرف الناس بمقصد الماتن هو الماتن نفسه إذا أصبح شارحا لكتابه، من هنا كان كتاب المصنف لَمَّا شرح القطر تحدث عن بعض الكلمات المبنية التي وقع الاختلاف بين العرب في استعمالها مبنية أو غير مبنية، فذكر لفظة "حَذَامِ" وهي اسم امرأة، وهو لا يقصد كلمة "حَذَامِ" وحدها وإن كان ذكرها، ولكن يقصد وَزْنَهَا وما استعملته العرب على هذا الوزن من أسماء المؤنث، كقولهم: سَجَاحِ قَطَامِ وأسماء لأشياء يكرهها العرب تكون لمسمى مؤنث على وزن فَعَالِ، هذه اللفظة كثير من العرب يبنونها على الكسر، لكن من العرب من لا يجعلها كذلك، والشارح تطرق لهذا الأمر في الشرح وليس في المتن؛ لأن المتن ليس موضع تفصيل خلاف بين لهجات العرب، وَفرْق بين لهجتي الحجازيين والتميميين فيها.(1/15)
وإذا رأيت في كتب النحو قولهم: قال الحجازيون وقال التميميون فمعنى ذلك أن العرب في فصاحتهم قسمهم العلماء قسمين كبيرين؛ قسما في العالية وهم في الحجازيون في غربي الجزيرة العربية، وهي قبائل الحجاز بصفة عامة، وأشهرها قريش لكونها قبيلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفصح العرب وقبيلته أفصح القبائل، وإذا رأيت في كتب النحو "لغة قريش" فهم لا يعنون فقط بها قريشا وحدها وإنما يعنون قبائل الحجاز، وهذا يشمل ثقيفًا وسليمًا هذيلا وغيرها من قبائل الحجاز، وإذا قالوا: لغة تميم فهم لا يعنون بها لغة تميم وحدها وهي أكبر قبائل نجد في ذلك الوقت، وإنما يعنون بها قبائل شرقي ووسط وشمال الجزيرة العربية، فهذه هي كلها تسمى قبائل اشتهرت عند النحويين بأنها لهجة تميم ولغة تميم، وسموها بذلك؛ لأنها أكثر القبائل في ذلك الوقت عددا، من هنا كان الحديث عندما نقول: قال الحجازيون والتميميون أو ما الحجازية وما التميمية المعني بها قبائل غربي جزيرة العرب وبقية قبائل العرب لاختلاف هاتين اللهجتين.
وكلتا اللهجتين فصيحة؛ لأنها لغة أو لهجة ولا فرق بين قولنا لغة أو لهجة إلا عند علماء اللغة الحديث فهم يفرقون بين اللغة واللهجة، لكن النحويين عندما يقولون لهجة قبيلة كذا أو لغة قبيلة كذا فهم يتحدثون عن فصحاء وقبائل فصيحة ولا يريدون الفرق، فقط يقصدون باللغة اللهجة، وسموها لغة؛ لأنها يتحدث بها جمع من الناس، فكأنها لغة مستقلة، والواقع أنها جزء من اللغة العربية، أو لهجة لبعض القبائل العرب، لكنها لهجة فصيحة.
لدي سؤال يقول: كيف نعرب هؤلاء شفعاؤنا؟ وكذلك متى يحذف المبتدأ وجوبًا؟ لكي يبينه حيث إنه معلم في مادة اللغة العربية؟
حذف المبتدأ وجوبا سيأتي الحديث عنه لاحقا لكن مدام هو يدرسه الآن فغالبا يجب حذف المبتدأ في موقع القسم، ولا أريد أن أشتت أذهان الإخوة، لكن الذي يهمنا الآن سؤاله الأول، وهو السؤال عن الإعراب هؤلاء شفعاؤنا عند الله؟(1/16)
الآن هذا الأخ يختبرنا جميعا بهذا؛ هذه جملة اسمية ويفترض أن تعرب إعراب الجملة الاسمية، فما الشأن إذا كانت الكلمة مبنية وقد جاءت في جملة؟ كيف نتعامل معها في الإعراب؟
تذكروا "من أراد أن يعرب لسانه فليمارس الإعراب كثيرًا" فإن من يعرب يدرس موضوعات النحو كلها في ثوان، ويتناولها جميعا في هذا الوقت، وهو تطبيق على النحو كله، ومن كثر إعرابه لا يحتاج إلى أن يتأمل في الكلمة وإعرابها في وقت من الأوقات، فيصبح الإعراب سليقة عنده، ويصبح متحدثا خطيبا، قادرا على أن ينطق الكلمة على صوابها دون أن يفكر في مقامها الإعرابي، ودون أن يتوقف عند كل كلمة.
هؤلاء
طبعا هذه جملة اسمية، وإذا جاءنا اسم في مطلع جملة اسمية فماذا نعربه؟
الاسم إذا جاء في أول الجملة الاسمية مبتدأ. فنقول: هؤلاء إما أن نقول: مبتدأ في محل رفع مبني على الكسر، أو نقول: اسم مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ.
مجموعة من الإجابات جاءت هنا، وهم جميعا أعربوا هؤلاء فيقول أحدهم: مبتدأ مبني على الكسر في محل رفع، وآخر يقول: هؤلاء مبتدأ مبني في محل رفع وآخر يقول: هؤلاء اسم مبني في محل نصب المفعول به
أنا أسأل الأخ القائل هنا على المفعولية ما الذي نصبه وجعله مفعولا؟ دائما المفعولية تكون في مقام الجمل الفعلية، إذا كان عندنا فعل وفاعل وكان الفعل متعديا إلى مفعول يكون هناك مفعول به، لكن هذه جملة اسمية، وليس بها فعل أصلا فلا تحتاج إلى مفعول.
أخرى تقول: هؤلاء اسم إشارة مبني في محل رفع مبتدأ، وشفعاء خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، ونا ضمير مبني في محل جر مضاف إليه(1/17)
صحيح، وهذا يدعونا يا إخوان إلى أن نقول شيئا: بالنسبة للأسماء المبنية إذا جئنا نعربها فأنت مخير بين أن تبدأ بذكر الإعراب المستحق ثم تذكر محلها البنائي أو تعكس؛ يعني هؤلاء لك أن تقول: مبتدأ في محل رفع مبني على الكسر، أو تقدم البناء فتقول: اسم مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ، أنت مخير بين الأمرين؛ لأنك ذكرت الحالتين حكمه البنائي الذي نطقت به العرب، وذكرت حكمه الإعرابي الذي أوجبه سياق الجملة.
فنكمل ونقول: ما كان على وزن "فَعَالِ" الحجازيون ينطقون به مبنيا على الكسر، والشاعر عندما يقول:
إذا قالت حذامِ فصدقوها *** فإن القول ما قالت حذامِ
ما القول الإعرابي في "حذامِ" هنا؟
إذا قالت حذامِ؟
هي التي قالت فهي فاعل، وما دامت فاعلا فحكمها الرفع، ومع ذلك قال حذامِ بالكسر، هذا يدل على أن "حذامِ" هذه فاعل مرفوع لكنها مبنية على الكسر في محل رفع فاعل، فشأن الاسم المبني أنه يلزم حركة واحدة ونقدر إعرابه بعد ذلك.
سأوقفكم عند كل شاهد -إن شاء الله وتعالى- وسنتمرن معا على الإعراب، حتى نصل -إن شاء الله وتعالى- إلى أن يعرب الإنسان بطريقة سريعة، ولا نحتاج الآن إلى المحال الإعرابية أو مواقع إعراب الجمل، بل تكفينا المفردات بدون تفصيل، وإذا شئتم يبدأ أحدكم بإعراب البيت أو جزء منه
إذا قالت حذامِ فصدقوها *** ..............
من يعرب؟
"إذا" اسم شرط وظرف زمان، والظروف كلها أسماء، لكنه ليس من الجوازم، وهذا ليس مقام تفصيل ففيه نوع من الصعوبة على بعضكم فدعوها الآن.
فقالت؟
"قال" هذه فعل ماض، ما حكمه؟ مبني على الفتح، التاء للتأنيث ليس لها حكم إعرابي، بل مجرد علامة تدل على أن الفاعل مؤنث.
حذامِ فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره؛ لأنه مبني على الكسر.(1/18)
فصدقوها الفاء واقعة في جواب إذا، وصدقوا فعل أمر مبني على حذف النون، لأنها لحقتها واو الجماعة والأفعال التي لحقتها واو الجماعة تبنى على حذف النون، والواو فاعل؛ وها مفعولا به.
إذن نحن الآن رأينا أن كلمة حذامِ وقد وقعت فاعلا وجاء بها الشاعر مكسورة؛ فكأنه يبني هذا الكلمة على الكسر، وهذا هو شأن أكثر العرب.
أما اللهجة الأخرى للعرب فإنهم يعربون حذامِ، وكل كلمة كانت على وزن فَعَالِ وهي لمؤنث، لكنهم يعربونها إعراب ما لا ينصرف.
ما المقصود بإعراب ما لا ينصرف؟
الممنوع من الصرف عند الجر يجر بالفتحة بدل الكسرة، فهم يعربونه إعراب ما لا ينصرف ولكنه يبقى معربا؛ ولذلك الفرزدق -وهو شاعر تميمي- قال:
ندمت ندامة الكُسَعِيِّ لما *** غدت مني مطلقةً نَوَارُ
فانظروا "فَعَالِ" هذه التي هي اسم لمؤنث جاء بها الشاعر مضمومة الآخر، ولم يقل نَوَارِ فيبينها على الكسر، فدل على أن بعض العرب لا يبني ما كان على فَعَالِ على الكسر، وإنما جاء به لأنه فاعل، ولم ينونه لسببين أولا: لأنهم ممنوع من الصرف، وثانيا: لأنه حرف رَوِيٍّ، وحرف الرَّوِيِّ ما ينون بل يمد به الصوت.
هلا تفضلتم بطرح أسئلة هذه المحاضرة:
السؤال الأول:
ما الفرق بين الشرط الاصطلاحي والعلامة؟
والسؤال الثاني:
ما سبب تسمية الاسم المبني مبنيا؟
تقول: ما الكم الذي سنتناوله في هذا الفصل من الكتاب؟ وهل هناك نقطة سنتوقف عندها أم أننا سنتناوله كاملا؟
أرجو أن نتم ولكن أشك أن سننتهي منه في دورة واحدة فقطر الندى -كما ترون- أوسع من الآجرومية، والآجرومية احتاجت أكثر من ذلك.(1/19)
الدرس الثالث - البناء وأنواعه
فضيلة الدكتور/ محمد بن عبد الرحمن السبيهين
خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح. - خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح. - خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح. - خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح. - الدرس الثالث - البناء وأنواعه
لغة عربية - المستوى الرابع
الدرس الثالث
البناء وأنواعه
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
السؤالان اللذان ألقيا في اللقاء السابق كان أحدهما عن الفرق بين الشرط الاصطلاحي والعلامة، والثاني عن سبب تسمية الاسم المبني بهذا الاسم.
تقول: ما الفرق بين الشرط الاصطلاحي والعلامة؟
وكانت الإجابة: هو ما لا يحصل المشروط إلا به، فإذا انتقد شرط من هذه الشروط لم يحصل المشروط، وأما العلامة فهي تدل على وجود صفة الشيء، وليس بالضروري أن تحصل كلها في الكلمة، فإذا توفرت واحدة منها تكفي.
تقول: السؤال الثاني عن سبب تسمية الاسم المبني بهذا الاسم؟
وكانت الإجابة: الاسم المبني مبني؛ لأنه ثابت على حركة واحدة كأنما بني عليها بناءً، فهو لا يبرحها، وذلك تشبيها له بالبناء المشيد، فما بني على أمر لا يمكن تغييره إلا بهدمه
إجابة وافية.
كان الحديث فيما سبق حول أنواع بناء الاسم، ونحن قد عرفنا أن البناء له علامات؛ وهي الكسر والضم والفتح والسكون، هذه الأنواع الثلاثة التي يقابلها في الإعراب الجر الرفع والنصب والجزم، وهي العلامات تبنى عليها الأسماء، ونحن في طور التمثيل لهذه العلامات؛ فالمؤلف في شرحه لمتنه مثل بـ"حذام" للاسم المبني على الكسر، ومن ذلك أيضا تمثيله بـ"أمس" وهو اسم مبني على الكسر عند الحجازيين، ويمثل له المصنف بالبيت:
الْيَوْمَ أَعْلَمُ مَا يَجِيءُ بِهِ ... وَمَضَى بِفَصْلِ قَضَائِهِ أَمْسِ(1/1)
"أمسِ" مبني على الكسر؛ وموقعها فاعل "مضى أمس" فلو كان معربا لقيل: مضى أمسُ بالضم، لكنّ كَسْرَهُ دليل على أنه مبني على هذا الحركة، ويقال: هو مبني على الكسر في محل رفع فاعل.
أما المبني على الفتح فيمثل له المصنف بالأسماء المركبة؛ وهي أحدَ عشرَ وأخواتها، والمقصود بأخوات أحد عشر هي من أحد عشر إلى تسعة عشر؛ وهي التي تتركب من عددين فوق العشرة ودون العشرين، ويستثنى من ذلك اثنا عشر فإن صدره معرب بإعراب المثنى وأما عجزه فهو مبني، إذن أحد عشر وأخواتها -ثلاثة عشر وأربعة عشر حتى تسعة عشر- الصدر والعجز مبنيان على الفتح أحدَ عشرَ ثلاثةَ عشرَ، أما اثنا عشر فإنه يعرب إعراب المثنى؛ فأقول: هؤلاء اثنا عشر رجلا، فيكون إعرابه خبرا مرفوعا وعلامة رفعه الألف. ورأيت اثني عشر وسلمت على اثني عشر أيضا بنصب وجر، وتكون العلامة الياء فنعربه إعراب المثنى، وتبقى "عشر" مبنية على الفتح كبقية أخواتها. هذا بالنسبة للمبني على الفتح.
أما المبني على الضم: فهو ما مثل له المصنف بـ "قبل، وبعد" عند إضافتهما على نية المضاف إليه في المعنى بأن تكون مضافة وحذف المضاف إليه ونوي معناه؛ والمقصود بذلك أنه مقدر معنى المضاف إليه دون أن يذكر في الكلام، حينئذ في هذه الحالة يبنى الاسم على الضم، فنقول: ?لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ? وكذلك "حيث" كقوله تعالى: ?اللَّهُ يَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ? هذه أمثلة للأسماء المبنية.(1/2)
بقي من الأسماء المبنية ما كان منها مبنيا على السكون، وهذا أمثلته كثيرة منها "مَنْ" وتستعمل استفهامية وشرطية وموصولة، وكلها مبنية على السكون، وكذلك ما كان من هذه الأسماء مختوما بالألف كـ"ما" و"الذي" فهذه أسماء مبنية على السكون أي أنها تلزم السكون ولا تبرحه ويقدر الإعراب عليه تقديرا فنقول: مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة، وعلامة الرفع والنصب والجر لا تظهر؛ لأن بناء هذه الأسماء لازم، ولم تنطق بها العرب إلا ساكنة، وحينئذ نقدر عليها الإعراب ولا تظهر عليها إلا علامة البناء الأصلية الخاصة بها.
بهذا نكون قد استعرضنا أنواع البناء الأربعة التي ترد على الاسم، وعلامات هذا البناء من ضم وفتح وكسر وسكون، وبمجمل ما ذكر في اللقاء السابق وفي هذا اللقاء أن الأصل أن تعرب الأسماء، وقد تبنى فيلزم الاسم واحدة من هذه العلامات الأربعة، ومعنى أن الأصل في الاسم أن يعرب أن الأصل فيه أن نعرف أنه هل هو فاعل؟ هل هو مفعول؟ هل هو مضاف إليه؟ ولا يتبين هذا إلا بعلامة الإعراب، ولكن قد يحول دون ذلك حائل؛ وهو أن العرب تكون نطقته بطريقة واحدة، فنلتزم بهذه الطريقة، ونقدر علامات الإعراب على ذلك الاسم إذا كان مبنيًا.
تقول: نعرف أن الضمائر مبنية، وعرفنا منكم أنها تلزم حركة واحدة مثل أولئك فإنها المبنية على الفتح، إلا أن هناك نصا حديثيا عن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها لما رأت كنيسة في الحبشة قال لها -صلى الله عليه وسلم-: (أولئكِ إذا مات فيهم .... الحديث) الشاهد أن أولئكِ في هذا النص تنطق بكسر الكاف، وليس بالفتح فكيف ذلك؟
هذا أمر يدعو إلى الحديث من عدة أمور:
أولا: أولاءِ اسم إشارة وليس ضميرا، غير أن أسماء الإشارة أيضًا تبنى مثل الضمائر.
الأمر الثاني: أولاء ليست مبنية على الفتح، وإنما مبنية على الكسر.(1/3)
الأمر الثالث: أن كسرها على الهمزة، فالكاف ليست جزءا من اسم إشارة، فهي "أولاءِ" بالكسر على كل حال، ثم يضاف لها حرف الخطاب وهو الكاف، ثم إن المتحدث إذا تحدث إلى مذكر مفرد أضاف إليه كاف الخطاب المفتوحة فيقول: أولئكَ، وإذا تحدث إلى مفردة مؤنثة أضاف إلى اسم الإشارة كافا مكسورا فقال: أولئكِ كما هو في الحديث، وإذا تحدث إلى اثنين مذكرين أو مؤنثين قال: أولئكما، وإن تحدث إلى جمع مذكر قال: أولئكم، وإن تحدث إلى جمع مؤنث قال: أولئكن، إذن اسم الإشارة باق على البناء على الكسر هنا وليس كما قالت، والحركة التي لفتت انتباهها هي حركة كاف الخطاب، وهي تتغير بحسب المخاطب، ولا تأثير لها على البناء الأصلي؛ وهو الكسر على الهمزة آخرَ حرف في اسم الإشارة.
تقول: قرأتُ أنَّ فعل الأمر له علامتان: أن يقبل نون التوكيد مع دلالته على الأمر، فإن قبلت كلمةٌ النونَ ولم تدل على الأمر فهي فعل مضارع، فكيف يقال علامة مع أنه يفترض أن تكون شرطاً؟
أولا: هذا موضوع حديثا اليوم -إن شاء الله وتعالى- وهو علامات الأفعال.
من هذا السؤال سندخل في الحديث عنها.
لما انتهى الماتن من الحديثِ عن القسم الأول من أقسام الكلمة وهو الاسم بدأ بالحديث عن القسم الثاني وهو الفعل.
النوع الثاني: من أنواع الكلمة هو الفعل، والفعل عكس الاسم من حيث البناء والإعراب؛ فبناؤه أكثر من إعرابه؛ لأن قسمين من أقسام الفعل الثلاثة مبنيان، -الأمر والماضي- أما القسم الثالث فيرد أيضا عليه البناء وإن كان إعرابه أكثر، وهو كان المضارع.
أول أنواع الفعل: الماضي، والنحويون يبدءون بالفعل الماضي في حديثهم عن الأفعال؛ لأنهم يتدرجون بالزمن فيبدءون بما سبق، ثم ما هو موجود الآن، ثم يثلثون بالمستقبل.(1/4)
علامة الفعل الماضي قبول التاء، ذكر المصنف قبول تاء التأنيث الساكنة في شرحه لمتنه، وهذا صحيح، لكن لو قلنا: قبول التاء مطلقا لكان أولى؛ ليشمل ذلك تاء التأنيث الساكنة وهي حرف يدل على أن الفاعل مؤنث، والتاء المتحركة وهي ضمير رفع يعرب فاعلا.
وبالمثال يتضح المقال: عندما أقول: ذهبَتْ هند فالفاعل هو هند، والتاء حرف يدل على أن الفاعل مؤنث، وليس له محل من الإعراب، ولكن عندما أقول: ذهبتُ أو ذهبتَ أو ذهبتِ فإن التاء هي الفاعل، وبالحالين هذه التاء دليل على أن ما قبلها فعل ماض، إذن أي كلمة قبلت أن تتصل بها تاء التأنيث الساكنة وهي علامة وهي حرف، أو تاء الضمير التي تعرب ضمير رفع متحركا فاعلا وهي اسم – فهذا دليل على أنها فعل ماض.
الفعل الماضي مبني بكل حال هو والأمر، والأصل في بنائه الفتح، وإذا قال النحويون الأصل فإنهم يقصدون به أنه إذا لم يمنع من ذلك مانع فإنه يكون على هذه الحال، فالفعل الماضي متى إذا لم يمنع من بنائه على الفتح مانع فإنه يبقى على البناء؛ فتقول: ذهب وأكرم وأخذ، فهي أفعال ماضية مبنية على الفتح.
لكن هناك أمران يتصلان بالفعل الماضي ويخرجانه عن البناء على الفتح؛ وهما: واو الجماعة، وضمير الرفع المتحرك.
أما واو الجماعة فهي ذلك الضمير الذي يعرب فاعلا عندما يكون مَنْ فَعَلَ الفعلَ جمع غائب، فتقول: الرجال ذهبوا، فواو الجماعة هي الفاعل هنا، ولو نظرنا إلى آخر الفعل قبلها لوجدنا أن الباء التي هي آخر الفعل لم يلتزم فيها الفتح، ولكنها ضمت؛ لأن واو الجماعة يناسبها الضم، فيغير آخر الفعل الماضي فيبنى الفعل على الضمة إذا اتصلت به؛ أي لمناسبة الواو.
فالواو -كما نعلم- تناسبها الضمة والألف تناسبها الفتحة والياء تناسبها الكسرة، فلما جاءت واو الجماعة بعد الفعل ناسب أن يضم قبلها ليخف النطق؛ فيبنى الفعل الماضي على الضم إذا اتصل به واو الجماعة.(1/5)
النوع الآخر مما يخرج الفعل الماضي عن أصله هو ضمير الرفع المتحرك.
ما معنى ضمير الرفع المتحرك؟
المقصود بضمير الرفع المتحرك هو الضمير الذي يعرب فاعلا ويكون في موضع رفع.
يقول: ولكن الماتن تعرض للمتحرك بعد ذلك فقال: "والضمير المرفوع المتحرك" وفصَّل بهذا الشكل لاختلاف البناء في الحالين؛ تاء التأنيث يبنى الفعل معها على الفتح، والمتحركة يبنى معها على السكون
ضمير الرفع المتحرك هو الضمير الذي يعرب فاعلا بعد الفعل ويكون متحركا، أما كونه ضمير رفع فمعناه أن موقعه الرفع، ونحن نعرف أن الفاعل الأصل فيه أن يرفع، أما ضمير الرفع الساكن كواو الجماعة وألف الاثنين وياء المخاطبة فكلها ضمائر رفع تعرب فاعلا ولكنها ساكنة، وليس المقصود هنا إلا ضمير الرفع المتحرك، وهذا يشمل تاء الفاعل.
وتاء الفاعل أنواع: فقد تكون للمتكلم فتضم مثل ذهبتُ، أو المخاطب المذكر فتفتح مثل ذهبتَ، أو للمخاطبة المؤنثة فتكسر مثل ذهبتِ، وكلها تسمى تاء الفاعل، أو أن يكون "نا الفاعلين" وهذا للجماعة المتكلمين، أو الواحد المشارك معه غيره، وقد يستعمل في تعظيم النفس بأن يكون مفردا ولكنه للتعظيم، والله -سبحانه وتعالى- يقول: ? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ?[الحجر: 9] لتعظيم الله -سبحانه وتعالى- فتأتي "نا" وهي ضمير رفع متحرك.
النوع الآخر من ضمائر الرفع المتحركة هي نون التأنيث فتقول: ذَهَبْنَ، وهي كما ترون فاعل، وفي الوقت نفسه متحركة بالفتح.
في هذه الحالات الثلاث -تاء الفاعل بأنواعها، ونا الفاعلين، ونون النسوة- لو نظرنا إلى الفعل قبلها لوجدنا أنه ساكن فنقول: في ذهب عندما نصله بواحد من هذه الضمائر: ذهبْتُ، أو ذهبْنَا، أو ذهبْن.
ويسأل سائل ويقول: نحن عرفنا أن الفعل الماضي ضم آخره مع واو الجماعة؛ لأن الواو تناسبها الضمة، فما باله يسكن مع ضمير الرفع المتحرك؟ وهل ضمير رفع متحرك يناسبه السكون؟(1/6)
والجواب: قالوا: إن السبب في ذلك أنه يثقل في الكلام توالي أكثر من ثلاثة متحركات، ذَهَبَ هذا هو أكثر ما يخف في النطق، فإن زادت المتحركات عن ثلاثة ثقل النطق؛ ولذلك كان العرب عندما يثقل النطق بتوالي الحركات فإنهم يخففونه ويقطعونه بسكون ثم يأتي متحرك بعد ذلك، وذلك حينما تكون كلمة واحدة متوالية الحركات، وتكون حركاتها أكثر من ثلاث.
الفعل الماضي مع ضمير الفاعل كلمتان وليستا كلمة واحدة، لكن الفاعل هنا عبارة عن ضمير فهما أشبه بالكلمة الواحدة؛ للارتباط المعنوي أي الفعل مع فاعله، والعضوي أيضا في الصورة؛ لأنه متصل به، فصارتا ككلمة الواحدة وما دامتا كالكلمة الواحدة يَبْقَى الفعل الماضي على بنائه مفتوحا، فهو إذن هو ثلاث حركات ذَهَبَ، أَخَذَ، ثم أضفنا إليه ضميرا متحركا فصارت أربعة متحركات فيما يشبه كلمة واحدة، هو عبارة عن كلمتين ولكنه بمثابة الكلمة الواحدة؛ فلما كان الأمر كذلك خففوا الأمر بتسكين آخر الفعل الماضي حتى لا تتوالى أربعة متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة.
هكذا عللوه فقالوا: ذَهَبْتُ، ولو قالوا ذَهَبَتُ لثقلت، هو ممكن ولكنه ثقيل، من هنا جاء التخفيف.
يقول: "نا" الفاعلين ليست ساكنة ولا متحركة
الكلام على توالي أربع متحركات أول ناء الفاعلين النون وهي مفتوحة، فلو بقيت وفتح ما قبلها لتوالى أربع متحركات؛ الفعل أقله ثلاثة أحرف، والنون الحرف الرابع فيتوالى أربع متحركات فيثقل النطق بها.
تود طرح سؤال يا شيخ(1/7)
تنبيه لأمر ما، بعض الإخوة يحب علل النحو وما يتعلق بالقضايا المنطقية، فالمنطق إذا استفيد منه لترتيب العلوم ومعرفة أسرارها وعللها فإنه مفيد جدًا للعقل، ويرتب القضايا ويقربها إلى الذهن، ويجعل عند الإنسان ملكة استنباط العلل، وإذا استنبط الإنسان العلل استطاع التوصل إلى صحة العلوم المختلفة، إنما يكره العلماءُ المنطقَ عندما يدخل في أمور الغيب، أو يدخل العقل فيما لم يوضع له، وهذا محل ذم المنطق؛ عندما تدخل العقول الضعيفة فيما لم تخلق من الغيبيات يقع الضلال، أما إذا استفيد من المنطق في ترتيب العلوم وتقسيمها وتعريفها وتعليلها فإن في هذا خيرا كثيرا، وقد دخل المنطق كثيرا من العلوم فأفاد في ترتيبها كالنحو وكأصول الفقه وغيرها من العلوم.
من الأمور التي أذكرها سريعا وقد تكون من اللطائف هنا، أنني ذكرتُ منذ قليل أن الفعل الماضي يبنى على السكون لو اتصل بضمير رفع المتحرك لعلة ذكرها النحويون؛ وهي كراهة توالي أربعة متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة، بعض المعللين أوردوا سؤالا فقال: لماذا صار ضمير الرفع المتحرك متحركا؟ أي لماذا لم يسكن؟
بعضهم أجاب بقوله: لأن العربي استعمل التاء الساكنة علامة على التأنيث، والتاء المتحركة للدلالة على الفاعل فلكل استعمال، وبعض المولعين بالتعليل قالوا: لا بل حُرِّك لأن ما قبله ساكن؛ أي آخر الفعل الماضي المتصل بضمير رفع متحرك ساكن، فلو سكن لالتقى الساكنان وهو ممنوع إلا في بعض المواضع التي منها عند الوقف مثلاً كقولك: رجلانْ، لكن الأصل فيه عند الدرج أنه لا يتوالى ساكنان، فحتى لا يتوالى ساكنان حرك ضمير الرفع المتحرك، فهنا يقع ما يسمى بالدَّوْرِ عند المناطقة، الدور هو أن يكون الشيء علة لما هو علة؛ أي إذا كان هذا علة لهذا، وهذا علة لهذا فهو الدور، قال أحد الأدباء:
بيني وبين صاحبي دَوْر، لولا جفاه لم أشب، ولولا مشيبي ما جف(1/8)
فهم الآن جعلوا تحريك ضمير الرفع المتحرك بسبب سكون ما قبله، والأولون جعلوا سكون ما قبله بسبب توالي أربعة متحركات التي أحدثها ضمير الرفع المتحرك، فكون الشيء علة للآخر، ويدل هذا على أن العلة غير صحيحة، فالدور كما يقول المناطقة باطل، وذلك لا يعتد به في ذلك الموقف، من هنا نقول: إن تحريك ضمير الرفع المتحرك إنما جاء لأن العرب نطقت به هكذا، فإن قيل: نلتمس حكمة لتحريك العرب ضمير الرفع المتحرك؟ نقول: نعم استعمل العرب التاء على الحركات الثلاث مع السكون فهم يستعملونها مفتوحة مع الفاعل المخاطب، ومكسورة مع الفاعل المخاطبة المؤنثة، ومضمومة مع الفاعل المتكلم، وساكنة لتكون علامة لتأنيث الفاعل الذي لم يأت بعد، فهي علامة.
الثلاث الأول أسماء الضمائر، والأخير حرف وهو علامة التأنيث.
إذن هذا يعني أنه إذا اتصل الفعل الماضي بواو الجماعة ضُم أخره، فإن اتصل بضمير الرفع المتحرك سكّن آخره، وعرفنا العلة في الأمرين، فإن لم يتصل بواو الجماعة ولا بضمير الرفع المتحرك بقي على أصله؛ وهو الفتح.
تقول: هل يصح في الْخُطْبة قول: "أَن الحمد لله" بفتح الهمزة وكسر النون أم لا يصح؟ ولماذا؟
لو تكلمت عن فتح همزة "إن" بصرف النظر عن النون فإنا نقول: كسر همزة "إن" وفتحها لها مواضع، وسيأتي بيانها عند الحديث عن النواسخ، لكن أبرز وأهم المواضع التي تكسر فيها همزة "إن" في ابتداء الكلام، وهنا ابتداء الخطبة فينبغي تكسر فيقال: إن، أما إن تحدثت عن الألغاز فهذا مقامه مقام طويل بأن يكون فعلا وصورته صورة الحرف أو شيء من هذا القبيل فلا مجال لكسر النون فيه.
يقول: يسأل عن كتاب فيه علل النحو؟(1/9)
النحويون يعولون على التعليل كثيرًا؛ فإذا قرأت في كتب النحو الموسعة ستجد أنه لا تكاد تخلوا مسألة من المسائل إلا بعلة، وأنتم تعرفون أن أدلة النحو إما نقلية أو عقلية، النقلية من الكلام الفصيح، سواء من كلام الله -سبحانه وتعالى- وهو أفصح الكلام، أو من كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو أفصح البشر، أو من كلام العرب في شعرهم ونثرهم قبل الإسلام وبعده حتى نهاية عصور الفصاحة.
والعلماء حددوا عصور الفصاحة بالنسبة للنحو تقريبا ببداية الدولة العباسية أي منتصف القرن الثاني الهجري، هنا توقف الأخذ عن الناس في قضايا النحو والصرف والتقعيد لهما، فكل ما تُحُدث به قبل هذا التاريخ فهو ميدان للاستشهاد النحوي.
بعض القضايا نطق بها العرب وتحتاج إلى بيان الحكمة والعلة منها، فالعلماء يلتمسون حكمة وعلة تناسب المقام، وتدل على مقدرة العربي، وما الذي حدا به إلى النطق بهذه الطريقة، ومن هنا كثر التعليل وبيان الحكمة في قضايا النحو، ولا تكاد تجد كتابا موسعا في النحو إلا ويعلل لقضاياه.
تقول: تسأل عن خطأ كسر ضمير تاء التأنيث بإضافة إشباع الياء في مثل: "أنتي" بدلا من كسر التاء دون إضافة الياء
الأصل فيها الكسر، وقد تشبع في الشعر، وإشباعها في غير ذلك وارد، لكن الأصل فيها أن تكون بالكسر فقط، وإشباعها لا يكون إلا بمسوغ سجعي أو شعري، والأصل أن الشعر هو الذي يلزم بذلك، لكن إن لم يكن كذلك فلا داع للياء؛ لأن الياء هنا هي ليست ياء المخاطبة لأن ياء المخاطبة تلحق الأفعال، ومن هنا فإن المقصود فقط هو الدلالة على ضمير المخاطب المؤنث وهذا يُكْتَفَى فيه بكسر التاء، وما وراء ذلك إشباع للحركة لا حاجة له.(1/10)
عرفنا علامة الفعل الماضي، وهي قبول التاء مطلقا ساكنة أو متحركة، ساكنة حرف ومتحركة فعل، فلا يقبل من الأفعال التاءَ إلا الماضي وحده، وعرفنا أن الأصل فيه أن يبنى على الفتح وأنه قد يخرج عن هذا الأصل بالبناء على الضم إذا اتصلت به واو الجماعة، أو البناء على السكون إذا اتصل به ضمير الرفع المتحرك.
من هنا فإن كل فعل يقبل إحدى التاءين -الساكنة أو تاء الفاعل- ينبغي أن يحكم عليه فأنه فعل ماض، لذلك حكم على نعم وبئس أنها أفعال، وإن رآها بعض العلماء -وهم الكوفيون- بأنها أسماء؛ لأنها وردت عن بعض العرب بدخول حرف الجر عليها، ونحن عرفنا أن حروف الجر من علامات الأسماء، ولكنا نقول: إن دخول حرف الجر على نعم وبئس إنما هو من النادر، لكن دخول تاء التأنيث عليها كثير ومطرد، وما دام الأمر كذلك فإنا نعول عليه، وما دامت تاء التأنيث الساكنة علامة من علامات الفعل الماضي فإن بئس ونعم فعلان ماضيان .
نعم وبئس يدلان على إنشاء المدح أو الذم وهما جامدان؛ أي أنهما لا يتصرفان، فلا يأتي منهما مضارع ولا أمر، فالفعل المتصرف هو الذي يأتي منه الماضي والمضارع والأمر والمصدر إلى آخره، وأما الفعل الجامد فهو الذي يقتصر على حالة أو حالتين من حالات الفعل، ولا تكون فيه الحالات الثلاثة - الماضي والمضارع والأمر- فنعم وبئس يلزمان حالة المضي فقط؛ ولذلك قلنا: إنهما فعلان ماضيان جامدان.
ما الدليل على أنهما فعلان؟ الجواب: دخول تاء التأنيث الساكنة عليهما، كما في الحديث: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت) أي فبالرخصة أخذ، ونعمت الرخصة الوضوء (ومن اغتسل فالغسل أفضل) تتمة الحديث، إذن دخلت تاء التأنيث الساكنة على نعم فدلت على فعليتها.
حتى نؤكد ما قلناه من قبل أن من أتقن الإعراب أعرب لسانه، وحتى نستمع إلى أصوات الإخوة الحاضرين فمن يعرب لنا هذا المقطع من الحديث: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت) وأعينه في هذا؟(1/11)
نقول: مَنْ: اسم شرط، وإذا جاء اسم الشرط في أول الكلام وابتدئ به يكون مبتدأً.
فبعض أسماء الشرط تعرب بإعرابات متعلقة بما بعدها كـ"كَيْفَ" وتعرب حالا، و"إِذَا" تضاف إلى ما بعدها، لكن "مَنْ ومَا" ونحوهما مما يبتدأ به تعرب مبتدأ مبنيا على السكون، وهي اسم شرط، وأسماء الشرط تقتضي فعلين، فعل شرط وجواب شرط.
تَوَضَّأَ: فعل ماض مبني على الفتح، والفاعل هو.
يَوْمَ الْجُمُعَةِ: ظرف زمان، يوم مضاف والْجُمُعَة مضاف إليه.
فَبِهَا وَنِعْمَتْ: الفاء وقعت في جواب الشرط، وإنما أتي بالفاء في جواب الشرط لأنه ليس فعلاً وإنما جاء جملة، وإذا جاء جواب الشرط جملة أو جارا ومجرورا أو شبه جملة فإنه تلحقه الفاء.
بِهَا: الباء هنا حرف جر والهاء اسم مجرور، والضمير يعود على بالرخصة؛ وهي الوضوء يوم الجمعة.
وَنِعْمَتْ: فعل ماض لاتصال تاء التأنيث الساكنة بها، وحينئذ نقدر لها فاعلا يعود إلى الرخصة السابقة -الوضوء يوم الجمعة-.
بِهَا وَنِعْمَتْ: واقعة في جواب الشرط، في محل رفع خبر لِـ"مَنْ" الذي هو اسم الشرط المبتدأ.
يقول: "سيطلع رغم الظلام الضياء" أريد إعراب رغْم؟
"رغم" إن أدخلت عليها حرف الجر تكون مجرورا، وإذا أبقيتها بلا هذه فتكون مفعولا مطلقا؛ لأن مصدر رغم يرغم رغما والمفعول المطلق ينصب.
يقول: توضأ فعل ماض مبني على الفتح، وآخر يقول: توضأ فعل ماض مبني على الفتح والضمير مستتر تقديره هو، وأخرى تقول: ونعمت فعل ماض جامد مبني على الفتح، أيضا تقول أخرى: التاء الساكنة لا محل لها من الإعراب، يقول آخر: بِهَا جار ومجرور
أحسنتم.
وتستطيع أن تدخل تاء التأنيث الساكنة على بئس فتقول: بئست المرأةُ حمالة الحطب. وحينئذ تكون أدخلت التاء عليها فدل هذا على فعليتها.(1/12)
إذن دخول تاء التأنيث الساكنة على نعم وبئس باضطراد دليل على فعليتهما، وأنهما فعلان ماضيان وليس اسمين كما رآه بعض النحويين، وهم الكوفيون مستدلين ببعض الأمثلة الواردة عن العرب ولكنها قليلة في مقابل الاستعمال الكثير لإدخال تاء التأنيث الساكنة عليها، وإذا تقابل الاستعمال القليل والاستعمال الكثير فينبغي أن نأخذ بما استعملته العرب استعمالا كثيرًا ولا نعول على القليل والشاذ من الكلام، وإلا لا تنضبط لنا قاعدة؛ لأنه لا تسلم قاعدة من شواذ، ولو أنا أجزنا التقعيد على الشواذ لا تطرد حينئذ القواعد، ولذلك صار الحكم في القواعد النحوية يبنى على الأكثر والأعم وما سواه يحفظ، ويعتبر لقلته شاذا مخالفا للقاعدة، يذكر في مقامه لكن لا يصح القياس عليه، وإنما القياس على الكلام الكثير الفصيح الوارد عن العرب.
كذلك ما يتعلق بحروف كلمات أخرى فمثلا: أبو علي الفارسي وهو أحد العلماء النحويين في القرن الرابع الهجري حكم بأن "ليس" حرف وقال: هي حرف نفي مثل "ما" و"ما" حرف، فرد عليها النحويون بعد ذلك فقالوا: تدخل عليها تاء فتقول: ليست فدل هذا على فعليتها، وما دامت التاء علامة للفعل الماضي وهذه الكلمة تقبلها إذن فهي فعل وليست حرفا كما قال.
وكذلك عسى، فبعض النحويين وهم الكوفيون رأوا أنها حرف، وقالوا: إن عسى تدل على الترجي فهي مثل لعل، ولعل حرف ترج فنقيس عليها عسى؛ لأنها تدل الترجي والإشفاق أيضا مثله فتماثلها في المعنيين فما دامت كذلك فينبغي أن تقاس عليها، لكن هذا مردود بدخول تاء التأنيث الساكنة عليها، فإنك تُدْخِل التاء فتقول: عست هند أن تفعل، كذا ما دامت تقبل علامة الفعل الماضي وهي تاء التأنيث الساكنة فهذا دليل على فعليتها، وأنها ليست حرفا دالا على الترجي كما قال بعض العلماء.
يقول: أيمكن أن نقول: أنعم بكذا؟ وما حالة الفعل هنا؟(1/13)
نعم يمكن أن تقول: أنعم به لكن لا نقول: هذا مخرج لـ "نعم" عن جمودها، فأنت حينما تقول: أنعم به وأكرم به، فهذا استعمال لنعم، وهو دليل في المدح، لكنك لا تقول: فلان ينعم وتريد مدحه، لكنك تصفه بالنعمة، فلا يأتي منها الفعل المضارع، وما دام لا يأتي كل التصريفات يبقى جامدا، ولذلك كان من الأفعال التي هي مثل "أوشك وأفعال المقاربة" جامدة غير متصرفة لكونها يأتي منها نوعان فقط من أنواع الفعل، ولا يأتي النوع الثالث، فالجمود أحيانا يكون بعدم وجود الأنواع الثلاثة من التصنيف الماضي والمضارع والأمر.
تقول: نريد أن نعرف سبب وجود زيد في أمثلة النحو زيد وعمرو وهند؟
الأمر يحتاج لنوع من التفصيل، ونأخذه في الحلقة القادمة.
هلا تفضلتم بطرح أسئلة هذه المحاضرة:
السؤال الأول:
لماذا حكم بفعلية هذه الكلمات أنها أفعال ماضية "عسى، وليس"؟
وما وجه قول الآخرين بأنها ليست أفعالا؟
والسؤال الثاني:
ما الأمور التي يخرج إليها الفعل الماضي عن أصله في البناء؟(1/14)
لغة عربية - المستوى الرابع
الدرس الرابع
أقسام الفعل و أنواعه
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
من باب "من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله به طريقا إلى الجنة" معلوم أيها الإخوة أنه ينبغي أن يُستحضر دائما في دراسته لعلوم الآلة، ومن أكبرها وأهمها علم النحو، أنه آلة لعلوم الدين كلها، وينبغي أن يعلم أن من أتقن اللغة العربية وأتقن قواعدها إنه قد قطع شوطا كبيرا في معرفة علوم الدين؛ إذ انفتحت له أسرار كتاب الله -تعالى- مما لم ينفتح لمن هو مثله، وانفتحت له معان سنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأدرك أقوال السلف الصالح، وعللهم وتفصيلاتهم وكناياتهم ومجازاتهم، وأسرار كلامهم وتقديمهم وتأخيرهم، وكل هذه الأمور حين يتقنها الإنسان يكون قد اختصر على نفسه شيئا كثيرًا في فهم ما يقرؤه وما يستمع إليه.
مازال الحديث موصولا عن الأفعال، وقد سبق الحديث عن الفعل الماضي، وهو أول الأفعال، فذكرنا علامته، ثم ثنّينا بعد ذلك بأحكامه، ويأتي بعد ذلك الحديث عن الفعل الأمر.
لدينا إجابات لسؤالي الحلقة الماضية؟
السؤال الأول: عن الفعل الماضي ما الذي يخرجه عن البناء الأصلي، وهو البناء على الفتح؟ وكيف يخرج؟
والثاني: كان عن "ليس وعسى" وجه الحكم في كونهما فعلين ماضيين، ورأي الذين قالوا: إنهما ليسا فعلين.
يقول: الأمور التي يخرج بها الفعل الماضي عن البناء هي أولا: اتصاله بواو الجماعة، فإذا اتصلت به واو الجماعة ضُمَّ آخره؛ لأن الضم يناسب الواو، ولتخفيف النطق.
ثانيا: اتصاله بضمير الرفع المتحرك، وهنا يسكن آخر الفعل لتخفيف النطق، وللتغلب عن ثقل الكلام الناتج عن اجتماع أربع متحركات فيما يشبه الكلمة الواحدة، فإذا لم يتصل بالفعل الماضي أي منهما عاد لأصله، وهو البناء على الفتح.(1/1)
تقول: إجابة السؤال الثاني: حَكَم بعض علماء النحو على كلمة "عسى وكلمة ليس" أنهما ليستا من الأفعال الماضية، فقال أبو علي الفارسي: إن كلمة ليس حرف نفي مثل "ما" فهي تنفي، ويرى بعض علماء النحو الكوفيين أنها حرف، وقالوا: إنها تدل على الترجي مثل لعل.
لكن قولهم مردود؛ فإن كلمة "عسى وكلمة ليس" من الأفعال الماضية لدخول تاء التأنيث عليهما، وهذا ما دل على فعليتهما كقولك: ليست وعست هند أن تفعل هذا، وقبولهما دخول التاء عليهما دليل على فعليتهما وأنهما ليستا حروفا تدل على النهي أو الترجي
الإجابة كاملة، لكن فقط أوضح شيئا، أن الذين قالوا بحرفية ليس وعسى قاسوها على الحرفين الذين ذكرا، فقالوا: ما دامت ليس مثل "ما" وما دامت عسى مثل "لعل" في الترجي فهي حرف مثلها.
النوع الثاني من الأفعال هو فعل الأمر، وكما قلنا في الفعل الأول -الفعل الماضي- أن له علامة تميزه، والفائدة من ذكر العلامة أنه قد يشكل على بعض الناس التمييز، فهل هذه الكلمة اسم أو فعل أو حرف؟ فالشأن في مثل هذا أن يبدأ بتطبيق علامات الأسماء عليها، فإن قبلت الكلمة شيئا من هذه العلامات، فهي اسم، وإن لم تقبل جرب عليها علامات الأفعال واحدة تلو الأخرى، فإن قبلت واحدة منها حكم عليها بذلك النوع، وإن لم تقبلها فهي حرف.
ولذلك ذكر العلماء لكل نوع من الأفعال علامة ليطبقها الإنسان -العربي الذي أشكل عليه الأمر وغير العربي الذي يريد أن يتعلم العربية- فقالوا: إن فعل الأمر علامته مركبة من أمرين اثنين لا بد أن يجتمعا، وهما: قبول ياء المخاطبة، والدلالة على طلب في الوقت نفسه.(1/2)
أما ياء المخاطبة فهي ياء تلحق الأفعال تعرب فاعلا، وتدل على أن الحديث عن مؤنث حاضر، ولا بد للفعل الأمر أن يقبل هذه الياء؛ ولا يلزم في كل الأفعال أن ترى الياء معها لكن إذا أدخلتها عليها قبلت، ثم في الوقت نفسه تكون دالة على الطلب، بأن يكون المقصود منها طلبَ إحداث شيء، فإذا ضربنا مثالا وقلنا: "اذهب" فهذا فعل أمر يقبل ياء المخاطبة فتقول: اذهبي، ويدل على الطلب فأنت تريد إحداث الفعل وهو الذهاب، فاجتمع الأمران فدل اجتماعهما على أن هذا الفعل فعل أمر.
هذا يعني أنه لو عدم الأمران معا أو وجد أحدهما دون الآخر فإنه لا تكون الكلمة الموجودة فعل أمر، أما عدمهما معا فعندما تقول: "رجل" هذا لا يدل على الطلب، ولا يقبل ياء المخاطبة، وعندما تقول: ذَهَبَ فهذا لا يدل على الطلب فهذا خَبَر ماض، وفي الوقت نفسه لا يقبل ياء المخاطبة، وحينئذ لا نحكم على هذه الكلمات بأنها أفعال أمر.
كما أنها إذا قبلت ياء المخاطبة ولم تدل على الطلب فليس أيضا فعل أمر كقولك: تقومين، هذا فيه ياء المخاطبة، الفاعل ياء المخاطبة، ولكنه خبر لا يدعو على الطلب، فأنت تخبر بقيامها، إذن هو ليست فعل أمر وإنما هو فعل مضارع، والمضارع هو الخبر الحاضر أو المستقبل.
في الوقت نفسه لو أنه لو دلت الكلمة على الطلب لكنها لم تقبلْ ياء المخاطبة كقولك: "نزال" أي بمعنى انزل و"تراكِ" بمعنى اترك، و"صه" بمعنى اسكت، و"مه" بمعنى اكفف، فأنت تطلب إحداث شيء لكنك لا تستطيع أن تقول: "مهي" فتضيف لها ياء المخاطبة، ولا تقول: "صهي" فتضيف لها ياء المخاطبة، فهذه الكلمة دلت على الطلب لكنها لم تقبل ياء المخاطبة بعكس السابقة التي قبلت الياء ولم تدل على الطلب فكانت فعلاً مضارعا، هذه دلت على الطلب لكنها لم تقبل ياء المخاطبة فكانت اسم فعل أمر؛ أي معناها الأمر لكنها ليست فعلاً، وإنما هي اسم لأنك تنونها؛ فتقول: صهٍ؛ فإذًا هي أسماء بمعنى أفعال الأمر فسمَّوْها اسم فعل.(1/3)
نخلص من هذا كله إلى أن القسمة الرباعية تدخل على هذا النوع المتعلق بالعلامة، فقد ينعدم الأمران معًا -أعني قبول ياء المخاطبة والدلالة على الطلب- وقد يحضران معًا، وقد يأتي أحدهما ويذهب الثاني، وقد يكون العكس فيأتي الثاني ويذهب الأول، فإن اجتمعا معا في كلمة -أعني قبول ياء المخاطبة مع الدلالة على الطلب- فهو فعل أمر، وإن عدما معا فليس بفعل أمر، وإن وجد الدلالة على الطلب دون قبول ياء المخاطبة فهو اسم فعل أمر، وإن قبل ياء المخاطبة ولم يدل على الطلب فهو فعل مضارع. هذا خلاصة الأمر فيما يتعلق بعلامة الفعل الأمر.
تقول: أليست دلالة على زمن المستقبل أيضا من علامة الأمر؟
فعل الأمر لا بد أن يكون مستقبلا قطعا؛ لأنه لو كان الأمر حصل في الماضي أو يحصل في الحاضر ما طلبتَ إحداثه؛ لأنك تطلب إحداثه في المستقبل، لكن ليس وحده الذي يستقل بالاستقبال، فالمضارع يدل على الحال، وقد يدل على الاستقبال، والذي يميز وقته من حاضر ومستقبل إما قرائن من الأحوال أو بعض العلامات كالسين وسوف، فإنك تدخلها على الفعل المضارع فتدل على الاستقبال فتقول: سيفعل أو سوف يفعل، فيدل هذا على أنه مستقبل مع أنه مضارع.
بيان تحديد أزمنة الأفعال الثلاثة:
الماضي زمنه في الماضي، وهذا هو الأصل فيه، وإلا قد يخرج ذلك إلى غيره إما لأسباب خارجة عنه -وسأبين هذا بعد قليل- والمضارع زمنه إما في الحال أو في الاستقبال، الأمر زمنه مستقبل قطعا؛ لأنك لا تطلب إحداث شيء وهو موجود. وقد يقول قائل: إن المضارع بهذه الطريقة وقته طويل -حاضر ومستقبل- فكيف أعرفه؟ نقول: القرينة تدل، فإذا قلت: فلان يكتب وأنت تراه يكتب، فهذا معناه أنه حاضر، أما إذا قلت: سيكتب فهذا معناه مستقبل.(1/4)
حتى الفعل المضارع قد تدخل عليه أمور تخرجه عن أصله، وهو الحال والاستقبال، كدخول "لم" عليه كقولك: لم يذهب تجعله ماضيا، لكن هذه أمور استثنائية لأسباب وقعت عليه، وإلا فزمنه المعروف له هو الحاضر أو المستقبل.
إذن يستقل الماضي بالمضي، والأمر لا يكون إلا في مستقبل، والمضارع زمنه ممتد من الحال إلى الاستقبال.
وقولنا في المضارع: "ممتد" أمر نسبي، وإلا فالواقع أن الأوقات الطويلة هي الماضي والمستقبل وأما الحاضر فهو لحظة، فإذا مرت أصبح الفعل ماضيا، إذا الحاضر وقته طويل؛ لأن الحاضر لحظة واحدة هي لحظة التكلم، فإذا نطق الإنسان بالكلمة أصبح وقتها ماضيا.
بقي أن نعرف حكم الفعل الأمر كما عرفنا حكم الفعل الماضي، فكما قلنا في الفعل الماضي أن أصل حكمه هو البناء على الفتح، فالأمر كقولك: اذهبْ، ما علامة آخره؟
السكون
إذن الفعل الأمر الأصل فيه أن يبنى على السكون، فإذا جاءنا فعل أمر، ولم يكن وضع خاص فنقول: مبني على السكون، ولكنه في بعض الأحوال يخرج عن هذه الحال؛ فإذا اتصلت به ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة التي هي من خصائص الأفعال الخمسة - فإنه يبنى حينئذ على حذف النون، فتقول: اذهبوا، واذهبي، واذهبا، فتحذف النون، فحينئذ لا يكون مبنيا على السكون ولكنه يكون مبنيا على حذف النون.
كذلك إذا كان آخره حرف علة، فإنك تبنيه على حذف هذا الحرف فتقول عند الأمر بـ "يرمي": ارْمِ بحذف الياء، وتقول في "يسعى" بالألف: اسْعَ بحذف الألف، وتقول في "يدعو" ادعُ بحذف الواو.
بعض الإخوة يبالغون في ذلك فيحذف مع الواو الضمة فيقول: ارمْ، وادعْ، واسعْ، نعم عند الوقف تسكن، لكن حذف الفتحة ليس لأجل البناء، وإنما البناء يكتفى فيه بحذف حرف العلة فقط، وتبقى الحركة السابقة للدلالة على المحذوف، نقول: ادعُ بضم العين، وارمِ بكسر الميم، واسعَ بفتح العين.(1/5)
في غير هذه الأمور يبقى الفعل الأمر حينئذ على الأصل مبنيا على السكون، فإذا لم تتصل به واوُ الجماعة ولا ألفُ الاثنين ولا ياءُ المخاطبة ولم يكن آخره حرف علة فإنه يرجع إلى أصله، لكنه في كل أحواله مبني، كما أن الماضي في كل أحواله مبني.
فتبين الآن أن نوعين من أنواع الأفعال الثلاثة مبنيان، وهذا يدل على أن الأصل في الأفعال البناء، بعكس الأسماء، فالأكثر فيها الإعراب.
الحروف مبنية على كل حال، أما الأفعال والأسماء فيرد عليها البناء والإعراب، لكنّ المعرب من الأسماء أكثر من المبني، والمبني من الأفعال أكثر من المعرب؛ فقد رأينا الماضي مبنيا بكل أحواله، والأمر مبنيا بكل أحواله، وسيأتي المضارع –أيضا- يبنى في بعض أحواله ويعرب في بقيتها، وهو ثلث الأفعال فيكون الحكم للغالب، أن الأصل في الأفعال البناء، كما أن الأصل في الأسماء الإعراب.
تقول: قد يأتي الاسم بعد حرف الجر مرفوعا في مثل قوله تعالى: ?وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ ?3? مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ? فهل هناك وجه آخر للنطق بها مجرورة في غير القرآن الكريم؟
ضم كلمة قبل بعد حرف الجر "مِنْ" ونحن عرفنا فيما سبق حذف المضاف إليه ونية معناه، أو نية لفظه، أو عدم نيتهما معا مما يفصله النحويون في هذا المقام، وأهميته ليست بالكبيرة جدًا، وإن كانت مفيدة، لكن نختصر الأمر فنقول:(1/6)
إن قبل وبعد وما أشبههما من الظروف المكانية أو الزمنية مثل: "وراء، وأمام، وقدام، ويمين، وشمال، وفوق، وتحت" يقول النحويون في هذه الظروف أنها تبنى على الضم إذا حذف المضاف إليه ونُوِيَ معناه، والتقدير: "من قبلِ ذلك" فحذف المضاف إليه لكنه مقدر متصور، وفي هذه الحالة تبنى الكلمة على الضم، فنقول: هي مجرورة بمن، ولكن ما دامت الكلمة مبنية على الضم ولا تبرح هذه الحركة نقول: هي مبنية على الضم في محل جر، إذن لَمْ ترفع هذه الكلمة، بل هي مجرورة ولكنها آخرها منشغل بحركة البناء الأصلي، ويكون تقدير الجر عليها تقديرا محليا وليس ظاهرا، وهذا شأن المبنيات كلها، المبنيات تظهر حركة البناء وتقدر حركة موقعها الإعرابي؛ لأنها تلزم هذه الحركة ولا تبرحها فنقدر حركة الإعراب عليها تقديرا بعد أن نذكر حركة البناء.
يبقى عندنا بعض الكلمات مثل: "هلمَّ" وكلمة "تعالِ" وكلمة "هاتِ" هذه كما ترون تدل على الأمر، لكن قد يسأل سائل ويقول: هل هي أفعال أمر؟ ونحن عرفنا القاعدة في أن ما يقبل ياء المخاطبة ويدل على الطلب هو الفعل الأمر، لكنه إن دل على الطلب -وهذه كلها تدل على الطلب- ولم يقبل ياء المخاطبة فهو اسم فعل.
والعرب -كما تعلمون بالنسبة للهجاتهم ولغاتهم الفصيحة في عصور الفصاحة- فريقان كبيران أحدهما: في غربي الجزيرة العربية وتسمى لغة الحجازيين، وأخرى في شرقي الجزيرة الغربية وتسمى لغة التميميين، والمقصود بها لغة قبائل شرق الجزيرة العربية ووسطها، ولغة قبائل غرب الجزيرة العربية، وهما معظم قبائل العرب في ذلك الوقت.(1/7)
فالحجازيون كانوا لا يُلحقون الضمائر بكلمة "هلم" فيقولون: هلمَّ يا فلان، هلمّ يا فلانة، ولا يقولون: هلمي. ويقولون: هلمَّ يا رجلان، وهلمَّ يا رجال، وهلمَّ يا نساء فلا يلحقون بها ياء المخاطبة، وحينئذ تكون دالة على الطلب ولم تقبل ياء المخاطبة، فهي اسم فعل أمر عندهم، وبلغتهم جاء التنزيل في القرآن الكريم: ?وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا? ما قال: "هلموا" بمعنى أَقْبِلُوا، وكذلك في قول الله سبحانه وتعالى: ? قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ ? فلم يلحق بها ضمير الفاعل فهذه حينئذ ما دامت لم تقبل ياء المخاطبة فهي اسم فعل أمر.
لكنها في لغة التميميين تقبل ياء المخاطبة، فهم يقولون: "هلموا" للجمع و"هلْممن" للجمع المؤنث و"هلما" للمثنى و"هلمي" للمخاطبة الواحدة، فيلحقون بها ياء المخاطبة، فقبلت ياء المخاطبة ودلت على الطلب فهي حينئذ عندهم فعل أمر.
وهناك حديث في البخاري جاء على لغتهم (هلموا أكتبْ لكم كتابا لا تضلوا بعده) فألحق بها واو الجماعة التي هي فاعل، وهو دليل على قبولها ضمير الفاعل، وإذا قبلت الواو قبلت الياء، وما يقبل الياء ويدل على الطلب هو فعل أمر، فيحكم بذلك على أن هلم عند التميميين فعل أمر.
أما ما يتعلق بـ "هاتِ" و"تعالِ" فنقول فيها: «هاتي، وتعالي» فتقبل ياء المخاطبة، وتدل على الطلب فهي أفعال أمر.
خالف بعض النحويين فيها، لكنها عند الجمهور والقول الراجع فيها أنها تقبل ياء المخاطبة وتدل على الطلب فهي أفعال أمر، وإن جاءت بصورة تخالف صورة الأفعال، فيقال: هاتِ للواحد، وهاتِي للواحدة، وهاتِيَا للمثنى، وهاتُوا لجمع المذكر، وهاتِينَ لجمع الإناث، وكذلك في "تعالَ" فنقول: تعالَ بفتح اللام، ونقول: تعالَيْ للواحدة، وتعالَيَا للاثنين مذكرا أو مؤنثا، وتعالَوْا لجمع المذكر، وتعالَيْنَ لجمع المؤنث.(1/8)
لاحظوا أن "هاتِ" مكسورة الآخر دائما، إلا في حالة اتصالها بواو الجماعة فإنها يضم آخرها ?قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ? أما "تعالَ" فتلزم الفتح بكل حال؛ سواء كانت للواحد، أو للواحدة، أو للاثنين أو للاثنتين، أو الجماعة ذكورا وإناثا، كما جاء في القرآن: ? فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ ? و ? قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ ? بفتح اللام، إذن اللام في "تعال" تفتح بكل حال، سواء اتصلت بها واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، أو كانت للجمع بنوعيه.(1/9)
أبو فراس الحمداني شاعر عاش في القرن الرابع الهجري، ونحن عرفنا أن عصور الفصاحة التي تُقبل فيها النصوص التي بنيت عليها قواعد اللغة العربية والتي يحتج بها استمر القبول فيها حتى القرن الرابع الهجري، إلا أن قواعد النحو والصرف اقتصر فيها على المنتصف القرن الثاني الهجري، يعني بداية الدولة العباسية، لم يقبل بعد ذلك من أحد ولم يحتج بكلامه لتقعيد قواعد اللغة العربية، فأبو فراس توفي بعد منتصف القرن الرابع الهجري سنة ثلاثمائة وسبع وخمسين هجرية تقريبا، فهو لا يحتج بكلامه، ورومياته هي القصائد التي ألقاها وهو أسير عند الروم، وتوفي شابا، وهو شاعر من كبار الشعراء الدولة العباسية، وقد اشتهر بعض الشعراء بأسماء قصائدهم مثل حوليات زهير بن أبي سلمى؛ لأن زهيرا –جاهلي، أحد أصحاب المعلقات- كان يحكك ويجود قصيدته حولا كاملا، ثم يأتي بها فسموها الحوليات، وكانوا يسمون قصائد أبي نواس بالخمريات؛ لأن معظم قصائده كان في وصف الخمر، وكان يسمون معظم قصائد أبي العلاء المعري اللزوميات؛ لأنه كان يلتزم في رويها وفي قافيتها بأكثر مما يلزم الشاعر، تعرفون أن الشاعر يلزمه أن يأتي بحرف واحد، له حركة واحدة، وأحيانا يلتزم مد قبله ويسمونه الرِّدْف، فكان أبو العلاء المعري لمقدرته على نظم الشعر يلتزم أكثر من ذلك فأحيانا يلتزم حرفين أو ثلاثة مما يدل على مقدرته اللغوية، فكانوا يسمون كثيرا من قصائد أبي فراس الحمداني الروميات، وهي القصائد اللي ألقاها وهو أسير عند الروم، وقد أسر مدة طويلة عندهم، ومنها قصيدته التي فيها هذان البيتان اللذان أذكرهما الآن:
أقول وقد ناحت بقربي حمامة *** أيا جارتا هل تشعرين بحالِي
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا *** تعالِي أقاسمك الهموم تعالِي(1/10)
كسر اللام؛ قد يقول قائل: هو ما قال تعالِي بالكسر، بل قالها بالفتح، نقول: لا، بل بالكسر، بدليل أنه قال في البيت السابق: "بحالِي" والشاعر لا يخالف بين حروف الروي، ولو فعل ذلك لوقع في عيب من عيوب التي ينزه عنها الشعراء الكبار المتميزون ويسمونه "الإيطاء"، وهو أن يخالَف بين حركة حرف الروي -وحرف الروي هنا اللام- ولذلك لَحّنه بعض النحويين وقال: إن "تعالِي" هذه ينبغي فتحها. والحقيقة في هذين البيتين مخالفة أخرى وهي مسألة وصف الدهر ما أنصف الدهر بيننا، وهذا لا ينبغي أن يقال؛ لأنه قد يكون من سب الدهر، فأكتنفه الضعف من جانبين الجانب اللغوي والجانب العقدي والمعنوي، فعلى كل حال الذي يهمنا هو أن لفظ "تعالِي" هنا مكسورة الآخر، وكان ينبغي أن تكون مفتوحة؛ لأنه لم تأت كلمة "تعالَ" إلا مفتوحة، كما أن كلمة "هاتِ" لم تأت إلا مكسورة في ما عدا المتصلة بواو الجماعة.
هذا خلاف الأرجح -يا شيخ- أو ليس له وجه؟
القول الصحيح أنه لا تكون إلا بهذه الطريقة، وجوزها بعضهم والتمس لأبي فراس وجها، لكننا لو تمسكنا بكل شاذ من اللغة وقعدنا عليه قاعدة -كما يطالب بعض النحويين- لما استقامت لما لنا قاعدة نحوية؛ لأن العرب كثيرون والنطق كثير والشاذ في كلامهم كثير، ولو أننا أردنا أن ينطقوا كلهم على طريقة واحد لما أمكن، هذا ليس بشخص واحد، وليس أمورهم توضع كوضع الآلة، تصب في قالب واحد، فالظروف مختلفة، وظروف النقل مختلفة، والكلام كثير؛ ولذلك الحكم الحقيقي هو على الأغلب.(1/11)
أما منهج بعض النحويين يقعد لكل لفظ، ويأخذ كل ما جاء عن العرب، وإن شذ عن جمهوره، هو بهذا لا تستقيم له قاعدة؛ لأنه يريد أخذ الشيء وضده، ويقعد للشيء وضده، وحينئذ ما يكون عندنا قاعدة، فإذا جوزنا أن يكون مرفوعا ومنصوبا ومجرورا، وجوزنا أنه يصح أن يقدم وألا يقدم، ويصح هذا أن يكون فعلاً وألا يكون فعلاً - ما صارت عندنا قاعدة، ولذلك حتى نضبط الأمور ويضبط العربي لغته ويتعلم غير العربي العربية علينا أن نسير على أكثر ما قالته العرب. وما خالف القاعدة إن كان فصيحا فإننا نأخذه ونذكره، لكن لا نقيس عليه، إنما القياس يكون على الأكثر.
يقول: يسأل عن إعراب "وجيش" في قصيدة بشار بن برد:
وجيشٍ كجنح الليل يزحف بالحصا *** وبالشوك والْخطىِّ حمراً ثعالبُهْ
هل هي "وجيشٍ" بالجر، أم "وجيشٌ" بالرفع؟
هذه بالكسر وهو اسم مجرور بـ"رب" المحذوفة، والتقدير: "رب جيش" ورب من حروف الجر القليلة التي يجوز أن تجر وهي محذوفة، وأحيانا تبقى هذه الواو عند حذفها -وهو الأكثر- وأحيانا تحذف كقول الشاعر:
رسمِ دارٍ وقفت في طَلَلِهْ *** كدت أقضي الغداة مِنْ جَلَلِهْ
أي رب رسم، لكن الأكثر عند حذف "رب" وبقاء اسمها المجرور أن تبقى واوها، وتسمى واو رب للدلالة عليها.
يقول: ما الأصل في الكلمة؟ أهو الفعل أم المصدر؟
هذا مما وقع الخلاف فيه بين النحويين؛ فالبصريون يرون أن المصدر هو الأصل، وسمي مصدرا؛ لأنه صدرت منه المشتقات المختلفة والأفعال.(1/12)
والكوفيون يرون أن الفعل هو الأصل، وأن المصدر سمي مصدرا؛ لأنه صدر، ويرجع الأمر في ذلك إلى الخلاف اللفظي أكثر منه إلى الخلاف المفيد، والعلماء المحققون رجحوا منهج البصريين؛ وهو أن المصدر أصل المشتقات، والفائدة لا نعدمها، ولكنها ليست بكبيرة، ولذلك نقول: مدام سمي مصدرا فليكن هو مصدر المشتقات التي أخذت منه، ولا فرق بين هذا وهذا، المهم أن بعض الكلمات يكون اشتقاقها من بعض، والجذر فيها واحد، وحتى نسير على سير واحد نقول: المصدر سمي مصدر لصدور المشتقات والأفعال منه.
تقول: لدي سؤالان:
السؤال الأول: هل جميع أسماء الإشارة والأسماء الموصولة مبنية؟ لأنها أشكل عليّ اسم الإشارة ذلك، ففي بعض الأحيان يكون آخره فتحة إذا كان الإنسان المخاطب ذكر مثل قوله تعالى: ?قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ? وفي بعض الأحيان يكون مكسور الآخر كما في قوله: ? قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ ?.
والسؤال الثاني: هل إذا تحدث المتحدث عن نفسه واستخدم "نا" الفاعلين أو واو الجماعة من باب تعظيم النفس هل تعيبه العرب؟ أو يخاطبه المتحدث بواو الجماعة، أو البعض مثلاً يستخدمها من باب التواضع حتى لا ينسب الفعل لنفسه؟
أما السؤال الأول: فتقول هل كل أسماء الإشارة والأسماء الموصولة مبنية ؟ نعم هي كذلك في ما عدا المثنى منها، فالراجح فيها أنها معربة، بعضهم قال: إنها مبنية جاءت على صيغة المعرب، والحقيقة ما دامت تتغير باختلاف الإعراب، وتعرب بإعراب المثنى فترفع بالألف ويكون بالياء في حالتي النصب والجر، فالأوجه والأظهر أن نقول هي معربة، فنقول: هذان في الرفع، وهذين في النصب والجر وكذلك الموصولة اللذان واللذين، فالأوجه أن نقول: أن أسماء الإشارة والأسماء الموصولة مبنية فيما عدا المثنى منها، فهو معرب هذا على الأرجح فيها والصحيح والذي يستقيم في مثلها.(1/13)
أما كلامها عن "كذلكَ وكذلكِ" فالأمر التبس عليها وقد نبهت إلى هذا من قبل، فالكاف هذه ليست من اسم الإشارة، بل الإشارة هو "ذا" فقط، أما الكاف التي قبلها، واللام والكاف الأخيرة، ليست من اسم الإشارة.
فاللام يسمونها لام البعد، وهي التي تدل على أن المشار إليه بعيد، والكاف هي كاف الخطاب، وهذه لا علاقة لها بالمشار إليه، وإنما علاقتها بالمتحدث إليه، فأنا عندما أشير إلى شيء ويكون بجواري شخص؛ مثلا أحبه الشيخ أحمد وهو الآن بجواري، وأشير إلى جماعة فأقول: "أولائـ" فأشير إليهم لأنهم جماعة "ـك"؛ لأنني أحدث شخصا واحدا مذكرا، فآتي بالكاف المفتوحة، ولو كنت أتحدث إلى امرأة لقلت: "أولئكِ" ولو كنت أكلم جماعة وأشير إلى شخص واحد لقلت: "ذاكم" أو جماعة إناث "ذاكن" وهكذا؛ إذن اسم الإشارة يتغير بحسب المشار إليه، والكاف اللاحقة تتغير بحسب المتحدث إليه، فالكاف في ?قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ? المخاطب هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس المشار إليه، وكذلك في قوله: ?قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ? المتكلم عنه أنثى، فكسرت الكاف؛ لأن المتحدث عنه -وليس المشار إليه- أنثى.
إذن الكاف اللاحقة هي للمخاطب وليست للمشار إليه، وليست من اسم الإشارة أصلا.(1/14)
الأمر الثاني: مسألة "نا" وواو الجماعة فنقول: نعم، العرب تستعمل "نا" للحديث عن جماعة المتكلمين أو الواحد المعظم نفسه، والله -سبحانه وتعالى- يستعملها، وهو أولى ممن يعظم نفسه وجدير بالتعظيم، يستعملها الله -سبحانه وتعالى- لنفسه ? وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ ?،? إِنَّمَا كَانَ أَمْرُنَا ? فالمعظم نفسه يستعمل "نا"، أما عندما تكلم شخصا واحدا فإنك لا تقول: اذهبوا، بل الأصل أن تقول: اذهب؛ والداعي عندما يدعو الله -سبحانه وتعالى- فإنه يستعمل صيغة الأمر، وصيغة الأمر إذا استعملت من العبد إلى الله فهي دعاء وإن كانت صيغة أمر، عندما يقال: "اغفر لنا وارحمنا" هذه وإن كانت صيغة أمر لكنها في حقيقتها دعاء؛ لأنها من العبد إلى ربه، وإن كانت من الإنسان إلى مساويه فهي التماس، وإن كانت من الإنسان إلى من دونه فهي أمر.
فإذا كنا نخاطب ربنا ونحن العبيد وهو الله -سبحانه وتعالى- ونقول: "اغفر لنا وارحمنا" ولا نقول: "اغفروا" تعظيما فالعربي من باب أولى لا يستعمل واو الجماعة للمخاطب للتعظيم، ولكنه يستعمل الفعل الأمر الواحد وإن خاطب عظيما.
هل تعيب العرب من استخدم ذلك يا شيخ؟
إذا عظم الإنسان نفسه وهو جدير بالتعظيم فلا يعاب عليه، لكنه يعظم نفسه وهو ليس بالعظيم فقد استعمل الضمير في غير مكانه.(1/15)
استعمال هذه الألفاظ أعني "زيدا وعَمْرًا وبكرا" سأقولها مرة واحدة حتى تكون واضحة وأمرها يسير؛ بعض الإخوة يستهجن، وخاصة ممن ليس لهم مساس قوي بدراسة قواعد اللغة العربية فيقول: لِمَ ضرب زيد عمْرًا، ويأتي بها على سبيل المزاح قائلا: ما أكثر ما يضرب زيدٌ عمْرًا، القصة في هذا أنه ليس تقديسا لاسم زيد ولا عمرو، ولكن قواعد اللغة العربية أو النحو هي مادة التمثيل، فلا يكاد يخلوا كلام نحوي في كتاب أو في شرح من التمثيل، فما أكثر ما يقول: نحو كذا، ولو أنك نظرت إلى كتاب نحوي تجد فيه عددا كبيرا من الأمثلة، لذلك هم ما داموا يكثرون التمثيل فهم محتاجون للاختصار، فتصور أنه جاء بدل كلمة زيد بكلمة عبد الله أو إبراهيم فإنه أولا قد يكون الكتاب من كتب النحو المطولة فسيمر بالكتاب آلاف الأمثلة، وسيكون كلمة عبد الله وإبراهيم هذه مما يضخم الكتاب أكثر، ثم إن كلمة إبراهيم ممنوعة من الصرف فإذا أراد أن يمثل للجر فإنه لا يستطيع أن يمثل بها، فهو يحتاج إلى كلمة يظهر عليها ضمة وفتحة وكسرة، فأرادوا التخفيف، وأخف الكلمات في العربية ما تتكون من ثلاثة أحرف؛ لأنك إذا رأيت في العربية كلمة مكونة من حرفين أو حرف فاعلم أنه قد حذف منها شيء، فالأصل فيها أقل الكلمات ما تكون من ثلاثة أحرف، وما كان أقل من ذلك فهو محذوف منه شيء، كقولك: يد أصلها يدي، أو دم أصلها دمو، أو أب أصلها أبو، فهي ثلاثية الأصل، إذن أقل الكلمات ما كانت من ثلاثة أحرف.(1/16)
وأخف الحروف ما سكن؛ لأن السكون أخف من الحركة، وفي الكلمة العربية الناس تسعى للتخفيف، فتبحث عن أقل الكلمات حروفا، وهي الثلاثية وتبحث عن الساكن منها، فإذا أردنا أن نسكن أولها فلا نستطيع؛ لأن العربي لا يبدأ بساكن فلا بد من تحريكه. والحرف الأخير أيضا لا نستطيع أن نسكنه إلا عند الوقف؛ لأنه مكان الإعراب أو البناء، مكان الحركة فلا نملك أن نسكنه، لكن الذي نملك أن نبحث عنه ساكنا الوسط، فأخف الأسماء العربية ما كان ثلاثيا ساكن الوسط، فبحثوا عن أسماء ثلاثية ساكنة الوسط لتكون أخف الكلمات للتمثيل بها فوجدوا كلمة زيد وعمرو، فإذا أرادوا أن يمثلوا باسم واحد قالوا: زيد، وإذا أرادوا باسمين قالوا: زيد وعمرو، إذا أرادوا يمثلوا في المثال الواحد بثلاثة أسماء قالوا: زيد وعمرو وبكر، وهي متحقق فيها هذا كله.
وكذلك إذا أرادوا أن يمثلوا بأسماء المؤنث قالوا: هند، وفيها من الخفة ما في الكلمات السابقة المذكرة، فإن أرادوا أن يمثلوا باسمين قالوا: هند ودَعْد، فإن احتاجوا لاسم ثالث قالوا: جُمْل، وهذه كلها أسماء ثلاثية ساكنة الوسط معربة غير ممنوعة من الصرف، قابلة للتمثيل في كل مكان، وهي سهلة في النطق والكتابة.
يقول: لما لا نعرب الهاء في قوله تعالى: ? وَالأنْعَامَ خَلَقَهَا ? ضميرا في محل نصب بدل، وبذلك نخرج من قضية الاشتغال؟
الاشتغال لا يحتاج إلى أن يخرج منه، فأنت إذا قلت: بدل فبدل من ماذا؟ من الأنعام، والأولى بأن ينصب مفعولا به للفعل هو ما تلاه وليس ما سبقه؛ لأن موقع المفعول به هو تالي الفعل وليس سابقه، فنجعل التالي هو الجدير بالنصب فيكون هو المفعول به، ونجعل ما سبق ما دام يقدر له الفعل نفسه فنقدر له فعلاً آخر ينصبه، فنقول: هو منصوب بفعل محذوف يفسره المذكور، وهذه قصة الاشتغال، والاشتغال سيأتي -إن شاء الله- الحديث عنه.
يقول: وضح لنا كيف يكون جمع المؤنث قليلا؟(1/17)
لعله يقصد الجمع بالألف والتاء الزائدتين، وهذا سيأتي الحديث عنه، فتسمية جمع المؤنث السالم تسمية فيها نوع من التجوز؛ لأنه قد يسمى به ما ليس مؤنثا، وقد يسمى به ما لم يسلم، وهذا سيأتي، لكنه يريد ما ختم بألف وتاء مزيدتين.
فقوله: "قليل" يقصد أنه من جموع القلة، وهذا يدرس في الصرف عند الحديث عن جموع القلة وجموع الكثرة أن من الجموع ما يدل على قلة المعدود وقلة عدده، ومن الجموع ما يدل على كثرته، فهم حكموا على مجموع التصحيح، أعني جمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم من جموع القلة، ولذلك أخذوا على حسان قوله:
لنا الجفناتُ الغُرّ يلمعن بالضُّحى *** ..................
قالوا: إنك قللت عدد جفانك؛ لأن استعمل فيها جمع المؤنث السالم، والعرب إذا استعملت جمع المؤنث السالم فإنها تدلل باستعماله على قلة المجموع.
يقول: الفرق بين هذه وهذي؟
كلاهما اسم إشارة للمؤنث، فالعرب تستعمل ذِهِ وذهْ، وتِهِ وتِهْ، وذِِي، هذه كلها أسماء إشارة للمؤنث، أحكامها واحدة.
هلا تفضلتم بطرح أسئلة هذه المحاضرة:
السؤال الأول:
ما الحكم إذا قبلت الكلمة ياء المخاطبة ولم تدل على الطلب؟ أو دلت على الطلب ولم تقبل ياء المخاطبة؟ مع التمثيل لذلك.
والسؤال الثاني:
ما وجه تلحين وتخطئة أبي فراس الحمداني في قوله:
أيا جارة ما أنصف الدهر بيننا *** تعالِي أقاسمك الهموم تعالِي
وما الرد على من قال: لم يلحن، بل قال: تعالَي، ولكن الرواة نقلوها بالكسر؟(1/18)
لغة عربية - المستوى الرابع
الدرس الخامس
تابع أقسام الفعل و أنواعه
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حديثنا اليوم -إن شاء الله- سيبدأ من الحديث عن ثالث أنواع الفعل وهو الفعل المضارع، إلا إن رأيتم البدء بالحديث عن سؤالي الحلقة السابقة.
في الحلقة الماضية كان السؤال الأول: ما الحكم إذا قبلت الكلمة ياء المخاطبة ولم تدل على الطلب، أو دلت على الطلب ولم تقبل ياء المخاطبة؟ مع التمثيل لذلك.
وكانت الإجابة: إذا قبلت الكلمة ياء المخاطبة ولم تدل على الطلب فهي فعل مضارع مثل: تقولين، هنا الكلمة قبلت ياء المخاطبة لكنها لم تدل على الطلب، بل هي خبر. أما إذا دلت الكلمة على الطلب ولم تقبل ياء المخاطبة فهي اسم فعل أمر نحو: نزال وصه ومه فهي كلها تدل على طلب، لكنها لا تقبل ياء المخاطبة.
والسؤال الثاني: ما وجه تلحين أبي فراس الحمداني في قوله: تعالِي؟ وما الرد على من قالها إنه قالها بالفتح.
لحن أبو فراس الحمداني في هذه الكلمة؛ لأن المعروف عن العرب أنهم يفتحون لام هذه الكلمة في كل حال من أحوالها، ومن قال: إنه قالها بالفتح فقد أخطأ؛ بدليل قوافي بقية الأبيات، ومحال على مثل أبي فراس أن يغير في القوافي
نعم، لا يمكن للشاعر إذا أراد الإتقان أن يأتي برويين بقصيدة واحدة أحدهما مفتوح والآخر مكسور.
ماذا يطلق عليه؟
هذا يسمى الإيطاء، وهو عيب من عيوب القافية، وينبغي للقافية أن يتساوى أبياتها في حرف الروي، وفي شروط هذا الحرف ومن هذه الشروط التزام حركة واحدة في كل أبيات القصيدة.(1/1)
الفعل المضارع ثالث أنواع الفعل، وكما فعلنا في الفعلين السابقين الماضي والأمر ببيان علامة هذا الفعل، وقد عرفنا أن ابن هشام لم يعرف الفعل المضارع واكتفى بطريقة بعض النحويين -وهي طريقة مجدية وجيدة- ببيان علامته استغناءً بذلك عن تعريفه وحده، فقال: "علامته قبول لم" فلا يقبل لم من الكلمات وليس من الأفعال فقط إلا الفعل المضارع، فأيّ كلمة أمكن أن تجزم بلم فهي فعل مضارع كما في قوله الله -سبحانه وتعالى-: ? لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ?3? وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ? [الإخلاص: 3 -4]. هذه ثلاثة أفعال كلها مضارعة، وكلها قد بدأت بلم.
طبعا لا يلزم أن ترى مع كل فعل مضارع كلمة لم، لكن علامته أن يقبل هذا الحرف، فأنت إذا رأيت كلمة وغلب على ظنك أنها مضارع وأردت أن تتأكد من ذلك فأدخل عليها "لم" ليتضح لك بقبولها أنها من هذه النوع من الأفعال.
الفعل المضارع لا بد أن يكون في أوله -وهذا شرط من شروطه وليس علامة من علاماته- أحد حروف المضارع؛ هناك أربعة حروف يجمعونها في قولهم: نأيت أو أنيت -النون، والهمزة، والياء، والتاء- هذه لا يكون فعل مضارع مطلقًا إلا وقد بدئ بواحد من هذه الزوائد الأربعة، وليست باختيار واقتراح المتكلم يختار منها ما يشاء، لكن بحسب مراده؛ فإنه إن أراد أن يتكلم عن نفسه بدأ بالهمزة فقال: أكرم حرف، وإن أراد أن يتكلم عن نفسه ومعه غيره فإنه يبدأ بالنون، أو كان معظما لنفسه كذلك فيقول: نكرم، وإن أراد أن يتكلم عن غائب فإنه يبدأ بحرف مضارعة الياء فيقول: يكرم، وإن أراد الحديث عن غائبة أو مخاطب قال: تكرم فيبدأ بالتاء.
إذن هي حروف أربع كل واحد منها يدل على غرض، ولا يخلوا منها الفعل المضارع، بل لا بد أن يبدأ بواحدة منها.(1/2)
هذه الأحرف الأربعة زوائد؛ بمعنى أنها ليس من حروف الفعل الأصلية، فكما ترون في قولنا: نضرب فـ"ضَرَبَ" هو الفعل، والنون زائدة للمضارعة، وكذلك بقية الحروف، ومن ثم فإنه إذا كان واحد من هذه الحروف حرفا أصليا من الفعل فلا نقول: إنه حرف مضارعة فنرى مثلا كلمة "ندم" لا نقول: حرف مضارعة بل هو فعل ماض، أو يَنْعى، أو أَخذ، أو تخذ، أو تبع فهذه كلها أفعال مبدوءة بواحد من هذه الحروف الأربعة المجموعة في نأيت، لكنها ليست أفعالا مضارعة؛ لأن هذه الحروف في الأفعال المضارعة زائدة عن أصلها، وعلى كل حال حتى لو كانت هذه الحروف زائدة -فعل وفيه حرف زائد- فعندما تقول: أكرمت هذه الهمزة في البداية ليست من حروف الفعل فهي زائدة في أوله، ومع ذلك ليس الفعل مضارعا، فهذا يعني أن هذه الأحرف لا يلزم أن كل ما زيدت عليه من حروف نأيت نسميه مضارعا، بل نسميه مضارعا إلى قبل "لم" وهذه هي العلامة، أما هذه الأحرف فهي شرط من شروطه، ولكن لا يلزم من وجودها أن يكون مضارعا، بمعنى أنه لا يقع الفعل مضارعا إلا وقد بدئ بواحد من هذه الأربعة.
لكن قد توجد أنواع أخرى من الأفعال -كالفعل الماضي والأمر- مبدوءة بواحدة من الأحرف فتقول: أَكرِم فعل أمر، وتقول: أكرَم فعل ماضي، وهي كلها -كما ترون- ليست من الأفعال المضارعة مع أنها مبدوءة بهمزة زائدة.
إذن ليست هذه الأحرف الأربعة علامة على الفعل المضارع، ولكنها واجبة فيه، وأما علامة الفعل المضارع فهي أن يقبل دخول "لم" عليه.
الفعل المضارع يتعامل معه النحويون عندما يتكلمون عن حركاته تعاملين؛ فهناك شيء يتعلق بأول حرف فيه وهو حرف المضارع، وإن كان حرفا زائدا عن الحروف الأصلية، ولكنه هو أول حرف يصادفنا أو يواجهنا في الفعل، فهذا الحرف له حركة. وهناك ما يتعلق بآخر الفعل، كما هو الشأن في بقية الأفعال والأسماء عندما يتكلمون عن إعرابها وبنائها:(1/3)
أما ما يتعلق بأوله -حرف المضارعة- يسأل سائل ويقول: كيف نحرك حرف المضارعة؟
الجواب: حرف المضارعة إما أن يكوم مضموما أو يكون مفتوحا، فتقول مثلاً: يَقوم بفتح الياء، وتقول يُكرم بضم الياء، فما الضابط في هذا الأمر؟
الجواب إن كان الفعل فعلا رباعيا فإنه يضم حرف المضارعة فيه، وإن لم يكن رباعيا فإنه يفتح حرف المضارعة فيه.
ما معنى هذا الكلام؟
قولنا: أَكرم ودَحرج هذان فعلان رباعيان، فالأول منهما رباعي بزيادة همزة عليه، أصله كرم ثلاثي زيدت عليه الهمزة فأصبح رباعيا بالزيادة. والثاني قولنا: دحرج حروف كلها أصلية وليس فيها زيادة لكنه رباعي، فما دام الفعل رباعيا إذا أتينا بالمضارع منه فإننا نضم حرف المضارع فنقول: يُكرم ويُدحرج بضم حرف المضارعة. وكذلك لو استعملت الهمزة أو النون والتاء فتقول: أُكرم وتُكرم ونُكرم.
أما إذا لم يكن الفعل رباعيا بأن كان ثلاثيا كضَرَبَ فإن حرف المضارعة يكون مفتوحا فتقول: يَضرب، أو كان خماسيا انطلق يَنطلق بفتح المضارعة، أو كان سداسيا استخرج يَستخرج.
إذن حرف المضارعة يضم إذا كان الفعل رباعيا، سواء كان رباعيا بحروف أصلية أو أن رباعيا بالزيادة. ما عدا ذلك بأن يكون الفعل ثلاثيا أقل من أربعة، أو أكثر من أربعة خماسيا أو سداسيا - فإنه يفتح منه حرف المضارعة. هذا ما يتعلق بحركة أول الفعل المضارع.
أما آخر الفعل المضارع وهو ما يسمى بالبناء أو الإعراب فيه فنحن عرفنا أن الفعل الماضي كله مبني والفعل الأمر كذلك، أما المضارع فالأكثر فيه الأعراب، ولكنه يبنى في حالتين اثنتين:(1/4)
الحالة الأولى: إذا اتصلت به نون النسوة، وحينئذ يبنى على السكون ?وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ? ?وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ? هذا فعل مضارع اتصلت به نون النسوة كما ترون، فسكن آخره "يُرضعْن" و"يَتربصْن" فآخر حرف قبل النون ساكن، إذن يبنى الفعل المضارع على السكون إذا اتصلت به نون النسوة، ومثله قول الله -سبحانه وتعالى- ?إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ? فالنون هنا للنسوة، وهو فعل مضارع مبني على السكون على الواو، وسكون الواو -كما ترون- بسبب دخول نون النسوة عليه.
هنا تأتي مسألة لطيفة يحسن التنبيه عليها: وهي ما يتعلق بقولنا: "يعفون" هنا لو أنا أسندنا الفعل يعفو إلى الرجال لقلنا: الرجال يعفون، وإذا أسندناه إلى النساء لقلنا: النساء يعفون، فما الفرق بين الأمرين؟ أقول: هناك فروق:
في قولنا: الرجال يعفون الفعل مضارع اتصلت به واو الجماعة فهو من الأفعال الخمسة، والأفعال الخمسة ترفع وعلامة رفعها ثبوت النون، والواو حينئذ فاعل.
في حين أن قولنا: النساء يعفون الفعل مضارع اتصلت به نون النسوة، والفعل المضارع -كما عرفنا منذ قليل- إذا اتصلت به نون النسوة يبنى على السكون، فهو مبني على السكون على آخره.
إذن فرْق بين الأمرين من عدة جهات:
أولا: من جهة الإعراب؛ فقولنا: الرجال يعفون هذا مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون، والنساء يعفون هذا مبني، وليس معربا، على السكون لاتصاله بنون النسوة.
ثانيا: من جهة الوزن فقولنا: النساء يعفون جاء الفعل كاملا "يعفو" يَفْعُل ثم نون النسوة يَفْعُلْنَ. وأما قولنا: الرجال يعفون فإن أصل الفعل "يعفو" ثم دخلت واو الجماعة فالتقت واوان فثقل التقاؤهما فحذفنا واو الفعل وأبقينا واو الجماعة؛ لأنها هي الفاعل، فحذف لام الفعل فصار وزنه يَفْعُونَ.(1/5)
ثالثا: الواو في قولنا: الرجال يعفون هذا اسم مستقل -واو الجماعة فاعل- وأما الواو في قولنا: النساء يعفون فهذا هو الحرف الأخير –الفعل- وهو لام الفعل وآخر حرف فيه، أي مجرد فعل.
رابعا: النون في قولنا: الرجال يعفون هذا الحرف دليل الإعراب، فعلامة رفع الفعل هنا ثبوت هذه النون، وأما في قولنا: النساء يعفون فالنون اسم هي ضمير الفاعل ضمير النسوة فاعل.
فانظروا مع أن الصورة واحدة ومتشابهة في الحروف والحركات إلا أن هناك فروقا كبيرة بينهما؛ نظرا لاختلاف التقدير في كل واحدة منهما.
لعل بهذا اتضح الفرق بين الجملتين؛ لأنه يلبس هذا الأمر على كثير من الطلاب ويقولون: كيف تكون الصورة واحدة مع أن هذا للرجال وهذا للنساء، ولا يتضح الأمر إلا بالسياق؟
فالجواب: وإن كان الصورة واحدة إلا أن التقدير مختلف، وكما ترون، ينبني عليها أن يكون بعض ما في الكلمة اسما، وأحيانا يكون حرفا بحسب التقدير فيها، وقد اتضح -إن شاء الله تعالى- ولعله يأتي له مزيد من الإيضاح إن شاء الله.
تقول: قال المصنف في الفعل الماضي إنه يبنى على السكون إذا اتصل به ضمير الرفع المتحرك، لكن "نا" الدالة على الفاعلين ليست بمتحركة بل ساكنة الآخر، فهل قصد التحرك الذي قبل الألف؟ أم ما وجه ذلك؟(1/6)
نعم، القصد أنه إذا جاء ضمير متحرك بعد الفعل الماضي، فالفعل الماضي كما نعلم يتكون من ثلاثة أحرف وغالبا ما تكون متحركة، فإذا جاء بعده مباشرة حرف متحرك يجتمع أربعة حروف متحركة، وهذا ثقيل في الكلمة الواحدة وما يشبه الكلمة الواحدة، وطبعا التقاء أربعة حروف بأن يكون الحرف المباشر للفعل هو المتحرك؛ فقولنا: ذهبنا ذَهَبَ ثلاثة حروف متحركة وأول حرف من "نَا" متحرك وهو الذي يحصل به توالي المتحركات، وليس المقصود به أن يكون الضمير مبنيا على حركة، لكن قصد أن يكون أول هذا الضمير متحركا. وهذا يشمل ما كان من الضمائر على حرف واحد كتاء الفاعل أو الفاعلة المخاطبة و "نا" الفاعلين؛ لأن أولها متحرك ويشمل نون النسوة؛ لأنه متحرك بالفتح.
تقول: تعليقا على بيت أبي فراس تعالَيْ بفتح اللام، أما الثاني فقد كسر اللام للضرورة الشعرية؟
حدد العلماء ضرورات الشعر وبينوا ما تكون فيه الضرورة؛ فتكون بأن يرتكب الشاعر أمورا لا تجوز للمختار الناثر، فله أن يفعل بعض الأمور وليس له كل الأمور؛ بمعنى ليس للشاعر مثلاً أن يلحن في الإعراب ويقول: إنما حدتني إلى ذلك الضرورة؛ لأن الضرورات لها حد، وقد حصرها العلماء، وهناك كتب وأبواب في كتب مختصة بالضرورات كمد المقصود وقصر ممدود، وإشباع غير المشبع، صرف الممنوع من الصرف ومنع المصروف ... إلخ فهذه من الضرورات التي ذكرها العلماء للشاعر؛ لأنه قد يحتاج إليها لإقامة وزن بيته، وأما ما يتعلق بتغيير حرف الروي فهذا ليس من الضرورات بل هو من العيوب.
علما بأن العلماء فرقوا بين ضرورات الشعر فقالوا: هناك ضرورات مباحة، وهناك ضرورات مستكره، حتى لو وقع فيها الشاعر؛ لأنها إما أن تخل بوزن الشعر، وإما أن تجعل فيه ثقلا، ومن ثم فليست كلها على درجة واحدة.
وما ذكر عن بيت أبي فراس هو عيب من عيوب القافية؛ اسمه الإيطاء، وهو جعل حرفي الروي يخالف الآخر في حركته، وهذا عد من عيوب القافية وليس من ضروراتها.(1/7)
نسأل عن إعراب قول الله -سبحانه وتعالى-: ?وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ? نريد إعرابا مفصلا لهذه الجملة؟
هنا وردت مجموعة إجابات نأخذ بعضها:
تقول: والوالدات، الواو حسب ما قبلها، الوالدات مبتدأ مرفوع على الضم، يرضعن فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، ونون النسوة ضمير مبني على الفتح في محل رفع فاعل، والجملة الفعلية في محل رفع خبر.
كذلك يقول: والوالدات مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره؛ لأنه جمع مؤنث سالم، يرضعن يرضع فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، ونون النسوة ضمير متصل في محل رفع فاعل
كلها إجابات صحيحة.
تقول: أولادهن مفعول به منصوب بالفتحة مضاف، هن مضاف إليه في محل جر
نعم، أحسنوا.
هذا ما يتعلق بالنوع الأول من أنواع بناء الفعل المضارع.
النوع الثاني: أن تتصل به نون التوكيد، وهي عبارة عن نون تلحق آخر الفعل للدلالة على أن المتكلم يريد أن يقرر ويثبّت كلامه في ذهن السامع، وهما نونان، نون خفيفة ساكنة ونون ثقيلة مشددة. وهي بحسب مراد المتكلم، فإن أراد أن يؤكد الفعل تأكيدا جازما فإنه يأتي بالنون الثقيلة؛ لأنها فيها زيادة حرف، فالحرف المشدد عبارة عن حرفين والزيادة في المبنى تدل على زيادة في المعنى، وإن أراد التأكيد القليل فإنه يكتفي بالنون الساكنة فتقول: لَتَذْهَبَنْ يا فلان، وإذا أردت التأكيد لَتَذْهَبَنَّ يا فلان.
فكأن مراتب الكلام ثلاث مراتب: إحداها: أن تسوق الكلام بدون توكيد فتقول: يذهب. وهذا إذا كان المتحدث يريد أن يستمع منك إلى الخبر.
والثانية: أن يكون المتحدث شاكا في كلامك، وحينئذ تحتاج إلى أن تؤكد له الفعل بمؤكد واحد فتأتي بالنون الخفيفة فتقول: يَذْهَبَنْ.
والثالثة:أن يكون أكثر إنكارا لكلامك وحينئذ تحتاج إلى تأكيد الكلام بوسيلة أقوى وهي النون الثقيلة الشديدة، فتقول يَذْهَبَنَّ فكأنه نوع من التوكيد لبيان أن واثق من كلامك.(1/8)
وهنا تأتي لطيفة من اللطائف، وهي أن المفسرين ذكروا في قول الله -سبحانه وتعالى- على لسان امرأة العزيز: ?وَلَئْن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ ? فأتت بفعلين مضارعين بالنون الثقيلة في "وليسجنن" والثاني بالنون الخفيفة في "وليكونن" قال المفسرون: أتت مع السجن بالنون الشديدة ومع كونه من الصاغرين بالنون الخفيفة؛ لأنها كانت على سجنه أحرص منه على صغاره؛ فالذي يهمها أن يسجن وأن يبعد لئلا يتحدث فيفضحها وهذا أهم من أن يَذِل. فقالوا: أكدت بالنون الشديدة لمزيد العناية، وأكد بالنون الخفيفة؛ لأن هناك عناية ولكنها دون الأولى.
إذن إذا جاء بعد الفعل المضارع نون توكيد -سواء كان ثقيلة أو خفيفة- فإنه يبنى على الفتح.
اشترط العلماء لهذه النون أن تكون مباشرة للفعل المضارع بلا فاصل.
يسأل سائل ويقول: هل من الممكن أن تأتي نون التوكيد بعد الفعل المضارع مع الفاصل؟
نقول: نعم، الأفعال الخمسة -وهي كل فعل مضارع اتصلت به ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة- ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة هذه كلمة جديدة اسم، ثم قد يأتي بعدها نون التوكيد، فيكون قد فصل بالضمير الفاعل بين الفعل ونون التوكيد في قول الله سبحانه وتعالى: ?وَلاَ تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ? هنا كما ترون "تتبع" ثم ألف الاثنين فاعل، ثم نون التوكيد. كذلك قوله: ?فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ? "ترينّ" هنا "ترى" فعل مضارع وياء المخاطبة فاعل، ثم جاءت نون التوكيد. وكذلك قوله تعالى: ? لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ ? "تبلى" فعل مضارع، واو الجماعة فاعل، ونون التوكيد جاءت بعد ذلك؛ فهنا قد فصل بين الفعل المضارع والنون الشديدة بالفاعل أي الضمير، فلا نقول حينئذ إنه فعل مضارع مبني على الفتح؛ لأن نون التوكيد لم تباشر الفعل مباشرة، بل فصل بينهما بالضمير الفاعل.(1/9)
أنا أسأل ما دام فُصِل بينهما بضمير في الآيات ?وَلاَ تَتَّبِعَانِّ? ?فَإِمَّا تَرَيِنَّ? ?لَتُبْلَوُنَّ? فماذا يكون إعراب الفعل المضارع حينئذ؟
اشترطنا لبناء الفعل المضارع أن تتصل به نون التوكيد الثقيلة مباشرة، ونحن رأينا هنا أن نون توكيد قد فُصِلَتْ عن الفعل بالضمير - ألف الاثنين في "تتبعان"، وياء المخاطبة في "ترين" وواو الجماعة في "لتبلون"- فما دام هذا الشرط الذي اشترطناه -وهو مباشرة نون التوكيد للفعل- هنا انتقد الشرط، فكيف يكون إعراب هذه الآيات الثلاث؟
سأواصل ونستقبل الجواب -إن شاء الله- بعد قليل إن وصلت أجوبة في هذا المقام؟
إذن تبين من هذا أن الفعل المضارع يبنى في هاتين الحالتين: إذا اتصلت به نون النسوة مطلقا فإنه يبنى على السكون، وإذا اتصل به نون التوكيد -الخفيفة أو الثقيلة- مباشرة، هنا شرطها أن تكون مباشرة، أما في نون النسوة فلم يشترط أن تكون مباشرة لأنها لا تكون أصلا إلا مباشرة فلا حاجة للاشتراط، أما نون التوكيد فإنها قد تباشر الفعل، وقد تفصل عنه بضمير الفاعل كما في الأفعال الخمسةـ وحينذاك نقول: إذا باشرته نون التوكيد الثقيلة فإنه يبنى على الفتح.
ذكرنا حالتي البناء وهما الأقل في الفعل المضارع، ويعرب المضارع فيما سوى هاتين الحالتين، فيرفع إذا لم يسبق بناصب ولا بجازم، وينصب إلى سبق بناصب، ويجزم إذا سبق بجازم، فتقول: يقومُ فلان، ولن يقومَ ولم يقمْ.
تقول: بعض هذه الأفعال تعرب بحذف النون "لا تتبعان" وبقية الأفعال بثبوته
أيها يعرب بثبوت النون وأيها يعرب بحذفها؟
ولا تتبعان هذا بحذف النون
لماذا؟
لأنه سُبِقَ بلا الناهية
فحينئذ فهو مجذوم؟
أي نعم، وعلامة جزمه حذف النون، والفعل الثاني "لتبلون" هذا بثبوت النون
لأنه لم يسبق بناصب ولا جازم.
"ترين" نفس الشيء بثبوت النون
لا بل هو مجزوم؛ لأنه أصله إن م
فعل الشرط
هذا فعل الشرط مجزوم وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة.(1/10)
تقول: يبنى على الفتح إذا اتصلت به ألف الاثنين، وعلى الكسر إذا اتصلت به ياء المخاطبة، وعلى الضم إذا اتصلت به واو الجماعة
لا، لا يبنى بهذه الحالة، فنحن عرفنا أن بناء الفعل المضارع مقتصر على نون النسوة ونون التوكيد المباشرة فقط، حينذاك هو معرب في هذه الآية، لكنه قد يكون إعرابه بالرفع أو بالنصب أو بالجزم، فهناك إعراب بالرفع في آية وبالجزم في آيتين.
تقول: تعرب هذه الأفعال إعراب الأفعال الخمسة فترفع على ثبوت النون وتنصب وتجزم على حذف حرف النون
هذا كلام مجمل وهو صحيح بكل حال.
إذن عرفنا أن فيما عدا هذين الموضعين يعرب الفعل المضارع، والأصل والأكثر في الفعل المضارع أن يكون معربا؛ فيرفع إذا لم يسبق بناصب ولا بجازم، وإن سبقته أداة نصب نُصِب، وإذا سبقه أداة جزم جُزِم، وأزيد على ما قالته الأخت الكريمة إيضاحا في قولنا: "ولا تتبعان" لا ناهية، تتبعانّ فعل مضارع اتصلت به ألف الاثنين، فهو من الأفعال الخمسة، والأفعال الخمسة إذا سُبِقَتْ بجازم تُجْزم وتحذف النون، فهو فعل مضارع مجذوم بلا الناهية، وعلامة جزمه حذف النون، وأما هذه النون الموجودة فهي نون التوكيد الثقيلة والألف فاعل.
أما في قولنا: "لتبلون" هذه هي اللام لام قسم لا تعمل شيئا، لتبلون فعل مضارع مرفوع اتصلت به واو الجماعة، وهو من الأفعال الخمسة، ورفع الأفعال الخمسة بثبوت النون، فعلامة رفعه ثبوت النون.
وقد يقول قائل: أين هذه النون؟ هناك نون، فهناك نون مشددة عبارة عن نونين، فاجتمعت ثلاث نونات حذفت نون الرفع؛ لأن نون التوكيد أُتي بها لغرض وهو التوكيد، وحذْفها معناه ذهاب الغرض الذي جاء من أجله، فلكراهة توالي ثلاث نونات حذفت نون الرفع مع أنه مرفوع بثبوتها وحذفت للتخفيف، والنون الموجودة هي نون التوكيد.(1/11)
وفي قوله تعالى: "فإما ترينّ" أصله "إن ما" إن شرطية وما مؤكدة، وما دامت إن شرطية فأداة الشرط -كما تعلمون- تجزم فعلين فعل الشرط وجواب الشرط، فـ"ترين" فعل الشرط مجزوم، وهو من الأفعال الخمسة، لاتصاله بياء المخاطبة، وعلامة جزمه حذف النون، والنون الموجودة هي نون التوكيد الثقيلة.
نحن بهذا نكون قد أكملنا الحديث عن الفعل المضارع، والحديث الآن عن الحرف:
الحرف: هو النوع الثالث من أنواع الكلمة، والعلماء يؤخرون الحديث عن الحرف؛ لأنهم يسوقون علاماتٍ للأسماء، ويسوقون علامات للأفعال، ولا يذكرون علامة للحرف، وكأنهم يقولون: ما لا يقبل علامات الأسماء ولا علامات الأفعال فهو حرف، ولا حاجة لذكر علامة له، وكأنهم بذلك يقولون: إذا جاءتك الكلمة فطبق عليها علامات الاسم فإن قبلتها فهي كذلك، وإن لم تقبلها فطبق عليها علامة كل واحد من أنواع الفعل -الماضي والمضارع، الأمر- فإن قبلت واحدة منها فهي كذلك، وإن لم تقبل منها شيئا فلا تكون اسما ولا فعلا فإذن هي حرف. وكأنهم يقولون: ترك العلامة علامة له.
وهذا يكون لو كان عندك ثلاثة أشياء متشابهة ووضعت على علامة على الأول، وعلامة مختلفة على الثاني، وتركت الثالث بلا علامة فأنت بهذا ميزته؛ لأنه الشيء الوحيد الذي لم تعلم عليه، فتركه إذا بلا علامة ليس عيبا؛ لأن ما سواه علامته معروفة.
فكل ما عدا ذلك فهو حرف؛ لذلك يقول ابن مالك في الألفية: "سواهما الحرف" يعني سوى الاسم والفعل هو الحرف مباشرة. فكل كلمة لا تقبل علامة الاسم والفعل هي الحرف.
والأحرف أنواع، وهي كلها مبنية تلزم حركة واحدة، وقد عرفنا أن الأفعال الماضية وأفعال الأمر كلها مبنية الفعل، المضارع يبنى في حالتين ويعرب في الباقي، الاسم الأكثر فيه الإعراب ويبنى في بعض الأحوال، أما الحرف فهو مبني بإغلاق.(1/12)
ولا تتم فائدة الحروف إلا بذكرها مع اسم أو فعل؛ لأن مجيئها وحدها ليس له معنى، فعندما تقول: "لم" وتسكت ما أفدت شيئا، وكذلك لو قلت: "في" وسكت فلا بد لها من شيء تدخل عليه. إذن هذه الحروف تدخل على الأسماء والأفعال.
هناك من الحروف ما هو مختص بالدخول على الأسماء كحروف الجر "في والباء وعن وعلى" ... إلى آخره هذه كلها تدخل على الأسماء، وقد عرفنا أن من علامات الاسم قبول حرف الجر.
وهناك من الحروف ما يختص بالأفعال فلا يدخل إلا عليها كالجوازم بصفة عامة كـ "لم، ولا الناهية، ولن، وأن".
وهناك ما يدخل عليهما؛ مثل "هل وبل" فتقول: هل قام محمد، وتقول: هل محمد قائم، فدخلت على الفعل قام ودخلت على محمد فهي غير مختصة.
فائدة: النحويون يقولون: الحرف إذا كان مختصا يعمل فيما يختص به، وإذا لم يكن مختصا لم يعمل.
ما معنى هذا الكلام؟
الحرف المختص -كحروف الجر مثلاً- يعمل في الأسماء بالجر، والحرف إذا كان مختصا بالفعل -كجوازم ونواصب الفعل المضارع- تعمل في الأفعال إما الجزم إن كانت جازمة أو النصب إن كانت ناصبة. وأما الحرف إذا لم يكن مختصا فإنه لا يعمل كـ -هل وبل، وحروف العطف.. إلى آخره- هذه كلها تدخل على الأسماء والأفعال فلا تعمل فيها شيء بنفسها.
يقول: أشكل عليّ إعراب آية من الآيات وهي قول الله تعالى: ?مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ? فالراء مضمومة في قوله: "غَيْرُه" فكيف هذا؟
"غير" صفة لإله، وقد يقول: إله مجرورة، فحرف "من" الجر زائد للتوكيد، وحروف الجر الزائدة لا تؤثر، وإن أثرت في الظاهر لكنها لا تؤثر في الإعراب، فإله في "من إله" مجرور بحرف الجر الزائد "مِنْ" المؤكد، ولكنها في محل نصب مفعول به، و الأصل " ما لكم إله " لأن أصل إله هذه مبتدأ، إعراب الجملة حتى تتضح، ما لكم من إله غيره،(1/13)
"ما" نافية، "لكم" اللام حرف جر و"كُم" اسم مجرور، والجار والمجرور في محل رفع خبر مقدم، "من" حرف جر زائد للتوكيد، أي أنه لا يغير في معنى الجملة ولكنه يريدها توكيدا "إله" اسم مجرور بمن لفظا مرفوع محلا، في محل رفع مبتدأ، وما دام في محل رفع مبتدأ تأتي صفته "غَيْرُ" مرفوعة؛ لأن حرف الجر المؤكد وإن أثر في اللفظ إلا أنه لا يؤثر في المحل، فمحل "إله" الرفع على أنه مبتدأ، فيكون نعته مرفوعا مثله.
يقول: أشكل علي أمر في المصدر الميمي، واسم مفعول، هل المصدر الميمي هو نفسه اسم مفعول في الأفعال المزيدة؟
في الأفعال المزيدة يأتي بصيغته فتقول: استخرج مستخرجا، وحينئذ تكون "مستخرجا" هذه مصدرا ميميا، وكذلك نقول: هذا الماء مستخرج من الأرض، والصيغة كما ترون واحدة ولكم المعنى مختلف.
عرفنا ما يتعلق بالحرف، وعرفنا أن علامته عدم قبول علامات الأسماء ولا علامات الأفعال، وعرفنا أيضا أن الحروف بالنسبة لدخولها على الأسماء والأفعال على أنواع ثلاثة:
1- ما يختص بالأسماء. 2- وما يختص بالأفعال. 3- وما لا يختص بشيء منهما، بل يدخل عليهما معا.
وتبين ما يختص بشيء فإنه يعمل فيه، وما لا يختص فإنه لا يعمل، هذا كله مما سبق إيضاحه.
المصنف عندما ذكر بعض الحروف أراد أن يبين رأيه فيها؛ فذكر "إذ ما" وقال: إنها ليست من الحروف في رأيه، وسيبويه يرى "إذ ما" حرفا؛ لأنه يراها شرطا كـ"إن" فحينما تقول: إذ ما تقم أقم معناها إن تقم أقم، فسيبويه يراها حرف شرط. وبعض النحويين وابن هشام متابع لهم في هذا يرونه اسما، ويقولون: بل هي ظرف بمعنى "متى"، والظروف أسماء، إذن هي اسم على الصحيح.
كذلك "مهما" بعض النحويين عدها حرفا، ولكن الجمهور –ومنهم ابن هشام- يقولون: هي اسم شرط؛ بدليل عود الضمير عليها في قول الله -سبحانه وتعالى- ? وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ ? فالهاء، عادت عليه، والضمير لا يعود على الحروف وإنما يعود على الأسماء.(1/14)
على كل حال هو فقط أراد أن يبين أن هاتين الكلمتين ليستا من الحروف فيما يختاره هو، وإنما هما من الأسماء.
وذكر أيضا من الحروف "ما" المصدرية. بعض الإخوة يقول: أنا أعرف "ما" الموصولة بمعنى الذي، وأعرف "ما" الاستفهامية، لكنني لا أعرف المقصود بـ"ما" المصدرية، فما المصدرية :ما" تدخل على "فعل" بعدها أو على "جملة" وتصاغ هي وما دخلت عليه بمصدر كلمة واحدة، يكون له محل إعرابي كما في قول الله تعالى? وَدُّوا مَا عَنِتِّمْ ? "عنتم" ما أصابكم بالمشقة والعنت، و"ما" هنا مصدرية، والدليل على ذلك أنك تستطيع أن تصوغها هي وما دخلت عليه في مصدر: أي ودوا عنتكم، فصار المصدر المصوغ من "ما" وما دخلت عليه في محل نصب مفعول به لـ"ودوا".
الشاعر عندما يقول:
يسر المرء ما ذهب الليالي *** وكان ذهابهن له ذَهاب
"ما ذهب" ما هنا مصدرية "ذهب" فعل ماضي، والليالي فاعل، فـ "ما" المصدرية والجملة الفعلية بعدها نصوغها بمصدر وهو ذهاب، والتقدير يسر المرأة ذهابُ الليالي، والذهاب هو الذي يسر المرء فهو فاعل، فهذه الجملة التي صيغت بمصدر في محل رفع فاعل، أو المصدر المصوغ المنسبك من "ما" وما دخلت عليه في محل رفع فاعل.
كذلك من الأحرف التي ذكرها المصنف وعدها "لَمَّا" وهي قد تكون نافية كما في قول الله سبحانه وتعالى: ? كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ? أي لم يقض، والفرق بين لم ولما أن "لما" يُتوقع معها حدوث الشيء فهو ما زال منفيا لكمه يتوقع حدوثه قريبا، وأما "لم" فهو نفي ليس فيه توقع، عندما يقال لك: هل جاء محمد تقول: لم يجئ وأحيانا تقول لما يجئ، إن قلت: لما يجئ فأنت تتوقع أن يأتي الآن لكنه ما جاء بعد، وإن قلت: لم يجئ فإنك تنفي مجيئه مطلقًا دون أن تتوقع قرب هذا المجيء، هذا فيما يتعلق بمجيئها نافية.
وقد بمعنى الإيجاب على عكس الأولى؛ كما في قولك: عزَمت عليك لَمَّا فعلتَ كذا لأؤكد عليك أن تفعله فهي مؤكدة حينئذ.(1/15)
قد تكون أيضا بمعنى الشرط كما تقول: لما جاء فلان أكرمته فعلق شيئا على شيء، فهذه أيضا نوع ثالث من أنواع لَمَّا، وكلها حروف والحروف مبنية بإطلاق.
هلا تفضلتم بطرح أسئلة هذه المحاضرة؟.
السؤال الأول:
لماذا لم تكن أحرف المضارعة علامة على الفعل المضارع؟
والسؤال الثاني:
هناك أربعة فروق بين قولنا: "الرجال يعفون" و"النساء يعفون" اذكرها؟(1/16)
لغة عربية - المستوى الرابع
الدرس السادس
الإعراب وأنواعه
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حديثنا اليوم -إن شاء الله تعالى- سيكون عن "الكلام وما يتألف منه" ثم الدخول في إعراب الكلام، ووجوه هذا الإعراب وعلاماته الأصلية والفرعية، ولكن قبل ذلك ننظر أجوبة السؤالين السابقين.
بالنسبة لأسئلة الحلقة الماضية كان السؤال الأول: لماذا لم تكن أحرف المضارعة علامة للفعل المضارع؟
وكانت الإجابة: أحرف المضارعة شرط للفعل المضارع وليست علامة عليه؛ لأنها تدخل على بقية الأفعال كـ: توكَّلْ في الأمر، وتيقنَ في الماضي، والخلاصة أن حروف المضارعة "نأيت" جامعة للفعل المضارع، ولكنها غير مانعة؛ لدخولها على بقية الأفعال، فلا تصلح أن تكون علامة على الفعل المضارع.
إجابة السؤال الثاني: تقول: الفرق بين الرجال يعفون والنساء يعفون أن يعفون في "الرجال يعفون" فعل مضارع اتصلت واو الجماعة، فهو من الأفعال الخمسة، فهو معرب يرفع بثبوت النون وينصب ويجزم بحذفها، ويعفون في "النساء يعفون" فعل مضارع اتصلت به نون النسوة، فهو مبني لاتصالها به في السكون.
ثانيا: أن الواو في الرجال يعفون ضمير متصل في محل رفع فاعل للفعل يعفون، بينما في النساء يعفون حرف من حروف الفعل يعفو.
ثالثا: أن النون في الرجال يعفون حرف أعرب بدل ثبوته على الرفع بينما في النساء يعفون ضمير اسم يعرب في محل رفع فاعل.
رابعا: أن وزن الفعل يعفون في الرجال يعفون على يَفْعُون؛ لأنه أصله يعفوا على وزن يفعُل، ثم اتصلت به الواو الضمير، ولكره تتابع واوين حذفت واو الفعل وبقيت واو الضمير، فصار الوزن يفعُون، لكن الوزن في النساء يعفون هو على يفْعُلْنَ أي يفعل مضاف إليه نون النسوة. والله اعلم(1/1)
تأكيدا أو جمعا للإجابة التي ذكرت نقول: معنى قولنا: أحرف المضارع شرط وليست علامة للفعل المضارع أنها ليست خاصة بالفعل المضارع لتكون علامة له، فكما قالت الأخت المجيبة قد تدخل حروف المضارعة المجموعة في قولك: "نأيت" على أول الفعل الماضي والأمر، وهذا دليل على أنها ليست علامة، بل العلامة ما تميز به الشيء، ولكن لا بد أن تكون هذا الحروف في مطلع الفعل المضارع؛ ولذلك قلنا: إنها شرط للفعل المضارع، فلا بد أن تكون في أوله، ولا يأتي فعل مضارع إلا وفي أوله واحد من هذه الزوائد الأربعة "النون والهمزة والياء والتاء".
مسألة الفرق بين النساء يدعون والرجال يدعون أو الرجال يعفون أو النساء يعفون هذا الفرق يأتي من عدة جهات:
أولا: من الناحية النحوية.
ثانيا: من الناحية الصرفية "الوزن"
. ثالثا: من ناحية الواو والفرق بينهما.
رابعا: من ناحية النون.
أما من الناحية النحوية فإعراب "الرجال يعفون" هذا فعل من الأفعال الخمسة مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون، فالواو فيه هي الفاعل اسم مستقل، والإعراب "النساء يعفون" فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة.
وأما جهة الصرف أي وزن الكلمة هي بالنسبة لـ "الرجال يعفون" أصله "يَعفُوُون" بواوين حذفت واو الفعل؛ لأن واو الجماعة هي الفاعل، فواو الفعل جزء من كلمة فهي الأولى بالحذف، فحذفت لام الفعل التي هي الحرف الأصلي الأخير من الفعل، وبقيت واو الجماعة فوزنه يفْعُون، وأما بالنسبة لـ "النساء يعفون" زيدت فقط عليه النون فهو يفعُلْنَ.
أما بالنسبة للواو فواو "الرجال يعفون" هي الفاعل ضمير اسم مستقل، وهي في "النساء يعفون" هي حرف من حروف لام الفعل.
وأما بالنسبة للنون فهي في قولنا: "الرجال يعفون" نون الرفع، فعلامة الرفع ثبوت هذه النون، وأما هي في قولنا: "النساء يعفون" فهي اسم مستقل، ضمير يعرب فاعلا.
وهذا كله قالته الأخت، ولكن فقط أردت جمعه وزيادة إيضاح الأمر.(1/2)
أذكر أيضا -إن شاء الله تعالى- من باب تحريك الجو في مسألة المشاركة؛ ولأن النحو كما تعلمون هو علم المشاركة والتطبيق؛ لأنه علم اللسان والحديث، ولا قيمة لمعرفة القاعدة دون تطبيق لها، ومن ثم سأسعى كثيرًا لِأن أطرح أسئلة بين الفَيْنة والأخرى، بطريقة متقاربة -إن شاء الله- لأحث الإخوة الموجودين معنا هنا، وكذلك الإخوة الأخوات الموجودين وراء الشاشات على الإجابة؛ سواء عن طريق الاتصال الهاتفي أو عن طريق المشاركة في الموقع بالإجابة حتى يكون هذا أدعى لتحقيق المراد من معرفة القاعدة وهو تطبيقها على مثالها.
المصنف بعد أن تكلم عن الأسماء والأفعال والحروف وبين علامات كل واحدة منها من حيث البناءُ والأعرابُ انتقل عن الحديث عن المقصود بالكلام، وما يتألف منه هذا الكلام، فبين أن هذا الكلام "لفظ مفيد" أما قوله: "لفظ" فاللفظ كما تعلمون هو الصوت مطلقًا، فمجرد إخراج صوت أن يصوت الإنسان بحروف معينة فهذا يسمى لفظا، وحدَّهُ أو قيَّدَه بقوله: "مفيد" حتى يخرج ما لم يكن مفيدا من الأصوات كالكلمات التي ليس لها معنى، ومعنى قوله: "مفيد" هو أن يكون الكلام لا يحتاج معه السامع إلى مزيد، بل يكتفى به، فعندما نقول: الله ربنا فهذا كلامنا مفيد لا يحتاج معه السامع إلى مزيد؛ لأنه صوت حروف نطق بها المتكلم، ومفيد لأنه حسن السكوت عليه ولم يحتج إلى مزيد بيان لإزالة الإشكال عن السامع، فسمي كلاما.
هذا يدل على أنه عندما يقول: "لفظ" معناه أنه لا بد أن يكون هناك حروف تنطق، ومعنى ذلك أنه لو كتب الإنسان كلاما لا يسمى هذا كلاما؛ لأنه لم ينطق. ولو أشار بيده أو بعينه لشخص أن يفعل فعلا معينا كأن يقول: "قم أو اذهب" بالإشارة فهذا أيضا لا يسمى كلاما؛ لأنه خلا من اللفظ، ولا يكون الكلام كلاما إلا إذا اشتمل على ألفاظ أي أصوات.(1/3)
العلماء عادة عندما يتكلمون عن الكلام يبينون كيف تتكون الجملة العربية، فالعلماء يذكرون أن الجملة العربية أقل ما تتكون منه أن تكون من ركنين، فأنتم تعرفون أن الجملة إما أن تكون اسمية أو فعلية؛ فالجملة الاسمية ما بدأت باسم، والفعلية ما بدأت بفعل.
ومن ثم فإن هذه الجملة، سواء كانت اسمية أو فعلية، لا بد لها من ركنين أساسيين، وهما غالبا في الجملة الفعلية "الفعل مع فاعله" وفي الجملة الاسمية "المبتدأ مع خبره"، لكن لا يلزم هذا دائما فقد يأتي الكلام على غير هذه الصورة.
قالوا: إن الكلام إما أن يتكون من اسمين، وإما أن يتكون من جملتين، وإما من فعل واسم، أو فعل واسمين، أو فعل وثلاثة أسماء، أو فعل وأربعة أسماء، فهذه ست صور يتألف منها الكلام.
مرة أخرى.
اسمان، أو جملتان، أو فعل مع اسم، أو فعل واسمان، أو فعل وثلاثة أسماء، أو فعل وأربعة أسماء.
كيف يكون ذلك؟
أما كونها تتكون من اسمين فهذا في الجملة الاسمية كما تعلمون؛ وذلك في المبتدأ والخبر: الرجل كريم هذه جملة مكونة من اسمين مبتدأ وخبر.
وقد تتكون من اسمين، ولكن يكون الأول مبتدأً والثاني ليس خبرًا قولك مثلاً: أقائم محمد، فقائم مبتدأ، ومحمد ليست خبرا؛ لأن قائما هنا مشتق كما ترون فهو يعمل عمل الفعل قام، فهو يحتاج إلى فاعل أكثر من احتياجه إلى خبر؛ لكونه حدث من الأحداث، ولذلك صار قولنا هنا: محمد هنا فاعل أغنى عن الخبر، فإن فقال قائل: قائم مبتدأ، فأين خبره؟ فإننا نقول: فاعله سد مسد خبره فأغنى عنه.
وقد يكون مكونا من اسم ونائب فاعل، وذلك إذا كان المشتق مبنيا للمجهول، كما أن الفعل المبني للمجهول يحتاج إلى نائب فاعل، فكذلك الاسم المشتق إذا بني للمجهول فهو يحتاج إلى نائب فاعل كقولك: أمُكرَم محمد، أمضروب الرجل، فمضروب هذه مبتدأ، ولكنها في الوقت نفسه تحتاج إلى نائب فاعل؛ لكونها مشتقة فتكون مكونة من اسم ونائب فاعل.(1/4)
وقد مر بنا من قبل ما يتعلق بأسماء الأفعال، وهو أنها ليست بأفعال وإنما هي أسماء أدت معاني الأفعال. فحينما تقول هيهات العقيرُ بمعنى بَعُدَ، فهذا اسم فعل ماض وهو اسم مبتدأ، ولكن ما بعده فاعل له وليس خبرا؛ لأن اسم الفعل يحتاج إلى فاعل ولا يحتاج إلى خبر. إذن هذه كلها -كما ترون- جمل مكونة من اسمين لكن بأحوال مختلفة.
أما تَكُوُّن الكلام من جملتين فذلك يأتي أيضا في حالتين:
الحالة الأولى: في جملة الشرط، فأنتم تعلمون أن الشرط يقتضي جملة شرط وجملة جواب، إنْ قام زيد قام أخوه، فقام زيد هذه جملة فعلية وهي فعل الشرط، وقام أخوه جملة فعلية هي جواب الشرط، فهاتان جملتان.
الحالة الثانية: جملة القسم؛ فعندما تقسم على شيء كأن تقول: أحلف بالله لمحمد كريم، فأحلف جملة قسم ومحمد كريم جملة مقسم عليها، فهي كلام مكون من جملتين.
إذن أتى الكلام مكونا من اسمين وأتى مكونا من جملتين.
ويأتي مكونا من فعل واسم، وهذا في الجملة الفعلية "الفعل والفاعل" قام الرجل.
أو يأتي من فعل واسمين وهذا في النواسخ "كان وأخواتها، وأفعال المقاربة وأشباهها مما يكون له معمولان اسم وخبر" كقولك: كان زيد كريما، فهذه كان فعل ومعها اسمها وخبرها وهما اسمان.
وقد يأتي الكلام مكونا من فعل وثلاثة أسماء، وذلك في الأفعال التي تنصب مفعولين فهي ترفع فاعلا وتنصب مفعولين، فجاء معها ثلاثة أسماء؛ ظننت محمد كريما، فظن فعل ولها فاعل وهي التاء ثم بعد ذلك مفعولان وهما محمد وكريم.
ويأتي -وهو أكثر ما تطول به جملة الكلام- من فعل وأربعة أسماء، وذلك في الأفعال التي تنصب ثلاثة مفاعيل فلها فاعل وثلاثة مفاعيل أربعة أسماء كقولك: أعلمتك زيدا قائما، وأعلمت محمدا أخاه كريما، فاعلها التاء هذا الاسم الأول، ثم مفاعيلها الثلاثة كل واحد منها اسم فتركبت الجملة من فعل وأربعة أسماء.
إذن قد يكون الكلام مكونا من اسمين:
مبتدأ وخبره.
المبتدأ وفاعله الذي يسد مسد الخبر.(1/5)
المبتدأ ونائب فاعله الذي سد مسد بالخبر.
اسم الفعل مع فاعله.
أو جملتين وذلك في جملة الشرط وجوابها وفي جملة القسم والمقسم عليه.
أو فعل واسم واحد، أو فعل واسمين، أو فعل وثلاثة أسماء، أو فعل وأربعة أسماء.
فهذه الصورة عبارة عن ست صور، أقلها أن يتكون الكلام من فعل واسم، أو اسمين، وأكثرها أن يتكون من فعل وأربعة أسماء، وبتفصيل هذه الصور كما ذكرنا تركب عندنا إحدى عشرة صورة.
أنا الآن أسأل ولا أُلزم أن يقال كل ما قلت يكفي بعض هذه الصور، وهذا السؤال للإخوة الحاضرين وكذلك الإخوة المشاهدين لمن استطاع منهم الجواب عن السؤال كله أو جله، من خلال الاتصال أو من خلال المشاركة في الموقع.
كم صور ائتلاف الكلام؟ مثل لما تقول.
ننتظر وصول الأجوبة.
يقول: نحن مجموعة من طلبة الأكاديمية، كنا نراجع منهج اللغة العربية المستوى الأول من شرح الأجرومية، ولدينا مسألة أشكلت علينا نستميحكم عذرا في طرحها السؤال.
هل تدخل حروف الجر على الحروف؟ وهل هناك فرق بين قولنا: عجبت من أن يهمل المجدُّ، وعجبت من أن أَهمل المجد، أم أن جميعها مصدر مؤول باسم ظاهر فنقول: عجبت من إهمال المجيب؟
هو الأخ الكريم أجاب عليها في الآخر.
طبعا ظاهر الأمر في هذه الجملة أن حرف الجر من دخل على الحرف المصدري "أن" الذي هو ينصب الفعل المضارع فيقال: كيف دخل حرف على حرف؟
الجواب: حروف الجر لا تدخل إلا على الأسماء، ولا تعمل الحروف في الحروف، فيسأل سائل ويقول: إذن كيف عمل حرف الجر هنا في الاسم، وما الدليل على أنه دخل عليه اسم؟(1/6)
حرف الجر دخل على المصدر المؤول؛ لأن الحرف المصدري يؤول وما دخل عليه بمصدر، فقولك: "مِنْ أَنْ أَهْمَل" أي إهمال، فكأنك قلت: عجبت من إهمال، فدخل حرف الجر "من" على الاسم إهمال، هذا المصدر المتصيد من أن وما دخلت عليه، ولم يدخل في الحقيقة أو يعمل في الحرف وحده، وإنما عمل في المصدر المتصيد أو المنسبك من أن وما دخلت عليه، فيبقى إذن اختصاص حروف الجر بالأسماء.
تقول: لماذا لم نقل في الفعل المضارع أن من ضمن حالات إعرابه الجزم عند اتصاله بنون النسوة، والنصب عند اتصاله بنون التوكيد كما في نصبه بعلامة النصب وجزمه بعلامة الجزم، ولكن قلنا: إنه في هاتين الحالتين مبني؟
هي تسأل الأخت وتقول: ما الداعي أن نقول: إنه يأتي معربا ويأتي مبنيا؟ ولماذا لا نقول: هو معرب في الأحوال كلها، وعندما تتصل به نون النسوة نقولُ: هو مجزوم؛ أي معرب وعلامة إعرابه الجزم، وتتصل به نون التوكيد المباشرة فنقول: منصوب، ويكون في هذه الحالة المضارع دائما معربا فيرفع في حالات، وينصب في حالات، ويجزم في حالات؟
الجواب:
لا يمكن أن نقول ذلك؛ لأنه تظهر استحالة المسألة عندما يدخل ناصب أو جازم على هذا الفعل المضارع مع اتصاله بنون النسوة، مثلاً عندما تقول: طلبتُ أنْ يذهَبْنَ أنتم تعلمون أن هذه ناصبة نعم فينبغي أن تنصب الفعل المضارع، ولكن قلنا: يذهبْنَ فسكنَّا آخره، فكيف تكون معربة وقد دخل عليها الناصب ولا تنصب؟
نحن نعرف أن الذي يحصل له هذا هو فقط المبني الذي بنته العرب على حالة واحدة لا تغيره عنه، ولو كانت معربة لأمكن أن تتغير باختلاف العوامل، هنا دخل العامل ولو كان الفعل معربا لوجب أن يؤثر العامل فينصب، فلما لم يؤثر دل هذا على أن الفعل مبني، أي أنه عندما يتصل بنون النسوة يلزم حالة واحدة لا يتغير عنها، حتى وإن دخلت عليه النواصب والجوازم.(1/7)
وكذلك عند دخول نون التوكيد عليها، فإنه يلزم حالة واحدة وهي الفتح؛ بحيث أنك لو أدخلت عليها جازما مثلاً عندما تقول: لا تذهبَنَّ، لا هذه ناهية، ولا الناهية تجزم، فلو كان الفعل المضارع معربا كما طلبت الأخت لوجب أن تجزم آخر الفعل فتسكن باؤه، لكننا وجدنا أنها مفتوحة في قولنا: لا تذهبَنَّ، فدل هذا على أنها تلزم الفتح ولا تبرحه عندما تتصل بنون التوكيد، ودل هذا على بنائها وعدم إعرابها؛ لأن الكلمة المعربة متى دخل عليها عامل أثر على آخرها، وأدى الحركة المطلوبة منه.
يقول: من ست صور وهي من اسمين كقولنا محمد مجتهد. من فعل واسم جاء محمد، من جملتين إن قام زيد قمت. من فعل واسمين مثل كان محمد قائما. من فعل وثلاثة أسماء أعلمت زيدا قائما ذكرها هكذا، لكن هو للأسف فيها جملة استفهامية
فيه همزة؟
نعم
هو لا يجب أن يدخل همزة هو يريد الفعل وثلاثة أسماء فينبغي أن يقول: علمت زيدا قائما؛ لأنه إذا أدخلت عليه الهمزة صارت مما ينصب ثلاثة مفعولات مع الفاعل هذه أربعة أسماء، حينئذ فالأولى أن يقول: علمت. الرابعة؟
من فعل وأربعة أسماء مثل ظننت قائما فاضل
لا، هو عكس، الأخيرة هي فعل وثلاثة أسماء والتي قبلها فعل وأربعة أسماء.
إيضاح ذلك عندما تقول: ظننت زيدا قائما. هذه فعل وثلاثة أسماء والتي هي ظن مع فاعلها ومفعوليها، فاعل ومفعول أول ومفعول ثان ثلاثة أسماء، وأما أعلم فإنها تنصب ثلاثة مفاعيل والفاعل هو الاسم الرابع، فتبين أنها فعل وأربعة أسماء.
أنا أشكر الحقيقة الأخ الكريم إجابته المفصلة.
يأتي الحديث بعد ذلك عن أنواع الإعراب:
المصنف بدأ بفصل ذكر فيه أنواع الإعراب، وقال: إنها أربعة أنواع.
وهذا واضح من بدهيات علم النحو. فالإعراب أربعة أنواع: رفع ونصب وجر وجزم، وليس هناك نوع خامس من أنواع الإعراب.(1/8)
طبعا حتى يكون الأمر أكثر وضوحا قد يقول بعض الإخوة: إلى الآن لم يتبين لي المقصود من الإعراب، وأنت الآن تبين أنواع الأعراب فبين لي الإعراب أولا.
نقول: الإعراب هو ذلك الأثر الذي يجلبه العامل.
هناك أداة معينة أو عامل معين سواء كان ملفوظا به أو معنويا، يسبب أثرا في آخر الكلمة المعربة، فهذا الأثر هو الإعراب.
بالمثال يتضح الأمر:
عندما تقول: قام زيد، فزيد هذا مرفوع، يسأل سائل ويقول: ما الذي رفعه؟ قالوا: الذي رفعه هو العامل قبله. ما العامل الذي قبله؟ الفعل.
جئت من المسجد، المسجد اسم مجرور، ما الذي جره؟ قالوا: حرف الجر السابق عليه "من".
إذن هناك أشياء تدخل على الكلمات المعربة فتؤثر فيها هذا الإعراب، لذلك قالوا: العامل هو أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة.
الأمر واضح، لكن قد يقول قائل: كيف ظاهر أو مقدر؟
بعض الكلمات المعربة يمكن إظهار حركة على آخرها، وبعضها لا يمكن إظهار الحركة على آخرها. فتعرفون أن حرف الألف مثلاً هو حرف مد ساكن دائما لا يتحرك، فلو قلت: "أ" هذه همزة وليست ألفا، فالألف هو حرف هوائي لا مخرج له، وليست له حركة بل هو دائم السكون، ومن ثَمَّ إذا جاء آخر الكلمة المعربة ألف لا يمكن إظهار الحركات عليها، فأثر الإعراب لا يظهر، بل نقدره تقديرا.
مثل ماذا؟
حينما تقول: جاء الفتى. أكرمت مصطفى، جاء الفتى، الفتى فاعل مرفوع. أين علامة الرفع؟ الضمة. أين الضمة؟ هي مقدرة على الألف, ولو كانت الألف تقبل التحرك لتحركت بالضمة، لكنها ألف لا تتحرك.
أكرمت مصطفى، فمصطفى مفعول به منصوب. ما علامة نصبه؟ الفتحة. أين الفتحة؟ مقدرة على الألف في آخر مصطفى. لماذا لم تظهر؟ لأن الألف لا تظهر عليها الحركات.(1/9)
إذن، قولهم: إن الإعراب أثر ظاهر مثل جاء محمد، هنا محمد مرفوعة وعلامة الضمة الظاهرة. أو مقدر، جاء الفتى، الفتى فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف. لماذا قدرناها؟ لأنه يتعذر ويستحيل ولا يمكن إظهار الحركة على الألف، فتعذر ذلك، فقدرناها تقديرا حتى يسير الكلام سيرا واحدا، وحتى لا يقول قائل: كيف بعض الكلمات فيها إعراب وبعض الكلمات ما فيها إعراب؟ نقول: لو أن آخر كلمة في الفتى حرف يقبل الحركة لتحرك بالرفع، ولكنه لما كان حرفا لا يقبل الحركة -وهو الألف- استحال ظهور الحركة عليه، فهي مقدرة لو تغير الحرف لظهرت ولكنه ألف والألف لا تتحرك.
إذن هذا معنى قولهم: إنه أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة. عرفنا المقصود بالأثر؛ أي أنه حركة معينة تأثر بها العامل. عرفنا معنى قوله: يجلبه العامل، وما المقصود بالعامل الذي يعمل الرفع والنصب والجر والجزم، عرفنا معنى قوله: يجلبه العامل، وما المقصود بالعامل؟ الذي يعمل الرفع والنصب والجر والجزم، وعرفنا معنى كون الإعراب ظاهر أو مقدر؛ وهو أن هذا يتعلق بالكلمة المعربة نفسها، فآخرها أحيانا يقبل الحركة لكونها حرفا يمكن تحريكه، وأحيانا لا يقبل الحركة لكونها حرفا لا يمكن تحريكه.
وقد عرفنا أنواع الإعراب الأربعة "النصب، والجر، والرفع، والجزم" فلو استعرضت كلام العرب كله لما وجدته يخرج عن هذه الأنواع الأربعة، ما دامت الكلمة معربة، فهي لا تخرج عن واحد من هذه الأمور.
فإن قال قائل: هل كل الكلمات الأسماء والأفعال المعربة تكون مرفوعة أو منصوبة أو مجزومة؟ نقول: أما الرفع والنصب فيكون في الأفعال والأسماء، فتقول مثلاً: محمدٌ يقومُ، محمد اسم مرفوع ويقوم فعل مضارع مرفوع، والنصب يكون أيضا في الأسماء والأفعال إن محمدًا لن يقومَ محمد اسم منصوب ويقوم فعل مضارع منصوب.(1/10)
إذن الرفع والنصب يدخلان على الأسماء والأفعال، بقيَ الجزم والجر الجر والجزم تقاسمهما الفعل والاسم، فأخذه الفعل الجزم، وأخذ الاسم الجر، ولذلك عرفنا أن من علامات الاسم قبول الجر، وعرفنا أن من علامات الفعل المضارع قبولَ لم وهي جازمة. إذن اختص الفعل بالجزم، واختص الاسم بالجر.
إذن أنواع الأعراب أربعة: اثنان مشتركان بين الأسماء والأفعال وهما الرفع والنصب، وواحد مختص بالأسماء وهو الجر كقولك: في الدار فالدار اسم؛ لأنه جر ولا يجر إلا الأسماء، وواحد مختص بالأفعال وهو الجزم كقولك: ? لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ? فيلد ويولد ويكن أفعال؛ لأنها مجزومة والأسماء لا تجزم. إذن اثنان مشتركان في الأسماء والأفعال وهما الرفع والنصب، وواحد تختص به الأفعال وهو الجزم، وواحد تختص به الأسماء وهو الجر.
قد يقول قائل: نحن الآن نعرف أنه تأتينا الكلمة فنقولُ مرفوعة، فإذا كانت مرفوعة فما الذي يوضع على آخرها؟ نقول: هناك علامات أصلية لكل نوع، فالكلمة إذا كان مرفوعة يُضم آخرها، وهذا هو الأصل، وإذا كانت منصوبة يفتح آخرها، وإذا كانت مجرورة يكسر آخرها، وإذا كانت مجزومة يسكن آخرها.
العلامات الأصلية: الضمة للرفع، الفتحة للنصب، الكسرة للجر، والسكون للجزم. هذا هو الأصل والأكثر. ولكن يخرج عن ذلك أبواب معينة ربما لا ترفع الكلمة بالضمة أو لا تنصب بالفتحة أو لا تجر بالكسرة أو لا تجزم بالسكون، بل تكون علامة إعرابها غيرَ هذه الأمور، وهي علامة فرعية، وهي أقل من استعمال العلامة الأصلية، فكأن أنواع الأعراب لها علامة أصلية هي في عامة الكلام، وهناك بعض الأبواب التي تخرج عن هذا فتعامل بعلاماتٍ غير الضمة في الرفع، والفتحة في النصب، والكسرة في الجر، والسكون في الجزم.
وهذا محصور في خمسة أنواع من الأسماء، ونوعين من الأفعال:(1/11)
الأسماء الستة بالنسبة للأسماء، والمثنى، جمع مذكر سالم، والمجموع بألف وتاء مزيدتين، والاسم الذي لا ينصرف. هذه بعضها يخرج في كل أحوالها وبعضها في بعض أحوالها عن هذه العلامات التي ذكرناها الآن الأصلية للإعراب.
وأما في الأفعال فهناك بابان يخرجان وهما: "الأفعال الخمسة، والفعل المضارع المعتل" تخرج عن العلامات الأصلية. ما عدا هذه الأبواب الخمسة في الأسماء والبابين في الأفعال هي كلها تعامل بعلامات الإعراب الأصلية؛ فترفع بالضمة، وتنصب بالفتحة، وتجر بالكسرة، وتجزم بالسكون.
ولما كان الذي يخرج عن الأصل أقلَّ من الأصل فصل العلماء في هذه الأشياء التي تعرب بعلامات إعراب فرعية، كأنهم يقولون: إذا عرفت هذه الأمور فما سواها أعربه بعلامات الإعراب الأصلية.
أول هذه الأبواب التي يخرج فيها الإعراب في علامته عن العلامة الأصلية: الأسماء الستة:
هي أسماء ستة محصورة معتلة الآخر: "أب، وأخ، وحم، وفو، وذو، وهَنُ" ستة أسماء هذه عند رفعها لا ترفع بالضمة، وعند نصبها لا تنصب بالفتحة، وعند جرها لا تجر بالكسرة، وأما الجزم لا تجزم لأنها أسماء والأسماء لا تجزم.
قد يقول قائل: إذن بماذا ترفع وتنصب وتجر؟ نقول: ترفع بالواو بدل الضمة، وتنصب بالألف بدل الفتحة، وتجر بالياء بدل الكسرة؛ تقول: جاء أبوه، ورأيت أباه، ومررت بأبيه ... أبوه فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو، وليست الضمة كما هو الأصل لأنه من الأسماء الستة. رأيت أباه، أباه مفعول به منصوب وعلامة نصبه الألف وليست الفتحة كما هو الأصل لأنه من الأسماء الستة. سلمت على أبيه، أبيه اسم مجرور بعلى وعلامة جره الياء وليست الكسرة؛ لأنه اسم من الأسماء الستة.
لماذا أطلق عليها اسم الأسماء الستة؟(1/12)
لأنها ستة أسماء محصورة وقد ذكرناها الآن "أب وأخ حم فو ذو وهن" ستة أسماء ليس هناك لها سابع، وهي التي تخرج إلى هذا الإعراب؛ أي تعرب بهذه الحروف بدل الحركات؛ فالواو بدل الضمة، والألف بدل الفتحة، والياء بدل الكسرة.
يكثر الخطأ واللحن في هذه الأسماء يا شيخ، وقاعدتها بسيطة
الكتابة لا يظهر فيها لحن اللاحن إلا في هذه الأبواب التي هي الأسماء الستة والمثنى والجمع لأنه؛ إذا قال: أكرمت المسلمون فرفع مثلاً ظهر لحنه، وهي هنا مفعول به ينبغي أن يقول مسلمين، لكنه قال: قام محمد ولم يشكِّل -يضبط- "محمد" لا نعرف هل هو أخطأ أو أصاب؟ ولذلك اللحن في اللفظ يظهر واللحن في الكتابة لا يظهر إلا في مثل هذه الأبواب الفرعية غالبا، وفي بعض الحالات الأخرى؛ لأنها هي التي تكتب بحسب إعرابها ويظهر فيها الإعراب في الكتابة.
هذه الأسماء الستة ليس في كل الحالات تعرب بهذا الإعراب، بل اشترطوا شروطا لتعرب بهذا الإعراب الفرعي؛ أي تعرب بالحروف بدل الحركات اشترطوا لها شروطا فقالوا: يشترط أن تكون مفردة، مكبرة، مضافة إلى غير ياء المتكلم.
مرة الثانية: يشترط أن تكون مفردة يعني غير مثناة ولا مجموعة.
مكبرة يعني غير مصغرة.
مضافة إلى ياء المتكلم يعني ما تكون مجردة عن الإضافة، ولا تكون مضافة إلى ياء المتكلم.
معنى ذلك لو أنه اختل شرط من هذه الشروط ترجع هذه الأسماء إلى الإعراب، ولم تعرب بالحروف التي أشرنا إليها.
دعونا ننظر في هذه الشروط وننظر كيف تختل حتى نتأكد من مطابقتها في الاسم عندما نعربه بهذه الحروف:(1/13)
قالوا: أولا: يشترط أن تكون مفردة. معنى ذلك أنه لو جاءت هذه الأسماء مثنى نقول: جاء أبوان، أبوان فاعل، نحن نعرف أن الأسماء الستة ترفع بالواو لكن هذه رفعت بماذا؟ بالألف؛ لأنها مثنى، فخرجت من الأسماء الستة إلى باب المثنى، لأنها لا تكون في باب الأسماء الستة إلا إذا كانت مفردة، أما إذا ثنيت فإنها تنتقل من الأسماء الستة إلى باب المثنى، فتعرب بإعرابه على ما سيأتي بيانه.
ولو كانت مجموعة جمع مذكر سالم كقولك: جاء أبون وهذا يصح فيه هذا الجمع، صحيح أن الأكثر في جمعها أن تجمع جمع تكثير، ولكنها تجمع أيضا جمعَ تصحيحٍ جمع مذكر سالم فيقال: "أبون" وهذا وارد عن العرب؛ ولذلك فإنك عندما تقول: جاء أبون، فأبون هذه فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو. وعندما تقول: أكرمت أَبِين نقول: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء. كيف نصب بالياء الأسماء الستة تنصب بالألف؟ لأنه الآن أصبح جمع مذكر سالم، فخرج عن كونه من الأسماء الستة إلى كونه جمع مذكر سالم؛ لأن شرط إعراب الأسماء الستة أن يكون مفردا، وهذا جمع فانتقل من الأسماء الستة إلى جمع المذكر السالم فأعرب بإعراب جمع المذكر السالم، وهو ينصب بالياء.
لو جاء جمع تكثير: وهو ذلك الجمع الذي لا يسلم فيه المفرد، كقولك: جاء آباؤك، ورأيت آباءك، وسلمت على آبائك، فأنت في هذه الحالة لا يصح أن تسمي هذه مع الأسماء الستة؛ لأن شرطها أن تكون مفردة وهذه مجموعة، فكيف تعرب إذن؟ نحن نعرف أن جمع التكثير يعرب كالاسم المفرد تماما؛ فيرفع بالضم، وينصب بالفتحة، ويجر بالكسرة، فتقول: جاء آباؤك مرفوع وعلامة رفعه الضمة علامة أصلية. رأيت آباءك منصوب وعلامة نصبه الفتحة علامة أصلية، سلمت على آبائك مجرور وعلامة جره الكسرة.
لماذا لم يعرب بإعراب الأسماء الستة؛ لأنه لم يفرد، ونحن نشترط في الأسماء الستة أن تكون مفردة.(1/14)
الشرط الثاني: أن تكون مكبرة، بمعنى ألا تكون مصغرة. فلو صغرت تخرج عن الإعراب الفرعي، هذا أُبَيُّكَ، هنا "أبيك" خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة "أُبَيُّ" راجع العلامة الأصلية، لماذا لم يرفع بالواو؟ لأنه لم يعد من الأسماء الستة. كيف لم يعد؟ لأن شرط الأسماء الستة أن تكون مكبرة وهذا مصغر.
أيضا يشترط أن تكون مضافة إلى غير ياء المتكلم، فلو جئت بها مجردة عن الإضافة، فلو قلت: هذا أبٌ، لقيل: أب خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة، علامة أصلية، لماذا لم يرفع بالواو؟ الأسماء الستة ترفع بالواو قيل: هذا ليس من الأسماء الستة، لأن الأسماء الستة شرطها أن تكون مضافة، وهذا لم يضف بل جرد عن الإضافة.
ثم يشترط في الأسماء الستة أن تكون الإضافة إلى غير ياء المتكلم، فلو كانت الإضافة إلى المتكلم فلا نسميه أيضا من الأسماء الستة، فلو قلت: هذا أَبِي، أبي خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة، أين الضمة؟ مقدرة على الباء. لماذا لم تظهر؟ لأن بعدها ياء المتكلم، وياء المتكلم تلزم كسر ما قبلها، فهو مكسور الآخر لأجل ياء المتكلم، ولكنه في محل رفع، وما علامة رفعه المقدرة؟ ضمة. لماذا لم يرفع بالواو؟ أليس من الأسماء الستة؟ نقول: لا، ليس من الأسماء الستة؛ لأن الأسماء الستة شرطها أن تضاف إلى غير ياء المتكلم، وهذا أضيف إليها ياء المتكلم.(1/15)
إذن نستطيع أن نقول: إذا اختل شرط من شروط الأسماء الستة لم تعرب هذه الأسماء بالحروف المعروفة وهي: "الواو رفعا، والألف نصبا، والياء جرا" وإنما تعرب بحسب ما انتقلت إليه، فإذا ثنيت أعربت إعراب المثنى، وإذا جمعت جمع مذكر سالم أعربت إعراب جمع مذكر سالم، وإذا جمعت جمع تكثير أعربت بالحركات المعتادة وهو إعراب جمع تكثير، وإذا أفردت عن الإضافة أعربت أيضا بالحركات الأصلية، وإذا أضيفت إلى ياء المتكلم أعربت أيضا بالحركات الأصلية، ولكنها لا ترى بل تقدر بسبب أن ياء المتكلم تلزم كسر ما قبلها؛ فنقدر الحركات على الحرف السابق لياء المتكلم لمناسبة الكسرة للياء.
أظن أن هذا واضح، وممكن أن أسئل الآن سؤالا لاستحضار مدى ضبط هذه القضية.
ضبطها طويل، يأتي بجواب طويل على جزئية معينة
نعم أسأل عن نقطة معينة منها، فنقول: كيف تعرب الأسماء الستة في الحالتين التاليتين:
إذا كانت مجموعة جمع تكثير.
وإذا كانت مفردة؟ مع التمثيل لها.
نعيد ثانيا: الأسماء الستة عندما تكون جمع تكثير، أو تكون مفردة كيف يكون إعرابها؟ ما العلامة التي تعرب بها؟ مثل لذلك.
يقول: عن معنى هَنُ؟
سآتيه الآن: هَنُ الأصل فيه أن يكون كناية، عن إما عن شيء غير محدد مطلقًا؛ يعني أنت تريد أن تذكر شيئا ولكن لا تريد أن تحدده فتقول: هَنُ فلان، يعني الشيء الذي يخصه دون تحديد.
أو يكون للشيء المستقبح الذي تريد أن تتنزه عن الكلام به فتكني عنه بـ "هن" فهذا معنى هذه الكلمة؛ هي كلمة يؤتى بها للكناية إما عن شيء غير محدد وكأنك لا تريد أن تذكر الشيء بعينه، أو لاستقباح الشيء، فأنت تأتي بهذه الكلمة كناية عنه بدلا من أن تصرح بذلك الشيء القبيح. هذا هو معنى هذه الكلمة.
المصنف في متنه قال: الأسماء الستة وهي: "أبوه، وأخوه، وحموها، وهنوه، وفوه، وذو مال"(1/16)
كأن هناك سائلا يقول: كيف كلها أبوه وأخوه ينسبها إلا المذكر وهنوه وفوه ثم إذا جاء "حم" قال: "حموها" فما الحكمة في ذلك؟ الحكمة في ذلك أن العرب على أن الأصل في "الحمو" هم أقارب الزوجْ هذا الأصل، وإن كان العرب قد يطلقونه أحيانا على أقارب الزوجة، ولكنه في الأصل لأقارب الزوج؛ ولذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (الحمو الموت) هم أقاربه من غير المحارم يقصد الذي حذر منه في الحديث وإنما الحمو أيضا يطلق أيضا حتى من غير المحارم يقصد الذين حذر منهم في الحديث، ويطلق على المحارم من أقارب الزوج كأبيه هو حمو أيضا، فالأحماء جمع حَمْو هم أقارب الزوج، وقد يطلقون على أقارب الزوجة.
فهو عندما قال: "حموها" من باب الأكثر في الاستعمال، وهو أنه لأقارب الزوج.
تقول: بالضمة رفعا جاء أب وآباء، بالفتحة نصبا أكرمت أبا وآباء، والكسر جرا مررت بأب وبآباء
هي نعم في الحالتين إذا كانت مفردة أو كانت مجموعة جمع تكثير تعرب بحركات ظاهرة، وتعرب بالإعراب الأصلي وتخرج عن باب الأسماء الستة؛ لأنه لم يتحقق فيها شرطها.
تقول: الجملة الاسمية التي تدخل عليها الأفعال الناسخة مثل "كان" هل يطلق عليها جملة اسمية أو فعلية؟
ما دامت بدأت بـ"كان" فأصلها جملة اسمية، لأن كان ناسخ، والنواسخ ما تنسخ حكم المبتدأ والخبر، فهو أصله مبتدأ وخبر عندنا، ثم دخل عليها الناسخ فغير حكم المبتدأ والخبر، بعد أن كانا مرفوعين أصبح أحدهما مرفوعا والثاني منصوبا، لكن ما دام دخل الفعل الناسخ انتقلت الجملة من الاسمية إلى الفعلية حينذاك.
يقول: في قوله تعالى: ?كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ? لماذا نصبت "كلمة" ولم ترفع؟
هنا كلمة ممكن تعربها على التمييز، ويمكن أن تعربها على الحال، حالة كونها كلمة، ولكن الأظهر فيها التمييز.
هلا تفضلتم بطرح أسئلة هذه المحاضرة؟ .
السؤال الأول:
اذكر أنواع الإعراب، وصلتها بالأسماء والأفعال من حيث الاشتراك والاختصاص.(1/17)
والسؤال الثاني:
ما الأبواب التي تخرج فيها علامات الإعراب عن أصلها؟
---------------
أنا أختم الحقيقة حتى لا نعود إليه مرة ثانية في مسألة قد يسأل سائل ويقول: بعض النحويين يسميها باب الأسماء الخمسة، وبعضهم يسميهم باب الأسماء الستة، فلماذا؟ في أقل من دقيقة أقول: الأسماء الستة هذه الأسماء التي ذكرناها، ومن سماها الأسماء الخمسة لأن أكثر العرب لم يعربوا "هن" بإعراب الأسماء الستة، وإنما يعربونها بالحركات بدون واو في آخرها وبدون حرف معتل فيقولون: هذا هنُ فلانٍ، ورأيت هَنَهُ بحركات، هذا هو الأكثر والأفصح فيها، وإعرابها بإعراب الأسماء الستة هو القليل.
ولذلك من رأى هذا ووجد أنه قليل رأى إبعادها عن الأسماء الستة، وحكم عليها وقال: يكفينا الأسماء الخمسة بالذات للمبتدئين أو الدارسين من غير المختصين. ومن عداها ستة، لأنه تعرب في بعض الأحيان ولو بقلة بهذا الإعراب، فجمعها ليشمل الأبواب التي تعرب بإعرابها.(1/18)
لغة عربية - المستوى الرابع
الدرس السابع
المثنى والجمع وما ألحق بهم
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أسأل الله تعالى أن ينفع بما نقول وبما نتحدث وبما نستمع إليه، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن يجعل ذلك سُلما للوصول إلى مرضاته.
حديثنا في اللقاء السابق قد توقف عند الحديث عن العلامات الفرعية.
ومن باب التذكير بالشيء الإعراب له علامات "الرفع، والنصف، والجر، والجزم" هذه العلامات لها علامات أصلية عرفناها هي: الضمة للرفع، والفتحة للنصب، والكسرة للجر، والسكون للجزم. ثم هناك علامات تنوب عن هذه العلامات. تحدثنا عن الأسماء الستة، وبقيت بعد ذلك بقية.
وإذا كنت تريد أن تنظر في إجابة سؤالَيِ الحلقة الماضية فيما عندك فتفضل.
في الحلقة الماضية كان السؤال الأول: اذكر أنواع الإعراب، وصلتها بالأسماء والأفعال مِنْ حيثُ الاختصاصُ والاشتراكُ.
وكانت الإجابة: أنواع الإعراب أربعة: الرفع، والنصب، والجر، والجزم.
أما الرفع والنصب فتشترك فيهما الأسماء والأفعال، تقول: محمد يقوم، فمحمد مرفوع، ويقوم مرفوع، وتقول: إن محمدا لن يقومَ فمحمد منصوب، ويقوم منصب.
أما الجر فيختص بالأسماء فتقول: أكل الطفل بيده، فيد مجرورة بالباء.
وأما الجزم فيختص بالأفعال كما في قوله تعالى: ? لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ? فالأفعال يلد ويولد ويكن كلُّها مجزومة بِلَمِ الجازمة
إجابة كاملة.
السؤال الثاني: ما الأبواب التي تخرج فيها علامات الإعراب عن أصلها؟
وكانت الإجابة: سبعة أبواب، خمسة مع الأسماء، ونوعان مع الأفعال، وتأتي في المواد التالية:(1/1)
الأسماء الستة: "أب وأخ وحمو وذو وفو وهن" تعرب هذه الأسماء بالحروف نيابة عن الحركات فترفع بالواو نيابة عن الضمة، وتنصب بالألف نيابة عن الفتحة، وتجر بالياء نيابة عن الكسرة نحو: "هذا أبوك، ورأيت أباك، ونظرت إلى أبيك".
ويشترط في إعرابها أن تكون مفردة ومكبرة ومضافة إلى غير ياء المتكلم نحوُ: ? إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا ? [يوسف: 8]، ونحو ? وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ? [الإسراء: 26]، وإن كانت مصغرة، أو غير مضافة، أو مضافة إلى ياء المتكلم أعربت بالحركات الأصلية:
أولا: المصغر: نحو هذا أُبَيُّكَ ? إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا ? [يوسف: 78]، ? قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي? [الأعراف: 151].
ثانيا: المثنى: ويرفع بالألف نيابة عن الضمة، وينصب بالياء نيابة عن الفتحة، ويجر بالياء نيابة عن الكسرة نحو: هذان تلميذان، وقرأت قصتين، ومررت برجلين.
ثالثا: جمع المذكر السالم: ويرفع بالواو نيابة عن الضمة، وينصب عن الفتحة، ويجر بالياء نيابة عن الكسرة نحو: هؤلاء معلمون، ورأيت المعلمين، وكنت مع المعلمين.
رابعا: جمع المؤنث السالم: فينصب بالكسر نيابة عن الفتح نحو: رأيت المصلياتِ في المسجد كثيراتٍ.
خامسا: الاسم غير المنصرف: نحو: العلم المؤنث كفاطمة، والعلم المزيد في آخره ألف ونون كعثمان وغيرها من الأمثلة في هذا الباب.
سادسا: الفعل المضارع المعتل الآخر: سآخذها باختصار شيخ حتى لا نطيل.
سابعا: الأفعال الخمسة.
الإجابة صحيحة.
أنا سأبدأ بسؤال مختصر يتعلق بموضوعنا السابق، هذا السؤال سيكون ميدانا لإجابة الإخوة قبل البدء بموضوع اليوم، سواء كان عن طريق الاتصال الهاتفي أو عن طريق الكتابة.
والسؤال هو: بعض النحويين يسمي بابَ الأسماء الستة بابَ الأسماء الخمسة، فلماذا آثر هؤلاء هذه التسمية؟(1/2)
طبعا إجابة هذا السؤال سبق أن ذكرتها في آخر الحلقة السابقة، ولعل الإخوة أو بعضهم يتذكرون هذه الإجابة، ويشاركون فيها، من باب حث الإخوة على شحذ الهمة في البدء.
تقول: هل "أَبِهِ وأُمه" بالهاء فصيحة؟
أبيه أو أبوه أو أباه هذه من الأسماء الستة، وقد ورد في لغة من لغات العرب حذف الياء في معاملتها، مع اكتمال الشروط فيها بحذف الياء:
بِأَبِهِ اقتدى عليٌّ في الكرم *** ومن يشابه أَبَهُ فما ظلم
لكنها لغة تخالف كلام جمهور العرب، وأما "أم" فلا علاقة لها بباب الأسماء الستة، فهي بهذه الصيغة تعرب بالحركات.
الباب الثاني: من أبواب الإعراب بالعلامات الفرعية هو باب المثنى:
قال المصنف: ( المثنى كالزيدان) وذكر إعرابه وهو أنه ( يرفع بالألف ) ولم يذكر الياء في نصبه وجره؛ لأنه سيذكرها بعد قليل عند ذكره جمع المذكر السالم ولذلك قال: ( وجمع المذكر السالم كـ"الزيدون" فيرفع بالواو) ثم قال: ( ويجران ) يقصد المثنى وجمع المذكر السالم، ( وينصبان بالياء ) ثم ذكر ما يلحق به قال: ( كلا وكلتا مع الضمير كالمثنى، اثنان واثنتان مطلقًا وإن ركب، وأولو، وعشرون وأخواتها، وعالمون، وأهلون، ووابلون، وأرضون، وسنون وبابه، وبنون، وعليون، وشبهه كالجمع) فهو يتحدث في هذا الكلام عن المثنى وجمع المذكر السالم وما ألحق بهما. معنى ما ألحق بهما هنا بعض الكلمات لم تستوف شروط المثنى والجمع؛ ولذلك فإنها تعرب إعراب المثنى والجمع مع كونها ليست مثنى ولا جمعا.
نبدأ أولا في الحديث عن أصل المثنى والجمع.
الباب الثاني والثالث هذان البابان مما خرج عن الأصل.
نحن نعرف أن الإعراب بالحركات الأصلية إنما يكون بالحركات، وهذان البابان يعربان كالباب السابق وهو الأسماء الستة بالحروف؛ فرفعهما المثنى بالألف كقولك: الرجلان كريمان، والجمع بالواو كقولك: المسلمون عدول، فالمسلمون هذه مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الواو، والرجلان في المثال الأول مبتدأ أيضا لأنه مثنى.(1/3)
وأما في النصب والجر فهما يشتركان بعلامة فرعية فيهما وهي الياء؛ فينصبان بالياء بدل الفتحة، ويجران بالياء بدل الكسرة.
ونونا المثنى والجمع من باب الفائدة تختلفان، وهما تميزان هذين النوعين من الأسماء، فنون المثنى دائمةُ الكسر، وأما نون الجمع فدائمةُ الفتح، فتقول: المسلمونَ فتفتح، وتقول: المسلمانِ فتكسر، سواء كانت مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة فهي في الحالات الثلاث مفتوحة إن كان جمع مذكر سالما كـ"المسلمونَ والمسلمينَ" ومكسورة إن كانت مثنى "الرجلانِ والرجلينِ" في الحالين.
بقي ما يتعلق بالمحمول على المثنى والمحمول على جمع المذكر السالم.
ذكر المصنف من المحمول على المثنى "كلا وكلتا"، قد يقول قائل: لماذا قيل المحمول؟ أولا: هو يعرب إعراب المثنى، جاء الرجلان كلاهما، كلاهما هذه توكيد معنوي مرفوع وعلامة رفعه الألف؛ لأنه ملحق بالمثنى. رأيت الرجلين كليهما أيضا توكيد معنوي للرجلين منصوب وعلامة نصبه الياء؛ لأنه ملحق بالمثنى أو محمول على المثنى. وسلمت على الرجلين كليهما أيضا توكيد معنوي للرجلين مجرور وعلامة جره الياء؛ لأنه ملحق بالمثنى.
قد يسأل سائل: لماذا ألحق بالمثنى، ولم يكن مثنى؟
الجواب: المثنى هو ما كان له مفرد من لفظه، فبدل أن نذكر المفرد مرتين فنقول: رجل ورجل نقول: رجلان، فهذا أغنى عن عطف المفردين، وأما كلاهما فإنه ليس له مفرد من لفظه، فليس عندنا كلمة مفردة لـ"كِلا" بدل أن ننطقها بالعطف هي ونعطف عليها مثلها نقول: كلاهما لا مفرد له من لفظه، لكنه يدل على اثنين ولذلك فهو ملحق بالمثنى.
اشترطوا في هذا الملحق بالمثنى أن يكون مضافا إلى الضمير، ولذلك المصنف يقول: (وكلا وكلتا مع الضمير كالمثنى).(1/4)
لَم يكونا مثنيين -كما قلت لكم- لأنهما ليس لهما مفرد من لفظهما، (مع الضمير كالمثنى) أي يعربان بإعراب المثنى فيرفعان بالألف وينصبان ويجران بالياء: جاء رجلان كلاهما، ورأيت الرجلين كليهما، وسلمت على الرجلين كليهما، وتقول: جاءت المرأتان كلتاهما، ورأيتهما كلتيهما، وسلمت عليهما كلتيهما، فهي تعرب كالمثنى رفعا بالألف ونصبا وجرا بالياء، وعرفنا لماذا لم يقل إنهما مثنى وإنما قيل هما ملحقتان والسبب أنهما لا مفرد لهما من لفظهما.
لاحظوا أمرا؛ وهو أنه لم ننطق كلا وكلتا إلا ومعهما ضمير "كلاهما، وكلتاهما" وهذا يدل على أنه لا بد من أن تضافا إلى ضمير، فمجيئهما مجردين من الإضافة لا يصح، فلا تقل: كلا وتسكت، ولا كلتا وتسكت، بل لا بد من الإضافة، لكن إن كانت الإضافة إلى ضمير صار الإعراب بهذا المثابة التي ذكرتها منذ قليل، تعربان إعراب المثنى، وإن أضيفتا إلى الاسم الظاهر فهما اسمان مقصوران، تقول: جاء كلا الرجلين، فكلا فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، فهو اسم مقصور. ورأيت كلا الرجلين، ومررت بكلا الرجلين، ولم تتغير ولزمت الألف في الآخر، وأعربت بحركات مقدرة على هذه الألف يمنع من ظهورها تعذر إظهار الحركة على الألف؛ لأن الألف لا تتحرك.
إذن هذان الاسمان -كلا وكلتا- لا يعربان إعراب المثنى حتى يضافا إلى الضمير، فإن أضيفا -كما قلنا- إلى الظاهري أعربا إعراب الاسم المقصور بحركات مقدرة للتعذر.
تقول: أنا أريد كتبا لتأسيس فهم النحو؛ لأني أجد صعوبة ولا أستطيع الفهم الجيد في الدراسة، فهل هناك مناهج أو كتب لتأسيس مناهج الدراسة؟
مسألة الكتب لتعليم اللغة العربية الأفضل للإنسان أن يتعلمها دراسة على أحد؛ لأن اللغة -كما تعلمون- لغة تطبيق وممارسة، ومحادثة، فهي ليست مما يدرس عن طريق قراءة في الكتب، إلا إذا لم يكن للإنسان من يعلمه، ومن يدرس عليه.(1/5)
ومسألة الدراسة متاحة في المدارس من فضل الله، ولكن لو افترضنا أن الإنسان يقول: أنا لا تتاح لي الدراسة على من يعلمني فأنا أكثر ما أوصي به -وقد يستغرب بعض الإخوة هذا الأمر- الكتبُ المنهجية، أقصد الكتب الدراسية، حتى لو كان الإنسان في المرحلة الجامعية، يأخذ كتاب الأولى متوسط، والثانية متوسط، والثالثة متوسط في النحو والصرف، فيبدأ بهذه الكتب المنهجية. أقول هذا لمن لم يكن له من يدرّس له، بأن يشرح له كتابا معينا من المختصرات النحوية ويوضح ويكون هناك طريقة المدارسة فيه إذا كان الإنسان يدرس على نفسه أو يريد أن يقوي نفسه فهذه الكتب المنهجية تجنح للبدء بالأمثلة، ثم الشرح، ثم القاعدة، ثم التطبيق.
يقرأ الإنسان الأمثلة، ثم يقرأ شرحها بتمعن وفهم، ثم يأخذ القاعدة، ثم بعد ذلك يبدأ بالتطبيق، بعض هذا التطبيق محلول، وينظر إلى نفسه فإن استطاع أن يجيب على التطبيق إجابة صحيحة فهو حينذاك قد فهم الموضوع وينتقل الموضوع التالي، فإن أحس أن بعض الأسئلة لم يستطع الإجابة عليها فعليه أن يرجع مرة أخرى، فإنه لم يقرأ الشرح قراءة المتفهم، فيقرأه مرة أخرى، وهو بهذا سيستطيع الإجابة على الأسئلة، وهكذا ينتقل من باب إلى باب، ومن مرحلة إلى مرحلة، وبهذه الطريقة يكون نفسه قدر الإمكان.
الأمر الثاني: يتعلق أن يصطفي الإنسان من أصحابه أو أقاربه من يتحادث معه، ويطبق معه هذه القواعد، فالأحسن للإنسان أن يتفق مع من يحب أو يقدر أو من يصاحب سواء كان زميل دراسة أو زميل وظيفة أو قريبا أو أخا بأن يقول: نبقى هذه الدقائق العشر مع بعضنا لا نتحدث إلا بِلُغَةٍ فصيحة، وإن لحنت فصوبني، وإن لحنت أنت فسأقومك أنا أيضا بقدر ما نستطيع، فقد تكون مقدرتي ليست بذاك وأنت كذلك، لكن ما أفهمه أوضحه لك وما تفهمه أنت توضحه لي.
بهذه الطريقة على الأقل ممارسة اللغة، وكسر حاجز الحديث باللغة الفصيحة هذا يعتبر مكسبا كبيرا للإنسان، وأحد مراحل تعلم اللغة.(1/6)
يتصور أغلب الناس أن في ذلك ثقلا وتكلفا في الحديث باللغة العربية الفصحى، وضخامة الصوت يتصورون أن له علاقةً بالحديث باللغة العربية الفصيحة
الثقل جاء من حيث إن اللغة غير منطوقة، فالإنسان يتكلم للأسف في بيته ومع زملائه وفي عمله وفي دراسته بالعامية، بل إن بعض الأساتذة في مراحل التعليم المختلفة يشرح بلغة عامية، وتزاد المصيبة عندما يكون أستاذا للغة العربية ويشرح بالعامية، فكأنه ينفر منها ولا يدعو إليها، وينفر بفعله عما يقول لسانه، ولكن مع ذلك على الإنسان أن يبني نفسه، ولا يقول الإنسان كما قالت الأخت أنها أسست تأسيسا ضعيفا، إذا كنت قد أسست تأسيسا ضعيفا فينبغي أن أقوي نفسي، وإذا كان مَن حولي ضعفاء فينبغي أن أكون أنا قويا، وإذا كانت البيئة التي أنا فيها لم تساعدني على أن أكون متميزا في اللغة العربية فعلي أن أبني نفسي؛ لأن طموحي أكبر من أن أجاري غيري، ولا أخضع لهذا، ولا أقول: إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت، ولكني أقول: إني أسعى لانتشال نفسي من بين هؤلاء، وأن أكون متميزا في الأمر.
وأسأل الله -سبحانه وتعالى- للأخت ولغيرها التوفيق.
يقول: عندي سؤال خارج درس اليوم.
أولا: في التعجب، يقول البصريون في صيغة "أفعل به" أن لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر، يعقب على هذا الكلام الفراء والزجّاج والزمخشري بقولهم: "لفظه ومعناه الأمر" كذلك الشيخ خالد الأزهري في شرح التصريح يقول: وضعف مذهب البصريين في "أفعل به". وقال: إن استعمالها استعمال الأمر بصيغة الماضي قليل ولم يعهد، والمعهود عكسه، وقال: استعمال أفعل بمعنى صار وهو قليل. فأين الصواب؟ ما الصواب في صيغة أفعل؟
إذا كان ضُعِّفَ مذهبُ البصريين، وكذلك على مذهب الفراء والزجاج، ومن المتأخرين الزمخشري وغيره، وكذلك ضعف مذهب البصريين عند الشيخ خالد الأزهري فما توجيهكم في هذه المسألة؟(1/7)
التعجب له صيغتان: ما أفعله، وأفعل به، وهما فعلان يقدر لهما فاعل. صيغة ما أفعله أفعل الماضي، وصيغة أفعل به صيغة الأمر، ولكن المقصود منهما معا هو التعجب، فهو إخبار بالشيء أو تعجب من الشيء.
من قال: المقصود أن الأمر صيغة أفعل به الأمر ومعناها الخبر هو يقصد أنها لا تدل على الأمر، ومن قال: إن صيغتها ومعناها الأمر هو يقصد أن صيغتها هو صيغة الأمر "أَفْعِلْ" ومعناها معنى الإنشاءِ وليس الخبر، بمعنى أن التعجب هو أحد أنواع الإنشاء على القول الصحيح، ومن ثم هو ليس بخبر ولكنه نوع من أنواع الإنشاء، والإنشاء يعد من الطلب، والطلب والأمر أيضا من أنواع الطلب.
هنا يأتي الجمع بين القولين على أن القول بأن صيغة أفعل به هي صيغة أمر في الصورة وهي صيغة تعجب في هذه هي أوجه الجمع بين الأمرين، فلا يقال: إنها صيغة خبر؛ لأن التعجب في الحقيقة ليس بخبر، ولكنه إحداث فعل، ولكنه في الوقت نفسه أيضا ليس بأمر، كما يقال: إنه بصيغته ومعناه الأمر.
فجمع بين الأمرين أَوْلَى أن يقال: صيغته صيغة الأمر ومعناه التعجب، والتعجب نوع من الإنشاء الطلبي وإن لم يكن أمرا، ولم يكن طلبا صريحا، وفيها جمع بين القولين؛ ولذلك لا ينعى على من قال هذا ومن قال هذا، لكن الأصوب الجمع بينهما بهذه الصورة.
تقول: بالنسبة لما طَرَحْتَ من سؤال أريد أن أجيب عليه: الأسماء الخمسة؛ لأن أكثر النحاة لا يعربون "هن" من الأسماء الستة، ويعربونها بالحركات؟
هي الأخت أجابت على السؤال الذي سألته في مطلع اللقاء فقلت: لماذا يكثر عند الكثير من النحويين تسمية باب الأسماء الستة بباب الأسماء الخمسة؟(1/8)
والجواب: لأن أكثر العرب لا يستعملون "هن" في إعرابها بالعلامة الفرعية وإنما يستعملون العلامة الأصلية؛ فيرفعها بالضمة، وينصبه بالفتحة، ويجرها بالكسرة. هذا عند أكثر العرب، واستعمالها استعمال الأسماء الستة قليل، ومن هنا ولهذه القلة استبعدها بعضهم من الأسماء الستة، وعدها خمسة فقط، ومن عدها من الأسماء الستة ذكرها سادسة لها.
قلت منذ قليل: هناك كلمات حملت أو ألحقت بالمثنى، وذكرت منها "كلا وكلتا" واشتراط النحويين أن تكونا مضافتين إلى الضمير، ولكن إذا أضيفتا إلى الظاهر فإنهما تعربان إعراب الاسم المقصور وتلزمها الألف "كلا الرجلين"، وإن أضيفتا إلى الضمير استعملت استعمال المثنى، وعرفنا لماذا لم تكن مثنى وإنما كانت محمولة على المثنى وإن أعربت بإعرابه وهو أنه ليس لها مفرد من لفظها، فليس لكلا وكلتا مفرد من لفظهما.
أيضا مما حملوا على المثنى في إعرابه لفظتا "اثنان واثنتان" اثنان للمذكر، واثنتان للمؤنث، وهذان من أسماء العدد ليس لهما مفرد من لفظها لهما مفرد من غير لفظهما وهو واحد وواحدة، لكن لا يعد مفردا لهما؛ لأن المفرد يكون من لفظ المثنى، فتقول: رجل وتثنّيه رجلان بزيادة ألف ونون أو ياء ونون عليه، ولكن اثنان أو اثنتان ليس هناك اثن أو اثنة، ولذلك لما لم يكن لهما مفرد قيل إنهما محمولتان على المثنى وليستا مثنى؛ لأنهما ليس لهما واحد من لفظهما، وهما محمولتان على المثنى لأنهما تعربان بإعرابه بلا شرط، أما في كلا فيشترط إضافتها إلى الضمير، اثنان واثنتان تعربان بإعراب المثنى بلا شرط فتقول: جاء رجلان اثنان، ورأيت رجلين اثنين، سلمت على رجلين اثنين، فتعربان إعراب المثنى بلا اشتراط شرط.(1/9)
جمع المذكر السالم علامته الفرعية: الواو في الرفع، والياء في النصب والجر، وكما حملت بعض الألفاظ على المثنى حملت أيضا بعض الألفاظ على الجمع وذلك أيضا لاختلال شرط من شروط الجمع، فابن هشام الأنصاري -رحمه الله- في المتن هنا ذكر بعض الألفاظ المحمولة فقال: (أولو، وعشرون) أولو بمعنى أصحاب، لكن كما ترون أيضا ليس لها مفرد من لفظها، فأصحاب جمع تكثير له مفرد صاحب، ولكن "أولو" ليس لها مفرد من لفظها بل لها مفرد من معناها وهو صاحب؛ ولذلك فهي ملحقة بجمع المذكر السالم تعرب بإعرابه، ولكنها ليست منه، فترفع بالواو مثل: ? وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى ? [النور: 22] يأتل بمعنى يحلف، أولو فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو؛ لأنه ملحق أو محمول على جمع مذكر السالم، ?أَنْ يُؤْتُوا أُولِي ? فـ"أولي" مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه ملحق بجمع مذكر السالم، وعرفنا لماذا ألحق بجمع المذكر السالم. ? إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُولِي الألْبَابِ? [الزمر: 21] أيضا "أولي" هنا مجرورة وعلامة جرها الياء؛ لأنها ملحقة بجمع المذكر السالم.
أسأل سؤالا آخر من باب تحريك الجو.
في قولنا: "اثنان واثنتان" سواء أفرد نحو: جاء اثنان، أو جاءت اثنتان، أو أضيف نحو: جاء اثنا عشر، أو جاءت اثنتا عشرة بلا شرط -هناك في كلا وكلتا اشترطنا الإضافة وفي اثنين واثنتين ما اشترطناها سواء أضيفت أو أفردت- لماذا حذفت النون في قولنا: جاء اثنا عشر وجاءت اثنتا عشرة مع أن نون المثنى تثبت وتكسر، فنحن نقول: اثنان ثم نقول: اثنا عشر فحذفنا هذه النون؟
وأسأل سؤالا آخر أيضا معه بحيث من لم يعرف هذا يعرف، ومن جمع بينهما فهذا خير على خير. في قول الله تعالى: ? وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى ? أيضا نريد إعرابا مختصرا وسريعا يدل على الفهم في هذه الآية.(1/10)
تقول: تسأل عن "أَبَهْ" بفتح الألف والباء وسكون الهاء، وكذلك "أُمَهْ" بضم الألف وفتح الباء وسكون الهاء هل هما صحيحتان؟
هي تقصد في النداء "يا أَبَهْ، يا أُمَّهْ" أصلها يا أبي ويا أمي فهذه في باب النداء نعم تستعمل بهذه الطريقة، فيقال: يا أَبَهْ يا أُمَّهْ وهي فصيحة وفيها نوع من التلطف والتحبب، فتقول: يا أبه ويا أمه نعم، لكنها ليست من باب الأسماء الستة؛ لأنها يشترط فيها أن تكون مضافة إلى غير ياء المتكلم، وهذه "أبه وأمه" هي أصلها مضافة إلى ياء المتكلم، وحذفت تخفيفا؛ لأن أصلها يا أبي ويا أمي، والهاء هنا للسكت والوقف.
يقول: عندي اقتراحان وبعض الأسئلة.
الاقتراح الأول: هذه المادة أرى أن تشرح لنا على السبورة لنثبت المعلومة عندنا أكثر، لولا أن أسلوبك الشيق واستخدامك لأساليب الأسئلة ما استطعنا أن ننتبه بسبب طبيعة المادة، هذا الاقتراح الأول.
الاقتراح الثاني: استقبال أسئلة عن طريق رسائل الجوال يعطي فرصة أكثر للطلاب من البريد الالكتروني.
أما الأسئلة:
السؤال الأول: لنا زميل يدرس اللغة العربية عنده سؤال وجده في المنهج هو:
مَثِّل: نوع خضار يبدأ بحرف اللام إلى الآن لم نجد إجابة لهذا السؤال.
السؤال الثاني: نريد إعراب شبه الجملة
وإذا كان النفوس كبارا *** تعبت في مرادها الأجسام
"في مرادها" هل لها محل من الإعراب؟
الخضار مثل ليمون، لفت.
"في مرادها" هذه هي جار ومجرور؛ في حرف ومراد اسم مجرور، وهي مضافة والهاء مضاف إليه.
اقتراح جيد في الأمرين؛ سواء فيما يتعلق بالشرح أرجو أن يتهيأ ويكون هناك من الظروف المحيطة والمساعدة ما يعين على الكتابة وأنا أحب أيضا هذا.
الأمر الثاني: مسألة استقبال الأسئلة عن طريق رسائل الجوال قد تكون متاحة لبعض الإخوة أكثر من إتاحة وسيلة البريد الالكتروني؛ لأن ليس كل إنسان يتاح له الدخول على الشبكة والتواصل معنا.
تقول: حذفت "النون" لأنها ركبت وأضيفت.(1/11)
كذلك الأخت تقول: لأنهما مضافتان.
وكذلك الأخ يقول: حذفت النون للإضافة
نعم هذا ما يتعلق بحذف النون، والإعراب هل أعرب أحد "ولا يأتل أولو الفضل"؟
على كل حال حذف النون نعم لأجل الإضافة، وابن مالك يقول:
نُونًا تلي الإعراب أو تنوينَا *** مما تضيف احذف كطور سين
فنون المثنى ونون الجمع إذا أضيفتا حذفتا، فتقول في "رجلان": رجلا القبيلة، فتحذف النون منها، وتقول في "مسلمون" أو "مصلون": مُصَلُّو المسجد فتحذف، فالنون عند إضافة جمع المذكر السالم أو المثنى تحذف، أنا أردت التذكير بهذا الأمر، وسيأتي له مزيد تفصيل في باب الإضافة -إن شاء الله- إن كان هناك في العمر بقية.
نواصل فيما يتعلق بما حمل على جمع المذكر السالم "عشرون وأخواتها من ألفاظ العقود" هي أيضا مما ذكرها المصنف وغيره من أنها مما حمل على جمع المذكر السالم.
والسبب أيضا في كونها ليست جمعا أنها ليس لها مفرد من لفظها؛ لأن عشرة ليست مفرد "عشرون" لأن "عِشرون" مكسورة العين ونحن نعرف أن نجمع المذكر السالم ينبغي أن يسلم فيه المفرد، وهذه "عَشَرَة" العين مفتوحة بينما عين "عِشرون" مكسورة فليست هذه مفردا سالما في جمع "عشرون" وذلك ليس لها مفرد من لفظها، بل لها مفرد من معناها، ومن هنا نقول: إنها ملحقة بجمع المذكر السالم هي وبابها، وأعني ببابها ألفاظَ العقود إلى التسعين -ثلاثون وأربعون وخمسون- وليست ثلاثة وأربعة وخمسة مفردات لها؛ لأن عشرون ليست جمعا لعشرة، ولا ثلاثون ليست جمعا لثلاثة ولا تسعون جمع لتسعة؛ ولذلك فهي ملحقة بجمع المذكر السالم؛ لأنه ليس لها مفرد من لفظها، لكنها تعرب بإعرابه فترفع بالواو وتنصب وتجر بالياء.(1/12)
"أهلون" أيضا مما حمل على جمع المذكر السالم. قد يقول قائل: "أهلون" لها مفرد وهو أهل نقول: صحيح لكنها اختل فيها شرط وهو: أن يكون ما جمع عليه إما علما أو صفة، شرط في مجموع جمع المذكر السالم أن يكون بالواو والنون رفعا وباليا والنون نصبا وجرا أن يكون علما أو صفة، فإن لم يكون علما أو صفة فإنه لا يجمع على هذا الجمع، إلا أنهم وجدوا أن بعض الألفاظ ليست علما ولا صفة ومع ذلك يعرب بذلك الإعراب، فقالوا: إذن هو محمول على الجمع وليس بجمع، ومنه "أهلون" هذه، والله -سبحانه وتعالى- يقول على لسان المنافقين: ?شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا? فهي معطوفة على الفاعل مرفوعة، وعلامة رفعها الواو؛ لأنها ملحقة بجمع المذكر السالم؛ لكون "أهل" هذه ليست علما ولا صفة، وإنما هي اسم لشيء لا يدخل في الأعلام ولا في الصفات، ويقول سبحانه وتعالى: ? مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ? "أهليكم" هنا مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، ويقول سبحانه: ?إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا? فهو مجرور بـ "إلى" وعلامة جره الياء؛ لأنه أيضا ملحق بجمع المذكر السالم.
أيضا من الملحقات "وابلون" مفردها نعم وابل، ولكنها اسم ليس بعلم ولا صفة، وهو المطر الغزير، فهو اسم للمطر وليس صفة له، ولذلك فهو ملحق بجمع المذكر السالم يرفع أيضا بالواو وينصب ويجر بالياء.
أيضا من الملحقات "أرَضون" جمع أرض، وأرض كما نعلم هذه ليست علما ولا صفة، وإنما هي اسم، وشرط جمع المذكر السالم أن يكون مفرده علما أو صفة فهذه أيضا ملحقة بجمع المذكر السالم تعرب بإعرابه.
من الملحقات بجمع المذكر السالم "باب سنين".
تقول: ما الفرق بين الاسم والعلم؟(1/13)
العلم: هو ما سمي به شيء يميزه بين أقرانه. أنت تسمي فلانا بعبد الله وفلانا بأحمد وفلانا بمحمد لتميزه من أقرانه وأمثاله من ذكور بني آدم، فيتميز من بينهم، فهذا علم له. تسمي هذا البلد باسم الرياض وتسميه مكة لتميزه من بقية البلدان، وتسمي الحيوان بأسماء لتميزه من أفراد جنسه.
فالعلم: ما سمي به الشيء ليميزه عن بقية أفراد جنسه.
أما الاسم مثل قولك: "رجل" هذا يشمل فهو اسم ليس بعلم؛ أي يشمل جميع أفراد الجنس. هذا الفرق بينهما.
وأما الصفة فعندما تقول: "مسلمون" هذا مسلم ليس علما، ولكنه صفة.
فينبغي لما جُمع جَمع المذكر السالم أن يكون مفرده علما كقولك: محمدون، أو يكون صفة كقولك: عالمون ومسلمون.
تقول: حذفت النون للإضافة في قوله تعالى: ?وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ? "يأتل" فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة. "أولوا" فاعل مرفوع بالواو. "الفضل" مضاف إليه مجرور. "منكم" شبه جملة حال. "أن يؤتوا" "يؤتوا" فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة. "أولي" مفعول به منصوب بالياء
سبب رفعه بالواو أولا ونصبه بالياء ثانيا أنه ملحق بجمع المذكر السالم.
مما يلحق أيضا بجمع المذكر السالم ما يسمونه "باب سنين" فعندما نجمع اسما ثلاثيا ويحذف حرفه الأخير الأصلي الثالث –لام الكلمة- ويعوض عنها بتاء التأنيث، ولم يجمع جمع تكثير مثل: "سنة" هذه هي أصلها "سَنَوٌ" لأنك تجمعها فتقول: "سنوات" فأصلها فيها واو، حذفت واوها التي هي لام الكلمة، وعوض عنها بالتاء، ولم تجمع جمع تكثير، فجمعت على صيغة جمع المذكر السالم فقيل: "سنون" و"سنين" طبعا هذه ليست علما وليست صفة، ولكن محمولة على جمع المذكر السالم.(1/14)
ومثلها كل ما كان كذلك كـ"عضين" جمع "عِضَة" وهي الكذب، هذه أيضا ملحقة؛ لأنها حذفت الحرف الأصلي الثالث لامها، وعُوِّض عنها بتاء التأنيث. "عِزِين" جمع "عِزَة" وهي: الفِرْقَةُ: ? عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ? أي فِرَق متحزبة. "ثبين" و"ثيبون" وهي أيضا جَمَاعة، وتجمع أيضا بجمع المؤنث السالم فتقول: "ثبات". فهي عبارة عن كلمات معتلة اللام معتلة الحرف الثالث الأصلي، يحذف هذا الحرف ويعوض عنه بتاء التأنيث، فحينئذ يكون هذا الباب ملحقا بجمع المذكر السالم ويعرب بإعرابه، ولم يكن من الجمع؛ لأنه مفرده ليس علما ولا صفة.
كذلك "بنون" فهو أيضا ملحق بجمع المذكر السالم، يعرب بإعرابه، ولم يكن جمعا مذكرا سالما؛ لأنه ليس علما ولا صفة.
أيضا عندما تسمي شخصا بـ "زيدون" و"عِلِّيون" وهو اسم لأعلى الجنة، هذا علم مستوفي الشرط، ولكن حقيقته ليس بجمع، ولكنه ملحق بجمع المذكر السالم، وليس جمعا مذكرا سالما؛ لأنه مفرد، ولذلك يعرب بإعرابه وإن لم يكن منه، والله -سبحانه وتعالى- يقول: ? كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا علِّيُّونَ? ففي حالة الجر بفي جاء مجرورا بالياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وفي حالة الرفع رفع بالواو.
أسأل سؤالا أيضا من باب التأكد من متابعة الإخوة لهذا الأمر.
لماذا قيل إن هذه الأسماء في ما سبق ملحقة أو محمولة على المثنى والجمع وليست مثنى ولا جمعا؟
يعني ما الأمور التي منعتها أن تكون مثنيات أو جموعا، مع أنها تعرب بإعراب المثنى بالحروف والجمع المذكر السالم؟(1/15)
سؤال يقول: قال الله تعالى: ?إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ? [البقرة: 62]، وقال تعالى: ? إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ? [المائدة: 69] نرجوا إعراب "الصابئون، والصابئين" في سورة البقرة وفي سورة المائدة.
طبعا الحالة هذه تحتاج لمزيد تفصيل؛ لأن لها حكمةً بلاغيةً. سأذكر الإعراب النحوي في حالة "والصابئين" فهي معطوف على المنصوب –اسم إن- فهي منصوبة مثله وعلامة النصب الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم، وهذه لا إشكال فيها.
أما في "والصابئون" مع أنها معطوفة أيضا في الظاهر على المنصوب، فهذه على الاستئناف، فلم يُسْتَوْفَ خبرُ إِنَّ بعد ومع ذلك عطف على جملة إن مع اسمها وخبرها قبل استكمال خبرها، يعني إن الذين آمنوا حكمهم كذا، ثم الصابئون أيضا كذلك، فهي مبتدأ وعطفت جملة على جملة.
طبعا هذا له حكمة بلاغية وهي: أن الصابئين ليسوا من أهل الكتاب، فكأنهم يأتون في مرحلة بعد مرحلة أهل الكتاب، حتى وإن ذكرت اللفظة في الصيغة هنا مقدمة لكن رفعها دليل على أنها مستأنفة أو معطوفة على جملة إن واسمها وخبرها، والجملة ابتدائية، والابتدائية حكمها الرفع، فهي عطف جملة على جملة لكن قبل استيفاء خبر إن.
الباب الرابع من أبواب نيابة العلامات الفرعية هو: ما جُمِع بألف وتاء مزيدتين، بهذا سماه ابن هشام رحمه الله تعالى، وقال: ينصب بالكسرة ومثل بـ ? خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ ? و? أَصْطَفَى الْبَنَاتِ ? فعندما نقول: ? خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ ? السماوات مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة.(1/16)
ما جمع بألف وتاء مزيدتين يعرب كبقية الأسماء بالعلامات الأصلية في حالة الرفع والجر، تقول: هذه سماوات عظيمة، خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة كغيره، ونظرت إلى السماوات فهي مجرورة وعلامة جرها الكسرة، لكن في النصب تقول: شاهدت السماواتِ فتنصبها بالكسرة، وهنا تأتي النيابة، وإنما ذكرت هنا؛ لأنها في حالة النصب تخالف بقية الأسماء فتنصب بالكسرة مثل الجر ولا تنصب بالفتحة كبقية الأسماء، فتقول جاءت الهنداتُ، ومررت بالهنداتِ بلا اختلاف، تقول: رأيت الهنداتِ فتنصبها بالكسرة، هذا سبب ذكرها في أبواب النيابة والأبواب التي خرجت عن الأصل وهو النصب بالكسرة.
عندما نأتي إلى الذي يعرب بهذا الإعراب سيتبين لماذا قال المصنف: ما جمع بألف وتاء مزيدتين.
طبعا هذا الجمع يجمع عليه ما كان مؤنثا في المعنى تقول في هند: هندات، وما كان مؤنثا في اللفظ كقولك في حمزة وطلحة: حمزات وطلحات، مع أنهما مذكران اسما رجلين، ومع ذلك لكونهما فيهما تاء التأنيث جمعا هذا الجمع، وما جَمَع بينهما فهو مؤنث في اللفظ والمعنى كفاطمة فيها تاء التأنيث وهي اسم لمؤنث، فتقول: فاطمات، فسواء كان تأنيثه خاصا بالمعنى أو باللفظ أو بهما معا، فإنه يجمع على هذا الجمع.
أيضا قد تكون علامة التأنيث غيرَ التاء، فقد تكون الألف إذا كانت مقصورة كحبلى تجمع على حبليات، أو ممدودة كصحراء تجمع على صحراوات، فهذه مؤنثة لكن علامة التأنيث فيها الألف المقصورة أو الممدودة.
وقد يجمع عليها ما ليس مؤنثا أصلا لا بعلامة تأنيث، ولا بمعنى، ولا بغير ذلك كقولهم: حمام حمامات، وفي سرادق سرادقات، وفي مخيم مخيمات، مع أنها أسماء لمذكر.
إذن هذا الجمع قد يجمع عليه المؤنث في لفظه، وقد يجمع عليه المؤنث في معناه، وقد يجمع عليه المؤنث في لفظه ومعناه، وقد يجمع عليه ما ليس مؤنثا أصلا كما مثلت، وإن كان أقلَ، والأكثرُ فيه أن يجمع عليها ما كان مؤنثا.(1/17)
ثم إنك تقول في ضخمة: ضخمات، فحينئذ كلمة ضخمة مؤنثة جمعت وقد سلم المفرد، لكن تقول في سجدة: سجَدات فتحرك الجيم، ولك أن تقول: سجدات، لكن يصح أيضا أن تقول: سجَدات فتحرك الجيم فلم يسلم المفرد.
إذن قولنا: "جمع مؤنث سالم" فيه نظر؛ لأنه قد يجمع عليه ما ليس مؤنثا، وربما لا يسلم المفرد فلا يكون سالما، تقول: في حبلى: حبليات فألفه تغيرت إلى ياء، تقول في صحراء: صحراوات فهمزته تغيرت إلى واو فلم يسلم فيه المفرد، ونحن نعرف أن جمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم إنما سميا سالمين لسلامة المفرد فيهما من التغيير سواء في حركاتها أو في حروفها. فمن لَحظ هذا الملحظ قال: ما جمع بألف وتاء مزيدتين ليشمل المؤنث وغير المؤنث وما سلم مفرده وما لم يسلم.
تقول: هل هناك فرق في التسمية بين قولنا: جمع مؤنث سالم، وبين قولنا: ما جمع بألف وتاء مزيدتين؟
من قال بألف وتاء مزيدتين أراد الدقة والضبط، وهو أوسع وهو أدق؛ لأنه قد يجمع على هذا الجمع ما ليس مؤنثا وربما لا يسلم فيه المفرد، فتسميته "ما جمع بألف وتاء مزيدتين" هي الأسماء المنضبطة الصحيحة، لكن من قال: جمع المؤنث سالم لا نخطئه؛ لأن أكثر ما يجمع عليه ما كان مؤنثا، وأكثر مفرداته تسلم، فالحكم بالأكثر أيضا له وجهه، فمن سماه جمع مؤنث سالم أيضا يكون حينئذ قد أصاب.
سؤال: لماذا لم يَقُلْ من أراد الضبط: ما جمع بألف وتاء فقط، بدون مزيدتين؟(1/18)
والجواب: أنه يشترط في هذا النوع حتى يعرب بهذا الإعراب أن تكون الألف والتاء زائدتين على الاسم المفرد، بمعنى ليس من أصل المفرد الألف ولا التاء، فلو قلت: "أبيات" أبيات جمع بيت، ولو وزناها صرفيا لمن يعرف الصرف نقول: وزنها أفعال، كالتاء لام الكلمة، هي الحرف الأصلي الثالث في الكلمة، الألف زائدة ولكن التاء ليست زائدة. وفي قولنا: أموات جمع ميت، فالألف زائدة ولكن تاء أصلية. والله -سبحانه وتعالى- يقول: ? وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا ? لاحظ أن "أمواتا" هنا نصبت، ونحن نعرف أن جمع المؤنث السالم أو ما جمع بألف وتاء مزيدتين ينصب وعلامة نصبه الكسرة ولكنها نصبت بالفتحة والسبب في ذلك أن التاء أصلية، فليس من جمع المؤنث السالم وإنما من جمع التكثير ،فهو خارج الباب فينصب كغيره من الأسماء بالفتحة ولا ينصب بالكسرة.
هذا عندما تكون التاء أصلية، وقد تكون الألف أصلية كقولك: قضاء، غزاة؛ لأنه من قضى يقضي، فأصله فُعَلَةٌ قُضَيَةٌ، فالألف هنا أصلية والتاء زائدة، ونحن نشترط في الجمع أن تكون الألف والتاء زائدتين، وحينئذ أيضا يعامل معاملة جمع التكثير فينصب بالفتحة ولا ينصب بالكسرة.
إذن ينبغي أن تكون الألف والتاء مزيدتين، وذلك دقة في كلام المصنف هنا فما قال: ما جمع بألف وتاء وسكت، بل قال: مزيدتين حتى يخرج ما كانت الألف فيه أصلية كقضاة وما كانت التاء فيه أصلية كأبيات وأموات؛ لأن هذه تسمى جموع تكثير، ولا تسمى جموع مؤنث سالم، ولا جموعا بألف وتاء مزيدتين، ولا تعرب بهذا الأعراب.
تقول الأخت الكريمة: لأنه فقد أحد شروط المثنى أو الجمع؛ وهو أنها ليس لها مفرد من لفظه(1/19)
هذا أحد الأسباب وهي أكثر الأسباب وجوابها صحيح، لكن أيضا قد يكون من أسباب الحمل على جمع المذكر السالم أن يكون ليس جمعا مثل: علّيون وزيدون فهو اسم للمفرد سمي بصيغة الجمع، وقد يكون السبب عدم توفر شرط ما يجمع جمع مذكر سالم وهو أن يكون مفرده علما أو صفة، كما قلنا في وابل وأهل وعالم فإن مفرداتها ليست أعلاما ولا صفات وإنما هي أسماء، وذلك لما لم يتحقق فيها شرط جمع المذكر السالم وقد أعربت بإعرابه قيل: هي محمولة عليه وإن لم تكن منه.
هلا تفضلتم بطرح أسئلة هذه المحاضرة؟.
السؤال الأول:
لماذا سمى بعض العلماء جمع المؤنث السالم الجمع بألف وتاء مزيدتين؟
والسؤال الثاني:
أعرب قول الله تعالى: ? وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ?
و لماذا نُصِبَ الجمع "أَمْوَاتًا" بالفتحة دون الكسرة؟(1/20)
لغة عربية - المستوى الرابع
الدرس الثامن
تابع الإعراب بالعلامات الفرعية
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
حديثنا -إن شاء الله وتعالى- سيكون إتماما لمواضع الإعراب بعلامات فرعية عن علامات الإعراب الأصلية ولكن قبل ذلك نستعرض بعض الأجوبة أو جوابا أو جوابين من الأجوبة الموجودة لسؤالي الحلقة السابقة فليتفضل.
بالنسبة لأسئلة الحلقة الماضية، تقول: إجابة السؤال الأول سمى بعض العلماء جمع المؤنث السالم الجمع بألف وتاء مزيدتين وهذه التسمية هي الأولى ليشمل المؤنث وغير المؤنث وما سلم وما لم يسلم لأنه يجمع عليه ما ليس مؤنثا نحو حمام وجمعه حمامات ويجمع عليه ما لم يسلم نحو صحراء وجمعه صحراوات ولكن من سماه بجمع المؤنث السالم نخطئه لأنها بحسب الأكثر الأخ الكريم أجاب عن السؤال الثاني عن الآية: ? وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ? وكنتم "كان" فعل ماضي ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع و"تم" ضمير الجمع المخاطب مبني على السكون في محل رفع اسم كان" أمواتا "خبر كان منصوب بالفتحة الظاهرة ونصب بالفتحة لأنه جمع تكسير.(1/1)
بالنسبة للإجابة الأولى إجابة الأخت إجابة صحيحة وتامة أما جمع المؤنث السالم والجمع بألف وتاء مزيدتين قد يجمع عليه ما كان مؤنثا سواء كان تأنيثه معنويا فقط كما في نحو هند أو كان لفظيا فقط كما في حمزة وطلحة أو كان لفظيا ومعنويا كما في فاطمة ففيها تأنيث وفيها تاء التأنيث وسواء كان هذا التأنيث بالتاء كما ذكرنا الآن أو كان بالألف المقصورة كسلمى أو كان بالألف الممدودة كصحراء وقد يجمع عليه كما ذكرت الأخت ما ليس بمؤنث وقد مثلت لذلك كما في المخيمات و سرادقات فإنه ليس مؤنثا ومع ذلك فجمع بهذا الجمع كما أنه كما قالت الأخت ربما يجمع عليه ما لا يسلم فنحن نعلم أن الجمع السالم سواء كان مذكرًا أو مؤنثا الأصل فيه أن يسلم فيه مفرده ولكن في قولنا مثلاً ضخمة نجمعها على ضخمات فيسلم المفرد لكن في قولنا حبلى يجمع على حبليات فتتغير ألفه إلى ياء وفي صحراء تنقلب همزته واوا فنقول صحروات فإذا ربما لا يسلم مفرده ولذلك كان الأولى أو الأدق أن يسمى جمعا بألف وتاء ميزدتين و من سماه الجمع المؤنث السالم فلا إشكال لأنه سار فيه علي الأكثر لأن الأكثر صار فيه أن يجمع عليه ما كان مؤنثا وأن يسلم فيه مفرده وأما إعراب الآية ?وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ?، فإعراب الأخ صواب في مجمله وقد كان السؤال من شقين السؤال الأول عن إعراب الآية والثاني سبب نصب الجمع فيها بالفتحة دون الكسرة أما الأعراب فهي كما قال الأخ "كان" فعل ماضي ناقص وهو مبني للسكون لاتصاله بضمير رفع المتحرك و"التاء" ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم كان و"الميم" علامة جمع الذكور و"أمواتا " خبر كان منصوب وعلامة نصبه الفتحة ثم "فأحياكم" الفاء عاطفة وأحيا فعل ماضي, والفاعل هو ضمير مستتر, والضمير المتصل في محل نصب مفعول به والشق الثاني لم يجب عليه الأخ ولا أجاب عليه غيره.
هنا إجابة من الأخ يقول:نقرأ الإعراب كامل(1/2)
لا نريد فقط لماذا نصب الجمع بالفتحة دون الكسرة؟
نصبت أمواتا لأن التاء فيها أصلية وبذلك يخرج عنه كونه مما جمعت بألف وتاء مزيدتين ويصبح جمع تكسير
هذه الجواب الصحيح لأنه أمواتًا هنا جمع تكسير وليس جمعا بألف وتاء مزيدتين لأن التاء فيه أصلية لأنه جمع ميتة لأنه ليس من هذا الجمع فيعرب بالحركات ينصب بالفتحة الأصلية كغيره من جموع التكسير.
آخر أبواب الأسماء التي تعرب بعلامات فرعية هو باب مالا ينصرف أو الممنوع من الصرف وحديثنا اليوم فيه لن يكون من باب بحيث التفصيل لأن الممنوع من الصرف هو باب طويل سيأتي تفصيله وتفصيل علله المانعة من الصرف في باب تالي ولكن الحديث عنه اليوم هو عن أعرابه بعلامات فرعية فقط نعم بإجمال حتى يكون الأمر واضحا بأنه ربما يقول قائل لا يكفي أن تؤخرنا وتنسئنا إلى باب سيأتي بعد مدة فحدثنا عن الممنوع من الصرف بإيجا1ز وبين لنا المقصود به فإنا نقول" الصرف في اللغة" في الأصل هو الصوت والتصريف والتصويت ولذلك صريف الأقلام هو تصويتها عند الكتابة وأصل الصرف أو الصّراف أو الصيرفي هو من يتعامل بالنقد ويستخرج صحيحها من زائفها وذلك أن الصيرفي في الزمن القديم وكان يتعامل مع النقد وهو معدن لم يكن النقد في ذلك الزمان ورقيا وكانت طريقته في إدراك الصحيح منه وتفريقه عن الزائف أن يكون عنده صفاه وصخرة مستوية يلقي عليها النقد المعدن ويستمع بأذنه ومن خلال رنين وتصويت هذا المعدن يتبين له هذا المعدن صحيح أم أنه زائف أم أنه مخلوط فيقول هذا ذهب ويقول هذا صفر أو نحاس أو ربما قال هذا مخلوط من هذا وهذا بحسب الصوت وهذا يأخذه بالدربة والمران وطول الخبرة في هذا الأمر وهو سمي الصيرفي والصراف لأنه يميز ما بين الأمرين فإذن الأمر مأخوذ من التصويت صوت المعدن عندما يلقى فهو مأخوذ من هذا الباب وعلاقته بالمعنى الاصطلاحي هنا في النحو علاقة ظاهرة لماذا؟.(1/3)
لأن الصرف أيضا هنا هو الصوت والممنوع من الصرف هو الممنوع من الصوت أي صوت منع منه هو التنوين .الممنوع من الصرف اسمٌ لا ينون والتنوين كما نعرف هو صوت هو نون ساكنة تلحق آخر الاسم لفظا وبدون الخط لغير توكيد فهي صوت إضافي غنة تخرج من الخيشوم نون إضافية تخرج يكون بعد ذكر الاسم يؤتى به بعد ذكر اسم وعلامته الإعرابية فهو صوت إضافي فالممنوع من الصرف لا يلحقه هذا التنوين له حكمان كما سيأتي عند بيانه الحكم الأول هو أنه لا ينون والحكم الثاني وهو يهمنا الآن أنه إذا جر يجر بالفتحة ولا يجر بالكسرة كغيره من الأسماء إذن الممنوع من الصرف يرفع بالضمة وينصب بالفتحة ولكنه عند الجر يخالف غيره فيجر بالفتحة وغيره من الأسماء كما نعلم تجر بالكسرة لو قال قائل ما المثال على ذلك فنقول الأمثلة كثيرة لما نقول فاطمة ومساجد ومصابيح وصحراء هذه كلها أسماء ممنوعة من الصرف أقول ممرت بفاطمةَ ومساجدَ ومصابيحَ وصحراءَ فجررتها كلها بالفتحة ولم أُنون وإنما اكتفيت بفتحة بلا تنوين فإذن هما حكمان ممنوع من الصرف يجرد الفتحة إذا وقع في موقع جر ولا ينون.
فإن قال قائل: كيف أعرف أن هذا الاسم ممنوع من الصرف أو غير ممنوع من الصرف؟
فأقول: هذا تفصيله –أيضا- في باب الممنوع من الصرف الآتي, ولكن هو بإجمال: ما كان فيه علتان من علل تسع أو واحدة قوية تقوم مقام العلتين -سيأتي تفصيل ذلك وبيانه بيان هذه العلل التسعة الممنوعة من الصرف وسيأتي بيان العلل القوية الذي يكفي منها واحدة لمنع الاسم من الصرف والعلة الضعيفة التي تحتاج إلى علة أخرى تَسندُها ليمنع الاسم من الصرف باشتراكهما واجتماعهما-.
هذا ما يتعلق بالاسم الممنوع من الصرف.(1/4)
لكن هنا شيء ينبغي التنبيه إليه أنه حينما يجر الاسم الممنوع من الصرف ويدخل عليه حرف التعريف "أل" أو يضاف فإنه يرجع إلى غيره من الأسماء فيجر بالكسرة بعد أن كان يجر بالفتحة بمعنى أنه لا يعرب بإعراب الممنوع من الصرف ولذلك قال الله -سبحانه وتعالى-: ? وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ?، و"المساجد" ممنوعة من الصرف ومع ذلك جرت هنا بالكسرة في المساجد بسبب أن الكلمة دخلت عليها" أل", وإذا دخلت" أل" حرف التعريف علي الممنوع من الصرف رجع مجرورا بالكسرة "الثانية" في حالة كونه مضافا فالله -سبحانه وتعالى- يقول: ? لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ?، أحسن ممنوعة من الصرف أيضا للوصفية وزن الفعل وأنت تقول: فلان أحسن ومررت بأحسن منك تجره بالفتحة, ولكن لما جاء في الآية مضافا في أحسن تقويم أضيفت أحسن إلى تقويم رجع إلى الجر بالكسرة لأنه اختل شرط جره بالفتحة إذ أضيف إلى موضعه.
إذن شرط إعراب الممنوع من الصرف هذا الإعراب يجر بالفتحة بدل الكسرة هو: أن لا يكون معرفا بأل ولا مضافا فإن عُرف بحرف التعريف أو أضيف جر بالكسرة كغيره من الأسماء.
تقول: أردت سؤال الشيخ عن الواو في قوله: ? وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ?، فلو كانت عاطفة فما المشاركة بين المعطوف والمعطوف عليه؟ ? كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ ? حالية والحال أنكم كنتم أمواتا فأحياكم؟.
تقول: ألا يَرِد على جمع المذكر السالم في التسمية ما يرد على جمع المؤنث السالم؟.
لا يرد عليه ذلك لأنه لا يجمع على جمع المذكر السالم إلا ما كان مذكرا, ولابد أن يسلم فيه المفرد ولذلك هو لم يحتج إلى أن يسمى باسم آخر يكون أكثر حصرا ودقة.(1/5)
أما في هذا الجمع المؤنث السالم فإنه قد يجمع عليه كما قلنا: ما ليس مؤنثا بقلة وقد يأتي مفردًا غير سالم أيضا بقلة, ولذلك فلا إشكال يعني لا مشاحة في تسميته بأحد الاسمين . لكن أحيانا يبحث عن الأدق في الاسمين وهنا مطلب الدقة في الأمر مطلوب, وعلى كل حال الأغلب له حكم المجموع فما كان على الأكثر كما هو شأن كثير من قضايا النحو ما كان عليه الأكثر والجمهور هو الحكم الذي يُسار عليه.
بهذا تكون الأبواب الخمسة التي هي الأسماء الستة والمثنى وجمع مذكر السالم وجمع المؤنث السالم أو المجرور بألف وتاء مزيدتين والممنوع من الصرف التي هي أبواب الأسماء التي خالفت غيرها من الأسماء في علامات الإعراب تكون قد انتهت وبقي البابان الآخران وهما من أبواب الأفعال الأمثلة الخمسة والمضارع المعتل الآخر أما الأمثلة الخمسة وهي التي قال عنها المصنف (إنها هي تفعلان وتفعلون بالياء والتاء فيهما وتفعلين) ويقصد أنه كل فعل مضارع اتصلت به ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة بمعنى أنه كل ما جاءنا فعل مضارع فاعله ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة فهو فعل من الأفعال الخمسة قوله (بالياء والتاء فيهم) يقصد أنه لو قلت تفعلان ويفعلان تفعلان الاثنين المخاطبين يفعلان للاثنين الغائبين تفعلون للجماعة المخاطبين ويفعلون بالجماعة الغائبين وتفعلين للمخاطبة الواحدة إذن هن أبواب خمسة أو أفعال خمسة هنا يرد سؤالان أو أمران لكن قبل أن نورد الأمرين, نحن نعرف أن الأفعال المضارعة ترفع بالضمة وتنصب بالفتحة و تجزم بالسكون هذا هو شأن الأفعال المضارعة لكن هذه الأفعال ليست مثلها فإنها تعرب "بالحرف وجودا وعدما" وفي حال الرفع تثبت نونها تذهبون وتذهبين رفعا فإن نصبته قوله لن تذهبوا ولن تذهبي ولن تذهبا فتحذف النون وكذلك في الجزم لم تذهبوا ولم تذهبا فتحذف النون إذن نون الأفعال الخمسة تثبت في حالة الرفع وتحذف في حال النصب والجزم.(1/6)
هنا يرد سؤالان ربما يريدهما بعض الناس يقول: لماذا سميت الأفعال الخمسة ؟ - مع أننا نعرف الآن أن الأفعال الخمسة هي كل مضارع اتصلت به ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة هذا يعني أنه أي واحد من هذه الضمائر الثلاثة اتصل بفعل مضارع سميناه من الأفعال الخمسة وهي ثلاثة أمور تعرب فاعلاً- فلماذا كانت الأفعال خمسة؟ إما أن تكون ثلاثة أو تكون ستة و" الجواب" في ذلك أنه روعي حال الحضور والغيبة, ونحن عندما نقول: تفعلون هذا للمخاطبين وعندما نقول: يفعلون هذا للغائبين.
يعود السائل فيقول: ما دمت راعيت حال الحضور والغيبة فجعلت لكل واحد منها فعلين فاجعلها ستة إذن لأنها ثلاثة أمور, ولكل واحد حضور وغيبة.
فنجيب أيضا ونقول: واو الجماعة لها حضور وغيبة فنقول :يفعلون للغائب وتفعلون للحاضرين وألف الاثنين لها حضور وغيبة فنقول: يفعلان للغائبين وتفعلان للحاضرين ولكن المخاطبة لا تكون إلا حاضرة لأنها لو غابت ما كانت مخاطبة أصلا فلا يخاطب الغائب ,ولذلك فهي واحدة فقط التي تستعمل معها ياء المخاطبة, ولا تكون غائبة إذ لا يجتمع الخطاب والغيبة في وقت واحد فالمخاطب لا يغيب بل هو موجود حاضر ليخاطب .
وسأل آخر وقال :لماذا تسمى الأمثلة الخمسة عند بعض النحويين؟ "الجواب" هذا أيضا من البحث عن الدقة نعم الأدق في هذه الأفعال أن نسميها الأمثلة الخمسة لأنها الحقيقة ليست أفعال بأعيانها هي ليست يذهبون ولا يكتبون ولا يقرأون ولا يجلسون, ولكنها يفعلون -أي كل مضارع حصل له هذا الشأن- فإذن هي أمثلة وليست أفعالا بأعيانها أي صيغ مضارع اتصل به واحد من هذه الضمائر التي تعرب فاعلا فلذلك هي أمثلة أو صيغ, من هنا كانت تسمية بالأمثلة الخمسة أكثر دقة من التسمية بالأفعال الخمسة .(1/7)
إذن عرفنا الآن المقصود بالأفعال الخمسة وعرفنا لماذا كانت خمسة ليست ستة بمضاعفة كل واحد مرتين, ولا ثلاثة كل واحد باعتبار كل واحد من أنواع الفاعل الثلاثة ألف الاثنين واو الجماعة ياء المخاطبة, وإنما هي خمسة اتضح هذا, وأيضا اتضح الأدق في تسميتها وهو أنها تسمى الأمثلة الخمسة ومن سماها الأفعال الخمسة فلا إشكال إذ هي أفعال ,وعرفنا المطلب الأساس من ذكرها هنا وهو إعرابها وأنها تعرب بالنون أو بثبوت النون في حال الرفع بدل من الضمة وتنصب وتجزم معا بحذف هذه النون بدلا من الفتحة والسكون في الأفعال الأخرى.
يقول: ما هي أقوى الحركات الثلاث وكيف مع التعليل وبما نرد على السيوطي عند اختياره الضمة علي الكسرة؟
الإملائيون طبعًا مسألة الأقوى هذه ترجع ثمرتها الكبرى عند الإملائيين أكثر,و الحركات كما نعلم هي ثلاث وأما السكون فليس حركة هو عدم الحركة, ولكن نقول: الحركات الثلاث ويضاف إليها السكون فهي شيء آخر غير الحركات إذ هو عدم الحركة فلا يعد من الحركة, بعض الناس يعد الحركات قال: الفتحة والكسرة والضمة والسكون .(1/8)
السكون ليس حركة. السكون هو من الحركة هو عدم الحركة فهو علامة إعراب وليس حركة من الحركات الثلاث, مسألة أيها أقوى من يستفيد من هذه القوى هو لم يبين لنا أيها أقوى. الإملائيون هم أكثر المستفيدين من قوة هذه الحركات وذلك في الهمزة المتوسطة والموضوع ليس موضوعنا الآن لكن ما دام الأخ سأل عنه فسأذكره بإجمال ولا يضر من أشكل عليه لعله- يأتي عليه تفصيل مستقبلي -أقول إنه: الإملائيون عندما تأتي همزة في وسط الكلمة فإنهم حتى يضعوها بطريقتها الإملائية الصحيحة يقولون: القاعدة في ذلك أن تنظر إلى حركتها وحركة ما قبلها فتعطي هذه الهمزة ما تستحقه أقوى الحركتين فإذا كانت فأقوى الحركات عندهم الكسرة ثم تليها الضمة ثم تليها الفتحة ,فإن كان في حركتها هي أو حركة ما قبلها كسرة وضعت الهمزة على كرسي, وإن كان في حركتها هي أو حركة ما قبلها ضمة وضعت الهمزة على واو, وإن كان في حركتها هي أو حركة ما قبلها فتحة وضعت الهمزة على ألف هذا هو الترتيب أو القاعدةو الضابط في كتابة الهمزة المتوسطة.
ومن هنا يتضح سبب اختلاف صورة الهمزة في وسط الكلمة باختلاف قوة الحركة التي معها.
نعيد يا شيخ إذا تكرمت لأنهااستشكلت كتابة الهمزة(1/9)
طبعا هو ليس موضوعنا الآن للفائدة وهي فائدة كبيرة مثلاً عندما نقول" يَئِسَ" الهمزة الآن متوسطة حركة الهمزة كسرة وحركة ما قبلها فتحة أقوى الحركتين الكسرة فإذن نعطيه الهمزة الكسرة تستحق النبرة أو الكرسي فنضع الهمزة على الكرسي, لكن عندما تقول مثلاً "يَأْس" هذه يأس الهمزة الساكنة ولكن قبلها فتحة فالفتحة هي القوية فالفتحة هي القوية تستحق ألف فنضع الهمزة على الألف , لو قت مثلاً بُؤس الهمزة الساكنة ولكن قبلها ضمة فأقوى الحركتين هي الضمة فنعطيها ما يستحقها وهي الواو فنضع الهمزة على واو هذاعن شأن الهمزة المتوسطة لا المبتدأة ولا المتطرفة في آخر ولكن المتوسطة وهذا يدلنا على أن أقوى الحركات هي الكسرة بدليل استناد الإملائيين على ذلك في كتابة الهمزة المتوسطة فهو على هذا -إن شاء الله- مزيد بيان إن كان له مجال.
يقول: السؤال الأول: في التحفة السنية يذكر" محي الدين "الفعل الماضي يقول إذا اتصلت به واو الجماعة يقول هو فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الناشئة للواو ما قولكم في هذا الكلام؟
والسؤال الثاني: يشكل على البعض في إعراب مثلاً فعل ماضي إذا قيل نحو فهمتموني وعلمتموني فأرجو توضيح هذه الفا ئدة ؟
اريد أن أعرف الإشكال في فهمتموني؟
الإشكال فيها يخطئ بعض الناس عندما يجد تاء الفاعل ويظن بعض الناس أن هذه الواو واو الجماعة –يظنها البعض فاعلاً- فأرجو التنبيه لها؟
والسؤال الثالث: هو تنوين بعض الناس يقول: تنوين مثلاً رأيت محمدًا يوضع التنوين على الدال ولا يوضع على الألف فما هو؟ نرجو إيضاح هذه المسألة.(1/10)
كذلك لو تفضلت يا دكتور عفوا عندي ملاحظة مثلاً قناة المجد العلمية يعني أهل الشريعة طالب علم الشريعة يجدون فسحة أعني بذلك مقاصد الشريعة أصول التخريج ودروس كثيرة أما نحن ليس لنا إلا درس واحد فقط وساعة حتى ندرس النحو في أبسط صور فنتمنى لو تطيلون قليلا لتعم الفائدة كذلكأيضًا ندرس قطر الندى أبسط الكتب وإن كان فيه فائدة والحمد لله يوم مراجعة والمذاكرة ونشكر الدكتور محمد صراحة على هذا الحضور علما بكثرة مشاغله.
سأل عن أمور ثلاثة وهو يسأل عنها وهو يعرفهاوهوسؤال من ينبه وليس سؤال من يستفسر لأنه يريد الفائدة لإخوانه.
واضح هذا من سؤاله هو يذكر في البداية ما يتعلق بذهبوا مثلاً الفعل المضارع التي اتصلت واو الجماعة, وهو يذكر ما قاله بعض النحوييين. الأصل النحويون المحقون عندما يأتي يقولون: الفعل الماضي يبنى على الفتح إلا إذا اتصلت به واو الجماعة فيبنى على الضمة أو إذا اتصل به ضمير رفع المتحرك فإنه يبنى على السكون.
لكنه يذكر يقول: إن بعض النحويين يقول :هو مبني على الفتح مطلقًا, ولذلك إذا اتصلت به واو الجماعة قيل بني على الفتح المقدر والضمة بمناسبة الواو كما يحصل مع ياء المتكلم, وكذلك في ضمير رفع المتحرك يقولون: إنه مبني على فتحة مقدرة وسُكن مراعاة لتوالي الحركات.(1/11)
لكن طبعا هذا رأي وهو قول لكثير من النحويين في القديم والحديث أيضا, ولكن الذين ينظرون إلى ظواهر الأمور ويريدون أن يسهلوا النحو للدارسين يبعدون عن مسألة التقديرات لأنك لو حكمت على الأمور بكثرة التأويل والتقدير أبعدت الأمر عن الدارسين, وعلى كل حال من قال: إنه مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة فهذا أقرب لطبيعة اللغة وأظهر وأسهل لأن هذا هو الموجود في آخر الفعل, ومن قال: إنه مبني على الفتح المقدر على آخره والضمة إنما بمناسبة الواو فهذا أيضا له عذره عندما يقول هذا الكلام لأنه يريد أن يطرد الباب على نمط واحد بأن يجعله كله مبنيا على الفتح يكون كل الماضي مبني على الفتح وما خرج عنه في ذلك إنما هو خرج تقديرا أو تأويلا وإلا فحقيقته البناء على الفتح الدائم.
إذن بنائه من قال: على أنه مبني على الفتح فيقصد أن الأصل فيها يكون مبني على الفتح دائما وأما ما ضُم فيه أو سُكن إنما هو لعارض حتى يطرد الباب على نمط واحد.
إذن لكل حجة و الذي يظهر طبعا هو الأسلم والأوضح للدارسين هو: أن ينظر إلى طبيعة الشيء الموجود هذا يقال: مثلاً في الأسماء الموصولة وأسماء الإشارة للمثنى أن بعض النحويين يقول: باب الأسماء وأسماء الإشارة الموصولة كلها مبنية حتى المثنى منها ,وما جاء منها بالياء أحيانا في حالة النصب والجر أو بالألف في حالة كاللذان والذين وهذان وهذين ما تغير فيها فإنما هو مبني ولكنه جاء على صورة المعرب.
هو بهذه يريد أن يطرد الباب طردا واحد, وما دام علة البناء موجودة في الأسماء الموصولة وأسماء الإشارة فليكن كله مبنيا ,ولكن أيضا للدارسين وتفصيل الأمر وجعل الأمر أكثر وضوحا ما كان يتغير آخره بتغير علامات الإعراب وتغير الموقع فهو معرب, فلذلك نقول: هذه معربات ولا يضر أن يكون بقية الباب مبنيًا, فما خرج منها وسلك سبيل المعربات نقول: هو معرب والأكثر في هذه الأسماء الموصولة وأسماء الإشارة أن تكون مبنية.(1/12)
إذن حمل الأمور على ظواهرها أولي من حملها على التقدير, ومن حملها على التقدير ليطرد الباب على سنن واحد فله وجهه الأخ الكريم.
ينبه على مسألة إذا قلت" فهمتموني" مثلاً يقول :إن بعض السامعين يظن أن هذه الواو واو الجماعة طبعا هي ليست واو الجماعة لأن واو الجماعة تعرب فاعلا ,وهنا الفعل استوفى فاعله ,الواو هذه مجرد إشباع لميم الجمع المضمومة حتى يمكن أن ينطق بعدها بنون الوقاية وياء المتكلم التي بعدها إذن هي إشباع للضمة وليست اسما ضميرا فاعلا ملحقا بالفعل.
"تنوين محمد" أما التنوين هو يريد التنوين المطلق هو يريد تنوين بالنصب بصفة عامة في عند الكتابة أين يكتب؟ الأصوب فيه -طبعا الإنسان هنا لابد من التعليل - التنوين في النطق يأتي بعد علامة الإعراب نقول: محمدٌ ثم تأتي بالنون بعدها فهي نون تأتي بعد علامة الإعراب, وفي الصورة في الكتابة هي عبارة عن: تكرار علامة الإعراب الضمة تكون ضمتين, والفتحة تكون فتحتين.
إذن توضع حيث توضع علامة الإعراب ما دمت تضع علامة الإعراب على الحرف الأخير تضع التنوين أيضا على الحرف الأخير تكون على الدال, ويكون الألف بعدها لأن الألف هذه هي عبارة عن علامة النصب-ألف الإطلاق توضع للنصب علامة علي أن الاسم منصوبا بعدها خاصة بالنصب هي- فتوضع بعد التنوين للدلالة على أن الاسم منصوبا لأن الإملائيين ساروا على أنهم يفرقون بين المنصوب وغيره وهوالمجرور والمرفوع بأن: المنصوب تلحقه ألف بعد تنوين النصب.
إذن هذه الألف في الصورة وإلا فالتنوين على الحرف الأخير لأنه عبارة عن تكرار علامة الأعراب وعلامة الإعراب تكون على الحرف الأخير.
يقول: ما رأي فضيلة الشيخ في كتاب شرح الآجرومية وألفية بن مالك للشيخ ابن عثيميين -رحمه الله-؟(1/13)
هما كتابان جليلان مهمان لكن هما يتراوحان بين الاختصار والبسط ,ونحن نعرف أن كتب العلوم المختلفة ومتونها تتفاوت من حيث الطول و القصر بحسب حال الدارسين, وبحسب ما استوفاه الطالب من مراحل العلم وتختلف من منظوم إلى منثور, وبعضها أوسع من بعض, والألفية هي أوسع من الآجرومية من حيث المسلك لكن تختلف بأنها متن منظوم والآجرومية متن منثور وفي كل خير.
للمبتدئ الآجرومية أيسر وأسهل, ولمن جاوز ذلك الألفية تعد من أهم متون النحو وأكثرها توسعا ,وأعتنى بها العلماء عناية كبيرة لقيمتها وفضلها وشمولها لأبواب النحو التي لا تكاد يخرج منها شيء ,لذلك صار كثير من الذين يسيرون في ترتيب مسائل النحو في كتبهم يقول: رتبها على منهج الألفية مثلاً لأن الألفية تكاد تحصر -وإن خرج عنها بعض الأمور- أبواب النحو جميعا بحيث لا يخرج إلا ما لا يعتد بخروجه وهو ضنين.
يقول:يسأل عن إعراب كلمة ثمود في قوله تعالى: ? وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ?؟
"ثمود" هذه من الممنوع من الصرف" إلى" حرف جر" وثمود" اسم ممنوع من الصرف, ولذلك جرها بالفتحة- هذا موضوعنا منذ قليل أن الممنوع من الصرف يختلف في علامة الإعراب فعلامته فرعية في حالة الجر فإنه يجر بالفتحة بدل الكسرة- إلى ثمودَ لم يقل إلى ثمودِ فجُر بالفتحة ولم ينون.
أسأل سؤالا يتعلق بجر الممنوع من الصرف- نحن ذكرنا منذ قليل- أن الممنوع من الصرف يجر لا يختلف عن غيره من الأسماء إلا في حالة الجر فإنه يجر بالفتحة بدل الكسرة لكنه في بعض الحالات يأتي جره أيضا بالكسرة فنريد كيف يكون ذلك متى يكون مجرورا بالكسرة؟
- نعم بارك الله فيك-.
تقول الأخت عن طريق الإنترنت: لم ترد ثمود في القرآن منونة مطلقًا في جميع المواضع؟
هذا صحيح لأن الممنوع من الصرف, ونحن عرفنا أن الصرف في الأصل هو الصوت والمقصود به التنوين فهو ممنوع من التنوين, وهو اسم لا ينون
- بارك الله فيك ياشيخ(1/14)
نأتي بعد ذلك للباب الأخير من أبواب النيابة. نيابة علامات فرعية عن علامات أصلية وهو( باب الفعل المضارع المعتل الآخر)
" معتل" فيه حرف علة , "الآخر" يعني حرف علة هو آخر حرف فيه, والمقصود بآخر حرف فيه هو: الحرف الأصلي -يعني نحن نعرف أن أصول أكثر الكلام العربي أصوله ثلاثة-والمقصود بالحرف الأصلي آخر حرف فيه ثالث حرف فيه يسميها الصرفيون لام هذا الفعل تكون حرف علة, حروف العلة الثلاثة الألف والواو والياء.
إن سأل سائل وقال :لماذا سميت حروف؟ علة فنقول:العلة في الأصل هي المرض والصحة عدم المرض فالحروف في العربية نوعان: حروف صحة وحروف علة حروف العلة ثلاثة "الألف والواو والياء" ,-طبعا الألف غير الهمزة هي الحروف التي تستعمل تكون حروف علة وأحيانا تكون للمد واللين أيضا بحسب حالها-.
" الألف والواو الياء" فإن قال قائل: لماذا سميت حروف علة؟- وإن لم يكون هذا موضوعنا لكنه قد يرد في ذهن بعض الأخوة- فأقول: هي سميت حروف علة لأنها تصيبها أمراض الحروف,الحروف تصيبها الأمراض كغيرها من الأعراض, وأمراض الحروف هي الحذف أو التغيير, أكثر الحروف تأثرًا بالحذف والتغيير هي هذه الحروف الثلاثة "الألف والواو والياء".
مثلاً أنت تقول: مثلاً في يقول:عندما تبني الفعل تأتي بالماضي تقول قال فصارت ألفا, تبنيها للمجهول تقول قيل صارت ياء تأتي بفعل أمر تقول قل تحذفها تماما. إذن تتغير وأحيانا تحذف وهذه أمراض الحروف, ولذلك صار حرف علة وكذلك الشأن في الألف والياء وهي الثلاثة في الألف والواو والياء.
أما مثلاً بقية الحروف الباء مثلاً يندر أن يصيبها شيء من هذا فلا تقلب إلي حرف آخر إلا في حالات معينة0- ليس هذا موضع الإبداء التي ليس هذا موضع الحديث عنها- وهذا من نوادر اللغة وأيضا لا يصبها التغيير بحرف آخر ولا الحذف فإذن هي حروف الصحة.(1/15)
إذن إذا وقع أخِر حرف أصلي من الفعل المضارع حرف علة ألف أو واو أو ياء فإنه يسمى حينذاك فعلا مضارعا معتل الآخر- يعني آخره حرف علة- ومجيء حرف العلة قد يكون ألفًا أو واوًا أو ياءًا تقول: يسعى ويدعو ويرمي, فيسعى آخره ألف ويدعو أخره واو ويرمي أخره ياء.
هذه مضارعات معتلة الآخر حينما تعرب فهي ترفع كغيرها وتنصب كغيرها ولكنها في الجزم - يعني ترفع بالضمة نعم قد تكون هذه الضمة مقدرة قد تظهر وقد تقدر لكن هي تقدر كما سيأتي بعد قليل فنقول: يدعو ويسعى ويرمي الضمة لا تظهر عليها, بالنسبة للفتحة تظهر على بعضها وتقدر على بقيتها- ولكن عندما نأتي لحال الجزم فإنها لا تجزم بالسكون, وإنما تجزم بحذف هذا الحرف الأخير وهو حرف العلة فنقول: في يسعى لم يسعَ بفتحة على العين ونحذف الألف ونجعل الفتحة على العين دليلاً على الألف المحذوفة, ونقول: "لم يرمِ" بكسرة على الميم ونحذف الياء ونجعل كسرة الميم دليلاً على الياء المحذوفة, ونقول:" لن يدعُ" بضمة على العين ونحذف الواو ونجعل هذه الضمة علي العين دليلا على الواو المحذوفة.
يخطئ بعض الطلاب عندما أسأله أحيانا أقول له: هات الفعل المضارع المجزوم يدعو مجزوما؟ يقول: لم يدعْ ويرمي لم يرمْ, وكأنه يظن أنه لما حذفنا حرف العلة سنسكن الآخِر.
نقول: الجازم استوفى حقه بحذف حرف العلة فلم نعد نحتاج إلى سكون للجزم لأن علامة جزمه ليست السكون. نعم إن أردت الوقوف تكون للوقف ولكن ينبغي في حالة الوصل أن تبقى الحركة التي كانت على العين في يدعو, وعلى العين في يسعى ,وعلى الميم في يرمي ولا تتغير لأن الجازم قد استوفى حقه بحذف حرف العلة فلا نحيف على الفعل بأخذ حركة عينه -أي وسطه- أيضا. فإننا نكون قد أعطينا الجازم أكثر من حقه.
تقول الأُخت : عندما يجر الممنوع من الصرف بالكسرة في حالتين؟ الجواب: عندما يعرف بأل مثل في المساجد وبالإضافة في مثل أحسن تقويم(1/16)
وجر بالفتحة ما لا ينصرف ** ما لم يضف أو يكون بعد أل رَدف
يعني - ما عدا هذان الموضعيين فإنه يجر بالفتحة-.
هذا يسوقنا أو لعل هذا الأمر هو الذي ساق -ابن هشام الأنصاري -رحمه الله- وبقية المؤلفين عندما يذكرون مواضع تقدير حركات الإعراب بعد ذكر علامات الإعراب الفرعية لأنهم غالبا يذكرون الفعل المضارع المعتل الآخر آخر هذه المواضع.
فيرد السؤال في أن يقول: قائل أنت تقول في يدعو: أنه يعرب كغيره ولكنه إنما يختلف عن غيره في حال الجزم فهو يجزم بحذف حرف العلة فهو يقول يدعو هذا من المفترض أن يرفع بالضمة أين الضمة؟
هنا يأتي الجواب بأنها مقدرة فكأن الأمر يسوق النحويين حينذاك ليتحدثوا عن تقدير الحركات, ولذلك يأتون في هذا المقام غالبا في كتب النحو أو في هذا الموضع بعد ذكر العلامات الفرعية للإعراب بأن يذكروا ما يقدر فيه علامات الإعراب من الأسماء والأفعال, وإن كان المقام مقام الأفعال منذ قليل لكن لما جاء للتقدير ذكر الجميع.
هي خمسة أنواع :منها ما يكون تقدير جميع الحركات, ومنها ما يكون بعض الحركات, وهم قسموها بأن قالوا: الحركات قد تقدر جميعها على آخر الكلمة بسبب أنه لا يمكن إظهار الحركة عليها لأن طبيعة الحرف الأخير لا يظهر عليه حركات ,وهذا في شأن الألف ساكنة دائمًا لا يمكن تحريكها, ولو أن إنسانَا قال: "أ" هذه همزة ليست ألف فإذن الألف لا تتحرك فمتى كان آخر الاسم ألف فإنها تقدر عليه جميع الحركات, ولذلك قالوا: إن الاسم المقصور هوالذي آخره ألف لازمة هذا لا يمكن إظهار الحركات عليه, لأن الألف لا تقبل الحركة هي ساكنة بالطبع ولذلك فتقدر عليه جميع الحركات -أعني الحركات التي يمكن أن تدخل على الأسماء الضمة والفتحة والكسرة- فهذا تقدر عليه جميع الحركات لذاته أي -أنه هو في ذاته لا يقبل الحركة- .(1/17)
وهناك من الأسماء ما تقدر عليه الحركات ليس لذات الحرف فالحرف يقبل الحركة ,ولكن لأنه اتصل به شيء وذلك الاسم إذا أضيف إلى ياء المتكلم عندما تقول: مثلاً كتابي وغلامي .ياء المتكلم من خصائصها أيها الأخوة أنها لابد أن يكسر ما قبلها, يجب كسر ما قبل ياء المتكلم إذا جئت بأي كلمة وفيها ياء المتكلم لا يصح أن تأتي قبل الياء بضمة ولا بفتحة بل لابد أن تأتي قبلها بكسرة حتى ولو كان الاسم مرفوعا أو منصوبا فإنك تكسر ما قبله وتكسر أخر هذه الكلمة ثم تقدر حركتها.
ولذلك- هذه من اللطائف- لما كان لابد من كسر آخر الكلمة السابقة لياء المتكلم, وكان الفعل لا يدخله الجر, الكسر ليس من خصائص الأفعال هو من خصائص الأسماء, ولما كان الأمر كذلك وكانت ياء المتكلم تدخل على الأفعال فتقول: مثلاً يكرمني فأنت بين أمرين: إما أن لا تعطي ياء المتكلم حقها بكسر ما قبلها, وهذا لا يجوز لأن ياء المتكلم يجب أن يكسر ما قبلها, وإما أن تكسر آخر الفعل والكسر لا يكون من الأفعال -أن عرفنا أن الجر من خصائص الأسماء والجزم من خصائص الأفعال-.
لذلك توصل إلى حل وسط وهو أن يستجلب حرف يسمى "نُون الوِقاية" يؤتى به. بعد الفعل يتحمل الكسرة فيكسر هذا الحرف لأجل ياء المتكلم ,ويقي الفعل من الكسر الذي هو من خصائص الأسماء وليس من خصائص الأفعال, ولذلك سميت هذه النون نون الوقاية -هذا ليس موضوعنا الآن إلا أنه قد يأتي في ذهن بعض الأخوة ويقول: ماذا يفعل إذا وقعت ياء المتكلم-؟
أعود مرة ثانية بأن أقول: إن ياء المتكلم إذا كانت في آخر الاسم فإنه يجب أن يكسر ذلك الاسم بصرف النظر عن نوع إعرابه, فتقدر عليه جميع أنواع الإعراب فمثلاً في قولك غلامي تقول: جاء غلامِي فهو فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة المقدرة على الميم منع من ظهورها حركة مناسبة في ياء المتكلم ,أو اشتغال المحل بحركة مناسبة لياء المتكلم أو اشتغال أخر الاسم بكسرة ياء المتكلم.(1/18)
أهم شيء كلمة تدل على أن آخر الاسم أو ما قبل ياء المتكلم لابد أن يكسر, وأن العلامة علامة الإعراب تقدر حينذاك لأنه لا يجوز أن يحرك ما قبل ياء المتكلم بغير الكسر.
وكذلك في حال النصب أكرمت غلامِي مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم .
وكذلك في حال الجر قد يقول قائل :في حال الجر ما في داعي لأن يقدر لأن أصلها مكسورة لكن من باب حمل الباب على طريقة واحدة وهوالتقدير فنقول: إنه مجرور بكسرة مقدرة ,ومن قال هذه الكسرة موجودة فلا إشكال ,لكن الأصل أنه لما كان الضمة والفتحة تقدران فالكسرة أيضا يفترض أن تكون مثلهما فنقول :أنها مقدرة, والكسرة الموجودة هي لصالح ياء المتكلم, والأمر سواء حتى لو قال إن الكسرة هي علامة الجر وأنها اكتفت بها ياء المتكلم لأنه كسر ما قبلها فاستغنت عن أن يستجلب لها كسرة لكان هذا أيضا له وجهه. هذا بالنسبة للأسماء.
يأتي بعد ذلك ما كانت تقدر عليه بعض الحركات دون بعض, نحن نعرف أن بعض الأسماء آخرها ياء وذلك يسمونه الاسم المنقوص: آخره ياء لازمة مكسور ما قبلها كقولك: القاضي والداعي والرامي والساعي, هذه كلمات آخرها ياء لازمة مكسور ما قبلها تسمى منقوصًا كما سمي ما أخره ألف لازمة مقصورًا .
هذا المنقوص لو أنك أتيت به منصوبا لقلت: رأيت القاضيَ تنصبه بالفتحة ظاهرة, لكنك لو أتيت به مجرورا أو مرفوعا فإنه يثقل أن تظهر الحركات عليه فقولك مررت بالقاضيي ثقيلة أو جاء القاضيو ثقيلة فنقدر الضمة والكسرة من أجل الثقل.
إذن نحن نقدر الحركات على الألف في نحو الفتى الاسم المقصور للتعذر للإستحالة لعدم الإمكان ,ولكنا نقدرها على الاسم المقصور الذي آخره الياء لأجل الثقل لأنه يمكن نطقها ولكنها ثقيلة فنقدرها لأجل هذا الثقل هذا ما يتعلق بالأسماء .(1/19)
بالنسبة للأفعال قد يكون آخر الفعل معتلاً بالألف -كما ذكرنا منذ قليل -في قولنا: يسعى فهذا تقدر عليه الحركتان -بالنسبة للسكون ليست حركة- فالحركتان الباقيتان هما الضمة والفتحة فتقدران فتقول: يسعى الرجل في الخير, وتقول: لن يسعى في الخير, أما في الجزم فإنه يحذف حرف العلة أصلاً.
هذا في المعتل بالألف يا شيخ
الأفعال المعتلة بالألف تقدر عليها حركتان الضمة والفتحة لأجل أن الألفأيضًا يتعذر تحريكها.
يبقى بعد ذلك ما كان من الأفعال معتلا بالواو والياء فهذا بالنسبة للفتحة تظهر تقول :لن يدعوَ ولن يرميَ فتظهر بخفة, ولكنك لو أتيت بالضمة فقلت: يدعوْ ويرميْ وأردت أن تحرك هذين الفعلين بالضمة فقلت يدعوُ ويرميُ لثقل ذلك فتقدر عليه الضمة فقط بالثقل .
كأن الإيجاز في ذلك أنه قد تقدر الحركات الثلاث :إما لأن الحرف لا يقبل الحركة أو لأنه اتصل بما يلزمه بحركة بعينها, ومنها ما يقدر عليه حركتان بثقل إظهارهما كما في الاسم المقصور أو لتعذر إظهارهما كما في الفعل المضارع المعتل بالألف ,ومنها ما تقدر عليه حركة واحدة وهي الضمة وذلك في الفعل المضارع المعتل الآخر بالواو أو الياء.
يقول: هل نقول عن كلمة كتابيه أنها إحدى لهجات العرب كأن يشير: ? هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ ?؟
لا, هذه الهاء هاء السكت كتابيه أصلها كتابي فهو اسم أضيف إلى ياء المتكلم ,والهاء هذه هاء السكت يأتي بها العربي للوقف على الكلمة وليس لها إلا معني بلاغي- ليس لها إعراب- لأنها عبارة عن حرف والحروف لا محل لها من الإعراب لكنه يؤتى به للوقف على الكلمة وهذا في لغات العرب .الأصل أنه في لغات العرب الفصحاء.
يقول: قال الله تعالى: ? وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ ? ولم يقل قالت نسوة؟
هو قال: نسوة ولم يقل قالت نسوة(1/20)
الجمع هنا له أثره لأن في الجمع تقول مثلاً: جاء النساء وجاءت النساء لكن لو جئت و قلت: امرأة لقلت جاءت امرأة فالجمع هنا سوغ الأمرين بأن يؤتى بتاء التأنيث أو عدم الإتيان بها لأن الجمع يصح أن يعامل بدون تاء التأنيث.
يقول: يسأل عن مرجع يا شيخ يمكن أن يرجع إليه يتحدث عن قضايا الحركات ويفصل فيها؟
إذا كان يسأل عن قضية هو الذي سألوه منذ قليل عن أقوى الحركات؟
نعم
هنا أفضل ما في هذا كتب الإملاء وبالذات في كتب الهمزة وبالأخص في الحديث عن الهمزة المتوسطة الكتب المتوسعة في هذا المقام تتكلم عن قوة الحركات, أقوى الحركات لأنه يراد من ذلك طريقة كتابة الهمزة حين تتوسط فيتحدثون عن قوتها وضعفها.
يقول: السؤال في جملة كان عندي قول بالرفع أم قولا بالنصب؟
كان عندي قولٌ لأن. لعل الوقت لا يسمح
هلا تفضلتم بطرح أسئلة هذه المحاضرة؟. نقول:
السؤال الأول:
لماذا سميت الأفعال الخمسة بالأمثلة الخمسة؟
والسؤال الثاني:
لماذا كانت الأفعال خمسة مع أن ما يتصل به الفعل ثلاثة ضمائر؟(1/21)
لغة عربية - المستوى الرابع
الدرس التاسع
الفعل المضارع وإعرابه
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
أيها الإخوة المشاهدون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أحييكم تحية طيبة في مطلع هذا اللقاء, وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعله لقاء مُوَصِّلا إلى رضاه, وأن يجعل ما نعمل خالصا لوجهه الكريم، وأن يجعله سلما لطلب العلم الموصل إلى جنته.
والحديث -إن شاء الله- سيكون في البدء في"الفعل المضارع من حيث إعرابُه".
أنواع هذا الإعراب, ولكن إن كان هناك إجابات لسؤال الحلقة السابقة فهذا أوانها حتى لا ننساها.
في الحلقة الماضية كان السؤال الأول: لماذا سميت الأفعال الخمسة بالأمثلة الخمسة؟ وكانت الإجابة: لأن الأفعال الخمسة هي: كل فعل مضارع اتصلت به ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة, وسميت بالأفعال الخمسة: لأنه يستخدم لخمس حالات: للمخاطب حالتان، وللغائب حالتان، وللمخاطبة مرة واحدة، ومثال ذلك تقول: في الفعل يكتب فتقول: للمخاطب تكتبان وتكتبون وهاتان حالتان, وتقول: للغائب يكتبان ويكتبون وهاتان حالتان, وتقول: تكتبين وهذه حالة واحدة للمخاطبة, فإذا أحصيت الفعل المضارع المتصل به الضمائر الثلاثة يكون المجموع خمسة. فالمضارع: إما للمتكلم مثل "افعل ونفعل" وهذا لا تلحقه الضمائر أو لمخاطب "تفعل" وهذا تلحقه الضمائر الثلاثة، أو غيبة وهذا يلحقه اثنان من الضمائر الواو والألف, ولذلك سميت الأفعال الخمسة أو الأمثلة الخمسة.
قرأت الإجابة كما هي يا شيخ.
هي إجابة فيها صحة كثيرة, ولكنها تحتاج إلى نوع من التحرير.
كان السؤال الأول لماذا سميت الأفعال الخمسة بالأمثلة الخمسة؟(1/1)
والإجابة في مثل هذا أنها ليست أفعالاً محددة, هي ليست يذهبون ولا يكتبون ولا يعلمون فقط, ولكن كل فعل اتصل به واو الجماعة أو ألف الاثنين أو ياء المخاطبة ولذلك فهي أمثلة أو صيغ وليست أفعالا محددة, ومن هنا كانت تسميتها بالأمثلة الخمسة أكثر دقة من تسميتها بالأفعال الخمسة.
أما السؤال الثاني: لماذا كانت الأفعال خمسةً مع أن الضمائر المتصلة بها ثلاثة؟
والجواب أنه بالنسبة لواو الجماعة قد يكون الجماعة الذين تدل عليهم الواو حاضرِين فيقال: تفعلون، أو غائبِين فنقول: يفعلون, وكذلك الاثنان قد يكونان حاضرَين فيقال: تفعلان، أو غائبَين فيقال: يفعلان, وأما المخاطبة فهي على اسمها بمعنى أنها حاضرة ولا تكون المخاطبة غائبة، فليس له هناك إلا واحدة تفعلين، فصار المجموع خمسة.
إذن لا داع لأن نقرأ إجابات أُخَر
سنبدأ -إن شاء الله تعالى-في إعراب الفعل المضارع ولكن -قبل هذا- لعلي أسأل سؤالا سريعا من الممكن أن نستقبل إجابته في الدقائق التالية عن طريق الموقع, أو عن طريق الاتصال الهاتفي -ما تيسر ذلك- أو عن طريق الاستحضار الذهني، حتى لو لم يتصل الإنسان من تذكير بآخر ما تُحُدِّثَ فيه في المرة السابقة.
نحن تحدثنا عن الإعراب التقديري، أنا أسأل وأقول: لماذا تفاوت ما يقدر فيه الإعراب في عدد الحركات المقدرة؟- منه ما يقدر في ثلاثة, ومنه ما يقدر في اثنتين ومنه في واحدة- لما تفاوتت الأسماء والأفعال التي تقدر حركاتها؟
ننتظر الإجابة أو على الأقل الإنسان يستحضر الجواب في ذهنه إن كان يعرفه, ثم بعد قليل نجيب على هذا إن لم يأت جواب.
كان بعض الإخوة يرغب في أن تكون من ضمن الأسئلة التي تطرح أسئلة إعراب حتى يتمرس
هذا طيب.(1/2)
نحن عرفنا- فيما سبق- أن الحروف كلها مبنية, وأن الأسماء منها المبني ومنها المعرب, ثم جاء الحديث عن الأفعال فتبين أن الأفعال أنواع ثلاثة: ماضية وأمر، وهذه كلها مبنية, والمضارع يبنى أيضا في حالتين: إذا اتصلت به نون النسوة أو نون التوكيد المباشرة, وبقيت حالات إعراب المضارع -وهي مقام حديثنا اليوم- ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يعين على إتمامه إن أمكن إتمامه في هذه الحلقة, وإلا فإن كان في العمر بقية كان إتمامه فيما يأت في الحلقة التالية إن شاء الله.
الغالب البناء في الأفعال
الغالب في الأفعال البناء؛ لأن نوعين من الأفعال وهي الماضي والأمر مبنيان, وجزء من المضارع أيضا مبني وهو في حالتين: مع النونين نون التوكيد المباشرة ونون النسوة, وما عدا ذلك -وهو أكثر أحوال المضارع- يكون معربا, وإعرابه يكون بأنواع الإعراب الثلاثة التي تدخل على الأفعال وهي الرفع والنصب والجزم؛ لأن الجر لا يدخل على الأفعال.
بدأ المصنف حديثه بقوله: (يرفع المضارع خاليا من ناصب وجازم وقال: نحو يقوم زيد).
قال: (خاليا من ناصب وجازم) كأنه يريد أن يبين أن أنواع الإعراب الثلاثة الداخلة على الفعل المضارع منها ما هو أصل, ومنها ما هو محتاج إلى أن يأتي بعد ذلك؛ لأنه ليس أصلاً. فأصل الإعراب وأول أحوال الفعل, وأكثر أحوال هذا الفعل يكون مرفوعا؛ ولذلك فنصب الفعل المضارع يحتاج إلى ناصب ظاهر -أداة نصب-، وجزمه يحتاج إلى جازم، وأما رفعه فليس هناك أداة تدخل عليه ترفعه.
ومع ذلك تعارف النحويون على أن كل أثر لا بد له من مؤثر، تنزيلا للأشياء المعنوية علي الأشياء الحسية كأنهم يقولون : ما دام هناك عمل وهو الرفع أو النصب أو الجزم، لا بد أن يكون هناك شيء سَبَّبَ هذا الرفع، وسبّب هذا النصب، وسبّب هذا الجزم حتى يكون هذا أدعى للفهم والاستيعاب.(1/3)
فذهبوا في مسألة رفع الفعل المضارع -الذي نصبه هو أداة النصب والذي جزمه أداة الجزم- لكن ما الذي رفعه وليس عندنا أداة رفع ؟
هنا ذهب النحويون لاجتهادات كثيرة فمن قائل -وهم أكثر النحويين-: إن الذي يرفعه شيء معنوي، وهو عدم وجود الناصب والجازم -تجرده من الناصب والجازم- فإذا وجد الناصب نصب, وإذا وجد الجازم جزم, وإذا عدم الناصب والجازم رفع. فالتجرد نفسه -وهو أمر معنوي عدمي- هو الذي رفعه.
هناك من النحويين الذي قال: تجرد شيء غير ظاهر هو سلبي، ويصعب استحضاره واستيعابه، فنقول: إن الذي رفعه هو حرف المضارعة قبله.
ولكن هذا يرد عليه إيرادات منها: أن حرف المضارعة موجود حتى في الفعل المضارع المنصوب والمجزوم. ومنها: أن حرف المضارعة هو في حقيقته وإن لم يكن حرفا أصليا من حروف الفعل لكنه أحد حروف الفعل, أو الزوائد التي دخلت على الفعل وهي جزء من الفعل المضارع, ومن ثم فيترتب على ذلك أن يعمل جزء من الكلمة في جزئها الباقي, وهذا ليس له نظير في كلام العرب أن يعمل بعض الشيء في بعضه الآخر0
ومن قائل: أن حلوله محل الاسم هو الذي رفعه, ومن قائل: أن عمله عمل الاسم أو كونه في شبه بالاسم, لأننا نعرف أن الفعل المضارع سمي مضارعا لمضارعة الاسم -المضارعة هي المشابهة- فهو يشبه اسم الفاعل في حركاته وسكناته "يَضْرِب" عبارة عن حركة، ثم سكون، ثم حركة، ثم بعد ذلك حرف الإعراب ,كذلك "ضَارِب" حركة وسكون، ثم حركة ثم حرف الإعراب فهو يشبهه ويضارعه, فحينذاك قالوا: إن هذه المضارعة وهذه المشابهة هي التي رفعته، لكن هذا أيضا لا يسلم من رد بأن يقال مثلاً: إن مضارعته للاسم أوجبت إعرابه، لكن أي نوع من أنواع الإعراب؟ ليس هناك مسوغ أو موجب للرفع بذاته, وعلى كل حال هذا خلاف لفظي, والمقصود بالخلاف اللفظي أنه لا يترتب عليه كبير فائدة.(1/4)
الفائدة المقصودة من هذه التقديرات هي أن يسير الشيء على طريقة واحدة, وهي أنه ما دمنا اتفقنا على أن كل أثر لا بد له من مؤثر نستحضر سببا أوجب هذا الرفع الذي يسلم من كل ناقض, هو أن نقول: أن تجرد من الناصب والجازم هو الذي أوجب له هذا الرفع.
هذا ما يتعلق بالحالة الأولى، والأصل في إعراب الفعل المضارع, ويتبقى الحالتان الأخريان من حالات الإعراب- إعراب الفعل المضارع- وهما النصب والجزم, والجر لا مدخل له لأن الأفعال لا تجر.
تقول: التقدير في الحركات حسب التعذر والثقل، وتقول: إن الألف يتعذر ظهور ونطق الإعراب عليها في كل الأحوال، لكن الواو والياء يثقل إظهار الضمة عليهما فقط
الإجابة يمكن أن تختصر كما فعل الإخوة, ويمكن أن تفصل.
الحركات تقدر على بعض الكلمات؛ لأن أصل الحركات التي تدخل عليها مختلفة فمثلاً: الاسم يدخل عليه ثلاثة حركات الضمة والفتحة والكسرة, أما الفعل فلا يدخل عليه إلا حركتان وهي الضمة والفتحة, وأما السكون فهو ليس بحركة أصلا وإنما هو عدم الحركة.
من هنا تفاوت التقدير؛ فالأسماء منها ما يقدر عليه الحركات الثلاثة كلها كما عرفنا: كالاسم المقصور الذي آخره ألف, أو المضاف إلي ياء المتكلم, ومنه ما تظهر عليه حركة وهي الفتحة وتقدر عليه الحركتان الباقيتان الضمة والكسرة, وذلك في الاسم المنقوص المختوم بياء لازمة كالقاضي والداعي.
بالنسبة للأفعال :منها ما تقدر عليه الحركتان معا الضمة والفتحة، وذلك في الأفعال التي آخرها ألف؛ لأنه يتعذر إظهار الحركة على الألف, ومنها ما يمكن إظهار الفتحة عليه ويثقل إظهار الضمة، وذلك في الفعل المضارع المختوم بواو أو ياء فتقدر عليه حركة واحدة وهي الضمة للثقل، وذلك كما في يدعو وفي يرمي, فيثقل إظهار الضمة على الواو أو الياء.
هذا هو الذي جعل التفاوت بين هذه الكلمات من أسماء وأفعال في عدد الحركات التي تقدر فيها.(1/5)
أحب أيضا أن أبين أن ما يرد من أسئلة حتى لو كانت الأسئلة عامة لا تحيف أو لا تقع على موضوع الدرس؛ إذ إن هناك استفسارات لغويةً عامة يمكن الإجابة عليها إذا كانت سريعة من باب أن بعض الإخوة يحرص أن يسأل أحيانا ويتصل بالإخوة، ويقول: إني أريد أن أسأل عن بعض الأسئلة التي أحيانا تكون خارج موضوع الدرس -لا إشكال في استقبال مثل هذه الأسئلة على أن لا تطغى على موضوع الدرس وتجيب على شيء في نفوس الإخوة السائلين.
يقول: عندي سؤال فيما يخص تنوين العوض يا دكتور- آسف أنا سيكون سؤالي- كما ذكرت- هو في تنوين العوض. شاع عند الناس تنوين "قاضٍ وداعٍ وساعٍ" أنه تنوين عوض –أرجو- يقيسونها على غواشٍ كما ذكرها العلماء فأرجو إيضاح هذه المسألة مشكورا يا دكتور
الذين قالوا: التنوين في هذه لأنهم رأوا أن آخر الكلمة ياء فهي اسم منقوص, ولذلك قالوا : إن التقدير فيها عوض عن الحرف- هذه الياء المحذوفة-. بالنسبة لمثل غواشٍ هذه حذفت ياؤها وعوض عنها بالتنوين في مثل داعٍ وقاضٍ ,هذه أصلها داعيٌ لكن لما اجتمعت الياء التي يوقف عليها ثم بعدها التنوين, والتنوين نون ساكنة فاجتمع الساكنان فثقل, واجتماع الساكنين أمر محتمل تقول: رجلان؛ لأن الوقف لا إشكال فيه، لكن اجتماعهما في درج الكلام -وسط الكلمة- هذا متعذر وغير مقبول, إلا أن هذا الأمر أعني حاجة الوقف على الكلمة, وفي نفس الوقت التنوين الذي يدخل عليها كان من التخفيف فيها أن تحذف ياؤها, ويكتفى بالتنوين؛ لأن التنوين جيء به لغرض, أما الياء هي جزء من الكلمة إذا حذف هذا الجزء بقي من الكلمة ما يدل عليه، هذه هي مسألة التنوين الذي يذكر في آخر الاسم المقصور ويستغنى به عن الياء.
تقول: ما ترتيب المعارف حسب قوتها؟(1/6)
المعارف ستأتي وفيها- ترى- خلاف في مثل ترتيبها, وأحب عندما أذكر الترتيب أن أبين العلة- نعم إن أذِنت نتركها وليست بعيدة سيأتي قريبًا موضوع المعارف حتى يكون كلاما معللاً , ولم يتفق على هذا الترتيب لأن العلماء اختلفوا في المعارف, وبالذات فيما بينها وإن رأوا بعضها أعرف من بعض لكن الترتيب فيما بينها يحتاج من التعليل عند ذكره.
نأتي "لنصب الفعل المضارع".
نواصب الفعل المضارع أربعة "لن وكي وإذن وأن" والعلماء يذكرونها بهذا الترتيب, وابن هشام الأنصاري -رحمه الله تعالى- أيضا في هذا المتن رتبها في هذا الترتيب يبدءون بـ "لن" لأنها هي الناصب الوحيد الذي لا يأتي إلا ناصبا, "كي وإذن وأن" تأتي لغير نصب الفعل المضارع لكن "لن" كلما جاءت جاء المضارع بعدها منصوبًا مباشرة, ومن هنا هم يبدءون بهذه الأمر ويؤخرون الحديث عن " أن" وإن كانت هي أم الباب وأم النواصب لطول الحديث فيها؛ لأنها تعمل ظاهرة ومضمرة, والتفصيل فيها كثير فيؤخرون الكلام فيها حتى يكون التفصيل في آخر الأمر.
من هنا يبدءون بالحديث عن "لن" لن هذا إن جئنا في معناه فهو ناصب للفعل المضارع كغيره من الأدوات, لكن بالنسبة لمعناه هو يفيد النفي فتقول: لن يفعل فلان كذلك, وتقول: النفي المستقبل بمعنى أنك تنفي حصول الشيء في المستقبل، وهذا يستفاد من كلمة "لن" بعينها فهو نفي مستقبل, وهذا يظهر الخطأ الشائع الذي يأتي على لسان بعض الإعلاميين؛ أو بعض المتحدثين عندما يقول: "سوف لن يحصل كذا" فلست في حاجة لأن تقول سوف؛ لأن الاستقبال حصل بـ "لن" نفي المستقبل حصل بـ "لن" فأنت إذن تقول: سوف لن يحصل كذا أنت تضيف حشوًا لا قيمة له.
ومن هنا فالاستقبال كاف بذكر لن وحدها؛ لأنها لنفي المستقبل.(1/7)
من الأمور التي قد يحب بعض الإخوة المشاهدين أن تذكر في هذا المقام يعرف بعض العلماء لن بأنها حرف نفي واستقبال لا تفيد تأبيدا خلافا، للزمخشري في أُنموذجه, ولا تأكيدًا خلافًا له في كشافه، لماذا هذا الكلام ولماذا يقال؟
أنا أذكر هذا الكلام ليس من باب الإطالة ولا من باب سوق الخلافات, ولكن لأن هناك حكمة أو علة في الأمر ينبغي لطالب العلوم بعامة, وطالب العلم الشرعي بخاصة أن يتصورها في مثل هذا المقام وهي أن: الزمخشري وهو أحد علماء العربية الكبار له كتابان كتاب في النحو موجز اسمه "الأُنموذج" وكتاب في التفسير موسع اسمه "الكشاف" لا أدري هل هناك شيء يحتاج إلى معرفة؟
يقول: في دخول الضمائر ألف الاثنين، وواو الجماعة، وياء المخاطبة على الأفعال الناسخة كيفية إعرابها؟
مثل كان؟
تدخل عليها ألف الاثنين يكونان ,ثم واو الجماعة يكونون, ومن ثم ياء المخاطبة تكونين؟ كيفية إعرابها؟
تقول لي سؤالان : السؤال الأول: بالنسبة لما ذكرت في الدرس السابق عن الهمزة المتوسطة, وأنه ينظر إلى حركتها وحركة ما قبلها, استشكلت عليّ كتابة بعض الكُتّاب كلمة" مسئولية" يكتبون الهمزة على كرسي مع أنها غير مكسورة , ولم تسبق بكسرة فهل لكتابتهم بهذه الطريقة وجه؟
والسؤال الثاني: عندما يتحدث المخاطب عن نفسه ويقول مثلاً: لم أدعُ إلى فضيلة أدعو هل هنا تكتب الواو أو تحذف؟
أما سؤال الأخ لما ذكر يكونان ويكونون يقول: كيف تعرب؟ ما أدري أنا لا أعلم يريد كيف يعرف الفعل أو كيف يعرب الضمير, لكن أعربهما معا أما الفعل فأقول: فعل مضارع من الأفعال الخمسة مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون كغيره من الأفعال, وأما الضمير ألف الاثنين أو واو الجماعة فهذا نعربه اسما لها, ويكون الخبر بعدها.(1/8)
فنقول مثلاً "يكونون كرماء" واو الجماعة اسم كان أو اسم يكون مبني على السكون في محل رفع اسم لها, وما بعدها يكون خبرا لها منصوبا. هذا ما يتعلق بسؤال الأخ, وإعرابه بالنسبة لثبوت النون أو حذفه هو مثل غيره من الأفعال. فأقول: يكونان يرفع بثبوت النون, وأقول لم يكونا فيجزم بحذفها .
الأخت التي سألت عن مسئولية هي تقول: إنها تكتب على نبرة .
القاعدة لها معروفة وهي: أن الهمزة المتوسطة ينظر إلى حركتها وحركة ما قبلها, أقوى الحركات الكسرة تليها الضمة ثم الفتحة, والسكون هو أخف من الحركات كلها. فينظر إلى حركتها وحركة ما قبلها: إن كان فيهما كسرة وهي أقوى الحركات وضعت على كرسي, وإن لم يكن فيهما فينظر هل فيهما ضمة؛ لأنها هي التالية لها في القوة, فإن كان كذلك وضعت الهمزة على واو فإن لم يوجد هذا ولا هذا فتبقى مسألة الفتحة فتوضع على ألف وإن لم يمنع من وجودها على الألف مانع.
مسألة" مسئولية وشئون" هذه من الكلمات لو أردنا تطبيق القاعدة عليها فينبغي أن تكون على واو؛ لأن السين قبلها في مسئولية السين ساكنة والهمزة نفسها مضمومة. الضمة إذن هي أقوى ما عندنا الآن فنضعها على واو هذه هي القاعدة فيها القياسية فيها, لكن صار الكُتّاب على هذا في أقطار كثيرة, وفي عصور أيضا كثيرة -ليس فقط في العصر الحديث ولكن في العصور المتأخرة- على أن يكتبوها على كرسي وأيضا لا يصح تخطئة الأمر وقد شاع وكثر، حتى في كتابات بعض الكتابات المتأخرة ليست قديمة جدا، ولكن أقصد المتأخرة من قرون هي تكتب هذه الطريقة، فنقول: الأَوْلى لمن كتب أن يلتزم القاعدة في هذا وأن يكتبها على واو, ومن كتبها على نبرة فلا يخطأ؛ لأنه سار على نمط سائد وموجود.(1/9)
فيما يتعلق بمسألة "لم أدعُ "هذا فعل مضارع معتل الآخر دخلت عليه لم فيجزم, ويكون علامة جزمه حذف حرف العلة وهي الواو, وتبقى العين مضمومة ولا نسكن العين؛ لأن الجازم أخذ حقه بحذف حرف العلة فلا نحيف على الفعل بأن نحذف واوه, ونحذف ضمة وسطه عينه، بل نبقي الضمة عليه إلا في حال الوقف فإنه يوقف على كل الكلمات بالسكون كما هو معلوم.
أعود في شيء يا شيخ
يوجد مجموعة كبيرة لكن
-أنا أعود للموضوع حتى.... مسألة نعم.-
يقولون في تعريف "لن" حرف نفي واستقبال لا يفيد تأبيدا خلافا للزمخشري في أنموذجه -وهذا كتاب نَحوٍ -ولا تأكيدا خلافا له في كشافه.
الزمخشري كما نعلم هو أحد علماء العربية الكبار لكنه في معتقده معتزلي المعتقد, والمعتزلة من معتقداتهم أنهم ينفون الصفات, وهنا يأتي أهمية معرفة أو ينبري أناس من المختصين في اللغة العربية , ويوجد الحقيقة من انبرى لدراسة أثر تسخير العلم بعلوم اللغة في خدمة المعتقد؛ لأنه بعض العلماء يستغلون مثل هذا في خدمة معتقداتهم.
الزمخشري استغل هذا في خدمة معتقده, فلما كان المعتزلة ينفون رؤية المؤمنين لله -سبحانه وتعالى- في الجنة, ونحن نعلم أن معتقد أهل السنة والجماعة أن من أكبر نعيم الجنة أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة، كيف استطاع الزمخشري-أو أراد- أن يجعل له دليلا من القرآن على أن المؤمنين لا يرون ربهم في الجنة؟
قال إن الله قال لموسى -عليه السلام-: (لن تراني) ولن تأبيدية فلن تراني؛ إنك لن تراني لا في الدنيا ولا في الآخرة, و معنى ذلك: أن المؤمنين في الجنة لا يرون الله فكأنه يقول: إن هذا دليل نقلي على نفي الرؤية, وهذا كلام مردود.
لأن "لن" العلماء يعلمون أنها لا تفيد التأبيد, وهناك ما يمنع ذلك أيضا من كلامه.(1/10)
إن قال قائل: كيف نرد عليه في مثل هذا فنقول: لو كانت لن تفيد التأبيد -تأبيد النفي- لما احتجنا لما يدل على التأبيد عندما يكون النفي تأبيديًا حقيقيا. عندما يقول الله -سبحانه وتعالى-: ?وَلَن يَّتَمَنَّوْهُ أَبَدًا? [البقرة: 95] لو كانت لن تفيد التأبيد ما احتجنا إلى أبدًا.
فقوله -سبحانه وتعالى- "أبدا" معناه تأبيد النفي, وهذا أخذ من "أبدا" ولم يؤخذ من لن. فإذن لن وحدها لا تفيد التأبيد, ولذلك تستطيع أن تقول: لن يحصل كذا ثم يعرض عارض فيحصل. أنت نفيت حصوله بما تعلمه، لكن قد يحصل بعد ذلك ما يدفع هذا النفي ويعيد هذا الأمر إثباتا, وهذا دليل على أن مسألة التأبيد فيها غير ظاهرة. ?وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا? [الكهف: 20]
أيضا في الكشاف وهو التفسير قال: إن "لن" تفيد تأكيد النفي، هنا ليس فيها شيء من الخدمة المعتقد؛ لكنها رأي نحوي. وهذا الرد أيضا رد عليه قيل: إن "لن" نافية ولكنها لا تأكيد فيها للنفي فأنت عندما تقول: لن يقوم في مثابة قولك لا يقوم -ليست أقوى من قولك لا يقوم- ففيها نفي، لكن بلا تأكيد فكلا الرأيين مردود عليه ولا يوافق عليهما.
تقول: أسأل عن الأوجه الإعرابية لـ "لكن".
عفوا أختي كيف الأوجه الإعرابية لـ "لكن"؟
كذا وجه لها أوجه إعرابية متعددة
تقصدين إذا دخلت على جملة أو لكن وحدها.
نعم لوحده
الكلمة وحدها لا يكون لها إعراب؛ الإعراب طرف من التركيب.
نعم إذا دخلت علي جملة .
والسؤال الثاني: إذا كان الاسم المفرد مثنى على شكل جموع مثل أسنان ونجود؛ فمثل هذه الأسماء تتناسب مع الذوق العربي الفصيح أو لا؟
بالنسبة لمسألة "لكن" كيف أوجه الإعراب فيها؟
" لكنّ" حرف استدراك, وهي من أخوات إن, وتعمل عمل إن تنصب الاسم وترفع الخبر -معناها الاستدراك-, وإعرابها حرف ناسخ لا محل له من الإعراب, وما بعده يكون اسم لها, ثم بعدها خبر لها.(1/11)
قد تخفف فيقال: لكنْ, وهذا يكون استدراك فيها أقل من الاستدراك بـ"لكنّ" لأن الزيادة في مبنى تدل على زيادة في المعنى .نعم الزيادة في التشديد هنا تدل على زيادة في المعنى.
مسألة التسمية بالجموع أو بما هو على صورة المثنى لا إشكال فيه؛ لأنه موجود التسمية بهذه الأمور, وهذا يرجع لذوق المسمي نفسه ما دامت الكلمة عربية ولها معنى.
لكن الإشكال يأتي في مسألة التسمية بألفاظ أعجمية، أو غير معلومة المعنى، وحينئذ إذا دقق الإنسان في معناها علم أنه تمنى أن لم يسم بها. وقد -هذا من باب الاستطراد- انتشرت - الآن تسمية بالكلمات، أو بأسماء لا يعرف الوالدان معناها لمجرد أن جرس الاسم له رنين في آذانهما, أو أن الناس سموا بها, أو أن الناس استحبوه أو استملحوه, وقد يكون له معنى غير مناسب مثلا, أو قد يكون لا معنى له أصلا؛ لأنه كلمة أعجمية ليس لها معنى في لغة العرب.
من هنا يأتي الحث على مستويين: مستوى الوالدين نفسيهما بأن في العربية من جمال الألفاظ, وجمال الأسماء ما يغني عن اختيار مثل هذه الأسماء غير العربية, وأيضا حذف المعنيين بالتسمية- أقصد-: في نطاق الأحوال المدنية إن لم يمنعوا فليذكروا على الأقل بطريقة ما باستحسان مثل هذه الأمور, ولن يعدم المسؤولون وسيلة لأن يعينوا الناس أن يحبوا لغتهم وأن ينصروها، وليست قضية نصرة فقط, ولكنها هي لغة جمال, وسيجدون في ألفاظها وفي أسمائها ما يغنيهم عن تلك الكلمات غير العربية.
والجهود في مثل هذا المقام موجودة عندما تمنع مثلاً: الوزارات المعنية بالتجارة, وغيرها تمنع الأسماء المؤسسات أو غيرها إذا كانت غير عربية؛ فالأسماء من باب أولى أن يعتنى بها؛ لأنه يأتي وقت من الأوقات يصبح نصف أسماء المسلمين غير عربي, وهذه مشكلة وقدح في هويتهم أي- انتقاص للغتهم- وهذا من أهم صور هزيمتهم في أنفسهم.(1/12)
نرجع إلي ما نحن فيه :هذه الناصب الأول "لن" أقوم هذه لن ناصبة تفيد النفي؛ ومع ذلك نفي القيام في الوقت المستقبل "وأقوم" فعل مضارع منصوب بـ "لن" وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. فهذا الناصب الأول من نواصب الفعل المضارع وهو "لن" وعرفنا -من خلال ذلك- أن "لن" هذه لا تستعمل إلا مع الأفعال المضارعة لتنصبها؛ بخلاف ما -سيأتي بعد قليل؛ أن "أن" مثلا أو "كي" قد تستعمل في غير هذا المقام لكن عندما تأتي في هذا المقام تكون ناصبة.
"كي" التي تنصب الفعل المضارع, وهي الحرف الثاني من نواصب المضارع هي المصدرية. عندما يقول -سبحانه وتعالى-: ? لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ ? "تأسوا" هذا فعل مضارع منصوب بكي وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة.
والنحويون يقيدون بأن تكون كي مصدرية؛ فيقولون: إن الناصب هو كي المصدرية معنى ذلك -أنها تدل في معناها على المصدر بمعنى: أنها تصاغ مع ما بعدها بمصدر- فعندما نقول مثلاً في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ? نستعمل أن –نقدرها- بأن نقول: لعدم الأسى على ما فاتكم هذا تقديرها.
ويشترطون لنصب كي: أن تدخل عليها لام الجر بأن يكون قبلها اللام مثل: ? لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ?, وهذا الدخول: قد يكون ظاهرا مثل هذه الآية, وقد يكون مقدرا مثل: ? كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً ?، التقدير: لكي لا يكون؛ لكونها معلومة حذفت هنا فسواء ظهرت أو قدرت؛ لا بد أن تكون اللام موجودة معها.
يقول قائل: اللام نعرف أنها حرف جر ماذا تعمل هنا؟(1/13)
نقول: نعم لا تزال حرف جر في هذا المقام ما مجروها! ليست كي ؛لأن كي حرف؛ والحرف لا يجر؛ ولكن مجرور اللام هو المصدر المؤول -عرفنا أن كي حرف مصدري يؤول مع ما بعده بمصدر- فكي وما دخلت عليه في تقدير مصدر، هذا المصدر هو المجرور باللام فقولك مثلا: "جئتك لكي تكرمني" اللام حرف جر, وكي أداة نصب, وتكرم فعل مضارع منصوب والتقدير الإكرام مع كي وما دخل عليها, والمصدر هذا المتصيد أو المنسبك أو المؤول هو المجرور بحرف الجر اللام في محل جر بحرف الجر اللام.
الناصب الثالث: هو "إذن" هذه قد تكون من أقل حروف النصب استعمالا -هي أقل استعمالا من أَنْ ولَنْ وكَيْ-؛ ولكنها مما ينصب الفعل المضارع, وهي حرف جواب.
سبب قلة استعمالها أنها لا بد أن يجاب بها عن شيء؛ لكن لا تبدأ أنت الكلام وتقول: إذن يحصل كذا؛ لا بد أن يكون هناك كلام سابق, أو أن يكون فيه نوع من الحوار بين متحدث ومن يستعمل إذن ناصبة.
من هنا قَلَّ استعمالها في الكلام؛ ولكنها إذا استعملت فهي ناصبة. يشترطون لها: أن تكون في أول الكلام -في صدر كلام المتكلم- مع ذلك يسبقها كلام، ولكن من شخص آخر فتجيبه أنت بقولك: إذن يحصل كذا وتنصب حينذاك.
ويشترطون أن يكون ما بعدها مستقبلا, ولقلة استعمالها، ولكونها ليست أُمًّا للباب, وأنها ليست أصلا في هذا المقام؛ ينبغي ألا تفصل عن الفعل الذي بعدها بفاصل، ويتجاوزون عن القسم؛ فالقسم كعدمه لأنه عبارة عن اعتراض بالقسم لا يفصل حقيقته بين الشيء وما اتصل به.
إذن قالوا: لا بد أن تأتي "إذن" في أول الكلام, وأن يكون مدخولها أو فعلها الذي بعدها مستقبلا, وألا يفصل عنها إلا بالقسم, فيتجاوز فيه. معنى ذلك أنها لو جاءت في وسط الكلام؛ "محمد إذن يقوم" لقلت: محمد إذن يقومُ، فلا تنصب بها، بل ترفع الفعل المضارع بعدها, وتكون مهملة لا تعمل؛ لأنها لم تتصدر وهو الشرط الأول في عملها.(1/14)
ولو أن شخصًا من الأشخاص قال لك: أنا أحبك فقلت: إذن تصدقُ لرفعت الفعل تصدق لماذا؟ لأن الفعل الذي بعدها ليس مستقبلا؛ لأنه يصدق الآن بكلامه, ونحن نشترط في الفعل الواقع بعدها أن يكون مستقبل الزمن؛ لأنك عندما تقول: إن تصدق أي إن تصدق في حبك لي، فتصدق هذا فعل وقع الآن، وقع وانتهى، ويقع الآن وليس مستقبلا.
ومن شرط المنصوب بإذن أن يكون مستقبلا، فإذن يرفع الفعل بعدها إذا لم يكن مستقبلا فنقول: إذن تصدقُ.
كذلك لو أنه فصل بينها وبين فعلها المضارع مثلا لو قلت: إذن يوم الجمعة أكرمُك، ترفع أكرمُك؛ لأنه قد فصل بينه وبين إذن بالظرف، ولو قلت: إذن في بيتي أكرمُك أيضا فصلت بينها وبين فعلها بالجار والمجرور, أو قلت: إذن يا محمد أكرمُك فصلت بين إذن وبين فعلها بالمناداة. هذه الفواصل تمنع عمل إذن فيما بعدها؛ فيجب أن يرفع الفعل بعد ذلك, وتكون إذن مهملة, ولا تنصبه لضعفها مقارنة بغيرها من أدوات النصب، فلا بد أن تتوافر فيها هذه الشروط لتعمل هذا العمل. هذا ما يتعلق بإذن وهي النصب الثالث.
تقول: تريد أن تعرف تصغير اسم زينب؟
"زينب" التصغير إذا كان الاسم ثلاثيا -وإن كان الحقيقة ليس الآن مقامه في مثل هذا المقام أحب أن أذكر القاعدة باختصار حتى تفيد الذي سأل وأيضا تفيد غيره.
التصغير له ثلاث صيغ: إما أن يكون الاسم المراد تصغيره ثلاثيا، فهذا يصغر على فُعَيْلٍ.
وإما أن يكون على أكثر من ثلاثة أحرف؛ فينظر في الحرف قبل الأخير إن كان حرف علة أو لم يكن حرف علة، فإن لم يكن حرف علة كما هنا فقبل الأخير نون زينب فهذا يصغر على فُعَيْعِل, وإن كان قبل الأخير حرف علة أشبع المصغر أيضا فقيل: فُعَيْعِيل، فما دام ليس قبل الأخير حرف علة فنقول: زُيَيْنَب؛ لكن إذا كان عندنا عصفور قبل آخرها حرف علة, أو مفتاح فنقول: عُصيفِير أو مُفيتِيح؛ لأن ما قبل آخره علة.
تقول: ما الفرق بين إذا وإذنْ؟(1/15)
لعلها تسأل: بين إذًَا وإذنْ -هي تسأل بين إذًا المكتوبة بألف وإذن المكتوبة بنون وكلها بالتنوين.
النحويون أو الكتاب يختلفون في كتابة إذًا الناصبة فمنهم: من يكتبها بنون, ومنهم من يكتبها بتنوين, ومن باب الدقة في الأمر يستحسن كثير من العلماء أن تكتب الناصبة بنون, وتكتب المهملة بتنوين حتى يعرف أن هذه ناصبة. فقط في الكتابة للتفريق بينهما.
قد تكتب بتنوين وتعمل, كثير من العلماء يستحسن أن تكون بنون إذا كانت عاملة ناصبة للفعل المضارع, وإذا لم تكن عاملة في الفعل المضارع -ناصبة للفعل المضارع- تكتب بألف، هذا هو الأوجه فيها، وإن كان مَنْ أعملها بتنوين لا يُنعى عليه ولا يخطأ.
يقول: ذُكِر في كتاب "الإنصاف" خلاف كبير حول تعريف الفعل المضارع المرفوع بأنه الذي لم يسبقه ناصب ولا جازم، ما الصواب في التعريف؟
هذا الأمر بدأتُ فيه وذكرته منذ قليل؛ فقلت: إن العلماء اختلفوا في مسألة الناصب والجازم , والذي جعلني أختصر أن هذا خلاف لفظي، معناه أنه ليس له ثمرة طويلة, وإنما هو نوع من تدريب الذهن على التعليل ومعرفة القضايا, والتمرس في القواعد, ولا ينبني عليه كثير فائدة.
الخلاف الذي ذكره "ابن الأنباري في الإنصاف" في مسائل الخلاف حول رافع الفعل المضارع. العلماء اختلفوا في ذلك، ومنهم الجمهور قالوا: الذي رفعه هو تجرده من الناصب والجازم, وهذا أمر عدمي وهذا عليه أكثر العلماء, وهو الذي يكاد يسلّم من الرد.(1/16)
منهم من قال: إن الذي رفعه هو حرف المضارعة, وهذا قد رددنا عليه بأن قلنا: إن حرف المضارعة في حقيقته جزء من الفعل فإن قلنا: إن حرف المضارعة هو الذي عمل؛ فيكون عمل بعض الشيء في بعضه الآخر, وهذا لا نظير له في العربية, منهم من قال: إن حلوله محل الاسم هو الذي جعله مرفوعا, وحينئذ أبطله بعض العلماء بأن قالوا: إن الاسم في مثل قولك: هلّا يقوم زيد؛ هنا يقوم لم يحل محل الاسم؛ لأن الاسم لا يقع بعد هلّا؛ ومع ذلك رفع فكيف نقول: إنه رفع لحلول محل الاسم مع أنه لا يصح وقوع الاسم بعد هذه الكلمة .
والخلاف في هذا طويل, وكما قلت لكم أنه إذا كان الخلاف لا يترتب عليه ثمرة عملية ينبني عليها إعراب, أو تغيير في الحكم, فإنه ينبغي أن يختصر في ذكره. نعم يذكر من باب التمرن والتدرب، لكنه لا يتوسع فيه حتى لا يضايق الأشياء المهمة في هذه الإرشادات لدي المتعلمين.
تقول: سؤالي يتعلق بالدرس السابق: ذكرتم في الأفعال, وفي الأمثلة الخمسة، وفي تعريف الأفعال الخمسة:كل فعل مضارع اتصلت به واو الجماعة أو ألف الاثنين أو ياء المخاطبة السؤال: ماذا إذا لم يكن الفعل مضارعا بأن كان ماضيا أو أمرا هل هناك حالة تبنى فيها الأفعال الخمسة ولا تعرب؟
إذا كان أمرا: فإنه يبنى حينذاك على حذف تقول مثلا: اذهبوا فيكون هذا فعلًا أمرًا مبنيا على حذف النون, فيكون بناءً ولا يكون إعرابا؛ لأن أفعال الأمر -كما نعلم- مبنية, وكذلك اذهبي واذهبا.
وأما الماضي: في ذهب وذهبوا وذهب فلا يكون للمخاطبة؛ لأن المخاطبة -أن تخاطب من أمامك- فلا تكون ماضية, لكن إذا جئت به مع واو الجماعة أو ألف الاثنين فهذا يكون في "ذهبا" يكون فعلا ماضيا مبني على الفتح وفي "ذهبوا" مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة ولا علاقة له بكونه من الأفعال الخمسة. فالأفعال الخمسة التي يتغير إعرابها هي ما يدخلها الإعراب, ولا يدخل الإعراب إلا المضارع من الأفعال.(1/17)
نواصل الآن في مسألة الناصب الرابع الأكبر وهو أم الباب: أن، وأن أكثر حروف النصب, والسبب في جعلها أم الباب -أو أنها الأصل في العمل في الفعل المضارع- تعمل وهي ظاهرة ومضمرة.
لن وكي وإذن لا يمكن أن تعمل؛ لأنها موجودة وهي ظاهرة؛ لكن "أن" أحيانا لقوتها وهي مختفية تنصب الفعل المضارع, ومن هنا قيل إنها أم الباب.
أما مسألة أنها تعمل ظاهرة فهذا واضح: ? وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَّغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ?، أن دخلت على الفعل المضارع يغفر فنصبته وعلامة نصبه الفتحة، وهذا ظاهر, ? يُرِيدُ اللهُ أَن يُّخَفِّفَ عَنكُمْ ? نقول: يخفف أيضا فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
قد يلتبس الأمر في أن تكون على أحد وجهين: قد تكون ناصبة, وقد تكون ما يسمونه بالمخففة من الثقيلة. فأوضح هذا بإيجاز: نحن نعرف أن من النواسخ أنْ أخت إنّ لكنها مفتوحة الهمزة. العرب يخففون أنّ يقولون: أنْ فتلتبس, وتشبه في الصورة بأن الناصبة للفعل المضارع؛ مع أن هذه لا علاقة لها بهذه تلك تنصب الفعل المضارع, وتلك تدخل على المبتدأ والخبر فتنصب الاسم وترفع الخبر.
إن سألتني ما الذي تعمله أن الناصبة؟ نقول: تنصب الفعل المضارع -كما هو معلوم-. ما الذي تعلمه المخففة من الثقيلة؟ هي عمل أصلها وهي الثقيلة؛ ولكنها عندما تخفف يصبح اسمها ضميرا اسم ضميرا الشأن: ? عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى ? لاحظ أنه قال: سيكون؛ ما نصب الفعل المضارع بعدها؛ لأن هذه ليست أنْ الناصبة؛ وإنما هي المخففة من الثقيلة, فبعدها اسم وخبر، أين اسمها؟ التقدير أنه أي الشأن سيكون منكم مرضى، فالهاء التي هي الضمير هي اسم أن المخففة من الثقيلة, وجملة سيكون منكم مرضى هي في محل رفع خبر أن المخففة من الثقيلة, إذن تلك داخلة على الجملة الاسمية, وهذه داخلة على الجملة الفعلية, فرق بينهما والتشابه بينهما في الصورة.(1/18)
عندما يقول قائل: متى تقع هذه؟ ومتى تقع هذه؟
الجواب: إن سبقت أنْ بما يدل على العلم فهي أن المخففة نفسُها ? عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى?، علم أن سيكون سبقت بعلم فهذه المخففة من الثقيلة؛ وحينئذ يرفع الفعل المضارع بعدها, ويكون هذا الفعل المضارع عبارة عن جملة فعلية هو وفاعله جملة فعلية خبر لأن, واسمها ضمير-يسموته ضمير الشأن- لأن التقدير علم أن الشأن -القضية والحال سيكون منكم مرضى- فالضمير هو اسمها إن سبقت بظنٍ ?وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ? معنى ظنوا فهذه تحتمل أن تكون ناصبة, وأن تكون مخففة من الثقيلة.
وإن كان استعمالها ناصبة أكثر ولذلك أجمع القراء على النصب في قوله تعالى: ? الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا?، نعم جاءت أن بعد حسب فكل قراء السبعة أجمعوا على نصب الفعل المضارع" يتركوا" بعدها.
?وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ? قرأ بعض القراء السبعة: "أن لا تكونَ" وبعضهم "أن لا تكونُ" فمن قدرها بأن لا تكونَ فهي حينئذ ناصبة للمضارع, ومن قرأها "أن لا تكونُ" فهي أحيانا مخففة من الثقيلة, واسمها ضمير الشأن أنه الشأن لا تكون فتنة هذا إذا سبقت بظن.
ما هو الظن؟
الظن هو درجة من درجات العلم؛ لكنها لا تبلغ مبلغ العلم اليقين, فإن لم تسبق بعلم ولا بظن فهي ناصبة قطعا -ناصبة للمضارع-, وإن سبقت بعلم فهي مخففة للثقيلة قطعا, وإن سبقت بظن -وهو درجة من درجات العلم دون اليقين- فهي محتملة الأمرين, والأكثر فيها أن تكون ناصبة. هذا ما يتعلق بمسألة الاشتباه.
قد يقول قائل: ? سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى ? ما نصبت أن، وأنا وضحت هذا حتى لا يلتبس الأمر عليهم ويقولوا: لماذا لم تنصب أن في هذا الحال؟ نقول: هذه أنْ ليست صاحبتنا؛ ولكنها أخف من الثقيلة التي هي في أصلها أنّ.
هذا في ما يتعلق بعمل أن وهي ظاهرة, وذكرنا في البداية أن لقوتها تعمل وهي مضمرة.
هلا تفضلتم بطرح أسئلة هذه المحاضرة؟.(1/19)
السؤال الأول:
قال الزمخشري: "لن تفيد تأبيد النفي وتأكيده" كيف ترد عليه؟
والسؤال الثاني:
ما المقصود بأن المخفة من الثقيلة؟ وما إعراب ما بعدها؟
يقول: فماذا عن أن المفسرة؟
أن المفسرة هي الحقيقة مختلف فيها هم يقولون: ما سبقت بجملة فيها معنى القول دون حروفه: كتبت إليه أن يفعلوا كذا, ذكرها كثير من النحويين -معنى أي يفعل كذا-؛ لكنه الحقيقة غير متوجهه, ومن قال: إذا قلت: كتبت إليه أن يفعل فهذه ناصبة الحقيقة وتقديرها بأن يفعل فيها نظر, وإن ذكره بعض العلماء, وممن ذكره ابن هشام أيضا، لكني لم أذكرها لأنه الرأي فيها في ظني أنه مرجوح, وما قاله كثير من العلماء في أن هذه التي هي بمعنى أي في حقيقتها ليست بمعنى أي؛ ولكنها ناصبة للفعل المضارع هو المتوجهه فيها والمعنى يسند ذلك.
والله أعلم(1/20)
لغة عربية - المستوى الرابع
الدرس العاشر
عمل "أن"
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أؤكد ما طلبه عدد كبير من الأخوة من أنه ليس هناك قناة وسيلة للإجابة على أسئلة اللغوية أو النحوية بالدرجة الأولى إلا هذا الدرس، ولذلك نستقبل -إن شاء الله- معا ما يرد من استفسارات لغوية، وإن كانت ليست منصبّة على الدرس الذي نحن فيه بالضبط على أن لا يحيف ذلك على ما نحن بصدده؛ لأن الأصل هو شرح الكتاب المحدد المقرر.
بالنسبة لأسئلة الحلقة الماضية كان السؤال الأول:
الزمخشري قول الزمخشري نعم
لن تفيد التأبيد والتأكيد فالمطلوب هو كيفية الرد عليه.
وكانت الإجابة: الرد على الزمخشري:
أولا: بقوله تعالى: ? وَلَن يَّتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ? لو كانت "لن" على التأبيد لما قال الله تعالى أبدا؛ إذ بدون "أبدا" قد يتمنوه فهي ليس تأبيدية: ? فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ? فالمقصود في قوله –تعالى- ?لَنْ تَرَانِي? نافية مستقبلية، وليست تأبيدية وكذلك في قوله تعالى: ? وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ?.
أما المعنى الثاني على التأكيد مثل "لن تشرب" هذه نافية؛ أي لا تشرب وليست تأكيدية هذا إجابة السؤال الأول.
والسؤال الآخر الفرق بين "أن" الناصبة و"أن" المخففة من الثقيلة هنا إجابة من الأخت تقول:
أولا: "أن" الناصبة هي التي تدخل على الفعل المضارع فتنصبه. وأما "أن" فهي مخففة من "أنَّ" فهي من النواسخ اسمها ضمير مستتر يسمى ضمير الشأن فهي تدخل على الجمل الاسمية إن سبقت "أنْ" بما يدل على العلم فهي المخففة من الثقيلة قطعا، ويجب في الفعل الذي بعدها أن يُفصل عنها بحرف من حروف أربعة وهي حروف التنفيس حرف النفي "قد"، "لو" نحو قوله تعالى: ? عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ ?.(1/1)
ثالثا: إن سبقت "أن" بظن فهي تحتمل أن تكون ناصبة للفعل أو مخففة من الثقيلة وحملها على أن تكون ناصبة أكثر من نحو قوله تعالى: ? أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا ?، ونحو قوله تعالى: ? وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ ?.
رابعا: إذا لم تسبق بعلم ولا بظن فهي ناصبة قطعا نحو قوله تعالى: ? وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَّغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ?
أشارت إلى إعراب هي طويلة
المقصود بالإعراب إعراب ما بعد "أن" المخففة من الثقيلة لأنها تعمل عمل أصلها وهي "أنَّ"، وحينئذ اسمها ضمير مستتر والجملة بعدها خبر.
دعاني يا شيخ أحمد قبل قليل قراءتكم منذ قليل للتفاوت في نحو أو أحيانا نحوها أن أبين فائدة في هذا طبعا مسألة "نحو" هذه هي تستعمل في العربية استعمالين؛ إما تكون بمعنى "مثل" وهذا هو المقصود عند الحديث في النحو مثلاً يعني نقول أذكر القاعدة ثم أقول "نحو كذا"؛ أي "مثل كذا"، وإما أن تكون للجهة؛ "توجهت نحو الكعبة"، "نحو القبلة"، "توجهت نحو المنزل"؛ أي إليه باتجاهه؛ فهي حينئذ ظرف.
فإن استعملتها للتمثيل فارفعها؛ لأنها خبر للمبتدأ المحذوف والتقدير "وذلك نحوُ"، وهذا مثل كذا فهي خبر لذلك المقدر. وإن استعملتها "توجهت نحو البيت"؛ فهي ظرف مكان وأيضا ينصب حينئذ.
إذن إذا نصبها القارئ؛ فهو يقصد الظرفية، وإذا رفعها؛ فهو يقصد المثلية ومن ثم فهي في مجال النحو ينبغي أن ترفع فنقول نحوُ كذا نحوُ كذا لأن التقدير "وذلك نحو" طبعا هذا عرضي لكنه فائدة عامة ربما لا يرد لها وقت فهذا أوان حديثها.(1/2)
نبدأ بعون الله -سبحانه وتعالى- في الحديث عن عمل "أن". نحن عرفنا أنّ "أنْ" بالنسبة للنواصب هي أم الباب، وأكثر هذه النواصب استعمالا. وإنما جعلت هذه الأداة -أقصد نواصب الفعل- نحن عرفنا أن الفعل المضارع ينصب بنواصب، ومرت بنا وهي: "لن وكي وإذن"، وجئنا للحديث عن "أن" وتبين أنها هي أصل هذه النواصب، وإنما دعاها النحويون أصلا وأمًّا لهذا الباب؛ لأنها تزيد على بقية أخواتها بأنها تعمل في الفعل ظهرت أو أضمرت وهذا دليل على قوتها لأن من يعمل حتى وهو غائب هذا دليل على قوته، أما بقية الأدوات؛ فإنها لا تعمل إلا وهي ظاهرة، وهذا دليل على أنها دون "أن" فـ"أن" إذن لقوتها تعمل ظاهرة ومضمرة ولذلك طالت التفاصيل فيها، ومن هنا يؤخرها بعض العلماء.
يسأل بعض الناس ويقول "أن" دائما مضمرة مختفية؟
نقول: لا.
نحن عرفنا في الدرس السابق عند التفريق بينها وبين "أن" المخففة من الثقيلة أنها تأتي ظاهرة: ? وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَّغْفِرَ ? فـ"أن" هذه ناصبة وهي مذكورة. لكنها لقوتها قد تعمل وهي مختفية مستترة، وهذا الاستتار أحيانا أنت مخير في إظهاره وإخفائه وأحيانا أنت ملزم بستره. وهذا ما يدعونه "إضمار أن جوازا"، و"إضمار أن وجوبا" بمعنى أن إضمار "أن" جوازا يعني للمتكلم للناطق لصائغ الجملة أن يظهرها إن شاء، وأن يخفيها إن شاء، وأما المستترة وجوبا فيجب أن تختفي وأن تعمل في الفعل المضارع الموجود ولكن وهي غير موجودة ولكل واحد مواضع.
يذكرون فيما يتعلق بإخفاء عملها وهي مستترة جوازا يذكرون له في مثل قول الله -سبحانه وتعالى-: ? وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً ?، بعض الناس يسأل ويقول "يرسل" هذا فعل مضارع طبعا في قراءة النصب وهي إحدى القراءات السبعية.
الفعل المضارع هنا منصوب وليس قبله ناصب نقول نصبته "أن".
أين أن؟
مضمرة.(1/3)
وإضمارها جائز بمعنى أنه يصح في غير القرآن أن تقول "أو أن يرسل".
لماذا ساغ هنا أن نذكرها وأن نضمرها؟
قالوا: هذا أحد مواضع عمل "أن" وهي مستترة استتارا جوازيا. وذلك أنك عطفت بـ"أو" كما ترى. "أو" حرف عطف. عطفت به على اسم مرة وحيا إلا وحيا ثم جاءت أو يرسل. طبعا وحيا اسم ويرسل فعل وعطف الفعل على الاسم ما يسوغ فهناك "أن" مقدرة "أو أن يرسل" و"أن" وما دخلت عليه لتأويل مصدر إرسال أي ?إِلاَّ وَحْيًا? أو إرسالا.
فعطفنا حينئذ الاسم على الاسم بتأويل المصدر بأن هذه هي أحد المواضع أن يتقدم اسم هذا الاسم ليس مشتقا ولا مأولا بالفعل ولكنه اسم خالص، ويعطف عليه بعد ذلك فعل مضارع يكون منصوبا؛ حينئذ لك في "أن" تظهرها، وأن تضمرها، وتكون "أو" قد عطفت اسما منسبكا من "أن" وما دخلت عليه على الاسم المذكور سابقا لتتناسق الجمل وتكون كلها عبارة عن كلمات معطوف بعضها على بعض. ومثلها البيت بيت الشاعرة التي هي زوج معاوية بن أبي سفيان:
ولبسُ عباءةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي ..........................
ميسون بنت بحدل هي زوجة لمعاوية -رضي الله عنه- تزوجها من البادية، وأخذها من أهلها في البادية وكانت تعيش في الصحراء إلى قصر الخلافة ومع ذلك هي تحن إلى معيشة البادية فتقول:
لبيتٌ تَخْفِقُ الأَرْيَاحُ فيه أَحَبُّ إليَّ مِنْ قَصْرٍ مُنيفِ
إلى أن قالت:
ولبسُ عباءةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي أَحَبُّ إليَّ مِنْ لُبْسِ الشَّفُوفِ
أي: لبس العباءة التي هي لبس لا تقصد بها العباءة التستر ولكن تقصد بها لبس الغليظ الذي تلبسه نساء البادية أحب إليها من لبس الرقيق الذي تلبسه النساء المنعمات في القصور.(1/4)
فقالت ولبس عباءة وتقر فـ"تقرَّ" هنا فعل مضارع وبعد واو ومنصوب، ولكنه معطوف على اسم "لبس" وأن يعطف الفعل على الاسم فيه عدم تناسق، ومن هنا نصب الفعل ليقدر قبله "أن" ويصبح أن مع الفعل مصدر مؤول؛ أي قرار العين لينعطف هذا المصدر المؤول الذي هو اسم على الاسم السابق لبس فتتناسق الجمل ويكون فيها تناسق بين عطف مفرد على مفرد. هذا أحد مواضع عطف نصب بأن المضمرة جوازا.
يبقى موضع آخر أيضا وهو بعد اللام نحن نعرف أن اللام حرف جر فعندما نقرأ قول الله -سبحانه وتعالى-: ? إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ?1? لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ? واضح أن اللام تفيد التعليل لماذا تم الفتح؟ من أجل تحقيق المغفرة للرسول -صلى الله عليه وسلم- ? لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ? فهذه اللام نحن نعرفها في حروف الجر حرف جر، ولكن وقع بعدها فعل فيقول قائل نحن عرفنا أن من علامات الأسماء دخول حرف الجر عليها فكيف دخل حرف الجر على الفعل؟
الجواب: حرف الجر لم يدخل على الفعل وإنما دخل على الاسم. أين الاسم؟
"أن" وما دخلت عليه لتأويل مصدر؛ أي لأن يغفر للمغفرة.
طيب يغفر هذا ما شأنه؟
منصوب بـ"أن" مقدرة، ونحن نعرف أن "أن" هذه مصدرية و"أن" المصدرية تُؤول مع ما بعدها بمصدر اسم يكون هو المجرور باللام. إذن ليس المجرور باللام هو الفعل فإن الأفعال لا تجر ولكن المجرور باللام هو الاسم المقدر من "أن" وما دخلت عليه.(1/5)
هذا أحد مواضع إضمار "أن" جوازا فلك في غير القرآن أن تقول لأن يغفر ولك أن تخفيها كما جاء في الآية. فإذن هذا من مواضع تقدير "أن" جوازا. يقولون إن اللام هذه طبعا اللام تفيد التعليل ليغفر علة الفتح المغفرة ? وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ? علة الإنزال هو التعليل فإذن اللام هذه للتعليل عللت السبب. لكن لما جاء قول الله -سبحانه وتعالى-: ? فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ?، استشكل الأمر على بعض المفسرين وبعض النحويين قالوا كيف؟ نحن نعرف أن اللام طبعا هنا ليكون كما ترى اللام حرف جر دخلت على الفعل المضارع وحقيقتها أنها لا تدخل على المضارع لأنها هي من علامات الأسماء وإنما دخلت على الاسم المنسبك المقدر من أن المقدرة والفعل الذي دخلت عليه وهو اسم لكونه ليكون لكونه عدوا وحزنا.
مصدر الاستشكال أنهم قالوا نحن الذي نعرفه أن اللام للتعليل فإذا طبقناها على الآية: ? فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا? هل علة التقاطهم لموسى حتى يكون عدوا لهم؟ هم التقطوه ليكون كما ذكرت زوج فرعون ? قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ? هم يريدونه قرة عين، لكنه أصبح في مستقبل الأيام فيما يعلمه الله -سبحانه وتعالى- عدوا لهم فكان سبب هلاكهم بعد أن طغوا وبعد أن ابتعدوا عما أمرا لله به فاستحقوا الهلاك.(1/6)
إذن لم يكن لهم قرة عين كما طلبوا وإنما كان لهم عدوا وحزنا. لكن ليس التقاطهم له لأجل هذه العلة، وإن كان عاقبة أمرهم إن كان الأمر كذلك. لذلك يسمون اللام لام العاقبة وليست التعليل، فيقولون اللام الداخلة على "أن" والفعل هذه في معناها إما أن تكون للتعليل، وإما أن تكون للعاقبة؛ فللتعليل إذا بينت سببا، وللعاقبة إذا بينت مصير الحال كما في هذه الآية. وفي الحالين اللام داخلة على مصدر مقدر من "أن" المقدرة والفعل الذي بعدها ويكون هذا المصدر المنسبك هو المجرور بحرف الجر اللام. هذا هو الموضع الثاني من مواضع جواز إضمار أن بمعنى أنه لك في غير القرآن أن تقول لأن يكون لهم عدوا حينئذ تكون "أن" جائزة الإظهار وجائزة الإضمار.
بعد هذا يحسن التنبيه إلى شيء وهو نحن الآن ذكرنا أنه إذا وقعت بعد اللام إذا جاء الفعل المضارع المنصوب بعد لام الجر التي هي أحيانا تكون للتعليل وأحيانا تكون للعاقبة؛ فإنه يجوز أن تظهرها ويجوز أن تضمرها. لكن لو نظرنا إلى مثل قول الله -سبحانه وتعالى-: ? لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ ?، هذه "لِـ أن لا" هذه لام التعليل، وبعدها أن، ثم لا يكون وقعت أن بعد اللام ونحن نقول إن "أن" إذا وقعت بعد اللام؛ يجوز لك أن تظهرها ويجوز لك أن تضمرها لكن في الآن لا يصح أن أحذفها لأنه قد وقع بعدها لا والنحوييون يقولون إنه شرط جواز إضمار أن بعد اللام أن لا يكون بعدها لا تكون منفية بلا ومثلها:? لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ ?. فهذه يجب إظهارها لأن ولا يجوز إضمارها.
إذن جواز إضمار "أن" وإظهارها إنما هو خاص بأن لا يكون بعدها لا فإن جاء بعدها لا وجب إظهارها. أنا سأسأل سؤالا للأخوة سواء نستقبل إجاباتهم إما عن طريق الاتصال أو عن طريق الكتابة في الموقع. لماذا إذا صاحبت اللام لا وجب إظهارها؟
ما تعليلهم هم لذلك؟
وظني أن من يتأمل سيجد التعليل ظاهرا وواضحا؟(1/7)
نحن عرفنا أن إضمار "أن" بعد اللام جائز؛ فلك أن تظهرها، ولك أن تضمرها؛ "جئت لأكرمك" أو "جئت لأن أكرمك" أنت بالخيار. لكن إذا وقع بعد "أن" لا وجب إظهار "أن".
أنا اسأل ما العلة المتلمسة؟ ما الحكمة المتوقعة؟
يتوقعها كل واحد من الإخوة المشاهدين من وجوب أن نظهر "أن" ولا نضمرها في هذه الحالة. هناك علة واضحة بالنظر. لو نظر الإنسان وتأمل في هذا لا أريد أن أزيد في الإيضاح؛ لأنها وضحت الآن؛ لعرف لماذا يجب أن تظهر أن ولا تختفي.
طبعا لا يشكل في هذا أنها تكتب إملائيا لام ثم همزة على كرسي ثم لام "لئلا" هي في واقعها لِـ أن لا لكنهم يكتبونها إملائيا بناء على النطق لأنها أصبحت تعرفون الحكم التجويدي من منكم يعرف التجويد أن النون إذا سكنت بعدها اللام فهذا إدغام بغير غُنَّة والإدغام لما أدغمت ولم تظهر أيضا في الكتاب الإملائيون لم يظهروها وإلا؛ فحقيقتها لِـ أن ولا لكن لكونها أدغمت بغير غنة أيضا أدغموها بالكتابة فكتبوها بهمزة على كرسي.
سؤال يقول: ألا تعمل كي مضمرة بعد اللام؟
بل تعمل ظاهرة هي لا بد أن تظهر لكن لك أن تظهر اللام قبلها أو تخفيها تقول: "جئت كي أكرمك"، أو "جئت لكي أكرمك". لكن لا بد أن تظهر جميل الذي يعمل وهو ظاهر وهو مضمر فقط هو "أن"، أما بقية النواصب؛ فيجب أن تكون ظاهرة.
سؤال تقول: كيفية المشاركة معنا في هذه الحلقة؟ هذا الأمر متاح لك أختي الكريمة عبر الاتصال الهاتفي، وكذلك عبر الموقع الإلكتروني كما أرسلت هذا التساؤل أرسلي كذلك ما تودين المشاركة فيه -وإن شاء الله تعالى- نطلع عليه
سؤال يقول: يسأل عن حروف التنفيس؟(1/8)
هما حرفان السين وسوف حرفا التنفيس. والتنفيس معناه الإرجاء والإمهال، أو أنها مأخوذة من لفظها أنّ فيها سينا والفاء. لكن الأصل فيها أنها للتنفيس؛ أي أنها للإرجاء فنفست عن الشيء؛ أي مددت في أجله. وهما حرفان: السين وسوف. وطبعا هما في الدلالة على المستقبل واحدة. لكن في المبالغة في ذلك ما كانت حروفه أكثر فدلالته أقوى من منطلق قولهم إن الزيادة في المبنى تدل على زيادة في المعنى فإذا أردت أن تؤكد الاستقبال وتزيد في تأكيدك لهذا الاستقبال وأنه ليس حاضرا وإنما هو مستقبل تؤكد ذلك بـ"سوف" وإذا أردت أنت تدل فقط على الاستقبال دون التأكيد تأتي بالسين.
سؤال تقول: تسأل عن الكلمة الفصيحة في قولنا طبيعي وطبعي أيهما أفصح؟
طبعا هذه مسألة صرفية تتعلق بالنسب أذكرها بإجمال الأصل في النسب إلى ما كان وزنه فَعيلة وفُعيلة لاحظوا أني أقول الأصل؛ لأن هناك أمورا خالفت هذا الأصل.
الأصل في النسب إلى ما كان على وزن فعيلة، وفعيلة أن يكون على وزن فعلي فننسب مثلاً إلى مدينة نقول مدني، وننسب إلى مثلاً بريدة بُرَدِي. هذا هو الأصل. وإن وجدت بعض الألفاظ التي خالفت هذا الأصل؛ لأنها صارت بطريقة تخالف هذا مثلا وإن كان هذا بالضد إذا لم يكن كذلك فينسب إليه بإثبات الياء يعني ما كان على فعيلة وفعيلة ينسب إلى فَعَلي ما لم يكن على فَعِيلة؛ فينسب إليها أصله فقريش الأصل أنه ينسب إليه على أصله يقال قريشي ولكنهم نطقوه فقالوا قرشي وسليم والأصل أن ينسب إليه سليمي لكنهم نطقوه فقالوا سلمي.(1/9)
فهذا يؤخذ على ما نطقته العرب الفصحاء به وإن خالف القاعدة فيه. يبقى الأمر في مسألة طبعي وطبيعي هذه إن مشينا على القاعدة المتبعة وهذا هو الأصل والأفصح فينبغي أن نقول طبعي لأنها على فعيلة فالنسب إليها على فعلي. ولكن التجويديين منذ أمد طويل في كتبهم عندما يتكلمون عن المد يقولون مد طبيعي. ومن هنا فإن هناك تسويغا لهذا الأمر ما دام يسار على هذا وإن كان الأولى إتباع القاعدة في هذا وهو أن نحذف الياء؛ لأنه نسب إلى كلمة على وزن فعيلة فيلتزم فيها حذف الياء.
سؤال تقول: تسأل عن كلمة المرضى فقد وردت في منهج الصف الثاني متوسط في باب الاسم المقصور مع أن مفردها مريض فهل ننسب إلى الاسم المقصور إلى مفرده أم إلى جمعه؟
الاسم المقصود هو كل اسم -بصرف النظر بكونه جمعا أو مفردا- آخره ألف لازمة. طبعا لا بد أن يكون ما قبلها مفتوح لأن الألف لا تقبل إلا ما فتح قبلها. فإذا تحقق هذا فيها فيسمى اسم مقصورا فحينئذ جمع مريض اسم مقصور لا يمنع من كونه جمعا أن يسمى اسما مقصورا.
كذلك تسأل عن كلمة شؤون ومسؤولية؟
وهي سبق أن أجيب عليها.
ولديها اتصال تقول تكتب على الواو في حالة الرفع وتكتب على الكرسي مثلاً في حالة الجر(1/10)
لا.. هذا لا علاقة له بالرفع والجر لأن الرفع والجر إنما يكون على الحرف الأخير من الكلمة والهمزة هنا في وسط الكلمة لا علاقة لها بالإعراب. الذي له علاقة بالإعراب. دعني أجيب على هذا ثم أنتقل إلى الموضوع الآخر وأخشى أن أنساه ولكن أرجو أن يذكرني الله -سبحانه وتعالى- هنا سبقت أن بينته وقلت إن كلمة مسؤول وشؤون القاعدة فيها هي ما سبق أن ذكر من أنه ينظر إلى الهمزة المتوسطة إلى حركتها وحركة قبلها والحركة الكسر ثم يليها الضم ثم الفتح والسكون ليس بحركة وإنما هو أخف من الحركة في قولنا مسؤول وشؤون الحركة حركة الهمزة نفسها الضمة وحركة ما قبلها السكون فالقاعدة فيها أن تكون على واو ولكن لما كان الإملائيون يسيرون في بعض كتاباتهم منذ القدم أن يكتبوها على كرسي استجاز كثير من الناس أن تكتب على كرسي. ومع ذلك فأنا أقول من يلزم الأفصح هو الأفضل ومن يلزم القاعدة في الأمر هذا هو الذي يسير على الفصيح منه. ولذلك فينبغي أن من كتب لنفسه أن يكتبها على واو أما الذي يمكن أن يتبع إعرابه في كتابة الهمزة؛ فهذا في كلمة امرؤ فإنها تلحق إعرابها في حركتها "امرؤ القيس" أو "امرؤ" مجردة إن كانت مرفوعة والسبب في ذلك أن الهمزة في آخرها إن جاءت مرفوعة كتب الهمزة على واو وإن جاءت منصوبة كتب الهمزة على ألف وإن جاءت مجرورة كتب الهمزة على ألف مقصورة أو مقصورة الياء. فهذا إنما هو لكون أن الهمزة في آخر الكلمة وحركة الإعراب تؤثر عليها أما الهمزة المتوسطة فحركة الإعراب بعيدة عنها هي في الآخر ولا تؤثر عليها.
هل جاء شيء من الأجوبة يتعلق بـ"أن لا"؟.
تقول: لكي لا تكون الجملة نافية
كيف يعني ما هو لكي لا تكون الجملة نافية أبدا هي منفية لأن لا.
تقول: لوجود لا النافية
وإذا وجدت ماذا كان ماذا صار؟ طيب.
أنا أُجيب إذن.(1/11)
الحقيقة هي الأمر واضح وهو أنه لو أننا حذفنا أن لالتقت اللام مع اللام للا، والتقاء اللامين ثقيل متماثلان. فيجب أن نثبت أن لتفصل بين المتماثليْن. وإن كانت قد وقعت بعد "لام التعليل" وهذا الموقع من مواقع جواز الإظهار والإضمار، ولكن الإضمار هنا يوجب التقاء اللامين المتماثلين، فيثقل الكلام ولذلك وجب إظهارها لتفصل بين المثلين. هذا هو العلة التي ذكرها النحويين لوجوب إثبات "أن" متى وقعت بعدها لا. طيب نواصل إذن الحديث لو أن هذه اللام أقصد اللام التي ينصب بعدها الفعل المضارع.
يقول: اقصد من الاتصال هذا أني أسلم عليكم وعندي إجابة أجاب الشيخ عنها لدخول وجوب إظهار "أن" إظهار أقصد بسبب اللام الأولى والثانية لكن سبقنا جزاه الله خيرا والحمد لله وافقت إجابتي إجابته؟
تأتي قضية هذه اللام التي ينصب الفعل المضارع بعدها تأتي في بعض الأحيان وقد سبقت.
يقول: سؤال خارج الدرس الأشياء التي لا محل لها من الإعراب أو المواضيع التي نسمع في الإعراب لا محل له من الأعراب لو تعطينا مفصلة؟
يفرد العلماء مواضع للجمل التي لها محل من الإعراب والجمل التي لا محل لها من الإعراب. وهم يريدون بهذا أن الجملة إذا وقعت في موقع مفرد يعرب بإعراب معين؛ فلها محل من الإعراب. مثلا إذا وقعت الجملة في موضع الحال "جاء فلان يمشي" هي مثل جاء فلان ماشيا. ونحن نعرف أن "ماشيا" هذا حال منصوب، فنقول يمشي هذه جملة في محل نصب حال فلها محل من الإعراب وهو النصب. كذلك إذا وقعت الجملة في أول الكلام، فنقول هذه جملة ابتدائية والمبتدأ حقه الرفع. إذا وقعت الجملة في مكان الصفة "رأيت رجلاً يتحدث". "يتحدث" صفة لرجل. أما إذا وقعت الجملة في موقع لا محل له من الإعراب مرة ثانية إذا وقعت الجملة في مكان مفرد له إعراب كالحال.
المفرد(1/12)
إذا وقع الجملة في موقع مفرد له إعراب كالحال والنعت أو الصفة والخبر؛ فهذه لها موقع لأن الحال حكمه النصب والخبر حكمه الرفع والصفة حكمها حكم الموصوف. أما إذا وقعت الجملة في موقع لا يكون للمفرد فيه إعراب كما إذا وقعت مثلاً في صلة الموصول؛ فإنه ليس من شأن المفرد أن يقع في هذا المكان وحينئذ نقول هو ليس له محل من الإعراب.
إذن الذي له محل من الإعراب هو الذي يقع موقعا يستحق حكمًا إعرابيا، والذي لا محل له من الإعراب الذي يقع في موقع لا يستحق حكمًا إعرابيا هذا.
مرتبطا بمفرد يا شيخ
إي نعم إذا كانت جملة؛ فإنها تُقاس على المفرد، فإذا كان المفرد يستحق حكمًا إعرابيا؛ صارت الجملة لها محل من الإعراب الذي تقوم وقامت، وإذا كانت وقعت في موقع مفرد لا يستحق حكمًا إعرابيا فإنها لا يكون لها محل من الإعراب.
أعود مرة ثانية وأقول إن تلك اللام التي يأتي الفعل المضارع بعدها منصوبا قد يسبقها "كان" المنفية سواء كان بصيغة الماضي كان أو مضارع يكون لكن تكون منفية. في هذه الحال يكون لها حكم آخر. كيف ذلك؟(1/13)
في قول الله -سبحانه وتعالى-: ? وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ?، هنا كما ترى "يعذب" فعل مضارع سبق باللام ونصب الفعل المضارع، ونحن عرفنا أن الفعل المضارع إذا نصب بعد اللام فإنه منصوب بأن مضمرة، ونحن عرفنا أنه بعد اللام يكون الإضمار جائزا لكن النحويين تتبعوا هذا الكلام فوجدوا أنه إذا سبق بـ"كان" المنفية سواء كانت بصيغة الماضي أو المضارع؛ فإنه لم يرد في كلام العرب أن تذكر أن فحكموا حينئذ أنه في هذه الحالة أعني إذا سبقها "كان" المنفية أو "يكون" المنفية يجب إضمار "أن" وجوبا؛ لأنه لم يرد في كلام العرب إثباتها. يسمون هذه اللام لام الجحود؛ "ما كان ليفعل" كذا: ? لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ?. هذه أيضا "كان" منفية وإن كان بصيغة المضارع "يكن" لكنها مسبوقة اللام سبقت بكون منفي. حينذاك الفعل المضارع المنصوب بعد اللام ليغفر منصوب بـ "أن" مضمرة وإضمار "أن" هنا واجب ولا يجوز إظهارها؛ لأنه لم يرد عن العرب إظهار "أن"، وقد سبقت بكون منفي، وسموها هنا "لام الجحود".
سميت لام الجحود الجحد هو النفي جحد الشي؛ أي نفاه وأنكره. وهنا لكونها قد سبقت بكون منفي ناسب أن تسمى بهذا الاسم لأن الجحد هو النفي، وهذه قد سبقت بما يدل على النفي وهو ما سبق بـ"كان" أو "يكون".
هذه أحوال "أن" و"اللام". ولو أننا تأملنا هذا الأمر؛ لوجدنا أن اللام تقع في أحوال ثلاث:
الحال الأولى: أن يكون إضمار "أن" بعدها جائز، وهو في الحالات المعتادة.
الحال الثانية: أن يجب إظهارها، وذلك إذا وقع بعدها "لا"، وعرفنا العلة في "لأن لا".
الحال الثالثة: أنه يجب إضمارها وحذفها واستتارها، وذلك إذا سبقتها كان المنفية سواء كانت بصيغة الماضي أو المضارع؛ "ما كان" أو "لم يكن". وحينئذ تسمى هذه اللام "لام الجحود".(1/14)
هذا الموضع هو أحد المواضع التي تعمل فيه "أن" وهي مستترة استتارا واجبًا؛ أعني إذا سبقت بلام الجحود أي التي كان قبلها كان المنفية وهذا أحد المواضع. وهذا يسوق الحديث عن المواضع الأخرى التي تضمر فيها أن وجوبا نحن عرفنا أنّ "أن" تعمل ظاهرة ومضمرة؛ ولذلك صارت أمَّ الباب، وعرفنا ظاهرا كما عرفنا عملها مضمرة بجواز، وبقي أن نتحدث عن عملها مضمرة بوجوب، وكان أول الأحوال ما ذكرناه منذ قليل أن تقع بعد لام الجحود وتبين المقصود بهذه اللام.
سؤال في حلقة ماضية وطلبت مني أن أطرحه عليك: يسأل عن ظهور حركة الجر على الاسم الأعجمي أنطونيو عدم ظهور حركة الجر.
طبعا الأسماء الأعجمية أنت تعرف طبعا هذا واضح أن هذا اسم أعجمي، وهنا قاعدة عامة فائدة أيضا هذه أنه "ليس في العربية اسم معرب أخره واو قبلها ضمة" متى رأيت اسما معربا آخره واو قبلها ضمة؛ فاعلم أنه أعجمي. قد يقول بعض الناس هو هذا أخره واو وقبله ضمة نقول هذا مبني وليس معربا. قد يقول بعض الناس بهو نقول هذا نعم آخره واو ولكن قبلها سكون وليست بهو بضم الهاء ولكن بهو بسكون الهاء. نحن نقول إذا وجدت في المعرب آخره واو قبلها ضمة ذكره العلماء أحد الضوابط التي يعرب بها الاسم الأعجمي الأسماء الأعجمية عندما تدخل العربية تعامل معاملة الأسماء العربية، ولكنها تكون حينذاك ممنوعة من الصرف للعلمية والعجمة. ومنعها من الصرف معناها أنها لا تنون وأنها إذا جُرّت؛ جرت بالفتحة.(1/15)
أحيانا يكون آخر الاسم مما تقدر عليه الحركات كمثل هنا الواو مثلاً تقدر عليها مثلاً الضمة للثقل، وأما الفتحة؛ فالأصل فيها أن تظهر سواء كانت منصوبة أو مجرورة فتظهر عليها الحركة. وهذا هو الشأن في كل الأسماء الأعجمية سواء كانت أعجمية الآن أو كان أصلها أعجمي ودخلت العربية؛ كبعض الأسماء، وكأسماء الأنبياء؛ كإبراهيم إسماعيل ويعقوب ويوسف. فهذه وإن كانت دخلت العربية وأصبحت من أفصح الكلام بدليل وجودها في كلام الله -سبحانه وتعالى- في القرآن هي الآن عربية فصيحة لكنها كانت في أصلها أعجمية ثم دخلت العربية وصارت من فصيح العربية.
تقول: يقول الله تعالى مخاطبا موسى -عليه السلام-: ? وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى ? ويقول -جل وعلا-: ? وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ?، في الآيتين السابقتين ورد الفعل المضارع تخرج في الآية الأولى وتلقف في الآية الثانية مجزوما مع عدم سبقه بأداة جزم ظاهرة في الآيتين؛ فما وجه إعراب ذلك؟
بل سبق بأداة جزم وهي الطلب وسيتبين هذا -إن شاء الله تعالى- أنه من جوازم الفعل المضارع الطلب "اضمم" هي طلب و"ألقِ" طلب ومن جوازم المضارع الطلب هذا سيتبين -إن شاء الله- في درس مقبل -إن شاء الله-.
أحد أنواع الجوازم هي الطلب وسيأتي -إن شاء الله- مزيد تفصيل فيها.(1/16)
الموضع الآخر من مواضع إضمار "أن" وجوبا إذا وقعت بعد حتى في قول الله -سبحانه وتعالى-: ? قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ?، هنا "يرجع" فعل مضارع منصوب ولم يسبق بأي ناصب من النواصب التي عرفناها من قبل لم تسبقه "لن" ولا "كي" ولا "إذن" ولا "أن". ونحن نعرف أن هذه النواصب الأربعة، ثم إننا عرفنا أنها –كلها- يجب أن تظهر إذا نصبت ولا يضمر منها إلا أن؛ فوجب أن نقدر "أن" لأنها هي التي تعمل وهي مضمرة، فنقول إن "حتى يرجع" فعل مضارع منصوب بـ"أن" مضمرة بعد "حتى" قالوا إن الإضمار هنا واجب لأنه لم يرد عن العرب إظهار "أن" بعد "حتى". كل فعل مضارع منصوب يأتي بعد "حتى" لم تظهر فيه "أن" في كلام فصيح؛ فوجب أن نقول إنها مضمرة.
يسأل سائل ويقول ما دام كل ما جاءنا فعل مضارع منصوب بعد "حتى" لا يكون بعده "أن"؛ فلماذا نقدر؟ لماذا لا نقول حتى من نواصب الفعل المضارع؟ ولأنها كلما جاءت لا يكون بعدها شيء؟ فلتكن حتى من نواصب الفعل المضارع.
ولكن يجاب على هذا السؤال بأن هناك قاعدة نحوية تقول: "إن الأدوات التي تعمل في الأسماء لا تعمل في الأفعال، والتي تعمل في الأفعال لا تعمل في الأسماء".
ليس هناك أداة تعمل في النوعين؛ حروف الجر مثلاً تعمل في الأسماء، ولكن لا تعمل في الأفعال جوازم المضارع تعمل في الأفعال ولا تعمل في الأسماء وهكذا.
فما يعمل في أحد القبيلين لا يعمل في الآخر. نحن عرفنا أن "حتى" من حروف الجر بدليل قول الله -سبحانه وتعالى-: ? حَتَّى حِينٍ ? قول الله -سبحانه وتعالى-: ? حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ? هذه حرف جر لكن ذكرها ابن مالك في حروف الجر:
هَاكَ حُرُوفَ الْجَرِّ، وهي: مِنْ إِلى حَتَّى خَلا حَاشَا عَدَا فِي عَنْ عَلَى(1/17)
فذكرها في حروف الجر، وما دامت من حروف الجر؛ ينبغي أن لا تكون من نواصب الفعل؛ لأن ما يعمل في الأسماء لا يعمل في الأفعال، ومن ثَمَّ؛ فإنا حتى نطرد الباب طردا واحدا ونقول إنها حرف لا تزال باقية حرف جر نقدر "أن" بعدها، وتكون "أن" هي الناصبة للمضارع و"أن" وما دخلت عليه في تقدير مصدر هذا المصدر هو المجرور بـ"حتى" لا تزال "حتى" جارة هنا في قولنا "حتى يرجع" حتى حرف جر، ولذلك في الإعراب نقول: ? لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ ?: "حتى" حرف جر. "يرجع" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد "حتى" وعلامة نصبه الفتحة و"أن" وما دخلت عليه في تأويل مصدر "حتى رجوع" هذا المصدر هو مجرور بـ"حتى"؛ لأن "حتى" لا تزال حرف جر، وإن كانت في الصورة وفي الظاهر داخلة على الفعل؛ فهي في الحقيقة داخلة على الاسم المقدر، ولا تزال على حالها في جر الأسماء.
هناك أيضا من المواضع التي تضمر فيها "أن" وجوبا أن تقع بعد "أو" في قول القائل: "لألزمنَّك أوْ تقضيَني حقّي" فَـ "تقضيَ" هنا فعل مضارع منصوب ولم يسبقه ناصب كما ترى في الظاهر؛ لأن "أو" -كما نعلم- حرف عطف بمعنى "إلى" لألزمنك إلى أن تقضيني فهي للغاية هنا سيتمر اللزوم إلى أن يحصل هذا الأمر. و"أو" -كما نعلم- حرف عطف، وحروف العطف لا تعمل. إذن الذي نصب تقضي هذه أداة مقدرة، ولا يقدر من أدوات النصب إلا "أن"، فنقول إن الناصب إذا هو "أن" مقدرة وجوبا. لماذا قلنا وجوبا؟
لأنه لم يرد لم يأت في كلام العرب أن ينصب الفعل المضارع بعد "أو" بـ"أن" ظاهرة أن تظهر "أن" بعد "أو" في كلام العرب بل تأتي دائما مستترة. كلما جاء الفعل المضارع منصوبا بعد "أو" لا تظهر فيه "أن". فقالوا إن "أن" مضمرة في هذه الحال إضمارا واجبًا.
بقي موضعان من مواضع استتار "أن" وجوبا = أن تعمل وهي مضمرة وجوبا:
وذلك بعد حرفين أحدهما: "فاء السببية" والثاني: "واو المعية".(1/18)
"فاء السببية" هي: فاء تبين السبب.
"واو المعية" هي: واو بمعنى مع.
إذا تحقق أن جاءتنا "فاء" تفيد السبب أو "واو" تفيد معنى مع وقع بعدها فعل مضارع منصوب وقد سبق كل واحد منهما بنفي أو طلب؛ فالفعل المضارع المنصوب منصوب بـ"أن" مضمرة وجوبا. لماذا؟
لأن فاء السببية لا تعمل وكذلك واو المعية أيضا لا تنصب الفعل ليست من نواصب المضارع لا فاء السببية ولا واو المعية فالناصب إذن شيء مستتر ولا يستتر من النواصب إلا "أن"؛ فوجب أن تقدر. وإنما وجب تقديرها؛ لأنها لم يرد في كلام العرب أن ينصب فعل مضارع بعد فاء السببية أو واو المعية وتظهر معه "أن" فمن هنا حُكم أن استتارها واجب.
اشترطوا -كما قلت- أن يكون قبلها نفي أو طلب؛ نفي معروف النفي أحد أدوات النفي المعتادة ما أو لا أو لم أو إن إلى آخره من النوافي. والطلب: أنواع قد يكون أمرا، وقد يكون نهيا، وقد يكون استفهاما، تمنيا، تحضيضا، عرضا، دعاء. كل أنواع الطلب المعروفة إذا سبق واحد من هذين؛ فاء السببية أو واو المعية بنفي أو طلب وجاء الفعل المضارع منصوبا؛ فإنا نقول إن الذي نصبه هو "أن" مضمرة وجوبا.
في قول الله -سبحانه وتعالى-: ? لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ?؛ أي لا يقضى عليهم فيتسبب في القضاء عليهم الموت. إذن هذه فاء السببة فيتسبب وقع بعدها فعل مضارع "يموتوا" هذا فعل مضارع منصوب حذفت نونه من الأفعال الخمسة محذوف النون. فإذن منصوب وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة. ما الذي نصبه؟
ننظر.. سبقه لا "لا يقضى عليهم" نفي؛ فتحققت الشروط. "فاء السببية" تقدم عليها نفي وقع بعدها فعل مضارع منصوب فالناصب إذن "أن" بعد الفاء؛ أي: "فأن يموتوا". لكن لا يجوز إظهاره فهذا من مواضع وجوب استتار "أن" لأنه لم يرد في كلام العرب إظهار "أن" في مثل هذه المواضع.(1/19)
في قول الله -سبحانه وتعالى-: ? وَلاَ تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ ?؛ أي فيتسبب عن الطغيان حلول الغضب. هذه فاء السببية سبقت بنهي "لا تطغوا" فسترت "أن" وجوبا بعد فاء السببية، ونصبت الفعل المضارع "يَحِلَّ".
أيضا في قول الله -سبحانه وتعالى- ? لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ ?؛ أي فيتسبب عن التأخير التصدق. "أصدق" فعل مضارع منصوب بـ"أن" مضمرة وجوبا بعد فاء السببية المسبوقة بـ"لولا" هذا يسمونه تحضيضا = أحد أساليب الطلب يعني فيه حث.
كذلك في قول الله -سبحانه وتعالى-: ? يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا ? فيتسبب من كوني معهم الفوز. "أفوز" فعل مضارع منصوب بـ"أن" مضمرة بعد فاء السببية؛ لكونه قد سبقه طلب بالتمني "يا ليتني" و"ليت" -كما تعلم- حرف تمنٍّ وهو من أنواع الطلب في قوله تعالى: ? لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ?36? أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ?؛ أي فبتسبب عن بلوغي الأسباب الاطلاع. "اطلع" فعل مضارع منصوب بـ"أن" مضمرة وجوبا بعد فاء السببية المسبوقة بـ"لعل". "لعلي أبلغ الأسباب" و"لعل" أدة ترجٍّ، والترجي من أدوات الطلب.
إذن تحقق مع فاء السببة هنا الناصبة للفعل المضارع المنصوب الفعل المضارع بعدها أن سبقت بنفي أو طلب؛ فكان الناصب بعدها هو أن مضمرة وجوبا. كذلك الشأن في "واو المعية" فالشروط فيهما واحدة في قول الله تعالى -سبحانه وتعالى-: ? وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ?؛ أي لَمَّا يعلم الله المجاهدين مع علمه بالصابرين. هذه واو بمعنى "مع" هي واو المعية سبقت بنفي "ولما يعلم" جاء بعدها فعل مضارع يعمل ونصب الفعل المضارع. واو المعية ليست من النواصب فالناصب "أن" مضمرة وجوبا بعد واو المعية المسبوقة بالنفي.(1/20)
وكذلك في قوله تعالى: ? يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ ?؛ أي ياليته يجتمع الرد مع عدم التكذيب فالواو بمعنى "مع". نصب الفعل المضارع بعدها سبقت بـ"ليت" وهي أداة طلب، فتحقق الشرط؛ أنه وقع بعدها فعل مضارع منصوب سبقت هي بطلب بالتمني؛ فإذن الناصب لها هو "أن" مضمرة وجوبا بعد الواو التي بمعنى "مع".
هذا هو الموضع الخامس فإذن ذكر المواضع بإجمال التي تضمر فيها "أن" وجوبا، وبعد لام الجحود، بعد حتى، وبعد أو، وبعد فاء السببية، وبعد واو المعية بشرط أن يكون في هذين الحرفين الأخيرين السببية والمعية أن يسبقا بنفي أو طلب من أي نوع من أنواع الطلب. هذه مواضع أن وجوبا أو عمل أن وهي مستترة ويجب أن ينصب الفعل المضارع بدون أن نظهر أن لا يجوز إظهارها؛ لأن العرب لم يظهروها في مثل هذه المواضع.
تقول: هل أمهات جمع مؤنث أم جمع تكسير؟
هي جمع تكسير ولذلك الله -سبحانه وتعالى- قال: ? مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ? هنا "ما" طبعا هذا الموضع لم ندرسه بعد هذه "ما" الحجازية التي تعمل عمل "كان"؛ فترفع الاسم وتنصب الخبر. ما الدليل على نصب الخبر؟
أنه قال "أمهاتِهم" فإذا كان "ما" الحجازية لغة الحجازيين فهي لغة فريق كبير من العرب الفصحاء أنهم يعملون "ما" فتعمل عمل "كان" فترفع الاسم وتنصب الخبر. ما علامة نصبه الخبر؟
قالوا أمهاتهم.
ما علامة نصبه الكسرة؟
الذي ينصب بالكسرة هو جمع المؤنث السالم وليس جمع تكسير فجمع التكسير ينصب بالفتحة فلما نصبت بالكسرة؛ دل على أنها جمع مؤنث سالم وهو الذي يسمى الجمع بألف وتاء مزيدتين.
تقول: في سورة يونس آية السابعة يقول الله تعالى: ? لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ? ليقولن منصوبة، في الآية التي بعدها: ? لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ ?(1/21)
هذه ليست منصوبة ومرفوعة هذه لا علاقة لها؛ لأن هذه اللام لام القسم وليست اللام التي نتكلم عنها. تنبهوا يا إخوان لشيء. نحن نتكلم هنا في إضمار "أن" عن "لام التعليل" المكسورة التي هي حرف جر لي: ? لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ?، ? لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ? "لِـ" بالكسر. أما "لَيكونن"، و"ليقولن" هذه لام التأكيد مؤكدة للقسم، ويقول هنا فعل مضارع في قوله "ليقولن" فعل مضارع اتصلت به نون التوكيد ونحن عرفنا عند الحديث عن بناء الفعل المضارع أن الفعل المضارع إذا اتصلت به نون التوكيد المباشرة؛ بُني على الفتح، وإن اتصل به نون التوكيد غير المباشرة؛ لم يكن كذلك. وما ذكرته الأخت مثالان أحدهما لاتصال نون التوكيد المباشرة في "ليقولن" فبُني الفعل المضارع على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد بنون فاصلة، والثاني اتصلت به نون التوكيد ولكنها ليست مباشرة ليقولن. ما الذي فصل بينهما؟
واو الجماعة.
أصلها "يقولون" ففُصل بينهما بهذا. حذفت الواو طبعا تخفيفا؛ لسكونها وسكون للتخفيف فيها لسكونها وسكون أول النونين للحرف المشدد لأن أول المشدد ساكن، وبقيت الضمة دليلا عليها.
إذن هذا لا يبنى على الفتح لأنه نون التوكيد فيه غير مباشرة، وهم يقولون:
....................... وأعربوا مضارعا إن عري
من نون توكيد مباشرٍ ومنْ نون إناث كـ "يرعْنَ مَنْ فُتِنْ" فاشترطوا في بناء الفعل المضارع كما ذكرناه عند الحديث عن البناء أن تكون نون التوكيد فيه مباشرة.(1/22)
تقول: لماذا لا نقول عن الواو في: ? وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ? حرف عطف؛ لأنها بمعنى "مع" وإذا جعلناها حرف عطف؛ فلا بد أن يكون عندنا فعل مضارع منصوب قبلها نعطف الفعل على الفعل فأقول: "جاء فلان ليكتب ويتعلم" هذه حرف عطف لأنها عطفت الجملة الفعلية على الجملة الفعلية، أما هذه؛ فلم يسبقها فعل حتى نعطفها عليها. ولذلك نحن نقول إنها واو المعية، وقولنا "واو معية" ليس اقتراحا من عندنا، ولكن لأنها بمعنى "مع" وهذا هو الشأن المستقيم في تفسير معنى الجملة في كل حال. فإنك إذا وضعت مكانها مع لاستقام الكلام.
تقول: لا يستقيم الظل والعود أعوج. أعوج هل هي حال أم نعت؟
لا.. هذه خبر، العود مبتدأ وأعوج خبر؛ أي "والحال أن العود أعوج"، فنقول "لا يستقيم الظل والعود أعوج": "لا": نافية. "يستقيم": فعل مضارع مرفوع. "الظل": فاعل. "الواو": واو الحال. "العود": مبتدأ. "أعوج": خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة، ولم ينون؛ لأنه ممنوع من الصرف للوصفية ووزن الفعل، والجملة الاسمية من مبتدإ وخبر في محل نصب حال؛ أي "والحال أن العود أعوج".
أسئلة الحلقة:
السؤال الأول:
لم سميت اللام في نحو: ? وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ? لامَ الجحود؟
السؤال الثاني:
لِمَ لَمْ تكن "حتى" هي ناصبة المضارع بعدها إذا نصب؟(1/23)
لغة عربية - المستوى الرابع
الدرس الحادي عشر
جوازم الفعل المضارع
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت إذا شئت جعلت الحزن سهلاً.
أحييكم أيها الإخوة وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يكون هذا اللقاء لقاءً من لقاءات الخير والبر ولقاءات العلم الموصلة إلى جنة الله سبحانه وتعالى.
حديثنا اليوم -إن شاء الله تعالى- سيكون في الموضوع الآخر من موضوعات الفعل المضارع، وهو جوازم الفعل المضارع، ولكن قبل ذلك سنأخذ سؤاليْ الحلقة السابقة، كما أننا نؤكد أيضًا على مسألة أنه لا إشكال في أن تُستقبل الأسئلة اللغوية والنحوية التي يحتاج إليها الإخوة حتى ولو كانت من خارج الدرس بما لا يحيف على موضوع درسنا نفسه.
لعلنا نرجئ إجابات السؤالين إلى منتصف الحلقة.
لا إشكال أحسنت.
نبدأ إذن -إن شاء الله تعالى- طبعًا بالنسبة لاستقبال الأسئلة سواء أن كان عن طريق الموقع أو عن طريق الاتصال الهاتفي كلها تستقبل -إن شاء الله تعالى-.
ونبدأ بما يتعلق بجوازم الفعل المضارع، نحن عرفنا أن حالات الفعل المضارع إعراب الفعل المضارع أن الحالة الكبرى والأصلية هي الرفع، ويليه بعد ذلك الحالتان الأخريان اللتان تحدثان عندما تدخل على الفعل المضارع عواملُ وهي النصب والجزم بشرط وجود عوامل النصب والجزم، أما الرفع فإنه لا يحتاج إلى أداة تدخل على الفعل حتى يوصف بأنه مرفوع، ولذلك حُكِمَ على الرفع بأنه الأصل في التعامل مع الفعل المضارع.
الفعل المضارع عندما يُجزم يشترط أن يتقدم عليه ما يجزمه، وعلامة الجزم الأصلية -كما نعلم- هي السكون، ومن ثَمَّ فإنه إذا تقدم على الفعل المضارع جازم من جوازم الأفعال؛ جُزِمَ ويكون علامة الجزم السكون في الأصل إلا ما خرج عن ذلك من حذف حرف العلة أو حذف النون كما سبق تفصيل ذلك في علامات الإعراب الفرعية.(1/1)
العلماء يُقسمون جوازم الفعل المضارع قسمين: قسم يجزم فعلاً واحدًا وقسم لقوته يجزم فعلين، أو لاحتياجه إلى فعلين يجزمهما معًا، أما ما يجزم فعلاً واحدًا فهي عدة أمور:
أول هذه الجوازم التي تجزم فعلاً واحدًا تدخل على الفعل المضارع فتجزمه هو الطلب. والطلب المقصود به: أن يتقدم على الفعل نوع من أنواع الطلب؛ أي الأشياء المقتضية لإحداث أمر، سواءً كانت أمرًا أو نهيًا أو استفهامًا أو غير ذلك من أنواع الطلب. ثم بعد ذلك يأتي الفعل وهو متسبب عن ذلك الطلب، مثلاً إذا قلت: "تعالى أكرمك"، فتعال طلب؛ لأنه أمر، وتعال -كما تعلمون- اسم فعل أمر، جاء الفعل المضارع بعده أكرمك، فَجُزِمَ وعلامة جزمه السكون، وواضح أن الإكرام متسبب عن المجيء. إذن يتقدم الطلب ويكون الفعل متسببًا عن ذلك الطلب، فينجزم الفعل لذلك ويكون الطلب هو جازم الفعل. ولك أن تقدر حتى تعلم أنه متسبب عنه تعالى التقدير فإن تأتي أكرمك، إذا صح مثل هذا التقدير تبين أن الفعل مُسَبَّب عن الطلب السابق له، فأخذ يعني جزمه هذا الطلب، إذن لا يجزم الطلب حتى يكون الفعل مسببًا عن ذلك الطلب، ولذلك في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ? [الأنعام: 151]، فـ"أَتْلُ" طبعًا "تَعَالَوْا" هنا فعل أمر وهو طلب، و"أَتْلُ" هذا فعل مضارع جاء جوابًا لفعل الأمر السابق، ولذلك جُزِم، وهو متسبب عنه؛ أي: فإن تأتوا أتلُ، فهو فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة؛ لأنه جواب للطلب. بيت امرئ القيس:
قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل **** ...............................
"قفا" فعل أمر وهو طلب، وجاء بعده الفعل المضارع "نبكِ" فجزم الفعل المضارع بالطلب السابق، وهو متسبب عنه، أي: فإن تقفا نبكِ، فلما تحقق شرط عمل الطلب في الفعل المضارع؛ انجزم وعلامة جزمه حذف حرف العلة أيضًا "نبكِ" بكسر وحذف الياء؛ لأنه وقع بعد الطلب.(1/2)
هنا يحسن الوقوف عند قول الله -سبحانه وتعالى-: ?هَلْ أَدُّلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ?10? تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ?11? يَغْفِرْ لَكُمْ? [الصف: 10- 12] هنا "يَغْفِرْ" فعل مضارع مجزوم، ولم يتقدم عليه أداة جزم ظاهرة من أدوات الجزم المعروفة، ولذلك العلماء تأملوا في الأمر، وقالوا: ما الذي جزم الفعل المضارع "يَغْفِرْ"؟
فأجابوا: أن الذي جزمه هو الطلب.
وبعض من تعرض لهذه الآية قال: الطلب هنا في أول الآية ?هَلْ أَدُّلُّكمْ? وهو استفهام، والاستفهام من أنواع الطلب، وذلك هو الذي جزمه، لكن هذا التقدير غير دقيق؛ لأنّا اشترطنا في الطلب ليجزم أن يتسبب عنه الفعل المضارع، لو أن قائلاً قال: "هَلْ أَدُّلُّكمْ" فيتسبب عن ذلك يغفر، فالمغفرة ليست متسببة حال الاستفهام، ولكنها متسببة عن شيء آخر، من هنا قال العلماء: إن في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ? هنا وإن كانت على صيغة الخبر إلا أنه في معنى الطلب؛ أي آمنوا وجاهدوا، فإن آمنتم وجاهدتم؛ تسبب عن ذلك المغفرة.
إذن هو وإن كان بصيغة الخبر، إلا أنه في معنى الأمر ولذلك جزم هذا المعنى، معنى الطلب الموجود في قوله تعالى: "تُؤْمِنُونَ" و"تُجَاهِدُونَ" هو الذي جزم الفعل ودائمًا نحن إنما ننظر إلى المسبب في هذا ولا ننظر فقط إلى صورة الطلب كما سبق ذهن بعض العلماء عندما قالوا: إن الاستفهام في أول الآية هو الجازم.(1/3)
وهذا مماثل تمامًا لأن يقول في مسألة تحديد الخبر -وإن كان خارج موضوعنا- لكنه أيضًا مما يتوصل إليه في مثل هذا، بعض الإخوة وبعض الطلاب عندما ينظرون في الجمل وبالذات الجمل الطويلة ويأتيهم مبتدأ في أول الجملة، يبحثون عن الخبر دائمًا بعد المبتدأ مباشرة، والمفترض في مثل هذا، أن يُبحث عن الخبر عند إتمام المعنى، ابن مالك يقول:
والخبر الجزء المتم الفائدة ** كالله بر والأيادي شاهدة
فما تم به المعنى حتى وإن بَعُدَ مكانه عن المبتدأ؛ فهو الخبر، وكذلك الشأن هنا، فإن ما يتسبب عنه الفعل المضارع هو الذي يجزم وليس مجرد أي صورة للطلب نجعلها هي الجازمة، بل لا بد أن يكون هذا متسببًا عن هذا.
لذلك أنا سأسأل سؤالاً للإخوة المتابعين أنظر مدى استيعابهم لما قلته الآن، فأقول: ما الذي جزم الفعل المضارع في قوله تعالى: ?يَغْفِرْ لَكُمْ? في: ?هَلْ أَدُّلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ?10? تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ?11? يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ? فنسأل عن جزم الفعل ?يَغْفِرْ? لنتأكد من استيعاب الإخوة لهذا الأمر.
نتلقى الإجابة عبر الاتصال الهاتفي الآن.
الجازم الآخر من جوازم الفعل المضارع هو: "لَمْ" وهذا مشهور، يعني "لَمْ" مشهور أنها أمّ جوازم الفعل المضارع. "لَمْ" هذه حرف، وتنفي الفعل المضارع، يعني معناها، طبعًا عملها الجزم، ولكن معناها النفي، ولذلك يقولون في تعريفها: لم: حرف نفي وجزم وقلب.
ما معنى هذا الكلام؟(1/4)
أما حرف نفي؛ فهذا معناها، وهو أنها تنفي الفعل المضارع، وأما أنها حرف جزم؛ فإن هذا عملها أنها تجزم الفعل المضارع، وأما تسميتها أنها حرف قلب؛ أي ما تؤديه هذه الأداة بالنسبة للفعل المضارع فهي تقلب زمنه من الحال والاستقبال إلى المضي. نحن نعرف أن الفعل المضارع حاله الأصلية هي الوقت الحاضر أو المستقبل، هذا هو شأن المضارع بخلاف الماضي. ولكن عندما تدخل عليه "لَمْ" تقلب زمانه من هذه الحال أعني الحال أو الاستقبال إلى زمن المضي، فمتى رأيت فعلاً مضارعًا دخلت عليه "لَمْ"؛ فاعلم أنه بمثابة الماضي في معناه وفي زمانه، فهو يصبح بمعنى الفعل الماضي، هذا معنى قولهم: إن "لَمْ" حرف نفي، وجزم، وقلب. نفي معناها: جزم عملها، وقلب: ما تؤثر به على زمان الفعل المضارع بعدها.
في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ? [الإخلاص: 3] هذان فعلان مضارعان دخلت عليهما "لَمْ" فجزمتهما وعلامة جزمهما السكون في الحالين.
الجازم الثالث هو: "لَمَّا" وهو يشبه "لَمْ" في أشياء كثيرة، ويخالف "لَمْ" أيضًا في أشياء أخرى، أما شبهه بـ"لَمْ". قبل ذلك يمكن أن نمثل له، في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ? [عبس: 23]، وفي قوله تعالى: ?بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ? [ص: 8]، ?لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ? "لَمَّا" أداة جزم، "يَقْضِ" فعل مضارع مجزوم بـ"لَمَّا" وعلامة جزمه حرف العلة؛ لأنه معتل الآخر، في قوله تعالى: ?بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ? "لَمَّا" أيضًا أداة جزم، و"يَذُوقُوا" فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة.(1/5)
"لَمَّا" كما قلت تشبه "لَمْ" في أمور كثيرة، تشبها أنها حرف مثلها، فكل واحد منهما حرف، وتشبه أيضًا "لَمْ" في كونها تنفي الفعل المضارع بعدها، فإنك إذا قلت: "لَمْ يحصل كذا " أو "لَمَّا يحصل كذا" كلاهما ينفي، تشبهها أيضًا في اختصاصها بالفعل المضارع، فإن "لَمْ" من علامات الفعل المضارع، ومثلها وأختها "لَمَّا" فهي أيضًا من علامات الفعل المضارع، وإن لم ينصّ العلماء على ذلك، لكنها أيضًا مختصة بالفعل المضارع، فيصح أن تذكر في علامة الفعل المضارع التي تميزه من قسيميْه: الماضي والأمر.
أيضًا مما تشبه به "لَمْ" "لَمَّا" أنها تجزم الفعل المضارع، غير أنها تختص به تجزمه؛ أي عملها أنها تعمل فيه الجزم فيكون مجزومًا بعدها، وأيضًا الشبه الخامس بين "لَمْ" و"لَمَّا" أنها تقلب زمان الفعل المضارع بعدها إلى المضي فيصبح بمثابة الفعل الماضي، فنستطيع أن نجمل وجوه الشبه بين "لَمْ" و"لَمَّا":
أن كل واحد منهما حرف، وكل واحد منهما يفيد النفي، وكل واحد منهما علامة للفعل المضارع متى وجدت؛ عُلِمَ أن ما بعدها مضارع وليس شيئا آخر، ويشتركان أيضًا في أن كل واحد منهما يجزم الفعل المضارع بعده، وأيضًا يشتركان في أن كل واحد منهما يقلب زمان الفعل المضارع الذي كان في الأصل الحال أو الاستقبال، يقلبه إلى الماضي، فمتى رأيت فعلاً مضارعًا قد دخلت عليه "لَمْ" أو "لَمَّا"؛ فاعلم أنه تمامًا مثل الماضي، إذا قلت: "لَمْ يَقُم زيد" أو "لَمَّا يَقُم زيد"؛ فهو تمامًا يدل على عدم القيام في وقت مضى كالفعل الماضي.(1/6)
هذا ما يتعلق بالصلة بين "لَمْ" و"لَمَّا" أو الشبه بين هذين الحرفين الجازمين. ولكن لو أن هذين الحرفين قلنا إنهما مثل بعضهما؛ لما كان هناك حاجة للتفصيل ولا كانت القضية أن نقول: "لَمْ" و"لَمَّا" جازمان وانتهى الأمر. أما إفراد هذه بحديث فواضح أنه كما تشبه صاحبتها فهي تخالفها في أمور، وهذا ظاهر في النطق بها وفي استعمالها، فأنت عندما تقول: "لَمَّا يفعلْ فلان كذا" فهناك واضح فرق بين الأمرين، أول هذه الفروق التي نجدها أنك عندما تقول: "لَمَّا يأتِ محمد" أو تقول: "لَمْ يأتِ محمد" النفي بـ"لَمَّا" مستمر إلى وقت التكلم، بينما النفي بـ"لَمْ" لا يلزم أن يكون مستمرًا.
كيف ذلك؟
يعني عندما يقول الله -سبحانه وتعالى-: ?هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا? [الإنسان: 1] الله -سبحانه وتعالى- خلق الخلق ولم يكن الإنسان موجودًا، لم يخلق الإنسان قبل خلق الإنسان، فمر به زمن لم يكن موجودًا فعندما يقال: ?هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا?؛ أي أنه لم يكن ثم كان، قبل زمن التكلم، قبل نزول الآية، فإذن المنفي بـ"لَمْ" معناه: أنه نفي حصول الشيء في وقت مضى، ولكن لا يلزم أن يستمر هذا النفي إلى وقت التكلم، فأنت عندما تقول: "لَمْ يقم محمد" يصح أن تقول: "لَمْ يقم محمد ثم قام"؛ أي: لم يقم في وقت مضى ثم قام بعده، ولكن لا يصح أن تستعمل "لَمَّا" في هذا المقام، فلا تقول: "لَمَّا يقم ثم قام"؛ لأن "لَمَّا" تدل على استمرار النفي إلى وقت التكلم، هذا فرق دقيق معنوي بين الأمرين، المنفي بـ"لَمَّا" مستمر نفيه إلى زمن التكلم في حين المنفي بـ"لَمْ" هو نُفِيَ في وقت من الأوقات الماضية ثم قد يكون انتقض هذا النفي وثبت الأمر قبل زمن التكلم.
الأمر الآخر أيضًا وهو أمر معنوي يُشعر من استعمال "لَمَّا" هو أنها تُشعر بقرب حصول المنفي بها.(1/7)
عندما تقول: في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ?؛ أي أنه سيذوقونه، هم لم يذوقوه بعد، ولكنهم سيذوقونه، عندما يسألك شخص فيقول لك: "هل جاء فلان؟" فرق بين قولك: "لَمْ يأتِ" وبين قولك: "لَمَّا يأتِ" أنت عندما تقول: "لَمَّا يأتِ" أي أنك تنتظر وصوله، ولكنه لم يصل بعد، لكن عندما تقول: "لَمْ يأتِ" لا يلزم أنك تنتظر أنت تنفي وصوله فقط، وقد لا يأتِي أصلاً، فإذن المنفي بـ"لَمْ" هو نفي عام، بينما المنفي بـ"لَمَّا" فيه نفي للحصول وفيه إشعار بقرب ضده يعني بإثباته بقرب ثبوت الأمر وانتقاض النفي.
أيضًا ذكر العلماء في الفروق بين "لَمْ" و"لَمَّا" أنه يرد في كلام العرب أن تستعمل "لَمَّا" ويحذف مجزومها المضارع بعدها، ويذكرون في مثل ذلك أن يسألك سائل فيقول: "هل دخلت البلد؟" فتقول: "قاربتها ولَمَّا"؛ أي: ولَمَّا أدخلها، فتحذف الفعل المضارع المجزوم بها، ولكن لا يصح أن تقول: "قاربتها ولَم" وتسكت، فلم يستعمل العرب "لَمْ" بدون فعل مجزوم بها، هذا أيضًا من الفروق التي يذكرونها بين الحرفين.
كذلك من الفروق التي تذكر بين "لَمْ" و"لَمَّا" هو دخول أداة الشرط، فإن "لَمْ" تدخل عليها أداة الشرط، فتقول: إن لم تقم؛ فلن آتيك مثلاً لكن ما تقول: إن لَمَّا تقم، فلم يرد عن العرب استعمال أداة الشرط وبعدها لَمَّا، إذن كما تتفق "لَمْ" مع "لَمَّا" في بعض الأمور، هي تخالفها أيضًا في أمور أخرى، ومن هنا فُرِّقَ بينهما، وصار استعمال كل واحد من الحرفين له مقامه الذي ربما يختلف عن المقام الآخر.
ممكن أعيد إجمال هذه الفروق التي تفترق كما أجملت أو أعدت إجمال الاتفاقات بينهما:
الأمر الأول: بين "لَمْ" و"لَمَّا" أن النفي بـ"لَمَّا" مستمر إلى زمن التكلم، بينما النفي بـ"لَمْ" قد ينتقض، قد يكون نُفِيَ ثم انتقض قبل أن يتكلم المتكلم.(1/8)
الأمر الثاني: أن "لَمَّا" تشعر بقرب حصول المنفي، قرب ثبوته، بينما المنفي بـ"لَمْ" ليس فيه هذا الإشعار، ليس فيه دليل على قرب ثبوته وحصوله.
الأمر الثالث: أن مجزوم "لَمَّا" قد يُحذف اكتفاءً بما ذُكِرَ قبله، أو لدلالة السياق عليه، ولكن لم يرد عن العرب أن يأتوا بـ"لَمْ" دون أن يأتوا بمجزومها يحذفوا مجزومها ويجعلوها عاملة في شيء محذوف.
الأمر الرابع: أن أداة الشرط تدخل على "لَمْ" وفعلها ولكنها لا تدخل على "لَمَّا" وفعلها، فلا تقول: "إنْ لَمَّا تقم" بينما تقول: "إن لَمْ تقم" فيصح هذا.
هذه هي الأمور التي يتفق فيها هاتان الأداتان فكلاهما جازم نافٍ مختص بالمضارع عامل فيه الجزم، قالب لزمانه من الحاضر والمستقبل إلى زمن الماضي.
هذان الجازمان الثاني والثالث من جوازم الفعل المضارع التي تجزم فعلاً واحدًا. بقي جازمان من جوازم الفعل المضارع الخمسة التي تجزم فعلاً مضارعًا واحدًا:
الأول: "اللام" الطلبية.
الثاني: "لا" الطلبية.(1/9)
وهنا أنبه إلى أمر يقع فيه كثير من الطلاب: وهو أنهم عندما ينطقون الحرف يريدون التعبير عن مثلاً عن "نا الفاعلين" و"نون النسوة"، أو عن "لا" والـ"لام"، فإنهم عندما ينطقون يلبسون في ذلك، فيقولون مثلاً اللام الناهية، أو يقولون في "ناء الفاعلين" "نون الفاعلين"، أو "نون الضمير"، إذا كانت الكلمة على حرف واحد سواءً كانت اسمًا كالضمائر كـ"ناء الفاعلين" و"نون النسوة" أو كانت حرفًا مثل هذه مثل "ل" و"لا" إذا كانت على حرف واحد؛ فإن حكايتها تكون بذكر اسم الحرف كاملاً، فتقول: "نون" نون النسوة وتقول: "اللام" اللام الطلبية، تنطقها كما تنطق اسم الحرف كاملاً، ولكن إذا كانت الكلمة مكونة من حرفين؛ فإنك تقرؤها قراءة، فتقول: "نا الفاعلين" وتقول: "لا الناهية"، والغرض من ذلك التفريق بين الأمرين؛ لأنك إذا قلت الـ"لام" فسينصرف الذهن إلى حرف واحد، لكن إذا قلت: "لا" انصرف الذهن إلى حرفين وهما اللام مع الألف.
أعود مرة ثانية فأقول: إن الجازم للفعل المضارع الجازمان الرابع والخامس هما "اللام الطلبية" و"لا الطلبية".
أما اللام الطلبية؛ فهي التي يسمونها لام الأمر، وأما "لا الطلبية" فهي التي يسمونها لا الناهية، وسأبين بعد قليل لماذا سميتها "اللام الطلبية" و"لا الطلبية" لكني قبل ذلك أمثل لهما: في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ? [الطلاق: 7] "ينفقْ" فعل مضارع مجزوم باللام الطلبية، وعلامة جزمه السكون. أما لا الطلبية التي تسمونها "لا الناهية"؛ ففي قول الله -سبحانه وتعالى-: ?لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ? [لقمان: 13] "تُشْرِكْ": فعل مضارع مجزوم بلا الطلبية، وعلامة جزمه السكون أيضًا على الكاف آخر الفعل المضارع.
أما لماذا لم نقل لام الأمر ولام الناهية؟(1/10)
فأقول: يصح أن تقول: لام الأمر ولا الناهية، ولكن تسميته بالطلبية أولى، والسبب في ذلك أن هناك أغراضا بلاغية أو معانيَ بلاغية لصيغة الأمر ولصيغة النهي تخرجها عن الأمر والنهي أصلاً فهي تصبح أمرًا ونهيًا وذلك عندما يكون الأمر في حق من هو أعلى منك، فحينئذ لا يصدق عليه أنه أمر. كذلك النهي عندما تستعمل أسلوب النهي لمن هو أعلى منك، فإنه لا يصدق عليه أن يكون نهيًا؛ لأن دائمًا الأمر والنهي يكون من الأعلى إلى الأدنى، فإذا استعمل هذا الأسلوب من العبد في حقه -سبحانه وتعالى-؛ فإنا نسميه حينئذ دعاءً وإن كان بهذه الصيغة التي تسمى الأمر أو النهي.
في قول الله -سبحانه وتعالى- حكاية عن أهل النار -أعاذنا الله من حالهم!-: ?يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ? [الزخرف: 77]، هذه لام وهي التي تسمى لام الأمر، و"يَقْضِ" فعل مضارع مجزوم بها، وعلامة جزمه حذف حرف العلة؛ لأنه فعل معتل الآخر، أصله "يقضي" وتسميتها لام الأمر هنا فيها نظر؛ لأنها وإن كانت بصيغة الأمر إلا أنها في معنى الدعاء، فالأمر إذا كان في حق الله -سبحانه وتعالى- لا يصح أن يسمى أمرًا، وإنما يسمى دعاءً وكذلك الشأن في كل من هو أعلى من المتكلم بها.
كذلك في النهي عندما يقول في لا الناهية عندما يقول القارئ والداعي: ?رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا? [البقرة: 286] فهذه لا الناهية ولكنها لما كانت في حق الله، فهي دعاء، وإن كانت بصورة النهي؛ لأن العبد لا ينهى ربه، وإنما هنا يسمى دعاءً ومن هنا آثرتُ بل آثر كثيرٌ من العلماء تسميتها بلا الطلبية، بدل لا الناهية، واللام الطلبية بدل لام الأمر، ومن سماها لا الناهية ولام الأمر فهو مصيب أيضًا؛ لأنه حملها على أكثر أحوالها، وما يكون خلاف ذلك من استعمالها في حق من هو أعلى وأولى ذلك حق الله -سبحانه وتعالى- فهذا يُعَد مما تخرج إليه الصيغة ولا يخرج هذه الحروف عن كونها أمرًا ونهيًا في بقية الصيغ.(1/11)
إذن لا نثرب على من سماها لام الأمر أو لا الناهية ولكن نحبذ ونرجح ونفضل أن تسمى اللام الطلبية؛ لأن الطلب يشمل الأمر والنهي ويشمل الدعاء أيضًا فكلها من أنواع الطلب.
أسأل الآن.. بل أواصل؛ لأنه سبق أن سألت سؤالاً ولعله يأتي جواب عليه ولا يزال أنتظر جوابًا إن تيسر ذلك أو إن تيسر أن يكون الموقع يستقبل ما يأتيه، والآن في ظني أنه لا يستطيع الآن. لكن لا يبدو...
لا يستطيع.
لا نزال على كل حال إن تيسر اتصال هاتفي لأحد الطلاب فطيب، في السؤال الذي سبق طرحه منذ قليل عن جازم الفعل المضارع في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?هَلْ أَدُّلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ? إلى قوله سبحانه: ?يَغْفِرْ لَكُمْ? ما الذي جزم ?يَغْفِرْ?؟
ما سبق الحديث عنه من جوازم الفعل المضارع هي ما يجزم فعلاً واحدًا، ويناسب الآن أن نبدأ في الحديث عما يجزم فعلين.(1/12)
الذي يجزم الفعل المضارع منه ما يكون -كما ذكرت- يجزم فعلاً واحدًا أي أنه يأتي بعده فعل مضارع فيجزمه، ومنها ما يكون من القوة بحيث يجزم فعلين مضارعين وهو عامل واحد، وهذه القوة جاءت من احتياج ذلك العامل إلى فعلين وأنه لا يؤدى المعنى به إلا بذكر فعلين بعده، بمعنى أنك لو ذكرت فعلا واحدًا بعده؛ ما استقام الكلام. من هنا صار الاحتياج هو الذي أدى إلى هذا العلم أعني عمل الأداة في فعلين، وذلك خاص بأدوات الشرط، ما كان منها حروفًا وما كان منها أسماءً. الشرط أسلوب من أساليب العرب فيه ثلاثة أركان: أداة الشرط، وفعل الشرط، وجواب الشرط، بمعنى: أنها ترتب شيئًا على شيء، الأداة هذه ترتب شيئًا على شيء، أنت عندما تقول: "إن تأتنِي أكرمْك" رتبت الإكرام على المجيء، فإن لم يحصل المجيء لم يحصل الإكرام، أي شرط الإكرام المجيء، هذا معنى أسلوب الشرط، أنه اشتراط شيء لحصول شيء آخر، ولذلك يسمى ما بعد أداة الشرط فعل الشرط، وما يليه مما يحصل بعد ذلك لو حصل الشرط جواب وجزاء، وهو المكافأة أو الجزاء الذي يحصل بعد تحقق المشروط الذي هو فعل الشرط.
هذه الأدوات التي تحتاج إلى فعل وأداة في معظمها أو أكثرها يجزم فعلين، منها ما لا يجزم، ولكن أكثرها يجزم فعلين أعني فعل الشرط وجواب الشرط نظرًا لافتقارها إليهما، لافتقار هذه الأداة إلى هذين الفعلين، وهذه الأدوات الجازمة منها ما هو اسم ومنها ما هو حرف، ولكنها تشترك في أمرين:
الأمر الأول: احتياجها إلى فعل وجواب.
الأمر الثاني هو: جزمها لهذين الفعلين الأول والثاني بعد احتياجها إليهما.(1/13)
من ذلك أي من أدوات الجزم التي تجزم فعلين "إن" وهذه حرف شرط وهي من أكثر أدوات الشرط استعمالاً، أنت عندما تقرأ قول الله -سبحانه وتعالى-: ?إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ? [النساء: 133]، فنقول: "إِن" أداة شرط، وبعدها فعل الشرط وجواب الشرط، "يَشَأْ" فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه السكون، و"يُذْهِبْكُمْ" جواب الشرط أيضًا مجزوم وعلامة جزمه السكون، وقد رُتِّبَ الجزاء على الشرط، فالتقدير: إن يشأ يذهبكم أي إن حصلت المشيئة حصل الإذهاب، وإن لم تحصل المشيئة لم يحصل الإذهاب، فهذا مترتب على هذا.
أيضًا "أَيْنَمَا" أو هي "أين" وقد دخلت عليها "ما" من أدوات الشرط وهي اسم شرط، في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ? [النساء: 87] فـ"تَكُونُوا": هي فعل الشرط، وهي مجزومة وعلامة جزمها حذف النون؛ لأنها من الأفعال الخمسة، و"يُدْرِككُّمُ": هي جواب الشرط أيضًا مجزومة وعلامة جزمها السكون، "يُدْرِككُّمُ" والجزم على الكاف الأولى؛ لأن "كم" هذه هي ضمير جمع المذكر وهي المفعول به اتصل بالفعل، فنقول: هذان هما الفعلان: فعل الشرط وجواب الشرط.
أيضًا من أدوات الشرط الجازمة التي تجزم فعلين تقتضي اثنين وتجزمهما "أي" في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءَ الْحُسْنَى? [الإسراء: 110]، "تَدْعُوا" هنا هو فعل الشرط؛ لأنه مجزوم وعلامة جزمه حذف النون، أصله "تدعون" وجوابه جملة "فَلَهُ الأَسْمَاءَ الْحُسْنَى"، هنا في هذه الآية لم يأتِ الجواب فعلاً ونحن نقول: إنه تجزم فعلين: فعل الشرط، وجواب الشرط، وهنا يتضح أنه أحيانًا جواب الشرط لا يكون فعلاً وإنما يكون جملة، وفي هذه الحال إذا كانت الجملة جملة اسمية تتصل بها الفاعل على ما سيأتي تفصيله بعد قليل، وتكون هذه الجملة الاسمية التي دخلت عليها الفاء في محل جزم جواب الشرط.(1/14)
إذن إن جاءنا فعل جزمناه مباشرة، وإن جاءتنا جملة اسمية فنعرب هذه الجملة الاسمية بالتفصيل ?فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى? نقول: "فَلَهُ" اللام حرف جر والهاء ضمير متصل في محل جر، والجار والمجرور هو في تقدير الخبر المقدم "الأَسْمَاءُ" مبتدأ مؤخر و"الْحُسْنَى" نعت له، والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط.
طبعًا غني عن القول إن لماذا قلنا: إن "لَهُ" خبر مقدم، و"الأَسْمَاء" مبتدأ مؤخر ولم نقل العكس؟ لأن الجار والمجرور لا يكون مبتدءًا، ولكن يقع خبرًا، ولذلك قلنا إنه هو الخبر المقدم والأسماء هي المبتدأ المؤخر، بناءً على ذلك إذا وقع جواب الشرط جملة اسمية فإنا نجعل جزم جواب الشرط تقديريًا فنقول: الجملة بعد إعرابها في محل جزم جواب الشرط.
أيضًا من الجوازم التي تجزم فعليْن من أدوات الشرط من أسماء الشرط "من"، في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?مَن يَعْمَلْ سُوءً يُجْزَ بِهِ? [النساء: 123] "مَن" هذه اسم شرط جازم يجزم فعلين، جواب الشرط وجزاءه، "يَعْمَلْ" هذا فعل الشرط مجزوم وعلامة جزمه السكون، وجواب الشرط "يُجْزَ بِهِ" وهو مجزوم أيضًا وعلامة جزمه حذف حرف العلة؛ لأن التقدير "يُجزى" بألف في آخره، والتقدير أنه إذا عمل سوء جزي به، وإن لم يعمل لم يجز به، ولذلك ترتب الجواب على الشرط، جواب الشرط عليه، فمتى حصل عمل السوء؛ حصل الجزاء ومتى لم يحصل؛ لم يترتب عليه هذا الجزاء.
أيضًا مما يجزم فعلين من أدوات الشرط "ما" في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ? [البقرة: 197] "مَا" هي الجازمة، "تَفْعَلُوا" فعل الشرط مجزوم وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، و"يَعْلَمْهُ اللهُ" هو جواب الشرط "يَعْلَمْهُ" وهو مجزوم وعلامة جزمه السكون.
أيضًا من جوازم الفعلين أو من أدوات الشرط الجازمة "مهما" في قول الشاعر:
..................... وأنكِ مهما تأمريِ القلب يفعلِ(1/15)
"مهما" هي التي تجزم فعلين، هي أداة الشرط الجازمة، "تأمريِ" فعل الشرط مجزوم وعلامة جزمه حرف النون، وأصله "تأمرين"، و"يفعل" جواب الشرط، وهو مجزوم وعلامة جزمه السكون، وتحريكه لأجل الروي "يفعلِ" لأن القصيدة رويها هي لامية مكسورة اللام، ولذلك هي جواب الشرط ومجزوم ولكنه حُرِّكَ بالكسر؛ لأجل مراعاة الروي.
أيضًا من أسماء الشرط التي تجزم فعلين: "متى" في قول الشاعر:
........................ متى أضع العمامة تعرفوني
"متى" اسم شرط جازم يجزم فعلين، "أضع" هو فعل الشرط، مجزوم وعلامة جزمه السكون، والفعل الثاني المجزوم هو "تعرفوني" وهو فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، قد يقول قائل: هنا فيه نون "تعرفوني" فنقول: هذه نون الوقاية، ليست نون الرفع، أصله "تعرفونني" وحذفت النون للجزم, استجلبت نون الوقاية؛ لأن في آخره ياء المتكلم، وياء المتكلم توجب كسر ما قبلها، ولما كان ما قبلها فعلاً والفعل لا يُكسر؛ لأن الكسر من خصائص الأسماء؛ وُقِيَ الفعل من الكسر بالإتيان بنون الوقاية لتتحمل الكسرة قبل الياء ويبقى الفعل دون كسر وجزمه بحذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة.
هذه مجموعة من الجوازم التي تجزم فعلين أحدهما يسمى فعل الشرط والثاني يسمى جوابه وجزاءه.
أيضًا مما يجزم فعلين؛ لأن المعروف أن أدوات الشرط تقتضي -كما قلنا- فعل الشرط وجواب الشرط، لكن هذا الاقتضاء في المعنى، أما في العمل فليس كل أدوات الشرط تجزم؛ لأن هناك من أدوات الشرط ما لا يجزم فعل الشرط ولا جوابه، ولكنه يقتضي الترتب، ولذلك كما في "إذا" و"لو" فهذه أدوات تقتضي تعلق الشيء بشيء آخر، فالمشروط لا يتحقق إلا بعد تحقق شرطه، ولكنه لا يجزم؛ لأنها ليست جازمة، فكأن أدوات الشرط منها ما هو جازم، ومنها ما هو غير جازم، ولكنها تشترك في ترتب فعل على فعل آخر.
من الأدوات الجازمة أو الأسماء الجازمة "أيان" في قول الشاعر:
...................(1/16)
فأيان ما تعدل به الريح تنزلِ
"أيان" هذه اسم شرط، فعلها هو "تعدل" وهو مجزوم وعلامة جزمه السكون، و"تنزلِ" هو جواب الشرط، أيضًا مجزوم وعلامة جزمه السكون، ولكنه حُرِّكَ لأجل الروي؛ لأن القصيدة لامية مكسورة كسابقتها.
كذلك من أسماء الشرط التي تجزم فعلين "حيثما" في قول الشاعر:
حيثما تستقم يقدر الله ** لك نجاحًا في غابر الأزمان
"حيثما" اسم شرط، وهو يجزم فعلين، ويقتضيهما، فعل الشرط "تستقم" وهو مجزوم وعلامة جزمه السكون، وجواب الشرط "يقدر" وهو أيضًا مجزوم وعلامة جزمه السكون أيضًا.
كذلك من الجوازم الفعلين أو من أدوات الشرط الجازمة للفعلين "إذ ما" في قول الشاعر:
وإنك إذ ما تأتِ ما أنت آمر به تلفِ من إياه تأمر آتي
هو هنا الشاعر يحث على أن الإنسان إذا أراد أن يعمل شيئًا أو يحث الناس على عمل شيء عليه أن يبادر بفعله هو ليهديهم إليه بفعله قبل أن يدلهم عليه بقوله، فيقول: إذا أتيت ما تأمر به فإن المأمور سيفعله مباشرة؛ لأنه يقتدي بك في فعلك أكثر من اقتدائه بك في قولك، من هنا تكون "إذ ما" جازمة لفعلين، "إذ ما تأتِ تلفِ من إياه" فـ"تأتِ" فعل الشرط، مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة؛ لأنه معتل الآخر، و"تلفِ" أيضًا فعل مضارع مجزوم وهو جواب الشرط وعلامة جزمه أيضًا حذف حرف العلة؛ لأنه جواب الشرط.
كذلك آخر الأدوات التي تجزم فعلين أحدهما فعل الشرط والثاني جواب الشرط "أنى" في قول الشاعر:
"فأصبحت أنى تأتها تستجر بها تجد" على اختلاف في إكمال البيت بين الرواة نقول: تأتها هنا "أنى" هنا هي أداة الشرط الجازمة، و"تأتها" هي فعل الشرط وهو مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة، و"تجد" هي جواب وهو مجزوم أيضًا وعلامة جزمه السكون وواضح ترتب الشيء على شيء أي أنه يترتب على الإتيان الوجود، فإن لم تأتها؛ فإنك لا تجد، وقد جزمت الفعلين أعني فعل الشرط وجوابه.(1/17)
إذن يُفهم من هذا الكلام كله، ومن هذه الأمثلة أن ما يجزم الفعل المضارع منه ما يكتفي بفعل واحد، ومنه ما يجزم فعلين لقوته، وإنما جزم فعلين لكونه في المعنى يقتضيهما، فلا يكمل معنى ذلك الجازم إلا بذكر الاثنين معًا لترتب أحد الفعلين على الآخر، وهذا في باب الشرط فقط بالذات، هو الذي يكون فيه الجزم جزم فعلين بأداة واحدة.
إذن الأدوات الجازمة لفعل واحد هي: الطلب، ولَمْ، ولَمَّا، واللام الطلبية، ولا الطلبية، وقد بينت لماذا آثرت مصطلح لام الطلبية، ولا الطلبية.
ثم بعد ذلك ما يجزم فعلين هذا خاص بباب الشرط؛ لأنه يحتاج إلى فعلين جواب وجزاء، ولكن ليس كل أدوات الشرط يجزم، نعم كل أدوات الشرط تقتضي فعلاً وجوابًا، أو شيء مترتب وشيء مترتب عليه، ولكن ليس كل أدوات الشرط تجزم فإن من أدوات الشرط ما لا يجزم فعلين، وما ذكرته من أدوات هو الذي يجزم فعلين وقد تبين كيف حصل الجزم لهما مما يدل على أن هذه الأدوات الجازمة أو الأدوات الشرطية هذه الجازمة لفعلين فيها من القوة ما يمكنها من أن تعمل الجزم في فعلين اثنين نظرًا لافتقارها إليهما في المعنى.(1/18)
يبقى هنا قضية وسبق أن ألمحنا إلى شيء منها منذ قليل: في حالة نحن الآن في الأمثلة في معظمها يأتينا فعل الشرط وهو فعل، وجواب الشرط وهو فعل أيضًا ونراهما مجزومين، وعلامة الجزم فيهما ظاهرة، ولكن في مر بالأمثلة قول الله -سبحانه وتعالى-: ?أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى? وقد جاءنا فعل الشرط، ولكن لم يأتنا فعل هو الجواب، وإنما جاءتنا جملة هي الجواب "لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى"، واستدللنا أو استفدنا من هذا أن جواب الشرط قد يكون جملة اسمية، بناءً على ذلك إذا لم يتحقق في جواب الشرط أن يكون فعلاً مجردًا من الأدوات الداخلة عليه قابل للجزم لكونه جواب الشرط فإنه اشترط العلماء أن تدخل عليه فاء التي يسمونها الواقعة في جواب الشرط، وحصروا هذه الأماكن التي تدخل عليها الفاء بأن قالوا: إذا لم يصح الجواب أن يقع في موقع الشرط، بمعنى: إذا لم يمكن أن تأتي بالجواب في موقع شرط، تجعله شرطًا تنقله إلى الشرط؛ فإنك يجب أن تلحق به الفاء.
مرة ثانية: إذا كان جواب الشرط غير صالح لأن يقع بعد الأداة فعلاً للشرط؛ فيجب حينئذ فيه وهو جواب الشرط أن تأتي قبله بالفاء تسمى الفاء الرابطة أو الواقعة في جواب الشرط، وبعض العلماء جمع المواضع التي لا يصح أن تقع في فعلاً للشرط، ويجب إلحاق الفاء بها في قوله:
اسمية طلبية وبجامد وبما ولن وبقد وبالتنفيس
طبعًا هو في هذا البيت جمع أمورًا أراد أن يبين أن هذه الأشياء إذا وقع شيء منها جوابا للشرط؛ وجب أن تلحقه الفاء ويكون جزمه تقديريًا وليس ظاهرًا، وبالأمثلة يتضح الأمر.(1/19)
في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ? [الأنعام: 17] هنا أداة الشرط "إِن" تجزم فعلين، "يَمْسَسْكَ" فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه السكون، ثم يأتي جواب الشرط ?فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ? هنا ما جاءنا فعل وإنما جاءتنا جملة اسمية ?فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ? "هُوَ" مبتدأ و?عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ? جار ومجرور خبر فأتى جواب الشرط جملة اسمية، من هنا الجملة الاسمية لا يصح أن تقع فعلاً للشرط، ونحن نقول: إن جواب الشرط إذا لم يصح أن يقع فعلاً للشرط؛ وجب دخول الفاء عليه، ولذلك جاءت الفاء ?فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ? ونقول: الجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط.
كذلك إذا وقعت جملة الشرط طلبية، أي وقع فعل الشرط طلبيًا، جواب الشرط وقع طلبيًا، أي: أمر، أو نهي، أو دعاء.. أو غير ذلك، نحن نعرف أن فعل الشرط لا يكون طلبًا، في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ? [آل عمران: 31] "إِن" أداة الشرط، "كُنْتُمْ" فعل الشرط، والجملة طبعًا كان هذه مع اسمها وخبرها يكمل بها معنى فعل الشرط، "فَاتَّبِعُونِي" اتبعوني هذه هي جواب الشرط، ولكنه وقع طلبيًا أي أمرا، والطلب لا يقع فعلاً للشرط، وما دام جواب الشرط لا يصح أن يقع فعلاً للشرط، فيجب إلحاق الفاء به ولذلك قال الله -سبحانه وتعالى- ?فَاتَّبِعُونِي?.(1/20)
أيضًا من المواضع التي يجب إلحاق الفاء فيها بجواب الشرط في أن يكون الفعل أو أن يكون جواب الشرط كما في الآية الكريمة: ?إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَدًا ?39? فَعَسَى رَبِّي..? [الكهف: 39، 40] هنا "إِن" أداة الشرط، فعل الشرط "تَرَنِ" وهي فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة وهو الألف "ترى" أما جواب الشرط "فَعَسَى"، هنا "عسى" هذا فعل جامد، والأفعال الجامدة لا يصح أن تقع فعلاً للشرط، ولذلك إذا وقعت جوابًا للشرط؛ وجب إلحاق الفاء بها، ولذلك قال الله -سبحانه وتعالى-: ?فَعَسَى رَبِّي?.
كذلك في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ? [الحشر: 6]، هنا "مَا" هي أداة الشرط، فعل الشرط "أَفَاءَ" وهو فعل ماضي، ولكنه في محل جزم فعل الشرط، جواب الشرط "فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ"، هنا وقع جواب الشرط منفيًا، ونحن نقول: إذا كان جواب الشرط لا يصح أن يقع في مكان فعل الشرط؛ وجب إلحاق الفاء، الفعل المنفي لا يصح أن يقع في محل جواب الشرط، فإنك لا يصح أن تأتي بفعل منفي وتجعله فعلاً للشرط، من هنا لما وقع جوابًا وجب إلحاق الفاء به فقال -سبحانه وتعالى-: ?فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ?.
كذلك إذا كان فعل الشرط كما في قوله تعالى: ?إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ? [يوسف: 77] هنا، "قَدْ" لحقت بجواب الشرط، فـ"إِن يَسْرِقْ" "إن" أداة شرط، و"يَسْرِقْ" فعل الشرط مجزوم وعلامة جزمه السكون، وجاء جواب الشرط "فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ" فالفعل "سَرَقَ" سبقته "قَدْ" وإذا سبقت "قَدْ" الفعل لم يصح أن يقع فعلاً للشرط، فمتى وقع جوابًا للشرط؛ وجب إلحاق الفاء به، ولذلك لحقته الفاء.
إجابة سؤاليْ الحلقة الماضية.(1/21)
كان السؤال في الحلقة الماضية كان السؤال الأول عن موضوع: تسمية اللام في نحو قوله تعالى: ?وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ? [الأنفال: 33]، لماذا سميت "لام" الجحود؟
والجواب: أن هذا أن الجَحد في اللغة هو النفي، وهذه اللام قد سُبِقَت بـ"كَانَ" المنفية، بكون منفي واصطلح النحويون على أن اللام إذا سُبِقَت بكون منفي أن يسموها بهذا الاسم "لام الجحود" تمييزًا لها عن بقية اللامات؛ لأن الجَحد هو النفي وهذه قد سبقها نفي.
أما السؤال الثاني: فقد كان سبب عدم القول إن حتى هي ناصبة الفعل المضارع بعدها.
لأن بعض الناس يقول: ليس هناك داعٍ نزيد نجعل نواصب نقدر "أن" نقول في قوله تعالى مثلاً: ?حَتَّى يَرْجِعَ? [طه: 91] ليس هناك داعٍ نقول: "يَرْجِعَ" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد "حَتَّى"، نجعل الناصب هو "حَتَّى مباشرة وَنُسهِّل على الناس، لكن وكان السؤال لماذا لم نجعلها كذلك؟
فالجواب في ذلك أنا عرفنا أن هناك قاعدة عامة نحوية: أنه ما يعمل من الأدوات في الأسماء لا يعمل في الأفعال، لم يرد عمله في الأفعال لا يعمل في الأسماء، "حَتَّى" هذه رأيناها في حروف الجر، جرت في قوله تعالى: ?حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ? [القدر: 5]، فلما كانت تعمل في الأسماء الجر؛ لم يصح أن تعمل في الأفعال النصب؛ لأنه لم يرد عن العرب أن يأتي عامل يعمل شيئًا في الأسماء ويعمل في الأفعال شيئًا أيضًا آخر، فعوامل الأسماء خاصة بها، وعوامل الأفعال خاصة بها. هذا هو جواب السؤالين.
أسئلة الحلقة القادمة.
السؤال الأول عن عناصر الاتفاق بين "لَمْ" و"لَمَّا". فأقول:
فيم تتفق "لَمْ" و"لَمَّا" كلاهما جازم للفعل المضارع ويجزم فعلاً واحدًا ففيم يتفقان وفيم يختلفان؟
هذا هو السؤال الأول.
السؤال الثاني: لماذا قلنا اللام الطلبية ولا الطلبية وليس لام الأمر ولا الناهية؟(1/22)
أسأل الله -سبحانه وتعالى- للإخوة جميعًا النفع والفائدة وأن يجعل ذلك سلمًا لرضاه، وأشكر لهم جميعًا إصغاءهم وبارك الله فيهم جميعًا.(1/23)
لغة عربية - المستوى الرابع
الدرس الثاني عشر
النكرة و المعرفة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الحديث اليوم -إن شاء الله وتعالى- سيكون في موضوع "النكرة والمعرفة" ولا مانع -كما ذكرت من قبل- من استقبال بعض الأسئلة اللغوية أو النحوية المهمة التي قد يحتاج إليها قِطاع كبير من الناس، المستمعين والمشاهدين؛ لأنه ربما لا يجدون مجالا للسؤال عنها في برامج أخرى، على ألا يحيف ذلك على موضع الدرس الأصلي؛ لأنه هو المقصود مع قِصَرِ الوقت الذي ربما يكتنف درس اليوم، لكن نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعل فيه خيرا وبركة.
وإن شئت يا شيخ أحمد أن ننظر في أجوبة سؤالي الحلقة السابقة باختصار حتى نشرع في درس اليوم.
في الحلقة الماضية كان السؤال الأول: فيم تتفق "لَمْ ولَمَّا" وفيما تختلفان؟
أجابت تقول: يتفق كلٌّ من الحرفين "لَمْ ولَمَّا" في جزم المضارع وفي نفيه، ويختلفان في أن النفي بـ "لم" يجوز انقطاعه، أما النفي بالحرف "لَمّا" فهو مستمر إلى زمن التكلم.
الأخت الكريمة في إجابة السؤال الثاني تقول: فُضّلت تسمية اللام الطلبية ولا الطلبية على قولنا: لام الأمر ولا الناهية؛ لأنهما قد يُستخدمان من الأدنى إلى الأعلى فهما حينئذ لا يسميان أمرا ولا نهيا بل دعاء؛ كقوله -تعالى- على لسان أهل النار: ? وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ? [الزخرف: 77]، وكقوله تعالى: ? رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ? [البقرة: 286]؛ إذ إن الأمر من الأدنى إلى الأعلى دعاء، ومن المتساويين التماس، ومن الأعلى إلى الأدنى أمر، والطلب يشمل ذلك كله.(1/1)
إذن الفروق بين لَمْ ولَمَّا ذكرناها بتفصيل في المرة السابقة، وتبين فيها أن كليهما حرف، وأنهما ينفيان ويجزمان الفعل المضارع، وأنهما يقلبان زمانه من الحال أو الاستقبال إلى المضي، وأنهما حرفان مختصان بالفعل المضارع لا يدخلان على غيره من الكلمات.
وأما افتراقهما فإنا عرفنا أن "لَمَّا" تفيد أن ما قبلها متوقع الحدوث، كما أنه متصل نفيه إلى زمن التكلم، إضافة إلى أن "لَمَّا" قد يحذف مدخولها -أي فعلها- بدلالة ما قبله عليه.
وعرفنا أيضا أن من الفروق بينهما أن أداة الشرط تدخل على "لَمْ" فتقول: إن لم تقم أقم، ولا تدخل على "لَمّا" فلا تقول: إن لما تقم أقم، وهذا بإيجاز.
وأما الأمر الآخر وهو تسمية لا الناهية ولام الأمر، أن الوجه في تسميتهما والأولى أن تسميان بالطلبيتين لما ذكرته الأخت؛ وهو أنه قد يكون الأمر في حق الله -سبحانه وتعالى-، والعبد لا يأمر ربه ولكنه يدعوه.
موضوعنا اليوم -إن شاء الله وتعالى- حول "النكرة والمعرفة".
هذا أحد الموضوعات المهمة في النحو؛ لأنه يتعلق بتقسيم الاسم نفسه إلى قسمين.(1/2)
اتصال من الدكتور عبد الله الأنصاري يقول: الحقيقةُ نحن سعداء بمثل هذه الدروس، ويسعدنا أن نستمع إليها دائما، وأن تكرروها علينا، واللغة العربية بها حَفِظَ الله هذا الدين؛ حيث أنزل بِهَا كتابه، وأرسل بها أفضل رسله، فكانت لغة كتاب الله، ولغة حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنالت بذلك ذروة الشرف، واعترف لها المتقدمون والمتأخرون بالفضل والخيرية على سائر اللغات لأجل ذلك، ولعله مما يذكر في هذا المجال قول الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات المشهور: "إن الشريعة عربية، وإذا كانت عربية فلا يفهمها حق الفهم إلا من فهم اللغة العربية حق الفهم؛ لأنهما سيان في النمط ما عدا وجوهَ الإعراب، فإذا فرضنا مبتدئا في فهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة، أو متوسطا فهو متوسط في فهم الشريعة، والمتوسط لم يبلغ درجة النهاية، فإن انتهى إلى درجة الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة، فكان فهمه فيها حجةً كما كان فهم الصحابة وغيرهم من الفصحاء الذين فهموا القرآن حجةً، فمن لم يبلغْ شأوهم -أي أصحابه- فقد نقصهم من فهم الشريعة بمقدار التقصير عنهم، وكل ما قصُر فهمُهُ لم يعد حجة، ولا كان قوله فيها مقبولا"، ثم أضاف الإمام الشاطبي -رحمه الله- قائلا: "فلا بد من أن نبلغ في العربية مبلغ الأئمة فيها كالخليل، وسيبويه، والأخفش، والجرمي، والمازني، ومن سواهم، وقد قال الجرمي: أنا منذ ثلاثين سنة أفتي الناس في الفقه من كتاب سيبويه" قال الشاطبي: "وإن هذا كلام قد أعترف له به، وفسر بأنه كان صاحب حديث -أي الجرمي- وكتاب سيبويه يُتَعلّم منه النظر والتفتيش، والمراد بذلك أن سيبويه، وإن تكلم في النحو، فقد نبه في كلامه على مقاصد العرب، وأنحاء تصرفاتها في ألفاظها ومعانيها، ولم يقتصر فيه على بيان أن الفاعل مثلاً مرفوع وأن المفعول منصوب ونحو ذلك، بل هو يبين في كل باب ما يليق به، حتى إنه احتوى على علم المعاني والبيان ووجوه تصرفاتنا(1/3)
الألفاظ والمعاني، ومن هنالك كان الجرمي على صوابه فيما قاله" ولعلي أختم هذه المداخلة ببيتين ذكرهما أحد الأدباء في هذا المجال؛ حيث يقول:
النحْوُ أفضلُ ما يُبغى ويُقتبَسُ *** لأنه لكتاب الله مُلْتَمَسُ
إذا الفتى عرف الإعرابَ كان له *** مهابَة في أُناس حولَه جلسُو
أسأل الله تعالى أن ينفع بكم، وبعلمكم، وأن يجزيكم عنا خير الجزاء، وأن يسدد خطاكم في هذا المجال، وأن يعرف أبناء العربية لها حقَّها، وأن يعتنوا بها حق العناية وصلى الله وسلم على نبينا محمد
نشكر الدكتور عبد الله على مداخلته الطيبة التي استفدنا منها جميعا، أقول فيما يتعلق بالنكرة والمعرفة: إن الأسماء في اللغة العربية يقسمها النحويون إلى قسمين: نكرة، ومعرفة.
هم يحددون كل واحد من القسمين بتحديد فيقولون: إن النكرة في تعريفهم أو حدهم لها أنها ما شاع في جنس موجود أو مقدر. هكذا ذكر النحويون في تعريفها، والأمر يحتاج إلى نوع من الإيضاح.
هم يقصدون أن المعرفة محددة ومبينة؛ فأنت إذا قلت: هذه الكلمة معرفة أي أن المقصود بها واضح، وأما قولهم: نكرة فهي شائعة غير محددة.(1/4)
قولهم: ما شاع في جنسه؛ يعني أن هناك نوعا من الأنواع كل أفراده يسمون بهذا الاسم، مثلاً إذا قلنا: كتاب فكل ما كان من أنواع هذا الجنس فهو يسمى كتابا، إذن هو شائع وغير محدد. كذلك إذا قلت: رجل فكل ما كان من جنس بني آدم البالغين الذكور فهو يسمى رجلا، ولا تطلق هذه الكلمة على واحد منهم فهي شائعة، فهم يقولون: ما شاع في جنس أي في نوع من الأنواع التي خلقها الله -سبحانه وتعالى-، موجودٍِ، وما ذكرته من الأشياء موجود الكتب موجودة، والرجال موجودون، أو مقدر، معنى قولهم: أو مقدر يقولون: سواء كانت هذه النكرة موجودة في الحقيقة أو قُدِّر وجودها، ويضربون لذلك مثلا بقولهم: شمس، فيقولون: الشمس هذه معرفة، التي هي هذا الكوكب الذي يظهر في النهار وينسخ ظلام الليل، هذه الشمس بتعريف، فإن نكرتها وقلت: شمس فهي نكرة.
هنا قد يعترض بعض الناس ويقول: كيف نقول: إنها نكرة وهي واحدة، هل عندنا أكثر من شمس حتى نقول ذلك؟! فكيف بتقول إنها شاعت؟!
هي لم تشع، بل هي محددة، والحق أنها -وإن كانت محددة وواحدة- لكن هذه الكلمة -أعني كلمة شمس- وضعت لتشمل أكثر من واحد، ولكنها في واقع الأمر لم يوجد منها إلا واحد؛ ولذلك ورد هذا الاعتراض.
تطلق على ماذا -يا شيخ- أكثر مِن واحد؟
أنا أقصد أن هذه الكلمة لو أن الله -سبحانه وتعالى- خلق أكثر من جرم بهذه المثابة لصح على كل واحد منها أن يسمى شمسا، إذًا كلمة شمس نكرة وإن كانت في الواقع واحدة، وهذا أوضح في مسألة القمر؛ فالعلماء كان يقولون في السابق ويمثلون بما كان شائع في جنس مقدر وجوده وإن لم يكن حقيقة بشمس وقمر، فيقولون: هذه الكلمة وإن لم يجد منها إلا واحد إلا أنه لو قدر وجود ما هو أكثر لكان كل واحد منها يصدق عليه أن يسمى بهذا الاسم.
دقيقٌ الكلام يا شيخ(1/5)
نعم، أنت لو نظرت الآن في الوقت الحاضر علماء الفلك يقولون: إنه وجد في بعض الكواكب السيارة أكثر من قمر، فهناك أكثر من قمر، معنى ذلك أنا إذا قلنا: قمر فيشمل كل واحد من هذه الأقمار، إذا صارت جنسا الآن، موجودا لم تعد مقدرة، فنحن نقول: لو أن الله -سبحانه وتعالى- قدر أن هناك من هذا الجنس أكثرَ من واحد لصح أن يقال لكل واحد منها: شمس، وحينئذ فهي شائعة في التقدير وإن لم تكن شائعة في الوجود.
تقول: سؤال في قوله تعالى: ?رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ? [المنافقون: 10] لماذا جُزمت أكن في هذه الآية؟
هنا ? لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ? طبعا هنا "فأصدق" واضح النص فيها؛ لأنها فعل مضارع وقع بعد فاء السببية، والفعل المضارع إذا وقع بعد فاء السببية وقد سبقه طلب -وهنا طلب بالَحَضِّ وهو "لولا"- أنه ينصب بأن مضمره وجوبا، والتقدير فأن أتصدق.
مسألة "أكن من الصادقين" لأنها قدروها أنها في جواب الطلب؛ أي فإن تؤخرني أكن، وإذا وقع الفعل المضارع -كما عرفنا- في جواب الطلب جزم، إذن الذي جزمه هو تقدير الطلب قبله، والذي نصب أصدق هو تقدير أن بعد فاء السببية بعدها، فهي ناصبة لها بأن مضمره وجوبا.
أرجع لما أنا فيه من مسألة تعريف "النكرة والمعرفة"، ولا نطيل في مسألة التعريف فالأمر واضح وبين، لكن فقط قصدت من هذا إيضاح قولهم في تعريفهم للنكرة: أنها ما شاع في جنس موجود أو مقدر، وكأنهم يريدون بذلك أن ما لم يشع، وما كان محددا فهو معرفة.(1/6)
والتحديد يكون بوسائل، هذه الوسائل هي أقسام المعارف المختلفة، أعرف هذه المعارف هو الضمير، وإنما كان الضمير هو أعرف هذا المعارف؛ لأنه ينطبق على المتكلم، والمتكلم بالنسبة لنفسه أعرف من غيره؛ ولذلك يقولون: الضمير هو ما دل على متكلم، أو مخاطب، أو غائب. فإذا قلت: أنا فهذا ضمير للمتكلم، وإذا قلت: أنت فهو للمخاطب، وإذا قلت: هو فهو للغائب.
ويجمعون بينهما فيقولون: هو للحاضر والغائب، والحاضر يشمل المتكلم والمخاطب، والغائب وحده.
هذا الضمير قد يكون ظاهرا موجودا، وقد يكون مختفيا مستترا، وبذلك يقسمونه إلى بارز ومستتر، أما المستتر فهو بقوة البارز الظاهر، فأنت إذا قلت: قم فهذه وإن كانت في الصورة كلمة على حرفين، إلا أنها في واقع الأمر جملة كاملة ذات ركنين؛ مسند ومسند إليه، فـ "قم" فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت.
إذن، وإن لم يوجد الضمير، لكنه مقدر، وهذا مقصدهم بقولهم: مستتر. لكنك إذا قلت: قمتُ فإن التاء حينئذ هي الفاعل، هي الضمير، وهي بارز. هذا معنى قولهم: إن الضمير قد يكون مستترا وقد يكون بارزا.
يَرِدُ في كلام النحويين عند الإعراب أن يقولوا: ضمير مستتر وجوبا، وضمير مستتر جوازا، وهذا قد يلتبس على الطلاب من ناحيتين:
الناحية الأولى: معنى كونه مستترا وجوبا، ومعنى كونه مستترا جوازا.
والناحية الثانية: متى يكون مستترا جوازا؟ ومتى يكون مستترا وجوبا؟
أما معنى كونه مستترا وجوبا أو جوازا؛ فالمستتر جوازا يجوز لك أن تظهره ويجوز لك أن تضمره، والمستتر وجوبا لا يجوز إظهاره أبدًا؛ لأن العرب لا تنطق به ظاهرا.
وأما متى يكون الضمير جائزَ الاستتار؟ ومتى يكون واجب الاستتار؟ فأنا أختصر الأمر بدل تفسيرات النحويين الكثيرة، فأقول: إن الضمير إذا استتر وهو لِحَاضر فهو واجبُ الاستتار، وإذا استتر وهو لِغَائب فهو جائزُ الاستتار.(1/7)
أعيد مرة ثانية إذا كان الضمير المستتر لحاضر؛ سواء كان متكلما أو مخاطبا فهو واجب، إذا قلت مثلاً: أقوم، أقوم فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر ووجوبا تقديره أنا. تقومُ أقصد به المخاطب ولا أقصد به الغائبة تقوم هي، وإنما أقصد تقوم أنت، هذا فاعله ضميرا مستتر وجوبا تقديره أنت.
لكن لو كان الضمير المستتر غائبا كقولك: يقوم فيجوز أن تقول: يقوم هو فتذكره، ويجوز لك أن توجد اسما بارزا مكانه فتقول: يقوم محمد، وحينئذ فاستتاره جائز وليس واجبا.
هذان هما موضعا الاستتار وجوبا وجوازا، وهذا هو المقصود بمسألة الجواز والوجوب في الاستتار.
أما ما يتعلق بالضمير إذا كان ظاهرا بارزا فالمقصود ما له صورة في اللفظ، مذكور في اللفظ ومنطوق به، ومشاهد عند الكتابة، هذا المنطوق به المشاهد ضمير قد يتصل بالفعل الذي قبله ولا يستقل عنه، كقولك: قمت، وقد يستقل عنه كقولك مثلاً: ما قام إلا أنا، أو قولك: إياك نعبد، هنا "أنا، وإياك" جاءت وحدها لم تتصل بالفعل أو بالكلمة التي قبلها أو بعدها، وإنما استقلت وحدها، هذا يسمونه ضميرا منفصلا، أما ذاك الذي اتصل بالفعل الذي قبله، وارتبط به لفظا وكتابا فيسمونه متصلا.
إذًا، الضمير إما أن يكون متصلا بما قبله، أو يكون منفصلا عنه؛ مستقلا أو غير مستقل، فالمستقل يسمى ضميرا منفصلا، وغير المستقل يسمى ضميرا متصلا، وواضح أن سبب التسمية له علاقةٌ بارتباط هذا الضمير بالكلمة السابقة لها وعدم ارتباطها بها.(1/8)
بالنسبة للضمير المتصل وهو الأصل في الضمائر البارزة، الأصل في الضمير البارز أن يتصل بما قبله؛ لأن الضمائر عادة تكون على حروف قليلة؛ حرفٍ أحيانا أو حرفين، وقد تزيد عن ذلك، لكنها قليلة الحروف، وما دامت قليلة الحروف فإن الأصل فيها أن تتصل بالفعل ولا تستقل وحدها؛ ولذلك فالأصل في الضمائر البارزة أن تكون متصلة بالأفعال التي قبلها، وهذه قد تقع في موضع الرفع، وتقع في موضع النصب، وتقع في موضع الجر؛ فأنت إذا قلت: قمتُ فالتاء ضمير متصل في محل رفع، وإذا قلت: أكرمكَ فالكاف ضمير متصل في محل نصب، وإذا قلت: كتابهُ فالهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه. إذًا الضمير المتصل يقع في المواقع الإعراب المختلفة.
أما الضمير المنفصل فإنه لا يقع إلا مرفوعا أو منصوبا، ولا يوجد في العربية ضمير مجرور منفصل.
فإن قلت: ما مثال الضمير المرفوع المنفصل، والضمير المنصوب المنفصل؟
طبعا قولنا: مرفوع ومنصوب أي في التقدير، أي في محل رفع أو في محل نصب، وإلا فالضمائر مبنية ولا تظهر عليها علامات الإعراب.
فنقول: الضمير يكون منفصلا في محل رفع إذا كان غيرَ مبدوء بـ "إيّا"، وإذا رأيته مبدوءا بـ "إيّا" فاعلم أنه في محل نصب.
إذًا الضمائر المنفصلة إما أن تُبدَأْ بـ "إيّا" وإما ألّا تُبدأ بها، فإن بُدِئَت بـ "إيّا" فهي في محل نصب، وإن لم تُبْدَأْ بها فهي في محل رفع، ولا تكون الضمائر المنفصلة في محل جر.
الذي يُتحدث عنه بالضمير اثنا عشر مقصودا؛ لأنه للمتكلم اثنان، وللمخاطب خمسة، وللغائب خمسة، فالمجموع اثنا عشر:
أما المتكلم فقد يكون وحده فيقال: أنا، وهذا ضمير منفصل، وقد يكون وحده معظما لنفسه أو مشارِكًا معه غيرَه فيقال: نحن.
وأما المخاطب فقد يكون مفردا مذكرا فيكون أنتَ، أو مفردا مؤنثا فيقال: أنتِ، أو مثنى مطلقا مذكرا أو مؤنثا فيقالُ: أنتما، أو يكون جمعا مذكرا فيقال: أنتم أو جمعا مؤنثا فيقال: أنْتُنّ.(1/9)
والغائب كذلك مثله خمسة؛ لأنه إما مفرد مذكر فيقال: هو، أو مفرد مؤنث فيقال: هي، أو مثنى مطلقا مذكرا أو مؤنثا فيقال: هما، أو جمع مذكر فيقال: هم، أو جمع مؤنث فيقال: هُنّ.
فخمسة للغائب، وخمسة للمخاطب، واثنان للمتكلم، فمجموعها اثنا عشر.
وكل واحد من هذه لا يقع إلا في موضع الرفع، فأنت تقول: أنا مسلم، فَـ "أنا" ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. وتقول: ما قام إلا أنت، فأنت ضمير منفصل في محل رفع؛ لأنه فاعل. وتقول: لَمْ يُدْعَ إلا هو، فـ "هو" ضمير منفصل في محل رفع؛ لأنه نائب فاعل وهكذا.
إذن هذه الضمائر التي ذكرتُها الآن، وهي اثنا عشر-وإنما كانت اثني عشر لاختلاف ما تعبر عنه هذه الضمائر- كلها لا تقع إلا في موضع رفع، ويقوم مقام هذه الضمائر المرفوعة ضمائر منصوبة وهي اثنا عشر أيضا بعدد المرفوعات، وللمقصودين أنفسِهِمْ، فللمتكلم اثنان، وللمخاطب خمسة، وللغائب خمسة، بنفس التفصيل السابق، ولكن فرْقُ المنصوب عن المرفوع أن المنصوب مبدوء بـ "إيّا" دائما فيقال للمتكلم الواحد: إياي، ويقال للجماعة المتكلمين أو الواحد المعظم نفسَه: إيانا، وللمخاطب إياكَ للواحد، وإياكِ للواحدةِ، وإياكما للاثنين مطلقا مذكرا أو مؤنثا، وإياكم لجماعة الذكور، وإياكن لجماعة الإناث، الغائب كذلك خمسة؛ إياه للواحد، وإياها للواحدة، وإياهما للاثنين مطلقا مذكر أو مؤنثا، وإياهم لجمع الذكور، وإياهن لجمع الإناث؛ فصار مجموعها اثني عشر كما أن مجموع المرفوع أيضا اثنا عشر.
إعراب: ? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ? [الحجر: 9] إذا كان لا يأتي إلا مرفوعا فإنا نحن نزلنا الذكر؟
هنا هو أيضا في محل رفع؛ لأنك إذا قلت: "إنا نحن نزلنا الذكر" فيكون خبر إن جملة اسمية، وتعرب نحن حينئذ مبتدأً، والجملة الفعلية "نزلنا" خبر، والجملة الاسمية في قوله: "نحن نزلنا" في محل رفع خبر إنَّ.
يكون توكيد يا شيخ الضمير؟(1/10)
إذا قدرته توكيدا فنعم، لكن الأوجه في ذلك أن تجعلها مبتدأً، ويكون الخبر جملة اسمية، مبتدأ و"نزلنا" خبر، والجملة الاسمية في محل رفع خبر إن.
طبعا اسمها "نا" الضمير المتصل بها أصله "إنَّنَا" فإنّ هذه حرف ناسخ و"نا" اسمها المتصل بها، وجملة "نحن نزلنا الذكر" إن جعلتها ضمير فصل، فلك أن تعربها إما مؤكدة للسابق، وهذا ليس الوجه فيها، وإنما الوجه فيها إذا قدرتها ضمير فصل أن تكون ضمير فصل لا محل لها من الإعراب، وحينئذ تكون جملة "نزلنا" هي خبر إنّ، والأوجه في ضمير الفصل أن يعرب مبتدأً وما بعده خبرا، والجملة الاسمية تكون هي الواقعة خبرا لـ "إنّ" في محل رفع.
في مثل ذلك يا شيخ: ?إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ? [طه: 12]؟
ومثلها كذلك إذا قلت: ?إِنِّي أَنَا رَبُّكَ? "أنا ربك" جملة اسمية مبتدأ وخبر، وهي في محل رفع خبر إن، واسمها الضمير ياء المتكلم.
أعود فأقول: إن هذه الضمائر التي ذكرتُها الآن، وهي الضمائر المنصوبة، وهي اثنا عشر ضميرا بعدد الضمائر المرفوعة، لا تقع إلا في مواقع النصب، فأنت إذا أردت أن تجعل الضمير منفصلا في محل نصب مفعول به مثلاً فإنك تأتي بـ "إيا"، وإن أردته أن يكون في محل رفع فإنك تأتي به من الضمائر المذكورة في مواقع الرفع المختلفة التي سبق ذكرها.
في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?إِيَّاكَ نَعْبُدُ? [الفاتحة: 5] ما قيل: "أنت نعبد" وإنما قيل: ?إِيَّاكَ نَعْبُدُ? لأن الله -سبحانه وتعالى- معبود، والعبد هو الذي يعبده، وحينئذ لما انْفَصَل الضمير تقدم على فعله لغرض بلاغي وهو الحصر، وهذا لعله يأتي له بيان -إن شاء الله وتعالى- مسألة المقصد من تقديم الضمير هنا، تقدم الضمير فوجب انفصاله عن الفعل، فجاء ضميرا منفصلا وهو في موضع نصب؛ لأنه في محل نصب مفعول به، فاحتيج إلى الضمير المنفصل المرفوع فجيء بـ "إياك".(1/11)
أما إن سأل سائل وقال: ما الفرق بين قولنا -وهذا من باب الفائدة-: نعبدك و"إياك نعبد" فأقول: هو في الصورة متقارب، ولكنه في المعنى مختلف؛ لأن في قولنا: "إياك نعبد" ما ليس في قولنا: نعبدك، فلو جئت بمثال آخر ليقرب المسألة وقلت مثلاً: أكرمتك يا أحمد، وقلت: إياك أكرمتُ فالمعنى مختلف بين الجملتين أقول أكرمتك أي أكرمتك أنت وقد أكرم غيرك أيضا، لكن إذا قلت: إياك أكرمت أي لم أكرم إلا أنت. كذلك إذا قلت: أعنيك أو أقصدك فقد تكون أنت من جملة المقصودين بكلامي، لكن إذا قلت: إياك أقصد أي لا أقصد إلا أنت، ففي قولنا: "إياك نعبد" توحيد؛ لأن فيه حصرًا للعبادة؛ أي لا نعبد إلا أنت، بخلاف قولنا: نعبدك فإنها لا تؤدي هذا المعنى الحاصر المؤدي إلى التوحيد.
قد يشكل على بعد الدارسين أن مثلاً الكلمة "إياك أو إياي" تشتمل على ضميرين "إيا" والكاف مثل
نعم بعض النحويين فَصّل وقال: إن الضمير هو المحلقات؛ بمعنى أن "إِيَّا" هذه عماد وما اتصل بها هو الضمير، فإذا قلت: "إياك، أو إياكما..." فالضمير "كَ" و"كما" و"كم" و"كن" إلى آخره هذه الضمائر وأما "إِيَّا" فهي عماد فقط يعتمد عليها الضمير للاتصال بها، هذا رأي بعض النحويين، لكن في بعض الأمور إذا لم يترتب عليها مزيد علم ولا مزيد فائدة فالأصل أن تحمل على ظاهرها، وإنما يلجأ إلى التقدير ويذكر مثلُ هذا إذا كان يترتب عليه مزيدُ فائدةٍ، أما إذا لم يترتب عليه مزيد فائدة فالأصل فيه أن يجعل الأمر على ظاهره، ليسهُل على الطلاب معرفتُهُ.(1/12)
أنا إذا قلت: "إِيَّا" ليس من الضمير، وإنما الضمير هو الملحق بها، وأما "إِيَّا" فهي عماد فكأني أثقلت على الطلاب بلا فائدة مزيدة، ولم أعطهم مزيد فائدة؛ ولذلك فالوجه أن نقتصر ونذكر ما هو أوضح، وهو أن نقول: كلُّ المذكور ضمير؛ لأنه لا يترتب على الفصل بين الأمرين تحديد لهذا أو هذا، ولا يترتب على هذا مزيد فائدة، بأن نجعل الضمير هو جزء الكلمة وليس الكلمة كلها.
يقول: جاء في قول الله –تعالى- في سورة الكهف: ? مَا لَمْ تَسْتَطِعْ? وكذلك جاءت: ?مَا لَمْ تَسْطِعْ? فلماذا حذفت التاء في الثانية مع أنها أُثبتت في الأولى؟ هل هي تاء التفاعل أم ماذا؟
هي تسطع أو تستطع يؤديان معنًى في الأصل واحدا، ولكن لأحدهما مزيد فائدة؛ لأن البلاغيين يقولون -كما نعلم في القاعدة معروفة-: الزيادة في المبنى تدل على زيادة في المعنى، لكن نون التوكيد عندنا نونان نون ثقيلة مشددة، ونون خفيفة، وكلاهما للتوكيد، لكن إذا كان المتكلم يريد أن يؤكد كلامه بقوة جاء بالثقيلة، وإذا كان يريد أن يؤكد كلامه بخفة جاء بالخفيفة، فما دام الأمر يصح، فالزيادة تدل على زيادة ليس في ذاك، من هنا نقول: إن قولنا: "تستطع" تؤدي معنى غير قولنا: "تسطع" فتستطع فيها زيادة تاء فهي تؤدي معنى إضافيا، ففيها مزيد توكيد، فإن سأل السائل وقال: لماذا أكد في تستطع ولم يؤكد في تسطع؟
فالجواب: أن المتأمل للسورة يجد الجواب؛ لأن تستطع جاءت في وقت لم يتمَّ الجواب فيه بعد، فكان هناك تحفز وانتظار، فالأمر يحتاج إلى مزيد توكيد، وأما تسطع فقد جاءت بعد راحةٍ وبعد إيضاح الأمور، ولذلك لما اكتمل الأمر وزال ما في النفس من ترقب جاء بـ "تسطع" لأنها أخف وأقل حروفا فهي أقل توكيدا، فما كان محتاجا إلى التوكيد والإيضاح والبيان في الآخر؛ لأنه تم الإيضاح والبيان، وأما في الأولى فكانت الأمور لم توضح بعد، فكان محتاجا إلى أن يأتي بكلمة فيها مزيد توكيد.(1/13)
شيخنا، نحن في الدقائق الأخيرة من هذه الحلقة، فنجمل إذا بقي لديك بعض القواعد
فقط ممكن أن أذكر شيئا ختاميا في هذا الأمر، وهو ما ذكرته في بداية الأمر الضمائر المتصلة هي الأصل بالنسبة للضمير البارز، وأن الضمائر المنفصلة خلاف الأصل؛ لأني كما ذكرت أن الضمائر بصفة عامة حروفها قليلة؛ ولذلك فالأصل فيها أن تتصل بما قبلها، وأما انفصالها فإنما يكون لسبب؛ ولذلك جاءت القاعدة الكبرى عند النحويين -إحدى القواعد العامة عند النحويين- "إذا أمكن اتصال ضمير لم يُعْدَلْ إلى انفصاله" بمعنى أنه إذا أمكن أن تقول: قمت فلا تقل: قام أنا؛ لأن هذا فيه مزيدَ كلام دون مزيد فائدة، والاختصار من مقاصد البلغاء والفصحاء، فكل ما أمكن ليؤدى المعنى الكثير بألفاظ قليلة فإن فيه مزيد قوة ومزيد فائدة. ومِن ثَمَّ فإنه إذا أمكن أن تأتي بالضمير متصلا فلا تأت به منفصلا، لكن عندما لا يمكن ذلك فأنت مضطر إليه، فإن قلت: متى لا يمكن الإتيان بالضمير المتصل، وأكون مضطرا للإتيان به منفصلا؟ أقول: في مواضع الحصر، فما ذكرته منذ قليل في قولنا: "إياك نعبد" لا يؤديه وصل الضمير "نعبدك"؛ فقولنا: "إياك نعبد" أدى معنى جديدا إضافيا لا يؤدى بالضمير المتصل، فهنا لا يمكن الاتصال في الحقيقة؛ لأن الاتصال يؤدي إلى الإخلال بالمعنى المقصود، فما دام لا يمكن الاتصال فيجوز المجيء بضمير منفصلا، كذلك إذا حصرت بـ "إلا" فإذا قلت: قمتُ ثم إذا أردت الحصر أي أنه لم يقم إلا أنت، فتقول: ما قام إلا أنا، فلما قلت: "إلا" وأتيت بالضمير لا يمكن الفصل؛ لأن إلا فصلت بين الضمير والفعل، فوجب أن يؤتى بالضمير منفصلا بعدها.(1/14)
إذن، إذا لم يَجُزِ الاتصال جاز فصل الضمير، لكن إن أمكن وصل الضمير بفعله الذي قبله فهذا هو المتعين المتوجه؛ لأن المقصد من الضمير هو الاختصار وإلا لَأُتِيَ بالظاهر أصلا؛ لأن إنما جيء بالضمير -وهو عبارة عن حرف أو حرفين أو حروف مختصرة- لأجل الاكتفاء عن ذكر الاسم الظاهر، فما دام المقصد من الإتيان بالضمير هو الاختصار فالاختصار يؤدَى بالضمير المتصل أكثر منه بالضمير المنفصل، ومِن ثَمَّ فما أمكن الاتصال لا يجوز العدول عنه إلى الانفصال.
نتوقف، ونستأنف -إن شاء الله تعالى- عقب حج هذه السنة.(1/15)
لغة عربية - المستوى الرابع
الدرس الثالث عشر
أنواع المعارف
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد؛
فالحديثُ فيما سبق قد كان وصل بنا إلى أنواع المعارف، وأنا أذكّر بما ذكرت به في مرارا سابقا من أن مثل هذه اللقاءات -بحسب ما وصلني من كثير من الزملاء والإخوة المشاهدين- أنهم يرون ضرورة الإجابة على الأسئلة، وإن كانت أسئلة عامة في النطاق اللغوي العام، أو النحوي أو الصرفي؛ لِمسيس الحاجة إليها، وبعض الإخوة يقولون: لا نجد وسيلة للسؤال عنها كما نجد وسائل للسؤال عن قضايا أخرى، وأنا أقول أن مثل هذا اللقاء لا إشكال فيه أن تستقبل فيه الأسئلة التي يستفيد منها أو يحتاج إليها جمع كبير من الإخوة المشاهدين، على ألا يطغى ذلك على موضوع الدرس الذي نحن بصدد شرحه؛ وهو هذا المتن المبارك.
من باب الربط بما سبق سأعطي سؤالا سهلا عن آخر ما قلناه في اللقاء السابق؛ للنظر في مدى متابعة بعض الإخوة، وإن فصل بيننا وبينه فاصل؛ وهو هذه الإجازة المباركة.
أقول: ضمائر المنفصلة سبق أن قلنا: إنها أثنا عشر ضميرا. أنا أسأل وأقول: لماذا كان مجموع الضمائر المنفصلة اثني عشر ضميرا؟
الإجابة عليه سهلة، ولكنها قد تساعد على متابعة ما توقفنا عنده في اللقاء السابق، وحين هذا سأبدأ في الحديث عن الموضع الثاني، أو النوع الثاني من أنواع المعارف بعد أن تكلمنا عن الضمائر؛ وهذا النوع هو العلم، إن لم يكن هناك ما يمنع من البدء فيه.(1/1)
تقول: قال الله تعالى في سورة غافر: ?وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ? [غافر: 28] الآية، كيف يمكن لنا إعراب "يك" بعد أن وقع كل منها فعلا للشرط؟ وما سبب عدم ظهور السكون على آخرهما؟
أنا ما وضح لِي آخرهما تقصد ماذا يا أخي لا أرى إلا واحدا .... طبعا إن هنا أداة شرط، و"يك" هذه فعل الشرط، وجواب الشرط جملة عليه كذبه.
وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقً
واضح طبعا "إن" أداة شرط "يك" هو فعل الشرط، وجملة فعليه كذبه هي جواب الشرط، ولذلك دخلت عليها الفاء؛ لأنها جملة وليست فعلاً.
إعرابها نقول: "إن" أداة شرط "يك" فعل الشرط مجزوم وعلامة جزمه السكون المقدرة على النون المحذوفة تخفيفا، أصله "يكن" ويكن هذه كما نعرفها وكما سنعرف -إن شاء الله وتعالى في الحديث عن النواسخ- هي فعل ناسخ تحتاج إلى اسم وخبر، اسمها مقدر، تقديره هو، و"كاذبا" خبرها منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، ثم الفاء داخلة على جواب الشرط، و"عليه كذبه" هذه جملة اسمية "عليه" جار ومجرور خبر مقدم، و"كذب" مبتدأ مؤخر وهو مضاف والهاء مضاف إليه، والجملة في محل جواب الشرط، ومثلها ?وَإِن يَكُ صادقا يُصِبْكُمْ?.
هنا إجابة من الأخت ... تقول: مجموعها اثنا عشر؛ لأن منها خمسة للغائب، وخمسة للمخاطب، واثنين للمتكلم(1/2)
هذا صحيح؛ لأن المتكلم قد يكون واحدا، فيقول: أنا مثلا، أو في ضمير الرفع، أو إياي في ضمير النصب، وقد يكون جماعة أو واحدا معظما نفسه فيقول: نحن أو إيانا. ثم المخاطب له خمسة؛ إذ المفرد المذكر له واحد، والمفرد المؤنث له واحد، والمثنى بنوعيه لهما واحد، وجمع الذكور له واحد، وجمع الإناث له واحد، هذه خمسة ومثله الغائب، فالمجموع اثنا عشر. إجابة موفقة.
النوع الثاني من أنواع المعارف: هو العلم.
العلم -أنا لا أحب أن أخوض كثيرًا في مسألة الحدود والتعارف، إلا إذا كان يترتب عليها ثمرة، ولذلك في بعض القضايا أرى أن التمثيل له مباشرة يؤدي أكثر مما يؤدي الحد أو التعريف للقضية. بعض الأمور تحتاج إلى نوع التعريف مثلاً عندما نأتي -إن شاء الله تعالى- للمبتدأ والخبر يحتاج الأمر إلى تعريف لهما؛ لأن في هذا التعريف إخراجَ بعض الأمور التي لا تدخل في الباب، لكن في مثل العلم عندما نعرفه فإنا نزيد الطالبَ عنَتًا أحيانا بذكر بعض الألفاظ المنطقية في التعريف، فأنا أقول إن التمثيل أحيانا يكون تعريفا للقضية- العلم واضح أن المراد به أن تميز فردا من أفراد جنسه باسم يخصه، ولا يلزم أن يكون عاقلا أو حيا، فقد تطلق بعض الأسماء على العقلاء من الإنس، فيكون هذا اسمه محمد، وهذا اسمه خالد، وهذا اسمه أحمد فهذه أعلام.
وقد تطلق على الأحياء من غير الإنس كالحيوانات مثلاً: فيسمي الرجل فرسه باسم أو يسمي ما عنده من حيوان ككلب أو بعير أو غير ذلك بأسماء خاصة به فيكون علما عليه.
وقد تكون الأعلام حتى للجمادات كأسماء البلاد والجبال وغيرها من المواضع. فهذه كلها أعلام؛ فما يميز الشيء من أفراد جنسه هو العلم.(1/3)
هذا العلم الذي يطلقه الناس على واحد من أفراد الجنس لتمييزه من أولئك الأفراد قد يكون مفردا؛ أي مكونا من كلمة واحدة، وقد يكون مركبا أي مكون من أكثر من كلمة، أنا لما أقول مثلاً: زيد أو أقول: صالح هذا علم على شخص، ميزت به هذا الرجلَ أو هذا الشخصَ من أفراد جنسه؛ بأن ذكرت له اسما يخصه، فصار مميزا، فلا يدخل فيه بقية الرجل الذين لا يُتسمون بهذا الاسم، فهنا تحدد وعرف بأن كان شائعا منكرا.
وهو كما ترى يتكون من كلمة واحدة؛ فقولنا: زيد كلمة واحدة وكذلك قولنا: صالح كلمة واحدة، لكن أحيانا يكون هذا العلم مكونا من أكثر من كلمة فقولنا: عبد الله هذا علم على شخص واحد؛ وهو كما ترى مكون من كلمتين عبد ولفظ الجلالة، وكلهما اسم لشخص أو علم على شخص، في حال الإعراب يختلف الوضع في إعراب هذا المركب عن ذلك المفرد، يسمون هذا المركب مركبا إضافيا مكونا من جزأين ؛ لأنك أضفت الجزء الأول إلى الثاني؛ نقول: عبد الله، فعند الإعراب هو مكون الآن من جزأين من صدر وعَجُز، الصدر يعرب كما تعرب بقية الكلمات بحسب موضعه، لو قلت: هذا عبد الله فعبد خبر، هذا مبتدأ وعبد خبر، وذاك ترفعه رأيت عبدَ الله فعبد مفعول به منصوب وذاك تنصبه، أما الجزء الثاني من المركب الإضافي فهو يعرب دائما مضافا إليه؛ ولذلك سمي إضافيا، فهو مجرور دائما كقولك: عبد الله، وقولك: عبد مناة وقولك: عبد العزيز، وكذلك امرؤ القيس إلى آخره من الأسماء المركبة من جزأين أحدهما مضاف إلى الآخر؛ فالأول منهما يعرب بحسب موقعه من الجملة والثاني يعرب مضافا إليه؛ ولذلك لما كان أحد الجزأين مضافا إلى الآخر سمي مركبا إضافيا.(1/4)
العرب أحيانا تأتي بكلمتين أصلهما منفصل بعضه عن بعض، ثم تمزج هاتين الكلمتين ببعضهما وتصبحان اسما لشيء واحد، كحضرموت أصله حضر وحدها وموت وحدها، ثم مزجتا وجعلتا كلمة واحدة اسما لبلد أو منطقة واحدة، بعلبك أصل بعل وحدها وبك وحدها في اللغة الأصلية التي أخذ منها الاسم، ثم امتزجت الكلمتان فأصبحتا اسما واحدا. سيبويه سيب وحدها وويه وحدها كانت لكل واحد منها معنى في لغته الأصلية، ثم جعلتا كلمة واحدة امتزجت حتى في الكتابة معديكرب كذلك، فلما امتزجتا في الكتابة أصبحتا اسما واحدا ممزوجا، لم يعد الأول له إعراب والثاني له إعراب، كما كان في المركب الإضافي الأول الصدر يعرب بحسب موقعه والثاني مضاف إليه، بل صار إعرابهما واحدا، يعربونهما بإعراب الممنوع من الصرف؛ والسبب في ذلك سيأتي الحديث -إن شاء الله- عن الممنوع من الصرف وعلل الممنوع من الصرف، لكن من كان عنده معلومة في هذا فنقول: المانع له من الصرف هو العلمية والتركيب، فالعلمية والتركيب علتان من العلل التسع المانعة للصرف، فالمركب المزجي إذا كان علما فإنه يعرب إعرابَ الممنوع من الصرف بسبب اجتماع علتين من علل منع الصرف فيه.
تقول: بدي أسأل عن كلمة "هيئة" تكتب على نبرة حسب القاعدة اللي أعطيتنا يعني تكون على ألف، فما أدري هي زي كلمة مسؤول شؤون أو تختلف؟
تكتب على ماذا يا أختي؟
على حسب القاعدة تكتب على نبرة صح؟
نعم.تكتب على ألف القاعدة ألف.
القاعدة تكتب على ألف، والدارج الذي نرى دائما "هيئة" تكتب على نبرة
على كرسي، نعم
على كرسي ما أدري التوجيه في ذلك
تقول: لماذا اعتبرت الضمائر معارف؟
والسؤال الثاني: إذا كان يصح أن يقال: إن اسم الفعل اسم، فهل هو معرفة أو نكرة؟
بالنسبة لكتابة "هيئة" طبعا هذا موضوع إملائي، نحن عرفنا فيما يتعلق بالكلمة.
ذكّر بالقاعدة يا شيخ(1/5)
القاعدة فيها أن الهمزة إذا كان في وسط الكلمة المقصود في وسط الكلمة ليس أن تكون في الوسط بالضبط، ولكن لا تكون في الأول ولا في الآخر كل ما عدا ذلك هو وسط، فإذا وقعت الهمزة في وسط الكلمة لم تكن طرفا في الأول أو في الآخر، فإنه ينظر إلى حركتها وحركة ما قبلها، أقوى الحركات هي الكسرة، تليها في القوة الضمة، ثم الفتحة، والسكون هو عدم الحركة فقطعا هو أخف من الحركة فهذا هو الترتيب، فإذا وجد في حركتها أو حركة ما قبلها كسرة فالقاعدة أن توضع على كرسي، وإذا وجد في حركتها وحركة ما قبلها إن لم يكن فيها كسرة ووجد في أحدهما ضمة فتوضع على واو، وإن وجد في أحدهما فتحة فتوضع على ألف.
هذه القاعدة على مثل هذا إلا أن هناك بعضَ الأمور التي تخالف هذه القاعدة، وهي قليلة لأسباب إما أنه قد درج الكتاب على طريقة معينة كما في مسؤول مثلاً وشؤون، فالقاعدة فيها أن تكون على واو؛ لأن الهمزة مضمومة وقبلها سكون فالقاعدة فيها أن تكون على واو، ولكن بعضهم يكتبها على كرسي، هذا مما شاع في الكتابة الإملائية، وهذه الكتابة لها زمن، وليست فقط في العصر الحاضر أن تكتب بهذه الطريقة؛ ولذلك لا يشنع على من كتبها على كرسي، ولكن يحمد من التزم القاعدة فيها وكتبها على واو.
والأصل في ذلك أن نعلم الشباب والكتاب والأطفال الكتابةَ، والطلاب كذلك، أن نعلمهم أن يكتبوها حسب القاعدة، أن تكون على واو هذا هو الأصل، ولكن ما نخطئ من كتبها على كرسي قياسا على ما يفعله بعض الكتاب؛ لأن هذا أمر شائع وموجود ولا مشاحاة فيه ما دام قد شاع، لكن التزام الأصل فيه هو الأولى، فيجب أن نحمل أنفسنا وطلابنا عليه التزاما لسير الشيء على أمر واحد.(1/6)
أما في ما يتعلق بكلمة "هيئة" فهذه -كما قالت الأخت الكريمة- الأصل فيها نحن نعرف أن الهمزة مفتوحة وقبلها ياء ساكنة، فالأصل فيها أن توضع على ألف، لكن الذي جعلهم يكتبونها على كرسي أنه وقع قبلها ياء -هكذا قالوا- ولما وقع قبلها ياء سهل ذلك صورة الياء على كرسي مثلها، وإلا فالقاعدة فيها أن تكتب على همزة.
طبعا في مثل هذا الشائع والدارج أن تكتب على كرسي فيلتزم في مثل هذا، ولا إشكال، ومن التزم القاعدة بهذا فكتبه فأيضا لا يخطأ، لكن الشائع في مثله والدارج فيه أن يكتب على كرسي؛ لأنهم نظروا إلى صورة الياء التي قبلها فجانسوها بها، نوع من المجانسة في الكتابة، وهذا أمر شائع في الكتابة من قديم في المخطوطات، يكتبوها بهذه الصورة؛ ولذلك لا إشكال فيها، ولا في التزامها، وأنا لا أرى خطأ فيمن من التزم القاعدة في أن وضعها على ألف؛ لأنه حينئذ يكون قد التزم القاعدة فيها.
البعض -يا -شيخ إذا أتى ما يشذ عن القاعدة يتوقع أن ذلك راجع لضعف هذه القاعدة فيقول: قاعدة شاذة
طبيعي أن يكون للقواعد شواذ، ولكن أيضا من أحكام القواعد الالتزام بها، نعم هناك بعض ما يخرج عن القواعد؛ لأن هذه أمور لسانية، والأمور اللسانية الناس ليسوا في ألسنتهم سواء، وأنت تعرف أن المتكلمين والفصحاء والكتاب على مدى عصور العربية لهم طرقهم ولهم مشاربهم؛ ولذلك الاختلاف وارد فيها، لكن ما صار عليه جمهور الناس من الفصحاء، ومن الكتاب هو الذي ينبغي الالتزام به لحمل الناس على طريقة واحدة لا إشكال فيها؛ لأن الطالب إذا قلت له: يجوز هذا وهذا قال: إذًا ما القاعدة؟ فيفترض أن تحمل الناس على قاعدة واحدة، ومن جودة القاعدة اضطرادها، واضطرادها هو أنه كلما وجد سببها وجدت، وكلما امتنع السبب امتنعت، فمتابعة الحكم للعلة دليل على جودة هذه العلة، وتخلف الحكم عن العلة في بعض الأحيان دليل على وَهْيِ وضعف هذه العلة.(1/7)
سؤال الأخت الأخرى الكريمة لماذا الضمائر معارف؟ لأنها تنوب عن معلوم، معني تنوب عن معلوم أنت عندما تقول: أنا فالضمير هنا نائب عن النطق باسم المتكلم نفسه، والمتكلم عند نفسه أعرف من أعرف الناس، كذلك عندما تنوب عن المخاطب، والمخاطب واضح للمتكلم، فتقول: أنت ها تنوب عن قولك: فلان الذي تراه أمامك، كذلك عندما تنوب عن غائب فهو غائب حاضر في الذهن معلوم عندك، مشخص ومعروف؛ ولذلك لما كانت هذه الضمائر تنوب عن أشياء معروفة محددة صارت هي معروفة؛ لأنها تأخذ حكم ما نابت عنه.
بالنسبة لاسم الفعل اسم الفعل نحن نعرف أنه فيه خلاف بين العلماء في تسميته، لكن الصحيح فيه أنه اسم؛ لأنه تنطبق عليه بعض علامات الأسماء ومنها التنوين؛ ولذلك حمله على أنه اسم هو رأي البصريين، وهو رأي الجمهور في هذه القضية، وعلى كل حال هل هو معرفة أو نكرة؟ نحن نعرف أن التنوين الذي فيه دليل على تنكيره، ولذلك فلا يصح أن نقول: أسماء الأفعال معارف، إذا أخذنا بالرأي الراجح فيها والصحيح فيها وهو أنها أسماء فينبغي أن نعرف أنها أسماء منكرة، والتنوين من دلائل التنكير فيها.
هذا ما يتعلق بأسئلة الإخوة.(1/8)
أعود إلى ما كنت أتحدث عنه من أنواع العلم المركب نحن قلنا في قولنا مثلاً بعلبك وسيبويه تكلما عن أن هذه الكلمات هي أعلام، وأصلها كلمتان امتزجتا وجعلتا كلمة واحدة حتى في الكتابة يقال معديكرب تكتب متصلة الياء مع أن معدي أصلها واحد وكرب أصل آخر، كلمتان، ثم نعم اتصلتا ببعضهما، وخلطتا ببعضهما فسميتا مركبا مزجيا، إعرابه كما ذكرت من قبل هو إعراب الممنوع من الصرف لتوفر علتين مانعتين من الصرف؛ وهما العلمية والتركيب المزجي، ولذلك تقول: هذه بعلبكُ بلا تنوين لأنه ممنوع من الصرف والممنوع من الصرف لا ينون كما نعرف، وزرت بعلبكَ فهي مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة بلا تنوين أيضا، وسكنت في بعلبكَ تجرها بالفتحة؛ لأنها ممنوعة من الصرف للعلانية والتركيب المزجي.
يقولون: إن ما ختم بويه من هذه المركبات المزجية له حكم خاص؛ وهو بناء على الكسرة، وهذا موجود؛ لأن العرب كانت إذا نطقت بهذا الاسم وأصل التسمية في "ويه" تسمية فارسية، فكانوا إذا نطقت العرب باسم مختوم بـ"ويه" يكسرونه بلا تنوين فدل هذا على أنهم بنَوه على الكسرة، فيقولون: سيبويهِ وكذلك مثيلاته فلذلك نقول: إن المركب المزجي إن ختم بويه بني على الكسر وما عداه يعرب بإعراب الممنوع من الصرف تظهر عليه الحركات، ولا ينون ويجر بالفتح.(1/9)
بقي من الأعلام التي أيضا هي مركبة أن يسمى بجملة العرب، أحيانا تسمي بجملة كـ تأبط شرا هذه أصلها جملة من فعل وفاعل ومفعول، تقولون إن قصتها أن شخصا خرج -طبعا هي قصة يعني يذكرون لها أكثر من صورة، وهي راويات بعضها يثبت وبعضها لا يثبت- لكن الذي يهم أنها قصة رجل خرج وقد وضع السيف تحت إبطه فقالوا: تأبط شرا أي وضع تحت إبطه شرا نوى شرا بهذا الذي خرج به، وكما نرى تأبط فعل ماض مبني على الفتح، والفاعل هو، وشرا مفعول به، فسمي هذا الرجل تأبط شرا فصارت الجملة اسما له هذه يسمونها مركبا إسناديا، والسبب في تسمية تركيبا إسناديا أن الإسناد هو أن تكون جملة إما من فعل وفاعل، أو من مبتدأ وخبر، هذا يسمى تركيبا إسناديا؛ لأنه مسند ومسند إليه، فلما كانت التسمية بجملة كاملة صار مركبا إسناديا كتسميتهم قبيلة شاب قرناها، هذه اسم قبيلة يقال: بنو شاب قرناها، وأصله شاب فعل ماض وقرناها فاعل مرفوع وعلامة رفعه الألف، ثم سميت به هذه القبيلة، ما كان بهذه المثابة أعني أنه في الأصل جملة مركبة مكونة من مسند ومسند إليه ثم أصبحت علما على قبيلة مثلا أو على شخص، قبيلة كشاب قرناها أو شخص كتأبط شرا فهذه تحكى كما كانت قبل التسمية؛ تنطق كنطقها لما كانت جملة تأبط شرا في تسميته، ومعنى تحكى أي أنها تذكر بصيغتها التي كانت عليها لما كانت جملة دون أن يغير فيها شيء ويكون إعرابها تقديريا، فإذا وقعت فاعلا نقول: في محل رفع، مفعولا في محل نصب، ومجرورة في محل جر، ولا نظهر علامات عليها؛ لأنها تحكى كما كانت ولا تغير فنقول: هؤلاء بنو شاب قرناها كما كانت الجملة قبل التسمية.
أغلب -يا شيخ- المركب الإسنادي فعل وفاعل، فهل هناك مركب مكون من مبتدأ من خبر؟(1/10)
المركبات الإسنادية عند العرب قليلة، والذي يحضرني منها هي مركبات بالفعل مكونة من فعل وفاعل، ولا أتذكر تركيبا الآن من مبتدأ وخبر، ولكنه يسوغ أن يسمى بجملة مركبة من مبتدأ وخبر؛ لأنها عبارة عن مسند ومسند إليه؛ فيكون حينئذ تحكى كان كانت يرفعان كما كانا مبتدأ وخبرا، ويقدر عليهما الإعراب.
قياس
تسمية بالجملة، والجملة مطلقة سواء كانت فعلية أو اسمية كلتاهما يسمى مركبا إسناديا.
يبقى أيضا في الحديث عن العلم أنه نحن نعرف أن هناك ما يسمى بالاسم والكنية واللقب كلها أعلام، بعض الناس يقال اسمه في كتب التراجم يقال: هو أبو عبد الله، أو هو محمد أبو عبد الله زين العابدين، وكلها أسماء لشخص واحد، وهذا موجود عند السلف، وكثير من التراجم تراه يذكر، أنت عندما تقول مثلا عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه- أبو حفص الفاروق
الخليفة(1/11)
هذه كلها أعلام هي الثلاثة عمر والفاروق وأبو حفص هي كلها أسماء له -رضي الله عنه- وكلها أعلام عليه، فالعلماء قالوا: إن العلم -كذلك مثلا أبو بكر أبو بكر وعبد الله الصديق هذه أيضا أعلام -رضي الله عنه- أسماء له، فكل واحد منها علم عليه، لكن لا نسميها جميعا اسما العلماء قالوا: هي اسم وكنية ولقب، كيف نفرق بين الاسم واللقب؟ قال العلماء: ما سمى الوالدان ولدهما في أول الأمر فهو اسم، ثم بعد ذلك ما أطلق عليه من الأسماء بعد ذلك، فإما إن يكون مصدّرا بنحو أب، أو أم، أو بنت، أو نحو ذلك فحينئذ يسمى كنية: أبو فلان أو أم فلان هذه كنية، وما أشعر بمدح أو دم لرفعة أو ضعة فهو لقب، والألقاب قد ترفع من اسم صاحبها وقد تضع منه، والله -سبحانه وتعالى- قد نهى عن التنابذ بالألقاب أي بذكر الألقاب التي تضع من الإنسان؛ لأن هذا منهي عنه، فإذن الأعلام ثلاثة أنواع: أسماء وكنى وألقاب، فالأسماء كما قلت: هي ما سمى بها الوالدان ولدهما في أول الأمر، ثم ما أطلق عليه بعض ذلك إن صدّر بأب أو أم أو نحوها كبنت فلان أو ابن فلان فهو كنية، وما لم يصدر بأب أو أم فهو لقب ولا بد أن يشعر هذا اللقب بمدح أو ذم. مثل ماذا؟
مثلما يقال -مثلاً ما ذكرناه منذ قليل- الصديق هذا يشعر بمدح، الفاروق يشعر بمدح فهي ألقاب. أبو حفص وأبو بكر هذه كنى، عمر وعبد الله هذه أسماء. إذن عرفنا كيف نفرق بينها.
أحيانا بعض الناس يسمي الولدَ ويطلق عليه منذ ولادته اسما وكنية ولقبا؛ فيقال مثلاً هو أبو الفضل عبد الله، أو يقال هو علي زين العابدين، فيسميه باسم وكنية ولقب، أو باسم وكنية، أو باسم ولقب، وحين هذا إذا أردنا أن نفرق بينها فنقول: إن ما صدر بأب أو أم هو الكنية. وما أشعر برفعة أو ضعة بمدح أو ذم فهو اللقب، وما عدا ذلك فهو الاسم. هذا إذا سمي من أول الأمر بهذه الأمور الثلاثة.(1/12)
طبعا العرب كانت تحب أن تكني، وهذا أيضا ورد في سنة فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يكني الأطفال (يا أبا عمير، ما فعل النغير؟) وهو طفل، وهذا فيه نوع من التربية، وإشعار الولد أو البنت عندما تكنى أو يكنى في صغرهما بأنه قد بلغ مبلغا كبيرا، فيحسب بقيمته، فالتكنية فيها ملمح تربوي، والعرب كانت ترى التكنية وترى أن هذا من التكريم:
أكنيه حين أناديه لأكرمه *** ولا ألقبه والسوءة اللقب
فهذا شاعر جاهلي، كأنه يقول: إذا أردت أن أمدح وأن أرفع من قدر فلان أقول له: يا أبا فلان، أو يا أم فلان أكثر من أعطيه اسمه الشخصي وحده، ففي هذا نوع من الرفع.
بقي أمر؛ وهو إذا اجتمع الاسم والكنية واللقب كيف يكون التقديم؟
نقول: الأصل الاسم، ثم يليه بعد ذلك الكنية، ثم اللقب. هذا هو الترتيب الأصلي، وإذا قدمت أو أخرت في ترجمة فلا إشكال في ذلك، لكن الترتيب الأصلي هو بهذه المثابة؛ أعني الأفصح فيه أن أقدم الاسم ثم الكنية ثم اللقب.
يقول: أنا أستاذ أدرس اللغة العربية وأنت أسوتي في هذا المجال بحيث أنا شغوف جدًا بمنهجك وطريقة تدريسك ... ولله الحمد الذي مَنَّ بك علينا ونفعنا الله بعلمك، لكن في بعض الأحيان أجد نفسي في دوامة، عندما أطالع بعض الكتب النحوية، وأجد هناك تناقضا، فبم تنصحني يا شيخ؟
وكذلك له سؤال يسأل عن الخبر في قوله تعالى: ? إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ ? [آل عمران: 19]، هو الإسلام، وخبر إن؟
يسأل عن الخبر؟ بالنسبة لتناقض الكتب طبعا نحن نقول هو الآن مدرس لغة عربية، فالأصل فيه أن يكون يطلع على كتب العربية المختلفة، ولا يقتصر فقط على ما يقتصر عليه المبتدئ، أو الشخص غير المختص في هذا الأمر، لكن نقول: إن أصل في هذا عندما نأخذ نحن خُدِمْنَا بأن وجد علماء محققون أخذوا الراجح من قضايا النحوية بدليله، وبينوه في كتبهم.(1/13)
قرنا التحقيق هما السابع والثامن في الغالب، وإن سبقه بعض العلماء ولحقه أيضا بعض العلماء الآخرون في العام الثامن والتاسع الهجري، ولكن في السابع والثامن هي قرون التحقيق المشتهرة، وكتب أبي حيان وابن مالك وابن هشام وابن عقيل وغيرهم هذه هي كتب المحققين التي نعرفها، وهؤلاء اختاروا الراجح من القضايا بدليلها، واقتصروا بمختصراتهم عليها، ولذلك نقول: إن من يرى تناقضا ويرى إشكالا، فهو ليس تناقضا بل هو خلافات، والخلاف وجد في كل العلوم، يعني اختلاف العلماء الاختلاف في فهومهم وعقولهم واستنباطهم يختلف، هذا دليل على أن الله -سبحانه وتعالى- قد فاوت بين العقول، وأعطى بعض العقول ما لم يعطه العقل الآخر، وهذا ثراء للعلم، لكن نقول من يرى أن في هذا نوع من الإتعاب لذهنه، والكد له فليقتصر على كتب المحققين من العلماء المختصرة وليست المتوسعة فإن فيها الراجحَ من القضايا النحوية بدليله.
في قول الله -سبحانه وتعالى-: ? إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ ? "إن" حرف ناسخ "الدين" اسم إن منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره "عند" ظرف منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه و"الإسلام" هو خبر إن مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
نأتي للنوع الثالث من أنواع المعارف وهو اسم الإشارة.
يقول: هل تعطف بل ولكن الجمل، أم هي للأسماء المفردة فقط؟
يمكن أن تعطف المفردات ويمكن أن تعطف الجمل تقول مثلاً: محمد كريم بل خالد كريم، فتكون أضربت عن الأول وأثبت الثاني، ولك أن تعطف بالمفردات فتقول محمد كريم بل خالد فتضرب عن الأول وتأتي بدله بهذا.
تقول: في قوله الله تعالى: ?وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ? [الفتح: 10] ما سبب ضم الهاء في "عليهُ" مع أن على حرف جر؟(1/14)
أثر على هنا لا يخرج على الضمير؛ لأن الضمير مبني، فلا نقول: على حرف جر ولذلك ينبغي أن يكسر ما بعده؛ لأن كسر الهاء في "عليهِ" طبعا هي قراءة عشرية أيضا قراءة "عليهُ" إحدى القراءات السبع، وكذلك "عليهِ" بالكسر أيضا قراءة أخرى وكلتاهما قراءة متواترة، لكن نقول: إن كسر الهاء في عليه ليست علامة جر وإنما هي علامة بناء؛ لأن الضمائر لا تجر بحركة ظاهرة؛ لأن الضمائر كلها مبنية، لكن نقول في قراءة الكسر في "عليهِ": ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر، وقراءة الضم في "عليهُ" أيضا ضمير متصل مبني على الضم في محل جر؛ لأن العرب أحيانا تنطق بهذا الضمير المتصل مكسورا، وأحيانا تنطق به مضموما، فيكون مبنيا على الحركة هذه، وفي الحالين هو في محل جر.
المصدر المؤول هل هو معرفة أم نكرة؟
المصدر المؤول عندنا نقول مثلاً: ?وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ? [البقرة: 184]، هنا أن حرف مصدري ونصب، تصوم فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة وخير خبر، والتقدير: صومكم خير لكم، فكلمة "صوم" نكرة لكنها أضيفت إلى المعرفة وهي "كم" ضمير فتعرفت بإضافتها إلى المعرفة. فأصل المصدر المؤول نكرة، لكنه إذا أضيف إلى معرفة تعرف.
هلا تفضلتم بطرح أسئلة هذه المحاضرة:
السؤال الأول:
كيف يعرب العلم المركب بأنواعه؟
والسؤال الثاني:
اذكر الفرق بين الاسم والكنية واللقب.
في الحالين، في حال أنه سمي بها جميعا في البدء، أو لم يكن كذلك فرق بينها حتى يتضح الأمر(1/15)
لغة عربية - المستوى الرابع
الدرس الرابع عشر
أقسام المعارف (اسم الإشارة)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
قبل البدء سنستقبل إذا كان هناك إجابات لسؤالي الحلقة السابقة ولكن من باب التذكير نحن حديثنا اليوم -إن شاء الله تعالى- سيكون في إتمام أنواع المعارف وقد سبق منها نوعان وهما "الضمير والعلم" كما ذكرت من قبل لا إشكال في أن يُستقبل من الأسئلة ما تعم الحاجة إليه مما ليس هو موضوع درسنا على ألا يحيف ولا يطغى على ما نحن بصدده من شرح هذا المتن المبارك.
تقول إجابة السؤال الأول: التركيب ثلاثة أنواع:
أولا: تركيب إضافي مثل عبد الله فهذا يعرب صدره على حسب موقعه الإعرابي، أما عجزه فيعرب مضافا إليه.
ثانيا: التركيب المزجي مثل: بعلبك ويعرب إعراب الاسم الذي لا ينصرف لعلتي التركيب والعلمية.
ثالثا: التركيب الإسنادي مثل: تأبط شرا وحكمه أن يحكى على ما كان عليه قبل النقل ويقدر عليه الإعراب.
يضاف إلى ذلك أيضا أن ما كان من المركب تركيبا مزجيا مختوما بويه أنه يبنى على الكسر.
هنا إجابة السؤال الثاني: وقد يسمى ويكنى في نفس الوقت كـ "علي" ويلقب زين العابدين، ما سمى الأبوان ابنهما فهو الاسم، أما ما أطلق عليه بعد ذلك أبو أو أم فهو كنية وما يلقب به من مدح أو ذم فهو لقب.
طبعا ما سمى ولدهما حتى يشمل الذكر والأنثى، طبعا خلاصة الأمر بالنسبة للسؤال الثاني هو السؤال كان: التفريط بين الاسم والكنية واللقب، حتى تكون الأمور واضحة لمن لم يتابع المرة الماضية أو من تابع ولكن لا يزال الأمر يحتاج إلى إيضاح أقول بإيجاز:(1/1)
ما أطلقه الوالدان من علم على المولود إن كان واحدا فهذا هو الاسم، سواء بُدِأَ بأب أو أم، أو لم يبدأ بهما، سواء أشعر بالمدح أو الذم أو لم يشعر بهما، فهذا اسم. ثم ما أتى بعد ذلك فإن صدر بأب أو أم أو نحوهما فهو كنية، وإن أشعر بمدح أو ذم، وإن لم يصدر بذلك فهو لقب، ولا بد أن يشعر برفعة أو ضعة.
أما إن سمى الوالدان ولدهما من البدء بأكثر من علم فنقول: ما كان في أوله أب أو أم فهو كنية، وما أشعر بمدح أو ذم فهو لقب، وما عدا ذلك فهو اسم، هذا إذا اجتمعت، وأحيانا الوالدان يجمعان على المولود أكثر من اسم، وفي بعض البيئات هذا أمر مضطرد وشائع ومستمر في التسميات، ومسألة دلالة اللقب على الرفعة والضعة هذا وضحته من قبل بأن قلت مثلاً: إن في مثل زين العابدين هذا لقب يشعر بالمدح، في حين أن نقول: "بنو أنف الناقة" هذا لقب يشعر بالذم، وأنف الناقة لقب على قبيلة من قبائل العرب، هم كان الواحد منهم من بني قريع يلقبون بأنف الناقة هم "بنو أنف الناقة" فكان الواحد منهم إذا قيل له: ممن الرجل؟ قال: أنا من بني قريع، ولا يقول إني من بني أنف الناقة؛ حتى لا يوصم... لأنه يرى في ذلك ضعة وضعفا، فلما مدحهم الحطيئة بأن قال:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم *** ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا.
صار الواحد منهم إذا قيل لهم: ممن الرجل؟ قال من بني أنف الناقة ويمد بها صوته افتخارا؛ لأنها انتقلت من إشعار بذم إلى إشعار بمدح.(1/2)
نأتي الآن إلى اسم الإشارة وهو النوع الثالث من أنواع المعارف، والمقصود به: الذي يتحدد معناه بالإشارة إلى شيء، هذه الإشارة قد تكون بالصوت أو قد تكون باليد أو بالثوب أو بغير ذلك أو بالعين أو بالطرف أو نحو ذلك من وسائل، لكن يبقى أن المقصود بها موجود ومحدد، وألفاظ هذا الاسم أو هذا النوع من المعارف تختلف باختلاف المشار إليه، فهو قد يكون مفردا أو مثنى أو قد يكون مجموعا وقد يكون مؤنثا أو قد يكون مذكرا، فإن كان مفردا فالإشارة إليه بـ "ذا" مفردا مذكرا، وإن كان مفردا مؤنثا فالإشارة إليه بعدد من الوسائل أوصلها بعض العلماء إلى عشرة وهي: "ذي" و"ذهِي" بالإشباع، بإشباع الهاء، و"ذهِ" بكسرة على الهاء فقط بلا إشباع، و"ذهْ" بسكون الهاء، و"ذات" بتاء بعد الألف.
أو بالبدء بالتاء فيقال: "تِ" و"تهي" بإشباع الهاء، أو بكسرة دون إشباع "تِهِ" أو بسكون "تِهْ"، أو بالمد بالألف بالتاء. طبعا قد يسأل سائل ويقول: وهذا وهذه؟؟ نقول: إن الهاء هذه ليست من اسم الإشارة، اسم الإشارة هو "ذا" و"ذه" فتضيف الهاء إليه وتقول "هذا" وتضيف الهاء إلى "ذه" فتقول "هذه" فاسم الإشارة هو "ذه" وحده وأما سوابقه ولواحقه من الهاء واللام والكاف فهذا لها حديث آخر وهي ليست من اسم الإشارة.
طبعا "ذاتُ" هي أغرب أسماء الإشارة وأقلها استعمالا عند العرب؛ لأن الأصل في "ذات" أن تستعمل بمعنى صاحبة، ولا تستعمل في الإشارة واستعمالها في الإشارة نادر.
أما المثنى فهو للمذكر "ذان" في الرفع "وذين" في النصب والجر، تدخل عليه "الهاء" فتقول "هذان" و"هذين"، و"تان" و"تين" رفعا ونصبا وجرا، بالرفع بالألف والنصب والجر "بالياء"، وتدخل عليها "الهاء" فتقول "هاتان" و"هاتين".(1/3)
وأما للجمع فهو مشترك في المذكر والمؤنث "أولاء" تدخل عليها "الهاء" فتقول "هؤلاء"، ولذلك الله -سبحانه وتعالى- يقول: ? وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ? للمذكر وقال: ? هَؤُلاَءِ بَنَاتِي ? للمؤنث، فاستعمل "أولاء" للنوعين المذكر والمؤنث.
بقي أن نقول -ما أشرت إليه منذ قليل، من أن السوابق واللواحق لهذا الاسم ليست من أسماء الإشارة.
فنقول: إن الهاء إنما يؤتى بها للتنبيه، فأنت تأتي بها لتنبه السامع أنك ستشير فتقول: "ها" ثم تأتي بـ "ذا" بعد ذلك، باسم الإشارة فتقول: "هذا" "هذه" "هذان" "هاتان" "هؤلاء". وكذلك اللام والكاف تأتي بعد اسم الإشارة فتقول: "ذاك" أو تقول "ذلك" والغرض من اللام الدلالة على بعد المشار إليه والغرض من الكاف تحديد نوع المخاطب بلإشارة.
إذن "الهاء" لتنبيه المخاطب، "اللام" للدلالة على مستوى بعد وقرب المشار إليه، والكاف لتحديد نوع المخاطب فإنك إذا خاطبت واحدا وأشرت إلى شيء فإنك تأتي بالكاف للواحد، وإذا خاطبت جماعة وأشرت إلى شيء فتأتي بالكاف بـ "كم" مثلاً للجماعة، فتشير إلى شيء واحد وعندك جماعة رجال فتقول "ذاكم"، وتشير إلى شيء واحد وعندك جماعة نساء فتقول "ذاكن"، أو تشير إلى واحد وعندك اثنان فتقول "ذاكما" إلى آخره.
إذن الكاف هي لتحديد نوع المخاطب الذي يستمع إليك وأنت تشير، اللام للدلالة على بعد المشار إليه، والهاء للتنبيه، واسم الإشارة هو فقط ما ذكرته من قبل مما هو وسط هذه الأمور. ولا يلزم استعمال الهاء واللام والكاف في كل اسم الإشارة، بل هو يستعمل أحيانا ولا يستعمل أحيانا أخرى على ما سيأتي بيانه -إن شاء الله تعالى- فإن قيل: فما مثال الإشارة إلى المثنى المذكر؟ الله -سبحانه وتعالى- يقول: ? فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ ?.
"ذانِ" هو اسم الإشارة، والكاف لأن المخاطب واحد، المخاطب بالإشارة، ولم تستعل معه "هاء" التنبيه فلم يقل "هذانك"، وهذا دليل على أن "ذان" وحدها هي اسم الإشارة.(1/4)
ويقول الله -سبحانه وتعالى-: ? إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ ? في حالة الجر، فجر وعلامة جره الياء لأنه في هذه الحالة يعامل معاملة المثنى، والحق أو الأسهل على الدارس أن نقول: أسماء الإشارة مبنية إلا ما كان منه للمثنى فإنها معربة تعرب بإعراب المثنى فترفع بالألف في حال الرفع، وتعامل بالياء في حال النصب والجر. هذا ما يتعلق بتحديد أنواع اسم الإشارة.
أما المشار إليه -وهو الذي ذكرته منذ قليل- أنه قد يكون بعيدا وقد يكون قريبا، فنقول: إنه إذا كان المشار إليه قريبا، فلا يجوز أن تستعمل معه الكاف، إذا كان ما تشير إليه قريبا فتقول: "ذا" أو "هذا" ولكن لا تقل "ذاك"؛ لأن الكاف تدل على بعد المشار إليه. ولك أن تستعمل الهاء فتجوز معه الهاء فتقول "ذا" أو تقول "هذا" أنت بالخيار، لكن الكاف تمتنع معه.
هذه الهاء الداخلة على اسم الإشارة قد تفصل عن اسم الإشارة، هي الأصل أنها للتنبيه تأتي قبل اسم الإشارة مباشرة، وقد تفصل عنه، وهذا الفاصل هو أحد أمرين، هو طبعا الفصل بين الهاء واسم الإشارة نادر وقليل، لكن إذا وقع فهو لا يكون إلا أحد أمرين:
إما بالضمير.
أو بكاف التشبيه.
أما بالضمير فمثل قول الله: ? هَا أَنْتُمْ أُولاءِ ?، ها التنبيه، أولاء اسم الإشارة وفصل بينهما بالضمير المنفصل أنتم.
وأما الفصل فكاف التشبيه ففي نحو قول الله -سبحانه وتعالى-: ? أَهَكَذَا عَرْشُكِ ?، الهاء للتنبيه وذا مشار إليه والكاف حرف تشبيه وهو يفصل به عند العرب أحيانا بقلة بين حرف التنبيه وهو الهاء واسم الإشارة.
أما إن كان المشار إليه بعيدا فالكاف حينئذ واجبة، قلنا إنها الكاف للقريب ممتنعة، أما في البعيد فهي واجبة، ولك أن تضيف إليها مبالغة في البعد اللام فتقول "ذاك" بلا لام وتقول "ذلك" مبالغة في الإشارة إلى البعيد فأنت في ذلك بالخيار، بحسب ما تشير إليه، إلا أنه هناك بعض المواضع تمتنع معها اللام.(1/5)
فمثلا الإشارة إلى المثنى لا يجوز معها اللام تقول "هذان" أو "ذان" أو "ذانك"، ولكن لا تقول "هذانلك" فتضيف اللام هذه لا يجوز فيها.
كذلك عندما يأتي الجمع إشارة إلى الجمع ممدودا "أولاء" فلا تأتي باللام تقول "أولئك" نعم لكن ما تقول "أولاء لك" فهذا من امتناعه.
بعض العرب يقصر الممدود فلا يمد الإشارة إلى الجمع فلا يقول "أولاء" وإنما يقول "أولا"، حينئذ تجوز اللام فيقال "أولالك" وقد ورد فيها شواهد، لكنها عند المد لا تجوز. كذلك إذا بدأت اسم الإشارة بالهاء لم يجز أن تجمع معها اللام، تأتي معها الكاف نعم تقول "هذاك" لكن لا تضف اللام وقد بدأت بالهاء، فلا تقل "هذالك" فإنك تكتفي بأحدهما.
تقول: نريد من الشيخ أن يذكر لنا صيغ التصغير المسموعة في أسماء الإشارة، وهل توجد صيغ قياسية أخرى لها أم لا؟
صيغ المسموعة
نعم التصغير المسموعة.
صيغ التصغير
هي أسماء، وورد عن العرب بعض تصغير أسماء الإشارة فقيل في "ذا" "ذيا" وفي "تا" "تيا"، والتصغير غالبا يكون في المفرد وأما تصغير اسم الإشارة إذا كان مجموعا أو مثنى فلا أعرف له ذلك، لكن المعروف أنه يصغر المشار إليه المفرد، سواء كان لمذكر أو لمؤنث وإذا صغر فإنه يأتي غالبا بلا إضافات بلا سوابق أو لواحق له؛ لأنه يثقل بالتصغير بإضافة ياء التصغير فيه وتشديد هذه الياء فحينئذ يقل استعمال هذا، وإن كان يصح أن تقول "هاذيَّك" أو "هاتيَّك" يصح ذلك، لكنه حينئذ تكثر اللواحق لاسم الإشارة، فأكثر ما ورد عن يعرب في التصغير أن يؤتى به مجردا فيقال "ذيا" و"تيا" في "ذا" و"ذي" و"تي" كذلك. لكن التصغير حينما يأتي في حال الإفراد، وإتيانه في حال التثنية والجمع لا أذكر له شاهدا، أو لا أذكر له استعمالا عند العرب.
هذا ما يتعلق باسم الإشارة.(1/6)
أما عندما نأتي للنوع الرابع من أنواع المعارف فهو الاسم الموصول، وهو أيضا من الأسماء المبنية التي يؤتى بها لتحديد ما يعبر بها عنه، وهم يعرفونها بتعريف مختصر فيقولون: الاسم الموصول "هو ذلك المعرفة المفتقِر إلى صلة وعائد، فلا بد من إيضاح مصطلح الصلة وإيضاح مصطلح العائد.
تسميته موصولا دليل على أنه لا بد أن يوصل به شيء، لأنه لا يكون الشيء موصولا إلا بوصل شيء به، ما هو الذي يوصل به؟ شيء يسمى الصلة، فهو موصول بصلته، هذه الصلة ماذا تكون؟ هي التي تحدد هذا الاسم الموصول، وتميزه وتجعله معرفة غير شائع، وأما العائد فهو ضمير يوجد في الصلة يعود على الاسم الموصول؛ ولذلك سمي عائدا، ضمير يربط جملة الصلة بالعائد. هذا معنى قولهم أنه هو ذلك المعرفة المفتقر إلى صلة وعائد.
يهمنا الآن بيان أن الاسم الموصول يقسمونه قسمين: فيقولون هناك موصول خاص، وهناك موصول مشترك؛ معنى خاص يعني أنه لكل نوع من أنواع المعبر عنه من حيث الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث موصول يخصه، هذا موصول خاص، وهناك موصول يشترك فيه هؤلاء جميعا لا يتغير، يستعل معها جميعا.
أما الموصول الخاص: في نحو قولك "الذي" للفرد المذكر أو "التي" للمفرد المؤنث، في التثنية "اللذان" رفعا و"اللذين" نصبا وجرا في المذكر المثنى، وفي المؤنث "اللتان" و"اللتين" باختلاف حالي الرفع والنصب والجر، في الجمع جمع الذكور يقال "أولى" و"الذين" وجمع الإناث يقال "اللاتي" و"اللائي".(1/7)
لاحظنا الآن أن لكل واحد من هذه الأنواع اسم موصول، بل أحيانا أكثر من اسم موصول يخصه، فلا يستعمل "اللاتي" للواحد وإنما يستعمل للجمع المؤنث، ولا يستعمل للمذكر فمعنى ذلك أن لكل واحد من هذه الأنواع موصولا يخصها؛ ولذلك سميت هذا الموصولات خاصة. ومن الموصولات ما هو مشترك فيستعمل مع الواحد والاثنين والجماعة ذكورا وإناثا؛ انظر مثلاً قولك "من" فإنك تقول "من" للواحد وللاثنين والجماعة ذكورا وإناثا وأمثل لذلك.
في مثل قولنا منذ قليل "الذي قام" هذا للواحد المذكر "التي قامت" للواحدة المؤنث إلى آخره، لكن في "من": "أعجبني من قام" واحد، "أعجبني من قامت" واحدة، "من قامتا" اثنتان، "من قاما" اثنان، "من قاموا" لالجماعة، و"من قمن" للجماعة المؤنث. ولاحظنا أن "من" هذه باقية على صورتها، والذي يتغير فقط الضمير الموجود في الصلة وأما الموصول نفسه فهو لا يتغير ولذلك سموه مشتركا؛ يعني يشترك فيه جميع أنواع المعبر عنه بهذا الاسم الموصول. إذن الموصولات نوعان خاص كل واحد منهما يخص واحدا من المعبر عنه بالاسم الموصول، ومشترك تشترك فيه هذه الأشياء جميعا.
الموصولات المشتركة أنواع أكثر من واحد، أنا ذكرت "من" الآن، وهذه تستعمل عندما يكون من يعبر عنه عاقلا، أما إذا كان غير عاقل فيستعمل بدل "من" "ما"، كأن تشتري شيئا مثلاً مفردا واحدا مذكرا فأقول: "أعجبني ما اشتريته" وإن كان مؤنثا "ما اشتريتها"، وإن كان مثنى قلت "ما اشتريتهما" ذكرين أو أنثيين، جمع تقول "ما اشتريتها" إذا كانت مجموعة مذكرة غير عاقلة "ما اشتريتها" تستعمل بهذه الصيغة، وإن كانت جمع مؤنث تقول "ما اشتريتهن"؛ فإذن الذي تغير كما رأينا هو الضمير العائد الموجود في الصلة، وأما "ما" فهي باقية في كل الأحوال على صورتها فهي إذن من الموصولات المشتركة، لكن لاحظنا اختلاف المعنى، فأنت إذا عبرت عن العاقل قلت "من" وإذا عبرت عن غير العاقل قلت "ما".(1/8)
من الموصولات أيضا المشتركة "ال" وهذه ليس المقصود بها المعرفة وإنما المقصود بها التي بمعنى "الذي" إذا صح أن تعبر أو أن تأتي في مكانها بـ "الذي" جاز حينئذ أن تستعملها أن نسميها اسما موصولا، ولا تكون "ال" موصولة إلا إذا كان صلتها صفة اسما صريحا، والاسم الصريح إما أن يكون اسم فاعل؛ الصفة الصريحة التي هي صلة "ال" اسم فاعل أو اسم مفعول أو صفة مشبهة فقط، إذا كان ما بعد "ال" اسم فاعل أو اسم مفعول أو صفة مشبهة فـ "ال" هذه موصولة بمعنى الذي فمثلا: إذا قلت "القائم" هذا اسم فاعل صلتها اسم فاعل، فهي بمعنى "الذي قام" حينذا نقول: إن "ال" موصولة اسم موصول، ولاحظ أن صلتها مفرد، ونحن فيما يعرفه الدارسون للنحو أن الصلة لا تكون مفردة إنما تكون جملة أو شبه جملة، ولكنها تقع مفردا في هذه الحالة فقط؛ وهي في حال أن يكون الاسم الموصول هو "ال" وصلته اسم صفة صريحة اسم فاعل، أو اسم مفعول كقولك "المضروب" لأن التقدير "الذي ضرب"، أو صفة مشبهة "الحسن" لأن التقدير "الذي حسن" فإن كان ما بعد "ال" جامدا كقولك "الرجل" فـ "ال" هذه ليست اسما موصلا وإنما هي معرِّفة؛ لأنه لا يصح أن تقول "الذي رجل" فهو غير مستقيم، أو كان مثلاً من أنواع المشتقات الأخرى غير هذه الثلاثة غير اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة كاسم التفضيل كقولك مثلاً: "الأفضل" أو "الأحسن" أيضا هي معرفة حينذاك، فالعلماء حصروا الصفة الصريحة التي تقع صلة لـ "ال" في هذه الأنواع الثلاثة وهي اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة. ولاحظ أنك تقول "القائم" و"القائمة" و"القائمان" و"القائمات" و"القائمون" فـ "ال" هي هي ما تغيرت وإنما المتغير هو الصلة، بحيث أن ضمير العائد في الصلة الذي يعود على الموصول هو الذي يتغير. وهذا دليل على أن " ال" موصول مشترك وليس موصولا خاصا.(1/9)
من الموصولات أيضا المشتركة "ذو" نحن نعرف أن "ذو" من الأسماء الستة، ولكن بعض العرب وهم قبيلة طيئ استعملوها بمعنى "الذي" فمن قسمهم أنهم يقولون "لا وذو في السماء عرشه"، أي لا والذي في السماء عرشه. لاحظ أنهم استعملوها بمعنى الذي فهي موصولة حينئذ.
الشاعر يقول:
فإن الماء ماء أبي وجدي *** وبئري ذو حفرتُ وذو طويتُ
أي الذي حفرته والذي طويته. فهي بمعنى الذي، فإذن إذا جاءت ذو طائية أي بمعنى الذي فهي اسم موصول. ولاحظ أنها اسم موصول مشترك أي أنها تأتي للواحد والاثنين والجماعة والمذكر والمؤنث فتقول "ذو قام" و"ذو قامت" و"ذو قاموا" إلى آخره... ولا تتغير "ذو" فهي للجميع مشتركة بينهم.
يقول: هل صلة الموصول لها محل من الإعراب؟
صلة الموصول هي تكملة للموصول، والمحل الإعرابي هو للموصول نفسه، أما الصلة فإنما جيء بها لتكملة معنى الاسم الموصول، ولا يتم معناها إلا بها، فليس لها محل أعرابي، ليس لها محل من الإعراب.
ومقصودنا أن لا محل لها من الإعراب أن المحل للموصول نفسه؛ لأنه هو الذي يعنى به أن يكون فاعلا أو مفعولا أو مبتدأ أو خبرا إلى آخره... وأما الصلة فلا يقصد أن تكون في هذه المواضع، وإنما جيء بها لتتمة معنى الاسم الموصول، وحينذاك فإنها ليس لها محل إعرابي؛ لأنها مجرد تكملة، لأن تكملة الشيء كالحرف في الكلمة ليس له حكم خاص به إعرابي، وإنما حكمه حكم إعراب للكلمة نفسها، لأنه إتمام للاسم الموصول، ولا يتم الاسم الموصول إلا به.(1/10)
آخر ما سأذكره من الأسماء، وهي الأسماء الموصولة المشتركة المهمة "ذا" ونحن عرفنا أن "ذا" اسم إشارة، لكنه أيضا يأتي اسما موصولا، وذلك إذا قدر بمعنى "الذي" ولا يقدر بمعنى الذي إلا إذا تقدمت عليه "ما" أو "من" الاستفهاميتان فإذا قلت "ماذا فعلت" فالتقدير "ما الذي فعلته" حينئذ تكون "ذا" اسما موصولا، أو قلت "من ذا قال كذا" أو "من ذا أمرك بكذا" أي "من الذي أمرك بكذا" أو "من الذي قال كذا" حينذاك تكون موصولة، إذن شرط استعمال "ذا" اسما موصولا هو أن تسبق بـ "ما" أو "من" الاستفهاميتين، وإلا فهي اسم إشارة، والأصل فيها أن تكون اسم إشارة، طبعا هي أيضا من الموصولات المشتركة لأنك تقول "من ذا قام" أو "من ذا قامت" "من ذا قمن" فلا يتغير "ذا" في الأحوال كلها، ولذلك هي مشتركة؛ أي تشترك فيها هذه الأنواع دون تفريق.
الله -سبحانه وتعالى- يقول: ? مَّاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ? التقدير "ما الذي أنزله ربكم"، فتكون "ذا" حينئذ اسما موصولا وليست اسم إشارة؛ لأنها سبقت بـ "ما" الاستفهامية، والشاعر يقول:
وقصيدة تأتي الملوك غريبة *** قد قلتها ليقال من ذا قاله
أي "من الذي قالها" فتقدمت "من" الاستفهامية على "ذا" فدل على أنها موصولة، ودائما المعنى هو الذي يدلنا على أنها كذلك، إذا صح أن تقدر في مكان هذه الكلمة "الذي"؛ لأن "الذي" هي أصل الموصولات، فالموصولات الخاصة هي أصل الموصولات، فإذا صح أن تقدر موصولا أو كلمة من الكلمات بمعناها فاعلم أنها اسم موصول وليست اسم إشارة يعني "ذا"، وكذلك الأمر في "ذو" الأصل فيها أن تكون "صاحب" لكنها إذا استعملت بمعنى "الذي" وذلك في لغة طيئ فهي اسم موصول.
هذا ما يتعلق بالأسماء الموصولة وتقسيمها إلى قسمين خاص ومشترك، بقي الحديث عن الصلة نفسها، فإن لم يكن هناك ما يمنع من أن نبدأ فيها بدأنا في الحديث عنها.
تقول: ذو فضل على الناس ما محل "ذو" في الإعراب هنا؟(1/11)
هذه ليست جملة حتى يكون لها محل إعرابي، إذا قلنا "هذا ذو فضل على الناس" فلها محل، هي خبر حينذاك، وهذه من الأسماء الستة التي سبق الحديث عنها؛ لأنها بمعنى "صاحب" لأن صاحب فضل، وليست موضوعنا اليوم وليست من الموصول؛ لأن الموصول "ذو" لا تستعمل اسما موصولا إلا إذا كانت بمعنى الذي وهذا استعمال قليل عند العرب خاص بقبيلة من قبائل العرب كما ذكر العلماء، وهي استعمالها عند الطائيين فقط، هم الذين يستعملونها بمعنى الذي، وأما عامة العرب فلا تستعمل ذو إلا بمعنى صاحب وتكون حينئذ هذه الكلمة التي ذكرتها الأخت بمعنى صاحب وهي بحسب مقامها، إذا قلت "ذو فضل" .... فإن قلت "هذا ذو فضل" فهي خبر، وإذا قلت "ذو الفضل محمود" فهي مبتدأ، وإن قلت "جاء ذو فضل" فهي فاعل إلى آخره.... أي صاحب.
يقول: كيف نعرب الأسماء الموصولة؟ هل نعربها حسب موقعها في الجملة أم لها إعراب خاص؟
الأسماء الموصولة هي "أسماء مبنية" كأسماء الإشارة، فهي نقول إنها في محل كذا، فنقول مثلاً في "الذي" اسم موصول مبني على السكون. نقول "جاء الذي عندك"، "الذي" اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل، "الذي عندك كريم" "الذي" اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ بهذه المثابة، لكن المثنى منه هو الذي يتغير حاله، ولذلك فالأولى للتسهيل على الدارسين أن نقول إن المثنى منه معرب، بعض العلماء يقول هو مبني ولكن عومل معاملة المعرب، لكن الأوجه فيه والأسهل في الدرس فيه أن نقول: إن المثنى في الموصول كالمثنى في الإشارة هو معرب في حال التثنية، فعند رفعه يكون بالألف وعند نصبه أو جره يكون بالياء، فنقول اللذان رفعا أو اللذين نصبا وجرا.(1/12)
بقي الحديث عن الصلة، الصلة -كما قلت لكم- لا يتم معنى الاسم الموصول إلا بها، ولذلك سمي موصولا فهو قطعا يوصل بشيء بعده، هذه الصلة قد تكون جملة وقد تكون شبه جملة، أما جملة فنحن نعرف أنواع الجملة إما اسمية أو فعلية؛ يعني مكونة من مبتدأ وخبر فهذه اسمية، أو فعل وفاعل أو نائب فاعل فهذه جملة فعلية، إذن هذه أحد نوعي الصلة التي توصل بالاسم الموصول فتُتِم معناه وتكمل معناه، يشترط العلماء في هذه الصلة التي لا يكون الاسم الموصول معرفة إلا بها؛ يشترطون فيها شرطين:
الشرط الأول:
أن تكون خبرية؛ معنى خبرية يعني يصح أن تكون صادقة أو كاذبة، يمكن أن نحكم عليها بأنها صادقة أو كاذبة؛ خبر، وليست طلبًا أو إنشاءً يعني أنت عندما تقول "جاء الذي أبوه كريم"، "أبوه كريم" جملة اسمية وهي صلة الموصول. أنت الآن تخبر أن أبوه كريم، قد نصدقك وقد لا نصدقك، تحتمل الصدق والكذب، فحينئذ تسمى هذه الجملة خبرية، أو تقول "جاء الذي قام أبوه"، "قام أبوه" جملة فعلية هي صلة الموصول وهذه خبر، قد نقول نعم صدقت قام أبوه، وقد نقول لم تصدق أبوه لم يقم. فهي تحتمل الصدق والكذب. ولكن عندما أقول مثلاً "أعجبني الذي اضربه" مثلاً هذه جملة فعلية تعني طلب إحداث فعل وليست خبرا، فلا يصح أن يقع صلة، فلا نقول "الذي اضربه" . كذلك عندما نقول في الإنشاء؛ إنشاء العقود، "بعتك كذا" جملة فعلية لا يصح أن تقع صلة موصول، فلا نقول "جاء الذي بعتكه"؛ وأنت تريد إحداث العقد، أما إن كنت تخبر عن أنك بعته في وقت سابق فإنه خبر، فإذن شرط الصلة أن تكون خبرية؛ معنى خبرية أنه يصح أن يحكم عليها بصدق أو كذب، بصرف النظر عن قائلها، وأما الجملة الإنشائية والتي لا يصح الحكم عليها بصدق أنه كذب وهي الطلبية أو التي ينشأ بها العقد أو العقود، فهذه جمل إنشائية لا يمكن الحكم عليها بصدق أو كذب، فلا تقع صلة.(1/13)
الشرط الثاني في هذه الجملة الواقعة صلة سواء كانت اسمية أو فعلية أن تشتمل على ضمير، هذا الضمير يطابق الاسم الموصول في تذكيره وتأنيثه، وفي إفراده وتثنيته وجمعه، هذا الضمير يسمى العائد وهو الذي ذكرته في بداية الأمر؛ أن الاسم الموصول هو المفتقر أو المحتاج إلى صلة وعائد، فلا بد في جملة الصلة من ضمير يعود على الموصول. ففي قولنا مثلاً: "أعجبني الذي أكرمتَهُ"، لاحظ أن الهاء تعود إلى الذي، والهاء ضمير مفرد مذكر والذي مفرد مذكر. وتقول "أكرمت التي أكرمتَهَا" فالتي مفرد مؤنث والضمير هاء مفرد مؤنث، "اللذان أكرمتهما" هما مثنى والموصول مثنى.... فإذن لا بد أن يطابق العائد وهو الضمير الموجود في جملة الصلة، لا بد أن يطابق الموصول في إفراده وتثنيته وجمعه، كذلك تقول "الذين أكرمتهم" "اللاتي أكرمتهن" فيأتي الضمير مطابقا للاسم الموصول في إفراده وتثنيته وجمعه، وفي تذكيره وتأنيثه. إذن هما شرطان: أن تكون الجملة قابلة للصدق والكذب، وأن تشتمل على ضمير، هذا الضمير هو الذي يسمى العائد، سمي عائدا لأنه يعود على الموصول ولا بد لهذا العائد (هذا الضمير) أن يطابق الموصول في إفراده وتثنيته وجمعه وتذكيره وتأنيثه.
بقي أن نقول إن هذا الضمير العائد هو لا بد أن تشتمل عليه جملة الصلة، لكن أحيانا يذكر وأحيانا يحذف، الأصل أن يذكر، ولكن يجوز أن تقول مثلاً "جاء الذي أكرمت" وأنت تريد "الذي أكرمته" فتحذف الهاء، هذا ممكن، فحذف الضمير إذا دل عليه جائز، وليس معنى ذلك أنه غير موجود فهو مقدر، لكنه يحذف أحيانا اختصارا، ولذلك أمثلة: انظر مثلاً في قول الله -سبحانه وتعالى-: ? ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ? "أي" هذه هي موصول مشترك، ومعنى أنه موصول مشترك أن "أي" تقديرها "الذي هو أشد على الرحمن عتيَّا".(1/14)
لاحظ أن الضمير "هو" في "الذي هو أشد"، "هو أشد" جملة اسمية، والضمير العائد "هو" وقد حذف في الآية "أيهم أشد" ما قيل "أيهم هو أشد"، وهذا دليل على جواز حذف العائد الذي يعود على الموصول، وإنما قلنا إن أي هنا موصول؛ لأنها تقدر بمعنى الذي؛ أي "الذي هو أشد" وكل كلمة صح أن تقدرها بمعنى الذي فهي موصول، فهذا دليل على أن "أي" من الموصولات المشتركة ولكنه من الموصولات المشتركة قليلة الذكر ولذلك لم أذكره فيما سبق من الموصولات المشتركة، لأن تلك أكثر من استعمال "أي" في باب الموصولات.
كذلك في قول الله -سبحانه وتعالى-: ? وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ?، قرأ في السبعية، قراءة السبعية حمزة والكسائي قالوا: "وما عملت أيديهم" حذفوا الهاء، لم تذكر فيها الهاء في تلك القراءتين أو في هذه الروايتين، في حين قراءة بقية السبعة "وما عملته أيديهم"، في قراءة السبعة "عملته" بقية السبعة العائد موجود، وفي القراءة هنا "وما عملت أيديهم" ضمير محذوف، ولاحظ أنه في هذا المكان "عملته" أو "عملت" حذفنا العائد المنصوب؛ لأنه في محل نصب مفعول به، وأما في السابق فالعائد مرفوع، فإذن يحذف العائد سواء كان في محل رفع أو في محل نصب، وكذلك لو كان في محل جر. مثلاً في قول الله -سبحانه وتعالى-: ? فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ? أي "اقض الذي أنت قاضيه"، فالضمير هو "الهاء" طبعا "أنت قاض" جملة اسمية هي صلة الموصول مشتملة على العائد وهي الهاء، وقد حذف الضمير، وموضعه الإعرابي الجر؛ لأنه مضاف إليه، قاض مضاف والهاء مضاف إليه؛ فحذف العائد الذي يعود على الموصول جوازا للدلالة عليه ولوضوحه والتقدير "ما أنت قاضيه".
ومثله بيت طرفة:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا *** ويأتيك بالأخبار من لم تُزَوِّدِ
ويأتيك بالأخبار من لم تبع له *** بتاتا ولم تضرب له وقت موعد.(1/15)
قال: "ما كنت جاهلا" أي ما كنت جاهله، الذي كنت جاهله، حذف العائد وهو الهاء وتقديره في محل جر مضاف إليه؛ لأن جاهل مضاف والهاء مضاف إليه، لوضوحه لأنه جاء "ما كنت جاهلا" أي ما كنت جاهله واضح هذا ولذلك حذف.
وقد يحذف العائد وهو مجرور بحرف الجر كما في قول الله -سبحانه وتعالى-: ? يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ?، أي من الذي تشربون منه، فحذفت الهاء في قولنا "منه".
طبعا هناك قاعدة: أنه إذا حذف المجرور بحرف الجر سقط معه الجار، فلما حذف الضمير المجرور بحرف الجر سقط معه حرف الجر بالتبع؛ لأنه لا يبقى حرف الجر دون مجروره، فحذف إذن العائد وهو مجرور بحرف الجر والتقدير "ويشرب مما تشربون منه".
والشاعر يقول:
نصلي للذي صلت قريش *** ونعبده وإن جحد العموم.
"للذي صلت قريش"؛ أي "للذي صلت قريش له" فحذف العائد من جملة الصلة وهي "صلت قريش له" وهو الهاء، وبقي حرف الجر وحده وهو "اللام" ولا يصح أن يقوم حرف الجر وحده فحذف أيضا، فهذا دليل على أن العائد متى دل عليه دليل في الكلام و فهم السامع الكلام دونه، جاز لك أن تحذفه اختصارا سواء كان في محل رفع أو في محل نصب أو في محل جر، وهذا الجر سواء كان بالإضافة أو كان بجر بالحرف.
تقول: تسأل عن اسم ريان هل هو ممنوع من الصرف؟
دائما القاعدة في مثل هذا.... طبعا نحن إلى الآن لم نناقش علل المنع من الصرف، لكن دائما البيان لا يؤخر عن وقته.(1/16)
علل منع الصرف تسع لا نذكرها الآن لكني سأذكر ما في هذا العلم أو في هذا الاسم، طبعا "ريان" اسم أصبح علما كما ذكرت، سمي به تقصد، هي لا تقصد به صفة وإنما سمت به شخصا، فهو اسم إذن فيه علمية وهو مأخوذ... هل هو مأخوذ من "الرِّي" أو من "الرَّيْن"؟ هو قطعا مأخوذ من "الري"، فإذا أخذ من "الري" فاكتملت أصول الكلمة قبل الألف والنون، فالألف والنون زائدة، إذن هي علم مزيد فيه الألف والنون، فاجتمعت فيه علتان فهو ممنوع من الصرف، لكن لو افترضنا أنه مأخوذ من "الرين" تكون النون أصلية فليس فيه زيادة الألف والنون فلا يبقى فيه إلا علة العلمية فلا يمنع من الصرف. نحن ننظر إلى المعنى؛ المعنى أنه مأخوذ من "الري"، فما دام مأخوذًا من "الري" فنقول هو ممنوع من الصرف، وهنا لطيفة من اللطائف، وإن كان ليس مقامها الآن لكن جرنا إليها هذا، في قولنا "حسان" مثلاً، عندما نسمي شخص بحسان هذا فيه العلمية، نريد علة أخرى حتى نمنعها من الصرف، نقول إن كان أخذ من "الحس" فالألف والنون زائدة ففيه زيادة الألف والنون فيمنع من الصرف، وإن أخذ من "الحُسن" فالنون أصلية وفيه ألف فقط زائدة والنون أصلية فلا نمنعها من الصرف، فنقول "حسانٌ" حينئذ وإن أخذناه من "الحس" فنقول "حسانُ" بلا تنوين.(1/17)
وأكثر من هذا وإن أثقلت على الإخوة المشاهدين والسامعين "عفان" مثلاً عفان فيها العلمية، إن أخذناها من "العفة" فالألف والنون زائدتان فيمنع من الصرف؛ لأن الكلمة اكتملت حروفها من الفاء والفاء المشددة الأخرى، والألف والنون زائدة فهو ممنوع من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون، وإن أخذناه من "العفن" فالنون أصلية وليس فيه إلا الألف زيادة فلا يمنع من الصرف، ولذلك إذا أردت أن تمدح شخصا اسمه "عفان" فامنعه من الصرف حتى تكون الألف والنون زائدة ويكون مأخوذا من العفة، وإذا أردت أن تذمه فنونه حتى تكون النون أصلية تنسبه إلى العفن، وهذا لا يدركه إلا من أدرك هذه العلل والحكم. وأرجو أني ما أثقلت بهذا على الإخوة السامعين، وأعلم أن كثيرا من السامعين ربما هذا الأمر بالنسبة لهم يعني فيه صعوبة، ولا يزال مبكرًا بالنسبة لهم، لكني أذكره من باب اللطائف التي قد يحتاجها كثير من الإخوة المتابعين في مثل هذا.
تقول: إعراب "ذو" في البيت:
فإما كرام موسرون لقيتهم *** فحسبي من ذو عندهم ما كفاني
تسأل عن ذو؟
هي طائية هنا؛ أي "مِن الذي عندهم ما كفاني" وحينئذ تكون من حرف جر وذو اسم موصول في محل جر مبني على السكون في محل جر بمن.(1/18)
نأتي الآن لمسألة النوع الثاني من أنواع الصلة وهو شبه الجملة؛ طبعا إذا قيلت شبة الجملة في النحو ينصرف الكلام مباشرة إلى نوعين: وهي الظرف الزماني أو المكاني، والجار والمجرور، فيقع كل واحد من الظرف الزماني أو المكاني، أو الجار والمجرور يقع صلة، فتقول مثلاً في قولك: "جاء الذي عندك" هذا مكاني، وتقول في الجار والمجرور "جاء الذي في الدار" ففي الحالين وقعت الصلة شبه جملة. يضيف النحوييون في مثل هذا أن من أنواع الصلة شبه الجملة ما ذكرناه من قبل في صلة "ال" وهو الصفة الصريحة، هذه لا يقال إنها جملة؛ لأنها عبارة عن كلمة واحدة ولكنها تشبه الجملة لأنها مقدرة بالفعل، قولك "القائم" بمعنى الذي قام فهي تشبه الجملة الفعلية، ولذلك ألحقوها أيضا بشبه الجملة، إذن الصلة إما أن تكون جملة وهي التي ذكرناها من قبل، أو شبه جملة، وهي إما الظرف أو جار ومجرور وهذا مسلم، أو الصفة الصريحة التي ذكرناها وهي صلة الخاصة، لا تكون إلا صلة لـ "ال" فإن قال قائل صلة "ال" هذه كلمة واحدة "قائل" و"مضروب" و"حسن" في قولك "القائم" و"المضروب" و"الحسن" كيف نقول إنها شبه جملة؟ لأنها مقدرة بالفعل؛ أي الذي قام والذي ضرب والذي حسن فأنت تقدرها وتشبهها بجملة فعلية فهي إذن شبه جملة، ففي هذا المقام أو في هذا الباب تدخل من ضمن أنواع شبه الجملة، أو تضاف إلى أنواع شبه الجملة الظرف والجار والمجرور.
يقول العلماء النحويون إنه ينبغي للجار والمجرور وللظرف إذا وقعا صلتين، (إذا وقع كل واحد منهما صلة) أن يكون تاما؛ معنى تاما أن يفهم المعنى منه، عندما تقول "جاء الذي عندك" واضح أنه جاء الذي استقر عندك، فالمعنى واضح، لكن عندما تقول "جاء الذي اليوم" ما نعرف اليوم ماذا فعل اليوم فالمعنى غير واضح، فيقول "إن عندك" هذا ظرف تام، وإن قولك "جاء الذي اليوم" أو "جاء الذي أمس" ظرف غير تام لماذا؟(1/19)
يقولون إنما أمكن تقدير "استقر" أو "وجد" أو "كان" فهذا يسمى تام جاء الذي عندك جاء الذي استقر عندك، الذي وجد عندك، الذي كان عندك، وما يحتاج إلى تقدير أفعال أخرى هذا ناقص؛ لأن هذه الأفعال الأخرى لا يعرفها السامع فهو لا يعلم الغيب، إذا قلت مثلاً "جاء الذي اليوم" ما نعرف هل المعنى جاء الذي جاء اليوم، الذي كتب اليوم، الذي قدم اليوم، الذي ذهب اليوم.... ما نعرف ماذا تريد، ما الذي حصل اليوم؟! ولذلك إذا كان الظرف غير تام (ناقص) فلا يصح أن يقع صلة، كذلك الجار والمجرور؛ "جاء الذي في الدار" التقدير استقر في الدار، أو وجد في الدار، أو كان في الدار، لكن لو قلنا "جاء الذي بك" ما نعرف هل الذي جاء الذي استعان بك، أو جاء الذي أعجب بك، أو جاء الذي مر بك، كلها تصح أن تكون بك. فنقول هذا الجار والمجرور لا يصح أن يقع صلة؛ لأنه ليس تاما يعني لا يدرك السامع المراد به، (متعلقة)؛ متعلقة يعني الفعل الذي يتعلق به، فإذن يشترط في الظرف والجار والمجرور الواقعين صلة أن يكون معناهما تامًّا، معنى كون معناهما تامًّا؛ يعني يعرف السامع مباشرة متعلَّقَهم الفعل الذي يتعلقان به، وهو "استقر" أو "وجد" أما إن كان الفعل الذي يتعلقان به غير واضح ويحتمل أكثر من شيء فهذا يسمى ناقص ولا يصح أن يقع صلة للموصول.(1/20)
أنا أقول إنه هناك أمر؛ يعلق كثير من الناس مسألة ضعف في شيء معين أن الأساس كان ضعيفا ولم يوفق مثلاً في من يتقن تعليمه في نشأته عندما كان شاديا ناشئا، والحق أنه ينبغي للإنسان أن لا يعول على هذا الأمر، فإذا كان من يعلمك ضعيفا فينبغي أن تكون أنت من الطموح بحيث أن ترفع أنت من مستواك، وإذا كان مجتمعك لم يؤهلك لأن تكون نابغا متميزا فاصنع من نفسك أنت بالاستعانة بالله -سبحانه وتعالى- نابغا متميزا ولا تخضع لما حولك من الظروف، وإلا لكان كثير من النابغين المتميزين إذا حلت بهم ظروف معينة سقطوا، المتميز يفترض أنه إذا كان حوله بيئة مُعِينَة أن يستفيد منها، وإن كانت البيئة التي حوله غير معينة فينبغي أن يستعين بالله -سبحانه وتعالى- وينشئ لنفسه بيئة حتى وهو وحده هو بيئة، فيعلم نفسه ويثقفها. من هنا ينبغي أن لا نعلق ولا نعول على ضعف من أنشأنا، كثير من الطلاب في الجامعة عندما نقول له: يا أخي لماذا هذا الضعف فيكم وهذه الأمور البديهية؟! وأنت متخصص في اللغة العربية يقول والله نحن ما درسنا دراسة إنما الأساس كان ضعيفا، نقول هذا الأمر غير صحيح ولا ينبغي، بهذه الطريقة لن يتفوق أحد لأن كل يعلق على الآخر فيقول السابق أضعفك فأنا ماذا أفعل بك! الصحيح أن عليك أنت أن تضع لنفسك موطأ قدم في المتميزين إن أعانتك البيئة بعون الله -سبحانه وتعالى- فحسن وإن لم يكن كذلك فاستعن بالله واجعل لنفسك منهجا يبرز تميزك.
هلا تفضلتم بطرح أسئلة هذه المحاضرة:
نحن الآن توقفنا "ذي" الأداة وهو والمضاف إلى واحد من هذه المعارف وهما موضوعان سهلان نذكرهما -إن شاء الله- في مطلع اللقاء التالي إن مد الله -سبحانه وتعالى- في أعمارنا.
السؤال الأول:
متى تمتنع الكاف ومتى تمتنع اللام مع اسم الإشارة؟
والسؤال الثاني:
ما الفرق بين الموصول الخاص والمشترك؟(1/21)
لغة عربية - المستوى الرابع
الدرس الخامس عشر
بقية أنواع المعارف
باب الابتداء
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وحديثنا -إن شاء الله تعالى- في هذا اللقاء في تتمة مختصرة عن بقية أنواع المعارف ثم البدء بباب الابتداء، وغني عن البيان ما سبق أن قلناه من أنه لا إشكال في مثل هذا اللقاء من استقبال الاستفسارات النحوية أو المتعلقة باللغة مما تعن الحاجة إليه؛ إذ إني أعلم أنه ربما تقل المواسم أو الأماكن التي يجد الإنسان فيها جوابا لسؤاله اللغوي أو النحوي، ومن هنا فيمكن استقبالها الآن بما لا يطغى على ما نحن بصدده من شرح هذا الكتاب، إن كان هناك شيء يتعلق بإجابات اللقاء السابق وإلا بدأنا في ما نحن فيه الآن.
في إجابة السؤال الأول: متى تمتنع الكاف ومتى تمتنع اللام مع اسم الإشارة؟
الإجابة: يمتنع استعمال الكاف مع اسم الإشارة إذا كان المشار إليه قريبا لا يجوز استعمال الكاف معه، فتقول ذا هذا، ولا تقول ذاك، ويمتنع استعمال اللام مع اسم الإشارة في حالات:
أولا: إذا كان المشار إليه مثنى لا يجوز معه استعمال اللام فتقول: هذان ذانك، ولا نقول هذانك، هكذا قال، وإذا كان المشار إليه جمع لا يجوز استعمال اللام فتقول: أولئك، ولا نقول أولاء لك، كذلك عند المد إذا بدأت اسم إشارة بالهاء لا يجوز أن تأتي معها باللام فتقولها ذاك كذلك. نقرأ إجابة السؤال الثاني يا شيخ؟ نعم، تفضل. الأخ الكريم كذلك أجاب ما الفرق بين الموصول الخاص والمشترك؟(1/1)
الإجابة: الموصول الخاص أن يكون لكل نوع من أنواع المعبر عنه من حيث الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث موصول يخصه مثل: الذي للمفرد المذكر، والتي للمفرد المؤنث، واللذان واللذين للمثنى المذكر، واللتان واللتين للمثنى المؤنث، أولاء والذين لجمع الذكور، اللاتي واللائي لجمع الإناث، كذلك الموصول المشترك وهو يستعمل مع المفرد المثنى والجمع المذكر والمؤنث مثل: "من" تستعمل للعاقل فتقول: أعجبني من قام، أعجبني من قامت، أعجبني من قاما، أعجبني من قامتا، أعجبني من قاموا، أعجبني من قمن. فالذي يتغير هو الضمير الموصول في الصلة أما الموصول نفسه فلا يتغير.
"ما" تستعمل لغير العاقل، وهي التي تكون بمعنى الذي، "ذو" بمعنى الذي عند الطائيين، "ذا" إذا قدر بمعنى الذي.
أزيد فقط كلامها الأخير أن "ذا" تكون بمعنى الذي إذا سبقت بـ "من" أو "ما" الاستفهاميتين؛ لأنها إذا لم تسبق بهما كانت اسم إشارة.
إذن نبدأ -إن شاء الله تعالى- فيما نحن فيه، سبق أن ذكرنا أنواع المعارف، بدأنا بالضمائر وثنينا بالأعلام، ثم أسماء الإشارة فالأسماء الموصولة، والمعارف كما يذكرها جمهور النحويين ستة، فالخامس إذن هو ما كان محلى أو معرفا بـ "أل" والمقصود به ما كان مبدوءًا بـ "أل" المعرفة التي تنقل الاسم النكرة إلى التعريف بعد أن كان شائعا غير محدد يصبح محددا، فمثلا إذا قلت في قولك: كتاب، قلت فيه: الكتاب، فكلمة كتاب كلمة شائعة تنطبق على كل ما يمكن أن يطلق عليه هذا الاسم، فإذا قلت: الكتاب فإنك تحدده بكتاب معين تعهده، وكذلك الباقي.(1/2)
هناك خلاف بين بعض النحويين في مسألة المعرِّف، هل هو "أل" كلها، أو جزء منها، أو اللام وحدها، وأن الهمزة زائدة، هذا خلاف لفظي، والمقصود في العلوم إذا قيل خلاف لفظي؛ أي أنه خلاف واقع بين العلماء لكن ثمرته ليس له ثمرة عملية، قد يكون فيه ثمرة جدلية أو ثمرة ذهنية تعويد على استنباط العلل واستنباط الحكم في الأمور، أو طريقة استنباط الأدلة ولكنه لا يترتب عليه عمل، لا ثمرة له ولذلك فالخلاف لفظي، وإذا كان الخلاف لفظيا فالأولى ألا يتوسع فيه كثيرًا ويكتفى بالخلافات التي لها ثمرة، على كل حال وجود "أل" معناها أن الكلمة معرفة، سواء كان المعرف الكلمة كلها يعني "أل" كاملة أو حرف واحد منها وهو اللام، هذه المعرِّفة يجعلونها أقسامًا فيقولون: إن "أل" أحيانا تكون للعهد، وأحيانا تكون لبيان الماهية أو الجنس، وأحيانا تكون للاستغراق والشمول؛ أما كونها للعهد فإن المقصود به أن يكون هناك شيء معهود، شيء معروف عهد؛ أي علم وعرف، فالمقصود إذن العهد هو العلم بالشيء، سواء كان الشيء المعهود عهد من قريب؛ أي ذكر من قريب، أو أنه عهد في الذهن ولم يذكر، ولذلك يقسمونه قسمين:
ذكريّ وذهنيّ، وبعضهم يضيف الحضوري ولكن الحقيقة أن الحضوري هو جزء من الذهني، إذن العهد.. ننطلق من المثال، عندما أقول: اشتريت كتابا ثم قرأت الكتاب "أل" في قولنا الكتاب معناها الكتاب الذي سبق أن اشتريته وليس أي كتاب، ومن هنا فإنه لو قرأت كتابا آخر لا تقول: اشتريت كتابا ثم قرأت الكتاب، وإنما تقول: اشتريت كتابا ثم قرأت كتابا آخر.(1/3)
فـ "أل" عندما يذكر اسم ثم يعاد ذكره بـ "أل" فمعناه المقصود هو ذلك الاسم المنكر السابق، ومن هنا كان في قوله الله -سبحانه وتعالى- ? مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ? أي السابق الذكر ? فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ? أي الزجاجة المذكورة، فمتى جاء الاسم إذن منكرا ثم أعيد معرفا بـ "أل" فالمقصود به الاسم السابق، ولو أنك أردت شيئا آخر غير السابق لوجب أن تأتي به منكرا أيضا ولا تعرفه بـ "أل"؛ لأن "أل" هذه يسمونها "أل" العهدية "العهد الذكري"؛ أي أنه سبق ذكره أي ذلك الشيء المعهود الذي سبق ذكره.
وقد يكون العهد ذهنيا كما قلت؛ كأن تكون اتفقت أو تحدثت أنت وصاحبك عن شخص معين عن قاض معين، ثم تقول بعد ذلك: جاء القاضي؛ أي القاضي الذي أعهده أنا وأنت في أذهاننا، وإن لم يرد له ذكر من قبل، فمجرد كونك أنت وإياه قد اتفقتما عليه أو سبق أن تحدثتما عنه فهو موجود في أذهانكما، هذا كاف لأن يكون معهودا ويسمون هذا عهدًا ذهنيًّا.
كما قلت، بعضهم يضيف العهد الحضوري؛ أي الشيء الحاضر عندما تعرف الشيء تقول: الكتاب؛ أي الكتاب الحاضر، ولكن هذا أيضا في الحق أنه جزء من العهد الذهني؛ لأنه معروف في الذهن بسبب حضوره.(1/4)
هناك نوع آخر من "أل" المعرفة وهو الذي يسمونه بـ "أل" التي لبيان الجنس أو الماهية أو الحقيقة، عندما يقول الله -سبحانه وتعالى-: ? وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ?، ليس المقصود ماء معينا حتى نقول إن "أل" هذه تعرف شيئا معهودا (ماء معهود)، وليس المقصود أيضا كل الماء جعلت منه الحياة، ولكن جنس الماء سبب للحياة، فليس المقصود جزء منه أو قطعة من هذا الماء، أو طبيعة معينة من الماء هي التي فيها الحياة، ولكن جنس الماء جعل الله -سبحانه وتعالى- فيها الحياة، ولذلك قالوا: إن "أل" هذه لبيان الجنس. من هنا يقولون في مثل قولهم في الأثر: أهلك الناسَ الدينارُ والدرهمُ. إن كلمة الدينار والدرهم هذه "أل" فيها أيضًا لبيان الجنس والماهية؛ لأن المقصود جنس الدراهم، جنس الأموال سبَّبَ لهم الهلاك عندما تعلقوا بها وكانت سببا لتركهم ما خلقوا من أجله، وليس المقصود أن دينارا أو درهما معينا هو الذي أهلك الناس، ولا المقصود أيضا أن كل الدراهم والدنانير أهلكت الناس؛ لأن من الدراهم والدنانير ما ينفق في سبيل الله ويكون سببا في إقامة أمر الله -سبحانه وتعالى- بالزكاة والصدقات وغيرها من سبل الإنفاق في الخير، من هنا ليس المقصود إذن في قولنا: أهلك الناس، أو في قولهم في الأثر: أهلك الناس الدينار والدرهم -دينار ودرهم بعينه، كما أنه ليس المقصود الاستغراق؛ أي كل الدراهم والدنانير، ولكن المقصود أن جنس الدينار والدرهم جنس المال بصفة عامة هو سبب من أسباب الهلاك بسبب تعلق بعض أو كثير من الناس به وتركهم ما خلقوا من أجله.
يبقى من أنواع "أل" ما يسمونه بـ "أل" الاستغراقية، واستغراق الشيء هو أن تشمله جميعا فلا يبقى شيء يخرج عنه، وذلك كما في قول الله -سبحانه وتعالى- ? وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا ?.(1/5)
هنا "أل" ليس المقصود بها إنسان بعينه، فليست إذن للعهد، كما أنه ليس المراد جنس الإنسان، ولكن المراد كل واحد من الناس هذا هو شأنه، ولذلك عندما يقول الله -سبحانه وتعالى- ? وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا?؛ أي أن كل واحد من الناس فهو ضعيف، هكذا خلقه الله -سبحانه وتعالى- من هنا يقول العلماء: إنك إذا أردت أن تعرف أن "أل" تفيد الاستغراق والشمول فضع "كل" في مكانها، التقدير في قولك ?وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا? أي خلق كل إنسان ضعيفا.
في السابق عندما قلنا أهلك الناس الدينار والدرهم لا يصح أن نقول أهلك الناس كل دينار وكل درهم، فليست باستغراق، كما أنك إذا قلت: جاء القاضي للعهد الذهن لا يصح أن تقول جاء كل قاضي ليس المقصود هو هذا، لكن هنا "أل" التي هي لبيان الاستغراق، استغراق أفراد الشيء فردا فردا ولا يخرج منه أحد نقول: إن هذه تقوم مقام، أو "كل" تقوم مقامها ويصح أن تضعها في مكانها ويستقيم الكلام حينئذ.
يبقى إشارة سريعة في لغة حمير وهم طائفة من القبائل العربية في جنوبي الجزيرة العربية، هذه القبيلة تقلب "أل" أي تضع في مكانها "أم" تضع مكان اللام ميما حرف التعريف، فيسمونها "أل" الحميرية أو "أم" الحميرية ورد بعض الروايات بحديث لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- (ليس من امبر امصيام في امسفر) وهي رواية تحتاج إلى إثبات، أي (ليس من البر الصيام في السفر)، كذلك ورد بعض الشواهد الشعرية التي نطق بها بعض الشعراء العرب من هذه القبيلة:
ذاك خليلي وذو يواصلني *** يرمي ورائي بامسهم وامسلمة
أي "بالسهم والسلمة" ولا تزال آثار هذا اللغة موجودة إلى الآن في جنوبي الجزيرة العربية فهم ينطقون "أل" ينطقونها "أم" وحينئذ يريدون بها حرف التعريف، وهي تشمل أو تأخذ أحكام "أل" المعرفة بكلها بلاء استثناء.(1/6)
النوع الثالث والأخير من أنواع المعارف ولا يحتاج إلى وقف فيه هو أن تأتي بنكرة فتضيفها إلى واحد من المعارف السابقة، نحن عرفنا أن المعارف السابقة هي: الضمير، والعلم، واسم الإشارة، واسم الموصول، والمعرف بـ "أل". إذا جئنا بنكرة فأضفناها إلى واحد من هذه المعارف وأصبحت المعرفة بعده مضافا إليه؛ فإن هذه النكرة تأخذ من المعرفة حكم التعريف، وتصبح معرفة مثله، تقول: غلامي، غلام نكرة أضفته إلى ياء المتكلم التي هي ضمير معرفة فأصبحت كلمة غلام معرفة لإضافتها إلى المعرفة، وتقول: غلام هذا، غلام الذي قام، بإضافتها إلى الإشارة والموصول، تقول: غلام زيد، بإضافتها إلى العلم، تقول: غلام الرجل، بإضافتها إلى المعرف بـ "أل" فتكتسب النكرة التعريف من إضافتها إلى المعرفة، ونحن بهذا نكون قد أنهينا الاستعراض السريع لأنواع المعارف مما يلي الشرح الموجز لهذا المختصر.
تقول: ذكر الشيخ أنه لا يمكن أن يتتابع حرفا جر -أليس كذلك- هل عبارة: وقع القلم من على المنضدة مثلاً ليست صحيحة؟.
حرف الجر لا يعمل إلا في الأسماء، ولا تعمل الحروف بعضها في بعض، ومن هنا فإن مثل المثال التي ذكرته الأخت الكريمة يقول العلماء: إنه يصبح الحرف الثاني "على" يصبح اسما، ويصبح ظرف مكان، يعامل حرف الجر حينئذ "على" معاملة ظرف المكان "فوق" ويصبح المعنى من فوق المنضدة، فيكون حرف الجر حينئذ ما دخل على حرف، وإنما دخل على اسم وهو الظرف المكاني، لأن حروف الجر لا تعمل في حروف مثلها ولكنها تعمل في الأسماء، وقد عرفنا من علامات الأسماء الجر أو دخول حرف الجر عليها، فمتى وجدت حرف جر قد دخل على شيء فاعلم أنه اسم.
ما الأمثلة الأخرى غير الظرف يا شيخ؟
مثل الظروف أيضا، لو قلت: من عن يميني؛ أي من جانبي، فجانب أيضا ظرف.
ولقد أراني للرماح دريئة من عن يميني تارة وأمامي(1/7)
أي "من جانبي".. يميني .. فإذن حرف الجر إذا دخل على حرف جر آخر فإن حرف الجر المدخول عليه هو في الحقيقة في تقدير اسم ظرف وليس حرفا؛ لأن حروف الجر لا تدخل على الحروف ولكنها تدخل على الأسماء.
لا يكون إلا ظرفا يا شيخ؟
ما يكون إلا ظرفا نعم، ظرفا مكانيا.
نأتي الآن لباب المبتدأ والخبر.
تقول: ذكرتم في ما تفضلتم به أن اللام المضافة إلى اسم الإشارة تدل على بعد المشار إليه فما توجيه فضيلتكم لقوله تعالى: ? ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ ? وهو قريب بين أيدينا؟
نعم، البلاغيون يقولون: إن ارتفاع المنزلة بمثابة ارتفاع المنزل، أو بعد المكان أو رفعة المكانة بمثابة رفعة المكان، فالكتاب قريب بين أيدينا ولكن منزلته عالية، فنُزِّلَت منزلته العالية مكان المكان العالي، فعوملت المكانة معاملة المكان فاستعملت اللام للدليل على رفعة مكانته، وإن لم يبعد مكانه.
الموضوع الآخر الذي نحن بصدده اليوم هو (باب المبتدأ والخبر)، وهو من أهم الأبواب النحوية، وسبب أهميته جاءت من كثرة استعماله؛ إذ إننا نعرف أن الجمل العربية هي أحد نوعين: إما أن تكون جملة اسمية، أو فعلية، فإن كانت جملة اسمية فهي في الأصل "مبتدأ وخبر" ومن هنا كان باب المبتدأ والخبر من أهم الأبواب النحوية التي يحتاج إلى دراستها الطالب.(1/8)
يعرفون المبتدأ بأنه: (الاسم المجرد عن العوامل اللفظية للإسناد). طبعا أنا أذكر التعريف الذي يذكره العلماء لأجل أن أصل إلى شيء وهو بيان أن لهم غرض من مثل هذه الحدود في التعريف، أو هذه القيود في الحد، عندما يقال: هو الاسم المجرد عن العوامل اللفظية للإسناد، فهو اسم وليس فعل، مجرد على العوامل اللفظية، أنت عندما تقول مثلاً: كان الرجل كريما، هنا عندنا تركيب: "الرجل" و"كريم" لكن دخلت عليه "كان" فلم يتجرد عن العوامل اللفظية وإنما عملت فيه "كان" وهي عامل لفظي يرفع ما بعده، فأصبحت كلمة "الرجل" هذه اسما لكان مرفوعا ولم تعد مبتدأ مرفوعا، وإن كانت مسندا إليه، وإن كانت اسما، لكنها لم تتجرد عن العوامل اللفظية، بل دخل عليها عامل لفظي وهو "كان" ولذلك نقول: إن هذا ليس مبتدأ ولكنه اسم كان.
كذلك عندما يقيدون في آخر التعريف بقولهم "للإسناد" معنى ذلك أنه لا بد أن تكون الكلمة هذه التي تكون مبتدأ جزء من جملة، فأنت عندما تقول: واحد اثنان ثلاثة... تَعُد، هذا ليس فيه إسناد، وإنما هو مجرد سرد لأعداد لأسماء فلا إسناد فيه، فلا نستطيع أن نقول إنه مبتدأ وإن كان اسما وإن كان مجردا من العوامل اللفظية، لكن لا إسناد فيه. إذن فهذه التعريفات التي يذكرونها إنما يريدون بها.. أو القيود التي يذكرونها في التعريف إنما يريدون بها إخراج ما لا يدخل في هذا الباب وأن يدخل فيه كل أفراده؛ يعني يشمل جميع أفراده وأن يخرج ما عداه، وهذا الذي يجعل المناطقة يقولون: إن الحد الحقيقي أو الصحيح هو ما كان جامعا مانعا؛ أي ما كان فيه من القيود ما يجمع أفراد المعرف ويمنع دخول غيره فيه. من هنا يصبح هذا التعريف حقيقيا، أما إن لم يجمع كل أفراد المعرف، أو أنه جمع أفراد المعرف ولكن دخل فيها أيضا غيرها، فهذا التعريف مدخول وليس صحيحا وليس حقيقيا، ولا يكون معتدا به فهو ليس بمانع.(1/9)
يهمنا الآن أن نفرق بين أمرين قد يلتبس الأمر فيهما على بعض الطلاب، وذلك أن المبتدأ أحيانا يكون اسما صريحا وهذا الأصل وهذا الغالب، الرجل كريم، الرجل: مبتدأ اسم مرفوع.
أحيانا عندما نقرأ قول الله -سبحانه وتعالى-: ? وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ?.
وهذا مثال نمثل به كثيرًا لهذا الأمر، هذه جملة اسمية، وإن كان ظاهرها أن في بدايتها فعل، لأن "أن" -كما عرفنا من قبل- حرف مصدري ينصب ما بعده، معنى مصدري؛ أي أنه يؤول مع ما بعده بمصدر، فقولك: (وأن تصومو) نقدره بكلمة واحدة والتقدير "صومكم" و "خير لكم" هو خبره، فـ "أن" وما دخلت عليه بتأويل مصدر، هذا المصدر هو المبتدأ، فالمبتدأ إذن إما يكون اسما واحدا، وإما أن يكون مصدرا مؤولا من جملة (جملة فعلية)، فنحن قدرنا الآن هذه الجملة الفعلية بكلمة واحدة هي المصدر وصارت هي المبتدأ، إذن المبتدأ قد يكون صريحا وقد يكون مؤولا، صريح: يعني كلمة واحدة، مؤول: أن المتصيد من الجملة كلمة واحدة هي مصدر هي المعربة مبتدأ، وأظن أن هذا واضح.
أما الخبر فهو كما يقول ابن مالك: (الخبر: الجزء المتم الفائدة)؛ يعني مسند تتم به مع المبتدأ فائدة، هذا يعني أنه عندما نأتي لقولنا: قاما الرجلان أيضا هذه مسند ومسند إليه جملة مركبة، وقاما مسند وتمت به فائدة مع ما بعده من المسند إليه، ولكن الذي بعده الذي تمت به الفائدة ليس مبتدأ ولكنه فاعل؛ لأن الزيدان أو الرجلان فاعل، إذن قولنا: إنه هو المسند الذي تتم به مع المبتدأ فائدة، معنى ذلك أنه لو تمت به فائدة مع الفاعل أو نائب الفاعل لا يكون مبتدأ، وإن كان مسندا وإن تمت به الفائدة وإنما يصبح حينئذ فعلاً ولا يدخل أصلا في باب المبتدأ والخبر، وإنما هو جملة فعلية.(1/10)
الحكم العام المعروف عن جملة المبتدأ والخبر أنهما مرفوعان، حكمهما الرفع، والرفع كما نعلم هو الأصل وأول ما يذكر من أنواع الإعراب، وهو أكثرها استعمالا من باب أنه الأصل في كثير من أنواع الكلمات المعربة يكون أصلها الرفع ما لم يطرأ عليها ما يوجب غير ذلك، كما قلنا في الفعل المضارع أنه يرفع إذا تجرد من الناصب والجازم، فمعنى ذلك أنه إذا لم يدخل عليه ناصب ولا جازم فهو مرفوع، فكأن الرفع لا يحتاج إلى موجب، وإن كان العلماء يجعلون لكل أثر مؤثر، أو لكل عمل عامل يقدرونه له سواء كان مذكورا لفظيا أو معنويا، من باب جعل المعنويات كالمحسوسات وهذا باب واسع ليس هذا مقام تفصيله.
المبتدأ: الأصل فيه أن يكون معرفة لماذا؟ نحن عندما نأتي بالمبتدأ نقول "الرجل" فإنا نُهَيِّئُهُ لأن نصفه، "كريم". ولا يصح أن تصف الشيء المجهول؛ لأنك إذا وصفت مجهولا لا فائدة لذلك، عندما تصف شيئا مجهولا عند إنسان تقول: الرجل كريم، تأتي لشخص تقول: رجل كريم هو يستفيد شيئا كثيرًا؛ لأنك تصف شيئا مجهولا بالنسبة له، هو يقول صف لي هذا الرجل الذي أراه حتى آخذ عنه علما، أما أن تصف شيئا لا أعرفه فأنا لا أستفيد حينئذ فائدة، إذن المبتدأ مُهَيَّأ أن يوصف، يوصف بماذا؟ بالخبر؛ لأن الخبر في الحقيقة وصف للمبتدأ في المعنى وإن أعربناه خبرا، وهو في الحقيقة وصف له، عندما أقول: "أنت كريم" وصفتك بالكرم، "زيد قائم" وصفت زيد بالقيام، فالحق أن الخبر وصف للمبتدأ في المعنى وإن أُعْرِبَ خبرا له، وما دام الخبر وصفا للمبتدأ في المعنى فإنه ينبغي أن نصف شيئا معلوما؛ لأن الخبر حكم، والحكم على الشيء المجهول لا يفيد، فنحن نريد أن نحكم على الشيء المعروف لنزداد به علما ومعرفة.(1/11)
من هنا كان الأصل في المبتدأ المهيأ للحكم عليه والمهيأ لوصفه -الأصل فيه أن يكون معرفة؛ ليأتي الخبر فيزيده جلاءً ويعطينا وصفًا من أوصافه، ولا يجوز أن يكون المبتدأ نكرة؛ لأنك لو وصفت أو جئت بنكرة وقلت: رجل ثم جئت بخبر له "رجل كريم" ما نستطيع أن نقول إن "كريم" هذه خبر؛ لأن "رجل" هذا غير معروف، فلا أستفيد من الإخبار عنه شيئا.
قال العلماء: إنه لا يستثنى من هذا؛ أي من شرط وجوب تعريف المبتدأ، إلا إذا كان المبتدأ فيه من المسوغات ما يمكن الحكم عليه عن طريقها؛ بمعنى إذا كان نكرة مطلقة ليس له أي مقرب للذهن فلا يصح أن يكون مبتدأ ويخبر عنه، لكن إذا وجد ما يقربه من المعرفة، إذا وجد في المبتدأ شيء يقربه من المعرفة فإن هذا يسهل أن يبتدأ به، وهذه الأشياء التي تقربه إلى المعرفة يسمونها مسوغات.
المسوغات أجملها كثير من العلماء في أنه إذا كانت النكرة عامة أو كانت خاصة أمكن أن تقع مبتدأ، أما إن لم يكن فيها عموم مطلق ولا خصوص مطلق فإنه لا يجوز الابتداء بها.(1/12)
كيف تكون عامة؟ نحن نعرف أن العلماء يقولون: (إن النكرة في سياق النفي تفيد العموم) عندما تقول: "ما رجل قائم" هنا رجل نكرة وقعت في سياق النفي فعمت، فصح أن تقع مبتدأ؛ لأنها أفادت العموم: ? أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ ? إله نكرة ووقع هنا مبتدأ؛ لأنه وقع في سياق الاستفهام وهو نكرة، والنكرة في سياق الاستفهام تفيد العموم. أو خصت؛ أي كانت خاصة، جاء شيء يخصصها، وتخصيص النكرات يكون بوسائل أشهرها وسيلتان: أن توصف، أو تضاف إلى شيء فتخصص. في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة) "خمس صلوات" "خمس" نكرة، لكنها تخصصت بإضافتها إلى كلمة صلوات، تحددت ولم تعد خمس مطلقة، عدد يصح أن تطلق على أي شيء، ولكنها أصبحت خاصة بالصلوات، فحينئذ تخصصت، ولما تخصصت جاز أن تكون مبتدأ، فصارت "خمس" مبتدأ و "كتبهن الله" الجملة الفعلية خبر، "صلوات" مضاف إليه "خمس صلوات" فخمس نكرة لكنها تخصصت بإضافتها إلى نكرة بعدها وهي قولنا "صلوات" هي لم تتعرف، لا تزال نكرة، ولكنها نكرة متخصصة لإضافتها وتحديدها بعد أن كانت عدد مطلق أصبحت خاصة بالصلوات فتحددت.
كذلك في قول الله -سبحانه وتعالى-: ? وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ ?.
"عبد" نكرة، والأصل فيه أن لا يصح الابتداء به، ولكنه لما تخصص بوصفه لكلمة بعده وهو قوله تعالى "مؤمن"، عبد صفته ماذا؟ نعته ماذا؟ مؤمن، فنعت بأنه مؤمن فاختص بعد أن كان شائعا في كل من يوصف بأنه عبد تحدد في العبيد المؤمنين، هذا الاختصاص سوغ الابتداء به، ولو كانت النكرة مطلقة غير مختصة لما جاز الابتداء بها، إذن العموم له وسائله والخصوص له وسائله، وأشهرها كما قلت وسائل التخصيص: أن تضاف النكرة إلى كلمة بعدها (نكرة أخرى لا تزال نكرة)، أو أن توصف بنكرة أيضا بعدها بكلمة بعدها فتحدد، هذه الأمور تجعلها نكرة مختصة، وإذا أصبحت النكرة مختصة جاز أن يبتدأ بها.(1/13)
طبعا لا نزال نقول: إن الأصل أن يكون المبتدأ معرفة، ولا يكون نكرة إلا بمسوغ، والمسوغات التي ذكرها العلماء كثيرة، بعض العلماء كابن عقيل مثلا في شرحه للألفية أوصلها إلى ما يزيد على ثلاثين مسوغا، وبعضهم زاد على ذلك، ولكن العلماء قالوا إن الأمر عند التأمل يرجع إلى العموم والخصوص.
لو أنك رجعت إلى هذه المسوغات التي مكنت من الابتداء بالنكرة لوجدت أنها إما أنها عموم في هذه النكرة أو خصوص في هذه النكرة بوجه من الوجوه، هذا العموم أو هذا الخصوص هو الذي سوغ الابتداء به، ومع ذلك يبقى الأصل وهو أن يكون المبتدأ معرفة ولا يكون نكرة.
تقول: شيخنا الفاضل، هل تأخذ "أم" الحميرية تقسيمات "أل" التعريفية؛ أي استغراقية وعهدية و....؟
بالضبط كل ما قيل من أحكام "أل" التعريفية ينطبق عليها، هو مجرد تغيير صوتي فقط، وإلا في الحكم هي هي، هي حرف تعريف يأخذ كل أنواع التقسيم المذكور.
تقول: في قول الله تعالى: ? وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ?، وقال نسوة لماذا "قال" لكلمة "نسوة"؟
ما فهمت المقصود، هل تقصد: لماذا لم يؤنث الفعل يعني؟ هو لم يؤنث لأنه جاء جمعا. نعم، نسوة مؤنث حقيقي، والمؤنث الحقيقي إذا وقع بعد الفعل مباشرة بلا فاصل يؤنث له الفعل، هذا إذا كان مفردا، أما إذا كان جمعا فإنه يجوز ترك هذا التأنيث فتقول: قالت نسوة، وتقول: قال نسوة، ولذلك تقول: جاء النساء، وتقول: جاءت النساء؛ لأن جمعها سوغ ذلك، كأنك تقول: جاء الجمع، أو: قال الجمع من النساء، كأنه معرف.
لا يسوغ في المفرد ذلك؟(1/14)
لكن في المفرد إذا كان مؤنثا حقيقيا، المؤنث الحقيقي ربما يأتي الحديث عنه هو ما يلد عندما نقول مثلاً طريق وكأس، هذه مؤنثات ولكنها مؤنثات مجازية، يعني تواطأ أو تعارف الناس العرب على أنها مؤنثات فيعاملونها معاملات المؤنث، وإلا... والشمس كذلك هي في الحقيقة كوكب من الكواكب يمكن وصفه بالتأنيث عرفي، لكن إذا كان المؤنث... (وهذا التفصيل ليس الآن مجاله حتى لا يأخذ علينا نصيب) إذا كان المؤنث حقيقيا وقد اتصل بالفعل دون فاصل، لم يفصل بينهما بفاصل، وكان هذا المؤنث مفردا؛ فإنه تجب فيه التاء، أما هذا فالذي سوغ عدم ذكر التاء أنها جمع، فجاز فيه تأنيث الفعل وعدم تأنيثه، والذكر الحكيم هنا قد جاء بالوجه الآخر الفصيح فيه.
نأتي لمسألة الخبر، الخبر: الأصل فيه -كما قلنا- إن الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة، الأصل في الخبر أن يكون مفردا، المبتدأ لا يكون إلا مفردا، إذا قلنا مفرد في باب المبتدأ والخبر فليس المراد به ما ليس مثنَّىً ولا جمعًا، وإنما المراد ما ليس جملة ولا شبه جملة، فهو قسيم الجملة وشبه الجملة، فلذلك عندما نقول: زيد وزيدان وزيدون هؤلاء نعدها مفردات؛ لأنها ليست جملا ولا أشباه جمل، فهذا مقصودنا في الإفراد هنا في باب المبتدأ والخبر، وكذلك في باب الموصول -الذي ذكرناه من قبل- المراد بالإفراد التركيبي وهو ما لم يكن جملة ولا شبه جملة. المبتدأ لا يكون إلا مفردا، يعني ما يكون جملة ولا يكون شبه جملة، يقع واحدا مفردا مثنى وجمعا وهذه كلها تسمى مفردات في هذا الباب، لكنه لا يقع جملة ولا شبه جملة، أما الخبر فإنه يقع جملة ويقع شبه جملة، ولكن الأصل فيه أن يكون مفردا.
"أنت كريم"، "أنت" مبتدأ و"كريم" خبر وقد وقع كل واحد منهما مفردا.
لكن في الخبر أن تجعله جملة: "أنت تؤمن بالله" "أنت" مبتدأ و"تؤمن" جملة فعلية فعل والفاعل "أنت" و"بالله" جار ومجرور متعلق بالفعل، والجملة الفعلية هي الخبر، وقع الخبر جملة.(1/15)
"أنت في الدار" في الدار جار ومجرور.والجار والمجرور من أنواع أشباه الجمل، شبه جملة، فوقع الخبر شبه جملة. "أنت عند أخيك" "عند" ظرف شبه جملة، فوقع الخبر شبه جملة، إذن المبتدأ لا يكون إلا مفردا؛ أي ليس جملة ولا شبه جملة، وأما الخبر فيكون جملة ويكون شبه جملة.
إذا جاء الخبر جملة فلكونه يكون جملة داخل جملة، لأن عندنا جملة المبتدأ والخبر، وعندنا جملة الخبر نفسه، احتاج الأمر لنوع من الربط بين هذه الجملة الواقعة خبرا، وهذا المبتدأ المذكور قبلها. لما كنا نقول: "محمد كريم" أو "هذا زيد" لم يحتج الأمر إلى رابط؛ لأنه عبارة عن مفردين والأمر واضح وهما متلاصقان أحدهما أسند إلى الآخر، لكن لما جاءت جملة داخل جملة، جملة كبرى هي المبتدأ مع خبره الجملة، والجملة والصغرى وهي جملة الخبر، احتاج الأمر إلى نوع من الربط حتى نثبت الإسناد بين المبتدأ والخبر.
المقصود بالربط أن يكون في جملة الخبر ما يربطها بالمبتدأ المذكور من قبل، كيف ذلك؟
عندما نقول: "عبد الله أبوه كريم"، "عبد" مبتدأ، ولفظ الجلالة مضاف إليه، "أبوه كريم"، "أبوه" مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف، والهاء مضاف إليه، "كريم" خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة، الجملة الاسمية في محل رفع خبر للمبتدأ الأول وهو "عبد الله"، هذه الجملة التي جاءت وطالت احتاجت لأن تُربط بالمبتدأ السابق حتى يعلم أنها خبر له، والرابط هنا هو الضمير "أبوه"، أبو من؟ أبو عبد الله، فالهاء في قولنا: "أبوه كريم" تعود على المبتدأ السابق، إذن لا بد في الجملة الواقعة خبرا من رابط يربطها بالمبتدأ. أهم هذه الروابط أو أكثرها استعمالا في اللغة العربية هو الضمير، أن يكون عندنا ضمير يعود على المبتدأ.(1/16)
قد يكون الرابط غير الضمير، وهذا قليل، الأكثر فيه؛ أي الرابط أن يكون ضميرا، في قول الله -سبحانه وتعالى- ? وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ?، "لباس" مبتدأ وهو مضاف، و"التقوى" مضاف إليه، "ذلك خير" "ذا" اسم إشارة وهو مبتدأ، و"خير" خبر، والجملة الاسمية من المبتدأ والخبر خبر للمبتدأ الأول "لباس"، هنا وقع الخبر جملة فاحتاج إلى أن يربط بالمبتدأ، ما الرابط؟ الإشارة؛ لأنك إذا قلت "ذلك" تشير إلى لباس التقوى فأشرت إليه فهذا رابط، كأنك أعدت إليه الضمير.
كذلك عندما ننظر إلى قول الله سبحانه تعالى: ? الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ? ? الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ?، "الحاقة" مبتدأ، "ما" استفهامية مبتدأ ثاني، و"الحاقة الأخرى" خبر، والجملة الاسمية من المبتدأ والخبر "ما الحاقة" خبر للمبتدأ الأول "الحاقة". والذي ربط بينهما، هنا ليس فيه ضمير يعود إلى الحاقة الأولى، وليس فيه اسم إشارة، ولكن أعدنا المبتدأ كما هو بلفظه "الحاقة ما الحاقة" فما دام أعيد بلفظه في جملة الخبر كفى ذلك عن الرابط، بل هو أوضح من الضمير؛ لأن الضمير عبارة عن تكنية عن الاسم السابق، وأما هذا فقد جيء به برأسه بلفظه فأغنى عن الربط.(1/17)
كذلك عندما تقول: "زيد نعم الرجل". "زيد" مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. "نعم" فعل ماضي جامد يفيد المدح مبني على الفتح، و"الرجل" فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والجملة الفعلية في محل رفع خبر لزيد. ما الرابط بينهما؟ ليس فيه ضمير، وليس فيه إشارة، وليس فيه إعادة للمبتدأ لم يتكرر كلمة زيد ولكن عندما نقول: "نعم الرجل" "أل" هذه في قولنا "الرجل" هذه التي هي للجنس للاستغراق للعموم شاملة لكل أفراد الجنس، فهي تشمل زيد السابق وتشمل غيره، فهذا الشمول لزيد كفى عن إعادة الضمير إليه؛ لأنها شاملة له، فكأنا أعدناه بإعادة جنسه كاملا بإعادته هو مع غيره، فكأنا أعدناه مع غيره من الرجال، فأغنى هذا عن الرابط.(1/18)
قال العلماء هذا الاشتراط أن يكون هناك رابط في جملة الخبر يعود على المبتدأ، يكون إذا لم يكن المبتدأ هو الخبر بعينه، فلو كان المبتدأ هو الخبر بعينه في المعنى لم يحتج إلى رابط، في قول الله -سبحانه وتعالى-: ? قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ?، "هو" ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ، "الله أحد" "الله" مبتدأ، لفظ الجلالة مبتدأ ثاني مرفوع، "أحد" خبر، والجملة الاسمية هي خبر للمبتدأ الأول "هو"، هنا.. ليس هناك ضمير يربط بين الجملة الاسمية التي هي الخبر بالمبتدأ، ولا إشارة، ولا عموم، و لم يُعَد المبتدأ بلفظه، ولكن لو تأملنا التقدير "قل هو"؛ أي الشأن الذي نحن بصدد الحديث عنه أن الله واحد أحد، فالشأن أن الله أحد، وأن الله أحد هو الشأن الذي نتكلم فيه، فالحقيقة أن المبتدأ هو الخبر نفسه، فنحن أعدناه بمعناه؛ لأنه هو نفسه بمعناه، فلم يحتج إلى رابط. ولذلك قالوا: إن في قول للرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: (أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبل لا إله إلا الله) طبعا "أفضل" مبتدأ وهو مضاف، و"ما" اسم موصول؛ أي الذي قلته، وجملة "قلته" هذه صلة الموصول، طبعا "ما" مضاف إليه مجرور في محل جر، الموصول في محل جر، "لا إله إلا الله" هذه جملة اسمية، جملة لا النافية للجنس مع اسمها وخبرها هذه جملة الخبر، و ليس في هذه الجملة رابط يربطها بالمبتدأ "أفضل"، ولكن لو تأمل المتأمل لوجد أن المبتدأ هو الخبر؛ لأن أفضل ما قيل هو لا إله إلا الله، ولا إله إلا الله هو أفضل ما قيل، فكأنه هو هو فلم يحتج إلى رابط، إذن إذا وقع الخبر جملة وجب أن يرتبط بالمبتدأ، وأكثر الرابط وجودا في كلام العرب هو الضمير، وهناك روابط أخرى، وقد يستغنى عن الرابط إذا كان المبتدأ هو الخبر في المعنى.(1/19)
يبقى أن يقع الخبر شبه جملة، وهو الظرف أو الجار والمجرور، سواء كان هذا الظرف زمانيا أو مكانيا، ففي قولك مثلاً: "محمد في الدار" "في الدار" هذا جار ومجرور، شبه جملة، وفي قولك: "محمد عندي" "عند" ظرف مكان، والظروف أشباه جمل، فهو في محل رفع خبر، أو قولك: "الصوم اليوم" "الصوم" مبتدأ، "اليوم" ظرف زمان فهو أيضا شبه جملة، فيقع الخبر ظرفا أو يقع جارا ومجرورا، وهذا ما يسميه العلماء شبه جملة، وهذا هو النوع الثالث من أنواع الخبر.
التقدير عندما نقول: "محمد في الدار" أو "محمد عندك": يقول العلماء تقديره استقر أو مستقر، لأن الأصل أن يكون الخبر مفردا، وما دام الأصل أن يكون الخبر مفردا فنقدر له مفردا "مستقر"، فعندما نقول: "محمد في الدار"؛ أي "محمد مستقر في الدار"، وكذلك "محمد عندك"؛ أي مستقر عندك إلى آخره.
إذن تبين الآن أن المبتدأ لا يكون إلا مفردا وأن الخبر يقع مفردا ويقع جملة ويقع شبه جملة، وقد عرفنا ماذا يُشترط لذلك كله أو ما الذي -نعم فيما- يتعلق باحتياج إلى رابط يربط جملة الخبر بالمبتدأ.
بقي أمر يتعلق أيضا بالخبر، نحن عندما نقول: "محمد كريم" الخبر هنا "كريم" وهو كما ترون خبر واحد، نقرأ قول الله -سبحانه وتعالى-: ? وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ? هنا عندنا أخبار وليس خبرا واحدا، "وهو الغفور" "هو" مبتدأ، "الغفور" خبر، "الودود" خبر أيضا، "ذو العرش" خبر، "المجيد" خبر، "فعال" أيضا خبر، هذه خمسة أخبار أخبر عن مبتدأ واحد بخمسة أخبار، الأصل أن يكون الخبر واحدا، ويجوز أن يتعدد، تقول: "أنت شاعر خطيب" فأخبرت عن المخاطب الضمير "أنت" بخبرين، وهذا جائز، الأصل إذن أن يكون الخبر واحدا ويجوز أن يتعدد، هذا يسمونه (تعدد الخبر) وهذا جائز وموجود في كلام العرب.(1/20)
لكن انظر إلى مثل... عندما نقول: "زيد شاعر وكاتب" هنا: "زيد" مبتدأ، "شاعر" خبر، لا نستطيع أن نقول كاتب أيضا خبر؛ لأن عندنا واو عطف، فإذن نعربه معطوفا ولا نعربه خبرا، شرط الخبر أن يأتي مباشرة بدون حرف عطف، فلو جاء بعد حرف عطف ما كان خبرا. عندما نقول: "الرجلان أو الزيدان شاعر وكاتب" كذلك معطوف بعضها على بعض، إضافة إلى أن شاعر وكاتب هذه لا يصح أن يكون واحد منهما خبر عن الجميع؛ لأن شاعر هذه لأحدهما وكاتب لأحدهما، فهذا ليس من تعدد الخبر.
قولهم في كلام العرب: "الرمان حلو حامض" هنا وإن كان في الصورة أو في الصناعة عن تعدد الخبر، أن "حلو" خبر أول و"حامض" خبر ثاني، إلا أنه في الحقيقة خبر واحد لأن التقدير أنه يجمع بين الميزتين أو بين الطعمين، وهو ما يسميه العرب بالمز، المز هو الذي يجمع بين الحلاوة والحموضة فهو في منزلة بينهما، فهو وإن كان في الصورة متعدد الخبر إلا أنه في الحقيقة خبر واحد يشملهما.
إذن تعدد الخبر يشترط فيه أن لا يكون هناك عطف، وأن لا يكون الأخبار كل واحد منهما لواحد من المبتدآت إذا كان المبتدأ مثنى أو مجموعا، وأن لا يكون الخبران يؤديان معنى واحدا يكون هو الخبر في الحقيقة هذا الواحد، إذا تبين هذا اتضح أن الخبر يكون مفردا وهو الأصل ويتعدد بشرط ألا تعطف هذه الأخبار بعضها على بعض.
هلا تفضلتم بطرح أسئلة هذه المحاضرة؟.
السؤال الأول:
نقول ما الفرق بين المبتدأ الصريح والمبتدأ المؤول؟
والسؤال الثاني:
يقع الخبر مفردا وجملة وشبه جملة ولا يقع المبتدأ إلا مفردا. مثل لذلك؟(1/21)
لغة عربية - المستوى الرابع
الدرس السادس عشر
تابع باب المبتدأ والخبر(النواسخ)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحديث -إن شاء الله تعالى- سيكون في إتمام باب المبتدأ والخبر ثم البدء بما ينسخ حكمهما، على أنه كما اعتدنا في مثل هذا اللقاء أن ما يأتي من استفسارات لغوية أو نحوية يمكن الجواب عليها مما تعم به الفائدة، ولا يؤثر على سير شرح المتن الذي نحن بصدد شرحه، وإن كان هناك حاجة للاستعراض السريع لجواب أو جوابين لسؤالي الحلقة الماضية حتى لا نغفلها.
في الحلقة الماضية كان السؤال الأول: قد يكون المبتدأ اسما صريحا مثل زيد قائم، وقد يكون مصدرا مؤولا بالاسم مثل قوله تعالى: ?وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ?، والتقدير: صيامكم خير لكم، فيعرب المصدر المؤول "أن تصوموا" في محل رفع مبتدأ.
الأخ الكريم أجاب إجابة السؤال الثاني يقول: يقع الخبر مفردا وجملة وشبه جملة ولا يقع المبتدأ إلا مفردا مثل لذلك؟
الإجابة: المبتدأ لا يكون إلا مفردا، ومعنى مفردا؛ أي ليس جملة ولا شبه جملة، ولكنه قد يكون مثنى أو جمعًا، وهو بذلك يكون مفردا أيضا؛ لأن المقصود بالإفراد هو الإفراد التركيبي مثل: الرجل كريم، الرجلان كريمان، الرجال كرماء، أما الخبر فالأصل فيه أن يكون مفردا مثل: الرجل كريم، وقد يقع جملة مثل: أنت تؤمن بالله، فالخبر هنا هو الجملة الفعلية "تؤمن بالله" وقد يقع شبه جملة مثل: "محمد في الدار" الخبر هنا هو "في الدار" شبه جملة جار ومجرور، وقد يقع شبه جملة ظرف مثل: "محمد عندك" فالخبر هنا هو "عندك" شبه جملة ظرف.
الإجابة صحيحة وطيبة وتدل على المتابعة.(1/1)
من متممات الحديث عن باب المبتدأ والخبر، نحن نعرف أن التركيب الأصلي لجملة المبتدأ والخبر أي يأتي المبتدأ أولا ثم بعد ذلك يأتي الخبر، هذا هو ترتيب الجملة الاسمية، كما أن ترتيب الجملة الفعلية أي يأتي الفعل أولا ثم يأتي الفاعل بعده، ولكن قولنا: إن الأصل أن يأتي المبتدأ أولا ثم الخبر بعده، لا يعني أن هذا الأمر حتم لازم، فقد يأتي من المسوغات البلاغية التي يريدها المتكلم ما يدعو إلى مخالفة هذا الأصل، فيتقدم الخبر على المبتدأ، وهذا أمر ممكن وجائز وإن كان خلاف الأصل.
عندما نقول مثلاً: "في الدار زيد" طبعا "زيد" هو المبتدأ وهو متأخر، و"في الدار" جار ومجرور خبر مقدم، أنت تقول: "زيد في الدار" هذا هو الأصل، "زيد" مبتدأ و"في الدار" خبر.
ولك أن تقدم الخبر فتقول: "في الدار زيد" وهذا أمر جائز، وإن كان الأصل بخلافه وهو الترتيب، وقد يدعو إلى هذا التقديم داعي؛ كأن تريد العناية بهذا الخبر، يسأل سائل ويقول: أين زيد؟ فتقول: في الدار زيد، فتقديمه للعناية به، فإذن هناك مقصد بلاغي من هذا التقديم، وهو على كل حال أمر جائز.
عندما ننظر إلى قول الله -سبحانه وتعالى-: ?سَلاَمٌ هِيَ? فنقول: إن "سلام" هذه خبر مقدم، و"هي" مبتدأ مؤخر، التقدير: "هي سلام" ?وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ?، "آية" خبر مقدم، و"الليل" مبتدأ مؤخر؛ لأن التقدير: "الليل آية لهم".
أنا سأسأل سؤالا أستطلع منه مدى براعة بعض الإخوة والأخوات المشاهدين والمشاهدات فيما يتعلق بالأمثلة التي ذكرتها، أنا ذكرت ثلاثة أمثلة أذكرها مرة أخرى: "في الدار زيد"، ?سَلاَمٌ هِيَ? الآية ?وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ?.(1/2)
أنا أقول: لماذا قيل: إن الخبر مقدم في هذه الأمثلة؟ لماذا قلنا: إن المتقدم هو الخبر والمتأخر هو المبتدأ؟ لماذا لم نقل العكس؛ أن المتقدم هو المبتدأ والمتأخر هو الخبر، والجملة في سياقها الأصلي، فما الذي دعانا في أن نقول: إن في الجملة تقديما وتأخيرا؟ أعيد مرة ثانية الأمثلة، أقول فيها: لماذا قلنا: إن المبتدأ تأخر عن الخبر، ولماذا لم نجعل المتقدم هو المبتدأ على الأصل والمتأخر الخبر، الأمثلة: "في الدار زيد"، ?سَلاَمٌ هِيَ?، ?وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ?.
إذا كان هناك أحد عنده استطاعة على الإجابة سواء عن طريق الإرسال أو الكتابة أو عن طريق الاتصال فهذا فيه شحذٌ للذهن.
أواصل بأن أقول -كما قلنا في مسألة التقديم والتأخير- أنه يمكن التقديم ويمكن التأخير للمبتدأ والخبر، وإن كان الأصل تقديم المبتدأ على الخبر فكذلك الذكر والحذف، الأصل أن نذكر المبتدأ ونذكر الخبر، ولكن نحن نعرف أن من مقاصد البلغاء الاختصار، فإذا كان الشيء واضحا فالأصل أن يختصر بألا يذكر، متى دل على شيء دليل حذف ولم يحتج إلى ذكره، ولذلك تعرفون أنه إذا أمكن أن نؤدي المعاني بأقصر الأساليب فهذا مطلب، ومن هنا كان الإتيان بالضمير المتصل أولى من الإتيان بالضمير المنفصل؛ لأنه أكثر اختصارا. إذن الحذف أكثر اختصارا من الذكر متى كان المحذوف معروفا، أما إن كان المحذوف مجهولا فحذفه يعتبر عيب وإبهام على السامع فلا بد من ذكره، إذن يكون الحذف محمودا إذا كان معلوما، أما إن كان مجهولا فلا بد من ذكره لأن الإيضاح مطلب.(1/3)
أقول هنا: إن المبتدأ والخبر الأصل فيهما أن يذكرا، ولكن إذا دل دليل عليهما على واحد منهما أو عليهما معا؛ جاز حينئذ حذف ما كان عليه دليل. ننظر مثلاً في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ?، "النار" هنا خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: "هي النار"؛ أي التي هي شر مما ذكر، "النار". "هي النار" وطبعا دل على قولنا "هي" السؤال ?أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ? فلما دل الدليل على المبتدأ جاز حذفه.
كذلك في قول الله -سبحانه وتعالى- في أول سورة: ?سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَ?، التقدير: "هذه سورة أنزلناها" فـ "سورة" خبر لمبتدأ محذوف. حذف المبتدأ "هذه" لماذا حذف؟ لأنه واضح ومعلوم، فلذلك حذف واقتصر على الخبر لأنه دل دليل في الذهن وفي الفهم على المبتدأ. من هنا يأتي أيضا فائدة، طلبة العلم يقرؤون دائما في أول الأبواب والكتب، في الكتب العلمية "باب الآنية".
"باب" ويقول بعضهم: لماذا نرفع نقول بابُ؟ نقول: هذا من حذف المبتدأ، التقدير: "هذا باب" فهو خبر لمبتدأ محذوف، وحذف المبتدأ لفهمه. "كتاب النكاح"؛ أي هذا كتاب، فهو مرفوع وهو خبر لمبتدأ محذوف تقديره "هذا" لأنك في مجال إيضاحه وشرحه وقراءته فكأنك تشير إلى الباب نفسه أو للكتاب أو لفصل من فصول العلم الذي أنت بصدده.
هذا في ما يتعلق بحذف المبتدأ كما ترون وقد يحذف الخبر أيضا إذا دل عليه دليل.
تقول: "سلام هي"، "وآية لهم الليل" "آية" و"سلام" نكرتان ولا يجوز أن يكون المبتدأ نكرة، في المثال الثالث "في الدار زيد" أيضا "في الدار" شبه جملة ولا يجوز أن يكون المبتدأ شبه جملة
إجابة تامة وما بعدها شيء.
تقول: لأن المبتدأ يجب أن يكون مفردا أما الخبر فيجوز أن يكون مفردا وجملة وشبه جملة
تقول: لأن "في الدار" شبه جملة لا يكون مبتدأ، و"سلام" خبر لأنها متمة للفائدة، و"آية" نكرة فلا تكون مبتدأ.
و"سلام" كذلك نكرة نفس القضية.(1/4)
الإجابة صحيحة وتامة.
أيضا فيما يتعلق بالخبر؛ أعني حذف الخبر، الأصل ذكره، لكن قد يحذف أيضا إذا دل دليل عليه، في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?أُكُلُهَا دَائِمٌ وِظِلُّهَ?، أخبر -سبحانه وتعالى- عن أُكُل الجنة أنه دائم، وأخبر عن ظلها أيضا أنه دائم، أيضا مثل ما سبق، فبدل أن يقول: أكلها دائم وظلها دائم، قال: "أكلها دائم وظلها"؛ أي دائم؛ لأنه دل خبر السابق المبتدأ الأول على خبر الثاني فلم يحتج إلى ذكره، فاختصر بحذفه، فحذف الخبر لأن هناك دليل.
كذلك قول الله -سبحانه وتعالى-: ?قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ? أأنتم أعلم؛ أي أم الله أعلم، فـ "الله" مبتدأ وخبره محذوف لدلالة خبر المبتدأ الأول عليه، لأنه مر ما يدل عليه.
يقول العلماء في قول الله -سبحانه وتعالى- في قصة إبراهيم مع الملائكة؛ ضيفه الذين دخلوا عليه: ?سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ?، يقول هنا: "سلام" هذه جملة، و"قوم" جملة أخرى، وقد حذف جزء من الجملة الأولى، وحذف جزء من الجملة الثانية، التقدير: "سلام عليكم" هذه جملة، "قوم" التقدير: "أنتم قوم" فحذف من الأولى الخبر "سلام عليكم" وحذف من الثانية المبتدأ "أنتم قوم" فاجتمع هنا حذف المبتدأ والخبر للدلالة لأنها واضحة الأمر فيها.(1/5)
من الأمور المفيدة في هذا المجال، العلماء يقولون: إن سلام إبراهيم على الملائكة أبلغ من سلامهم عليه هم ?دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَمًا? بالنصب ?قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ? فرفع "سلام"، قالوا: وجه كون تحية إبراهيم أبلغ من تحية الملائكة، ذكروا وجوها فمن الوجوه التي ذكروها أنهم قالوا: إن النصب على أنه مفعول مطلق؛ أي أسلم سلاما، وإذا كان مفعولا مطلقًا فالجملة فعلية؛ لأن المفعول المطلق يحتاج إلى فعل قبله أسلم سلاما، أما إذا قلت: سلامٌ بالرفع فمعنى ذلك أنها جملة اسمية، وقدروا: "أمري سلام"، أو "سلام عليكم"، فهي في الحالين جملة اسمية. قالوا: إن الجملة الاسمية تدل على الثبات والجملة الفعلية تدل على الحدوث، وما يدل على الثبات والبقاء أبلغ مما يدل على الحدوث والتجدد. هذا مما ذكروه من وجوه كون تحية إبراهيم أبلغ من تحية الملائكة.
ومما ذكروه مما يدخل في موضوعنا الآن أنهم قالوا: إن تحية إبراهيم أبلغ؛ لأن قوله تعالى: ?سَلاَمٌ?، هذه نكرة فجعلوها مبتدأ، "سلام عليكم" معناها: أننا ابتدأنا بنكرة وليس هناك مسوغ إلا أن يقدر مسوغ مأخوذ من المقام؛ أي سلام كثير وافر يليق بكم، وصف لهذا المبتدأ، وإذا وصف المبتدأ النكرة فهذا مخصص له أصبحت نكرة خاصة فجاز أن يبتدأ بها، أحد مسوغات الابتداء بالنكرة أن توصف -كما قلنا من قبل- عندما نقول: رجل من الكرام عندنا، وصفناه بأنه من الكرام فجاز الابتداء به، فكذلك هنا يقال: إن التقدير: سلام كثير وافر يليق بكم عليكم، هذا إذا قدرنا "سلام" مبتدأ فنقدر معه وصف، فإذا قدرنا وصفا بأن قلنا: سلام كثير وافر، أصبح هذا السلام فيه من البلاغة والكثرة ما هو أكثر من تحية الملائكة، هذا أحد الوجوه مما ذكره العلماء في ترجيح أو تقوية سلام إبراهيم على ضيفه من الملائكة على سلامهم عليه.(1/6)
هذا ما يتعلق بالحديث عن المبتدأ والخبر، وقد أفضنا فيه في قرابة ثلاث حلقات مما ذكرنا أهم الوجوه فيه، وإن حذفت أو تركت بعض التفصيلات الأخرى التي لا يتعلق بها كثير فائدة وبالذات لطالب العلم المبتدئ أو الذي يعنى بمهمات الأمور في مثل هذا الباب.
أنتقل بعد ذلك لموضوع يتعلق بالمبتدأ والخبر وهو نواسخ هذا الحكم؛ يعني حكم المبتدأ والخبر، والنواسخ تحتاج إلى نوع من التفصيل والبيان.
نأخذ أسئلة هنا يقول: "الكراس اليومي" هل تصح هذه الكتابة؛ أي كراس الأستاذ اليومي. الكراس نقطتان رأسيتان؟
"الكراس اليومي" إذا وصفته بهذا أنه منسوب إلى اليوم فجاز ذلك أن يكون وصف له.
العبارة هي: "كراس الأستاذ اليومي" يكون وصفا للكراس وهو معرفة حينئذ؛ لأنه أضيف إلى معرفة فجاز وصفه ونعته بالمعرفة.
تقول: عن إعراب قول الله تعالى: ?رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ?؟(1/7)
هنا "رب" ونحن نعرف أن "رب" أو يعرف كثير منكم أن "رب" حرف جر في الأصل، لكنها إذا دخلت عليها "ما" فالأصح فيها أنها تكفها عن العمل، و"رب" عند العرب تشدد أحيانا فيقال: "رُبَّمَا" وتخفف أحيانا فيقال: "رُبَمَا" فالأمران واردان عن العرب وكلاهما فصيح، جاءت الآية على النوع الآخر وهو التخفيف، لما دخلت "ما" كفتها عن العمل في الآية، ودليل كفها عن العمل أنها دخلت على الجملة الفعلية "ربما يود"، ولو كانت "رب" عاملة لدخلت على جملة اسمية فجاء بعدها اسم مجرور، فوجود الجملة الفعلية بعدها دليل على أنها قد كفتها "ما" عن العمل، ولم تعد جارة ولم تعد مختصة أيضا بالأسماء، فدخلت على الجملة الفعلية، حينذاك نعرب الجملة الفعلية الإعراب الأصلي: ?يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُو? "يود" فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، و"الذين" اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل، و"كفروا" كفر فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، وإلى آخر الآية، يعني يكتفي بهذا لعلها تسأل عن هذا، إن كانت تريد المزيد من التفصيل فصلت لها.
لم تبين ذلك يا شيخ لكن فيما ذكرت -إن شاء الله- لعله يكفي الأخت الكريمة
تقول: تسأل عن إعراب هذه الجملة عندي اثنان من الطلاب؟(1/8)
هذا من موضوعنا الذي كنا فيه منذ قليل، نحن اتفقنا على أن "عند" ظرف مكان، وإذا جاءت من الجملة الاسمية أحد ركنيها ظرف تبين أن الظرف هو الخبر، لأن المبتدأ لا يكون شبه جملة، فإذن "عندي": "عند" ظرف مكان في محل نصب، وهو موضعه هنا خبر مقدم في محل رفع وهو مضاف، طبعا كسر وهو منصوب، هو ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة، ولكن لم يفتح لاتصاله بياء المتكلم؛ لأن ياء المتكلم توجب كسر ما قبلها، فإذن هو منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة لهذه الياء، وهو في محل رفع خبر مقدم وهو مضاف، والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه، "اثنان" مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى، و"من الطلاب" هذه صفة لـ "اثنان"؛ لأن "من" حرف جر والطلاب اسم مجرور، والجار والمجرور في محل رفع صفة للمبتدأ "اثنان"، وهنا -كما ترى- قد جاز أن يبتدأ بالنكرة وهو "اثنان" لأنها موصوفة أولا، وأيضا قد تقدم عليها الخبر، والنكرة يسوغ الابتداء بها أن توصف أو أن يتقدم عليها خبرها.
يقول: يسأل عن أفعال الرجاء ويسأل كذلك عن إعرابها، ولماذا سميت بأفعال الرجاء؟(1/9)
أفعال الرجاء مثل: أوشك وعسى واخلولق وهي من ما يعمل عمل كان، ومثل أفعال المقاربة التي هي عندنا، أفعال المقاربة وأفعال الشروع وأفعال الرجاء، وأفعال المقاربة مثل: أوشك وكاد، وأفعال الرجاء مثل ما ذكرناه من اخلولق وعسى، وأفعال الشروع مثل: بدأ وشرع وأخذ وطفق إلى آخره. وهي تعمل عمل كان عمل أفعال الناسخة ولها تفصيل في باب النواسخ، وسميت أفعال الرجاء لأنها تدل على رجاء حصول الفعل، كما أن أفعال الشروع سميت أفعال الشروع؛ لأنها تدل على الشروع فيه فطفق يفعل كذا، طفقا يخصفان عليهما، فطفقا مسحا، أي بدأ في ذلك وشرع فيه، وكذلك أفعال المقاربة؛ لأنها تدل على قرب حصول الشيء مثل: كاد وأوشك، وكلها -كما قلت- تعمل عمل النواسخ، والنواسخ هي موضوعنا الذي سنبدأ فيه -إن شاء الله تعالى- الآن.
على بركة الله تعالى يا شيخ
النسخ في الأصل في اللغة هو الإزالة، فنقول: نسخت الشيء؛ أي أزلته والله -سبحانه وتعالى- ينسخ ما يشاء من آياته؛ أي يزيل حكمها، أو أحيانا تزال حكمها وتبقى تلاوتها، وأحيانا تزال تلاوتها وحكمها، فالنسخ موجود وأيضا مما يعلمه علماء أصول الفقه أن السنة تنسخ بالقرآن، والقرآن ينسخ بالسنة، والقرآن ينسخ بالقرآن، والسنة تنسخ بالسنة، فالنسخ موجود أحد الأبواب المعروفة، ومعنى ذلك إزالة الحكم، فإذا قلنا: إن هذا الحكم منسوخ؛ يعني أنه قد زال هذا الحكم ولم يعد معمولا به، هذا الأصل فيه.
العرب تقول: نسخت الشمس الظل، إذا أزالته، كان الظل موجودا ثم جاءت الشمس فنسخت هذا الظل أي أزالته.(1/10)
فالنسخ إذن في الأصل هو الإزالة، أما في موضوعنا الآن فالقضية لها تعلق أيضًا بهذا المعنى اللغوي، لأن عندما نقول إن هذه نواسخ، وإنها في باب المبتدأ والخبر أنها تنسخ حكم المبتدأ والخبر، المبتدأ والخبر حكمهما الرفع، فإذا جاء شيء ينسخ هذا الحكم سميناه ناسخا، وهي أدوات بعضها أفعال ناسخة، وبعضها حروف ناسخة، وعملها أنها تزيل حكم المبتدأ والخبر أو حكم أحدهما. نحن نعرف عندما نقول مثلا: "العلم نافع" طبعا هما مرفوعان -كما نرى الآن- مبتدأ وخبر، قد يأتي من النواسخ ما يزيل حكم الخبر ويبقي المبتدأ مرفوعا، وهي كان وأخواتها وتسمى الأفعال الناسخة، فأقول: كان العلمُ (بقي العلم مرفوع) نافعا، فأنصب الخبر. فزال حكمه وهو الرفع.
ومنها ما يزيل حكم الأول وهو المبتدأ، وذلك إن وأخواتها، فأقول: إن العلمَ (فأصبح العلم منصوبا بعد أن كان مرفوع) نافع، وأبقي الخبر مرفوعا فنسخ الحكم الأول. وهناك ما يزيل حكمهما معا، وذلك ظن وأخواتها، فأقول: ظننت العلمَ نافعًا، فنصبتهما معا بعد أن كانا مرفوعين.
إذن النواسخ هي ما تزيل أو ما يزيل حكم أو رفع المبتدأ والخبر أو رفع أحدهما، فيصبح منصوبا بعد أن كان مرفوعا، فمن النواسخ ما يزيل أو ينسخ رفع المبتدأ فينصبه، ومن النواسخ ما يزيل رفع الخبر فيصبح منصوبا، ومن النواسخ ما يزيل حكم الاثنين معا فينصبهما معا.
موضوعنا الآن في أول هذه النواسخ وهو ما يزيل حكم الخبر، وذلك كان وأخواتها وتسمى (الأفعال الناقصة) هذه الأفعال هي ثلاثة عشر فعلا تدخل على المبتدأ والخبر.(1/11)
إذن حديثنا لا يزال في امتداد الكلام على المبتدأ والخبر، ونسخ حكم المبتدأ والخبر، فهي أدوات أو أفعال، هي أفعال ثلاثة عشر تدخل على المبتدأ والخبر، فتبقي المبتدأ مرفوعا ويتغير وصفه أو إعرابه، هو مرفوع ولكن لم يعد مبتدأ ولكن يقال: إنه اسم لهذه.. اسم كان أو اسم أخواتها أيضا، وأما الخبر فإنه ينصب بعد أن كان مرفوعا ويسمى خبرا لهذه الأفعال.
معنا اتصال تقول: يقول تعالى: ?قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ? لماذا جاز الابتداء بالنكرة هنا، وكذلك في قوله تعالى: ?لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ?؟
نعم، هذا مما سبق ذكره في مسوغات الابتداء بالنكرة فـ "قتال" هنا وصف بأنه كبير، فساغ الابتداء به؛ تخصصت النكرة، وكذلك "مثوبة من عند الله" فوصفت بأنها من عند الله، فلما تخصصت بالوصف جاز أن يبتدأ بها، ومن مسوغات الابتداء بالنكرة أن تتخصص بالوصف، وفي الحالين هنا في مثل الآيتين قد تخصصت النكرة بوصفها.
أقول: إن الأفعال الناسخة وهي ما يرفع حكم الخبر، هي كان وأخواتها ثلاثة عشر فعلا، أضرب مثالا: عندما نقول: "وكان الله قديرا"، "كان" أصلها: "الله قدير" أصل الجملة هو مبتدأ وخبر: "الله قدير" مبتدأ مرفوع وخبر مرفوع، دخلت عليه "كان" بقي المبتدأ مرفوعا، "كان الله" ولكن لا نعربه مبتدأ وإنما نعربه اسما لكان فنقول: اسم كان مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، فهو باقي على رفعه، ولكن تغير إعرابه، وأما الجزء الثاني وهو الخبر فلم يعد خبرا لمبتدأ وإنما أصبح خبرا لكان منصوبا فنقول: "قديرا" خبر كان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
هذه الأفعال الناسخة -كما قلت- التي تدخل على المبتدأ والخبر تبقي المبتدأ مرفوعا ولكنه يعرب اسما لها؛ اسما للناسخ، وتنصب الخبر ويصبح خبرا للناسخ هي ثلاثة عشر، يمكن أن أذكرها بصورة سريعة هي:
((1/12)
كان وصار وليس وأصبح وأضحى وظل وأمسى وبات وزال وفتئ وبرح وانفك ودام)، ثلاثة عشر فعلا، هذه الأفعال تدخل -كما قلت- على جملة المبتدأ والخبر فيبقى المبتدأ مرفوعا وينصب الخبر بعدها.
قال العلماء: إن هذه الأفعال الناسخة بعضها يشترط له شروط أو شرط لتعمل، وبعضها لا يشترط لها شيئا، مجرد دخولها على المبتدأ والخبر يعطيها حكم النسخ، من هذه الأفعال -كما قلت- يحتاج إلى شرط وهي ثمانية: (كان وصار وليس وأصبح وأضحى وظل وأمسى وبات)، هذه متى جئت بجملة مكونة من مبتدأ وخبر وأدخلت واحدا من هذه الثماني عليها مباشرة تعمل هذه الأفعال في المبتدأ والخبر فيرفع الاسم اسما لها وينصب الخبر خبرا لها.
تقول: ممكن أسأل عن قوله تعالى: ?لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ? لماذا قال الله: "لم تقولون" لماذا النون لم تحذف لأن قبلها لم؟
الأخت ظنت أن "لِمَ" هنا هي الجازمة، هي "لَمْ" وفرق بين "لِمَ" و"لَمْ" "لَمْ" حرف، و"لِمَ" هذه "لام" و"ما" الاستفهامية، حرف جر وما الاستفهامية، هي كلمتان عبارة عن "حرف جر" و"ما الاستفهامية" أصلها "ما" ثم دخلت اللام عليها، ونحن نعرف أن "ما" الاستفهامية إذا دخل عليها حرف من حروف الجر، أي حرف من حروف الجر تحذف ألفها فنقول في "عن ما" "عم" فنحذف ألفها، ونقول في (بدخول الباء) "بم" ونقول في إلى "إِلاَمَ" وعلى "عَلاَمَ" إلى آخره فنحذف ألفها إذا كانت "ما" الاستفهامية. كذلك الأمر هنا فهذه ليست جازمة ليست حرف جزم، ولكنها كلمتان حرف جر واسم استفهام مجرور بهذا الحرف، وما بعده جملة فعلية مرفوعة، فـ "تقولون" فعل مرفوع من الأفعال الخمسة وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه لم يتقدم عليه ناصب ولا جازم، هي فقط رأت صورة "لِمَ" على صورة "لم" فظنتها جازمة.
تقول: كيف يتم خروج الخبر عن مقتضى الظاهر في قوله تعالى: ?وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ?، كيف يتم خروج الخبر عن مقتضى الظاهر؟(1/13)
هي تسأل عن قضية بلاغية في قول الله تعالى: ?وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ?، كأنها تقول: إن الجملة خبرية، ولكنها في معناها معنى الإنشاء، فهي تنفي أنها تبرئ نفسها، إنها لا تبرئ نفسها وتثبت أن نفسها أمارة بالسوء، ولكن في الوقت نفسه هي لا تريد أن تخبر بهذا الخبر ولكنها تريد أن تصل إلى شيء آخر من ورائه، هذا من موضوع خروج الشيء عن ظاهره، فالأخبار أو الجمل إذا جاءت جملة خبرية تحتمل الصدق والكذب أحيانا يكون القائل لا يريد أن يتحدث بها، أن يخبر بها السامع، ولكنه يريد أن يوصل له فكرة معينة، يأتي بها على صورة الاستفهام، أو على سبيل الدعاء، أو على سبيل الرجاء، أو غير ذلك من أساليب الإنشاء، فهذا معنى أن الشيء يحمل من الخبر يأتي على غير مقتضى ظاهره، وهذا أحد المقاصد البلاغية المعروفة في مثل هذا الباب، أنه قد تأتي الأساليب الإنشائية وتحمل على غير ظاهرها أن يراد بها مقاصد أخرى، وكذلك تأتي الأساليب الخبرية فيقصد بها غير ظاهرها.
يقول: سؤالي إذا قلنا: إن الجملة في محل مصدر (مصدرية) هذه أشكلت علي ما فهمتها جيدا، هذا رقم واحد، رقم اثنين السؤال أريد من فضيلتكم التوجيه إلى كيفية مذاكرة اللغة العربية؛ حيث إني في السنة الثالثة في الأكاديمية وأجد بعض الصعوبة في مذاكرتها خلاف الفنون الأخرى.(1/14)
طبعا الفقرة الثانية من سؤال الأخ الكريم هي تتعلق بنوع من الوصية أكثر، طبعا هو معروف أن اللغة العربية وقواعدها ليست بالصعبة ولكنها كثيرة، وبعضها متصل ببعض، فعندما يكون الإنسان مفرطا في جزء منها فإنه لا يتقن الجزء الآخر، من هنا.. فأنت الآن في جملة تأتي بجملة واحدة تجد أنك عندما تعربها تدخل في باب المبتدأ والخبر، وفي باب الجار والمجرور، وأحيانا في باب الظرف، وتأتي أحيانا بصفة وتكون في باب النعت، أو تأتي بقسم أو غير ذلك، أو تأتي بناسخ من النواسخ، فكل أبواب اللغة العربية بعضها مرتبط ببعض، من هنا يأتي بعض الإشكال عند الإخوة، لكن أقول أنت الآن في الطريق الصحيح في باب التعلم، وأسال الله –سبحانه وتعالى- أن ينفعك، ووجود الهمة عند الإنسان أمر كاف بإذن الله بعد عون الله -سبحانه وتعالى- لأن يصل الإنسان لما يريد.
في مسألة المصدر المؤول عندما نقول مثلاً في الآية التي ذكرت قبل قليل وأجاب بها الإخوة في قوله تعالى: ?وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ?، كونه لم يظهر لك قضية المصدر، هنا "أن" حرف ناصب وبعده فعل مضارع وهو "تصوموا" وقد نصب الفعل المضارع وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة، وكما ترى أن تصوموا هذه جملة فعلة لأنها عبارة عن فعل والواو فاعل، هذه الجملة الفعلية مع "أن" الداخلة عليها لو أنا وضعنا في مكانها كلمة واحدة "مصدر" وهو الصوم أو الصيام لاستقام الكلام ففي قولنا: ?وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ?. لو جعلنا في مكانها "صومكم خير لكم" لاستقام الكلام، هذا معنى أن الجملة في تأويل مصدر؛ يعني أنه يصح أن نأخذ مصدر الفعل المذكور فنضعه في مكان الجملة الفعلية الموجودة فيستقيم المعنى ويقوم هذا المصدر مكانه، فكأن اسم قام مقام جملة، هذا معنى المصدر المؤول من الجملة، طبعا المصدر هذا نأخذه من الفعل الموجود ولا نأتي به من عند أنفسنا، لكنا نأتي به من الفعل الموجود في الجملة.(1/15)
تقول: عندنا ملاحظة بسيطة، لو تفضلتم باستخدام السبورة لتثبيت المعلومة نكون شاكرين، كما نرجو الإكثار من الأمثلة ليتضح المعنى أكثر، وجزاكم الله خير.
مقترح جيد وأرجو -إن شاء الله تعالى- أن تهيأ ذلك، لو وجدت السبورة لاستعنت بها وأرجو -إن شاء الله تعالى- أن تكون، وأعوض بدل ذلك بمحاولة الإيضاح والتبسط وسأكثر -إن شاء الله- من الأمثلة كما طلبت الأخت.
أقول: إن الأفعال الناسخة الثلاثة عشر التي تدخل جملة المبتدأ والخبر فترفع المبتدأ ويكون اسما لهذه الأفعال وتنصب الخبر بعد أن كان مرفوعا ويكون خبرا لهذه الأفعال، هذه الأفعال -كما قلت- بعضها على أنواع منها ما لا يشترط له شروط، مجرد مجيئه ودخوله على الجملة يغير وينسخ حكمها، فيجعل الخبر منصوبا بعد أن كان مرفوعا، وهذه الأفعال هي ثمانية: (كان وصار وليس وأصبح وأضحى وظل وأمسى وبات) لو جئنا بأي واحد من هذه الثمانية وجئنا بأي جملة اسمية مبتدأ وخبر، وأدخلنا هذا الفعل على الجملة مباشرة الخبر ينتصب بعد أن كان مرفوعا، مثلاً في مثال قولنا مثلاً: "الجو بارد" لو أدخلت كان بلا شروط، لا نحتاج أن نشترط في كان شروطا معينة ليصح أن تعمل هنا، آتي بـ "كان" أقول: "كان الجو (يبقى مرفوع) باردا" فأنصب الخبر، (خبرا له). آتي بـ "صار" "صار الجو باردا". ليس: "ليس الجو باردا". "أصبح" كذلك.. "أصبح الجو باردا" إلى آخره... فأنت ترى أن كل واحد من هذه الأفعال الثمانية مجرد دخوله على جملة المبتدأ والخبر نسخ حكم الخبر فنصب بعد أن كان مرفوعا.(1/16)
هناك أربعة من هذه الأفعال الناسخة لا بد أن يتقدم عليها شيء. وذلك: (زال وبرح وفتئ وانفك) قالوا: هذه الأفعال الأربعة يشترط أن يتقدم عليها نفي أو ما يشبه النفي، في قوله الله -سبحانه وتعالى-: ?وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ?، هنا كما ترون "زال"، طبعا "يزال" مضارع "زال" ومضارعها يعمل عمل ماضيها، وهذه فائدة: أنه "كان" تعمل و"يكون" يعمل و"كن" كذلك يعمل، و"الكون": "كونك كذا" أيضا يعمل، إذن ليس المقصود بالأفعال الناسخة فقط الماضي وإنما الماضي وما اشتق أيضا كالمضارع والأمر والمصدر وغير ذلك كلها تعمل عمل الماضي، فيشترط في هذه الأفعال: (زال وفتئ وبرح وانفك) أن يتقدم عليها شيء، هنا تقدم عليها النفي في قوله تعالى: "ولا يزالون"، لكن لو قلت: "يزالون مختلفين" ما تعمل؛ لأنه لم تقدم عليها نفي، ففي قولنا: ?وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ? هذه "يزال" اسمها هو واو الجماعة، وهو كما ترون في محل رفع، و"مختلفين" خبرها وقد نصب بعد أن كان خبرا مرفوعا أصبح هنا منصوبا، فنقول: خبر يزال منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم.
في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ?. هذه "برح" جاءت بصيغة المضارع، وهذا دليل على أن مضارع هذه الأفعال يعمل عمل ماضيها، وقد تقدم عليه لن، وهذا شرط العمل هنا، أن يتقدم عليها نفي، فنفيت بـ "لن"، ولما تحقق الشرط عملت فدخلت على المبتدأ والخبر فنسخت حكم الخبر، "لن نبرح عليه عاكفين" اسم نبرح ضمير تقديره "نحن"، "لن نبرح نحن" كان في الأصل مبتدأ، فهو في محل رفع، "عاكفين" خبر نبرح منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم.
قالوا: إذا تقدم نفي.... يعني شرطوا هذه الأربعة: أن يتقدم عليه نفي، أو ما يشبه النفي، يقصد بما يشبه النفي "النهي والدعاء" الدعاء في مثل: "ولا زال منهلا بجرعائك القطر".
ألا يسلمي من يا دار مي على البلى *** ولا زال منهلا بجرعائك القطر(1/17)
هو يدعو أن يستمر نزول المطر نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يغيث العباد والبلاد، هو يسأل أو يدعو أن يستمر نزول المطر على بلاد محبوبته التي يتكلم عنها فيقول: "ولا زال منهلا بجرعائك القطر" فـ "لا" هذه -كما ترى- هي دعائية لأنه يدعو باستمرار النزول، فقد تقدم على زال حرف يدل على الدعاء فتحقق شرطها، فإذن هي تنسخ الآن، "القطر" اسمها و"منهلا" خبرها، التقدير: "لا زال القطر منهلا"، وقد تقدم خبرها على اسمها: "لا زال منهلا بجرعائك القطر"، وهذا دليل أيضًا وفائدة، أنه قد يتقدم خبر النواسخ على اسمها، فلك أن تقدم وتؤخر، كما جاز أن تقدم الخبر على المبتدأ. وأصل اسم الناسخ وخبره هو مبتدأ وخبر، والناسخ نسخ حكمهما، فما دام أصلهما المبتدأ والخبر وقد جاز تقديم الخبر على المبتدأ، فإذن كذلك يجوز تقديم أخبار هذه الأفعال على أسمائها لأن أصلهما المبتدأ والخبر.
كذلك عندما يقول الشاعر:
صاح شمر ولا تزل ذاكر الموت فنسيانه ضلال مبين
و"لا تزل ذاكر الموت" هنا "لا" الناهية، فقد تقدم على "تزل" وهو مضارع "زال" "لا" الناهية، تقدم عليها نهي، وهو مما يسميه العلماء (شبه النفي)، وحينئذ تحقق شرطها فعملت أو نسخت حكم المبتدأ والخبر و"لا تزل ذاكر الموت" أصله "أنت ذاكرٌ" اسمها ضمير مستتر تقديره أنت، و"ذاكر" خبرها منصوب وعلامة نصبه الفتحة لأنه خبر لـ "يزال" وقد تحقق الشرط فتقدم عليها النهي. إذن إذا تقدم نفي أو ما يشبه وهو النهي والدعاء على (زال وفتئ وبرح وانفك) فإنها تعمل عمل "كان" فترفع الاسم وتنصب الخبر. نحن مثلنا لـ "زال" ومثلنا لـ "برح" في قوله تعالى: "لن برح عليه عاكفين".
"انفك" يقول: ما انفك فلان يفعل أو يعمل كذا.(1/18)
وفتئ نقول: ما فتئ فلان يذاكر، وما فتئ فلان يستعد، فهذا المقصود باستعمالها وهي -كما ترون- تدخل على الجملة الاسمية المكونة من المبتدأ والخبر فتبقي الخبر مرفوعا ويعرب اسما لها، وتنصب الخبر بعد أن كان مرفوعا ويسمى خبرا لها.
بقي من النواسخ الناسخ الثالث عشر، وهو "دام". نحن مر بنا ثمانية... (هي ثلاثة عشر) ثمانية بلا شرط، وأربعة بشرط أن يتقدم عليها نفي أو شبه نفي وهو (النهي والدعاء) بقي الأخير وهو الثالث عشر وهو دام.
هذه قالوا: يجب أن يتقدم عليها حرف واحد معين وهو "ما" يسمونها: "ما المصدرية الظرفية"، لا بد أن يأتي قبلها "ما" هذه التي تسمى مصدرية ظرفية حتى تعمل، في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا? فتقدمت عليها "ما" فعملت، فقولنا: "ما دمت حيا" "التاء" هي اسم دام في محل رفع، و"حيا" خبرها منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
يبقى إفادة بـ (كيف إن "ما" هذه تسمى "ما المصدرية الظرفية")؟ أقول: يقولون معنى الجملة "ما دمت حيا" أي مدة ما أوصاني بذلك، مدة دوامي حيا، فالمدة -كما ترون- هي الزمان، هي الظرف (ظرف زمان)، والدوام مصدر "دام" فيقولون: إن "ما" هذه مصدرية ظرفية؛ المصدرية لأنها تقدر بالدوام، والظرفية لأنها تقدر بالمدة، فمن هنا سميت "ما" هذه المصدرية الظرفية؛ لأن دلالة المعنى: مدة دوامي. فإذا تقدم "ما" المصدرية الظرفية على "دام" عملت عمل أخواتها وهو نسخ حكم الخبر فينصب بعد أن كان مرفوعا.
كما قلنا من قبل: إن هذه الأفعال الناسخة الأصل فيها أن يأتي الناسخ، ثم يأتي بعده اسمه الذي كان في الأصل مبتدأ، ثم يأتي خبره الذي كان في الأصل خبر.(1/19)
هذا هو الترتيب الأصلي للجملة وهو الذي ينبغي أن يكون عليه أصل الترتيب، لكن كما قلنا: إن ترتيب المبتدأ والخبر يخالف فيتقدم الخبر، كذلك هنا، ما دام أصل الجملة هو المبتدأ والخبر، والخبر قد يتقدم، فكذلك أخبار هذه قد يتقدم على أسمائها.
وانظروا هذه الأمثلة: في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ?، أصله (أصل الترتيب): "وكان نصر المؤمنين حَقًّا " فـ "كان" اسمها نصر مرفوع، وخبرها حَقًّا منصوب، وقد تقدم الخبر على الاسم؛ "وكان حقاً نصر" فتقدم خبرها على اسمها، وهذا جائز. وقد يدعو إلى هذا التقديم غرض بلاغي وهو التأكيد أو الاهتمام بالمقدم.
كذلك في قوله الله -سبحانه وتعالى-: ?أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا?، هذه "كان" التقدير: "أكان وحينا عجبا" فـ "أن أوحينا" هذه؛ "أن" وبعدها "أوحينا" مصدر مؤول، "أن أوحينا"؛ أي وحينا وإيحانا، و"عجبا" خبرها منصوب؛ أي "أكان وحينا عجبا"، وقد تقدم "عجبا" -كما ترون- على "وحينا"، وهذا من تقديم خبر كان على اسمها.
كذلك في قول الله تعالى: ?لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ?: أصله (أصل التقدير): "ليست تولية وجوهكم قبل المشرق والمغرب البر"، هذا أصل الترتيب، "التولية" هي المبتدأ هي اسم ليس، وهي -كما ترون- مصدر مؤول، "أن تولوا" أصله "التولية"، و"البر" خبر منصوب، وقد تقدم هذا الخبر على الاسم فقيل: "ليس البر أن تولوا" وهذا جائز؛ لأنه واضح والذي يوضح الأمر أكثر أن المنصوب في باب كان وأخواتها هو الخبر، والمرفوع هو الاسم، ولذلك أنى وجدت المنصوب فاحكم عليه بأنه الخبر، وإن وجدت المرفوع فاحكم عليه بأنه الاسم سواء تقدم أحدهما أو تأخر.
كذلك في قول الله -سبحانه وتعالى وقد سبق ذكره: ?وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ? أصله في الترتيب: "وكان نصر المؤمنين -كما قلت- حقا" فتقدم الخبر على الاسم.
الشاعر يقول:(1/20)
سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم فليس سواء عالم وجهول.
"ليس سواءً عالمٌ وجهولُ" أصله: "ليس عالمٌ وجهولٌ سواءً" وتقدم الخبر "سواء" المنصوب على الاسم "عالم وجهول".
كذلك في قول الشاعر:
لا طِيبَ للعيش ما دامت مُنَغَّصَةً لذاتُهُ بادكار الموت والْهَرَم.
هنا "ما دامت مغصة لذاته" أصله: "ما دامت لذاته منغصة"، فتقدم الخبر المنصوب "منغصة" على الاسم المرفوع "لذاته"، وهذا جائز؛ لأن هناك دليل عليهما في الإعراب، فالمنصوب أن واقعه هو الخبر والمرفوع أن واقعه هو الاسم.
يقول: في قوله تعالى: ?أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ? ما هي القاعدة في تقديم أحد المفعولين على الآخر يا شيخ؟ يسأل عن تقديم إلهه على هواه
نعم واضح، طبعا هنا -كما نرى- أن "اتخذ" تنصب مفعولين، فأصله: "اتخذ هواه إلها له" ما دام الأمر مفهوما فلك أن تقدم وتؤخر، هنا واضح المقصود، ولذلك جاز التقديم والتأخير فيهما، وكل واحد منهما يعرب مفعولا، فإن جعلت "إلهه"... طبعا المعنى يدل على أن الهوى هو المفعول الأول، والإله هو المفعول الثاني؛ لأن الهوى هو المتخذ إلها، وقد تقدم المفعول الثاني على المفعول الأول وهذا جائز لدلالة فهمه عليه.
هلا تفضلتم بطرح أسئلة هذه المحاضرة:
السؤال الأول:
في موضوعنا الذي نحن فيه الآن:
أذكر أنواع أخوات كان من حيث شرط العمل؟
السؤال الثاني:
ما معنى توسط خبر كان وأخواتها؟(1/21)
لغة عربية - المستوى الرابع
الدرس السابع عشر
نواسخ أحكام المبتدأ والخبر
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وحديثنا -إن شاء الله تعالى- لا يزال في نواسخ أحكام المبتدأ والخبر، وقد قدمنا لذلك بتقدمة وسنواصل في الحديث فيها، وهي من الأبواب المهمة التي يكثر استعمالها في الكلام، مكتوبا كان أو منطوقا، ولا نُغفل جانب الإجابة على الاستفسارات النحوية أو اللغوية التي تكثر الحاجة إليها وإن لم تكن من موضوع الدرس بشرط ألا تطغى على ما نحن بصدده من شرح هذا المتن، وإن كان هناك إجابات لسؤالَي الحلقة السابقة فحق المجيبين أن نستمع إلى إجابتهم ثم نبدأ -إن شاء الله- في ما نحن فيه.
الأخت الكريمة تقول في إجابة السؤال الأول
السؤال الأول: اذكر أنواع أخوات كان من حيث شرط العمل؟(1/1)
الإجابة: تنقسم أخوات كان من حيث شرط العمل إلى ثلاثة أقسام: الأول ما يعمل بلا شروط فإذا دخلت على الجملة الاسمية ترفع المبتدأ ويكون اسما لها وتنصب الخبر ويكون خبرا لها وهي ثمانية أفعال "كان وصار وليس وأصبح وظل وبات وأضحى وأمسى" وذلك نحو قولنا: كان الرجل كريما، صار الجو باردا، ظل المسلم عزيزا، وكل هذه الأفعال إذا دخلت على الجملة الاسمية عملت فيها بلا شروط فرفعت المبتدأ فصار اسما لها ونصبت الخبر فصار خبرا لها، الثاني: ما لا يعمل إلا إذا تقدم عليه نفي أو شبهه؛ أي (نهي أو دعاء) وهي أربعة أفعال "زال وبرح وفتئ وانفك"، وذلك نحو قول الله تعالى: ?وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ?، فهنا تقدم نفي على الفعل "يزال"، فعمل في الجملة الاسمية، وقوله -سبحانه وتعالى: ?قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ?، وهنا تقدم نفي على الفعل "برح"، فعمل في الجملة الاسمية فرفع المبتدأ فصار اسما له ونصب الخبر فصار خبرا له، الثالث: ما لا يعمل إلا إذا تقدمت عليه "ما" المصدرية الظرفية وهو فعل واحد وهو "دام" وذلك كقوله تعالى: ?مَا دُمْتُ حَيًّا?، فتقدمت "ما" المصدرية الظرفية على الفعل "دام" فعملت في الجملة الاسمية فرفعت المبتدأ فصار اسما لها ونصبت الخبر فصار خبرا لها.
كذلك تواصل معنا في إجابة السؤال الثاني أخ يقول في إجابة السؤال الثاني: ما معنى توسط خبر كان وأخواتها؟
الإجابة معنى توسط، خبر كان وأخواتها أن الأصل أن يتوسط اسم كان بين الناسخ وخبرها، وحيث إنه يجوز تقديم الخبر على المبتدأ في بعض الأحوال، لذلك يجوز أن تدخل كان على الخبر المقدم على المبتدأ فيصبح خبر كان متوسطا بين الناسخ والاسم، كما في قول الشاعر: فليس سواءً عالم ٌوجهولُ، الضبط عندي غير واضح يا شيخ
المقدم منصوب وهو الخبر "سواء"، والمؤخر المرفوع الاسم "عالم".(1/2)
هذه الحالات التي ذُكرت هي كما قال الإخوة إجاباتهم إجابة صحيحة، وهذا هو المقصود بها، وأنا أزيد الأمر إيضاحا بعد اسم الله -سبحانه وتعالى- بسم الله الرحمن الرحيم.
أقول: إن الجملة؛ جملة المبتدأ والخبر هي ركنان في الأصل ثم زدنا عنصرا ثالثا وهو الفعل الناسخ الذي دخل على هذه الجملة فأصبحت الأجزاء ثلاثة، الفعل الناسخ واسمه وخبره، هذا هو الترتيب الأصلي، وقد يخالف هذا الترتيب فيتقدم الخبر على الاسم؛ فيأتي الفعل الناسخ ثم الخبر أولا ثم الاسم كما مَثَّلَ الإخوة، وكما في قول الله -سبحانه وتعالى: ?وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ?.
عندما نقول في قول الله -سبحانه وتعالى: ?وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا?، "كان" فعل ناسخ "ربك" اسمه مرفوع وعلامة رفعه الضمة "ربُّ" وهو مضاف والكاف مضاف إليه، وقديرا خبره؛ هذا هو الترتيب الأصلي لجملة الفعل الناسخ، وقد يتقدم كما مثلنا بقوله تعالى: ?وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ?، فـ "كان" فعل ناسخ، و"نصر" هو الاسم وتقدم الخبر "حقًّا"، وأصل ترتيب الجملة في غير القرآن "وكان نصر المؤمنين حقًّا علينا"، وتقدم الخبر فقال تعالى: ?وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ?، وهذا من المواضع الجائزة والفصيحة.(1/3)
ويجوز أيضا شيء أكثر من ذلك؛ وهو أن يتقدم الخبر حتى على الفعل الناسخ فأقول في مثل قولي: كان الرجل كريما، أو كان الجو باردا، أقول: باردا كان الجو، فأقدم الخبر على الناسخ وعلى اسمه، وهذا أقل، فإذن هي على ثلاث فئات أكثرها وأشهرها والأصل فيها أن تكون بالترتيب الأصلي: الناسخ فاسمه فخبره، يليه في ذلك أن يتقدم الخبر على الاسم وأقلها وأندرها أن يتقدم الخبر على الاسم والناسخ معا يأتي في البداية، وهذا قليل الاستعمال -كما قلت- ولم يرد في القرآن الكريم وإن كان قد ورد في الكلام الفصيح، لكنه لم يرد في القرآن الكريم أن يتقدم خبر الناسخ على اسمه فيقال مثلا: "عالما كان زيد" بتقديم الخبر على الاسم، لكن ورد ما يوحي بذلك؛ العلماء لما رأوا قول الله -سبحانه وتعالى: ?أَهَؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ?، أُعربُ الجملة حتى تكون واضحة:
طبعا "كانوا" هذه كان فعل ناسخ والواو اسمها، "يعبدون" الجملة الفعلية في محل رفع خبر، "يعبد" فعل مضارع وعلامة رفعه ثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة، و"الواو" ضمير متصل فاعل، والجملة الفعلية في محل نصب خبر كان.(1/4)
هذه الجملة على الترتيب الأصلي؛ "كانوا يعبدون" كان واسمها، وخبرها جملة يعبدون، إلا أنا لو تأملنا لوجدنا أن هناك ضمير نصب منفصل متقدم "إياكم" هذا "إياكم" مفعول به، مفعول به لأي شيء؟ لجملة الخبر، أي "يبعدون إياكم"، والأصل في المفعول أن يتأخر عن فعله، فـ "إياكم" هذه معمول أو مفعول لهذه الجملة جملة الخبر، قالوا: لما تقدم مفعول هذه الجملة، فهذا إيذان بجواز تقدم الجملة كلها، الآن تقدم مفعول جملة الخبر على الناسخ أصلا واسمه، فتقدم هذا المفعول يؤذن بجواز تقدم الفعل والفاعل أيضا، فجملة الخبر كلها يجوز تقديمها؛ لأنهم يقولون القاعدة تقول: "إن تقديم المعمول يؤذن بجواز تقدم العامل"؛ وحينذاك لما تقدم مفعول هذه الجملة الفعلية الواقعة خبرا لـ "كان" جاز وصح أن نطلق أنه يجوز تقديم الخبر كله لأن تقدم المفعول مؤذن بجواز تقدم فعله وفاعله.
هذه هي الصورة التي جاءت في القرآن الكريم مما يشعر بجواز تقدم الخبر (خبر كان)، وإن كان قد جاء في الكلام الفصيح في غير القرآن الكريم بقلة أن تقدم أخبار هذه الأفعال الناسخة على أسمائها، أعود فأقول: إن الأصل هو المجيء بالترتيب الأصلي ولا يخالف ذلك الأصل إلا لحكمة أو علة بلاغية يريدها المتحدث الفصيح.
ورد يا شيخ محمد تأخر الفعل عن الاسم والخبر؟
الاسم لا يتقدم على الفعل الناسخ.
الفعل الناسخ تأخره يأتي في آخر الجملة؟(1/5)
هذه هي الصورة التي منعت وهي أن يأتي الاسم والخبر ثم يأتي الفعل الناسخ، هذه الصورة هي الممنوعة، التي يجوز فيها هو تقديم الخبر نفسه ووجه جواز ذلك أن أصل الجملة هي جملة اسمية، والجملة الاسمية نحن نعرف أنه يجوز أن تأتي على الأصل من مبتدأ وخبر وأن يتقدم الخبر على الاسم لحكمة أو لعلة بلاغية، فلما كان أصلها هو جملة اسمية، والجملة الاسمية يجوز فيها التقديم والتأخير جاز في خبر النواسخ أيضا التقديم والتأخير، هذا هو الأصل فيها، أما أن يتأخر الفعل الناسخ عليهما معًا فهذا يبطل عمله فيهما وحينذاك امتنعت هذه الصورة.(1/6)
يبقى أمر يتعلق أيضا بهذه الأفعال الناسخة، نحن عرفنا أن هذه الأفعال الناسخة عملها واضح؛ وهو أنها تبطل حكم المبتدأ والخبر أو في الأصح تبطل حكم الخبر؛ لأن المبتدأ وإن تغير من كونه مبتدأ للخبر أصبح اسما للناسخ، لكنه بقي مرفوعا كما كان، لكن الخبر هو الذي تغير حاله، فبعد أن كان مرفوعا أصبح منصوبا، لكن الكلام على مسألة المعنى، هناك بعض هذه الأفعال الناسخة؛ (الثلاثة عشر) التي ذكرناها، ما يستعمل في بعض استعمالات العرب بمعنى صار؛ نحن نعرف أن صار هي أحد النواسخ وهي تفيد التحول من حال إلى حال؛ فإذا قلت: "صار الماء ثلجا"، يعني تحول من حالة السيولة إلى حالة الجمود وأصبح من حال إلى حال، "صار العنب زبيبا" أي تحول من حال إلى حال، لم يعد على حالته الأولى، هناك بعض الأفعال الناسخة تستعمل في بعض استعمالات العرب وليس في كل استعمالاتها بهذا المعنى؛ أي تصبح تفيد معنى التحول من حال إلى حال، هكذا سبرها العلماء عندما نظروا في معاني بعض الاستعمالات العربية، وسواء في القرآن الكريم أو في غيره من فصيح الكلام، في قول الله -سبحانه وتعالى: ?وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا * وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاَثَةً?، هنا "كان" استعملت في الآية في موضعين؛ الجبال كانت بصورة جامدة قوية، ثم لما بست أي فتت؛ صارت وتحولت من تلك الحال القوية المتماسكة إلى حال الذوبان والتفتت؛ فصارت هباء؛ أي تحولت من حال إلى حال ?وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاَثَةً?؛ كنتم في الدنيا في نظر الناظر لا يرى فروقا إلا الفروق الدنيوية، لكن الحال يتغير في الآخرة فيصبح الناس على أنواع ثلاثة؛ فصلها الله -سبحانه وتعالى- من سابقين، وأصحاب يمين، وأصحاب شمال، أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا وإياكم من السابقين.(1/7)
فإذن هذا تحول من حال قوله: ?فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا?؛ أي صارت من تلك الحال إلى هذه الحال، ?وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاَثَةً?، أي صرتم من ذلك الحال إلى هذا الحال، فاستعملت كان هنا بمعنى التحول من حال إلى حال.
أيضا "أصبح" في قول الله -سبحانه وتعالى: ?فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا?، "أصبح" هنا معناها تحولتم من حال الفرقة قبل اجتماعكم على هذا الدين إلى حال الاجتماع به وحال الأخوة، فتحولتم من حال إلى حال.
الشاعر عندما يقول:
أضحى يمزق أثوابي ويضربني *** أبعد شيبي يبغي عندي الأدب
يعني تحول حاله من حال إلى حال بعد أن كان يقدرني ويحترمني أضحى يعاملني هذه المعاملة السيئة فتحول حاله من حال إلى حال، أي صار إلى هذه الحال.
في قوله تعالى: ?ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا?، هذه "ظل" واسمها وخبرها؛ أي أصبح وجهه وتحول من حالة البياض إلى حالة السواد وقانا الله وإياكم من حاله.
في قول الشاعر:
أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا
أي تحولت هذه الأرض أو البلاد التي يتحدث عنها الشاعر؛ أي تحولت من حال إلى حال فبعد أن كانت عامرة بأهلها صارت إلى حال أخرى؛ وهي الخلاء والفراغ من أهلها، إذن هذه الأفعال التي رأيناها وهي "كان وأصبح وظل وأمسى وأضحى" استعملت في هذه الأمثلة في هذه الشواهد الفصيحة في معنى صار أي التحول من حال إلى حال.
هي لا تستعمل في كل استعمالاتها بهذا المعنى ولكنها ترد في بعض الأحيان بهذا المعنى والذي يحدد هذا هو معنى السياق، فنحن من سياق الكلام نستطيع أن نكتشف معنى هذا الفعل، لكن المقصد هنا هو أنه على الناظر والقارئ والمتكلم، أن يتفحص الكلام ليتأكد من معناه وينظر ما الذي قصده المتكلم فيه ليحمله على أحسن محامله.
يقول: متى تكون النواسخ عاملة ومتى تُكَفُّ عن عملها؟(1/8)
النواسخ: بالنسبة لكان وأخواتها هذه.. مسألة كفها عن العمل، الكف عن العمل يأتي في الحروف الناسخة كما سيأتي -إن شاء الله تعالى- في "إن وأخواتها" عندما تدخل عليها "ما" الحرفية فتكفها عن العمل وتسمى (كافة ومكفوفة)، أما النواسخ فإن الأصل فيها أن تكون عاملة، وعدم إعمالها يأتي في مثل "ما" الحجازية في لغة "ما" عندما تكون في استعمال غير الحجازية، في استعمال التميميين فهذه تكون غير عاملة، لكن يبدو أن الأخ السائل الكريم لا يقصد كفها عن العمل و إنما قصده يكون في الحروف الناسخة؛ وسيأتي -إن شاء الله تعالى- إن كان له وقت في القسم الآخر من حديثنا اليومي -إن شاء الله تعالى.
تقول: السؤال الأول في قولنا: "ما زال الأثر"، هل هنا "زال" تامة؟ يعني ما الفرق بينها وبين "ما زال"، بين جملتين "ما زال الأثر" "وما زال الأثر باقيا"؟
والسؤال الثاني: في قوله تعالى: ?مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ?، هنا "دام" سبقت بـ"ما" المصدرية، هل هنا دام تامة لأني لا أراها خبرا؟
هو هذا موضوع الحديث الآن هو استعمال هذه الأدوات وهذه الأفعال تامة، وسأجيبها من خلال الانتقال إلى هذا الموضوع مباشرة، حتى -والأمر كما قالته- مسألة استعمال هذه الأفعال تامة وسيتبين معنى تمامها.
تقول: السؤال الأول: بالنسبة لـ "لا" النافية في بعض الأحيان أرى أنها إذا سُبقت بفعل تحذف النون، لكن ما أدري يا شيخ سبب مثل قول الرسول -صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا)، في قوله ولا تؤمنوا هنا حذفت النون؟
والسؤال الثاني: عندما نقول مثلا: رب اغفر لي، في بعض الأحيان كلمة "رب" تحذف الياء، وأحيانا تثبت، فما مواضع حذف الياء في "ربي" وما مواضع إثباتها؟
والسؤال الثالث: التصغير هل كل تصغير يدل على التقليل والتحقير، مثلا عندما أقول: "أخيتي" هل معنى ذلك أن فيها تقليل من الشأن؟(1/9)
أنا الحقيقة ما تصورت الموضوع الأول في قولها، لكن يبدوا أنها تسأل عن: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، يعني ما تصورت الحقيقة السؤال.
لماذا حذْف النون في بعض المواضع وإثباتها في البعض الآخر؟
طبعا في مسألة "حتى تؤمنوا" واضحة فيها أن (حتى تؤمنوا) هذه فعل مضارع منصوب بـ "حتى" وعلامة نصبه حذف النون.
حذفت بعد "ولا تؤمنوا" "حتى تحابوا"، لماذا حذفت هنا؟
في ولا تؤمنوا؟
نعم
هي إذا قلنا إنها لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، وإذا كانت الصيغة وردت رواية في الحديث بهذه الصيغة فهي منصوبة بـ "لن" حينئذ وإذا كانت "لا تدخلوا الجنة" فهي محمولة حينئذ على النهي فيها، ولكن واضح أن المسألة فيها نفي، يعني لا يظهر لي بالضبط ما مقصودها بسؤالها؛ ولكن أتصور أنها تقصد لماذا.
هل تم حمل النفي على النهي يا شيخ؟
لا، هي قدرت بمعنى "لن" أو أنها نقول: إن في قولنا "لا تدخلوا" الجنة؛ كأنه ينهى عن الدخول إلا بمسوغه، إلا بموجبه، هذا إذا كانت تسأل عن هذه المسألة بالذات، أما في مسألة حتى تؤمنوا وحتى تحابوا فالنصب فيها ظاهر وبيِّن.
في مسألة حذف الياء من رب فكل مضاف إلى "ياء المتكلم" يجوز فيه عدد من اللغات عن العرب، فلك أن تثبت الياء فتقول: ربي وكتابي، ولك أن تحذف هذه الياء فتبقي الكسرة، ولك أن تقلب هذه الكسرة ضمة، وهذا خاص بنداء ما أضيف إلى "ياء المتكلم".
تقول مثلا: "ربي" وتقول: "رب اغفر لي" بحذف الياء، وتقول: "ربُّ"، ولك أن تأتي بالياء متحركة فتقول: "ربِّيَ"، فكل هذه الصور قد وردت عن العرب؛ استعمال ياء المتكلم ساكنة ومفتوحة، حذف ياء المتكلم وإبقاء الكسرة بدلا عنها، قلب هذه الكسرة ضمة، كلها واردة في حال نداء المضاف إلى ياء المتكلم.(1/10)
أما التصغير فالأصل فيه أنه للتقليل ولا يعني هذا تقليل الشأن، قد يكون لتقليل الكمية وغيرها، ولكن أيضا العرب تستعمل التصغير لأغراض كثيرة، فقد يكون للتمليح كما ذكرت الأخت في قولها: "أخي أو أخية" هذا للتمليح وليس لتقليل الشأن، بل إن من العرب من يستعمله للتعظيم وبيان خطر الأمر كما يقول الشاعر:
وكل أناس سوف تدخل بينهم *** دُوَيْهِيَةٌ تَصْفَرُّ منها الأنامل
فليس المقصود أنها صغيرة، وإلا لو كانت صغيرة وحقيرة ما اصفرت منها الأنامل، وإنما تصفر الأنامل عند الخطر والشدة.
تقول: السؤال الأول: في قوله تعالى: ?عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى?؛ لماذا سيكون مرفوعة بالضم، ما منصوبة يعني؟
والسؤال الثاني: بالنسبة "للبنت" كتابة "بنت" في التحرير العربي هل تعامل مثل ابن يعني بحذف الألف؟
بنت أو ابنة؟
لا، بنت؛ يعني مثل قوله تعالى: ?مَرْيَمَ ابْنتَ عِمْرَانَ?، فالآية ما حذفت الألف الموصولة؟
والسؤال الثالث: بالنسبة لجمع الكلمات التي أصلها مذكر لكن تجمع على جمع مؤنث مثل الملائكة، هذه عند إضمارها هل نشير لها بالضمير "هن" أو "هم"؟
وآخر شيء: في الأسماء المختومة بواو مزيدة مثل عمرو، إذا جزمت هل تكتب بالواو أم تحذف؟
هي اسم لا تجزم لكن تقصدين إذا نصبت يمكن؟
نعم(1/11)
في قول الله سبحانه وتعالى: ?عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى?، هي ظنت الأخت أن "أن" هذه ناصبة للفعل المضارع وهي أصلها "أنَّ" خففت؛ أصله أنه سيكون، فخففت ولما خففت يقولون: إن "أنَّ" إذا خففت تبقى تعمل، ولكن اسمها ضمير؛ ضمير الشأن المحذوف، أصله "أنه سيكون"، ثم بعد ذلك "سيكون" هذه هي جملة خبر "أن" فالتقدير: "أنه سيكون"، أن واسمها الهاء وسيكون جملة فعلية، هذه الجملة الفعلية فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، "مرضى" فاعل لها؛ لأن "يكون" هنا تامة؛ أي سيوجد مرضى، والجملة في محل رفع خبر "أن"، طبعا "أنْ" هذه مخففة من الثقيلة وأصلها "أنَّ" خففت فيقولون: إن "أنَّ" إذا خففت تبقى عاملة، ولكن يكون اسمها ضمير ويحذف هذا الضمير ويكون ضمير الشأن؛ أي أن الشأن (سيكون منكم مرضى).
هذا أمر فإذن، وضح سبب رفع الفعل المضارع "يكون" أنه جزء من جملة خبر "أن" وليس منصوبا بـ "أن" الناصبة؛ لأن هذه ليست "أن" الناصبة للفعل المضارع ولكنها "أنَّ" قد خففت؛ فهذه تنصب الاسم وترفع الخبر، وليست التي تنصب الفعل المضارع، والتقدير (أنه سيكون)، وكما قلت اسمها ضمير الشأن المحذوف.
في قولنا: ابنة، تقول الأخت: حذف الهمزة منه، طبعا نحن نعرف أن همزة "ابن" وهمزة "ابنة" كلاهما همزة وصل، فهي تكتب في الخط ولكنها تسقط في النطق، فلا ننطق بها فنقول: ابنة، مريم ابنت بدون همزة لكنا نثبتها، لكن الأخت تسأل عن شيء آخر وهي تقول: إنا نعرف أن كلمة ابن في بعض المواضع تحذف همزتها؛ فلماذا لا تحذف همزة ابنة أيضا؟ والجواب في هذا أن الإملائيين قالوا: إن كلمة ابن همزتها همزة وصل تثبت همزتها وتكتب "ا ب ن"، إلا في حالة واحدة إذا توافرت شروطها؛ وهي أن تقع بين علمين، تضبط هذه الشروط أن تقع بين علمين الثاني منهما أب وليس أم، أب للأول ولم تقع كلمة ابن في أول السطر.(1/12)
مرة ثانية.. أن تقع بين علمين، فلو جاءت مثلا في قولنا: قال ابن القيم؛ فنثبت الهمزة، هي ما وقعت بين علمين، هي وقعت وجاء بعدها علم، ولكن ما جاء العلم السابق لها، ولو قلنا: عيسى ابن مريم هي وقعت بين علمين ولكن الثاني ليس أبا للأول وإنما الثاني أم للأول، ولو قلنا مثلا: ابن تيمية كذلك؛ لأنه أيضا لم يسبق ولو سبق أيضا فتيمية هي أم أو جدة وليست أبا، كذلك إذا وقعت كلمة ابن في أول السطر حتى وإن كانت بين علمين الثاني منهما أب للأول بمعنى أن كتبنا مثلا في آخر السطر محمد ثم في أول السطر ابن عبد الله فإنا نثبت الهمزة؛ لأن الإملائيين تعارفوا على ذلك، لأنه ابتعد أحد العلمين عن الآخر، و "ابن" تتحصن بهذين العلمين إذا وقعت بينهما تحذف همزتها، أما "ابنة" فإنها لا تشاركها في هذه الشروط فتثبت همزتها بصفة دائمة، ولكنها تعامل معاملة همزة الوصل بأن تثبت في الكتابة.
ما العلة في ذلك؟ في عدم إثباتها؟
هي فقط علة كتابية، يعني هم تعودوا لكثرة استعمالهم في التراجم عندما يترجمون للعلماء: فلان بن فلان بن فلان بن فلان، وأنت تعرف أن في النسب، الذي يتكرر هو "ابن" لأن الأب والجد ذكور وهي غالبا ما تكون هكذا، وإنما تكون ابنة مع الأول؛ لأنها تكون امرأة، ثم بقية النسب يكون رجال، فابن هي التي تستعمل كثيرًا، ولكثرة استعمالها بين الأعلام بين أحد والثاني منهما أب للأول أسقطوها تخفيفًا على الكتاب، وإلا فالأصل في همزة الوصل أن تثبت كتابة وإن سقطت درجا ووصلا.
تسأل: الملائكة كذلك؟
الملائكة: هي تقول: إنها جمعت جمع مؤنث سالم، ولكنها ما جمعت جمع مؤنث سالم وإنما هذا جمع تكسير؛ لأنها مَفَاعِلَة أو لأنها فَعَالِلَة؛ لأن أصلها مَلْأَك مَفْعَل؛ ثم جمعت على ملائكة مفاعلة؛ فهي جمع تكسير وليست جمع مؤنث سالم، وهم بنص القرآن ليسوا إناثا، ولذلك فنقول: الملائكة يحملون العرش، فنصفهم بصفة الذكور العقلاء؛ لأن هذا شأنهم.(1/13)
أما في مسألة "عمرو": تقول: الواو الزائدة، هذه الواو أو العلامة المختومة بواو؛ العلم هنا لم يختم بالواو وإنما هذه أيضا علة كتابية، لما كثر استعمال العرب للعلمين الاسمين عُمر وعَمرو وقليل من الكتاب من يضبط بالشكل فيضع مثلا ضمة على عين عُمر وفتحة على عين عَمرو، ويفتح ميم عمَر، ويسكن عين عمْرو، تكتب بدون ضبط، فرقوا بينهما في الكتابة بأن جعلوا مع "عَمرو" واو، و"عُمر" بدون واو، هذا لا يعني أنها تقرأ "عمرُو"، ولذلك من اللحن الشديد أن بعض الناس يقول "عمرُو"، أو يقول ينسب إلى عائلة إحدى العوائل الكريمة يقول: "العمرُو" هذا خطأ، ليس هناك أحد اسمه "العمرُو" وإنما اسمه "العَمرْو" هذا الأصل فيها، كونهم يعني بعض الناس يلحن سواء صاحب الاسم أو غيره فيقول ذلك فهذا لحن، الأصل فيه أنه العمرْو، والواو هذه إنما وضعت في الكتابة فقط دون النطق؛ للتفريق بين "عمْرْو" و"عمَر" حتى إذا وجدت الواو تقول عمرْو، وإذا لم تجدها تقول عُمَر بدون أن تضع حركات.
الأخت الكريمة تسأل وتقول: طيب في حالة النصب! أنا أقول: إنه عندما يزول الفرق، عندما يتبين هل هي عُمر أم عَمرو لا يعود هناك حاجة للواو كيف ذلك؟ عندما تقول: "أكرمت عَمرًا" تكتبها بدون واو يقول قائل لماذا؟ نقول: لأن "عُمر" ممنوع من الصرف، والممنوع من الصرف لا ينون فالذي ينون قطعا هو "عَمرو" فالآن تبين أنه "عَمرو" وليس "عُمر" ما احتجنا إلى الواو؛ لأن هذه الواو ليست جزءًا من الكلمة ولا تنطبق فيها؛ وإنما هي فقط جيء بها للتفريق اللفظي ومن ثم فإن الواو تحذف عند عدم الحاجة إليها للتفريق بين عَمرو و عُمر.
فأنا أقول" أكرمت عمرا " ع، م، ر، ا" مباشرة، التي تكون مع علامة النصب.
يقول: بعض المؤلفين يعدون جملة مثل "كان محمدٌ كريما" يعدونها جملة اسمية فهل هذا صحيح؟(1/14)
نعم.. هي النواسخ دخلت على جملة المبتدأ والخبر، فلا تزال هي جملة المبتدأ والخبر، لكنها منسوخة الحكم فقط، لم تعد مبتدأ وخبرا أصبحت اسما للناسخ وخبرا له فهي جملة اسمية ولم تنتقل إلى كونها جملة فعلية، وإن كانت هذه تسمى أفعالاً ناسخة؛ لكن الإسناد لا يزال، فالمسند والمسند إليه هما اسمها وخبرها وليس الفعل الناسخ نفسه أحد ركني الإسناد.
يقول: السؤال الأول: في عامل "كان" ألا تنطق حكم المبتدأ فيكون المبتدأ السبب في رفعه عامل معنوي يسمى الابتداء؟ قال ابن مالك: ورفع المبتدأ بالابتداء كذاك رفع الخبر بالمبتدأ؟
ما سؤالك يا شيخ كلامك واضح ولكن لا أرى فيه سؤال.
لم أفهم الموضوع من البداية في كون "كان" تنسخ حكم المبتدأ والخبر، فالمبتدأ السبب في رفعه المعنى المعنوي الذي يسمى بالابتداء، لما دخلت عليه "كان" اعتبارا أنها نسخت حكم المبتدأ والخبر؛ يعني نسخت حكم الابتداء، والمبتدأ صار مرفوعا بـ "كان" بعد أن كان مرفوعا بعامل معنوي؟
والسؤال الثاني: في الممنوع من التنوين من ضمن الأسباب التي تمنع الاسم من الصرف في العلمية والعجمة، هل هناك قاعدة يعول عليها الإنسان في معرفة العَلم الأعجمي؟
والسؤال الثالث: قال تعالى: ?وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ?، لماذا قال الله: "ولا تعاونوا" ولم يقل "ولا تتعاونوا"؟(1/15)
هو طبعا الأخ الكريم يشير إلى قضية وهي أنه اشتهر عند العلماء في مسألة العامل في النحو، النحوييون أرادوا التقريب، وبذلوا جهودا كبيرة في وضع هذه القواعد وهي كبيرة جدا، وهم غرضهم من وضع هذه القواعد عندما استنبطوها من كلام العرب ولم يأتوا بها من عند أنفسهم، أرادوا أن يقربوها إلى الناس، ولما كان أقرب ما يكون الشيء إلى الناس هو أن تجعل المعنوي بمثابة الحسي؛ جعلوا الأشياء التي توجد هذه الحركات وهذه الأحوال الإعرابية جعلوها بمثابة الأشياء المحسوسة فقالوا ليس أثر من الآثار، قالوا الإعراب أثر، لا بد له من مؤثر حتى تكون الأمور منطقية ومعقولة عند السامع، ولذلك قالوا متى رأينا الاسم مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا أو رأينا الفعل مجزوما؛ فإنه ينبغي حتى نقرب الأمر إلى السامع أن نقول له: إن هناك شيء جزمه، شيء رفعه، شيء نصبه إلى آخره.(1/16)
من هنا كل ما جاء الحديث عن موضوع الحديث عن موضوع من الموضوعات النحوية وقالوا هذا الشيء مرفوع أو منصوب أول ما يتبادر إلى ذهن العالم أو المؤلف في كتابه أن يقول: الذي رفعه كذا؛ لأنه اتفق على أن الإعراب أو الحكم إنما هو أثر فلا بد له من مؤثر وهذا حتى يرسخ في الذهن، لما جاءوا لمثل المبتدأ والخبر، وجدوا المبتدأ مرفوعا والخبر مرفوعا قالوا ما الذي رفع المبتدأ والذي رفع الخبر؟ طبعا اختلفوا في ذلك، وهذا راجع إلى أن المسألة مسألة تقديرية وليس مسألة نص، يعني لم يقل أحد من العرب الفصحاء إن المبتدأ مرفوع والذي رفعه كذا، والخبر مرفوع والذي رفعه كذا؛ ولكنه جاء ونطقوا به بهذه الحالة، العلماء لتقريب الأمر للأذهان قالوا: الذي رفع المبتدأ -كما يقول الكوفيون- الخبر، والخبر رفعه المبتدأ، فكل واحد رفع الآخر، وهذا فيه نوع من التيسير، كما هو شأن أحكام أو آراء الكوفيين في الغالب، البصريون قالوا هذا عليه مآخذ ليس الآن مجال تفصيل هذه المآخذ، وإلا بالفعل فيه مآخذ واضحة على هذا الرأي، قالوا: لا. الخبر نعم.. رُفِعَ بالمبتدأ، ولكن المبتدأ الذي عمل فيه شيء آخر وإن لم يكن موجودا فإنا نقدره، وهو الابتداء به، جعله في أول الكلام والنطق به في بداية الأمر هو الذي رفعه، فهو عامل معنوي أي غير مذكور، فالعوامل كأنها قسمان: قسم مذكور، ومنطوق، كما نقول في جوازم المضارع: "لم" و"لا" الناهية هذه مذكورة ومنطوقة، وقسم معنوي غير موجود كما نقول في مثل رافع المبتدأ هو الابتداء، فهذا عامل معنوي.(1/17)
الأخ الكريم يشير في قوله هنا يقول: إذا أخذنا بهذا الرأي وهو رأي الجمهور ورأي البصريين من أن الذي رفع المبتدأ هو الابتداء فإذا أدخلنا "كان" لم يعد عندنا مبتدأ أصلا أصبح عندنا اسما لكان وانتقل العمل من العامل المعنوي وهو الابتداء إلى العامل اللفظي وهو كان، فأصبح اسمها معمولا لها وخبرها أيضا معمولا لها، فهي العاملة فيهما معا، ولم يعد عندنا عامل معنوي، بل أصبح العامل هنا مذكورا حسيًّا هو الذي عمل في الركنين في الاسم والخبر، في المبتدأ والخبر أو في اسم الناسخ وخبره.
سؤاله الآخر: عن العلمية والعجمة في الممنوع من الصرف، فيسأل يقول: القاعدة.. كيف نعرف هذه؟ العلماء ذكروا في باب الممنوع من الصرف المقصود بالعجمة، هو طبعا ليس المقصود بالعجمة أن يكون الاسم غير عربي، وإنما المقصود به أن يكون سواءً كان الآن أعجمي أو أنه كان في أصله أعجمي ثم انتقل إلى العربية، فالمقصود النظر إلى أصل الاسم، وإلا فمن الأسماء التي يُحكم عليها بالعجمة في باب الممنوع من الصرف ما هو عربي فصيح الآن كأسماء الأنبياء في القرآن الكريم، يقال هذا ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة كما في "إبراهيم وإسماعيل ويعقوب ويوسف"، مع أنها في القرآن الكريم والقرآن الكريم هو أفصح الكلام، ولكن ليس المقصود أنها الآن أعجمية؛ وإنما المقصود أنها في أصلها مأخوذة من غير العربية ثم انتقلت إلى العربية فأصبحت من فصيحها، بل من أفصحها.
من ثم، فإنا نقول: المقصود بالعُجمة في باب الممنوع من الصرف هو أن تكون الكلمة أعجمية الأصل في أصلها، حتى لو كان الاسم أعجميًّا إلى الآن فيحكم عليه بالعُجمة لكن المقصود أنه ما يقع فيه الالتباس من مسألة كيف يقال أعجمي وهو في القرآن؟ فنقول: إن المقصود به العجمة في أصله؛ وإن انتقل من اللغة الأعجمية إلى الفصيحة وصار من فصيح الكلام.(1/18)
أما في قول الله -سبحانه وتعالى: ?وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ?؟ طبعا هي أصله "تتعاونوا" لأن الفعل تعاون تدخل عليه "ت" التي هي "حرف المضارعة" ولكن العلماء عندما يجتمع "حرف المضارعة" الذي هو "التاء" مع فعل مبدوء "بالتاء" أيضا فإنهم يتخففون (أي العرب) عندما ينطقون بفعل مضارع وقد بدء بحرف مضارعة "التاء" يتخففون أحيانا بحذف أحد التاءين فيقولون مثلا في "تتعاون" يقولون "تعاون" وفي "تتقابل" "تقابل" إلى آخره، فيحذفون أحد التاءين تخفيفا، وهذا لا يعني أن التاء الثانية مستغنى عنها، ولكنه نوع من التخفيف لالتقاء التاءين وصعوبة النطق بأحدهما أو التخفف من إحداهما.
تقول: قال الله تعالى: ?وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا?، هل "من" نوعها حوارية أو استفهامية؟
هذه "من" الشرطية؛ و"من" الشرطية اسم شرط، و"من" الشرطية، كما نعلم ويعلم كثير من الإخوة هي تجزم فعلين، فعل الشرط هو "يفعل" وجواب الشرط هو "يلقَ"، وقد جُزِمَا، فـ "يفعل" مجزوم وعلامة جزمه السكون، و"يلقَ" مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة وأصله "يلقى"، فهي حينئذ اسم شرط جازم، ويعرب: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره، فهو مبني على السكون في محل رفع.
سُميت اللغةُ العربية لغةَ الضاد؟ إعراب اللغة؟
"اللغة" هذه مفعول ثان لسمى، الفعل "سمى" ينصب مفعولين، فأقول مثلا: سميت الولد محمدا، فسمى فعل ماضي والتاء فاعل والولد مفعول أول ومحمد مفعول ثاني، إذا بني الفعل للمجهول كما في سميت هنا، أصبح المفعول الأول نائب فاعل فـ "سميت اللغة"، "اللغة" كانت مفعولا أول، ثم ارتفعت نائب فاعل وبقي المفعول الثاني منصوبا التي هي "اللغة" مفعول ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.(1/19)
أعود فأقول: إن ما ذكره أحد الأخوة السائلين أو أحد الأخوات السائلات في مسألة التمام، هذه الأفعال التي هي الأفعال الناسخة يقول العلماء إنها تستعمل تامة، نحن نعرف أن الفعل الناسخ عندما يأتي يكون له اسم ويكون له خبر، اسمه مرفوع وخبره منصوب، قالوا: إن هذا نقص فيه؛ لأن تمام الفعل أن يكتفي بمرفوع بفاعل، فالأفعال في الأصل، تأتي فعل ومعه فاعل، فهذا نقول فعل تام، فإن لم يكتف بهذا المرفوع واحتاج إلى منصوب أيضا فهذا فعل ناقص، فكأن المفرقون بين النواسخ وبين بقية الأفعال يسمون الأفعال تامة ويسمون النواسخ هذه ناقصة؛ لأنها ما استغنت بمرفوعها، وإنما احتاجت إلى مرفوع ومنصوب وهما الاسم والخبر.
أقول: إن بعض هذه النواسخ قد يستعمل تاما، فيأخذ فاعلا بعده ولا يأتي له خبر، وحينذاك تخرج من كونها ناسخة، وتخرج من كونها داخلة على الجملة الاسمية، وتصبح الجملة في أصلها فعل، تنتقل إلى باب الجملة الفعلية ولا تكن في باب النواسخ أصلا، وإنما تكون أفعالا تامة عبارة عن فعل وما بعدها فاعل، وذلك الذي يقدر هذا أو الذي يوضح هذا هو المعنى؛ عندما يقول الله -سبحانه وتعالى: ?وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ?، هنا "كان" كما نرى هي أم الباب، لكن المعنى (إن وجد ذو عسرة)، و"وجد" فعل و"ذو" حينئذ هي نائب فاعل وعلامة رفعه الواو (أي صاحب) فحينئذ أخذت نائب فاعل ولم تأخذ اسما وخبرا فهي تامة، وضابط ذلك أنه إذا جاءت كان بمعنى وجد أو حصل فهي تامة، تحتاج إلى فاعل أو نائب فاعل بحسب صيغتها ولا تحتاج إلى اسم وخبر، وكما قلت معنى تامة على الصحيح أنها تكتفي بالمرفوع ولا تحتاج إلى منصوب، وتخرج عن باب النواسخ، فلا تكون داخلة على المبتدأ والخبر.(1/20)
في قول الله -سبحانه وتعالى: ?فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ?، هنا "أمسى" أو مضارع أمسى "تمسون" أو مضارع "أصبح" "تصبحون"، لكنه لا نرى معه اسما وخبرا، وإنما المقصود (سبحان الله حين تدخلون في المساء وحين تدخلون في الصباح)، وانتقل الفعل حينذاك من باب النواسخ إلى باب الأفعال التامة، وصارت "الواو" في "تمسون" ضمير متصل في محل رفع فاعل، و"تصبحون" الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، ونقول: إن تمسون وتصبحون هذان فعلان مضارعان تامان، وما بعدهما يعرب فاعلا، يقول قائل: كيف أعرف الضابط في ذلك إذا جاءت أمسى أو أصبح بمعنى دخل في المساء أو دخل في الصباح فهي تامة تحتاج إلى فاعل ولا تحتاج إلى اسم وخبر.
كذلك في قول الله -سبحانه وتعالى- وهو ما سألت عنه إحدى الأخوات منذ قليل: ?خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ?، هنا "ما دامت السماوات والأرض" هي ذكرت هذه الآية بالذات؛ أي ما بقيت السماوات والأرض، فهنا دام بمعنى بقي فهي تامة، لا تحتاج إلا إلى مرفوع، وإذا لم تحتج إلى منصوب مع المرفوع فهي تامة ولم تعد ناسخة، وضابط ذلك أنها تكون بمعنى بقي، فتكون السماوات في قول الله تعالى: ?مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ?، "السماوات" فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
الشاعر عندما يقول:
تطاول ليلك بالإثمدِ *** وبات الخلي ولم ترقدِ
هنا "بات الخلي"؛ أي نام، فأخذت "بات" اسما فاعلا مرفوعا بعدها ولم يأتِ بعدها منصوب، "بات الخلي"؛ أي نام الخلي، وحينئذ تكون تامة ولا تكون ناقصة، وكما قلنا نقصها هو أخذها لمنصوب وهذه لم تحتج إلى منصوب. متى تكون بات تامة؟ إذا كانت بمعنى نام.(1/21)
إذن نفهم من هذا أن هذه النواسخ، ولنقل "كان" مثلا التي هي أم الباب، تأتي ناقصة تحتاج إلى مرفوع ومنصوب؛ اسمها وخبرها كما في قول الله تعالى: ?وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا?، وتأتي تامة وهي المكتفية بالمرفوع فقط ويُعرب حينئذ فاعلا وتخرج عن باب الجمل الاسمية إلى باب الجمل الفعلية كما في قوله تعالى: ?وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ?.
يقول: هل نستطيع أن نقدر ونقول مدة دوام السماوات والأرض؟ ما دامت السماوات الأرض؟
"خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض" لكن إذا قلت: "مدة دوام" لم يأتِ معها منصوب أصلا، هي جاء معها مرفوع فقط، ما دامت السماوات، ما قال ما دامت السماوات باقية، لو قيل في غير القرآن: "ما دامت السماوات باقية"، لقلنا نعم هذه ناقصة أي مدة دوام السماوات والأرض على هذه الحال، لكن لما قال ما دامت السماوات، وأتى بمرفوع ولم يأتِ بمنصوب علم أنها تامة واكتفت بفاعلها ولم تحتج إلى منصوب فهي تامة، ونقدرها أنها "ما بقيت"؛ لأن هذا هو التقدير الأليق بمعنى الآية الكريمة.(1/22)
هناك أمر آخر أيضا وهو أن هناك بعض الأسماء أو بعض الحروف في العربية أشبه بعض الأفعال الناقصة في معناه وفي عمله، أشبهه في المعنى وفي العمل، فكثير من النحويين في مثل هذا الباب أو في خواتيم الحديث عن الأفعال الناسخة يذكر هذا الأمر أو يتعرض له، وذلك مثل "ما". "ما" هذه كلمة -كما ترى- حرف نفي تدخل على الجملة الاسمية جملة المبتدأ والخبر، وهي حرف نفي، قالوا إنها تشبه "ليس" في نفيها وتشبهها أيضا في عملها، فأما شبهها في معناها فهي للنفي كما أن "ليس" للنفي، وأما في عملها فهي أيضا ناسخ ترفع الاسم وتنصب الخبر، كما في قول الله -سبحانه وتعالى: ?مَا هَذَا بَشَرً?، فـ "هذا" أصل الجملة: "هذا بشر" مبتدأ وخبر، دخلت عليها "ما" فرفع "هذا" اسما لـ "ما" ونصب "بشرا" خبرا لها، يسمون هذه "ما" الحجازية، ومقصودهم بتسميتها "ما" الحجازية، وهي "ما" النافية العاملة، هي الحقيقة "ما" النافية العاملة، لأن عملها -يعني كونها تعمل عمل "ليس"- ترفع الاسم وتنصب الخبر، ليس عند العرب جميعا وإنما عند الحجازيين منهم فقط، ولذلك يقولون إنها "ما" الحجازية هي التي تعمل هذا العمل.
وفي قوله تعالى: ?مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ?، أصلها "هن أمهاتهم" مبتدأ وخبر ثم دخلت "ما" فرفعت الاسم "هن" ونصبت الخبر "أمهاتهم" وهو منصوب وعلامة نصبه الكسرة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، هذا عند الحجازيين. ولكن عند التميميين أو عند بقية قبائل العرب لا تعمل "ما" هذه وتبقى الجملة مرفوعة الجزأين مبتدأ وخبر مرفوعين حتى مع دخول "ما".
هلا تفضلتم بطرح أسئلة هذه المحاضرة؟.
السؤال الأول:
ما معنى استعمال بعض الأفعال الناسخة بمعنى صار؟ وما مثاله؟
والسؤال الثاني:
ما معنى استعمال الأفعال الناقصة تامة؟ وما مثاله أيضا؟(1/23)
اللغة العربية - المستوى الرابع
الدرس الثامن عشر
تابع باب المبتدأ والخبر "النواسخ"
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وحديثنا اليوم -إن شاء الله تعالى- سيكون في خواتيم الحديث عن الأفعال الناسخة ثم البدء بعد ذلك في الحروف الناسخة وكل ذلك، أو كل الحديث سيكون حول ما ينسخ حكم المبتدأ والخبر من حيث رفعهما، وأذكِّر بما أذكر به دائما من إمكانية استقبال الاستفسارات النحوية واللغوية التي تعم بها الفائدة ولا تخص قدر الإمكان بما لا يؤثر على ما نحن بصدده من شرح هذا المتن، الذي أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يكون شرحه نافعا مباركا.(1/1)
نحن بعد حمد الله -سبحانه وتعالى- قد كنا توقفنا عند أن هناك حرفا في العربية هو "ما" هذا الحرف أشبه فعلاً من الأفعال الناسخة وهو "ليس" في كونه نافيا، فنحن نعرف أن "ما" تنفي وكذلك "ليس" فلما أشبهتها وجد العلماء أن العرب قد أجروها أيضا مجراها في العمل، قالوا: إنها محمولة عليها بسبب هذه المشابهة، وذلك ما يسمونه بـ"ما" الحجازية فنحن عندما نقرأ قول الله -سبحانه وتعالى-: ?مَا هَذَا بَشَرًا?، فإنا نجد أن "ما" قد دخلت على الجملة الاسمية "هذا وبشر" وقد جاء الخبر في الجملة الاسمية منصوبا "بشرا" ولم يأتي مرفوعا كشأنه في الجملة الاسمية من مبتدأ وخبر، فدل هذا على أن "ما" قد عملت وأن اسم الإشارة اسم لها، و"بشرا" خبرًا لها منصوب، وكذلك في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ?، فإن أصل الجملة "هن أمهاتهم" لكن كلمة "أمهاتهم" -كما ترون- جاءت منصوبة وعلامة نصبها الكسرة؛ لأنها جمع مؤنث سالم، فدل هذا على أن "ما" قد أعملت عمل الأفعال الناسخة ولكونها حرف قيل: إنها «ليست من الأفعال الناسخة ولكنها محمولة عليها» وحملها عليها من باب شبهها بـ "ليس" في النفي فعملت عملها، فرفعت الاسم وهو الضمير المنفصل "هن" ونصبت الخبر وهو جمع المؤنث السالم "أمهاتهم" فنصب وعلامة نصبه الكسرة.(1/2)
هذا الاستعمال؛ أعني استعمال "ما" استعمال الأفعال الناسخة وإعمالها إعمال نظيرتها في المعنى وهو "ليس"- ليس عند العرب جميعا، ولكنه عند... أو في لغة طائفة كبيرة منهم وهم «الحجازيون»، ولذلك تسمى "ما" هذه العاملة يسمونها "ما الحجازية"، وغرضهم من هذه التسمية أنها لا تعمل هذا العمل إلا عند قبائل الحجاز في وقت الفصاحة، قد كانت قبائل نجد في وقت الفصاحة لا تُعملها فتأتي بها وقد ارتفع المبتدأ والخبر وكأنها حرف نفي لا عمل له، ولذلك سميت بـ"ما الحجازية"، أي أن عملها عمل الأفعال الناسخة إنما يكون عند قريش وبقية قبائل العرب في الحجاز بخلاف قبائل العرب الأخرى.
ولكن المتأمل أيضا.. طبعا القرآن الكريم "التنزيل" قد جاء في أصله وفي معظمه على لغة قريش، ولذلك لزم هذا الإعراب لإعمالها إعمال الأفعال الناسخة، لكنا عندما نتأمل قول الله -سبحانه وتعالى-: ?وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ?، ?وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ?، نجد أن الخبر هنا لم ينصب وإنما جاء مرفوعا، مع أن "ما" نافية وقد دخلت على الجملة الاسمية المكونة من مبتدأ وخبر، فلما حصل ذلك نظر العلماء إلى الفرق بين هذه الجملة والجملة السابقة في نحو «ما هذا بشرا»، فوجدوا أن هذه الجملة قد دخلت عليها "إلا" أي أن النفي نُقِضَ، نُقِضَ النفي بـ "إلا"؛ ومعنى نقضه أنه لم يعد نفيا؛ أي أنه عندما تقول: ?وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ?؛ أي إثبات الرسالة، ?وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ?؛ إثبات هذا الأمر الواحد، حينئذ نقول: إنه إذا انتقض نفي "ما" "بإلا" فإن "ما" الحجازية هذه لا تعمل.(1/3)
أعود فأقول: إن إعمال "ما" هذه إعمال "ليس" لمشابهتها إياها في النفي إنما يكون في لغة طائفة من طوائف العرب الفصحاء، وليس جميع العرب، ومع ذلك حتى هذه الطائفة إذا دخلت "إلا" على خبرها ترجع مهملة؛ أي غير عاملة، ويعرب ما بعدها مبتدأ وخبر، وشاهد ذلك ما ذكرته من الآيتين الكريمتين من قوله -سبحانه وتعالى-: ?وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ?، فنقول "ما" حرف نفي، "محمد" مبتدأ، "إلا" أداة حصر، "ورسول" خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وكذلك: ?وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ?، فإنا نقول في "ما" مجرد حرف نفي وكذلك "إلا" حرف حصر لا غير، ثم نقول "أمرنا" مبتدأ هو مضاف "ونا" مضاف إليه "وواحدة" خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
هذا هو خلاصة الأمر في ما يتعلق باستعمال "ما" استعمال الأفعال الناسخة أو ما يسمونه بـ "ما" الحجازية.
تأذن لي يا شيخ بأن نستعرض الإجابات
وكان السؤالان في المرة الماضية عن استعمال بعض الأفعال الناسخة استعمال "صار" ما المقصود به والتمثيل له؟ وأيضا كان السؤال الثاني: عن تمام الأفعال الناسخة واستعمالها تامة ما معناه وما مثاله؟
نأخذ إجابات مقتطفة، تقول: إجابة السؤال الأول: قد تستعمل بعض الأفعال الناسخة بمعنى "صار" أي للتحول من حال إلى حال ومنها "كان وظل وأمسى وأصبح وأضحى"، "كان" مثال ذلك: قول الله تعالى: ?وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا?، أي "صارت" هباء، "وظل" ?ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا?، أي تحول من حال إلى حال، "وأمسى" «أمست خلاء» أي أصبحت الديار خلاء من أهلها بعد أن كانت عامرة، "وأصبح": ?فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانً? أي تحولتم من حال الفرقة إلى الأخوة والاجتماع، "أضحى": «أضحى يمزق أثوابي ويضربني»، هذه إجابة السؤال الأول من الأخت.(1/4)
وهنا إجابة السؤال الثاني من الأخت كذلك تقول: ما معنى استعمال الأفعال الناقصة تامة وما مثاله؟ الجواب: تستعمل الأفعال الناقصة تامة إذا اكتفت بمرفوعها ولم تحتج إلى منصوب وهو الخبر، فحينئذ تكون تامة فترفع فاعلا بعدها وتكون الجملة فعلية ولا يكون الفعل التام ناسخا؛ المثال على ذلك: ?وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ?، "فكان" هنا تامة لأنها بمعنى وجد. وقول الله تعالى: ?فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ?، فتمسون وتصبحون هنا فعلان مضارعان تامان وليسا ناسخين، وواو الجماعة فاعل، وأصبح معناها هنا؛ أي وجد في الصباح، وأمسى أي وجد في المساء. وكذلك قول الله تعالى: ?خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ?، "دام" هنا تامة لأنها بمعنى بقي، والسموات فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، شكرا لكل الأخوة.
أتم الحديث عن الأفعال الناسخة؛ يعني كان وأخواتها فأقول: كما ذكرنا عن "ما" الحجازية أنها أشبهت أحد الأفعال الناسخة وهو "ليس" في النفي فعملت عمله عند طائفة من العرب وهم الحجازيون، نقول كذلك... طبعا أنا أذكر هذه الأمور وأترك أمورا أخرى أكثر؛ أقل استعمالا، وذلك في ما يتعلق بأمور أحيانا لا ترد عند العرب إلا بندرة وقلة، فأنا أضرب عنها إذا كانت كثيرة التفاصيل قليلة الاستعمال والحاجة.
تقول: سؤالي خارج الموضوع: أريد أن أعرف كيف يتم إعراب اسم الشخص نفسه، كمثلا: يأتي أعرف مثلا "أحمد مطوع"، أو "محمد السبيهين" فكيف يتم إعراب اسم الشخص؟(1/5)
هو طبعا عندما نذكر هذه الأسماء فهي الآن ليست أجزاء في جملة، وإذا كان مجرد ذكر فلان الفلاني فهذا ليس جملة وإنما هو اسم، والاسم لا يكون معربا، حتى يكون ركنا في جملة؛ لأنه لا يدخل أصلا الشيء في باب الإعراب حتى يكون ركنا من تركيب، فالنحو هو علم التركيب، وإذا لم تركب الكلمات بعضها مع بعض فتكون إسنادا فلا إعراب لها، لكن إذا قلنا: هذا محمد، فنقول: محمد خبر، وإذا قلنا: قال محمد، فمحمد فاعل، وإذا قلنا مثلا: رأيت الشيخ أحمد، فإنا نقول: إن الشيخ مفعول به وأحمد بدل منه؛ لأنه هو هو، هو الشيخ هو أحمد فصارت أحمد بدلا منه، ويعرب بإعرابه وهكذا، فإذن السؤال مطلق وعام فأنا أقول بصفة عامة: إذا وجد في تركيب فإنه يعرب بحسب موقعه من الجملة، فإن أرادت الأخت به أنه لو قلنا مثلا: أبو عبد الله صالح بن فلان، فإنا نقول: إن "صالح" هو بدل من "أبي عبد الله" ويعرب بإعرابه، فإن كان المبدل منه مرفوعا رفع، وإن كان منصوبا نصب، وإن كان مجرورا جر.
لو قيل: الاسم فلان بن فلان مثلا؟.
حينئذ يكون خبرا، الاسم فلان هو المقصود به؛ يعني اسمه فلان فهذا هو المقصود به فيكون خبرا له.
أقول: إن ما ورد استعماله في القرآن الكريم مما عَمِلَ عَمَلَ هذه الأفعال الناسخة وهو ليس منها: "لات"
ذلك في قول الله -سبحانه وتعالى- ?فَنَادَوْا وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ?، طبعا نحن عندما ننظر في قراءة الجمهور «ولات حين»، نجد أن الكلمة منصوبة، نصبها هنا هو الذي جعل العلماء يقفون عند المسألة ويقولون: إن "لات" إذن عملت عمل الأفعال فنصبت، مع أنها حرف، لكن هي أيضا حرف يفيد النفي وجاءته التاء وهذه التاء هي... "لا النافية" أصلا ودخلت عليها التاء لتأنيث اللفظ فقط، وإلا فهي حرف نفي، أشبه أحد الأفعال الناسخة وهو "ليس" كما أشبهتهما، فعمل عمله ولذلك نصب كما رأينا، فإن قال قائل أين اسمها وخبرها؟(1/6)
نقول: إن العلماء اشترطوا في عمل "ليس" شرطا دقيقا وهو «أن يكون اسمها وخبرها كلمة بعينها» وهما كلمة "حين" فيكون الاسم "حين" ويكون الخبر "حين"، وأيضا لا يذكر الاثنان معنا فيحذف أحدهما؛ بمعنى لا يقال: "حين" و"حين" اسم وخبر، ولكن أحد الركنين يحذف ويبقى الآخر، فلذلك في قوله تعالى: ?فَنَادَوْا وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ?، أصله «ولات الحين حين مناص» أي ليس الوقت وقت مهرب، لما نادوا لم يكن الوقت وقت هروب ولجوء وهو المناص، ولذلك حذف الحين الذي هو اسم لات وبقي خبرها، إذن تحقق الشرطان: الأول أن اسمها وخبرها كلاهما لفظ الحين، والثاني حذف أحد الركنين وهنا قد حذف الاسم وهذا هو الأكثر، فالأكثر أن يحذف اسمها ويبقى خبرها الذي هو كلمة "حين" هنا وخبر -نحن نعرف- النواسخ هذه التي سبق ذكرها يكون منصوبا، ولذلك جاء منصوبا.
قُرِأَ "ولات حينُ"، وحينئذ يكون هذا هو الاسم والمحذوف هو الخبر، والتقدير «ولات حينُ مناص حينًا لهم» فيكون المحذوف هو الخبر وهو أيضا لفظ "حين" وهو المنصوب المحذوف، ولكن كما قلت إن الأكثر في كلام العرب أن يحذف اسمها ويبقى خبرها المنصوب فتظهر علامة نصبه على آخره.
هذا هو أهم ما يقال في ما يتعلق بالنوع الأول من النواسخ، وأقصد بالنوع الأول من النواسخ هي تلك الأفعال أو تلك الأشياء التي تدخل على المبتدأ والخبر فتنسخ حكم ثانيهما وهو الخبر فتنصبه بعد أن كان مرفوعا، وتبقي أولهما وهو المبتدأ مرفوعا على حاله وإن تغير إعرابه فأصبح اسما لهذه الأفعال بعد أن كان مبتدأ للخبر. هذا الجزء الأول.(1/7)
نأتي الآن للقسم الثاني من النواسخ؛ ونحن عرفنا في بداية الحديث عن النواسخ أنها عبارة عن أشياء تدخل على جملة المبتدأ والخبر فتنسخ حكمهما، ونحن عرفنا أن حكمهما هو الرفع، فإما أن تنسخ حكم الثاني، وإما أن تنسخ حكم الأول، أو تنسخهما معا، قد تقدم الآن الحديث عما ينسخ حكم الثاني وهو الخبر فينصبه بعد أن كان مرفوعا وهي "كان وأخواتها" وما ألحق بها، بقي الآن عكس ذلك وهو تلك النواسخ التي تدخل أيضا على المبتدأ والخبر فتنسخ حكم المبتدأ الأول، وتبقي الخبر؛ بمعنى أنها تنصب المبتدأ بعد أن كان مرفوعا وتبقي الخبر على رفعه، وهذه هي التي تسمى "إن وأخواتها" وهي حروف، بخلاف "كان وأخواتها" فإنها أفعال.
من المرغبات في حفظ الألفية أو حفظ على الأقل ما كان مهما ومركزا من أبيات الألفية لطلاب العلم والحريصين على ذلك، أذكر هنا بعض الشيء مفيد، وأنا أُذَكِّرَ به بين الحين والحين فأرجو ألا أثقل به على الإخوة أقول: «إن ألفية ابن مالك» هي من المتون المتميزة وعناية العلماء بها ما جاءت لمجرد أنها اشتهرت، ولكن أيضا لما فيها من مزايا ودقة وشمول ومقدرة فائقة عند الناظم -رحمه الله- في أن يجمع القاعدة مع الحس الشعري الجيد، فإنه قلما تجد نظما يجمع بين أشتات العلم وفي الوقت نفسه روح الشاعر أو المقدرة (مقدرة الصياغة) الشعرية الجيدة، أنا لا أقول: إنه ينبغي على طالب العلم أن يحفظ أبيات الألفية كلها وإن كان هذا أمرا جيدا ومطلوبا، لكن أقول على الأقل تُحفظ تلك الأبيات الحاصرة والمفيدة من ألفية ابن مالك، يعني هنا مثلا في هذا الباب ابن مالك... وإن كنا لا نشرح نحن ألفية بن مالك، ولكن ذكرها هنا مفيد؛ لأنه فيه ترغيب في هذه القضية، ابن مالك لما وصل إلى الحروف الناسخة وقد كان قد شرح الأفعال الناسخة كما نحن فيه الآن وهي "كان وأخواتها" قال:
لإنَّ أنَّ ليت لكنَّ لعل ***كأنَّ عكس ما لكان من عمل(1/8)
الحروف الناسخة ستة: «إن وأن وليت ولكن ولعل وكأن»، التي نحن الآن بصددها ستة فقط، هو الآن يريد أن يبين للطالب الحروف الناسخة، ويبين عملها في بيت واحد، فجمعها وذكر عملها، بدل أن يقول إنها تدخل على المبتدأ والخبر فتنصب المبتدأ وترفع الخبر، اختصر ذلك وقد ذكر أن كان ترفع الاسم وتنصب الخبر، قال هي بعكسها:
لإنَّ أنَّ ليت لكنَّ لعل *** كأن عكس ما لكان من عمل
أي عكس ما قلناه في عمل "كان" فتلك ترفع ثم تنصب، وهذه تنصب ثم ترفع.
ثم ذكر بيتا ثانيا بعده جمع فيه ثلاثة أمثلة لثلاثة أحرف ناسخة بأسمائها وأخبارها معربة في شيء يشبه القصة، وهو بيت واحد فقال:
كإنَّ زيدا عالم بأني *** كفء ولكن ابنه ذو ضِغْنِ".
مثَّل لـ "إن": زيدا عالم؛ إن واسمها وخبرها، ثم مثل لـ "أن": عالم بأني، مع اسمها وخبرها، ومثل لـ "لكن" مع اسمها "ولكن ابنه ذو ضغن" أيضا مع اسمها وخبرها فيما يشبه القصة. يقول: زيد... لعله جاء لزيد هذا ليطلب منه طلبا أو يحتاج منه حاجة وقد كاد زيد أن يوافق له، ولكن تدخل الابن في وسط القضية فأبطل وأفسد المشروع فقال: إن زيدا عالم بأني كفء لهذا الذي طلبته منه، ولكن ابنه صاحب حقد وأبطل الأمر، فلعله وشى بشيء أو ذكر عيبا من العيوب تبطل ما أراد فأفسد عليه ما أراده.
الشاهد في هذا أن ابن مالك جمع في هذا البيت ثلاثة حروف ناسخة مع أسمائها وأخبارها، وقد نصبت الاسم ورفعت الخبر في مثل هذا الربط السريع، "كإن": "ك" حرف تشبيه، "إن زيدا عالم": إن مع اسمها زيد منصوب وعالم خبرها، "بأني كفء" أن مع اسمها ياء المتكلم وكفء خبرها، "ولكن ابنه ذو ضغن": لكن مع اسمه ابن منصوب، وخبره ذو المرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه من الأسماء الستة.(1/9)
أعود فأقول: إن هذه الأحرف الناسخة الستة: "إن وأن وليت ولكن ولعل وكأن" تدخل على الجملة الاسمية المكونة من مبتدأ وخبر فتنسخ حكم المبتدأ، فلا يعود مرفوعا بل ينصب، وتبقي الخبر على حاله مرفوعا، ولكن يتغير اسمهما في الإعراب كما تغير اسم معمولَي كان وأخواتها، فيصبح المبتدأ بعد "إن" اسما لـ "إن" منصوبا، ويصبح الخبر خبرا لها ويبقى على رفعه؛ أي يبقى مرفوعا، ونقول: إن الذي نصب الاسم ونصب الخبر هو الحرف الناسخ نفسه.
كما ذكرت من قبل، هذه حروف وكان وأخواتها أفعال، هذا فرق ظاهر بيِّن إلا ما حمل على كان وأخواتها من مثل "ما" و"لات"... إلى آخره. فهذه حروف ولكنها عملت عمل الأفعال الناسخة لمشابهتها إياها في النفي، هكذا التمس العلماء الحكمة، والأصل أن العلماء وجدوها تعمل هذا العمل فالتمسوا لها مثل هذه الحكمة.
الحروف الناسخة الستة ليس المتكلم مخير أن يأتي بأي واحدة منها في أي وقت شاء أو لأي جملة أو لمعنى واحد؛ لأن كل واحد من هذه الأحرف له معنى، ولذلك فإن المتكلم إذا أراد أن يؤدي معنى من المعاني أتى بالحرف الذي يمثله، فلكل حرف منها إن وأن لها معنى، وليت لها معنى، ولعل لها معنى، وكأن لها معنى، ولكن لها معنى، فلكل واحد منها معنى يأتي به المتكلم للدلالة عليه، وهذا يختلف عن استعمال –مثلا- مجموعة من الأفعال الناسخة التي سبق ذكرها بمعنى واحد، كاستعمالها بمعنى "صار" فإنها تعمل عملا واحدا وتؤدي معنى واحدا في ذلك الوقت، أما هنا فكل واحد منها يؤدي معنى يختلف عن الآخر، وإن تشابهت في العمل.
يقول: هناك من يعرب "إذا" بقوله: إذا ظرف لما يستقبل من الزمان متضمن معنى الشرط، منصوب بجوابه، خافض لفعله. ما المقصود بقولهم: منصوب بجوابه خافض لفعله؟(1/10)
هم يقصدون أنه إذا قلت مثلا: "إذا قام زيد قام عمرو"، "إذا" ظرف فهو اسم، والأسماء إذا وقعت بعدها جملة فإن هذه الجملة تكون في محل جر مضاف إليه، فهو خافض لشرطه بمعنى أنه مضاف إلى شرطه، فجملة الشرط في محل جر مضاف إليه بإضافة الظرف إليها وهو "إذا". وقولهم: إنه منصوب بجوابه، لأنك إذا قلت: "إذا جاء زيد أكرمتك"، التقدير: "أكرمك إذا جاء زيد"، "إذا" ظرف، أي في الوقت الذي يجيء فيه زيد أكرمك، فنحن نقول: متى تكرمه؟ في ذلك الوقت، فأصبح الظرف ظرف زمان منصوب، ما الذي نصب هذا الظرف؟ جواب الشرط، أو ما هو في معنى جواب الشرط وإن لم يكن مجزوما. في قولك: أكرمتك، فالذي جزمه هو فعل جواب الشرط في جملة الجواب؛ لأنه متعلق به.
يقولون: إن الجار والمجرور والظرف الذي ينصبها هو الفعل الذي تعلقت به، أنت إذا قلت: مررت بزيد، "بزيد" جار ومجرور، هي معمولة أي أنها في محل نصب، ما الذي عمل فيها؟ الفعل "مررت" لأنها مرتبطة به "بزيد" ما به زيد؟ تقول: "مررت". كذلك إذا قلت: جئت اليوم، "اليوم" ظرف، ما الذي نصبه؟ الفعل "جئت" ،لأنه ما الذي حصل اليوم؟ "المجيء"، فالفعل الذي... أو الحدث الذي وقع في الزمان المذكور "الظرف"، وقع في ذلك الظرف، أو تعلق به الجار والمجرور هو الذي عمل فيه، هنا في قولك: إذا جاء زيد أكرمتك، الذي يحصل أن الوقت الذي يجيء فيه زيد متعلق بالجواب "الإكرام"؛ لأن الإكرام يكون في هذا الوقت، ولذلك قيل إنه منصوب بجوابه؛ أي أن "إذا" الظرف لا يتم معناه إلا عندما يُتصور جوابه، وحينذاك هو الذي عمل فيه وهذا معنى قولهم: إن أشباه الجمل هي لا بد أن تتعلق بشيء يعملوا فيها.
كذلك يسأل عن قول الشاعر:
إذا أعجبتك الدهر حال من امرئ
يسأل عن إعراب الدهر؟ هل يعرب ظرف أم مفعول به؟(1/11)
المفعول به من وقع عليه الفعل، وهو الآن لا يقول إنه إذا أعجبه.... لأن "أعجب" أصلا لا يمكن أن تأتي على الدهر أو أنه قد وقع عليه الإعجاب، والمفعول به هو من وقع عليه الفعل، ولكن المقصود "في الدهر"، فالدهر هنا ظرف زمان، كما أنك إذا قلت: إذا جئت اليوم أي في هذا اليوم، ومن ثم فإنا نقول إن "الدهر" ظرف زمان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
أقول: إن الأحرف الناسخة هذه الأحرف الستة كل واحد منها يؤدي معنى؛ يشترك الحرفان الأولان "أنَّ وإنَّ"، المفتوحة الهمزة والمكسورة الهمزة، طبعا هم يقولون: إن أم الباب هي "إنَّ" كما أن أم الباب في الأفعال الناسخة "كان"؛ لأنها أكثرها استعمالا، فلذلك نقول: إن الحرفين "إن وأن" يشتركان في معنى واحد وهو التوكيد، وإن اختلفا في وضعهما وطريقة صياغة الجملة معهما، نقول: إن "إن وأن" يأتيان للتوكيد. مثلا: تأتي بجملة المبتدأ والخبر تقول: الجو بارد، تُدخِل "إن" تقول: إن الجو بارد، أنت الآن لم تفد معنى جديدا، ولكنك أكدت المعنى الموجود في المبتدأ والخبر؛ ومن ثم فإنا نقول: إن المبتدأ والخبر لم يُضَف إليهما شيء جديد بإضافة الحرف الناسخ، ولكن أُكد معناهما. إذن الحرف الناسخ "إن وأن" يضيفان إلى الجملة التوكيد ولا يضيفان معنى جديدا إليها. ونحن نعرف أن التوكيد أحيانا يكون مقصد من مقاصد المتكلم البليغ، لأنه يريد أن يزيد المعنى تقريرا في ذهن السامع، وبالذات إذا كان السامع مترددا أو منكرا، فإنه يضيف له من المؤكدات ما يدفع عنه تردده أو إنكاره.
أقول: فأنت عندما تقول: "إن زيدا قائم" أو تقول: بلغني أو "أعجبني أن زيدا قائم"، فأنت استعمالك "لإن وأن" كلاهما لا يغير في معنى الجملة ولكنه يؤكدها، لكن لعل الواحد منا قد تنبه لشيء وهو أني في الأولى قلت: إن زيدا قائم، وفي الثانية قلت: أعجبني أن زيدا قائم.(1/12)
فعندما استعملت مكسورة الهمزة "إن" جئت بها في أول الكلام، وعندما استعملت المفتوحة الهمزة "أن" ذكرت كلاما قبلها، وهذا الفرق بين استعمال الحرفين: "أن" مكسورة الهمزة تأتي في أول الكلام بينما مفتوحة الهمزة لا بد أن يسبقها كلام، وإلا فهما يشتركان في المعنى والعمل، المعنى: هو التوكيد والعمل: هو نسخ -كما رأينا نسخ- حكم المبتدأ الذي هو الرفع.
الحرف الثالث بعد "إن وأن"، "لكن". لكن هذا الحرف هو حرف يقول العلماء: إنه حرف استدراك؛ ومعنى الاستدراك: هو أن تتذكر أيها المتكلم شيئا فتريد أن تقف عنده أو تنبه إليه، كيف ذلك؟ إذا كنت تكلمت بكلام ثم تخشى أن يكون السامع قد فهم شيئا فتستدرك لتوضح مسألة، والقصد من خشية أن يكون المتكلم قد فهم شيئا أنه ربما يكون كلامك السابق يوحي بهذا الشأن.
مثلا، أنت عندما تقول: زيد عالم، يفهم الآن السامع أن هذا الرجل فيه خصال الخير، فربما يتوقع أيضا أنه عنده من الصفات الأخرى ما لم تذكره أيضا، وأنت تعرف أن عنده صفات ليست بالطيبة، فتريد أن تنبه إليها وتستدرك فتقول: لكنه فاسق، فهذا معنى الاستدراك، الاستدراك هو: أن تعقب الكلام برفع ما يتوهم ثبوته، أو أن تعقب الكلام بإثبات ما يتوهم نفيه، الأولى وضحت من المثال الأول.
الثانية: أن تعقب الكلام بإثبات ما يتوهم نفيه، أنت عندما تقول: فلان –مثلا- بخيل فيتوهم أنه أيضا فيه الصفات السيئة الأخرى فيقال هو جبان مثلا وأنت تعرف أنه ليس كذلك فتعقب وتقول: لكنه شجاع، إذن تعقيب الكلام برفع ما يتوهم ثبوته أو إثبات ما يتوهم نفيه من خلال الكلام السابق هو الاستدراك، هذا معنى قولنا: لكن، فالمثال الذي ذكرته الآن في قولي: زيد عالم لكنه فاسق، أو أن أقول: ما زيد شجاع، لكنه كريم، فعندما قلت: ما زيد شجاع، ظن الظان أنه مع جبنه هو بخيل، فعقبته واستدركت في الكلام وقلت: لكنه كريم.(1/13)
هذا معنى الاستدراك، وهو كما ذكرته أن يعقب الكلام برفع شيء يتوهم السامع ثبوته من الكلام السابق، أو إثبات شيء يتوهم السامع نفيه من خلال الكلام السابق فتستدرك وتعقب بمثل هذا العمل.
وبالنسبة للإعراب واضح الأمر في قولنا: لكنه كريم، "لكن" حرف ناسخ والهاء اسم لكن منصوب ضمير متصل في محل نصب اسم لكن، و"كريم" خبرها مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
تقول: قال تعالى: ?قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ?، ما الحكم في "أشد" التي هي اسم تفضيل، ما الحكم فيها؟
لعلها تسأل عن الإعراب، والإعراب فيا واضح: "النار" مبتدأ وهو مضاف، و"جهنم" مضاف إليه مجرور وعلامة جره الفتحة لأنه ممنوع من الصرف، و"أشد" خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وهو أيضا ممنوع من الصرف للوصفية ووزن الفعل.
يقول: كذلك عندي سؤال عن "جهنم" يا شيخ -أعاذنا الله منها- هنا تقول: هل لفظ جهنم ممنوع من الصرف ولماذا؟
قالوا: إن العلمية والتأنيث هما الأظهر يعني في هذا، لأنها اسم علم، على مكان معين، عليها -أعاذنا الله منها- وأيضا التأنيث فيها، ونحن نعرف أنه إذا اجتمع علتان من علل تسع أو علة واحدة قوية تقوم مقام العلتين منع الاسم من الصرف ولذلك قال الله تعالى: ?قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ?، ولم يقل نار جهنمٍ، ولو كانت مصروفة لجرها بالكسرة، فجرها بالفتحة دليل على أنها ممنوعة من الصرف، وقد ذكرت علة منعها من الصرف.
يقول: الفرق بين الحرف والأداة؟(1/14)
الأداة: هي كل ما يعمل سواء كان حرفا أو اسما أو فعلا، فقد نقول: أدوات الشرط وهي تشمل حروفا وأسماء، وقد نقول أو نسمي النواسخ أدوات مثلا وهي تشمل أفعالا ناسخة وتشمل حروفا ناسخة، فالأداة في الأصل أعم تشمل كل ما يؤدي إلى شيء؛ أي كل ما يعمل، لكن عندما نقول الحروف الناسخة فإنا نخصص القصد "بإن وأخواتها". فلذلك قولنا الأحرف الناسخة أو قولنا مثلا حروف الجزم، أو حروف الشرط أكثر حصرا من قولنا أدوات.
تقول: هل تعد "ابن" من الكنى، أم أن الكنية خاصة بأب؟
العلماء قالوا: إنه ما صدر بأب أو أم أو ابن أو بنت، لكنه ليس على سبيل الوصف ولكن على سبيل التسمية العلمية، يعني ليس المقصود بها أن تصف فلان بأنه ابن فلان، ولكن اشتهر بين الناس أنه بتسميته ابن فلان، عندما يقال مثلا: ابن مالك، الآن أنت فقط تنسبه إلى والده، لأن أصله هو محمد بن عبد الله، ليس والده مالكا، لكن هو اشتهر بهذه التسمية فهذه كنية حينذاك، لكن إذا وصفته قلت: هذا محمد بن عبد الرحمن، هذه ليست كنية له، لأنك تصفه وصفا بها، فالكنية شرطها أن تقوم مقام العلم، بمعنى أنه يكون اشتهر بها، هذا شرط التكنية بها، وهذا قد شمل عند العلماء بالأصل الأب والأم، أبو فلان وأم فلان، وأيضا حملوا عليه بنت فلان وابن فلان إذا قامت مقام العلم؛ أي إذا صارت ...عرف بها، وعرف بهذا الاسم.(1/15)
الحرف الرابع من الحروف الناسخة هو "كأن" وكأن أيضا يعمل عمل "إن" فيدخل على جملة المبتدأ والخبر فينصب الاسم ويرفع الخبر، لكن الفرق بينهما المعنى الذي تؤديه "كأن". نحن عرفنا أن الحروف الناسخة ميزتها أن كل حرف منها يؤدي معنى مستقلا وإن تساوت في العمل، "كأن" معناها الأصلي هو التشبيه، عندما تقول: "كأن زيدا أسدٌ" أي أنك تشبهه به في الشجاعة، فـ "زيدا" اسمه منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، و"أسد" خبره مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، هذا هو الأصل في استعمال كأن، وقد تستعمل للظن؛ فعندما تقول: "كأنك مريض" يعني أظنك كذلك، أنت لا تشبهه بالمريض، ولكنك تقول أتوقع كذلك، "كأن الجو بارد"، "كأن فلان حصل له كذا"، كأنك تبين ظنك لهذا الشيء تستعمل للتشبيه وتستعمل للظن، والذي يفرق بين الاثنين هو السياق والمقام، فإذا كان المقام مقام تشبيه حملت على التشبيه، وإذا كان المقام مقام ظن حملت على الظن فيهما.
كأن: يا شيخ محمد مكون من حرفين: حرف للتشبيه الكاف، والتوكيد؟
قال بعض العلماء –نعم-: كأن تؤدي تشبيها مبالغا فيه أكثر من "الكاف" فأنت عندما تقول: "محمد كزيد" وقولك: "كأن محمدا زيد" أكثر مبالغة وقوة فيها، لأن "كأن" فيها حروف أكثر، وفيها إضافة حرف توكيد وهو "أن" والعلماء قد اختلفوا فيها فمنهم من قال: إنها عبارة عن -كما ذكرت الآن عبارة عن- حرفين: حرف التشبيه مع أن المؤكدة، ومنهم من قال هي برمتها تؤدي معنى التشبيه المؤكد دون تفريق، فلا يقال هذا. وما دامت تؤدي المعنيين فحملها على أنها مركبة من حرفين أولى وأوجه، وعلى كل حال هي تؤدي معنى التشبيه والتوكيد جاء من زيادة الأحرف، أو من استعمال "أن" فيها الأمران سواء، لأن زيادة المبنى أيضا تؤدي إلى زيادة في المعنى.(1/16)
الحرف الخامس: هو "ليت" وهو الحرف قبل الأخير من الحروف الناسخة، و"ليت" حرف من الحروف الناسخة، فينصب الاسم ويرفع الخبر، لكنهم قالوا معناه هو التمني؛ والتمني يأتي عند العرب على نوعين: إما أن يطلب أو يرجى أو يرغب في الشيء الذي لا يمكن حصوله، أو الشيء الذي يمكنه حصوله ولكنه فيه عسر، عندما يقول أبو العتاهية:
ألا ليت الشباب يعود يوما *** فأخبره بما فعل المشيب(1/17)
يقول هذا الكلام شيخ قد شاب فنقول: إنه يتمنى شيء لا يمكن حصوله، يطلب شيئا لا يمكن حصول، ولذلك نقول: إن التمني هنا هو طلب الشيء مستحيل الحصول، وهذا هو الأكثر في استعمال ليت في التمني؛ أن الأصل فيها أن يكون للشيء الذي لا يمكن حصوله، لكنه يستعمل في ما هو دون ذلك، عندما يقول: ?يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ?، يا ليت لي مالا عندما يقول الفقير المعدم: يا ليت لي مالا كثيرًا، يا ليت لي قنطارا من الذهب وهو لا يملك إلا القليل، نقول: هذا ليس بعزيز على الله، لكنه عقلا بعيد الحصول؛ لأنه لا يتحقق حصول هذا للغني، أما الفقير فإن هذا بعيد الحصول عنه، كلا الأمرين يسمى تمنيا عند العرب؛ أي طلب الشيء المتعسر أو المتعذر، لكن استعماله المتعذر غير الممكن المستحيل أكثر، ومن هنا أنا أنبه على أمر لطيف ومفيد، وهو من الأمور التي شاعت عند الناس ويحسن التنبيه إليها، أنهم يستعملون كلمة أتمنى هذه في الأمور المطلوبة المحبوبة المرجوة فيقول: أتمنى أن أصبح طبيبا، وأتمنى أن تكون بخير، وأقول: إن الأصل في التمني عند العرب؛ هو طلب الشيء إما المستحيل المتعذر، أو البعيد المتعسر. ولذلك أنت عندما تقول: أتمنى كذا كأنك تتكلم عن شيء لن يحصل أو سيحصل بعسر، كأن يقول أرجو وآمل، ولذلك لا يقال: ما أمنياتك يا فلان، ولكن يقال ما آمالك. لأن التمني في الأصل في استعمال العرب هو للشيء في معظمه للمستحيل أو للشيء الذي يمكن ولكنه بعسر ومشقة. ولذلك الرجاء والأمل هو مقام هذا، فيقال: أمنية فلان أو رجاؤه أو آمل أن يحصل لك كذا، أو أرجو أن يحصل كذا، ولا أقول: أتمنى أن يحصل كذا، لأن التمني في الأصل عند العرب هو لهذين الاستعمالين: الشيء المتعذر مطلقًا لا يمكن، أو المتعسر الذي يحصل ولكن فيه عسر وفي حصوله عسر.(1/18)
الحرف الأخير من الحروف الناسخة هو "لعل" وهذا معناه الترجي في الأصل، وهو المعنى الآخر الذي هو أقرب حصولا عند العرب، فلذلك عندما تقول: ليت زيدا يأتي فأنت إما أنه متعذر أو متعسر، لكن عندما تقول: لعل زيدا يأتي فهذا فيه قرب حصول.
ولذلك يقولون: الترجي هو توقع الشيء القريب المحبوب، عندما يكون الشيء قريب الحصول وهو محبوب إلى النفس تستعمل معه أسلوب الترجي، هذا هو أسلوب الترجي، وحرفه هنا في الحروف الناسخة هو "لعل".
أنت عندما تقول: "لعل الله يرحمني" أي أني أرجو ذلك وهو قريب -إن شاء الله تعالى- والله -سبحانه وتعالى- هو خير مأمول، هنا يكون هذا أسلوب ترجي، بعض العرب... أحيانا العرب تستعمل "لعل" في معنى آخر غير الترجي؛ وهو ما يسمونه الإشفاق؛ والإشفاق هو: خوف الشيء المكروه، عندما تقول: لعل زيدا هالك، أي أخاف أن يكون هلك، أخشى أن يكون كذلك، هذا استعمال من استعمالات العرب ولكنه قليل، والأكثر في استعمال لعل أن يكون لما ذكرناه منذ قليل طلب حصول الشيء القريب المحبوب وهو الترجي لكن استعمال لعل للإشفاق وهو خوف حصول الشيء المكروه وارد عن العرب ولكنه قليل.(1/19)
ذكر بعض العلماء أيضا أن مما تأتي له "لعل" وإن كان قليلا، وهذا رأي لبعض العلماء في تفسير قول الله -سبحانه وتعالى-: ?فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى?، خطاب الله -سبحانه وتعالى- إلى موسى وهارون، "فقولا له" أي لفرعون، "قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى". قالوا التفسير التقدير قولا له ذلك تفسير الآية؛ "كي يتذكر" فأفادت "لعل" هنا التعليل؛ أي علة طلب القول اللين والكلام اللين له حصول التذكر والخشية، وعلى كل حال فهذا رأي حسن ولكنه يمكن أن يحمل أيضا على الرجاء وهو طلب الشيء ممكن الحصول والقريب الحصول، وحينذاك لا يحتاج إلى هذا المعنى وإذا حمل هذا المعنى فهو معنى حسن، لكن -كما قلت- هو استعمال قليل حتى لو أثبت أو حمل عليه معنى الآية، ولكن الاستعمال الأكثر لـ "لعل" هو أن تكون للترجي.
تقول: هل تختص "ما" الحجازية بهذه التسمية في حال عملها فقط؟ في قول الله تعالى: ?وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ? بأن "ما" هنا يعني تسميتها بالحجازية ليست صوابا؟
المقصود بـ "ما" الحجازية هي "ما" العاملة عمل "ليس" فإذا لم تعمل لم تكن هي "ما" الحجازية، ولذلك نقول هي العاملة عمل الأفعال الناسخة المحمولة عليها.
يقول: أين خبر "ليت" في قوله: ?يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلا?؟
الإعراب الكامل:
"ليت" هنا حرف ناسخ، "والنون" نون الوقاية، "الياء" ياء المتكلم ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم ليت، جملة "لم أتخذ فلانا خليلا" هي جملة خبر ليت في محل رفع تعرب "لم" حرف جزم، "أتخذ" فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون، الفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا، "فلانا" مفعول به أول منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، "خليلا" مفعول به ثاني أيضا منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، والجملة الفعلية في محل رفع خبر ليت.(1/20)
تقول: هل الأحرف الناسخة تسمى الأحرف المشبهة للفعل؟ يسأل عن سبب تسميتها؟
هم قالوا: إن الأصل في العمل هو للأفعال، والأحرف محمولة عليها، فإذا عملت الأحرف فكأننا شبهناها بالأفعال في هذه ولذلك قيل إنها مشبهة بها.
يقول: في قول الله تعالى: ?إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلا?، أريد الخبر؟ وإذا كان فيه رفع؟
كيف الرفع يا شيخ؟ أنت تقول إذا كان فيه رفع؟
مثل أليس ينصب المبتدأ ويرفع الخبر؟
بلى
الأمر الآخر: أيهما أفصح: أقول: أفيدكم بأننا، أم أفيدكم بأنا؟
"إنا نحن نزلنا" هذه "إن" أصله "إننا" خففت بدمجها؛ توالي ثلاث نونات، لأن النون المشددة ومعها "نا" فـ "نا" الفاعلين هي اسم "إن"، "نحن" على الرأي الأصوب فيها أنها ضمير فصل، إن أعربتها مبتدأ وصارت "نزلنا" الجملة الفعلية هي الخبر، قلت: الجملة الاسمية "نحن نزلنا" في محل رفع خبر "إن"، وإن جعلتها "نحن" ضمير فصل عماد لا عمل له فالجملة الفعلية هي الخبر، والتقدير: "نزلنا هذه" نزل فعل ماض، والفاعل "نا" والقرآن مفعول، والجملة الفعلية في محل رفع خبر إن، فأنت بالخيار أن تجعل الجملة اسمية باستعمال ضمير الفصل مبتدأ، أو تجعل ضمير الفصل مجرد عماد لا عمل له وتكون الجملة الفعلية هي الخبر.
أفيدكم بأننا أو بأن
الأصل فيها أن "أفيد" تتعدى بنفسها فنقول: "أفيدكم أننا" لا داعي أصلا لاستعمال الباء فيها، وإذا قلت: أننا أو أنا فالأمر فيهما سواء، فالعرب تخفف هذه بإثبات النون أو بحذفها.
هلا تفضلتم بطرح أسئلة هذه المحاضرة؟.
السؤال الأول:
ما معنى الاستدراك في "لكن" وما مثاله؟
والسؤال الثاني:
اذكر المعاني التي تأتي لها "لعل" مع التمثيل؟(1/21)
لغة عربية - المستوى الرابع
الدرس التاسع عشر
تابع أنواع النواسخ
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
حديثا اليوم -إن شاء الله تعالى- سيكون في الحروف الناسخة، أو في تتمة الحديث عن هذه الحروف الناسخة، ونبدأ بعد ذلك بالنوع الثالث من أنواع النواسخ، ونحن في هذه اللقاءات نجمع بين شرح هذا المتن المبارك متن "قطر الندى وبل الصدى" للإمام ابن هشام الأنصاري -رحمه الله- ومع ذلك استقبال ما تمس الحاجة إليه وتعم الفائدة فيه لأكثر بشريحة كبيرة من الإخوة المشاهدين والطلاب وطلاب العلم في القضايا النحوية واللغوية بما لا يحيف على مقصدنا من شرح هذا المتن.
وكان السؤالان: الأول: عن معنى الاستدراك في لكن؟
والثاني: في المعاني التي تأتي لها لعل؟
تقول إجابة السؤال الأول: معنى الاستدراك في لكن وما مثاله؟
الجواب: معنى الاستدراك في لكن هو أن تُعقب الكلام برفع ما يتوهم ثبوته أو أن تُعقب الكلام بإثبات ما يتوهم نفيه فمثال الأول: وهو أن تُعقب الكلام برفع ما يُتوهم ثبوته هو قولنا محمد كريم لكنه جبان، ومثال الثاني: تعقب الكلام بإثبات ما يُتوهم نفيه هو قولنا زيد بخيل لكنه شجاع.
إجابة السؤال الثاني: تقول في إجابتها: أشهر معاني لعل هو الترجي وهو المعنى الأقرب حصولا عند العرب مثل قول القائل: لعل زيدًّا يأتي، وتستعمل بمعنى الإشفاق لكنها قليلة مثل قولنا: لعل زيدًّا مريض، وتستعمل بمعنى التعليل مثل قول الله تعالى: ? فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ? [طه: 44].(1/1)
طبعا بالنسبة للترجي هو -من باب الإيضاح- طلب المحبوب القريب الحصول، والمثال كما ذكر الأخ أو الأخت التي شاركت، وأما الإشفاق فهو توقع حصول المكروه، كما تقول لعل فلان هالك، أو لعل فلان غائب، أي تخشى من هذا الأمر كأنك تخشى منه، ولكن أكثر استعمالاته في توقع قريب الحصول المحبوب إلى النفس الذي ترغبه وتأمله ولذلك كان دائما الإنسان يقول: آمل كذا وأرجو كذا عندما يكون الشيء قريبا إلى النفس محبوبا إليها ولا يقول أتمنى كذا؛ لأن التمني كما ذكرنا من قبل إنما هو للمتعسر أو المتعذر البعيد أو المستحيل.
نأتي لمسألة تتعلق بهذه الأحرف الناسخة وهذه الأحرف: "إن، أن، وليت، ولكن، ولعل، وكأن"، تأتي هذه الأحرف أحيانا ومعها "ما"، نقول فيها "إنما، وأنما، وليتما، وكأنما، ولكنما، ولعلما"، يسمون هذه الـ"ما"، "ما" هذه المتصلة بالحرف الناسخ يسمونها "ما" الحرفية، ويسمونها أحيانا بالكافة، فإذا جاءت "إنما" يعربها بعض المعربين يقول: "كافة ومكفوفة" ويقصد مكفوفة وكافة؛ لأن "إن" مكفوفة عن العمل "وما" كفتها عن العمل فحصل فيه نوع من التعريف غير المرتب، يكون كافة ومكفوفة، كافة لـ "ما"، والمكفوفة لـ "إن".
مقصودهم بذلك أن "ما" هذه إذا دخلت على الحرف الناسخ كفتها عن العمل، نحن نعرف أن الحروف الناسخة لها عمل تنصب الاسم وترفع الخبر ولكنها إذا دخل عليها "ما" هذا الحرف فإنه يكفها عن عملها، يبطل عملها، ويصل الأمر إلى أن تصبح الجملة الواقعة بعد الحرف الناسخ يصح أن تكون جملة اسمية ويصح أن تكون جملة فعلية، لا يعود الحرف الناسخ مختصا بالجملة الاسمية؛ بل يلغى أو يزول هذا الاختصاص فتقع أو تدخل بعدها حتى الجمل الفعلية مما يدل على أن إبطالها لهذا العمل إبطال شديد. كيف ذلك؟!(1/2)
يقول الله -سبحانه وتعالى: ? قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ? [الأنبياء: 108]، لاحظ أن عندنا مثالين: ? إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ ?، فمثال "لإن"، ومثال "لأن" وكلاهما قد دخلت عليه "ما" لما دخلت عليه "ما" أبطلت عملهما فلم يعد بعدهما اسم "إن" أو خبر "إن" ولا اسم "أن" ولا خبر "أن"، ولو أعدنا النظر مرة ثانية لوجدنا أنه حتى الجملة لم تعد جملة اسمية في قوله تعالى: ? إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ ?، فدخلت "إن" على الجملة الفعلية "يوحى"، فلكونها بطل عملها لم تعد مختصة بجملة المبتدأ والخبر، بل جاز أن تدخل على المبتدأ والخبر وجاز أن تدخل على الجملة الفعلية؛ لأنه لم يعد لها عمل ولو بقيت داخلة على الجملة الاسمية كما في قوله تعالى: ? أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ?، فنرى أنه لا يكون لها أثر في العمل: ? أَنَّمَا إِلَهُكُمْ ?، فـ "إله" مرفوع لم تعد "أن" ناصبة لاسمها رافعة لخبرها؛ وإنما يكون ما بعدها من جملة اسمية مبتدأ وخبر، ? أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ? نقول "أن" حرف توكيد و"ما" ما الحرفية، بعض المعربين يقول كافة ومكفوفة؛ أي كافة عن العمل وهي "ما" تكف "أن" عن العمل، ومكفوفة عن العمل وهي "أن" الحرف المؤكد الذي كان ناسخا كُفَّ عن عمله فلم يعد ناسخا و"ما" بعده يكون جملة اسمية: ? إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ? "إله" مبتدأ مرفوع وعلامة رفعة الضمة الظاهرة على آخره وهو مضاف، "كم" ضمير متصل في محل جر مضاف إليه، "وإله" خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره خبر المبتدأ، ما عندنا الآن نسخ وواحد نعت له وصفة له.(1/3)
كذلك في قوله تعالى: ? كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ ? [الأنفال: 6]، هذه "كأن" دخلت عليها "ما" فأبطلت عملها، وما جعلت على الجملة الاسمية فقط، بل تدخل حتى على الفعلية كما في هذه الجملة: ? كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ ?، فدخلت على "يساقون" الجملة الفعلية وبطل عملها واختصاصها بالجمل الاسمية كذلك في قول امرئ القيس:
فلو أنما أسعى لأدنى معيشة *** كفاني ولم أطلب قليلا من المال
ولكنما أسعى لمجد مؤثل *** وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
قال "ولكنما" أسعى هذه "لكن" دخلت عليها "ما" اتصلت بها فكفتها عن العمل، ولم تعد مختصة بالدخول على الجملة الاسمية جملة المبتدأ والخبر فدخلت كما ترون على الجملة الفعلية "ولكنما أسعى" وخرجت عن بعض النواسخ.
كذلك في النابغة عندما يتحدث عن زرقاء اليمامة التي تذكر الروايات شدة نظرها، فيذكرها في قصة طويلة عن موهبتها في عد الحمام البعيد المتفرق:
فاحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت *** إلى حمام شراع وارد الثمد
قالت ألا ليتما هذا الحمام *** لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد
فحسبوه فألفوه كما ذكرت *** تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد.
الشاهد في هذا قوله: (ألا "ليتما" هذا الحمام)، هنا دخلت "ما" على "ليت" فكفتها عن العمل ولذلك جاءت الرواية:(1/4)
"ليتما هذا الحمامُ" برفع "الحمام" الذي هو بدل من "هذا" ولم ينصب على أنه اسم "ليت" بل رفعه، مع أنه هناك رواية للبيت بنصبه "ليتما هذا الحمامَ"، هنا نستفيد فائدة أن "ما" الحرفية هذا الحرف الذي يدخل على النواسخ يُبطل عمل هذه النواسخ ويبطل اختصاصها بالجملة الاسمية فهي لا تعمل النصب في أسمائها أو الرفع في أخبارها، بل يكون ما بعدها جملة مستقلة، كانت جملة فعلية أعربت على حالها، وإن كانت جملة اسمية أعربت أيضا من مبتدأ وخبر، ما عدا ليت فإنه لم ترد في كلام العرب ومعها "ما" إلا والذي بعدها جملة اسمية، يعني تبقى مختصة بالجمل الاسمية، ولا يزول اختصاصها بها، ولكونها دائمة الاتصال بالجملة الاسمية جاز عند العرب إعمالها أيضا حتى وهي معها "ما" وجاز إهمالها، ولذلك وردت الروايتان "ليتما هذا الحمامُ"، و"ليتما هذا الحمامَ"، فعلى الرفع هذا مبتدأ والحمامُ بدل مرفوع وعلامة رفعه الضمة، وعلى النصب ليتما هذا الحمامَ نقول هذا اسم "ليت" ولم تؤثر عليها "ما" والحمام بدل منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
إذن كل الحروف الناسخة يبطل عملها لاتصالها بـ"ما" ما عدا "ليت" فإنه عند اتصالها بـ"ما" لك أن تُعملها ولك أن تُهملها؛ وبناء عليه فإن "ليت" يبقى بعدها الجملة الاسمية حتى مع "ما" عليها، سواء أعملت أو أهملت أما بقية الحروف الناسخة فيمكن أن يقع بعدها جملة اسمية ويمكن أن يقع بعدها جملة فعلية متى ما اتصلت بها "ما" وفي الحالين هي غير عاملة.
تقول: يا شيخ سؤالي قوله تعالى في سورة الرحمن: ? لاَ تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ ? [الرحمن: 33]. النفي أتى بعد لا تنفذون حرف "النون" لماذا جاءت مثبتة، وهل هذا نهي؟
والسؤال الثاني: قال تعالى: ? أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ ? [البقرة: 86]. أين اسم التفضيل فيها؟(1/5)
أما في الأولى "لا تنفذون" فهذه ليست ناهية وإنما هي نافية الله -سبحانه وتعالى- ينفي أن ينفذ أحد إلى أقطار السموات والأرض إلا بإذن منه ? إِلاَّ بِسُلْطَانٍ ? فما دامت نافية فهي لا تعمل ويبقى الفعل المضارع بعدها مرفوعا وعلامة رفعه ثبوت النون، وأما في: ? اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ ? لعلها ما تقصد اسم التفضيل، ولكن تقصد ما المشترَى وما المتروك، وإلا فليس هناك اسم تفضيل؛ لأن اسم التفضيل هو ما كان وزنه "أفعل" وهنا ليس هناك اسم تفضيل في هذه الآية ولكن نقول إنها ? اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ ? معناه أنهم آثروا الحياة الدنيا واشتروها وبذلوا الآخرة وبئس الصفقة وبئس التجارة، لأنهم جعلوا الآخرة عوضا وبدلا وثمنا للدنيا وهذا هو الخسار المبين.
تقول: هل "لكن، ولكنِ" تعملان عمل "لكنَّ" وهل تفيدان الاستدراك؟
عفوا "لكن" المخففة تقصدين؟
مثل في قوله: ? لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ ? [آل عمران: 198].؟
طبعا الحروف الناسخة إذا خففت، منها ما يبطل عملها ومنها ما يقل عملها وهنا في:
? لَكِنِ الَّذِينَ ?، طبعا هي ? لَكِنِ الَّذِينَ ? هي لكنْ، وإنما حركت بالكسر فقط للتخلص من التقاء الساكنين وهي لكن المخففة، لأنها وقع بعدها "ال" حرف التعريف، وحرف التعريف ساكن والنون في "لكن" ساكنة، التقى ساكنان فتخلص من التقاء الساكنين بكسر النون فقط، وإلا فهي لكن المخففة، إذا خففت هي "لكنِ الذين آمنوا" نقول إنها جاءت حينئذ خفت لم تعمل هنا، ونقول الذين مبتدأ وما بعده خبر وتستقيم الجملة على هذا الحال.(1/6)
نأتي بعد ذلك لأمر ربما يشكل على بعض الإخوة في مسألة "ما" التي تدخل على الأحرف الناسخة، عندما نأتي ننظر في قول الله تعالى: ? إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ? [طه: 69]، قد يلتبس الأمر على بعض الإخوة فيقول هذه "إن" الناسخة قد دخلت عليها "ما" وبعدها "صنعوا" جملة فعلية فهي "إن" الناسخة كُفت عن العمل بدخول "ما" عليها ولم تعد عاملة، ولم تعد مختصة بالجملة الاسمية بل دخلت على الجملة الفعلية، نقول إن المعنى دائما هو الذي يحدد لنا هل هذه "ما" الموجودة هي التي نقصدها بأنها الكافة أو غيرها؟
لو تأملنا في معنى الآية: ? إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ? يختلف عن قولنا مثلا: ? إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ ?، إنما يوحى إلي معناها يوحى إلي، لكن ? إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ? معناه "إن الذي صنعوه كيد ساحر"، فإذن "ما" هذه تختلف عن "ما" السابقة، يسمون هذه "ما" الاسمية وهي الحرف الموصول الذي بمعنى "الذي" "إن الذي"، أما تلك فإنها حرفية ليس لها معنى موصول، معنى "الذي" وإنما هي فقط حرف يؤتى به لمزيد توكيد وهي تبطل عمل النواسخ إذا دخلت عليه ما عدا "ليت" في بعض صورها كما سبق ذكره.
أقول: في مثل قول الله -سبحانه وتعالى-: ? إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ?، هذه "ما" الاسمية وليست الحرفية، يقول قائل: كيف أفرق بينهما؟(1/7)
أقول: انظر إلى المعنى؛ المعنى "إن الذي صنعوه كيد ساحر" فـ"ما" هذه لها معنى وهو معناها الذي، لو وضعت مكانها الذي لاستقام المعنى، وحينئذ فإن الإعراب يختلف، نقول: ? إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ? "إن" حرف ناسخ، "ما" اسم موصول مبني على السكون في محل نصب اسم إن بمعنى الذي، "صنعوا" صنع فعل ماضي مبنى على الضم لاتصاله بواو الجماعة، والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، "والعائد" محذوف تقديره "صنعوه" ونحن عرفنا في الموصول أن العائد يحذف؛ الضمير العائد يحذف، الجملة صلة الموصول صلة "ما" لا محل لها من الإعراب، "كيد" هذه خبر "إن" مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره وهو مضاف وساحر مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة.
يقول: سؤالي بالنسبة للجمل اللي فيها كلمات مقدرة، كيف أكتشفها؟ هل هو عن طريق إعراب الجملة من دون كلمة؟ أو ألاحظ أنك يا شيخ تدقق في الجملة وتستخرج الكلمة المقدرة، أريد أن أعرف كيف أستخرجها؟.(1/8)
هو طبعا ينبغي أن يعلم التأويل أو استنباط الأشياء هي ليست اقتراح من الإنسان، ولا هي أيضا على هوى المتكلم يختار ما يشاء ويقول هنا تقدير وهنا ليست مقدرة، وإنما هو السياق والمعنى هو الذي يدلها، ولذلك لا يصح أن تحمل الكلام معنى لا يحتمله، في مثل هذه الآيات التي نحن فيها نحن قلنا إن "ما" هنا ليست مثل "ما" السابقة، قد يقول قائل أنت هذا تحكم بأي حق قلت إن "ما" هذه تختلف عن السابقة؟ أقول المعنى هو الذي دلنا، من هنا قدرنا وقلنا إن "ما" هنا بمعنى الذي لأن التقدير: «إن الذي صنعوه كيد ساحر»، بخلاف قولك: ? إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ ?، ليس معناها إن الذي يوحى إلي، لأنه هناك ? إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ? [الأنبياء: 108]، لا يستقيم معها أن تقدر "ما" بمعنى الذي، هنا لما استقام قلنا إن "ما" اسمية وهي اسم موصول اسم إن وجعلنا ما بعدها خبرا، وهناك لما كانت مجرد حرف أُتي به لتوكيد الكلام أبطلت عمل الناسخ ولم تؤثر فيه شيئا، وذلك دائما التقديرات إنما تكون بحسب سياق الكلام، ومن هنا فإني أقول: إن الكلام إذا كان لا يقتضي تأويلا ولا تقديرا فلا يصح أن يحمل عليه، وبالذات ما يتعلق بكلام الله -سبحانه وتعالى- فلا يصح أن نقول إن هناك مثلا مبتدأ مقدر أو اسم مقدر أو فاعل مقدر والسياق أو المعنى لا يقتضيه؛ لأن هذا من تحميل الكلام ما لا يحتمل، بل لا نقدر إلا ما كان السياق يحتمله ويقدره بحيث إن الإنسان إذا سمع الجملة عرف هذا الشيء المقدر فهي تُستنبط استنباطا ولا تُقترح اقتراحا.
تقول: قال الله تعالى: ? أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ? [هود: 28] تسأل عن إعراب هذه الآية؟(1/9)
هذه جملة "أنلزمكموها"، جملة مكونة من عدد من الكلمات، لأنها فعل مضارع "نلزم" مرفوع، طبعا "الهمزة" همزة استفهام "نلزم" فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره نلزمُ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره نحن، و"كُم" ضمير متصل، إن قلت إن الكاف هي الضمير وحده على رأي كثير من العلماء فهي ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول أول "والميم" علامة جمع الذكور، وبعضهم يرى أن كُم كلها ضمير فتكون ضمير متصل مبنى على السكون، الواو للإشباع لأنها "كمو" ثم "ها" يأتي بعد ذلك هي المفعول الثاني ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول ثان، إذن هذه جملة مكونة من فعل وفاعل ومفعولين أول وثان، وإن كانت في صورتها كلمة واحدة.
كنا في باب الأفعال الناسخة كان وأخواتها.
كان بعض الإخوة الزملاء هنا يا شيخ يسأل عن أو يطلب طرح بعض الأسئلة لكي يقوم بالمشاركة في ذلك؟
طيب أسأل أنا سؤالا، أو اجعلني أؤخر السؤال قليلا حتى أوضح شيئا ثم أسأله.
قد كان فيما سبق... لعلنا نتذكر أننا قلنا في الأفعال الناسخة التي "كان وأخواتها" أنه يجوز في أخبارها أن تتقدم على أسمائها فأقول في مثلا "كان الجو باردا" يصح أن أقول "كان باردا الجو" بل يصح أن أقدم الخبر على الفعل الناسخ نفسه فأقول "باردا كان الجو"، وهذا مر بنا في الأفعال الناسخة، أما هنا في الحروف الناسخة فإن الأمر يختلف فلا يصح أن تتقدم الأخبار؛ خبر "إن وأخواتها" لا يتقدم لا على الأسماء ولا على الأحرف من باب أولى، إذا قلت "إن الرجلَ كريمٌ" فإنه لا يصح أن تقول "إن كريمٌ الرجلَ" فتقدم الخبر على الاسم، ومن باب أولى أنه لا يصح أن تقدمه على الحرف الناسخ فتقول "كريم إن الرجل".(1/10)
علل بعضهم قال إن العمل؛ يعني عمل الرفع وعمل النصب في الأسماء وفي الأخبار، الأصل فيه أن يكون للأفعال؛ لأن الأفعال هي العوامل في الأصل، والحروف محمولة على الأفعال في ذلك، من ثم تجوز في الأفعال الناسخة أن تتقدم معمولاتها التي هي الأخبار على أسمائها وعليها، ولم يُستسغ ذلك أو يُجوَّز ذلك في الحروف لأن الحروف أضعف في العمل وهي محمولة، والمحمول أو الفرع لا يكون كالأصل في كل أموره.
ابن عنين وهو أحد الشعراء المتأخرين يشكو تأخره وعدم تحصيل الشيء من الدنيا فيقول:
كأني من أخبار إن ولم يجز له أحد في النحو أن يتقدم
يشبه نفسه بخبر "إن" أنه لم يجز له أحد في النحو أن يتقدم فخبر "إن" لا يجوز تقديمه، لا على اسمها ولا على خبرها، فهذا كأنه...
تشبيه بليغ
يقول إني عجزت أن أتقدم في هذه الدنيا ما حصَّل شيئا يبدو من هذه وأسأل الله أن يجعلنا ممن تقدم في حق الله -سبحانه وتعالى- وقدم عنده وإلا فأمر الدنيا أمرها يسير، الشاهد في هذا أنه -كما قلت- يصح أن أقول: كان زيد قائما، أقول قائما كان زيد، لا يصح أن أقول في إن زيدا قائمٌ، قائمٌ إن زيدا، ولا أن تتقدم حتى الأخبار على الأسماء عندما قلت "كان قائما زيد" في "إن" لا أقول "إن قائم زيدا"، لا يجوز تقديمها عليه، فالخبر يلزم مكانه والاسم يلزم مكانه لضعف الحروف الناسخة على العمل مقارنة بالأفعال الناسخة.
استثنوا من ذلك شيئا واحدا وهو أن يكون الخبر ظرفا أو جارا ومجرورا يسمونها شبه الجملة، إذا كان خبر إن ظرفا أو جارا ومجرورا فإنهم يقولون يجوز أو يجيء في كلام العرب في الفصيح من كلام العرب أن يتقدم على الاسم، وقد جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: ? إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً ? [النور: 44]، هذه "إن" اسمها "عبرة"، وخبرها تقدم على اسمها وهو "في ذلك"، وإنما جاز لكونه شبه جملة (جار ومجرور)، والجار والمجرور أو شبه الجملة يُتوسع فيه ما لا يتوسع في غيره.(1/11)
وكذلك في قوله تعالى: ? إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيمًا ? [المزمل: 12]، فـ "أنكالا" اسم إن، وأما خبرها فهي "لدينا"، ولدينا ظرف مكان، ولما كانت ظرفا والظروف أشباه جمل، والجوارّ والمجرورات يتوسع فيها ما لا يتوسع في غيرها جاز لذلك أن يتقدم هذا الخبر على الاسم.
إجازة أن يتقدم الخبر الظرف أو الجار والمجرور على اسم إن وأخواتها لا يعني أنه يجوز أن يتقدم على إن نفسها، وإنما غاية الأمر فقط هو أنه يجوز أن يتقدم على الاسم وحده، في هذه الحال وهو أن يكون شبه جملة ظرفا أو جارا ومجرورا للتوسع فيهما.
نأتي لموضوع آخر وهو يتعلق.... إن لم يكن هناك شيء من الأسئلة.
يقول: كل ما جاز أن يعرب بدلا جاز أن يعرب عطف بيان إلا في مسألتين اثنتين يريد معرفتهما؟
أنا أقترح هذه... إني فصلت... لأنه لا بد أن أبين معنى عطف البيان.
وهو متابع معنا الأخ الكريم فإذا أردت أن أؤجل هذا الأمر
هو سيأتي الحديث عن البدل وعطف البيان وليس إشكالا، لكن يحتاج الأمر إلى إيضاح لأن بعض الإخوة يلتبس عنده مسألة عطف البيان، البدل قد يكون معروفا لكثير من الإخوة، لكن عطف البيان التفريق بينه وبين البدل يحتاج إلى نوع من الإيضاح، لعله ينتظر حتى يأتي.
نحن قلنا إن الحروف الناسخة منهما حرفان مؤكِّدان يأتيان بمعنى التوكيد وهو "إن، أن" فهما يتشابهان في أنهما حرفان يفيدان التوكيد، وهما حرفان يدخلان على المبتدأ والخبر فينصبان الاسم ويرفعان الخبر، الفرق الوحيد بينهما أن أحدهما مكسور الهمزة والثاني مفتوح الهمزة.
يسأل بعض الناس ويقول: متى يأتي مكسور الهمزة ومتى يأتي مفتوح الهمزة؟ ما دام المعنى واحد وهو التوكيد والعمل واحد وهو نصب الاسم ورفع الخبر، فمتى يستعمل العرب إن مكسورة الهمزة ومتى يستعملونها مفتوحة الهمزة؟(1/12)
هناك قاعدة عامة لهذا الأمر وهو أنه إذا جاء الحرف الناسخ في مطلع جملة فإنه يكون مكسور الهمزة، وإذا جاء في مواقع المفردات فإنه يكون مفتوح الهمزة، كيف ذلك؟
عندما أستهل كلام أقول: إنك كريم، أنا الآن أتيت بجملة كاملة استفتحت بها كلامي، فأتيت بالهمزة مكسورة بإن مكسورة الهمزة، لكني إذا أتيت بجملة إن مع اسمها وخبرها في موقع المفرد مثل: أعجبني أنك كريم، التقدير: أعجبني كرمك، "كرم" فاعل مفرد، وضعت كلمة "أنك كريم" في موقع "كرمك" فجاءت في مكان المفرد فآتي بها مفتوحة أنك كريم، أو مثلا رغبت أنك تقوم، أو في أنك تقوم، أي في قيامك، لما جاءت في موضع قيامك الذي هي مفرد أتينا بها مفتوحة الهمزة...
? وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ? [النجم: 43]
معطوفة على ما قبلها أيضا فهي إذا جاءت في مواقع المفردات فتحت همزتها، وإذا جاءت في مواقع الجمل كسرت همزتها، لذلك كل ما جاء من كلام النحويين من أن همزة إن تكسر في مواضع.. سترى أنها كلها في مواضع جمل، ابن مالك يقول:
فاكسر في الابتدا وفي بدء صلة*** وحيث إن ليمين مكملة
أو حُكيت بالقول أو حلت محل *** حال كزرته وإني ذو أمل
فاكسر في الابتداء، يعني تأتي الجملة في أول الكلام مثلا: إن فلانا كريم، في بدء صلة، جملة الصلة (الذي إنه كريم) لأن الصلة جملة كاملة، في جملة القسم والله إنه كذلك: ? يس ?1? وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ?2? إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ? [يس: 1- 2] وجملة القسم جملة وليست مفردة، عندما تحكى بالقول قال: ? قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ ? [مريم: 30] وجملة القول جملة وليست كلمة واحدة، وهكذا.. كل ما وقعت جملة الناسخ مع اسمه وخبره في موقع جملة كسرت همزتها، وكل ما وقع في موقع المفردات فتحت همزتها. هذا هو المقام. وكل ما تراه من تفصيلات في مواضع كسر همزة إن إنما هو جمع أو تفصيل لهذه القاعدة المجملة.(1/13)
ابتداء الجملة مثلا في قول الله تعالى: ? إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ? ? إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ? [الكوثر: 1] هذه كلها في أول الجملة، ? أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ? [يونس: 62]، طبعا "ألا" حرف استفتاح ثم بدأت الجملة، ? إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ ?، عندما ننظر في: ? حم ?1? وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ?2? إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ? [الدخان: 1، 2، 3]، ? يس ?1? وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ?2? إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ? أيضا في مطلع جملة القسم جاءت "إن"، في ما ذكرناه في بداية القول: ? قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ ? إلى آخره، إذن متى وقع الناسخ في موقع الجمل كُسرت همزته ومتى وقع في موقع المفردات فُتحت همزته.
هذا ما يتعلق بالحروف الناسخة، وهي القسم الثاني من أقسام النواسخ، نحن عرفنا أن عندنا أفعالا ناسخة ترفع الاسم وتنصب الخبر فهي نسخت حكم الخبر فنصبته بعد أن كان مرفوعا، وعندنا حروف ناسخة تنصب الاسم وترفع الخبر فنسخت حكم الاسم فنصبته بعد أن كان مرفوعا.
بقي نوع من النواسخ وهو الذي سنبدأ فيه الآن -إن شاء الله تعالى- وهو مختصر، الحديث فيه مختصر جدا، ينسخ حكم الاثنين معا المبتدأ والخبر فينصبهما معا.
تحقيقا لطلب الأخ الكريم الذي طلب منذ قليل، وهنا نسأل سؤالنا الآن فأقول: ما الفرق بين.... من يستطيع الإجابة هاتفيا أو كتابة من خلال الموقع فالأمر إليه.
ما الفرق بين الأفعال الناسخة والحروف الناسخة من حيث تقدم الخبر مع التعليل؟(1/14)
آتي الآن لما ذكرته منذ قليل أنا قلت إن النواسخ ثلاثة أقسام، وذكرنا في أول حديثنا عن النواسخ أنها سميت نواسخ؛ لأنها تنسخ حكم المبتدأ والخبر، المبتدأ والخبر مرفوعان فقد ينسخ حكمهما؛ نوع ينسخ حكم الثاني وهو الخبر وهذا (كان وأخواته) فينصبه ويعرب خبر كان مثلا، ونوع ينسخ حكم الأول فينصبه وهو إن وأخواته ويعرب (اسم إن)، النوع الثالث: الذي ينسخ حكمهما معا فيجعل المبتدأ والخبر منصوبين، ويخرجهما تماما عن رفعها الأصلي، وهذا هو أقوى طبعا في باب النسخ وهذا الذي يسمونه (أفعال القلوب)؛ أفعال القلوب هي أفعال تتعلق بالقلب، "أفعال معنوية" وهي التي تسمى "ظن وأخواتها" «ظن ووجد، وحسب، وزعم، وخال، وعلم، ورأى»، أشياء تتعلق بالقلب، ولذلك سميت أفعال القلوب، هذه الأفعال تدخل على جملة المبتدأ والخبر وتنصبهما يقول قائل إذا نصبتهما كيف نعربهما؟(1/15)
نحن عرفنا في "كان وأخواتها" أن الأول يصبح بعد دخول كان اسم كان والثاني خبر كان. "إن وأخواتها"، الأول يصبح اسم إن والثاني خبر إن هذه بعد دخول أفعال القلوب ماذا نفعل وقد أصبحا منصوبين؟ نقول: يصبحان "مفعول أول" "ومفعول ثان"، هذا يعني أنه تصبح الجملة جملة فعلية، وإذا كانت جملة فعلية فلا بد لها من فاعل، إذن كأن الجملة، جملة أفعال القلوب تتكون من أربعة أجزاء "الفعل" "والفاعل" ثم يأتي بعد ذلك المفعولان اللذان كانا في الأصل مبتدأ وخبرا، وأصبحا مفعولين منصوبين، ننظر مثلا في قول الله تعالى: ? وَإِنِّي لأظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ? [الإسراء: 103]، هنا أصل الجملة في غير القرآن "أنت مثبورٌ" مبتدأ وخبر، دخل الفعل الناسخ الذي هو فعل القلوب "أظن" والفاعل "أنا" المتكلم الذي هو موسى، المبتدأ الذي كان "أنت" أصبح مفعولا أول وهو الكاف أظنك، فنقول: الكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول أول، وقد كان مبتدءا في الأصل، و"مثبورا" الذي كان خبرا أصبح مفعولا ثانيا لـ"أظن" وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
كذلك في قوله تعالى: ? إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ?6? وَنَرَاهُ قَرِيبًا ? [المعارج: 6، 7] هنا الفعل الناسخ "يرى" وهو من أفعال القلوب، الأصل (أصل الجملة) قبل دخول الناسخ "هو بعيد" ? يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ? "هو بعيد"، ثم دخل الفعل القلبي "يرونه"، "يرون" مع فاعله وهو الواو واو الجماعة، وأصبح الضمير "الهاء" مفعولاً أول وقد كان مبتدءًا و"بَعِيدًا" مفعولاً ثانيًا وقد كان خبراً، وكذلك "نَرَاهُ قَرِيبًا" أصله "هو قريب" دخل الفعل القلبي "نرى" والفاعل "نحن" الهاء كانت مبتدءًا فأصبحت مفعولاً أول، و"قريبًا" كانت خبرًا فأصبحت مفعولاً ثانيًا.(1/16)
كذلك في قوله تعالى: ? لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُمْ ? [النور: 11] "حسب" فعل قلبي، أصل الجملة قبل دخول الفعل القلبي في غير القرآن "هو شر"، مبتدأ وخبر، دخل عليه الفعل القلبي، دخل على هذه الجملة مع فاعله فصار ? لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا ? فـ"تحسبوه" فعل مضارع، الفاعل واو الجماعة، "الهاء" ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول أول وقد كان مبتدءًا، و"شرًّا" مفعول ثاني منصوب وقد كان خبرًا.
كذلك في قوله تعالى: ? وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ? [المزمل: 20] "تجدوه" وجد كذلك من أفعال القلوب؛ لأنها فعل معنوي قلبي، فأصل الجملة "هو خير"، ثم دخل عليه الفعل القلبي "تجد" فنقول: فعل مضارع مجزوم؛ لأنه جواب شرط سابق "ما تفعلوا" وعلامة جزمه حذف النون، "الواو" هي الفاعل، "الهاء" التي كانت مبتدءًا، التي كانت "هو خير" صارت مفعولا أول، و"خيرًا" مفعول ثاني منصوب.
المثال الأخير: في قوله تعالى: ? فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ ? [الممتحنة: 10] "علم" كذلك من أفعال القلوب؛ لأنها فعل معنوي قلبي، أصل الجملة من مبتدأ وخبر قبل دخول الناسخ القلبي "هن مؤمنات" ثم دخل "علم" مع فاعله، وهو فعل قلبي، فنسخ حكم المبتدأ والخبر فنصبهما مفعولين، فصارت "علمتموهن" علم: هذا فعل، "والتاء": ضمير متصل في محل رفع فاعل، "هن": أصبح مفعولا أول وقد كان مبتدءًا، "ومؤمنات": مفعول ثاني وقد كان خبرًا، ولذلك نصب وعلامة نصبه الكسرة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، أو جمع بألف وتاء مزيدتين.
إجابات الإخوة.
تقول: الفرق بين الأفعال الناسخة والحروف الناسخة من حيث تقدم الخبر أن الأفعال الناسخة يجوز تقدم خبرها على اسمها، وكذلك على فعلها، أما الحروف الناسخة لا يصح تقدم خبرها عليها، ولا على اسمها، وذلك لأن الحروف الناسخة ضعيفة.(1/17)
يقول: الأفعال الناسخة يجوز تقدم الخبر على المبتدأ مثل "كان كريمًا زيد" أما الحروف الناسخة فلا يجوز تقدم الخبر على الاسم، والسبب لأن عمل الرفع والنصب للأفعال فتحمل عليها الأفعال الخمسة أما الحروف فلا تعمل الرفع والنصب.
هو إجابة صحيحة وتامة، طبعًا التعليل كما ذكر الإخوة أن الأفعال هي الأصل في العمل، ولما كانت هي الأصل في العمل صار هناك إمكانية حركة في معمولاتها، وأما الحروف فهي محمولة عليها، ولذلك ضعفت حركة معمولاتها؛ لأن الضعيف يصعب أن يتصرف معموله، وأما القوي فيصح أن يتصرف معمولة، فالأفعال قوية، فلذلك تتصرف معمولاتها، فيتقدم أخبارها عليها وعلى أسمائها وأما الضعيف وهي الحروف المحمولة على الأفعال في العمل فهي أقل تصرفًا فيقل تصرف أخبارها فلا تتقدم إلا -كما قلنا- إذا كان ظرفًا أو جارًا أو مجرورًا فإنه يتوسع فيهما ما لا يتوسع في غيرهم كما ذكرنا في الآيتين الكريمين ? إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً ? و ? إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً ?.
بهذا يتضح أن أفعال القلوب، هذه الأفعال التي تدخل على الجملة الاسمية المكونة من المبتدأ والخبر فتنصبهما بعد أن كانا مرفوعين، أنها هي النوع الثالث الناسخ لحكم المبتدأ والخبر وهو الرفع، وأنه يصبح المبتدأ والخبر بعد أن كانا مرفوعين يصبحان منصوبين.
من هنا يتضح أن النسخ نسخ حكم المبتدأ والخبر قد يكون لهما معًا كما في أفعال القلوب التي ذكرناها الآن، وقد يكون للأول دون الثاني كما في الأحرف الناسخة "إن وأخواتها" وقد يكون للثاني دون الأول كما في "كان وأخواتها" وهي الأفعال الناسخة.(1/18)
بهذا العرض الموجز لهذه القضية مع ترك التفصيلات التي ربما تشكل على بعض الإخوة والثمرة منها قليلة جدًّا، كما في قضية الإلغاء والتعليق لأفعال القلوب ونحوها، وهذه ثمرتها لغير المختصين، أو ثمرتها بصفة عامة قليلة، والحديث فيها ربما يوجد نوعًا من الإشكال لطالب العلم الشادي المبتدئ، ولذلك أكتفي بما هو مهم بالنسبة له، ونكون بهذا قد أنهينا الحديث عن النواسخ، عن المبتدأ والخبر ونواسخه، أي المبتدأ والخبر وحكمهما الرفع، وما ينسخ هذا الحكم من حروف أو أفعال، سواءً كانت حروفًا ناسخة أو فعالا ناسخة، أو أفعال قلوب مع تفاوت في هذه الثلاثة، في العمل وتفصيل قضايا كل واحدة منها.
ثم سيأتي الحديث بعد ذلك -إن شاء الله تعالى- ممكن إن رأيتم البدء فيه.
في الدقائق الأخيرة نحن لدينا سؤال ثم نأخذ الأسئلة.
إذن سيكون -إن شاء الله تعالى- في مطلع اللقاء التالي الحديث عن باب الفاعل وهو عمدة من عمد النحو، وأساس من أساساته، وباب كبير من أبوابه.
يقول: قال الله تعالى: ? وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا ? [النحل: 78] "تَعْلَمُونَ" في الآية هل نصبت مفعولين أم لا؟.
هنا "تَعْلَمُونَ" ليست هي بمعنى "عرف" والعلماء يقولون -ما دام الأخ الكريم قد سأل- نقول: إن ابن مالك يقول:
لِعِلْمِ عِرْفَانٍ وَظَنِّ تُهَمَة ** تَعْدِيَةٌ لِوَاحِدٍ مُلْتَزَمَة
يعني نحن نقول "ظن" تنصب مفعولين، كما في قوله تعالى: ? وَإِنِّي لأظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ? [الإسراء: 103] نصبت مفعولين، لكن إذا كانت "ظن" بمعنى اتهم، أي ظننت فلانًا أي اتهمته تنصب واحدًا.(1/19)
كذلك "عَلِمَ" إذا صارت بمعنى العلم الذي هو رتبة من مراتب المعرفة (فالظن والزعم والعلم) إذا أتت بمرتبة أعلى من الظن، فهو ينصب مفعولين -كما رأينا- أصلهما المبتدأ والخبر، ولكن إذا استعمل بمعنى "عرف" فإنه ينصب مفعولاً واحدًا، وهو الذي أراده ابن مالك بقوله: "لعلم عرفان" من هنا في قوله تعالى: ? لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا ? أي لا تعرفون، ولذلك يقول: "تعدية لواحد ملتزمة"، فينصب مفعولاً واحدًا، وهو في الآية ?شَيْئًا?.
إذن هنا ليس من أفعال القلوب، ولكنه ينصب مفعولاً واحدًا وهو الذي جاء في الآية ? شَيْئًا ? أي لا تعرفون شيئًا، هذا معناه.
أسئلة الدرس القادم.
السؤال الأول: ما الفرق بين "ما" الحرفية والاسمية الداخلتين على الحروف الناسخة؟
السؤال الثاني: ما ضابط مجيء همزة "إن" مكسورة أو مفتوحة؟
المقصود الضابط العام، وليس تفصيل مواضع الكسر ونحوها، وإنما الضابط العام، ما ضابط مجيء همزة "إن" مكسورة أو مفتوحة؟
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ينفع الإخوة والأخوات جميعًا وأن يبصرهم في العلم النافع الذي يوصلهم إلى ما يرضيه سبحانه وتعالى.(1/20)
لغة عربية/ المستوى الرابع
الدرس العشرون والأخير
باب الفاعل
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المشاهدون الكرام، أيتها المشاهدات الكريمات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحييكم تحية طيبة، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقني وإياكم التوفيق، وأن يجعل ما نعمله سُلَّمًا لرضاه ووسيلة إلى جنته، وحديثنا اليوم -إن شاء الله تعالى- سيكون في مفتتح باب الفاعل، وهو من أبواب العُمَد والموضوعات المهمة في النحو؛ لأنه لا تخلو جملة فعلية من فاعل، والجُمل الفعلية هي قسيم الجمل الاسمية فهي نصف الكلام، ومن هنا جاءت أهمية هذا الباب، على أني لا أنسى أن أُذَّكِّر ما أعلمه وما يصلني من حاجة كثير من الإخوة والأخوات من استفسارات لغوية أو نحوية خارجة عن الموضوع تمس إليها الحاجة وتعم بها الفائدة مما يحتاجه أكثر الناس، مما يمكن أن يُجاب عليه في ثنايا اللقاء فنضيف خيرًا إلى خير، مع شرح هذا المتن المبارك.
إذا كان هناك إجابات لسؤالي الحلقة السابقة قبل أن نشرع فتفضل، السؤالان كانا: الأول عن الفرق بين "ما" الحرفية والاسمية الداخلتين على النواسخ؟ والسؤال الثاني: ضابط مجيء همزة "إن" مكسورة أو مفتوحة؟
تقول: الحرفية إذا دخلت على النواسخ فإنها تكف عن العمل، وتسمى "ما" الكافة، وتزيل اختصاص الفعل الناسخ بالأسماء، وتهيئه للدخول على الجمل الفعلية، مثل قول الله تعالى: ?إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ? [النساء: 171] ذكرت إعرابا ولن نذكر هذا الإعراب.
وكذلك تقول: والاسمية هي الموصولة فلا تكف النواسخ عن العمل، مثل قول الله تعالى: ?إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ? [طه: 69]، وإذا جاءت "إن" في بداية الجُمل تكون.... هذا إعراب أو جواب السؤال الآخر.(1/1)
تقول في إجابة السؤال الثاني: ما ضابط مجيء همزة "إن" مكسورة أو مفتوحة؟ الضابط العام في ذلك أنه إذا جاء الحرف الناسخ في موقع أو مواقع الجُمل فإنه يكون مكسور الهمزة، وإذا جاء في مواقع المفردات، فإنه يكون مفتوح الهمزة، مكسور الهمزة يكون في الابتداء في مثل قوله تعالى: ?إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ? [الكوثر: 1] ويكون في جملة القسم في مثل قول الله تعالى: ?حم ?1? وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ?2? إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ? [الدخان: 1- 3] وفي جملة القول في مثل قول الله تعالى: ?قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ? [مريم: 30] وكذلك في جملة الصلة، أما في مواقع المفردات مثل "أعجبني أنك كريم" وتقديره "يعجبني كرمك" والكرم لفظ مفرد، وضعت كلمة "أنك كريم" في موضع كرمك والله أعلى وأعلم. هكذا إجابة الأخت الكريمة.
يقول في إجابة السؤال الأول: القاعدة: أن "ما" تكون اسمية وحرفية، فالاسمية هي الاستفهامية والموصولة والنكرة، وأما "ما" الحرفية فهي المصدرية والكافة والزائدة.
بارك الله فيك وفيهم جميعًا.
على بركة الله نبدأ بتوفيق الله -سبحانه وتعالى- بالحديث عن الفاعل، العلماء عادة يبدءون الموضوعات في الكتب العلمية بذكر الحد أو التعريف، الحد هذا مصطلح منطقي، المناطقة يسمون التعريف حدًّا؛ لأن المناطقة دائمًا أمورهم فاصلة واضحة، ولذلك يقولون: إن علل المناطقة تختلف عن العلل الأخرى كعلل اللغويين أو العلل الفقهية مثلاً؛ لأن علل المناطقة يجب وجوبًا إذا وجدت يوجد معها الحكم، وإذا فُقِدَت فُقِدَ معها الحكم، لكن العلل الشرعية أحيانًا تكون تعبدية فلا تخضع للتعليل، وأحيانًا العلل اللغوية تكون على الأكثر وليست على الجمهور وليست على جميع ما جاء من العرب.(1/2)
المناطقة أفادوا في ضبط العلوم وضبط الحدود وإخراج ما يخرج عنها منها، وإدخال أجزائها فيها، وإن عيب على بعض العلوم دخول علم المنطق فيه، كدخوله في علم العقيدة، ووجه ذم هذا الأمر أو وجه التخوف منه هو خشية دخول العقل في ما لم يُخلق له، في مسألة الغيبيات ونحوها، وهنا يجب التوقف فيه، أما في مسألة دخول تنظيم علم المنطق للعلوم فهذا أمر حسناته أكثر بكثير من سيئاته، ما دام لم يقع في المحذور الذي هو دخول العقل الضعيف في ما لم يُخلق له من الغيبيات التي الله -سبحانه وتعالى- استأثر بعلمها، وإنما ضَلَّ من ضل بإدخالهم عقولهم وآرائهم في مثل هذه الغيبيات فجاء النعي والعتب واللوم على مثل علم المنطق في هذه القضايا.
أقول المناطقة اعتادوا أن يبدءوا أو يعرفوا، يضعوا حدًّا لكل شيء قبل البدء فيه، وغرضهم من ذلك: إدخال أجزاء هذا الشيء فيه، وإخراج ما لا يكون منه عنه، وهذا إذا عرفه الطالب (طالب العلم) فإنه يكون قد وَلَجَ إلى الموضوع ولوجًا صحيحًا وعرف أغوار هذا الباب أو هذا الموضوع الذي هو فيه.
قالوا: "الفاعل" هو اسم -سأوضح المقصود- أو ما في تأويله، أُسْنِدَ إليه فعل، أو ما هو في تأويله مُقَدَّمٌ عليه -يقصدون العامل هذا- بالأصالة واقع منه أو قائم به، أو لننصبه على الحال فنقول: واقعًا منه أو قائمًا به".(1/3)
قالوا: "اسم أو ما في تأويله"، اسم نحو إذا قلنا: "قال محمد" فهذا محمد اسم، فإعرابه فاعل، قالوا: "أو ما في تأويله" تأويل الاسم، نحن عرفنا من قبل أن المقصود بما في تأويل الاسم هو ذلك المصدر المتصيد أو المنسبك أو المقدر من جملة، في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ? [الحديد: 16] ?يَأْنِ? فعل مضارع مجزوم بـ"لم" وعلامة جزمه حذف حرف العلة، والفاعل هو المصدر المقدر، ?أَلَمْ يَأْنِ? التقدير: ألم يأن خشوعهم، ف?أَن تَخْشَعَ? هذه جملة فعلية قدرت بمصدر هو الفاعل، فهنا الفاعل ليس اسمًا ظاهرًا ولكنه اسم مؤول أو في تأويل الاسم، هذا معنى قولهم: "إن الفاعل إما اسم أو ما في تأويله" أي ما هو في تأويل الاسم، فالاسم هو الاسم الصريح، وما في تأويله هو المصدر المتصيد أو المفهوم من سياق الجملة.
"أسند إليه فعل" في قولنا: "قال محمد"، أسند إلى الفاعل محمد "فعل"، أي أسند إليه بمعنى أنه جُعِلَ سندًا له، جُعِلَ وسيلة أو جزءًا من التركيب، فهذا مع هذا صارا ركنين في تركيب إسنادي هي جملة فعلية.
"أو ما في تأويله" يعني إما أن يكون العامل الذي عمل في الفاعل فعلاً وهذا هو الأصل، أو ما هو في تأويل الفعل، في مثل قول الله -سبحانه وتعالى-: ?مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ? [النحل: 69] ?أَلْوَانُهُ? فاعل ما الذي عمل فيه؟ ?مُّخْتَلِفٌ? "مختلف" هذا ليس فعلاً، ولكنه مشتق، وصف، اسم فاعل، فعله اختلف، فهذا الوصف قام مقام الفعل فعمل، إذن إما أن يكون العامل فعلاً أو يكون ما هو في تأويل الفعل، أو في تقدير الفعل.(1/4)
يشترط في هذا الفعل أن يكون مُقَدَّمًا، أو هذا العامل مُقَدَّم عليه، بمعنى عندما نقول: "قال الرجل" تَقَدَّمَ الفعل أولاً ثم جاء الفاعل الرجل ثانيًا، ولا يجوز العكس، فلا تقل: "الرجل قام" ولو فعلت ذلك لأخرجت الجملة من باب الجمل الفعلية إلى باب الجمل الاسمية، وأصبح "الرجل" مبتدأً و"قام" جملة فعلية مع فاعلها المقدر في محل رفع خبر، وخرجت عن بابنا الذي نحن فيه، الذي نبدأ فيه الجملة بفعل.(1/5)
قالوا: " مُقَدَّم عليه بالأصالة، واقع منه أو قائم به" يقصدون بقوله: "واقع منه أو قائم به" أن الفاعل أحيانًا يكون هو الذي فعل الفعل، وأحيانًا هو لم يفعل، ولكن الصفة موجودة فيه، مثل ماذا؟ عندما تقول: "قام زيد" زيد هو الذي قام، فهو الفاعل، هو الذي وقع منه الفعل، لكن عندما تقول: "مات زيد" أو "مرض زيد" هنا زيد فاعل، مع أنه لم يفعل المرض ولم يفعل الموت، بل الله -سبحانه وتعالى- هو الذي أماته وهو الذي أمرضه، وهو الذي شفاه، فإذن هو لم يفعل في الحقيقة، ولكن قامت به هذه الصفة، قام به الفعل، أو وجدت الصفة فيه، وجد الفعل فيه، اصطلاحًا يسمى هذا فاعل، حتى وإن لم يفعل الفعل على الحقيقة، لذلك قالوا في التعريف: "واقع منه أو قائم به" حتى يدخلوا ما لا يفعله الإنسان ولكنه في الصناعة والإعراب يُقَدَّر فاعلاً، طبعًا هذا يُخرج ما إذا كان مثل نائب فاعل كـ"ضُرِبَ زيد" فهذا لم يفعل الفعل، لم يقع منه ولم يقم به، وإنما وقع عليه، فهذا يخرج عن باب الفاعل ويدخل في باب نائب الفاعل الذي سيأتي الحديث عنه -إن شاء الله تعالى- هذا الفاعل الذي هو الركن الأساس في الجملة الفعلية، والذي تقدم عليه عامله -كما نعلم- الجملة الفعلية ركنان: العامل أو الفعل في الأصل، والفاعل، هذان هما العمدتان المسند والمسند إليه في الجملة الفعلية، هذا الفاعل مهم له أحكام، وله خصائص تختلف عن غيره لقوته وقيمته كانت له في الجملة العربية خصائص ليست لغيره من الكلمات، فمن خصائصه أنه لا يجوز أن يتأخر عنه فعله -كما ذكرنا من قبل- في قولنا مثلاً: "قام أخوك" لا يصح أن نقول: "أخوك قام" وتكون الجملة جملة فعلية، بل إذا قلنا: "أخوك قام" أصبحت الجملة جملة اسمية، وصار أخوك -كما قلنا- مبتدأ وصارت جملة "قام" هذه جملة فعلية هي الخبر.(1/6)
إذن أول أحكام الفاعل: أنه يتقدم عليه فعله، يتقدم عليه عامله، ولا يتأخر العامل عنه، بمعنى أن لا يأتي الفاعل في أول الكلام، وإذا تقدم على عامله أو على فعله فإنا لا نعربه فاعلاً وإنما نعربه مبتدءًا ويخرج عن باب الفاعل ويدخل في باب المبتدأ. هذا أمر.
الأمر الثاني: إذا كان الفاعل مثنى -وهذه من الأمور والخصائص التي يتميز بها عن غيره من الكلمات- إذا كان الفاعل مثنى أو مجموعًا فإن من مزاياه ومن خصائصه أنه يأتي عامله عند أكثر العرب مجردًا من علامات التثنية والجمع، كيف ذلك؟ لَمَّا يكون الفاعل "أخواك" مثنى، نأتي بالفعل نقول: "قام أخواك" نأتي به مجردًا من علامة التثنية ما نقول: "قاما أخواك" ولو كان جمعًا "إخوتك" ما نأتي بعلامة جمع، وإنما نأتي به مجردًا فنقول: "قام إخوتك" بلا علامة جمع، ولو كان أيضًا الفاعل جمعًا مؤنثًا "نسوتك" فإنا لا نأتي مع الفعل بعلامة التأنيث، هذا عند أكثر العرب، بل نقول: "قام نسوتك" ولا نقول على الأكثر: "قاما أخواك" بألف، أو "قاموا إخوتك" أو "قمن نسوتك" بل نحذف هذه العلامة، هذا عند أكثر العرب.
طبعًا علَّلَ العلماء هذا الأمر بأنه يلزم من قولنا: "قاما" أن يكون الضمير أو "قاموا" أو "قمن" الضمير هو الفاعل، وحينئذ يصبح الاسم الظاهر هذا مجرد تكرار أو بدل من ذلك الضمير، ولم يعد فاعلاً في الحقيقة، لكن من جهة أخرى، الصحيح في المسألة أو الأوجَه في المسألة أن يُقال: إن هذا الأمر ليس بأمر حتمي، أعني تجريد العامل من علامة التثنية والجمع، نعم هذا أكثر العرب يفعلون ذلك، لكن جاء في الفصيح من كلام العرب إضافة علامة التثنية والجمع إلى العامل؛ إلى عامل الفاعل وهذا ما يبين أنه منع الأمر على الإطلاق فيه نظر، بل نقول: الأصل أن يتجرد عامل الفاعل من علامة التثنية والجمع إذا كان مثنى أو مجموعًا، ولكن في الإمكان أن يكون فيه علامة تثنية وجمع، مثل ماذا؟(1/7)
في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: (يتعاقبون فيكم) وهذا في البخاري: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار) بهذا النص، قال: "يتعاقبون ملائكة" فصار "الملائكة" فاعل وفي الفعل "يتعاقب" فيه علامة جمع. طبعًا هناك تخريجات، لمن يرى من العلماء منع العلامات مطلقًا، وطبعًا هذا هو الشأن أنه من يرى من العلماء عادة المنع في شيء فإنه يؤول ما جاء بخلاف المسألة، لكن ما دام الأمر قد جاء في حديث في البخاري وهو حديث صحيح، والأصل في روايته أن تكون مروية رواية تامة صحيحة بلفظها، فينبغي أن تُحمل على ذلك، على أن هذا وجه من الوجوه الصحيحة فيه.
الأمر الثاني: الحديث الذي ورد أيضًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع ورقة بن نوفل لَمَّا قال: (أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ) هنا "مُخْرِج" هذا مشتق عامل، وفاعله "هم" والمشتق يعمل عمل الفعل، وصف اسم فاعل، وقد اتصلت به علامة الجمع؛ لأن قوله "مُخْرِجِي" أصله "مُخْرِجُوي" بواو الجماعة التي تُعرب فاعلاً، أو هي في هذه الحال علامة جمع، ويكون "هم" هو الفاعل على أحد القولين، فطبعًا "مُخْرِجُوي" هذه اجتمعت الواو والياء في كلمة إحداهما ساكنة الأولى منهما ساكنة قُلبت الواو ياءً وأدغمت الياء في الياء وصارت (أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ)، ولو أن الحديثَيْن جاءا على اللغة الكثيرة من كلام العرب لقيل "يتعاقب فيكم ملائكة" وقيل أيضًا: "أومُخْرِجي هم" بسكون الياء بلا شدة، ولكن لَمَّا جاءت بـ"يتعاقبون فيكم" و(أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ) بإثبات واو الجماعة في الحالين دل هذا على أن هناك وجه موجود من وجوه الكلام عن العرب بإثبات واو الجماعة وعلامة الجمع إذا كان الفاعل مجموعًا.(1/8)
على كل حال الأمر في ذلك واسع ونقول: الأصل أن يُجَرَّدَ عامل الفاعل من علامة التثنية والجمع إذا كان الفاعل مثنى أو مجموعًا، لكن ورد في الفصيح عدم التجريد، فالأمر في ذلك واسع، والأصل التجريد، الأصل تجريده من ذلك.
تقول: في قول الله -تعالى-: ?إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ? [الأنبياء: 108] ?إِنَّمَ? الأولى أشكل علي أنها ليست موصولة؟ ألا يمكن أن يكون المعنى أن الذي يوحى إلي ?أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ? وكيف يمكن أن نُمَيِّزَ في مثل هذا المثال؟.
طبعًا هو ما أشكل على الأخت هو موجود تراه، ذكره بعض العلماء، في أن في قوله: ?إِنَّمَا يُوحَى? قالوا: نعم.. بعض العلماء قال: التقدير "إن الذي يوحى إلي أن إلهكم" وحينئذ تكون "ما" هذه اسمية وليست حرفية، اسم موصول وتعرب اسمًا لـ"إن" ولا إشكال في هذا، وبعض العلماء قالوا فيها: إنها حرفية وهي كافة لـ"إن" عن العمل، وعلى كل حال السياق يبيح الأمرين معا، يبيح أن يكون التقدير "إنه يوحى إلي" ويكون حينئذ "ما" كفتها عن العمل، وألغت اختصاصها بالجمل الاسمية، ودخلت على جملة فعلية ولا إشكال، ويمكن حملها على أنها موصولة، والتقدير: "إن الذي يوحى"، والآية تحتمل المعنيين، وهما في الآخر يؤديان غرضًا واحدًا في ذلك.
طبعًا واضح أن همزة "إن" كُسِرت في الأولى ?إِنَّمَ?؛ لأنها في بداية جملة، ثم ?أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ? [الكهف: 110] لأن هذا هو المُوحى، هذا هو نائب الفاعل، فهو في تقدير مفرد، ونحن قلنا: إذا قُدِّرَت الجملة بمفرد فُتِحَت همزتها، وإذا قُدِّرَت بجملة كانت في مطلع جملة كُسِرَت همزتها، فلما قُدِّرَت بمفرد لكونها نائب فاعل فُتِحَت همزتها ?أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ? ولما كانت في مطلع الجملة ?إِنَّمَا يُوحَى? كُسِرَت همزتها لذلك.(1/9)
فأنا أقول إن ما أشكل على الأخت إن كان كلا الأمرين قد ورد عن العلماء: أن التقدير فيها: "ما" اسمية، أو "ما" حرفية، أي: إن الذي يوحى إلي ?أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ?، هذا أحد التقديرين، أو الآخر: أن.. وَكُفَت "ما" عن العمل، وصارت الجملة بعدها "يوحى إلي" ولا إشكال والمعنى فيهما متفِق.
الأخت الكريمة تطلب مراجع معتمدة في قواعد الإملاء العربي غير الكتب الدراسية، وتقول: بم تفسرون قلة المصنفات في هذا العلم؟.
هو موجود الحقيقة كتب في الإملاء، لكن تداولها يمكن فهو ليس بالكثير؛ لأنها ليست كتب علم واسع يمكن أن يتداول، وإنما عادة يأخذه الكتَّاب والحريصون على تجويد كتاباتهم، كتب الإملاء موجودة، وهناك منها ما هو قديم، وهناك ما هو حديث، والحديث منها كثير أيضًا، وليس هناك كتاب يقال إن هذا هو الأمثل، بل كتب الإملاء لو ذهبت إلى أي مكتبة من المكتبات وسألت عن كتب الإملاء ستجد مجموعة منها تُعْنَى بصحة الكتابة، وغالب الإشكالات في الإملاء إنما هو في مقام الهمزات هذا هو أكثر الإشكالات، ونقط التاءات أو نقط الياءات أو نحو ذلك من الأمور.. وغير ذلك هو من الأمور الواضحة، لكن في الكثير مسألة الهمزة وطريقة كتابتها مبتدأة ومتوسطة ومتطرفة إلى آخره.
يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نفع الله بكم وبعلمكم وشكر الله لفضيلة الشيخ الشرح الطيب الوافي، كما أشكر الأخ المقدم على اللباقة والاحترام.
أستفسر عن قوله تعالى في سورة نوح: ?وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا..? [نوح: 23] الآية ?لاَ تَذَرُنَّ? النون المشددة في الكلمة أليس الأولى "لا تذروا" إن النون مشددة لما وضعت؟ إن كان فيه حكمة بلاغية أو حكمة إعرابية؟.
طبعًا الأخ بارك الله فيه، أحسن البدء في سؤاله فجزاه الله خيرا على حسن خلقه وحسن أدبه.
?(1/10)
لاَ تَذَرُنَّ ? هذا فعل مضارع مجزوم بـ"لا الناهية"، وعلامة جزمه حذف النون، حذفت هذه النون ثم أُتي بنون التوكيد الثقيلة، فأصله "لا تذروا" ثم أتي بنون التوكيد الثقيلة، نون التوكيد الثقيلة عبارة عن نون مشددة، والنون المشددة عبارة عن حرفين: أولهما ساكن، والثاني متحرك، التقت النون الساكنة الأولى من نوني التوكيد، أو من نون التوكيد المشددة هذه مع واو الجماعة الساكنة، التقى ساكنان، وإذا التقى ساكنان في وسط الكلام لزم حذف أحدهما، للتخلص منهما، فتُخُلِّصَ من واو الجماعة، وبقي ما قبلها مضمومًا وهو الراء فقيل: "تذرُن" حذفت واو الجماعة التي هي الفاعل، لدلالة الراء عليها، ضمة الراء عليها، ولأنها التقت ساكنة مع أول النونين من نون التوكيد، فنقول: إن هناك نون الرفع حذفت لجزم الفعل، وهناك واو الجماعة التي هي فاعل حذفت لالتقاء الساكنين، وبقيت ضمة الراء دليلاً عليها، والنون الموجودة هي ليست نون الرفع وإنما هي نون التوكيد.
نعود يا شيخ ونواصل.
ثالث أحكام الفاعل بعد، أنه وجوب تقدم فعله أو عامله عليه، ومسألة عدم لحاق علامات التثنية والجمع بعامله إذا كان الفاعل مثنى أو مجموعًا على الأكثر من كلام العرب، ما يتعلق بأنه إذا كان الفاعل مؤنثًا فإنه يجب... ما نقول يجب لأن هناك تفصيل، لكن نقول: إنه تلحق العامل علامة تأنيث، يعني من خصائص الفاعل ومن حقه في جملته أنه إذا كان الفاعل مؤنثًا فإن عامله تلحقه علامة تدل على أنه مؤنث، فيؤنث العامل قبل مجيء الفاعل ليدل على أن العامل الذي سيأتي الآن ذكره هو مؤنث.(1/11)
هذه العلامة (علامة التأنيث) هي "تاء" إذا كان العامل فعلاً ماضيًا فعلامة التأنيث تاء ساكنة، وإذا كان العامل وصفًا أي اسمًا فعلامة التأنيث تاء متحركة، كيف ذلك؟ تقول: "ذهبت هند" فتلحق بالفعل علامة تأنيث تدل على أن الفاعل مؤنث وهي التاء الساكنة، وإذا كان العامل وصفًا أي اسمًا كما في قولك: "فلان قائمة أمه" فالعامل هنا "قائمة" وهو وصف، ولحقته علامة التأنيث وهي التاء المتحركة، لأن فاعله مؤنث وهي "أمه".
إذن يلحق العامل فعلاً كان أو وصفًا علامة تأنيث متى كان الفاعل مؤنثًا، هذه التاء أحيانًا يجوز أن نلحقها ويجوز أن نحذفها، يعني لا يجب إلحاقها بالعامل وأحيانًا يجب إلحاقها به، العلماء فصلوا الأماكن أو المواضع التي للمتكلم أن يلحق علامة التأنيث وألا يلحقها متى كان الفاعل مؤنثًا، وذكروا أيضا المواضع التي يجب أن يلحق بها علامة التأنيث، قالوا: المواضع التي أنت فيها بالخيار متى كان الفاعل مؤنثًا تكون مخيرًا بين أن تلحق علامة التأنيث بالعامل أو لا تلحقها، أول هذه المواضع:(1/12)
المؤنث المجازي، المؤنثات نوعان: مؤنث حقيقي، وهو ما يلد، وهذا تسميته مؤنث حقيقة، وهناك المؤنث المجازي، وهو في الأصل ليس مؤنثًا، لكن العرب عاملته معاملة المؤنثات، يعني مثلاً عندما نقول: الشمس، الشمس هي كوكب وهو في الأصل يصح أن لا يطلق عليه لا مؤنث ولا مذكر، ولكن العرب عاملته على أنه مؤنث، وعاملت القمر على أنه مذكر، مع أنه كوكب آخر، ولا فرق بين الكوكبين إلا أن العرب جعلت هذا في استعمالها مؤنث، وهذا في استعمالها مذكر، يصبح كلمة الشمس مؤنث مجازي، يعني تعارف العرب في كلامهم على أن يعاملوه معاملة المؤنث فقط مجازًا، وإلا في الحقيقة هو ليس مؤنثا هو كوكب من الكواكب، والمؤنث الحقيقي هو ما فيه صفات التأنيث، وضابطها في هذا أن يلد، من ثَمَّ إذا كان الفاعل مؤنثًا مجازيًّا، فالأصل والأكثر أن تلحق علامة التأنيث بفعله، تقول: طلعت الشمس، ولكن يجوز لك أن لا تلحقها فتقول: طلع الشمس، أنت بالخيار، والذي خفف الأمر أنه تأنيث مجازي، والتأنيث المجازي ليس موجبًا لتأنيث العامل.
تقول: "منذ" تأتي بمعنى الغاية وتأتي بمعنى "في" كيف تأتي بمعنى "في"؟.
هي "منذ" الأصل فيها أنها ظرف للزمان الماضي، وهي تقصد الاستعمال أحد استعمالات العرب فيها أن تكون بمعنى "في"، لكن الأصل فيها أن تكون ظرفًا مبنيًّا على الضم، وهي حرف جر يجر الأسماء بعده والأصل فيها هذا؛ هو أن تكون ظرفًا وتجر ما بعدها فتقول: منذ يومِ كذا، والظرفية فيها جاءت من إضافتها إلى الظروف الزمانية، هذا هو الاستعمال الأوجه فيها.(1/13)
أما وجوه استعمال العرب لها كاستعمالها مثلاً بمعنى "في" كاستعمال أيضًا حروف جر أخرى كـ" متى" التي هي للزمان استعمالها بمعنى "من" كقولهم: أخرجها متى كذا، أو نحو ذلك من الاستعمالات، فهذا نقول إنه يرد أحيانًا أو ورد في بعض استعمالات العرب لكنه ليس هو الاستعمال التام فيها، أو الصحيح فيها، أو المتوجه فيها الأكثر، بل الاستعمال المتوجه فيها أن تكون حرف جر يضاف إلى الظروف الزمانية، ويفيد الزمان الماضي، أي منذ وقت كذا، للدلالة على الوقت، وأخذ هذا من إضافته إلى الأزمنة إلى ظروف الزمان.
أعود إلى ما أنا فيه بأن أقول: لَمَّا ذكرت المؤنث المجازي وذكرت أن عامله أو فعله -ونقول: عامله حتى يشمل الفعل والوصف الذي عمل في الفاعل- أنه لك أن تأتي به بتاء التأنيث، وهذا هو الأكثر، فتقول: طلعت الشمس، ولك أن تجرده منها، فتقول: طلع الشمس، والأمران مستعملان وقد جاء في القرآن الكريم فالله -سبحانه وتعالى- يقول: ?قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ? [يونس: 57] و?مَّوْعِظَةٌ? مؤنث مجازي، وأُنث الفعل فقيل: ?جَاءَتْكُم? ولم يقل: "جاءكم" وفي الآية الأخرى: ?قَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ? [الأنعام: 157] وبينة أيضًا مؤنث مجازي، واستعمل بلا تاء، ولم يقل ?جَاءَتْكُم? فالأمر في هذا -كما رأيت- يدل على سعة الأمر وجواز الوجهين، وإن كان الأكثر في الفاعل المؤنث المجازي أن تلحق عامله التاء.(1/14)
إذا كان الفاعل مؤنثًا حقيقيًّا، ولكنه لم يتصل بعامله، بمعنى أنه فُصِلَ بينه وبين العامل بفاصل، يمثلون له بمثل قولهم: "حضر القاضي امرأة" الذي حضر المرأة، أي حضرت عند القاضي، القاضي مفعول به مقدم، وامرأة فاعل، هنا الفعل حضر، والفاعل امرأة، وهي مؤنث حقيقي، ولكن فُصِلَ الفاعل عن فعله بفاصل، هذا الفاصل سَهَّلَ إمكانية لحاق التاء وعدمها، نعم الأكثر إلحاق التاء، نقول: "حضرت القاضي امرأة"، ولكن يجوز حذف علامة التأنيث؛ لأن الفاصل سَهَّلَ مسألة إلحاق التاء بأن لم يعد الأمر واجبًا في مثل هذا الأمر.
يقول: بودي إذا تبقى وقت للشيخ يعرب لنا سورة الإخلاص أو الجزء الأخير منها؟.
تسأل عن إعرابها؟
نعم.
سورة الإخلاص، إذا أعربتها سأسرع في إعرابها، فأرجو من الإخوة أن يتابعوا سريعًا، لمن كان حريصًا على ذلك.
?قُلْ?: فعل أمر مبني على السكون، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره أنت.
?هُوَ?: مبتدأ ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ.
?اللهُ?: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
?أَحَدٌ? خبر ثاني مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
?اللهُ الصَّمَدُ? أيضًا خبر لـ"هو" الأولى مرفوع، خبر ثاني مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، أو خبر لـ"هو" مقدرة، أي "هو الله الصمد" و"الصمد" نعت للفظ الجلالة مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
?لَمْ يَلِدْ? "لم" أداة جزم، "يلد" فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون، والفاعل مستتر جوازًا تقديره هو يعود على الله سبحانه وتعالى.
?وَلَمْ يُولَدْ? الواو عاطفة، و"لم" كذلك حرف جازم، و"يولد" فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره هو.
?(1/15)
وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ? "لم" أداة جزم، "يكن" فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون، وهو من الأفعال الناقصة، "له" جار ومجرور، اللام حرف جر، والهاء اسم مجرور، "أحد" المتأخرة هي اسم لكان مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، "وكفوًا" المقدمة هي خبرها مقدم منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. "لم يكن" أصله "لم يكن أحدٌ كفوًا له"، والجار والمجرور متعلق بالخبر كفوًا.
هذا بإيجاز بإجمال دون مزيد من التفصيل فيها.
يقول: إعراب قول الله -تعالى-: ?قَالَ ابْنَ أُمَّ? [الأعراف: 150]؟.
هذا يأتي في باب النداء، أصله "يا ابن أمي" هذا أصله، يا أخي، حذفت أداة النداء وهذا وارد، ?يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا? [يوسف: 29] حذف، أصله "يا يوسف" وحذفت أداة النداء، فهذا وارد في كلام العرب، أن يأتي المنادى بلا أداة نداء، والأصل أن تكون فيها أداة نداء، هنا جاء بحذف أداة النداء، وأصله "ابن أمي" والمضاف إلى ياء المتكلم يجوز فيه إثبات ياء المتكلم ساكنة، ويجوز إثباتها مفتوحة، ويجوز حذف ياء المتكلم مع كسر ما قبلها، ويجوز حذف ياء المتكلم مع فتح ما قبلها، ويجوز حذف ياء المتكلم مع ضم ما قبلها، فتقول: "يا ابن أمي" و"يا ابن أمِّيَ" أو تحذف الياء فتقول: "يا ابن أمِّ" بكسرة، أو تقول: "يا ابن أمَّ" بفتحة، أو تقول: "يا ابن أمُّ" بضمه، هنا قد جاء على فتح ما قبل ياء المتكلم، مع حذف أداة النداء، والتقدير "يا ابن أمي" قال: ?ابْنَ أُمَّ? فنقول: "ابن" منادى مضاف، والمنادى إذا كان مضافًا ينصب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف، و"أم" مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وهو مضاف وياء المتكلم المحذوفة في محل جر مضاف إليه.
التذكير بالآية يا شيخ.
هذه ?يَا ابْنَ أُمَّ? هذه ?لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي? [طه: 94].
هذا مع موسى وهارون.(1/16)
أي نعم.. فهو يسأل عن إعراب ?ابْنَ أُمَّ? فقط، هذه الصيغة، فهي نقول: منادى منصوب، والمنادي مضاف والمنادى المضاف يكون منصوبًا وهو قد نصب وعلامة نصبه الفتحة وما بعده يعرب مضافًا إليه.
الأخ الكريم يسأل عن: إعراب ?مَجْرَاهَا? في قوله تعالى: ?بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَ? [هود: 41]؟.
هذا يتعلق بالإمالة ولا يتعلق بالإعراب هو لعله يقصد القراءة فيها، أو رواية الإمالة فيها، التي يقرؤها بعض القراء السبعة، وبعضهم يقرؤها بلا إمالة فيها، ?مَجْرَاهَ? هذه لا علاقة لها بالإعراب، وإنما هي نوع إمالة، هي صوتي يعني تغيير صوتي فيها وارد عن العرب، وقد قُرِئَتْ بهذه الصورة، وحينئذ لا علاقة لهذه الإمالة بتغير الإعراب فيها، فإعرابها في الحالتين واحد.
الأخ الكريم يسأل عن: "أكلوني البراغيث" يقول: أشكل عليَّ وجود....(1/17)
هذا ما كنا نتحدث عنه منذ قليل من مسألة (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار) وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ) ما دام الأخ ذكرها سأقول هذا. هذه اللغة يسمونها لغة "أكلوني البراغيث" وتسميتها بهذا الاسم لأنها ورد هذه العبارة عن بعض العرب، هو يقصد البراغيث هي نوع من الحشرات والفاعل -كما ترى- جمع، أسند إليه فعل وقد لحقت علامة الجمع بالفعل، قال: "أكلوني" ولو أنه جرده من علامة الجمع لقال: "أكلتني البراغيث" أو: "أكلني البراغيث" فحذف علامة الجمع، وأنا قلت منذ قليل: البصريون يرون منعه تمامًا، لا يجوز أن تلحق علامة التثنية والجمع، ويؤولون ما ورد ومن ضمنها الحديث، فيقولون في الحديث: الرواية (إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم) و"ملائكة" هذه مستقلة ليست فاعلا لـ"يتعاقبون" وإنما هي جملة استئنافية، ملائكة بالليل، وملائكة بالليل بدل من الملائكة الأولى، لكن ما دخلتُ في هذه التفصيلات حتى لا أُلبِّس على الإخوة بالذات المبتدئين في هذا الأمر، فسلكت مسلك الذين يرون جواز الأمرين مع ترجيح وتكثير تجريد الفاعل من علامة التثنية والجمع، مع إباحة أن تكون فيه علامة التثنية والجمع ما دامت وردت عن العرب في الفصيح من الكلام، وبالذات في هذا الحديث الذي ورد في صحيح البخاري بهذه الرواية، ونحن نعلم دقة البخاري في تثبيت روايته باللفظ والمعنى، ومن ثَمَّ فالحكم عليها بالتأويل في الحقيقة يبقى في النفس منه شيء، يُقال الأمران جائزان، والأكثر عند العرب والذي ينبغي استعماله بكثرة، هو أن تُجَرَّدَ من علامة التثنية والجمع إذا كان الفاعل مثنى أو مجموعًا.
كذلك يسأل يا شيخ عن مجيء فاعلين لفعل واحد.
يقول: عندي ثلاثة أسئلة: السؤال الأول: الفعل المضارع المعتل الآخر بالواو؟ ما هي علامة رفعه؟ هل هو الضمة؟ أم الضمة والفتحة؟
السؤال الثاني: الفعل "أكرم" هل هو مزيد معتل؟ أو مجرد صحيح؟(1/18)
السؤال الثالث: ما هو اسم المفعول من "ساعد"؟
السؤال الأخير لو أمكن: ما هو اسم الفاعل من "نَصَرَ"؟.
هو سأل في الأول عن الفعل المعتل الآخر، يقول: كيف يعرب؟ رفعه، قطعًا الفتحة لا تكون علامة رفع، فهو قطعًا مرفوع وعلامة رفعه الضمة، لكن الضمة لا تظهر على الواو لثقلها فتقدر للثقل، فيقال في "يدعو" فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره لثقلها.
"أكرم" مزيد.
في "أكرم" هذه طبعًا أصوله الثلاثة الكاف والراء والميم، فهو صحيح الأصول فنقول: إنه صحيح قد زيد فيه حرف الهمزة في أوله، فليس معتلاً وإنما هو صحيح.
اسم المفعول من "ساعد"؟.
طبعًا نحن نعرف أن اسم المفعول ما زاد على ثلاثة أحرف أنه بإبدال حرف المضارع ميمًا مضمومة وفتح ما قبل الآخر، فنقول: مضارعه يساعد نُبدل حرف المضارعة ميما مضمومة "مُ" ونفتح ما قبل الآخر "مُساعَد"، اسم الفاعل "مُساعِد" واسم المفعول "مُساعَد".
أما في "نَصَرَ".
اسم الفاعل من "نَصَرَ".
ما كان ثلاثيًّا فاسم الفاعل منه على وزن فاعل، واسم المفعول على وزن مفعول، فنقول اسم فاعله "ناصر"، واسم مفعوله "منصور".
مجيء فاعلين لفعل واحد.
الأصل -نحن قلنا- إنه قد يأتي خبران أو أكثر لمبتدأ واحد، أما الفاعل فالأصل فيه أن يأتي الفعل وله فاعل واحد، وإذا كان المقصود أنه يأتي جمعا أو مثنى، فنعم يأتي الفاعل جمعا أو مثنى، فنقول: "جاء الرجلان" حينئذ يكون "الرجلان" فاعل، هما اثنان، لكن لا يقال هما فاعلان ولكن يقال هما مثنى فاعل مرفوع، وكذلك الجمع، أما إذا أردت أن تَذْكُر أشخاصًا فاعطفها بالواو، ويصبح الثاني منها معطوفًا في الصناعة الإعرابية ولا يُعرب فاعلاً، وإن كان في المعنى هو فاعل أيضًا، عندما تقول: جاء محمد وخالد وصالح، الحقيقة كل واحد منهم جاء، كل واحد منهم فاعل، لكن في الصناعة الإعرابية نقول: الفاعل هو الأول، والبقية معطوفات عليه.(1/19)
الأخ الكريم يسأل عن إضافة مادة إلى القرآن الكريم "مادة القرآن الكريم" هل في ذلك إشكال؟.
والله هي لعله يقصد أنه في الدراسة يعني.
نعم.
هو ما يقصد أنه ترى من يقول مادة القرآن هو لا يقصد محتوى القرآن، مادة الشيء أي محتواه، ولكن يقصدون أحد الدروس المقررة، فإذا حملت على هذا فالأمر -إن شاء الله تعالى- فيها واسع، مادة القرآن أو مقرر القرآن المقصود به درس القرآن، ولا يقصد به مادة الشيء يعني حقيقته وماهيته، فهذا يختلف الأمر في هذا عن هذا.
يسأل كذلك أو يطلب كتبًا تنصح بقراءتها تتعلق بالمنطق؟.
ما يُنصح الحقيقة بقراءة كتب تتعلق بالمنطق، بقدر ما هو... أنا تحدثت فقط لأنه نحن نعرف أن مثلاً علم أصول الفقه، وعلم النحو، وعلم البلاغة المناطقة نظموا بعض هذه العلوم وأفادوا فيها في مسألة الترتيب والتقسيم بحيث جمعوا أشتاتها وأخرجوا منها ما ليس منها، وأدخلوا ما فيها حتى تكون الأمور واضحة، طبعًا مسألة المنطق والقراءة فيه فللإنسان غنًى في ما هو أهم من هذا، لكن قراءة الإنسان أصلاً في علم كعلم أصول الفقه أو قراءته مثلاً في علم كعلم النحو، أو في علم البلاغة هي قراءة دخلها كثير من ترتيبات وتقسيمات المنطق ويستطيع الإنسان أن يستفيد من هذا الأمر من خلال دراسة هذه العلوم.
أسئلة الحلقة القادمة.
السؤال الأول:
ما الحكم إذا تأخر عامل الفاعل عنه؟
نحن نعرف أن الفاعل ينبغي أن يكون عامله قبله، إذا تأخر عامل الفاعل عنه ما الحكم فيه حينذاك؟
السؤال الثاني:
ما الدليل من قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ) على أن من العرب من يُلحق بعامل الفاعل المجموع علامة الجمع؟
أرجو أن يكون السؤال واضحًا؛ يعني ما وجه الاستدلال بهذا الحديث على ما نحن بصدده من مسألة إلحاق علامة التثنية والجمع بعامل الفاعل المثنى أو المجموع، أرجو أن يكون الأمر وضح وأن يكون الإخوة يعرفون وجه الاستدلال فيه.(1/20)