$[1/1]
الفوائد الضيائية
شرح كافية ابن الحاجب
نور الدين عبد الرحمن الجامي
( المتوفي سنة 898 هـ )
دراسة وتحقيق
الدكتور
أسامة طه الرفاعي
الجزء الأول
$[1/3]
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين المنزل كتابه بلسان عربي مبين ، والصلاة والسلام على محمد سيد العالمين الذي آتاه ربه مجامع الكلم ، ووصفه بقوله تعالى : { وإنك لعلى خلق عظيم } ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد : فموضوع رسالتي " الجامي وتحقيق كتابه الفوائد الضيائية " .
وهذا الكتاب شرح لكافية ابن الحاجب ، حاول الجامي فيه أن يحل مشكلات الكافية ، ويجمع فيه ما في شروحها التي سبقته من فوائد متحرياً في ذلك الدقة وحسن التوجيه ، وسهولة المأخذ .
ولما لهذا الشرح من مميزات وفوائد كانت ذات وقع طيب على نفوس المتعلمين ذاع صيته حتى أصبح الكتاب الدراسي الذي احتل ساحة المتعلمين في زمانه ، وموضع اهتمام العلماء في بلاد المشرق ، لذلك أكثروا من وضع الحواشي والتعليقات عليه ، وقالوا في مدحه نثرا وشعراً كثيراً .
وعلى الرغم من أهمية هذا الكتاب ومنزلته العلمية العالية لم يحقق التحقيق العلمي الوافي الذي يليق به مما دفعني إلى أن أختاره ليكون موضوعاً لبحثي تحقيقاً ودراسة .
$[1/4]
وقد تألف البحث - بعد هذه المقدمة - من قسمين وخاتمة :
أما القسم الأول فهو : الدراسة ، وفيه عشرة فصول :
الفصل الأول : ابن الحاجب وآثاره النحوية والصرفية ، وآثاره الأخرى .
الفصل الثاني : كافية ابن الحاجب والموازنة بينهما وبين مفصل الزمخشري وذكر شروحها .
الفصل الثالث : عصر الجامي .
الفصل الرابع : الجامي ونسبته ، وحياته .
الفصل الخامس : آثار الجامي باللغة العربية وبالفارسية .
الفصل السادس : " الفوائد الضيائية " شرح الجامي لكافية ابن الحاجب ، وذكر حواشيه ، وبيان منهج الجامي فيه ، ويشتمل على تبيين :(1/1)
مقدمته ، وترتيبه للموضوعات ، والسمة العامة لطريقة شرحه ، وموقفه من تعريفات ابن الحاجب ، وإضافته لتعريفات أخرى ، وإخراجه المحترزات ودفعه للاعتراضات ، وأسلوبه من حيث الإيفاء والتوضيح ، وإعرابه لكلام ابن الحاجب ، وأسلوبه من حيث السهولة والإيجاز ، وطريقة رده على المعترضين ، ورده على الرضى ، وأسلوبه في الرد ، وتأثره بكلام ابن الحاجب في الكافية وشرحها ، ورده على شهاب الدين الهندي في شرحه للكافية ، واتجاهه في استنباط المعاني وتمكنه من الدقة وسعة الأفق ، ومكانته العلمية ومظاهرها ، وطريقته في نسبة الآراء والأقوال إلى أصحابها ، وتطرقه
$[1/5]
إلى بعض الأمور غير النحوية ، وموقفه من العلة النحوية ، واستعماله في بعض تعليلاته أسلوبا أدبيا ، واستعماله لبعض عبارات أهل المنطق ، والتزامه أصول النحو من سماع وقياس ، واستشهاده بالقرآن الكريم والحديث الشريف وكلام العرب شعرهم ونثرهم ، وتوضيحه للعامل النحوي وأخذه به ، ومذهبه النحوي .
الفصل السابع : الإشارة إلى اتجاهات الجامي .
الفصل الثامن : مصادر الجامي في شرحه للكافية .
الفصل التاسع : النقل عن شرح الجامي للكافية .
الفصل العاشر : وصف النسخ التي اعتمدت عليها ، وتبيين منهجي في التحقيق .
وأما القسم الثاني فتحقيق شرح الجامي " الفوائد الضيائية " :
ومنهجي في هذا التحقيق :(1/2)
تحرير النص ، ومقابلة النسخ ، واثبات التغييرات الواردة في النسخ وبيان ما سقط منها وما زاد فيها ، وتصحيح الألفاظ ، وتوثيق الآراء والأقوال ، وتصحيح بعض ما ذكر من نسبة الآراء إلى أصحابها ونسبة ما لم ينسب من الآراء والأقوال إلى أصحابها ، وتخريج شواهد القرآن الكريم وشواهد الحديث الشريف وأمثال العرب وأقوالهم المأثورة وشعرهم ، والاعتناء بتحقيق المسائل المهمة والتعليق عليها ، وإكمال الموضوعات والآراء التي ذكر المؤلف بعضها ، وترجيح ما أراه قويا من الآراء ، وتبيين ما يكون في الرأي من ضعف وغيره ، وإبداء بعض الملاحظ على الجامي ، وإضافة رأي جديد ، واستدراك على الجامي ، وإزالة توقفه ، والتنبيه على مواضع الخلاف
$[1/6]
والوفاق بين المؤلف وغيره ، وإضافة أنواع من التعريف وألوان من التعليل ، وشرح الألفاظ التي تحتاج إلى شرح ، والترجمة للأعلام ، وتبيين الفروق في نسخ الكافية ، وإبراز متن الكافية ووسمه بخط يوضع تحت كلماته ، وفصله بفواصل صغيرة ، والإشارة إلى ابتداء صفحة جديدة من المخطوط بخط مائل ووضع رقم صفحته على شماله ، والرمز لصفحة الوجه بـ ( أ ) ولصفحة الظهر بـ ( ب ) .
وأما الخاتمة فأشير فيها إلى أبرز ما وصلت إليه في هذا البحث .
وبعد ، فلا بد لي في هذا المقام من وقفة إجلال واحترام ، أتوجه فيها بعميق الشكر وعظيم الامتنان ، ووافر العرفان لمن لا يفي قلمي العاجز بوصف بحر علمه وفيض فضله أستاذنا فضيلة الدكتور العلامة محمد رفعت محمود فتح الله ، الذي شرفني بقبوله الإشراف على هذه الرسالة ، وفتح لي قلبه الكبير ، وبيته العامر ، ووهبني وقته وجهده ، - اللذين أوقفهما فضيلته لخدمة علوم اللغة العربية - واحتواني بعلمه العظيم ، وأبوته الحانية ، وأضاء لي بأنواره جنبات الطرق ، وجنبني عثراته ، ونهج بي إلى مستقيمه .(1/3)
فقد احتضن فضيلته هذه الرسالة في جميع مراحلها وتعهدها بالتوجيه السديد والرعاية والإرشاد ، جزاه الله - سبحانه وتعالى - عنا خير الجزاء ، وحفظه ورعاه بعين رعايته ، وأمده بالصحة والسلامة ، وأبقاه للعربية علما ولطلابها مرشدا وهاديا .
وأسأله تعالى أن يحقق لي الأمل ويجنبني الخطأ والزلل وهو حسبي ونعم الوكيل ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
أسامة طه عبد الرزاق
$[1/9]
القسم الأول
الدراسة
وفيه عشرة فصول
الفصل الأول
ابن الحاجب
هو : عثمان بن عمر بي أبي بكر جمال الدين بن الحاجب ، ولد في ( إسنا ) بأقصى صعيد مصر سنة 570 هـ ، فأخذه أبوه إلى القاهرة وكان حاجبا لعز الدين موسك الصلاحي ، فدرس فيها علوم القرآن والعربية ، وتفقه على مذهب الإمام مالك ، فأصبح من أبرز فقهاء زمانه حتى قيل فيه : " إنه شيخ المالكية في عصره " ، ومع هذا كان عالما بالقراءات والنحو ، بارعا بعلم الأصول وقد ألف في جميع هذه العلوم ، من أبرز شيوخه القاسم الشاطبي ، وأبو الجود اللخمي ، وأبو الفضل الغزنوي ، وأبو الحسن الأبياري ، ومن تلاميذه ابن العماد زين الدين ، وجمال الدين بن مالك .
قصد ابن الحاجب في آخر زمانه الإسكندرية للإقامة فيها ، ففاجأه الموت في السادس والعشرين من شوال سنة 646 هـ .
ولا أطيل في ترجمة ابن الحاجب فقد ألف كتاب في ذلك ، ولكن يهمنا هنا أن نقول كلمة في تأليفه للكافية .
$[1/10]
آثار ابن الحاجب
( أ ) آثاره النحوية والصرفية :
1 - إعراب بعض آيات القرآن الكريم .
2 - إلى ابنه المفضل .
3 - الأمالي النحوية .
وهي آمال أملاها ابن الحاجب في أماكن متفرقة : في القاهرة ، وفي دمشق ، وفي القدس ، يتحدث فيها عن بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وعن أبيات من شواهد مفصل الزمخشري وبعض أبيات المتنبي وغيره من الشعراء ، وعن كافيته - وقد ذكرها الجامي وسماها ( أمالي الكافية ) - وعن مسائل نادرة وطريفة ومسائل عامة .(1/4)
4 - الإيضاح :
وهو شرح لمفصل الزمخشري ، وقد نقل عنه الجامي في شرحه كما سيأتي ذكره .
$[1/11]
5 - رسالة في العشر :
وهي رسالة تبحث في استعمال ( العشر ) مع ( الأول ) ، و ( الأواخر ) وذلك في قولهم : ( في العشر الأول ، والعشر الأواخر ) .
وفي كتاب ( الشماريخ في علم التاريخ ) نقل السيوطي جزءا من هذه الرسالة .
6 - الشافية :
وهي كتاب في الصرف على غرار أختها " الكافية " في الاختصار والشمول ، وقد شرحها مؤلفها " ابن الحاجب " كما شرح أختها " الكافية " ولاقت من اهتمام العلماء وعنايتهم بها ما لاقته الكافية ، لذا كثرت شروحها . ومن هذه الشروح :
ـ شرح إبراهيم بن أحمد بن الملا الجلبي ( ت 1003هـ ) ، وقد وصل في شرحه إلى الخط واسمه ( الغنية الكافية من بغية حل الشافية ) .
ـ وشرح أحمد بن الحسن فخر الدين الجاربردي ( ت 746هـ ) .
ـ وشرح أحمد بن عبدالكريم الحاج عيسى الترماينني ، أكمله سنة 1282هـ واسمه : ( شرح الشافية بالعبائر الوافية ) .
$[1/12]
ـ وشرح أحمد بن محمد المعروف بابن الملا الحلبي ( ت في حدود سنة 990هـ ) .
ـ وشرح أبي بكر بن إسماعيل بن شهاب الشنواني ( ت 1019هـ ) .
ـ وشرح تاج الدين أبي محمد بن عبدالقادر بن مكتوم الحنفي ( ت 749هـ ) .
ـ وشرح جمال الدين بن هشام النحوي ( 761هـ ) واسمه ( عمدة الطالب في تحقيق صرف ابن الحاجب ) .
ـ وشرح أبي جمعة سعيد بن مسعود المراكشي ، واسمه ( كنز الطالب في شرح شافية ابن الحاجب ) .
ـ وشرح أبي الحسن علي الكيلاني .
ـ وشرح الحسن بن محمد النظام الأعرج النيسابوري ( ت حوالي 710هـ ) .
ـ وشرح حسين أحمد زيني زادة ( حوالي سنة 1150هـ ) ، واسمه ( الفوائد الشافية ) .
ـ وشرح الخضر اليزدي : أكمله سنة 720هـ .
$[1/13]
ـ وشرح رضي الدين محمد أمين القرشي ، واسمه ( العافية ) .
ـ وشرح رضي الدين محمد بن حسن الاسترابادي ( ت 684هـ ) ، وهو شرح الرضى المشهور ، أحسن شروح الشافية .(1/5)
ـ وشرح ركن الدين الاستراباجي ( ت 713هـ ) .
ـ وشرح زكريا الأنصاري ( ت 926هـ ) ، واسمه ( المناهج الكافية ) .
ـ وشرح عبدالباسط بن رستم علي القنوجي ( ت 1223هـ ) .
ـ وشرح السيد عبد الله بن محمد الحسيني المعروف بنقر كار ( ت 776هـ ) .
ـ وشرح عبد الله العجمي .
ـ وشرح عرفان الدين السواتي ، واسمه ( مفتاح الشافية ) .
ـ وشرح الفاضل العصام .
ـ وشرح بالفارسية لغلام محمد بن عبد الله يار المريدي ( ت 1098هـ ) .
ـ وشرح الشيخ كمال الدين محمد بن معين الدين الفسوي القنوي .
$[1/14]
ـ وشرح لطف الله بن محمد بن الغياث ( ت 1035هـ ) .
ـ وشرح محمد بن أحمد بن جماعة ( ت 816هـ ) .
ـ وشرح محمد سعد غالب ( حوالي سنة 1108هـ ) واسمه ( العافية ) .
ـ وشرح محمد طاهر بن علي المولوي ( من علماء القرن العاشر الهجري ) واسمه ( كفاية المفرطين ) .
ـ وشرح بالفارسية لمحمد ظهور الله بن محمد نور الله .
ـ وشرح بالفارسية لمحمد علي كربلائي .
ـ وشرح بالفارسية لمحمد هادي بن محمد صالح المازندراني ( حوالي سنة 1088هـ ) .
ـ شرح يوسف بن عبد الملك بن بخشايش الروحي المعروف بقره سان ( ت 852هـ ) ، واسمه ( الصافية ) .
7 - شرح المصنف " ابن الحاجب " للشافية .
8 - شرح الكافية ، وسيأتي ذكرها في شروح الكافية إن شاء الله .
$[1/15]
9 - شرح كتاب سيبويه .
10 - شرح المقدمة الجزولية .
11 - شرح الوافية .
12 - القصيدة الموشحة بالأسماء المؤنثة :
وهي منظومة تتألف من ثلاثة وعشرين بيتا ذكر فيها ابن الحاجب المؤنثات السماعية الخالية من علامة التأنيث ، أولها :
نفسي الفداء لسائل وافاني ... ... بمسائل فاحت كغصن البان
13 - الكافية : وسيأتي الكلام عنها وعن شروحها .
14 - المسائل الدمشقية .
15 - ( المكتفى للمبتدى ) شرح ( الإيضاح ) لأبي علي الفارسي ، وهو شرح بالقول ، أوله : ( الحمد لله حمدا يستوعب جزيل آلائه . . . ) .
$[1/16]
( ب ) آثار ابن الحاجب الأخرى(1/6)
1 - ( جامع الأمهات ) أو ( مختصر الفروع ) :
وهو مختصر فقهي ألفه بالاعتماد على ( جواهر ابن شاش ) ، وزيادات من الكتب الأخرى المختلفة ، وعليه شرح أبي عبد الله حمد بن عبد السلام بن يوسف ( ت 749 هـ ) .
2 - جمال العرب في علم الأدب .
3 - ذيل على ( تاريخ دمشق ) لابن عساكر .
4 - شرح الهادي .
5 - عقيدة ابن الحاجب .
أولها : ( الحمد لله مبدع الأكوان الآفاقية . . . . ) وعليها شروح منها : ( بغية الطالب ) لأحمد بن محمد بن زكرى التلمساني ت 906هـ ) .
و ( تحرير المطالب ) لمحمد بن أبي الفضل قاسم الكوفي البكي .
6 - عيون الأدلة : وهو مختصر المنتهى .
7 - مختصر المنتهى في الأصول .
8 - معجم الشيوخ .
$[1/17]
9 - المقصد الجليل في علم الخليل .
10- منتهى السؤال والأمل في علمي الأصول والجدل .
$[1/18]
الفصل الثاني
" الكافية "
درس ابن الحاجب كتاب سيبويه ، وأمعن فيه بل شرحه ، يؤيد هذا كثرة نقله عن سيبويه وتأثره به ، وتأييده لأكثر آرائه .
ومعلوم أن كتاب سيبويه هو أول كتاب شامل لأبواب النحو ، ولسعته وشموله أطلق عليه اسم ( البحر ) حتى قيل لمن يقرؤه : هل ركبت البحر ؟
فكتاب سيبويه من هذه الناحية لا يضاهيه كتاب في علمه ، وكل من صنف من بعده يغرف من بحره .
ومن ناحية أخرى لم يكن سيبويه في كتابه ينظر إلى المنهجية والترتيب ، لذلك جاء خاليها منهما . فكانت أبوابه وموضوعاته متداخلة مرتبكة .
ولا جرم أن يكون كذلك ، لأنه لم يكن مبنيا على الاختيار من مادة نحوية مجموعة ، حيث أن تأليفه يمثل المرحلة الأولى في التأليف النحوي .
ودرس ابن الحاجب كتاب " المفصل " للزمخشري ، وبالغ في اهتمامه به ، وشرحه .(1/7)
وكتاب المفصل هو المرحلة الثانية من مراحل التصنيف في النحو حتى عده ( النقاد ثاني كتاب في النحو بعد كتاب سيبويه ) ، ( فليس في الكتب التي بينه وبين كتاب سيبويه مما وصل إلينا كتاب عالج المباحث النحوية علاجاً شاملاً . فإنما هي مؤلفات في موضوعات نحوية خاصة أو في مباحث صرفية هي أقرب إلى الصيغة اللغوية . فكتاب المفصل يعتبر مرحلة تامة النمو ، وحلقة كاملة الوضع في سلسلة البحوث النحوية ) وهذا يدل
$[1/19]
على المرحلة النحوية التي قام بها الزمخشري في تأليف المفصل الذي ظهرت فيه قوة التأليف ودقة الترتيب مما لم يظهر مثله في المؤلفات السابقة ، وإن كنا لا ننسى خطوة سابقة في التأليف لابن السراج في كتابه ( أصول النحو ) .
والسبب الذي جعل ( المفصل ) بهذه المكانة انه مختلف في منهجه وتنسيقه عما ألف قبله فجاء مرتبا على فصول - ومن هنا جاءت تسميته بالمفصل - وجعل هذه الفصول تحت أصناف ، والأصناف تحت أقسام . وقد عرض كل هذا في خطة بحث جعلها في خطبة الكتاب التي تعد - أيضاً - من الأمور الجديدة التي يختلف فيها عمن سبقه .
وبناء على ما ذكرنا عن كتابي سيبويه والزمخشري ، وما أشرنا إليه من الكتب الأخرى ، وهناك كتب أخرى في العربية استفاد منها ابن الحاجب في دراسته للعربية ، وحريته في بعض آرائه وترجيحاته مثل المقدمة الجزولية والإيضاح لابن علي الفارسي - كما ذكرت سابقا في آثار ابن الحاجب أنه شرحهما - يضاف إلى ذلك ما لابن الحاجب من دراية وتمرس في هذا العلم ، أصبحت أدوات التأليف ميسرة عنده فالمادة النحوية غزيرة ثرة في كتاب سيبويه ، والتنسيق والتبويب والترتيب على أدق ما وصلت إليه في كتاب المفصل ، ولكن لا بد له في تأليفه من أن يراعي حاجة طلاب هذا العلم الملحة إلى تجميع مادة النحو بأخصر أسلوب ، ليحيطوا به من أقصر الطرق ، فهو يقول في بعض ما اختاره في الكافية : ( هذا أقرب على المتعلم من قولهم . . . ) كما سيأتي .
$[1/20](1/8)
فقد ألف كتابه ( الكافية ) بصياغة جديدة أهلته بأن يمثل مرحلة جديدة من مراحل التأليف النحوي ، تتميز بالمنهجية والاختصاص ، وتتسم بالميل الشديد إلى الاختصار مع قصد الإحاطة والشمول ، وذلك ما يتطلبه الاتجاه التعليمي للنحو في هذه المرحلة ، على أن ابن الحاجب لم يبتعد كثيراً عن المفصل فقد اقتفى أثر الزمخشري فيه في نواح عديدة . وهذا يقتضينا أن نعقد موازنة بينهما من خلالها أهمية الكافية .
موازنة بين ( المفصل ) و ( الكافية ) :
ـ بدأ الزمخشري كتابه المفصل بمقدمة بين فيها - بعد أن حمد الله وصلى على محمد نبيه وعلى آله - سبب تأليف هذا الكتاب ، واسمه ثم عرض فيها منهجه ، فقال :
أنشأت هذا الكتاب المترجم بكتاب ( المفصل في صنعة الإعراب ) مقسوماً أربعة أقسام :
القسم الأول : في الأسماء .
القسم الثاني : في الأفعال .
القسم الثالث : في الحروف .
القسم الرابع : في المشترك من أحوالها .
وصنفت كلا من هذه الأقسام تصنيفا ، وفصلت كل صنف منها تفصيلا حتى رجع كل شيء إلى نصابه ، واستقر في مركزه . . . الخ ) .
أما ما جاء في هذه الأقسام من تفصيلات فبعد أن ذكر الزمخشري ( فصل في معنى الكلمة والكلام ) عرض في قسم الأسماء للاسم وخصائصه وذكر من أصنافه الاسم المعرب والمنصرف وغيره ثم وجوه الإعراب .
وبدأ بالمرفوعات ، وبحث فيه :
الفاعل ، المبتدأ والخبر ، خبر ( إن ) و ( لا ) النافية للجنس ، اسم ( ما ) و
$[1/21]
( لا ) المشبهتين بـ ( ليس ) .
ثم المنصوبات ، وبحث فيه :
المفعول المطلق ، المفعول به ، المنادي ، الاختصاص ، الترخيم ، التحذير المضمر على شريطة التفسير ( الاشتغال ) ، المفعول فيه ، المفعول معه ، المفعول له : الحال : التمييز ، الاستثناء ، الخبر والاسم في بابي ( كان ) و ( إن ) المنصوب بـ ( لا ) التي لنفي الجنس ، خبر ( ما ) و ( لا ) المشبهتين بـ ( ليس ) .
ثم المجرورات ، وبحث فيه : الإضافة .
ثم التوابع ، وبحث فيه :(1/9)
التأكيد ، الصفة ، البدل ، عطف البيان ، العطف بالحروف .
ثم الاسم المبني وبحث فيه :
المضمرات ، أسماء الإشارة ، الموصلات ، أسماء الأفعال ، الأصوات ، الظروف ، المركبات ، الكنايات .
$[1/22]
ثم عرض للمثنى ، والمجموع ، والمعرفة والنكرة ، والمذكر والمؤنث ، والمصغر ، والمنسوب ، والعدد ، والمقصور والمدود ، والأسماء المتصلة بالأفعال ( المصدر ، اسم الفاعل ، اسم المفعول ، الصفة المشبهة ، أفعل التفضيل ، أسماء الزمان ، والمكان ، اسم الآلة ) ، والاسم الثلاثي والرباعي والخماسي .
ثم قسم الأفعال ، وبحث فيه :
الماضي ، المضارع وجوه إعرابه ، الأمر ، الفعل المتعدي وغير المتعدي ، الفعل المبني للمفعول ، أفعال القلوب ، الأفعال الناقصة ، أفعال المقاربة ، فعلا التعجب ، الفعل الثلاثي المجرد والمزيد ، الفعل الرباعي المجرد ، والمزيد .
ثم قسم الحروف ، وبحث فيه :
حروف الإضافة ، الحروف المشبهة بالفعل ، حروف العطف ، حروف التنبيه ، حروف النداء ، حروف التصديق والإيجاب ، حروف الاستثناء ، حروف الخطاب ، حروف الصلة ، حرفا التفسير ، الحرفان المصدريان ، حروف التخصيص ، حرف التقريب ، حروف الاستقبال ، حرفا الاستفهام ، حرفا الشرط ، حرف التعليل ، حرف الردع ، اللامات ، تاء التأنيث الساكنة ، التنوين ، النون المؤكدة ، هاء السكت ، شين الوقف ، حرف الإنكار ، حرف التذكر .
ثم قسم المشترك ، وبحث فيه :
الإمالة ، الوقف . . . الخ .
$[1/23]
ـ أما ابن الحاجب فكافيته خالية من المقدمة ، وخالية من الحمد له ، وقد أشار إلى هذا الجامي ، واعتذر له .
ومن ناحية التقسيم والترتيب فقد حذا ابن الحاجب حذو الزمخشري في المفصل ما عدا بعض الاختلافات التي سأذكرها فيما بعد .(1/10)
وامتاز عنه بجعله موضوعات الكافية نحوية محضة ، وأفرد للموضوعات الصرفية كتابا خاصا بها سماه ( الشافية ) ، فلم يحتج في الكافية إلى ذكر ( القسم المشترك ) التي تدور موضوعاته في الصرف ، ولا ذكر ( المصغر ) و ( المنسوب ) و ( أسماء الزمان والمكان والآلة ) والثلاثي والرباعي والخماسي من الأسماء والمجرد والمزيد من الأفعال .
وبفصل النحو عن الصرف وجعل اختصاص الكافية بالنحو ، والشافية بالصرف يكون ابن الحاجب قد نهج منهجا يقوم على التخصص التأليفي .
أما الخلاف في الموضوعات النحوية بين الكافية والمفصل فهي :
ـ أن ابن الحاجب أخرج المندوب من حد المنادي ، وأفرد أحكامه بالذكر بعد كلامه عن الترخيم .
ـ وقدم موضوع ( ما أضمر عامله على شريطة التفسير على موضوع التحذير ) .
ـ وقدم موضوع ( المفعول له ) على موضوع ( المفعول معه ) .
ـ وأخر موضوع ( التأكيد ) وجعله بعد موضوع ( العطف ) .
ـ وأخر موضوع ( الظروف ) وجعله بعد موضوع ( الكنايات ) , .
ـ وأخر موضوعي ( المثنى ) و ( الجموع ) وجعلهما ما بعد موضوع ( المذكر والمؤنث ) .
$[1/24]
ـ وترك ابن الحاجب في ( قسم الأسماء ) الحديث عن موضوع ( الاختصاص ) .
ـ وفي ( قسم الحروف ) ترك الحديث عن ( حرفي الخطاب ) و ( حروف الاستقبال ) و ( حروف التعليل ) و ( اللامات ) و ( هاء السكت ) و ( شين الوقف ) و ( حرف الإنكار ) و ( حروف التذكر ) .
- وخالف ابن الحاجب الزمخشري في استعمال بعض المصطلحات في الموضوعات ، فاستعمل ( المستثنى ) بإزاء ( الاستثناء ) عند الزمخشري ، فاستعمل ( المستثنى ) بإزاء ( الاستثناء ) عند الزمخشري ، واستعمل ( فعل ما لم يسم فاعله ) بإزاء ( المبني للمفعول ) و ( حروف الجر ) بإزاء ( حروف الإضافة ) و ( حروف الزيادة ) بإزاء ( حروف الصلة ) و ( حرف التوقع ) بإزاء ( حرف التقريب ) و ( النعت ) بإزاء ( الصفة ) .(1/11)
ـ ومنهج الزمخشري في تناوله للموضوعات مبني على الإيجاز ، ومنهج ابن الحاجب قائم على ذلك أيضاً ، وأوجه التشابه بينهما كبيرة حتى يخيل للناظر في ( الكافية ) أن مؤلفها لا يكاد يكتب شيئا إلا وهو ناظر إلى ( المفصل ) غير أنه يختلف عنه بشدة ميله إلى الاختصار واختزال الكلمات والاقتصاد في التعبير مع قصد الإحاطة والشمول - كما ذكرت - والدليل على ذلك - مثلا - قول الزمخشري في تعريف عطف البيان :
( هو اسم غير صفة يكشف عن المراد كشفها ، وينزل من المتبوع منزلة الكلمة المستعملة من الغريبة إذا ترجمت بها ، وذلك نحو قوله :
أقسم بالله أبو حفص عمر ( * ) ما مسها من نقب ولا دبر .
$[1/25]
أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فهو كما ترى جار مجرى الترجمة حيث كشف عن الكنية لقيامه بالشهرة دونها .
وقول ابن الحاجب في تعريف عطف البيان :
تابع غير صفة يوضح متبوعه مثل :
* أقسم بالله أبو حفص عمر *
ـ ومن ناحية الاستشهاد بأنواعه ، فغالبية شواهد ( الكافية ) هي شواهد ( المفصل ) - وإن كان التشابه في الشواهد النحوية واردا في عموم مصنفات النحو - وهي قليلة في ( الكافية ) تبعا لشدة الاختصار والإيجاز فيها . فمثلا عدد الشواهد الشعرية في ( المفصل ) ( 424 ) أربعمائة وأربعة وعشرون شاهدا شعريا على حين عددها في ( الكافية ) ثلاثة عشر شاهدا شعريا .
ونظرا لما ذكرت من وجوه التشابه بين هذين الكتابين ، دار على ألسنة بعضهم أن الكافية خلاصة نحوية اختصر فيها ابن الحاجب مفصل الزمخشري ولعل ما يدل على ذلك تسمية ابن الحاجب لها بالمقدمة
$[1/26]
كأنه يشير بهذه التسمية إلى أن ( الكافية ) بالنسبة إلى ( المفصل ) كالمقدمة له .
ولا نعني من هذا التشابه أن ابن الحاجب كان متفقا مع الزمخشري في كل ما قاله في ( المفصل ) ذلك أنه خالفه في مواضع متعددة منه ، وقد نبه إلى بعضها الجامي في شرحه ، وأشرت إلى بعض آخر منها في التحقيق .(1/12)
ـ ومنها مخالفته في ( النعت ) من حيث أن ابن الحاجب لم يفرق في صحة وقوعه بين أن يكون مشتقا أو غيره فقال : ( ولا فصل بين أن يكون مشتقا أو غيره إذا كان وضعه لغرض المعنى ) على حين قال الزمخشري في المفصل : ( وهي - أي الصفة في الأمر العام أما أن تكون اسم فاعل أو اسم مفعول أو صفة مشتقة ، وقولهم ( تميمي ) و ( بصري ) على تأويل منسوب أو معزو .
وكذلك لا نعني بهذه المشابهة أن ابن الحاجب ترسم خطى الزمخشري في ( المفصل ) ولم يضف شيئا جديدا ، ذلك أنه على الرغم من أسلوبه الذي يصوغ به الكلام صياغة قانونية فيجتزي به عن ذكر كلام طويل ومسائل كثيرة ، له إضافات عديدة ترك الزمخشري في ( المفصل ) الحديث عنها
$[1/27]
من ذلك توقف ابن الحاجب عند مسألة العامل ، وتعريفه له بقوله : ( العامل : ما به يتقوم المعنى المقتضي للإعراب ) .
وتعريفه للمفعول المطلق بقوله ( المفعول المطلق : وهو اسم ما فعله فاعل فعل مذكور بمعناه ) .
وتعريفه للمنادي بقوله ( المنادي : هو المطلوب إقباله بحرف ناب مناب ( أدعو ) لفظا وتقديرا ) .
وتعريفه للمفعول فيه بقوله : ( المفعول فيه : هو ما فعل فيه فعل مذكور من زمان أو مكان ) .
ومن الجدير بالذكر هاهنا أن لابن الحاجب بعض الآراء التي اختارها وكان سببا في اشتهارها مثل :
إعراب المثنى والجمع المذكر السالم بالحروف حيث قال في متن الكافية : ( المثنى و " كلا " مضافا إلى مضمر ، واثنان بالألف والياء ، جمع المذكر السالم و ( ألو ) وعشرون وأخواتها بالواو والياء ) .
وفي ( شرح الكافية ) بعد ما بين ابن الحاجب أن ( أصل ما أعرب أن يعرب بالحركات ، لأنها أخف من الحروف فوجب أن لا يعدل عنها إلا لغرض ) ذكر ما رآه من الغرض والعلة لما أعرب بالحروف ثم قال : ( فثبت بذلك تعليل إعراب المثنى بالألف في الرفع وبالياء في النصب والجر ، وإعراب المجموع بالواو في الرفع وبالياء في النصب والجر ) .
$[1/28](1/13)
وقد يكون في كلام الزمخشري في ( المفصل ) ما يشير إلى هذا الإعراب ولكن ابن الحاجب اختار هذا الإعراب وبينه وعلله ، فكان سببا في اشتهاره ، واختياره في تدريس النحو للمتعلمين منذ عصر عمر بن الحاجب إلى عصرنا الحاضر مع كونه على خلاف رأي سيبويه وجمهور البصريين .
وقد تبع ابن مالك ابن الحاجب في اختيار هذا الرأي فزاد اشتهاره .
ومثل ذلك ارتفاع الفعل المضارع بتجرده ، من الناصب والجاز ، قال ابن الحاجب في متن الكافية : ( ويرتفع - أي : الفعل المضارع - إذا تجرد عن الناصب والجازم نحو ( يقوم زيد ) .
وقال في ( شرح الكافية ) : هذا أقرب على المتعلم من قولهم : يرتفع إذا وقع موقع الاسم ، لأنه ترد عليه اعتراضات مشكلة ، وتحتاج إلى الجواب عنها ، مثل قولهم ( كاد زيد يقوم ، وأوشك يجيء ) وأشباههما ، وإذا عرف بتجرده ، وضح ، ولم يرد عليه الإشكال ) .
فاختار ابن الحاجب هذا الإعراب وعلله مراعيا بذلك فائدة المتعلمين ، فكان سببا في اشتهاره بين النحاة والمتعلمين ، إلى يومنا هذا مع كونه مذهب الكوفيين ، وعلى خلاف رأي الزمخشري في المفصل حيث اعتمد مذهب البصريين الذي تركه ابن الحاجب وهو ( ارتفاع المضارع بصحة وقوعه موقع الاسم ) .
$[1/29]
وقد تبع ابن مالك ابن الحاجب في اختيار هذا الرأي أيضاً .
ومما يلحظ على ابن مالك أنه لم يذكر ابن الحاجب في مثل هذه الاختيارات حتى شاع بين المصنفين من بعده أنها من اختيارات ابن مالك دون غيره مع أن لابن الحاجب فضل السبق إليها .
وبهذا يعلم ما في ترك السيوطي لذكر ابن الحاجب في هذه الاختيارات - وهو الذي اشتهرت كتبه وانتشرت - فانظر إلى قوله في الهمع في المسألة الأولى ( الجمهور من المتأخرين منهم ابن مالك . . . أن إعراب المثنى والجمع بالحروف ) .(1/14)
وقوله في المسألة الثانية ( وفي عامل الرفع فيه - أي : في المضارع - أقوال ، أحدها : نفس التجرد والتعري من الناصب والجازم ، فهو معنوي ، وهو رأي الفراء ، واختاره ابن مالك ، وقال : إنه سالم من النقض ، ونسبه لحذاق الكوفيين ) .
وقد يعتذر لابن مالك بكونه لم يطلع على كلام ابن الحاجب .
ويجاب عن ذلك بأن ابن مالك قد درس على ابن الحاجب - كما ذكر الدماميني نقلا عن التاج التبريزي - وقرأ الكافية ، وله عليها تقريرات .
فهل أراد ابن مالك من هذا أن يطمس أثر ابن الحاجب ويغطي سبقه له وأخذه منه . ؟
$[1/30]
وقد كان يطعن في ابن الحاجب ويقلل من شأنه وشأن من أخذ منه . مع العلم أنه كان متابعا له في بعض آرائه - كما ذكرنا - ومقتفيا أثره حتى في أسماء كتبه كما هو ظاهر من تسمية ابن مالك لمنظومته النحوية الصرفية بالكافية الشافية على غرار تسمية ابن الحاجب للكافية في النحو والشافية في الصرف ، وتسميته أيضاً لشرح الكافية الشافية بالوافية . والوافية هي اسم منظومة ابن الحاجب للكافية .
ولعل الذي دعاه إلى ذلك هو إرادة منافسة كتبه لكتب ابن الحاجب التي ذاعت في المشرق ، وأقبل عليها الشراح لما رأوه من إقبال الطلاب .
شروح الكافية
تسابق النحاة إلى شرحها ، وذلك لملاءمتها للدرس النحوي من حيث أنها على وجازتها قد حوت مقاصد النحو بأسرها ، ولما لها من مميزات أهلتها لذلك ، ومن النحاة من ولع بها ولعا شديدا حتى نسب إليها فاشتهر بالكافيجي .
ومن مظاهر إعجاب العلماء بها واعتزازهم كثرة ما قيل في حقها حتى أنها لفرط تأثيرها فيهم شحذت قرائح بعضهم فقال فيها شعراً ، من ذلك قول بعضهم :
ما أبصرت عين بمثل الكافية ... ... مجموعة تدرى المآرب شافية
يا طالبا للنحو ألزم حفظها ... ... واعلم يقيناً أنها لك كافية
$[1/31]
وقال الآخر :
صاغ الإمام الفاضل ابن الحاجب ... ... درراً فأخفاها كغمز الحاجب
لما تواتر حسنها بين الورى ... ... قالت : أنا السحر الحلال فحاج بي(1/15)
ومن شروحها :
1 - شرح إبراهيم بعروش ، واسمه ( الوافية في شرح الكافية ) .
2 - شرح إبراهيم بن عرب شاه الإسفرائيني ( ت 943هـ ) .
3 - شرح إبراهيم أبي إسحاق بن محمد بن عبد القادر القاولي الرباطي .
4 - شرح أحمد بن الحسن الجاربردي ( ت 746هـ ) واسمه ( شكوك على الحاجبية ) .
5 - شرح أحمد بن شمس الدين بن الخباز الموصلي ( ت 638هـ ) واسمه ( النهاية في شرح الكافية ) .
6 - شرح ابن الملا أحمد بن محمد الحلبي ( ت 990هـ ) .
7 - شرح أحمد بن محمد الرصاصي ( ت 658هـ ) واسمه ( منهج الطالب ) .
$[1/32]
8 - شرح أحمد بن محمد الزبيدي الإسكندري المالكي ( ت 801هـ ) .
9 - شرح أحمد بن محمد بن يوسف الخالدي الصفدي ( ت 1034هـ ) .
10ـ شرح أحمد البارودي .
11ـ شرح أحمد الجبلي .
12ـ شرح أحمد بن الهندي ، تاريخ نسخها سنة 952 هـ .
13ـ شرح بالفارسية لإعجاز أحمد في الكافية .
14ـ شرح إسحاق بن محمد بن العميد الملقب بكبير الدهوي .
15ـ شرح الأسرار الصافية والخلاصات الشافية في كشف المقدمة الكافية لإسماعيل بن إبراهيم بن عطية البحراني ، فرغ من إملائه سنة 795هـ .
16ـ شرح لإمام الحرمين اسمه ( كفاية العافية ) .
17ـ شرح حاجي بابا إبراهيم بن عثمان الطوسيوي ( ت 870هـ ) واسمه ( أوفى الوافية ) .
18ـ شرح بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة ( ت 723هـ ) .
$[1/33]
19ـ شرح بدر الدين محمد بن محمد بن عبدالله بن مالك المعروف بابن الناظم ( ت 686هـ ) وهو تقريرات لوالده على الكافية جمعها وأضاف إليها شيئا من عنده .
20ـ شرح البرقعلي .
21ـ شرح برهان الدين بن شهاب الدين عبدالله جاني ، وهو باللغة الفارسية واسمه ( حل تركيب الكافية ) .
22ـ شرح أبي بكر الخبيصي ( ت 801هـ ) واسمه الموشح .
23ـ شرح تاج الدين أحمد بن عبدالقادر بن مكتوم القيسي ( ت 749هـ ) .
24ـ شرح تاج الدين بن عبدالله بن أبي الحسن الأردبيلي التبريزي ( ت 746هـ ) .(1/16)
25ـ شرح تاج الدين أحمد بن محمود العجمي الخجندي الشافعي .
26ـ شرح تقي الدين إبراهيم بن حسين بن عبدالله بن ثابت النحوي
$[1/34]
الطائي واسمه ( التحفة الوافية ) .
27ـ شرح تقي الدين النيلي البغدادي واسمه ( التحفة الشافية ) .
28ـ شرح جلال الدين أحمد بن علي بن محمود الغجدواني ( ت 720هـ ) .
29ـ شرح لجمال الدين عبدالله بن هشام الأنصاري ، واسمه ( البرود الضافية والعقود الصافية للكافية بالمعاني الثمانية وافية ) .
30ـ شرح المصنف جمال الدين عثمان بن الحاجب .
31ـ شرح حسن راست .
32ـ شرح حسين بن أحمد زيني زادة . ألفه سنة 1167هـ . واسمه ( معرب الكافية ) .
33ـ شرح حسين بن عزمي زادة .
34ـ شرح حكيم شاه محمد بن المبارك القزويني .
35ـ شرح خالد الأزهري ( ت 905هـ ) .
$[1/35]
36ـ شرح خضر بن إلياس الكمولوجوني واسمه ( الأسئلة القطبية على كتاب ابن الحاجب صاحب النفس القدسية ) .
37ـ شرح داود بن محمد بن داود المالكي الأزهري .
38ـ شرح رضي الدين محمد بن الحسن الاسترابادي ( ت 686هـ ) هو من أشهر الشروح وأحسنها جمعا وشمولا وتحقيقا .
39ـ ثلاث شروح لركن الدين حسن بن محمد الاسترابادي : الشرح الأكبر ، والشرح المتوسط والشرح الصغير ، والأول يسمى ( البسيط ) والثاني يسمى ( الوافية ) وهو المشهور .
40ـ شرح ركين الدين الحسن بن محمد الحديثي العلوي ( ت 715هـ ) .
41ـ شرح للشيخ رودس زادة ، واسمه ( الإيضاح ) .
42ـ شرح سراج الدين محمد بن عمر الحلبي .
43ـ شرح الشيخ سعد بن أحمد التبلي .
$[1/36]
44ـ شرح باللغة التركية للمولى سودى ( ت 1000هـ ) .
45ـ شرح السيد الشريف الجرجاني ( ت 816هـ ) .
46ـ شرح للسيد الشريف الجرجاني بالفارسية واسمه ( الترجمة الشريفية ) وقد ذكره الجامي في شرحه كما سيأتي في مصادر الجامي .
47ـ شرح شمس الدين محمود بن عبد الرحمن الأصفهاني ( ت 749هـ ) .(1/17)
48ـ شرح شمس الدين أحمد بن عمر زاولي دولة آبادي ( ت 848هـ ) .
49ـ شرح شهاب الدين أحمد بن شمس الدين بن عمر الزاولي الدولة آبادي ( ت 849هـ ) والمعروف بـ ( شرح الهندي ) .
50ـ شرح صفي الدين نصير ، واسمه ( غاية التحقيق ) .
51ـ شرح مقدمة الكافية لطاهر بن أحمد .
52 - شرح عبد الغفور اللاري ( ت 912هـ ) .
53ـ شرح بالفارسية لابن عبد النبي بن علي أحمد نكري واسمه ( لامع الغموض ) .
54ـ شرح لعبد الله بن يحيى الناظري ، وألفه سنة 896هـ ، واسمه
$[1/37]
( اللآلئ الصافية في سلك معاني ألفاظ الكافية ) .
55ـ شرح بالفارسية لعبد الواحد بن إبراهيم قطب .
56ـ شرح عز الدين عبد العزيز بن زيد بن جمعة الموصلي المعروف بابن القواس ، أكمله سنة ( 694 هـ ) .
57ـ شرح المولى عصام الدين الإسفرائيني ( ت 943هـ ) .
58ـ شرح علاء الدين البسطامس مصنفك ( ت 875هـ ) .
59ـ شرح علاء الدين الغفاري .
60ـ شرح عماد الدين يحيى بن حمزة ( ت 749هـ ) واسمه ( الأزهار الصافية ) .
61ـ شرح علم الدين قاسم بن يوسف بن معوضة ، واسمه ( إيضاح المعاني السنية ) .
62ـ شرح الشيخ عيسى بن محمد الصفوي ( ت 906هـ ) .
63ـ شرح فاضل أفندي .
$[1/38]
64ـ شرح فخر أحمد الجيلي الاصفندي .
65ـ شرح الفقاعي .
66ـ شرح لفلك العلا التبريزي ( ت بعد سنة 700هـ ) واسمه ( الهادية إلى حل الكافية ) .
67ـ شرح كمال الدين محمد بن معين الدين محمد الفسوي القنوي الفارسي .
68ـ شرح كمال الدين بن علي بن إسحاق ، واسمه ( عون الوافية بشرح كتاب الكافية ) .
69ـ شرح محمد بن أحمد بن حسن الرصاص ، واسمه ( منهاج الطالب إلى فهم الكافية ) .
70ـ شرح محمد تقي بن حسن ، وألفه سنة 1275هـ .
71ـ شرح محمد بن حسن الرؤوس ( قبل سنة 713هـ ) واسمه ( التحفة الصافية في شرح الكافية ) .
72ـ شرح محمد حسين كوكيلوئي ، واسمه ( حل تركيب الكافية ) .
73ـ شرح محمد بن سعيد خان .
$[1/39](1/18)
74ـ شرح محمد عبد الحق حيدر آبادي ، أكمله سنة 1286هـ ، واسمه ( تسهيل الكافية ) .
75ـ شرح محمد عبد الغني الأردبيلي .
76ـ شرح محمد بن عز الدين صلاح بن حسن بن علي بن المؤيد .
77ـ شرح محمد بن عز الدين مفتي ( ت 1050هـ ) .
78ـ شرح محمد بن علي الطائي .
79ـ شرح محمد بن محمد الأسدي القدسي ( ت 808هـ ) واسمه ( المناهل الصافية في حل الكافية ) .
80ـ شرح محمود بن أدهم ( حوالي سنة 900هـ ) وعليه حاشية لعز الدين محمد المهدي ( حوالي سنة 1010هـ ) .
81ـ شرح محمود بن محمد بن علي بن محمود الأراني الساكتاني .
82ـ شرح مسعود بن يحيى الكشافي . ألفه سنة 814هـ .
83ـ شرح بالفارسية لمعين الدين محمد أمين الهروي .
84ـ شرح الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل بن الأفضل الأيوبي صاحب حماه ( ت 332هـ ) .
$[1/40]
85ـ شرح موفق الدين يعيش بن علي بن يعيش الحلبي النحوي ( ت 643هـ ) .
86ـ شرح موهوب بن قاسم الشافعي ( ت 665هـ ) .
87ـ شرح مير حسين المبيدي واسمه ( مرضى الرضى ) .
88ـ شرح ناصر الدين عبد الله البيضاوي ( ت 716هـ ) وعليه تعليقات لمولى صادق الكيلاني ، أكملها سنة 961هـ .
89ـ شرح نجم الدين أحمد بن محمد القمولي ( ت 727هـ ) .
90ـ شرح نجم الدين الرضا .
91ـ شرح لنجم الدين سعيد العجمي ، وهو شرح كبير تناول متن الكافية وشرح المصنف لها واسمه ( الشرح السعيدي ) .
92ـ شرح نصير الدين الطوسي ( ت 672هـ ) .
93ـ شرح نعمة الله بن عبد الله الموسوي التستري الجزائري ( ت 1112هـ ) .
94ـ شرح نور الدين بن شرف بن نور الله الشوشتري .
95ـ شرح نور الدين عبد الرحمن الجامي ، واسمه ( الفوائد الضيائية ) .
$[1/41]
وهو موضوع بحثنا تحقيقا ودراسة .
96ـ شرح نور الدين علي بن إبراهيم الشيرازي ، تلميذ السيد الشريف الجرجاني .
97ـ شرح يعقوب بن أحمد بن حاج عوض ( ت 845هـ ) .
98ـ شرح يوسف بن أحمد النظامي .
هناك شروح لم تذكر أسماء شارحيها ، منها :(1/19)
ـ ( الإفصاح ) شرح لمجهول .
ـ ( التحفة الشافية ) شرح لمتأخر .
ـ ( الدرة البيضاء ) شرح لمتأخر .
ـ شرح لأحد تلاميذ ابن الحاجب في دمشق ( بين سنة 617هـ وسنة 646 646هـ ) .
ـ شرح مختصر لمجهول .
ـ ( تركيب الكافية ) شرح لمجهول .
$[1/42]
الفصل الثالث
( عصر الجامي )
الحالة السياسية :
تنقسم إيران في هذا العصر إلى قسمين : شرق إيران ، وكان خاضعا لسلاطين التيموريين ، وعاصمتهم ( هراة ) موطن الجامي .
وغرب إيران وجنوبها ، وقد تعاقبت على حكمها أسرتان وهما ( القرة قويلنو ) وهم أصحاب الخروف الأسود ، و ( آلاق قوينلو ) وهم أصحاب الخروف الأبيض .
والذي يهمنا هنا هو القسم الأول ( شرق إيران ) وبخاصة ( هراة ) التي هي عاصمة وموطن الجامي .
ففي ( سنة 782هـ ) قام تيمورلنك المغولي بالاستيلاء على خراسان ، فاقتحم مدينة هراة عنوة ، وهدم أسوارها وعمل في الآلاف من أهلها ذبحا وتقتيلا ، وبقيت تحت سلطانه إلى أن توفى في ( سنة 807هـ ) ، وبعد وفاته خلفه ابنه ( شاهرخ ) فجعل ( هراة ) مقرا له ، وعاصمة لمملكته . وكان عمره حينئذ ( 28 ) ثماني وعشرين سنة ، حيث كانت ولادته سنة 779هـ .
وقد استطاع ( شاهرخ ) أن يبسط سلطانه على مملكته - على الرغم من الاضطرابات العديدة التي كان يثيرها أقاربه - ويتوسع باستيلائه على ( زندان ) سنة 809هـ ، وما وراء النهر سنة 811هـ ، وفارس 817هـ ،
$[1/43]
( كرمان ) سنة 819هـ ، و ( أذربيجان ) سنة 823هـ . وبهذه الانتصارات ثبت حكمه لهذه البلاد ، واستمر إلى أن توفى سنة 850هـ ، وهو في الثانية والسبعين من عمره .(1/20)
وبعد وفاة ( شاهرخ ) عمت الاضطرابات والفتن وأخذت دولة التيموريين تنحل وتضعف على يد أصحاب الخروف الأسود في بادئ الأمر ثم على يد أصحاب الخروف الأبيض إلى أن هيأ من تصدى لهم من قادة التيموريين ، واستطاع من بعدها أن يستولي على ( هراة ) السلطان ( حسين بايقرا ) آخر ملوك التيموريين وذلك سنة 782هـ ، بعد جهاد طويل خاض خلاله معارك ضارية . وباستيلائه على السلطة ساد الأمن والاستقرار في البلاد ، وعم الخير والسلام مدة حكمه الذي استمر خمسة وثلاثين عاما ، عمرت فيها خراسان وصارت مدينة هراة - عاصمة المملكة - من أهم المراكز الحضارية المزدهرة .
الحالة الثقافية :
يظهر مما ذكرت أن البلاد في هذا العصر نعمت بفترتين طويلتين من الاستقرار والأمان توسطتهما فتن واضطرابات .
ففي حكم السلطان ( شاهرخ ) كانت هراة في عهده مهدا للعم والعلماء ذوي الفضل والأدب ، وما زالت بعض آثار هذا السلطان موجودة إلى الآن في هراة .
ومما يذكر أنه كان لشاهرخ ابن اسمه ( بايسنقر مرزا ) اشتهر بتشجيعه للعلم والفن ، فكان له أثر في الحركة الثقافية في هذه الفترة ، حيث حصل في عهده التحقيق والمقابلة بين نسخ الشهنامة للفردوسي ، ودونت
$[1/44]
عليها مقدمته البايسنقرية . وبفضل تشجيعه كثر الخطاطون المهرة في استنساخ الكتب ، وازدهر التذهيب والنقش المعماري .
وقد دون ( بايسنقر ) بخط يده في ( هراة ) نسخة من القرآن الكريم المعروف بالقرآن الباسنقري ، وهو بقطع كبير للغاية ، وبخط ممتاز ، وتوجد أوراق منه في المكتبة الرضوية في مشهد ، وكانت مكتبة بايسنقر من أغنى الخزائن العلمية والأدبية .(1/21)
وبعد هذه الفترة التي انتهت بوفاة السلطان شاهرخ مرت البلاد بفتن واضطرابات كثيرة كان لها أثرها في إرباك وعرقلة الحركة الثقافية إلى أن تولى حكم البلاد السلطان حسين بايقرا - كما ذكرت سابقا - فكانت فترة حكمه فترة ذهبية ، تفجرت فيها ينابيع المعرفة والفنون ، وذلك لما يتمتع به هذا السلطان من الفضل والموهبة .
يقول الدكتور أحمد كمال الدين حلمي : ( كان السلطان أديبا ذواقة ينظم الشعر بالفارسية والتركية متخلصا بحسيني ، وكان يرعى العلم ، ويبسط يد العون للعلماء الذي بلغ عددهم في عهده ( 12 ) اثنى عشر ألفا ، خصصت لهم المناصب والألقاب ، وقد خلف لنا العديد من الكتب ، ومن أهما ( مجالس العشاق ) الذي خصص المجلس الخامس والخمسين منه لشرح أحوال الجامي ، وإيراد حكايات وأبيات حول حالات عشقه ، وتسجيل غزلياته التي تموج بالحب ) .
ويقول الأستاذ خليل الله خليلي عن السلطان أيضاً : " هو من الملوك الأفاضل المحبين للعلم والعلماء الذي يفخر التاريخ بهم " .
$[1/45]
وقد صارت هراة في عصره مركزا للعلم والعلماء ونموذجا للحضارة والمدنية ، واجتمع فيها كبار العلماء ، وكتب أعظم الأساتذة أحسن آثارهم في زمنه .
وكان الرسام المعروف ( بهزاد ) وهو صاحب مدرسة خاصة في الرسم ، وأستاذ الأساتذة رئيس مكتبة السلطان حسين بايقرا في هراة .
وفي هذا العصر شيدت مدرسة الميرزا ، والمستشفى والمكتبة وبقية أبنية هراة .
وعاش في هذا العصر مولانا نور الدين عبد الرحمن جامي ، وهو من مشاهير العلم والأدب والعرفان ، وعاش أيضاً في هراة في هذا العصر عصر السلطان حسين ، الوزير العالم والشاعر الأديب الأمير علي شير نوائي ، وكان ذا مكانة خاصة بعد نظام الملك ، وله بضعة آلاف بيت من الشعر ، باللغة المغولية والفارسية ، وقد توفى ودفن في هراة سنة 906هـ ) .
وقد تمكن الجامي في خلال هذه الفترة من كتابة أفضل آثاره التي منها كتابه ( الفوائد الضيائية ) موضوع بحثنا .(1/22)
وفيه ( تفجرت ينابيع شاعريته لتروي عشاقه ومريديه ، وعرف السلطان حسين قدره فبالغ في احترامه حتى لقد قبل شفاعته للوزراء والأمراء والدراويش في كل أمر من الأمور .
وبالجملة يعد عصر الجامي - وإن تخللته بعض الفتن والاضطرابات - عصر نهضة علمية ثقافية ظهر فيها كثير من الأدباء الشعراء
$[1/46]
والمؤرخين ، وصنفت كثير من المصنفات ، وازدهرت فيه كثير من الفنون ، ذلك أن التيموريين كان لهم ولع بالفنون وبخاصة فن عمارة المساجد وتزيينها ، واهتموا - أيضاً - بفن التصوير ، فأقاموا المكتبات الضخمة وجمعوا في بنائها فنون البارعين من المصورين والمذهبين والنقاشين والمخطاطين والمجلدين ، فكانت هراة في عصرهم مركزا كبيراً لصناعة التصوير خاصة أيام ( شاهرخ ) وابنه ( بايسنقر ) الذي أقام مجمعا للفنون .
$[1/47]
الفصل الرابع
( الجامي )
1 - اسمه ولقبه وكنيته ونسبته وولادته ونسبه وأسرته :
هو عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الجامي .
لقبه الذي اشتهر به : نور الدين ، وقيل : إن لقبه الأًلي هو : عماد الدين .
والظاهر أن عماد الدين كان لقبه أولا ثم صار لقبه الذي اشتهر نورالدين .
وكنيته : كما ذكر بعضهم هي : أبو البركات . هذا هو الثابت عن لقب وكنية صاحب الترجمة ، وما جاء عن بعضهم من زيادة أو اختلاف يعد من قبيل إضفاء الألقاب في المدح على العلماء كما هو معروف ومتبع مثال ذلك ما جاء في مفتاح السعادة ( الفاضل السامي مولانا عبد الرحمن
$[1/48]
الجامي . . . وشهرة حاله في بلادنا أغنت عن التعرض لتجرمته قدس سره ) .
أما نسبته فقد أجمعت الكتب التي ذكرت - والتي تيسر لي الاطلاع عليها - على نسبته إلى ( جام ) فعرف بالجامي ، وجام ولاية بخراسان انتقل إليها جده ووالده من بلدهما الأصلي وهو ( دشت ) محلة من أعمال أصفهان ، وذلك بسبب بعض الحوادث ، فكان آباء صاحب الترجمة ينسبون إلى ( دشت ) مدة إقامتهم في ( جام ) .(1/23)
وولادته في قرية ( خرجرد ) من قرى ( ولاية جام ) وتقع بين مشهد وهراة ذلك في عشاء الثالث والعشرين من شعبان سنة ( 817هـ ) ثمانمائة وسبع عشرة من الهجرة النبوية الشريفة ( 7 نوفمبر سنة 1414م ) .
وقد أشار الجامي في بعض شعره بالفارسية إلى مكان ولادته ونسبته بقوله :
مولد جام ورشحه قلم ... ... جرعة جام شيخ الإسلام است
لا جرم ور جريدة أشعار ... ... بدو معنى تخلصم جامي ست
$[1/49]
ومعناه ، أنه إذا كان مولدي في ( جام ) وقد شرب قلمي جرعة من جام كأس شيخ الإسلام - والمراد به والده أحمد الجامي - فلا جرم أن أعرف في صحيفة أشعاري بالجامي فانسب إلى جام تيمنا بهذين المعنيين .
وللجامي منظومة بالفارسية بلغت ثمانين بيتا نظمها قبل وفاته بخمس سنوات لخص فيها حياته ، وبين أحواله ، قال في أولها - مشيرا إلى تاريخ مولده - ما معناه : أنه في سنة سبع عشرة وثمانمائة من الهجرة النبوية حيث انتقلت سرادقات الجلال من مكة إلى يثرب هويت كسير الجناح من علياء العز إلى حضيض الهوان والمذلة ، ثم يشير في القصيدة نفسها إلى تاريخ نظمه فيقول ما معناه : وها آنذا اليوم في الثالث التسعين وثمانمائة أمضى زمان العمر في هذه الدنيا .
أما نسبه فقد ذكرت بعض المصادر أنه ينتهي إلى الإمام محمد بن الحسن الشيباني - رضي الله عنه - تلميذ الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت - رضي الله عنه - وصاحب أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم ابن حبيب الأنصاري - رضي الله عنه - .
وشيبان قبيلة عربية معروفة ، من رجالها العظماء المثنى بن حارثة الشيباني صاحب معركة ( ذي قار ) ومعن بن زائدة الشيباني أحد الأجواد
$[1/50]
المشهورين عن العرب .
أما أسرته : فقد تزوج الجامي ابنة مرشده في الطريقة النقشبندية الشيخ سعد الدين الكاشغري ، فأنجبت له أربعة أبناء ، توفى الأول بعد ولادته ، بيوم واحد وتوفى الثاني بعد سنة من ولادته واسمه صفي الدين محمد .(1/24)
أما الثالث فهو ضياء الدين يوسف الذي كان من أبناء السلامة ، وقد خصه الجامي بالذكر في بعض مؤلفاته ، وكان تأليف ( الفوائد الضيائية ) - موضوع البحث - لأجله ، وقد ذكر الجامي أن ولادته في سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة .
أما الابن الرابع فهو ظهير الدين عيسى ، ولد بعد تسع سنوات من ولادة أخيه ضياء الدين يوسف ، وتوفى بعد أربعين يوما من ولادته .
نشأته وثقافته :
نشأ الجامي في بيت من بيوت العلم والمعروفة في ذلك الزمان . فجده شمس الدين محمد الدشتي من مشاهير أهل العلم والتقوى الذي كان مرجعا للقضاء والفتوى في ولاية ( جام ) وأبوه نظام الدين أحمد بن محمد الدشتي ) لا يقل عن جده علما وشهرة حيث ( كان من أعظم المجتهدين في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان ) علاوة على مكنه من علوم اللغة . فلاقى الجامي منذ طفولته عناية خاصة من أبيه حيث لقنه علوم العربية - كما ستأتي إشارة الجامي إلى فضل أبيه عليه في هذا المضمار - .
$[1/51]
ولما انتقل مع أبيه إلى هراة وكان حينئذ ما يزال صغيرا أدخله أبوه المدرسة النظامية ، فاتصل بشيوخها وحضر درس الشيخ جنيد الأصولي الذي كان مشتهرا بعلوم العربية ، وشهاب الدين الحاجري ، ثم سافر إلى سمرقند واتصل بأهل العلم فيها ، وحضر درس خواجة علي السمرقندي ودرس قاضي زادة الرومي .
والجامي في نشأته بهذا الجو العلمي وتطوافه في سبيل التحصيل والمعرفة بين هراة وسمرقند ، وبما حباه الله تعالى من ذكاء مشهود له - كما سيأتي - يعد مثال الدارس النهم الذي يعب من شتى أصناف العلوم التي كانت شائعة في زمانه لا يقنع بقليل منها ولا بلون من ألوانها ، قال صاحب البدر الطالع : ( اشتغل - أي الجامي - بالعلوم أكمل اشتغال حتى برع في جميع المعارف ثم صحب الصوفية فنال من ذلك حظا وافرا ، وكان له شهرة بالعلم في خراسان وغيرها من الديار ) .(1/25)
وذكر المؤلفون بأن الجامي قد اشتغل بالعلوم العقلية والشرعية ، وتأثر بأهل التصوف ويتحلى تأثره بهم في سلوكه الطريقة النقشبندية في التصوف كما سيأتي .
$[1/52]
وللجامي قطعة شعرية بالفارسية في كتابه ( تحفة الأحرار ) ذكر فيها الكتب العلمية التي كانت ذائعة في عصره ، وفيها يذم الجامي الذي يقتصرون في دراستهم على العلوم الظاهرية ويتركون العلوم الحقيقية التي تبحث في النواحي الروحية والمعنوية . وهذا ما يؤيد ما نقل عن الجامي من اهتمامه بهذه العلوم .
ولتبحر الجامي في العلوم وتدقيقه فيها واطلاعه على مكنوناتها أصبحت له مقدرة عالية على سبر الحقائق أهلته بأن ينظر إلى هذه العلوم نظرة نقدية يفرق بها بين ما يراه نافعا منها وضارا ، فنراه يهاجم ابن سينا ويهاجم مؤلفاته مثل كتاب ( الشفا ) و ( القانون ) و ( الإشارات ) ويقول : إنها تؤدي إلى الكفر والضلال ، ويذكر رأيه في الفلسفة بصراحة قائلا : إن معظمها قائم على السفه ، وينصح المتعلمين بأن يتجنبوا ما لا ينفع فيقول ما معناه : ( ولا تسلك طريق الجدل فإنه لا يهدف إلا إلى هدم الأوضاع ، وتعوزه الأدلة والبراهين ، ولا تتحدث عن المنطق فإنه لم تحل من مشكلاته أي عقبة على وجه الإطلاق ، ولم يتضح من حدوده أو دلائله شيء سواء كان من أجناسه العالية أو أنواعه السفلى ، وإذا لم يكن عملك أساسه كتاب الله فإنه بعيد عن الحكمة ، وما لم تكون نفسك متعودة على الرياضة فلن يجديك تحصيل العلوم الرياضية فتيلا ) .
ونرى الجامي - أيضاً - يحث المتعلمين على دراسة ما يراه نافعا من الكتب التي يبين ذكره لها جانبا من اهتماماته وثقافته ، فيقول في قطعة من
$[1/53]
الجزء الأول من ديوانه ( سلسلة الذهب ) ما معناه :(1/26)
" وابحث عن كتاب الله فإنه واضح وجدير بالقراءة سليم كطبع الرجل العارف وعن حديث الرسول الصحيح النابع من أخلاقه وسيرته ، وعن كتب مثل البخاري ومسلم فهي بعدية كل البعد عن الشك والريبة ، وخذ من التفاسير ما هو مشهور ، وما هو بعيد عن تحريف المبتدعين ، ومن أصول الشرع وفروعه ما هو أليق وأولى ، وخذ من فنون الأدب كالنحو والصرف وما يتلاءم وهذه العلوم ، وابحث في رسالات أهل الكشف والشهود ، وفي مقالات أهل الذوق والوجدان عما يزيل حجاب الجهل والغموض أمامك واتجه إلى دواوين الشعراء والفصحاء وقصائد الناظمين المبرزين ، فإذا تجمعت لديك هذه المعارف فاعتزل الدنيا ومن فيها " .
ومما ذكرنا نتلمس اتجاهات الجامي الثقافية التي تكون منها معارفه وعلومه التي كانت حصيلتها مجموعة كبيرة من المصنفات في مختلف العلوم باللغتين العربية والفارسية ، يضاف إلى ذلك أنه من شعراء الفارسية المشهورين حتى قيل فيه : إنه عالم الشعراء وشاعر العلماء كما سيأتي .
أساتذته :
ذكرت - سابقا - أن الجامي تعلم على يد أبيه ( نظام الدين أحمد الدشتي ) علوم العربية ، وحضر درس الشيخ جندي الأصولي وشهاب الدين الحجري وخواجة علي السمرقندي وقاضي زادة الرومي .
والظاهر أنه لم يكمل دراسته عند هؤلاء العلماء فلم يعترف لأحد منهم بحق الأستاذية عليه باستثناء أبيه الذي خصه بأنه قد تلمذ عنده ، وتعلم منه اللغة ، وقد صرح الجامي بذلك فقال : " إنني لم أدرس عند أي من
$[1/54]
الأساتذة بشكل تكون لهم الغلبة والتفوق علي ، ولم يثبت لأي منهم حق الأستاذية إزائي ، وإنني في الحقيقة تلميذ أبي الذي تعلمت منه اللغة " .(1/27)
والناظر إلى كلام الجامي قد يساوره شك فيه فيجعله من باب الغرور إلا أنه يشفع للجامي - ويدرأ هذا الشك - ما ذكرته من نشأته العلمية ، واحتضان أبيه له وتعليمه إياه ، وما يتمتع به من ذكاء حاد حتى قيل فيه ( إنه خارق للعادة ) ولهذا الذكاء مظاهر سنذكرها فيما بعد منها : تفوقه على أقرانه وشهادة العلماء له بذلك وتصحيحه لأخطاء بعضهم .
وقد أكد الكاشفي صاحب ( رشحات عين الحياة ) ما قاله الجامي عن نفسه ، فذكر أن الجامي لم يكن في حاجة إلى هذه الدروس التي كان يحضرها لولا أن بعض العلوم الرسمية متوقفة على السماع ) .
وفيما نحن فيه يقول الدكتور عبد العزيز مصطفى صاحب رسالة الجامي عصره وحياته : ( أرجح أن يكون ذكاء الجامي وقدرته الفائقة وشغفه الزائد بالعلم ، كل هذه العوامل قد جعلته لا يعتمد كثيراً على تحصيله للعلم على أساتذته ، وربما مما يؤكد صحة هذا الرأي أن الجامي لم تكن عنده نزعة الغرور أو التكبر ) وسيأتي ذكر هذه المعاني التي ذكرت عن الجامي في كلامنا على شخصيته وأخلاقه .
وإذا كان هذا هو موقف الجامي ممن حضر دروسهم من أهلا لعلم فإن موقفه من مشايخ التصوف غير ذلك ، فهو أحد مريديهم ، ولهم الفضل عليه بسلوكه طريق التصوف ، لذا يذكرهم باحترام ويثني عليهم كما سيأتي .
$[1/55]
عبد الغفور اللاري : وهو المشهور بمولانا عبد الغفور ، وقد لقبه أستاذه الجامي بـ ( رضي الدين ) ، ويروى أنه من أولاد سعد بن عبادة رضي الله عنه من كبار الأنصار .
يقول الحيوري بحق هذا التلميذ : إنه " أرشد تلاميذ الجامي وأكمل أصحابه ، وحامل علومه ، ومعارف آدابه . . . . قرأ أكثر مصنفات الجامي على حضرته ، وأخذ منه الطريقة ، فاستنار بنور معرفته ، وتبصر ببصر بصيرته " .
من مصنفاته : حاشية على ( الفوائد الضيائية ) وحاشية على ( نفحات الأنس ) للجامي . توفى سنة 912هـ بعد وفاء الجامي بأربع عشرة سنة .(1/28)
وإبراهيم بن محمد عصام الدين الإسفرائيني المتوفى سنة 943 : من مصنفاته حاشية على ( الفوائد الضيائية ) وحاشية على ( شرح آداب السمرقندي ) وحاشية على ( تفسير البيضاوي ) .
شخصيته وأخلاقه :
يمكننا من خلال ما ذكر عن نشأة الجامي وثقافته أن نتلمس جانبا كبيراً من شخصيته وأخلاقه .
فمن أهم صفاته البارزة حبه للعلم الذي تربى عليه ونشأ في أجوائه ونذر نفسه في سبيل دراسته ، وأوقفها على متابعته ، فتأصل فيه هذا الحب منذ طفولته ، وبقى ملازما له طوال حياته ، يضاف إلى ذلك ما وهبه الله من ذكاء حاد وذاكرة قوية مما جعله يتفوق - في أثناء تحصيله للعلم وانخراطه
$[1/56]
في حلقات العلماء - على أقرانه كما سيأتي .
وهذه الصفة من صفاته لها التأثير الكبير على تشكيل الجوانب الأخرى من شخصيته وأخلاقه ، بل تصبح نتيجة من نتائجها ، تظهر من خلال أقواله وأفعاله .
وقد ترجم إلى العربية صاحب رسالة الجامي عصره وحياته كثيراً مما يدل على شخصية الجامي وأخلاقه استخلص منها ما يأتي :
كثر في شعره مجيء ما يدل على حبه للكتاب ومكانته الفائقة عنده فيقو الجامي ما معناه :
( لا يوجد في الدنيا بأسرها صديق خير من الكتاب ، وليس هناك من يزيل الهم في هذه الدنيا المليئة بالأحزان سوى الكتاب ، وكلما اختليت به تنال منه راحة لا حد لها ، ولا يصيبك أذى على الإطلاق ) .
ويقول أيضاً ما معنا :
( إن الكتاب هو أنيس وحدتك والكتاب هو نور صبح المعرفة وهو أستاذ يعلمك دون أجر أو منه ، فافتحه كل لحظة لتناول قسطا من المعرفة ) .
ويقول أيضاً ما معناه :
( شمر ساعد الجد في طلب العلم وانفض يدك عن باقي الأعمال ) .
ومن صفات الجامي أنه كان مبتعدا عن الرياء والنفاق ومراقبا ربه في أقواله وأفعاله ، قاطعا للعلائق الدنيوية إلا ما كان من الأمور الضرورية في الحياة ، مشغولا بالأذكار والرياضات النفسية ، ومتجها إلى الزهد ، وله في هذه المعاني شعر كثير .
$[1/57](1/29)
وكان الجامي متواضعا إلى أبعد الحدود ، فكان يجلس على الأرض متجها بوجهه إلى القبلة ، ولا يكاد يرى شخصا قادما عليه حتى تنفرج أساريره فينهض لتحيته ولقائه ، كما ينهض واقفا لتحيته أثناء انصرافه حتى أدى هذا إلى مرضه أثناء شيخوخته .
وكان يتناول الطعام مع أبسط الناس وفقرائهم ، ولا يجد في ذلك ضيرا أو نقصا .
يقول الأمير عليشير نوائي كبير وزراء السلطان حسين بايقرا : ( على الرغم ما للجامي من إحاطة بالعلوم بالإضافة إلى موهبته الشعرية فقد كان بسيطا في كل حركاته وأقواله وطعامه ولباسه واشتهر بذلك بين أصحابه وذاع صيته حتى كان الناس يقدمون من نواح عديدة لزيارته والتمتع بلقائه ) .
ومن صفاته أنه دائم الصمت في المجالس والمحافل ، وكثيراً ما يطلب من الجالسين أن يتحدثوا قائلا : ( تحدثوا فليس عندي ما أقول ) .
وكان الجامي مشهورا بعزة النفس ، ولهذا لا نراه يلجأ إلى أحد طمعا في طعام بل إنه كان يصب جام غضبه على أولئك اللئام المتكسبين المتسابقين إلى حضور موائد الطعام والشراب وله في ذلك شعر بالفارسية .
وكان الجامي من طبعه الكرم ومساعدة الفقراء والمحتاجين وحماية المظلومين .
وكان داعية إلى الخير والمحبة ، يقدم نصائحه للناس عامة حاكمين ومحكومين وله في نصيحة الحاكمين من السلاطين شعر بالفارسية .
وكان الجامي صاحب ذوق لطيف وإحساس دقيق يعشق الجمال
$[1/58]
أينما وجد ، وللعلماء في عشق الجامي كلام واختلاف لا داع إلى ذكره هاهنا .
وكان الجامي يتمتع بطبع ظريف ونفس بشة ، وله كثير من اللطائف والقطع الفكاهية وفي كتاب ( لطائف الطوائف ) لفخر الدين صفي فصلان بعنوان ( لطائف عارف جام ) ذكر فيهما ما يقرب من ثلاثين حكاية ونادرة للجامي .
عقيدته وتصوفه :(1/30)
نشأة الجامي العلمية ومسلكه الصوفي ودراسته لجميع أصناف العلوم التي كانت ذائعة في عصره ، العقلية والشرعية ، ودرايته بعلوم أهل الظاهر والباطن ، وتبحره في هذه العلوم ومقدرته الفائقة على سبر حقائقها بما حباه الله تعالى من ذكاء وفطنة ، وما يتمتع به من إيمان صادق ونفس زكية ، نتج عنها أن تتلجى أمامه الحقيقة ، فيعرفها معرفة بصر وبصيرة ، ويعلمها بالحس بعين أهل الظاهر ، وبالمعنى يقلب أهل الباطن ، ويشرب رحيقها بعلم أهل الشريعة ، ويتنسم عبيرها بيقين أهل الطريقة ، لا يلابسه فيها هوى غير هوى الله وسلوك طريقة شريعته الصافية النابعة من أحكام قرآنه العظيم وسنة نبيه الكريم - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - ولم يمل به عنها تعصب أو تطرف في زمن كثرت فيه الاختلافات والمخالفون والتطرف والمتطرفون مما جعله يقبل على أهل التصوف فيلتحق بالطريقة النقشبندية ، ويسلك سبيل الرياضة والمجاهدة ويتجنب معاشرة الخلائق ما يقرب من ستة أشهر ، امتنع عن مخاطبة الناس وعكف على العبادة والصمت ،
$[1/59]
وكان ذلك على يد مرشده سعد الدين الكاشغري شيخ الطريقة النقشبندية آنذاك والتي تنتهي إلى بهاء الدين النقشبندي المتوفى سنة 792هـ وتسلسل هذه الطريقة الآتي : -
بهاء الدين النقشبندي البخاري .
ثم الخواجة علاء الحق والدين المشهور بالعطار .
ثم نظام الدين خاموش .
ثم سعد الدين الكاشغري .
ثم نور الدين عبد الرحمن الجامي .
وصحب الجامي الشيخ عبيد الله أحرار السمرقندي وانتسب إليه أتم انتساب ، وهو أيضاً من كبار مشايخ هذه الطريقة ، وظل الجامي مريدا له إلى نهاية عمره .
وللجامي شعر يذكر فيه التحاقه بأهل التصوف وبين هدفهم السامي فيقول ما معناه :
" التحقت بالصوفية صفاة القلوب ، فليس هدفهم من العلوم سوى الأعمال " .(1/31)
ومن هذا يتضح مدى إيمان الجامي واقتناعه بهذه الطريقة ، وقد تأثر الجامي في تصوفه بابن العربي ، وأعجب به أشد الإعجاب لذلك شرح كتابه فصوص الحكم وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى .
$[1/60]
وفي رسالة الجامي عصره وحياته ذكر منظومة للجامي عنوانها ( اعتقاد نامة ) أخذها من كتابه ( سلسلة الذهب ) بين فيها الجامي العقيدة التي ينبغي أن يكون عليها المسلم ، ثم يتحدث فيها عن وجود الحق ووحدته وصفاته وعلمه وإرادته ، وعند قدرته وسمعه وبصره وكلامه وأفعاله ويشير فيها إلى وجود الملائكة وإلى إيمان الأنبياء وفضيلة نبي الإسلام عليه السلام ، ويذكر أنه خاتم الأنبياء ، ويتحدث عن شريعته ومعراجه ، وينتقل بعد ذلك إلى معجزات الأنبياء وكتبهم السماوية ، ويشير إلى قدم كتاب الله ، ثم يتحدث عن فضيلة الأمة الإسلامية وشرف آل البيت والصحابة ، ويذكر أن تكفير أهل القبلة غير جائز ، ثم يتحدث عن عذاب القبر ، وسؤال منكر ونكير ، وعن النفختين ، وعن الميزان والصراط ، وأخيرا يتحدث عن خلود الكفار في النار وخروج بعضهم منها بالشفاعة ، ويشير إلى نهر الكوثر ودرجات الجنة والخلود فيها ورؤية الحق سبحانه وتعالى .(1/32)
ويذكر أيضاً صاحب الرسالة أن للجامي قطعة أخرى يتناول فيها مشكلة الجبر والاختيار ، ويسلك فيها مذهب الاختيار على طريقة الأشاعرة وأنه يتحدث في كتابه ( شواهد النبوة ) عن أحوال النبي صلى الله عليه وسلم والدلائل التي تثبت نبوته ، ثم يضمن هذا الكتب فصلا يتحدث فيه عن الصحابة وأهل البيت ويذكر فضائلهم وكراماتهم على طريقة المسلم العارف برجال المسلمين العالم بحقيقة الإسلام ومقاصده السامية فلا يميل به تعصب يخرجه عن جادة الصواب ولا يشط به تطرف يوقعه بالمحذور . فيذكر الخلفاء الراشدين المهديين رضوان الله عليهم أجمعين باحترام كبير . ويورد أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي قالها بشأنهم ، ثم ينتقل إلى أئمة المسلمين من آل البيت والصحابة الكرام .
$[1/61]
ويذكر صاحب الرسالة قطعة للجامي من ديوانه ( سلسلة الذهب ) يقول فيها :
خاصة آل بيد وأصحاب ... ... كزهمة تهدند تمر هر باب
وزميان همة نهود حقيق ... ... بخلافت كسى به أز صديق
وزمى أو بنو دار زان احرار ... ... كس جو فاروق لايق ابن كار
بعد فاروق جزبذى النورين ... ... كأرملت نيافت زينت وزين
يعود بعد اهمه يعلم ووفا ... ... أسد الله خاتم الخلفا
لعن كز رافض شود واقع ... ... شود آن لعن هم بدور راجع
ومعناها :
خاصة آل بيت رسول الله والصحابة فإنهم خير من الجميع في كل ناحية ، ولم يكن أحد جدير بالخلافة بين الجميع خير من الصديق ( أبي بكر ) ولم يكن أحد من بين هؤلاء الأحرار يستحقها من بعده كالفاروق ، ولم تصلح أحوال الرعية بعد الفاروق إلا على يد ذي النورين ( عثمان ) ثم اختتم أسد الله ( علي ) الخلافة بعدهم جميعا بالعلم والوفاء ، فكل ما يقوم به الرافض من لعن عليهم فإن لعنه يرتد عليه .
وبقى الجامي على هذه الحال يمدحهم جميعا طوال عمره ولكن مسيرة الجامي هذه لم ترض بعض المتعصبين أصحاب الأهواء والأغراض فلاقى منهم بعض الأذى في حياته حتى إن منهم من أجاز لعنه .(1/33)
وللجامي قصة مع هؤلاء حدثت له في بغداد أثناء سفره إلى الحجاز
$[1/62]
لأداء فريضة الحج وذلك أنهم لفقوا عليه بعض التهم وزادوا على بعض ما قاله من شعر في ديوانه ( سلسلة الذهب ) فعقدوا له مجلسا في أوسع مدارس بغداد حضره قضاتها وأمراؤها وانتهى المجلس بانتصار الجامي وبرائته مع معرفة الجاني الملفق للتهمة ومعاقبته بأن حلقوا له نصف شاربه بالسكين والنصف الآخر قرضوه بالمقراض ثم أركبوه - معكوسا - حمارا بعد أن ألبسوه قلنسوة من خشب وطافوا به في أنحاء بغداد .
ولم يسلم الجامي من الأذى حتى بعد موته فيذكر أنه ( لما توجهت الطائفة الطاغية الأردبيلية إلى خراسان أخذ ابنه ( ضياء الدين يوسف ) جسده من قبره ودفنه في ولاية أخرى فأتت الطائفة المذكورة إلى قبره وفتشوه فلم يجدوا جسده فأحرقوا ما فيه من الأخشاب ) .
شعره بالفارسية :
أودع الله سبحانه وتعالى الجامي موهبة شعرية فائقة تفجرت ينابيعها في أواخر عمره ، فقدم خلالها تراثا هائلا من الشعر الفارسي الذي صار به من أشهر شعراء الفرس وأعظمهم في زمانه .
ولم يكن للجامي في أول حياته وإلى فترة طويلة من عمره متسع من الوقت يتجه به للاشتغال بالشعر وفنونه حيث كانت اهتماماته منصبة على دراسة العلم فيطوف في سبيله بين البلدان مع صحبته لأهل التصوف كما ذكرت سابقا . فانغماره في هذه العلوم كفيل بأن يملأ دنياه العقلية والروحية والنفسية في هذه الفترة .
$[1/63]
يقول الجامي في مقدمة بعض دواوينه مبينا حياته في ذلك الوقت ، ما معنا :
((1/34)
ذلك أنني كنت في ذلك الوقت قد زرعت في فؤادي بذور الآمال والأماني وكانت عيناي مشغولتين بالنظر إلى ألوان الجمال التي تفتحت قريبا في ربيع العمر كما كنت في ذلك الوقت ملازما لأهل الفضل والكمال ، فكنت حريصا على حضور مجالس العلم مواظبا على الانتظام في المدارس كما كنت انتقل في تلك الأثناء بين البلدان تاركا وطني مفارقا أخواني بعيدا من أحبائي وخلاني كما كنت قد التحقت بخدمة الدراويش ولبست زيهم ، وقد جهدت أن أصفي خاطري كما أشاروا علي ، أما اليوم فها أنذا ليس عندي ما يشغلني وقد جلست في زاوية الخمول أسجل بقلمي ما تجود به قريحتي في أي وقت ، ثم أعيد تسجيل هذا الخاطر حينما تتيح الظروف ذلك حتى تجمعت هذه الأشياء المشتتة ) .
وقد انعكست في شعر الجامي ما ذكرنا عنه من دراية علمية وصفات شخصية ، وعقيدة مذهبية وصوفية ، وفي هذا المعنى يقول الجامي متمما حديثه السابق :
( وتستطيع أن تجد فيه كل المعاني والخواطر اللهم إلا الطمع والحرص على حطام الدنيا فإنني لم ألوث لساني بمدح اللئام أو ذمهم ، ولم أكلف قلمي عناء الكتابة في هذا الموضوع والحمد لله على ذلك ، وقد قيل في ذلك المعنى : أنه ليس ديوان الشعر بل هو الجامي قد قدم مائدته على عادة الكرام وتجد فيه من ألوان النعمة كل ما تريد اللهم إلا مدح اللئام وذمهم ) .
$[1/64]
ويقول الدكتور أحمد كمال الدين حلمي : ( قد أثر العاملان الأدبي والمذهبي في الجامي أبلغ تأثير وانعكسا في أشعاره لكنه تميز عن معظم شعراء عصره بعدم الميل إلى التزلف والرياء .
وينظر النقاد إلى الجامي كواحد من أكبر شعراء الإسلام المتصوفين الذين ظهروا في القرن التاسع الهجري ، ويعترفون بذوقه اللطيف وحبه الفطري للجمال .
وما جاء من شعره في العشق قوله :
كه جامي جون شدى درعا شقى بير ... ... سبك روحي كن ودرعا شقى مير
ومعناه :
ما دمت يا جامي قد هرمت في العشق ... ... ... فكن خفيف الروح وافن في العشق
وقوله :(1/35)
قومى كه نيامد ندد رعشق تمام ... ... خوانند هواي نفس راعشق بنام
كى شايدشان درحم عشق مقام ... ... خودهست بريشان سخن عشق حرام
$[1/65]
ومعناه :
من لا يحسنون التصرف في العشق ، يطلقون على هوى النفس اسم العشق .
ـ فمتى يجوز أن يكون هلم في حرم العشق مقام ، بينما كلام العشق عليهم حرام .
وقوله :
باعشق توام هو انما ندست وهوس ... ... با آتش سوزنده جسان ما ندخس
خواهد زتو مقصود دل خودهمه كس ... ... جامي ازتوهمين تورا خواهد وبس
ومعناه :
ميلي ورغبتي في حضرة عشقك لا يمكثان ... ... فالقش والشوك لا تبقيهما النيران
يريد الناس منك منا القلوب ... ... وأنت تكفي أنت للجامي حبيب
وترجم الجامي القصيدة المنسوبة إلى الفرزدق في مدح زين العابدين علي بن الحسين . وهي كما ذكرها ابن خلكان في الوفيات سبعة وعشرون بيتا فقال :
آن كس است ابن كه مكه ويعلما ... ... زمزم وبو قبيس وخيف ومنى
$[1/66]
حرم وحل وبيت وركن حطيم ... ... ناودان ومقام إبراهيم
مروه مسعى صفا حجر عرفات ... ... طيبة وكوفة كربلاء وفرات
هريك آن بتدر أو عارف ... ... بر علو مقام أو واقف
قرة العين سيد الشهداست ... ... زهرة شاخ دوحة زهراست
جوز كند جاي درميان قريش ... ... رود أز فخر برزيا قريش
كه بدين سرور ستوده شيم ... ... بنهايت رسيد فضل وكرم
أز جنين عز ودولت ظاهر ... ... هم عرب هم عجم بود قاصر
وهي ترجمة لأبيات الفرزدق :
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... ... والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم ... ... هذا التقي النقي الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها ... ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
ينمى إلى ذروة العز التي قصرت ... ... عن نيلها عرب الإسلام والعجم
$[1/67]
ومضى الجامي في ترجمته للقصيدة كلها على هذا النحو .(1/36)
ولعل الجامي نظر إلى القصيدة ونسبتها إلى الفرزدق في وفيات الأعيان لابن خلكان 5/145 - 147 وقد ذكرت أبيات من هذه القصيدة في ديوان الفرزدق 848 - 849 واختلف العلماء في نسبتها ، فقيل هي للفرزدق أو للحزين الكناني أو لأبي دهبل أو للعين المنقري أو لداود بن مسلم . وسواء كانت القصيدة للفرزدق أم لغيره فإن الذي يهمنا هو استحسان الذي قرئوا ترجمتها بالفارسية ورأوا قدرة الجامي على هذه الترجمة .
منزلته وأقوال العلماء فيه :
من الأمور البارزة التي تواجه من يقرأ عن الجامي هو إكبار الناس وتقديرهم له ، لما يتمتع به من موهبة علمية وشعرية وصفات رفيعة - كما ذكرت سابقا - وجاء ذلك الإكبار وهذا التقدير من لدن مستويات مختلفة .
فللجامي هذه المنزلة منذ أن كان دارسا في حلقات العلماء حيث امتاز على أقرانه بتفوقه وذكائه ، وقد شهد له بذلك من درس العلم إياه من علماء سمرقند .
يقول الشيخ قاضي زاده الرومي : ( لم يتعد أحد من نهر جيحون إلى هذا الطرف منذ بنيت سمرقند مثل الشاب الجامي في جودة الطبع وقوة التصرف ) .
وشهد له - أيضاً - أقرانه ممن درس معه فنرى أبا يوسف السمرقندي الذي كان من تلاميذ قاضي زاده الرومي يذكر أن الجامي كان يقوم بإصلاح بعض الأخطاء لقاضي زاده نفسه فيتصرف في بعض أقواله التي جاءت في بعض مؤلفاته تصرفات لم تخطر على خاطر قاضي زاده أبدا .
$[1/68]
ولما بلغ الجامي مبلغ كبار المحققين والعلماء المصنفين ، وتدفقت موهبته الشعرية فعلا نجمه وذاع صيته عرف الناس قدره ورغبت السلاطين في لقياه .(1/37)
فهذا السلطان حسين بايقرا - الذي يعد من الأدباء والشعراء كما ذكرت سابقا - ينزله منزلة عالية ، ويقدره تقديرا فائقا حتى بلغ به أن يقبل شفاعته للوزراء والأمراء والدراويش في كل أمر من الأمور ، ويتحين الفرص والمناسبات لإظهار هذا التقدير ، فنراه - مثلا - عندما يعلم بقدومه من الحج - وكان السلطان حسين حينئذ في ( مرو ) - يرسل إليه الهدايا مع رسالة كتب في صدرها :
أهلا بمقدمك الشريف فإنه ... ... فرح القلوب ونزهة الأرواح
وأكثر من هذا أنه - أي : السلطان حسين - يخصص في كتابه ( مجالس العشاق ) المجلس الخامس والخمسين لشرح أحوال الجامي ، فيقول فيه : ( كان من لا يفي الحديث بوصف كلامه السامي مولانا عبد الرحمن الجامي أو حد عصره في علوم الظاهر والباطن ، وقد ترك من ورائه مصنفات كثيرة خالدة على صفحة الزمن ، وأجاد في كل ضروب الشعر من قصيدة وغزل ومثنوي ورباعي وقطعة ومعمى ، وألف على طريقة الصوفية أمثال حضرة الشيخ محي الدين بن العربي والشيخ صدر الدين القونوي ) .
ويقول الدكتور أحمد كمال الدين حلمي : ( الثابت أن السلطان كان يرتبط بشاعرنا - أي : الجامي - بروابط معنوية ، ويتلمس بركته قبل الحرب ويطلب توجيهه عند الصلح ، وكان شاعرنا يبادله الحب والاحترام وبكثير من مدحه في منظوماته ويصدر باسمه الكثير من مؤلفاته . وبالرجوع
$[1/69]
إلى مجموعة منشآته نجد إحدى وعشرين رسالة معظمها في الرد على استفسارات ، وجهها السلطان إليه ) .
وهذا السلطان محمد الفاتح العثماني يستزيره بعد عودته من الحج غير أنه اعتذر ، رغبة في سرعة العودة إلى هراة .
ودعاه السلطان بايزيد خان إلى مملكته وأرسل إليه الجوائز السنية ، فيؤثر الإقامة في هراة في ظلال السلطان حسين بايقرا .(1/38)
ومما يذكر في هذا المقام ما حكاه صاحب ( الشقائق النعمانية ) عن الجامي بما يشهد له بعلو منزلته العلمية ، وقدرته الفائقة على الإحاطة بشتى أصناف العلوم حيث يقول : ( حكى المولى الأعظم سيدي محيي الدين الغناري عن والده المولى علي الغناري أنه قال والده ، وكان قاضيا بالعسكر المنصور للسلطان محمد خان : إن السلطان قال لي يوما : إن الباحثين عن علوم الحقيقة : المتكلمون والصوفية ، والحكماء ، لا بد من المحاكمة بين هؤلاء الطوائف قال : قال والدي : قلت السلطان محمد خان : لا يقدر على المحاكمة بين هؤلاء إلا المولى عبد الرحمن الجامي قال : قال : فأرسل السلطان محمد خان إليه رسولا مع جوائز سنية ، والتمس منه المحاكمة المذكورة ، فكتب رسالة حاكم فيها بين هؤلاء الطوائف في ست مسائل ، فيها مسألة الوجود ، وأرسلها إلى السلطان محمد خان ، وقال : إن كانت الرسالة مقبولة يلحقها بباقي بيان المسائل ، وإلا فلا فائدة في تضييع الأوقات ، فوصلت الرسالة إلى الروم بعد وفاء السلطان محمد خان قال المولى محيي الدين الغناري : وبقيت تلك الرسالة عند والدي ) .
$[1/70]
وكان كبير وزراء السلطان حسين بايقرا الأديب العالم مير عليشير نوائي - الذي يرجع إليه الفضل في رواج السوق الأدبية والعلمية في أواخر القرن التاسع الهجري والذي اشتهر بفرط رعايته للعلماء والأدباء - يتخذ من الجامي صديقا ومرادا يسلك طريقة التصوف تحت إرشاده وقد خص ( خمسة المتحيرين ) لوصف مراسم عزاء الجامي ، والتغني بمآثره في منظمة تتألف من سبعين بيتا .
ومن ثم فللعلماء أقوال كثيرة في حق الجامي يمكننا أن نتطلع من خلالها على منزلة الجامي من ذلك :
ـ قول ابن العماد الحنبلي في ( شذرات الذهب ) : ( كان مشتهرا بالفضائل وبلغ صيت فضله الآفاق وسارت بعلومه الركبان ) .
ـ وقول الشوكاني في ( البدر الطالع ) : ( كان له شهرة بالعلم في خراسان وغيرها من الديار ) .(1/39)
ـ وقول الحيوري في ( مقدمة شرح الجامي المحشي ) هو : ( الجامع لأنواع العلوم معقولها ومنقولها الحاوي لأصناف الفنون ، فروعها وأصولها ، شرب كأسا دهاقا من رحيق التحقيق ووصل إلى غايته القصوى برفيق التوفيق الفاضل البحر الطامي مولانا الشيخ عبد الرحمن بن أحمد الجامي ) .
ـ وقول خليل الله خليلي في ( هراة تاريخها ، آثارها ، رجالها ) : ( الجامي من أكابر الأدباء والشعراء والعارفين واللغويين والمحدثين والمفسرين ، وقلما يوجد له نظير من المتأخرين ) .
$[1/71]
ـ وما نقل عن علي أصغر حكمت من قوله ( لم يطلع في أفق الأدب الفارسي نجم له ما لنجم الجامي من سطوع وبريق مذ كان القرن التاسع الهجري وحتى القرن الثالث عشر الهجري على الأقل ) .
ـ وما نقل عن المستشرق الانجليزي براون الذي يقول : ( وإذا لم يكن الجامي خاتم الشعراء فهو بالتأكيد من كبار أساتذة الشعر . . . وإذا كان هناك من بين الأساتذة من يضارعه أو يفوقه في بعض المواضع ، فإنه لا يوجد من بين أساتذة الكلام والمتحدثين بالفارسية من الشعراء والكتاب من بلغ درجة كماله من حيث تنوع الموضوعات التي طرقها وابتكاراته في فنون شتى ، ولم ينجح أحد نجاحه في تلك الحقول التي أجرى فيها تجاربه على كثرتها ) .
ـ وما قاله أحد الكتاب المعاصرين : ( الجامي هو عالم الشعراء وشاعر العلماء والعارف في كلتا الطبقتين ) .
وفاته :
وفى الجامي في الثامن عشر من المحرم سنة ( 898هـ ) ثمان وتسعين وثمانمائة من الهجرة النبوية في مدينة هراة بناحية ( خيابان ) .
$[1/72]
وشيع جثمانه - في غاية الإجلال والاحترام - خلق كثير من الناس ، وكان من جملة المشيعين السلطان حسين بايقرا ، حيث اتجه إلى منزل الجامي - على الرغم من ضعفه ومرضه - دامع العينين محترق الفؤاد ، وبصحبته الأمراء وكبار رجال الدولة .
ودفن الجامي جوار مرقد الشيخ سعد الدين الكاشغري مرشده في الطريقة النقشبندية .(1/40)
وقد استخلص تاريخ وفاته بحساب الجمل من الآية الكريمة ( ومن دخله كان آمنا ) وثبت ذلك على لوحة قبره . كما استخرجوا تاريخ وفاته بالفارسية كالآتي :
( آه فراق جامي آه أز فراق جامي ) أي : آه من فراق الجامي ، مكرر ( ومرقده اليوم موضع احترام وتقدير مختلف الطبقات ) .
$[1/73]
الفصل الخامس
( آثار الجامي )
ظهرت معظم مؤلفات الجامي في أواخر سني حياته ، وذلك للاستقرار والأمن اللذين كانا سائدين في هذه الفترة مع رعاية السلاطين له وتقديرهم كما ذكرت سابقا .
ومؤلفاته تبحث في علوم مختلفة ومتنوعة منها المنثور ومنها المنظوم ومنها ما ألف بالعربية ، ومنها ما ألف بالفارسية .
( أ ) آثاره باللغة العربية :
1 - تفسير القرآن الكريم :
قال الجامي : يختلج في صدري أن أرتب في التفسير كتابا جامعا لوجوه اللفظ والمعنى لا يدع دقيقة أو لطيفة إلا أبداها ، محتويا على نكات البلغاء ، ومنطويا على إشارات العرفاء . اهـ .
فكتب إلى قوله سبحانه وتعالى : { وإياي فارهبون } .
وقال تلميذه عبدالغفور اللاري في آخره : ( إن شيخنا لما تصدى بحقيقة الجامعة لتفسير كلام الله سبحانه وتعالى ظهرا ، وتأويل آياته بطنا كشف بقلم التسويد عن مخدرات الحزب الأول منه الأستار ، ولما طال
$[1/74]
وبيض ما سوده إلا بعض آياته وهو قوله تعالى : { إن كنتم صادقين } إلى تمام ما بقي حتى أشار إلى تبييضه من لا يرد أمره ، فامتثلت . اهـ .
2 - الدرة الفاخرة :
وهي رسالة في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء والمتقدمين وتقرير قولهم في وجود الواجب لذاته ، وحقائق أسمائه وصفاته .
ويسمه أهل اليمن ( حط رحلك ) إشارة إلى أنه كتاب تحط الرحال عنده .
وقد طبعت هذه الرسالة في القاهرة بطبعة كردستان العلمية سنة 1328هـ .
3 - رسالة لا إله إلا الله :
وهي رسالة صغيرة في التوحيد تقع في اثنتي عشرة صفحة .
4 - شرح دعاء القنوت :
وهو شرح صغير يقع في ورقتين .(1/41)
5 - شرح الرسالة العضدية ، لعضد الدين عبد الرحمن بن أحمد ( ت 756هـ ) .
6 - شرح فصوص الحكم لابن العربي ، فرغ من تأليفه سنة 896هـ .
وهو مطبوع في القاهرة بمطبعة الزمان سنة 1304هـ .
$[1/75]
7 - الفوائد الضيائية :
وهو موضوع بحثنا تحقيقا ودراسة .
( ب ) آثاره باللغة الفارسية :
1 - أشعة اللمعات :
وهو شرح لكتاب اللمعات للشيخ فخر الدين إبراهيم الهداني المشهور بالعراقي .
2 - بهارستان ، ويسمى ( الإرشادية ) أو ( إرشادية بهارستان ) :
ألف الجامي هذا الكتاب لأجل ابنه ضياء الدين يوسف ، وكان في العاشرة من عمره في ذلك الوقت . ويشتمل على حكايات أولياء الله وعظماء الصوفية ، وكلام الحكماء ، وعدالة السلاطين ، وكلام في الجود والكرم ، وذكر أحوال الشعراء ، والحكايات والأمثال المنقولة عن الحيوانات .
وقد ألفه بالفارسية بأسلوب سهل يمتزج فيه النثر بالشعر .
3 - تاريخ هراة .
$[1/76]
4 - جهل حديث :
وهي رسالة تتضمن ترجمة لأربعين حديثا ، نظمها الجامي في أربعين قطعة كل قطعة منها ترجمة لحديث ، وتاريخ تأليفها سنة 886 . وقد بدأها بقوله :
الكلمة الأولى : لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه .
ثم ذكر ترجمتها .
5 - ديوان قصائد وغزليات :
وهو ديوان شعري يتألف من ثلاثة أقسام :
القسم الأول : يتضمن أشعار الجامي . أيام شبابه ، أسماه ( فاتحة الشباب ) .
والقسم الثاني : يتضمن أشعاره في منتصف عمره ، وأسماه ( واسطة العقد ) .
والقسم الثالث : يتضمن أشعاره في آخر أيام حياته أسماه ( خاتمة الحياة ) .
6 - رسالة أركان الحج .
7 - رسالة تجنيس خط :
وهي رسالة منظومة من مفردات اللغة العربية التي حدث لها بعض التحريف والتبديل ، والتي تحتوي على أكثر من معنى . وقد طبعت هذه
$[1/77]
الرسالة في الهند .
8 - رسالة درفن قافية :
وقد ورد اسم هذه الرسالة في بعض الكتب " الرسالة الوافية في علم القافية " .(1/42)
وهي مختصر واف لقواعد علم القوافي ، أشار على الجامي بتأليفها بعض أصحابه الأعزة والأحباب .
9 - رسالة شرح رباعيات :
وهي رسالة في التوحيد ومعرفة ذات الحق وشرح تجليات جماله على الطريقة الصوفية .
10 - رسالة صغير درمعمى :
وهي رسالة شعرية ، تناول فيها الجامي فن المعمى .
11 - رسالة في السلسلة النقشبندية .
12 - رسالة في العروض .
13 - رسالة في الوجود بحسب القسمة العقلية .
$[1/78]
14 - رسالة كبير درمعمى :
وهي رسالة نثرية في أصول المعمى وقواعده ، وقد ذكر الجامي تاريخ إتمامه لهذه الرسالة في نهايتها ، وهو سنة 856هـ .
15 - رسالة منشآت :
وهي مجموعة من الرسائل والمكاتبات التي كان الجامي يخاطب بها أرباب الجاه والجلال ، وأصحاب الفضل والكمال . وفيها يمتزج النثر بالشعر ، وتتخللها بعض الألغاز والمعميات .
16 - الرسالة النائية :
وهي رسالة في معنى حقيقة الناس ، وهي مجموعة يمتزج النثر فيها بالنظم .
وفي بحث الدكتور أحمد كمال الدين حلمي أسماها " ني نامة " رسالة الناي " في شرح البيت الأول من المثنوي المولوي للشاعر الصوفي جلال الدين الرومي .
17 - سخنان خواجه بارسا :
وهي رسالة صغيرة تتألف من خمس صفحات ، ترجم فيها الجامي حياة أحد أفراد الطريقة النقشبندية وهو ( محمد بارسا البخاري ) الذي كان من أكابر وعظماء هذه الطريقة ، المتوفى 822هـ .
$[1/79]
18 - شرح حديث أبي ذر العقيلي .
19 - شرح النقابة مختصر الوقاية ، للشيخ صدر الشريعة عبيد بن مسعود الحنفي المتوفى سنة 745هـ ، وشرح الجامي مختصر ممزوج بالعربية .
20 - شواهد النبوة :
يبدأ الجامي هذا الكتاب بخطبة باللغة العربية ، يذكر فيها سبب تأليفه لهذا الكتاب ، ذلك أن جماعة من أصدقائه من بينهم ( مير عليشير ) طلبوا منه أن يكتب كتابا يضمنه سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن كتب عن سيرة العظماء والصوفية في كتابه ( نفحات الأنس ) .
21 - لجة الأسرار :(1/43)
وهي قصيدة في التصوف .
22 - لوائح :
وهي رسالة مختصرة بالنثر الفارسي المسجوع ، تتألف من مقالات في موضوعات التصوف .
$[1/80]
23 - لوامع أنوار الكشف والشهود على قلوب أرباب الذوق والوجود ، في شرح القصيدة الخمرية الفارضية .
24 - مثنويات هفت أورنك :
وهي عبارة عن سبع مثنويات أنشدها الجامي في فترات مختلفة ، و ( هفت أورنك ) معناها : ( الكواكب السبعة ) .
المثنوي الأول : ( سلسلة الذهب ) .
والثاني : ( سلامان وأبسال ) .
والثالث : ( تحفة الأحرار ) .
والرابع : ( سبحة الأبرار ) .
والخامس : ( يوسف وزليخا ) .
والسادس : ( ليلى والمجنون ) .
والسابع : ( خردنامة إسكندري ) .
$[1/81]
25 - مناقب شيخ الإسلام عبدالله الأنصاري .
26 - مناقب الشيخ جلال الدين الرومي .
27 - نفحات الأنس :
شرع في تأليفه بطلب من مير عليشير نوائي سنة 881هـ ، وأتمه سنة 883هـ .
ويشتمل هذا الكتاب على شرح اثنين وثمانين وخمسمائة ( 582 ) شخص من كبار رجال الصوفية ، وعلى أربع وثلاثين من النساء الصوفيات .
28 - نقد النصوص في شرح نقش الفصوص ، للإمام محيي الدين بن العربي :
يمتزج في هذا الكتاب النثر الفارسي بالنثر العربي ، وكتبه الجامي بأسلوب بسيط وواضح ، يورد في نهايته أبياتا تتضمن تاريخ تأليفه ، وهو عام 863هـ ، وهو مطبوع في بمباي سنة 1307هـ .
هذا ما استطعت أن أذكره من مؤلفات الجامي من المصادر المذكورة في الهوامش . وقد جاء في مقدمة شرح الجامي المحشي ذكر مؤلفات أخرى ، وهي :
1 - حاشية على المفتاح .
2 - رسالة في أسئلة الهندستان وأجوبتها .
3 - رسالة في الاصطرلاب .
$[1/82]
4 - رسالة في بيت أمير خسرو الدهلوي .
5 - رسالة في المعمى المتوسط .
6 - رسالة في الموسيقى .
7 - رسالة في الهيئة .
8 - الصرف المنظوم .
9 - هدية الخلان في لطائف البيان .
$[1/83]
الفصل السادس
" الفوائد الضيائية " شرح الجامي لكافية ابن الحاجب(1/44)
اشتهرت كافية ابن الحاجب - كما ذكرنا - وكثرت شروحها ، ومن هذه الشروح " الفوائد الضيائية " للجامي ، الذي حاول فيه أن يحل مشكلات الكافية ، ويفيد من الشروح الأخرى التي سبقت شرحه وذلك باختيار ما يراه مهما ذا فائدة منها ، ويضيف إلى ذلك زيادات من عنده ، مراعيا حاجة المتعلمين من أصحاب التحصيل ، وبخاصة ولده ضياء الدين يوسف لذلك سماه " الفوائد الضيائية " ولهذا يقول في مقدمته .
" أما بعد فهذه فوائد وافية بحل مشكلات الكافية للعلامة المشتهر . . . نظمتها في سلك التقرير وسمط التحرير للولد العزيز ضياء الدين يوسفي ، حفظه الله سبحانه وتعالى عن موجبات التلهف والتأسف ، وسميتها بالفوائد الضيائية ، لأنه لهذا الجمع والتأليف كالعالة الغائية ، نفعه الله تعالى بها وسائر المبتدئين من أصحاب التحصيل " .
وقد انتهى الجامي من تأليفه لهذا الشرح في آخر عمره ، وذلك قبل سنة واحدة من وفاته ، وقد ذكر الجامي تاريخ إتمامه في خاتمة الكتاب . فقال :
" وقد استراح من كد الانتهاض لنقل هذا الشرح من السواد إلى البياض العبد الفقير عبد الرحمن الجامي . . . . ضحوة السبت الحادي عشر من رمضان المنتظم في سلك شهور سنة سبع وتسعين وثمانمائة من الهجرة النبوية
$[1/84]
عليه أفضل التحية " .
ونظرا لما لشرح الجامي من مميزات وفوائد كانت ذا وقع طيب على نفوس المتعلمين ذاع صيته وطارت شهرته في الآفاق . حتى أصبح الكتاب الدراسي الذي احتل ساحة المتعلمين والمهتمين بهذا العلم في بلاد المشرق .
يقول طاشكبري زادة في ( مفتاح السعادة ) 1/185 ، " شرح الفاضل السامي مولانا عبد الرحمن الجامي بلغ غاية لا يمكن الزيادة عليها من لطف التحرير وحسن الترتيب " .(1/45)
ويقول حاجي خليفة في ( كشف الظنون ) 2/1372 : " إن المولى نور الدين عبد الرحمن الجامي . . . صنف شرحا لخص فيه ما في شروح الكافية من فوائد على أحسن الوجوه وأكملها مع زيادات من عنده سماه " الفوائد الضيائية " وهو المتداول اليوم ، وفي شأنه اعتناء عظيم .
ويقول محمد باقر الخوانساري في ( روضات الجنات ) 127 : وهو - أي : شرح الجامي - من أحسن ما كتب عليها وأدقها وأبلغها تقريرا وأتمها تهذيبا وتحريرا وأجمعها للنكات والدقائق والتحقيقات " .
ويقول الحيوري ( مقدمة الجامي المحشي ) : من أحسن شروحها - أي : الكافية - استكمالا وعمدتها على طراز المعقول استدلالا " الفوائد الضيائية " التي أجل من أن تعرف ، وأعلى من أن توصف ، قد تداولها الأذكياء من الطلاب ، وجعلوها فيما بينهم مرجعا من كل باب ، سار ذكرها في الأمصار والأقطار مسير الصبا والأمطار ، بل مسير الأخبار والأمثال وضرب إليها آباط الآبال " .
ولم يكتف العلماء بذكر منزلة شرح الجامي نثرا ، وإنما قال بعض العلماء في حقه شعراً من ذلك :
قول الشيخ عمر بن عبد الوهاب العرضي :
$[1/85]
لله در إمام طال ما سطعت ... ... أنوار أفضاله من علمه السامي
ألفاظه أسكرت أسماعنا طربا ... ... كأنما الخمر تسقى من صفا الجامي
وقول ابن الحنبلي :
لكافية الإعراب شرح منقح ... ... ذلول المعاني ذو انتساب إلى الجامي
معانيه تجلى حين تتلى كأنما ... ... هي الخمر تبدو شمها من صفا الجام
وقول عبد الإله الدنوشري المصري :
للّه شرح به شرح الصدور لنا ... ... كأنه الدر أو أزهار أكمام
قد أسكر السمع إذ تتلى عجائبه ... ... والسكر لا غرو معروف من الجام
ولاعتناء العلماء بهذا الشرح أقبل كثير منهم إلى كتابة الحواشي والتعليقات عليه .
حواشي " الفوائد الضيائية " :
1 - حاشية إبراهيم بن سليمان الكردي .(1/46)
2 - حاشية إبراهيم بن محمد عصام الدين الإسفرائيني المتوفى سنة 943هـ . وقد طبعت طبعات عديدة . وكتب على هذه الحاشية حاشية لمحمد أمين الأسكداري المتوفى سنة 1149هـ . وأخرى لمحمد الكردي .
$[1/86]
3 - حاشية إبراهيم بن محمد الميموني المتوفى سنة 1079هـ وعليه حاشية لمقريمي .
4 - حاشية أحمد بن إبراهيم الحلبي ، وصل فيها إلى آخر المرفوعات وتوفى سنة 971هـ .
5 - حاشية أحمد الأبيوري .
6 - حاشية أحمد قرجة الحميدي المتوفى سنة 1024هـ .
7 - حاشية بابا سيد بن محمد البخاري .
8 - حاشية جمال الدين بن شيخ ناصر الدين ، ألفها سنة 1019هـ ، وطبعت في لكنو بالحجر سنة 1295هـ .
9 - حاشية حسن البحري على أول شرح الجامي ، وهي إلى قوله : ( ومن خواصه دخول اللام ) .
10ـ حاشية حسين القراوي .
11ـ حاشية زيني زادة الرومي .
12ـ حاشية صادق حلوائي .
13ـ حاشية صدر الدين أبي الصفاء الحسيني ملا صدر الحلواني .
$[1/87]
14ـ حاشية أبي طالب بن أمير الفتح الشيرازي .
15ـ حاشية عبد الله الأزهري ، واسمها ( القول السامي على كلام منلا جامي ) .
16ـ حاشية عبد الله بن صالح بن معين الإسلامبولي ، طبع في الهند سنة 1288هـ .
17ـ حاشية عبد الله بن طورسون الشهير بفيضي ، المتوفى سنة 1019هـ وصل بها إلى المرفوعات .
18ـ حاشية عبد الحكيم لاهوري .
19 - حاشية عبد الرحمن بن محمود الإسفرائيني ، طبع في الهند سنة 1295هـ .
20 - حاشية عبد الرحيم بن عبد الكريم صفيوري ، وهي ( حل شواهد الفوائد الضيائية ) ومطبوعة بالحجر في ضمن مجموعة ، منها نسخة في المكتبة الأزهرية برقم 1580 ، خاص ، و17782 عام .
21ـ حاشية عبد الغفور اللاري المتوفى سنة 912هـ . وهي مطبوعة طبعات كثيرة . وعليها حاشية لعبدالحكيم السيالكوتي المتوفى سنة 1067هـ . وحاشية أخرى لعبد الله اللبيب ، وأخرى لغلام حيدر ، وأخرى لعبد الله بن إبراز ككخل ، وأخرى لغلام محمد قاضي لاهور .(1/47)
22ـ حاشية عبد الكريم الكرماني . ألفه سنة 1035هـ .
$[1/88]
23ـ حاشية عصمت الدين محمود .
24ـ حاشية عصمة سهازنبوري المتوفى سنة 1039هـ .
25 - حاشية علي بن أمر الله ، كتبها باسم السلطان سليم بن سليمان خان وهو إلى قوله ( وينجر بالكسر ) .
26 - حاشية علي الشاكر بن حسين الجركس البارسي . مطبوعة طبع بولاق سنة 1286هـ . وهي تقريرات على خطبة ( الفوائد الضيائية ) .
27ـ حاشية عناية الله بن نعمة الله البخاري المتوفى سنة 1273هـ .
28ـ حاشية محرم أفندي البوسنوي الإسلامبولي .
29ـ حاشية محمد أبي البقاء بن أحمد .
30ـ حاشية محمد بن أحمد السمرقندي .
31ـ حاشية محمد حافظ الدين الطشقندي .
32ـ حاشية محمد رحمي بن الحاج أحمد الأكيني ، أتمها سنة 313هـ طبعت بالآستانة سنة 1313هـ .
33ـ حاشية محمد سعدي جعفري وهي باللغة الفارسية ألفها سنة 1102هـ .
34 - حاشية محمد شمس كوهستاني ألفها سنة 952هـ .
$[1/89]
35 - حاشية محمد شريف بن محمد الحسيني العلوي .
36 - حاشية محمد صادق الكابلي .
37 - حاشية محمد بن صلاح مصلح الدين اللاري المتوفى سنة 979هـ .
38 - حاشية محمد عصمة الله بن محمود البخاري ، وصل إلى نصف الكتاب وتوفى .
وعلى هذه الحاشية حاشية لعبد الرحمن بن محمود البخاري ورد لعبد بن محمود الإسفرائيني .
39 - حاشية محمد بن علي خواجكي شيرازي .
40 - حاشية محمد بن عمر كابلي ، نشرت في دلهي سنة 1313هـ .
41 - حاشية محمد بن موسى البسنوي ، أتمها سنة 1035 ، والتزم فيها الرد والجواب للعصام .
43 - حاشية مقصود أفندي ، وهي حاشية على خطبة " الفوائد الضيائية " .
43 - حاشية نعمة الله بن عبد الله الجزائري . المتوفى سنة 1112هـ ، نشرت في طهران سنة 1277هـ . ولكنو سنة 1879 م .
44 - حاشية نور الحق بن عبد الحق الدهلوي المتوفى سنة 1023هـ .
$[1/90]
45 - حاشية وجيه الدين الأرزنجاني .
46ـ حاشية وجيه الدين العلوي الكجراتي المتوفى سنة 1000 هـ .(1/48)
وقد عثرت على بعض هذه الحواشي وأخذت منها قليلا ، ولكني لم أجد فيها ما يفي لتحقيق هذا الكتاب الجليل وإبراز جوانبه العلمية .
$[1/91]
منهج الجامي في شرحه لكافية ابن الحاجب " الفوائد الضيائية " .
ـ بدأ الجامي كلامه - كغيره من الشارحين - بمقدمة مقتضبة بين فيها - بعد أن حمد الله تعالى وصلى على نبيه وعلى آله وأصحابه - صفة هذا الشرح ، ثم ذكر العلة التي من أجلها ألف ، والاسم الذي سماه به بعد أن ذكر صاحب المتن ودعا له .
ـ وقد حرص الجامي في شرحه للكافية على ترتيب ابن الحاجب لموضوعاتها ، ولم يخرج عنه . فكل ما جاء في شرحه من زيادات واستطرادات وتفريعات يندرج في دائرة هذه الموضوعات على حسب ترتيبها في المتن .
ويتوضح لنا هذا الحرص في موضعين درج النجاة - ومنهم الرضي في شرحه للكافية - على ذكرهما في مكانين معلومين بين موضوعات النحو ، فيخالفهم الجامي ، ويذكرهما في الموضع الذي يراه موافقا لترتيب صاحب المتن .
أول هذين الموضوعين : أنواع التنوين ، ذكره النحاة - ومنهم الرضي في شرح الكافية في باب خواص الاسم ، على حين يرجئ الجامي الكلام فيه ليناسب المتن حيث أفرد له ابن الحاجب بابا في آخر الكافية .
والثاني : حذف ألف ( ابن ) ذكره النحاة - ومنهم الرضي في شرح الكافية في باب المنادى ، على حين يذكره الجامي في باب التنوين عند ذكره حذف التنوين من العلم الموصوف بابن مضافا إلى علم آخر ليناسب
$[1/92]
الحذف الذي ذكره صاحب المتن .
ـ والسمة العامة لطريقة الجامي في الشرح هي نثر المتن في أثناء الشرح ، وذلك على حسب ما يقتضيه سياق الكلام ، ولولا وضع العلامة التي تميز المتن من الشرح لصعب التفريق بينهما في كثير من المواضع .(1/49)
ـ وغالبا ما يبدأ ابن الحاجب موضوعاته بالتعريفات والحدود ، وفي هذه الحال يكتفي الشارح بهذا التعريف من حيث الاصطلاح لكنه قد يقدم له بذكر تعريفه من الناحية اللغوية ، مثال ذلك تعريفه للكلام حيث قال : ( الكلام في اللغة ما يتكلم به قليلا كان أو كثيراً ، وفي اصطلاح النحاة : ما تضمن . . . ) .
ـ ويعرف ما لم يعرفه ابن الحاجب في المتن ، مثل تعريفه للوضع حيث قال : ( الوضع : تخصيص شيء بشيء بحيث متى أطلق وأحسن الشيء الأول فهم منه الشيء الثاني ) .
ـ ومثل تعريفه للمعنى حيث قال ( المعنى : ما يتعلق به القيد ) . وتعريفه للدلالة حيث قال : ( الدلالة : كون الشيء بحيث يفهم منه شيء آخر ) .
ـ وتعريفه للإسناد حيث قال : ( الإسناد : نسبة إحدى الكلمتين - حقيقة أو حكما - إلى الأخرى بحيث تفيد المخاطب فائدة تامة ) .
ـ وتعريفه لخاصة الشيء حيث قال : ( وخاصة الشيء : ما يختص به ولا يوجد في غيره ) .
$[1/93]
ـ وتعريفه للغلبة حيث قال ومعنى الغلبة : اختصاصه ببعض أفراده بحيث لا يحتاج في الدلالة عليه إلى قرينة ) .
ـ وتعريفه للمطابقة حيث قال ( والمراد بالمطابقة : الاتفاق في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ) .
ـ وفي أثناء شرحه التفصيلي لكلام ابن الحاجب حرص الجامي على إخراج المحترزات منه ودفع ما يرد عليه من اعتراضات بأساليب مختلفة نبينها فيما بعد إن شاء الله تعالى .
- وقد حرص الجامي في هذا الشرح إيفاء المارد من كلام ابن الحاجب في الكافية ذاكرا الوجوه التي يحتملها ، وكثيراً ما يفسره كلمة كلمة أو جملة جملة لهذا كثر إيراده لكلمة ( أي ) التفسيرية .
ـ وكثيراً ما يعرب الجامي كلام ابن الحاجب من ذلك :
ـ ما جاء في أثناء كلامه على قول ابن الحاجب في حكم المعرب : ( وحكمه أن يختلف آخره باختلاف العوامل ) حيث قال لفظا أو تقديرات نصب على التمييز ، أي : يختلف لفظ آخره أو تقديره أو على لمصدرية )(1/50)
ومنه ما جاء في قول ابن الحاجب ( المفرد المنصوب والجمع المسكر المنصرف بالضمة رفعا ، والفتحة نصبا ، والكسرة جرا حيث قال : ( قوله : رفعا ونصبا وجرا ) على الظرفية بتقدير مضاف ، ويحتمل النصب على الحالية أو المصدرية .
$[1/94]
ـ ومنه إعراب الجامي النظم الذي ذكره ابن الحاجب في غير المنصرف وهو : والنون زائدة من قبلها ألف . . .
حيث قال : قوله : " زائدة " منصوب على أنه حال ، إذ المعنى : ويمنع النون الصرف حال كونها زائدة .
وقوله : " ألف " فاعل الظرف - أعني : من قبلها - أو مبتدأ وخبره الظرف المتقدم عليه .
ولا يخفى أنه لا يفهم من هذا التوجيه زيادة الألف مع أنها أيضاً زائدة ولهذا يعبر عنهما بالألف والنون الزائدتين ولو جعل ( الألف ) فاعلا لقوله ( زائدة ) والظرف متعلقا بالزيادة ، وأريد بزيادة الألف قبل النون اشتراكهما في وصف الزيادة ، وتقدم الألف عليها في هذا الوصف لفهم زيادتها جميعا ، وهذا كما إذا قلت :
( جاءني زيد راكبا من قبله أخوه ) فإنه يدل على اشتراكهما في وصف الركوب . وتقدم أخيه عليه في هذا الوصف ) .
ـ وأسلوب الجامي في الكثير الغالب سهل ميسر فعلى سبيل المثال ما جاء في ( الحال ) عند ذكره لعامله حيث قال : ( عامل الحال إما الفعل الملفوظ أو المقدر نحو ( ضرب زيدا قائما ) و ( زيد في الدار قائما ) إن كان الظرف مقدرا بالفعل .
" أو شبهة " وهو ما يعمل عمل الفعل ، وهو من تركيبه كاسم الفاعل نحو ( زيد ذاهب راكبا ) و ( زيد في الدار قاعدا ) إن كان الظرف
$[1/95]
مقدرا باسم الفاعل ، وكاسم المفعول نحو ( زيد مضروب قائما ) والصفة المشبهة نحو ( زيد حسن ضاحكا ) .(1/51)
" أو معناه " المستنبط من فحوى الكلام من غير التصريح به أو تقديره ، كالإشارة والتنبيه نحو ( هذا زيد قائما ) وكالنداء والتمني والترجي والتشبيه في نحو ( يا زيد قائما ) و ( ليتك عندنا مقيما ) و ( لعله في الدار قائما ) و ( كأنه أسد صائلا ) . غير أنه في بعض المواضع قد يصعب مثل :
قوله في ( البدل ) بعد التعريف : ( فإن قيل : هذا الحد لا يتناول البدل الذي بعد ( إلا ) مثل ( ما قام أحد إلا زيد ) فإن ( زيدا ) بدل من ( أحد ) وليس نسبة ما نسب إليه من عدم القيام مقصودة بالنسبة إلى ( زيد ) بل النسبة المقصودة بنسبة ما نسب إلى ( أحد ) نسبة القيام إلى زيد ) .
ـ والمتتبع لشرح الجامي يحكم بأنه اعتمد على جملة كتب ، وقد صرح بأسماء قسم منها ولم يصرح بأسماء القسم الآخر وقد بينت ذلك مفصلا في أثناء التحقيق .
ـ وقد أفاد من هذه الكتب وأحسن الاختيار لما يراه مهما ذا فائدة سهلة على المتعلمين . وهو في ذلك كله ينظر من موقع الفاحص الناقد ، فيرجح ما يراه راجحا ويضعف ما يراه ضعيفا ، وقد يبدي توجيها جديدا يرد به على غيره من الشارحين ، لذلك سمى الجامي كتابه " الفوائد الضيائية " وقال في التعريف به : ( أما بعد فهذه فوائده وافية بحل مشكلات الكافية ) ولذلك كان شرح الجامي أخف الشروح
$[1/96]
على نفوس المتعلمين مع غزارة معلوماته التي يسوقها سوقا ميسرا .
ـ ولعل أهم ما اعتمد عليه من الكتب هو شروح الكافية كما بينت ذلك أيضاً في التحقيق . ولكني أخص بالبيان هنا ما خصه الجامي بالعناية والمراجعة والنقل والنقد . أعين شرح ابن الحاجب لكافيته وشرح الرضي للكافية ، فقد بدا أثر هذه الكتابين في كثير من مواضع شرح الجامي مع ظهور شخصيته العلمية أيضاً .
ـ ويبدو أيضاً التأثير بهذين الشرحين على أسلوبه في السرد وإيراد العلل والاهتمام بالمسائل التي كانت موضع اهتمام الشرحين .(1/52)
ـ ومن ثم فالجامي اتخذ بين هذين الشرحين سبيلا وسطا من حيث الإيجاز والإسهاب ، فلم يكن شرحه مقتضيا يكتفي بالتعليق الوجيز والملاحظة العابرة دون التوسع والتفريع كما فعل ابن الحاجب في شرحه ، ولا مسهبا مستفيضا في إيراده للآراء والأقوال والمناقشات كما فعل الرضي .
ـ والجامي يأتي في كثير من المواضع بعبارة لا يرى الناظر إلى ظاهرها اعتراضا ولا جوابا ، ويعني بالعبارة التي ذكرها ردا على اعتراض .
وأستطيع أن أقول انه نظر إلى أكثر ما اعترض به الرضى على ابن الحاجب في أثناء شرحه للكافية ، وحاول الجامي بهذا الأسلوب أن يرد على جل هذه الاعتراضات .
وقد تتبعت هذه المواضع واستطعت الكشف عنها ، وتبيينها في هوامش الكتاب . ومن ذلك :
$[1/97]
ـ ما جاء في أثناء كلامه على تعريف ابن الحاجب للكلام وهو ( الكلام ما تضمن كلمتين بإسناد ) حيث قال : ( اعلم أن كلام المصنف ظاهر في أن نحو ( ما ضربت زيدا قائما ) بمجموعة كلام ) .
فبين الجامي أن تعريف ابن الحاجب للكلام يشمل مثل ( ضربت زيد قائما ) مما زاد على كلمتين . لأنه يتضمن كلمتين بإسناد . وهو بهذا يرد على ما أورده الرضى حيث قال : ( وكان على المصنف - أي : ابن الحاجب - أن يقول : كلمتين أو أكثر ) . وليس أن يقول : ( الأصل في الخبر الإفراد ، لأنه لا دليل عليه ) .
ـ ومنه ما جاء في أثناء كلامه على مثال ابن الحاجب ( لا غلام رجل ظريف فيها ) وذلك في ( خبر لا النافية للجنس ) وتوجيهه لقوله ( فيها ) حيث قال : ( فيها ، أي : في الدار ، خبر بعد خبر ، لا ظرف ظريف ، ولا حال ، لأن الظرافة لا تتقيد بالظرف ونحوه . وإنما أتى به لئلا يلزم الكذب بنفي ظرافة كل غلام رجل ، وليكون مثالا لنوعي خبرها ، الظرف وغيره ) .(1/53)
وتوجيه الجامي في هذه المسألة سديد وفيه رد على اعتراض الرضي حيث عاب على ابن الحاجب قوله ( فيها ) فقال : ( قوله : ظريف فيها ، لا فائدة في إيراد هذا الظرف بعد الخبر ، ولا معنى له إن علقناه بالخبر ، إذ يكون المعنى : ليس لغلام رجل ظرافة في الدار ، وهذا معنى سمج ، ومثاله أيضاً ظاهر بسبب هذا الظرف في كون
$[1/98]
( ظريف ) صفة لغلام رجل ، والظرف خبر ( لا ) . والمعنى : ليس في الدار غلام رجل ظريف ، ولو قال : لا غلام رجل قائم فيها ، لكان أظهر من جهة المعنى في كون ( فيها ) متعلقا بالخبر ) .
- ومنه ما جاء في أثناء كلامه على حد ابن الحاجب للمفعول المطلق بقوله ( المفعول المطلق : وهو اسم ما فعله فاعل فعل مذكور بمعناه ) حيث قال : ( خرج به مثل ( كراهتي ) في نحو ( كرهت كراهتي ) فإن الكراهة اعتبارين :
أحدهما : كونها بحيث قامت بفاعل الفعل المذكور ، واشتق منها فعل أسند إليه . ولا شك أن معنى الفعل مشتمل عليها حينئذ .
وثانيهما : كونها بحيث وقع عليها فعل الكراهة ، فإذا ذكرت بعد الفعل بالاعتبار الأول كما في قولك : ( كرهت كراهة ) فهو مفعول مطلق ، وإذا ذكرت بعده بالاعتبار الثاني كما في قولك : ( كرهت كراهتي ) فهو مفعول به لا مفعول مطلق ، إذ ليس ذلك الفعل مشتملا عليه بهذا الاعتبار ، بل هو واقع عليه وقوع الفعل على المفعول به ، فخرج بهذا الاعتبار عن الحد ، وانطبق الحد على المحدود ، جامعا ومانعا ) .
وكلام الجامي هذا هو رد على اعتراض الرضى ، وذلك لإبطاله حد ابن الحاجب المذكور حيث قال : ( ويبطل هذا الحد بنحو ( كرهت كراهتي ) و ( أحببت حبي ) و ( أبغضت بغضي ) على أن المنصوبات مفعول بها ) .
$[1/99](1/54)
ـ ومنه ما جاء في أثناء كلامه على حد ابن الحاجب للتمييز ، وهو ( التمييز : ما يرفع الإبهام المستقر عن ذات ) حيث قال الجامي : ( لا عن وصف ، واحترز به عن النعت والحال ، فإنهما يرفعان الإبهام المستقر الواقع في الوصف ، لا في الذات .
وتحقيق ذلك أن الواضع لما وضع ( الرطل ) - مثلا - لنصف من ، فلا شك أن الموضوع له معنى معين متميز عما هو أقل منا لنصف كالربع ، وعما هو أكثر منه كمن ومنين ، ولا إبهام فيه إلا من حيث ذاته ، أي : جنسه ، فإنه لا يعلم منه بحسب الوضع أنه من جنس العسل أو الخل أو غيرهما ، وإلا من حيث وصفه ، فإنه لا يعلم منه بحسب الوضع أنه بغدادي أو مكي ، فإذا أريد رفع الإبهام الوصفي الثابت فيه بحسب الوضع اتبع صفة أو حال ، فيقال : رطل بغدادي ، أو بغداديا ، وإذا أريد رفع الإبهام الذاتي قيل : زيتا . فزيتا يرفع الإبهام المستقر عن الذات لا النعت والحال ، فإنهما يرفعان الإبهام عن الوصف ) .
والجامي بهذا الكلام يرد على ما زعمه الرضي من دخول الصفة في تعريف التمييز حيث قال : الصفة ( في نحو ( جاءني طويل أو ظريف يدخل فيه ، لأن ( رجلا ) ذات مبهمة بالوضع صالحة لكل فرد من أفراد الرجال ، فبذكر أحد أوصفاته تمييز عما يخالفه كما تميز بطويل عن قصير . فطويل إذن رفع الإبهام المستقر ، أي : الثابت ( وضعا ) .
ـ ومنه ما جاء في أثناء كلامه على قول ابن الحاجب في حد ( خبر كان
$[1/100](1/55)
وأخواتها ) ( هو المسند بعد دخولها ) حيث قال : ( والمراد ببعد به المسنود لدخولها : أن يكون إسناده إلى اسمها واقعا بعد دخولها على اسمها وخبرها . ولا شك أن ذلك إنما يتصور بعد تقرر الاسم والخبر . فالإسناد الواقع بين أجزاء الخبر المقدم على تقرره لا يكون بعد دخولها بل يكون قبله ، فلا ينتقض التعريف بمثل ( كان زيد يضرب أبوه ) ولا بمثل ( كان زيد أبوه قائم ) بأن يقال : يصدق على ( يضرب ) و ( قائم ) في هذين المثالين المعرف وليسا من أفراد المعرف .
ويمك أن يقال في جوب هذا النقض : أن المراد بدخولها ورودها للعمل فيما وردت عليه .
ويبدو من هذا الكلام أن الجامي يرد على الرضي فيما أورده ، على كلام ابن الحاجب حيث قال ( يدخل في حده نحو ( قائم ) في قولك : ( كان زيد أبوه قائم ) مع أنه ليس بخبر ( كان ) .
ـ ومنه ما جاء في أثناء كلامه على قول ابن الحاجب في حد البدل : ( البدل تابع مقصود بما نسب إلى المتبوع دونه ) حيث قال : ( ولا يصدق الحد على المعطوف بـ ( بل ) لأن متبوعه مقصود ابتداء ثم بداله ، فأعرض عنه وقصد المعطوف ، وكلاهما مقصودان بهذا المعنى ) .
والظاهر أنه يرد بهذا على اعتراض الرضي على ابن الحاجب حيث قال : ولا يطرد ما قاله في نحو ( جاءني زيد بل عمرو ) وقوله المقصود ، هو الثاني ، دون الأول ، مع أنه عطف نسق ) .
$[1/101]
ـ ومنه ما جاء في أثناء كلامه عن بدل الاشتمال في قول ابن الحاجب ( والثالث بينه وبين الأول ملابسة ) حيث قال : بعده : ( بحيث توجب النسبة إلى المتبوع النسبة إلى الملابس إجمالا ، نحو ( أعجبني زيد علمه ) . . . وكذا في ( سلب زيد ثوبه ) بخلاف ( ضربت زيدا حمارا ) و ( ضربت زيدا غلامه ) لأن نسبة الضرب إلى زيد تامة ، ولا يلزم في صحتها اعتبار غير ( زيد ) فيكون من باب بدل الغلط ) .(1/56)
ويبدو من هذا الكلام أن مراد الشارح هو الدفع عن كلام ابن الحاجب فيما اعترض به الرضي عليه إذ قال : ( وهذا الإطلاق ، يدخل فيما اعترض به الرضي إذ قال : ( وهذا الإطلاق ، يدخل فيه بعض بدل الغلط نحو ( جاءني زيد غلامه أو حماره ) و ( لقيت زيد أخاه ) ولا شك في كونهما من بدل الغلط .
ـ وقد يستعمل الجامي في الرد على اعتراضات الرضي أسلوبا آخر ، وهو أنه يكون فيه هو المعترض على كلام ابن الحاجب ثم يعالج هذا الاعتراض ويرد عليه . ومنه ما جاء في أثناء كلامه على قول ابن الحاجب في حد ( التوابع ) ( التوابع : كل ثان بإعراب سابقه من جهة واحدة ) حيث قال : ( إن لفظة ( كل ) هاهنا ليست في موقعها ، لأن التعريف إنما يكون للجنس وبالجنس لا للإفراد وبالإفراد ، فالمحدود في الحقيقة التابع ، والحد مدخول ( كل ) وهو " ثان بإعراب سابقه من جهة واحدة " لكنه لما ادخل ( كل ) عليه أفاد صدق المحدود
$[1/102]
على كل أفراد الحد ، فيكون مانعا . والظاهر أن انحصار المحدود فيها لعدم ذكر غيرها ، فيكون جامعا ، فيحصل حد جامع مانع ، يكون جمعه ومنعه كالمنصوص عليه ) .
وما ذكره الشارح الجامي من اعتراض هو ما أورده الرضي حيث قال : ( قوله ( كل ثان ) فيه نظر ، لأن المطلوب في الحد بيان ماهية الشيء لا قصد حصر جميع مفرداته ) .
ـ ومن أساليبه الأخرى التي استعملها في بعض المواضع التي يرد فيها على اعتراضات الرضي أنه يورد الاعتراض على كلام ابن الحاجب على صورة قول يبدؤه بقوله ( قيل ) ثم يرد عليه بقوله ( وأجيب ) ومنه ما جاء في أثناء كلامه على قول ابن الحاجب في حد العطف : ( العطف : تابع مقصود بالنسبة مع متبوعه ) حيث قال : ( قيل : يخرج بقوله ( مع متبوعه ) المعطوف بـ ( لا وبل ولكن ولم وإما واو ) ، لأن المقصود بالنسبة معها أحد الأمرين من التابع والمتبوع لا كلاهما .(1/57)
وأجيب : بأن المراد بكون المتبوع مقصودا بالنسبة أن لا يذكر لتوطئة ذكر التابع ، ويكون التابع مقصودا بالنسبة أن لا يكون كالفرع على المتبوع من غير استقلال به ، ولا شك أن المعطوف والمعطوف عليه بتلك الحروف الستة مقصودان بالنسبة معا بهذا المعنى ) .
والقول الذي ذكره الجامي ورد عليه بصورة جواب هو قول الرضي الذي أورده على كلام ابن الحاجب المذكور .
$[1/103]
ـ ومن هذه الأمثلة التي ذكرتها وما سيأتي يظهر مدى تأثر الجامي بكلام ابن الحاجب واهتمامه وتصويبه له وترجيحه على ما سواه ودفاعه عنه حتى أنه يوجبه عبارة استعملها ابن الحاجب في أثناء كلامه وقد لاحظ أن الرضي تركها واستعمل غيرها في أثناء شرحه كما جاء في شرح الجامي لقول ابن الحاجب في المواضع التي يسوغ فيها استعمال الضمير المنفصل : ( كونه - أي : الضمير - مسندا إليه صفة جرت على غير من هي له ) حيث قال : ( وإنما قال ( من هي له ) لا ( ما هي له ) كما هو الظاهر ليكون أشمل ، اقتصارا على ما هو الأصل ) .
فيبدو من كلامه أنه يشير إلى توجيه عبارة ابن الحاجب بما لا يدع حاجة إلى العدول عن التعبير بـ ( من هي له ) كما عدل الرضي عنه إلى ( ما هي له ) .
ـ ولم يقتصر اهتمام الجامي وتأثره بكلام ابن الحاجب ودفاعه عنه على متن الكافية بل تعداه إلى شرح ابن الحاجب لكافيته ، لذا نراه يعتمد كثيراً من الآراء الواردة فيه من غير ذكره - وقد يصرح في بعض المواضع بذكره كما سيأتي - ويستعمل الأسلوب السابق نفسه في تتبع اعتراضات الرضي على ما جاء في هذا الشرح فيخالفه فيها . من ذلك قوله في وقوع المبتدأ نكرة : ( ومثل قوله ( شر أهر ذا ناب ) لتخصصه بما يتخصص به الفاعل لشبهه به إذ يستعمل في موضع " ما أهر ذا ناب إلا شر " .
وما يتخصص به الفاعل قبل ذكره هو صحة كونه محكوما عليه
$[1/104](1/58)
بما أسند إليه ، فإنك إذا قلت : ( قام ) علم منه أن ما يذكره بعده أمر يصح أن يحكم عليه بالقيام . فإذا قلت : ( رجل ) فهو في قوة قولنا : " رجل موصوف بصحة الحكم عليه بالقيام " .
فهذا الكلام موافق لما ذكره ابن الحاجب في شرحه للكافية . وقد اعترض عليه الرضي فقال : ( وأما قول المصنف أن الفاعل يختص بالحكم المتقدم عليه فوهم ، لأنه إذا حصل تخصيصه بالحكم فقط كان بغير الحكم غير مخصص ، فتكون قد حكمت على الشيء قبل معرفته ) .
ـ ومنه ما جاء في ( التمييز ) في موضع احتمال التمييز الواقع صفة مشتقة لأن يكون حالا ، وتأييد كونه تمييزا حيث قال ( واحتملت ، أي : الصفة المذكورة الحال أيضاً ، لاستقالة المعنى على الحال نحو ( طاب زيد فارسا ) أي : من حيث أنه فارس ، أو حال كونه فارسا ، لكن زيادة ( من ) فيها نحو ( لله دره من فارس ) وقولهم ( عز من قائل ) يؤيد التمييز ، لأن ( من ) تزاد في التمييز لا في الحال .
والجامي في هذا الكلام موافق لابن الحاجب في تأييد كونه تمييزا حيث قال في شرحه لكافيته : ( والصحيح أنه تمييز ، لأن المعنى على مدحه بالفروسية مطلقا . ( فإذا جعل حالا اختص المدح فيتقيد ، فيتغير المعنى المقصود ) .
أما الرضي فلم يوافق ترجيح ابن الحاجب المذكور في شرحه للكافية من حيث أنه لم يفرق بين الإعرابين في المعنى فقال : ( وأنا لا أرى
$[1/105]
بينهما فرقا ، لأن المعنى التمييز عندما أحسن فروسيته فلا يمدحه في حال الفروسية إلا بها . وهذا المعنى هو المستفاد من ( ما أحسنه في حال فروسيته ) .(1/59)
ـ ومنه ما جاء في باب إضافة الاسم الصحيح إلى ياء المتكلم في كلامه عن أصل حركة هذه الياء حيث قال : ( والياء مفتوحة أو ساكنة ، وقد اختلف في أن أيهما الأصل . والصحيح أنه الفتح ، إذ الأصل في الكلمة التي على حرف واحد هو الحركة ، لئلا يلزم الابتداء بالساكن حقيقة أو حكما . والأصل فيما بني على الحركة الفتح ، والسكون إنما هو عارض للتخفيف ) .
والجامي في تصحيح هذا الرأي متابع لابن الحاجب في شرحه للكافية وقد خالفه في ذلك الرضي حيث قال في باب المنادى ( قال بعضهم : أصلها - أي ياء المتكلم - الإسكان وهو أولى . . . ) .
ـ ومنه ما جاء في باب الظروف في كلامه عن علة بناء ( لدن ) وأخواتها حيث قال ( وبناؤها لوضع بعضها وضح الحروف وحمل البقية عليه ) .
وهذا التعليل مثل ما علل ابن الحاجب في شرحه للكافية بناء هذه الظروف ولم يوافق الرضي ما قاله ابن الحاجب فقال
$[1/106]
( والذي أرى أن جواز وضع بعض الأسماء وضع الحروف - أي : أقل من ثلاثة أحرف - بناء من الواضع على ما يعلم من كونها حال الاستعمال في الكلام مبنية لمشابهتها المبني . . . . فلا يجوز أني كون بناؤها مبنيا على وضعها وضع الحرف .
ـ وبنفس الأسلوب السابق في الرد على الرضي يرد الجامي على شهاب الدين الهندي - شارح الكافية - في الأمور التي يخالفه فيها .
ومن ذلك ما جاء في باب المرفوعات في أثناء كلامه على تعريف ابن الحاجب للمرفوع بأنه ( ما اشتمل على علم الفاعلية ) حيث قال ( والمراد باشتمال الاسم عليها أن يكون موصوفا بها لفظا أو تقديرا أو محلا ، ولا شك أن الاسم موصوف بالرفع المحلي ، إذ معنى الرفع المحلي أنه في محل لو كان ثمة معرب لكان مرفوعا لفظا وتقديرا .
وكيف يختص الرفع بما عدا الرفع المحلي ؟ وهو يبحث مثلا عن أحوال الفاعل إذا كان مضمرا متصلا ) .(1/60)
ويبدو من هذا الكلام أنه قصد الرد على شهاب الدين الهندي ، حيث قال في شرح الكافية : ( علم الفاعلية ) أي : علامتها ، حركة أو حرفا . وهما الرفع والواو والألف لفظا أو تقديرا . فالإعراب المحلي لا يشتمل عليه اللفظ فلا يكون نحو ( جاءني هؤلاء ) مرفوعا إذ مبني الرفع المحلي أنه في محل لو كان ثمة معرب لكان مرفوعا .
ـ ومنه ما جاء في باب المفعول به وذلك في أثناء كلامه على قول ابن الحاجب ( هو ما وقع عليه فعل الفاعل ) حيث قال : ( والمراد بفعل
$[1/107]
الفاعل : فعل اعتبر إسناده إلى ما هو فاعل حقيقة أو حكما فخرج به مثل ( زيد ) في ( ضرب زيد ) على صيغة المجهول . فإنه لم يعتبر إسناده إلى فاعله . ولا يشكل بمثل ( أعطي زيد درهما ) فأنه يصدق على ( درهما ) أنه واقع عليه فعل الفاعل الحكمي المعتبر إسناد الفعل إليه . فإن مفعول ما لم يسم فاعله في حكم الفاعل . وبما ذكرناه ظهر فائدة ذكر الفاعل ، فلا يرد أنه لو قال : ما وقع عليه الفعل لكان أخصر ) .
ويبدو من كلامه أنه يرد على شهاب الدين الهندي من حيث أنه هو القائل : ولو قال : ما وقع عليه الفعل لكان أخصر .
ـ ومما ذكرته هنا وبسطته مع التحقيق يتوضح ما للجامي من اتجاه إلى الغور في بواطن الكلم والتفتيش في نواحيه لاستنباط المعنى المراد منه ، وأنه ذو تمكن من الدقة وسعة الأفق في تناوله للمسائل وسبره للحقائق .
وأضيف أيضاً مثالين آخرين يزيدان التوضيح لاتجاه الجامي وتمكنه :(1/61)
ـ تفسيره وتوجيهه لقول ابن الحاجب ( مفرد ) التي جاءت في تعريفه للكلمة وهو ( الكلمة لفظ وضع لمعنى مفرد ) حيث قال ( وهو إما مجرور على أنه صفة لمعنى ، ومعناه حينئذ : ما لا يدل جزء لفظه على جزئه ، وفيه توقف ، لأنه يوهم أن اللفظ موضوع للمعنى المتصف بالإفراد والتركيب قبل الوضع ، وليس الأمر كذلك . فإن اتصاف المعنى بالإفراد والتركيب إنما هو بعد الوضع ، فينبغي أن يرتكب فيه تجوز كما يرتكب في مثل ( من قتل قتيلا ) أو مرفوع على أنه صفة اللفظ ومعناه حينئذ ، ما لا يدل جزؤه على جزء معناه ، ولا بد حينئذ من بيان نكتة في إيراد أحد الوصفين جملة فعلية ، والآخر مفردا .
$[1/108]
وكأن النكتة فيه التنبيه على تقدم الوضع على الإفراد حيث أتى به بصيغة المضي بخلاف الإفراد .
وأما نصبه - وإن لم يساعده رسم الخط - فعلى أنه حال من الضمير المستكن في ( وضع ) أو من المعنى فإنه مفعول به بواسطة اللام . ووجه صحته أن الوضع وإن كان متقدما على الإفراد بحسب الذات لكنه مقارن له بحسب الزمان . وهذا القدر كاف لصحة الحالية .
ـ ومنه ما جاء في باب الممنوع من الصرف وذلك في كلامه على قول ابن الحاجب : ( فالعدل : خروجه عن صيغته الأصلية ) حيث قال ( أي : عن صورته التي يقتضي الأصل ، والقاعدة أن يكون ذلك الاسم عليها . ولا يخفى عليك أن صيغة المصدر ليست صيغة المشتقات . فبإضافة الصيغة إلى ضمير الاسم خرجت المشتقات كلها . وأن المتبادر من خروجه عن صيغته الأصلية أن تكون المادة باقية ، والتغيير إنما وقع في الصورة فقط ، فلا ينتقض بما حذف عنه بعض الحروف كالأسماء المحذوفة الأعجاز مثل ( يدودم ) فإن المادة ليست باقية فيهما ، وأن خروجه عن صيغته الأصلية يسلتزم دخوله في صيغة أخرى - أي : مغايرة للأولى - ولا يبعد مغايرتها لها في كونها غير داخلة تحت أصل وقاعدة كما كانت الأولى داخلة تحته ، فخرجت عنه المغيرات القياسية .(1/62)
وأما المغيرات الشاذة فلا نسلم أنها مخرجة عن الصيغ الأصلية فإن الظاهر أن مثل : ( أقوس ) و ( أنيب ) من الجموع الشاذة ليست مخرجة عما
$[1/109]
هو القياس فيهما - أعني : ( أقواسا ) و ( أنيابا ) بل إنما جمع ( القوس ) و ( الناب ) ابتداء على ( أقوس ) و ( أنياب ) وإخراج ( أقوس ) و ( أنيب ) عنهما .
وقال : ( فيمكن أن يقال : المقصود هاهنا تمييز العدل عن سائل العلل لا عن كل ما عداه ، فحيث حصل بتعريفه هذا التمييز لا بأس بكونه أعم منه فحينئذ لا حاجة في تصحيح هذا التعريف إلى ارتكاب تلك التكلفات ) .
ـ ويتوضح ما للجامي من مكانة علمية عالية برزت من خلال تحليلاته ونظراته الفاحصة الناقدة . وتظهر هذه الشخصية العلمية في نواح كثيرة من هذا الشرح ، ومن خلال مواقف مختلفة فنراه مثلا :
ـ يعترض على كلام ابن الحاجب - على الرغم من تأثره به ، وتسديده لمعظمه ، ودفع ما يرد عليه ، ولذلك الاعتراض صور متعددة :
ـ منها ما جاء في الممنوع من الصرف إذ جعل ابن الحاجب باب ( قطام ) من العدل المانع من الصرف فقال : ( إنهم اعتبروا العدل في هذا الباب حملا له على ذوات الراء في الأعلام المؤنثة ) مثل ( حضار ، وطمار ، ووبار ) فإنا مبنية ، وليس فيها إلا سببان ، العلمية والتأنيث والسببان لا يوجبان البناء ، فاعتبر فيها العدل لتحصيل سبب البناء . فلما اعتبر فيها العدل لتحصيل سبب البناء اعتبر فيما عداها مما جعلوه معربا غير منصرف أيضاً . حملا على نظائره مع عدم الاحتياج إليه لتحقيق السببين لمنع الصرف ، العلمية والتأنيث . فاعتبار العدل فيه إنما هو للحمل على نظائره لا لتحصيل سبب منع الصرف . ولهذا
$[1/110]
يقال : ذكر باب ( قطام ) هاهنا ليس في محله ، لأن الكلام فيما قدر فيه العدل لتحصيل سبب منع الصرف ) .(1/63)
ـ ومنها ما جاء في ( التحذير ) وذلك اعتراضه على تقدير ابن الحاجب للعامل في قوله : ( إياك والأسد ) وهو مثال أول النوعين اللذين ذكرهما ومثال النوع الثاني هو قوله : ( الطريق الطريق ) فقدر لهما الفعل ( اتق ) حيث قال : ( ولا يخفى عليك أن تقدير ( اتق ) في أول النوعين غير صحيح ، لأنه لا يقال : ( اتقيت زيدا من الأسد ) فينبغي أن يقدر فيه مثل ( بعّد ) و ( نح ) .
وتقدير ( بعد ) في مثال النوع الثاني غير مناسب ، لأن المعنى على الاتقاء من الطريق ، لا على تبعيده منه . فالصواب أن يقال : بتقدير ( بعد ) أو ( اتق ) أو نحوهما . فيقدر مثل ( بعد ) في جميع أفراد النوع الأول وفي بعض أفراد النوع الثاني مثل ( نفسك نفسك ) فإن المعنى على هذا : بعد نفسك مما يؤذيك كالأسد ونحوه . ويقدر مثل ( اتق ) في بعضها كالمثال المذكور .
ـ ومنها ما جاء في أُثناء كلامه على قول ابن الحاجب في حد المفعول فيه : ( المفعول فيه : هو ما فعل فيه فعل مذكور من زمان أو مكان ) حيث قال : ( مثل " شهدت يوم الجمعة " داخلا فيه . فإن ( يوم الجمعة ) يصدق عليه أنه فعل فيه فعل مذكور . فإن شهود يوم الجمعة لا يكون إلا في يوم الجمعة . فلو اعتبر في التعريف قيد الحيثية ، أي : المفعول فيه ما فعل فيه فعل مذكور من حيث أنه فيه فعل مذكور . ليخرج مثل هذا المثال عنه . فإن ذكر يوم الجمعة فيه ليس
$[1/111]
من حيث أنه فعل فيه فعل مذكور . بل من حيث أنه وقع عليه فعل مذكور . ولا يخفى عليك أنه على تقدير اعتبار قيد الحيثية لا حاجة إلى قوله ( مذكور ) إلا لزيادة تصوير المعرف ) .(1/64)
ثم قال : ( وقوله ( من زمان أو مكان ) بيان لـ ( ما ) الموصولة أو الموصوفة إشارة إلى قسمي المفعول فيه ، وتمهيد لبيان حكم كل منهما . وهو ، أي : المفعول فيه ضربان : ما يظهر فيه ( في ) وهو مجرور بها . وما يقدر فيه ( في ) وهو منصوب بتقديرها . وهذا خلاف اصطلاح القوم . فإنهم لا يطلقون المفعول فيه إلا على المنصوب بتقدير ( في ) وخالفهم المصنف حيث جعل المجرور أيضاً مفعولا فيه .
ـ ومنها اعتراضه على قول ابن الحاجب ي حد المثنى : ( المثنى ما لحق آخره ألف مفتوح ما قبلها ونون مكسورة ) حيث قال : ( ما لحق آخره : أي آخر مفرده بتقدير المضاف أو قدر بعد قوله ( ونون مكسورة ) قولنا : ( مع لواحقه ) وإلا لا يصدق التعريف إلا على مثل ( مسلم ) من ( مسلمان ومسلمين ) كما لا يخفى ، ولو اكتفى بظهور المراد لاستغنى عن هذه التكلفات ) .
ـ ومنها اعتراضه في ( المجازاة ) على قول ابن الحاجب : ( وكلم المجازاة تدخل على الفعلين لسببية الأول ومسببية الثاني ) وعلى قوله في الشرح : ( وكلم المجازاة ما تدخل على شيئين لتجعل الأول سببا للثاني ) حيث قال : ( ولا شك أن كلم المجازاة لا تجعل
$[1/112]
الشيء سببا للشيء . فالمراد بجعلها الشيء سببا أن المتكلم اعتبر سببية شيء لشيء ، بل بلزومية شي لشيء وجعل كلم المجازاة دالة عليها .
ولا يلزم أن يكون الفعل الأول سببا حقيقا للثاني ، لا خارجا ولا ذهنا بل ينبغي أن يعتبر المتكلم بينهما نسبة يصح بها أن يوردهما في صورة السبب والمسبب بل الملزوم واللازم كقولك : ( إن تشتمني أكرمك ) فالشتم ليس سببا حقيقا للإكرام ، وإلا الإكرام مسببا حقيقا له ، لا ذهنا ولا خارجا ، لكن المتكلم اعتبر تلك النسبة بينهما إظهار المكارم الأخلاق ، يعني : أنه منها بمكان يصير الشتم الذي هو سبب الإهانة عند الناس بسبب الإكرام عنده ) .(1/65)
ـ ومنها ما جاء في باب ( الحروف العاطفة ) وذلك في كلامه على قول ابن الحاجب : ( لم يجز ( أرأيت زيدا أم عمرا ؟ ) حيث قال ( والمنقول عن سيبويه : إن هذا جائز حسن فصحيح ، و ( أزيدا رأيت أم عمرا ؟ ) أحسن وأفصح ، وحينئذ يكون تركيب ( أرأيت زيدا أم عمرا ؟ حسنا وفصيحا وإن لم يكن أحسن وأفصح .
وقال : ( وبالجملة فكلام المصنف هاهنا لا يخلو عن اضطراب ) .
ـ وما جاء في الباب نفسه وذلك على قول ابن الحاجب : ( ومن ثمة لم يجز ( أرأيت زيدا أم عمرا ) ومن ثم كان جوابه بالتعيين ) حيث قال : ( فالمشار إليه بـ ( ثمة ) في الموضعين أمر واحد لكنه لما كان مشتملا على شرطين لصحة وقوع ( أم ) المتصلة فرع عليه باعتبار كل منهما حكما آخر . وجعلها إشارة في كل موضع إلى شرط
$[1/113]
آخر لا يخلو عن سماجة ، ولو اقتصر على قوله ( ومن ثمة لم يجز ) في الكلام وعطف قوله ( كان جوابها بالتعيين ) على قوله ( لم يجز ) وتعلق كل حكم بشرط على طريق اللف النشر لكان أخصر وأحسن كما لا يخفى ) .
ـ وقد يستدرك على ابن الحاجب بعض الأمور ومن ذلك :
ما جاء في خواص الاسم وذلك في أثناء كلامه على قول ابن الحاجب : ومن خواصه - أي : الاسم - دخول اللام حيث قال : أي لام التعريف ، ولو قال : دخول حرف التعريف لكان شاملا للميم في مثل قوله عليه السلام : ( ليس من امبر امصيام في أمسفر )
ـ ومنه ما جاء في أثناء كلامه على إضافة الأسماء الستة إلى ياء المتكلم وذلك في قول ابن الحاجب : ( وذو لا يضاف إلى مضمر ) حيث قال : ( ولو قيل لا يضاف إلى غير اسم الجنس لكان أشمل ) .
ـ ويبدي الجامي موقفه من بعض الأقوال والآراء من غير أن يتقيد بعالم من العلماء أو مذهب من المذاهب فيوافق ما يراه مناسبا ، ويخالف ما يراه غير ذلك .
وتظهر من هذا ترجيحاته وردوده وتضعيفاته بأساليب متعددة :(1/66)
ـ منها ترجيحه للرأي القائل بأن سببية الألف والنون لمنع الصرف هي مشابهتها لألفي التأنيث ، وذلك ما جاء في الممنوع من الصرف حيث قال : ( الألف والنون المعدودتان من أسباب منع الصرف تسميان مزيدتين ، لأنهما من الحروف الزوائد وتسميان مضارعتين أيضاً ، لمضارعتهما لألفي التأنيث في منع دخول تاء التأنيث عليهما .
وللنحاة خلاف في سببيتهما لمنع الصرف : إما كونهما مزيدتين وفرعيتهما للمزيد عليه ، وإما مشابهتهما لألفي التأنيث والراجح هو القول الثاني ) .
والجامي بهذا يكون مرجحا رأي البصريين في هذه المسألة على رأي الكوفيين ، وذلك أن القول الأول هو قول الكوفيين ، والثاني هو قول البصريين .
ومنها تصويبه مجيء ( فعال ) و ( مفعل ) من الواحد إلى العشرة حيث قال : ( أحاد ) و ( موحد ) و ( ثناء ) و ( مثنى ) إلى ( رباع ) و ( مربع ) بلا خلاف ، وفيما وراءها إلى ( عشار ) و ( معشر ) خلاف . والصواب : مجيئها ) .
$[1/114]
والجامي بهذا يكون موافقا للمبرد والكوفيين والزجاج وابن جني وابن مالك والرضي ، وكذلك يكون موافقا لما جاء في شرح الأشموني والهمع من أن البنائين ( فعال ) و ( مفعل ) مسموعان من واحد إلى عشرة . وهو بهذا أيضاً يكون مخالفا للبصريين من حيث أنه لا يجيزون مجيء هذين الوزنين فيما وراء الأربعة ، لأنه لم يثبت عندهم سماع ذلك ، ولا يقيسون على المسموع منها .
ومنها قوله : ( وهذا القول أظهر ) وذلك بعد ذكره رأي الأخفش الذي يخالف فيه سيبويه وهو أن نحو ( أحمر ) علما إذا نكر ، فإنه عنده ( منصرف ، فإن الوصفية قد زالت عنه بالعلمية ، والعلمية بالتنكير ، والزائل لا يعتبر من غير ضرورة ، فلم يبق فيه إلا سبب واحد ، وهو وزن الفعل ، أو الألف والنون المزيدتان ) .(1/67)
والجامي هنا يوفق ما يقتضيه قول ابن الحاجب ( وخالف سيبويه والأخفش ) وذلك على تفسير الجامي له حيث قال : ( ولما كان قول التلميذ الأخفش - أظهر مع موافقته لما ذكره من قاعدة جعله أصلا ، وأسند المخالفة إلى الأستاذ - سيبويه - وإنك إن غير مستحسن تنبيها على ذلك ) .
- ومنها جعله بعض الأقوال - وهي الأقوال الواردة في الاسم غير المنصرف إذا دخلت عليه اللام أو أضيف هل هو منصرف أو غير منصرف ؟ أكثر مناسبة من غيره لتعريف ابن الحاجب لغير المنصرف . وذلك ما جاء في باب ( غير المنصرف ) في أثناء كلامه على قول ابن الحاجب : ( وجميع الباب باللام أو الإضافة ينجر بالكسر ) حيث قال ( للنحاة خلاف في أن هذا الاسم في هذه الحالة منصرف أو غير منصرف . فمنهم من ذهب إلى أنه منصرف مطلقا ، لأن عدم انصرافه إنما كان لمشابهته الفعل .
فلما ضعفت هذه المشابهة بدخول ما هو من خواص الاسم أعني : اللام أو الإضافة قويت جهة الاسمية ، فرجع إلى أصله الذي هو الصرف ، فدخله الكسر دون التنوين لأنه لا يجتمع مع اللام أو الإضافة .
$[1/115]
ومنهم من ذهب إلى أنه غير منصرف مطلقا ، والممنوع من غير المنصرف بالأصالة هو التنوين . وسقوط الكسر إنما هو بتبعية التنوين . وحيث ضعفت مشابهته للفعل لم تؤثر إلا في سقوط التنوين دون تابعه الذي هو الكسر ، فعاد الكسر إلى حاله وسقط التنوين لامتناعه من الصرف .
ومنهم من ذهب إلى أن العلتين إن كانتا باقيتين مع اللام أو الإضافة كان الاسم غر منصرف . وإن زالتا معا أو زالت إحداهما كان منصرفا . وبيان ذلك أن العلمية تزول باللام أو الإضافة . فإن كانت العلمية شرطا للسبب الآخر زالتا معا كما في ( إبراهيم ) وإن لم تكن شرطا كما في ( أحمد ) زالت بإحداهما ، وإن لم تكن هناك علمية كما في ( أحمر ) بقيت العلتان على حالهما . وهذا القول أنسب . بما عرف به المصنف غير المنصرف ) .(1/68)
والتعريف المراد هو قوله : ( وغير المنصرف ما فيه علتان من تسع أو واحدة منهما تقوم مقامهما ) .
والمذهب الذي مال إليه الجامي هو اختيار كثير من النحاة المتأخرين .
وأما المذهب الأول فهو مذهب السيرافي والزجاج والمذهب الثاني هو مذهب الأكثرين ، وقيل : هو مذهب المحققين .
ـ ومنها جعله إدخال المندوب في باب المنادى هو الأولى ، وإخراجه منه يعد تحكما وذلك ما جاء في باب المنادى في أثناء كلامه على قول ابن الحاجب : المنادى : هو المطلوب إقباله ) حيث قال : ( بخلاف المندوب لأنه المتفجع عليه أدخل عليه حرف النداء لمجرد التفجع لا لتزليه منزلة المنادى ، وقد نداؤه فخرج بهذا القيد عن تعريف المنادى . ولهذا أفرد المصنف أحكامه بالذكر فيما بعد . وفيه تحكم . فإن المندوب أيضاً كما قال بعضهم : ( منادى مطلوب إقباله حكما على وجه التفجع . فإذا قلت : ( يا محمداه ) فكأنك تناديه وتقول له : تعال . فأنا مشتاق إليك . فالأولى إدخاله تحت المنادى . ) .
والجامي - فيما ذهب إليه - موافق للجزولي ، وما نقله من قول بعضهم هو قوله .
$[1/116]
وهو أيضاً موافق لسيبويه والزمخشري اللذين ذكرهما فيما بعد .
كما أنه متابع للرضي في كونه - أيضاً - معارضا لابن الحاجب في هذه المسألة .
ـ ومنها ما جاء في أسماء العدد وذلك قول الجامي في نحو ( ثماني عشرة ) إذا حذف الياء من ( ثماني ) : ( الوجه بقاء الكسرة ) .
وهو بهذا يكون مخالفا للرضي حيث جعل الفتح هو الأولى .(1/69)
ـ ومنها ما جاء في الاشتغال وذلك في أثناء كلام الجامي على المثال ( أزيد ذهب به ؟ ) حيث قال : ( إن " زيدا " فيه وإن كان يظن في بادئ النظر أنه مما أضمر عامله على شريطة التفسير والمختار فيه النصب لوقوع الاسم المذكور فيه بعد حرف الاستفهام ، لكن يظهر بعد تعمق النظر أنه ليس منه ، فإنه وإن صدق عليه أنه اسم بعده فعل مشتغل عنه بغيره لكنه ليس بحيث لو سلط عليه هو أو مناسبه لنصبه ، لأن ( ذهب به ) لا يعمل النصب ، وكذا مناسبه ، أعني : ( أذهب ) .
فإن قلت : لا ينحصر المناسب في ( أذهب ) فليقدر مناسب آخر ينصبه مثل ( يلابس ) أو ( أذهب ) على صيغة المعلوم ، فيكون تقديره : أزيدا يلابسه الذهاب به ، أو يلابسه أحد بالذهاب به ، أو أذهبه أحد .
قلنا : المراد بالمناسب ما يرادف الفعل المذكور أو يلازمه مع اتحاد ما أسند إليه . فالاتحاد فيما ذكرته مفقود . وإذا كان الأمر كذلك فالرفع - أي : رفع ( زيد ) - في المثال المذكور واجب بالابتداء ونصبه غير جائز بالمفعولية ، فليس من باب الإضمار على شريطه التفسير ، فكيف يكون مما يختار فيه النصب ؟ ) .
ويبدو من هذا الكلام أنه يوجد على من أجاز نصب الاسم المتقدم في المثال المذكور على التقديرين المذكورين ، وهم السيرافي وابن السراج والكوفيون .
ـ ومنها ما جاء في المضمر وذلك في أثناء كلام الجامي على انفصال الضمير أو اتصاله إذا وقع خبرا لكان أو أخواتها حيث قال : ( يجوز أن يكون متصلا ، نحو ( كان زيد قائما وكنته ) لأنه شبيه بالمفعول . وضمير المفعول في مثل ( ضربته ) واجب الاتصال ففي شبيه
$[1/117]
المفعول وإن لم يكن واجب الاتصال فلا أقل من أن يكون جائز الاتصال لكن الانفصال مختار ، لأن رعاية الأصل أولى من رعاية المشابهة بالمفعول ) .(1/70)
وبهذا يكون الجامي موافقا - في هذا الاختيار - لصاحب المتن وهو اختيار سيبويه وأكثر النحاة . ويكون مخالفا للرماني وابن الطراوة وابن مالك لاختيارهم الضمير المتصل في هذه المسألة .
ـ ومنها ما جاء في المبتدأ والخبر وذلك بعد ذكر المواضع التي يسوغ الابتداء فيها بالنكرة حيث قال : ( هذا هو المشهور بين النحاة ، وقال المحققون منهم :
مدار صحة الإخبار عن النكرة على الفائدة لا على ما ذكروه من التخصيصات التي يحتاج في توجيهاتها إلى هذه التكلفات الركيكة الواهية الضعيفة . فعلى هذا يجوز أن يقال : ( كوكب انقض الساعة ) لحصول الفائدة ولا يجوز أن يقال : ( رجل قائم ) لعدمها . وهذا القول أقرب إلى الصواب .
وبهذا يكون الجامي موافقا لابن الدهان وللرضي ، وغيرهما .
ـ ومنها ما جاء في حروف الجر وذلك عند كلام الجامي على واو رب حيث قال : ( وهذه الواو للعطف عند سيبويه وليست بجارة فإن لم تكن في أول الكلام فكونها للعطف ظاهر . وإن كانت في أوله فيقدر له معطوف عليه . وعند الكوفيين أنها حرف عطف ثم صارت قائمة مقام ( رب ) جارة بنفسها لصيرورتها بمعنى ( رب ) فلا يقدرون له معطوفا عليه لأن ذلك تعسف ) .
وقول الجامي ( لأن ذلك تعسف ) هو قول الرضي أيضاً ويبدو من ذلك أنهما يميلان إلى مذهب الكوفيين في هذه المسألة فيكونان موافقين لابن الحاجب في اعتماده على مذهب الكوفيين هنا .
ومنها ما جاء في التنوين وذلك عند كلامه على تنوين المقابلة حيث قال ( وهو ما يقابل نون جمع المذكر السالم كـ ( مسلمات ) فإن الألف والتاء فيه علامة الجمع كما أن الواو
$[1/118]
علامة جمع المذكر السالم ولم يوجد فيه ما يقابله في ذلك فزيد التنوين في آخره ليقابله .
وتوهم بعضهم أنه للتمكن ، وهو خطأ ، لأنه إذا سميت بمسلمات مثلا امرأة يثبت فيها التنوين ولو كانت للتمكن لزالت للعلتين العلمية والتأنيث ) .(1/71)
والجامي بذكره لتوهم بعضهم ، وتخطئته له يكون متابعا لابن الحاجب فيما ذكره في شرح الكافية .
ومنها ما جاء في التنوين أيضاً حيث قال : أعلم أن تنوين الترنم ليس موضوعا بإزاء معنى من المعاني بل هو موضوع لغرض الترنم لأن معناه كما أن حرف التهجي موضوع لغرض التركيب لا بإزاء معنى من المعاني .
ففي عدة تنوين الترنم من أقسام الحروف التي هي من أقسام الكلمة المعتبر فيها الوضع ، تساهل وتسامح .
وأما التنوينات الأخر ففي اعتبار الوضع في بعضها أيضاً تأمل .
ـ وقد يأتي الجامي بمسألة فيها أكثر من رأي ، فيذكرها من غير أن يبدي فيها اختيارا أو ترجيحا أو تضعيفا ، من ذلك :
ـ ما جاء في نصب الفعل المضارع عند كلامه على ( لن ) حيث قال : ( قال الفراء : أصله ( لا ) أبلد الألف نونا ، وقال : الخليل : أصله ( لا أن ) فقصر كـ ( إيش ) في ( أي شيء ) ، وقال سيبويه : إنه حرف برأسه ) .
ـ وما جاء في ( الحروف المشبهة بالفعل ) عند كلامه على ( لكن ) حيث قال ( لكن : وهي عند البصريين مفردة . وقال الكوفيون : هي مركبة من ( لا وان ) المكسورة المصدرة بالكاف الزائدة . وأصله ( لا كأن ) فنقلت كسرة الهمزة إلى الكاف وحذفت الهمزة ) .
ـ وقد يقتصر الجامي على رأي من رأيين أو أكثر . لأنه يرجحه وهو في الغالب من آراء البصريين من ذلك :
ـ ما جاء في إعراب المثنى وما يلحق به حيث قال : ( إن ( كلا ) باعتبار لفظه مفرد ، وباعتبار معناه مثنى ) .
$[1/119]
وما ذكره الجامي في هذه المسألة هو مذهب البصريين . وذهب الكوفيون إلى أن ( كلا ) فيها تثنية لفظية ومعنوية .
ـ ومنه ما جاء في ( غير المنصرف ) حيث ذكر فرعية الفعل ، وقال : ( اشتقاقه من المصدر ) .
ومعلوم أن القول باشتقاق الفعل من المصدر هو قول البصريين .
أما الكوفيون فيقولون : إن الفعل أصل ، والمصدر مشتق منه .(1/72)
ـ ومنه ما جاء في ( المنادى ) وذلك عند كلامه على قول ابن الحاجب ( وقالوا : يا الله ) فقال الجامي : ( لأن أصله ( إلا له ) فحذفت الهمزة . وعوضت اللام عنها ، ولزمت الكلمة ، فلا يقال في سعة الكلام : ( لاه ) .
وما ذكره الجامي في هذه المسألة هو أحد أقوال أربعة ، وهو قول يونس والكسائي والفراء وقطرب والأخفش ، وأحد قولي سيبويه .
ـ وكثيراً ما يذكر آراء ولا يصرح بقائليها وإنما يستعمل في ذلك أساليب متعددة ، مما رأيت أن أحققه في التعليق كما سيأتي بيانه عند ذكر منهجي في التحقيق .
ـ وقد ينسب ما لم ينسبه ابن الحاجب من الآراء إلى أصحابها ، ومن ذلك :
ـ ما جاء في الاستثناء عند قول ابن الحاجب : ( وإعراب سوى وسواء النصب على الظرفية على الأصح ) . حيث قال الجامي : وهو مذهب سيبويه ، فهما عنده لازما الظرفية ، وعند الكوفيين : يجوز خروجهما عن الظرفية والتصرف فيهما رفعا ونصبا وجرا كـ ( غير ) متمسكين بقول الشاعر :
ولم يبق سوى العدوا ... ... ن دناهم كما دانو
وزعم الأخفش أن ( سواء ) إذا أخرجوه عن الظرفية أيضاً نصبوه استنكارا لرفعه فيقولون : ( جاءني سواءك ) و ( في الدار سواءك ) .
$[1/120]
ـ وما جاء في المجرورات وذلك عند قول ابن الحاجب : ( والمضاف إليه كل اسم نسب إليه شيء بواسطة حرف الجر لفظا أو تقديرا ) حيث قال : ( وذهب المصنف في ذلك مذهب سيبويه حيث أطلق المضاف إليه على المنسوب إليه بحرف الجر لفظا أيضاً ) .
وما جاء في الموصول وذلك عند قول ابن الحاجب : ( و ( ما ) الاسمية موصولة . . . . . وتامة بمعنى شيء ) حيث ذكر الجامي أن التامة بمعنى ( شيء منكر ) عند أبي علي ، ثم ذكر أنها تكون بمعنى ( الشيء المعرف ) عند سيبويه .
وكذلك ينسب ما لم ينسب من اللغات إلى أهلها من ذلك :
قوله في ( لعل ) : ( وشذ الحر بها - أي : بكلمة ( لعل ) - كما جاء في اللغة العقيلية ) .(1/73)
ـ وفي بعض المسائل يذكر الجامي ما قيل فيها من آراء وأقوال ، من ذلك :
ـ ذكره للآراء الواردة في أصل أداة التعريف .
ـ وذكره ما قيل في الأصل الذي عدل منه ( أخر ) .
ـ وذكره ما قيل في عامل المبتدأ والخبر .
ـ وذكره للآراء التي قيلت في إعراب الاسم الواقع بعد ( لولا ) الامتناعية .
ـ وذكره للآراء التي قيلت في ناصب المنادى .
ـ وربما تطرق الجامي إلى أمر يتعلق بالعروض والقوافي . من ذلك ما جاء في ( غير المنصرف ) عند كلامه على جواز صرف غير المنصرف للضرورة حيث قال : إنه إذا وقع غير المنصرف في الشعر فكثيراً ما يقع من منع صرفه انكسار يخرجه عن الوزن ، أو انزحاف يخرجه من السلاسة .
أما الأول فكقوله :
صُّبت عليّ مصائبٌ لو أنَّها ... ... صُّبت على الأيام صرنَ لياليا
$[1/121]
وأما الثاني فكقوله :
أعِدْ ذكر نُعمانٍ لنا إنَّ ذكره ... ... هُو المِسكُ ما كررتَه يتضوّع
فإنه لو فتح نون ( نعمان ) من غير تنوين يستقيم الوزن ولكن يقع فيه زحاف يخرجه عن السلاسة كما يحكم به سلامة الطبع .
فإن قلت : الاحتراز عن الزحاف ليس بضروري ، فكيف يشتمله قوله ( للضرورة ) ؟
قلنا : الاحتراز عن بعض الزحافات إذا أمكن الاحتراز عنه ضروري عند الشعراء .
أما الضرورة الواقعة لرعاية القافية فكما في قوله :
سلام على خير الأنام وسيد ... ... حبيب إله العالمين محمد
بشير نذير هاشمي مكرم ... ... عطوف رؤوف من يسمى بأحمد
فإنه لو قال : ( بأحمد ) بفتح الدال لا يخل بالوزن ولكنه يخل بالقافية فإن حرف الروي في سائر الأبيات الدال المكسورة ) .
ـ ومنه ما جاء في أثناء كلامه على تنوين الترنم حيث قال : ( وهو إما أن يلحق بالقافية المطلقة وهي ما كان رويها متحركا مستتبعا بإشباع حركة واحدة من الألف والواو والياء ) .
ثم قال : ( وإما أن يلحق بالقافية المقيدة ، وهي : ما كان رويها حرفا ساكنا صحيحا كان أو غير صحيح ) .
وقال في قول الشاعر :(1/74)
وقاتم الأعماق خاوي المخترقن ... ... مشتبه الأعلام لماع الخفقن
( فإن روى القافية في هذا البيت القاف الساكنة ، ولا يمكن مد الصوت فحركت عند التغني بالفتح أو الكسر ، والحق بها النون ، فقيل : ( المخترقن ) و ( الخفقن ) ويسمى هذا القسم من التنوين ( الغالي ) لأن الغلو هو التجاوز عن الحد ، وقد تجاوز البيت بلحوق
$[1/122]
هذا التنوين عند حد الوزن ، ولهذا يسقط عن التقطيع ) .
ـ وربما تطرق الجامي إلى مسألة تاريخيه ، وذلك ما جاء في ( غير المنصرف ) حيث قال : أعلم أن أسماء الأنبياء عليهم السلام ممتنعة عن الصرف إلا ستة ( محمد وصالح وشعيب وهود ) لكونها عربية و ( نوح ولوط ) لخفتهما .
وقيل : إن هودا كنوح ، لأن سيبويه قرنه معه . ويؤيده ما يقال : من أن العرب من ولد إسماعيل ومن كان قبل ذلك فليس بعربي . وهود قبل إسماعيل فيما يذكر . فكان نوح ) .
ـ وربما تعرض الجامي في أثناء كلامه لأمر يتعلق بمذهب إحدى الفرق الإسلامية ، وذلك ما جاء في الاشتغال عند كلامه عن الآية الكريمة { إنا كل شيء خلقناه بقدر } فقال : ( بنصب ( كل شيء ) على الإضمار بشرطية التفسير ، ولو رفع بالابتداء وجعل ( خلقناه ) خبرا له لكان موافقا للنصب في أداء المقصود ولكن خيف لبسه بالصفة لاحتمال كون قوله ( بقدر ) خبرا وهو خلاف المقصود فإن المقصود الحكم على ( كل شيء ) بأنه مخلوق لنا بقدر ، لا الحكم على ( كل شيء ) مخلوق لنا أنه ( بقدر ) فإنه يوهم كون بعض الأشياء الموجودة غير مخلوق لله ، كما هو مذهب ( المعتزلة ) في الأفعال الاختيارية للعباد ) .
ـ وكان الجامي ولوعا أشد الولع بالعلة ، فلم يترك حكما من الأحكام بلا تعليل ، بل ذكر العلة أيضاً في غير الأحكام النحوية .(1/75)
ـ ويمكن لم يقرأ أول صفحة من هذا الشرح أن يتلمس ولع الجامي بذكر العلل فنراه في المقدمة - مثلا - يجعل تأليف هذا الشرح لعلة غائية ، وهي أنه ألف هذا الشرح لأجل تعليم ولده ضياء الدين فيقول : ( هذه فوائد وافية بحل مشكلات الكافية . . . نظمتها في سلك التقرير وسمط التحرير للولد العزيز ضياء الدين يوسف . . وسميتها بالفوائد الضيائية . لأنه لهذا الجمع والتأليف كالعلة الغائية ) .
ـ وأول أمر يبدأ به في الشرح - بعد المقدمة - هو تعليله عدم تصدير ابن الحاجب كافيته بحمد الله سبحانه وتعالى ، فيقول ( أعلم أن الشيخ رحمه الله لم يصدر رسالته هذه بحمد الله سبحانه بأن جعله جزءا منها ، هضما لنفسه بتخييل أن كتابه هذا من حيث إنه كتابه ليس ككتب السلف رحمهم الله تعالى حتى يصدر به على سننها ، ولا يلزم ذلك عدم الابتداء به مطلقا ، حتى يكون بتركه أقطع لجواز إتيانه بالحمد من غير أن يجعله
$[1/123]
جزءا من كتابه ) .
ـ والأمر الثاني الذي يلي هذا الكلام هو تعليله ابتداء ابن الحاجب بتعريف الكلمة والكلام فيقول الجامي : ( وبدأ بتعريف الكلمة والكلام ، لأنه يبحث في هذا الكتاب عن أحوالهما ، فمتى لم يعرفا كيف يبحث عن أحوالهما ؟ ) .
ـ والأمر الثالث الذي يلي هذا الكلام أيضاً هو تعليله تقديم ابن الحاجب الكلمة على الكلام فيقول : وقدم الكلمة على الكلام لكون أفرادها جزاء من أفراد الكلام ومفهومها جزءا من مفهومه ) .
ـ وقد يستعمل الجامي في بعض تعليلاته أسلوبا أدبيا يختلف عما هو معتاد في التعاليل النحوية متأثرا في بضع ذلك بأساليب الرضي . وقد ينقل نص كلامه من ذلك :
ـ ما جاء في ( ترخيم المنادى ) عند تعليله لحذف الحرفين من الاسم الذي في آخره حرف صحيح قبله مده ، وهو على أكثر من أربعة حروف . حيث قال الجامي : ( لأنه لما حذفت الأخير مع صحته وأصالته حذفت المدة الزائدة لئلا يرد المثل السائر : صلت على الأسد ، وملت عن النقد ) .(1/76)
ـ ومنه ما جاء في باب ( النعت ) وذلك في أثناء تعليله للزوم وصف باب ( هذا ) بذي اللام حيث قال : ( للإبهام الواقع في هذا الباب بحسب أصل الوضع المقتضي لبيان الجنس فإذا أريد رفعه لا يصور بمثله لإبهامه ولا يليق بالمضاف المكتسب التعريف من المضاف إليه ، " لأنه كالاستعارة من المستعير ، والسؤال من المحتاج الفقير ) . فتعين ذو اللام ، لتعينه في نفسه ) .
ـ ومنه ما جاء في ( العطف ) وذلك في أثناء تعليله لعدم جواز العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الخافض ، حيث قال الجامي : ( المجرور لا ينفصل من جاره فكره العطف عليه إذ يكون كالعطف على بعض حروف الكلمة . وليس للمجرور ضمير منفصل حتى يؤكد به أولا ثم يعطف عليه كما عمل في المرفوع المتصل . " وفي استعارة المرفوع له مذلة " ) .
ـ ومنه ما جاء في ( حرفا الاستفهام ) وذلك في أثناء كلامه عن ( هل ) وما تدخل عليه وتعليل ذلك . حيث قال الجامي : ( إنها - أي : هل - لا تدخل على اسمية خبرها فعل نحو ( هل زيد قام ) إلا على الشذوذ . وذلك لأن أصلها أن تكون بمعنى ( قد ) كما جاءت على الأصل في قوله تعالى : { هل أتى على الإنسان } أي : قد أتى . فلما كان أصلها ( قد ) وهي من لوازم الأفعال . " فإن رأت فعلا في حيزها تذكرت عهودا بالحمى ، وحنت إلى الألف المألوف ، وعانقته ، وإن لم تره في حيزها تسلت عنه ذاهلة " .
$[1/124]
ـ وفي أثناء كلام الجامي تظهر بعض عبارات العلماء الذي تمكنوا في غير النحو من العلوم كالمنطق والكلام . فقد جاء في هذا الشرح :
العارض والمعروض والعدمي والوجودي ، والسبب القريب والسبب البعيد ، والاستلزام والمطابقة ، والمركبات الكلامية وغير الكلامية ، والتركيب الثنائي العقلي ، ومنع الخلو ، وغيرها من تعبيرات أهل المنطق .(1/77)
ـ ويلتزم الجامي أصول النحو من سماع وقياس ، فهو يستشهد بالقرآن الكريم والحديث الشريف وكلام العرب شعرهم ونثرهم . وتتبين مواضع ذلك كله بالنظر إلى الفهارس ، كما يتبين في شرحه ذكره لقراءات القرآن وتوجيهها ، كما تتبين عنايته بتوضيح ما يراه محتاجا إلى توضيح من شعر أو مثل .
ويذكر مع أن ابن الحاجب ( السماعي المقصور على السماع الذي لا يتجاوز أمثلة محدودة مسموعة بأن يقال عليها أمثلة أخرى ) .
ويستثنى - كابن الحاجب - من بعض الأحكام الممنوعة موضوعا جائزا ( لمجيئه في كلامهم واقتصر الجواز على الجواز على صورة السماع لأن ما خالف القياس يقتصر على مورد السماع ) .
ويذكر مع ابن الحاجب حكما ( موقوفا على السماع لا قاعدة له يعرف بها ) نحو وجوب حذف الفعل في قولهم : ( سقيا ) .
ـ وهو ينظر إلى مواقع القياس لما يرد في المتن والشرح كقوله في الفعل الناصب للمفعول المطلق المحذوف حذفا واجبا قياسا ( أي : حذفا قياسيا يعلم له ضابط كلي يحذف معه الفعل لزما ) . نحو ( ما أنت إلا سيرا ) .
ومن هذا يظهر المراد من القياس عند الجامي من حيث أنه لا بد أن يكون له ضابط لكي . وهو بهذا يكون متابعا لابن الحاجب ، ومتأثرا به . وذلك أن ابن الحاجب ذكر معنى القياس في نفس الوضع فقال : ( وإنما كانت هذه قياسا لأنه قد علم فيها ضابط كلي بالاستقراء ، وعلم أنه يحذفون معه الفعل لزوما . هذا معنى القياس ) .
$[1/125]
ونرى بهذا أن الجامي - كابن الحاجب - يقتفي مذهب البصريين في القياس من حيث أنهم لا يقيسون إلا على المسموع الكثير من الفصيح الذي يندرج تحت قاعدة نحوية أصلها النحاة بالاستقراء من ذلك المسموع .
- كما نرى أن الجامي - كجمهور النحويين - يذهب إلى أنا لنحو مرتبط بنظرية العامل ، بل أنه قائم على أساس هذه النظرية .
وقد عرف ابن الحاجب العامل في ( الكافية ) بقوله : ( العامل ما به يتقوم المعنى المقتضي للإعراب ) .(1/78)
واكتفى الجامي بشرح هذا التعريف وتوضيحه بالأمثلة فقال : ( العامل - لفظيا كان أو معنويا - ما به يتقوم أي : يحصل المعنى المقتضي للإعراب ففي ( جاءني زيد ) ( جاء ) عامل إذ به حصل معنى الفاعلية في ( زيد ) فجعل النصب علامة لها ، وفي ( مررت بزيد ) الباء عامل إذ به حصل معنى الإضافة في ( زيد ) فجعل الجر علامة لها ) .
ـ ومن ثمة لم يقصد النحاة من تسميته عاملا أنه عامل على وجه الحقيقة ، وأنه محدث لهذه الحركات ، وإنما نظروا إلى كلام العرب فوجدوا أن بين ألفاظه ارتباطا ، وأن وجود بعض الألفاظ والمعاني - بسبب هذا الارتباط - يوجب كون آخر الكلمة على وجه مخصوص من الإعراب ، فجعلوا هذه الألفاظ والمعاني كالسبب في العمل ، ونسبوا إليها العمل على وجه المجاز لا الحقيقة ، وذلك لأجل التقريب والتسهيل على المتعلمين .
ولا يتصور أن أحدا من الناس يشك في أن محدث هذه الحركات هو المتكلم الذي ألهمه الله سبحانه وتعالى ذلك .
وقد لفت بعض النحاة النظر إلى هذه الحقيقة منهم الرضي حيث قال : ( اعلم أن محدث هذه المعاني في كل اسم هو المتكلم ، وكذا محدث علاماتها ، لكنه نسب إحداث هذه العلامات إلى اللفظ الذي بواسطته قامت هذه المعاني بالاسم فسمي عاملا ، لكونه كالسبب
$[1/126]
للعلامة ، كما أنه كالسبب للمعنى المعلم ، فقيل : العامل في الفاعل هو الفعل ، لأنه به صار أحد جزئي الكلام ) .
وأرى أنه بهذا يسقط رد ابن مضاء على النحويين في اعتدادهم بالعامل .
$[1/127]
مذهب الجامي النحوي
( 1 ) مذهب الجامي النحوي بصفة عامة بصري - كما أشرنا إلى هذا فيما سبق - وذلك لما يأتي :
ـ أن الجامي متأثر بكلام ابن الحاجب ومهتم به ومصوب له ومرجحه على ما سواه كما ذكرت سابقا ومثلت له لجملة أمثلة .
ومعلوم أن ابن الحاجب بصري في آرائه وتعليلاته واصطلاحاته وإن خالفهم في بعض الآراء .(1/79)
ـ وأنه قد يقتصر على رأي من رأيين أو أكثر ، لأنه يرجحه ، وهو في الغالب من آراء البصريين . وقد ذكرت ذلك أيضاً ، ومثلت له .
( 2 ) في بعض المسائل يكتفي الجامي بذكر المذاهب التي قيلت فيها من غير أن يميل إلى مذهب من هذه المذاهب .
وقد ذكرت ذلك أيضاً ومثلت له .
( 3 ) للجامي شخصية علمية يلاحظها القارئ لشرحه من خلال وقوفه على بعض المسائل وبحثه فيها ، وإبداء موقفه منها من غير أن يتقيد بعالم من العلماء أو مذهب من المذاهب ، فيوافق ما يراه مناسبا ، ويخالف ما يراه غير ذلك فنراه يرد ، ويضعف ، ويرجح بأساليب متعددة ، وقد ذكرت ذلك ومثلت له .
$[1/128]
الفصل السابع
الإشارة إلى الاتجاهات النحوية
لقد ضمن الجامي شرحه للكافية وتعليله لأحكامها كثيراً من الاتجاهات النحوية منها :
ـ الكثرة مناسبة للتخفيف ، والقلة مناسبة للتثقيل .
ـ التقليل في الحذف أولى .
ـ كثرة الاستعمال تؤدي إلى الحذف .
ـ الزيادة تنافي الحذف .
ـ إذا كان المطلوب مد الصوت وتطويل الكلام فالحذف ينافيه .
ـ قوة وجوه الإعراب وضعفها بحسب قلة الحذف وكثرته .
ـ يحذف من الكلمة المشتهرة شيء ويكون فيما أبقى منها دليل على ما ألقى عنها .
ـ لا ضرورة في اختيار الأثقل إذا حصل المقصود بأخف منه .
ـ العدل فرع المعدول عنه ، والوصف فرع الموصوف ، والتأنيث فرع التذكير ، والتعريف فرع التنكير ، والعجمة في كلام العرب فرع العربية ، والجمع فرع الواحد ، والتركيب فرع الإفراد ، والألف والنون الزائدتان فرع ما زيدنا عليه ووزن الفعل فرع وزن الاسم .
ـ الأصل في العمل الفعل .
ـ الأصل أولى .
ـ الأصل في الخبر الإفراد .
ـ الأصل في المبتدأ التقديم .
ـ الأًصل في البناء السكون .
ـ الاسم أصل والفعل فرع .
ـ الفرع لا يتصرف تصرف الأصل .
ـ للأصل على الفرع مزية .
ـ لا يكون المقصود أنقص من غيره .
ـ غلبة استعمال المستعملين بمنزلة الوضع .
ـ الأولى موافقة الوضع الطبع .
$[1/129](1/80)
ـ تقدير الإعراب للتعذر مختص بالإعراب بالحركة .
ـ النكرة في حيز النفي تفيد العموم والشمول .
ـ يتوسع في الظروف ما لا يتوسع في غيرها .
ـ يحترز عن الجمع بين المفسر والمفسر .
ـ قد يتحمل في المعطوف ما لا يتحمل في المعطوف عليه .
ـ الضمير المرفوع المتصل كالجزء مما اتصل به لفظا ، والفاعل كالجزء من الفعل .
ـ المعطوف في حكم المعطوف عليه .
ـ سلوك طريقة واحدة أسهل من سلوك طرائق مختلفة .
ـ ترجيح الأضعف على الأقوى غير جائز .
ـ لا يجوز أعمال الضعيف مع وجدان القوي .
ـ الحكم بوقوع المسبب مع الشك في وقوع السبب محال .
ـ تغيير اللفظ يدل على تغيير المعنى .
ـ أصل المؤثر أن يغاير المتأثر .
ـ قد يحمل النقيض على النقيض .
ـ نفي النفي استمرار الثبوت .
ـ الأمثال لا تتغير .
$[1/130]
الفصل الثامن
مصادر الجامي في شرحه للكافية
نظر الجامي عند شروعه في شرح الكافية إلى الكتب التي لها علاقة وثيقة بالمشروح وهو ( الكافية ) لذلك نرى أن أهم الكتب التي اعتمد عليها الجامي في شرحه هي شروح الكافية ثم الكتب الأخرى .
وأبدأ كلامي بالنوع الأول من هذه الكتب ، وهو شروح الكافية التي اعتمد عليها الجامي في شرحه :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أهم الشروح التي خصها بكثرة النقل عنها ، والتدقيق فيها هما ( شرح ابن الحاجب لكافيته ) و ( شرح الرضي للكافية ) ثم الشروح الأخرى .
أما شرح ابن الحاجب لكافيته :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقبل كل شيء أقرر حقيقة لا سبيل إلى تجاوزها في هذا المقام ، وهي أن شرح الجامي في غالبيته جاء متضمنا لكثير من عبارات وتعليلات شرح ابن الحاجب ، وذلك يدلنا على كثرة مراجعة الجامي لهذا الشرح وشدة استيعابه له ، وهضمه لمادته .(1/81)
ومما يؤيد ذلك ، ويوضح اعتماد الجامي على هذا الشرح وأخذه منه ما ذكرت سابقا في منهج الجامي أنه كان متأثرا بكلام ابن الحاجب ، وأنه يعتمد كثيراً من الآراء الواردة في شرحه للكافية بدون تصريح به ، ويرد بأسلوب مميز على من يعترض على ما جاء في هذا الشرح ، وقد مثلت هناك على هذا بجملة أمثلة .
وقد صرح الجامي بذكر شرح ابن الحاجب للكافية عند النقل عنه في مواضع عديدة ، وذلك :
ـ في إضافة ( أب ) إلى ياء المتكلم وتقرير أن لامه المحذوفة لا ترد بل يقال :
( أبي ) ، وذكر إجازة المبرد رد اللام ، فيقال : ( أبيّ ) متمسكا بقول الشاعر :
* وأبيّ مالك ذو المجاز بدار *
فقال الجامي : ( وأجاب عنه المصنف في شرحه بأن ذلك خف القياس ، واستعمال الفصحاء مع أنه يحتمل أن يكون المقسم به ، أي : ( أبيّ ) جمع ( أب )
$[1/131]
فاصلة ( أبين ) سقطت النون في الإضافة ، فاجتمعت ياءان ، فأدغمت الأولى في الثانية ، فصار ( أبيّ ) وقد جاء جمعه هكذا في قول الشاعر :
فلما تبين أصواتنا ... ... بكين وفديننا بالأبينا
أي : ( لما سمعن وعلمن أصواتنا بكين ، وقلن لنا : آباؤنا فداؤكم ) .
ـ وفي ( التأكيد ) بعد ذكر حده ، [ أخرج المصنف الصفة والعطف والبدل عن حد التأكيد بقوله : " يقرر أمر المتبوع " ، أما البدل والعطف فظاهر خروجهما به وأما الصفة فلأن وضعها للدلالة على معنى في متبوعها . وإفادتها توضيح متبوعها في بعض المواضع ليست بالوضع .
وأما عطف البيان فهو لتوضيح متبوعه فهو يقرر أمر المتبوع ويحققه ، لكن لا في النسبة والشمول . هذا حاصل ما ذكره المصنف في شرحه ] .
ـ وفي ( اسم الفاعل ) بعد ذكر حده وهو ( اسم الفاعل ما اشتق من فعل لمن قام به بمعنى الحدوث ) حيث قال الجامي : ( قال المصنف في شرحه : ( قوله " ما اشتق من فعل " يدخل فيه المحدود وغيره من اسم المفعول والصفة المشبهة وغير ذلك .(1/82)
وقوله ( لمن قام به ) يخرج منه ما عدا الصفة المشبهة ، لأن الجميع ليس لمن قام به .
وقوله ( بمعنى الحدوث ) يخرج الصفة المشبهة ، لأن وضعها على أن تدل على معنى ثابت ) .
ـ وفي كلم المجازاة حيث قال الجامي : ( وفي شرح المصنف : ( وكلم المجازاة ما يدخل على شيئين لتجعل الأول سببا للثاني ) .
ـ وفي الأمر حيث قال الجامي فيه : وهو في اصطلاح النحويين والأصوليين مخصوص بالأمر بالصيغة . كذا ذكره المصنف في شرحه ) .
$[1/132]
أما شرح الرضي للكافية :
فلا تقل أهمية بالنسبة لشرح الجامي عن أهمية سابقه . ففي شرح الجامي كثير مما ذكره الرضي من الأحكام النحوية وتفصيلها وتعليلها ، وكذلك نرى أن أكثر استشهاد الجامي بأنواعه هو مما استشهد به الرضي .
ومن الأمور التي تبين أهمية هذا المرجع ، وتوضح كثرة مراجعة الجامي له وإطالة النظر فيه هو تتبع الجامي لاعتراضات الرضي فيه على ابن الحاجب ، ومحاولة الجامي أن يرد على هذه الاعتراضات في شرحه ، وقد ذكرت هذا بالتفصيل والتمثيل في منهج الجامي .
ومن خلال قراءاتي لشرح الرضي للكافية وشرح الجامي لها وتدقيقي فيهما استطعت أن أتعرف أثر الأول في الثاني من خلال ثلاثة أساليب :
الأسلوب الأول :
أن لا يصرح بذكر الرضي أو شرحه عند النقل عنه أو قصده في الكلام ، وقد استعمل الجامي هذا الأسلوب في أثناء الرد على اعتراضات الرضي على ابن الحاجب ، بل ذهب إلى أخفى للنسبة من هذا حيث يأتي بعبارة لا يرى الناظر إلى ظاهرها اعتراضا ولا جوابا ، وهو يعني بها ردا على اعتراض كما ذكرت سابقا في منهج الجامي ، ومثلت له .
وكذلك في أثناء الشرح والتعليل نقل الجامي عن الرضي في مواضع عديدة ولم يصرح بذكر الرضي أو شرحه من هذه المواضع :(1/83)
ـ ما جاء في ( الحال ) عند كلامه على عدم جواز تقدم الحال على صاحبها المجرور بالإضافة ، واختلاف النحاة في جواز تقدمها على صاحبها المجرور بحرف الجر حيث قال الجامي : ( ولعل الفرق بين حرف الجر والإضافة أن حرف الجر معد للفعل كالهمزة والتضعيف . فكأنه من تمام الفعل ، وبعض حروفه . فإذا قلت : ( ذهبت راكبة بهند ) فكأنك قلت أذهبت راكبة هندا ) .
$[1/133]
وهذا الترجي الذي ذكره الجامي ، ذكره الرضي بلفظه في شرحه للكافية .
ـ ومنها ما جاء في المبني من الأسماء حيث قال الجامي : ( وهذا الحد لا يصح إلا لمن يعرف ماهية المبني على الإطلاق ، ولا يعرف الاسم المبني ، إذ لو لم يعرفها لكان تعريفا للمبني بالمبني ، لأنه ذكر في حد المبني لفظ المبني ) .
وهذا الكلام هو نص ما ذكره الرضي في شرحه للكافية .
ـ ومنها ما جاء في تعريفه للكنايات حيث قال الجامي : ( في اللغة والاصطلاح : أن يعبر عن شيء معين بلفظ غير صريح في الدلالة عليه لغرض من الأغراض ، كالإبهام على السامعين ، كقولك : ( جاءني فلان ) وأنت تريد ( زيدا ) .
وهذا الذي ذكر الجامي هو ما ذكره الرضي بتغيير طفيف .
ـ ومنها ما جاء في أعمال المصدر حيث قال الجامي : ( قيل : لم يأت في القرآن شيء من المصادر المعرفة باللام عاملا في فاعل أو مفعول صريح ، بل قد جاء عاملا بحرف الجر نحو قوله تعالى { لا يحب الله الجهر بالسوء } .
وهذا الكلام هو نص ما ذكره الرضي في شرح الكافية ما عدا تغييره لـ ( بل قد جاء معدي ) بـ ( بل قد جاء عاملا ) .
ـ ومنها ما جاء في الحروف العاطفة عند كلامه عن المراد بالجمع حيث قال : ( ومراد النحاة بالجمع هاهنا : أن لا يكون لأحد الشيئين أو الأشياء كما كانت ( أو ) و ( إما ) وليس المراد اجتماع المعطوف والمعطوف عليه في الفعل في زمان أو مكان ، فقولك : ( جاءني زيد وعمرو أو فعمرو ، أو ثم عمرو ، أو حتى عمرو ، أي : حصل الفعل من كليهما ) .(1/84)
وهذا الذي ذكره الجامي هو نص ما ذكره الرضي في شرح الكافية ما عدا زيادة الجامي لعبارة ( أو حتى عمرو ) .
$[1/134]
ـ ومنها ما جاء في ( حرف الردع " كلا " ) عند كلامه عن مجيئه بمعنى ( حقا ) حيث قال : ( وإذا كان بمعنى " حقا " جاز أن يقال : إنه اسم بني لكون لفظه كلفظ ( كلا ) الذي هو حرف ولمناسبة معناه لمعناه ، لأنك تردع المخاطب عما يقوله تحقيقا لضده لكن النحاة حكموا بحرفيته إذا كان بمعنى ( حقا ) أيضاً لما فهموا من أن المقصود به تحقيق مضمون الجملة كالمقصود بـ ( إن ) فلم يخرجه ذلك عن الحرفية ) .
وهذا الكلام الذي ذكر الجامي هو ما ذكره الرضي في شرح الكافية بتغيير طفيف .
وبعد هذه الأمثلة أشير إلى أنني اقتصرت فيها على ما ذكر ما نقله الجامي عن الرضي بالنص ولم يصرح بذكره .
أما النقل عن الرضي بالمعنى فقد أشرت إلى كثير منه في التحقيق .
الأسلوب الثاني :
أن يصرح الجامي ناسبا الكلام إلى ( الرضي ) ولعله يريد بهذا التصريح أن ينسب إليه ما رآه عنده من نقد أو ترجيح أو تضعيف . ومن ذلك :
ـ ما جاء في حذف الخبر وجوبا عند كلامه عن قولهم : ( ضربي زيدا قائما ) وذكر مذهب البصريين في تقدير المحذوف فيه بـ ( ضربي زيدا حاصل إذا كان قائما ) حيث قال الجامي : ( قال الرضي : هذا ما قيل فيه ، وفيه تكلفات كثيرة . وهي حذف ( إذا ) مع الجملة المضاف إليها ، ولم يثبت في غير هذا المكان والعدول عن ظاهر معنى ( كان ) الناقصة إلى معنى ( كان ) التامة .(1/85)
والذي يظهر لي أن تقديره بنحو ( ضربي زيدا يلابسه قائما ) إذا أردت الحال عن المفعول و ( ضربي زيدا يلابسني قائما ) إذا كان عن الفاعل أولى ، ثم نقول : حذف المفعول الذي هو ذو الحال ، فبقي ( ضربي زيدا يلابس قائما ) ويجوز حذف ذي الحال مع قيام القرينة كما تقول : ( الذي ضربت قائما زيد ) أي : ضربته . ثم حذف ( يلابس ) الذي خبر المبتدأ والعامل في الحال ، وقام الحال ، مقامه كما تقول : راشدا مهديا ) أي : سر راشدا مهديا ) .
$[1/135]
ـ ومنها ما جاء في ( أسماء الأفعال ) عند كلام الجامي عن ( صه ) حيث قال : ( قال الشارح الرضي : وليس ما قال بعضهم : أن ( صه ) مثلا اسم للفظ ( اسكت ) الذي هو دال على معنى الفعل ، فهو علم للفظ الفعل لا لمعناه بشيء ، إذ العربي القح ربما يقول : ( صه ) مع أنه لم يخطر بباله لفظ ( اسكت ) وربما لم يسمعه أصلا ) .
ـ ومنها ما جاء في الموضع السابق عند كلام الجامي عن ( فعال ) حال كونه مصدرا معرفة كـ ( فجار ) بمعنى ( الفجرة ) حيث قال : قال الشارح الرضي : وهو على ما قيل : مصدر معرف مؤنث ، ولم يقم لي إلى الآن دليل قاطع على تعريفه ولا تأنيثه ) .
ـ ومنها ما جاء في الموضع السابق عند كلام الجامي عن ( فعال ) حال كونه صفة لمؤنث نحو ( يا فساق ) وكونه مبينا لمشابهته ( فعال ) التي بمعنى الأمر عدلا وزنة حيث قال : ( قال الشارح الرضي : والذي أرى أن كون أسماء الأفعال معدولة عن ألفاظ الفعل شيء لا دليل لهم عليه ، كيف ؟ والأصل في كل معدول عن شيء أن يخرج عن النوع الذي ذاك الشيء منه ، فكيف خرج الفعل بالعدل من الفعلية إلى الاسمية ) .
ـ ومنها ما جاء في ( الكنايات ) عند كلامه عن دخول ( من ) على ( كم ) الاستفهامية والخبرية حيث قال ( قال الشارح الرضي : هذا في الخبرة كثير نحو ( وكم من ملك ) و ( كم من قرية ) وذلك لموافقته جرا للمميز المضاف إليه ( كم ) .(1/86)
وأما مميز ( كم ) الاستفهامية فلم أعثر عليه مجرورا بـ ( من ) في نظم ولا نثر ، ولا دل على جوازه كتاب من كتب هذا الفن ) .
ـ ومنها كما جاء في الموضع السابق ، وفي وجوه إعراب ( كم ) ومشابهته أسماء الشرط لها في هذا الإعراب حيث قال الجامي بعد ذكر خروج ( إذا ) عن الظرفية :
$[1/136]
( وقال الشارح الرضي : وأنا لم أعثر لهذا على شاهد من كلام العرب ) .
ـ ومنها ما جاء في ( الظروف ) عند كلام الجامي على ما قطع من هذه الظروف عن الإضافة ، وعلى ما عوض منها بالتنوين عن الإضافة حيث قال : ( لا فرق بين ما أعرب من هذه الظروف المقطوعة وبين ما بني منها ، وقال بعضهم : بل إنما أعربت لعدم تضمنها معنى الإضافة ، فمعنى ( كنت قبلا ) أي : كنت قديما .
وقال الشارح الرضي : والأول هو الحق . )
والأسلوب الثالث :
أن يصرح الجامي ناسبا الكلام إلى ( شرح الرضي ) ومن ذلك :
ـ ما جاء في ( المثنى ) عند كلامه على تثنية ما همزته منقلبة عن واو أو ياء كـ ( كساء ) و ( رداء ) حيث قال : ( وقع في شرح الرضي من أنه قد تقلب المبدلة من أصل ياء ) .
ـ وما جاء في الجمع المؤنث السالم عند كلامه على قول ابن الحاجب : ( وشرطه إن كان صفة . . . . . وإلا جمع مطلقا ) حيث قال الجامي : ( وفي شرح الرضي أن هذا الإطلاق ليس بسديد ، لأن الأسماء المؤنثة بتاء مقدرة كـ ( نار ) و ( شمس ) ونحوهما من الأسماء التي تأنيثها غير حقيقي لا يطرد فيها الجمع بالألف والتاء ، بل هو فيها مسموع كـ ( السماوات والكائنات ) وذلك لخفاء هذا التأنيث لأنه ليس بحقيقي ، ولا ظاهر العلامة ) .
$[1/137]
ومنها ما جاء في ( جمع القلة ) عن كلامه على ما ذكره ابن الحاجب من أن الجمع الصحيح منه حيث قال الجامي : ( وفي شرح الرضي : الظاهر أنها - أي جمعي السلامة - لمطلق الجمع من غير نظر إلى القلة والكثرة فيصلحان لهما )
وأما الشروح الأخرى :(1/87)
فمن المعلوم أن لكافية ابن الحاجب شروحا أخرى غير شرح ابن الحاجب وشرح الرضي لكنها لا ترقى إلى مرتبتهما من حيث القيمة العلمية والشهرة ، لهذا لم يمنحها الجامي أهمية كبيرة كما فعل في الشرحين السابقين ، ولم يذهلها بل نظر إلى بعضها فأفاد منها في شرحه بذكر ما رآه مناسبا ، واعترض على رآه غير ذلك وهذا في مواضع قليلة .
وقد تتبعت هذه المواضع في شرح الجامي ، فتبين لي - من خلال أساليب مختلفة - الشروح الآتية :
1 - شرح الهندي للكافية :
صرح الجامي بذكره مرة واحدة وسماه ( الحواشي الهندية ) :
ـ جاء ذلك في ( المذكر والمؤنث ) بعد أن ذكر أن ضمير نحو ( النساء ) و ( الأيام ) فعلت وفعلن ) حيث قال : ( وفي الحواشي الهندية ) موافقا لشرح الرضي : أن النون موضوعة لجمع غير العقلاء كـ ( الواو ) وضعت لجمع العاقلين ، فاستعمالها في النساء للحمل على جمع غير العقلاء ، إذ الإناث لنقصان عقولهن يجرين مجرى غير العقلاء ) .
وعبر عنه الجامي بـ ( بعض الحواشي ) جاء ذلك في أثناء كلامه على حد ابن الحاجب للكلام بقوله ( الكلام ما تضمن كلمتين بإسناد ) حيث قال : ( وفي بعض الحواشي ) أن المراد : بالإسناد هو الإسناد المقصود لذاته ) .
$[1/138]
ـ وعبر عنه بـ ( بعض الشارحين ) جاء ذلك في ( الظروف ) عند كلام الجامي على قول ابن الحاجب ( و " كيف " للحال استفهاما ) حيث قال : ( أي : حال شيء وصفته ) .
فالمراد بالحال : صفة الشيء ، لازمان الحال كما توهمه " بعض الشارحين " )
ونص قول شهاب الدين الهندي في شرحه للكافية : ( " كيف " الكائنة أو هي كائنة للحال استفهاما ، أي : وقت استفهام ) .
وقد يقصد الجامي شرح الهندي في بعض المواضع بأسلوبه الذي لا يظهر فيه اسم الهندي ولا كتابة كما بينت ذلك ، ومثلت له في منهج الجامي .
2 - " الهادية " شرح كافية ابن الحاجب لفلك العلا التبريزي :(1/88)
لم يصرح الجامي باسم المؤلف ولا باسم كتابه ، ولكنني بمراجعتي لكلا الشرحين ، وجدت أن في شرح الجامي بعضا من كلام وآراء صاحب الهادية ، وتعرفت ذلك من خلال ثلاثة أساليب :
الأسلوب الأول :
أن يعبر عنه بـ ( بعض الشروح ) كما جاء في ( أفعال القلوب ) عند كلام الجامي على جواز إلغائها إذا توسطت بين مفعوليها نحو ( زيد ظننت قائم ) حيث قال : ( وفي بعض الشروح : أن الأعمال أولى على تقدير التوسط ) .
الأسلوب الثاني :
أن يعبر عنه بـ ( بعضهم ) كما جاء في ( المفعول المطلق ) عند كلام الجامي عن حذف الفعل وجوبا في نحو ( حمدا ) و ( شكرا ) حيث قال : قال بعضهم : بأن وجوب الحذف إنما هو فيما استعمل باللام نحو ( حمدا له ، وشكرا له ، وعجبا له ) .
$[1/139]
الأسلوب الثالث :
أن يضمن الجامي كلامه كلاما لصاحب الهادية ، كما جاء في ( الكلمة ) عند كلامه عن الوضع حيث قال الجامي : ( الوضع : تخصيص شيء بشيء ) .
ـ وما جاء في ( ضمير الفصل ) عند كلامه على قول ابن الحاجب فيه ( ولا موضع له عند الخليل ) حيث قال الجامي : لأنه حرف عنده على صيغة الضمير ) .
3 - الترجمة الشريفية : للسيد الشريف الجرجاني :
وهي شرح لكافية ابن الحاجب باللغة الفارسية . هذا ما ذكره بعض كتب التراجم .
وذكرها الجامي في شرحه ثلاث مرات :
ـ في ( المثني ) عند كلامه على قول ابن الحاجب في تثنية الاسم الممدود ، ( وان كانت - أي : الهمزة - للتأنيث قلبت واوا وإلا فالوجهان ) حيث قال الجامي : ( وفي الترجمة الشريفية : أن اللازم من هذه العبارة أنه لا يجوز أن يقال : في ( رداء ) إلا : ( رداءان ) بالهمزة أو ( رداوان ) بالواو ، ولكن المشهور ( ردايان ) بالياء ، فكان ينبغي أن يقول المصنف : ( وإلا فوجهان ) بغير لام العهد لتكون عبارة عن إثبات الهمزة وردها إلى الأصل ، لا الإشارة إلى الوجهين المذكورين كما هم المتبادر من اللام ) .(1/89)
ـ وفي ( اسم الفاعل ) حيث قال الجامي : ( وفي الترجمة الشريفية ) ما معناه أن صيغة اسم الفاعل من الثلاثي المجرد على ( فاعل ) كـ ( ضارب وقاتل وماش وآكل ) وكل ما اشتق من مصادر الثلاثي لمن قام به ، لا على هذه الصيغة فهو ليس باسم فاعل بل هو صفة مشبهة أو ( أفعل ) التفضيل ، أو صيغة مبالغة كـ ( حسن وأحسن ومضراب ) .
وقول الجامي ( ما معناه ) بعد ذكر الكتاب يؤيد كون هذا الكتاب باللغة الفارسية كما ذكرنا .
$[1/140]
وفي ( الحروف العاطفة ) في أثناء كلام الجامي على قول ابن الحاجب في ( أم ) : ومن ثمة لم يجز ( أرأيت زيدا أم عمرا ؟ ) حيث قال : ( وفي " الترجمة الشريفية " أنه وجد بعض النسخ الكافية المقروءة على المصنف وعليه خطه هكذا ( يليها أحد المستويين والآخر الهمزة على الأفصح ، ومن ثمة ضعف ( أرأيت زيدا أم عمرا ؟ ) .
4 - أمالي الكافية :
وهي قسم من أقسام كتاب ( الأمالي النحوية ) لابن الحاجب .
وقد صرح الجامي بذكر ( أمالي الكافية ) مرة واحدة نقلا عن الشريف الجرجاني في حاشيته على شرح الرضي ، جاء ذلك في ( العطف ) عند كلامه عن الواو التي تفيد اللصوق الواقعة بين الصفة والموصوف حيث قال : ( ونقل عن المصنف أنه قال في ( أمالي الكافية ) : إن العاقل في مثل ( جاءني زيد العالم والعاقل ) تابع يتوسط بينه وبين متبوعه أحد الحروف العشرة وليست بعطف على التحقيق ، وإنما هو باق على ما كان عليه في الوصفية وإنما حسن دخول العاطف لنوع من الشبه بالمعطوف لما بينهما من التغاير ) .
5 - حاشية السيد الشريد الجرجاني على شرح الرضي للكافية :
لهذه الحاشية - وإن كانت لشرح الرضي ولم تكن مباشرة للكافية - أهمة خاصة أولاها الجامي إياها ، تتوضح هذه الأهمية من خلال ثلاثة أمور :
الأول :
اعتماد الجامي على هذه الحاشية في بعض ردوده لاعتراضات الرضي على ابن الحاجب ، وقد أشرت إلى ذلك في أثناء التحقيق .
الثاني :(1/90)
نقل الجامي من هذه الحاشية ما نقله الشريف الجرجاني فيها عن بعض الكتب وقد
$[1/141]
أشرت أيضاً إلى هذه الكتب عند ذكرها في أثناء التحقيق .
الثالث :
نقل الجامي من هذه الحاشية ما يراه الشريف الجرجاني فيها وقد تعرفت هذا النقل من خلال ثلاثة أساليب :
الأسلوب الأول :
أن يعبر عنه بـ ( بعض المحققين ) حيث نقل تعليق ابن الحاجب على تعريف الاسم في كتابه الإيضاح ( شرح المفصل ) كما نقله الشريف الجرجاني عنه ، ثم أشار إلى الشريف الجرجاني بقوله : ( ومحصوله ما ذكره ( بعض المحققين ) حيث قال : . . . . . . . . )
ـ وكما جاء في ( البدل ) حيث ذكر جواب الشريف الجرجاني عما أتى به الرضي ، وأشار إلى الشريف الجرجاني بقوله : ( وقال بعض المحققين في جوابه : . . . . . . . . ) .
الأسلوب الثاني :
أن يعبر عنه بـ ( بعض ) كما جاء في الإعراب ( غلامي ) إذ ذكر مذهب الشريف الجرجاني ، وأنه لا يرضاه ، فقال : ( فما ذهب إليه ( بعض ) من أن إعراب مثل هذا الاسم في حالة الجر لفظي غير مرضي ) .
الأسلوب الثالث :
أن يعبر الجامي عن قول الشريف الجرجاني بلفظ ( قيل ) المبني للمجهول كما جاء في انتصاب المضارع ( بأن مقدرة بعد ( حتى ) . . . . . والعاطفة ) إذ شرحه الجامي ، وذكر إعراب ( والعاطفة ) ثم قال : ( وقيل : هو مجرور معطوف على ( حتى ) .
$[1/142]
النوع الثاني ، وهو :
الكتب الأخرى التي اعتمد عليها الجامي في شرحه :
لم يقتصر اهتمام الجامي على شروح الكافية ذات الصلة الوثيقة بشرحه ، فقد جاء فيه ذكر كتب أخرى كالمفصل والمفتاح واللباب ، وذلك لما لهذه الكتب من قيمة في مادتها ، وما لمؤلفيها من إمامة ، ووثاقة في علمهم ، قال الجامي في بعض المواضع : ( قد تصفحنا كتب الثقافة كالمفصل والمفتاح واللباب ) .(1/91)
وكذلك لم تكن هذه الكتب مقطوعة الصلة عن الكافية بل يلحظ فيها صلة تربطها بها ، وذلك من حيث كونها مختصرات نحوية جامعة أبواب النحو كما هو شأن الكافية .
ولم يكن ذكر هذه الكتب في شرح الجامي كثيراً ، لأنه يذكرها في مواضع معدودة يكون الجامي فيها موازنا بينها وبين الكافية وقد يكون معتمدا على رأي فيها أو رادا على رأي .
وقد يذكر الجامي الإيضاح ( شرح المفصل ) والكشاف .
وهناك كتب أخرى كثيرة قد أشرت إليها في التحقيق وهي تتصل بما جاء في شرح الجامي ككتاب سيبويه والمقتضب للمبرد ، وما ينصرف وما لا ينصرف ومعاني القرآن للزجاج والأصول لابن السراج ، والإيضاح لأبي علي الفارسي . وغيرها . ولكنني أرجح أن الجامي نقل عنها بالواسطة ولم يكن النقل مباشرا وإنما كان نقله المباشر من كتب النوعين السابقين ، وذلك لأني رأيت ما نقله عن سيبويه وغيره مذكورا في كتب هذه النوعين ، وقد بينت في تعليقي كثيراً مما جاء في الكتب الأصول المنقول عنها والكتب الناقلة .
$[1/143]
الفصل التاسع
==============
النقل عن شرح الجامي للكافية
=======================
جاء النقل عن شرح الجامي للكافية في حاشية الشيخ الصبان على شرح الأشموني " منهج السالك إلى ألفية ابن مالك " ، وذلك في المواضع الآتية :
ـ في ( الكلام ) وما يتألف منه 1/20 .
ـ وفي ( المعرب والمبني ) 1/56 .
ـ وفي ( الابتداء ) 1/204 .
ـ وفي ( فصل " ما " و " لا " و " لات " و " إن " المشبهات بـ " ليس " 1/254 ) .
ـ وفي ( حروف الجر ) 2/207 .
ـ وفي ( الإضافة ) 2/238 .
ـ وفي ( أفعل التفضيل ) 3/53 .
ـ وفي ( البدل ) 3/129 .
ـ وفي ( الاستغاثة ) 3/166 .
ـ وفي ( نونا التوكيد ) 3/216 .
ـ وفي ( إعراب الفعل ) 3/295 ، 3/297 ، 3/299 .
ـ وفي ( عوامل الجزم ) 4/21 ، 4/22/ 4/30 .
ـ وفي ( العدد ) 4/74 .(1/92)
وجاء النقل عن شرح الجامي - أيضاً - في حاشية شرح البردعي لأنموذج الزمخشري " حدائق الدقائق " في المواضع الآتية :
ـ في ( تعريف الاسم ) ص15 .
ـ وفي ( إعراب الأسماء الستة ) ص51 .
ـ وفي ( غير المنصرف ) ص61 ، 67 ، 70 ، 75 - 76 .
ـ وفي ( مبحث المرفوعات ) ص77 .
ـ وفي ( المبتدأ والخبر ) ص82 ، 84 ، 88 ، 90 ، 93 ، 96 .
ـ وفي ( اسم " ما " و " لا " المشبهتين بـ " ليس " ) ص101 .
$[1/144]
ـ وفي ( المنادى ) ص112 ، 114 ، 117 .
ـ وفي ( المفعول معه ) ص122 - 123 .
ـ وفي ( المفعول له ) ص125 .
ـ وفي ( اسم " لا " التي لنفي الجنس ) ص141 ، 142 .
ـ وفي ( الإضافة ) ص152 ، 153 ، 156 .
ـ وفي ( التوابع ) ص166 .
ـ وفي ( التأكيد ) ص169 .
ـ وفي ( الصفة ) ص177 .
ـ وفي ( المبني ) ص193 ، 194 .
ـ وفي ( اسم الإشارة ) ص202 .
ـ وفي ( الظروف ) ص214 ، 215 .
ـ وفي الكنايات ) ص221 .
ـ وفي ( التصغير ) ص267 .
ـ وفي ( أسماء العدد ) 282 .
ـ وفي ( اسم الفاعل ) ص297 .
ـ وفي ( الصفة المشبهة ) ص301 .
ـ وفي ( أفعل التفضيل ) ص303 .
ـ وفي ( المتعدي وغير المتعدي ) ص338 .
ـ وفي ( فعلا المدح والذم ) ص366 .
ـ وفي ( الحروف المشبهة بالفعل ) ص390 .
ـ وفي ( حروف العطف ) ص409 .
$[1/145]
الفصل العاشر
==============
منهجي في التحقيق والتعليق
=======================
كان سيري فيه على ما يأتي :
( 1 ) تحرير النص وفق القواعد الإملائية المعروفة .
( 2 ) مقابلة خمس نسخ من الكتاب بعضها ، مع بعض ، والاستئناس بثلاث نسخ أخرى ، وسيأتي بيان النسخ .
( 3 ) إثبات التغييرات الواردة في النسخ المقابلة .
( 4 ) بيان ما سقط من بعض النسخ وما زاد فيها .
( 5 ) الضبط بالشكل لما وجدته قد يشكل على القارئ .
( 6 ) تصحيح للألفاظ التي وردت غير موافقة للكلام أو اللغة أو الاكتفاء بالتعليق عليها .
((1/93)
7 ) توثيق الآراء والأقوال الواردة في الكتاب منسوبة إلى أصحابها بالرجوع إلى مؤلفاتهم إن وجدت لهم مؤلفات ، أو إلى الكتب الأخرى المختلفة ، والإشارة في الغالب إلى أماكنها في أكثر من مؤلف مع ذكر نص هذه الآراء والأقوال إن دعت الحاجة إلى ذلك ، ومثل هذا تراه في كثير من صفحات الكتاب .
( 8 ) الرجوع إلى الكتب التي ذكرها الجامي في توثيق الآراء التي أخذها منها مثل ذكره لكتاب ( المفصل ) و ( اللباب ) و ( الإيضاح شرح المفصل ) و ( الكشاف ) و ( شرحه ) - أي : شرح ابن الحاجب للكافية - و ( أمالي الكافية ) و ( الصحاح ) و ( الحواشي الهندية ) و ( شرح الرضي ) و ( المفتاح ) .
( 9 ) تصحيح نسبة الآراء لأصحابها ، وذلك أن المؤلف قد ينسب آراء إلى النحويين وفي هذه النسبة ما يستحق النظر وفي الغالب تكون هذه النسبة قد نقلها من غيره ، فأقوم بتصحيح النسبة مبينا مرجعي في التصحيح ، ولا يفوتني أن أذكر من جاء بهذه النسبة قبل المؤلف فتبعه المؤلف . ولذلك صور متعددة منها ما جاء في أثناء
$[1/146]
كلامه عن العامل في المبتدأ والخبر . فنسب إل البصريين رأيا وقال : ( وأما عند غيرهم فقال بعضهم : الابتداء عامل في والمبتدأ عامل في الخبر ) فبينت أنه يفهم من قوله ( غيرهم ) أي عند البصريين وليس كذلك لأن هذا القول الذي نسبه إلى بعض غير البصريين هو لسيبويه وهو أحد قولي المبرد في المقتضب .
ومن ذلك ما نسب إلى سيبويه في أثناء كلامه عن الأفعال الناقصة حيث قال : ( ولم يذكر سيبويه منها سوى ( كان صار ومادام وليس ) فبينت أن هذا الذي ذكره عن سيبويه هو ما قاله الزمخشري في المفصل وابن الحاجب في شرح الكافية والرضي وتابعهم الجامي على ذلك وذكرت أن ما قاله النحاة المذكورون وتابعهم عليه الجامي ليس بصحيح ، وذلك لأنه ذكر غيرها ، وبينت المذكور من هذه الأفعال ومواضع ذكرها في كتاب سيبويه .(1/94)
ومن ذلك ما جاء في أثناء كلامه على دخول بعض الحروف المشبهة بالفعل وهما ( ليت ولعل ) على المبتدأ الذي يصح دخول الفاء على خبره فيمنعان دخوله عليه حيث قال : ( وألحق بعضهم - قيل هو سيبويه ( إن المكسورة بهما ) فذكرت أن الذي ظهر لي خطأ هذا القول إذ ذكر سيبويه مجيء الفاء في الخبر بعد ( أن ) واستشهد له بآية من القرآن الكريم ، وذكرت أن سبب غلط الجامي اعتماده على نقل ابن الحاجب في شرح الكافية كما كان سبب ذلك عند ابن الحاجب هو النقل عن عبدالقاهر .
$[1/147]
ومن ذلك ما نسبه إلى المبرد أثناء بيانه للآراء الواردة في أداة التعريف ( أل ) فقال : ( والمبرد إلى أنها الهمزة المفتوحة وحدها ) فبينت أن الجامي يوافق في نسبة هذا الرأي إلى المبرد ما جاء في شرح الرضي وهذا مخالف لما جاء في المقتضب حيث قال : ( ومن ألفات الوصل الألف التي تلحق اللام للتعريف ) وهذا الكلام أقرب ما يكون إلى مذهب سيبويه .
ومن ذلك ما نسب إلى المبرد في أثناء كلامه عن ( أما ) الشرطية وحكم ما وقع بينها وبين فائها فقال : ( وقيل والقائل المبرد هو أي : ما وقع بينها وبين فائها معمول الشرط المحذوف عملا مطلقا ) . فبينت أن ما ذكر عن المبرد مخالف لمذهبه في هذه المسألة وبعيد كل البعد عما نقل عنه واستندت في كلامي إلى أمرين ذكرتهما ، وفصلت الكلام فيهما .
ومن ذلك ما نقله ابن الحاجب وغيره ووافقه الجامي عليه من الزجاج في تسميته للمفعول له مصدرا ( مفعولا مطلقا ) حيث قال : ( خلافا للزجاج فإنه عنده مصدر ) ، فبينت أن الزجاج سماه مفعولا له ، وجعل نصبه في تأويل المصدر ، واعتمدت في ذلك على ما قاله الزجاج في كتابه معاني القرآن ، فذكرت نص قوله .
وهناك تعليقات ووقفات واستدراكات على ما يخص نسبة الآراء تراها في الهوامش .
( 10 ) نسبة ما لم ينسب من الآراء والأقوال إلى أصحابها .(1/95)
ففي الكتاب آراء وأقوال كثيرة لم ينسبها المؤلف إلى أصحابها واستطعت نسبتها إليهم ، وله في ذلك أساليب مختلفة ، فيقول : ( بعض النحاة ) أو ( بعض المحققين ) أو ( بعض الشارحين ) أو ( بعض الشروح ) أو ( بعض الحواشي ) .
ويقول : ( بعض ) أو ( بعضهم ) أو ( بعض ) أو ( منهم ) أو ( قيل ) أو ( قلنا ) أو ( أجيب ) أو ( إن قلت ) أو ( ونقل ) .
ومن أساليبه أيضاً في بعض المواضع أنه يذكر الكلام متصلا بعضه ببعض ويكون فيه بعض المذاهب والآراء فأفصل هذا تفصيلا مختصرا يتبين فيه القائل وما قيل في الموضع .
$[1/148]
( 11 ) تخريج شواهد القرآن الكريم الواردة في الكتاب ، سالكا في ذلك المنهج الآتي :
ـ ذكرت اسم السورة ورقم الآية فيها .
ـ وقد أكمل الآية في التعليق إن كان ثم ضرورة يقتضيها الكلام .
ـ وضبطت الآية بالشكل على حسب القراءة المطلوبة .
ـ ورجعت إلى كتب القراءات ، وأسندت القراءة المذكورة إلى أصحابها .
ـ وأذكر القراءات الأخرى الواردة في الآية .
ـ وأذكر الأعاريب الواردة في الآية إن اقتضى المقام ذلك .
ـ وأصحح الآيات التي وردت خطأ ، وقد يكون ذلك أو بعضه من النساخ كما أشرنا إليه في التعليق .
( 12 ) تخريج شواهد الحديث النبوي الشريف :
ـ قمت بتخريج الأحاديث النبوية من كتب الحديث أو من الكتب الأخرى .
ـ وأكملت الحديث إذا دعت الحاجة إلى ذلك .
ـ وأشرت إلى ورودها في كتب النحو وغيرها .
( 13 ) تخريج أمثال العرب وأقوالهم المأثورة :
ـ خرجتها من كتب الأمثال واللغة وذكرت المناسبة التي قيلت فيها .
ـ وأشرت إلى ورودها في كتب النحو .
( 14 ) تخريج شواهد الشعر :
ـ قمت بضبط ما يحتاج من ألفاظها بالشكل .
ـ وعزوت ما لم يعزه الجامي منها ما استطعت إلى ذلك سبيلا .
ـ وخرجت البيت في الديوان إن تيسر ذلك .
ـ وخرجت البيت في كتب النحو واللغة الأدب .
ـ وشرحت الألفاظ الصعبة والغريبة .
ـ وبينت موضع الشاهد إن كان غامضا .(1/96)
ـ وبينت المعنى العام للبيت .
ـ وإذا كان البيت ناقصا أكملته في التعليق .
ـ وإذا كان في البيت روايات أخرى أثبتها مبينا مراجعها .
ـ وبينت بحر البيت .
$[1/149]
( 15 ) الاعتناء بتحقيق المسائل المهمة والتعليق على ما أراه محتاجا منها إلى ذلك .
( 16 ) إكمال الموضوعات التي ذكر المؤلف بعضها ، وكذا الآراء والأقوال :
( 17 ) ترجيح ما أراه قويا من الآراء .
( 18 ) تبيين ما يكون في الرأي من ضعف وغيره .
( 19 ) إبداء بعض الملاحظ ذلك أن شرح الجامي يتجلى فيه حسن الاختيار والدقة مع غزارة مادته وكفاية معلوماته لا يحط من منزلته ما وجدت فيه من بعض الأمور التي تستحق النظر وذلك :
ـ أن الجامي مع حسن توجيهاته الكثيرة في بعض التوجيهات تحمل لكلام ابن الحاجب ما لا يظهر تحمله ، وذلك ما جاء في باب ( غير المنصرف ) عند كلامه على قول ابن الحاجب : ( العجمة شرطها أن تكون علمية في العجمية ) حيث قال : ( أن تكون متحققة في ضمن العلم من العجم حقيقة كـ ( إبراهيم ) وحكما بأن ينقله العرب من لغة العجم إلى العلمية من غير تصرف فيه قبل النقل كـ ( قالون ) .
فإنه كان في العجم اسم جنس سمى به أحد رواة القراء ، لجودة قراءته قبل أن يتصرف فيه العرب . فكأنه كان علما في العجمية ) .
وقد تابع الجامي الرضي في اعتبار العلمية في الاسم الذي استعمله العرب من أول الأمر علما ، ولم يكن كذلك في لغة العجم .
وقد حمل الجامي كلام ابن الحاجب لهذا الاعتبار ، وكلام ابن الحاجب لا يتحمله ، فهو محدد في اعتبار العلمية في اللغة العجمية ، يؤيد ذلك قوله في شرح الكافية : ( والعلة في اشتراط العلمية مع الجمة في الأًصل أنه إذا نقل غير علم اعتورت عليه أحكام كلامهم . . . بخلاف ما إذا نقل علما ) وقوله في الإيضاح : ( شرط العجمة في اعتبارها سببا العلمية الأصلية في كلام العجم حتى لو كان الاسم أعجميا ولكنه اسم جنس ثم طرأت عليه العلمية لم تعتبر العجمة ) .
$[1/150](1/97)
ومما يلحظ على الجامي ما جاء في ( أفعال القلوب ) وذلك في كلامه على قول ابن الحاجب ( أفعال القلوب : ظننت وحسبت وخلت وزعمت وعلمت ورأيت ووجدت . . . . . ولبعضها معنى آخر ) حيث قال ( أي : لبعض أفعال القلوب ما عدا ( حسبت وخلت وزعمت ) معنى آخر قريب من معانيها الأول ) .
فاستثناء ( حسبت وخلت وزعمت ) من أفعال القلوب لا يستقيم لأن هذا البعض هو الذي له معنى آخر ، ولو قال : ( وأفعال القلوب ما عدا . . . . ) لصح الاستثناء .
ـ وما جاء في شرحه للمثل ( شر أهر ذا ناب ) حيث قال الجامي : ( هذا المثل يضرب لرجل قوي أدركه العجز في حادثة ) .
ومعلوم أن المشهور فيه أنه يضرب في ظهور أمارات الشر ومخايله فكأنهم قالوه حينما سمعوا هرير كلب في وقت لا يهر في مثله إلا لسوء ، فيستدل به على الشر .
ـ ومما يلحظ أيضاً على الجامي : مخالفته للنحاة في تسمية حركات البناء ( بالضمة والفتحة والكسرة ) مع أن النحاة التزموا بتسميتها ( ضما وفتحا وكسرة ) وليس لهذه التسمية توجيها إلا ما ذكره الشيخ الصبان من أن ( الضمة والكسرة والفتحة ) مشتركة بين الإعراب والبناء ، وقد فصلت الكلام في هذه المسألة في أثناء التحقيق .
ـ واستعماله ( الغير ) بالألف واللام في بعض المواضع فهي وان كانت مستعملة عند بعض المصنفين إلا أنه صرح كثير من العلماء بعدم جواز ذلك لعدم سماعه عن العرب ، وكذلك لرعاية صورة الإضافة المعنوية في ( غير ) . وقد فصلت الكلام في هذه المسألة في أثناء التحقيق .
( 20 ) إضافة رأي جديد لم يقله نحوي سابق على ما أعلم .
( 21 ) الاستدراك على المؤلف في بعض المواقف .
( 22 ) إزالة توقف عند الجامي ، وذلك عند كلامه عن بيت الأعشى :
الواهب المائة الهجان وعبدها ... ... عوذا تزجى خلفها أطفالها
$[1/151](1/98)
حيث قال : ( يزجى - بالزاي المعجمة والجيم - على صيغة المعلوم المذكر ، أي : يسوق ، وفاعله ضمير العبد ، وأطفالها : منصوب على المفعولية ، أو على صيغة المجهول المؤنث ، وأطفالها مرفوع على أنه مفعول ما لم يسم فاعله .
وحقيقة الأمر لا تنكشف إلا بعد معرفة حركة الروي من القصيدة ) .
فذكرت في الهامش الحقيقة - كما رأيتها أن البيت من قصيدة حركة حرف الروي فيها الفتحة وقد مدح بها الأعشى قيس بن معد يكرب . ومطلعها :
رحلت سمية غدوة أجمالها ... ... غضبى عليك فما تقول بدالها
( 23 ) التنبيه على ما يظهر من مواضع الخلاف والوفاق بين المؤلف وغيره من النحاة .
( 24 ) إضافة أنوع من التعريف إلى ما ذكره الجامي .
( 25 ) إضافة ألوان من التعليل المناسب إلى ما ذكره الجامي .
( 26 ) شرح الألفاظ التي تحتاج إلى ذلك .
( 27 ) الترجمة للأعلام الواردة في الكتاب .
( 28 ) تبيين ما ظهر في شروح الكافية من الفروق التي حدثت في نسخ الكافية .
( 29 ) إبراز متن الكافية ووسمه بخط يوضح تحت كلماته ، وفصله بفواصل صغيرة .
( 30 ) الإشارة إلى ابتداء صفحة جديدة من المخطوط بخط مائل ، ووضع رقم الصفحة بجانبه ، والرمز لصفحة الوجه بـ ( أ ) ولصفحة الظهر بـ ( ب ) .
( 31 ) عمل فهارس عامة .
وصف نسخ الكتاب المعتمدة
1 - النسخة الأولى ( ع ) :
مخطوطة في مكتبة الأوقاف في بغداد ، رقمها 1276 ، وعدد صفحاتها ( 428 ) ثمان وعشرون وأربعمائة صفحة ، في كل صفحة ( 19 ) تسعة عشر سطرا ، عدد كلمات السطر الواحد ( 9 - 13 ) كلمة ومقاسها 15×9 سم .
$[1/152]
وهي مخطوطة رائعة في جمالها وكمالها . غلافها الجلدي قطعة فنية ونموذج باهر من نماذج الزخرفة والتذهيب ، ولوحته الأولى لوحة زخرفية رائعة ، خطها فارسي غاية في الدقة والجمال ، وعلى بعض هوامش صفحاتها بعض التعليقات .(1/99)
وقد دون في آخرها : " قد وقع الفراغ من تنسيق هذا الكتاب بعون الله الملك القادر الوهاب ، حامدا الله تعالى ، ومصليا على نبيه المعلى في أواخر ربيع الآخر لسنة ثمان وثلاثين وألف من هجرة من له العز والشرف على يد الحاج محمود بن الحاج جعفر الشهير بعطار زادة ، رزقه الله الفوز والسعادة ، آمين اللهم آمين .
وفي أعلى الصفحة الأخيرة منها ختم كبير كتب فيه ( وقف المرحوم علي إبراهيم فصيح الحيدري ، تكية الخالدية 1309 ) وفي أسفلها ختم صغير المفهوم من كتابه ( محمد 123 ) .
وهذه النسخة هي المعتمدة وعليها جاء الترقيم في التحقيق .
2 - النسخة الثانية ( ب ) :
مخطوطة ( ملك خاص ) عدد صفحاته ( 352 ) اثنتان وخمسون وثلاثمائة فصحة في كل صفحة ( 21 ) واحد وعشرون سطرا . عدد كلمات السطر الواحد ( 14 - 19 ) كلمة ، ومقاسها 5ر25×13 سم .
وهي كاملة وخطها نسخي دقيق يتسم بالجودة ، وفي بعض صفحاتها اختلاف بالخط ، كتب في هوامش بعض صفحاتها بعض التعليقات الوجيزة .
الورقة الأولى منها عولجت بإلصاق ورقة أخرى عليها ، لتقويتها .
وقد دون في آخرها : " الحمد لله الذي وفق لإتمامه في اليوم الآخر من شهر شوال في سنة خمس بعد الألف من الهجرة النبوية صلوات الله على مهاجرها وآله . وأنا الفقير إلى رحمة مالك يوم الدين بدر الدين قطب الله رغام الحرايري الصيري عفا الله عنه وعن والديه وعن جميع المؤمنين والمؤمنات إنه كريم رحيم عفو حليم ، في زمن الاشتغال ببلد السلطنة أصفهان في مدرسة المرحوم ملا عبدالله ، والحمد لله " .
وتوجد على هذه الصفحة ستة أختام ، المقروء منها فيه ( لإبراهيم سعدي وامن )
$[1/153]
وتوجد بعض الكتابات الأخرى منها :
الخط يبقى زمانا بعد صاحبه ... ... وكاتب الخط تحت الأرض مدفون
3 - النسخة الثالثة ( ط ) :(1/100)
مخطوطة في مكتبة المتحف ببغداد ، رقمها 2827 ، عدد صفحاتها ( 432 ) اثنتان وثلاثون وأربعمائة صفحة في كل صفحة ( 17 ) سبعة عشر سطرا ، عدد كلمات السطر الواحد ( 9 - 15 ) كلمة ، وقياسها 20×14 سم .
وهي كاملة لا اختلاف فيها ، خطها نسخي متوسط الحجم والجودة على هامش بعض صفحاتها وبين أسطرها بعض التعليقات وقد دون في آخرها : تم الكتاب بعون الله الملك الوهاب حفظني الله تعالى من الخطاب والعتاب . رب اغفر لي أنك أنت الوهاب . المذنب الآثم محمد الطالقاني 1084 " .
وعلى الصفحة الأولى منها ختمان المقروء منهما فيه ( خاصة 1351 علي الخاقاني ) وتوجد عليها كتابات كثيرة .
4 - النسخة الرابعة ( م ) :
مطبوعة بالحجر ، عدد صفحاتها ( 392 ) اثنتان وتسعون وثلاثمائة صفحة ، خطها قريب من النسخ متوسط في حجمه وجودته ، في هوامشها وبين أسطرها تتزاحم الحواشي والتعليقات .
في بدايتها أعلى الصفحة بخط كبير ( هذا كتاب شرح الجامي ) .
ودون في آخرها ( قد وقع الفراغ من إتمام هذه الشريفة المسماة بشرح الجامي على يد أفقر العباد إلى الله ذي الأيد محسن العباد محمد كاظم بن المرحوم المغفور له الملا عبد العلي التبريزي ، غفر الله لهما ولوالديهما للانطباع في يوم السبت الثالث والعشرين من شهر ذي القعدة الحرام في السنة الثامنة والثمانين ومائتين بعد الألف من الهجرة النبوية على مهاجرها وآله آلاف التحية ، في دار الطباعة الخير الحاج حاجي إبراهيم وفقه الله تعالى ) .
$[1/154]
5 - النسخة الخامسة ( د ) :
مطبوعة بالحجر ، عدد صفحاتها ( 432 ) اثنتان وثلاثون وأربعمائة صفحة ، خطها نسخي جيد في هوامشها وبين أسطرها تتزاحم الحواشي والتعليقات . على غلافها مكتوب بخط كبير ( ملا جامي ) وفي بدايتها بأعلى الصفحة بخط كبير ( ملا جامي ) .(1/101)
ودون في آخرها ( الحمد لله الذي من علينا بإتمام تسويد وتحشية فوائد الضيائية أخذا من النسخ المقبولة والمأخذ بإمعان للنظر والفكر العالية ، وهذا آخر ما أردنا جمعه من التحشية ونظمه من الإيضاح مع توزيع البال وتشتت الأحوال وتفاقم الأحزان والمحن لكن الله تعالى جلت حكمته قد وفقنا لإتمامه كما أتمه علينا من البلاغة المختصر المعاني ومن المنطق قول أحمد والفناري على هذا الأسلوب المقبول بين الأنام وحقق لنا الفوز بهذا المرام .
وقد تهيأ الفراغ من نقلها إلى البياض يوم الأربعاء السابع عشر من جمادى الثاني لسنة ثلاث وثلاثمائة بعد الألف بمدينة القسطنطينية صانها الله تعالى عن الآفات والبلية . . . . . وأنا الفقير الحقير المحتاج إلى رحمة ربه القدير الشهير بدولوزادة السيد علي رضا بن عثمان الدوللي القيصري . . . . .
الحمد لمن أنعم علينا بطبع هذا الشرح اللطيف مع التحشية المتقن في القواعد والمباني المنسوب إلى الأفاضل الألمعي عبدالرحمن الجامي أنار الإله مرقده وجعل بحبوحة الجنان مضجعه ، وهو في زمن حامي البلاد ومكرم العلماء وملجأ العباد وحاسم عرق أهل الضلال والعناد ، أعني به ، السلطان الغازي عبد الحميد خان حفت رياض دولته بأزهار المعارف والعرفان في مطبعة عبد الله أفندي القريمي بالرخصة والامتياز ، وقد تصادف ختام طبعه في أوائل ربيع الأول لسنة أربع عشرة وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة ) .
وهذه النسخ الخمس بصفة عامة متقاربة في مميزاتها ومآخذها وكان اعتمادي في التحقيق عليها جميعا .
ومن الأخطاء التي اشتركت جميعها فيها تعريف النكرة وتنكير المعرفة وتذكير المؤنث وتأنيث المذكر .
وقد استأنست بثلاث نسخ أخرى ، أرجع إليها للاطمئنان على سلامة التحقيق ، من هذه النسخ مخطوطتان ، واحدة منهما في مكتبة الأوقاف ببغداد برقم ( 12207 ) والأخرى في مكتب المتحف ببغداد برقم ( 26678 ) .(1/102)
أما النسخة الثالثة فمطبوعة بالحجر طبع دار طباعة الحاج إبراهيم التبريزي طبع سنة 1293 هـ بخط محمد هاشم بن الحسين التبريزي .
$[1/163]
القسم الثاني
التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لوليه ، والصلاة على نبيه ، وعلى آله وأصحابه المتأدبين بآدابه .
أما بعد ، فهذه فوائد وافية بحل مشكلات الكافية للعلامة المشتهر في المشارق والمغارب الشيخ ابن الحاجب ، تغمده الله تعالى بغفرانه ، وأسكنه بحبوحة جنانه ، نظمتها في سلك التقرير وسمط التحرير للولد العزيز ضياء الدين يوسف ، حفظه الله سبحانه وتعالى عن موجبات التلهف والتأسف ، وسميتها بالفوائد الضيائية ، لأنه لهذا الجمع والتأليف كالعلة الغائية ، نعفه الله تعالى بها وسائر المبتدئين من أصحاب التحصيل ، وما توفيقي إلا بالله ، وهو حسبي ونعم الوكيل .
اعلم أن الشيخ رحمه الله لم يصدر رسالته هذه بحمد الله سبحانه ، بأن جعله جزءا منها هضما لنفسه بتخييل أن كتابه هذا من حيث إنه كتابه ليس ككتب السلف رحمهم الله تعالى حتى يصدر به على سننها ، ولا يلزم من ذلك عدم الابتداء
$[1/164]
به مطلقا/2/أ ، حتى يكون بتركه أقطع لجواز إتيانه بالحمد من غير أن يجعله جزءا من كتابه . وبدأ بتعريف الكلمة والكلام ، لأنه يبحث في هذا الكتاب عن أحوالهما ، فمتى لم يعرفا ، كيف يبحث عن أحوالهما ؟ وقدم الكلمة على الكلام ، لكون أفرادها جزءا من أفراد الكلام ، ومفهومها جزءا من مفهومه ، فقال :
$[1/165]
" الكلمة "
قيل : هي والكلام مشتقان من الكلم - بتسكين اللام - : وهو الجرح ، لتأثير معانيهما في النفوس كالجرح ، وقد عبر بعض الشعراء عن بعض تأثيراتها بالجرح حيث قال :
جراحات السنان لها التئام ... ... ولا يلتأم ما جرح اللسان
والكلم - بكسر اللام - : جنس لا جمع كـ ( تمر وتمرة ) بدليل قوله تعالى : { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح } .
$[1/166]
وقيل : جمع ، حيث لا يقع إلا على الثلاث فصاعدا .(1/103)
والكلم الطيب يؤول ببعض الكلم . واللام فيها للجنس والتاء للوحدة ، ولا منافاة بينهما ، لجواز اتصاف الجنس بالوحدة والواحد بالجنسية ، يقال : ( هذا الجنس واحد ) و ( ذلك الواحد جنس ) . ويمكن حملها على العهد الخارجي بإرادة الكلمة المذكورة على السنة النحاة .
" لفظ " اللفظ في اللغة : الرمي يقال : ( أكلت التمرة ولفظت النواة ) أي : رميتها ، ثم نقل في عرف النحاة ابتدءا أو بعد جعله بمعنى الملفوظ ، كـ ( الخلق ) بمعنى المخلوق إلى ما يتلفظ به الإنسان حقيقة كان أو حكما مهملا كان أو موضوعا ، مفردا كان أو مركبا . واللفظ الحقيقي كـ ( زيد ) و ( ضرب ) والحكمي : كالمنوي في ( زيد ضرب ) و ( أضرب ) ، إذ ليس من مقولة الحرف والصوت أصلا ، ولم يوضع له لفظ ، وإنما عبروا عنه /2/ب باستعارة لفظ المنفصل له من نحو : ( هو ) و ( أنت ) وأجروا عليه أحكام اللفظ ، فكان لفظا حكما لا حقيقة والمحذوف لفظ حقيقة ، لأنه قد يتلفظ به الإنسان في بعض الأحيان وكلمات الله تعالى داخله فيه ، إذ هي مما يتلفظ به الإنسان ، وعلى هذا القياس كلمات الملائكة والجن .
والدوال الأربع : وهي الخطوط والعقود والإشارات والنصب غير داخلة في اللفظ فلا حاجة إلى قيد زائد يخرجه . وإنما قال ( لفظ ) ولم يقل ( لفظة ) لأنه لم
$[1/167]
يقصد والحدة ، والمطابقة غير لازمة لعدم الاشتقاق مع كون اللفظ أخصر .
" وضع " الوضع : تخصيص شيء بشيء ، بحيث متى أطلق وأحس الشيء الأول فهم منه الشيء الثاني .
قيل : يخرج عنه وضع الحرف ، حيث لا يفهم معناه متى أطلق بل إذا أطلق مع ضم ضميمة ، وأجيب عنه بأن المراد متى أطلق إطلاقا صحيحا وإطلاق الحرف بلا ضم ضميمة غير صحيح ، ولا يبعد أن يقال : إن المراد بإطلاق الألفاظ أن يستعملها أهل اللسان في محاوراتهم وبيان مقاصدهم ، فلا حاجة إلى اعتبار قيد زائد .(1/104)
" لمعنى " المعنى : ما يقصد بشيء ، فهو إما ( مفعل ) اسم مكان بمعنى المقصد أو مصدر ميمي بمعنى ( المفعول ) أو مخفف ( معنى ) اسم المفعول ، كـ ( مرمي ) . ولما كان
$[1/168]
المعنى مأخوذا في الوضع ، فذكر المعنى بعده مبني على تجريده عنه ، فخرج به المهملات والألفاظ الدالة بالطبع ، إذ لم يتعلق بهما وضع وتخصيص أصلاه ، وبقيت حروف الهجاء الموضوعة لغرض التركيب لا بإزاء المعنى ، وخرجت بقوله ( لمعنى ) ، إذ وضعها لغرض التركيب لا بإزاء المعنى فإن قلت /3/أ قد وضع بعض الألفاظ بإزاء بعض آخر فكيف يصدق عليه أنه وضع لمعنى ؟ قلنا : المعنى ما يتعلق به القصد ، وهو أعم من أن يكون لفظا أو غيره . فإن قلت : قد وضع بعض الكلمات المفردة بإزاء الألفاظ المركبة ، كلفظ ( الجملة ) و ( الخبر ) ، فكيف يكون موضوعا لمفرد ؟ ، قلنا هذه الألفاظ وان كانت بالقياس إلى معانيها مركبة ، لكنها بالقياس إلى ألفاظها الموضوعة بإزائها مفردة . وقد أجيب عن الإشكالين : بأنه ليس هاهنا لفظ وضع بإزاء لفظ آخر كان أو مركبا بل بإزاء مفهوم كلي أفراده ألفاظ كلفظ الاسم والفعل والحرف والجملة والخبر وغيرها ، ولا يخفى عليك أن هذا الحكم منقوض بأمثال الضمائر الراجعة إلى ألفاظ مخصوصة مفردة أو مركبة ، فإن الوضع فيها وإن كان عاما لكن الموضوع له خاص فليس هناك مفهوم كلي هو الموضوع له في الحقيقة .
$[1/169](1/105)
" مفرد " وهو إما مجرور على أنه صفة لمعنى ، ومعناه حينئذ ما لا يدل جزء لفظه على جزئه ، وفيه توقف ، لأنه يوهم أ ، اللفظ موضوع للمعنى المتصف بالإفراد والتركيب قبل الوضع ، وليس الأمر كذلك ، فإن اتصاف المعنى بالإفراد والتركيب إنما هو بعد الوضع ، فينبغي أن يرتكب فيه تجوز كما يرتكب في مثل : ( من قتل قتيلا ) أو مرفوع على أنه صفة اللفظ ومعناه حينئذ ما لا يدل جزؤه على جزء معناه ، ولا بد حينئذ من بيان نكتة في إيراد أحد الوصفين جملة فعلية ، والآخر مفردا ، وكأن النكتة فيه التنبيه على تقدم الوضع على الإفراد ، حيث أتى به/3/ب بصيغة المضي بخلاف الإفراد ، وأما نصبه - وإن لم يساعده رسم الخط - فعلى أنه حال من الضمير المستكن في ( وضع ) أو من المعنى ، فإنه مفعول به بواسطة اللام ووجه
$[1/170]
صحته ، أن الوضع وإن كان متقدما على الإفراد بحسب الذات لكنه مقارن له بحسب الزمان وهذا القدر كاف لصحة الحالية ، وقيد الإفراد ، لا خراج المركبات مطلقا سواء كانت كلامية أو غير كلامية ، فيخرج به عن حد الكلمة ، مثل : ( الرجل ) و ( قائمة ) و ( بصري ) وأمثالها مما يدل جزء اللفظ منه على جزء المعنى ، لكنه يعد لشدة الامتزاج لفظة واحدة ، وأعرب بإعراب واحد . ويبقى مثل : ( عبد الله ) علما داخلا فيه مع أنه معرب بإعرابين ، ولا يخفى على الفطن العارف بالغرض من علم النحو أنه لو كان الأمر بالعكس لكان أنسب . وما أورده صاحب المفصل في تعريف الكلمة حيث قال : " هي اللفظة الدالة على معنى مفرد بالوضع " فمثل : ( عبدالله ) علما خرج
$[1/171](1/106)
عنه ، فإنه لا يقال له لفظة واحدة وبقى مثل ( الرجل وقائمة بصري ) مما يعد لشدة الامتزاج لفظة واحدة داخلا فيه ، فأخرجه بقيد الإفراد ولو لم يخرجه بتركه لكان أنسب ، كما عرفت . واعلم أن الوضع يستلزم الدلالة ، لأن الدلالة كون الشيء بحيث يفهم منه شي آخر . فمتى تحقق الوضع تحققت الدلالة . فبعد ذكر الوضع لا حاجة إلى ذكر الدلالة ، كما وقع في هذا الكتاب .
لكن الدلالة لا تستلزم الوضع لإمكان أن يكون بالعقل كدلالة لفظ ( ديز ) المسموع من وراء الجدار على وجود اللافظ وأن تكون بالطبع كدلالة لفظ ( أح أح ) على وجع الصدر . فبعد ذكر الدلالة لا بد من ذكر الوضع كما في ( المفصل ) /4/أ " وهي " أي الكلمة : " اسم وفعل وحرف " ، أي : منقسمة إلى هذه الأقسام الثلاثة ومنحصرة
$[1/172]
فيها " لأنها " أي الكلمة : لما كانت موضوعة لمعنى والوضع يستلزم الدلالة فهي " إما " من صفتها " أن تدل على معنى *كائن* في نفسها " أي : في نفس الكلمة .
والمراد بكون المعنى في نفسها أن تدل الكلمة عليه بنفسها من غير حاجة إلى انضمام كلمة أخرى إليها لاستقلاله بالمفهومية " أو " من صفتها أن " لا تدل " على معنى في نفسها بل تدل على معنى تحتاج في الدلالة عليه إلى انضمام كلمة أخرى إليها لعدم استقلاله بالمفهومية ، وسيجيء تحقيق ذلك في بيان حد الاسم إن شاء الله تعالى .
القسم " الثاني " : وهو ما لا يدل على معنى في نفسها " الحرف " كـ ( من والى ) فإنهما يحتاجان في الدلالة على معنييهما أعني : الابتداء والانتهاء إلى كلمة أخرى كـ ( البصرة والكوفة ) في قولك : ( سرت من البصرة إلى الكوفة ) . وإنما سمي هذا القسم حرفا ، لأن الحرف في اللغة : الطرف وهو في طرف ، أي : في جانب مقابل للاسم الفعل حيث يقعان عمدة في الكلام وهو لا يقع عمدة فيه كما سنعرف .(1/107)
" و " القسم " الأول " وهو ما يدل على معنى في نفسها ، " إما " من صفتها " أن يقترن " ذلك المعنى المدلول عليه بنفسها في الفهم عنها " بأحد الأزمنة الثلاثة " : الماضي والحال والاستقبال ، أي : حين يفهم ذلك المعنى عنها يفهم عنها أحد
$[1/173]
الأزمنة الثلاثة أيضاً . مقارنا له " أو " من صفتها ، أن " لا " يقترن ذلك المعنى المدلول عليه بنفسها في الفهم عنها مع أحد الأزمنة الثلاثة القسم " الثاني " : وهو ما يدل على معنى في نفسها غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة .
" الاسم " /4/ب وهو مأخوذ من السمو وهو العلو لاستعلائه على أخويه حيث يتركب منه وحده الكلام دون أخويه . وقيل من الوسم وهو العلامة ، لأنه علامة على مسماه .
" و " القسم " الأول " : وهو ما يدل على معنى في نفسها مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة .
" الفعل " : سمي به لتضمنه معنى الفعل اللغوي وهو المصدر " وقد علم بذلك " أي : بوجه حصر الكلمة في الأقسام الثلاثة " حد كل واحد منها " أي : من تلك الأقسام الثلاثة وذلك لأنه قد علم به ، أي : بوجه الحصر أن الحرف كلمة تدل على معنى في نفسها بل تحتاج إلى انضمام كلمة أخرى إليها والفعل كلمة تدل على معنى في نفسها لكنه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ، واسم كلمة تدل على معنى في نفسها لكنه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة . فالكلمة مشتركة بين الأقسام الثلاثة ، والحرف ممتاز عن أخويه بعدم الاستقلال في الدلالة ، والفعل ممتاز عن الحرف بالاستقلال وعن الاسم بالاقتران والاسم ممتاز عن الحرف بالاستقلال وعن الفعل بعدم الاقتران . فعلم لكل واحد
$[1/174]
منها معرف جامع لأفراده ، مانع عن دخول غيرها فيه .
وليس المراد بالحد هاهنا إلا المعرف الجامع المانع ، ولله درّ المصنف حيث أشار إلى حدودها في ضمن دليل الحصر ، ثم نبه عليها بقوله : وقد علم بذلك حد كل واحد منها ، ثم صرح بها فيما بعد بناء على تفاوت مراتب الطبائع .
$[1/175](1/108)
" الكلام "
في اللغة ما يتكلم به قليلا كان أو كثيراً ، وفي اصطلاح النحاة " ما تضمّن " أي : لفظ تضمن " كلمتين " ، حقيقة أو حكما ، أي : تكون كل واحدة منهما في ضمنه/5/أ . فالمتضمن - اسم فاعل - هو المجموع والمتضمن - اسم مفعول - هو كل واحدة من الكلمتين ، فلا يلزم اتحادهما . " بالإسناد " ، أي : تضمنا حاصلا بسبب إسناد إحدى الكلمتين إلى الأخرى . والإسناد نسبة إحدى الكلمتين حقيقة أو حكما إلى الأخرى بحيث تفيد المخاطب فائدة تامة . فقوله : ( ما ) لفظ يتناول المهملات والمفردات والمركبات الكلامية وغير الكلامية وبقيد ( تضمن الكلمتين ) خرجت المهملات والمفردات ، وبقيد ( الإسناد ) خرجت المركبات غير الكلامية ، مثل : ( غلام زيد ) و " ( رجل فاضل ) وبقيت المركبات الكلامية سواء كانت خبرية ، مثل : ( ضرب زيد ) و ( ضربت هند ) و ( زيد قائم ) أو إنشائية مثل : ( اضرب ) و ( لا تضرب ) .
فإن كل واحد منهما تضمن كلمتين ، إحداهما : ملفوظة ، والأخرى : منوّية ، وبينهما إسناد يفيد المخاطب فائدة تامة ، وحيث كانت الكلمتان أعم من أن تكونا كلمتين حقيقة أو حكما ، دخل في التعريف مثل : ( زيد أبوه قائم ) أو ( قائم أبوه ) أو ( قائم أبوه ) ، فإن الإخبار فيها مع أنها مركبات في حكم الكلمة المفردة أعني : ( قائم الأب ) . ودخل فيه أيضاً مثل ( جسق مهمل ) ، ( ديز مقلوب زيد ) مع أن المسند
$[1/176]
إليه فيهما مهمل ، ليس بكلمة فإنه في حكم هذا اللفظ .(1/109)
اعلم أن كلام المصنف ظاهر في أن ، نحو : ( ضربت زيدا قائما ) بمجموعة كلام بخلاف كلام صاحب المفصل ، حيث قال : " الكلام هو المركب من كلمتين أسندت إحداهما إلى الأخرى " ، فإنه صريح في أن الكلام هو ( ضربت ) فقط والمتعلقات خارجة عنه 5/ب . ثم اعلم ، أن صاحب المفصل وصاحب اللباب ذهبا إلى ترادف الكلام والجملة . وكلام المصنف أيضاً ينظر إلى ذلك . فإنه قد اكتفى في تعريف الكلام . بذكر الإسناد مطلقا ولم يقيده بكونه مقصودا لذاته . ومن جعله أخص من الجملة قيده به فحينئذ تصدق الجملة الخبرية الواقعة
$[1/177]
أخبارا أو أوصافا بخلاف الكلام . وفي بعض الحواشي : أن المراد بالإسناد هو الإسناد المقصود لذاته ، وحينئذ يكون الكلام عند المصنف أيضاً أخص من الجملة . " ولا يتأتى " أي : لا يحصل " ذلك " أي : الكلام " إلا في " ضمن " اسمين " أحدهما مسند والآخر مسند إليه " أو " في ضمن " اسم " مسند إليه " وفعل " مسند . وفي بعض النسخ ( أو في فعل واسم ) فإن التركيب الثنائي العقلي بين الأقسام الثلاثة يرتقي إلى ستة أقسام ، ثلاثة منها من جنس واحد ، اسم واسم ، فعل وفعل ، حرف وحرف . وثلاثة منها من جنسين مختلفين اسم وفعل ، اسم وحرف ، فعل وحرف . ومن البيّن ، أن الكلام لا يحصل بدون الإسناد ، والإسناد لا بد له من مسند ومسند إليه ، وهما لا يتحققان إلا في ضمن اسمين ، أو في اسم وفعل . وأما الأقسام الأربعة الباقية ، ففي الحرف والحرف كلاهما مفقودان ، وفي الفعل والفعل ، وفي الفعل والحرف المسند إليه مفقود . وفي الاسم والحرف أحدهما مفقود ، فان الاسم إن كان مسندا فالمسند إليه مفقود ، وإن كان مسندا إليه فالمسند مفقود . ونحو ( يا زيد )
$[1/178]
بتقدير : أدعو زيدا ، فلم يكون من تركيب الحرف والاسم بل من تركيب 6/أ الفعل والاسم ، الذي هو المنوي في ( أدعو ) .
$[1/179]
الاسم(1/110)
" ما دلّ " أي : كلمة دلت " على معنى " كائن في نفسه " أي : في نفس ما دلّ ، يعني : الكلمة .
فتذكير الضمير بناء على لفظ الموصول .
قال المصنف في الإيضاح شرح المفصل : الضمير في ( ما دلّ على معنى في نفسه ) يرجع إلى ( معنى ) أي : ما دل على معنى باعتباره في نفسه وبالنظر إليه في نفسه ، لا باعتبار أمر خارج عنه ، كقولك : الدار في نفسها حكمها كذا ، أي : لا باعتبار أمر خارج عنها ، ولذلك قيل : الحرف ما دل على معنى في غيره أي : حاصل في غيره ، أي : باعتبار متعلقه لا باعتباره في نفسه انتهى كلامه ، ومحصوله : ما ذكره بعض المحققين حيث قال : كما أن في الخارج موجودا قائما بذاته وموجودا قائما بغيره كذلك
$[1/180](1/111)
في الذهن معقول هو مدرك قصدا ملحوظ في ذاته ، يصلح أن يحكم عليه وبه ، ومعقول هو مدرك تبعا وآلة لملاحظة غيره ، فلا يصلح لشيء منهما . فالابتداء مثلا إذا لاحظه العقل قصدا وبالذات كان معنى مستقلا بالمفهومية ملحوظا في ذاته ، ولزمه تعقل متعلقه إجمالا وتبعا من غير حاجة إلى ذكره وهو بهذا الاعتبار مدلول لفظ الابتداء فقط ، فلا حاجة في الدلالة عليه إلى ضم كلمة أخرى إليه ليدل على متعلقه ، وهذا هو المراد بقولهم : إن للاسم والفعل معنى كائنا في نفس الكلمة الدالة عليه . وإذا لاحظه العقل من حيث هو حالة بين السير والبصرة مثلا ، وجعله آلة لتعرف حاليهما ، كان معنى غير مستقل بالمفهومية ولا يصلح أن يكون محكوما عليه وبه ولا يمكن أن يتعقل 6/ب إلا بذكر متعلقه بخصوصه ، ولا أن يدل عليه إلا بضم كلمة دالة على متعلقه بخصوصه . والحاصل ، أن لفظ ( الابتداء ) موضوع لمعنى كلي ، ولفظة ( من ) موضوعة لكل واحد من جزيئاته المخصوصة المتعلقة ، من حيث إنها حالات لمتعلقاتها ، وآلات لتعرف أحوالها ، وذلك المعنى الكلي يمكن أن يتعقل قصدا ، ويلاحظ في حد ذاته فيستقل بالمفهومية ، ويصلح أن يكون محكوما عليه ، وبه ، وأما تلك الجزيئات فلا تستقل بالمفهومية ، ولا تصلح أن تكون محكوما عليها ، أو بها ، إذ
$[1/181]
لا بد في كل منها أن يكون ملحوظا قصدا ، ليمكن أن تعتبر النسبة بينه وبين غيره ، بل تلك الجزيئات لا تتعقل إلا بذكر متعلقاتها ، لتكون آلات ، لملاحظة أحوالها ، وهذا هو المراد بقولهم : إن الحرف يدل على معنى في غيره . وإذا عرفت هذا ، علمت أن المراد بكينونة المعنى في نفسه استقلاله بالمفهومية ، وبكينونة المعنى ، في نفس الكلمة ، دلالتها عليه من غير حاجة إلى ضم كلمة أخرى إليها لاستقلاله بالمفهومية . فمرجع كينونة المعنى في نفسه وكينونته في نفس الكلمة الدالة عليه إلى أمر واحد وهو ، استقلاله بالمفهومية .(1/112)
ففي هذا الكتاب ، الضمير المجرور في ( نفسه ) ، يحتمل أن يرجع إلى ( ما ) الموصولة التي هي عبارة عن الكلمة وهذا هو الظاهر ، ليكون على طبق ما سبق في وجه الحصر من كينونة المعنى في نفس الكلمة ، ويحتمل أن يرجع إلى المعنى تنبيها على صحة إرادة كلا المعنيين ، ولكن عبارة ( المفصل ) ظاهرة في المعنى الأخير ، وهو إرجاع الضمير إلى المعنى ، لعدم مسبوقيتها بما يدل على اعتبار كينونة المعنى في نفس الكلمة/7/أ ، ولهذا جزم المصنف هناك برجوعه إلى المعنى .
ومما سبق من التحقيق ظهر أنه لا يختل حد الاسم جمعا ، ولا حد الحرف منعا بالأسماء اللازمة الإضافة ، مثل : ( ذو وفوق ، وتحت ، وقدام ، وخلف ) .
$[1/182]
إلى غير ذلك ، لأن معانيها مفهومات كلية مستقلة بالمفهومية ، ملحوظة في حد ذاتها ، ولزمها تعقل متعلقاتها إجمالا وتبعا من غير حاجة إلى ذكرها ، لكن لما جرت العادة باستعمالها في مفهوماتها مضافة إلى متعلقات مخصوصة ، لأنه الغرض من وضعها ، لزم ذكرها ، لفهم هذه الخصوصيات ، لا لأجل فهم أصل المعنى فهي دالة على معانيها المعتبرة في حد نفسها لا في غيرها ، فهي داخلة في حد الاسم خارجة عن حد الحرف . ولما كان الفعل دالا على معنى في نفسه باعتبار معناه التضمني أعني : الحدث وكان ذلك المعنى مقترنا مع أحد الأزمنة الثلاثة في الفهم عن لفظ الفعل أخرجه بقوله : " غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة " أي : غير مقترن مع أحد الأزمنة الثلاثة في الفهم عن اللفظ الدال عليه فهو صفة بعد صفة ( لمعنى ) ، فبالصفة الأولى خرج الحرف عن حد الاسم ، وبالثانية الفعل .
والمراد ( بعدم الاقتران ) أن يكون بحسب الوضع الأول ، فدخل فيه أسماء الأفعال جميعا ، لأن جميعها إما منقولة عن المصادر الأصلية سواء كان النقل فيه صريحا نحو :
$[1/183]
((1/113)
رويد ) فإنه قد يستعمل مصدرا أيضاً ، أو غير صريح نحو ( هيهات ) فإنه وإن لم يستعمل مصدرا إلا أنه على وزن ( قوقاة ) مصدر ( قوقى ) أو عن المصادر التي كانت في الأصل أصواتا نحو : ( صه ومه ) أو عن الظروف أو عن الجار والمجرور نحو : ( أمامك زيدا ) /7/ب ، و ( عليك زيدا ) فليس لشيء منها الدلالة على أحد الأزمنة الثلاثة ، بحسب الوضع الأول ، وخرج عنه الأفعال المنسلخة عن الزمان نحو : ( عسى وكاد ) لاقتران معناها به بحسب أصل الوضع ، وخرج عنه المضارع أيضاً ، فإنه على تقدير اشتراكه بين الحال والاستقبال يدل على زمانين معينين من الأزمنة الثلاثة فيدل على
$[1/184]
واحد معين أيضاً في ضمنهما إذ لا يقدح في الدلالة على واحد معين الدلالة على ما سواه ، نعم يقدح في إرادة المعين إرادة ما سواه ، وأين الدلالة من الإرادة ؟ ولما فرغ من بيان حد الاسم أراد أن يذكر بعض خواصه ليفيد زيادة معرفة به ، فقال : " ومن خواصه " منبها بصيغة جمع الكثرة على كثرتها وبـ ( من ) التبعيضية ، على أن ما ذكره بعض منها . وهي : جمع خاصة ، وخاصة الشيء ما يختص به ولا يوجد في غيره وهي ، إما شاملة لجميع أفراد ما هي خاصة له كالكاتب بالقوة للإنسان ، أو غير شاملة كالكاتب بالفعل له . فمن خواص الاسم " دخول اللام " أي : لام التعريف . ولو قال : دخول حرف التعريف لكان شاملا للميم في مثل قوله عليه السلام
$[1/185]
" ليس من امبر امصيام ، في امسفر " لكنه لم يتعرض له لعدم شهرته وفي اختياره اللام وحدها إشارة إلى أن المختار عنده ما ذهب إليه سيبويه من أن أداة التعريف هي : اللام وحدها زيدت عليها همزة الوصل لتعذر الابتداء بالساكن . وأما
$[1/186](1/114)
الخليل : فقد ذهب إلى أنها أل كـ ( هل ) والمبرد : إلى أنها الهمزة المفتوحة وحدها ، زيدت اللام للفرق بينهما وبين همزة الاستفهام وإنما اختص دخول حرف التعريف بالاسم لأنه موضوع لتعيين معنى مستقل بالمفهومية . يدل عليه/8/أ اللفظ مطابقة ، والحرف لا يدل على المعنى المستقل بالمفهومية
$[1/187]
والفعل يدل عليه تضمنا لا مطابقة وهذه الخاصة ليست شاملة لجميع أفراد الاسم ، فإن حرف التعريف لا يدخل على الضمائر ، وأسماء الإشارة وغيرها ، كالموصولات وكذلك سائر الخواص الخمس المذكورة هاهنا . " و " منها دخول " الجر " وإنما اختص دخول الجر بالاسم لأنه أثر حرف الجر في المجرور به لفظا وفي المجرور به تقديرا ، كما في الإضافة المعنوية ، ودخول حرف الجر لفظا أو تقديرا ، يختص بالاسم لأنه لإفضاء معنى الفعل إلى الاسم ، فينبغي أن يدخل الاسم ليفضي معنى الفعل إليه ، وأما الإضافة اللفظية فهي فرع للمعنوية فينبغي أن لا تخالف الأصل ، بأن تختص بما يخالف ما يختص به الأصل - أعني : الفعل - أو تزيد عليه بأن تعم الاسم والفعل .
" و " منها دخول " التنوين " بأقسامه إلا تنوين الترنم ، وسيجيء في آخر الكتاب - إن شاء الله تعالى - تعريفه وبيان أقسامه على وجه يظهر جهة اختصاص ما عدا تنوين الترنم به وجهة عدم اختصاص تنوين الترنم به . " و " منها " الإسناد إليه " هو بالرفع عطف على ( دخول ) لا على مدخوله ، لأن المتبادر من
$[1/188](1/115)
الدخول الذكر في الأول أو اللحوق بالآخر ، وكلاهما منتفيان في الإسناد وكذا في الإضافة . والمراد به كون الشيء مسندا إليه ، وإنما اختص هذا المعنى بالاسم لأن الفعل وضع لأن يكون أبدا مسندا فقط ، فلو جعل مسندا إليه لزم خلاف وضعه . " و " منها " الإضافة " أي : كون الشيء مضافا ، بتقدير حرف الجر لا بذكره لفظا . ووجه اختصاصها بالاسم اختصاص لوازمها من التعريف والتخصيص والتخفيف به . وإنما فسرنا الإضافة بكون الشيء مضافا ، لأن الفعل والجملة قد يقعان مضافا إليه ، كما في قوله تعالى : { يوم ينفع الصادقين صدقهم } وقد يقال هذا بتأويل المصدر ، أي : ( يوم نفع الصادقين ) ، فالإضافة بتقدير حرف الجر مطلقا تختص بالاسم وإنما قيدناها بقولنا : بتقدير حرف الجر ، لئلا ينتقض بمثل قولنا : مررت بزيد ، فإن ( مررت ) مضاف إلى " زيد " بواسطة حرف الجر لفظا .
" وهو " أي : الاسم قسمان : " معرب ، ومبني " لأنه لا يخلو إما أن يكون مركبا مع غيره أو ، لا ، والأول إما أن يشبه مبني الأصل أو لا ، وهذا - أعني : المركب الذي لم يشبه مبني الأصل - ، وهو المعرب ، وما عداه - أعني : غير المركب والمركب الذي يشبه مبني الأصل - مبني . " فالمعرب " الذي هو قسم من الاسم . " المركب " أي : الاسم الذي ركب مع غيره تركيبا يتحقق معه عامله ، فيدخل
$[1/189]
فيه ( زيد ، وقائم ، وهؤلاء ) في قولك : ( زيد قائم ) و ( قام هؤلاء ) بخلاف ما ليس بمركب أصلا من الأسماء المفردة المعدودة نحو : ( ألف ، با ، تا ، ثا ، زيد ، عمرو ، بكر ) وبخلاف ما هو مركب مع غيره ، لكن لا تركيبا يتحقق معه عامله ، كـ ( غلام ) ، في ( غلام زيد ) فإن جميع ذلك من قبيل المبنيات عند المصنف .(1/116)
" الذي لم يشبه " أي : لم يناسب مناسبة مؤثرة في منع الإعراب " مبني الأصل " أي : المبني الذي هو الأصل في البناء . فالإضافة بيانيه ، وهو الماضي والأمر بغير اللام والحرف . وبهذا القيد خرج مثل ( هؤلاء ) في مثل ( قام هؤلاء ) لكونه مشابها لمبني الأصل كما سيجيء في بابه إن شاء الله تعالى .
اعلم أن صاحب الكشاف جعل الأسماء المعدودة العارية عن المشابهة المذكورة معربة . وليس النزاع في المعرب الذي هو اسم مفعول من قولك : ( أعربت الكلمة ) فإن ذلك لا يحصل إلا بإجراء الإعراب على آخر الكلمة بعد التركيب ، بل النزاع في المعرب اصطلاحا ، فاعتبر العلاّمة مجرد الصلاحية ، لاستحقاق
$[1/190]
الإعراب بعد التركيب ، وهو الظاهر من كلام الإمام عبد القاهر واعتبر المصنف مع وجود الصلاحية حصول الاستحقاق بالفعل ، ولهذا أخذ التركيب في تعريفه ، وأما وجود الإعراب بالفعل في كون الاسم معربا ، فلم يعتبره أحد . ولذلك يقال : لم تعرب الكلمة وهي معربة . وإنما عدل المصنف عما هو مشهور عند الجمهور من أن المعرب : ما اختلف آخره باختلاف العوامل ، لأن الغرض من تدوين علم النحو أن يعرف به أحوال أواخر الكلم في التركيب من لم يتتبع لغة العرب ، ولم يعرف أحكامها بالسماع منهم ، فإن العارف بأحكامها ، كذلك مستغن عن النحو ولا فائدة له معتدا بها في معرفة اصطلاحاتهم .
$[1/191](1/117)
فالمقصود من معرفة المعرب مثلا ، أن يعرف أنه مما يختلف آخره في كلامهم ليجعل آخره مختلفا فيطابق كلامهم . فمعرفته متقدمة على معرفة أنه مما يختلف آخره ، فلو كان معرفته المتقدمة حاصلة بمعرفة هذا الاختلاف وتعريفه به ، وجب أن يعرف أولا بأنه مما يختلف آخره في كلام العرب ، ليعرف أنه مما يختلف آخره فيلزم تقدم الشيء على نفسه . فينبغي أن يعرف أولا بغير ما عرفه به الجمهور ويجعل ما عرفوه به من جملة أحكامه كما فعله المصنف . و " حكمه " أي : من جملة أحكام المعرب ، وآثاره المترتبة عليه من حيث هو معرب ، " أن يختلف آخره " أي : الحرف الذي هو آخر المعرب ذاتا ، بأن يتبدل حرف بحرف آخر حقيقة أو حكما ، إذا كان إعرابه بالحروف أو صفة بأن يتبدل صفة بصفة أخرى حقيقة أو حكما ، إذا كان إعرابه بالحركة . " باختلاف العوامل " أي : بسبب اختلاف العوامل الداخلة عليه في العمل ، بأن يعمل بعض منها خلاف ما يعمل البعض الآخر ، وإنما خصصنا اختلافها بكونه في العمل ، لئلا ينتقض بمثل قولنا : " إن زيدا مضروب " " وإني ضربت زيدا " ، و " إني ضارب زيدا " فإن العامل في ( زيد ) في هذه الصور مختلف بالاسمية والفعلية والحرفية مع أن آخر المعرب لم يختلف باختلافه .
$[1/192]
" لفظا أو تقديرا " نصب على التمييز - أي : يختلف لفظ آخره ، أو تقديره - أو على المصدرية ، أي : يختلف اختلاف لفظ أو تقدير . والاختلاف لفظا كما في قولك : ( جاءني زيد ) و ( رأيت زيدا ) و ( ومررت بزيد ) وتقديرا كما في قولك : ( جاءني فتى ) و ( رأيت فتى ) و ( مررت بفتى ) . فإن أصله فتى . وفتيا وفتي .(1/118)
قلبت الياء ألفا ، فصار الإعراب تقديريا ، والاختلاف اللفظي والتقديري أعم من أن يكون حقيقة ، أو حكما كما أشرنا إليه ، لئلا ينتقض بمثل قولنا : رأيت أحمد ، ومررت بأحمد ، وقولنا : رأيت مسلمين ومررت بمسلمين ، مثنى أو مجموعا ، فإنه قد اختلف العوامل فيه ، ولا اختلاف في آخر ( أحمد ) حقيقة بل حكما ، فإن فتحة أحمد بعد الناصب علامة النصب وبعد الجار علامة الجر ، وكذا الحال في التثنية والجمع ، فآخر المعرب في هذه الصور يختلف باختلاف العوامل حكما لا حقيقة . فإن قلت : لا يتحقق الاختلاف لا في آخر المعرب ولا في العوامل إذا ركب بعرض الأسماء المعدودة غير المشابهة لمبني الأصل مع عامله ابتداء ، إذ لا يترتب عليه/10/أ اختلاف الإعراب بل هناك حدوث الإعراب بدخول العامل . قلت : هذا حكم آخر من أحكام المعرب ، والاختلاف حكم آخر فلو لم يدخل أحد الحكمين في الآخر ، لا فساد فيه . فإن للمعرب أحكاما كثيرة لم تذكر هاهنا ، فليكن هذا الحكم أيضاً من هذا
$[1/193]
القبيل ، غاية الأمر أن هذا الحكم لا يكون من خواصه الشاملة .(1/119)
" الإعراب : ما " أي : حركة أو حرف " اختلف آخره " أي : آخر المعرب من حيث هو معرب ذاتا أو صفة " به " ، أي : بتلك الحركة أو الحرف ، وحين يراد بـ ( ما ) الموصولة ، الحركة أو الحرف ، لا يرد العامل والمقتضى . ولو أبقيت على عمومها خرجا بالسببية المفهومة من قوله : ( به ) فإن المتبادر من السبب هو السبب القريب . والعمال ، والمقتضى من الأسباب البعيدة . وبقيد الحيثية خرج حركة نحو ( غلامي ) ، لأنه معرب على اختيارا لمصنف ، لكن اختلاف هذه الحركة على آخر المعرب ، ليس من حيث إنه معرب بل من حيث إنه ما قبل ياء المتكلم وبهذا القدر تم حد الإعراب جمعا ومنعا ، ولكن المصنف أراد أن ينبه على فائدة اختلاف وضع الإعراب فضم إليه قوله : ( ليدل على المعاني المعتورة عليه ) وكأنه أراد هذا المعنى حيث قال : ليس هذا من تمام الحد ، لا أنه خارج عن الحد ، واللام في ( ليدل ) متعلق بأمر خارج عن هذا من تمام الحد ، لا أنه خارج عن الحد ، واللام في ( ليدل ) متعلق بأمر خارج عن الحد ، يعني : وضع الإعراب المفهوم من فحوى الكلام ، فإنه بعيد عن الفهم غاية البعد .
$[1/194]
فاللام فيه متعلق بقوله : ( اختلف آخره ) ، يعني : اختلف آخره " ليدل " الاختلاف أو ما به الاختلاف .
" على المعاني " ، يعني : الفاعلية والمفعولية والإضافة " المعتورة " ، على صيغة 10/ب اسم الفاعل " عليه " ، أي : على المعرب متعلق بمعتورة على تضمين مثل معنى الورود والاستيلاء .(1/120)
يقال : اعتوروا الشيء وتعاوروه ، إذا تداولوه ، أي : أخذه جماعة ، واحد بعد واحد على سبيل المناوبة والبدلية ، لا على سبيل الاجتماع . فإذا تداولت المعاني المختلفة ، المقتضية للإعراب على المعرب متعاقبة ، متناوبة غير مجتمعة لتضادها ، ينبغي أن تكون علاماتها أيضاً كذلك ، فوقع بسببها اختلاف في آخر المعرب . فوضع أصل الإعراب ، للدلالة على تلك المعاني ووضع بحيث يختلف به آخر المعرب لاختلاف تلك المعاني . وإنما جعل الإعراب في آخر الاسم المعرب ، لأن نفس الاسم
$[1/195]
يدل على المسمى والإعراب يدل على صفته .
ولا شك أن الصفة متأخرة عن الموصوف ، فالأنسب أن يكون الدال عليها أيضاً متأخرا عن الدال عليه ، وهو مأخوذ من أعربه إذا أوضحه . فإن الإعراب يوضح المعاني المقتضية . أو من ( عربت معدته ) إذا ( فسدت ) ، على أن تكون الهمزة للسلب فيكون معناه حينئذ ، إزالة الفساد ، سمي به ، لأنه يزيل فساد التباس بعض المعاني ببعض .
$[1/196]
" وأنواعه " ، أي : أنواع إعراب الاسم ثلاثة : " رفع ، ونصب ، وجر " هذه الأسماء الثلاثة مختصة بالحركات والحروف الإعرابية ولا تطلق على الحركات البنائية أصلا بخلاف ( الضمة ، والفتحة ، والكسرة ) فإنها مستعملة في الحركات البنائية غالبا ، وفي الحركات الإعرابية على قلة " فالرفع " حركة كان أو حرفا " علم الفاعلية " ، أي : علامة كون الشيء فاعلا حقيقة أو حكما ليشمل الملحقات به والجر " حركة كان أو حرفا " علم الإضافة " أي : علامة كون الشيء مضافا إليه .
وإذا كانت الإضافة نفسها مصدرا لم يحتج إلى إلحاق الياء
$[1/197]
المصدرية إليها كما في الفاعلية والمفعولية . وإنما اختص الرفع بالفاعل والنصب بالمفعول ، لأن الرفع ثقيل ، والفاعل قليل لأنه واحد فأعطى الثقيل للقليل ، والنصب خفيف والمفاعيل كثيرة ، لأنها خمسة ، فأعطى الخفيف للكثير . ولما لم يبق للمضاف إليه علامة غير الجر جعل علامة له .(1/121)
" والعامل " ، لفظيا كان أو معنويا " ما به يتقوم " أي : يحصل " المعنى المقتضي " أي : معنى من المعاني المعتورة على المعرب المقتضية " للإعراب " ففي ( جاءني زيد ) ، جاء : عامل إذ به حصل معنى الفاعلية في ( زيد ) فجعلا لرفع علامة لها وفي ( رأيت زيدا ) ، رأيت : عامل إذ به حصل معنى المفعولية في ( زيد ) فجعل النصب علامة لها ، وفي ( مررت بزيد ) ، الباء : عامل إذ به حصل معنى الإضافة في ( زيد ) ، فجعل الجر علامة لها . " فالمفرد المنصرف " ، أي : الاسم المفرد الذي لم يكن مثنى ولا مجموعا ولا غير منصرف كـ ( زيد ، ورجل ) " و " وكذا " الجمع المكسر المنصرف " أي : الاسم الذي لم يكن بناء الواحد فيه سالما ولم يكن غير منصرف كـ ( رجال ، وطلبة ) .
فالإعراب في هذه القسمين من الاسم على الأصل ، من وجهين : أحدهما أن الأصل في الإعراب أن يكون بالحركة والإعراب فيهما بالحركة . وثانيهما : أنه إذا كان 11/ب الإعراب بالحركة فالأصل أن يكون بالحركات الثلاث في الأحوال الثلاث والإعراب
$[1/198]
فيهما بالحركات الثلاث في الأحوال الثلاث فالإعراب فيهما " بالضمة رفعا " أي : حالة الرفع " والفتحة نصبا " أي : حالة النصب ، " والكسرة جرا " أي : حالة الجر ، فنصب قوله ( رفعا ونصبا وجرا ) على الظرفية بتقدير مضاف ويحتمل النصب على الحالية أو المصدرية . فالقسم الأول مثل : ( جاءني رجل ) و ( رأيت رجلا ) و ( مررت برجل ) والقسم الثاني : مثل ( جاءني طلبة ) ، و ( رأيت طلبة ) و ( مررت بطلبة ) .
$[1/199]
" جمع المؤنث السالم "
وهو ما يكون بالألف والتاء . واحترز به عن المكسر ، فإنه قد علم . " بالضمة " رفعا ، " والكسرة " نصبا وجرا .(1/122)
فإن النصب فيه تابع للجر إجراء للفرع على وتيرة الأصل الذي هو ( جمع المذكر السالم ) : فإن النصب فيه تابع للجر كما سيجيء ذكره ، مثل ( جاءتني مسلمات ) و ( رأيت مسلمات ) و ( مررت بمسلمات ) " غير المنصرف بالضمة " رفعا ، " والفتحة " نصبا وجرا . فالجر فيه تابع للنصب . كما سنذكره ، نحو : جاءني أحمد ، ورأيت أحمد ، ومررت بأحمد .
" أخوك ، وأبوك ، وحموك " بكسر الكاف ، لأن الحم قريب من المرأة من جانب زوجها ، فلا يضاف إلا إليها . " وهنوك " والهن : الشيء المنكر الذي يستهجن ذكره ، كالعورة ، والصفات الذميمة ، والأفعال القبيحة . وهذه الأسماء الأربعة منقوصات واوية . " وفوك " وهو أجوف واوي ، لامه هاء ، إذ أصله " فوه ، وذو مال " وهو ( لفيف مقرون بالواوين ، إذ أصله ( ذوو ) وإنما أضيف ( ذو ) إلى الاسم الظاهر دون الكاف
$[1/200]
لأنه لا يضاف إلا إلى أسماء 12/أ الأجناس . فإعراب هذه الأسماء الستة بالواو رفعا ، والألف نصبا والياء جرا ولكن لا مطلا بل حال كونها مكبرة إذ مصغراتها معربة بالحركات نحو : جاءني أخيّك ورأيت أخيّك ، ومررت بأخيّك . وموحدة ، إذ المثنى والمجموع منها معرب بإعراب التثنية ، والجمع . وإنما لم يصرح بهذين القيدين اكتفاء بالأمثلة .
" مضافة " ، لأنها كانت مكبرة ، وموحدة ولم تكن مضافة أصلا ، فإعرابها بالحركات نحو : جاءني أخ ، ورأيت أخا ، ومررت بأخ ، فينبغي أن تكون مضافة ولكن " إلى غير ياء المتكلم " ، لأنها إذا كانت مضافة إلى ياء المتكلم فحالها كسائر الأسماء المضافة إليها . ولم يكتف في هذا الشرط بالمثال ، لئلا يتوهم اشتراط إضافتها بكونها إلى الكاف . وإنما جعل إعراب هذه الأسماء بالحروف لأنهم لما جعلوا إعراب المثنى وجمع المذكر السالم بالحروف أرادوا أن يجعلوا إعراب بعض الآحاد أيضاً
$[1/201](1/123)
كذلك ، لئلا يكون بينهما وبين الآحاد وحشه ومنافرة تامة . وإنما اختاروا أسماء ستة ، لأن إعراب كل من المثنى والمجموع ثلاثة فجعلوا في مقابلة كل إعراب اسما . وإنما اختاروا هذه الأسماء الستة ، لمشابهتها المثنى والمجموع في كون معانيها منبئة عن تعدد ولوجود حرف صالح للإعراب في أواخرها ، حين الإعراب سماعا ، بخلاف سائر الأسماء المحذوفة الأعجاز كـ ( يد ، ودم " فإنه لم يسمع فيها من العرب إعادة الحروف المحذوفة عند الإعراب .
$[1/202]
" المثنى " /12/ب وما يلحق به :
" و " هو " كلا " ، وكذا ( كلتا ) ولم يذكره لكونه فرع ( كلا ) .
" مضافا " ، أي : حال كون ( كلا أو كلتا ) مضافا " إلى مضمر " .
وإنما قيد بذلك لأن ( كلا ) باعتبار لفظه ( مفرد ) وباعتبار معناه ( مثنى ) فلفظه يقتضي الإعراب بالحركات ، ومعناه يقتضي الإعراب بالحروف ، فروعي فيه كلا الاعتبارين فإذا أضيف إلى المظهر الذي هو الأصل ، روعي فيه جانب لفظه الذي هو الأصل وأعرب بالحركات التي هي الأصل ، لكن تكون حركاته تقديرية ، لأن آخره ألف تسقط بالتقاء الساكنين نحو ( جاءني كلا الرجلين ) و ( رأيت كلا الرجلين ) و ( مررت بكلا الرجلين ) . وإذا أضيف إلى المضمر الذي هو الفرع ، روعي جانب معناه الذي هو الفرع ، وأعرب بالحروف التي هي الفرع ، نحو ( جاءني كلاهما ) و ( رأيت كليهما ) و ( مررت بكليهما ) ، فلذلك قيد كون إعرابه بالحروف بكونه مضافا إلى مضمر . " واثنان " وكذا ( اثنتان وثنتان ) فإن هذه الألفاظ وإن كانت مفردة لكن صورتها صورة التثنية ، ومعناه معنى التثنية فألحقت بها " بالألف " رفعا ، " والياء " المفتوح ما قبلها نصبا وجرا كما سيجيء .
$[1/203]
" جمع المذكر السالم "(1/124)
والمراد به ما سمي به اصطلاحا ، وهو الجمع بالواو والنون ، أو بالياء والنون فيدخل فيه نحو : ( سنين ، وارضين ) مما لم يكن واحده مذكرا يجمع بالواو والنون . " و " ما ألحق به - وهو " ألو " جمع ( ذو ) لا عن لفظه و " عشرون وأخواتها " . أي نظائرها السبع وهي ( ثلاثون إلى تسعين ) وليس ( عشرون ) جمع عشرة ولا ( ثلاثون ) جمع ثلاثة ، وإلا صح إطلاق ( عشرين ) على ( ثلاثين ) ، لأنه ثلاثة13/أ مقادير العشرة ، وإطلاق ثلاثين على التسعة لأنه ثلاثة مقادير الثلاثة وعلى هذا القياس البواقي ، وأيضاً هذه الألفاظ تدل على معان معينة ، ولا تعيين في الجمع . فأعربها
$[1/204]
" بالواو " رفعا " والياء " نصبا وجرا . وإنما جعل إعراب المثنى مع ملحقاته والجمع مع ملحقاته بالحروف ، لأنهما فرعان للواحد . وفي آخرهما حرف يصلح للإعراب وهو علامة التثنية والجمع .
فناسب أن يجعل ذلك الحرف إعرابهما ليكون إعرابهما فرعا لإعرابه كما إنهما فرعان له ، لأن الإعراب بالحروف فرع الإعراب بالحركة . ولما جعل إعرابهما بالحروف ، وكان حروف الإعراب ثلاثة ، وإعرابهما ستة ، ثلاثة للمثنى وثلاثة للمجموع فلو جعل إعراب كل واحد مهما بتلك الحروف الثلاثة لوقع الالتباس ولو خص المثنى بها بقي المجموع بلا إعراب ولو خص المجموع بها بقي المثنى بلا إعراب فوزعت عليهما بأن جعلوا الألف علامة الرفع في المثنى لأنه الضمير المرفوع للتثنية في الفعل نحو : ( يضربان ، وضربا ) . والواو علامة الرفع في المجموع ، لأنه الضمير المرفوع للجمع في الفعل نحو ( يضربون وضربوا ) وجعلوا إعرابهما بالياء حال الجر على الأصل ، وفرقوا بينهما بأن فتحوا ما قبل الياء في التثنية ، لخفة الفتحة وكثرة التثنية وكسروه في الجمع ، لثقل الكسرة
$[1/205]
وقلة الجمع وحملوا النصب على الجر لا على الرفع لمناسبة النصب الجر ، لوقوع كل منهم فضلة في الكلام .(1/125)
ولما فرغ من تقسيم الإعراب إلى الحركة والحرف ، وبيان مواضعهما المختلفة شرع في بيان مواضع/13/ب الإعراب اللفظي والتقديري اللذين أشير إلى تقسيمه إليهما فيما سبق ولما كان التقديري أقل ، أشار إليه أولا ثم بين أن اللفظي ما عداه ، فقال : " التقدير " : أي : تقدير الإعراب - " فيما " أي : في الاسم المعرب ، الذي " تعذر " الإعراب فيه ، أي : امتنع ظهوره في لفظه وذلك إذا لم يكن الحرف الذي هو محل الإعراب قابلا للحركة الإعرابية ، كما في الاسم المعرب بالحركة الذي في آخره ألف مقصورة سواء كانت موجودة في اللفظ كـ ( العصا ) بلام التعريف أو محذوفة بالتقاء الساكنين " كـ ( عصا ) " بالتنوين فإن الألف المقصورة في الصورتين غير قابلة للحركة ،
$[1/206]
" و " كما في الاسم المعرب بالحركة ، المضاف إلى ياء المتكلم ، نحو : " غلامي " فإنه لما اشتغل ما قبل ياء المتكلم بالكسرة المناسبة قبل دخول العامل ، امتنع أن يدخل غليه حركة أخرى بعد دخوله ، موافقة لها ، أو مخالفة .
فما ذهب إليه بعض ، من أن إعراب مثل هذا الاسم في حالة الجر لفظي ، غير مضي . " مطلقا " ، أي : في الأحوال الثلاث يعني : كون الإعراب تقديريا في هذين النوعين من الاسم المعرب ، إنما هو في جميع الأحوال غير مختص ببعضها . " أو
$[1/207](1/126)
استثقل " عطف على قوله ( تعذر ) ، أي : تقدير الإعراب فيما تعذر أو في الاسم الذي استثقل ظهور الإعراب في لفظه ، وذلك إذا كان في محل الإعراب قابلا للحركة الإعرابية ، ولكن يكون ظهوره في اللفظ ثقيلا على اللسان ، كما في الاسم الذي في آخره ياء مكسور ما قبلها ، سواء كانت محذوفة بالتقاء الساكنين " كـ ( قاض ) " أو غير/14/أ محذوفة كـ ( القاضي ) " رفعا وجرا " أي : في حالتي ( الرفع والجر ) لا في حالة ( النصب ) ، لاستثقال الضمة والكسرة على الياء دون الفتحة . " ونحو مسلميّ " عطف على قوله كـ ( قاض ) ، يعني : تقدير الإعراب للاستثقال ، قد يكون في الإعراب بالحركة ، وقد يكون في الإعراب بالحروف نحو ( مسلميّ ) بخلاف تقدير الإعراب للتعذر ، فإنه مختص بالإعراب بالحركة . " رفعا " يعني تقدير الإعراب في نحو ( مسلمي ) إنما هو في حالة الرفع فقط دون النصب والجر ، نحو ( جاءني مسلميّ ) ، فإن أصله ( مسلمون ) بسقوط النون بالإضافة ، فاجتمع الواو والياء ، والسابق منهما سكان فانقلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء في الياء وكسر ما قبل الياء ، فلم تبق علامة الرفع التي هي الواو في اللفظ ، فصار الإعراب في حالة الرفع ( تقديريا ) بخلاف حالتي النصب والجر فإن الإدغام لا يخرج الياء عن حقيقتها ، فإن الياء المدغمة أيضاً ياء . وقد يكون الإعراب بالحروف تقديريا في الأحوال الثلاث في مثل ( جاءني أبو القوم ) و ( رأيت أبا القوم ) و ( مررت بأبي القوم ) ، فإنه لما سقط حروف الإعراب عن اللفظ بالتاء الساكنين لم يبق الإعراب ( لفظا ) بل صار ( تقديريا ) . " واللفظي " أي : الإعراب المتلفظ به . " فيما عداه " يعني فيما عدا ما ذكر مما تعذر فيه الإعراب أو استثقل .
$[1/208]
" غير المنصرف "(1/127)
" ما " أي : اسم معرب " فيه علتان " تؤثران باجتماعهما واستجماع شرائطهما فيه أثرا سيجيء ذكره . " من " علل " تسع أو " علة " واحدة منها " أي : من تلك التسع " تقوم " هذه العلة الواحدة " مقامها " أي : مقام هاتين العلتين بأن تؤثر وحدها تأثيرهما . " وهي " أي : العلل التسع مجموع ما في هذين البيتين ومن الأمور التسعة ، لا كل واحد منها حتى يقال لا يصح الحكم على العلل التسع بكل واحد من هذه الأمور ، وذلك المجموع :
" عدل ووصف وتأنيث ومعرفة ... ... وعجمة ثم جمع ثم تركيب "
$[1/209]
والعدول في عطف هاتين العلتين من الواو إلى ( ثم ) لمجرد المحافظة على الوزن :
" والنون زائدة من قبلها ألف ... ... ووزن فعل وهذا القول تقريب "
فقوله زائدة ، منصوب على أنه حال ، إذ المعنى : ويمنع النون الصرف حال كونها زائدة ، وقوله : ( ألف ) فاعل الظرف - أعني : من قبلها - أو مبتدأ وخبره الظرف المتقدم عليه . ولا يخفى أنه لا يفهم من هذا التوجيه زيادة الألف ، مع أنها أيضاً زائدة ، ولهذا يعبر عنهما بالألف والنون الزائدتين ، ولو جعل ( الألف ) فاعلا لقوله ( زائدة ) والظرف متعلقا بالزيادة ، وأريد بزيادة الألف قبل النون اشتراكهما في وصف الزيادة ، وتقدم الألف عليها في هذا الوصف ، لفهم زيادتهما جميعا . وهذا كما إذا قلت : جاءني زيد راكبا من قبله أخوه ، فإنه يدل على اشتراكهما في وصف الركوب ، وتقدم أخيه عليه في هذا الوصف . وقوله : ( وهذا القول تقريب ) يعني : أن ذكر15/أ العلل بصورة النظم تقريب لها إلى الحفظ لأن حفظ النظم أسهل ، أو القول بأن كل واحد من الأمور التسعة عل’ ، قول تقريبي لا تحقيقي ، إذ العلة في الحقيقة اثنان منها لا واحد ، أو القول بأنها تسع تقريب لها إلى الصواب ، لأن في عددها خلافا ، فقال بعضهم : إنها تسع ، وقال بعضهم : إنها اثنتان ، وقال بعضهم : إنها
$[1/210](1/128)
إحدى عشرة ، ولكن القول بأنها تسع تقريب لها إل ما هو صواب من المذاهب الثلاثة ، ثم أنه ذكر أمثلة العلل المذكورة على ترتيب ذكرها في البيتين فقال : " مثل : عمر " مثال للعدل " وأحمر " مثال للوصف ، " وطلحة " مثال للتأنيث " وزينب " مثال للمعرفة وفي إيراد ( زينب ) مثالا للمعرفة بعد ( طلحة ) إشارة إلى قسمي التأنيث اللفظي والمعنوي " وإبراهيم " مثال للعجمة " ومساجد " مثال للجمع " ومعد يكرب " مثال للتركيب " وعمران " مثال للألف والنون " وأحمد " مثال لوزن الفعل . " وحكمه " أي وحكم غير المنصرف والأثر المترتب عليه من حيث اشتماله على علتين أو علة واحدة منها تقوم مقامهما " أن لا كسر " فيه " ولا تنوين " وذلك لأن لكل علة فرعية ، فإذا وقع في اسم علتان حصل فيه فرعيتان : يشبه الفعل من حيث أن له فرعيتين بالنسبة إلى الاسم :
أحداهما : افتقاره إلى الفاعل .
وأخراهما : اشتقاقه من المصدر .
فمنع منه الإعراب المختص بالاسم وهو الجر والتنوين الذي هو علامة التمكن وإنما قلنا :
إن لكل علة فرعية ، لأنه العدل فرع المعدول عنه والوصف فرع الموصوف والتأنيث15/ب فرع التذكير ، لأنك تقول : قائم ، ثم تقول : قائمة ، والتعريف فرع التنكير لأنك
$[1/211](1/129)
تقول : رجل ، ثم تقول : الرجل ، والعجمة في كلام العرب فرع العربية إذ الأصل في كل كلام أن لا يخالطه لسان آخر ، والجمع فرع الواحد والتركيب فرع الإفراد ، والألف والنون الزائدتين فرع ما زيدتا عليه ، ووزن الفعل فرع ووزن الاسم ، لأن أصل كل نوع أن لا يكون فيه الوزن المختص بنوع آخر ، فإذا وجد فيه هذا الوزن كان فرعا لوزنه الأصلي " ويجوز " أي : لا يمتنع سواء كان ضروريا أو غير ضروري " صرفه " أي : جعله في حكم المنصرف بإدخال الكسر والتنوين فيه لا جعله منصرفا حقيقة فإن غير المنصرف عند المصنف ما فيه علتان أو واحدة تقوم مقامها وبإدخال الكسر والتنوين لا يلزم خلو الاسم عنهما وقيل : المراد بالصرف هاهنا معناه اللغوي لا الاصطلاحي الضمير في ( صرفه ) راجع إلى ( حكمه ) " للضرورة " أي : لضرورة وزن الشعر أو رعاية القافية فإنه إذا وقع غير المنصرف في الشعر فكثيراً ما يقع من منع صرفه
$[1/212]
انكسار يخرجه عن الوزن ، أو انزحاف يخرجه عن السلاسة ، أما الأول فكقوله : -
صبت عليّ مصائب لو أنها ... ... صبت على الأيام صرن لياليا
وأما الثاني فكقوله :
أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره ... ... هو المسك ما كررته يتضوع
فإنه لو فتح نون ( نعمان ) من غير تنوين يستقيم الوزن ولكن يقع فيه زحاف يخرجه عن السلاسة كما يحكم به سلامة الطبع ، فإن قلت : الاحتراز عن الزحاف ليس بضروري ، فكيف يشمله/16/أ قوله : للضرورة . قلنا : الاحتراز عن بعض الزحافات إذا أمكن الاحتراز عنه ضروري عند الشعراء ، وأما الضرورة الواقعة لرعاية القافية ، فكما في قوله :
سلام على خير الأنام وسيد ... ... حبيب إله العالمين محمد
بشير نذير هاشمي مكرم ... ... عطوف رؤوف من يسمى بأحمد
$[1/213](1/130)
فإنه لو قال : ( بأحمد ) - بفتح الدال لا يخل بالوزن ولكنه يخل بالقافية فإن حرف الروي في سائر الأبيات ، الدال المكسورة " أو للتناسب " أي : ويجوز صرف غير المنصرف ، ليحصل التناسب بينه وبين المنصرف ، لأن رعاية التناسب بين الكلمات أمر مهم عندهم وإن لم يصل إلى حد الضرورة .
" مثل : سلاسلا وأغلالا " حيث صرف ( سلاسلا ) ليناسب المنصرف الذي يليه - أعني ( أغلالا ) - فقوله : ( سلاسلا وأغلالا ) مثال لمجموع غير المنصرف الذي صرف ، والمنصرف الذي صرف غير المنصرف لتناسبه " وما يقوم مقامهما " أي : العلة الواحدة التي تقوم مقام العلتين من العلل التسع ، علتان مكررتان قامت كل واحدة منهما مقام علتين لتكررهما . أحداهما : " الجمع " البالغ إلى صيغة منتهى الجموع ، فإنه قد تكرر فيه الجمعية حقيقة كـ ( أكالب ) و ( أساور ) و ( أناعيم ) أو حكما كالجموع الموافقة لها في عدد الحروف والحركات والسكنات كـ ( مساجد ) و ( مصابيح ) .
وثانيهما : التأنيث لكن لا مطلقا بل بعض أقسامه ( و ) هو " ألفا التأنيث " المقصورة
$[1/214]
والممدودة أي : كل واحدة منهما كـ ( حبلى ) و ( حمراء ) لأنهما لازمتان للكلمة وضعا ، لا تفارقانها أصلا/16/ب فلا يقال في ( حبلى ) : حبل ولا في ( حمراء ) : حمر فيجعل لزومهما للكلمة بمنزلة تأنيث آخر ، فصار التأنيث مكررا ، بخلاف التاء فإنها ليست لازمة للكلمة بحسب أصل الوضع ، فإنها وضعت فارقة بين المذكر والمؤنث ، فلو عرض اللزوم لها بعارض كالعلمية مثلا ، لم يقو قوة اللزوم الوضعي . " فالعدل " مصدر مبني للمفعول أي : كون الاسم معدولا " خروجه " أي : خروج الاسم ، أي : كونه مخرجا " عن صيغته الأصلية " أي : عن صورته التي يقتضي الأصل والقاعدة أن يكون ذلك الاسم عليها ، ولا يخفى عليك أن صيغة المصدر ليس صيغة المشتقات ، فبإضافة الصيغة إلى ضمير الاسم خرجت المشتقات كلها .!!!!!!!تدقيق إملائي!!!!!!!!!!
$[1/215](1/131)
وان المتبادر من خروجه عن صيغته الأصلية أن تكون المادة باقية ، والتغيير إنما وقع في الصورة فقط ، فلا ينتفض بما حذف عنه بعض الحروف كالأسماء المحذوفة الاعجاز مثل ( يد ودم ) فإن المادة ليست باقية فيهما ، وأن خروجه عن صيغته الأًصلية يستلزم دخوله في صيغة أخرى - أي : مغايرة للأولى - ولا يبعد أن يعتبر مغايرتها لها في كونها غير داخلة تحت أصل وقاعدة كما كانت الأولى داخلة تحته ، فخرجت عنه المغيرات القياسية . وأما المغيرات الشاذة فلا نسلم أنها مخرجة عن الصيغ الأًصلية فإن الظاهر أن مثل : ( أقوس ) و ( أنيب ) من الجموع الشاذة ليس مخرجة عما هو القياس فيهما - أعني : ( أقواس ) و ( أنيابا ) بل إنما جمع ( القوس ) و ( الناب ) ابتداء على ( أقوس ) و ( أنيب ) على خلاف القياس من غير أن يعتبر جمعهما أولا على ( أقواس ) و ( أنياب ) وإخراج ( أقوس ) و ( أنيب ) عنهما 17/أ .
وقال بعض الشارحين : قد جوز بعضهم تعريف الشيء بما هو أعم منه إذا كان المقصود منه تمييزه عن بعض ما عداه ، فيمكن أن يقال : المقصود هاهنا تمييز العدل عن سائر العلل لا عن كل ما عداه ، فحيث حصل بتعريفه هذا التمييز لا بأس بكونه أعم منه
$[1/216]
فحينئذ لا حاجة في تصحيح هذا التعريف إلى ارتكاب تلك المتكلفات .
واعلم أنا نعلم قطعا أنهم لما وجدوا ( ثلاث ومثلث وأخر وجمع وعمر ) غير منصرف ولم يجدوا فيها سببا ظاهرا غير الوصفية أو العلمية احتاجوا إلى اعتبار سبب آخر ، ولما لم يصلح للاعتبار إلى العدل ، اعتبروه فيها لا انهم تنبهوا للعدل فيما عدا ( عمر ) من هذه الأمثلة . فجعلوه غير المنصرف ، للعدل ، وسبب آخر . ولكن لا بد في
$[1/217]
اعتبار العدل من أمرين : أحدهما : وجود أصل للاسم المعدول . وثانيهما : اعتبار اخراجه عن ذلك الأصل إذ لا تتحقق الفرعية بدون اعتبار ذلك الاخراج .(1/132)
ففي بعض تلك الأمثلة يوجد دليل غير منع الصرف يدل على وجود الأصل المعدول عنه ، فوجوده محقق بلا شك ، وفي بعضها لا دليل غير منع الصرف ، فيفرض له أصل ، ليتحقق العدل باخراجه عن ذلك الأصل . فانقسام العدل إلى التحقيقي والتقديري إنما هو باعتبار كون ذلك الأصل محققا أو مقدرا ، وأما اعتبار اخراج المعدول عن ذلك الأصل ليتحقق العدل ، فلا دليل عليه إلا منع الصرف . فعلى هذا قوله " تحقيقا " معناه خروجا كائنا عن أصل محقق يدل عليه دليل غير منع الصرف " كثلاث ومثلث " والدليل على أصلها أن في معناها تكرارا دون لفظهما/17/ب والأصل أنه إذا كان المعنى مكررا يكون اللفظ أيضاً مكررا ، كما في ( جاءني القوم ثلاثة ثلاثة ) .
فعلم أن أصلهما لفظ مكررا وهو ( ثلاثة ثلاثة ) وكذا الحال في ( أحاد ) و ( موحد ) و ( ثناء ) و ( مثنى ) إلى ( رباع ) و ( مربع ) بلا خلاف ، وفيما وراءها إلى ( عشار ومعشر ) خلاف ، والصواب مجيئها والسبب في منع الصرف ( ثلاث ومثلث ) ، وأخواتها العدل والوصف ، لأن الوصفية العرضية التي كانت في ( ثلاثة ثلاثة )
$[1/218]
صارت أصلية في ( ثلاث ومثلث ) لاعتبارها في ما وضعا له . " وآخر " جمع أخرى مؤنث آخر ، وآخر اسم التفضيل لأن معناه في الأصل : أشد تأخرا ، ثم نقل إلى معنى ( غير ) وقياس اسم التفضيل أن يستعمل باللام أو بالإضافة أو كلمة ( من ) وحيث لم يستعمل بواحد منها علم أنه معدول عن أحدها .
فقال بعضهم : إنه معدول عما فيه اللام أي : عن الآخر . وقال بعضهم : هو معدول عما ذكر معه ( من ) أي : عن آخر من ، وإنما لم يذهبا إلى تقدير الإضافة ، لأنها توجب التنوين أو البناء أو إضافة أخرى مثلها نحو ( حينئذ ) و ( قبل ) و :
يا تيم تيم عدي . . . . . . . ... ... . . . . . . . . . . . . .
$[1/219](1/133)
وليس في ( أخر ) شيء من ذلك فتعين أن يكون معدولا عن أحد الآخرين " وجمع " جمع ( جمعاء ) مؤنث ( أجمع ) وكذلك ( كتع وتبع وبصع ) وقياس ( فعلاء أفعل ) إن كانت صفة أن تجمع على ( فعل ) كـ ( حمراء ) على ( حمر ) وإن كانت اسما أن تجمع على ( فعالى ) أو ( فعلاوات ) كـ ( صحراء ) عل ( صحاري ) أو ( صحراوات ) فأصلها إما ( جمع ) أو ( جماعى وجمعاوات ) فإذا اعتبر اخراجها عن واحدة منها تحقق العدل ، فأحد السببين/18/أ فيها العدل التحقيقي والآخر الصفة الأصلية وإن
$[1/220]
صارت بالغلبة في باب التأكيد اسما ، وفي ( اجمع ) وأخواته أحد السببين ، ووزن الفعل والآخر الصفة الأصلية وعلى ما ذكرناه لا يرد الجمع الشاذة كـ ( أنيب ، وأقوس ) فإنه لم يعتبر اخراجهما عما هو القياس فيهما كـ ( أنياب وأقواس ) كيف ؟
ولو اعتبر جمعهما أولا على ( أنياب وأقواس ) فلا شذوذ في هذه الجمعية ولا قاعدة للاسم المخرج ، ليلزم من مخالفتها الشذوذ فمن أين يحكم فيهما بالشذوذ ، ومن هذا يتبين الفرق بين الشاذ والمعدول " أو تقديرا ) أي : خروجا كائنا عن أصل مقدر مفروض يكون الداعي إلى تقديره وفرضه منع الصرف لا غير " كعمر " ، " و " كذلك " زفر " فإنهما لما وجدا غير منصرفين ولم يوجد فيهما سبب ظاهر إلا العلمية اعتبر فيهما العدل ، لما توقف اعتبار العدل على وجود الأصل ولم يكن فيهما دليل على وجوده غير منع الصرف قدر فيهما أن أصلهما ( عامر وزافر ) عدل عنهما إلى ( عمر وزفر ) " و " مثل " باب قطام " المعدولة عن ( فاطمة ) وأراد ببابها كل ما هو على وزن ( فعال ) علما
$[1/221](1/134)
للأعيان المؤنثة من غير ذوات الراء " في " لغة " بني تميم " فإنهم اعتبروا العدل في هذه الباب حملا له على ذوات الراء في الأعلام المؤنثة مثل ( حضار وطمار ووبار ) فإنها مبنية وليس فيها إلا سببان العلمية والتأنيث ، والسببان لا يوجبان البناء فاعتبر فيها العدل لتحصيل سبب البناء ، فلما اعتبر فيها العدل لتحصيل
$[1/222]
سبب البناء اعتبر فيما عداها مما جعلوه معربا18/ب غير منصرف أيضاً ، حملا على نظائره مع عدم الاحتياج إليه لتحقق السببين لمنع الصرف العلمية والتأنيث ، فاعتبار العدل فيه إنما هو للحمل على نظائره لا لتحصيل سبب منع الصرف ولهذا يقال : ( ذكر باب قطام ) هاهنا ليس في محله لأن الكلام فيما قدر فيه العدل لتحصيل سبب منع الصرف وإنما قال : " في بني تميم " لأن الحجازيين يبنونه ) مطلقا فلا يكون مما نحن فيه والمراد من ( بني تميم ) أكثرهم ، فإن الأقلين منهم لم يجعلوا ذوات الراء مبنية بل جعلوها غير منصرف ، فلا حاجة إلى اعتبار العدل فيها ، لتحصيل سبب البناء ، وحمل ما عداها عليها " الوصف " هو كون الاسم دالا على ذات مبهمة مأخوذة مع بعض صفاتها سواء كانت هذه الدلالة بحسب الوضع مثل ( أحرم ) فإنه موضوع لذات ما أخذت مع بعض صفاتها التي هي الحمرة أو بحسب الاستعمال مثل : ( أربع ) في ( مررت بنسوة أربع ) .
فإنه موضوع لمرتبة معينة من مراتب العدد ، فلا وصفية فيه بحسب الوضع ، بل قد تعرض له الوصفية كما في المثال المذكور فإنه لما أجرى فيه على ( النسوة ) التي هي من قبيل المعدودات لا عداد
$[1/223](1/135)
علم أن معناه : مررت بنسوة موصوفة بالأربعية وهذا معنى وصفى عرض له في الاستعمال لا أصلى بحسب الوضع والمعتبر في سببية منع الصرف هو الوصف الأصلى لأصالته لا العرضى لعرضيته ، فلذلك قال المصنف : " شرطه " أي : شرط الوصف في سببيته منع الصرف " أن يكون وصفا في الأًصل " الذي هو الوضع بأن يكون وضعه على الوصفية لا أن تعرض له الوصفية بعد الوضع في الاستعمال19/أ سواء بقي على الوصفية الأصلية أو زالت عنه " فلا تضره " ، بأن تخرجه عن سببية منع الصرف " الغلبة " أي : غلبة الاسمية على الوصفية .
ومعنى الغلبة : اختصاصه ببعض أفراده بحيث لا يحتاج في الدلالة عليه إلى قرينة كما أن ( أسود ) كان موضوعا لكل ما فيه سواد ثم كثر استعماله في الحية السوداء بحيث لا يحتاج في الفهم عنه إلى قرينة " فلذلك " المذكور ، من اشتراط أصالة الوصفية وعدم مضرة الغلبة " صرف " لعدم أصالة الوصفية " أربع في " قولهم " مررت بنسوة أربع وامتنع " من الصرف لعدم مضرة الغلبة " أسود وأرقم " حيث صارا اسمين " للحية " الأول للحية السوداء ، والثاني للحية التي فيها سواد وبياض " وأدهم " حيث صار اسما " للقيد " من الحديد ، لما فيه من الدهمة ،
$[1/224]
أعني : السواد ، فإن هذه الأسماء وإن خرجت عن الوصفية لغلبة الاسمية لكنها بحسب أصل الوضع أوصاف لم يهجر استعمالها في معانيها الأصلية أيضاً بالكلية فالمانع من الصرف في هذه الأسماء : الصفة الأصلية ووزن الفعل .(1/136)
وأما عند استعمالها في معانيها الأصلية فلا اشكال في منع صرفها لوزن الفعل والوصف في الأصل والحال . " وضعف منع أفعى " اسما " للحية " على زعم وصفيته لتوهم اشتقاقه من الفعوة التي هي الخبث " و " كذلك منع " أجدل للصقر " على زعم وصفيته لتوهم اشتقاقه من الجدل بمعنى القوة " وأخبيل للطائر " أي : لطائر ذي خيلان على زعم وصفيته لتوهم اشتقاقه من الخال ، ووجه ضعف منع الصرف في هذه الأسماء عدم الجزم بكونها أوصافا أصلية 19/ب فإنها لم يقصد بها المعاني الوصفية مطلقا لا في الأصل ولا في الحال مع أن الأصل في الاسم الصرف .
" التأنيث " اللفظي الحاصل " بالتاء " لا بالألف ، فإنه لا شرط له ، " شرطه " في سببية منع الصرف " العلمية " أي : علمية الاسم المؤنث ، ليصير التأنيث لازما ، لأن الاعلام محفوظة عن
$[1/225]
التصرف بقدر الامكان ولأن العلمية لها وضع ثان ، وكل حرف وضعت الكلمة عليه لا ينفك عن الكلمة " و " التأنيث " المعنوي كذلك " أي : كالتأنيث اللفظي بالتاء في اشتراط العلمية فيه ، إلا أن بينهما فرقا فإنها في التأنيث اللفظي بالتاء شرط لوجوب منع الصرف وفي المعنوي شرط لجوازه .
ولا بد في وجوبه من شرط آخر كما أشار إليه بقوله " وشرط تحتم تأثيره " أي : شرط وجوب تأثير التأنيث المعنوي في منع الصرف أحد أمور ثلاثة : " الزيادة على الثلاثة " أي : زيادة حروف الكلمة على الثلاثة مثل : زينب ، " أو تحرك " الحرف " الأوسط " من حروفها الثلاثة مثل : سقر " أو العجمة " مثل : ماه وجور .
$[1/226]
وإنما اشترط في وجوب تأثير التأنيث المعنوي أحد الأمور الثلاثة ليخرج الكلمة بثقل أ ؛ د الأمور الثلاثة عن الخفة التي من شأنها أن تعارض ثقل أحد السببين فتزاحم تأثيره وثقل الأولين ظاهر وكذا العجمة ، لأن لسان العجم ثقيل على العرب " فهند يجوز صرفه " نظرا إلى انتفاء شرط تحتم تأثير التأنيث المعنوي أعني :(1/137)
أحد الأمور الثلاثة ، ويجوز عدم صرفه نظرا إلى وجود سببين فيه ، " وزينب " علما للمرأة " وسقر " علما لطبقة من طبقات النار 20/أ " وماه وجور " علمين لبلدتين " ممتنع " صرفها ، أما ( زينب ) فللعلمية والتأنيث المعنوي مع شرط تحت تأثيره ، وهو
$[1/227]
الزيادة على الثلاثة ، وأما ( سقر ) فللعلمية والتأنيث المعنوي مع شرط تحت تأثيره ، وهو تحرك الأوسط .
وأما ( ماه ) و ( جور ) فللعلمية والتأنيث المعنوي مع شرط تحتم تأثيره ، وهو العجمة .
" فإن سمى به " أي : بالمؤنث المعنوي " مذكر فشرطه " في سببية منع الصرف " الزيادة على الثلاثة " لأن الحرف الرابع في حكم تاءالتأنيث ، قائم مقامها " فقدم " وهو مؤنث معنوي سماعي باعتبار معناه الجنسي إذا سمى به رجل " منصرف " لأن التأنيث المعنوي الأصلي زال بالعلمية للمذكر من غير أن يقوم شيء مقامه والعلمية وحدها لا تمنع الصرف " وعقرب " وهو مؤنث معنوي سماعي باعتبار معناه الجنسي إذا سمى به رجل " ممتنع " صرفها ، لأنه وإن زال التأنيث بالعلمية للمذكر فالحرف الرابع قائم مقامه ، بدليل أنه إذا صغر ( قدم ) ظهر التاء المقدر كما يقتضيه قاعدة التصغير ، فيقال : ( قديمه ) بخلاف ( عقرب ) فإنه إذا صغر يقال : ( عقيرب ) من غير إظهار التاء ، لأن الحرف الرابع قائم مقامه ، فـ ( عقرب ) إذا سمى به رجل امتنع صرفه للعلمية والتأنيث الحكمي .
" المعرفة " أي : التعريف ، لأن سبب منع الصرف هو وصف التعريف لا ذات المعرفة .
" شرطها " أي : شرط تأثيرها في منع الصرف " أن تكون علمية " أي : يكون هذا النوع من جنس التعريف علما على أن تكون ( الياء ) 20/ب مصدرية أو منسوبة إلى العلم ، بأن تكون حاصلة في ضمنه على أن تكون الياء للنسبة وإنما جعلت مشروطة بالعلمية لأن تعريف
$[1/228](1/138)
المضمرات والمبهمات لا يوجد إلا في المبنيات ومنع الصرف من أحكام المعربات ، والتعريف باللام أو الإضافة يجعل غير المنصرف منصرفا أو في حكم المنصرف كما سيجيء . فلا يتصور كونه سببا لمنع الصرف فلم يبق إلا التعريف العلمي . وإنما جعل المعرفة سببا لمنع الصرف والعلمية شرطها ، ولم يجعل العلمية سببا كما جعل البعض لأن فرعية التعريف للتنكير أظهر من فرعية العلمية له .
" العجمة " وهي كون اللفظ مما وضعه . غير العرب . ولتأثيرها في منع الصرف شرطان " شرطها " الأول : " أن تكون علمية " أي : منسوبة إلى العلم " في " اللغة " العجمية " بأن تكون متحققة في ضمن العلم في العجم حقيقة كـ ( إبراهيم ) وحكما بأن ينقله العرب من لغة العجم إلى العلمية من غير تصرف فيه قبل النقل كـ ( قالون ) فإنه كان في العجم اسم جنس سمى به أحد رواة القراء لجودة قراءته قبل أن يتصرف فيه العرب ، فكأنما كان علما في العجمية .
$[1/229]
وإنما جعلت شرطا لئلا يتصرف فيها العرب مثل تصرفاتهم في كلامهم فتضعف فيه العجمة ، فلا تصلح سببا لمنع الصرف ، فعلى هذا لو سمى بمثل ( لجام ) لا يمتنع صرفه لعدم علميته في العجمية " و " شرطها الثاني : أحد الأمرين " تحرك " الحرف " الأوسط أو زيادة على الثلاثة " أي على ثلاثة أحرف ، لئلا تعارض الخفة أحد السببين " فنوح منصرف " هذا تفريع بالنظر إلى الشرط الثاني . فانصراف ( نوح ) إنما هو لانتفاء الشرط الثاني وهذا اختيار المصنف لأن العجمة سبب ضعيف لأنه 21/أ أمر معنوي فلا يجوز اعتبارها مع سكون الأوسط .
وأما التأنيث المعنوي فإن له علامة مقدرة تظهر في بعض التصرفات فله نوع قوة فجاز أن يعتبر مع سكون الأوسط وأن لا يعتبر . فإن قلت :
قد اعتبرت العجمة في ( ماه وجور ) مع سكون الأوسط فيما سبق ، فلم لم يعتبر هاهنا ؟
$[1/230](1/139)
قلنا : اعتبارها فيما سبق إنما هو لتقوية سببين آخرين لئلا يقاوم سكون الأوسط أحدهما ولا يلزم من اعتبارها لتقوية سبب آخر اعتبار سببيتها بالاستقلال .
" وشتر " وهو اسم حصن بديار بكر " وإبراهيم ممتنع " صرفهما لوجود الشرط الثاني فيهما فإن في ( شتر ) تحرك الأوسط وفي إبراهيم الزيادة على الثلاثة ، وإنما خص التفريع بالشرط الثاني ، لأن غرضه التنبيه على ما هو الحق عنده من انصراف نحو : ( نوح ) ولهذا قدم انصرافه مع أنه متفرع على انتفاء الشرط الثاني ، والأولى تقديم ما هو متفرع على وجوده كما لا يخفى .
واعلم أن أسماء الأنبياء عليهم السلام ممتنعة عن الصرف إلا ستة ( محمد ، وصالح ، وشعيب ، وهود ) لكونها عربية و ( نوح ولوط ) لختفتهما .
وقيل : إن هودا كنوح لأن سيبويه قرنه معه ، ويؤيده ما يقال من أن العرب من
$[1/231]
ولد إسماعيل ومن كان قبل ذلك فليس بعربي و ( هود ) قبل إسماعيل فيما يذكر فكان نوح .
" الجمع " هو سبب قائم مقام السببين " شرطه " أي : شرط قيامه مقام السببين " صيغة منتهى الجموع " وهي الصيغة التي كان أولها مفتوحا وثالثها ألفا وبعد الألف حرفان متحركان أو ثلاثة أحرف أوسطها ساكن وهي التي لا تجمع 21/ب جمع التكسير مرة أخرى ، ولهذا سميت صيغة منتهى الجموع ، لأنها جمعت في بضع الصور مرتين تكسيرا فانتهى تكسرها ، المغير للصيغة . فأما جمع السلامة فإنه لا يغير فيجوز أن يجمع جمع السلامة كما يجمع ( أيا من ) جمع ( أيمن ) على ( أيا منين ) وصواحب جمع صاحبة على ( صواحبات ) وإنما
$[1/232](1/140)
اشترطت بذلك لتكون صيغته مصونة عن قبول التغيير فتؤثر " بغير هاء " منقلبة عن تاء التأنيث حالة الوقف أو المراد بها تاء التأنيث ، لكن عبر بالهاء باعتباره ما يؤول إليه حالة الوقف فلا يرد نحو ( فواره ) جمع ( فارهة ) وإنما اشترط كونها بغير هاء لأنها لو كانت مع هاء كانت على زنة المفرادات كـ ( فرازنة ) فإنها على زنة كراهية وطواعية بمعنى الكراهة والطاعة فيدخل في قوة جمعيته فتور ولا حاجة إلى اخراج نحو ( مدائني ) فإنه مفرد محض ليس جمعا ، لا في الحال ولا في المآل وإنما الجمع ( مدائن ) وهو لفظ آخر بخلاف ( فرازنة ) فإنها ( جمع فرزين أو فرزان ) بكسر الفاء ، فعلم مما سبق أن صيغة منتهى الجموع على قسمين ، أحدهما : ما يكون بغير هاء . وثانيهما ما يكون بهاء .
فأما ما يكون بغير هاء فيمتنع صرفه ، لوجود شرط تأثيرها " كمساجد " مثال لما بعد ألفه حرفان متحركان " ومصابيح " مثال لما بعد ألفه ثلاثة أحرف أوسطها ساكن " وأما فرازنة " وأمثالها مما هي على صيغة منتهى الجموع مع الهاء .
$[1/233]
" فمنصرف " لفوات شرط تأثير الجمعية وهو كونها بلا هاء " وحضاجر علما للضبع " هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره : أي قالم : إن حضاجر علم جنس للضبع يطلق على الواحد ، والكثير 22/أ كما أن ( أسامة ) علم جنس للأسد ، فلا جمعية فيه ، وصيغة منتهى الجموع ليس من أسباب منع الصرف بل هي شرط للجمعية ، فينبغي أن يكون منصرفا لكنه غير منصرف .(1/141)
وتقدير الجواب : أن حضاجر حال كونه علما للضبع " غير منصرف " لا للجمعية الحالية بل للجمعية الأصلية " لأنه منقول عن الجمع " فإنه كان في الأصل جمع ( حضجر ) بمعنى عظيم البطن ، سمى به الضبع مبالغة في عظم بطنها ، كأن كل فرد منها جماعة من هذا الجنس ، فالمعتبر في منع صرفه هو الجمعية الأصلية فإن قلت : لا حاجة في منع صرفه إلى اعتبار الجمعية الأصلية ، فإن فيه العلمية والتأنيث ، لأن الضبع هي أنثى الضبعان . قلنا : عمليته غير مؤثرة وإلا لكان بعد التنكير منصرفا والتأنيث غير مسلم ، لأنه علم الجنس الضبع ، مذكرا كان أو مؤنثا .
وإنما اكتفى المصنف في التنبيه على اعتبار الجمعية الأصلية بهذا القول ولم يقل : الجمع شرطه أن يكون في الأًصل كما قال في الوصف ، لئلا يتوهم أن الجمعية كالوصف ، قد تكون أصلية معتبرة وقد تكون عارضة غير معتبرة وليس الأمر كذلك إذ لا يتصور العروض في الجمعية .
" وسراويل " جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال : قد تقصيت عن الاشكال الوارد على قاعدة الجمع بـ ( حضاجر ) بجعل الجمع أعم من أن يكون في الحال أو في
$[1/234]
الأصل ، فما تقول في ( سراويل ) فإنه اسم جنس يطلق على الواحد والكثير ولا جمعية فيه لا في الحال ولا في الأصل ؟(1/142)
فأجاب عنه : بأنه قد اختلف في صرفه ومنعه منه ، فهو " إذا لم يصرف وهو الأكثر " في موارد الاستعمال ، فيرد به الاشكال/22/ب على قاعدة الجمع كما قلت " فقد قيل " في التقصي عنه " إنه " اسم " أعجمي " ليس بجمع لا في الحال ولا في الأصل ، لكنه " حمل " في منع الصرف " على موازنه " أي : على ما يوازنه من الجموع العربية كـ " أناعيم ومصابيح " فإنه في حكمهما من حيث الوزن ، فهو وإن لم يكن من قبيل الجمع حقيقة لكنه من قبيله حكما ، فالجمعية على هذا التقدير أعمّ من أن تكون حقيقة أو حكما ، فبناء هذا الجواب على تعميم الجمعية لا على زيادة سبب آخر على الأسباب التسعة ، وهو الحمل على الموازنة " وقيل " هو اسم " عربي " ليس بجمع تحقيقا ، لأنه اسم جنس يطلق على الواحد والكثير ، لكنه " جمع ( سروالة ) تقديرا " وفرضا ، فإنه لما وجد غير منصرف ومن قاعدتهم أن هذا الوزن بدون الجمعية لم يمنع اصرف - قدر حفظا لهذه القاعدة أنه جمع ( سروالة ) فكأنه سمى كل قطعة من السراويل سروالة ، ثم جمعت
$[1/235]
( سروالة ) على ( سراويل ) . " فإذا صرف " أي : سراويل لعدم تحقق الجمعية تحقيقا . الأصل في الأسماء الصرف " فلا اشكال " بالنقض به على قاعدة الجمع ، ليحتاج إلى التقصي عنه .
" ونحو : ( جوار ) " أي : كل جمع منقوص على وزن ( فواعل ) يائيا كان أو واوايا كـ ( الجواري والدواعي ) " رفعا وجرا " أي : في حالتي الرفع والجر " كقاض " أي : حكمه حكم ( قاض ) بحسب الصورة في حذف الياء عنه وادخال التنوين عليه تقول : ( جاءتني جوار ) و ( مررت بجوار ) كما تقول : ( جاءني قاض ) و ( مررت بقاض ) وأما في حالة النصب فالياء متحركة مفتوحة نحو ( رأيت جواري ) فلا اشكال في حالة النصب ، لأن الاسم غير منصرف ، للجمعية مع صيغة منتهى الجموع ، بخلاف حالتي الرفع والجر فإنه قد اختلف 23/أ فيه .(1/143)
فذهب بعضهم : إلى أن الاسم منصرف والتنوين فيه تنوين الصرف ، لأن الاعلال المتعلق بجوهر الكلمة مقدم على منع الصرف الذي هو من أحوال الكلمة بعد تمامها فأصل ( جوار ) في قولك ( جاءتني جوار ) ( جواري ) بالضم والتنوين ، بناء على أن الأصل في الاسم الصرف فبنى الاعلال على ما هو الأصل ثم اسقطت الضمة للثقل والياء لالتقاء الساكنين فصار ( جوار ) على وزن ( سلام وكلام ) فلم يبق على صيغة منتهى الجموع فهو
$[1/236]
بعد الاعلال أيضاً منصرف والتنوين فيه للصرف كما كان قبل الاعلال كذلك .
وذهب بعضهم : إلى أنه بعد الاعلال غير المنصرف ، لأن فيه الجمعية مع صيغة منتهى الجموع ، لأن المحذوف بمنزلة المقدر ، ولهذا لا يجري الإعراب على الراء ، والتنوين فيه تنوين العوض فإنه لما سقط تنوين الصرف عوض عن الياء المحذوفة أو عن حركتها هذا التنوين . وعلى هذا القياس في حالة الجر بلا تفاوت ، وفي لغة بعض العرب : إثبات الياء في حالة الجر كما في حالة النصب .
$[1/237]
تقول : ( مررت بجواري ) كما تقول ( رأيت جواري ) وبناء هذه اللغة على تقديم منع اصرف على الاعلال وأما في حالة الرفع فأصل ( جوار ) ( جواري ) بالضمة بلا تنوين حذفت الضمة للثقل وعوض عنها التنوين ، فسقطت الياء لالتقاء الساكنين فصار ( جوار ) وعلى هذه اللغة لا اعلال إلا في حالة واحدة ، بخلاف اللغة المشهورة ، فإنه فيه الاعلال في الحالتين ، كما عرفت .
" التركيب " وهو صيرورة كلمتين/ أو أكثر كلمة واحدة من غير حرفية جزء منه فلا يرد نحو ( النجم وبصري ) علمين " شرطه العلمية " ليأمن من الزوال فيحصل له قوة فيؤثر بها في منع الصرف " وأن لا يكون باضافة " لأن الإضافة تخرج المضاف إلى الصرف أو إلى حكمه ، فكيف يؤثر في المضاف إليه ما يضاده ؟ أعني : منه الصرف " ولا إسناد " لأن الاعلام المشتملة على الإسناد من قبيل المبنيات نحو ( تأبط
$[1/238](1/144)
شرا ) فإنها باقية في حالة العلمية على ما كانت عليها قبل العلمية ، فإن التسمية بها إنما هي لدلالتها على قصة غريبة ، فلو تطرق إليها التغيير يمكن أن تفوت تلك الدلالة ، وإذا كانت من قبيل المبنيات فكيف يتصور فيها منع الصرف الذي هو من أحكام المعربات ؟ فإن قلت : كان على المصنف أن يقول : وإن لا يكون الجزء الثاني من المركب صوتا ولا متضمنا لحرف العطف ليخرج مثل ( سيبويه ونفطويه ) ومثل : ( خمسة عشر وستة عشر ) علمين . قلنا : كأنه اكتفى بذلك بما ذكره فيما بعد ، إنهما من قبيل المبنيات وأما الاعلام المشتملة على الإسناد فلم يذكر بناءها أصلا ، فلذلك احتاج إلى اخراجها " مثل : بعلبك " فإنه علم لبلدة مركب من ( بعل ) وهو اسم
$[1/239]
صنم ، و ( بك ) هو اسم صاحب هذه البلدة ، جعلا اسما واحدا من غير أن يقصد بينهما نسبة اضافية أو اسنادية ، أو غيرهما .
" الألف والنون " المعدودتان من أسباب منع الصرف تسميان مزيدتين لأنهما من الحروف الزوائد ، وتسميان مضارعتين أيضاً ، لمضارعتهما لألفي التأنيث في منع دخول 24/أ تاء التأنيث عليهما .
وللنحاة خلاف في أن سببيتهما لمنع الصرف : إما كونهما مزيدتين ، وفرعيتهما للمزيد عليه وإما مشابهتهما لألفي التأنيث ، والراجح هو القول الثاني ، ثم أنهما " إن كانا في اسم " يعني به : ما يقابل الصفة فإن الاسم المقابل للفعل والحرف إما أن لا يدل على ذات ما ، لوحظ معها صفة من الصفات كـ ( رجل وفرس ) أو يدل كـ ( أحمر وضارب ومضروب ) فالأول يسمى
$[1/240](1/145)
اسما ، والثاني صفة فالمراد بالاسم المذكور هاهنا هو هذا المعني لا الاسم الشامل للاسم والصفة . " فشرطه " أي : شرط الألف والنون في منعهما من الصرف ، وافراد الضمير باعتبار أنهما سبب واحد ، أو شرط ذلك الاسم في امتناعه من الصرف " العلمية " تحقيقا للزوم زيادتهما ، أو ليمتنع التاء فيتحقق شبههما بألفي التأنيث " كعمران أو " كانا " في صفة فانتفاء فعلانة " أي : إن كان الألف والنون في صفة فشرطه انتفاء ( فعلانة ) يعني امتناع دخول تاء التأنيث عليه ، لتبقى مشابهتهما لألفي التأنيث على حالها ولهذا انصرف ( عريان ) مع أنه صفة ، لأن مؤنثة ( عريانة ) ، " وقيل " : شرطه " وجود ( فعلى ) " لأنه متى كان مؤنثه ( فعلى ) لا يكون فعلانه فتبقى مشابهتهما لألفي التأنيث على حالها " ومن ثمه " أي : ومن أجل المخالفة في الشرط " اختلف في رحمن " في أنه منصرف أو غير منصرف فإنه ليس له مؤنث ، لا رحمى ولا رحمانة لأنه صفة خاصة لله تعالى لا يطلق على غيره ، لا على مذكر ولا على مؤنث ، فعلى
$[1/241]
مذهب من شرط انتفاء فعلانه ) فهو غير منصرف وعلى مذهب من شرط 24/ب وجود ( فعلى ) فهو منصرف " دون سكران " فإنه لا خلاف في منع صرفه لوجود الشرط على المذهبين فإن مؤنثه ( سكرى ) لا ( سكرانه ) " و " دون " ندمان " فإنه لا خلاف في صرفه لانتفاء الشرط على المذهبين لأن مؤنثه ( ندمانه ) لا ( ندمى ) هذا إذا كان ( ندمان ) بمعنى النديم ، وأما إذا كان بمعنى النادم فهو غير منصرف بالاتفاق ، لأن مؤنثه ( ندمى ) لا ندمانه .
" ووزن الفعل " وهو كون الاسم على وزن يعد من أوزان الفعل وهذا القدر لا يكفي في سببية منع الصرف بل ( " شرطه " فيها أحد الأمرين : " إما أن يختص " في اللغة العربية " بالفعل " بمعنى أنه لا يوجد في الاسم العربي إلا منقولا من الفعل " كشمّر " على صيغة الفعل الماضي
$[1/242](1/146)
المعلوم من التشمير ، فإنه نقل من هذه الصيغة ، وجعل علما للفرس ، وكذلك ( بذر ) لماء و ( عثر ) لموضع و ( خضم ) لرجل ، أفعال نقلت إلى الاسمية ، وأما نحو
$[1/243]
( بقّم ) اسما لصبغ معروف ، وهو العندم و ( شلّم ) علما لموضع بالشام فهو من الأسماء العجمية المنقولة إلى العربية فلا يقدح في ذلك الاختصاص " و " مثل " ضرب " على البناء للمفعول إذا جعل علما لشخص ، فإنه أيضاً غير منصرف للعلمية ووزن الفعل وإنما قيدناه بالبناء للمفعول فإنه على البناء للفاعل غير مختص بالفعل ، ولم يذهب إلى منع صرفه إلا بعض النحاة " أو يكون " غير مختص به ، لكن يكون " في أوله " أي : في أول وزن الفعل أو أول ما كان على وزن الفعل " زيادة " أي : زيادة حرف أو حرف زائد من حروف ( أتين ) " كزيادته " أي : مثل زيادة حرف أو حرف زائد من حروف ( أتين ) في أول 25/أ الفعل " غير قابل " أي :
$[1/244]
حال كون وزن الفعل أو /ا كان على وزن الفعل غير قابل " للتاء " لأنه يخرج الوزن بهذه التاء ، لاختصاصها بالاسم عن أوزان الفعل ، ولو قال : غير قابل للتاء قياسا بالاعتبار الذي امتنع من الصرف لأجله لم يرد .
عليه ( أربع ) إذا سمى به رجل فإن لحوق التاء للتذكير فلا يكون قياسا ولا ( أسود ) فإن مجيء التاء في ( أسودة ) للحية الانثى ليس باعتبار الوصف الأصلي الذي لأجله يمتنع من الصرف بل باعتبار غلبة الاسمية العارضة " ومن ثم " أي : ومن أجل اشتراط عدم قبول التاء " امتنع أحمر " عن الصرف لوجود الزيادة المذكورة مع عدم قبول التاء " وانصراف يعمل " لقبوله التاء لمجىء ( يعمله ) للناقة القوية على العمل والسير .(1/147)
" وما فيه علمية مؤثرة " أي : كل اسم غير منصرف تكون فيه علمية مؤثرة في منع صرفه بالسببية المحضة أو مع شرطية سبب آخر واحترز بذلك عما يجامع ألفي التأنيث أو صيغة منتهى الجموع فإن كل واحد منهما كاف في منع الصرف لا تأثير فيه للعمية " إذا نكّر " بأن يؤول العلم بواحد من الجماعة المسماة به نحو ( هذا زيد ) و ( رأيت زيدا آخر ) فإنه أريد به المسى بزيد ، أو يجعل عبارة عن الوصف المشتهر صاحبه به : كقولهم : " لكل فرعون موسى " أي : لكل مبطل محق . " صرف لما تبين " أي : حين بين أسباب منع الصرف
$[1/245]
وشرائطها فيما سبق " من أنها " أي : العلمية " لا تجامع مؤثرة إلا ما " أي : السبب الذي " هي " أي : العلمية " شرط فيه " وذلك في التأنيث بالتاء لفظا أو معنى ، والعجمة والتركيب 25/ب والألف والنون المزيدتين ، فإن كل واحد من هذه الأسباب الأرعة مشروط بالعلمية " إلا العدل ووزن الفعل " استثناء مما بقي من الاستثناء الأول أي : لا تجامع مؤثرة غير ما هي شرط فيه إلا العدل ووزن الفعل ، فإن العلمية تجامعها مؤثرة ، كما في ( عمر وأحمد ) .
وليس شرطا فيهما كما في ( ثلاث وأحمر ) ، " وهما " أي : العدل ووزن الفعل " متضادان " لأن الأسماء المعدولة بالاستقراء على أوزان مخصوصة ، ليس شيء منها من أوزان الفعل المعتبرة في منع الصرف " فلا يكون " أي : لا يوجد معها شيء من الأمر الدائر بين مجموع هذين الشيئين وبين أحدهما فقط " إلا أحدهما " فقط لا مجموعهما .
" فإذا نكر " غير المنصرف الذي أحد أسبابه العلمية " بقي بلا سبب " أي : لم يبق فيه سبب من حيث هو سبب فيما هي شرط فيه من الأسباب الأربعة المذكورة ، لأنه قد انتفى أحد
$[1/246](1/148)
السببين الذي هو العلمية بذاتها ، والسبب الآخر المشروط بالعلمية من حيث وصف سببيته ، فلا يبقى فيه سبب من حيث هو سبب " أو على سبب واحد " فيما هي ليس بشرط فيه من العدل ووزن الفعل هذا وقد قيل يرد على قوله : ( وهما متضادان ) أن ( اصمت ) بكسرتين علما للمفازة من أوزان الفعل مع وجود العدل فيه فإنه أمر من ( صمت يصمت ) ، وقياسه أن يجىء بضمتين فلما جاء بكسرتين علم أنه معدول عنه ، والجواب : أن هذا أمر غير محقق ، لجواز ورود ( اصمت ) بكسرتين وإن لم يشتهر . فالأوزان التي تحقق فيها العدل تحقيقا 26/أ كان أو تقديرا لم تجامع وزن الفعل ، وأيضاً قد عرفت فيما تقدم أن مجرد وجود أصل محقق لا يكفي في اعتبار العدل التحقيقي بدون اقتضاء منع الصرف إياه ، واعتبار خروج الصيغة عن ذلك الأصل ، وههنا لا يقتضيه لوجود سببين في ( اصمت ) وراء العدل وهما العلمية والتأنيث . ثم إنه أشار إلى استثناء مثل ( أحمر ) علما إذا نكر عن هذه القاعدة على قول سيبويه بقوله :
$[1/247]
" وخالف سيبويه الأخفش " الأخفش المشهور هو : أبو الحسن تلميذ سيبويه ، ولما كان قول التلميذ أظهر مع موافقته لما ذكره من القاعدة جعله أصلا وأسند المخالفة إلى الاستاذ وإن كان غير مستحسن ، تنبيها على ذلك " في " انصراف " نحو : أحمر ، علما إذا نكر " والمراد بنحو ( أحمر ) : ما كان معنى الوصفية فيه قبل العلمية ظاهرا غير خفي ، فيدخل فيه ( سكران ) وأمثاله ، ويخرج عنه ( أفعل ) التأكيد ، نحو ( أجمع ) فإنه منصرف عند التنكير بالاتفاق لضعف معنى الوصفية فيه قبل العلمية ، لكونه بمعنى ( كل ) وكذلك ( أفعل ) التفضيل المجرد عن ( من ) التفضيلية ، فإنه بعد التنكير منصرف بالاتفاق لضعف معنى الوصفية فيه حتى صار ( أفعل ) اسما .
$[1/248](1/149)
وإن كان معه ( من ) فلا ينصرف بلا خلاف ، لظهور معنى الوصفية فيه بسبب ( من ) التفضيلية " اعتبارا للصفة الأصلية بعد التنكير " أي : إنما خالف سيبويه الأخفش ، لأجل اعتباره الوصفية الأصلية بعد التنكير ، فإنه لما زالت العلمية بالتنكير ، لم يبق مانع من اعتبار الوصفية ، فاعتبرها ، وجعله غير منصرف ، للصفة 26/ب الأصلية وسبب آخر كوزن الفعل والألف والنون المزيدتين .
فإن قلت : كما أنه لا مانع من اعتبار الوصفية الأصلية لا باعث على اعتبارها أيضاً فلم اعتبرها وذهب إلى ما هو خلاف الأصل فيه ؟ أعني منع الصرف . قيل : الباعث علىاعتبارها امتناع ( أسود وأرقم ) مع زوال الوصفية عنهما ، وفيه بحث ، لأن الوصفية لم تزل عنهما بالكلية بل بقي فيهما شائبة من الوصفية لأن الأسود اسم للحية السواء والأرقم للحية التي فيها سواد وبياض ففيهما شمّة من الوصفية ، فلا يلزم من اعتبار الوصفية فيهما اعتبارها في ( أحمر ) بعد التنكير لأنها قد زالت عنه بالكلية وأما ( الأخفش ) فذهب إلى أنه منصرف ، فإن
$[1/249](1/150)
الوصفية قد زالت عنه والعلمية بالتنكير والزائل لا يعتبر من غير ضرورة ، فلم يبق فيه إلا سبب واحد وهو وزن الفعل أو الألف والنون المزيدتان . وهذا القول أظهر ولما اعتبر سيبويه الوصف الأصلي بعد التنكير وإن كان زائلا لزمه أن يعتبره في حال العلمية أيضاً فيمتنع نحو ( حاتم ) من الصرف للوصف الأصلي والعلمية فأجاب عنه المصنف بقوله : " ولا يلزمه " أي : سيبويه ، من اعتباره الوصفية الأصلية بعد التنكير في مثل ( أحمر ) علما " باب حاتم " أي : كل كان علم في الأصل وصفا مع بقاء العلمية ، بأن اعتبر فيه أيضاً الوصفية الأصلية ، وحكم بمنع صرفه للعلمية والوصفية الأصلية " لما يلزم " في ( باب حاتم ) على تقدير منعه من الصرف " من اعتبار المتضادين " يعني : الوصفية والعلمية فإن العلم للخصوص والوصف للعموم " في حكم واحد " وهو منع صرف لفظ واحد بخلاف ما إذا اعتبرت الوصفية الأصلية 27/أ مع صبب آخر كما في ( أسود ) و ( أرقم ) ، فإن قلت : التضاد إنما هو بين الوصفية المحققة والعلمية لا بين الوصفية الأصلية الزائلة والعلمية ، فلو اعتبرت الوصفية الأصلية والعلمية في منع صرف مثل ( حاتم ) لا يلزم اجتماع المتضادين . قلنا : تقدير أحد الضدين بعد زواله مع ضد آخر في حكم واحد ، وإن لم يكن من قبيل اجتماع التضادين لكنه شبيه به ، فاعتبارهما معا غير مستحسن .
" وجميع الباب " أي : باب غير المنصرف " باللام " أي : بدخول لام التعريف عليه
$[1/250]
" أو الإضافة " أي : اضافته إلى غيره " ينجر " أي : يصير مجرورا " بالكسر " ، أي : بصورة الكسر لفظا أو تقديرا ، وإنما لم يكتف بقوله : ( ينجر ) لأن الانجرار قد يكون بالفتح ، ولا بأن يقول : ينكسر ، لأن الكسر يطلق على الحركات البنائية أيضاً .(1/151)
وللنحاة خلاف في أن هذا الاسم في هذه الحالة منصرف أو غير منصرف ، فمنهم : من ذهب إلى أنه منصرف مطلقا ، لأن عدم انصرافه إنما كان لمشابهته الفعل ، فلما ضعفت هذه المشابهة بدخول ما هو من خواص الاسم أعني : اللام أو الإضافة . قويت جهة الاسمية ، فرجع إلى أصله الذي هو الصرف فدخله الكسر دون التنوين ، لأنه لا يجتمع مع اللام أو الإضافة .
ومنهم : من ذهب إلى أنه غير منصرف مطلقا ، والممنوع من غير المنصرف بالأصالة هو التنوين وسقوط الكسر إنم هو بتبعية التنوين وحيث ضعفت مشابهته للفعل لم تؤثر إلا في سقوط التنوين دون تابعه الذي هو الكسر ، فعاد الكسر إلى حاله ، وسقط التنوين ، لامتناعه من الصرف ، ومنهم من ذهب إلى أن العلتين
$[1/251]
27/ب إن كانتا باقيتين مع اللام أو الإضافة كان الاسم غير منصرف وإن زالتا معا أو زالت احداهما كان منصرفا ، وبيان ذلك : ان العلمية تزول باللام أو الإضافة فإن كانت العلمية شرطا للسبب الآخر زالتا معا ، كما في ( إبراهيم ) وإن لم تكن شرطا كما في ( أحمد ) زالت باحداهما وإن لم تكن هناك علمية كما في ( أحمر ) بقيت العلتان على حالهما وهذا القول أنسب بما عرف به المصنف غير المنصرف .
$[1/252]
" المرفوعات "
جمع المرفوع لا المرفوعة ، لأن موصوفه ( الاسم ) وهو مذكر لا يعقل ، ويجمع هذا الجمع مطردا صفة المذكر الذي لا يعقل كالصافنات للذكور من الخيل و ( جمال سبخلات ) أي : ضخمات وكالأيام الخاليات " هو " أي : المرفوع الدال عليه المرفوعات ، لأن التعريف إنما يكون للماهية لا للأفراد " ما اشتمل " أي : اسم اشتمل " على علم الفاعلية " أي : علامة كون الاسم فاعلا وهي الضمة والواو والألف .(1/152)
والمراد باشتمال الاسم عليها : أن يكون موصوفا بها لفظا أو تقديرا أو محلا ولا شك أن الاسم موصوف بالرفع المحلي ، إذ معنى الرفع المحلي أنه في محل لو كان ثمة معرب لكان مرفوعا لفظا أو تقديرا ، وكيف يختص الرفع بما عدا الرفع المحلى ؟ وهو يبحث مثلا عن أحوال الفاعل إذا كان مضمرا متصلا كما سيجيء " فيضه " أي : من المرفوع أو مما اشتمل علم الفاعلية :
$[1/253]
الفاعل
وإنما قدّمه ، لأنه أصل المرفوعات عند الجمهور ، لأنه جزء الجملة الفعلية التي هي أصل الجمل ، ولأن عامله أقوى من عامل المبتدأ .
وقيل : أصل المرفوعات المبتدأ لأنه باق على ما هو الأصل/28/أ في المسند إليه وهو التقديم بخلاف الفاعل ، ولأنه يحكم عليه بكل حكم ، جامد ومشتق ، فكان أقوى بخلاف الفاعل ، فإنه لا يحكم عليه إلا بالمشتق .
" وهو " أي : الفاعل " ما " أي : اسم حقيقة أو حكما ، ليدخل فيه مثل قولهم : ( أعجبني أن ضربت زيدا ) " أسند إليه الفعل " بالأصالة لا بالتبعية ، ليخرج عن الحد توابع الفاعل ، وكذا المراد في جميع حدود المرفوعات والمنصوبات والمجرورات غير التوابع ، بقرينة ذكر التوابع بعدها . " أو شبهه " أي : ما يشبهه في العمل ، وإنما قال ذلك ،
$[1/254]
ليتناول فاعل اسم الفاعل والصفة المشبهة والمصدر واسم الفعل وأفعل التفضيل والظرف " وقدّم " أي : الفعل أو شبهه " عليه " أي على ذلك الاسم ، واحترز به عن نحو ( زيد ) في : ( زيد ضرب ) لأنه مما اسند إليه الفعل ، لأن الإسناد إلى ضمير شيء إسناد إليه في الحقيقة لكنه مؤخر عنه ، والمراد تقديمه عليه وجوبا ، ليخرج عنه المبتدأ المقدم عليه خبره نحو ( كريم من يكرمك ) فإن قلت : قد يجب تقديمه إذا كان المبتدأ نكرة ، والخبر ظرفا نحو ( في الدار رجل ) .(1/153)
قلت : المراد وجوب تقديم نوعه وليس نوع الخبر مما يجب تقديمه بخلاف نوع ما أسند إلى الفاعل " على جهة قيامه به " أي : اسنادا واقعا على طريقيه قيام الفعل أو شبهه به - أي : بالفاعل . وطريقة قيامه به أن يكون صيغة المعلوم أو على ما في حكمها كاسم الفاعل والصفة المشبهة ، واحترز بهذا القيد عن مفعول ما لم يسمّ فاعله كـ ( زيد ) في ( ضرب زيد ) على صيغة المجهول والاحتياج إلى هذا القيد إنما هو على
$[1/255]
مذهب من لم يجعله داخلا في/28/ب الفاعل كالمصنف ، وأما على مذهب من جعله داخلا فيه كصاحب المفصل فلا حاجة إلى هذا القيد ، بل يجب أن لا يقيد به " مثل " زيد في " قام زيد " فهذا مثال لما أسند إليه الفعل " و " مثل ( أبوه ) في " زيد قائم أبوه " فهذا مثال لما أسند إليه شبه الفعل .
" والأصل " في الفاعل ، أي : ما ينبغي أن يكون الفاعل عليه ، إن لم يمنع مانع ، " أن يلي فعله " المسند إليه ، أي : يكون بعده من غير أن يتقدم عليه شيء آخر من معمولاته ، لأنه كالجزء من الفعل ، لشدة احتياج الفعل إليه ، يدل على ذلك اسكان اللام في ( ضربت ) لأنه يدفع توالي أربع حركات فيما هو بمنزلة كلمة واحدة .
" فلذلك " الأصل الذي يقتضي تقديم الفاعل على سائر معمولات الفعل " جاز ( ضرب غلامه زيد ) " لتقدم مرجع الضمير وهو ( زيد ) رتبه فلا يلزم الإضمار قبل الذكر مطلقا ، بل لفظا فقط ، وذلك جائر " وامتنع ( ضرب غلامه زيدا ) " لتأخر مرجع الضمير وهو ( زيد ) لفظا ورتبة ، فيلزم الإضمار قبل الذكر ، لفظا ورتبة ، وذلك غير
$[1/256]
جائر خلافا للأخفش وبان جني ومستندهما في ذلك قول الشاعر :
جزى ربُّه عني عديّ بن حاتم ... ... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل(1/154)
وأجيب عنه بأن هذا لضرورة الشعر ، والمراد عدم جوازه في سعة الكلام وبأنه لا نسلم أن الضمير يرجع إلى ( عدى ) بل إلى المصدر الذي يدل عليه الفعل ، أي : جزى رب الجزاء " وإذا انتفى الإعراب " الدال على فاعلية الفاعل ومفعولية المفعول بالوضع " لفظا فيهما " أي : في الفاعل المتقدم ذكره صريحا ، وفي ضمن الأمثلة والمفعول المتقدم ذكره في ضمن/29/أ الأمثلة ، " والقرينة " أي : الأمر الدال عليهما لا بالوضع إذ لا يعهد
$[1/257]
أن يطلق على ما وضع بإزاء شيء أنه قرينة عليه فلا يرد إن ذكر الإعراب مستغنى عنه إذ القرينة شاملة له ، وهي إما لفظية نحو ( ضربت موسى حبلى ) أو معنوية نحو ( أكل الكمثرى يحيى ) " أو كان " الفاعل " مضمرا متصلا " بالفعل بارزا كـ ( ضربت زيدا ) أو مستكنا كـ ( زيد ضرب غلامه ) بشرط أن يكون المفعول متأخرا عن الفعل ، لئلا ينتقض بمثل ( زيدا ضربت ) " أو وقع مفعوله " أي : مفعول الفاعل " بعد ( إلا ) " بشرط توسطها بينهما في صورتي التقديم والتأخير نحو : ( ما ضرب زيد إلا عمرا ) " أو بعد معناها " نحو : ( إنما ضرب زيد عمرا ) " وجب تقديمه " أي : تقديم الفاعل على المفهول في جميع هذه الصور ، أما في صورة انتفاء الإعراب والقرينة فيهما فللتحرز عن الالتباس ، وأما في صورة كون الفاعل ضميرا متصلا فلمنافاة الاتصال والانفصال .(1/155)
وإما في صورة وقوع المفعول بعد ( إلا ) لكن بشرط توسطها بينهما في صورتي التقديم والتأخير فلئلا ينقلب الحصر المطلوب ، فإن المفهوم من قوله ( ما ضرب زيد إلا عمرا ) انحصار ضاربية ( زيد ) في ( عمرو ) مع جواز أن يكون عمرو مضروبا لشخص آخر والمفهوم من قوله ( ما ضرب عمرا إلا زيد ) انحصار مضروبية ( عمرو ) في ( زيد ) مع جواز أني كون زيد ضاربا لشخص آخر ، فلو انقلب أحدهما بالآخر انقلب معنى الحصر المطلوب ، وإنم اقلنا : بشرط توسطها بينهما في صورتي التقديم والتأخير ، لأنه لو قدم المفعول على الفاعل مع ( إلاّ ) فيقال : ( ما ضرب إلا عمرا زيد ) /29/ب فالظاهر أن معناه انحصار ضاربية زيد في عمرو إذ الحصر إنما هو فيما يلي ( إلا ) فلا ينقلب الحصر المطلوب ، فلا يجب تقديم الفاعل لكن لم يستحسنه بعضهم ، لأنه من قبيل قصر الصفة
$[1/258]
على شيء قبل تمامها وإنما قلنا : الظاهر أن معناه كذا ، لاحتمال أنيكون معناه ( ما ضرب أحدا أحد إلا عمرا زيد ) فيفيد انحصار صفة كل منهما في الآخر وهو أيضاً خلاف المقصود .
وأما وجوب تقديمه عليه في صورة وقوع المفعول بعد معنى ( إلا ) لأن الحصر هاهنا في الجزاء الأخير ، فلو أخر الفاعل انقلب المعنى قطعا " وإذا اتصل به " أي : بالفاعل " ضمير مفعول " نحو ( ضرب زيد غلامه ) " أو وقع " أي : الفاعل " بعد ( إلا ) " المتوسطة بينهما في صورتي التقديم والتأخير نحو ( ما ضرب عمرا إلا زيد ) وفائدة هذا القيد مثل ما عرفت آنفا " أو " وقع الفاعل بعد " معناها " أي : معنى ( إلا ) نحو ( إنما ضرب عمرا زيد ) " أو اتصل " به " مفعوله " بأن يكون المفعول ضميرا متصلا بالفعل " وهو " أي : الفاعل " غير " ضمير " متصل به " نحو ( ضربك زيد ) " وجب تأخيره " أي : تأخير الفاعل عن المفعول في جميع هذه الصور .
$[1/259](1/156)
أما في صورة اتصال ضمير المفعول به فلئلا يلزم الإضمار قبل الذكر لفظا ورتبة ، وأما في صورة وقوعه بعد ( إلا ) أو معناها ، فلئلا ينقلب الحصر المطلوب ، وأما في صورة كون المفعول ضميرا متصلا والفاعل غير متصل فلمنافاة الاتصال الانفصال - بتوسط الفاعل الغير المتصل بينه وبين الفعل بخلاف ما إذا كان الفاعل أيضاً ضميرا
$[1/260]
متصلا ، فإنه يجب حينئذ تقديم الفاعل نحو ( ضربتك ) /30/أ .
" وقد يحذف الفعل " الرافع للفاعل " لقيام قرينة " دالة على تعيين المحذوف " جوازا " أي : حذفا جائزا " في مثل " قولك : " زيد " أي : فيما كان جوابا لسؤال محقق " لمن قال : من قام ؟ " سائلا عمن يقوم به القيام فيجوز أن تقول : ( زيد ) بحذف ( قام ) أي : ( قام زيد ) ويجوز أن تقول : ( قام زيد ) بذكره . وإنما قدر الفعل دون الخبر ، لأن تقدير الخبر يوجب حذف الجملة ، وتقدير الفعل يوجب حذف أحد جزئيها والتقليل في الحذف أولى .
" و " كذا يحذف الفعل جوازا فيما كان جواباً لسؤال مقدر ، نحو قول الشاعر ، في مرثية يزيد بن نهشل :
* " ليبك " . . . . . . . . . . *
$[1/261]
على البناء للمفعول " يزيد " مرفوع على أنه مفعول ما لم يسم فاعله " ضارع " أي : عاجز ذليل ، وهو فاعل الفعل المحذوف ، أي : ( يبكيه ضارع ) بقرينة السؤال المقدر وهو ( من يبكيه ) وأما على رواية ( ليبك يزيد ) على البناء للفاعل ونصب ( يزيد ) فليس مما نحن فيه " لخصومة " متعلق بضارع أي يبكيه من يذل ويعجز عن مقاومة الخصماء ، لأنه كان ظهيرا للعجزة ، والأذلاء وآخر البيت :
* " ومختبط مما تطيح الطوائح " *(1/157)
المختبط : السائل من غير وسيلة ، والاطاحة : الأهلاك ، والطوائح : جمع مطيحة على غير القياس كـ ( لواقح ) جمع ( ملقحة ) و ( مما ) يتعلق بمختبط و ( ما ) مصدرية ، يعني : ويبكيه أيضاً من يسأل بغير وسيلة من أجل إهلاك المهلكات ماله ، وما يتوسل به إلى تصحيل المال ، لأنه كان معطي السائلين بغير وسيلة . " و " قد يحذف الفعل الرافع للفاعل لقرينة دالة على تعيينه " وجوبا " أي : حذفا واجبا " في مثل " قوله تعالى : " وإن أحد من المشركين استجارك 30/ب فأجره " أي : في كل موضع حذف الفعل ، ثم فسر لرفع الإبهام الناشىء من الحذف ، فإنه لو ذكر المفسر لم يبق المفسر مفسرا ، بل صار حشوا بخلاف المفسر الذي فيه إبهام بدون حذفه فإنه يجوز الجمع بينه وبين مفسره كقولك : ( جاءني رجل . أي : زيد ) فتقدير الآية وإن استجارك أحد من المشركين استجارك . فـ ( أحد ) فيها فاعل فعل محذوف وجوبا ، وهو ( استجارك ) الأول المفسر باستجارك الثاني . وإنما وجب حذفه ، لأنه مفسره قائم مقامه مغن عنه ، ولا يجوز أن
$[1/262]
يكون ( أحد ) مرفوعا بالابتداء ، لامتناع دخول حرف الشرط على الاسم ، بل لا بد له من الفعل ، " وقد يحذفان " أي : الفعل والفاعل " معا " دون الفاعل وحده " في مثل : نعم " جوابا " لمن قال : أقام زيد ؟ " أي : نعم قام زيد ، فحذفت الجملة الفعلية ، وذكر ( نعم ) في مقامها .
وهذا الحذف جائر بقرينة السؤال ، لا واجب ، لعدم قيام ما يؤدي مؤداه في مقامه كالمفسر ، فيلزم في الكلام استدراك .
وإنما قدر الجملة الفعلية الاسمية بأن يقال : نعم زيد قام ، ليكون الجواب مطابقا للسؤال في كونه جملة فعلية .(1/158)
" وإذا تنازع الفعلان " بل العاملان ، إذ التنازع يجري في غير الفعل أيضاً ، نحو زيد معط ومكرم عمرا ، وبكر كريم وشريف أبوه ، واقتصر على الفعل لاصالته في العمل ، وإنما قال ( الفعلان مع أن التنازع قد يقع في أكثر من فعلين اقتصارا على أقل مراتب التنازع ، وهو الاثنان " ظاهرا " أي : اسما ظاهرا واقعا " بعدهما " أي : بعد الفعلين ، إذ
$[1/263]
المتقدم عليهما والمتوسط بينهما معمول للفعل الأول ، إذ هو يستحقه قبل الثاني : فلا يكون فيه مجال تنازع 31/أ ومعنى تنازعهما فيه : أنهما بحسب المعنى يتوجهان إليه ، ويصح أن يكون هو مع وقوعه في ذلك الموضع معمولا لكل واحد منهما على البدل فحينئذ لا يتصور تنازعهما في الضمير المتصل ، لأن المتصل الواقع بعدهما يكون متصلا بالفعل الثاني ، وهو مع كونه متصلا بالفعل الثاني لا يجوز أن يكون معمولا للأول كما لا يخفى .
وأما الضمير المنفصل الواقع بعدهما ، نحو : ما ضرب وأكرم إلا أنا ، ففيه تنازع . لكن لا يمكن قطعه بما هو طريق القطع عندهم ، وهو اضمار الفاعل في الأول عند البصريين ، وفي الثاني عند الكوفيين ، لأنه لا يمكن اضماره مع ( إلا ) لأنه حرف لا يصح اضماره ولا بدونه لفساد المعنى ، لأنه يفيد ، نفي الفعل عن الفاعل ، والمقصود اثباته له .
$[1/264]
ومراد المصنف بالتنازع هاهنا : ما يكون طريق قطعه اضمار الفاعل ، فلهذا خصه بالاسم الظاهر ، وأما التنازع الواقع في الضمير المنفصل فعلى مذهب الكسائي : يقطع بالحذف ، وعلى مذهب الفراء : يعملان معا ، وأما على مذهب غيرهما فلا يمكن قطعه ، لأن طريق القطع عندهم الإضمار وهو ممتنع ، لما عرفت ، " فقد يكون " أي : تنازع الفعلين " في الفاعلية " بأن يقتضي كل منهما أن يكون الاسم الظاهر فاعلا له ، فيكونان متفقين في اقتضاء الفاعلية " مثل : ضربني وأكرمني زيد " .
وقد يكون تنازعهما " في المفعولية " بأن يقتضي كل منهما أن يكون الاسم الظاهر(1/159)
$[1/265]
مفعولا له فيكونان متفقين في اقتضاء المفعولية " مثل : ضربت وأكرمت زيدا " ، " و " قد يكون تنازعهما " في الفاعلية 31/ب والمفعولية " وذلك يكون على وجهين :
أحدهما : أن يقتضي كل منهما فاعلية اسم ظاهر ومفعولية اسم ظاهر آخر ، فيكونان متفقين في ذلك الاقتضاء مثل : ضرب وأهان زيد عمرا ، وليس هذا قسما ثالثا من التنازع ، بل هو اجتماع القسمين الأولين .
وثانيهما : أن يقتضي أحد الفعلين فاعلية اسم ظاهر ، والآخر مفعولية ذلك الاسم الظاهر بعينه ، ولا شك في اختلاف اقتضاء الفعلين في هذه الصورة ، وهذا هو القسم الثالث المقابل للأولين .
فقوله " مختلفين " لتخصيص هذه الصورة بالارادة ، يعني : قد يكون تنازع الفعلين واقعا في الفاعلية والمفعولية حال كون الفعلين مختلفين في الاقتضاء وذلك لا يتصور إلا إذا كان الاسم الظاهر المتنازع فيه واحدا ، وإنما لم يورد مثالا للقسم الثالث ، لأنه إذا أخذ فعل من المثال الأول ، وفعل من المثال الآخر حصل مثال القسم الثالث ، وذلك يتصور على وجوه كثيرة ، مثل : ضربني وضرب زيدا ، وأكرمني وأكرمت زيدا ، وأكرمني وضرب زيدا ، وغير ذلك مما يكون الاسم الظاهر مرفوعا .
" فيختار " النحاة " البصريون أعمال " الفعل " الثاني " لقربه مع تجوير أعمال الأول ويختار النحاة " الكوفيون أعمال الأول " أي : أعمال الفعل الأول مع تجويز أعمال الثاني ، لسبقه .
$[1/266]
وللاحتراز عن الإضمار قبل الذكر " فإن أعملت " الفعل " الثاني " كما هو مذهب البصريين .(1/160)
وبدأ به لأنه المذهب المختار الأكثر استعمالا " أضمرت/32/أ الفاعل " في الفعل " الأول " إذا اقتضى الفاعل ، لجواز الإضمار قبل الذكر في العمدة بشرط التفسير ، وللزم التكرار بالذكر ، وامتناع الحذف . " على وفق " الاسم " الظاهر " الواقع بعد الفعلين ، أي : على موافقته افرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا لأنه مرجع الضمير ، والضمير يجب أن يكون موافقا للمرجع في هذه الأمور " دون الحذف " لأنه لا يجوز حذف الفاعل إلا إذا سد شيء مسده " خلافا للكسائي " فإنه لا يضمر الفاعل في الفعل الأول بل يحذفه تحرزا عن الإضمار قبل الذكر .
ويظهر أثر الخلاف في نحو : ( ضرباني وأكرمني الزيدان ) عن البصريين ، وضربني وأكرمني الزيدان ، عند الكسائي .
" وجاز " أي : أعمال الفعل الثاني مع اقتضاء الفعل الأول الفاعل " خلافا للفراء " فإنه لا يجوز إعمال الفعل الثاني عن اقتضاء الفعل الأول الفاعل لأنه يلزم على تقديره إعماله : إما الإضمار قبل الذكر كما هو مذهب الجمهور ، أو حذف الفاعل كما هو مذهب الكسائي ، بل يجب عنده إعمال الفعل الأول ، فإن اقتضى الثاني الفاعل أضمرته ، وإن اقتضى المفعول حذفته أو أضمرته ، تقول : ضربني وأكرماني الزيدان ، وضربني وأكرمت الزيدان ، أو ضربني وأكرمتها الزيدان ولا يلزم حينئذ محذور وهو الإضمار قبل الذكر أو حذف الفاعل .
$[1/267]
وقيل : روى عند تشريك الرافعين ، أو اضماره بعد الظاهر كما هو صورة تأخير الناصب ، تقول : ضربني وأكرمني زيد هو ، وضربني وأكرمت زيدا هو .
ورواية المتن غير مشهورة عنه " وحذفت المفعول " تحرزا عن التكرار لو ذكر ، وعن الإضمار قبل الذكر في الفضلة 32/ب لو أضمر " ان استغنى عنه وإلا " أي : وإن لم يستغن عنه " أظهرت " أي : المفعول ، نحو : حسبني منطلقا ، وحسبت زيدا منطلقا ، لأنه لا يجوز حذف أحد مفعولي باب حسبت ، ولا يجوز اضماره ، لئلا يلزم
$[1/268]
الإضمار قبل الذكر في الفضلة .(1/161)
" وإن أعملت الفعل الأول " كما هو مختار الكوفيين " أضمرت الفاعل في " الفعل الثاني لو اقتضاه نحو : ضربني وأكرمني زيد ، إذا جعلت ( زيدا ) فاعل ( ضربني ) وأضمرت في أكرمني ضميرا راجعا إلى زيد ، لتقدمه رتبة ، فلا محذور فيه حينئذ ، لا حذف الفاعل ولا الإضمار قبل الذكر لفظا ورتبة بل لفظا فقط ، وهو جائر " وأضمرت المفعول في " الفعل " الثاني " لو اقتضاه " على " المذهب " المختار " ولم تحذفه وإن جاز حذفه ، لئلا يتوهم أن مفعول الفعل الثاني مغاير للمذكور ، ويكون الضمير حينئذ راجعا إلى لفظ متقدم رتبة ، كما تقول : ضربني وأكرمته زيد ، " إلا أن يمنع مانع " من الإضمار كما هو القول المختار ، ومن الحذف كما هو القول الغير المختار " فتظهر " المفعول فإنه إذا امتنع الإضمار والحذف لا سبيل إلا إلى الاظهار نحو : حسبنى وحسبتهما منطلقين الزيدان منطلقا ، حيث أعمل ( حسبنى ) فجعل ( الزيدان ) فاعلا له و ( منطلقا ) مفعولا له ، وأضمر المفعول الأول في حسبتهما وأظهر المفعول الثاني وهو ( منطلقين ) لمانع وهو أنه لو أضمر مفردا خالف المفعول الأول ، ولو أضمر مثنى خالف المرجع وهو قوله : منطقا ، ولا يخفى أنه لا يتصور التنازع في هذه الصورة إلا إذا لاحظت المفعول الثاني/33/أ اسما دالا على اتصاف ذات ما بالانطلاق من غير ملاحظة تثنيته وافراده ، وإلا فالظاهر أنه لا تنازع بين الفعلين في المفعول الثاني ، لأن الأول يقتضي مفعولا مفردا والثاني مفعولا مثنى ، فلا يتوجهان إلى أمر واحد فلا تنازع فيه .
ولما استدل الكوفيون على أولوية أعمال الفعل الأول بقول امرىء القيس :
$[1/269]
ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة ... ... كفاني ولم أطلب قليلٌ من المال(1/162)
حيث قالوا : قد توجه الفعلا ، أعني ( كفاني ولم أطلب ) إلى اسم واحد وهو قليل من المال ، فاقتضى الأول رفعه بالفاعلية ، والثاني نصبه بالمفعولية ، وامرؤ القيس الذي هو أفصح شعراء العرب أعمل الأول ، فلو لم يكن اعمال الأول أولى لما اختاره ، إذ لا قائلا بتساوي الأعمالين ، فأجاب المصنف عن طرف البصريين وقال :
" وقول امرىء القيس ( كفاني ولم أطلب قليلُ من المال ) ليس منه " أي : من باب التنازع " لفساد المعنى " على تقدير : توجه كل من كفاني ولم أطلب إلى ( قليل طلبه المنافي لكل منهما ، وذلك ( لأن لفظ لو ) يجعل مدخوله المثبت شرطا كان أو جزاء أو معطوفا على أحدهما منفيا والمنفي من ذلك مثبتا ، فعلى هذا ينبغي أن يكون مفعول ( لم أطلب ) محذوفا ، أي : لم أطلب العز والمجد ، كما يدل عليه البيت المتأخر ، أعني قوله :
$[1/270]
ولكنّما أسعى لمجدٍ مؤثلٍ ... ... وقد يدركُ المجدَ المؤثلَ أمثالي
وحينئذ يستقيم المعنى ، يعني : أنا لا أسعى لأدنى معيشة ، ولا يكفيني قليل من المال ، ولكني أطلب المجد الأصيل الثابت وأسعى له .
$[1/271]
مفعول ما لم يسمَّ فاعله
أي : مفعول فعل أو شبه فعل لم يذكر فاعله ، وإنما لم يفصله عن الفاعل ولم يقل : ومنه كما فصل المبتدأ حيث قال : ومنها المبتدأ والخبر ، لشدة اتصاله بالفاعل حتى سماه بعض النحاة فاعلا .
" كل مفعول حذف فاعله " أي : فاعل ذلك المفعول وإنما أضيف إلى المفعول لملابسة كونه فاعلا لفعل متعلق به .
" وأقيم هو " أي : المفعول " مقامة " أي : مقام الفاعل في إسناد الفعل أو شبهه إليه " وشرطه " أي : شرط مفعول ما لم يسم فاعله في حذف فاعله ، واقامته مقام الفاعل ، إذا كان عامله فعلا .
" أن تغير صيغة الفعل إلى فعل " أي : إلى الماضي المجهول " أو يفعل " أي : إلى المضارع المجهول فيتناول مثل ( افتعل واستغفعل ، ويفتعل ويستفعل ) وغيرها من الأفعال المجهولة المزيد فيها .(1/163)
" ولا يقع " موقع الفاعل " المفعول الثاني من " مفعولي " باب علمت " لأنه مسند إلى المفعول الأول اسنادا تاما ، فلو اسند الفعل إليه ولا يكون إسناده إلا تاما لزم كونه مسندا ومسندا إليه معا ، مع كون كل من الاسنادين تاما ، بخلاف : أعجبني ضرب زيد ، لأنه أحد الاسنادين - وهو إسناد المصدر - غير تام " ولا " المفعول " الثالث من " مفاعيل " باب ( أعلمت ) " إذ حكمة حكم المفعول الثاني من باب ( علمت ) في كونه
$[1/272]
مسندا " والمفعول له " بلا لام ، لأن النصب فيه مشعر بالعلية 34/أ فلو أسند إليه الفعل فات النصب ، والاشعار بخلاف ما إذا كان مع اللام ، نحو : ضرب للتأديب . " والمفعول معه كذلك " أي : كل من المفعول له والمفعول معه كذلك أي : كالمفعول الثاني والثالث من باب ( علمت وأعلمت ) في أنهما لا يقعان موقع الفاعل .
أما المفعول له فلما عرفت ، وأما المفعول معه فلأنه لا يجوز اقامته مقام الفاعل مع الواو التي أصلها العطف - وهي دليل الانفصال ، والفاعل كالجزء من الفعل - ولا بدون الواو فإنه لم يعرف حينئذ كونه مفعولا معه .
$[1/273]
" وإذا وجد المفعول به " في الكلام مع غيره من المفاعيل التي يجوز وقوعها موقف الفاعل " تعين " أي : المفعول به .
" له " أي : لوقوعه موقع الفاعل ، لشدة شبهه بالفاعل في توقف تعقل الفعل عليهما ، فإن الضرب مثلا كما أنه لا يمكن تعقله بلا ضارب كذلك لا يمكن تعقله بلا مضروب ، بخلاف سائر المفاعيل ، فإنها ليست بهذه الصفة .
" تقول : ضرب زيد " بإقامة المفعول به مقام الفاعل .
" يوم الجمعة " ظرف زمان .
" أمام الأمير " ظرف مكان .
" ضربا شديدا " مفعول مطلق للنوع باعتبار الصفة وفائدة وصف الضرب بالشدة التنبيع على أن المصدر لا يقوم مقام الفاعل بلا قيد مخصص ، إذ لا فائدة فيه لدلالة الفعل عليه " في داره " جار ومجرور شبيه بالمفاعيل أقيم مقام الفاعل مثلها ، " فتعين
$[1/274]
((1/164)
زيد ) وإن لم يكن " أي : وإن لم يوجد في الكلام مفعول به " فالجميع " أي : جميع ما سوى المفعول به " سواء " في جواز وقوعها موقع الفاعل " و34/ب " المفعول " الأول : من باب أعطيت " أي : الفعل المتعدي إلى مفعولين .
ثانيهما غير الأول " أولى " بأن يقام مقام الفاعل " من " المفعول الثاني لأن فيه معنى الفاعلية بالنسبة إلى الثاني ، لأنه عاط ، أي : آخذ نحو : أعطي زيد درهما ، مع جواز ( أعطي درهم زيدا ) وذلك عند الأمن من اللبس ، وأما عند عدمه فيجب إقامة المفعول الأول نحو : أعطي زيد عمرا .
$[1/275]
" المبتدأ والخبر "
وفي بعض النسخ ، ( ومنه ) يعني : من جملة المرفوعات أو من جملة المرفوع المبتدأ والخبر . جمعهما في فصل واحد ، للتلازم الواقع بينهما على ما هو الأصل فيهما ، واشتراكهما في العامل المعنوي .
فالمبتدأ " وهو الاسم " لفظا وتقديرا ، ليتناول نحو " وأن تصوموا خير لكم " .
" المجرد عن العوامل اللفظية " أي : الاسم الذي لم يوجد فيه عامل لفظي أصلا ، واحترز به عن الاسم الذي فيه عامل لفظي ، كاسمي ( إن وكان ) وكأنه أراد بالعامل اللفظي : ما يكون مؤثرا في المعنى ، لئلا يخرج عنه مثل : بحسبك درهم ، " مسندا إليه " واحترز به عن الخبر ، وثاني قسمي المبتدأ الخارج عن هذا القسم ، فإنهما لا يكونان إلا مسندين .
" أو الصفة " سواء كانت مشتقة كضارب ومضروب وحسن ، أو جارية مجراها كقرشي " الواقعة بعد حرف النفي " كما ولا " وألف الاستفهام " ونحوه كـ ( هل وما
$[1/276]
ومن ) .
ونقل عن سيبويه : جواز الابتداء بها من غير استفهام ونفي مع قبح ، والأخفش يرى ذلك حسنا ، وعليه قول الشاعر :
فخير نحن عند الناس منكم ... ... . . . . . . . . . . . . . . . .
$[1/277](1/165)
فخير : مبتدأ ، ونحن : فاعله ، ولو جعل ( خير ) 35/أ خبرا عن ( نحن ) لفصل بين اسم التفضيل ومعموله الذي هو ( من ) بأجنبي ، وهو غير جائز ، لضعف عمله ، بخلاف ما لو كان فاعلا ، لكونه كالجزء .
" رافعة لظاهر " أو ما يجري مجراه ، وهو الضمير المنفصل ، لئلا يخرج عنه نحو قوله تعالى " أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم " .
واحترز به عن نحو ( أقائمان الزيدان ) لأن ( أقائمان ) رافع لمضمر عائد إلى ( الزيدان ) ، ولو كان رافعا لهذا الظاهر لم يجز تثنيته " مثل : زيد قائم " مثال للقسم الأول من المبتدأ " وما قائم الزيدان " مثال للصفة الواقعة بعد حرف النفي " وأقائم الزيدان ؟ " مثال للصفة الواقعة بعد جرف الاستفهام " فإن طابقت " أي : الصفة الواقعة بع حرف النفي أو ألف الاستفهام اسما " مفردا " مذكورا بعدها ، نحو ما قائم زيد وأقائم زيد ؟ .
واحترز به عما إذا طابقت مثنى نحو : أقائمان الزيدان ؟ أو مجموعا نحو : أقائمون الزيدون ؟ فإنها حينئذ خبر ليس إلا .
$[1/278]
" جاز الأمران " كون الصفة مبتدأ وما بعدها فاعلها يسد مسد الخبر ، وكون ما بعدها مبتدأ والصفة خبرا مقدما عليه .
فههنا ثلاث صور .
إحداها : أقائمان الزيدان ؟ ويتعين حينئذ أن يكون ( الزيدان ) مبتدأ و ( أقائمان ) خبرا مقدما عليه .
ثانيهما : أقائم الزيدان ؟ ويتعين حينئذ أن يكون ( الزيدان ) فاعلا للصفة قائما مقام الخبر .
وثالثها : أقائم زيد ؟ ويجوز فيه الأمران كما عرفت .
" والخبر : هو المجرد " أي : هو الاسم المجرد عن العوامل اللفظية ، لأن الكلام في مرفوعات الاسم ، فلا يصدق على ( يضرب ) في ( يضرب زيد ) ، أنه المجرد المسند به 35/ب المغاير للصفة المذكورة ، لأنه ليس باسم " المسند به " أي : ما يوقع به الإسناد .
واحترز به عن القسم الأول من المبتدأ ، لأنه مسند إليه لا مسند به .
" المغاير للصفة المذكورة " في تعريف المبتدأ .(1/166)
واحترز به عن القسم الثاني من المبتدأ ، ولك أن تقول : المراد بالسند به : المسند به إلى المبتدأ ، أو يجعل الباء في ( به ) بمعنى ( إلى ) ، والضمير المجرور راجعا إلى المبتدأ ، وعلى التقديرين يخرج به القسم الثاني من المبتدأ ويكون قوله : ( المغاير للصفة المذكورة ) تأكيدا .
وأعلم أن العامل في المبتدأ والخبر هو الابتداء ، أي : تجريد الاسم عن
$[1/279]
العوامل اللفظية ، ليسند إلى شيء أو ليسند إليه شيء ، فمعنى الابتداء عامل في المبتدأ والخبر ، رافع لهما عند البصريين .
وأما عند غيرهم ، فقال بعضهم : الابتداء عامل في المبتدأ ، والمبتدأ عامل في الخبر .
وقال آخرون : كل واحد من المبتدأ والخبر عامل في الآخر ، وعلى هذا لا يكونان مجردين عن العوامل اللفظية .
" وأصل المبتدأ " أي : ما ينبغي أن يكون المبتدأ عليه إذا لم يمنع مانع " التقديم " على الخبر لفظا ، لأن المبتدأ ذات والخبر حال من أحوالها ، والذات متقدمة على أحوالها " ومن ثمّ " أي : ومن أجل أن الأصل في المبتدأ التقديم لفظا " جاز " قولهم : " في داره زيد " مع كون الضمير عائدا إلى ( زيد ) ، المتأخر لفظا ، لتقدمه رتبة ، لأصالة التقديم " وامتنع " قولهم " صاحبها في الدار " لعود الضمير إلى ( الدار ) ، وهو في حيز الخبر الذي أصله التأخير ،
$[1/280]
فيلزم عود الضمير إلى المتأخر لفظا ورتبة ، وهو غير جائز .(1/167)
" وقد يكون المبتدأ نكرة " وإن كان الأصل فيه أن يكون معرفة لأن للمعرفة معنى معينا ، والمطلوب 36/أ المهم الكثير الوقوع في الكلام إنما هو الحكم على الأمور المعنية ، ولكنه لا يقع نكرة على الإطلاق بل " إذا تخصصت " تلك النكرة " بوجه ما " من وجوه التخصيص ، إذ بالتخصيص يقل اشتراكها ، فتقرب من المعرفة " مثل " قوله تعالى " ولعبد مؤمن خير من مشرك " فإن العبد متناول للمؤمن والكافر ، وحيث وصف بالمؤمن تخصص بالصفة ، فجعل مبتدأ ( وخير ) خبره " و " مثل قولك " أرجل في الدار أم امرأة " ؟
فإن المتكلم بهذا الكلام يعلم أن أحدهما في الدار ، فيسأل المخاطب عن تعيينه ، فكأنه قال : أي من الأمرين المعلوم كون أحدهما في الدار كائن فيها ؟ فكل واحد منهما تخصص بهذه الصفة ، فجعل ( الرجل ) مبتدأ ( وفي الدار ) خبره " و " مثل قولك : " ما أحد خير منك " فإن النكرة فيه وقعت في حيز النفي ، فأفادت عموم الأفراد وشمولها ، فتعينت وتخصصت ، فإنه لا تعدد في جميع الأفراد ، بل هو أمر واحد ، وكذا كل نكرة في الاثبات قصد بها العموم ، نحو " تمرة خير من جرادة " و " مثل قولهم :
$[1/281]
" شر أهرّ ذا ناب " لتخصصه بما يتخصص به الفاعل ، لشبهه به إذ يستعمل في موضع ما أهرّ ذا ناب الأشرّ .
وما يتخصص به الفاعل قبل ذكره هو صحة كونه محكوما عليه بما أنسد إليه فإنك إذا قلت : قام ، علم منه أن ما يذكره بعده أمر يصح أني حكم عليه بالقيام ، فإذا قلت : رجل ، فهو في قوة قولنا : رجل موصوف بحصة الحكم عليه بالقيام .(1/168)
واعلام أن المهرّ للكلب بالنباح المعتاد قد يكون خيرا ، كماإذا كان مجيء حبيب مثلا ، وقد يكون شرّا ، كما إذا كان مجيء عدوّه والمهرّ 36/ب له بنباح غير معتاد يتشاءم به يكون شرّا لا خيرا . فعلى الأول يصح القصر بالنسبة إلى الخير ، فمعناه شرّ لا خير أهر ذا ناب ، وعلى الثاني لا يصح ، فيقدر وصف حتى يصح القصر ، فيكون المعنى : شرّ عظيم لا حقير أهرّ ذا ناب ، وهذا مثل يضرب لرجل قوي أدركه في حادثة .
" و " مثل قولك : " في الدار رجل " لتخصصه بتقدير الخبر ، لأنه إذا قيل : في الدار ، علم أن ما يذكر بعده موصوف بصحة استقراره في الدار ، فهو في قوة التخصيص بالصفة .
$[1/282]
" و " مثل قولك : " سلام عليك " لتخصصه بنسبته إلى المتكلم إذ أصله : سلمت سلاما عليك ، فحذف الفعل وعدل إلى الرفع ، لقصد الدوام والاستمرار ، فكأنه قال : سلامي ، أي : سلام من قبلي وعليك ، هذا هو المشهور فيما بين النحاة .
وقال بعض المحققين منهم : مدار صحة الأخبار عن النكرة على الفائدة لا على ما ذكروه من التخصيصات التي يحتاج في توجيهاتها إلى هذه التكلفات الركيكة الواهية
$[1/283]
الضعيفة ، فعلى هذا يجوز أن يقال : كوكب انقض الساعة ، لحصول الفائدة ولا يجوز أن يقال : رجل قائم ، لعدمها ، وهذا القول أقرب إلى الصواب . ولما كان الخبر المعرف - فيما سبق - مختصا بالمفرد ، لكونه قسما من الاسم ، فلم تكن الجملة داخلة فيه ، أراد أن يشير إلى أن خبر المبتدأ قد يقع جملة أيضاً ، فقال " والخبر قد يكون جملة " اسمية " مثل : زيد أبوه قائم " " و " فعليه مثل " زيد قام أبوه " ولم يذكر الظرفية لأنها راجعة إلى الفعلية .
وإذا كان الخبر جملة ، والجملة مستقلة بنفسها ، لا تقتضي الارتباط بغيرها ، " فلا بد " في 37/أ الجملة الواقعة خبرا عن المبتدأ " من عائد " يربطها به " وذلك " العائد : إما ضمير ، كما في المثالين المذكورين ، أو غيره ، كاللام في : نعم الرجل زيد .(1/169)
ووضع المظهر في موضع المضمر في نحو : ( الحاقّة ما الحاقّة ) وكون الخبر تفسيرا للمتبدأ في نحو ( قل هو اللّه أحد ) .
" وقد يحذف " العائد إذا كان ضميرا لقيام قرينة نحو : ( البُرّ الكُرّ بستين درهما ) و ( السمن منوان بدرهم ) أي : الكُرّ منه ومنوان منه ، بقرينة أن بائع البر والسمن لا يسعر غيرهما .
$[1/284]
" وما وقع ظرفا " أي : الخبر الذي وقع ظرف زمان أو مكان أو جارا ومجرورا " فالأكثر " من النحاة ، وهم البصريون " على أنه " أي : الخبر الواقع ظرفا " مقدر " أي : مؤول " بجملة " بتقدير الفعل فيه ، لأنه إذا قدر فيه الفعل يصير جملة فعلية بخلاف ما إذا قدر فيه اسم الفاعل ، كما هو مذهب الأقل ، وهم الكوفيون ، فإنه يصير حينئذ مفردا . ووجه الأكثر أن الظرف لا بد له من متعلق عامل فيه ، والأًل في العمل هو الفعل ، فإذا وجب التقدير فالأصل أولى .
ووجه الأقل أنه خبر ، والأصل في الخبر الإفراد .
ثم أن الأصل في المبتدا التقديم ، وجاز تأخيره ، لكنه قد يجب لعارض كما أشار إليه بقوله " وإذا كان المبتدأ مشتملا على ماله صدر الكلام " أي : على معنى وجب له صدر الكلام كالاستفهام ، فإنه يجب حينئذ تقديمه حفظها لصدارته " مثل : من
$[1/285]
أبوك ؟ " فإن ( من ) مبتدأ مشتمل على ما له صدر الكلام ، وهو الاستفهام فإن معناه أهذا أبوك أم ذاك وأبوك خبره ، وهذا مذهب سيبويه وذهب بعض النحاة إلى أن ( أبوك ) مبتدأ لكونه معرفة و ( من ) خبره الواجب تقديمه على المبتدأ ، لتضمنه 37/ب معنى الاستفهام .
" أو كانا " أي : المبتدأ والخبر " معرفتين " متساويين في التعريف أو غير متساويين ، ولا قرينة على كون أحدهما مبتدأ والآخر خبرا نحو : زيد المنطلق .
" أو " كانا " متساويين " في أصل التخصيص لا في قدره حتى لو قيل : غلام رجل صالح خير منك ، لوجب تقديمه أيضاً " مثل : أفضل منك أفضل مني " دفعا للاشتباه .(1/170)
" أو كان الخبر فعلا له " أي : للمتبدأ ، احترازا عما لا يكون فعلا له كما في قولك : زيد قام أبوه ، فإنه لاي جب فيه تقديم المبتدأ على الخبر ، لجواز أن يقال : قام أبوه
$[1/286]
زيد ، لعدم الالتباس " مثل : زيد قام ، وجب تقديمه " أي : تقديم المبتدأ على الخبر في هذه الصورة أما في الصورة الأولى ، فلما ذكرنا .
وأما في الصورة الأخيرة فلئلا يلتبس المبتدأ بالفاعل إذا كان الفاعل مفردا ، مثل : زيد قام ، فإنه إذا قيل ، قام زيد ، التبس المبتدأ في الفاعل أو بالبدل عن الفاعل إذا كان مثنى أو مجموعا ، فإنه إذا قيل في مثل : الزيدان قاما ، والزيدون قاموا ، قاما الزيدان ، وقاموا الزيدون ، يحتمل أن يكون ( الزيدان ) و ( الزيدون ) بدلا من الفاعل ، فالتبس المبتدأ به أو بالفاعل على هذا التقدير ، أيضاً على قول من يجوز كون الألف والواو حرفا دالا على تثنية الفاعل وجمعه كالتاء في ( ضربت هند ) .
$[1/287]
" وإذا تضمن الخبر المفرد " أي : الذي ليس بجملة صورة ، سواء كان بحسب الحقيقة جملة أو غير جملة " ماله صدر الكلام " أي : معنى وجب له صدر الكلام كالاستفهام " مثل : أين زيد ؟ " فـ ( زيد ) مبتدأ و ( أين ) اسم متضمن للاستفهام : خبره وهو 38/أ ظرف .
فإن قدر بفعل كان اخلبر جملة حقيقة مفردا صورة ، وإن قدر باسم الفاعل كان الخبر مفردا صورة وحقيقة ، وعلى التقديرين ليس بجملة صورة ، واحترز به عن نحو : زيد أين أبوه ؟ إذ لا يبطل بتأخيره صدارة ماله صدر الكلام لتصدره في جملته .
" أو كان " الخبر بتقديمه " مصححا له " أي : للمبتدأ من حيث إنه مبتدأ فتقديمه يصحح وقوعه مبتدأ " مثل : في الدار رجل " فإن ( في الدار ) خبر يخصص المبتدأ بتقديمه كما عرفت ، فلو أخر بقي المبتدأ نكرة غير مخصصة .
" أو كان لمتعلقه " بكسر اللام - أي : كان لمتعلق الخبر التابع له تبعية يمتنع معها تقديمه على
$[1/288](1/171)
الخبر ، فلا يرد نحو : ( وعلى الله عبده متوكل ) " ضمير " كائن " في " جانب " المبتدأ " راجع إلى ذلك المتعلق ، إذ لو أخر لزم الإضمار قبل الذكر لفظا ومعنى " مثل : على التمرة مثلها زيدا " فقوله : ( مثلها ) أي : مثل التمرة ، مبتدأ وفيه ضمير لمتعلق الخبر وهو التمرة لأن الخبر هو قوله : على التمرة ، و ( التمرة ) متعلق به مثل تعلق الجزء بالكل .
" أو " كان الخبر " خبرا عن ( أنّ ) " المفتوحة الواقعة مع اسمها وخبرها المؤول بالمفرد ، مبتدأ ، إذ في تأخيره خوف لبس ( أنّ ) المفتوحة بالمكسورة في التلفظ لامكان الذهول عن الفتحة ، لخفائها ، أو في الكتابة " مثل : عندي أنك قائم ، وجب تقديمه " أي : تقديم الخبر على المبتدأ في جميع هذه الصور ، لما ذكرنا .
" وقد يتعدد الخبر " من غير تعدد المخبر عنه فيكون اثنين فصاعدا ، وذلك التعدد إما بحسب اللفظ والمعنى جميعا ، ويستعمل ذلك على وجهين :
بالعطف ، مثل : زيد عالم 38/ب وعاقل .
وبغير العطف " مثل : زيد عالم عاقل " .
$[1/289]
وإما بحسب اللفظ فقط ، نحو ( هذا حلوّ حامضّ ) ، فإنهما في الحقيقة خبر واحد ، أي : ( مرّ ) وفي هذه الصورة ترك العطف أولى .
ونظر بعض النحاة إلى صورة التعدد وجوز العطف .
ولا يبعد أن يقال : إن مراد المصنف بتعدد الخبر ما يكون بغير عاطف لأن التعدد بالعاطف لا خفاء فيه لا في الخبر ولا في المبتدأ ، ولا في غيرهما ، وأيضاً المتعدد بالعطف ليس بخبر ، بل هو من توابعه ، ولهذا أورد في المثال الخبر المتعدد بغير عاطف ، ولو جعل التعدد أعم فالاقتصار عليه لذلك .
" وقد يتضمن المبتدأ معنى الشرط " وهو سببية الأول للثاني أو للحكم به ، فلا يرد عليه نحو " وما بكم من نعمة فمن الله " فيشبه المبتدأ الشرط في سببيته للخبر سببية الشرط للجزاء .
" فيصح دخول الفاء في الخبر " ويصح عدم دخوله فيه نظرا إلى مجرد تضمن المبتدأ معنى الشرط .(1/172)
وأما إذا قصد الدلالة على ذلك المعنى في اللفظ فيجب دخول الفاء فيه ، وأما إذا لم يقصد فلم يجب دخوله فيه ، بل يجب عدمه ، " وذلك " المبتدأ المتضمن معنى الشرط .
إما " الاسم الموصول بفعل أو ظرف " أي : الذي جعلت صلته بجملة فعلية أو ظرفية مؤولة بجملة فعلية هاهنا بالاتفاق .
وإنما اشترط أن تكون صلته فعلا أو ظرفا مؤولا بالفعل ، ليتأكد مشابهته الشرط ، لأن الشرط لا يكون إلا فعلا .
وفي حكم الاسم الموصول المذكور الاسم الموصوف به " أو النكرة الموصوفة بهما " أي : بأحدهما .
وفي حكمهما الاسم المضاف إليها " مثل : الذي يأتيني " هذا مثال للاسم الموصول 39/أ بفعل " أو " الذي " في الدار " هذا مثال للاسم الموصول بظرف " فله درهم " وأما مثال الاسم الموصوف بالاسم الموصول المذكور فقوله تعالى : { قل إنّ الموت الذي تفرون منه فإنّه ملاقيكم } " و" مثل " كل رجل يأتيني " هذا مثال للاسم الموصوف بفعل " أو " كل رجل " في الدار " هذا مثال للاسم الموصوف بظرف " فله درهم " .
وأما مثال الاسم المضاف إلى النكرة الموصوفة بأحدهما فقولك : كل غلام رجل
$[1/290]
يأتيني ، أو في الدار فله درهم .
" وليت ولعلّ " من الحروف المشبهة بالفعل ، إذا دخلا على المبتدأ الذي يصح دخول الفاء على خبره - على ما مر " مانعان " عن دخوله عليه ، لأن صحة دخوله عليه إنما كان لمشابهة المبتدأ والخبر للشرط والجزاء ، و ( ليت ولعل ) يزيلان تلك المشابهة ، لأنهما يخرجان الكلام من الخبرية إلى الانشائية والشرط والجزاء من قبيل الأخبار .
وذلك المنع إنما هو " بالاتفاق " من النحاة فلا يقال : ليت أو لعل الذي يأتيني ، أو في الدار فله درهم .
فإن قيل : ( باب كان ، وباب علمت ) أيضاً مانعان بالاتفاق فما وجه تخصيص ( ليت ولعل ) قيل : تخصيصهما ببيان الاتفاق إنما هو من بين الحروف المشبهة بالفعل لا مطلقا ، ووجه ذلك التخصيص الاهتمام ببيان الاختلاف الواقع فيها .
$[1/291](1/173)
" وألحق بعضهم " قيل : هو سيبويه " إنّ " المكسورة " بهما " أي : بـ ( ليت ولعل ) في المنع عن دخول الفاء في الخبر .
والأصح أنها لا تمنع عنه لأنها لا تخرج الكلام عن الخبرية إلى الانشائية يويده قوله تعالى : { إنّ الذي كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين } ( آل عمران : 91 ) .
فإن قيل : قد ألحق بعضهم ( أن ) المفتوحة 39/ب و ( لكن ) بليت ولعل ، فما وجه تخصيص ( أن ) المكسورة بالالحاق . قيل : بعضهم الذي ألحق ( أن ) - المكسورة بهما هو سيبويه ، فاعتد بقوله وذكره ولم يعتد بقول من سواه فلم
$[1/292]
يذكره مع ان كلا القولين لا يساعدهما القرآن وكلام الفصحاء .
فما يدل على عدم منع ( إنّ ) المكسورة عن دخول الفاء على الخبر ما سبق وما يدل على عدم منع ( أنّ ) المفتوحة و ( لكنّ ) عن دخول الفاء قوله تعالى : { واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأنّ لله خمسه } وقول الشاعر :
فوالله ما فارقتكم قاليا لكم ... ... ولكن ما يقضى فسوف يكون
" وقد يحذف المبتدأ ، لقيام قرينة " لفظية أو عقلية " جوازا " أي : حذفا جائزا لا واجبا .
وقد يجب حذفه إذا قطع النعت بالرفع ، نحو " الحمد لله أهل الحمد " أي : هو أهل الحمد .
وإنما وجب حذفه ، ليعلم أنه كان في الأصل صفة ، فقطع ، لقصد انشاء المدح أو الذم أو غير ذلك ، فلو ظهر المبتدأ لم يتبين ذلك القصد وقد يجب حذفه أيضاً عند من قال في ( نعم الرجل زيد ) :
$[1/293]
إنّ تقديره ( هو زيد ) " كقول المستهل "(1/174)
أي : المبتدأ المحذوف جوازا مثل المبتدأ المحذوف في قول المستهل المبصر للهلال الرافع صوته عند ابصاره " الهلال والله " أي : هذا الهلال والله بالقرينة الحالية وليس من باب حذف الخبر ، بتقدير : الهلال هذا ، لأن مقصود المستهل تعيين شيء بالاشارة ، والحكم عليه بالهلالية ، ليتوجه إليه الناظرون ويروه كما يراه وإنما أتى بالقسم جريا على عادة المستهلين غالبا ولئلا يتوهم نصب ( الهلال ) عند الوقف .
$[1/294]
" و " قد 40/أ يحذف " الخبر جوازا " أي : حذفا جائزا ، لقيام قرينة من غير اقامة شيء مقامه " مثل " الخبر المحذوف جوازا في قولك " خرجت فإذا السبع " فإن : تقديره على المذهب الصحيح كما نص عليه ( صاحب اللباب ) : خرجت فإذا السبع واقف ، على أن يكون ( إذا ) ظرف زمان للخبر المحذوف غير سادة مسدة أي : ففي وقت خروجي السبع واقف .
" و " قد يحذف الخبر لقيام قرينة " وجوبا " أي : حذفا واجبا " فيما التزم " أي : في التركيب الذي التزم " في موضعه " أي : في موضع الخبر " غيره " أي : غير الخبر ، وذلك في أربعة أبواب على ما ذكره المصنف .
أولها : المبتدأ الذي بعد ( لولا ) " مثل : لولا زيد لكان كذا " أي : لولا زيد موجود ، لأن ( لولا ) لامتناع الشيء لوجود غيره ، فيدل على الوجود .
وقد التزم في موضع الخبر جواب ( لولا ) فيجب حذفه ، لقيام قرينة والتزام قائم مقامه ، هذا إذا كان الخبر عامّا وأمّا إذا كان الخبر خاصّا فلا يجب حذفه كما في قوله :
$[1/295]
ولولا الشعر بالعلماء يزري ... ... لكنت اليوم أشعر من لبيد
ولولا خشية الرحمن عندي ... ... جعلت الناس كلهم عبيدي
هذا على مذهب البصريين .
وقال الكسائي : الاسم بعدها فاعل لفعل مقدر أي : لولا وجد زيد .
وقال الفراء : ( لولا ) هي الرافعة للاسم الذي بعدها .(1/175)
وثانيها : كل مبتدأ كان مصدراً صورة أو بتأويله منسوباً إلى الفاعل أو المفعول أو كليهما ، وبعده حال ، أو كان اسم تفضيل مضافا إلى ذلك المصر وذلك مثل ذهابي راجلا ، وبعده حال ، أو كان اسم تفضيل مضافا إلى ذلك المصدر وذلك مثل ذهابي راجلا ، وضرب زيد قائما ، إذا كان ( زيد ) مفعولا به " و " مثل " ضربي زيدا قائما " أو قائمين ، وأن ضربت زيدا قائما ، وأكثر شربي 40/ب السويق ملتوتا ، وأخطب ما يكون الأمير قائما .
فذهب البصريون إلى أن تقديره : ضربي زيدا حاصل إذا كان قائما ، فحذف حاصل كما يحذف متعلقات الظروف ، نحو : زيد عندك ، فبقى ( إذا كان ) ، ثم حذف ( إذا ) مع شرطه العامل في الحال ، وأقيم الحال مقام الظرف ، لأن في الحال معنى الظرفية ، فالحال قائم مقام الظرف القائم مقام الخبر ، فيكون الحال قائما مقام الخبر .
$[1/296]
قال الرضي : " هذا ما قيل فيه ، وفيه تكلفات كثيرة " وهي حذف ( إذا ) مع الجملة المضاف إليها ، ولم يثبت في غير هذا المكان ، والعدول عن ظاهر معنى ( كان ) الناقصة إلى معنى ( كان ) التامة .
والذي يظهر لي أن تقديره بنحو : ضربني زيدا يلابسه قائما ، إذا أردت : الحال عن المفعول ، وضربي زيدا يلابسني قائما ، إذا كان عن الفاعل أولى ، ثم تقول : حذف المفعول الذي هو ذو الحال ، فبقي ( ضربي زيدا يلابس قائما ) ، ويجوز حذف ذي الحال مع قيام القرنية كما تقول : الذي ضربت قائما زيد أي : ضربته ، ثم حذف ( يلابس ) الذي هو خبر المبتدأ ، والعامل في الحال ، وقام الحال مقامه ، كما تقول : راشدا مهديا ، أي : سر راشدا مهديا فعلى هذا يكونون مستريحين من تلك التكلفات البعيدة .
وقال الكوفيون : تقديره : ضربي زيدا قائما حاصل ، بجعل ( قائما ) من متعلقات المبتدأ ، فيلزمهم حذف الخبر من غير سد شيء مسده وتقييد المبتدأ المقصود عمومه بدليل الاستعمال .(1/176)
وذهب الأخفش : إلى أن الخبر الذي سدت الحال محله مصدر مضاف إلى صاحب الحال ، أي : ضرب زيدا ضربه 41/أ قائما .
$[1/297]
وذهب بعضهم إلى أن هذا المبتدأ لا خبر له ، لكونه بمعنى الفعل ، إذ المعنى : ما أضرب زيدا إلا قائما .
وثالثها : كل مبتدأ اشتمل خبره على معنى المقارنة وعطف عليه شيء بالواو التي بمعنى ( مع ) " و " ذلك مثل " كل رجل وضيعته " أي : كل رجل مقرون مع ضيعته فهذا الخبر واجب حذفه ، لأن الواو تدل على الخبر الذي هو ( مقرون ) وأقيم المعطوف في موضعه .
ورابعها : كل مبتدأ يكون مقسما به ، وخبره القسم " و " ذلك مثل " لعمرك لأفعلنّ كذا " أي : لعمرك وبقاؤك قسمي ، أي : ما أقسم به ، فلا شك أن ( لعمرك ) يدل على القسم المحذوف ، وجواب القسم قائم مقامه ، فيجب حذفه و ( العَمْر والعُمْر ) بمعنى واحد ، ولا يستعمل مع اللام إلا المفتوح لأن القسم موضع التخفيف لكثرة استعماله .
$[1/298]
ومنها :
" خبر ( إنّ ) وأخواتها "
أي : من المرفوعات خبر ( إنّ ) وأخواتها ، أي : أشباهها من الحروف الخمس الباقية ، وهي : ( أنّ وكأنّ ولكنّ ولعلّ وليت ) . وهو مرفوع بهذه الحروف لا بالابتداء على المذهب الأصح ، لأنها لما شابهت الفعل المتعدي - كما يجيىء - عملت رفعا ونصبا مثله " هو " أي : خبر إن وأخواتها " المسند " إلى شيء آخر " بعد دخول " أحد " هذه الحروف " عليهما . فقوله ( المسند ) شامل لخبر كان وخبر المبتدأ ، وخبر ( لا ) التي لنفي الجنس وغيرها .
وبقوله ( بعد دخول هذه الحروف ) أخرج جميعها عنه .(1/177)
والمراد بـ ( دخول هذه الحروف عليهما ) ورودها عليهما لإراث أثرها فيهما لفظا أو معنى ، فلا ينتقض التعريف بمثل : ( يقوم ) في قولنا : إن زيدا يقوم أبوه ، /41/ب فإن ( يقوم ) هاهنا من حيث إسناده إلى ( أبوه ) ليس مما يدخل عليه ( إن ) بهذا المعنى ، بل إنما دخل على جملة هي ( يقوم أبوه ) فلا يحتاج إلى أن يجاب عنه : بأن المراد بالمسند المسند إلى أسماء هذه الحروف ، ويلزم منه استدراك قوله : بعد دخول هذه
$[1/299]
الحروف ، ولا إلى أن ايجاب عنه : بأن المراد بالمسند : الاسم المسند ، فيحتاج إلى تأويل الجملة بالاسم ، حيث يكون خبرها جملة ، مثل : إن زيدا يقوم ، فإنه مؤول ( بقائم ) " مثل " قائم في " إن زيدا قائم " فإنه المسند بعد دخول هذه الحروف " وأمره كأمر خبر المبتدأ " أي : حكمه كحكم خبر المبتدأ في أقسامه ، من كونه مفردا ، وجملة ونكرة ومعرفة ، وفي أحكامه من كونه واحدا ومتعددا ، ومثبتا ومنفيا ومحذوفا ، وفي شرائطه من أنه إذا كان جملة فلا بد من عائد ، ولا يحذف إلا إذا علم .
والمراد : أن أمره كأمره بعد أن صح كونه خبرا بوجود شرائطه وانتفاء موانعه ، ولا يلزم من ذلك أن كل ما يصح أن يكون خبرا للمتبدأ يصح أن يقع خبرا لباب ( إن ) حتى يرد أنه يجوز أن يقال : أين زيد ؟ ومن أبوك ؟ ولا يجوز أن يقال : إن أين زيدا ، وإن من أباك ؟ " إلا في تقديمه " أي : ليس أمره كأمر خبر المبتدأ في تقديمه فإنه لا يجوز تقديمه على الاسم .(1/178)
وقد جاز تقديم الخبر على المبتدأ ، وذلك لأن هذه الحروف فروع على لافعل في العمل ، فأريد أن يكون علمها فرعيا أيضاً ، والعمل الفرعي أن يتقدم المنصوب على المرفوع ، والأصل أن يتقدم المرفوع على المنصوب . فلما أعملت العلمل الفرعي لم يتصرف في معموليها بتقديم ثانيهما على الأول كما يتصرف في معمولي الفعل لنقصانها /42/أ عن درجة الفعل " إلا أن يكون الخبر ظرفا " أي : ليس أمره كأمر خبر المبتدأ في تقديمه إلا إذا كان ظرفا ، فإن حكمه إذن حكمه في جواز التقديم إذا كان الإسم معرفة نحو قوله تعالى { إنّ إلينا إيابهم } .
$[1/300]
وفي وجوبه إذا كان الاسم نكرة نحو : " إنّ من البيان لسحرا " أو " إنّ من الشعر لحكمة " وذلك لتوسعهم في الظروف ما لا يتوسع في غيرها .
$[1/301]
" خبر ( لا ) " الكائنة " لنفي الجنس "
أي : لنفي صفته ، إذ ، ( لا رجل قائم ) مثلا لنفي القيام عن الرجل ، لا لنفي الرجل نفسه .
" هو المسند " إلى شيء آخر ، هذا شامل لخبر المبتدأ وخبر ( إن ، وكأن ) وغيرها " بعد دخولها " أي : بعد دخول ( لا ) ، فخرج به سائر الأخبار .
والمراد بدخولها : ما عرفت في خبر ( إن ) فلا يرد نحو ( يضرب في ( لا رجل يضرب أبوه ) .
" نحو : ( لا غلام رجل ظريف " إنما عدل عن المثال المشهور وهو قولهم : ( لا رجل في الدار ) لاحتمال حذف الخبر ، وجعل ( في الدار ) صفة ، بخلاف ما ذكر ، لأن ( غلام رجل ) معرب منصوب لا يجوز ارتفاع صفته على ما هو الظاهر .
$[1/302]
" فيها " أي : في الدار خبر بعد خبر ، لا ظرف ظريف ، ولا حال ، لأن الظرافة لا تتقيد بالظرف ونحوه وإنما أتى به لئلا يلزم الكذب بنفي ظرافة كل غلام رجل ، وليكون مثالا لنوعي خبرها ، الظرف وغيره .
" ويحذف " خبر " لا " هذه حذفا " كثيرا " إذا كان الخبر عاما كالموجود والحاصل لدلالة النفي عليه نحو " لا إله إلا اللّه " أي : لا إله موجود إلا الله .(1/179)
" وبنو تميم لا يثبتونه " أي : لا يظهرون الخبر في اللفظ ، لأن الحذف عندهم واجب ،
$[1/303]
أو المراد : أنهم لا يثبتونه أصلا ، لا لفظا ولا تقديرا ، فيقولون معنى قولهم : لا أهل ولا /42/ب مال ، انتفى الأهل والمال ، فلا يحتاج إلى تقدير خبر .
وعلى تقيرين يحملون ما يرد خبرا في مثل : لا رجل قائم ، على الصفة دون الخبر .
$[1/304]
" اسم ( ما ) و ( لا ) المشبهتين بـ ( ليس ) "
في معنى النفي الدخول على المبتدأ والخبر ولهذا يعملان عملها .
" هو المسند إليه " هذا شامل للمبتدأ ولكل مسند إليه .
" بعد دخولهما " خرج به غير اسم ( ما ولا ) ومبا عرفت من معنى الدخول ، لا يرد ( أبوه ) في مثل ( ما زيد أبوه قائم ) .
" مثل ( ما زيد قائما ، ولا رجل أفضل منك ) " وإنما أتى بالنكرة بعد ( لا ) لأن ( لا ) لا تعمل إلا في النكرة ، بخلاف ( ما ) فإنه يعمل في النكرة والمعرفة .
هذه لغة أهل الحجاز ، وأما بنو تميم فلا يثبتون لهما العمل ويقولون : الاسم والخبر بعد دخولهما مرفوعان بالابتداء كما كانا قبل دخولهما .
وعلى لغة أهل الحجاز ورد القرآن نحو " ما هذا بشرا " .
$[1/305]
" وهو " أي : عمل ( ليس ) " في لا " دون ( ما ) " شاذ " قليل ، لنقصان مشابهة ( لا ) بـ ( ليس ) لأن ( ليس ) لنفي الحال ، و ( لا ) ليس كذلك ، فإنه للنفي مطلقا ، بخلاف ( ما ) فإنه أيضاً لنفي الحال فيقتصير عمل ( لا ) على مورد السماع نحو قوله :
من صد عن نيرانها ... ... فأنا ابن قيس لا براح
أي : لا براح لي ، ولا يجوز أن يكون لنفي الجنس ، لأنه إذا كان لنفي الجنس ، لا يجوز فيما بعده الرفع ما لم يتكرر ولا تكرار في البيت .
اعلم أن المراد بالمسند والمسند إليه في هذه التعريفات ما يكون مسندا أو مسندا إليه
$[1/306]
بالأصالة لا بالتبعية بقرينة ذكر التوابع فيم بعد ، فلا ينتقض بالتوابع .(1/180)
ولما فرغ من المرفوعات شرع في المنصوبات ، وقدمها على المجرورات ، لكثرتها ولخفة النصب ، فقال :
$[1/307]
" المنصوبات "
" هو ما اشتمل /43/أ على علم المفعولية "
قد تبين شرحه بما ذكر في المرفوعات .
والمراد بعلم المفعولية : علامة كون الاسم مفعولا حقيقة أو حكما ، وهي : أربع ، الفتحة والكسرة والألف والياء ، نحو : رأيت زيدا ، ومسلمات ، وأباك ، ومسلميْنِ ، ومسلمِينَ " فمنه " أي : من المنصوب أو مما اشتمل على علم المفعولية :
$[1/308]
" المفعول المطلق "
سمي به ، لصحة اطلاق صيغة المفعول عليه من غير تقييده بالياء ، أو في أو مع أو اللام بخلاف المفاعيل الأربعة الباقية ، فإنه لا يصح إطلاق صيغة المفعول عليها إلا بعد تقييدها بواحدة منها .
فيقال : المفعول به أو فيه أو معه أو له .
" وهو " أي : المفعول المطلق : " اسم ما فَعَله فاعلُ فعلِ " والمراد بفعل الفاعل إياه : قيامه به بحيث يصح إسناده إليه ، لا أن يكون مؤثرا فيه موجدا إياه فلا يرد عليه : مثل : مات موتا ، وجسم جسامة ، وشرف شرفا ، وإنما زيد لفظ ( الاسم ) لأن ما فعله الفاعل هو المعنى . والمفعول المطلق من أقسام اللفظ ، ويدخل فيه المصادر كلها .
" مذكور " صفة للفعل ، وهو أعم من أن يكون مذكورا حقيقة ، كما إذا كان مذكورا بعينه ، نحو : ضربت ضربا ، أو حكما كما ، إذا كان مقدرا نحو : " فضرب الرقاب " ، أو اسما فيه معنى الفعل ، نحو : ضارب ضربا ، وخرج به المصادر التي لم يذكر فعلها لا حقيقة ولا حكما ، نحو : الضرب واقع على زيد .
$[1/309]
" بمعناه " صفة ثانية للفعل ، وليس المراد به أن الفعل كائن بمعنى ذلك الاسم ، فإن معنى ذلك الاسم جزء معناه ، بل المراد ، أن معنى الفعل مشتمل عليه اشتمال الكل على الجزء ، فخرج به مثل ( تأديبا ) 43/ب في قولك ضربته تأديبا ، فإنه وإن كان مما فعله فاعل فعل مذكور لكنه ليس مما يشتمل عليه معنى الفعل .(1/181)
وكذلك خرج به مثل : ( كراهتى ) في نحو : كرهت كراهتى ، فإن الكراهة اعتبارين : أحدهما : كونها بحيث قامت بفاعل الفعل المذكور واشتق منها فعل أسند إليه ، ولا شك أن معنى الفعل مشتمل عليها حينئذ .
وثانيهما : كونها بحيث وقع عليها فعل الكراهة فإذا ذكرت بعد الفعل بالاعتبار الأول كما في قولك : كرهت كراهة ، فهو مفعول مطلق ، وإذا ذكرت بعده بالاعتبار الثاني كما في قولك : كرهت كراهتي ، فهو مفعل به لا مفعول مطلق ، إذ ليس ذلك الفعل مشتملا عليه بهذا الاعتبار ، بل هو واقع عليه وقوع الفعل على المفعول به . فخرج بهذا الاعتبار عن الحد ، وانطبق الحد على الحدود جامعا ومانعا .
" ويكون " المفعول المطلق " للتأكيد " إن لم يكن في مفهومه زيادة على ما يفهم من الفعل .
" والنوع " إن دل على بعض أنواعه .
" والعدد " إن دل على عدده " مثل : جلست جلوسا " للتأكيد " وجلسة " - بكسر الجيم - للنوع وجلسة - بفتحها - للعدد .
$[1/310]
" فالأول " أي : الذي للتأكيد ، لا يثنى ولا يجمع لأنه دال على الماهية المعراة عن الدلالة على التعدد . والتثنية والجمع يستلزمان التعدد ، فلا يقال : جلست جلوسين ، أو جلوسات ، إلا إذا قصد به النوع أو العدد " بخلاف أخويه " أي : اللذين هما للنوع والعدد ، نحو جلست جلستين ، أو جلسات بكسر الجيم وفتحها .
" وقد يكون " المفعول المطلق " بغير لفظة " أي : مغايرا للفظ فعله ، إما بحسب المادة " مثل : قعدت جلوسا " 44/أ " وإما بحسب الباب نحو أنبته الله نباتا حسنا " .
وسيبويه يقدر له عاملا من بابه أي : قعدت وجلست جلوسا ، وأنبته الله فنبت نباتا .
" وقد يحذف الفعل " الناصب للمفعول المطلق " لقيام قرينة جواز كقولك لمن قدم " من سفره " خير مقدم " أي : قدمت قدوما خير مقدم ، فخير اسم تفضيل ، ومصدريته باعتبار الموصوف والمضاف إليه ، لأن اسم التفضيل له حكم ما أضيف إليه .(1/182)
" ووجوبا " أي : حذفا واجبا " سماعا " أي : سماعيا موقوف على السماع لا قاعدة له يعرف بها " نحو : سقيا " أي : سقاك الله سقيا ، " ورعيا " أي : رعاك الله رعيا " وخيبة " أي : خاب خيبة ، من خاب الرجل خيبة ، إذا لم ينل ما طلبه " وجدعا " أي : جدع جدعا ، والجدع : قطع الأنف والأذن والشفة واليد .
$[1/311]
" وحمدا " أي : حمدت حمدا ، " وشكرا " أي : شكرت شكرا ، " وعجبا " أي : عجبت عجبا .
فإنه لم يوجد في كلامهم استعمال الأفعال العاملة في هذه المصادر . هذا معنى وجوب الحذف سماعا ، قيل عليه : قد قالوا ، حمدت الله حمدا وشكرته شكرا ، وعجبت عجبا ، فأجاب بعضهم بأن ذلك ليس من كلام الفصحاء ، وبعضهم : بأن وجوب الحذف إنما هو فيما استعمل باللام نحو : حمدا له ، وشكرا له ، وعجبا له .
" و " قد يحذف الفعل الناصب للمفعول المطلق حذفا واجبا " قياسا " أي : حذفا قياسيا ، يعلم له ضابط كلي يحذف معه الفعل لزوما " في مواضع " متعددة " منها " أي : من هذه المواضع موضع " ما وقع " أي : المفعول المطلق وقع فيه " مثبتا " أي : أريد إثباته لا نفيه ، فإنه لو أريد نفيه ، نحو ما زيد سيرا لا يجب حذفه ، 44/ب " بعد نفي " داخل على اسم لا يكون المفعول المطلق خبرا عنه " أو " بعد " معنى نفى
$[1/312]
داخل على اسم لا يكون " المفعول المطلق " خبرا عنه " أي : عن ذلك الاسم ، وإنما قال : على اسم ، لأنه لو دخل على مفعل نحو : ما سرت إلا سيرا ، وإنما سرت سيرا ، لا يكون منه ، وإنما وصف الاسم بأن لا يكون المفعول المطلق خبرا عنه ، لأنه لو كان خبرا عنه نحو : ما سيرى إلا سير شديد ، لكان مرفوعا على الخبرية .(1/183)
" أوقع " المفعول المطلق " مكررا " أي : في موضع الخبر عن اسم لا يصلح وقوعه خبرا عنه ، فلا يرد عليه نحو " إذا دكت الأرض دكا دكا " وإنما جمع بين الضابطتين ، لاشتراكهما في الوقوع بعد اسم لا يكون خبرا عنه " نحو : ما أنت إلا سيرا " أي : تسير سيرا ، " وما أنت إلا سير البريد " أي تسير سير البريد .
هذان مثالان لما وقع مثبتا بعد نفي ، وإنما أورد مثالين تنبيها على أن الاسم الواقع موقع الخبر ينقسم إلى النكرة والمعرفة ، أو إلى ما هو فعل للمبتدأ ، وإلاى ما يشبه به فعله ، أو إلى مفرد ومضاف .
" وإنما أنت سيرا " أي : تسير سيرا ، مثال لما وقع بعد معنى النفي " وزيد سيرا سيرا " أي : يسير سيرا ، مثال لما وقع مكررا .
$[1/313]
" ومنها " أي : من المواضع التي يجب حذف الفعل الناصب للمفعول المطلق فيها " ما وقع " أي : موضع مفعول مطلق وقع " تفصيلا لأثر مضمون جملة متقدمة " والمراد بمضمون الجملة مصدرها المضاف إلى الفاعل أو المفعول ، وبأثره : غرضه المطلوب منه ، وبتفصيل الأثر : بيان أنواعه المحتملة ، نحو قوله تعالى { فشدوا الوثاق فإما منا بعد } أي : بعد شد الوثاق { وإما فداء } فقوله : { شدوا الوثاق } جملة مضمونها شد الوثاق ، والغرض المطلوب 45/أ من شد الوثاق إما المن أو الفداء ، ففصل الله سبحانه هذا الغرض المطلوب بقوله : فإما منا بعد وإما فداء ، أي : إما تمنون منا بعد الشد وإما تفدون فداء .
" ومنها " أي : ومن تلك المواضع " ما وقع " أي : موضع مفعول مطلق وقع " للتشبيه " أي : لأن يشبه به أمر آخر ، واحترز به عن نحو : لزيد صوت صوت حسن ، لأنه لم يقع لتشبيه . " علاجا " أي : حال كونه دالاً على فعل من أفعال
$[1/314]
الجوارح ، واحترز به عن نحو : لزيد زهد زهد الصلحاء ، لأن الزهد ليس من أفعال الجوارح .
" بعد جملة " واحترز به عن نحو : صوت زيد صوت حمار .(1/184)
" مشتملة " أي : تلك الجملة " على اسم " كائن " بمعناه " أي : بمعنى المفعول المطلق واحترز به عن نحو : مررت بزيد فإذا له ضرب صوت حمار .
" و " على " صاحبه " أي : على صاحب ذلك الاسم - أي : الذي قام به معناه - واحترز به عن نحو : مررت بالبلد فإذا به صوت صوت حمار .
" نحو : مررت بزيد فإذا له صوت صوت حمار " أي : يصوت صوت حمار ، من صات الشيء صوتا ، بمعنى صوت تصويتا .
( فصوت حمار ) مصدر وقع للتشبيه علاجا بعد جملة هي قوله : ( له صوت ) وهي مشتملة علىسام بمعنى المفعول المطلق وهو ( صوت ) ومشتملة على صاحب ذلك الاسم ، وهو الضمير المجرور في ( له ) .
$[1/315]
" و " نحو : مررت به فإذا له " صراخ صراخ الثكلى " أي : يصرح صراخ الثكلى ، وهي امرأة مات ولدها .
" ومنها " أي : من تلك المواضع " ما وقع " أي : موضع مفعول مطلق وقع " مضمون جملة ولا محتمل لها " أي : لهذه الجملة .
" غيره " أي : غير المفعول المطلق " نحو : له عليّ ألف درهم اعترافا " أي : اعترفت اعترافا فـ ( اعترافا ) مصدر وقع مضمون جملة ، وهي : ( له عليّ ألف 45/ب درهم ) ، لأن مضمونها الاعتراف ، ولا محتمل لها سواه .
" ويسمّى " هذا النوع من المفعول المطلق " تأكيدا لنفسه " أي : لنفس المفعول المطلق لأنه إنما يؤكد نفسه وذاته ، لا أمرا يغايره ولو بالاعتبار .
" ومنها " ما وقع مضمون جملة لها " أي : لهذه الجملة " محتمل غيره " أي : غير المفعول المطلق " نحو : زيد قائم حقا " أي : حق حقا من حق يحق ، إذا ثبت ووجب .
$[1/316](1/185)
فـ ( حقا ) مصدر وقع مضمون جملة ، وهي قوله : ( زيد قائم ) ولها محتمل غيره لأنها تحتمل الصدق الكذب ، والحق والباطل . " ويسمى " هذا النوع من المفعول المطلق " تأكيداً لغيره " لأنه من حيث هو منصوص عليه بلفظ المصدر يؤكد نفسه من حيث هو محتمل الجملة . فالمؤكد - اسم مفعول - من حيث اعتبار وصف الاحتمال فيه يغيار المؤكد - اسم فاعل - من حيث أنه منصوص عليه بالمصد . ويحتمل أن يكون المراد : أنه تأكيد لأجل غيره ، ليندفع الاحتمال ، وعلى هذا ينبغي أن يكون المراد بالتأكيد لنفسه أنه تأكيد لأجل نفسه ، ليتكرر ويتقرر حتى يحسن التقابل .
" ومنها ما وقع مثنى " أي : على صيغة التثنية وإن لم يكن للتثنية بل للتكرير والتكثير ، ولا بد في تتميم هذه القادعة من قيد الإضافة ، أي : مثنى مضافا إلى الفاعل أو
$[1/317]
المفعول لئلا يرد مثل قوله تعالى : { ثم ارجع البصر كرتين } أي : رجعاً مكرراً كثيراً ، وفي جعل المثالين من تتمة التعريف لإفادة هذا القيد تكلف .
" مثل لبيك " أصله : ألب لك إلبابين ، أي : أقيم لخدمتك وامتثال أمرك ، ولا أبرح عن مكاني اقامة كثيرة متتالية ، فحذف الفعل وأقيم 46/أ مصدر مقامه وردّ إلى الثلاثي بحذف زوائده ، ثم حذف حرف الجر من المفعول ، وأضيف المصدر إليه ،
$[1/318]
فصار ( لبيك ) .
ويجوز أن يكون من ( لبّ بالمكان ) بمعنى : ألب ، فلا يكون محذوف الزوائد " و " على هذا القياس " سعديك " أي : أسعدك اسعادا بعد اسعاد .
بمعنى أعينك إلا أن ( أسعد ) يتعدى بنفسه بخلاف ( ألبّ ) فإنه يتعدى باللام .
$[1/319]
" المفعول به "
" هو ما وقع " أي : هو اسم ما وقع " عليه فعل الفاعل " ولم يذكره اكتفاء بما سبق في المفعول المطلق .(1/186)
والمراد بموقوع فعل الفاعل عليه : تعلقه به بلا واسطة حرف جر ، فإنهم يقولون في ( ضربت زيداً ) أن الضرب واقع على زيد ، ولا يقولون في : ( مررت بزيد ) إن المرور واقع عليه ، بل متلبس به ، فخرج به المفاعيل الثلاثة الباقية .
فإنه لا يقال في واحد منها : إن الفعل واقع عليه ، بل فيه أوله أو معه والمفعول المطلق بما يفهم من مغايرته لفعل الفاعل ، فإن المفعول المطلق عين فعله .
والمراد بفعل الفاعل : فعل اعتبر إسناده إلى ما هو فاعل حقيقة أو حكماً ، فخرج به مثل ( زيد ) في ( ضرب زيد ) على صيغة المجهول ، فإنه لم يعتبر إسناده إلى فاعله ، ولا يشكل بمثل : أُعطِيَ زيد درهما ، فإنه يصدق على ( درهماً ) أنه وقع عليه فعل الفاعل الحكمي المعتبر إسناد الفعل إليه ، فإن مفعول ما لم يسم فاعله في حكم الفاعل .
وبما ذكرناه ظهر فائدة ذكر الفاعل ، فلا يرد أنه لو قال : ما وقع عليه الفعل ، لكان أخصر .
" نحو ( ضربت زيدا ) " و ( أعطيت زيدا درهما ) فإن ( زيدا ) وقع عليه بلا
$[1/320]
واسطة حرف جر فعل اعتبر إسناده إلى الفاعل الذي هو ضمير المتكلم .
" وقد يتقدم " /46/ب المفعول به " على الفعل " العامل فيه ، لقوة الفعل في العمل فيعمل فيه متقدما ومتأخرا ، إما جوازا مثل : ( الله أعبد ) و ( وجه الحبيب أتمنى ) وإما وجوبا فيما تضمن معنى الاستفهام أو الشرط نحو ( من رأيت ؟ ) و ( من تكرم يكرمك ) هذا إذا لم يكن مانع من التقديم كوقوعه في حيز ( أن ) نحو ( من البر أن تكف لسانك ) .(1/187)
" وقد يحذف الفعل " العامل في المفعول به . " لقيام قرينة " مقالية أو حالية " جوازا نحو قولك ( زيدا ) لمن قال : ( من أضرب ؟ ) " أي : اضرب زيدا ، فحذف الفعل للقرينة المقالية التي هي السؤال ، ونحو : ( مكة ) للمتوجة إليها أي : تريد مكة ، فحذف الفعل للقرينة الحالية " ووجوبا في أربعة مواضع " تخصيصها بالذكر ليس للحصر ، لوجود الحذف في ( باب الاغراء ) و ( المنصوب على المدح أو الذم أو الترحم ) بل لكثرة مباحثها بالنسبة إلى هذه الأبواب .
" الأول " من تلك المواضع الأربعة " سماعي " أي : مقصور على السماع ،
$[1/321]
لايتجاوز عن أمثلة محدودة مسموعة بأن يقاس عليها أمثلة أخرى . " نحو : ( امرأ ونفسه ) " .
أي : اترك امرأ ونفسه " وانتهوا خيرا لكم " أي انتهوا عن التثليث واقصدوا خيرا لكم ، وهو التوحيد " وأهلا وسهلا " أي : أتيت أهلا ، أي : مكانا مأهولا معمورا ، لا خرابا ، أو أهلا لا أجانب ، ووطئت سهلا من البلاد ، لا حزنا .
" و " الموضع " الثاني " من تلك المواضع الأربعة :
$[1/322]
" المنادى "
" وهو المطلوب إقباله " أي : توجهه إليك بوجهه أو بقلبه ، كما إذا ناديت مقبلا عليك بوجهه حقيقة ، مثل ( يازيد ) أو حكما مثل " يا سماء ويا أرض ويا جبال فإنها 47/أ أنزلت أولا منزلة من له صلاحية النداء ثم أدخل عليها حرف النداء وقصد نداؤها ، فهي في حكم من يطلب إقباله بخلاف المندوب ، لأنه المتفجع عليه ، أدخل عليه حرف النداء لمجرد التفجع ، لا لتنزيله منزلة المنادى ، وقصد نداؤه . فخرج بهذا القيد عن تعريف المنادى ، ولهذا أفرد المصنف أحكامه بالذكر فيما بعد ، وفيه تحكم ، فإن المندوب أيضاً كما قال بعضهم ( منادى مطلوب إقباله على وجه التفجع ، فإذا قلت ( يا محمداه ) فكأنك تناديه وتقول له : تعال ، فأنا مشتاق إليك ) فالأولى إدخاله تحت المنادى كما فعله ( صاحب المفصل ) .(1/188)
وقيل : الظاهر من كلام سيبويه أيضاً أنه داخل في المنادى . " بحرف نائب مناب أدعو " من الحروف الخمسة ، وهي ( يا ، وأيا ، وهيا ، وأي ) والهمزة . واحترز به عن نحو : ليقبل زيد .
$[1/323]
" لفظا أو تقديرا " تفصيل للطلب أي : طلبا لفظيا بأن تكون آلة الطلب لفظية نحو ( يا زيد ) ، أو تقديريا بأن تكون آلته مقدرة نحو ( يوسف أعرض عن هذا ) أو للنيابة أي : نيابة لفظية بأن يكون النائب ملفوظا ، أو تقديرية بأن يكون النائب مقدرا ، كما في المثالين المذكورين ، أو للمنادى والمنادى الملفوظ ، مثل : يا زيد ، والمقدر ، مثل " ألا يا اسجدوا " أي : ألا يا قوم اسجدوا .
وانتصاب المنادى عند سيبويه على أنه مفعول به ، وناصبه الفعل المقدر . وأصل ( يا زيد ) : أدعوا زيدا ، فحذف الفعل حذفا لازما ، لكثرة استعماله ، ولدلالة حرف النداء عليه ، وافادته فائدته . وعند المبرد : بحرف النداء لسده مسد الفعل .
$[1/324]
وقال أبو علي في بعض كلامه : أن ( يا ) وأخواته أسماء أفعال .
فعلى هذين المذهبين لا يكون من هذا 47/ب الباب ، أي : مما انتصب المفعول به بعامل واجب الحذف ، وعلى المذاهب كلها ، مثل ( يا زيد ) جملة وليس المنادى أحد جزئي الجملة .
فعند سيبويه كلا جزئي الجملة - أي : الفعل والفاعل - مقدران .
وعند المبرد حرف النداء قائم مقام أحد جزئي الجملة ، أي : الفعل ، والفاعل مقدر .
وعند أبي علي : أحد جزئيها اسم الفعل والآخر ضمير مستتر فيه .
" ويبنى " أي : المنادى : قدم بيان البناء والخفض والفتح على النصب لقلتها بالنسبة إلى النصب ، ولطلب الاقتصار في بيان النصب بقوله ( وينصب ما سواهما ) .
" على ما يرفع به " أي : على الضم أو الألف أو الواو التي يرفع بها المنادى في غير صورة النداء . والفعل مسند إلى الجار والمجرور ، أي : ( به ) ولا ضمير فيه وارجاع الضمير إلى الاسم غير ملائم لسوق الكلام .
$[1/325](1/189)
" إن كان " أي : المنادى " مفردا " أي : لايكون مضافا ولا شبه مضاف . وهو كل اسم لا يتم معناه إلا بانضمام أمر آخر إليه .
" معرفة " قبل النداء أو بعده .
وإنما بنى المفرد المعرفة لوقوعه موقع الكاف الاسمية المشابهة لفظا ومعنى لكاف الخطاب الحرفية ، وكونه مثلها افرادا أو تعريفا . وذلك لأن ( يا زيد ) بمنزلة ( أدعوك ) وهذه الكاف ككاف ( ذلك ) لفظا ومعنى .
وإنما قلنا ذلك ، لأن الاسم لا يبنى إلا لمشابهته الحرف أو الفعل ولا يبنى لمشابهته الاسم المبني .
" مثل ( يا زيد ، ويا رجل ) " مثالان لما هو مبني على الضمة أولهما معرفة قبل النداء ، وثانيهما معرفة بعد النداء .
" ويا زيدان " مثال المبني على الألف " ويا زيدون " مثال المبني على الواو 48/أ .
" ويخفض " أي : ينجر المنادى " بلام الاستغاثة " أي : بلام تدخله وقت الاستغاثة وهي لام التخصيص أدخلت على المستغاث دلالة على أنه مخصوص من بين أمثاله بالدعاء " نحو ( يا لزيد ) " وإنما فتحت لئلا يلتبس بالمستغاث له إذا حذف المستغاث نحو ( يا للمظلوم ) أي : يا قوم للمظلوم ، فإنه لو لم يفتح لام الاستغاثة لم يعلم أن المظلوم في هذا المثال مستغاث أو مستغاث له ، ولم يعكس الأمر ، لأن المنادى المستغاث واقع موقع كاف الضمير التي يفتح لام الجر معها ، نحو ( لك ) بخلاف المستغاث له ، لعدم وقوعه موقع الضمير .
فإن عطفت على المستغاث بغير ( يا ) نحو : يا لزيد ولعمرو ، كسرت لام
$[1/326]
المعطوف لأن الفرق بينه وبين المستغاث له حاصل بعطفه على المستغاث .
وإن عطفت مع ( يا ) فلا بد من فتح لام المعطوف أيضاً ، نحو : يا لزيد ويا لعمرو . وإنما أعرب المنادى بعد دخول لام الاستغاثة ، لأن علة بنائه كانت مشابهته للحرف ، واللام الجارة من خواص الاسم فبدخولها عليه ضعفت مشابهته للحرف ، فأعرب على ما هو الأصل فيه .(1/190)
قيل : قد يخفض المنادى بلامي التعجب والتهديد أيضاً ، فلام التعجب نحو : ( يا للماء ) و ( يا للدواهي ) ، ولام التهديد نحو ( يا لزيد لأقتلنك ) ، فلم أهمل المصنف ذكرهما ؟ وكيف يصدق قوله فيما بعد وينصب ما سواهما كليا ؟ ، وأجيب بأن كلا من هاتين اللامين لام الاستغاثة ، كأن المهدد - اسم فاعل - يستغيث بالمهدد - اسم مفعول - ليحضر ، فينتقم منه ، ويستريح من ألم 48/ب خصومته ، وكأن المتعجب يستغيث بالمتعجب منه ليحضر ، فيقضي منه التعجب ، ويتخلص منه .
وأجيب عن لام التعجب بوجه آخر ذكره المصنف في ( الإيضاح ) وهو أن المنادى في قولهم ( يا للماء ) و ( يا للدواهي ) ليس الماء ولا الدواهي وإنما المراد :
$[1/327]
يا قول ، أو يا هؤلاء اعجبوا للماء وللدواهي .
ولا يخفى عليك أن القول بحذف المنادى على تقدير كسر اللام ظاهر ، وأما على تقدير فتحها فمشكل ، لانتفاء ما يقتضي فتحها حينئذ كما هو ظاهر مما سبق .
" ويفتح " أي : يبنى المنادى على الفتح " لالحاق الفها " أي : ألف الاستغاثة بآخره ، لاقتضاء الألف فتح ما قبلها " ولا لام فيه " حينئذ ، لأن اللام يقتضي الجر ، والألف الفتح ، فبين أثريهما تناف فلا يحسن الجمع بينهما " مثل ( يا زيداه ) " بالحاق الهاء به للوقف . " وينصب ما سواهما " أي : ينصب بالمفعولية ما سوى المنادى المفرد المعرفة والمنادى المستغاث مع اللام أو الألف لفظا أو تقديرا إن كان معربا قبل دخول حرف النداء ، لأن علة النصب وهي المفعولية متحققة فيه ، وما غيره مغير عن حاله وما سوى المفرد المعرفة إما ما لا يكون مفردا بأن يكون مضافا أو شبه مضاف وإما ما يكون مفردا ولكن لا يكون معرفة وإما ما لا يكون مفردا ولا معرفة .
فالقسم الأول : وهو ما لا يكون مفردا لكونه مضافا " مثل ( يا عبدالله ) " " و " القسم الثاني : وهو ما لا يكون مفردا لكونه شبه مضاف " مثل ( يا طالعا جبلا ) " .
$[1/328](1/191)
" و " القسم الثالث : وهو ما يكون مفردا ولكن لا يكون معرفة " مثل لا يا رجلا " 49/أ مقولا " لغير معين " أي : رجل غير معين . وهذا توقيت لنصتب ( رجلا ) لا تقييد له لأنه منصوبا لا يحتمل المعين .
والقسم الرابع : وهو ما لا يكون مفردا ولا معرفة ، مثل : ( يا حسنا وجهه ظريفا ) . ولم يرود المصنف لهذا القسم مثالا ، إذ حيث اتضح انتفاء كل من القيدين بمثال سهل تصور انتفائهما معا ، فلا حاجة إلى إيراد مثال له على انفراده مع أن المثال الثاني يحتمله ، فيمكن أن يراد بقوله : ( يا طالعا جبلا ) غير معين لأن هذه العبارة أعم من أن يراد بها معين أو غير معين .
فأمثلة الأقسام بأسرها مذكورة ، هذه الأمثلة كلها أمثال لما سوى المستغاث أيضاً ، فلا حاجة إلى إيراد مثال له على حدة .
" وتوابع المنادى المبني " على ما يرفع به " المفردة " حقيقة أو حكما . إنما قيد المنادى بكونه مبينا ، لأن توابع المنادى المعرب تابعة للفظة فقط . وقيدنا المبني بكونه على ما يرفع به ، لأن توابع ، المستغاث - بالألف - لا يجوز فيها الرفع نحو ( يا زيدا وعمرا ) لا وعمرو ، لأن المتبوع مبني على الفتح . وقيد التوابع بكونها مفردة لأنها لو لم تكون مفردة ، لا حقيقة ولا حكما كانت مضافة بالإضافة المعنوية ، وحينئذ لا يجوز فيها إلا النصب .
وإنما جعلنا ( المفردة ) أعم من أن تكون مفردة حقيقة بأن لا تكون مضافا معنويا ولا لفظيا ، ولا شبه مضاف ، أو حكما بأن يكون مضافا لفظيا أو مشبها بالمضاف فإنهما
$[1/329]
لما انتفت عنهما الإضافة المعنوية كان في حكم المفرد ، ليدخل فيها المضافة بالإضافة اللفظية والمشبهة بالمضاف لأنهما 49/ب كالتوابع المفردة في جوز الرفع والنصب نحو ( يا زيد الحسن الوجه ) و ( الحسن الوجه ) و ( يا زيد الحسن وجهه و ( الحسن وجهه ) .(1/192)
ولما لم يجز الحكم الآتي في التوابع كلها بل في بعضها ، ولم يجز فيما هو جار فيه مطلقا بل لا بد في بعضها من قيد ، فصل التوابع الجاري هذا الحكم فيها ، وصرح بالقيد فيما هو محتاج إليه ، فقال " من التأكيد " أي : المعنوي لأن التأكيد اللفظي ، حكمه في الأغلب حكم الأول اعرابا وبناء ، حو : يا زيد زيد ، وقد يجوز إعرابه رفعا ونصبا .
وكأن المختار عند المصنف ذلك ، لذلك لم يقيد التأكيد بالمعنوي " والصفة " مطلقا " وعطف البيان " كذلك " والمعطوف " بحرف " الممتنع دخول ( يا ) عليه " يعني المعرف باللام بخلاف البدل والمعطوف الغير الممتنع دخول ( يا ) عليه ، فإن حكمهما غير حكمها كما سيجيء .
" ترفع حملا على لفظه " الظاهر أو المقدر ، لأن بناء المنادى عرضي فيشبه المعرب فيجوز أن يكون تابعه تابعا للفظه .
$[1/330]
" وتنصب " حملا " على محله " لأن حق تابع المبني أن يكون تابعا لمحله وهو ها هنا منصوب المحل على المفعولية ، نحو ( يا تميم أجمعون ، وأجمعين ) في التأكيد " مثل : يا زيد العاقل والعاقل " في الصفة ، واقتصر على مثالها ، لأنها أكثر وأشهر استعمالا ، و ( يا غلام بشر وبشرا ) في عطف البيان ، و ( يا زيد والحارث والحارث ) في المعطوف عليه بحرف الممتنع دخول ( يا ) عليه " والخليل " بن أحمد ، وهو أستاذ سيبويه " في المعطوف " بحرف الممتنع دخول ( يا ) عليه " يختار الرفع " مع تجويزه النصب ، لأن المعطوف بحرف 50/أ في الحقيقة منادى مستقل ، فينبغي أن يكون على حالة جارية عليه على تقدير مباشرة حرف النداء له وهي الضمة أو ما يقوم مقامها ، ولكن ما لم يباشره حرف النداء جعلت تلك الحالة اعرابا فصارت رفعا .
" وأبو عمرو " بن العلاء النحوي القارئ المقدم على الخليل ، يختار فيه " النصب " مع تجويزه الرفع فإنه لما امتنع فيه تقدير حرف النداء بواسطة اللام لا يكون منادى مستقلا ، فله حكم التبعية ، وتابع المبني تابع لمحله ومحله النصب .(1/193)
" وأبو العباس " المبرد " إن كان " المعطوف المذكور " كالحسن " أي : كاسم
$[1/331]
الحسن في جواز نزع اللام عنه .
" فكالخليل " أي : فأبو العباس مثل الخليل في اختيار رفعه ، لإمكان جعله منادى مستقلا ، ينزع اللام عنه ، " وإلا " أي : وإن لم يكن المعطوف المذكور ، كاسم الحسن في جواز نزع اللام عنه مثل ( النجم والصعق ) " فكأبي عمرو " أي : أبو العباس مثل أبي عتمرو في اختيار النصب ، لامتناع جعله منادى مستقلا .
" المضافة " عطف على المفردة ، أي : وتوابع المنادى المبني على ما يرفع به ، المضافة بالإضافة الحقيقة " تنصب " لأنها إذا وقعت منادى تنصب فنصبها إذا وقعت توابع أولى ، لأن حرف النداء لا يباشرها ، مثل ( يا تميم كلهم ) في التأكيد و ( يا زيد ذا المال ) في الصفة ( ويا رجل أبا عبد الله ) في عطف البيان .
ولا يجيء المعطوف بحرف الممتنع دخول ( يا ) عليه مضافا ، لأن اللام يمتنع دخولها على المضاف بالإضافة الحقيقة .
" والبدل والمعطوف غير ما ذكر " أي : غير المعطوف الذي 50/ب ذكر من قبل وهو الممتنع دخول ( يا ) عليه ، فغيره المعطوف الذي لا يمتنع دخول ( يا ) عليه " حكمه " أي : حكم كل واحد منها " حكم " المنادى " المستقل " الذي باشره حرف النداء ، وذلك لأن البدل هو المقصود بالذكر والأول كالتوطئة لذكره ، والمعطوف المخصوص هو
$[1/332]
المنادى المستقل في الحقيقة ، ولا مانع من دخول ( يا ) عليه ، فيكون حرف النداء مقدرا فيه " مطلقا " أي : حال كون كل واحد منهما مطلقا في هذا الحكم غير مقيد بحال من الأحوال أي : سواء كانا مفردين أو مضافين أو مضارعين للمضاف أو نكرتين . فالبدل مثل ( يا زيد بشر ) و ( يا زيد أخا عمرو ) و ( يا زيد طالعا جبلا ) و ( يا زيد رجلا صالحا ) .
والمعطوف مثل ( يا زيد وعمرو ) و ( يا زيد وأخا عمرو ) و ( يا زيد وطالعا جبلا ) و ( يا زيد ورجلا صالحا ) .(1/194)
" والعلم " أي : العلم المنادى المبني على الضم ، أما كونه منادى ، فلأن الكلام فيه ، وأما كونه مبنيا على الضم فلما يفهم من اختيار فتحه المنبيء عن جواز ضمه ، فإن جواز الضمة لا يكون إلا في المبني على الضم " الموصوف بـ ( ابن ) " مجرد عن التاء أو ملحق بها ، أعني : ابنة ، بلا تخلل واسطة بين الابن وموصوفه ، كما هو المتبادر إلى الفهم ، فيخرج عنه مثل : ( يا زيد الظريف ابن عمرو ) .
" مضافا " أي : حال كون ذلك الابن مضافا " إلى علم آخر " فكل علم يكون كذلك يجوز فيه الضم لما عرفت من قاعدة بناء المفرد على ما يرفع به ، لكن " يختار فتحة " لكثرة وقوع المنادى الجامع لهذه الصفات والكثرة مناسبة للتخفيف ، فخففوه
$[1/333]
بالفتحة آلتي 51/أ هي حركته الأصلية ، لكونه مفعولا به " وإذا نودي المعرف باللام " أي : إذا أريد نداؤه " قيل " مثلا : " ( يا أيها الرجل ) " بتوسيط ( أي ) مع ( ها ) التنبيه ، بين حرف النداء والمنادى المعرف باللام تحرزا عن اجتماع آلتي التعريف بلا فاصلة " و ( يا هذا الرجل ) " " بتوسط ( هذا ) " ( ويا أيهذا الرجل ) " بتوسط الأمرين معا .
" وألتزموا " يعني : العرب " رفع الرجل " مثلا وإن كان صفة وحقها جواز الوجهين ، الرفع والنصب كما مر " لأنه " أي : الرجل مثلا " هو المقصود " بالنداء فالتزموا رفعه لتكون حركته الإعرابية موافقة للحركة البنائية التي هي علامة المنادى فيدل على أنه هو المقصود بالنداء .
وهذا بمنزلة المستثنى عن قاعدة جواز الوجهين في صفة المنادى ، ولهذا لم يذكر هناك ما يخرج صفة الاسم المبهم عن تلك القاعدة .
" وتوابعه " بالجر عطف على الرجل ، اي : والتزموا رفع توابع الرجل مفردة أو
$[1/334]
مضافة نحو ( يا أيها الرجل الظريف ) و ( يا أيها الرجل ذو المال ) " لأنها توابع " منادى " معرب " وجواز الوجهين إنما يكون في توابع المنادى المبني .(1/195)
" وقالوا " بناء على قاعدة تجويز اجتماع حرف النداء مع اللام ، وهي اجتماع أمرين ، أحدهما : كون اللام عوضا عن محذوف .
وثانيهما : لزمها للكلمة .
" ويا أالله " لأن أصله ( الاله ) فحذفت الهمزة ، وعوضت اللام عنها ولزمت الكلمة ، فلا يقال في سعة الكلام ( لاه ) .
ولما لم يجتمع هذان الأمران في موضع آخر اختص هذا الاسم بذلك الجواز ولهذا قال " خاصة " .
وأما مثل ( النجم ، والصعق ) وإن كانت للام 51/ب لازمة في مثلها
$[1/335]
لكن ليست عوضا عن محذوف ، وأما ( الناس ) وإن كانت اللام فيه عوضا عن الهمزة لأن أصله ( أناس ) لكن ليست لازمة للكلمة ، لأنه يقال : ( ناس ) في سعة الكلام ، فلا يجوز أن يقال ( يا النجم ) و ( يا الناس ) ولعد جريان هذه القاعدة في ( آلتي ) في قولهم :
من أجلك يا التي تيمت قلبي ... ... وأنت بخيلة بالوصل عني
لأن لامها ليست عوضا عن محذوف ، وإن كانت لازمة للكلمة حكموا عليه بالشذوذ .
وفي ( الغلامان ) في قولهم :
* فيا الغلامان اللذان فرا *
لانتفاء الأمرين كليهما حكموا بأنه أشد شذوذا .
" ولك " أي : وجاز لك " في مثل ( يا تيم تيم عدي ) " أي : في تركيب
$[1/336]
تكرر فيه المنادى المفرد المعرفة صورة وولى الثاني اسم مجرور بالإضافة في الأول " الضم والنصب " وفي الثاني النصب فحسب .
أما الضم في الأول فلأنه منادى مفرد معرفة كما هو الظاهر والنصب على أنه مضاف إلى ( عدي ) المذكور .
و ( تيم ) الثاني : تأكيد لفظي فاصل بين المضاف والمضاف إليه وذلك مذهب سيبويه .
أو مضاف إلى ( عدى ) المحذوف بقرينة المذكور ، وذلك مذهب المبرد والسيرافي : أجاز الفتح مكان النصب على أن يكون في الأصل : يا تيم - بالضم - تيم عدي ، ففتح الأول اتباعا لنصب الثاني ، كما في : يا زيد بن عمرو .
وتعين النصب في الثاني لأنه إما تابع مضاف إو تابع مضاف . وتمام البيت :
يا تيم تيم عدي لا أبا لكم ... ... لا يلقينكم في سوءة عمر
$[1/337](1/196)
البيت لجرير حين أراد عمر التيمي الشاعر أن يهجوه ، فقال جرير خطابا لبني تيم لا تتركوا 52/أ عمر أن يهجوني ، فيلقينكم في سوءة ، أي : مكروه من قبلي ، يعني : مهاجاته إياهم .
" و " المنادى " المضاف إلى ياء المتكلم يجوز فيه " وجوه أربعة : فتح الياء مثل " ( يا غلاميَ ) " وسكونها مثل " ( يا غلامي ) " واسقاط الياء اكتفاء بالكسرة ، إذا كان قبله كسرة احتراز عن نحو : ( يا فتاي ) مثل : " يا ( غلام ) " .
وقلبها ألفا ، نحو : " ( يا غلاما ) " وهذان الوجهان يقعان غالبا في النداء لأن النداء موضع التخفيف ، لأن المقصود غيره فيقصد الفراغ من النداء بسرعة ، ليتخلص منه ويتوجه إلى المقصود من الكلام .
فخفف ( يا غلامي ) بوجهين : حذف الياء وابقاء الكسرة دليلا عليه ، وقلب الياء ألفا ، لأن الألف والفتحة أخف من الياء والكسرة .
وهما أي : هذان الوجهان ، وإن كانا واقعين في المنادى المضاف إلى ياء المتكلم لكن لا يقعان في كل منادى كذلك ، بل فيما غلب عليه الإضافة إلى ياء المتكلم ، واشتهر بها لتدل الشهرة على الياء المغيرة بالحذف أو القلب فلا تقول : ( يا عدو ) و ( يا عدوا ) . وقد جاء شاذا في المنادى ( يا غلام ) بالفتح اكتفاء بالفتحة عن الألف .
" و " يكون المنادى المضاف إلى ياء المتكلم " بالهاء " في هذه الوجوه كلها " وقفا " أي : في حال الوقف ، تقول : ( يا غلامَيه ) و ( يا غلاميْه ) و ( يا غلامِه )
$[1/338]
و ( يا غلاماه ) ، فرقا بين الوقف والوصل .(1/197)
" وقالوا " أي : العرب في محاوراتهم " ( يا أبي ، ويا أمي ) " على الوجوه الأربعة كسائر ما أضيف إلى ياء المتكلم مع وجوه أخر زائدة عليها ، لكثرة استعمال ندائيهما في كلامهم 52/ب كما أشار إليها بقوله : " و ( يا أبت ، ويا أمت ) معا " أي : قالوا : ( يا أبت ، ويا أمت ) أيضاً بابدال الياء بالتاء " فتحا وكسرا " أي : حال كون التاء مفتوحة على وفق حركة الياء ، أو مكسورة لمناسبة الياء .
وقد جاء بالضم أيضاً نحو ( يا أبت ، ويا أمت ) لاجرائه مجرى المفرد المعرفة ولم يذكره لقلته .
" و " قالوا : ( يا أبتا ) و ( يا أمنّا ) " بالالف " بعد التاء جمعا بين العوضين
$[1/339]
" دون الياء " فما قالوا : ( يا أبتي ) و ( يا أمتي ) احترازا عن الجمع بين العوض والمعوض عنه فإنه غير جائز .
" و " قالوا : " ( يا ابن أمّ " و ( يا ابن عمّ ) خاصة " هذا الاختصاص بالنظر إلى الأم والعم ، أي : لا يقال : ( يا ابن أخ ويا ابن خال ) لا بالنظر إلى الابن ايضا ، فإنهم يقولون : ( يا بنت أمّ ) و ( يا بنت عم ) على الوجوه الأربعة " مثل باب ، يا غلامي " فقالوا : ( يا ابن أمي ) و ( يا ابن عمي ) - بفتح الياء وسكونها - و ( يا ابن عما ) بابدال الياء ألفا .
" وقالوا " بزيادة وجه آخر شذ في المضاف إلى ياء المتكلم " يا بان أمّ ويا ابن عمّ " بحذف الألف والاكتفاء بالفتحة لكثرة الاستعمال ، وطول اللفظ ، وثقل التضعيف .
ولما كان من خصائص النداء الترخيم شرع في بيانه فقال : " و "
$[1/340]
" ترخيم المنادى "
" جائز " أي : واقع في سعة الكلام من غير ضرورة شعريه دعت إليه ، فإن دعت إليه ضرورة فبالطريق الأولى .
" و " هو " في غيره " أي : غير المنادى واقع " ضرورة " أي : لضرورة شعرية 53/أ دعت إليه ، لا في سعة الكلام .(1/198)
" وهو " أي : ترخيم المنادى " حذف في آخره " أي : آخر المنادى ، " تخفيف " أي : لمجرد التخفيف لا لعلة أخرى مفضية إلى الحذف المستلزم للتخفيف .
فعلى هذا يكون ذلك التعريف مخصوصا بترخيم المنادى ، ويعلم منه ترخيم غير المنادى بالمقايسة ، ويمكن حمله على تعريف الترخيم مطلقا بارجاع الضمير المرفوع إلى الترخيم مطلقا ، والضمير المجرور في قوله : ( في آخره ) راجع إلى الاسم .
" وشرطه " أي : شرط ترخيم المنادى ، على التقدير الأول ، أو شرط الترخيم إذا كان واقعا في المنادى على التقدير الثاني في أمور أربعة ، ثلاثة منها عدمية وهي " أن لا يكون مضافا " حقيقة ، أو حكما ، فيدخل فيه المشبه بالمضاف ايضا ، إذ لا يمكن الحذف من الأول ، لأنه ليس آخر أجزاء المنادى نظرا إلى المعنى ، ولا من الثاني ، لأنه ليس آخر أجزائه نظرا إلى اللفظ ، فامتنع الترخيم فيهما بالكلية .
" و " أن " لا يكون " " مستغاثا " لا مجرورا باللام لعدم ظهور أثر النداء فيه من النصب أو البناء فلم يرد عليه الترخيم الذي هو من خصائص المنادى ، ولا مفتوحا بزيادة
$[1/341]
الألف ، لأن الزيادة تنافي الحذف .
ولم يذكر المصنف المندوب لأنه غير داخل في المنادى عنده ، وما وقع في بعض النسخ ( ولا مندوبا ) فكأنه من تصرف الناسخين مع أن وجه اشتراطه عند دخوله في المنادى ظاهر ، وهو أن الأغلب فيه زيادة الألف في آخره لمد الصوت اظهارا للتفجع فلا يناسبه الترخيم للتخفيف .
" و " أن " لا " يكون " جملة " لأن الجملة محكية بحالها 53/ب فلا تغير .
والشرط الرابع : أحد الأمرين الوجوديين .
" و " هو أن " يكون " المنادى " إما علما زائدا على ثلاثة أحرف " لأنه لعلميته ناسبه التخفيف بالترخيم ، لكثرة نداء العلم مع أنه لشهرته يكون فيما أبقى منه دليل على ما ألقى عنه ، ولزيادته على الثلاثة لم يلزم نقص الاسم عن أقل أبنية العرب بلا علة موجبة .(1/199)
" وإمّا " اسما متلبسا " بتاء التأنيث " وإن لم يكن علما ولا زائدا على الثلاثة ، لأن وضع التاء على الزوال فيكفيه أدنى مقتضى للسقوط ، فكيف إذا وقع موقعا يكثر فيه سقوط الحرف الأصلي ؟
ولم يبالوا ببقاء نحو ( ثبة ) و ( شاة ) بعد الترخيم على حرفين لأن بقاءه كذلك ليس لأجل الترخيم بل مع التاء أيضاً كان ناقصا عن ثلاثة إذ التاء كلمة أخرى برأسها
$[1/342]
ولا يرخم لغير ضرورة منادى لم يستوف الشروط المذكورة إلا ما شذ من نحو ( يا صاح ) في ( يا صاحب ) ومع شذوذه فالوجه في ترخيمه كثرة استعماله منادى .
ولما فرغ من بيان شرائط الترخيم شرع في بيان كمية المحذوف بسببه فقال : " فإن كان في آخره " أي : في آخر المنادى " زيادتان " كائنتان " في حكم " الزيادة " الواحدة " في أنهما زيدتا معا ، واحترز به عن نحو ( ثمانية ) و ( مرجانة ) أسماء فإن الياء والنون فيهما زيدتا أولا ، ثم زيدت تاء التأنيث ، فلم يحذف منهما إلا الآخر " كـ " أسماء " إذا جعلتها ( فعلاء ) من الوسامة ، أي : الحسن ، كما هو مذهب سيبويه ، لا ( أفعالا ) جمع ( اسم ) على ما هو مذهب غيره ، لأنه 54/أ يكون حينئذ من باب ( عمار ) " و ( مروان ) " ، " أو " كان في آخره " حرف صحيح " أي : صحيح أصليّ لتبادره إلى الذهن لأن الغالب في الحرف الصحيح الأصالة فيخرج منه نحو : ( سعلاة ) ، لأنه لا يحذف منه إلاّ التاء ، وهو أعمّ من أن يكون
$[1/343]
حقيقة أو حكما ، فيشمل مثل ( مرميّ ) و ( مدعوّ ) فإن الحرف الأخير منهما في حكم الصحيح في الأصالة .
" قبله مدة " أي : ألف ، أو واو ، أو ياء ساكنة ، حركة ما قبلها من جنسها .(1/200)
والمراد بها المدة الزائدة ، لتبادرها إلى الذهن ، لغلبتها وكثرتها ، فيخرج منه نحو : ( مختار ) فإنه لا يحذف منه إلى الحرف الأخير " وهو " أي : والحال أنّ ما في آخره حرف صحيح قبله مدة " أكثر من أربعة " من الحروف كمنصور ، وعمار ، ومسكين ، لئلا يلزم من حذف حرفين منه عدم بقائه على أقل أبنية المعرب ، وإنما لم يأخذ هذا القيد في قوله ( زيادتان في حكم الواحدة ) لأن نحو ( ثبون ) و ( قلون ) يرخم بحذف زيادتيه ، لأن بقاء الكلمة فيه على حرفين ليس للترخيم .
" حذفتا " أي : الحرفان الأخيران في كلا القسمين أما في الأول : فلما كانتا في حكم الواحدة ، فكما زيدتا معا ، حذفتا معا ، وأما في الثاني : فلأنه لما حذفت الأخير مع
$[1/344]
صحته وأصالته ، حذفت المدة الزائدة ، لئلا يرد المثل السائر ( صلت على الأسد وبلت عن النقد ) .
" وإن كان مركبا " ويعلم من بيان شرط الترخيم أنه لا يكون مضافا ولا جملة مثل ( بعلبك وخمسة عشر ) علمين " حذف الاسم الأخير " فيقال في ( بعلبك ) ( يا بعل ) وفي ( 45/ب ) خمسة عشر ) ( يا خمسة ) لنزوله منزلة تاء التأنيث في كون كل منهما كلمة على حدة صارت بمنزلة الجزء .
" وإن كان غير ذلك " المذكور من الأقسام الثلاثة " فحرف واحد " أي : فيحذف حرف واحد ، لحصول الفائدة المقصودة وعدم موجب حذف الأكثر نحو ( يا حار ) و ( يا مال ) في : يا حارث ، ويا مالك .
" وهو " أي : المنادى المرخم " في حكم " المنادى " الثابت " بجميع أجزائه فيبقى الحرف الذي صار آخر الكملة بعد الترخيم على ما كان عليه قبله " على " الاستعمال " الأكثر فيقال " في ( يا حارث ) " يار حار " بكسر الراء على ما كان عليه قبل الترخيم " و " في ( يا ثمود ) " و ( يا ثمو ) " بواو متطرفة بعد ضمة " و " في ( يا كروان ) " يا كرو ) " بواو متحركة بعد فتحة .(1/201)
" وقد يجعل " ( قد ) للتقليل أي : ويجعل المنادى المرخم على الاستعمال الأقل " اسما برأسه " كأنه لم يحذف منه شيء فيكون له في بنائه واعلاله وتصحيحه حكم
$[1/345]
نفسه لا حكم الأصل ، " فيقال : ( يا حار ) " بالضم ، كأنه اسم مفرد معرفة برأسه فيضم " و ( يا ثمي ) " لأنه لما جعل ( ثمو ) اسما برأسه صارت الواو طرفا بعد ضمة ، فلا جرم قلبت الواو ياء وكسر ما قبلها كـ ( أدْلٍ ) في ( أدلو ) .
" ويا كرا " لأنه جعل ( كرو ) اسما برأسه ارتفع مانع الإعلال ، وهو وقوع الساكن بعد الواو فانقلبت الواو ألفا ، لتحركها وانفتاح ما قبلها .
" وقد استعملوا " يعني : العرب " صيغة النداء " يعني ( يا ) خاصة " في المندوب " لأنه لا يدخل عليه سواها لكونها أشهر صيغة فكانت أولى بأن يتوسع فيها باستعمالها في غير المنادى .
والمندوب في اللغة : ميت يبكي عليه أحد ، ويعد محاسنه 55/أ ليعلم الناس أن موته أمر عظيم ، ليعذروه في البكاء ، ويشاركوه في التفجع .
وفي الإصطلاح : " هو المتفجع عليه " وجودا أو عدما " بيا أو ، وا " فالمتفجع عليه عدما : ما يتفجع على عدمه كالميت الذي يبكي عليه النادب . والمتفجع عليه وجودا : ما يتفجع على وجوده عند فقد المتفجع عليه عدما ، كالمصيبة والحسرة والويل اللاحقة للنادب لفقد الميت . فالحد شامل لقسمي المندوب ، مثل : يا زيداه ، ويا عمراه ، ومثل : يا ويلاه ، ويا حسرتاه ، ويا مصيبتاه .
" واختص " المندوب " بوا " ممتازا به عن المنادى لعدم دخوله عليه ، بخلاف ( يا ) فإنه مشترك بينهما .
" وحكمه " أي : حكم المندوب " في الإعراب والبناء حكم المنادى " أي : مثل حكمه ، يعني : إذا وقع المندوب على صورة قسم من أقسام المنادى ، فحكمه في الإعراب
$[1/346](1/202)
والبناء مثل حكم ذلك القسم من المنادى ، كما إذا كان مفردا معرفة ، يضم ، وإذا كان مضافا أو مشبها به ينصب ، ولا يلزم من ذلك جوازا وقوعه على صورة جميع أقسام المنادى ، ليرد أنه لا يقع نكرة لأنه لا يندب إلى المعرفة .
" و " جاز " لك زيادة الألف في آخره " أي : في آخر المندوب " فإن خفت اللبس " أي : التباس ذلك اللفظ - عند زيادة الألف - بغيره عدلت إلى حرف مد مجانس لحركة آخر المندوب من كسرة أو ضمة ، كما إذا أردت ندبة غلام مخاطبة " قلت واغلامكية " لا غلامكاه لالتباسه بندبة ( غلام ) مخاطب .
وإذا أردت ندبة غلام جماعة مخاطبين 55/ب قلت : واغلامكموه ، إذ الميم أصلها الضم ( لا غلامكماه ) لالتباسه بندبة ( غلام ) مخاطبين اثنين .
" و " جاز " لك الهاء " أي : إلحاق ( ها ) بهذه المدات " في " حال " الوقف " لبيانها .
" ولا يندب " من قسم المندوب المتفجع عليه عدما " إلا " الإسم " المعروف " الذي اشتهر المندوب به ، ليعذر النادب بمعرفته في ندبته ، والتفجع عليه .
" فلا يقال : ( ورجلاه ) " إلا إذا اشتهر بهذا اللفظ مندوب خاص انتقل الذهن إليه ويعرف به ، ليعذر النادب بالندبة عليه .
" وامتنع " إلحاق الألف بصفة المندوب ، بل يجب أن يلحق بالموصوف منثل : وازيداه الطويل ، لأن اصتاله بالصفة ليس كاتصال المضاف بالمضاف إليه ، لأنه جيء به لتمام المضاف ، فهو كالجزء ، بخلاف الصفة فإنه جيء بها بعد تمام الموصوف للتخصيص أو
$[1/347]
التوضيح فلهذا جاز مثل ( يا أمير المؤمينناه ) ولم يجز مثل " ( وازيد الطويلاه ) خلافا ليونس " فإنه لا يجوز إلحاق الألف بآخر الصفة ، فإن اتصال الموصوف بالصفة وإن كان في اللفظ انقص من الإتصال بين المضاف والمضاف إليه ، إلا أنه أتم منه جهة المعنى ، لاتحادهما بالذات ، فإن الطويل هو زيد لا غير بخلاف المضاف والمضاف إليه فإنهما متغايران بالذات .(1/203)
وحكى يونس : أن رجلا ضاع له قدحان ، فقال : واجمجمتي الشاميتيناه . والجمجمة : القدح .
" ويجوز " لقيام قرينة " حذف حرفن النداء إلا " إذا كان مقارنا " مع اسم الجنس " ونعني به : ما كان نكرة قبل النداء ، سواء تعرف بالنداء كـ ( يا رجل ) أو لم يتعرف مثل : يا رجلا ، لأن نداءه لم يكثر كثرة نداء العلم ، فلو حذف 56/أ منه حرف النداء لم يسبق الذهن إلى أنه منادى .
" والإشارة " أي : وإلا مع اسم الإشارة ، لأنه كاسم الجنس في الإبهام .
$[1/348]
" والمستغاث والمندوب " لأن المطلوب فيهما مد الصوت وتطويل الكلام . والحذف ينافيه ، فبقى على هذا من المعارف التي يجوز فيها حذف حرف النداء ، العلم سواء كان مع بدل عن حرف النداء كلفظة ( الله ) فإنه لا يحذف منه إلا مع ابدال الميم المشددة منه ، نحو : اللهم ، أو بغير بدل " نحو ( يوسف أعرض عن هذا ) " أي : يا يوسف " و " لفظة ( أي ) إذا وصفت بذي اللام نحو : " ( أيها الرجل " " أي : يا أيها الرجل ، أو بالموصوف بذي اللام نحو ( أيهذا الرجل ) أي : يا أيهذا الرجل ، فلا يجوز الحذف من ( أيهذا ) من غير أن يوصف ( هذا ) بذي اللام .
والمضاف إلى أي معرفة كانت نحو ( غلام زيد أفعل كذا ) .
والموصولات نحو ( من لا يزال محسنا أحسن إلي ) .
وأما المضمرات فشذ نداؤها نحو ( يا أنت ) و ( يا اياك ) .
" وشذ " حذف حرف النداء من اسم الجنس في : " ( اصبح ليل ) " أي : صر صبحا يا ليل ، حذف حرف النداء من الليل مع أنه اسم جنس شذوذا ، قالته امرأة امرىء القيس حين كرهته .
$[1/349]
" و " في " ( افتد مخنوق ) " أي : يا مخنوق .
قاله شخص وقع في الليل على نائم مستلق فخنقه ، وقال : افتد مخنوق حذف حرف النداء من ( مخنوق ) مع أنه اسم جنس شذوذا .
" و " في " ( أطرق كرا ) " أي : يا كروان وفيه شذوذان : حذف حرف النداء من اسم الجنس وترخيم غير العلم .
قيل : هي رقية يصيدون بها الكروان .(1/204)
يقولون " أطرق كرا ، أطرق كرا ، إن 56/ب النعام في القرى " فيسكن ويطرق حتى يصاد والمعنى : أن النعام الذي هو أكبر منك قد اصطيد وحمل إلى القرى فلا تخلى أيضاً .
" وقد يحذف المنادى لقيام قرينة جوازا نحو ( الا يا اسجدوا ) " يتخفيف ( ألا )
$[1/350]
على أنه حرف تنبيه ، و ( يا ) حرف نداء ، أي : يا قوم اسجدوا .
والقرينة : امتناع دخول ( يا ) على الفعل بخلاف قراءته ( ألا يسجدوا ) بتشديد اللام - لأنه ليس من هذا الباب ، فإن ( أن ) ناصبة للمضارع ، أدغمت نونها في لام ( لا يسجدوا ) ، و ( يسجدوا ) فعل مضارع سقط نونه بالنصب .
" والثالث " من تلك المواضع الأربعة التي وجب حذف ناصب المفعول به فيها " ما " أي : مفعول به " أضمر " أي : قدر " عامله " الناصب له " على شريطة التفسير " الشريطة والشرط واحد ، وإضافتها إلى التفسير بيانية ، أي : أضمر عامله بناء على شرط ، وهو تفسيره أي : تفسير العامل بما بعده .
وإنما وجب حذفه حينئذ احترازا عن الجمع بين المفسِّر والمفسَّر .
" وهو " أي : ما أضمر عامله على شريطة التفسير " كل اسم بعده فعل أو شبهه " احترز به عن نحو ( زيد أبوك ) ولا يريد به أن يليه الفعل أو شبهه متصلا به ، بل أن يكون
$[1/351]
الفعل أو شبهه جزء الكلام الذي بعده نحو : ( زيدا ضربه ) و ( زيدا أنت ضاربه ) .(1/205)
" مشتغل " ذلك الفعل أو شبهه " عنه " أي : عن العمل في ذلك الاسم " بضميره " أي : بالعمل في ضميره " أو متعلقه " أي : متعلق ذلك الاسم ، أو متعلق ضميره . وحاصله : أن يكون الفعل أو شبهه مشتغلا بالعمل في ضمير ذلك الاسم أو متعلقه فارغا عن العمل فيه بسبب 57/أ ذلك الاشتغال لا بسبب آخر بحيث " لو سلط " بمجرد رفع ذلك الاشتغال " عليه " أي : على ذلك الاسم " هو " أي : أحد الأمرين ، الفعل أو شبهه بعينه " أو مناسبة " أي : ما يناسبه بالترادق أو اللزوم " لنصبه " اي : لنصب أحد هذين الأمرين الاسم بالمفعولية كما هو الظاهر المتبادر .
فبقيد الاشتغال بالضمير أو متعلقه خرج نحو ( زيدا ضربت ) وبقيد الفراغ عن العمل فيه بمجرد ذلك الاشتغال خرج نحو ( زيد ضربته ) . فإن المانع من عمل ( ضربته ) في ( زيد ) ليس مجرد اشتغاله بضميره ، لأن عمل معنى الابتداء فيه ورفعه إياه أيضاً مانع عن ذلك .
$[1/352]
وبتقييد النصب بالمفعولية خرج خبر كان في نحو ( زيدا كنت إياه ) وهنا صور أربع :
إحداها : اشتغال الفعل بالضمير مع تقدير تسليطه بعينه .
والثانية : اشتغاله بالضمير مع تقدير تسليط ما يناسب الفعل بالترادف .
والثالثة : اشتغال الفعل بالضمير مع تقدير تسليط ما يناسب الفعل باللزوم .
والرابعة : اشتغال الفعل بالمتعلق ، ولا يتصور حينئذ إلا تقدير تسليط الفعل المناسب باللزوم ، ولهذا أورد المصنف أربعة أمثلة ، ثلاثة منها للمشتغل بالضمير بأقسامه الثلاثة ، وواحد للمشتغل بالمتعلق .
والأحسن في ترتبيها حينئذ تأخير مثال المشتغل بالمتعلق ، كما لا يخفى وجهه " نحو : ( زيدا ضربته ) " مثال الفعل المشتغل بالضمير مع تقدير تسليطه بعينه .
" و ( زيدا مررت به ) " مثال الفعل المشتغل بالضمير مع تقدير تسليط ما يناسبه بالترادف ، فإن ( مررت ) بعد تعديته بالبناء مرادف لـ ( جاوزت ) .
" و ( زيدا ضربت غلامه ) 57/ب " مثال الفعل المشتغل بالمتعلق .(1/206)
" و ( زيدا حبست عليه ) " مثال الفعل المشتغل بالضمير مع تقدير تسليط ما يناسبه باللزوم ، فإن حبس الشيء على لاشيء يلزمه ملابسته المحبوس عليه .
" ينصب " ( زيد ) في هذه الأمثلة " بفعل يفسره ما بعده ، أي : ضربت "
$[1/353]
يعني : الفعل المفسر الناصب لزيد في : زيد ضربته ( ضربت ) المقدر .
فإن الأصل فيه ( ضربت زيدا ضربته ) أضمر ( ضربت ) الأول لوجود مفسره ، أعني : ( ضربت ) الثاني " و " على هذا القياس " ( جاوزت ) " فإنه مفسر بما يرادفه ، أعني : مررت به " وأهنت " فإنه مفسر بما يستلزمه أعني : ضربت غلامه ، فإن ضرب الغلام يستلزم إهانة سيده .
" ولا بست " فإنه مفسر بما يستلزمه أعني : حبست عليه .
ثم إن الاسم الواقع في مظانّ الإضمار على شريطه التفسير إما المختار ، أو الواجب فيه الرفع ، أو النصب ، أو يستوي فيه الأمران .
وإلى هذه الصور الخمس أشار المصنف فقال :
" ويختار " في الاسم المذكور " الرفع بالابتداء " أي : بكونه مبتدأ ، لأن تجرده عن العوامل اللفظية يصحح رفعه بالابتداء ويرجح " عند عدم قرينة خلافه " أي : قرينة ترجح خلاف الرفع ، يعني : النصب ، لأن قرينتي الصحة فيهما متساويتان ، لن وجود ماله صلاحية التفسير مصححة للنصب ، فمتى لم ترجح النصب قرينة أخرى يرجح الرفع لسلامته عن الحذف نحو ( زيد ضربته ) .
" أو عند وجود " القرينة المرجحة من الجانبين ، ولكن تكون القرينة المرجحة للرفع " أقوى منها " أي : من القرينة المرجحة للنصب " كأما " الداخلة على ذلك الاسم " مع غير الطلب " أي : 58/أ بشرط أن لا يكون الفعل المشتغل عنه طلبا ، كالأمر والنهي ، والدعاء نحو ( لقيت القوم وأما زيد فأكرمته ) فالعطف على الفعلية قرينة للنصب ، وكلمة ( أما ) قرينة للرفع وهي أقوى لأنها لا يقع بعدها غالبا إلا المبتدأ بخلاف عطف
$[1/354](1/207)
الاسمية على الفعلية فإنه كثير الوقوع في كلامهم مع أنها تأيدت بالسلامة عن الحذف أيضاً . وإنما قال ( مع غير الطلب ) احترازا عما إذا كانت مع الطلب نحو ( أما زيدا فأضربه ) فإن المختار حينئذ هو النصب ، فإن الرفع يقتضي وقوع الطلب خبرا ، وهو لا يجوز إلا بتأويل .
ومثل ( أما ) مع غير الطلب " ( إذا ) " الواقع على الاسم المذكور " للمفاجأة " في كونه من أقوى القرائن مثل ( خرجت فإذا زيد يضربه عمرو ) فإن المختار فيه الرفع فإن ( إذا المفاجأة ) لا تدخل إلا على الجملة الاسمية غالبا ، وما وقع في بحث الظروف من أن ( إذا المفاجأة ) يلزم بعدها الاسمية فالمراد بلزوم الاسمية غلبة وقوعها بعدها
$[1/355]
فلا تناقض .
" ويختار النصب " في الاسم المذكور " بالعطف " أي : بسبب عطف جملة هو فيها " على جملة فعلية " متقدمة " للتناسب " أي : لرعاية التناسب بين الجملة المعطوفة والجملة المعطوف عليها في كونهما فعليتين نحو : ( خرجت فزيدا لقيته ) " وبعد حرف النفي " يعني : ( ما ولا وإن ) وليس ( لم ولما ولن ) من هذه الجملة غذ هي عاملة في المضارع ، ولا يقدر معمولها لضعفها في العمل نحو ( ما زيدا ضربته ) و ( لا زيدا ضربته ) و ( إن زيدا ضربته إلا تأديبا ) .
" و " بعد " حرف الاستفهام " نحو : ( أزيدا ضربته ؟ ) .
وإنما قال : ( حرف الاستفهام ) لأنه يختار 58/ب الرفع في اسم الاستفهام مثل ( من أكرمته ؟ ) ولم يقل همزة الاستفهام ، ليشمل مثل ( هل زيدا ضربته ؟ ) فإنه يجوز
$[1/356]
وإن استقبحه النحاة لاقتضاء ( هل ) لفظ الفعل ، لأنه بمعنى ( قد ) في الأصل ، فلا يكفي فيه تقدير الفعل .
" و " بعد " إذا الشرطية " الدالة على المجازاة في الزمان ، نحو ( إذا عبدالله تلقاه فأكرمه ) " و " بعد " حيث " الدالة على المجازاة في المكان ، نحو ( حيث زيدا تجده فأكرمه ) .(1/208)
" وفي " ما قبل " الأمر والنهي " يعني : موضع وقوع الاسم المذكور قبل الأمر والنهي ، مثل ( زيدا اضربه ) و ( زيدا لا تضربه ) .
وإنما اختير في هذه المواضع - أي : ما بعد حرف الاستفهام والنفي وإذا الشرطية وحيث ، وما قبل الأمر والنهي - النصب في الاسم المذكور " إذ هي " أي : هذه المواضع " مواقع الفعل " أي : مواضع وقوع الفعل فيها أكثر فإذا نصب الاسم المذكور وقع فيها الفعل تقديرا ، وإلا فلا .
" و " كذلك يختار النصب في الاسم المذكور " عند خوف لبس المفسر " أي : التباس ما هو مفسر في حال النصب ، لكن لامن من حيث هو مفسر في هذه الحال بل من حيث هو خبر في حال الرفع " بالصفة " فلا يعلم أنه خبر عن الاسم المذكور في حال الرفع مع موافقته للمعنى المقصود ، أو صفة له مع مخالفته للمعنى المقصود .
$[1/357]
فالالتباس إنما هو بين خبرية ذات ما هو مفسر على تقدير النصب - ووصفيته لابينه - بوصف التفسير - وبين الصفة فإن التركيب لا يحتملها معا مثل : قوله تعالى : { إنا كلّ شيء خلقناه بقدر } بنصب ( كل شيء ) على الإضمار بشريطة ، ولو رفع بالابتداء وجعل ( خلقناه ) خبرا له لكان موافقا للنصب في أداء المقصود ولكن 59/أ خيف لبسه بالصفة لاحتمال كون قوله ( بقدر ) خبرا وهو خلاف المقصود فإن المقصود الحكم على ( كل شيء ) بأنه مخلوق لنا بقدر
$[1/358]
لا الحكم ( على كل شيء ) مخلوق لنا أنه ( بقدر ) فإنه يوهم كون بعض الأشياء الموجودة غير مخلوق لله ، كما هو مذهب ( المعتزلة ) في الأفعال الاختيارية للعباد .(1/209)
" ويستوي الأمران " أي : الرفع والنصب ، فللمتكلم أن يختار كل واحد منهما بلا تفاوت " في " مثل " زيد قام وعمرا أكرمته " أي : عنده أوفى داره ونحو ذلك ، وإلا لا يصح العطف على الصغرى لعدم الضمير أي : يستوى الأمران فيما إذا عطف الجملة التي وقع فيها الاسم المذكور على جملة ذات وجهين أي : جملة اسمية خبرها جملة فعلية ، فيصح رفعه بالابتداء ونصبه بتقدير الفعل والوجهان مستويان لحصول التناسب فيهما .
ففي الرفع تكون اسمية فتعطف على الجملة الكبرى وهي اسمية وفي النصب تكون فعلية فتعطف على الجملة الصغرى وهي فعلية .
فإن قلت : السلامة من الحذف مرجحة الرفع قلنا : هي معارضة بقرب المعطوف عليه .
$[1/359]
فإن قلت : لا تفاوت في القرب والبعد بينهما إذ الكبرى أيضاً قريبة غير مفصولة عنها ، قلنا : هذا باعتبار المنتهى وأما باعتبار المبتدأ فالصغرى أقرب .
" ويجب النصب " أي : نصب الاسم المذكور " بعد حرف الشرط " والمراد به هنا ( إن ) و ( لو ) فإن ( أما ) وإن كانت من حروف الشرط فحكمها ما سبق من اختيار الرفع مع غير الطلب واختيار النصب مع الطلب " و " كذا يجب النصب بعد " حرف التحضيض " وهو ( هلاّ وألاّ ولولا ولو ما ) .
وإنما وجب النصب بعدهما لوجوب دخولهما على الفعل لفظا 59/ب أو تقديرا " نحو ( إن زيدا ضربته ضربك ) " مثال لحرف الشرط " و ( ألا زيدا ضربته ) " مثال لحرف التحضيض .
" وليس مثل ( أزيد ذهب به ؟ ) منه " أي : من باب الإضمار على شريطة التفسير ، فإن ( زيدا ) فيه وإن كان يظنّ في بادئ النظر أنه مما أضمر عامله على شريطة التفسير والمختار فيه النصب لوقوع الاسم المذكور فيه بعد حرف الاستفهام ، لكن يظهر بعد تعمق النظر أنه ليس منه فإنه وإن صدق عليه أنه اسم بعده فعل مشتغل عنه بضميره لكنه ليس بحيث لو سلط عليه هو أو مناسبه لنصبه لأن ( ذهب به ) لا يعمل النصب وكذا مناسبه ، أعني ( أذهب ) .(1/210)
فإن قلت : لا ينحصر المناسب في ( أذهب ) فليقدر مناسب آخر ينصبه مثل
$[1/360]
( يلابس ) أو ( أذهب ) على صيغة المعلوم ، فيكون تقديره : أزيدا يلابسه الذهاب به ، أو يلابسه أحد بالذهاب به ، أو : أذهبه أحد .
قلنا : المراد بالمناسب ما يرادق الفعل المذكور أو يلازمه مع اتحاد ما أسند إليه فالاتحاد فيما ذكرته مفقود وإذا كان الأمر كذلك " فالرفع " أي : رفع ( زيد ) في المثال المذكور واجب بالابتداء ونصبه غير جائز بالمفعولية .
فليس من باب الإضمار على شريطة التفسير فكيف يكون مما يختار فيه النصب ؟ " وكذا " أي : مثل ( أزيد ذهب به ) " " قوله تعالى كل شيء فعلوه في الزبر " .
أي : في صحائف أعمالهم فهو ليس من باب الإضمار على شريطة التفسير لأنه لو جعل منه لصار التقدير فعلوا كلّ شيء في الزبر فقوله ( في الزبر ) إن كان متعلقا ( فعلوا ) فسد المعني : لأن صحائف أعمالهم ليست محلا لفعلهم ، لأنهم 60/أ لم يوقعوا فيها فعلا ، بل الكرام الكاتبون أوقعوا فيها كتابة أفعالهم .
$[1/361]
وإن كان صفة لشيء - مع أنه خلاف ظاهر الآية - فات المعنى المقصود ، إذ المقصود أنّ كلّ شيء هو مفعول لهم كائن في الزبر مكتوب فيها موافقا لقوله تعالى : { وكلّ صغير وكبير مستطر } لا أن كل شيء كائن في صحائف أعمالهم هو مفعول لهم ، فالرفع لازم على أن يكون ( كل شيء ) مبتدأ والجملة الفعلية صفة لشيء والجار والمجرور في محل الرفع على أنه خبر المبتدأ تقديره : كل شيء مفعول لهم ثابت في الزبر بحيث لا يغادر صغيرة ولا كبيرة .
واعلم أنه قد سبق أن بعد الاسم المذكور إذا كان الفعل المشتغل عنه بضميره أو متعلقه أمرا أو نهيا فالمختار فيه النصب .(1/211)
فالظاهر أن قوله تعالى { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } داخل تحت هذه القاعدة مع أن القراء اتفقوا فيه على الرفع إلا في رواية شاذة عن بعضهم ، فاضطر النحاة إلى أن تمحّلوا لاخراجه عن هذه القاعدة المذكورة لئلا يلزم اتفاق القراء على غير المختار .
فأشار المصنف إلى ما تمحلوا لاخراجه عنها فقال " ونحو : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } " الفاء " فيه مرتبط " بمعنى الشرط عند
$[1/362]
المبرد " لكون الألف واللام في ( الزانية والزاني ) مبتدأ موصولا فيه معنى الشرط واسم الفاعل الذي هو صلته كالشرط فخبر المبتدأ كالجزاء والفاء الداخلة عليه مرتبطة بالشرط لدلالته على سببيته للجزاء .
ومثل هذا الفاء لا يعمل ما في حيزه 60/ب فيما قبله فامتنع تسليط الفعل المذكور بعده على ما قبله فتعين فيه الرفع .
" و " الآية " جملتان " مستقلتان " عند سيبويه " إذ ( الزانية ) مبتدأ محذوف المضاف و ( الزاني ) عطف عليه والخبر محذوف أي : حكم الزانية والزاني فيما يتلى عليكم بعد .
وقوله تعالى { فاجلدوا } جملة ثانية لبيان الحكم الموعود ، والفاء عنده أيضاً للسببية أي : إن ثبت زناهما فاجلدوا .
وقيل : زائدة أو للتفسير ، وجزء الجملة لا يعمل في جزء جملة أخرى فيمتنع التسليط فلا يدخل في الضابط فتعين الرفع .
$[1/363]
" وإلاّ " أي : وإن لم يكن الفاء بمعنى الشرط ولم تكن الآية جملتين أيضاً فهي تكون داخلة تحت الضابطة " فالمختار " حينئذ فيها " النصب " واختيار النصب باطل لاتفاق القراء على لارفع فلا بد من جعل الفاء بمعنى الشرط أو جعل الآية جملتين لتعين ( الرفع ) .
" الرابع " من تلك المواضع التي وجب حذف ناصب المفعول به فيها :
$[1/364]
" التحذير "
وإنما وجب حذف الفعل فيه لضيق الوقت عن ذكره .
" وهو " في اللغة : تخويف شيء من شيء . وتبعيده منه .(1/212)
وفي اصطلاح النحاة : " معمول " أي : اسم عمل فيه النصب بالمفعولية " بتقدير : اتق ، تحذيرا " أي : حذر ذلك المعمول تحدذيرا ، فيكون مفعولا مطلقا ، أو ذكر تحذيرا ، فيكون مفعولا له .
" مما بعده " أي : مما بعد ذلك المعمول .
" أو ذكر المحذر منه مكررا " على صيغة المجهول عطفا على ( حذر ) أو ( ذكر ) المقدر ، فإن قلت : فعلى هذا لا بد من ضمير في المعطوف كما في المعطوف عليه قلنا : نعم ، لكنه وضع في 61/أ المعطوف المظهر موضع المضمر ، إذ تقدير الكلام : أو معمول بتقدير اتق ذكر مكررا ، إلا أنه وضع المحذر منه الضمير العائد إلى المعمول أشار بأنه محذر منه لا محذر " مثل : إيّاك والأسد ، وإيّاك وأن تحذف ، " هذا مثلان لأول : نوعي التحذير ، ومعناهما : بعّد نفسك من الأسد ، والأسد من نفسك ، وبعّد نفسك عن حذف الأرنب - وهو ضربه بالعصا - وبعّد حذف الأرنب عن نفسك .
وعلى التقديرين : المحذر منه هو ( الأسد ) ( والحذف ) .
$[1/365]
فإن المراد من تبعيد الأسد أو الحذف ، من نفسك تحذيرها منهما لا تحذيرهما منها .
" والطريق الطريق " مثال لثاني نوعيه ، أي : اتق الطريق الطريق .
ولا يخفى عليكم أن تقدير ( اتق ) في أول النوعين غير صحيح ، لأنه لا يقال : اتقيت زيدا من الأسد ، فينبغي أن يقدر فيه مثل : ( بعِّد ، ونحِّ ) .
وتقدير : ( بعد ) في مثال النوع الثاني غير مناسب ، لأن العنى على الاتقاء عن الطريق لا على تبعيده منه .
فالصواب أن يقال : بتقدير ( بعد أو اتق ) أو نحوهما ، فيقدر مثل : ( بعد ) في جميع أفراد النوع الأول ، وفي بعض أفراد النوع الثاني مثل : ( نفسك نفسك ) فإن المعنى على هذا : بعد نفسك مما يؤذيك ، كالأسد ونحوه : ويقدر مثل ( اتق ) في بعضها كالمثال المذكور .(1/213)
قيل : لفظ ( الأسد ) في ( إياك والأسد ) خارج عن النوعين فينبغي أن لا يكون تحذيرا ، وليس كذلك ، فإنه أيضاً تحذير ، وأجيب بأنه تابع للتحذير ، والتوابع خارجة عن المحدود ، بدليل ذكرها فيما بعد .
" وتقول " في قسمي النوع الأول " إياك من الأسد " 61/ب كما كنت تقول ( إياك والأسد ) " و ( من أن تحذف ) " كما كنت تقول : ( إياك وأن تحذف ) .
$[1/366]
وتقول في المثال الأخير : ( إياك أن تحذف ) بتقدير ( من ) ، أي : إياك من أن تحذف ، لأن حذف حرف الجر عن ( أنْ ، وأنّ ) قياس .
" ولا تقول " في المثال الأول " ( إياك الأسد ) لامتناع تقدير ( من ) " وشذوذه مع غير ( أنْ وأنّ ) .
فإن قلت : فليكن بتقدير العاطف قلنا : حذف العاطف أشد شذوذا ، لأن حذف حرف الجر قياس مع ( أنْ وأنّ ) وشاذ كثير في غيرهما .
وأما حذف العاطف فلم يثبت إلا نادرا .
$[1/367]
" المفعول فيه "
" هو ما فعل فيه فعل " أي حدث " مذكور " تضمنا في ضمن الفعل الملفوظ أو المقدر أو شبهه ، كذلك أو مطابقة ، إذا كان العامل مصدرا .
فقوله : ( ما فعل فيه فعل ) شامل لأسماء الزمان والمكان كلها .
فإنه لا يخلو زمان أو مكان عن أن يفعل فيهما فعل ، سواء ذكر الفعل الذي فعل فيهما أولا .(1/214)
وقوله : ( مذكور ) خرج به ما لا يذكر فعل فعل فيه ، نحو ( يوم الجمعة يوم طيب ) ، فإنه وإن كان فعل فيه فعل لا محالة ، لكنه ليس بمذكور ، لكن بقي مثل : ( شهدت يوم الجمعة ) داخلا فيه ، فإن ( يوم الجمعة ) يصدق عليه أنه فعل فيه فعل مذكور ، فإن شهود يوم الجمعة لا يكون إلا في يوم الجمعة ، فلو اعتبر في التعريف قيد الحيثية ، أي : المفعول فيه ، ما فعل فيه فعل مذكور من حيث إنه فعل فيه فعل مذكور ، ليخرج مثل هذا المثال عنه فإن ذكر يوم الجمعة فيه ليس من حيث إنه فعل فيه ، فعل مذكور ، بل من حيث إنه وقع عليه فعل مذكور ، ولا يخفى عليك أنه على تقدير اعتبار قيد الحيثية لا حاجة إلى قوله 62/أ ( مذكور ) إلا لزيادة تصوير المعرف .
وقوله " من زمان أو مكان " بيان لـ ( ما ) الموصولة أو الموصوفة إشارة إلى قسمي المفعول فيه ، وتمهيد لبيان حكم كل منهما .
وهو ، أي : المفعول فيه ، ضربان :
ما يظهر فيه ( في ) وهو مجرور بها .
$[1/368]
وما يقدر فيه ( في ) وهو منصوب بتقديرها .
وهذا خلال اصطلاح القوم ، فإنهم لا يطلقون المفعول فيه إلا على المنصوبن بتقدير ( في ) .
وخالفهم المصنف ، حيث جعل المجرور أيضاً مفعولا فيه ، ولذلك قال : " وشرط نصبه " أي : شرط نصب المفعول فيه " تقدير ( في ) " إذ التلفظ بها يوجب الجرّ ، " وظروف الزمان كلها " مبهما كان الزمان أو محدودا " تقبل ذلك " أي : تقدير ( في ) ، لأن المبهم منها جزء مفهوم الفعل فيصبح انتصابه بلا واسطة ، كالمصدر .
والمحدود منها محول عليه أي : على المبهم ، لاشتراكهما في الزمانية نحوه ( صمت دهرا ) و ( أفطرت اليوم ) .(1/215)
" وظروف المكان إن كان " المكان " مبهما قبل ذلك " أي : تقدير ( في ) حملا على الزمان المبهم ، لاشتراكهما في الإبهام نحو ( جلست خلفك ) " وإلا " أي : وإن لم يكن مبهما ، بل يكون محدودا " فلا " يقبل تقدير ( في ) إذ لم يمكن حمله على الزمان المبهم ، لاختلافهما ذاتا وصفة ، نحو : ( جلست في المسجد ) .
$[1/369]
" وفسر المبهم " من المكان " بالجهات الست " وهي : ( أمام وخلف ويمين وشمال وفوق وتحت ) وما في معناها ، فإن ( أمام زيد ) ، مثلا يتناول جميع ما يقابل وجهه إلى انقطاع الأرض ، فيكون مبهما .
ولما لم يتناول هذا التفسير بعض الظروف المكانية ) الجائز نصبها قال : " وحمل عليه 62/ب " أي : على المبهم المفسر بالجهات الست " عند ولدي ، وشبههما " نحو : دون ، وسوى " لابهامهما " أي : لابهام ( عند ولدي ) ولم يذكر وجه حمل شبههما عليه ، لأن حكمه حكمهما .
وفي بعض النسخ ( لابهامهما كما هو الظاهر ) .
وكذا حمل على المبهم من المكان " لفظ ( مكان ) " وإن كان معينا نحو : ( جلست مكانك ) " لكثرته " في الاستعمال مثل الجهات الست ، لا لإبهامه .
" و " كذا حمل عليه " ما بعد ( دخلت ) " وإن كان معينا " نحو ( دخلت
$[1/370]
الدار ) " لكثرته في الاستعمال لا لإبهامه " على الأصح " أي : على المذهب الأصح .
فإنه ذهب بعض النحاة إلى أنه مفعول به ، لكن الأصح أنه مفعول فيه ، والأصل استعماله بحرف الجر ، لكنه حذف لكثرة استعماله ، وهذا محل تأمل ، فإن الفعل لا يطلب المفعول فيه إلا بعد تمام معناه ، ولا شك أن معنى الدخول لا يتم بدون الدار .(1/216)
وبعد تمام معناه بها يطلب مفعول فيه كما إذا قلت : ( دخلت الدار في البلد الفلاني ) فالظاهر أنه مفعول به لا مفعول فيه ، ومما يؤيد ذلك أن كل فعل نسب إلى مكان خاص بوقوعه فيه يصح أن ينسب إلى مكان عام شامل له ولغيره ، فإنه إذا قلت : ( ضربت زيدا في الدار ) التي هي جزء من البلد ، فكما يصح أن تقول ( ضربت زيدا في الدار ) كذلك يصح أن تقول : ضربته في البلد ) .
وفعل الدخول بالنسبة إلى الدار ليس كذلك ، فإنه إذا قال الداخل في البلد : ( دخلت الدار ) لا يصح أن يقول : ( دخلت البلد ) فنسبة الدخول إلى الدار ليست كنسبة الأفعال إلى أمكنتها التي فعلت فيها .
فلا تكون الدار مفعولا فيه ، بل مفعولا به .
$[1/371]
وقيل معناه على الاستعمال الأصح ، فيكون إشارة إلى أن استعمال ( دخلت ) مع ( في ) نحو : دخلت في الدار ، صحيح ، لكن الأصح استعماله بدون ( في ) ونقل عن سيبويه : أن استعماله بـ ( في ) شاذ .
" وينصب " أي : المفعول فيه " بعامل مضمر " بلا شريطة التفسير نحو : ( يوم الجمعة ) في جواب من قال : ( متى سرت ؟ ) أي : سرت يوم الجمعة ، وبعامل مضمر " على شريطة التفسير " نحو ( يوم الجمعة صمت فيه ) والتفصيل فيه بعينه كما مر في المفعول به .
$[1/372]
" المفعول له "
" هو ما فعل لأجله " أي : لقصد تحصيله ، أو بسبب وجوده .
وخرج به سائر المفاعيل مما فعل مطلقا أو به أو فيه أو معه .
" فِعْلٌ " أي : حدث " مذكور " أي : ملفوظ حقيقة أو حكما .
فلا يخرج عنه ما كان فعله مقدرا كما إذا قلت : ( تأديبا ) في جواب من قال : ( ولم ضربت زيدا ؟ ) .
فقوله : ( مذكور ) احتراز به عن مثل ( أعجبني التأديب ) فإن قلت : كيف يصح الاحتراز به عنه ، وهو ، أي : الفعل الاذي فعل لأجله مذكور في الجملة كما في ( ضربت زيدا ؟ ) .
قلنا : المراد مذكور معه .
فإن قلت : هو مذكور معه في ( ضربته تأديبا ) .(1/217)
قلنا : المراد : مذكور معه في التركيب الذي هو فيه ، ويرد حينئذ نحو :
( أعجبني التأديب ) الذي ضربت لأجله ، اللهم إلا أن يراد بذكره معه إيراد معه للعمل فيه " مثل ( ضربته تأديبا ) " مثال لما فعل لقصد تحصيله فعل وهو الضرب ، فإن التأديب إنما يحصل بالضرب ويترتب عليه .
" وقعدت عن الحرب جبنا " مثال لما فعل بسبب وجوده فعل ، وهو القعود . فإن القعود وقع بسبب الجبن .
$[1/373]
والقائل بكون المفعول له مفعولا مستقلا غير داخل في المفعول المطلق ، يخالف " خلافا " ظاهرا " للزجاج فإنه " أي : املفعول هل " عنده " أي : عند الزجاج " مصدر " من غير لفظ فعله .
فالمعنى عنده في المثالين المذكورين : أدبته بالضرب تأديبا ، وجبنت في القعود عن الحرب جبنا ، أو ضربته 63/ب ضرب تأديب ، وقعدت قعود جبن .
وردّ قول الزجاج : بأن صحة تأويل نوع بنوع لا تدخله في حقيقته .
ألا ترى إلى صحة تأويل الحال بالظرف من حيث أنّ معنى ( جاءني زيد راكبا )
$[1/374]
جاءني زيد وقت الركوب ، من غير أن تخرج عن حقيقتها .
" وشرط نصبه " أي : شرط انتصار المفعول له لا شرط كون الاسم مفعولا له .
فالسمن والإكرام في قولك ( جئتك للسمن ) و ( لاكرامك الزائر ) عنده مفعول له على ما يدل عليه حده ، وهذا كما قال في المفعول فيه : إن شرط نصبه تقدير ( في ) وهذا أيضاً خلاف اصطلاح القوم .
" تقدير اللام " ، لأنها إذا أظهرت لزم الجر .
وخص اللام بالذكر ، لأنها الغالب في تعليلات الأفعال فلا يقدر غيرها من ( من أو الباء أو في ) مع أنها من دواخل المفعول له كقوله تعالى : { خاشعا متصدّعا من خشية الله } وقوله تعالى : { فبظلم من الذين هادوا حرّمنا } وقوله عليه السلام : ( إنّ امرأة دخلت النار في هرّة ) أي : لأجلها .(1/218)
ولما كان تقدير اللام عبارة عن حذفها عن اللفظ في النية ، وكان الأصل ابقاءها في اللفظ والنية ، فلا حاجة في ابقائها في النية إلى شرط ، بل الحاجة إليه إنما تكون في حذفها من اللفظ ، ولهذا قال :
$[1/375]
" وإنما يجوز حذفها " ولم يكتف بإرجاع ضمير الفاعل إلى تقدير اللام ، فيجوز حذفها ، كما يجوز ذكرها " إذا كان " المفعول له " فعلا " احتراز عما إذا كان عينا ، نحو ( جئتك للسمن ) .
" لفاعل الفعل المعلل به " أي : اتّحد فاعله وفاعل عامله ، احترز به عمّا إذا كان فعلا لغيره نحو ( جئتك لمجيئك إيّاي ) .
" ومقارنا له " أي : للفعل المذكور " في الوجود " بأن يتحد زمان وجودها ، نحو ( ضربته تأديبا ) فإن 64/أ زمان الضرب والتأديب واحد إذ لا مغايرة بينهما ، إلا بالاعتبار .
أو يكون زمان وجود أحدهما بعضا من زمان وجود الآخر نحو ( قعدت عن الحرب جبنا ) فإن زمان الفعل - أعني : القعود - بعض زمان المفعول له أعني : الجبن ، ونحو ( شهدت الحرب إيقاعا للصلح بين الفريقين ) فإن زمان المفعول له - أعني إيقاع الصلح - بعض زمان الفعل ، أعني : شهود الحرب .
واحترز بذلك القيد عما إذا لم يكن مقارنا له في الوجود نحو : ( أكرمتك اليوم لوعدي بذلك أمس ) .
وإنما اشترط هذه الشرائط ، لأنه بهذه الشرائط يشبه المصدر ، فيتعلق بالفعل بلا واسطة تعلق المصدر به ، بخلاف ما إذا اختل شيء منها .
$[1/376]
" المفعول معه "
أي : الذي فعل بمصاحبته ، بأن يكون الفاعل مصاحبا له في صدور الفعل عنه أو المفعول به في وقوع الفعل عليه .
فقوله : ( معه ) مفعول ما لم يسم فاعله ، أسند إليه المفعول كما أسند إلى الجار والمجرور في المفعول به ، وفيه وله .(1/219)
والضمير المجرور إلى اللام ، واعتذر عن نصبه ( معه ) بما جوزه بعض النحاة من إسناد الفعل إلى لازم النصب ، وتركه منصوبا جريا على ما هو عليه في الأكثر ، وإليه ذهب في قوله تعالى : { لقد تقطع بينكم } على قراءة النصب .
وفي بعض الحواشي أن هذا الرأي شريف جدا .
وقيل : الوجه أن يجعل من قبيل " وقد حِيلَ بين العَيْر والنَّزوان " فإن مفعول
$[1/377]
ما لم يسمّ فاعله فيه الضمير الراجع إلى مصدره ، أي : حيل الحيلولة ، لأن ( بين ) للزوم ظرفيته لا يقام مقام الفاعل .
فعلى هذا معناه الذي فُعِلَ فِعْلٌ بمصاحبته على أن يكون مفعول ما لم يسم فاعله ضميرا راجعا إلى مصدره ، والضمير المجرور للموصول .
" هو المذكور بعد الواو " احتراز عن المذكور بعد غيره كالفاء . 64/ب
" لمصاحبته معمول فعل " اللام متعلق بمذكور ، أي : يكون ذكره بعد الواو ، لأجل مصاحبته معمول فعل ، وإفادته إياها سواء كان ذلك المعمول فاعلا نحو ( استوى الماء والخشبة ) أو مفعولا نحو ( كفاك وزيدا درهم ) .
وسواء كان ذلك الفعل " لفظا " أي : لفظيا كالمثالين المذكورين " أو معنى " .
أي : معنويا نحو ( مالك وزيدا ) أي : ما تصنع وزيدا .
والمراد بمصاحبته لمعمول الفعل : مشاركته له في ذلك الفعل في زمان واحد ، نحو ( سرت وزيدا ) أو مكان واحد نحو ( لو تركت الناقة وفصيلها ، لرضعها ) .
فلا ينتقض بالمذكور بعد الواو نحو ( جاءني زيد وعمرو ) ، فإنها لا تدل إلا على المشاركة في أصل الفعل دون المصاحبة .
$[1/378]
إعلم أن مذهب جمهور النحاة أن العامل في المفعول معه الفعل أو معناه بتوسط الواو التي بمعنى ( مع ) .
وإنما وضعوا الواو موضع ( مع ) لكونها أخصر ، وأصلها واو العطف التي فيها معنى الجمع معنى المعيّة .
" فإن كان " أي وجد " الفعل " أي : ما يدل على الحدث ، فيعمّ الفعل وأمسى الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وغيرها .(1/220)
" لفظا ، وجاز " أي : لم يجب " العطف " ولم يمتنع ، فلا ينتقض بمثل :
( ضربت زيدا وعمرا ) لوجوب العطف فيه " فالوجهان " أي : العطف والنصب على المفعولية جائزان ، " نحو ( جئت أنا وزيد ) " بالرفع على العطف " وزيدا " بالنصب على المفعولية .
" وإلا " أي : وإن لم يجز العطف بل يمتنع " تعين النصب ، مثل : ( جئت وزيدا ) " فإن العطف فيه ممتنع لعدم الفاصلة لا بتأكيد المتصل بالمنفصل ولا بغيره .
$[1/379]
" وإن كان " الفعل " معنى " أي : أمرا معنويا مستنبطا من اللفظ 65/أ " وجاز " أي : لم يمتنع " العطف تعين العطف " حيث لا يحمل على عمل العامل المعنوي بلا حاجة مع جواز وجه آخر ، وهو العطف ، " نحو ( ما لزيد وعمرو ، وإلاّ ) " أي : وإن لم يجز العطف ، بل امتنع " تعين النصب " حيث لا وجه سواه " نحو ( مالك وزيدا ) " و ( ما شأنك وعمرا ) فإنه امتنع العطف فيها ، لأن العطف على الضمير المجرور بلا إعادة الجار غير جائز .
ولم يجز عطف ( عمرا ) على الشأن إذ السؤال عن شأنهما ، لا عن شأن أحدهما ، ونفس الآخر .
وإنما حكمنا بمعنوية الفعل في هذه الأمثلة " لأن المعنى ما تصنع " وما يماثله فمعنى ( ما شأنك وزيدا ) ما تصنع وزيدا ، ومعنى ( مالك وزيدا ) ما تصنع وزيدا ، ومعنى ( ما لزيد وعمرو ) ما يصنع زيد وعمرو .
$[1/380]
" الحال "
لما فرغ من المفاعيل شرع في الملحقات بها .
وهو " ما يبين هيئة الفاعل أو المفعول به " أي : من حيث هو فاعل أو مفعول به ، كما هو الظاهر .
فبذكر الهيئة يخرج ما يبين الذات ، كالتمييز ، وباضافتها إلى الفاعل أو المفعول به يخرج ما يبين هيئة غير الفاعل أو المفعول به كصفة المبتدأ نحو ( زيد العالم أخوك ) .(1/221)
وبقيد الحيثية يخرج صفة الفاعل أو المفعول به ، فإنها تدل على هيئة الفاعل أو المفعول به مطلقا ، لا من حيث هو فاعل أو مفعول ، وهذا الترديد على سبيل منع الخلو ، لا الجمع ، فلا يخرج منه مثل ( ضرب زيد عمرا راكبين ) " لففظا " أي : سواء كان الفاعل أو المفعول به الذي وقع الحال عنه لفظا ، أي : لفظيا بأن تكون فاعلية الفاعل أو مفعولية المفعول باعتبار لفظ الكلام ومنطوقه من غير اعتبار معنى خارج عنه يفهم من فحوى الكلام ، سواء كانا/65/ب ملفوظين حقيقة أو حكما .
" أو معنى " أي : معنويا بأن تكون فاعلية الفاعل أو مفعولية المفعول باعتبار معنى يفهم من فحوى الكلام ، لا باعتبار لفظه ومنطوقه .
$[1/381]
والمراد بالفاعل أو المفعول به أعم من أن يكون حقيقة أو حكما ، فيدخل فيه الحال عن المفعول معه ، كلونه في معنى الفاعل أو المفعول به وكذا عن المفعول المطلق مثل : ( ضربت الضرب شديدا ) فإنه بمعنى ، أحدثت الضرب شديدا ، وكذا يدخل فيه الحال عن المضاف إليه ، كما إذا كان المضاف فاعلا ، أو مفعولا يصح حذفه . ويقام المضاف إليه مقامه ، فكأنه الفاعل أو المفعول نحو { بل نتبع ملة إبراهيم حنيفا } و " أن يأكل لحم أخيه ميتا " فإنه يصح أن يقال : ( بل نتبع إبراهيم ، مقام { بل نتبع ملة إبراهيم } و ( أن يأكل أخاه ميتا ) مقام ( أن يأكل لحم أخيه ) .
أو كان المضاف فاعلا أو مفعولا ، وهو جزء المضاف إليه ، فكأن الحال عن المضاف إليه هو الحال عن المضاف وإن لم يصح قيامه مقامه كما في قوله تعالى : { أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين } .
فقوله ( مصبحين ) حال من ( هؤلاء ) باعتبار أن ( دابر ) المضاف إليه جزؤه ، فإن دابر الشيء أصله ، والدابر : مفعول ما لم يسم فاعله باعتبار الضمير المستكن في ( مقطوع ) فكأنه حال عن مفعول ما لم يسم فاعله .
$[1/382](1/222)
ولو قرىء ( تبيّن ) على صيغة الماضي المعلوم من باب التفعل ، أو ( يبيّن ) على صيغة المضارع المجهول من باب التفعيل ، وجعل الجار والمجرور ، متعلقا به ، لا بالمفعول ، دخل فيه الحال من المفعول معه أو المفعول المطلق من غير حاجة إلى تعميم الفاعل أو المفعول إلا لدخول ما وقع حالا عن المضاف إليه .
" مثل ( ضربت زيدا قائما ) " مثال اللفظي الملفوظ حقيقة فإن فاعلية تاء 66/أ المتكلم ومفعولية " زيدا " إنما هي باعتبار لفظ هذا الكلام ومنطوقه من غير اعتبار معنى خارج عنه ، وهما ملفوظان حقيقة " و ( زيد في الدار قائما ) " مثال اللفظي الملفوظ حكما فإن فاعلية الضمير المستكن في الظرف إنما هي باعتبار لفظ هذا الكلام ومنطوقه من غير اعتبار معنى خارج عنه ، والضمير المستكن ملفوظ حكما .
" و ( هذا زيد قائما ) " مثال للمعنوي ، لأن مفعولية " زيد " ليست باعتبار لفظ هذا الكلام ومنطوقه بل باعتبار معنى الإشارة ، أو التنبيه المفهومين من لفظ ( هذا ) ولا شك أنهما ليسا مما يقصد المتكلم الإخبار بهما عن نفسه حتى يقدر في نظم الكلام ( أشير أو أنبه ) ويصير ( زيد ) به مفعولا لفظيا ، بل مفعوليته إنما هي باعتبار معنى ( أشير أو أنبه ) الخارج عن منطوق الكلام المعتبر لصحة وقوع ( القائم ) ، حالا .
فهي معنوية لا لفظية .
" وعاملها " أي : عامل الحال ، " إما الفعل " الملفوظ أو المقدر نحو : ( ضربت زيدا قائما ) و ( زيد في الدار قائما ) إن كان الظرف مقدرا بالفعل .
$[1/383]
" أو شبهه " وهو ما يعمل عمل الفعل ، وهو من تركيبه ، كاسم الفاعل نحو ( زيد ذاهب راكبا ) و ( زيد في الدار قاعدا ) إن كان الظرف مقدرا باسم الفاعل ، وكاسم المفعول ، نحو ( زيد مضروب قائما ) والصفة المشبهة نحو ( زيد حسن ضاحكا ) " أو معناه " المستنبط من فحوى الكلام من غير التصريح به أو تقديره ، كالإشارة والتنبيه في نحو :
((1/223)
هذا زيد قائما ) كما مرّ ، وكالنداء والتمني والترجي والتشبيه في نحو ( يا زيد قائما ) و ( ليتك عندنا مقيما ) و ( لعله في الدار قائما ) و ( كأنه أسد صائلا ) .
" وشرطها " أي : شرط الحال " أن تكون نكرة " لأن النكرة أصل/66/ب والغرض هو تقييد الحديث المنسوب إلى صاحبها - يحصل بها ، والتعريف زائد على الغرض .
" وأن يكون صاحبها معرفة " لأنه نحكوم عليه في المعنى فكان الأًصل فيه التعريف " غالبا " أي : ليس اشتراطها بكون صاحبها معرفة في جميع موادها بل في غالب موادها ، أي : أكثرها ، وبيان ذلك :
أن مواد وقوع الحال على قسمين : -
أحدهما : ما يكون ذو الحال فيه نكرة موصوفة ، نحو ( جاءني رجل من بني تميم فارسا ) أو مغنية غناء المعرفة ، لاستغراقها . نحو قوله تعالى : { فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا }
$[1/384]
إن جعلت ( أمرا ) حالا من ( كل أمر ) ، أو واقعة في حيز الإستفهام نحو ( هل أتاك رجل راكبا ؟ ) أو بعد ( إلاّ ) نقضا للنفي ، نحو ( ما جاءني رجل إلا راكبا ) أو مقدما عليه الحال نحو ( جاءني راكبا رجل ) .
وثانيهما : ما يكون ذو الحال فيه غير هذه الأمور .
وغالب مواد وقوع الحال وأكثرها هو هذا القسم ، ووقوع الحال في هذا القسم مشروط بكون صاحبها معرفة . فقوله ( غالبا ) قيد لاشتراط كون صاحبها معرفة لا بكون صاحبها معرفة حتى يقال : إن غالبية كون ( صاحبها معرفة ) المنبئة عن تخلفه في بعض المواد تنافي الشرطية ويحتاج إلى أن يصرف الكلام عن ظاهره ، ويجعل قوله ( وصاحبها معرفة ) : مبتدأ وخبرا معطوفا على قوله ( وشرطها أن تكون نكرة ) .
" وأرسلها العراك " ولم يذدها ... ... ولم يشفق على نغص الدّخال
البيت للبيد ، يصف حمار الوحش والأتن يقول : أرسل حمار الوحش
$[1/385]
الأتن ، وكان المراد بالإرسال البعث ، أو التخلية بين المرسل وما يريد أي : أرسلها معتركة متزاحمه .(1/224)
ولم يذدها ، أي ، لم يمنعها 67/أ من العراك ، ولم يشفق ، أي : لم يخف على نغص الدّخال ، أي : على أنه لم يتم شرب بعضها للماء بالدخال .
والدخال : هو أن يشرب البعير ثم يرد من العطن إلى الحوض ويدخل بين بعيرين عطشانين ، ليشرب منه ما عساه لم يكن شرب منه ولعل المراد به هنا : نفس متداخلة بعضها في بعض ، أو المعنى على نغص مثل نغص الدخال .
" و ( مررت به وحده ) ونحوه " مثل ( فعلته جهدك ) متأول بالنكرة ، فلا يرد نقضا على قاعدة اشتراط كونها نكرة وتأويلها على وجهين :
أحدهما : أنها مصادر لأفعال محذوفة ، أي : تعترك العراك ، وينفرد وحده ، أي : انفراده ، وتجهد جهدك .
فهذه الجمل الفعلية وقعت حالا ، وهذه المصادر منصوبة على المصدرية .
وثانيهما : أنها معارف موضوعة موضع النكرات ، أي : معتركة ، ومنفردا ، ومجتهدا .
فالصورة وإن كانت معرفة فهي في التقدير نكرة ، كما أن ( حسن الوجه ) في صورة المعرفة وهي في المعنى نكرة .
$[1/386]
" فإن كان صاحبها " أي : صاحب الحال " نكرة " محضة لم يكن فيها شائبة تخصيص بما سوى التقديم ، ولم تكن الحال مشتركة بينها وبين معرفة :
" وجب تقديمها " أي : تقديم الحال على صاحبها ، لتخصص النكرة بتقديمها ، لأنهما في المعنى مبتدأ وخبر ، ولئلا تلتبس بالصفة في النصب في مثل قولنا :
( ضربت رجلا راكبا ) ثم قدمت في سائر المواضع - وإن لم تلتبس طردا للباب " ولا تتقدم " أي : الحال فيما عدا مثل ( زيد قائما كعمرو قاعدا ) " على العامل المعنوي " قد عرفت فيما قبل العامل المعنوي ، وأنّ ما هو مقدر 67/ب بالفعل أو اسم الفاعل مثل : الظرف وما يشبهه - أعني : الجار والمجرور - خارج عنه داخل في الفعل أو شبهه .
فعلى هذا معنى الكلام أن الحال لا تتقدم على العامل المعنوي اتفاقا " بخلاف الظرف " أي : بخلاف ما إذا كان العامل ظرفا أو شبهه فإن فيه خلافا .
فسيبويه لا يجوزه أصلا ، نظرا إلى ضعف الظرف في العمل .(1/225)
$[1/387]
وجوزه الأخفش بشرط تقدم المبتدأ على الحال ، نحو ( زيد قائما في الدار ) .
فأما مع تأخير المبتدأ عن الحال ، فإنه وافق سيبويه في المنع فلا يجوز : ( قائما زيد في الدار ) ولا ( قائما في الدار زيد ) اتفاقا .
ويحتمل أن يكون معناه أن الحال وإن كان مشابها للظروف لما فيه من معنى الظرفية ، إلا أن الظرف يتقدم على عامله المعنوي ، لتوسعهم في الظروف .
والحال لا يتقدم عليه ، هذا إذا لم يكن الظرف داخل في العامل المعنوي .
أما إذا جعلته داخلا في العامل المعنوي - كما هو الظاهر من كلامهم - فالمراد هو الإحتمال الثاني لا غير .
" و " كما لا تتقدم الحال على العامل المعنوي ، كذلك لا تتقدم " على " ذي الحال " المجرور " سواء كان مجرورا بالإضافة أو بحرف الجر ، فإن كان مجرورا بالإضافة لم تتقدم الحال عليه اتفاقا نحو ( جاءتني مجردّا عن الثياب ضاربة زيد ) وذلك لأن الحال تابع وفرع لذي الحال ، والمضاف إليه لا يتقدم على المضاف ، فلا يتقدم تابعه أيضاً .
وإن كان مجرورا بحرف الجر ففيه خلاف فسيبويه وأكثر البصريين يمنعون تقديمها عليه للعلة المذكورة ، وهو المختار عند المصنف ، ولهذا قال : " على الأصح " .
$[1/388]
ونقل عن بعضهم : الجواز استدلالا بقوله تعالى : { وما أرسلناك إلاّ كافة للنّاس } .
ولعل الفرق بين حرف الجر والإضافة أن حرف الجر معدّ للفعل كالهمزة والتضعيف ، فكأنه من تمام الفعل ، وبعض حروفه ، فإذا قلت : ( ذهبت راكبةً بهندٍ ) فكأنك قلت : أذهبت راكبة هنداً .
فالمجرور بحسب الحقيقة ليس مجرورا .
وأجاب بعضهم عن هذا الإستدلال : بجعل ( كافة ) حالا عن الكاف والتاء للمبالغة .
وبعضهم يجعلها صفة لمصدر أي : إرسالةً كافةً .(1/226)
وبعضهم يجعلها مصدرا ، كالكاذبة ، والعاقبة والكل تكلف وتعسف " وكلّ ما دلّ على هيئة " أي : صفة سواء كان الدال مشتقا أو جامدا " صحّ أن يقع حالا " من غير أن يؤول الجامد بالمشتق ، لأن المقصود من الحال بيان الهيئة ، وهو حاصل به ، وهذا ردّ على
$[1/389]
جمهور النحاة ، حيث شرطوا اشتقاق الحال وتكفلوا في تأويل الجامع بالمشتق ومع هذا فلا شك أن الأغلب في الحال الإشتقاق .
" ( مثل ) " ( بسرا ورطبا ) في قولهم : " هذا بسرا " وهو ما بقى فيه حموضة .
" أطيب منه رطبا " وهو ما فيه حلاوة صرفه ، فهما مع كونهما جامدين حالان ، لدلالتهما على صفة البسرية والرطبيّة ، ولا حاجة إلى أن يؤول ( البسر ) بالمبسر و ( الرطب ) بالمرطب ، من أبسر النخل ، إذا صارما عليه بسرا ، وأرطب إذا أصار ما عليه رطبا .
والعامل في ( رطبا ) ( أطيب ) باتفاق النحاة ، وفي ( بسرا ) أيضاً عند محققيهم وتقدم ( بسرا ) على اسم التفضيل مع ضعفه في العمل ، لأنه إذا تعلق بشيء
$[1/390]
واحد حالان باعتبارين مختلفين ، يلزم أني لي كل واحد منها متعلقه والبسرية تعلقت بالمشار إليه بـ ( هذا ) من حيث إنّه مفضل 68/ب وهذه الحيثية وإن لم يكن معتبره فيه إلا بعد إضماره في ( أطيب ) لكنه لما كان الضمير بالنسبة إلى المظهر كالعدم أقيم المظهر مقامه ، وأوجبوا أن يليه والرطبية تعلقت به من حيث إنّه مفضل عليه ، وهو ضمير ( منه ) فيجب أن يليه .
قال الرضي : ( وأما الضمير المستكن في ( أفعل ) فإنه وإن كان مفضلا لكنه لما لم يظهر كان كالعدم ، ومع هذا فلا أرى بأسا بأن يقال : وإن لم يسمع ( زيد أحسن قائما منه قاعدا ) .(1/227)
وذهب بعضهم إلى أنّ العامل في ( بسرا ) اسم الإشارة أي : أشير إليه حال كونه بسرا ، وهذا ليس بصحيح ، لأنه يمكن أن يكون المشار إليه التمر اليابس ، فلا تتقيد الإشارة بحالة البسرية ولأنه يصح حيث وقع موقع اسم الإشارة اسم لا يصح إعماله فيه ، نحو : ( تمر نخلتي بسرا أطيب منه رطبا ) .
" وتكون " أي : الحال " جملة " لدلالتها على الهيئة كالمفردات فصح أن وقعت حالا مثلها ، ولكن يجب أن تكون الجملة الحالية " خبرية " محتملة للصدق والكذب ، لأن الحال بمنزلة الخبر عن ذي الحال وإجراؤها عليه في قوة الحكم بها عليه ، والجمل الإنشائية لا تصلح أن يحكم بها على شيء .
ولما كانت الجملة مستقلة في الإفادة لا تقتضي ارتباطها بغيرها ، والحال مرتبطة بغيرها ،
$[1/391]
فإذا وقعت الجملة حالا لا بد لها من رابطة تربطها إلى صاحبها ، وهي : الضمير ، والواو .
والجملة الخبرية : إمّا إسمية أو فعلية ، والفعلية : إمّا أن يكون . . . فعلها مضارعا مثبتا أو مضارعا منفيا أو ماضيا مثبتا أو ماضيا منفيا ، فهذه خمس جمل .
" فالاسمية " أي : الجملة الاسمية 69/أ الحالية متلبسه " بالواو والضمير " معا لقوة الاسمية في الاستقلال ، فتطلب أن تكون الرابطة فيها في غاية القوة ، نحو ( جئت وأنا راكب ) و ( جئت وأنت راكب ) و ( جاء زيد وهو راكب ) " أو بالواو وحدها " لأنها تدل على الربط في أول الأمر فاكتفى بها ، مثل قوله عليه الصلاة والسلام : ( كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين ) وهذا ، أي : الربط بالواو وحدها ، أو بها مع الضمير إنّما يكون في الحال المنتقلة ، وأما في الحال المؤكدة ، فلا يجوز بالواو ، تقول ( هو الحقّ لا شكّ فيه ) وذلك ، لأن الواو لا تدخل بين المؤكد والمؤكد ، لشدة الإتصال بينهما .
$[1/392](1/228)
" أو بالضمير " وحده " على ضعف " ، لأن الضمير لا يجب أن يقع في الابتداء . فلا يدل على لاربط في أوّل الأمر نحو ( كلمته فوه إلى فمّي ) فلا بد من الواو على الصحيح : " والمضارع المثبت " أي : الجملة الفعلية التي يكون الفعل فيها مضارعا مثبتا متلبسا " بالضمير وحده " لمشابهته لفظا ومعنى لاسم الفاعل المستغني عن الواو نحو ( جاءني زيد يسرع ) .
" وما سواهما " أي : ما سوى الجملة الاسمية والفعلية المشتملة على المضارع المثبت من الجملة المشتملة على المضارع المنفي أو الماضي المثبت أو المنفي " بالواو والضمير معا أو بأحدهما " وحده من غير ضعف عند الإكتفاء بالضمير ، لعدم قوّة استقلالها كالاسمية .
فالمضارع المنفي ، نحو ( جاءني زيد وما يتكلم غلامه ) أو ( جاءني زيد ما يتكلم غلامه ) أو ( جاءني زيد وما يتكلم عمرو ) .
والماضي المثبت ، نحو ( جاءني زيد وقد خرج غلامه ) أو ( جاءني زيد قد خرج غلامه ) أو ( جاءني زيد وقد خرج/69/ب عمرو ) .
والماضي المنفي ، نحو ( جاءني زيد وما خرج غلامه ) أو ( جاءني زيد ما خرج غلامه ) أو ( جاءني زيد وما خرج عمرو ) .
" ولا بد في الماضي المثبت " لا المنفي " من " دخول لفظة " قد " المقربة زمان الماضي إلى الحال لغة على الماضي المثبت الواقع حالا ، ليدل بها على قرب زمانه إلى زمان
$[1/393]
صدور الفعل من ذي الحال ، أو وقوعه عليه تجوزا ، لأن المتبادر من الماضي المثبت إذا وقع حالا أنّ مضيّه إنّما هو بالنسبة إلى زمان العامل فلا بدّ من ( قد ) حتى تقربه إليه فيقارنه ، وهذا بخلاف مذهب الكوفيين ، فإنهم لا يوجبون ( قد ) ظاهرة ولا مقدرة . سواء كانت " ظاهرة " في اللفظ ، نحو ( جاءني زيد قد ركب غلامه ) " أو مقدرة " منوّية نحو قوله تعالى : { أوْ جاءوكم حصرت صدورهم } أي : قد حصرت صدورهم ، وهذا بخلاف مذهب سيبويه والمبرد ، فإنهما لا يجوّزان حذف ( قد ) .
$[1/394](1/229)
فسيبويه : يؤول قوله تعالى : { حصرت صدورهم } بـ ( قوما حصرت صدورهم ) فتكون جملة ( حصرت ) صفة موصوف محذوف هو الحال . والمراد : يجعله جملة دعائية وإنما لم يشترط ذلك في المنفي . لاستمرار النفي بلا قاطع ، فيشتمل زمان الفعل .
" ويجوز حذف العامل " في الحال ، لقيام ، قرينة حالية " كقولك للمسافر " أي : الشارع في السفر ، أو المتهيئ له : " راشدا مهديّا " أي سر راشدا مهديّا بقرينة حال المخاطب ، وقوله ( مهديّا ) : إمّا صفة لـ ( راشدا ) ، أو حال بعد حال .
أو مقالية ، كقولك : ( راكبا ) لمن يقول : كيف جئت ؟ أي : جئت راكبا .
بقرينة السؤال ، ومنه قوله تعالى : { أيحسب الإنسان أن لن تجمع عظامه بلى قادرين } أي : بلى نجمعها قادرين .
" ويجب " حذف العامل " في " بعض الأحوال " المؤكدة " وهي أي : الحال المؤكدة مطلقا ، هي التي لا تنتقل من صاحبها ما دام موجودا غالبا بخلاف المنتقلة .
والمنتقلة : قيد للعامل بخلاف المؤكدة " مثل ( زيد أبوك عطوفا ) " فإن العطوفية لا
$[1/395]
تنتقل عن الأب في غالب الأمر " أي : أحقّه " بفتح الهمزة أو ضمها من حققت الأمر بمعنى : تحققته وصرت منه على يقين أو من أحققت الأمر بهذا المعنى بعينه ، أو بمعنى أثبته ، أي : تحققت أبوته لك ، وصرت على يقين ، أو أثبتها لك عطوفا .
وقال صاحب ( المفتاح ) : أحقّ التقديرات عندي أن يقدر ( يجيء عطوفا ) " وشرطها " أي : شرط وجوب حذف عاملها " أن تكون مقرّرة " أي : مؤكدة " لمضمون جملة " احترز به عما يؤكد بعض أجزائها كالعامل في قوله تعالى : { وأرسلناك للناس رسولا } فإنه لا يجب حذفه .
$[1/396]
" اسمية " احترز به عما إذا كانت فعلية ، فإنه لا يجب حذف عاملها ، كما قال صاحب الكشاف ففي قوله تعالى : " قائما بالقسط : إنّه حال مؤكدة من فاعل " شهد " .(1/230)
ولا بد هاهنا من قيد آخر وهو : أن يكون عقد تلك الجملة الاسمية من اسميه لا يصلحان للعمل فيها ، وإلا لكان عاملها مذكورا ، فكيف يكون حذفه واجبا ؟ نحو : الله شاهد قائما بالقسط .
$[1/397]
" ( التمييز ) "
" ما يرفع " أي : الاسم الذي يرفع " الإبهام " واحترز به عن البدل ، فإن المبلد منه في حكم التنحية ، فهو ليس يرفع الإبهام عن شيء ، بل هو ترك مبهم وإيراد معين .
" المستقر " أي : الثابت الراسخ في المعنى 70/ب الموضع له ، من حيث إنه موضوع له .
فإن ( المستقرّ ) وإن كان بحسب اللغة هو الثابت مطلقا ، لكن المطلق منصرف إلى الكامل ، وهو الوضعي ، واحترز به عن نحو : ( رأيت عينا جارية ) فإن قوله ( جارية ) يرفع الإبهام عن قوله : ( عينا ) ، لكنه غير مستقر بحسب الوضع ، بل نشأ في الاستعمال باعتبار تعدد الموضوع له .
وكذا يقع به الاحتراز عن أوصاف المبهمات ، نحو ( هذا الرجل ) فإن ( هذا ) مثلا : إما
$[1/398]
موضوع لمفهوم كلي بشرط استعماله في جزئياته ، أو لكل جزئي منه .
ولا إبهام في هذا المفهوم الكلي ، ولا في واحد من جزئياته بل الإبهام إنما نشأ من تعدد الموضوع له أو المستعمل فيه ، فتوصيفه بالرجل يرفع هذا الإبهام ، لا الإبهام الواقع في الموضوع له من حيث إنه موضوع له .
وكذا يقع به الاحتراز عن عطف البيان في مثل قولك : ( أبو حفص عمر ) فإن كل واحد من أبي حفص ، وعمر موضوع لشخص معيّن ، لا إبهام فيه ، لكن لما كان ( عمر ) أشهر منه زال بذكره الخفاء الواقع في أبي حفص ، لعدم الإشتهام لا الإبهام الوضعي .
" عن ذات " لا عن وصف ، واحترز به عن النعت ، والحال ، فإنهما يرفعان الإبهام المستقر الواقع في الوصف ، لا في الذات .(1/231)
وتحقيق ذلك : أن الواضع لما وضع ( الرطل ) - مثلا - لنصف ( منّ ) فلا شك أنّ الموضوع له معنى معيّن متميز عما هو أقل من النصف كالربع ، وعما هو أكثر منه ، كمنّ ، ومنين ، ولا إبهام فيه إلا من حيث ذاته أي : جنسه ، فإنه لا يعلم منه بحسب الوضع أنه من جنس العسل أو الخل أو غيرهما ، وإلا من حيث وصفه فإنه لا يعلم منه بحسب الوضع أنه بغداديّ أو مكي ، فإذا أريد رفع الإبهام 71/أ الوصفي الثابت فيه بحسب الوضع أتبع بصفة أو حال .
فيقال : رطل بغداديّ ، أو بغداديّا ، وإذا أريد رفع الإبهام الذاتي قيل : زيتا ، فزيتا يرفع الإبهام المستقر عن الذات لا النعت والحال ، فإنهما يرفعان الإبهام عن الوصف .
$[1/399]
" مذكورة أو مقدرة " صفتان لـ ( ذات ) إشارة إلى تقسيم التمييز ، فالمذكورة ، نحو : ( رطل زيتا ) والمقدرة نحو ( طاب زيد نفسا ) فإنه في قوة قولنا : ( طاب شيءٌ منسوبٌ إلى زيد ) و ( نفسا ) برفع الإبهام عن ذلك الشيء المقدر فيه .
" فالأوّل " أي : القسم الأول من التمييز ، وهو ما يرفع الإبهام عن ذات مذكورة ، يرفعه " عن مفرد " يعني به ما يقابل الجملة وشبهها والمضاف " مقدار " صفة لمفرد ، وهو ما يقدّر به الشيء أي : يعرف به قدره ، ويبين " غالبا " أي : في غالب المواد وأكثرها أي : رفع الإبهام مطلقا يتحقق في ضمن هذا الرفع الخاص في أكثر المواد ، وذلك لأن الإبهام فيه أكثر .
والمقدار : " إمّا " متحقق " في " ضمن " عدد ، نحو : عشرون درهما " وسيأتي ذكر تمييز العدد ، وبيانه في باب أسماء العدد .
" وإما في " ضمن " غيره " أي : غير العدد كالوزن " نحو : رطل زيتا " فإن الرطل نصف المنّ .
" و " نحو : " منوان سمنا " وكالكيل ، نحو : قَفِيران بُرّا وكالذراع نحو : ( ذراع
$[1/400](1/232)
ثوبا ) " و " كالمقيان ، نحو " ( على التّمرة مثلها زبدا " ) والمراد بالمقادير في هذه الصور : هو المقدرات ، لأن قولك : عندي ( عشرون درهما ) و ( رطل زيتا ) و ( زراع ثوبا ) و ( على التمرة مثلها زبدا ) المرد بها المعدود ، والموزون والمذروع والمقيس لا غير .
وإنما/71/ب اقتصر المصنف على الأمثلة الثلاثة ، لأنه كان مطمح نظره التنبيه على بيان ما يتم به المفرد ، وهو التنوين ، كما في ( رطل زيتا ) أو النون كما في : ( منوان سمنا ) أو الإضافة كما في ( على التمرة مثلها زبدا ) ، ولهذا لم يستوف أقسام المقادير وكرر بعضها .
ومعنى تمام الاسم : أن يكون على حالة لا يمكن اضافته معها .
والاسم مستحيل الإضافة مع التنوين ونوني التثنية والجمع مع الإضافة ، لأن المضاف لا يضاف ثانية .
$[1/401]
فإذا تم الاسم بهذه الأِشياء شابه الفعل إذا تم بالفاعل وصار به كلاما تاما ، فيشابه التمييز الآتي بعد المفعول ، لوقوعه بعد تمام الاسم كما أن المفعول حقه أن يقع بعد تمام الكلام ، فينصبه ذلك الاسم التام قبله لمشابهته الفعل التام بفاعله .
وهذه الأشياء إنما قامت مقام الفاعل لكونها في آخر الاسم كما كان الفاعل عقيب الفعل .
ألا ترى أن لام التعريف الداخلة على أول الاسم وإن كان يتم بها الاسم فلا يضاف معها ، ولا ينتصب التمييز عنه ، فلا يقال : ( عندي الراقود خلاّ ) .
" فيفرد " أي : التمييز وإن كان الاسم التام مثنى أو مجموعا .
" إن كان " أي : التمييز " جنسا " ، وهو ما تتشابه أجزاؤه ، ويقع مجردا عن التاء على القليل ، والكثير ، فلا حاجة إلى تثنيته وجمعه ، كالماء والتمر والزيت والضرب ، بخلاف ( رجل وفرس ) .
" إلاّ أن يقصد الأنواع " أي : ما فوق النوع الواحد ، فيشمل المثنى أيضاً لأنه لا يدل لفظ الجنس مفردا عليها ، فلا بد من أن يثنى أو يجمع .(1/233)
قيل : وفي تخصيص قصد الأنواع بالاستثناء نظر ، لأنه كما جاز أن يقال 72/أ ( طاب زيد جلستين ) للنوع ، جاز أيضاً أن يقال ( طاب زيد جلستين ) للعدد ويمكن أن يجاب عنه ، بأن المراد بالأنواع حصص الجنس سواء كانت بالخصوصيات الكلية ، أو
$[1/402]
الشخصية .
" ويجمع " أي : يورد التمييز على ما فوق الواحد جوازا ، حيث لم يقصد الواحد " في غيره " أي : في غير الجنس ، نحو ( عندي عِدْل ثوبين أو أثوابا ) " ثم إن كان " أي : المفرد المقدار تاما " بتنوين أو بنون التثنية " أو المعنى : إن وجد التمييز متلبسا بتنوين المفرد أو بالنون التي للتثنية فإنه لما تم الاسم بهما اقتضى التمييز .
" جازت الإضافة " أي : إضافة المفرد المقدار إلى التمييز إضافة بيانه بإسقاط التنوين ونون التثنية جوازا شائعا كثيراً ، لحصول الغرض ، وهو : رفع الإبهام بذلك مع التخفيف نحو : ( رطل زيت ) و ( منوا سمنٍ ) " وإلا " أي : وإن لم يكن بتنوين أو بنون التثنية
$[1/403]
بأن يكون بنون الجمع أو الإضافة " فلا " تجوز الإضافة إلا بقلة في نون الجمع ، نحو ( عشرو درهم ) .
أما في الإضافة فلئلا يلزم إضافة المضاف ، وأما في نون الجمع فلأنه جاز أن يضاف إلى غير المميز ، نحو ( عشريك وعشرى رمضان ) بالاتفاق لكثرة الحاجة إليه فلو أضيف إلى المميز لزم الالتباس في بعض الصور لأنه لا يعلم ، مثلا عند إضافة ( عشرين ) إلى ( رمضان ) أنه أراد عشرين رمضان ، أو أراد اليوم العشرين من رمضان .
فلا يضاف في غير صورة الالتباس أيضاً إلى على قلة ، ليكون الباب أقرب إلى الاطراد " وعن غير مقدار " عطف على قوله ( عن مفرد مقدار ) أي : الأول كما يرفع الإبهام عن مفرد مقدار ، كذلك يرفعه عن مفرد غير مقدار ، أي : ما ليس بعدد ولا ذراع ولا كيل ولا مقياس " نحو ( خاتم حديدا ) " فإن الخاتم مبهم باعتبار الجنس ، تام بالتنوين فاقتضى تمييزا .(1/234)
" والخفض " أي : خفض التمييز باضافة غير المقدار إليه " أكثر " استعمالا لحصول الغرض مع الخفة .
ولقصور غير المقدار عن طلب التمييز ، لأن الأصل في المبهمات المقادير وغيرها ليس بهذه المثابة .
" والثاني "
أي : القسم الثاني من التمييز ، وهو ما يرفع الإبهام عن ذات مقدرة يرفعه " عن نسبة " كان الظاهر أن يقول عن ذات مقدرة في نسبة في جملة ، لكن لما كان الإبهام في طرف النسبة يستلزم الإبهام فيها ، ورفعه عنها يستلزم الرفع عنه .
$[1/404]
قال ( عن نسبة ) مقتصرا عليها علىأن مقابلة ما في هذا القسم للمفرد المذكور في القسم الأول إنما هي لمجرد النسبة لا غير " في جملة " أي : نسبة كائنة في جملة " أو ماضاهاها " أي : ما شابهها ، عطف على جملة ، وهو اسم الفاعل نحو ( الحوض ممتلى ماءً ) أو اسم المفعول ، نحو ( الأرض مفجّرة عيونا ) أو الصفة المشبهة ، نحو ( زيد حسن وجها ) أو اسم التفضيل ، نحو ( زيد أفضل أبا ) ، أو المصدر ، نحو ( أعجبني طيبة أبا ) وكذا كل ما فيه معنى الفعل ، نحو ( حسبك زيد رجلا ) " نحو ( طاب زيد نفسا ) " مثال للجمةل والتمييز فيه خاص بالمنتصب عنه " و ( زيد طيّب أبا ) " مثال لما يشبه الجملة ، والتمييز فيه يصلح أن يكون لما انتصب عنه ، ولمتعلقه .
وحيث لا فرق في التمييز بين 73/أ الجملة وماضاهاها .
فهذان المثالان في قوة أربعة أمثلة ، فكأنه قال : طاب زيد ، وزيد طيب نفسا وأبا .
فقوله " وأبوة ودارا وعلما " عطف على ( نفسا وأبا ) بحسب المعنى فهو ناظر إلى كل من المثالين المذكورين غير مختص بالأخير . فهو بحسب الحقيقة أورد لكل من التمييز الواقع في الجملة أو ماضاهاها خمسة أمثلة : -
فالنفس : عين غير اضافي خاص بالمنتصب عنه ، والدار : عين غير اضافي وهو متعلق بالمنتصب عنه والأب : عين اضافي محتمل لهما .
والأبوة : عرض اضافي .
والعلم : عرض غير اضافي ، وكل منهما متعلق بالمنتصب عنه " أو في إضافة " عطف
$[1/405](1/235)
على قوله في جملة أو ما ضاهاها " مثل يعجبني طيبة نفسا " وتركه لأنه أظهر التمييزات ولا خفاء به .
" وأبا وأبوّة ودارا وعلما " أورد هذه الأمثلة على وفق ما سبق وزاد عليه قوله " ولله درّه فارسا " إشارة إلى التمييز قد يكون صفة مشتقة وأيضاً لما أورده صاحب المفصل مثالا لتمييز المفرد على أن يكون الضمير فيه مبهما كضمير ( رُبَّه رجلا ويكون ( فارسا ) تمييزا عنه أراد أن ينبه على أنه يصلح أن يكون تمييزا عن نسبة على أن يكون الضمير معينا معلوما ، والإبهام يكون في نسبة الدر إليه والدر في الأصل ، اللبن ، وفيه خير كثير للعرب ، فأريد به الخير : أي لله خيره فارسا ، والفارس : اسم فاعل من الفراسة -
$[1/406]
بالفتح - مصدر فرس - بالضم أي : حذق بأمر الخيل ، وأما الفراسة بالكسر - فمن التفرس .
" ثم إن كان " أي : التمييز بعد ما لم يكن نصّا في المنتصب عنه " اسما " 73/ب لا صفة " يصح جعله لما انتصب عنه " والمراد بجعله له اطلاقه عليه والتعبير به عنه " جاز أن يكون " ذلك التمييز تارة " له " أي : للمنتصب عنه بأن يكون تمييزا يرفع الإبهام عنه " و " تارة " لمتعلقه " بأن يكون تمييزا يرفع الإبهام عن متعلقه ، وذلك بحسب القرائن والأحوال مثل ( أبا ) في ( طاب زيد أبا ) فإنه يصح أن تجعله عبارة عن ( زيد ) فجاز أن يكون تارة تمييزا عن ( زيد ) إذا أريد إسناد الطيب إليه ، باعتبار أنه أبو عمرو وجاز أن يكون تارة تمييزا عن متعلقه باعتبار أن الطيب مسند إلى متعلقه وهو ( أبوه ) " وإلا " أي : وإن لم يكن التمييز بعد ما لم يكن نصا في المنتصب عنه اسما يصح جعله لما انتصب عنه " فهو لمتعلقه " خاصة ، نحو ( طاب زيد أبوّة وعلما ودارا ) ، فإن هذه الأسماء ليست نصا في المنتصب عنه ، ولا يصح جعلها له بالتعبير عنه بها ، فهي لمتعلق ( زيد ) وهو الذات المقدرة ، أعني :(1/236)
الشيء المنسوب إلى ( زيد ) " فيطابق " التمييز " فيهما " أي : فيما جاز أن يكون لما انتصب عنه ، سواء نصا فيه أو محتملا له ولمتعلقه وفيما تعين لمتعلقه " ما قصد " من وحدة التمييز ، وتثنيته وجمعيته سواء كانت لموافقة ما انتصب عنه ، مثل : طاب زيد أبا ،
$[1/407]
والزيدان أبوين والزيدون آباء ، أو المعنى في نفسه ، مثل قولك طاب زيد أبا ، إذا أردت أبا له فقط ، و ( طاب زيد أبوين ) ، إذا أردت أبا ، وجدا له ، و ( طاب زيد آباء ) إذا أردت أبا وأجدادا له .
فعلى كل من التقديرين ، إذا قصد وحدة التمييز أورد مفردا ، وإذا قصد تثنيته أورد مثنى ، وإذا قصد جمعيته أورد جمعا ، فإن صيغة المفرد 74/أ لا تصلح أن تطلق على المثنى والمجموع " إلا إذا كان " التمييز " جنسا " يقع على القليل والكثير ، فإنه إذا قصد تثنيته أو جمعيته لا يلزم أن يثنى ذلك الجنس أو يجمع بل يكفي أن يؤتى به مفردا ، لصحة اطلاقه على القيليل والكثير فلا حاجة إلى تثنيته وجمعه ، نحو : ( طاب زيد علما ) والزيدان علما والزيدون علما " إلا أن يقصد " بالتمييز الذي هو الجنس " الأنواع " من حيث امتيازاتها النوعية ، فإنه لابد حينئذ من تثنيته أو جمعه نحو : ( طاب الزيدان علمين ) والزيدون علوما ) ، إذا أريد أن متعلق الطيب من كل من الزيدان أو الزيدون نوع آخر من العلم ، فإن صيغة المفرد لا تفيد ذلك المعنى .
" وإن كان " أي : التمييز " صفة " مشتقة مثل ( لله درّه فارسا ) أو مؤولة بها ، نحو ( كفى زيد رجلا ) فإن معناه كاملا في الرجولية " كانت " الصفة " له " أي : لما انتصب عنه ، لا لمتعلقه ، لأن الصفة تستدعي موصوفا ، والمذكور أولى بالموصوفية .
فإذا قيل : ( طاب زيد والدا ) ، كان الوالد ( زيدا ) ولا يحتمل أن يكون والده ، بخلاف الاسم ، نحو ( أبا ) .
$[1/408](1/237)
" وطبقة " الواو بمعنى ( مع ) ، والطبْق : مصدر بمعنى : المطابقة أي : كانت الصفة صفة له مع مطابقتها إيّاه ، أو مطابقته إيّاها .
ويجوز أن يكون بمعنى اسم الفاعل ، والواو : للعطف على خبر ( كانت ) أي : كانت الصفة صفة له ، ومطابقة إيّاه .
والمراد بالمطابقة : الاتفاق في الإفراد ، والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ، لكونها حاملة لضميره .
" واحتملت " أي : الصفة المذكورة " الحال " أيضاً لاستقامة المعنى على الحال ، نحو ( طاب زيد فارسا ) - أي : من حيث إنّه فارس أو حال كونه فارسا ، لكن زيادة ( من ) فيها نحو : لله دره من فارس ، وقولهم : ( عزّ من قائل ) 74/ب يؤيد التمييز ، لأن ( من ) تزاد في التمييز لا في الحال .
وأيضاً ، المقصود مدحه بالفروسية ، لا حال الفروسية ، إذ قد يمدح حال الفروسية بغيرها من الصفات .
" ولا يتقدم " التمييز " على عامله " إذا كان اسما تاما بالاتفاق فلا يقال : ( عندي درهما عشرون ) و ( لا زيتا رطل ) لأن عامله حينئذ اسم جامد ضعيف العمل مشابه
$[1/409]
للفعل مشابهة ضعيفة كما ذكرناه فلا يقوى أن يعمل فيما قبله .
" ( والأصح ) " أي : أصح المذاهب " أن لا يتقدم " التمييز " على " ما هو عامل فيه من " الفعل " الصريح أو غير الصريح ، لكونه من حيث المعنى فاعلا للفعل بنفسه ، نحو : ( طاب زيد أبا ) أي : طاب أبوه ، أو فاعلا له إذا جعلته لازما ، نحو : وفجرنا الأرض عيونا " ، أي انفجرت عيونها .
وإذا ، جعلته متعديا نحو : ( امتلأ الإناء ماء ) أي : ملأه الماء .
والفاعل لا يتقدم على الفعل ، فكذا ما هو بمعنى الفاعل .(1/238)
وههنا بحث ، هو أن ( الماء ) في قولهم : ( امتلأ الإناء ماء ) من حيث المعنى فاعل للفعل المذكور من غير حاجة إلى جعله متعديا لأن المتكلم لما قصد إسناد الإمتلاء إلى بعض متعلقات الإناء ، ولو على سبيل التجوّز وقدره ، وقع الإبهام فيه لا جرم ميّزه بقوله ( ماء ) فهو في معنى : امتلأ ماء الإناء فالماء فاعل معنى ، وذلك بعينه مثل قولك : ( ربح زيد تجارة ) فإن التجارة تمييز يرفع الإبهام عن شيء منسوب إلى ( زيد ) وهو التجارة .
فالفاعل في قصدك هو التجارة ، لا زيد ، وإن كان إسناد الربح
$[1/410]
إليه حقيقة وإليها مجازا ، وبهذا 75/أ يندفع ما يورد على قاعدتهم المشهورة ، وهي أن التمييز عن النسبة إمّا فاعل في المعنى أو مفعول ، من أن التمييز في هذا المثال ، وأمثاله لا فاعل ولا مفعول ، فلا تطرد تلك القاعدة .
" خلافا للمازني والمبرد " فإنهما يجوزان تقديم التمييز على الفعل الصريح ، وعلى اسمي الفاعل والمفعول نظرا إلى قوة العامل ، بخلاف الصفة المشبهة ، واسم التفضيل والمصدر ، وما فيه معنى الفعل ، لضعفها في العمل . ومتمسكهما في هذا التجويز قول الشاعر .
أتهجر سلمى بالفراق حبيبها ... ... وما كاد نفسا بالفراق تطيب
على تقدير تأنيث الضمير في ( تطيب ) فإنه حينئذ يكون في ( كاد ) ضمير الشأن لتذكيره ، ويعود ضمير ( تطيب ) إلى سلمى ، ويكون ( نفسا ) تمييزا عن نسبة ( تطيب ) إليها مقدما عليه .
وأما على تقدير تذكير الضمير ، فضمير ( كاد ) للحبيب ، ونفسا تمييز عن نسبة ( كاد ) إليه أي : وما كاد الحبيب نفسا يطيب ، فلا تمسك حينئذ وما قيل : يحتمل أن يحمل البيت على تقدير تأنيثه أيضاً على هذا الوجه بأن يكون تأنيث الضمير الراجع إلى الحبيب باعتبار النفس ، إذ المعنى : وما كادت نفس الحبيب تطيب ، فتكلف وتعسف غير قادح في التمسك .
$[1/411]
$[1/412]
" ( المستثنى ) "(1/239)
أي : ما يطلق عليه لفظ المستثنى في اصطلاح النحاة على قسمين : ولما كان معلوميته بهذا الوجه الغير المحتاج إلى التعريف كافية في تقسيمه ، قسمه إلى قسمين ، وعرف كل واحد منهما ، لأن لكل واحد منهما أحكاما خاصة لا يمكن أجراؤها عليه إلا بعد معرفته فقال :
" متصل ومنقطع ، فالمتصل : هو المخرج "
أي : الاسم الذي أخرج : واحترز 75/ب به عن غير المخرج كجزئيات المستثنى المنقطع . " من متعدد " جزئياته نحو ( ما جاءني أحد إلا زيدا ) أو أجزاؤه ، مثل ( اشتريت العبد إلا نصفه ) سواء كان ذلك المتعدد " لفظا " أي : ملفوظا ، نحو ( جاءني القوم إلا زيدا ، " أو تقديرا " أي : مقدارا نحو : ( ما جاءني إلا زيد ) أي : ما جاءني أحد إلا زيد " بإلا " غير الصفة " وأخواتها " واحترز به عن نحو ( جاءني القوم إلا زيد ) ( وما جاءني القوم لكن زيد جاء ) .
" و " المستثنى " المنقطع هو المذكور بعدها " أي : بعد ( إلاّ ) وأخواتها " غير مخرج " عن متعدد ، واحترز به عن جزئيات المستثنى المتصل .
فالمستثنى الذي لم يكن داخلا في المتعدد قبل الاستثناء منقطع سواء كان من جنسه ، كقولك ( جاءني القوم إلا زيدا ) مشيرا بالقوم إلى جماعة خالية عن ( زيد ) أو لم يكن نحو ( جاءني القوم إلا حمارا ) .
" وهو " أي : المستثنى مطلقا ، حيث علم .
أولا : بوجه يصحح تقسيمه ، كما عرفت .
وثانيا : بما يتفطّن له من تعريف قسميه أعني : المذكور بعد ( إلا ) ، وأخواتها ، سواء
$[1/413]
كان مخرجا ، أو غير مخرج ، ولهذا لم يعرفه على حده وربما للإختصار .(1/240)
" منصوب " وجوبا " إذا كان " واقعا " بعد إلا " لا بعد ( غير وسوى ) وغيرهما " غير الصفة " قيد به ، وإن لم يكن الواقع بعد ( إلا ) التي للصفة داخلا في المستثنى ، لئلا يذهل عنه " في كلام موجب " أي : ليس بنفي ، ولا نهي ، ولا استفهام ، نحو ( جاءني القوم إلا زيدا ) واحترز به عما إذا وقع في كلام غير موجب ، لأنه ليس حينئذ واجب النصب ، على ما سيجىء ، ولا حاجة هاهنا إلى قيد آخر وهو أن يكون الكلام الموجب تاما ، بأن يكون المستثنى منه مذكورا 76/أ فيه ، ليخرج نحو ( قرأت إلا يوم كذا ) فإنه منصوب على الظرفية لا على الاستثناء ، لأن الكلام في كونه منصوبا مطلقا لا في كونه منصوبا على الاسثناء ، لأن الكلام في كونه منصوبا مطلقا لا في كونه منصوبا على الاسثناء ، بدليل قوله ( أو كان بعد خلا وعدا ) إلا أن يقال : الحاجة إلى هذا القيد إنما هو لاخراج مثل : ( قرىء إلاّ يوم كذا ) فإنه مرفوع وجوبا لا منصوب .
والعامل في نصب المستثنى إذا كان منصوبا على الاستثناء ، عند البصرية الفعل المتقدم ، أو معنى الفعل بتوسط ( إلاّ ) ، لأنه شيء يتعلق بالفعل أو معناه تعلقا معنويا إذ له نسبة إلى ما نسب إليه أحدهما .
$[1/414]
وقد جاء بعد تمام الكلام فشابه المفعول .
" أو مقدما " عطف على قوله ( بعد إلا ) ، أي : المستثنى منصوب وجبا إذا كان المستثنى مقدما " على المستثنى منه " سواء كان في كلام موجب أو غيره نحو : ( جاءني إلاّ زيدا القوم ) و ( ما جاءني إلا زيدا أحدٌ ) لامتناع تقديم البدل على منه .
" أو منقطعا " أي : المستثنى منصوب أيضاً وجوبا إذا كان منقطعا بعد ( إلا ) نحو ( ما في الدار أحد إلا حمارا ) .
" في الأكثر " أي : في أكثر اللغات ، وهي لغة أهل الحجاز ، فإنهم قبائل كثيرون ، أو في أكثر مذاهب النحاة ، فإن أكثرهم ذهبوا إلى اللغة الحجازية .
فالمنقطع مطلقا منصوب عندهم ، إذ لا يتصور فيه إلا بدل الغلط .(1/241)
وهو لا يصدر إلا بطريق السهو ، والغفلة .
والمستثنى المنقطع إنما يصدر بطريق الروية والفطانة .
وأما بنو تميم فقد قسموا المنقطع إلى قسمين : -
$[1/415]
أحدهما : ما يكون قبله اسم يصح حذفه ، نحو ( ما جاءني القوم إلا حمارا ) فهنا يجوزون البدل .
وثانيهما : ما لا يكون 76/ب قبله سام يصح حذفه ، فهم هاهنا يوافقون الحجازيين في إيجاب نصبه كقوله تعالى : " لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم " .
أي : من رحمه الله ، فمن رحمه الله هو المرحوم المعصوم ، فلا يكون داخلا في العاصم فيكون منقطعا .
" أو كان بعد خلا ، وعدا " أي : المستثنى منصوب أيضاً وجوبا ، إذا كان بعد ( عدا ) من : عدا ، يعدو ، عدوا ، إذا جاوزه ، مثل ( جاءني القوم عدا زيدا ) أو بعد ( خلا ) من خلا ، يخلو ، خلوا ، نحو ( جاءني القوم خلا زيدا ) وهو في الأصل لازم ، يتعدى إلى المفعول بـ ( من ) نحو ( خلت الديار من الأنيس ) .
وقد تضمن معنى جاوز ، أو يحذف ( من ) ويوصل الفعل ، فيتعدى بنفسه .
والتزموا هذا التضمن أو الحذف والإيصال في باب الإستثناء ليكون ما بعدها منصوبا كما في صورة المستثنى ( بالا ) التي هي أم الباب ، وفاعلهما ضمير راجع : إمّا إلى مصدر
$[1/416]
الفعل المتقدم ، أو إلى اسم الفاعل منه ، أو إلى بعض ملطق من المستثنى منه ، والتقدير : جاءني القوم عدا ، أو خلا مجيئهم ، أو الجائي منهم أو بعض منهم زيدا . هما في محل النصب على الحالية ، ولم يظهر معها ( قد ) ، ليكونا أبه بـ ( إلا ) التي هي الأصل في باب الاستثناء .
" في الأكثر " أي : النصب بهما إنما هو في أكثر الاستعمالات ، لأنهما فعلان ماضيان ، كما عرفت .
وقد أجيز الجر بهما على أنهما حرفا جر .(1/242)
قال السيرافي : لم أعلم خلافا في جواز الجر بهما إلا أن النصب بهما أثكر . " وما خلا ، وما عدا " أي : المستثنى منصوب أيضاً وجوبا ، إذا كان بعد ( ما خلا ) و ( ما عدا ) ، لأن ( ما ) فيهما مصدرية مختصة بالأفعال نحو : ( جاءني قوم ما خلا زيدا ، وما 77/أ عدا
$[1/417]
عمرا تقديره ، خلّو زيد ، وعد وعمرو بالنصب على الظرفية ، بتقدير مضاف أي : وقت خلوهم ، أو خلو مجيئهم من زيد ووقت مجاوزتهم ، أو مجاوزة مجيئهم عمرا .
أو على الحالية بجعل المصرد بمعنى اسم الفاعل أي : جاءوا خاليا بعضهم ، أو مجيئهم من زيد ، ومجاوزا بعضهم أو مجيئهم عمرا .
وعن الأخفش : أنه أجاز الجر بهما على أن ( ما ) فيهما زائدة ، ولعل هذا لم يثبت عند المصنف ، أو لم يعتد به ، ولهذا لم يقل في الأكثر .
" و " كذا المستثنى منصوب " بعد ( ليس ) " نحو ( جاءني القوم ليس زيدا ) " " و " بعد " لا يكون " نحو ( سيجيء أهلك لا يكون بشرا ) وإنما يكون النصب بعدهما واجبا لأنهما من الأفعال الناقصة الناصبة للخبر ، ويلزم إضمار اسمهما في باب الاستثناء ، وهو ضمير راجع إلى اسم الفاعل من الفعل المذكور ، أو إلى بعض من المستثنى منه مطلقا ، وهما في التركيب في محل النصب على الحالية .
واعلم أنه لا تستعمل هذه الأفعال إلا في المستثنى المتصل الغير المفرغ ، ولا يتصرف فيهما ، لأنها قائمة مقام ( إلاّ ) وهي لا يتصرف فيها .
" ويجوز فيه " أي : في المستثنى " النصب " على الإستثناء ، " ويختار البدل " عن المستثنى منه " فيما بعد إلا " حال من الضمير المجرور أي : حال كون المستثنى واقعا في محل يكون متأخرا عن ( إلا ) احتراز عما إذا كان بعد سائر أدوات الاستثناء ، مثل : عدا وخلا وغيرهما " في كلام غير موجب " احتراز عما إذا وقع في كلام موجب ، فإنه منصوب وجوبا كما مر
$[1/418](1/243)
" و " الحال أنه قد " ذكر المستثنى منه " احتراز عما إذا لم يذكر المستثنى منه ، فإنه حينئذ يعرب على حسب العوامل .
وفي بعض 77/ب النسخ ( ذكر المستثنى منه ) بغير واو على أنه صفة لكلام غير موجب ، أي في كلام غير موجب ذكر فيه المستثنى منه ، ولم يشترط أن لا يكون منقطعا ، ولا مقدما على المستثنى منه ، لأن حكمهما قد علم فيما سبق ، فاكتفى بذلك " نحو : " ما فعلوه " إلا قليل " بالرفع على البدلية ، " وإلا قليلا " بالنصب على الاستثناء ، ونحو ( ما مررت بأحد إلا زيد ) بالجر على البدلية و ( إلا زيدا ) بالنصب على الاستثناء ، ( وما رأيت أحدا إلا زيدا ) بالنصب إما بطريق البدلية وهو المختار ، أو بطريق الاستثناء وهو جائز غير مختار .
وإنما اختاروا البدل في هذه الصور لأن النصب على الاستثناء ، إنما هو بسبب التشبيه
$[1/419]
بالمفعول ، لا بالأصالة ، وبواسطة ( إلا ) وإعراب البدل بالأصالة وبغير واسطة .
" ويعرب " أي : المستثنى " على حسب العوامل " أي بما يقتضيه العامل ، من الرفع والنصب ولجر " إذا كان المستثنى منه غير مذكور " ويختص ذلك المستثنى باسم المفرّغ ، لأنه فرّغ له العامل عن المستثنى منه .
فالمراد بالمفرّغ : المفرغ له ، كما يراد بالمشترك ، المشترك فيه .
" وهو " أي : والحال أن المستثنى واقع " في غير " الكلام " الموجب " واشترط ذلك " ليفيد " فائدة صحيحة مثل ( ما ضربني إلا زيد ) إذ يصح أن لا يضرب المتكلم أحد إلا زيد ، بخلاف ( ضربني إلا زيد ) إذ لا يصح أن يضرب كل أحد المتكلم إلا زيد .(1/244)
" ألا يستقيم المعنى " بأن يكون الحكم مما يصح أن يثبت على سبيل العموم ، نحو قولك : ( كلّ حيوان يحرك فكه الأسفل عن المضغ إلا التمساح ) أو يكون هناك قرينة دالة على أن المراد بالمستثنى منه 78/أ بعض معين يدخل فيه المستثنى قطعا " مثل ( قرأت إلا يوم كذا ) " أي : أوقعت القراءة كلّ يوم إلا يوم كذا ، لظهور أنه لا يريد المتكلم جميع أيام الدنيا بل أيام الأسبوع أو الشهر ، أو مثل ذلك .
ولقائل أن يقول : كما لا يستقيم المعنى على تقدير عموم المستثنى منه في الموجب في بعض الصور ، فربما ألا يستقيم المعنى على تقدير عموم المستثنى فيه في غير الموجب أيضاً ، نحو ( ما مات إلا زيد ) فينبغي أن يشترط في غير الموجب أيضاً استقامة المعنى .
وأيضاً لا يصح مثل ( قرأت إلا يوم كذا ) إلا بعد تخصيص اليوم بأيام الأسبوع مثلا ، فيجوز مثل هذا التخصيص في ( ضربني إلا زيد ) بأن يخصص المستثنى منه بكل واحد من جماعة مخصوصين إذا كان هناك قرينة ، فلا فرق بين هاتين الصورتين في كون كل واحدة منهما جائزة مع القرينة ، وغير جائزة بدونها .
وأجيب : بأن المعتبر هو الغالب ، والغالب في الايجاب عدم استقامة المعنى على العموم وفي النفي عكسه ، لأن اشتراك جميع أفراد الجنس في انتفاء تعلق الفعل بها ، ومخالفة واحد إياها في ذلك مما يكثر ويغلب .
$[1/420]
وأما اشتراكها في تعلق الفعل بها ، ومخالفة واحد إياها في ذلك فمما يقل كما في المثال المذكور وبأن الفرق بين قولك : ( قرأت إلا يوم كذا ) و ( ضربني إلا زيد ) ليس إلا بظهور قرينة دالة على بعض معين من المستثنى منه مقطوع دخوله فيه الأول ، وعدم ظهورها في الثاني .(1/245)
فلو قام في الثاني أيضاً قرينة ظاهرة الدلالة على بعض معين كما إذا قيل : ( من 78/ب ضربك من القوم ) أي : القوم الداخل فيهم زيد - فقلت ( ضربني إلا زيد ) فالظاهر أن ذلك أيضاً مما يستقيم فيه المعنى ، لكن الغالب عدم وجدان قرينة كذلك في الموجب ، فالغالب فيه عدم استقامة المعنى .
" ومن ثمة " أي : ومن أجل أن المفرغ لا يكون في الموجب إلا أن يستقيم المعنى " لم يجز " مثل : " ( مازال زيد إلا عالما ) " إذ معنى مازال ثبت ، لأن نفي النفي إثبات ، فيكون المعنى : ثبت زيد دائما على جميع الصفات إلا على صفة العلم فلا يستقيم .
وقال الشارح الرضي : ( يمكن أن يحمل الصفات على ما يمكن أن يكون . . ( زيد ) عليها مما لا يتناقض ، ويستثنى من جملتها العلم ، أو يحمل ذلك على المبالغة في نفي صفة العلم ، كأنك قلت : أمكن أن يحصل فيه جميع الصفات إلا صفة العلم .
وعلى التقديرين يندرج في صورة الاستقامة ، ولا يخفى على المتفطن أنه يمكن بمثل التأويلات ( إرجاع جميع المواد الايجابية عند الاستثناء إلى صورة الاستقامة كما يقال مثلا في قولك : ( ضربني إلا زيد ) المراد : كل من يتصور منه الضرب من معارفك ، أو المقصود منه المبالغة في غلو المجتمعين على ضربك .
$[1/421]
" وإذا تعذر البدل " من حيث حمله " على اللفظ " أي على لفظ المستثنى منه " فعلى الموضع " أي يحمل على موضع المستثنى منه لا على لفظه عملا بالمختار على قدر الإمكان مثل : " ( ما جاءني من أحد إلا زيد ) " فزيد بدل مرفوع محمول على موضع ( أحد ) لا مجرور محمول على لفظه .
" و " مثل " لا أحد فيها " أي : في الدار " إلا عمرو " فعمرو مرفوع معمول على محلّ ( لا أحد ) لا على لفظه 79/أ ، " و " مثل : " ما زيد شيئا إلا شيء لا يعبأ به " أي : لا يعتد به .
فـ ( شيء ) مرفوع محمول على محل ( شيئا ) لا منصوب محمول على لفظه .(1/246)
وقوله : ( لا يعبأ به ) ليس في كثير من النسخ ، وعلى ما وقع في بعضها ، فهو صفة لشيء المستثنى .
قيل : إنما وصفه به ، لئلا يلزم استثناء الشيء من نفسه ، ولا يخفى أنه لو جعل المستثنى منه شيئا أعم من أن يزيد عليه صفة غير الشيئية أولا ، وخص المستثنى بما لا يزيد عليه صفة غير الشيئية لكان أدق وألطف وإنما تعذر ، البدل على اللفظ في الصورة الأولى " لأن من " الاستغراقية " لا تزاد " اتفاقا .
$[1/422]
" بعد الإثبات " أي : بعد ما صار الكلام مثبتا لانتقاض النفي بـ ( إلا ) لأنها لتأكيد النفي ، ولا نفي بعد الانتقاض . فلو أبدل على اللفظ وقيل : ما جاءني من أحد إلا زيد ، بالجر ، لكان في قوة قولنا : جاءني من زيد ، فلزم زيادة ( من ) في الاثبات ، وذلك غير جائز .
وفي الصورتين الأخيرتين ، لأنه لو أبدل المستثنى على اللفظ ، وقيل ( لا أحد فيها إلا عمرا ) ، بالنصب ، لأن فتحته شبيهة بالحركة الإعرابية ، لأنها حصلت بكلمة ( لا ) .
فهي كالنصب الحاصل بالعامل - فلا بد حينئذ من تقدير ( لا ) حقيقة أو حكما لتعمل فيه هذا العمل ، وكذا في قوله : ما زيد شيئا إلا شيء ، لو حمل المستثنى على لفظ المستثنى منه لا بد حينئذ من تقدير " ما " كذلك ، لتعمل فيه .
" وما ، ولا تقدران " لا حقيقة إذا لم يكن البدل إلا بتكرير العامل ولا حكما ، إذا اكتفى بدخوله على المبدل منه ، واعتبر سراية حكمه إليه ، فإنه في قوة التقدير حال كونها " عاملتين " في المستثنى المحمول على البدل " بعده " أي : بعد الاثبات 79/ب يعني : بعدما صار الكلام مثبتا لانتقاض النفي بإلا " لأنهما " أي : ( ما ، ولا ) " عملتا للنفي وقد انتقض النفي بإلا " .
وحيث تعذر في هاتين الصورتين البدل على اللفظ حمل على المحل فـ ( عمرو ) مرفوع على أنه محمول على محل ( أحد ) وهو الرفع بالابتداء و ( شيء ) مرفوع على أنه محمول : على محل ( شيئا ) وهم الرفع بالخبرية .
$[1/423](1/247)
فإن قلت : لـ ( أحد ) في هذا المثال محلان من الإعراب ، محل قريب ، هو نصبه بكلمة ( لا ) ، ومحل بعيد ، وهو رفعه بالابتداء ، فلم اعتبروا حمله على محله البعيد ، لا القريب ؟
قلت : لأن محله القريب إنما لعمل ( لا ) فيه بمعنى النفي ، وقد انتقض بـ ( إلا ) بخلاف محلّه البعيد فإنه لا دخل لعمل ( لا ) فيه " بخلاف ( ليس زيد شيئا إلا شيئا ) " مع أنه انتقض النفي فيه أيضاً بـ ( إلا ) " لأنها " أي : ليس " عملت للفعلية " لا للنفي " فلا أثر لنقض معنى النفي " في عملها " لبقاء الأمر العاملة هي " أي : ( ليس ) " لأجله " أي : لأجل ذلك الأمر وهو الفعلية .
" ومن ثمه " أي : ومن أجل أن عمل ( ليس ) للفعلية لا للنفي وعمل ( ما ، ولا ) بالعكس .
" جاز ( ليس زيد إلا قائما ) " بأعمال ( ليس ) في ( قائما ) وإن انتقض نفيها بـ ( إلاّ ) لبقاء فعليتها .
" وامتنع ( ما زيد إلا قائما ) " بأعمال ( ما ) في ( قائما ) لأن عملها فيه إنما هو للنفي وقد انتقض بـ ( إلا ) " و " المستثنى " مخفوض " أي مجرور " بعد غير وسوى " بكسر السين أو ضمها مع القصر " وسواء " بفتح السين وكسرها مع المد ، لكونه مضافا إليه .
$[1/424]
" وبعد حاشا في الأكثر " لكونها حرف جر في أ : ثر استعمالاتهم .
وأجاز بعضهم النصب بها على أنها فعل متعد فاعله مضمر 80/أ ، ومعناها تبئرة المستثنى عما نسب إلى المستثنى منه ، نحو ( ضرب القوم عمار حاشا زيدا ) أي : برّأه الله عن ضرب عمرو .
" وإعراب ( غير ) فيه " أي في الاستثناء ، دون الصفة ، إذ هو حينئذ يعرب بإعراب موصوفه " كاعراب المستثنى بـ ( ألا ) على التفصيل " المذكور فيما سبق .
فكأنه لما انجر به المستثنى بالإضافة انتقل إعرابه إليه .(1/248)
" وغير " أي : كلمة ( غير ) في الأصل " صفة " لدلالتها على ذات ، مبهمة ، باعتبار قيام معنى المغايرة بها ، فالأصل فيها أن تقع صفة ، كما تقول ( جاءني رجل غير زيد ) واستعمالها على هذا الوجه كثير في كلام العرب لكنها " حملت على إلاّ " واستعملت مثلها " في الاستثناء " على خلاف الأصل وذلك لاشتراك كل منهما في مغايرة ما بعده لما قبله " كما حملت ( إلا ) عليها " أي : على كلمة ( غير ) في " الصفة " لكن لا تحمل ( إلا ) عليها في الصفة غالبا إلا " إذا كانت " أي : ( إلا ) " تابعة لجمع " أي : واقعة بعد متعدد ، فوجب أن يكون موصوفها مذكورا لا مقدرا ، كما قد يكون مقدرا في ( غير ) مثل ( جاءني
$[1/425]
غير زيد ) وبعد ما كان مذكورا يكون متعددا ، ليوافق حالها صفة حالها أداة الاستثناء ، إذ لا بد لها في الاستثناء من مستثنى منه متعدد ، فلا تقول في الصفة : ( جاءني رجل إلا زيد ) .
والمتعدد أعم من أن يكون جمعا لفظا كرجل ، أو تقديرا ، كـ ( قوم ورهط ) ، وأن يكون مثنى ، فدخل فيه نحو ( ما جاءني رجلان إلا زيد ) " منكور " أي : منكر لا يعرف باللام ، حيث يراد به العهد أو الاستغراق ، فيعلم التناول على تقدير الاستغراق ، وعلى تقدير أن يشار به 80/ب إلى جماعة يكون ( زيد ) منهم فلا يتعذر الاستثناء المتصل ، أو عدم التناول قطعا على تقدير أن يشار به إلى جماعة لم يكن ( زيد ) منهم فلا يتعذر المنقطع .
" غير محصور " والمحصور : نوعان ، إما الجنس المستغرق ، نحو ( ما جاءني رجل أو رجال ) أو بعض منه معلوم العدد ، نحو : ( له عليّ عشرة دراهم أو عشرون ) وإنما اشترط أن يكون غير محصور ، لأنه إن كان محصور على أحد الوجهين وجب دخول ما بعد ( إلا ) فيه ، فلا يتعذر الاستثناء ، نحو ( كلّ رجل إلا زيدا جاءني ) و ( له عليّ عشرة إلا درهما .(1/249)
وإنما يصار عند وجود هذه الشرائط إلى حمل ( إلا ) على غير ، " لتعذر الإستثناء " عند وجودها ، فيضطر إلى حملها على ( غير ) .
وإنما قلنا في صدر هذا الكلام : إن ( إلا ) لا تحمل على الصفة غالبا فقيدناه بقولنا ، ( غالبا ) لأنه قد يتعذر الاستثناء في المحصور نحو : ( جاءني مئة رجل إلا زيد ) .
$[1/426]
وقد لا يتعذر في غير المحصور نحو ( ما جاءني رجال إلا واحدا ، أو إلا رجلا أو إلا حمارا ) ولكن لما كان ذلك نادار لم يلتفت المصنف إليه في بيان هذه القاعدة نحو : " لو كان فيهما " ، أي : في السماء والأرض " آلهة " جمع إله ، ولا دلالة فيها على عدد محصور " إلا الله " أي غير الله " لفسدتا " أي لخرجتا عن الإنتظام .
فـ ( إلا ) في الآية صفة ، لأنها تابعة لجمع منكور غير محصور هي ( آلهة ) .
ويتعذر الإستثناء ، لعدم دخول ( الله ) في ( آلهة ) بيقين فلم يتحقق شرط صحة الإستثناء .
وفي الآية مانع آخر عن حمل ( إلا ) على الإستثناء ، وهو أنه لو حملت عليه صار المعنى : لو كان فيهما آلهة مستثنى عنها الله لفسدتا .
وهذا لا يدل إلا على أنه ليس فيهما آلهة مستثنى عنها الله ، وبهذا لا ، 81/أ يثبت وحدانية الله تعالى ، لجواز أن يكون حينئذ فيهما آلهة غير مستثنى الله عنها ، بخلاف ما إذا
$[1/427]
كانت الصفة بمعنى ( غير ) ، فإنه يدل على أنه ليس فيهما آلهة غير الله .
وإذا لم يكن فيهما آلهة غير الله يجب أن لا يتعدد الآلهة ، لأن التعدد يستلزم المغايرة .
" وضعف " حمل ( إلا ) على ( غير ) " في غيره " أي : في غير جمع منكور غير محصور ، لصحة الإستثناء حينئذ .
ومذهب سيبويه : جواز وقوع ( إلا ) صفة مع صحة الإستثناء ، قال يجوز في قولك : ( ما أتاني أحد إلا زيد ) أن يكون ( إلا زيد ) صفة .
وعليه أكثر المتأخرين ، تمسكا بقوله :
وكلُّ أخٍ مفارقه أخوه ... ... لعمر أبيك إلاّ الفرقدان(1/250)
ف ( إلا ) الفرقدان صفة لكل أخ ، لا استثناء منه ، وإلا وجب أن يقال : إلا الفرقدين ، بالنصب ، وحمل المصنف ذلك على الشذوذ وقال : في البيت شذوذان آخران ، أحدهما : وصف ( كل ) دون المضاف إليه والمشهور وصف المضاف إليه ، إذ هو المقصود ، و ( كل ) لإفادة الشمول فقط .
وثانيهما : الفصل بالخبر بين الصفة والموصوف وهو قليل .
$[1/428]
" وإعراب سوى وسواء النصب على الظرفية " أي : بناء علىظرفيتهما لأنك إذا قلت : جاءني القوم سوى أو سواء زيد ) فكأنك قلت : ( مكان زيد ) على المذهب " الأصح " وهو مذهب سيبويه فهما عنده لازما الظرفية .
$[1/429]
وعند الكوفيين : يجوز خروجهما عن الظرفية ، والتصرف فيهما رفعا ونصبا وجرا كـ ( غير ) متمسكين بقول الشاعر :
$[1/430]
ولم يبق سوى العدوا ... ... ن دنّاهم كما دانو
وزعم الأخفش : ان سواء إذا أخرجوه عن الظرفية أيضاً نصبوه استنكارا 81/ب لرفعه فيقولون : ( جاءني سواءك ) و ( في الدار سواءك ) ، ومثل هذا في استنكار الرفع فيما غلب انتصابه على الظرفية قوله تعالى : { لقد تقطع بينكم } بالنصب .
$[1/431]
( خبر كان وأخواتها )
وستعرفها في قسم الفعل إن شاء الله تعالى .
" هو المسند بعد دخولها " أي : بعد دخول ( كان ) أو إحدى أخواتها .
والمراد ببعدية المسند لدخولها : أن يكون إسناده إلى اسمها واقعا بعد دخولها على اسمها وخبرها ، ولا شك أن ذلك إنما يتصور بعد تقرر الإسم والخبر .
فالإسناد الواقع بين أجزاء الخبر المقدم علىتقرره لا يكون بعد دخولها بل يكون قبله ، فلا ينتقض التعريف بمثل ( كان زيد يضرب أبوه ) ولا بمثل ( كان زيد أبوه قائم ) بأن يقال : يصدق على ( يضرب ، وقائم ) في هذه المثالين المعرّف وليسا من أفراد المعرّف .(1/251)
ويمكن أن يقال في جواب هذا النقض : إنّ المراد بدخولها ورودها للعمل فيما وردت عليه ، كما سبقت الإشارة إليه في خبر إنّ وأخواتها " مثل ( كان زيد قائما ) وأمره " أي : وأمر خبر كان وأخواتها ، كأمر خبر المبتدأ ، في أقسامه وأحكامه وشرائطه ، على ما سبق في بحث المبتدأ والخبر . " و " لكنه " يتقدم " على اسمها حال كونه " معرفة " حقيقة أو حكما ، كالنكرة المخصصة لإختلاف اسمها وخبرها في الإعراب ، فلا يلتبس أحدهما بالآخر وذلك إذا كان الإعراب فيهما أو في أحدهما لفظيا ، نحو ( كان المنطلق زيدٌ ) أو ( كان هذا زيدٌ ) بخلاف المبتدأ والخبر 82/أ فإن الإعراب فيهما لا يصلح للقرينة لاتفاقهما فيه ، بل لا بد من قرينة رافعة للبس .
وكذلك إذا انتفى الإعراب في اسم ( كان ) وخبرها جميعا ولا قرينة هناك لا يجوز تقديم الخبر نحو ( كان الفتى هذا ) .
$[1/432]
" وقد يحذف عامله " أي : عامل خبر كان ، وهو ( كان ) لا خبر كان وأخواتها لأنه لا يحذف من هذه الأفعال إلا ( كان ) ، وإما اختصت بهذا الحذف . . . لكثرة استعمالها " في مثل ( الناس مجزيون بأعمالهم إن خيراً فخيرٌ وإن شراً فشرٌّ ) " .
" ويجوز في مثلها " أي : في مثل هذه الصورة ، وهي أن يجيء بعد ( ان ) اسم ثم فاء بعده اسم " أربعة أوجه " نصب الأول ورفع الثاني وهو أقواها نحو ( إن خيراً فخير ) أي : إن كان عمله خيرا فجزاؤه خير .
ونصبهما ، نحو ( إن خير فخيرا ) على معنى : إن كان عمله خيرا ، فكان جزاؤه
$[1/433]
خيرا ، ورفعهما نحو ( إن خير فخير ) أي : إن كان في عمله خير فجزاؤه خير . وعكس الأول ، نحو ( إن خير فخيرا ) أي : إن كان في عمله خير فكان جزاؤه خيرا ، وقوة هذه الوجوه وضعفها بحسب قلة الحذف وكثرته ، " ويجب الحذف " أي : حذف عامله ، يعني : ( كان ) " في مثل : أمّا أنت منطلقا
$[1/434](1/252)
انطلقت ، أي : لأن كنت " منطلقا انتطلقت ، فأصل أمّا أنت لإن كنت ، حذفت اللام قياسا ، ثم حذفت كلمة ( كان ) اختصارا ، فانقلب الضمير المتصل منفصلا ، وزيدت لفظة ( ما ) بعد ( ان ) في موضع ( كان ) عوضا عنها وأدغمت النون في الميم ، وأبقى الخبر على حاله ، فصار : أمّا أنت منطلقا انتطلقت ، وهذا على تقدير فتح الهمزة .
وأمّا على تقدير كسرها ، فالتقدير : إن كنت منطلقا انطلقت 82/ب ، فعمل به ما عمل بالأول من غير فرق إلا حذف اللام ، إذ لا لام فيه ، واقتصر المصنف على الأول ، لأنه أشهر .
$[1/435]
" ( اسم إنّ وأخواتها ) "
وستعرفها في قسم الحرف إن شاء الله تعالى .
" هو المسند إليه بعد دخولها " أي دخول ( إنّ ) أو إحدى أخواتها " مثل : إنّ زيدا قائم " وبما عرفت من معنى البعدية .
والدخول فيما سبق اندفع انتقاض هذا التعريف هاهنا أيضاً بمثل : ( أبوه ) في مثل : ( إنّ زيدا أبوه قائم ) .
$[1/436]
" ( المنصوب بـ ( لا ) التي لنفي الجنس ) "
أي : لنفي صفة الجنس ، وحكمه .
وإنما لم يقل اسم ( لا ) لأنه ليس كله ولا أكثره من المنصوبات ، فلا يصح جعله مطلقا من المنصوبات ، لا حقيقة ولا مجازا ، بل بالمنصوب منه أقل مما عداه ، فلا بد من التعبير عنه بالمنصوب بها ، بخلاف ما عداه من المنصوبات فإن بعضها وإنم لم يكن كله من المنصوبات ، لكن أكثره منها ، فأعطي للأكثر حكم الكل ، فعد الكل منها تجوزا .
ولا يبعد أن يقال : اسم ( لا ) هو المنصوب بها لفظا ، كالمضاف وشبهه أو محلا كما هو مبني منه على الفتح .
وأما ما هو مرفوع فليس اسما لها ، لعدم عملها فيه .
" هو المسند إليه بعد دخولها لها " خرج به مثل ( أبوه ) في ( لا غلام رجل أبوه قائم ) لما عرفت .
وهذا القدر كاف في حد اسمها مطلقا ، لكنه لما أراد حد المنصوب منه زاد عليه قوله " يليها " أي : يلي المسند إليه لفظة ( لا ) أي : يقع بعدها بلا فاصلة .(1/253)
" نكرة مضافا أو مشبها به " أي بالمضاف في تعلقه بشيء هو من تمام معناه . هذه أحوال مترادفة من الضمير المجرور في ( إليه ) .
أو الأولمنه ، أو من الضمير المجرور في 83/أ ( دخولها ) ، وما بقي من الضمير المرفوع في ( يليها ) " مثل ( لا غلام رجل ) " مثال لما يليها نكرة مضافا .
وفي بعض النسخ ( لا غلام رجلٍ ظريفٌ فيها ) وقد عرفت في المرفوعات تحقيق قوله ( فيها ) .
$[1/437]
" ولا عشرين درهما لك " مثال لم يليها نكرة مشبها بالمضاف .
وقوله ( لك ) - على النسخ المشهورة - من تتمة المثالين كليهما .
" فإن كان " أي : المسند إليه بعد دخولها غير واقع على الأحوال المذكورة ، بل كان " مفردا " بانتفاء الشرط الأخير فقط ، وهو كونه مضافا أو مشبها به - أي يليها نكرة غيرمضاف ولا مشبها به - ليترتب عليه قوله " فهو مبني على ما ينصب به " .
فإنه لو كان مفردا معرفة أو مفعولا فحكمه غير ذلك .
وقوله ( على ما ينصب به ) أي : على ما كان ينصب به المفرد قبل دخول ( لا ) عليه ، وهو الفتح في الموحد نحو ( لا رجل في الدار ) والكسر في جمع المؤنث السالم بلا تنوين نحو ( لا مسلمات في الدار ) والياء المفتوح ما قبلها والمكسور ما قبلها في جمع المذكور السالم ، نحو ( لا مسلمَيْنِ ولا مسلمِينَ لك ) ونعني بالمفرد : ما ليس بمضاف ولا مضارع له ، فيدخل فيه المثنى والمجموع .
وإنما بني ، لتضمنه معنى ( من ) ، إذ معنى ( لا رجل في الدار ) : لا من رجل فيها ، لأنه جواب لمن يقول هل من رجل في الدار ؟ حقيقية أو تقديرا فحذف ( من ) تخفيفا .
$[1/438]
وإنما بني على ما ينصب به ، ليكون البناء على حركة أو حرف استحقهما النكرة في الأصل قبل البناء .
ولم يبن المضاف ولا المضارع له ، لأن الإضافة ترجح جانب الإسمية ، فيصير الاسم بها مائلا إلى ما يستحقه في الأصل ، أعني : الإعراب .(1/254)
" وإن كان " 83/ب أي : المسند إليه بعد دخولها " معرفة " بانتفاء شرط النكارة " أو مفصولا بينه " أي : بين ذلك المسند إليه " وبين لا " بانتفاء شرط الإتصال على سبيل منع الخلو ، سواء كانا مع انتفاء شرط كونه مضافا أو مشبها به ، أو لا .
وهي ست صور : نحو ( لا زيد في الدار ولا عمرو ) و ( لا غلام زيد في الدار ولا عمرو ) و ( لا في الدار رجل ولا امرأة ) و ( لا في الدار زيد ولا عمرو ) و ( لا في الدار غلام زيد ، ولا عمرو ) " وجب " في جميع هذه الصور الست " الرفع " على الابتداء ، أما في المعرفة فلامتناع أثر ( لا ) النافية للجنس فيها ، وأما في المفصول فلضعف ( لا ) عن التأثير مع الفصل .
" والتكرير " أي : وجب تكرير اسمها لكن مطلقا لا بعينه .
أما في المعرفة فليكون كالعوض عما في التنكير من معنى نفي الآحاد وأما في النكرة ، فليكون مطابقا لما هو جواب له من مثل قول السائل : افي الدار رجل أم امرأة ؟ وهذا التعليل جار في المعرفة أيضاً .
$[1/439]
" ونحو : قضية " أي : هذه قضية " ولا أبا حسن لها " أي : لهذا القضية . هذا جواب دخل مقدر على قوله ( وإن كان معرفة وجب الرفع والتكرير ) ، فإن اسم ( لا ) فيه معرفة ، لأن ( أبا حسن ) كنية على رضي الله عنه ولا رفع فيه ولا تكرير ، بل هو منصوب غير مكرر ، فأجاب عنه بأنه " متأوّل " بالنكرة ، إمّا بتقدير المثل ، أي : ولا مثل أبي حسن لها ، فإن ( مثلا ) لتوغله في الإبهام لا يتعرف بالإضافة إلى المعرفة .
أو بتأويله ، بفيصل بين الحق والباطل ، لاشتهاره رضي الله عنه بهذه الصفة ، فكأنه قيل : لا فيصل لها ، ويقوي هذا التأويل إيراد ( حسن ) بحذف 84/أ اللام ، لأن الظاهر أن تنوينه للتنكير .
" وفي مثل : لا حول ولا قوة إلا بالله " أي : فيما كررت فيه لا على سبيل العطف وكان عقيب كل منهما نكرة بلا فصل يجوز " خمسة أوجه " ، بحسب اللفظ لا بحسب التوجيه ، فإنها بحسب التوجيه تزيد عليها .(1/255)
الأول : " فتحهما " أي : ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) على أن يكون ( لا ) في كل منهما لنفي الجنس ( ولا قوة ) عطف على ( لا حول ) عطف مفرد على مفرد ، وخبرها
$[1/440]
محذوف ، أي : لا حول ولا قوة موجود إلا بالله أو عطف جملة على جملة - أي : لا حول إلاّ بالله ولا قوة إلا بالله ، فحذف خبر الجملة الأولى استغناء عنه بخبر الجملة الثانية .
" و " الثاني : فتح الأول ونصب الثاني " أي : ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) .
أما فتح الأول فلأن ( لا ) الأولى لنفي الجنس ، وأمّا نصب الثاني فلأن ( لا ) الثانية مزيدة لتأكيد النفي ، والثاني معطوف على الأول فيكون منصوبا حملا على لفظه لمشابهة حركته حركة الإعراب .
ويجوز أن يقدر لهما خبر واحد ، وأن يقدر لكل منهما خبر على حدة .
$[1/441]
" و " والثالث : " فتح الأول ورفع الثاني " نحو ( لا حول ولا قوة إلاّ بالله ) أما فتح الأول فلأن ( لا ) الأولى لنفي الجنس ، وأما رفع الثاني فلأن ( لا ) الثانية زائدة ، والثاني معطوف على محل الأول ، لأنه مرفوع بالابتداء ، عطف مفرد على مفرد ، بأن يقدر لهما خبر واحد أو عطف جملة على جملة بأن يقدر لكل منهما خبر .
" و " الرابع : " رفعهما " بالابتداء ، نحو ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) لأنه جواب قولهم : ( أبغير الله حول وقوة ؟ ) فجاء بالرفع فيهما مطابقة للسؤال ويجوز 84/ب الأمران هاهنا أيضاً .
" و " الخامس " رفع الأول " على أن يكون ( لا ) بمعنى ( ليس ) " على ضعف " فإن عمل ( لا ) بمعنى ( ليس ) قليل " وفتح الثاني " نحو : لا حول ولا قوة إلا بالله ، على أن يكون ( لا ) لنفي الجنس .
$[1/442]
وضعّف وجه ضعف رفع الأول ، بأنه يجوز أن يكون رفعه لإلغاء عمل ( لا ) بالتكرير ، لا لكونها بمعنى ( ليس ) لأن شرط صحة إلغائها التكرير فقط ، وقد حصل هاهنا ، ولا دخل فيها لتوافق الاسمين بعدها في الإعراب .(1/256)
فهذا على التوجيه الأول متعين لعطف جملة على جملة ، أي : لا حول إلا بالله ، ولا قوة إلا بالله ، ولا يلزم أن يكون قوله ( إلا بالله ) منصوبا ومرفوعا .
وعلى التوجيه الثاني يحتمل أن يكون من قبيل عطف مفرد على مفرد ، أو عطف جملة على جملة ، كما لا يخفى .
" وإذا دخلت الهمزة " على ( لا ) التي لنفي الجنس لم " تغير العمل " أي : عمل ( لا ) أي : تأثيرها في مدخولها اعرابا وبناء ، لأن العامل لا يتغير عمله بدخول كلمة الإستفهام " ومعناها " أي : معنى الهمزة الداخلة على ( لا ) ، التي لنفي الجنس " إمّا الإستفهام " حقيقة ، فتقول : ألا رجل في الدار ؟ مستفهما .
" وإمّا العرض " مثل ( ألا نزول عندي ) ولم يذكر سيبويه أنّ حال ( ألا ) في العرض كحاله قبل الهمزة ، بل ذكره ( السيرافي ) وتبعه الجزولي والمصنف .
$[1/443]
ورد ذلك الأندلسي ، وقال : هذا خطأ ، لأنها إذا كانت عرضا كانت من حروف الأفعال ، مثل : ( إن ولو ) وحروف التحضيض ، فيجب انتصاب الاسم بعدها نحو : ( ألا زيدا تكرمه ) .
" و " إمّا " التمني " نحو : ألا ماء أشربه ، حيث لا يرجى ماء .
وأما قوله :
* ألا رجلا جزاه الله خيراً *
فهذه عند الخليل ليست ( لا ) الداخلة عليها حروف الإستفهام ، ولكنه حرف موضوع للتحضيض برأسه ، فكأنه قال : ألا ترونني رجلاً ، يعني : هلاّ ترونني
$[1/444]
رجلا ، ولذلك نصب ونون .
وهي عند يونس ( لا ) التي دخلت عليها همزة الإستفهام بمعنى التمني فكأن القياس ( ألا رجل ) ولكنه نون لضرورة الشعر .
" ونعت " اسم ( لا ) " المبني " لا نعت اسمها المعرب احتراز عن مثل ( لا غلام رجل ظريفا ) .
" ( الأول ) " بالرفع صفة للنعت ، أي : لا الثاني وما بعده ، احتراز عن مثل ( لا رجل ظريف كريم في الدار ) .
" مفردا " حال من ضمير ( مبني ) ، والعامل فيه مبني احتراز عن مثل ( لا رجل حسن الوجه ) . .(1/257)
" يليه " حال بعد حال ، أو صفة ( مفردا ) احتراز عن المفصول ، نحو ( لا غلام فيها ظريف ) وهذا القيد يغني عن الأول .
" مبنيّ " على الفتح حملا على المنعوت ، لمكان الإتحاد بينهما .
وتوجه النفي إليه ، أي : إلى النعت حقيقة .
والمبني في قوله : ( ونعت المبني ) إشارة إلى ما يبني على الفتح بالأصالة لا
$[1/445]
بالتبعية ، فإنه المذكور سابقا ، فلا يرد أنّه إذا كرر اسم ( لا ) المبني وبني على الفتح ثم جيء بنعت لا يجوز بناؤه مثل ( لا ماء ماء باردا ) مع أنه يصدق عليه أنه ( نعت المبني الأول مفردا يليه ) فإن ( باردا ) في هذا المثال نعت للتابع لا للمتبوع كما هو الظاهر ، ولو جعل نعتا للمتبوع ، فليس مما يليه لتوسط التابع بينهما .
" ومعرب " لأن الأصل في التوابع تبعيتها لمتبوعاتها في الإعراب دون البناء " رفعا " حملا على محله البعيد " ونصبا " حملا على اللفظ أو على محله القريب 85/ب " نحو ( لا رجل ظريف ) " بالفتح " وظريف " بالرفع " وظريفا " بالنصب " وإلا " أي : وإن لم يكن النعت كذلك " فالإعراب " أي فحكمه الإعراب لا غير ، رفعا حملا على المحل البعيد أو نصبا حملا على اللظف ، أو المحل القريب ، وقد مرت أمثلته في بيان فوائد القيود " والعطف " على اسم ( لا ) المبني إذا كان المعطوف نكرة بلا تكرير ( لا ) في المعطوف ، فإنه إذا كان المعطوف معرفة وجب رفعه ، نحو ( لا غلام لك والفرس ) .
$[1/446]
وإذا كان ( لا ) مكررا في المعطوف فحكمه ما علم في قوله : " لا حول ولا قوة : فيما سبق بأن يحمل " على اللفظ " أي : لفظ اسم ( لا ) ويجعل منصوبا .
" و " بأن يحمل " على المحل " ويجعل مرفوعا " جائز " ولا يجوز فيه البناء لمكان الفصل بالعاطف ولم يجعل في حكم المتصل لمظنة الفصل بـ ( لا ) المؤكدة ، إذ المعطوف على النفي تزاد فيه ( لا ) كثيراً نحو ( لا حول ولا قوة ) .
" مثل " لا أب وابنا وابن " في قول الشاعر :(1/258)
ولا أب وابنا مثل مروان وابنه ... ... إذا هو بالمجد ارتدى وتأزّرا
وسائر التوابع لا نصّ عنهم فيها ، لكن ينبغي أني كون حكمها حكم توابع المنادى كذا ذكره الأندلسي .
" ومثل : لا أباله ، ولا غلامي له " أي : كل تركيب يكون فيه بعد اسم ( لا ) التي لنفي الجنس لام الإضافة علىذلك الاسم احكام الإضافة من إثبات الألف في نحو ( أب ) وحذف النون نحو ( لا غلامين ) " جائز " يعني أن الأصل في مثل هذين
$[1/447]
التركيبين أن يقال : لا أب له 86/أ ولا غلامين له ، فيكون اسم 0لا ) فيهما مبنيا على ما ينصب به ، والجار مع المجرور خبرا لها .
وقد جاء على قلة مثل ( لا أباله ) و ( غلامي له ) بزيادة الألف في مثل ( أب ) واسقاط النون في مثل ( غلامين ) كما في حال الإضافة " تشبيها له " - أي لاسم ( لا ) في هذين التركيبين ، مع أنه ليس بمضاف - " بالمضاف " وإجراء لأحكام المضاف عليه بإثبات الألف وحذف النون ، فيكون معربا وذلك التشبيه إنما هو " لمشاركته " أي : لمشاركة اسم ( لا ) حين يضاف بإظهار اللام بينه وبين ما يضاف إليه " له " أي : للمضاف " في أصل معناه " أي : معنى المضاف من حيث هو مضاف ، يعني الإضافة وهو الإختصاص أو المعنى : إن مثل ( لا أبا له ) ، و ( ولا غلامي له ) جائز تشبيها له . أي : لمثل هذين التركيبين : حيث - لا إضافة فيه بالمضاف ، أي : بتركيب يشتمل على الإضافة ( لمشاركته ) أي : مشاركة هذين التركيبين له ، أي : لما يشتمل على الإضافة في أصل معناه أي : معنى ما يشتمل على الإضافة وهو الإختصاص إلاأن بين الإختصاصين تفاوتا ، فإن الإختصاص المفهوم من التركيب الإضافي أتمّ مما يفهم من غيره .(1/259)
" ومن ثمه " أي : لأجل أن جواز مثل هذين التركيبين إنما هو بتشبيه غير المضاف بالمضاف ف معنى الإختصاص " لم يجز " تركيب " لا أبا فيها " أي : في الدار ، لعدم الإختصاص فإن الإختصاص المفهوم من إضافة الأب إلى شيء إنما هو بأبوّته له وهذا الإختصاص غير ثابت للأب بالنسبة إلى الدار فلا يصح إضافته إلى الدار ، فكيف يشبّه تركيب ( لا أبا فيها ) بتركيب يضاف فيه الأب إلى الدار ، لمشاركته له في أصل
$[1/448]
معناه ؟ 86/ب .
" وليس " أي : مثل هذين التركيبين " بمضاف " حقيقة " لفساد المعنى " المراد المفاد بها على تقدير الإضافة وهو نفي ثبوت جنس الأب أو الغلامين ، لمرجع الضمير المجرور بالإستقلال من غير احتياج إلى تقدير خبر . وهذا المعنى يفسد من وجهين على تقدير الإضافة .
أما أوّلا : فلأن معنى هذا التركيب على تقدير الإضافة لا أباه ، ولا غلاميه ، وهذا لا يتم إلا بتقدير خبر أي : لا أباه موجود ، وغلاميه موجودان .
وأما ثانيا : فلان المراد نفي ثبوت جنس الأب أو الغلامين له ، لا نفي الوجود عن أبيه المعلوم أو غلاميه المعلومين .
" خلافا لسيبويه " والخليل وجمهور النحاة ، وإنما خصّ سيبويه بهذا الخلاف ، لأنه العمدة فيما بينهم ، أو لأن المقصود بيان الخلاف لا تعيين المخالفين ، فمذهب سيبويه والخليل وجمهور النحاة أن مثل هذا التركيب مضاف حقيقة باعتبار المعنى ، واقحام اللام بين المضاف والمضاف إليه تأكيد للاّم المقدرة .
$[1/449]
وحكم المصنف بفساده لما عرفت .
" ويحذف " اسم ( لا ) حذفا كثيراً " في مثل : لا عليك " أي لا بأس عليك ولا يحذف إلا مع وجود الخبر ، لئلا يكون إجحافا .
وقولهم : ( لا كزيد ) إن جعلنا الكاف اسما جاز أن يكون ( كزيد ) اسما والخبر محذوفا . أي : لا مثله موجود ، وجاز أن يكون خبرا ، أي لا أحد مثل زيد ، وإن جعلناه حرفا فالاسم محذوف ، أي لا أحد كزيد .
$[1/450]
" ( المنصوب بـ ( لا ) التي لنفي الجنس ) "(1/260)
" المشبهتين " في النفي والدخول على الجملة الاسمية " بليس " .
" هو المسند بعد دخولهما " أي : دخول ( ما ولا ) .
" وهي " أي خبرية خبر 87/أ ( ما ، ولا ) لهما ، وكذا اسميه اسمهما لهما " لغة حجازية " وخص الخبرية بالذكر لأن أعمالهما وجعل اسمهما وخبرهما اسما وخبرا لهما إنما يظهر باعتبار الخبر فجعل الخبر خبرا لهما ، إنما هو في لغة أهل الحجاز .
وأما بنو تميم فحيث لا يذهبون إلى أعمالهما لا يجعلون الخبر خبرا لهما ، ولا الاسم اسما لهما ، بل هما مبتدأ وخبر على ما كانا عليه قبل دخولهما عليهما .
ولغة أهل الحجاز هي التي جاء عليها التنزيل .
قال الله تعالى " ما هذا بشرا " و " ما هنّ أمهاتهم " .
" وإذا زيدت ( إن ) مع ( ما ) " نحو ( ما إن زيد قائم ) ، قيل : إنّما خصصت ( ما ) بالذكر لأنها لا تزاد مع ( لا ) في استعمالهم .
وهي زائدة عن البصريين ، نافية مؤكدة عند الكوفيين .
" أو انتقض النفي بإلا " نحو ( ما زيد إلاّ قائم ) " أو تقدم الخبر " نحو : ( ما قائم زيد ) " بطل العمل " أي : عمل ( ما ) إذا كان مع واحد من هذه الأمور الثلاثة .
أما إذا زيدت ( إنْ ) فلأن ( ما ) عامل ضعيف عمل لشبهه بـ ( ليس ) فلما فصل بينها وبين معمولها لم تعمل .
$[1/451]
وأما إذا انتقض النفي ( بـ ( إلاّ ) فلأن عملها لمعنى النفي ، فلما انتقض بطل العمل .
وأما إذا تقدم الخبر فلتغيّر الترتيب مع ضعفها في العمل .
" وإذا عطف عليه " أي : على خبرهما " بموجب " بكسر الجيم ، أي : بعاطف يفيد الإيجاب بعد النفي ، وهو ( بل ، ولكن ) نحو ( ما زيد مقيما بل مسافر ) و ( ما عمرو قائما لكن قاعد ) .
" فالرفع " أي : فحكم المعطوف الرفع لا غير بكونهما بمنزلة ( إلاّ ) في نقض النفي .
$[1/452]
************************
************************
الفوائد الضيائية
شرح كافية ابن الحاجب
نور الدين عبدالرحمن الجامي
( المتوفي سنة 898 هـ )
دراسة وتحقيق
الدكتور(1/261)
أسامة طه الرفاعي
الجزء الثاني
" ( المجرورات ) "
" هو ما اشتمل " أي : اسم اشتمل ، ليخرج الحروف الأواخر التي هي محال الإعراب ، فإنه لا يطلق عليها/87/ب المرفوعات والمجرورات اصطلاحا لأنها أقسام الاسم .
" على علم المضاف إليه " أي : علامة المضاف إليه من حيث هو مضاف إليه ، يعني الجر ، سواء كان بالكسرة أو الفتحة أو الياء لفظا أو تقديرا .
وإنما قلنا : ( من حيث هو مضاف إليه ) لأن الجر ليس علامة لذات المضاف إليه بل لحيثية كونه مضافا إليه . والمضاف إليه وإن كان مختصا بما عرفه به لكن المشتمل على علامته أعم منه ، ومما هو مشبّه به ، فيدخل في تعريف المجرور مثل " بحسبك درهم " وكفى باللّه .
وكذا المضاف إليه بالإضافة اللفظية وإن لم يكن داخلا في تعريفه .
" والمضاف إليه " وهو هاهنا غير ما هو المصطلح المشهور بينهم .
وذهب المصنف في ذلك مذهب سيبويه ، حيث أطلق المضاف إليه على المنسوب إليه بحرف الجر لفظا أيضاً .
$[2/3]
" كل اسم " حقيقة أو حكما ، ليشمل الجمل التي يضاف إليها نحو ( يوم ينفع الصادقين صدقهم ) فإنها في حكم المصادر .
" نسب إليه شيء " اسما كان ، نحو ( غلام زيد ) أو فعلا نحو ( مررت بزيد ) " بواسطة حرف الجر لفظا أو تقديرا " أي ملفوظا كان ذلك الحرف كما في مثل ( مررت بزيد ) أو مقدرا حال كون ذلك المقدر " مرادا " من حيث العمل بإبقاء أثره ، وهو الجر ، مثل ( غلام زيد ) و ( خاتم فضة ) و ( ضرب اليوم ) بخلاف نحو ( قمت يوم الجمعة ) فإنه وإن نسب إليه القيام بالحرف المقدر وهو ( في ) لكنه غير مراد ، إذ لو أريد لانجر به .
" فالتقدير " أي : تقدير حرف الجر " شرطه أن يكون المضاف اسما " إذ لو كان فعلا لابد من أن يتلفظ الحرف ، نحو ( مررت بزيد ) .
" مجردا " أي منسلخا عنه/88/أ " تنوينه " أو ما قام مقامه من نوني التثنية والجمع .
" لأجلها " أي : لأجل الإضافة لأن التنوين أو النون دليل تمام ما هي فيه .(1/262)
فلما أرادوا أن يمزجوا الكلمتين مزجا تكتسب به الأُولى من الثانية التعريف أو التخصيص أو التخفيف ، حذفوا من الأولى علامة تمام الكلمة ، وتمموها بالثانية .
ثم المتبادر من هذا التعريف نظرا إلى كلام القوم ، حيث ليسوا قائلين بتقدير
$[2/4]
حرف الجر في الإضافة اللفظية أنه غير شامل للمضاف إليه بالإضافة اللفظية لكن الظاهر من كلام المصنف في المتن والتصريح في شرحه له أن التقسيم إلى الإضافة المعنوية واللفظية إنما هو للإضافة بتقدير حرف الجر ، لكنه لم يبين تقدير حرف الجر فيها لا في المتن ، ولا في شرحه ولم ينقل عنه شيء فيه من سائر مصنفاته .
وقد تكلف بعضهم في إضافة الصفة إلى مفعولها ، مثل ( ضارب زيد ) بتقدير اللام ، تقوية للعمل ، أي : ( ضارب لزيد ) وفي إضافتها إلى فاعلها مثل : ( الحسن الوجه ) بتقدير ( من ) البيانية ، فإن ذكر الوجه في قولنا : ( جاءني زيد الحسن الوجه ) بمنزلة التمييز ، فإن في إسناد ( الحسن ) إلى ( زيد ) ابهاما .
فإنه لا يعلم أي شيء منه حسن ، فإذا ذكر الوجه فكأنه قال من حيث الوجه فإن قلت : هذا في الحقيقة تخصيص ، فلا يصح أن يقال : ان الإضافة لا تفيد إلا تخفيفا في اللفظ قلنا : كان هذا التخصيص واقعا قبل الإضافة ، فلا يكون مما تفيده الإضافة فليست فائدة الإضافة اللفظية في اللفظ .
" وهي " أي : الإضافة بتقدير حرف الجر/88/ب " معنوية " أي : منسوبة إلى
$[2/5]
المعنى ، لأنها تفيد معنى في المضاف ، تعريفا أو تخصيصا .
" ولفظية " أي : منسوبة إلى اللفظ فقط دون المعنى لعدم سرايتها إليه .
" فالمعنوية " علامتها " أن يكون المضاف " فيها " غير صفة " كاسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة " مضافة إلى معمولها " أي : فاعلها أو مفعولها قبل الإضافة ، سواء لم يكن صفة كـ ( غلام زيد ) أو كان صفة ولكن غير مضافة إلى معمولها بل إلى غيره كـ ( مصارع مصر ) و ( كريم البلد ) .(1/263)
واحترز به عن نحو : ( ضارب زيد ) و ( حسن الوجه ) .
" وهي " أي : الإضافة المعنوية بحكم الاستقراء .
" إمّا بمعنى اللام فيما " أي : في المضاف إليه " عدا جنس المضاف وظرفه " أي لا يكون صادقا على المضاف وغيره ، ولا ظرفا له ، نحو ( غلام زيد ) فإن زيدا ليس جنسا للغلام صادقا عليه ولا ظرفه .
فإضافة الغلام إليه بمعنى اللام ، أي غلام لزيد .
" وإمّا بمعنى ( مِنْ ) البيانية " في جنس المضاف " الصادق عليه وعلى غيره بشرط أن يكون المضاف إليه صادقا على غير المضاف إليه ، فيكون بينهما عموم وخصوص من وجه .
" وإما بمعنى ( في ) في ظرفه " أي : في ظرف المضاف .
والحاصل : أن المضاف إليه إمّا مباين للمضاف ، وحينئذ إن كان ظرفا له فالإضافة بمعنى ( في ) وإلا فهي بمعنى اللام .
وإمّا مساو له كـ ( ليث أسد ) أو أعم منه مطلقا ، كـ ( أحد اليوم ) فالإضافة على التقديرين ممتنعة .
$[2/6]
وإما أخص مطلقا كـ ( يوم الأحد ) و ( علم الفقه ) ، و ( شجر الأراك ) فالإضافة حينئذ أيضاً بمعنى اللام .
وإما أخص من وجه ، فإن كان المضاف إليه أصلا ، للمضاف ، فالإضافة بمعنى ( مِنْ ) وإلا فهي أيضا/89/أ بمعنى اللام .
فإضافة ( خاتم ) إلى ( فضة ) بمعنى ( من ) بيانية ، وإضافة ( فضة ) إلى ( خاتم ) بمعنى اللام ، كما يقال : ( فضة خاتمك خير من فضة خاتمي ) .
واعلم أنه لا يلزم فيما هو بمعنى اللام أن يصح التصريح بها بل يكفي إفادة الاختصاص الذي هو مدلول اللام ، فقولك : ( يوم الأحد ) ، و ( علم الفقه ) و ( شجر الأراك ) بمعنى اللام ، ولا يصح إظهار اللام فيه . وبهذا الأصل يرتفع الإشكال عن كثير من مواد الإضافة اللاميّة ، ولا يحتاج فيه إلى التكلفات البعيدة مثل : ( كل رجل ) و ( كل واحد ) .
" وهو " أي : كون الإضافة بمعنى ( في ) " قليل " في استعمالاتهم وردها أكثر النحاة إلى الإضافة بمعنى اللام .(1/264)
فإن معنى : ( ضرب اليوم ) ، ضرب له اختصاص باليوم ، بملابسة الوقوع فيه .
فإن قلت : فعلى هذا يمكن رد الإضافة بمعنى ( من ) أيضاً إلى الإضافة بمعنى اللام
$[2/7]
للاختصاص الواقع بين المبيِّن والمبيَّن ، قلنا : نعم ، لكن لما كانت الإضافة بمعنى ( في ) قليلا ردوها إلى الإضافة بمعنى اللام ، تقليلا للأقسام وأما الإضافة بمعنى ( من ) فهي كثيرة في كلامهم ، فالأولى بها أن تجعل قسما على حدة .
" نحو ( غلام زيد ) " مثال للإضافة بمعنى اللام أي : لزيد " وخاتم فضة " .
مثال للإضافة بمعنى ( من ) أي : خاتم من فضة " وضرب اليوم " مثال للإضافة بمعنى ( في ) ، أي : ضرب واقع في اليوم .
***
" وتفيد " أي الإضافة المعنوية " تعريفا " أي : تعريف المضاف " مع " المضاف إليه " المعرفة " ، لأن الهيئة التركيبية في الإضافة المعنوية موضوعة للدلالة على معلومية المضاف ، لا أنّ/89/ب نسبة أمر إلى معين يستلزم معلومية المنسوب ومعهوديته . فإن ذلك غير لازم ، كما لا يخفى .
فإن قلت : قد يقال ( جاءني غلام زيد ) من غير إشارة إلى واحد معين . فلا تكون هيئة التركيب الإضافة موضوعة لمعلومية المضاف .
قلنا : ذلك كما أن المعرف باللام في أصل الوضع لمعين ، ثم قد يستعمل بلا إشارة إلى معين كما في قوله :
ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني ... ... فمضيت ثمّت قلت : لا يعنيني
$[2/8]
وذلك على خلاف وضعه وليس يجري هذا الحكم في نحو ( غير ، ومثل ) فإن إضافتهما لا تفيد التعريف وإن كانا مع المضاف إليه المعرفة ، لتوغلهما في الإبهام إلا أن يكون للمضاف إليه ضدّ واحد يعرف بغيريّته ، كقولك : ( عليك بالحركة غير السكون ) . وكذلك إذا كان للمضاف إليه مثل اشتهر بمماثلته في شيء من الأشياء ، كالعلم والشجاعة ، فقيل له : ( جاء مثلك ) كان معرفة إذا قصد الذي يماثله في الشيء الفلاني .(1/265)
" و " تفيد الإضافة المعنوية " تخصيصا " أي : تخصيص المضاف " مع " المضاف إليه " نكرة " نحو ( غلام رجل ) فإن التخصيص تقليل الشركاء .
ولا شك أن الغلام قبل إضافته إلى ( رجل ) كان مشتركا بين ( غلام رجل ) ( وغلام امرأة ) فلما أضيف إلى ( رجل ) خرج عنه ( غلام امرأة ) ، وقلت الشركاء فيه .
" وشرطها " أي : شرط الإضافة المعنوية " تجريد المضاف " إذا كان معرفة " من التعريف " فإن كان ذا لام حذف لامه ، وإن كان علما نكر بأن يجعل واحدا
$[2/9]
من جملة من يسمى بذلك الاسم .
وإن لم يكن فلا حاجة إلى التجريد ، بل لا يمكن .
أو المراد بالتجريد/90/أ : تجرده وخلوه من التعريف عند الإضافة سواء كان نكرة في نفسه من غير تجريد ، أو كان معرفة جردت عن التعريف وإنما وجب التجريد لأن المعرفة لو أضيفت إلى النكرة لكان طلبا للأدنى وهو التخصيص مع حصول الأعلى وهو التعريف .
ولو أضيفت إلى المعرفة لكان تحصيل الحاصل فتضيع الإضافة حيث لا تفيد تعريفا ولا تخصيصا .
فإن قيل : لا فرق بين إضافة المعرفة وبين جعلها علما في نحو : ( النّجم : والصّعِق وابن عباس ) في لزوم تعريف المعرّف ، فما بالهم جوزوا هذا دون ذلك ؟
قلنا : لا نسلّم أن في هذه الأمثلة تعريف المعرّف ، بل فيها زوال تعريف وهو التعريف الحاصل باللام أو الإضافة ، وحصول تعريف آخر وهو التعريف بالعلمية ، فإنها حين صارت أعلاما لم يبق فيها الإشارة إلى معلوميتها باللام أو الإضافة ، فلا يلزم فيها تعريف المعرّف ، بل تبديل تعريف بتعريف .
$[2/10]
" وما أجازه الكوفيون من " تركيب " ( الثلاث الأثواب ) وشبهه من العدد " المعرف باللام المضاف إلى معدوده ، نحو ( الخمسة الدراهم ) و ( المائة الدينار ) " ضعيف " قياسا واستعمالا .
أمّا قياسا : فلما ذكر من لزوم تحصيل الحاصل .
وأمّا استعمالا : فلما ثبت من الفصحاء من ترك اللام .
وقال ذو الرّمة :(1/266)
وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى ... ... ثلاث الأثافي والدّيار البلاقع
$[2/11]
وأما ما جاء في الحديث من قوله - صلى الله عليه وسلم - " بالألف الدينار " فعلى البدل دون الإضافة .
" و " الإضافة " اللفظية " علامتها " أن يكون " المضاف " صفة " احتراز عما إذا لم يكن صفة ، نحو ( غلام زيد ) /90/ب " مضافة إلى معمولها " احتراز عما إذا كانت مضافة إلى غير معمولها ، نحو : ( مصارع البلد ، وكريم العصر ) " مثل ( ضارب زيد ) " من قبيل إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله " وحسن الوجه " من قبيل إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها .
" ولا تفيد " أي : الإضافة اللفظية فائدة : " إلا تخفيفا " لا تعريفا ولا تخصيصا ، لكونها في تقدير الانفصال " في اللفظ " لا في المعنى ، بأن يسقط بعض المعاني عن ملاحظة العقل بإزاء ما يسقط من اللفظ ، بل المعنى على ما كان عليه قبل الإضافة .
والتخفيف اللفظي إمّا في لفظ المضاف فقط ، بحذف التنوين حقيقة ، مثل ( ضارب زيد ) أو حكما مثل ( حواجّ بيت الله ) أو بحذف ( نوني ) التثنية والجمع مثل ( ضاربا زيد ، وضاربو زيد ) ، وإمّا في لفظ المضاف إليه فقط ، بحذف . . الضمير واستتارة في الصفة كـ ( القائم الغلام ) كان أصله ( القائم غلامه ) حذف الضمير من غلامه واستتر في ( القائم ) وأضيف القائم إليه للتخفيف في المضاف إليه فقط وإمّا في
$[2/12]
المضاف والمضاف إليه معا ، نحو ( زيد قائم الغلام ) أصله ( زيد قائم غلامه ) ، فالتخفيف في المضاف بحذف التنوين وفي المضاف إليه بحذف الضمير واستتاره في الصفة .
" ( ومن ثمة ) " أي : ومن جهة وجوب إفادة الإضافة اللفظية التخفيف وانتفاء كل واحد من التعريف والتخصيص " جاز " تركيب " ( مررت برجل حسن الوجه " ) بإضافة الصفة إلى معمولها ، وجعلها صفة للنكرة .(1/267)
فمن جهة أنها لم تفد تعريفا جاز هذا التركيب " وامتنع " تركيب ( مررت " بزيد حسن الوجه ) " فلو أفادت تعريفا لم/91/أ يجز الأول ، للزوم كون المعرفة صفة للنكرة ، ولجاز الثاني ، لكون المعرفة إذن صفة للمعرفة .
والمراد : أن المشار إليه بـ ( ثمه ) - وهو مجموع أمور ثلاثة : وجوب إفادة الإضافة اللفظية التخفيف ، وانتفاء التعريف وانتفاء التخصيص يستلزم جواز التركيب الأول وامتناع الثاني .
ولا يلزم من ذلك أن يكون لكل واحد من تلك الأمور دخل في ذلك الاستلزام بل يجوز أن يكون باعتبار بعضها ، فلا يرد أنه لا دخل في ذلك الاستلزام ، لانتهاء التخصيص .
" و " من جهة أنها تفيد تخفيفا " جاز " تركيب " ( الضاربا زيد ) و ( الضاربو زيد ) " لحصول التخفيف بحذف النون ، " وامتنع الضارب زيد " لعدم التخفيف ، لأن التنوين ( الضارب ) إنما سقط للألف واللام لا للإضافة ، ولا شك أنه لا دخل في هذا التفريع لانتفاء التعريف ، ولا لانتفاء التخصيص ، بل يكفي فيه وجوب التخفيف فقط .
$[2/13]
وعلى هذا كان الأنسب تقديم هذا الفرع ، لكنه أخر ، لكثرة لواحقه " خلافا للفراء " فإنه يجوز تركيب ( الضارب زيد ) ، إمّا لأنه توهم أنّ دخول لام التعريف إنما هو بعد الإضافة فحصل التخفيف ، بحذف التنوين بسبب الإضافة ، ثم عرّف باللام .
وأجاب المصنف عنه في شرحه : بأنه غير مستقيم لأن القول بتأخر اللام المتقدمة حسّا على الإضافة مجرد ادعاء مخالف للظاهر .
وإمّا لما وقع في شعر الأعشى من قوله :
* الواهب المائة الهجان وعبدها *
فإن قوله ( وعبدها ) بالجر معطوف على المائة ، فصار المعنى باعتبار العطف : الواهب عبدها .
فهو من باب ( الضارب زيد ) ، فكما لا يمتنع ذلك/91/ب حيث أتى به بعض البلغاء لا يمتنع هذا .
فأجاب المصنف عنه بقوله :(1/268)
" وضعف ( الواهب المائة الهجان وعبدها ) " يعني : هذا القول ضعيف لا يقوى في الفصاحة ، بحيث يستدل به ، لما عرفت من امتناع مثل : ( الضارب زيد ) لعدم
$[2/14]
الفائدة في الإضافة ، ولا يخفى أن فيه شوب مصادرة على المطلوب .
اللّهم إلا أن يقال : المراد به أنه ضعيف في الاستدلال به ، إذ لا نصّ فيه على الجر ، فإنه يحتمل النصب حملا على المحل ، أو على أنه مفعول معه ، أو لأنه قد يتحمّل في المعطوف ما يتحمل عليه ، كما في : ( ربّ شاة وسخلتها ) حيث جاز هذا التركيب ، ولم يجز ( رب سخلتها ) بإدخال ( رب ) على سخلتها بدون
$[2/15]
العطف .
والبيت بتمامه :
الواهب المائة الهجان وعبدها ... ... عوذا تزجيّ خلفها أطفالها
أي : ممدوحه الواهب المائة الهجان : أي : البيض من النوق ، يستوي فيه الجمع والواحد ، صفة للمائة أو بدل عنها ، أو من قبيل ( الثلاثة الأثواب ) كما هو مذهب الكوفية .
وعبدها ، أي : راعيها تشبيها له بالعبد ، لقيامه بحق خدمتها ، أو عبدها حقيقة بإضافته لأدنى ملابسة .
عوذا - بالذال المعجمة جمع عائذ ، أي : حديثات النتاج ، حال من المائة .
يزجيّ - بالزاي المعجمة ، والجيم - على صيغة المعلوم المذكر ، أي : يسوق وفاعله ضمير العبد .
وأطفالها : منصوب على المفعولية ، أو على صيغة المجهول المؤنث ، ( وأطفالها )
$[2/16]
مرفوع على أنه مفعول ما لم يسم فاعله .
وحقيقة الأمر لا تنكشف إلا بعد معرفة حركة حرف الروي من القصيدة .
وإما لأنه قاسه على ( الضارب الرجل ) و ( الضاربك ) ، فأجاب المصنف عنه/92/أ بقوله : " وإنما جاز ( الضارب الرجل ) " يعني : كان القياس عدم جوازه ، لانتفاء التخفيف لزوال التنوين باللام لكنه جاز " حملا على " الوجه " المختار في ( الحسن الوجه ) " وهو جرّ ( الوجه ) بالإضافة .(1/269)
وفيه وجهان آخران : رفعه على الفاعلية ، ونصبه على التشبيه بالمفعول ووجه الحمل اشتراكهما في كون المضاف صفة والمضاف إليه جنسا معرّفين باللام ، وهذا الاشتراك مفقود بين ( الضارب زيد ) و ( الحسن الوجه ) فقياسه عليه قياس مع الفارق .
" والضاربك " يعني : إنما جاز ( الضاربك ) مع أن القياس عدم جوازه لما عرفت .
" و " كذا " شبهه " وهو ( الضاربي ، والضاربه ) وغيرهما " فيما قال : أي : في
$[2/17]
قول من قال ، يعني سيبويه وأتباعه .
" إنّه " أي : ( الضارب ) في : الضاربك " مضاف " دون من قال : إنّه غير مضاف والكاف منصوب المحل على المفعولية ، والتنوين محذوف ، لاتصال الضمير لا للإضافة فإنه لا يحتاج في جوازه إلى حمل .
" حملا " على : محموليته " على ( ضاربك ) " فاتحد فاعل المفعول له والفعل المعلّل به - أعني : جاز - وبيانه أنهم إذا أوصلوا أسماء الفاعلين والمفعولين مجردة عن اللام بمفعولاتها وكانت مضمرات متصلات التزموا الإضافة ولم ينظروا إلى تحقيق تخفيف فقالوا : ( ضاربك ) وإن لم يحصل التخفيف بالإضافة بل بنفس اتصال الضمير ، ثم لما لم يعتبروا التخفيف في ( ضاربك ) وجوزوه بدونه حملوا ( الضاربك ) عليه لأنهما من باب واحد ، حيث كان كل منهما اسم فاعل مضافا إلى مضمر متصل محذوفا تنوينه/92/ب قبل الإضافة لا للإضافة ، ولم يحملوا ( الضارب زيد ) عليه ، لأنهما ليسا من باب واحد ، والدليل على أن سقوط التنوين في ( ضاربك ) لاتصال الكاف لا للإضافة أنها لو سقطت للإضافة لكان ينبغي أن يتصور ذلك أولا على وجه يكون الضمير منصوبا بالمفعولية ثم يضاف ، ويقال : ( ضاربك ) كما يتصور ( ضارب زيدا ) ثم يضاف ، ويقال : ( ضارب زيد ) ولن يتصور ( ضاربك ) .
فعلم أنها سقطت لاتصال الكاف لا للإضافة .
ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يكون أصل ( ضاربك ) ضارب إياك
$[2/18](1/270)
للفصل بالتنوين ، ثم لما أضيف حذف التنوين فصار الضمير المنفصل متصلا ، فصار ( ضاربك ) وحصل التخفيف حدا ، ثم حمل ( الضاربك ) عليه لأنهما من باب واحد ، حيث كان كل منهما اسم فاعل مضافا إلى مضمر متصل من غير اعتبار حذف تنوينهما قبل الإضافة ، لا للإضافة .
ولم يحملوا ( الضارب زيد ) عليه لأنهما ليسا من باب واحد .
واعلم : أنا حملنا قوله ( وضعف الواهب المائة الهجان وعبدها ) وقوله : ( والضاربك الرجل ) و ( الضاربك ) حملا على نظريهما على الأجوبة عن استدلالات الفراء على جواز ( الضارب زيد ) عن جانب المنصف على موافقة بعض الشارحين .
ذلك أن تجعل كل واحدة منها إشارة إلى مسألة على حدتها مناسبة للحكم بامتناع ( الضارب زيد ) .
فمعنى قوله ( وضعف : الواهب المائة الهجان وعبدها ) أنه ضعف عطف المجرد عن اللام على المحلّى به المضاف إليه ، صفة مصدرة باللام ، لأنه بتوسط العطف يصير مثل ( الضارب زيد ) كما عرفت .
وإنّما لم يحكم عليه بالامتناع بل بالضعف ، لأنه قد/93/أ يتحمل في المعطوف مالا يتحمل في المعطوف عليه ، وحينئذ يندفع ما فيه من توهم شائبة المصادرة على المطلوب على التقدير الأول ، وإرجاع كل من الصورتين الأخيرتين إلى مسألة ظاهرة . ويتضمن الرد على الفراء في الاستدلال بهما .
***
" ولا يضاف موصوف إلى صفة " مع بقاء المعنى المفاد بالتركيب الوصفي بحاله ، لأن لكل من
$[2/19]
هيئتي التركيب الوصفي والإضافي معنى آخر لا يقوم أحدهما مقام الآخر .
" و " لهذا المعنى بعينه " لا " يضاف " صفة إلى موصوفها " ، فلا يقال : ( مسجد الجامع ) بمعنى ( المسجد الجامع ) و ( جرد قطيفة ) بمعنى ( قطيفة جرد ) ، خلافا للكوفية فإن ( مسجد الجامع ) عندهم بمعنى : ( المسجد الجامع ) و ( جرد قطيفة ) بمعنى : ( قطيفة جرد ) ، من غير فرق .(1/271)
" و " يرد على القاعدة الأولى وهو قوله : ( ولا يضاف موصوف إلى صفة ) " مثل ( مسجد الجامع ) و ( جانب الغربي ) و ( صلاة الأولى ) و ( بقلة الحمقاء ) " فإن في كل واحد من هذه التراكيب أضيف موصوف إلى صفته .
فإن ( الجامع ) صفة ( المسجد ) و ( الغربي ) صفة ( الجانب ) و ( الأولى ) صفة ( الصلاة ) و ( الحمقاء ) صفة ( البقلة ) .
وقد أضيف إلها موصوفاتها ، وأجيب : بأن مثل هذه التراكيب متأول . فمسجد الجامع ، متأول ، بمسجد الوقت الجامع .
وذلك يحتمل معنيين :
أحدهما : أن يكون الوقت مقدارا في نظم الكلام ، ويكون المسجد مضافا إليه ،
$[2/20]
والجامع صفة للوقت فيندفع الإيراد بوجهين : فإن الجامع ليس مضافا إليه ولا صفة للمضاف .
وثانيهما : أن يكون ( الوقت ) محذوفا ، و ( الجامع ) /93/ب قائما مقامه منطويا عليه ، فيكون بمنزلة الصفات الغالبة ، فيضاف المسجد إليه ، فيندفع الإيراد بوجه واحد ، وهو أن ( الجامع ) ليس صفة للمضاف .
وعلى هذا القياس ( صلاة الأولى ) ( وبقلة الحمقاء ) متأول بصلاة الساعة الأولى ، وبقلة الحبة الحمقاء ، على الاحتمالين المذكورين ، ولكن هذا التأويل لا يتمشى في ( جانب الغربي ) فإنه لاشك أن المقصود توصيف ( الجانب ) بالغربية لا توصيف مكان هو جانبه بها .
اللهم إلا أن يقال : هناك مكانان جزء ، وكل ، فالمكان الذي أضيف إليه الجانب هو جزء ، والإضافة بيانية ، والمكان الذي اعتبر الجانب بالنسبة إليه هو الكل ، فيستقيم المعنى .
" و " يرد على القاعدة الثانية ، وهو قوله : ( ولا صفة إلى موصوفها ) " مثل : جرد قطيفة ، وأخلاق ثياب " فإن أصلهما قطيفة جرد ، وثياب أخلاق ، قدمت الصفة على الموصوف وأضيفت إليه .(1/272)
وأجيب عنه بأنه " متأول " بأنهم حذفوا ( قطيفة ) من قولهم : قطيفة جرد حتى صار كأنه اسم غير صفة ، فلما قصدوا تخصيصه ، لكونه صالحا لأن يكون ( قطيفة ) وغيرها مثل ( خاتم ) في كونه صالحا لأن يكون ( فضة ) وغيرها أضافوه إلى جنسه الذي يتخصص به كما أضافوا ( خاتما ) إلى ( فضة ) .
فليس إضافته إليها من حيث أنه صفة لها ، بل من حيث أنه جنس مبهم أضيف إليها ليتخصص .
$[2/21]
وعلى هذا القياس ( أخلاق ثياب ) .
" ولا يضاف اسم مماثل " أي : مشابه " للمضاف إليه في العموم/94/أ والخصوص " إلى ذلك المضاف إليه ، سواء كانا مترادفين " كـ ( ليث وأسد " في الأعيان والجثث " وحبس ومنع " في المعاني والأحداث أو غير مترادفين بل متساويين في الصدق كالإنسان والناطق " لعدم الفائدة " في ذكر المضاف إليه فإنك إذا قلت : ( رأيت ليث أسد ) لا يفيد إلا ما يفيده : رأيت ليثا ، بدون ذكر ( الأسد ) وإضافة الليث إليه .
فيكون ذكر ( الأسد ) وإضافة الليث إليه لغوا لا فائدة فيه " بخلاف " إضافة العام إلى الخاص في مثل " كل الدراهم ، وعين الشيء ، فإنه " أي : المضاف فيهما " يختص " أي : يصير خاصا بسبب إضافته إلى المضاف إليه ، ولا يبقى على عمومه ، سواء أفادت الإضافة التعريف أو التخصيص .
وأعمية ( العين ) عن ( الشيء ) إذا كان اللام فيه للعهد ظاهرة وأما إذا كان للجنس ففيها خفاء .
" و " يرد على قوله : ( لا يضاف اسم مماثل للمضاف إليه في العموم والخصوص ) " قولهم : سعيد كرز " فإن ( سعيدا ) و ( كرزا ) اسمان لمسمى واحد كـ ( ليث وأسد ) مع أنه أضيف أحدهما إلى الآخر .
فأجيب بأنه " متأول " بحمل أحدهما على المدلول والآخر على اللفظ .
فكأنك إذا قلت ( جاءني سعيد كرز ) قلت جاءني مدلول هذا اللفظ .
ولم يقولوا : كرز سعيد ، لأن قصدهم بالإضافة التوضيح ، واللقب أوضح من الاسم غالبا .
$[2/22](1/273)
" وإذا أضيف الاسم الصحيح " وهو في عرف النحاة : ما ليس في آخره حرف علّة ، " أو الملحق به " وهو ما في آخره واو أو ياء قبلها ساكن وإنما كان ملحقا بالصحيح ، لأن حرف العلة بعد السكون لا يثقل عليها الحركة ، لمعارضة خفة السكون ثقل الحركة ولآن حرف العلة بعد السكون/ 94/ب مثلها بعد السكوت في الوقوع بعد استراحة اللسان ، وكما لا يثقل عليها الحركة بعد السكوت - يعني : في الابتداء - كذا بعد السكون .
" إلى ياء المتكلم كسر آخره " للتناسب مثل ( ثوبي وداري ) في الصحيح و ( ظبيي ودلوي ) في الملحق به .
" والياء مفتوحة أو ساكنة "
وقد اختلف في أن أيهما الأصل ، والصحيح أنه الفتح ، إذ الأصل في الكلمة التي على حرف واحد هو الحركة ، لئلا يلزم الابتداء بالساكن حقيقة أو حكما ، والأصل فيما يبنى على الحركة الفتح .
والسكون إنما هو عارض للتخفيف .
$[2/23]
" فإن كان آخره " أي : آخر الاسم المضاف إلى ياء المتكلم " ألفا تثبت " أي : الألف على اللغة الفصيحة ، لعدم موجب الانقلاب ، نحو : ( عصاي ورحاي ) " وهذيل " وهي قبيلة من العرب " تقلبها " أي : الألف حال كونها " لغير التثنية ياء " لمشاكلة ياء المتكلم ، وتدغم في الياء ، مثل : ( عصيّ ، رحيّ ) ، ولا تقلب ألف التثنية كـ ( غلاماي ) لالتباس المرفوع بغيره ، بسبب القلب .
" وإن كان " آخر الاسم المضاف إلى ياء المتكلم " ياء أدغمت " في ياء المتكلم ، لاجتماع المثلين فيهما هو كالكلمة الواحدة ، مثل ( مسلمين ) إذا أضيف إلى ياء المتكلم وأسقط النون للإضافة وأدغم الياء في الياء فصار : ( مسلميّ ) .
" وإن كان آخره واوا قلبت الواو ياء " لاجتماع الواو والياء والأولى ساكنة ، مثل ( مسلمون ) إذا أضيف إلى ياء المتكلم قلبت واوه ياء ، " وأدغمت " الياء في الياء وكسر ما قبلها ، لأنها لما انقلبت ياء ساكنة يوجب بقاء الضمة قبلها تغيرها ، فحركت/95/أ بالحركة المناسبة لها ، فقيل ( مسلميّ ) .(1/274)
وإن كان قبل الياء أو الواو فتحة بقي ما قبلها مفتوحا ، كقولك في ( مسلمي ) ( مسلميّ ) وفي ( مصطفون ) ( مصطفيّ ) لخفة الفتحة .
" وفتحت الياء " أي : ياء المتكلم في الصور الثلاث " للساكنين " أي : للزوم
$[2/24]
التقاء الساكنين إن لم تتحرك . واختير الفتح لخفته .
***
" وأما الأسماء الستة " التي مرّ البحث عنها مضافة إلى غير ياء المتكلم ، " فأخي وأبي " أي : فالحال في ( أخ وأب ) منها إذا أضيفا إلى ياء المتكلم أن يقال : ( أخي وأبي ) مثل ( يدي ودمي ) بلا رد المحذوف ، بجعل نسيا منسيا .
" وأجاز المبرد " فيهما " أخيّ أبيّ " برد لام الفعل فيهما وهي الواو وجعلها ياء وإدغام الياء في الياء .
وتمسك في ذلك بقول الشاعر :
* وأبيّ مالك ذو المجاز بدار *
وحمل الأخ على الأب ، لتقاربهما لفظاً ومعنى .
$[2/25]
وأجاب عنه المصنف في شرحه بأن ذلك خلاف القياس ، واستعمال الفصحاء مع أنه يحتمل أن يكون المقسم به ، أي : ( أبيّ ) جمع ( أب ) فأصله ( أبين ) سقطت النون في الإضافة ، فاجتمعت ياءان ، فأدغمت الأولى في الثانية ، فصار ( أبيّ ) .
وقد جاء جمعه هكذا في قول الشاعر :
فلما تبيّنّ أصواتنا ... ... بكين وفدّيننا بالأبينا
أي : لما سمعن وعلمن أصواتنا بكين ، وقلن لنا : آباؤنا فداؤكم .
" وتقول " أي : امرأة قائلة ، لامتناع إضافة ( الحم ) إلى المذكر ، " حمي وهني " بلا رد المحذوف عند الإضافة إلى ياء/ المتكلم .
وإنما فصلهما عن ( أخي وأبي ) لأنه لم ينقل عن المبرد فيهما في المشهور ما يخالف مذهب الجمهور ، وإن نقل عنه بعضهم ذلك الخلاف في الأسماء الأربعة .
$[2/26](1/275)
" ويقال " في ( فم ) حال الإضافة إلى ياء المتكلم " فيّ " بالرد والقلب والإدغام " في الأكثر " أي : في أكثر موارد استعمالاته " وفمي " في بعضها إبقاء للميم المعوض عن الواو عند قطعة من الإضافة " وإذا قطعت " هذه الأسماء الخمسة عن الإضافة " قيل : أخ وأب وحم وهن وفم " بالحركات الثلاث .
" و " ولكن " فتح الفاء أفصح منهما " أي : من الضم والكسر .
" وجاء ( حم ) مثل ( يد ) فيقال : ( هذا حم وحمك ) و ( رأيت حما وحمك ) و ( مررت بحم وبحمك ) .
$[2/27]
" ومثل ( خبء ) بالهمزة فيقال : ( هذا حمؤ وحمؤك ) و ( رأيت حمأ وحمأك ) و ( مررت بحم ، وحمئك ) .
" و " مثل " دلو " بالواو ، فيقال :
( هذا حمو وحموك ) و ( رأيت حموا ، وحموك ) و ( مررت بحمو وحموك ) " و " مثل " عصا " بالألف فيقال :
( هذا حما وحماك ) و ( رأيت حما وحماك ) و ( مررت بحما وبحماك ) ، " مطلقا " أي : جواز ( حم ) مثل هذه الأسماء الأربعة مطلق غير مقيد بحال الإفراد أو الإضافة ، بل تجيء هذه الوجوه فيه في كل من حالتي الإفراد والإضافة " وجاء ( هن ) مثل ( يد ) مطلقا " أي : في الإفراد والإضافة ، يقال : ( هذا وهنّ ) و ( رأيت هنا ) و ( مررت بهن ) و ( هذا هنك ) و ( رأيت هنك ) و ( مررت بهنك ) .
" و ( ذو ) لا يضاف إلى مضمر " لأنه وضع وصلة إلى /96/أ الوصف بأسماء الأجناس والضمير ليس باسم جنس .
وقد أضيف إليه على سبيل الشذوذ ، كقول الشاعر :
$[2/28]
إنّما يعرف ذا الفضـ ... ... ــل من الناس ذووه
ولو قيل : لا يضاف إلى غير اسم الجنس ، لكان أشمل .
وكأنه خص المضمر بالذكر ، لأنه كان لبعض تلك الأسماء حكم خاص عند إضافته إلى ياء المتكلم ، فنفى إضافته إلى المضمر مطلقا نفيا ، لاختصاصه بحكم باعتبار إضافته إليه .
" ولا يقطع " أي : ذو " عن الإضافة " لأن جعله وصلة إلى وصف أسماء الأجناس ليس إلا بالإضافة إليها .
$[2/29]
" التوابع "(1/276)
وهي جمع ( تابع ) منقول من الوصفة إلى الاسمية ، والفاعل الاسمي يجمع على ( فواعل ) كـ ( الكاهل ) على ( الكواهل ) .
والمراد بها : توابع المرفوعات والمنصوبات والمجرورات التي هي من أقسام الاسم ، فلا ينتقض حدها بخروج نحو ( إنّ إنّ ) و ( ضرب ضرب ) لعدم كونهما من أفراد المحدود .
" كل ثان " أي : متأخر متى لوحظ مع سابقه كان في الرتبة الثانية منه فدخل فيه التابع الثاني والثالث فصاعدا .
متلبس " بإعراب سابقه " أي : بجنس إعراب سابقه ، بحيث يكون إعرابه من جنس إعراب سابقه .
$[2/30]
ناشئ كلاهما " من جهة واحدة " شخصية مثل ( جاءني زيد العالم ) فإن ( العالم ) إذا لوحظ مع ( زيد ) كان في الرتبة الثانية منه .
وإعرابه من جنس إعرابه ، وهو الرفع .
والرفع في كل منهما ناشئ من جهة واحدة شخصية ، هي فاعلية ( زيد العالم ) لأن المجيء المنسوب إلى ( زيد ) في قصد التكلم منسوب إليه مع تابعه ، لا إليه مطلقا 96/ب فقوله : ( كل ثاني ) يشمل التوابع وخبر المبتدأ وخبري ، ( كان وإنّ ) وأخواتهما ، وثاني مفعولي ( ظننت و ( أعطيت ) .
وقوله : ( بإعراب سابقه ) يخرج الكل إلاّ خبر المبتدأ وثاني مفعولي ( ظننت وأعطيت ) .
وقوله : ( من جهة واحدة ) يخرج هذه الأشياء لأن العامل في المبتدأ والخبر وإن كان هو الابتداء ، أعني : التجريد عن العوامل اللفظية للإسناد ، لكن هذا المعنى من حيث أنه يقتضي مسندا إليه صار عاملا في المبتدأ ، ومن حيث إنّه يقتضي مسندا صار عاملا في الخبر .
فليس ارتفاعهما من جهة واحدة وكذا ( ظننت ) من حيث إنّه يقتضي شيئا مظنونا فيه ومظنونا عمل في مفعوليه .
فليس انتصابهما من جهة واحدة .
$[2/31]
وكذلك ( أعطيت ) من حيث إنّه يقتضي أخذا ومأخوذا عمل في مفعوليه فليس انتصابهما من جهة واحدة .(1/277)
واعلم أن الإعراب المعتبر في هذا التعريف بالنسبة إلى اللاحق والسابق أعم من أن يكون لفظيا أو تقديريا أو محليا حقيقة أو حكما ، فلا يرد نحو ( جاءني هؤلاء الرجال ) و ( يا زيد العاقل ) و ( لا رجل ظريفا ) ثم أن لفظة ( كل ) هاهنا ليست في موقعها ، لأن التعريف إنما يكون للجنس وبالجنس لا للإفراد وبالإفراد .
فالمحدود بالحقيقة التابع والحدّ مدخول ( كل ) وهو ( ثان بإعراب سابقه من جهة واحدة ) ، لكنه لما أدخل ( كل ) عليه أفاد صدق المحدود على كل أفراد الحد ، فيكون مانعا .
والظاهر أن انحصار المحدود فيها لعدم ذكر غيرها ، فيكون جامعا فيحصل حد جامع مانع يكون جمعه ومنعه كالمنصوص عليه/97/أ .
$[2/32]
" النعت "
" تابع " جنس شامل للتوابع كلها .
وقوله " يدل على معنى في متبوعه " أي : يدل بهيئته التركيبية مع متبوعه على حصول معنى في متبوعه " مطلقا " أي : دلالة مطلقة غير مقيدة بخصوصية مادة من المواد ، احتراز عن سائر التوابع .
ولا يرد عليه البدل في مثل قولك : ( أعجبني زيد علمه ) ، والمعطوف في مثل قولك : ( أعجبني زيد وعلمه ) ولا التأكيد في مثل قولك : ( جاءني القوم كلهم ) لدلالة كلهم على معنى الشمول في القوم .
فإن دلالة التوابع في هذه الأمثلة على حصول معنى في المتبوع إنما هي بخصوص موادها .
فلو جردت عن هذه المواد ، كما يقال : ( أعجبني زيد غلامه ) أو ( أعجبني زيد وغلامه ) أو ( جاءني زيد نفسه ) لا تجد لها دلالة على معنى في متبوعاتها ، بخلاف الصفة فإن الهيئة التركيبية بين الصفة والموصوف تدل على حصول معنى في متبوعها في أيّ مادة كانت .
" وفائدته " أي : فائدة النعت غالبا " تخصيص " في النكرة كـ ( رجل عالم ) " أو توضيح " في المعرفة كـ ( زيد الظريف ) .
" وقد يكون لمجرد الثناء " من غير قصد تخصيص أو توضيح ، نحو : ( بسم الله
$[2/33]
الرحمن الرحيم ) .
" أو " لمجرد " الذم " نحو : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) .(1/278)
" أو " لمجرد " التأكيد " مثل : ( نفخة واحدة ) إذ الوحدة تفهم من التاء في ( نفخة ) فأكدت بـ ( الواحدة ) :
ولما كان غالب مواد الصفة المشتقات توهم كثير من النحويين أن الاشتقاق شرط في النعت ، حتى تأولوا غير المشتق بالمشتق . ولم يكن هذا/97/ب مرضيا للمصنف .
ورده بقوله : " ولا فصل " أي : لا فرقد " بين أن يكون " النعت " مشتقا أو غيره " في صحة وقوعه نعتا " إذا كان وضعه " أي : وضع غير المشتق لغرض المعنى " أي : لغرض الدلالة على المعنى الواقع في المتبوع " عموما " أي : في جميع الاستعمالات " مثل ( تميميّ ، وذي مال ) " فإن ( التميمي ) يدل دائما على أن لذات ما نسبة إلى قبيلة تميم ، و
$[2/34]
( ذي مال ) يدل على أن ذاتا ما صاحب مال . " أو خصوصا " في بعض الاستعمالات ، بأن يدل في بعض المواضع على حصول معنى لذات ما ، وحينئذ يجوز أن يقع نعتا ، وفي بعضها لا يدل على ذلك وحينئذ لا يصح جعله نعتا . " مثل ( مررت برجل أيّ رجل ) " أي : كامل في الرجوليّة . فأيّ رجل باعتبار دلالته في مثل هذا التركيب على كمال الرجوليّة يصح أن يقع نعتا ، وفي مثل ( أي رجل عندك ؟ ) لا يدل على هذا المعنى فلا يصح أن يقع نعتا .
" و " مثل " ( مررت بهذا الرجل ) " فإن ( هذا ) يدل على ذات مبهمة ، و ( الرجل ) على ذات معينة ، وخصوصية الذات المعينة بمنزلة معنى حاصل في الذات المبهمة . فلهذا صح أن يقع الرجل صفة لـ ( هذا ) .
وفي المواضع الأخر التي لا يدل على هذا المعنى لا يصح أن يقع صفة .
وذهب بعضهم إلى أن ( الرجل ) بدل عن اسم الإشارة ، وبعضهم إلى أنه عطف بيان .
" و " مثل ( مررت " بزيد هذا " ) أي : بزيد المشار إليه .
فـ ( هذا ) في هذا الموضع يدلّ على معنى حاصل في ذات ( زيد ) فوقع صفة له ، وفي المواضع الأخر التي لا يدل على هذا/ 98/أ المعنى لا يصح أن يقع صفة .
$[2/35](1/279)
" وتوصف النكرة " لا المعرفة " بالجملة الخبرية " التي هي في حكم النكرة لأن الدلالة على معنى في متبوعه ، كما توجد في المفرد كذلك توجه في الجملة الخبرية .
وإنما قيد الجملة الخبرية ، لأن الإنشائية لا تقع صفة إلاّ بتأويل بعيد ، كما إذا قلت : ( جاءني رجل اضربه ) أي : مقول في حقه ( اضربه ) أي : مستحق لأن يؤمر بضربه .
" ويلزم " فيها " الضمي " الراجع إلى تلك النكرة للربط ، نحو ( جاءني رجل أبوه قائم ) وإذا لم يكن فيها الضمير الرابط تكون أجنبية بالنسبة إلى الموصوف فلا يصح أن تقع صفة له ، مثل ( جاءني رجل زيد عالم ) .
" ويوصف بحال الموصوف " أي بحال قائمه به نحو : ( مررت برجل حسن ) إذ ( الحسن ) حال الرجل وصفته .
$[2/36]
" وبحال متعلّقه " أي : متعلق الموصوف - يعني : بصفة اعتبارية تحصل له بسبب متعلقه " نحو : مررت برجل حسن غلامه " إذ كون الرجل حسن الغلام معنى فيه وإن كان اعتباريا .
" فالأول " أي : النعت بحال الموصوف " يتبعه " أي : الموصوف في عشرة أمور يوجد منها في كل تركيب أربعة .
" في الإعراب " رفعا ونصبا وجرا " والتعريف والتنكير والإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث " إلا إذا كان صفة يستوي فيها المذكر والمؤنث ، كـ ( فعول ) بمعنى ( فاعل ) ، نحو ( رجل صبور ) و ( امرأة صبور ) أو ( فعيل ) بمعنى ( مفعول ) كـ ( رجل جريح ) و ( امرأة جريح ) أو كان صفة مؤنثة تجري على المذكر كـ ( علاّمة ) .
" والثاني " أي : النعت بحال متعلق الموصوف " يتبعه في الخمسة الأول " وهي : الرفع/98/ب النصب والجر والتعريف والتنكير ، ويوجد منها في كل تركيب اثنان " وفي البواقي " من تلك الأمور العشرة .
وهي أيضاً خمسة : الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث .
" كالفعل " لشبهه به ، يعني : ينظر إلى فاعله ، فإن كان مفردا أو مثنى أو مجموعا أفرد كما يفرد الفعل .(1/280)
وإن كان مذكرا أو مؤنثا حقيقيا بلا فصل طابقه وجوبا ، كما يطابق الفعل فاعله في التذكير والتأنيث .
وإن كان فاعله مؤنثا غير حقيقي أو حقيقيا مفصولا ، يذكر أو يؤنث جوازا ، تقول : ( مررت برجل قاعد غلامه ) مثل ( يقعد غلامه ) و ( برجلين قاعد غلاماهما ) مثل ( يقعد غلاماهما ) و ( برجال قاعد غلمانهم ) مثل ( يقعد غلمانهم ) و ( مررت بامرأة قائم
$[2/37]
أبوها ) مثل : ( يقوم أبوها ) و ( برجل قائمة جاريته ) مثل ( تقوم جاريته ) و ( برجل معمور أو معمورة داره ) مثل ( يعمر أو تعمر داره ) و ( قائم أو قائمة في الدار جاريته ) مثل ( يقوم أو تقوم في الدار جاريته ) .
فإن قلت : إذا نظرت حق النظر وجدت ( الأول ) وهو الوصف بحال الموصوف أيضاً في الخمسة البواقي ، كالفعل لأن فاعله الضمير المستكن فيه الراجع إلى موصوفه . والفعل إذا أسند إلى الضمير يحلقه الألف في التثنية والواو في الجمع المذكر العاقل ، والنون في الجمع المؤنث ، ويؤنث في الواحد المؤنث ، ولذلك قلت مررت برجل ضارب ، وبرجلين ضاربين ، وبرجال ضاربين ، وبامرأة ضاربة ، وبامرأتين ضاربتين ، وبنسوة ضاربات ، كما تقول في الفعل : يضرب ويضربان ويضربون ، وتضرب وتضربان ويضربن فلم/99/أ خصصت الثاني بهذا الحكم ؟ .
قلنا : المقصود الأصلي في هذا المقام بيان نسبة الوصفين إلى الموصوف بالتبعية وعدمها .
ولما كان الوصف الأول يتبعه في الأمور العشرة ، وكان لا يخرجه مشابهته للفعل في الخمسة البواقي عن هذه التبعية لما عرفت ، اكتفى فيه بالحكم عليه بالتبعية بخلاف الوصف الثاني فإنه لما حكم عليه بالتبعية في الخمسة الأول لم يكتف فيه الحكم بعدم التبعية
$[2/38]
فإنه غير مضبوط بل بين ضابطه عدم تبعيته له ، لكونه كالفعل بالنسبة إلى الظاهر بعده ليتبين حاله عند عدم التبعية له .(1/281)
" ومن ثمة " أي : ومن أجل كون الوصف الثاني في الخمسة البواقي كالفعل " حسن ( قام رجل قاعد غلمانه ) " كما حسن ( يقعد غلمانه ) وحسن أيضاً ( قاعدة غلمانه ) لأن الفاعل مؤنث غير حقيقي ، كما حسن ( تعقد غلمانه ) ، " وضعف " ( قام رجل " قاعدون غلمانه " ) لأنه بمنزلة ( يقعدون غلمانه ) .
وإلحاق علامتي المثنى والمجموع في الفعل المسند إلى ظاهرهما ضعيف .
" ويجوز " من غير حسن ولا ضعف " ( قعود غلمانه ) " وإن كان
$[2/39]
( قعود ) جمعا أيضاً كقاعدون ، لأنك إذا كسرت الاسم المشابه للفعل خرج لفظا عن موازنة الفعل ومناسبته لأن الفعل لا يكسر .
فلم يكن ( قعود غلمانه ) مثل ( يقعدون غلمانه ) الذي اجتمع فيه فاعلان في الظاهر ، إلا أن يخرج الواو من الاسمية إلى الحرفية أو يجعل المظهر بدلا من المضمر ، أو يجعل الفعل خبرا مقدما على المبتدأ .
" والمضمر لا يوصف " لأن ضمير المتكلم والمخاطب أعرف المعارف وأوضحها ، فلا حاجة لهما إلى التوضيح ، وحمل عليهما/99/ب ضمير الغائب وعلى الوصف الموضح الوصف المادح والذام وغيرهما طردا للباب .
" ولا يوصف به " لأنه ليس في المضمر معنى الوصفية وهو الدلالة على قيام معنى بالذات ، لأنه يدل على الذات لا على قيام معنى بها .
وكأنه لم يقع في بعض النسخ قوله : ( ولا يوصف به ) ولهذا اعتذر الشارح الرضي ، وقال : ( لم يذكر المصنف أنه لا يوصف بالمضير ، لأنه يتبين ذلك بقوله " والموصوف أخص أو مساو " ) أي : الموصوف المعرفة أشد اختصاصا بالتعريف والمعلومية من الصفة - يعني : أعرف منها - لأنه المقصود الأصلي ، فيجب أن يكون أكمل من الصفة في التعريف أو مساويا لها ، لأنه لو لم يكن أكمل منها ، فلا أقل من أن لا يكون أدون منها .
والمنقول عن سيبويه ، وعليه جمهور النحاة أن أعرفها المضمرات ثم
$[2/40]
الأعلام ثم أسماء الإشارة ثم المعرف باللام والموصولات فبينهما مساواة .(1/282)
" ومن ثمة " أي : ومن أجل أن الموصوف أخص أو مساو " لم يوصف ذو اللام إلا بمثله " أي : ذي اللام الآخر أو الموصول فإنه أيضاً مماثل لذي اللام ، لما عرفت بينهما من مساواة في التعريف ، نحو ( جاءني الرجل الفاضل ، أو الرجل الذي كان عندا أمس ) " أو بالمضاف إلى مثله " أي : مثل المعرف باللام بلا واسطة ، نحو ( جاءني الرجل
$[2/41]
صاحب الفرس ) أو بواسطة نحو ( جاءني الرجل صاحب لجام الفرس ) لأن تعريف المضاف مساو لتعريف المضاف إليه ، أو أنقص منه على الخلاف الواقع بين سيبويه وغيره بخلاف سائر المعارف ، فإنها أخص من ذلك اللام .
فلو وقع الأخص نعتا لغير الأخص فهو محمول على البدل عند صاحب هذا المذهب .
" وإنما التزم وصف باب هذا " أي باب اسم الإشارة " بذي اللام " مثل ( مررت بهذا الرجل ) مع أن القياس يقتضي جواز وصفه بذي اللام والموصول والمضاف إلى أحدهما " بالإبهام " الواقع في هذا الباب بحسب أصل الوضع المقتضي لبيان الجنس .
فإذا أريد رفعه لا يتصور بمثله ، لإبهامه .
ولا يليق بالمضاف المكتسب التعريف من المضاف إليه ، لأنه كالاستعارة من المستعير والسؤال من المحتاج الفقير ، فتعين ذو اللام ، لتعينه في نفسه ، وحمل الموصوف عليه ، لأنه مع صلته ، مثل ذي اللام ، مثل ( مررت بهذا الذي كرم ) أي : الكريم .
" ومن ثمه " أي : ومن أجل أن التزام وصف باب ( هذا ) بذي اللام لرفع
$[2/42]
الإبهام ببيان الجنس " ضعف ( مررت بهذا الأبيض ) " لأنه لا يتبين به جنس المبهم ، لأن الأبيض عام لا يختص بجنس دون جنس .
" وحسن " ( مررت بهذا العالم ) " لأنه يتبين به أن المشار إليه إنسان ، بل رجل .
$[2/43]
" العطف "
يعني المعطوف بالحرف " تابع مقصود " أي قصد نسبته إلى شيء أو نسبة شيء إليه " بالنسبة " الواقعة في الكلام .
فقوله ( بالنسبة ) متعلق بالقصد المفهوم من المقصود .(1/283)
" مع متبوعه " أي : كما يكون هو مقصودا بتلك النسبة يكون متبوعه أيضاً مقصودا بها ، نحو ( جاءني زيد وعمرو ) فـ ( عمرو ) تابع ، لأنه معطوف على ( زيد ) قصد نسبة المجيء إليه بنسبة المجيء الواقعة في الكلام .
وكما أن نسبة المجيء إليه مقصودة كذلك نسبته إلى ( زيد ) الذي هو متبوعه أيضاً مقصودة .
فقوله : ( مقصود ( بالنسبة ) احتراز عن غير البدل من التوابع ، لأنها غير مقصودة ، بل المقصود متبوعاتها .
وقوله : ( مع متبوعه ) احتراز عن البدل ، لأنه المقصود دون متبوعه .
قيل : يخرج بقوله ( مع متبوعه ) المعطوف بـ ( لا وبل ولكن وأم وأما وأو ) ، لأن المقصود بالنسبة معها أحد الأمرين من التابع والمتبوع لا كلاهما .
وأجيب : بأن المراد بكون المتبوع مقصودا بالنسبة : أن لا يذكر لتوطئة ذكر التابع ، وبكون التابع مقصودا بالنسبة أن لا يكون كالفرع على المتبوع من غير استقلال به ، ولا شك أن المعطوف والمعطوف عليه بتلك الحروف الستة مقصودان بالنسبة معا بهذا المعنى .
$[2/44]
ولما تمّ الجدّ بما ذكره جمعا ومنعا أردفه لزيادة التوضيح بقوله : " يتوسط بينه " أي : بين ذلك التابع " وبين متبوعه أحد الحروف العشرة " وسيأتي تفصيلها في قسم الحروف إن شاء الله تعالى .
" مثل : قام زيد وعمرو " ولم يكتف بقوله : ( تابع يتوسط بينه وبين متبوعه أحد الحروف العشرة ، لأن الحروف قد تتوسط بين الصفاة مثل ( جاءني زيد العالم والشاعر ) .
فالصفة الداخل عليها حرف العطف كالشاعر لها جبهتان ، إحداهما : كونها صفة لزيد تابعة له تبعية المعطوف عليه .(1/284)
وأخراهما : كونها معطوفة على الصفة المتقدمة تابعة لها ويصدق على هذه الصفة من جهتها الأولى أنها تابع ، لأنها صفة لزيد يتوسط بينها وبين ( زيد ) حرف العطف ، لأن توسط حرف العطف بين شيئين لا يلزم أن يكون لعطف الثاني على الأول ، فلو لم يكن قوله : ( مقصود بالنسبة مع متبوعه ) لدخل هذه الصفات - من جهتها الأولى - في حد المعطوف وهي من هذه الجهة ليست معطوفة فلم يبق مانعا .
وقيل : قد جوّز الزمخشري وقوع الواو بين الموصوف والصفة لتأكيد اللصوق في
$[2/45]
مواضع عديدة من ( الكشاف ) .
وحكم المصنف في شرح المفصل في مباحث الاستثناء أن قوله تعالى { لها منذرون } في قوله : { وما أهلكنا من قرية إلاّ لها منذرون } صفة لـ ( قرية ) فلو اكتفى بقوله ( تابع يتوسط ) ، لدخل فيه مثل هذه الصفة .
ونقل عن المصنف أنه قال في ( أمالي الكافية ) : ( أن العاقل في مثل
$[2/46]
( جاءني زيد العالم والعاقل ) تابع يتوسط بينه وبين متبوعه أحد الحروف العشرة ، وليست بعطف على التحقيق ، وإنما هو باق على ما كان عليه في الوصفية .
وإنما حسن دخول العاطف لنوع من الشبه بالمعطوف لما بينهما من التغاير فلو حد العطف كذلك لدخل فيه بعض الصفات مع أنه ليست بمعطوف .
وقال بعضهم : فيه نظر ، لأن الحروف المتوسطة بينها عاطفة ، لدلالتها فيها على ما يدل عليه في غيرها من الجمع والترتيب ، وغير ذلك .
ففي جعلها غير عاطفة في الصفات عاطفة في غيرها ، ارتكاب أمر بعيد من غير ضرورة داعية إليه .
" وإذا عطف على الضمير المرفوع " لا المنصوب والمجرور " المتصل " بارزا كان أو مستترا لا المنفصل .
" أكد بمنفصل " أولا ثم عطف عليه ، وذلك لأن المتصل المرفوع كالجزء مما اتصل به لفظا ، من حيث إنه متصل لا يجوز انفصاله ، ومعنى من حيث إنه فاعل ، والفاعل كالجزء من الفعل .(1/285)
فلو عطف عليه بلا تأكيد كان كما لو عطف على بعض حروف الكلمة فأكد أولا بمنفصل ، لأنه بذلك يظهر أن ذلك المتصل وإن كان كالجزء مما اتصل به لكنه منفصل من حيث الحقيقة ، بدليل جواز إفراده مما اتصل به بتأكيده فيحصل له نوع استقلال .
ولا يجوز أن يكون العطف على هذا التأكيد ، لأن المعطوف في حكم المعطوف عليه ،
$[2/47]
فكان يلزم أن يكون هذا المعطوف أيضاً تأكيدا ، وهو باطل .
فإن كان الضمير منفصلا ، نحو ( ما ضرب إلاّ أنت وزيد ) لم يكن كالجزء لفظا ، وكذا إن كان متصلا منصوبا ، نحو ( ضربتك وزيدا ) لم يكن كالجزء معنى ، فلا حاجة فيهما إلى التأكيد بمنفصل " مثل ( ضربت أنا وزيد ) ( وزيد ضرب هو وغلامه ) .
" إلا أن يعق فصل " بين المضمر المرفوع المتصل وبين ما عطف عليه ، " فيجوز تركه " أي : ترك التأكيد ، لأنه قد طال الكلام بوجود الفصل ، فحسن الاختصار بترك التأكيد سواء كان الفصل قبل حرف العطف " نحو ( ضربت اليوم وزيد ) " أو بعده كقوله تعالى : { ما أشركنا ولا آباؤنا } .
فإن المعطوف هو ( آباؤنا ) و ( لا ) زائدة بعد حرف العطف لتأكيد النفي .
وإنما قال ( يجوز تركه ) فإنه يؤكد بالمنفصل مع الفصل كقوله تعالى : { فكبكبوا فيها هم والغاوون } وقد لا يؤكد والأمران متساويان .
هذا واعلم أن مذهب البصريين أن التأكيد بالمنفصل هو الأولى ، ويجوزون العطف بلا تأكيد ولا فصل لكن على قبح .
والكوفيون يجوزونه بلا قبح .
" وإذا عطف على الضمير المجرور أعيد الخافض " حرفا كان أو اسما ، لأن اتصال الضمير المجرور بجاره أشد من اتصال الفاعل المتصل بفعله ، لأن الفاعل إن لم يكن ضميرا متصلا جاز انفصاله ، والمجرور لا ينفصل من جاره ، فكره العطف عليه ، إذ يكون كالعطف على بعض حروف الكلمة .
وليس للمجرور ضمير منفصل - كما يجيء في المضمرات - حتى يؤكد به أولا ثم يعطف
$[2/48]
عليه كما عمل في المرفوع المتصل ، وفي استعارة المرفوع له مذلة .(1/286)
ولا يكتفي بالفصل ، لأن الفصل لا تأثير له إلا في جواز ترك التأكيد بالمنفصل للاختصار ، فحيث لا يمكن التأكيد بالمنفصل لعدمه لا يتصور له أثر ، فكيف يكتفي به ؟
فلم يبق إلا إعادة العامل الأول " نحو : ( مررت بك وبزيد ) " و ( المال بيني وبين زيد ) والمعطوف هو المجرور ، والعامل مكرر ، وجرّه بالأول ، والثاني كالعدم معنى ، بدليل قولهم : ( بيني وبينك ) إذ ( بين ) لا يضاف إلا إلى المتعدد .
وقيل : جرّه بالثاني ، كما في الحرف الزائد في ( كفى بالله ) .
وهذا الذي ذكرناه - أعني لزوم إعادة الجار في حال السعة ، والاختيار مذهب البصريين ، ويجوز عندهم تركها اضطرارا .
وأجاز الكوفيون ترك الإعادة في حال السعة متسدلين بالأشعار فإن قيل : كيف جاز تأكيد المرفوع المتصل في نحو : ( جاءوني كلّهم ) والإبدال منه
$[2/49]
نحو ( أعجبتني جمالك ) من غير شرط تقدم التأكيد بالمنفصل ؟
وجاز أيضاً تأكيد الضمير المجرور في نحو ( مررت بك نفسك ) والإبدال منه نحو : ( أعجبت بك جمالك ) من غير إعادة الجار .
ولم يجز العطف في الأول إلا بعد التأكيد بالمنفصل ، وفي الثاني إلا مع إعادة الجار .
قلنا : التأكيد عين المؤكد ، والبدل في الأغلب إما كلّ المتبوع أو بعضه أو متعلقه ، والغلط قليل نادر .
فهما ليسا بأجنبيين لمتبوعهما ولا منفصلين عنه ، لعدم تخلل فاصل بينهما وبين متبوعهما ، فلا حاجة في ربطهما إلى متبوعهما إلى تحصيل مناسبة زائدة ، بخلاف العطف فإن المعطوف بينهما بتأكيد المتصل بالمنفصل في المرفوع ، وبإعادة الجار في المجرور ، ليخرج المتصل المرفوع عن صراحة الاتصال ويناسب المعطوف عليه بتأكيده بالمنفصل ، ويقوي مناسبة المجرور بانضمام الجار إليه كما في المعطوف عليه .
" والمعطوف في حكم المعطوف عليه " فيما يجوز له ويمتنع من الأحوال العارضة له نظرا إلى ما قبله ، بشرط أن لا يكون ما يقتضيها منتفيا في المعطوف .
$[2/50](1/287)
وإنما قلنا : ( في الأحوال العارضة له نظرا إلى ما قبله ) احترازا عن الأحوال العارضة له من حيث نفسه ، كالإعراب والبناء والتعريف والتنكير والإفراد والتثنية والجمع .
فإن المعطوف فيها ليس في حكم المعطوف عليه وإنما قلنا : ( بشرط أن لا يكون ما يقتضيها منتفيا في المعطوف ) احترازا عن مثل قولنا : ( يا رجل والحارث ) ، فإن ( الحارث ) معطوف على ( رجل ) وليس في حكمه من حيث تجرده عن اللام .
فإن ما يقتضي تجرده عن اللام هو اجتماع اللام وحرف النداء ، وهو مفقود في المعطوف .
وأما نحو ( ربّ شاة سخلتها ) فبتقدير التنكير ، لقصد عدم التعيين أي : رب شاة وسخلة لها ، أو محمول على نكارة الضمير ، كـ ( ربة رجلا ) على الشذوذ ، أي : ربّ شاة وسخلة شاة .
وكذا المعطوف في حكم المعطوف عليه في الأحوال العارضة له بالنظر إلى نفسه وغيره إن كان المعطوف مثل المعطوف عليه ، فلذا وجب بناء المعطوف في : ( يا زيد وعمرو ) لأن ضم ( زيد ) بالنظر إلى حرف النداء وإلى كونه مفردا معرفة في نفسه ، و ( عمرو ) مثل ( زيد ) في كونه مفردا معرفة في نفسه .
وامتنع بناؤه في ( يا زيد وعبدالله ) فإن ( عبدالله ) ليس مثل ( زيد ) فإن ( زيدا ) مفرد معرفة ، و ( عبدالله ) مضاف .
$[2/51]
" ومن ثمة " أي : ومن أجل أن المعطوف في حكم المعطوف عليه فيما يجوز ويمتنع " لم يجز في " مثل ، تركيب " ( ما زيد بقائم أو قائما ولا ذاهب عمرو ) إلاّ الرفع " في ( ذاهب ) إذ لو نصب أو خفض لكان معطوفا على ( قائم ) أو ( قائما ) . فيكون خبرا عن ( زيد ) وهو ممتنع لخلّوه عن الضمير الواقع في المعطوف عليه العائد إلى اسم ( ما ) فتعين الرفع ، على أن يكون خبرا مقدما لمبتدأ مؤخر وهو ( عمرو ) ويكون من قبيل عطف الجملة على الجملة ، ولا مانع منه .(1/288)
ولما كان لقائل أن يقول : هذه القاعدة منتقضة بقولهم : " الذي يطير فيغضب زيد الذباب " فإن ( يطير ) فيه ضمير يعود إلى الموصول ، ( يغضب ) المعطوف عليه ليس فيه ذلك الضمير ، فأجاب عنه بقوله : " وإنما جاز ( الذي يطير فيغضب زيد الذباب ) لأنها " أي : الفاء في هذا التركيب " فاء السببية " أي : فاء لها نسبة إلى السببية ، بأن يكون معناها السببية لا العطف ، فلا يرد نقضا على تلك القاعدة أو يكون معناها السببية مع العطف لكنها تجعل الجملتين كجملة واحدة فيكتفي بالربط في الأولى .
والمعنى : الذي إذا يطير فيغضب زيد الذباب ، أو يفهم منها سببية الأولى للثانية .
فالمعنى : الذي يطير فيغضب زيد بسببه الذباب .
ويمكن أن يقدر فيه ضمير ، أي : الذي يطير فيغضب ( زيد بطيرانه الذباب ) .
" وإذا عطف " أي : إذا وقع العطف بناء " على " وجود " عاملين " بأن عطف
$[2/52]
اسمان على معموليهما بعاطف واحد .
وقال بعض شارحي اللباب : الأظهر عندي أن العطف هاهنا محمول على معناه اللغوي ، أي : إمالة الاسمين نحو العاملين ، بأن يجعلا معموليهما ، وأكثر الشارحين على أن المعنى على معمولي عاملين .
وإنما قال : ( على معمولي عاملين ) لا على معمولي عامل واحد ، فإنه جائز اتفاقا نحو : ضرب زيد عمرا وبكر خالدا ، ولا على أكثر من اثنين فإنه لا خلاف في امتناعه .
" مختلفين " أي : غير متحدين ، بأن لا يكون الثاني عين الأول ، وذلك لدفع توهم من يتوهم أن مثل ( ضرب ضرب زيد عمرا وبكرا وخالدا ) من هذا الباب مع أنه ليس منه ، لعدم تعدد العامل فيه ، إذ العامل هو الأول والثاني تأكيد له .
وذلك العطف كما وقع في قولهم ( ما كلّ سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة ) .
$[2/53]
وفي قول الشاعر :
أكلّ امرئ تحسبين امرأ ... ... ونار توقّد باللّيل نارا(1/289)
فهذا وإن كان بحسب الظاهر جائزا لكنه " لم يجز " عند الجمهور بحسب الحقيقة ، لأن الحرف الواحد لم يقو أن يقوم مقام عاملين مختلفين " خلافا للفراء " فإنه يجوز هذا العطف بحسب الحقيقة كما جاز بحسب الصورة ولا يؤول الأمثلة الواردة عليها ، ولا يقتصر على صورة السماع ، بل يعمها وغيرها .
وعدم جواز ذلك العطف مع خلاف الفراء جاز في جميع المواد عند الجمهور
$[2/54]
" إلا في نحو ( في الدار زيد والحجرة عمرو ) " ، و ( إنّ في الدار زيدا والحجرة عمرا ) يعني : إلا في صورة تقديم المجرور وتأخير المرفوع أو المنصوب ، لمجيئه في كلامهم واقتصر الجواز على صورة السماع ، لأن ما خالف القياس يقتصر على مورد السماع " خلافا لسيبويه " فإنه لا يجوز هذا العطف بحسب الحقيقة في هذه الصورة أيضاً ، بل يحملها على حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على إعرابه نحو قوله تعالى : { تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة } بجرّ ( الآخرة ) كما جاء في بعض القراءات . أي : عرض الآخرة .
$[2/55]
" التأكيد "
" تابع يقرر أمر المتبوع " أي : حاله وشأنه عند السامع ، يعني : يجعل حاله ثابتا مقررا عنده .
" في النسبة " أي : في كونه منسوبا أو منسوبا إليه ، فيثبت عنده ويتحقق أن المنسوب أو المنسوب إليه في هذه النسبة هو المتبوع لا غير ، وذلك إما لدف ضرر الغفلة عن السامع ، أو لدفع ظنه بالمتكلم الغلط ، وذلك الدفع يكون بتكرير اللفظ ، نحو ( ضرب زيد زيد ) و ( ضرب ضرب زيد ) أو لدفع ظن السامع تجوزا ، إمّا في المنسوب نحو : قولك : ( زيد قتيل تقيل ) دفعا لتوهم السامع أن تريد بالقتل الضرب الشديد ، فجعل حينئذ أيضاً تكرير اللفظ حتى لا يبقى شك في إرادة المعنى الحقيقي .(1/290)
أو في المنسوب إليه فإنه ربما نسب الفعل إلى شيء والمراد نسبته إلى بعض متعلقاته ، كما في ( قطع الأمير اللصّ ) أي : قطع غلامه فيجب حينئذ تكرير المنسوب إليه لفظا نحو ( ضرب زيد زيد ) أي : ضرب هو لا من يقوم مقامه ، أو تكريره معنى ، نحو ( ضرب زيد نفسه أو عينه ) .
" أو في الشمول " أي : التأكيد ما يقرر أمر المتبوع في النسبة بالتفصيل الذي ذكرناه ، أو في شمول المتبوع أفراده دفعا لظن السامع تجوزا لا في نفس المنسوب إليه بل في شموله لأفراده ، فإنه كثيراً ما ينسب الفعل إلى جميع أفراد المنسوب إليه مع أنه يريد النسبة إلى بعضها ، فيدفع هذا الوهم بذكر ( كل وأجمع ) وأخواته ، وكلاهما وثلاثتهم وأربعتهم
$[2/56]
ونحوها وهذا هو الغرض من جميع ألفاظ التأكيد .
وإذا عرفت هذا ، فنقول : أخرج المصنف الصفة والعطف والبدل على حدّ التأكيد بقوله ( يقرر أمر المتبوع ) .
أما البدل والعطف فظاهر خروجهما به ، وأما الصفة فلأن وضعها للدلالة على معنى ي متبوعها وإفادتها توضيح متبوعها في بعض المواضع ، ليست بالوضع وأما عطف البيان فهو لتوضيح متبوعه فهو يقرر أمر المتبوع ويحققه ، لكن لا في النسبة والشمول . هذا حاصل ما ذكره المصنف في شرحه .
" وهو " أي : التأكيد " لفظيّ " أي : منسوب إلى اللفظ لحصوله من تكرير اللفظ " ومعنويّ " أي : منسوب إلى المعنى لحصوله من ملاحظة المعنى .
" فاللفظي " منه " تكرير اللفظ الأول " أي : متكرر اللفظ الأول ومعاده حقيقة ، " نحو ( جاءني زيد زيد ) " أو حكما ، نحو ( ضرب أنت وضربت أنا ) فإنّ ذلك في حكم تكرير اللفظ وإن كان مخالفا للأول لفظا ، إذ الضرورة داعية إلى المخالفة ، لأنه لا يجوز تكريره متصلا .(1/291)
" ويجري " أي : التكرير مطلقا ، لا التكرير الذي هو التأكيد الاصطلاحي " في الألفاظ كلها " أسماء أو أفعالا أو حروفا أو جملا أو مركبات تقييدية أو غير ذلك ، ولا يبعد إرجاع الضمير إلى التأكيد اللفظي الاصطلاحي وتخصيص الألفاظ بالأسماء ، ويكون المقصود من هذا التعميم عدم اختصاصه بألفاظ محصورة كالتأكيد المعنوي .
$[2/57]
" و " التأكيد " المعنوي " مختص " بألفاظ محصورة " أي : معدودة محدودة " وهي : نفسه وعينه ، وكلاهما وكله ، وأجمع وأكتع وأبتع وأبصع " بالصاد المهملة ، وقيل بالضاد المعجمة .
قيل : لا معنى لهذه الكلمات الثلاث في حال الإفراد ، مثل ( حسن بسن ) وقيل : ( أكتع ) مشتق من : حول كتيع ، أي : تام .
و ( أبصع ) بالمهملة من : بصع العرق ، أي : سال .
وبالمعجمة من ( بضع ) أي : روي .
و ( أبتع ) من : البتع ، وهو طول العنق من شدّة مغرزه .
ويمكن استنباط مناسبات خفيّة بين هذه المعاني ، ومعناها التأكيدي بالتأمل الصادق .
" فالأولان " أي : النفس والعين " يعمّان " أي : يقعان على الواحد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث " باختلاف صيغتهما " إفرادا وتثنية وجمعا " و " اختلاف ضميرهما العائد
$[2/58]
إلى المتبوع المؤكد ، " تقول : نفسه " في المذكر الواحد " نفسها " في المؤنث الواحدة " أنفسهما " بإيراد صيغة الجمع في تثنية المذكر والمؤنث .
وعن بعض العرب ( نفساهما وعيناهما ) .
" أنفسهم " في جمع المذكر العاقل .
" أنفسهن " في جمع المؤنث وغير العاقل من المذكر .
" والثاني " لما سمّى النفس والعين أولين تغليبا كالقمرين ، سمى الثالث ثانيا .
" للمثنى : كلاهما " للمذكر " وكلتاهما " للمؤنث " والباقي " بعد الثلاثة المذكورة " لغير المثنى " مفردا كان أو جمعا .
" باختلاف الضمير " العائد إلى المتبوع المؤكد " في ( كله ) نحو ( قرأت الكتاب كلّه ) " وكلها " نحو ( قرأت الصحيفة كلّها ) .(1/292)
" وكلّهم " نحو : ( اشتريت العبيد كلّهم ) .
" وكلّهنّ " نحو : ( طلقت النساء كلّهنّ ) .
" و " باختلاف " الصيغ " في الكلمات " البواقي " وهي : أجمع وأكتع وأبتع وأبصع ، بالمهملة أو المعجمة .
" تقول أجمع " في المذكر الواحد " وجمعاء " في المؤنث الواحدة ، أو الجمع بتأويل الجماعة .
" وأجمعون " في جمع المذكر ، " وجمع " في جمع المؤنث ، وكذا أكتع كتعاء أكتعون كتع وأبتع بتعاء ، أبتعون ، بتع ، وأبصع بصعاء أبصعون ، بصع .
$[2/59]
" ولا يؤكد بـ ( كلّ وأجمع ) إلاّ ذو أجزاء " مفردا كان أو جمعا ، إذ الكلية والاجتماع لا يتحققان إلا فيه ولا حاجة إلى ذكر الأفراد ، لأن الكلّي ما لم تلاحظ أفراده مجتمعة ولم تصر أجزاء لا يصحّ تأكيده بكلّ وأجمع .
ويجب أن تكون تلك الأجزاء بحيث " يصح افتراقها حسا " كأجزاء القوم أو " حكما " كأجزاء العبد ليكون في التأكيد بكل وأجمع فائدة " مثل ( أكرمت القوم كلهم ) و ( اشتريت العبد كلّه " فإن العبد قد يتجزأ في الاشتراء ، فيصح تأكيده بـ ( كل ) ليفيد الشمول " بخلاف ( جاءني زيد كله ) " لعدم صحة افتراق أجزائه لا حسا ولا حكما في حكم المجيء .
" وإذا أكّد الضمير المرفوع المتصل " بارزا أو مستكنا " بالنفس والعين " أي : إذا أريد تأكيده بهما " أكد " ذلك الضمير أولا " بمنفصل " ثم بالنفس والعين " مثل ( ضربت أنت نفسك " فنفسك تأكيد للضمير بعد تأكيده بمنفصل هو ( أنت ) إذ لولا ذلك لالتبس التأكيد بالفاعل ، إذا وقع تأكيدا للمستكن ، نحو ( زيد أكرمني هو نفسه ) فلو لم يؤكد الضمير المستكن في ( أكرمني ) بقوله ( هو ) ويقال : ( زيد أكرمني نفسه ) لالتبس ( نفسه ) الذي هو التأكيد بالفاعل ، ولمّا وقع الالتباس في هذه الصورة أجرى بقية الباب عليه .(1/293)
وإما قيد الضمير بالمرفوع ، لجواز تأكيد الضمير المنصوب والمجرور بالنفس والعين بلا تأكيدهما بالمنفصل ، نحو ( ضربتك نفسك ) ( ومررت بك نفسك ) ، لعدم اللبس ، وبالمتصل لجواز تأكيد المرفوع المنفصل بالنفس والعين بلا تأكيده بالمنفصل نحو ( أنت نفسك قائم ) لعدم اللبس ، وإنما قيد بالنفس والعين ، لجواز تأكيد المرفوع المتصل
$[2/60]
بـ ( كلّ ) و ( أجمعين ) بلا تأكيد ، نحو ( القوم جاءوني كلّهم وأجمعون ) لعدم التباس التأكيد بالفاعل ، لأن ( كلا وأجمعين ) يليان العوامل قليلا ، بخلاف ( النفس والعين ) فإنهما يليانها كثيراً .
" وأكتع وأخواه " يعني : أبتع وأبصع " أتباع " بفتح الهمزة على ما هو المشهور " لأجمع " يعني : تستعمل هذه الكلمات الثلاث بالتبعية ، لا بالأصالة لكونه أدل منها على المقصود ، وهو الجمعية .
" فلا يتقدم " يعني : أكتع وأخواه " عليه " أي : على ( أجمع ) لو اجتمعت معه .
" وذكرها " أي : ذكر اكتع مع أخويه " دونه " أي : دون ذكر ( أجمع ) " ضعيف " لعدم ظهور دلالتها على معنى الجمعية .
وللزوم ذكر ما من شأنه التبعية بدون الأصل .
$[2/61]
" البدل "
" تابع مقصود بما نسب إلى المتبوع " أي : يقصد النسبة إليه بنسبة ما نسب إلى المتبوع . " دونه " أي دون المتبوع ، أي : لا تكون النسبة إلى المتبوع مقصودة ابتداء بنسبة ما نسب إليه ، بل تكون النسبة إليه توطئة وتمهيدا للنسبة إلى التابع سواء كان ما نسب إليه مسندا إليه أو غيره ، مثل ( جاءني زيدا أخوك ) و ( ضربت زيدا أخاك ) و ( مررت بزيد أخيك ) .
واحترز بقوله : ( مقصود ) بما نسب إلى المتبوع عن النعت والتأكيد وعطف البيان ، لأنها لست مقصودة بما نسب إليه بل المتبوع مقصود به .
وبقول ( دونه ) احترز عن العطف بحرف ، فإن المتبوع فيه مقصود بما نسب إليه مع التابع .(1/294)
ولا يصدق الحدّ على المعطوف بـ ( بل ) لأن متبوعه مقصود ابتداء ، ثم بدا له ، فأعرض عنه وقد المعطوف ، وكلاهما مقصودان بهذا المعنى .
فإن قيل : هذا الحد لا يتناول البدل الذي بعد ( إلاّ ) مثل ( ما قام أحد إلا زيد ) فإن زيدا بدل من أحد ، وليس نسبة ما نسب إليه من عدم القيام مقصودة بالنسبة إلى
$[2/62]
( زيد ) بل النسبة المقصودة بنسبة ما نسب إلى ( أحد ) نسبة ( القيام ) إلى ( زيد ) .
قلنا : ما نسب إلى المتبوع هاهنا القيام ، فإنه نسب إليه نفيا ونسبة القيام بعينه إلى التابع مقصودة ، ولكن إثباتا ، فيصدق على زيد أنه تابع مقصود نسبته بنسبة ما نسب إلى المتبوع ، فإن النسبة المأخوذة في الحد أعم من أن يكون بطريق الإثبات أو النفي .
ويمكن أن يقصد بنسبته إلى شيء نفيا ، نسبته إلى شيء آخر إثباتا ، ويكون الأول توطئة للثاني .
" وهو " أي البدل أربعة أنواع :
" بدل الكل " أي : بدل هو كل المبدل منه .
" و " بدل " البعض " أي : بدل هو بعض المبدل منه ، فالإضافة فيهما مثلها في ( خاتم فضة ) .
" و " بدل " الاشتمال " أي : بدل مسبب غالبا عن اشتمال أحد المبدلين على الآخر ، أما اشتمال البدل على المبدل منه ، نحو : ( سلب زيد ثوبه ) أو بالعكس ، نحو : ( يسألونك عن الشّهر الحرام قتال فيه ) .
" و " بدل " الغلط " أي : بدل مسبب عن الغلط .
فالإضافة في الأخيرين من قبيل إضافة المسبّب إلى السّبب لأدنى ملابسة " فالأول " أي : بدل
$[2/63]
الكل " مدلوله مدلول الأول " يعني : متحدان ذاتا ، لا أن يتحد مفهوما هما ليكونا مترادفين ، نحو ( جاءني زيد أخوك ) .
فـ ( زيد ) و ( أخوك ) وإن اختلفا مفهوما ، فهما متحدان ذاتا .
قال الشارح الرضي : ( وأنا إلى الآن لم يظهر لي فرق جلي بين بدل الكل من الكل وبين عطف البيان ، بل لا أرى عطف البيان إلاّ بدل الكلّ .(1/295)
وما قالوا : من أن الفرق بينهما أن البدل هو المقصود بالنسبة دون متبوعه بخلاف عطف البيان فإن بيان والبيان فرع المبين ، فيكون المقصود هو الأول .
فالجواب : أنا لا نسلم أن المقصود في بدل الكل هو الثاني فقط ، ولا في سائر الأبدال ، إلا الغلط .
وقال بعض المحققين في جوابه : ( الظاهر أنهم لم يريدوا أنه ليس مقصودا بالنسبة أصلا بل أرادوا أنه ليس مقصودا أصليا .
والحاصل أن مثل قولك : ( جاءني زيد أخوك ) أن قصدت فيه الإسناد إلى الأول ، وجئت بالثاني تتمة له وتوضيحا ، فالثاني عطف بيان ، وإن قصدت فيه الإسناد إلى الثاني ، وجئت بالأول توطئة له مبالغة في الإسناد فالثاني بدل ، وحينئذ يكون التوضيح الحاصل به مقصودا تبعا ، والمقصود أصالة هو الإسناد إليه بعد التوطئة ، فالفرق ظاهر .
$[2/64]
" والثاني " أي بدل البعض " جزؤه " أي : جزء المبدل منه نحو : ( ضرب زيدا رأسه ) .
والثالث أي : بدل الاشتمال " بينه وبين الأول " أي : المبدل منه " ملابسة " بحيث توجب النسبة إلى المتبوع النسبة إلى الملابس إجمالا ، نحو ( أعجبني زيد علمه ) حيث يعلم ابتداء أنه يكون ( زيد ) معجبا ، باعتبار صفاته لا باعتبار ذاته ، وتتضمن نسبة الإعجاب إلى ( زيد ) نسبة إلى صفة من صفاته إجمالا ، وكذا في ( سلب زيد ثوبه ) بخلاف ( ضرب زيدا حماره ) و ( ضربت زيدا غلامه ) لأن نسبة الضرب إلى زيد تامة ، ولا يلزم في صحتها اعتبار غير ( زيد ) فيكون من باب بدل الغلط .
" بغيرهما " أي : تكون تلك الملابسة بغير كون المبدل كل المبدل منه أو جزءه ، فيدخل فيه ما إذا كان المبدل منه جزءا من البدل ، ويكون إبداله منه بناء على هذه الملابسة ، نحو ( نظرت إلى القمر فلكه ) والمناقشة بأن القمر ليس جزءا من فلكه ، بل هو مركوز فيه ، مناقشة في المثال .
ويمكن أن يورد لمثاله مثل ( رأيت درجة الأسد برجه ) فإنه لا مجال لهذه المناقشة فيه .
فإن البرد عبارة عن مجموع الدرجات .(1/296)
وإنما لم يجعل هذا البدل قسما خامسا ولم يسم ببدل الكل عن البعض ، لقلته وندرته ، بل قيل ، لعدم وقوعه في كلام العرب ، فإن هذه الأمثلة مصنوعة .
$[2/65]
" والرابع " أي : بدل الغلط " أن تقصد " أي : يكون بأن تقصد أنت " إليه " أي : إلى البدل من غير اعتبار ملابسة بينهما " بعد أن غلطت بغيره " أي : بغير البدل وهو المبدل منه .
" ويكونان " أي : البدل والمبدل منه " معرفتين " نحو ( ضرب زيد أخوك ) " ونكرتين " نحو ( جاءني رجل غلام لك ) " ومختلفين " نحو : ( بالنّاصية ناصية كاذبة ) ، و ( جاء رجل غلام زيد ) .
" وإذا كان البدل نكرة " مبدلة " من معرفة فالنعت " أي : نعت البدل النكرة ، لئلا يكون المقصود أنقص من غير المقصود من كل وجه فأتوا فيه بصفة لتكون كالجابر لما فيه من نقص النكارة ، " مثل : ( بالناصية ناصية كاذبة ) ويكونان ظاهرين "
$[2/66]
نحو : ( جاءني زيد أخوك ) .
" ومضمرين " نحو ( الزيدون لقيتهم إياهم ) .
" ومختلفين " نحو ( أخوك ضربته زيدا ) و ( أخوك ضربت زيدا إيّاه ) .
" ولا يبدل ظاهر من مضمر بدل الكل إلا من الغائب ، مثل ( ضربته زيدا ) " لأن المضمر المتكلم والمخاطب أقوى وأخص دلالة من الظاهر ، فلو أبدل الظاهر منهما بدل الكل يلزم أن يكون المقصود أنقص من غير المقصود ، مع كون مدلوليهما واحدا بخلاف بدل البعض والاشتمال والغلط .
فإن المانع فيها مفقود إذ ليس مدلول الثاني فيها مدلول الأول ، فيقال ( اشتريتك نصفك ) و ( اشتريتني نصفي ) و ( أعجبتني علمك ) و ( أعجبتك علمي ) و ( ضربتك الحمار ) و ( ضربتني الحمار ) .
$[2/67]
" ( عطف البيان ) "
" تابع " شامل لجميع التوابع " غير صفة " احترز به عن الصفة " يوضح متبوعه " احترز به عن البدل والعطف بالحروف والتأكيد .(1/297)
ولا يلزم من ذلك أن يكون عطف البيان أوضح من متبوعه بل ينبغي أن يحصل من اجتماعهما إيضاح لم يحصل من أحدهما على الانفراد . فيصح أن يكون الأول أوضح من الثاني مثل :
* أقسم باللّه أبو حفص عمر *
فأبو حفص كنية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وعمر عطف بيان له وقصته : أنه أتى أعرابي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال : إنّ أهلي بعيد وإنّي على ناقة دبراء ، عجفاء ، نقباء واستحمله فظنه كاذبا ، فلم يحمله ،
$[2/68]
فانطلق الأعرابي ، فحل بعيره ثم استقبل البطحاء ، وجعل يقول وهو يمشي خلف بعيره :
أقسم بالله أبو حفص عمر ... ... ما مسّها من نقب ولا دبر
اغفر له اللهمّ إن كان فجر
وعمر مقبل من أعلى الوادي ، فجعل إذا قال : اغفر اللهم إن كان فجر قال : اللهم صدق حتى التقيا ، فأخذ بيده ، فقال : ضع عن راحلتك فوضع فإذا هي نقبة عجفاء ، فحمله على بعيره وزوده وكساه .
" وفصله " أي : فرقه " من البدل لفظا " أي : من حيث الأحكام اللفظية واقع " في مثل " :
* أنا ابن التارك البكريّ بشر *
فإن قولك ( بشر ) إن جعل عطف بيان - ( البكريّ ) جاز ، وإن جعل بدلا منه لم يجز ، لأن البدل في حكم التكرير العامل ، فيكون التقدير : ( أنا ابن التارك
$[2/69]
بشر ) وهو غير جائز كما ذكر فيما سبق في ( الضارب زيد ) وآخره :
* عليه الطير ترقبه وقوعا *
و ( عليه الطير ) ثاني مفعولي ( التارك ) إن جعلناه بمعنى ( المصير ) وإلا فهو حال ، وقوله ( ترقبه ) حال من ( الطير ) إن كان فاعلا لـ ( عليه ) وإن كان مبتدأ فهو حال من الضمير المستكن في ( عليه ) .
و ( وقوعا ) : جمع واقع ، حال من الفاعل ( ترقبه ) أي : واقع حوله ، ترقبه لازهاق روحه ، لأن الإنسان ما دام به رمق ، فإن الطير لا يقربه .
وأما الفرق المعنوي بينهما فقد تبين فيما سبق .
والمراد بمثل ( أنا ابن التارك البكريّ بشر ) :(1/298)
كل ما كان عطف بيان للمعرف باللام الذي أضيف إليه الصفة المعرفة باللام نحو ( الضارب الرجل زيد ) ويمكن أن يراد به ما هو أعم من هذا الباب ، أي : كل ما خالف حكمه إذا كان عطف بيان حكمه إذا كان بدلا ، فيتناول صورة النداء أيضاً ، فإنك تقول : ( يا غلام زيد وزيدا ) بالتنوين ، مرفوعا حملا على اللفظ ، ومنصوبا حملا على المحل ، إذا جعلته عطف بيان ، و ( يا غلام زيد ) بالضم إذا جعلته بدلا .
$[2/70]
والمعنى الأول أظهر ، والثاني أفيد .
***
$[2/71]
" ( المبني ) "
أي : الاسم المبني ( وهذا الحد لا يصح إلا لمن يعرف ماهيّة المبني على الإطلاق ولا يعرف الاسم المبني ، إذ لو لم يعرفها لكان تعريفا للمبني بالمبني ، لأنه ذكر في حدّ المبني لفظ المبني ) .
" ما ناسب " أي : اسم ناسب " مبني الأصل " وهو الحرف والفعل الماضي والأمر بغير اللام .
والمراد بالمشابهة المنفية في تعريف المعرب هو هذه المناسبة .
ولقد فصل صاحب المفصل هذه المناسبة ، بأنه إمّا بتضمن الاسم معنى مبني الأصل مثل ( أين ) فأنه يتضمن معنى همزة الاستفهام ، أو بشبهة له كالمبهمات ، فإنها تشبه الحروف في الاحتياج إلى الصلة أو الصفة أو غيرهما ، أو وقوعه موقعه ، كـ ( نزال ) فإنه واقع موقع ( أنزل ) .
$[2/72]
أو مشاكلته للواقع موقعه كـ ( فجار ) أو وقوعه موقع ما أشبه كالمنادي المضموم فإنه واقع موقع كاف الخطاب المشابه للحرف في نحو ( أدعوك ) أو إضافته إليه كقوله تعالى : { من عذاب يومئذ } فيمن قرأ بالفتح .
" أو وقع غير مركب " مع غيره على وجه يتحقق معه عامله .
فعلى هذا المضاف من المركبات الإضافية المعدودة ( كغلام زيد ، وغلام عمرو ، وغلام بكر ) مبني والمضاف إليه معرب .
ولما كان المبني مقابلا للمعرب ، واعتبر في المعرب أمران : التركيب ، وعدم المشابهة لمبني الأصل كان المبني ما انتفى فيه مجموع هذين الأمرين إمّا بانتفائهما معا أو بانتفاء أحدهما فقط .(1/299)
فكلمة ( أو ) هاهنا لمنع الخلو ، وإنما اختلف ترتيب ذكر المشابهة والتركيب في تعريفي المعرب والمبني تقديما وتأخيرا إيثارا لتقديم ما مفهومه وجودي لشرفه .
" وألقابه " أي : ألقاب المبني من حيث حركات أواخره وسكونها عند البصرية
$[2/73]
" ضم وفتح وكسر " للحركات الثلاث " ووقف " للسكون وأما الكوفيون فيذكرون ألقاب المبني في المعرب وبالعكس .
والمراد : أن الحركات والسكنات البنائية لا يعبر عنها البصريون إلا بهذه الألقاب لا أن هذه الألقاب لا يعبر بها إلا عنها لأنهم كثيراً ما يطلقونها على الحركات الإعرابية أيضاً ، كما مر في صدر الكتاب ، حيث قال : " بالضمة رفعا والفتحة نصبا والكسرة جرا ، وعلى غيرها كما يقال : الراء في ( رجل ) مثلا مفتوحة الجيم مضمومة .
***
" وحكمه " أي : حكم المبني وأثره المترتب على بنائه " ألا يختلف آخره " أي : آخر المبني لكن لا مطلقا بل " لاختلاف العوامل " إذ قد يختلف آخره لا لاختلاف العوامل نحو ( من الرجل ) و ( من امرئ ) و ( من زيد ) .
***
" وهي " أي : المبني - والتأنيث ، باعتبار الخبر - " المضمرات وأسماء الإشارة والموصولات والمركبات والكنايات وأسماء الأفعال والأصوات " بالرفع عطف على أسماء الأفعال ، لا على الأفعال لتصديره بحث الأصوات فيما بعد بالأصوات لا بأسماء الأصوات .
" وبعض الظروف "
وإنما قال : بعض الظروف ، لأن جميعها ليست بمبنية بل بعضها .
$[2/74]
فهذه ثمانية أبواب في بيان الأسماء المبنية ولا بد لكل واحد منها من علة البناء ، لأن الأصل في الأسماء الإعراب .
وإذا كان مبنيا على الحركة فلا بد عند ذلك من علتين أخريين :
إحداهما : علة البناء على الحركة فإن الأصل في البناء السكون .
والأخرى : للحركة المعينة أنها لما اختيرت دون الباقيتين .
$[2/75]
$[2/76]
" المضمر "
" ما وضع لمتكلم " من حيث إنّه متكلم يحكي عن نفسه .
" أو مخاطب " من حيث إنه مخاطب يتوجه إليه الخطاب .(1/300)
وقيل : المراد بالمتكلم من يتكلم به والمخاطب : من يخاطب به . فإن ( أنا ) موضوع لم يتكلم به ، و ( أنت ) لمن يخاطب به . ويخرج بهذا القيد لفظ ( المتكلم ) و ( المخاطب ) . فإن الأسماء الظاهرة كلها موضوعة للغائب مطلقا . " أو غائب تقدم ذكره " ويخرج بهذا القيد الأسماء الظاهرة - إن كانت موضوعة للغائب مطلقا - إذ ليس تقدم ذكر الغائب شرطا فيها .
" لفظا أو معنى أو حكما " أراد بالتقدم اللفظي : ما يكون المتقدم ملفوظا ، إما متقدما تحقيقا مثل ( ضرب زيد غلامه ) أو تقديرا ، مثل ( ضرب غلامه زيد ) .
وبالتقدم المعنوي : أن يكون المتقدم مذكورا من حيث المعنى لا من حيث اللفظ ، وذلك المعنى إما مفهوم بعينه كقوله تعالى : { اعدلوا هو أقرب للتقوى } فإن مرجع الضمير هو العدل من قوله تعالى : { اعدلوا }
$[2/77]
فكأنه متقدم من حيث المعنى ، أو من سياق الكلام ، كقوله تعالى { ولأبويه } لأنه لما تقدم ذكر الميراث دلّ على أن ثمه مورثا فكأنه تقدم ذكره معنى .
وأما التقدم الحكمي فإنما جاء في ضمير الشأن والقصة لأنه إنما جيء به من غير أن يتقدم ذكره قصدا لتعظيم القصة بذكرها مبهمة ليعظم وقعها في النفس ثم تفسيرها فيكون ذلك أبلغ من ذكره أولا مفسرا وصار كأنه في حكم العائد إلى الحديث المتقدم المعهود بينك وبين مخاطبك وكذا الحال في ضمير ( نعم رجلا زيد ) و ( ربة رجلا ) . " وهو " أي : المضمر بالنظر إلى ما قبله قسمان :
" متصل ، ومنفصل فالمنفصل المستقل بنفسه " غير محتاج إلى كلمة أخرى قبله ، ليكون كالجزء منها ، بل هو كالاسم الظاهر سواء كان مجاورا لعامله ، نحو ( ما أنت منطقا ) عند الحجازية ، أو غير مجاور له نحو ( ما ضربت إلاّ إيّاك ) .(1/301)
" والمتصل غير المستقل بنفسه " المحتاج إلى عامله الذي قبله ليتصل به ويكون كالجزء منه . " وهو " أي : المضمر باعتبار الإعراب أقسام : " مرفوع ومنصوب ومجرور " لقيامه مقام الظاهر ، وانقسام الظاهر إليها . " فالأولان " أي : المرفوع والمنصوب كل واحد منهما قسمان : " متصل " لأنه الأصل " ومنفصل " لمانع من
$[2/78]
الاتصال " والثالث " أي : الضمير المجرور " متصل " فقط ، لأنه لا مانع فيه من الاتصال الذي هو الأصل ، وستعرف المانع من الاتصال إن شاء الله تعالى . " فذلك " أي : المضمر " خمسة أنواع " المرفوع المتصل والمنفصل المتصل والمنفصل والمجرور المتصل .
النوع " الأول " يعني : المرفوع المتصل ضمير " ضربت " على صيغة المتكلم الواحد المعلوم الماضي " وضربت " على صيغة المتكلم الواحد المجهول المنتهيين : أولهما " إلى ضربن " على صيغة جمع الغائبة المعلوم الماضي " و " ثانيهما إلى " ضربن " على صيغة جمع الغائبة المجهول الماضي .
" و " النوع " الثاني " أي : المرفوع المنفصل " أنا إلى هنّ " : أنا نحن ، أنت ،
$[2/79]
أنتما ، أنتم ، أنتِ ، أنتما ، أنتنّ ، هو ، هما ، هم ، هي ، هما ، هنّ ، والضمير في ( أنت ) إلى ( أنتن ) هو ( أنْ ) إجماعا والحروف الأواخر لواحق دالة على أحواله من الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث .
" و " النوع " الثالث " أي المنصوب المتصل ، وهو قسمان :
القسم الأول المتصل بالفعل " نحو : ضربني إلى ضربهنّ " ضربني ، ضربنا ، ضربك ، ضربكما ، ضربكم ، ضربكِ ، ضربكما ، ضربكنّ ، ضربه ، ضربهما ، ضربهم ، ضربها ، ضربهما ، ضربهنّ .
" و " القسم الثاني المتصل بغير الفعل نحو " إنّني " إنّنا ، إنّك ، إنّكما ، إنّكم ، إنّك ، إنّكما ، إنّكنّ ، إنّه " إلى إنّهنّ " .
" و " النوع " الرابع " أي : المنصوب المنفصل " إيّاي " إيانا ، إياك ، إياكما ، إياكم ، وإياكِ ، إياكما ، إياكنّ ، إياه " إلى إياهنّ " .(1/302)
وفي ( إياي ) اختلافات كثيرة والمختار أن الضمير هو ( إيّا ) واللواحق للدلالة على المتكلم والخطاب والغيبة الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث .
$[2/80]
" و " النوع " الخامس " ( غلامي ) " مثال المتصل بالاسم ، " ولي " مثال المتصل بالحرف : غلامي ، غلامنا ، غلامك ، غلامكما ، غلامكم ، غلامك ، غلامكما ، غلامكم ، غلامه ، " إلى غلامهن " ولي ، لنا ، لك ، لكما " إلى لهنّ " .
وكان القياس أن تكون ضمائر كل من المتكلم والمخاطب والغائب ستة ، لكنهم وضعوا للمتكلم لفظين يدلان على ستة معان كـ ( ضربت ) و ( ضربنا ) .
فضمير ( ضربت ) مشترك بين الواحد المذكر والمؤنث ، وضمير ( ضربنا ) مشترك بين الأربعة : المثنى المذكر ، والمثنى المؤنث ، والمجموع المذكر ، والمجموع المؤنث .
ووضعوا للمخاطب خمسة ألفاظ أربعة غير مشتركة ، وواحد مشترك بين المثنى المذكر والمثنى المؤنث ، وأعطوا الغائب حكم المخاطب في ذلك .
فإن الضمير في مثل ( ضربا ، وضربتا ) هو الألف المشترك بينهما ، والتاء حرف تأنيث وبقية الأنواع الخمسة الجارية هذا المجرى ، أعني : أن للمتكلم لفظين
$[2/81]
وللمخاطب خمسة وللغائب خمسة ، فصار المجموع اثنتي عشرة كلمة لثمانية عشر معنى ، فإذا كان لكل من الأنواع الخمسة اثنتا عشرة كلمة لثمانية عشر معنى يكون جملتها ستين كلمة لتسعين معنى .
وبينوا لتلك الأمور عللا ومناسبات ، لا نطول الكلام بذكرها .(1/303)
" فالمرفوع المتصل خاصة " يعني : لا المنصوب والمجرور المتصلان ، " يستتر " لأنها فضله ، والمرفوع فاعل وهو كجزء الفعل ، فجوزا من آخر الكلمة المشتهرة شيء ويكون استتارا لفاعل ، فاكتفوا بلفظ الفعل ، كما يحذف من آخر الكلمة المشتهرة شيء ويكون فيما أبقي دليل على ما ألقي ، على ما مضى في الترخيم ، ولكن هذا الاستتار ليس في جميع الصيغ بل " في " الفعل " الماضي للغائب " الواحد المذكر إذا لم يكن مسندا إلى الظاهر ، نحو ( زيد ضرب ) " و " الواحدة المؤنثة " الغائبة " إذا لم تكن مسندة إلى الظاهر ، نحو ( هند ضربت ) فإن التاء علامة التأنيث لا الضمير المرفوع وإلا لم يجتمع مع الفاعل الظاهر في نحو ( ضربت هند ) " وفي " الفعل " المضارع للمتكلم مطلقا " سواء كان مثنى أو مجموعا واحدا أو فوق الواحد مذكرا أو مؤنثا نحو ( أضرب ) ( ونضرب ) .
" و " للواحد " المخاطب " المذكر نحو ( تضرب و ( اضرب ) " و " الواحد
$[2/82]
" الغائب والغائبة " إذا لم يكونا مسندين إلى الظاهر ، نحو ( زيد يضرب ) و ( هند تضرب ) " وفي الصفة مطلقا " سواء كانت اسم فاعل أو مفعول ، أو صفة مشبهة ، أو أفعل للتفضيل ، وسواء كانت مفردا أو مثنى أو مجموعا مذكرا أو مؤنثا إذا لم يكن مسندا إلى الظاهر ، نحو ( أقائم ) الزيدان ) كقولك : ( زيد ضارب ) و ( هند ضاربة ) و ( الزيدان ضاربان ) و ( الهندان ضاربتان ) و ( الزيدون ضاربون ) و ( الهندات ضاربات ) وليست الألف في ( ضاربان ) والواو في ( ضاربون ) بضميرين لأنهما ينقلبان ياء في النصب والجر والضمائر لا تتغير عن حالهما إلا أن يتغير عاملها ، والعامل هاهنا ليس عاملا في الضمير وإنما هو عامل في اسم الفاعل والضمير فاعل له ، والضمير باق على ما كان عليه في الرفع .(1/304)
فلو كانت ضمائر لا تتغير ، ألا ترى أن الياء في ( تضربين ) والنون في ( تضربن ) والواو في ( تضربون ) والألف في ( تضربان ) لا تتغير ، فهما أي : الألف والواو في الصفة حرف التثنية والجمع ، وليسا بمضمرين .
" ولا يسوغ " أي : لا يجوز ، الضمير " المنفصل " مرفوعا كان أو منصوبا لأجل شيء " إلا لتعذر المتصل " أي : لأجل تعذره لأن وضع الضمائر للاختصار ، والمتصل أخصر ، فمتى أمكن لا يسوغ الانفصال .
" وذلك " أي : تعذر المتصل " بالتقدير " أي : تقديم الضمير .
" على عامله " لأنه إذا تقدم على عامله لا يمكن أن يتصل به إذ الاتصال إنما يكون بأخر العامل .
" أو بالفصل " الواقع " لغرض " لا يحصل إلا به ، إذ الفصل ينافي الاتصال وتركه يفوت الغرض .
$[2/83]
" أو بالحذف " أي : حذف عامله ، لأنه إذا حذف عامله لا يوجد ما يتصل به .
" أو يكون العامل " أي : عامله " معنويا " لامتناع اتصال اللفظ بالمعنى .
" أو " يكونه عامله " حرفا " ، والضمير " المعمول له " مرفوع " إذ الضمير المرفوع لا يتصل بالحرف ، لأنه خلاف لغتهم ، بخلاف المنصوب ، نحو ( إنني وإنك ) .
" أو بكونه " أي : كون الضمير " مسندا إليه " أي : إلى ذلك الضمير " صفة جرت على غير من هي " أي : تلك الصفة كائنة " له " فإنه لو لم ينفصل الضمير عن هذه الصفة لزم الالتباس في بعض الصور ، كما إذا قلت : ( زيد عمرو ضاربه هو ) فإنه لو قيل : ( زيد عمرو ضاربه ) التبس على السامع أن الضارب ( زيد أو عمرو ) بل المتبادر أنه ( عمرو ) لأنه أقرب إلى الضمير المستتر بخلاف ما إذا قيل : ( ضاربه هو ) فإنه لما انفصل الضمير على خلاف الظاهر يعلم أن مرجعه ما هو خلاف الظاهر ، وهو ( زيد ) وإلا لا حاجة إليه .
وإذا وقع الالتباس بدون الانفصال في بعض الصور حمل عليه ما لا التباس فيه لاطراد الباب .(1/305)
وإنما قال ( من هي له ) لا ( ما هي له ) كما هو الظاهر ليكون أشمل ، اقتصارا على ما هو الأصل " مثل ( إياك ضربت ) " مثال لتقديم الضمير على العامل .
" و ( ما ضربك إلا أنا ) " مثال الفصل لغرض وهو التخصيص هاهنا .
" و ( إياك والشر ) " مثال لحذف العامل أي : اتق نفسك والشر .
" و ( أنا زيد ) " مثال كون العامل معنويا .
" ( ما أنت قائما ) " مثال كون العامل حرفا ، والضمير مرفوعا .
" و ( هند زيد ضاربته هي ) " مثال الضمير الذي أسند إليه صفة جرت على غير
$[2/84]
من هي له ، فإنه أسند إليه ( الضاربة ) الجارية على ( زيد ) حيث وقعت خبرا له وهي صفة لهند ، حيث قام الضرب بها .
وإنما يصح ذلك إذا كان ( هي ) فاعلا لا تأكيدا ، وإلا لكان داخلا في صورة الفصل لغرض التأكيد ، ولكنه تأكيد لازم لا فاعل بدليل : ( نحن الزيدون ضاربوهم نحن ) .
وروى عن الزمخشري ( ضاربهم نحن ) وعلى هذا يكون فاعلا كما قال .
واختار بالتمثيل صورة لا لبس فيها ، ليثبت الحكم في صورة اللبس بالطريق الأولى .
" وإذا اجتمع ضميران وليس أحدهما مرفوعا " احتراز عن نحو ( أكرمتك ) إذ المرفوع الجزء من الفعل فكأنه لم يتحقق الفصل بين الفعل والضمير الثاني أصلا فجب اتصاله .
" فإن كان " على تقدير اجتماعهما وعدم كون أحدهما مرفوعا .
" أحدهما " أي : أحد الضميرين " أعرف " من الآخر ، احتراز عما إذا تساويا ، نحو ( أعطاها إيّاه ) حيث يجب الانفصال في الثاني للتحرز عن تقديم أحد المتساويين من غير مرجح .
" وقدمته " أي : أحد الضميرين الذي هو أعرف على الآخر ، احتراز عما إذا كان الأعرف مؤخرا ، نحو ( أعطيته إيّاك ) فيلزم انفصاله ، ليعذر المتكلم في تأخير الأعرف ، ولا يلحقه طعن في أول الوهلة بإيراده على خلاف الأصل .
$[2/85]
وحكى سيبويه تجويز الاتصال أيضاً نحو ( أعطيتهوك ) .(1/306)
" فلك الخيار " أي : الاختيار " في " الضمير " الثاني " إن شئت أوردته متصلا " نحو ( أعطيتكه " باعتبار عدم الاعتداد بالفصل بما هو متصل " و " إن شئت منفصلا نحو " ( أعطيتك إيّاه " ) " باعتبار الاعتداد بما يفصله ، وإن كان متصلا .
" و " نحو " ضربيك " فإنه اجتمع فيه ضميران ليس أحدهم مرفوعا لجر الأول بالإضافة ، ونصب الثاني بالمفعولية ، وقدم الأعرف الذي هو ضمير المتكلم ، فلك الوصل باعتبار بالفصل بالمتصل " و " لك الفصل ، نحو : " ضربي إيّاك " للاعتداد بالفصل " وإلا " أي : وإن لم يكن أحدهما أعرف أو يكون ولكن ما قدمته " فهو " أي : الضمير الثاني على كل من التقديرين " منفصل " لا غير .
أما على تقدير الأول فلئلا يلزم الترجيح في تقديم أحد المثلين على الآخر فيما هو كالكلمة الواحدة ، بلا مرجح ، وأما على تقدير الثاني فلكراهتم تقديم الأنقص على الأقوى فيما هو كالكلمة الواحدة " نحو : أعطيته إيّاه " مثال لما لم يكن أحدهما أعرف لكونهما ضميرين غائبين .
" أو " أعطيته " إيّاك " مثال لما يكون أحدهما أعرف ، وهو ضمير المخاطب ، ولكن ما قدمته .
" والمختار في خبر باب كان " أي : خبر كان وأخواتها إذا كان ضميرا " الانفصال " كما تقول ( كان زيد قائما وكنت إيّاه ) لأنه كان في الأصل خبر المبتدأ . ويجب أن يكون خبر المبتدأ ضميرا منفصلا ، لأن عامله معنوي .
ويجوز أن يكون ضميرا متصلا أيضاً ، نحو ( كان زيد قائما وكنته ) لأنه شبيه بالمفعول ، وضمير المفعول في مثل ( ضربته ) واجب الاتصال ففي شبيه المفعول وإن لم يكن
$[2/86]
واجب الاتصال فلا أقل من أن يكون جائز الاتصال ، لكن الانفصال مختار : لأن رعاية الأصل أولى من رعاية المشابهة بالمفعول .(1/307)
" والأكثر " في الاستعمال انفصال الضمير المرفوع بعد ( لولا ) لكون ما بعد ( لولا ) مبتدأ محذوف الخبر ، تقول : " لولا أنت ، إلى آخرها " يعني : لولا أنت لولا أنتما ، لولا أنتم ، لولا أنت ، لولا أنتما ، لولا أنتنّ ، لولا هو ، لولا هما ، لولا هم ، لولا هي ، لولا هما ، لولا هنّ ، لولا أنا ، لولا نحن .
وكان الأوفق بما سبق أن يقول : ( لولا أنا ، لولا نحن ، إلى آخرها ) لكن غير الأسلوب تنبيها على أنه ليس بضروري .
" و " كذلك الأكثر في الاستعمال اتصال الضمير المرفوع بعد ( عسى ) لكون ما بعد ( عسى ) فاعلا تقول : " عسيت إلى آخرها " .
" وجاء " في بعض اللغات " لولاك وعساك ، إلى آخرهما " فذهب الأخفش إلى أن الكاف بعد ( لولا ) ضمير مجرور وقع موقع المرفوع ، فإن الضمائر قد يقع بعضها موقع بعض ، كما تقول : ( ما أنا كأنت ) فـ ( أنت ) في هذا المقام مع أنه ضمير مرفوع وقع موقع المجرور .
وذهب سيبويه إلى أن ( لولا ) في هذا المقام حرف جر ، والكاف ، ضمير
$[2/87]
مجرور واقع موقعه .
فالأخفش تصرف في ما بعد ( لولا ) وسيبويه في نفسه .
وأما ( عساك ) فذهب الأخفش إلى أنه ضمير منصوب واقع موقع المرفوع .
وسيبويه إلى أن ( عسى ) محمول على ( لعل ) لتقاربهما في المعنى ، فههنا أيضاً الأخفش تصرف في الضمير وسيبويه في العامل .
" ونون الوقاية مع الياء " أي : ياء المتكلم " لازمة في الماضي " إذا لحقه تلك الياء لتقي آخر الماضي من الكسرة المختصة بالاسم التي هي أخت الجر ولهذا سميت نون الوقاية ، نحو ( ضربني ) .
" و " وكذلك نون الوقاية لازمة " في المضارع " لكن لا مطلقا ، بل حال كونه " عربا عن نون الإعراب " أي : عن نون هي الإعراب ، نحو ( يضربين ) لتقي آخر المضارع أيضاً عن تلك الكسرة ، بخلاف كسرة ( تضربين ) لأنها في الوسط حكما ، وبخلاف كسرة : ( لم يكن الذين كفروا ) و ( قل الحق ) لعروضها .(1/308)
" وأنت مع النون " الإعرابية الكائنة " فيه " أي : في المضارع " و " مع " لدن وإن وأخواتها " يعني : أنّ وكأن ولكنّ وليت ولعل " مخير " بين الإتيان بنون الوقاية للمحافظة على الحركات البنائية في غير ( لدن ) وعلى السكون في ( لدن ) ، وبين تركها تحرزا عن اجتماع النونات ، ولو حكما كما في ( لعلّ ) لقرب اللام من النون في المخرج ، وحملا على أخواتها كما في ( ليت ) .
$[2/88]
" ويختار " لحوق نون الوقاية " في ليت " من بين أخوات ( إنّ ) لعدم مانع في ذاتها ، والحمل على أخواتها خلاف الأصل .
" و " في " ( من وعن وقد وقط ) " وهما بمعنى ( حسب ) للمحافظة على السكون اللازم " الذي هو الأصل في البناء مع قلة الحروف .
" وعكسها " أي : عكس ( ليت ) " لعل " في الاختيار .
فالمختار فيها ترك النون ، لثقل التضعيف وكثرة الحروف .
***
" ويتوسط بين المبتدأ والخبر قبل العوامل " مثل : زيد هو القائم ، " وبعدها " أي : بعد العوامل ، نحو ( كنت أنت الرّقيب ) .
" صيغة مرفوع " ولم يقل ضمير مرفوع لمكان الاختلاف في كونه ضميرا .
" منفصل مطابق للمبتدأ " إفرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا وتكلما وخطابا وغيبة " يسمى " هذا المرفوع " فصلا " وذلك التوسط " ليفصل " ذلك المرفوع المتوسط " بين كونه " أي : كون الخبر " نعتا وخبرا " فيما يصلح لهما ثم اتسع فيه ، فأدخل فيما لا لبس يه وذلك عن اختلاف الإعراب ، وكن المبتدأ ضميرا وغير ذلك بالحمل على صورة اللبس .
" وشرطه " أي : شرط الفصل بذلك المرفوع " أن يكون الخبر معرفة " لأن
$[2/89]
الفصل إنما يحتاج إليه فيها " أو أفعل من كذا " لإلحاقه بالمعرفة لامتناع اللام " مثل ( كان زيد هو أفضل من عمرو ) " .
واقتصر على مثال ( أفعل ) من بعد دخول العوامل دون المعرفة ، ودون الخبر قبل العوامل ، لاستغنائهما عن المثال لكثرتهما .(1/309)
" ولا موضع له " أي : للفصل من الإعراب " عند الخليل " لأنه حرف عنده على صيغة الضمير ، وعند بعضهم : اسم مبني لا مقتضى فيه للإعراب ، ولا عامل ، لكن الخليل استبعد إلغاء الاسم ، فذهب إلى حرفيته .
" وبعض العرب يجعله مبتدأ " أي : يستعمله بحيث يحكم النحاة بكونه مبتدأ ، وإلا فالعرب لا تعرف المبتدأ والخبر .
" وما بعده خبره " .
فقوله " خبره ) إما مرفوع على أنه خبر والجملة حال أو منصوب عطفا على ثاني مفعولي ( يجعله ) وإنما يعرف من العرب جعله مبتدأ برفع ما بعده في مثل ( كنت أنت الرقيب ) و ( علمت زيدا هو المنطلق ) .
$[2/90]
وفي بعض النسخ المتن ( مبتدأ ما بعده خبره ) بدون الواو وحينئذ الرفع متعين .
" ويتقدم قبل الجملة " وإيراد لفظ ( قبل ) لتأكيد التقدم ، لأن تقديم الضمير على مرجعه غير معهود ، ولا يبعد أن يقال معنى الكلام : ويقع متقدما من غير سبق مرجع ، وذلك بحسب المفهوم أعم من أن يكون قبل الجملة أو لا فلذلك قيده بقوله ( قبل الجملة ) أي قبل هذا الجنس من الكلام .
" ضمير غائب يسمى ضمير الشأن " إذا كان مذكرا رعاية للمطابقة ، لأن الضمير راجع إليه ، " و " ضمير " القصة " إذا كان مؤنثا .
ويحسن تأنيثه إذا كان العمدة فيها مؤنثا لتحصل المناسبة .
" يفسّر " ذلك الضمير لإبهامه " بالجملة " المذكورة " بعده " أي : بهذه الحصة من الجنس المذكور .
والظاهر أن قوله ( يسمى ضمير الشأن والقصة ) معترضة بيان للواقع ليس داخلا في بيان القاعدة .
فإنه لا دخل للتسمية في هذا الحكم ، فإنه ثابت سواء وقعت هذه التسمية أو لا .
وأيضاً يلزم استدراك قوله ( يفسر بالجملة بعده ) فعلى هذا لو لم يحمل التقدم على ما ذكرنا انتقض القاعدة بقولنا ( الشأن هو زيد قائم ) على أن يكون ( هو ) مبتدأ راجعا إلى الشأن ، و ( زيد قائم ) خبرا عنه .
$[2/91]
فإنه يصدق عليه أنه ضمير غائب تقدم قبل الجملة مفسرا بالجملة بعده .(1/310)
فإنه باعتبار رجوعه إلى الشأن لا يخرج عن الإبهام بالكلية بل إنما يرتفع بجملة ( زيد قائم ) كما لا يخفي .
" ويكون " ضمير الشأن أو القصة " متصلا ومنفصلا " .
وإذا كان متصلا يكون " مستترا وبارزا على حسب العوامل " .
فإن كان عامله معنويا بأن كان مبتدأ كان منفصلا وإن كان لفظيا يصلح لاستتار الضمير فيه كان مستترا وإلا بارزا " مثل ( هو زيد قائم ) " مثال للمنفصل " و ( كان زيد قائم ) " مثال المتصل المستتر " و ( أنه زيد قائم ) " مثال للمتصل البارز .
" وحذفه " من اللفظ بإضماره لا نسيا منسيا حال كونه " منصوبا ضعيف " أي : جائز مع ضعف بخلاف ما إذا كان مرفوعا فإنه لا يجوز أصلا لكونه عمدة . أما جوازه فلكونه على صورة الفضلات ، وأما ضعفه فلأنه حذف ضمير مراد بلا دليل عليه لأن الخبر كلام مستقل ، مثاله :
إنّ من يدخل الكنيسة يوماً ... ... يلق فيها جآذراً وظباء
" إلا مع ( أنّ ) " المفتوحة " إذا خففت فإنه " أي : حذفه بنيّة الإضمار هاهنا مع كونه منصوبا .
" لازم " كقوله تعالى { وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين } وذلك لأنه قد خففت ( إنّ ) و ( أنّ ) لثقلهما بالتشديد الواقع فيهما وبعد تخفيفهما وجدوا ( إنْ ) المكسورة المخففة عاملة في الملفوظ كما قال الله تعالى : { وإنْ كلا لما ليوفينهم } ولم يجدوا ( أنْ ) المفتوحة المخففة عاملة في الملفوظ مع أنّ ( أنّ ) المفتوحة أقوى شبها بالفعل من المكسورة ، فهي أجدر بالعمل .
فإذا لم يجدوها عاملة في الملفوظ قدّروا عملها في ضمير الشأن لئلا يزيد المكسورة عليها عملا من أنه أجدر به ولم يجوزا إظهار ذلك الضمير ، لئلا يفوت التخفيف المطلوب هاهنا ، كما يدل عليه حذف النون وحكوا بلزوم حذف ضمير الشأن مع ( أن ) المفتوحة إذا خففت .
$[2/92]
" ( أسماء الإشارة ) "(1/311)
أي : أسماء الإشارة المعدودة في المبنيات بحسب الاصطلاح " ما وضع " أي : أسماء وضع كل واحد منها " لمشار إليه " أي : لمعنى مشار إليه إشارة حسية بالجوارح والأعضاء ، لأن الإشارة عند إطلاقها حقيقة في الإشارة الحسية . فلا يرد ضمير الغائب وأمثاله ، فإنها للإشارة إلى معانيها إشارة ذهنية لا حسية ، ومثل : " ذلكم الله ربّكم " مما ليس الإشارة إليه حسية محمول على التجوز .
وإنما بنيت لشبهها بالحرف ، كما سبق .
$[2/93]
" وهي " أي : أسماء الإشارة " ذا " حال كونها " للمذكر " الواحد والعامل في الحال معنى الفعل المفهوم من نسبة الخبر إلى المبتدأ .
" ولمثناه : ذان " رفعا " وذين " نصبا وجرا ، أي : وذان وذين حال كونهما لمثنى المذكر ، قدم ليكون الضمير أقرب إلى مرجعه ، وعلى هذا القياس في التراكيب الثلاثة الباقية .
فقوله : ( هي ) مبتدأ ، وقوله : ( ذا ) مع ما عطف عليه مقيدا كل واحد منها بحال خبر له .
ويجيء في بعض اللغات ( ذان ) في جميع الأحوال الرفع والنصب والجر ، ومنه قوله تعالى : ( إنّ هذان لساحران ) على أحد الوجوه .
$[2/94]
" وللمؤنث " الواحدة " تا " قيل : هي الأصل في لغات المؤنث الواحدة ، لأنه لم يثن منها إلا هي .
" وذي " وقيل : هي الأصل لكونها بإزاء ( ذا ) للمذكر فينبغي أن يناسبها .
وقيل : هما أصلان ، وللقول بأصالتهما قدمتا على سائرها ، لفرعيتها " وتي " بقلب الألف ياء " وته وذه " بقلب الألف والياء هاء بغير وصل الياء بهما .
" وتهي وذهي " بوصل الياء بهما .
" ولمثناه " أي : مثنى المؤنث " تان " في الرفع " وتين " في النصب والجر ولا يثنى من لغاته إلا ( تا ) لكثرة ورودها على الألسنة .(1/312)
وتوهم بعضهم من اختلاف أواخر ( ذان وذين وتان وتين ) باختلاف العوامل أنها معربة ، والجمهور على أن هذا الاختلاف ليس بسبب اختلاف العوامل بل ( ذان وتان ) موضوعان لتثنية المرفوع ، و ( ذين وتين ) لتثنية المنصوب والمجرور ، ووقوعها على صورة المعرب اتفاقي لا لقصد الإعراب لوجود علّة البناء فيها .
$[2/95]
" ولجمعهما " أي : جمع المذكر والمؤنث " أولاء مدا وقصرا " أي : ممدودا ومقصورا .
وإذا كان مقصورا يكتب بالياء .
" ويلحقها " أي : أسماء الإشارة ، يعني : يدخل على أوائلها على سبيل اللحوق والعروض بعد اعتبار أصالتها " حرف التنبيه " وهي كلمة ( ها ) فهو في الحقيقة ليس منها ، وإنما هو حرف جيء به للتنبيه على المشار إليه قبل لفظه ، كما جيء به للتنبيه على النسبة الإسنادية ، كقولك : ( ها زيد قائم ) و ( ها إنّ زيدا قائم ) .
$[2/96]
" ويتصل بها " أي : بأواخر أسماء الإشارة " حرف الخطاب " وهو الكاف تنبيها على حال المخاطب من الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث وإنما جعلت هذه الكاف حرفا لامتناع وقوع الظاهر موقعها ولو كانت اسما لم يمتنع ذلك مثل : ضربتك وبك .
" وهي " أي : حروف الخطاب " خمسة " والقياس يقتضي الستة ، واشترك خطاب الاثنين فرجعت إلى خمسة مضروبة " في خمسة " من أنواع أسماء الإشارة ، يعني : المفرد المذكر والمؤنث ، ومثناهما وجمعهما . وهي ستة راجعة إلى خمسة لاشتراك جمعهما .
وإنما قلنا : من أنواع أسماء الإشارة لأن أفراد المؤنث ترتقي إلى ستة " فتكون " أي : الحاصل من الضرب " خمسة وعشرين ، وهي " أي : تلك الخمسة والعشرون " ذاك إلى ذاكن " يعني : ( ذاك ) إذا أشرت إلى مذكر وخاطبت مذكرا و ( ذاكما ) إذا أشرت إلى مذكر وخاطبت مذكرين و ( ذاكم ) إذا أشرت إلى مذكر وخاطبت مذكرين .(1/313)
" و " على هذا القياس " ذانك " و ( ذينك ) إذا أشرت إلى مذكرين وخاطبت مذكرا " إلى ذانكنّ " و ( ذينكنّ ) إذا أشرت إلى مذكرين وخاطبت مؤنثات .
" وكذلك البواقي " يعني : ( تاك ) إلى ( تاكنّ ) و ( تيك ) إلى ( تيكنّ ) ، و ( تانك ) و ( تينك ) إلى ( تانكنّ وتينكنّ ) و ( أولئك ) بالمد و ( أولاك ) بالقصر إلى ( أولئكنّ ) و ( أولاكنّ ) .
$[2/97]
وأما ( ذيك ) فقد أورده الزمخشري والمالكي .
وفي الصحاح : لا تقل ( ذيك ) فإنه خطأ .
" ويقال : ( ذا ) للقريب و ( ذلك ) للبعيد و ( ذاك ) للمتوسط " وأخر المتوسط ، لأن المتوسط لا يتحقق إلا بعد تحقق الطرفين .
ولما رأى المصنف كثرة استعمال كل من هذه الكلمات الثلاث مقام الآخرين منه لم يتخذ هذا الفرق مذهبا له ، وأحاله إلى غيره فقال :
" ويقال : ( تلك وتانّك وذانّك ) " حال كون هاتين الأخيرتين ، " مشددتين : وأولالك باللام " أي : هذه الكلمات الأربع " مثل " كلمة " ذلك " في إفادة البعد .
ولا يبعد أن يجعل ( ذلك ) إشارة إلى كلمة ( ذلك ) المذكور سابقا وأما ( تاك ) و ( ذانك ) و ( تانك ) مخففتين ، و ( أولاك ) بغير اللام فللمتوسط وما هو للمتوسط
$[2/98]
بعد حذف الخطاب منه للقريب .
" وأما ( ثمّ ) و ( هنا ) " بضم الهاء وتخفيف النون " وهنّا " بفتح الهاء وتشديد النون وهو الأكثر ، وجاء بكسر الهاء أيضاً .
" فللمكان " الحقيقي الحسّي " خاصة " لا تستعمل في غيره إلاّ مجازا على سبيل التشبيه .
وأما ما عداها من أسماء الإشارة فقد تستعمل في المكان وغيره .
$[2/99]
" ( الموصول ) "
أي : الموصول المعدود من المبنيات في اصطلاح النحاة :
" ما لا يتم جزاء " أي : اسم لا يتم من حيث جزئيته ، يعني : لا يكون جزءا تاما إن كان ( جزءا ) تمييزا أو لا يصير جزاء تاما إن كان ( يتم ) من الأفعال الناقصة .(1/314)
والمراد بالجزء التام : ما لا يحتاج في كونه جزءا أوليّا ينحل إليه المركب أوّلا إلى انضمام أمر آخر معه ، كالمبتدأ والخبر والفاعل والمفعول وغيرها .
وإنما نفي كونه جزءا تاما لا جزءا مطلقا ، لأنه إذا كان مجموع الموصول والصلة جزاء من المركب يكون الموصول وحده أيضاً جزءا ، لكن لا جزءا تاما أوليّا .
" إلاّ بصلة وعائد " والمراد بالصلة : معناها اللغوي لا الاصطلاحي فإن الاصطلاحي عبارة عن جملة مذكورة بعد الموصول مشتملة على ضمير عائد إليه ، فمعرفتها موقوفة على معرفة الموصول فلو عرف الموصول بها لزم الدور .
والقرينة على أن المارد بها معناها اللغوي لا الاصطلاحي قوله : ( وعائد ) فإنه لو أريد بها معناها الاصطلاحي لكان هذا القول مستدركا لأنه لإخراج مثل ( إذ ) و ( حيث ) وليس لهما صلة اصطلاحية .
ولقائل أن يقول : يمكن أن يعرف الصلة بما لا يتوقف معرفته على معرفة الموصول ، بأن يقال : الصلة جملة متصلا باسم لا يتم جزاء إلا مع هذه الجملة المشتملة على عائد
$[2/100]
إليه .
فعلى هذا يجوز أن يكون المراد بالصلة معناها الاصطلاحي ولا يلزم الدور .
وذكر العائد مع أنه مأخوذ في مفهوم الصلة الاصطلاحية تصريح بما علم ضمنا مبالغة في الاحتراز عن مثل ( إذ ، وحيث ) .
ولما كانت الصلة بمعنييها أعم بحسب المفهوم من أن تكون خبرية أو غير خبرية ، ولا تكون بحسب الواقع إلا خبرية ، والعائد أعم من أن يكون ضميرا أو غيره .
وإذا كان ضميرا أعم من أن يكون للموصول أو لغيره - والواجب أن يكون ضميرا للموصول - عينهما بقوله : " وصلته " أي : صلة ما لا يتم جزاء إلا بصلة .
" جملة خبرية " أو ما في معناها كاسمي الفاعل والمفعول .
" والعائد ضمير " لا غير ضمير " له " أي : للموصول لا لغيره .
" وصلة الألف واللام اسم فاعل أو مفعول " لأن اللام الموصولة تشبه اللام الحرفية ، فجعلت صلتها ما كان جملة معنى مفردا صورة ، عملا بالحقيقة والشبه جميعا .(1/315)
" وهي " أي : الموصولات " الذي " للمفرد المذكر " والتي " للمفرد المؤنث
$[2/101]
" واللذان " لمثنى المذكر " واللتان " لمثنى المؤنث ويكونان " بالألف " في حال الرفع " والياء " في حال النصب والجر .
" والأولى " على وزن ( العلى ) لجمع المذكر والمؤنث إلا أنه في جمع المذكر أشهر .
" والذين " ( كاللائين ) لجمع المذكر " واللائي " بالهمزة والياء ، " واللاء " بالهمزة المكسورة فقط " واللاي " بالياء فقط مكسورة أو ساكنة إجراء للوصل مجرى الوقف لجمع المذكر والمؤنث إلا أنها في جمع المؤنث أشهر .
" واللاتي واللواتي " لجمع المؤنث .
وجاء في ( اللاتي ) اللات ، بحذف الياء وإبقاء الكسرة على التاء ، وفي ( اللواتي ) ( اللوا ) بحذف التاء والياء معا .
" وما " بمعنى ( الذي ) فيما لا يعقل غالبا نحو ( عرفت ما عرفته ) وجاء فيما يعقل ، نحو ( والسماء وما بناها ) .
" ومن " أيضاً بمعناه فيمن يعقل .
ويستوي فيهما المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث .
" وأي " بمعنى ( الذي ) نحو ( اضرب أيّهم في الدار ) أي : اضرب الذي في الدار " وأيّة " بمعنى ( التي ) نحو ( اضرب أيتهنّ في الدار ) أي : التي في الدار .
$[2/102]
" وذو الطائية " أي : المنسوبة إلى بني طيئ لاختصاص مجيئها موصولة بلغتهم بمعنى ( الذي ) أو ( التي ) قال الشاعر :
* وبئري ذو حفرت وذو طويت *
أي : التي حفرتها والتي طويتها .
" و ( ذا ) بعد ( ما ) " الكائنة " للاستفهام " نحو : ماذا صنعت ؟ أي : ما الذي صنعت .
" والألف واللام " أي مجموعهما بمعنى ( الذي ) أو ( التي ) أو المثنى أو المجموع .
" والعائد المفعول " أي : العائد الذي لا يتم الموصول إلا به ، إذا كان مفعولا " يجوز حذفه " إذا لم يمنع مانع ، لأنه فضله إلا إذا كان فاعلا ، لكونه عمده ، نحو قوله تعالى : { والله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } أي : لمن يشاؤه .(1/316)
اعلم أن النحاة وضعوا بابا يسمونه باب ( الأخبار بالذي أو ما يقوم مقامه ) ومقصودهم من وضعه تمرين المتعلم فيما تعلمه في هذا الفن من المسائل ، وتذكيره إيّاها .
فإنهم إذا قالوا لأحد : أخبر عن الاسم الفلاني في الجملة الفلانية بـ ( الذي ) بعد بيانهم طريقة الإخبار بهن لا بد له من تذكير كثير من مسائل النحو : وتدقيق النظر فيها حتى يعلم أن ذلك الإخبار في أيّ اسم يصح ؟ وفي أي اسم يمتنع ؟ .
فأراد المصنف الإشارة إلى هذا الباب ، فقال :
" وإذا أخبرت " أي : إذا أردت أن تخبر عن جزء جملة " بالذي " أي : باستعانة
$[2/103]
( الذي أو التي أو الألف واللام ) . فإن الباء ليس صلة للأخبار ، لأن ( الذي ) مخبر عنها لا مخبر بها .
" صدرتها " أي : أوقعت كلمة ( الذي ) أو ما يقوم مقامها في صدر الجملة الثانية .
" وجعلت موضع المخبر عنه " أي : في موضع ما هو مخبر عنه بالذي في الجملة الثانية ، يعني : في موضعه الذي كان له في الجملة الأولى .
" ضميرا لها " أي : لكلمة ( الذي ) " وأخرته " أي : المخبر عنه عن الضمير .
" خبرا " نصب على الحال أو ضمن ( أخرته ) معنى ( جعلته ) أي : جعلته خبرا متأخرا .
" فإذا أخبرت مثلا عن ( زيد ) " من جملة " ضربت زيدا " بكلمة الذي أوقعتها في صدر الجملة الثانية ، وجعلت في موضع ما هو مخبر عنه في هذه الجملة أعني : ( زيدا ) والمراد بوضعه : محله الذي كان له في الجملة الأولى ، وهو محل المفعول من : ( ضربت ) ضميرا لـ ( الذي ) ، وأخرت المخبر عنه ، يعني : ( زيدا ) وجعلته خبرا عن ( الذي ) و " قلت : ( الذي ضربته زيد ) وكذلك " أي : مثل ( الذي ) " الألف واللام في الجملة الفعلية خاصة ليصح بناء اسم الفاعل والمفعول " منها . فإن صلة الألف واللام لا تكون إلا اسم فاعل أو اسم مفعول .
ويمكن أن يؤخذ اسم الفاعل من الفعل المبني للفاعل ، واسم المفعول من
$[2/104](1/317)
المبني للمفعول بشرط أن يكون الفعل الذي يتضمنه الجملة الفعلية متصرفا ، إذ غير المتصرف ، نحو ( نعم وبئس وحبذا وعسى وليس ) لا يجيء منه اسم الفاعل ولا المفعول ، فلا يخبر بالألف واللام عن ( زيد ) في ( ليس زيد منطلقا ) .
وبشرط أن لا يكون في أول ذلك الفعل حرف لا يستفاد من اسم الفاعل والمفعول معناها ، كالسين وسوف وحرف النفي والاستفهام .
فلا يخبر باللام عن ( زيد ) في جملة ( سيقوم زيد ) فإنه إذا بني اسم الفاعل من ( سيقوم ) يكون ( قائما ) فيفوت معنى السين .
" فإن تعذر أمر منها " أي : من الأمور الثلاثة التي هي : تصدير الموصول ، ووضع عائد الموصول مقام ذلك الاسم ، وتأخير ذلك الاسم خبرا ، " تعذر الإخبار ، ومن ثم " أي : ومن أجل أنه إذا تعذر أمر منها تعذر الإخبار .
" امتنع الإخبار " بالذي " في ضمير الشأن " بأن يكون ضمير الشأن مخبرا عنه ، لامتناع تصدير الجملة بالذي ، وتأخير المخبر عنه خبرا ، لوجوب تقديمه على الجملة .
وكذلك امتنع " في الموصوف " بدون الصفة " و " في " الصفة " بدون الموصوف فلا يجوز في ( ضربت زيدا العاقل " أن يخبر بـ ( الذي ) عن ( زيد ) ، بدون العاقل ، ولا عن ( العاقل ) بدون ( زيد ) لاستلزام وقوع الضمير صفة أو موصوفا ، بخلاف ما إذا أخبرت عن مجموعهما فيقال : ( الذي ضربته زيد العاقل ) .
$[2/105]
" و " كذلك امتنع " في المصدر العامل " بدون المعمول .
فلا يجوز في نحو : ( عجبت من دق القصّار الثوب ) أن يخبر بـ ( الذي ) عن ( دق القصار ) بدون ( الثوب ) لأنه يؤدي إلى أن يعمل الضمير الذي جعل في موضع ( دق القصار ) عاملا في ( الثوب ) بخلاف ( الذي عجبت منه دق القصّار الثوب ) .(1/318)
" و " كذلك امتنع في " الحال " لأن الحال يجب أن يكون نكرة ، فلا يجوز أن يقع الضمير الذي هو معرفة في موضعه بالحالية " و " كذلك امتنع في " الضمير المستحق لغيرها " أي : لغير الكلمة ( الذي ) لامتناع تصدير ( الذي ) لاستلزم ذلك عود الضمير إليها ، فيبقى ذلك الغير بلا ضمير .
" و " كذلك امتنع " في الاسم المشتمل عليه " أي : على الضمير المستحق لغيرها ، نحو قولك ( زيد ضربت غلامه ) فلا يصح الإخبار عن ( غلامه ) بأن يقال ( الذي زيد ضربته غلامه ) لأنك إذا جعلت الضمير عائدا إلى الموصول بقي المبتدأ بلا عائد ، وإن جعلته عائدا إلى المبتدأ بقي الموصول بلا عائد ، وكل منهما ممتنع .
" و ( ما ) الاسمية " لا الحرفية ، فإنها إما كافة نحو ( إنما زيد قائم ) وإما نافية نحو ( ما ضربت زيدا ) و ( ما زيد قائما ) .
" موصولة " نحو ( عرفت ما اشتريته ) " واستفهامية " نحو ( ما عندك ؟ ) و ( ما فعلت ؟ ) " وشرطية " نحو ( ما تصنع أصنع ) موصوفة إما بمفرد نحو ( مررت بما معجب لك ) أي : بشيء معجب لك ، وإما بجملة نحو :
ربّما تكره النفوس من الأمـ ... ... ... ـر له فرجة كحلّ العقال
$[2/106]
أي : رب شيء تكرهه النفوس .
" وتامة بمعنى شيء " منكّر عن أبي علي .
والشيء المعرّف عند سيبويه نحو قوله تعالى { فنعمّا هي } أي : نعم شيئا أو : نعم الشيء هي .
" وصفة " نحو : ( اضربه ضربا ما ) أي : ضربا أيّ ضرب كان .
" و ( مَنْ ) كذلك " أي تكون موصولة ، نحو ( أكرمت من جاءك ) واستفهامية نحو ( من غلامك ؟ ) و ( من ضربت ؟ ) وشرطية نحو : ( من تضرب أضرب ) وموصوفة إمّا بمفرد ، نحو قوله :
وكفى بنا فضلا على من غيرنا ... ... حب النّبي محمد إيانا
$[2/107]
أي : شخص غيرنا ، أو بجملة نحو ( من جاءك قد أكرمته ) .
" إلا في التامة والصفة " فإن كلمة ( من ) لا تجيء تامة ولا صفة .
" وأي " للمذكر " وأية " للمؤنث " كـ ( من ) " في ثبوت الأمور الأربعة وانتفاء التامة والصفة .(1/319)
فـ ( أيّ ) الموصولة نحو ( اضرب أيّهم لقيت ) والاستفهامية نحو ( أيّهم خوك ؟ ) و ( أيّهم لقيت ؟ ) والشرطية نحو قوله تعالى : { أيّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } والموصوفة نحو ( يا أيها الرجل ) .
قيل : ( أي ) تقع صفة اتفاقا فلم جعلها المصنف كـ ( من ) التي لا تقع صفة أصلا ؟ .
وأجيب : بأن ( أيّا ) الواقعة صفة هي في الأصل استفهامية ، لأن معنى ( مررت برجل أيّ رجل ) : رجل عظيم يسأل عن حاله لا يعرفه كل أحد ، فنقلت عن الاستفهامية إلى الصفة .
" وهي " أي : كل من ( أيّ ، وأيّة ) " معربة " بالاتفاق " وحدها " لا يشاركها في الإعراب غيرها من الموصولات إلاّ على اختلاف في ( اللذان ) و ( اللتان ) وفي ( ذو ) الطائية .
$[2/108]
وإنما أعربت لأنه التزم فيها الإضافة إلى المفرد التي هي من خواص الاسم المتمكن فلا يرد ( حيث وإذ وإذا ) .
" إلا إذا " كانت موصولة " حذف صدر صلتها " نحو قوله تعالى : { ثم لننزعنّّ من كل شيعة أيّهم أشدّ على الرّحمن عتيا } فيمن قرأ بالضم ، أي : أيّهم هو أشد .
وإنما بنيت موصولة عند حذف صدر صلتها لتأكيد شبهها بالحرف من جهة الاحتياج إلى أمر غير الصلة ، وبنيت على الضم لها بالغايات لأنه حذف منها بعض ما يوضحها كما حذف من الغايات ما يبينها ، وهو المضاف إليه .
ولم يستثن الموصوفة لبنائها مثل ( يا أيها الرجل ) كما استثنى التي حذف
$[2/109]
صدر صلتها ، لأنه ذكر في قسم المنادى : إن كل ما يقع منادى مفردا معرفة فهو مبني ، وبناء الموصوفة لهذا فلا حاجة إلى الذكر ثانيا .
" وفي قولهم ( ماذا صنعت ؟ ) وجهان : أحدهما " أن معناه " مالذي " على أن يكون ( ذا ) بمعنى الذي ، فيكون التقدير : أيّ شيء الذي صنعت ؟ أي : صنعته .(1/320)
فـ ( ما ) : مبتدأ وما بعده خبره أو بالعكس " و " حينئذ " جوابه رفع " أي : مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف كما إذا قلت : الإكرام أي : الذي صنعته الإكرام ليكون الجواب مطابقا للسؤال في كون كل منهما جملة اسمية .
" و " الوجه " الآخر " أن معناه " أي شيء " وههنا عبارتان إحداهما أن ( ماذا ) بكمالها بمعنى : أي شيء ، والثانية : أن معناه أيّ شيء و ( ذا ) زائدة والظاهر أن مؤداهما واحد .
فإن معنى قولهم : إنها بكمالها بمعنى ( أي شيء ) أنه ليس لكل منهما معنى بالاستقلال لكون كلمة ( ذا ) زائدة .
فالمفهوم من مجموعهما ( أي شيء ) " و " حينئذ " جوابه نصب " أي : منصوب على أنه مفعول لفعل محذوف ، كما إذا قلت ( الإكرام ) ليكون الجواب مطابقا للسؤال في كون كل منهما جملة فعلية .
ويجوز في الأول نصب الجواب بتقدير الفعل المذكور ، وفي الثاني رفعه على أن يكون خبر مبتدأ محذوف .
ولم يعتبره المصنف لفوات المطابقة بين السؤال والجواب .
$[2/110]
" ( أسماء الأفعال ) "
" ما كان " أي اسم كان " بمعنى الأمر أو الماضي " اللذين هما من أقسام المبني الأصل .
فعلة بنائها كونها مشابهة لمبني الأصل .
فما قيل : إن ( أف ) بمعنى : أتضجر ، و ( أوّه ) بمعنى : أتوجع ، فالمراد به : تضجرت وتوجعت ، عبّر عنه بالمضارع لأن المعنى على الإنشاء ، وهو الأنسب بأن يعبر عنه بالمضارع الحالي " مثل : ( رويد زيدا ) أي : امهله " مثال لما هو بمعنى الأمر " و ( هيهات ذاك ) " بفتح التاء في الحجازية وبكسرها في بني تميم وبالضم لغة
$[2/111]
بعضهم " أي : بعد " مثال لما هو بمعنى الماضي .
وقدم الأمر ، لأن أكثر أسماء الأفعال بمعناه .(1/321)
والذي حملهم على أن قالوا : إن هذه الكلمات وأمثالها ليس بأفعال مع تأديتها معاني الأفعال ، أمر لفظي ، وهو أن صيغها مخالفة لصيغ الأفعال وأنها لا تتصرف تصرفها لا أنها موضوعة لصيغ الأفعال على أن يكون ( رويد ) مثلا موضوعا لكلمة ( أمهل ) .
قال الشارح الرضي : ( وليس ما قال بعضهم أن ( صه ) مثلا اسم للفظ ( اسكت ) الذي هو دال على معنى الفعل ، فهو علم للفظ الفعل لا لمعناه ، بشيء إذ العربي القح ربما يقول ( صه ) مع أنه لم يخطر بباله لفظ ( اسكت ) وربما لم يسمعه أصلا ) ولهذا قال المصنف :
ما كان بمعنى الأمر أو الماضي ، ولم يقل ما كان معناه الأمر أو الماضي . والمتبادر أن يكون هذا بحسب الوضع فلا يرد مثل : الضارب أمس ، نقضا على التعريف .
$[2/112]
" وفعال " أي : ما يوزن بـ ( فعال ) الكائن " بمعنى الأمر " المشتق " من الثلاثي " المجرد " قياس " أي : قياسي " كـ ( نزال ) بمعنى ( أنزل ) " .
قال سيبويه هو مطرد في الثلاثي المجرد ويرد عليه أنه لا يقال : ( قوام ) و ( قعاد ) في ( قم ، واقعد ) فلهذا يؤل بعضهم قول سيبويه بأنه أراد بالاطراد الكثرة فكأنه قياس لكثرته .
وأما في الرباعي فاتفقوا على أنه لم يأت منه إلا نادرا .
" و ( فعال ) " حال كونه " مصدرا معرفة كـ ( فجار ) " بمعنى ( الفجرة أو
$[2/113]
الفجور ) قال الشارح الرضي ( هو على ما قيل : مصدر معرّف مؤنث ولم يقم لي إلى الآن دليل قاطع على تعريفه ولا تأنيثه ) .
" و " وحال كونه " ( صفة لمؤنث ، مثل ( يا فساق ) " بمعنى : يا فاسقة " مبني " أي : كل واحد من القسمين الآخرين مبني " لمشابهته له " أي : ل ( فعال ) بمعنى الأمر " عدلا وزنة " أما زنة فظاهر وأما عدلا فلما ذهب إليه النحاة أن ( فعال ) بمعنى الأمر معدول عن الأمر الفعلي للمبالغة وهذه الصيغة للمبالغة في الأمر ، كـ ( فعّال ) و ( فعول ) للمبالغة في ( فاعل ) .(1/322)
قال الشارح الرضي : ( والذي أرى أن كون أسماء الأفعال معدولة عن ألفاظ الفعل شيء لا دليل لهم عليه .
كيف ؟ والأصل في كل معدول عن شيء أن لا يخرج عن النوع الذي ذاك الشيء منه ، فكيف خرج الفعل بالعدل من الفعلية إلى الاسمية ؟ .
وأما المبالغة فهي ثابتة في جميع أسماء الأفعال ) .
وبين وجهها في كلام طويل فمن أراد الاطلاع عليه فليرجع إليه .
" و " ( فعال ) حال كونه " علما للأعيان " أي : لعين من الأعيان .
إنما قال : علما ليخرج ( باب فساق ) وإنما قال : للأعيان ليخرج ( باب فجار ) لأنه
$[2/114]
وإن كان علما كما قالوا لكنه للمعاني لا للأعيان .
وقوله " مؤنثا " صفة ( علما ) وذكره للتنبيه على أنه لم يقع إلا كذلك " كـ ( قطام ) " علما لمؤنث " و ( غلاب ) " كذلك " مبني في " استعمال أهل " الحجاز " لمشابهته ( فعال ) بمعنى الأمر عدلا وزنة " معرب في " استعمال " بني تميم إلاّ ما في آخره " أي : إلا في ( فعال ) علما للأعيان يكون في آخره " راء " فإن بني تميم اخلفوا فيه ، فأكثرهم يوافقون الحجازيين في بنائه ، وأقلهم لا يفرقون بين ذات الراء وغيرها بل يحكمون بإعراب الكل " نحو ( حضار ) " علما لكوكب ، وجه الأكثرين : أن الراء حرف مستثقل لكونه في مخرجه كالمكرر .
فاختير فيه البناء ، لأنه أخف ، إذ سلوك طريقة واحدة أسهل من سلوك طرائق مختلفة .
$[2/115]
" ( الأصوات ) "
اعلم أن الأصوات الجارية على لفظ الإنسان إما منقولة إلى باب المصادر ولزمت المصدرية ولم تصر اسم فعل ، أو لم تلزم المصدرية وصارت اسم فعل .
فالأول مثل ( واها ) للتعجب وحكمه حكم المصادر .
والثاني مثل : صه ، ومه ، وحكمه حكم أسماء الأفعال .
وإما غير منقولة بل باقية على ما كان عليه حين كونها أصواتا ساذجة ، ولم تصر مصادر ولا أسماء أفعال وهي على أنواع .(1/323)
فمنها : ما يعرض للإنسان عند عروض معنى له ، كقول المتندم أو المتعجب : ( وي ) وحينئذ لا يقدر أن يحكم عليه بشيء أو به على شيء .
ومنها : ما يجري على لفظ الإنسان على سبيل الحكاية بأن يصدر من نفسه ما يشابه صوت شيء كما إذا قلت ( عاف ) قاصدا لإصدار ما يشابه صوت الغراب عن نفسك وحينئذ أيضاً لا يقدر أن يحكم عليه أو به .
$[2/116]
ومنها ما يصوب به لأجل حيوان إمّا لجز أو دعاء أو غير ذلك كما إذا قلت : ( نخ ) لإناخة البعير وحينئذ أيضاً لا يقدر أن يحكم عليه أو به .
وهذه الأقسام كلها مبنيات لانتفاء التركيب فيها ، وإذا تلفّظ بها على سبيل الحكاية ، كما إذا قلت ( قال زيد عن التعجب وي ، أو عند إناخة البعير ( نخ ) أو غاق عند حكاية صوت الغراب .
فهي في هذه الحالة أيضاً مبنية لكن لا من حيث أنها أصوات بل من حيث أنها حكاية عنها .
والمراد بالأصوات هاهنا : ما كانت باقية على ما هي عليه من غير نقلها على سبيل الحكاية وهي بهذا الاعتبار ليست بأسماء لعدم كونها دالة بالوضع وذكرها في باب الأسماء لإجرائها مجراها وأخذها حكمها وبنيت لجريها مجرى ما لا تركيب فيه من الأسماء .
فالأصوات بهذا الاعتبار " كل لفظ " إنما قال ( لفظ ) ولم يقل اسم لعدم الوضع فيها ، كما عرفت .
" حكى به صوت " أي : أصدر على لسان الإنسان تشبيها بصوت شيء كما عرفت في القسم الثاني من الأصوات الغير المنقولة .
" أو صوت به للبهائم " يعني مثلا أي : لإناختها أو زجرها أو دعائها أو غير ذلك .
وإنما قلنا : مثلا ، لأن المتبادر من البهائم ذات القوائم الأربع فلا يتناول ما هو للطيور ، بل لبعض أفراد الإنسان أيضاً كالصبيان والمجانين .
وإذا كان ذكرها على سبيل التمثيل بتناول التعريف كلها .
" فالأول كـ ( غاق ) إذا صوت به إنسان تشبيها بالغراب .
" والثاني كـ ( نخ ) " مشددة أو مخففة عند إناخة البعير .(1/324)
ولم يذكر المصنف القسم الأول ، وهو ما كان صوت الإنسان ابتداء من غير تعلق
$[2/117]
بالغير .
قيل : ذلك لأنه لما كان هذان القسمان مع تعلقهما بالغير ملحقين بالأسماء المبنية كان كون ذلك القسم كذلك أولى لكونه صوت الإنسان من غير تعلق بغيره .
$[2/118]
" ( المركبات ) "
أي : المركبات المعدودة من المبنيات .
" كل اسم " حاصل " من تركيب " كلمتين " حقيقة أو حكما ، اسمين أو فعلين أو حرفين أو مختلفين ، وجعلهما كلمة واحدة " ليس بينهما نسبة " أصلا لا في الحال ، ولا قبل التركيب .
وإنما قلنا : حقيقة أو حكما لئلا يخرج مثل " سيبويه " فإن الجزء الأخير منه صوت غير موضوع لمعنى فلا يكون كلمة لكنه في حكم الكلمة حيث أجري مجرى الأسماء المبنية .
وقوله : ليس بينهما نسبة ليخرج مثل ( عبدالله ) علما و ( تأبّط شرا ) لأن بين جزئي كل واحد منهما نسبة قبل العلمية .
ولا يخفى أنه يخرج بهذا القيد مثل ( خمسة عشر ) عن الحد مع أنه من أفراد المحدود ، لأن بين جزئيه قبل التركيب نسبة العطف ، وتعيين النسبة على وجه آخر ليخرج منها هذه النسبة أصعب من ( خرط القتاد ) والأحسن أن يقال : المراد بالنسبة نسبة مفهومه من ظاهر تركيب إحدى الكلمتين مع الأخرى .
$[2/119]
ولا شك أنه يفهم من ظاهر الهيئة التركيبية التي في ( عبدالله ) النسبة الإضافية ومن ظاهر الهيئة التركيبية التي في ( تأبط شرا ) النسبة التعلقية التي تكون بين الفعل والمفعول ، بخلاف مثل ( خمسة عشر ) فإن هيئة التركيب أحد جزئيه مع الآخر لا تدل على نسبة أصلا كما أن هيئة تركيب أحد شطري ( جعفر ) مع الآخر لا تدل عليها من غير فرق ، فانطبق الحد على المحدود طردا وعكسا .
" فإن تضمن " الجزء " الثاني حرفا " أي : حرف عطف أو غيره " بنيا " أي : الجزآن الأول ، لوقوع آخره في وسط الكلمة الذي ليس محلا للإعراب .(1/325)
والثاني : لتضمنه الحرف " كـ ( خمسة عشر ) " فإن أصله ( خمسة وعشرة ) حذفت الواو ، وركبت عشرة مع خمسة .
" و " مثل " ( حادي عشر ) وأخواتها " يعني : أخوات ( حادي عشر ) من ثاني عشر إلى تاسع عشر ، أو أخوات كل من ( خمسة عشر ) و ( حادي عشر ) وإنما أورد مثالين ليعلم أن البناء ثابت في هذا المركب ، سواء كان أحد جزئيه العدد الزائد على العشرة أو صيغة الفاعل المشتقة منه .
وقيل فيه نظر لأن الثاني فيه لا يتضمن الحرف لأنه لا يراد به حادي وعشر وجوابه أن المراد بصيغة الفاعل إذا اشتق من أسماء العدد واحد من المشتق منه ، لكن لا مطلقا بل باعتبار وقوعه بعد العدد السابق على المشتق منه .
فإن الثالث مثلا واحد من الثلاثة لكن لا مطلقا بل باعتبار وقوعه بعد الاثنين فلما أخذوا هذه الصيغة من المفردات للدلالة على ما ذكرنا أرادوا أن يأخذوا مثل ذلك من المركبات ولا يتيسر ذلك من مجموع الجزئين ، لأن صيغة ( فاعل ) لا تسع حروفهما
$[2/120]
جميعا ، فاقتصروا على أخذها من أحد الجزئين ، إذ في أخذ بعض الحروف من كل جزء مظنة الالتباس واختاروا الأول ليدل على المقصود من أول الأمر ، فأخذوا مثلا من ( أحد عشر ) المتضمن حرف العطف ( حادي عشر ) بمعنى : الواحد من أحد عشر ، بشرط وقوعه بعد العشرة .
فـ ( حادي عشر ) متضمن حرف العطف باعتبار أنه مأخوذ من ( أحد عشر ) المتضمن حرف العطف لا باعتبار أن أصله ( حادي وعشر ) إذ لا معنى له .
وعلى هذا القياس ( الحادي والعشرون ) لا فرق بينهما إلا بذكر الواو وحذفه .
" إلا اثني عشر " واثنتي عشرة فإنه لا يبنى فيهما الجزآن ، بل يبنى الثاني للتضمن ويعرب الأول لشبهه بالمضاف بسقوط النون .(1/326)
" وإلا " أي : وإن لم يتضمن الثاني حرفا " أعرب الثاني " مع منع صرفه إن لم يكن قبل التركيب مبنيا " كـ ( بعلبك ) وبني الأول " للتوسط المانع من الإعراب ، وعلى الفتح لأنه أخف " في الأفصح " أي : إعراب الثاني مع منع الصرف وبناء الأول إنما هو في أفصح اللغات وفيه لغتان أخريان إحداهما : إعراب الجزئين معا وإضافة الأول إلى الثاني ومنع صرف المضاف إليه .
وأخراهما : إعراب الجزئين وإضافة الأول إلى الثاني وصرف الثاني .
$[2/121]
" ( الكنايات ) "
جمع كناية ، وهي في اللغة والاصطلاح : أن يعبر عن شيء معيّن بلفظ غير صريح في الدلالة عليه لغرض من الأغراض ، كالإبهام على السامعين ، كقولك ( جاءني فلان ) وأنت تريد ( زيدا ) .
والمراد بها هاهنا ما يكنّى به لا المعنى المصدري ولا كل ما يكنى به بل بعضه ، ولا كل بعض بل بعض معيّن ، فكأنهم اصطلحوا في باب المبنيات أن يريدوا بها ذلك البعض المعين ، ولذلك لم يقل : بعض الكنايات كما قال بعض الظروف .
ويتعذر تعريفه إلا بالتصريح به مفصلا فلذلك أعرض عن تعريفها مطلقا .
وتعرض لذلك البعض المعين فقال : الكنايات " كم " وبناؤها لكونها موضوعة وضع الحروف أو لكون الاستفهامية متضمنة لمعنى الحرف ، وحمل الخبرية عليها .
$[2/122]
" وكذا " وبناؤها لأنها في الأصل ( ذا ) من أسماء الإشارة دخل عليها كاف التشبيه ، فصار المجموع بمنزلة كلمة واحدة بمعنى ( كم ) وبقي ( ذا ) على أصل بنائه .
وكل واحد منهما يكون " للعدد " والكناية عنه .
وجاء ( كذا ) كناية عن غير العدد أيضاً ، نحو ( خرجت يوم كذا ) كناية عن يوم السبت أو غيره .
" وكيت وذيت للحديث " أي : للكناية عن الحديث والجملة . وإنما بنيا لأن كل واحد منهما كلمة واقعة موقع الجملة التي هي من حيث هي لا تستحق إعرابا ولا بناء ، فلما وقع المفرد موقعها ، ولم يجز خلوه عنهما رجح البناء ، الذي هو الأصل في الكلمات قبل التركيب .(1/327)
ومن الكنايات ( كأيّن ) وإنما بني لأن كاف التشبيه دخلت على ( أيّ ) و ( أيّ ) وإن كان في الأصل معربا لكنه انمحى عن الجزئين معناهما الإفرادي ، وصار
$[2/123]
المجموع كاسم مفرد بمعنى ( كم ) الخبرية فصار كأنه اسم مبني على السكون إذ آخره نون ساكنة كما في ( من ) لا تنوين تمكن ولهذا يكتب بعد الياء نون مع أن التنوين لا صورة لها في الخط ، فمرتبته في البناء منحطة عن أخواتها فلذلك لم يذكره المصنف معها .
" فـ ( كم ) الاستفهامية " المتضمنة معنى الاستفهام " مميزها " الذي يرفع الإبهام عن جنس المسؤول عنه .
" منصوب " على التمييز " مفرد " لأنها لما كانت للعدد ، ووسط العدد ، وهو من ( أحد عشر إلى تسعة وتسعين ) مميزه مفرد ، منصوب جعل مميزها كذلك لأنه لو جعل كأحد الطرفين لكان تحكما .
" و " كم " الخبرية " مميزها " مجرور " بالإضافة " مفرد " تارة " ومجموع " أخرى .
$[2/124]
تقول : ( كم رجل عندي ) و ( كم رجال عندي ) كما تقول : مائة ثوب وثلاثة أثواب .
وإنما جاء مفردا ، لأن العدد الكثير مميزه كذلك ، وإنما جاء مجموعا ، لأن العدد الكثير فيه ما ينبئ عن كثرته صريحا ، ولما كان هذا ليس مثله في التصريح بالكثرة جعل جمعية مميزة كأنها نائبة عن معنى التصريح بها .
" وتدخل ( من ) فيهما " أي : في مميزي ( كم ) الاستفهامية والخبرية ، تقول : ( كم من رجل ضربت ؟ ) و ( كم من قرية أهلكناها ) .
قال الشارح الرضي : ( هذا في الخبرية كثير نحو ( وكم من ملك ) ، ( وكم من قرية ) وذلك لموافقته جرا للمميز المضاف إليه ( كم ) وأما مميز ( كم ) الاستفهامية فلم أعثر عليه مجرورا بمن في نظم ولا نثر ولا دل على جوازه كتاب من كتب هذا الفن ) لكن جوز الزمخشري أن يكون ( كم ) في قوله تعالى : { سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بيّنة } ، استفهامية وخبرية .
$[2/125](1/328)
" ولها " أي : لكم استفهامية كانت أو خبرية " صدر الكلام " لأن الاستفهامية تتضمن الاستفهام وهو يقتضي صدر الكلام ، ليعلم من أول الأمر أنه من أيّ نوع من أنوع الكلام والخبرية أيضاً تدل على إنشاء التكثير وهو أيضاً نوع من أنواع الكلام .
فيجب التنبيه عليه من أول الأمر .
" وكلاهما " لو قال ( كلتاهما ) لكان أوفق لتأنيث الاستفهامية والخبرية ، فهو على تأويل ( كلا هذين النوعين ) وهما ( كم ) الاستفهامية والخبرية أي : كل واحد منهما " يقع مرفوعا ومنصوبا ومجرورا " ثم بين موقع كل منهما بقوله : " فكل ما " أي : كل واحد من ( كم ) الاستفهامية والخبرية يكون " بعده فعل " أو شبهه لفظا أو تقديرا " غير مشتغل عنه بضميره " أو متعلق ضميره ، فهو من حيث هو كذلك " كان منصوبا معمولا على حسبه " أي : على حسب عمل هذا الفعل .
وعمله لا يكون إلا بحسب المميز وذلك أنك تقول : ( كم يوما ضربت ؟ ) وفـ ( كم ) منصوب على الظرفية مع اقتضاء الفعل للمفعول به . والمصدر والمفعول فيه وغير ذلك من المنصوبات .
فتعيينه لأحد المنصوبات إنما هو بحسب المميز فالاستفهامية نحو : ( كم رجلا ضربت ؟ ) في المفعول به ، و ( كم ضربة ضربت ؟ ) في المفعول المطلق ، ( كم يوما سرت ؟ ) في المفعول فيه .
والخبرية مثل ( كم غلام ملكت ) و ( كم ضربة ضربت ) و ( كم يوم سرت ) وإنما جعلنا الفعل وشبهه أعم من أن يكون ملفوظا أو مقدرا ليدخل في قاعة النصب ،
$[2/126]
مثل قولك ( كم رجلا ضربته ؟ ) إذا جعلته من قبيل الإضمار على شريطة التفسير ، وقد قدرت بعده فعلا غير مشتغل عنه أي : ( كم رجلا ضربت ضربته ؟ ) فهو من حيث إن بعده فعلا مقدرا غير مشتغل عنه داخل في قاعة النصب وإن لم تجعله من قبيلة ولم تقدر بعده فعلا غير مشتغل عنه فهو من هذه الحيثية مرفوع داخل في قاعدة الرفع .(1/329)
" وكل ما قبله " أي : كل واحد من ( كم ) الاستفهامية والخبرية وقع قبله " حرف جر " نحو : ( بكم درهما اشتريت ؟ ) أو ( بكم رجل مررت ) " أو مضاف " : نحو ( غلام كم رجل ضربت ؟ ) و ( عبدكم رجل اشتريت ) " فمجرور " بحرف الجر أو الإضافة .
وإنما جاز تقديم حرف الجر أو المضاف عليهما مع أن لهما صدر الكلام ، لأن تأخير الجار عن المجرور ممتنع لضعف عمله فجوز تقديم الجار عليهما على أن يجعل الجار - اسما كان أو حرفا - مع المجرور ككلمة واحدة مستحقة للصدر .
" وإلا " أي : وإن لم يكن بعده - لا لفظا ولا تقديرا - فعل ولا شبه فعل غير مشتغل عنه بضميره أو متعلق ضميره ولا قبله حرف جر أو مضاف ، كان مجردا عن العوامل اللفظية " فمرفوع " أي : فهو مرفوع " مبتدأ إن لم يكن ظرفا " نحو ( كم أخوتك ؟ ) .
وهذا مبني على مذهب سيبويه فإنه يخبر عنده بمعرفة عن نكرة متضمنة استفهاما .
وأما عند غير سيبويه فهذا خبر مقدم على المبتدأ ، لكونه نكره وما بعده معرفة .
$[2/127]
" وخبر إن كان ظرفا " نحو ( كم يوما سفرك ؟ ) فـ ( كم ) هنا منصوب المحل أولا ، داخل تحت قاعدة النصب باعتبار أعمال الكائن فيه ، وداخل في قاعدة الرفع ثانيا لقيامه مقام عامله الذي هو خبر المبتدأ .
" وكذلك " أي : مثل كم في تأتّي الوجوه الأربعة الإعرابية ، بالشرائط المذكورة .
" أسماء الاستفهام والشرط " .
بمعنى : أنه تتأتى تلك الوجوه في جميع هذه الأسماء لا في كل واحد منها وهي ( من ، وما ، وأيّ ، وأين ، وأنّى ، ومتى ) مشتركة بين الاستفهام و ( إذا ) مختصة بالشرط و ( كيف وأيّان ) مختصتين بالاستفهام .
فـ ( من ، وما ) إذا كانتا استفهاميتين يتأتى فيهما الوجوه الثلاثة ، الأول : نحو : ( من ضربت ؟ ) و ( ما صنعت ؟ ) و ( بمن مررت ؟ ) و ( غلام من ضربت ؟ ) و ( من ضربته ؟ ) و ( ما صنعته ؟ ) .
ولا يتأتى فيهما الرفع على الخبرية لامتناع ظرفيتهما .(1/330)
وإذا كانتا شرطيتين فكذلك تتأتى فيهما تلك الوجوه الثلاثة ، نحو : ( من تضرب أضرب ) و ( ما تصنع أصنع ) و ( بمن تمرر أمرر ) و ( غلام من تضرب أضربه ) و ( من يأتني فهو مكرم ) و ( ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ) .
ولا يتأتى فيهما بل في جميع أسماء الشرط الرفع على الخبرية ، فإنه لا يقع بعدها إلا الفعل ، ولا يصلح الفعل للابتداء .
وما هو لازم الظرفية من هذه الأسماء كـ ( متى وأين وأيّان وكيف وأنّى وإذا ) إن لم ينجر بجار ، نحو ( من أين ) فلا بد من كونها منصوبة على الظرفية وعن
$[2/128]
بعضهم : إن ( إذا ) قد يخرج عن الظرفية ويقع اسما صريحا نحو ( إذا يقوم زيد إذا يقعد عمرو ) أي : وقت قيام زيد وقت قعود عمرو ، فهي مرفوعة بالابتداء .
وقال الشارح الرضي : ( وأنا لم أعثر لهذا على شاهد من كلام العرب ) وما هو لازم الظرفية يرتفع في الاستفهام محلا مع انتصابه على الظرفية إذا كان خبر مبتدأ مؤخر ، نحو ( متى عهدك بفلان ؟ ) أي : متى كائن عهدك به ؟ .
وأما ( أيّ ) فتتأتى فيه الوجوه الأربعة كلها ، فإنه قد يقع في محل الرفع بالخبرية أيضاً على تقدير انتصابه على الظرفية ، نحو ( أيّ وقت مجيئك ؟ ) أي : أي وقت كائن مجيئك ؟ .
( فأي وقت ) على تقدير انتصابه على الظرفية مرفوع المحل بالخبرية . والوجوه الباقية مثل ( أيّهم ضربت ؟ ) و ( بأيّهم مررت ؟ ) و ( أيّهم قائم ؟ ) . " وفي مثل "
* كم عمة لك - يا جرير وخالة ... *
يعني : فيما احتمل الاستفهام والخبر ، وذكر المميز وحذفه .
$[2/129]
" ثلاثة أوجه " هكذا في تكثير من النسخ .
وفي بعضها : ( وفي مثل تميز عم عمة ) أي : ما هو تمييز باعتبار بعض الوجوه فعلى النسخة الأولى يحتمل أن يعتبر الأوجه الثلاثة في ( كم ) .
أحدها : رفعه بالابتداء .(1/331)
والآخر : أن نصبه على الظرفية أو على المصدرية ، فإنّه أشار فيما سبق ، بقوله ( منصوبا معمولا على حسبه ) إلى كثرة وجوه النصب ولا يخفى أن هذا أليق بما سبق من وجوه إعراب ( كم ) .
ويحتم أن يعتبر الأوجه الثلاثة في مميزها ، أعني : عمة ، فأحدهما : الرفع بالابتداء ، استفهامية كانت أو خبرية .
والآخر : أن النصب على تقدير كونها استفهامية والجر على تقدير كونها خبرية ولا يخفى أن هذا الوجه مبني على اعتبار جواز حذف مميزها وهو غير مذكور فيما سبق فكان الأليق تأخير هذا عن قوله ( وقد يحذف في مثل ، كم مالك ؟ ) .
وأما على النسخة الأخرى فلا يحتمل إلا الوجه الأخير .
والبيت للفرزدق يهجو جريراً ، وتمامه :
* فدعاء قد حلبت عليّ عشاري *
الفدعاء : المعوجة الرسغ من اليد أو الرجل ، فتكون منقلبة الكف أو القدم .
$[2/130]
بمعنى : أنها لكثرة الخدمة صارت كذلك أو هذه خلقة لها ، ونسبها إلى سواء الخلقة .
وإنما عدّى ( حلبت ) بـ ( على ) لتضمنه معنى ( ثقلت ) أي : كنت كارها لخدمتها مستنكفا منها فخدمتني على كره مني .
واختار من أنواع خدمتها الحلب ، لأنه خدمة المواشي ، وهي أبلغ في الذم من خدمة الأناسي .
والعشار : جمع عشراء وهي الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر .
واختاره لأنها تتأذى من الحلب ولا تطيع بسهولة ففي حلبها زيادة مشقة .
وفي ذكر عمته وخالته إشارة إلى رذالة طرفيه ، أبيه وأمه .
فالاستفهام على تقدير النصب على سبيل التهكم ، كأنه ذهل عن كمية عدد عماته وخالاته ، فسأل عنه .
وكونها خبرية على تقدير الجر على سبيل التحقيق ، أي : كثير من عماتك وخالاتك وحلبت على عشاري .
وإذا حذفت المميز : أي : كم مرة ، أو كم حلبة على التهكم أو كم مرة ، أو كم حلبة على التكثير فارتفاع ( عمة ) على الابتداء ،
$[2/131]
ومصححة توصيفه بقوله ( لك ) ، وخبره ( قد حلبت ) .
((1/332)
وكم ) استفهامية كانت أو خبرية على تقدير ارتفاع ( عمة ) في موضع النصب ، لأن الفعل الواقع بعدها مسلط عليها تسليط الظرفية أو المصدرية .
وإذا رفعت ( عمة ) رفعت ( خالة ) و ( فدعاء ) وإذا نصبتها نصبتهما ، وإذا خفضتها خفضتهما ، وذلك واضح .
" وقد يحذف " مميز ( كم ) استفهامية كانت أو خبرية " في مثل ( كم مالك ؟ " و " كم ضربت " : أي : في كل مثال قامت قرينة دالة على أنه سؤال عن كمية دراهمه أو دنانيره أو إخبار عن كثرتهما ، فمعناه كم درهما ، أو دينار ، أو كم درهم أو دينار مالك .
فـ ( كم ) في هذا المثال : مرفوع على الابتداء ومالك : خبره .
وإذا سئل عن ضربك بعد العلم بوقوعه أو أخبر به فالظاهر أن السؤال أو الإخبار إنما هو بالنسبة إلى مرات ضربك ، أي : كم مرّة أو مرة ضربت ، أو إلى ضرباتك أي : كم ضربة أو ضربة ضربت .
فـ ( كم ) في هذا المثال : إما منصوب على الظرفية أو المصدرية ، والفرق بين المعنيين ، إذا كان المصدر للنوع فظاهر ، وأما إذا كان للعدد فالملحوظ في
$[2/132]
الظرفية أولا الزمان الدال عليه الألفاظ الموضوعة للزمان ، وفي المصدرية أولا الحدث الدال عليه لفظ المصدر .
ويحتمل أن يكون المثال الثاني بتقدير : كم رجلا أو رجل ضربت ، فعلى هذا التقدير يكون : ( كم ) منصوبا على المفعولية .
$[2/133]
" ( الظروف ) "
أي : الظروف المعدودة من المبنيات المعبر عنها عند تعدادها ببعض الظروف فلا حاجة إلى ذكر البعض هاهنا .
" ومنها " أي : من تلك الظروف " ما " أي : ظرف " قطع عن الإضافة " ، بحذف المضاف إليه عن اللفظ دون النيّة ، فإنه عند نسيانه أعرب مع التنوين ، نحو ( ربّ بعد كان خيرا من قبل ) .
وسميت الظروف المقطوعة عن الإضافة غايات ، لأن غاية الكلام كانت ما أضيفت هي إليه ، فلما حذف ضرن غايات ينتهي بها الكلام .
وإنما بنيت لتضمنها معنى حرف الإضافة وشبهها بالحروف في الاحتياج إلى المضاف إليه .(1/333)
واختير الضم لجبر النقصان .
$[2/134]
" كـ ( قبل ، وبعد ) " وما أشبههما من الظروف المسموع قطعها عن الإضافة مثل ( تحت وفوق وقدام وخلف ووراء ) ولا يقاس عليها ما بمعناها .
ويجوز في هذه الظروف على قلة أن يعوض التنوين من المضاف إليه ، فتعرب .
قال الشاعر :
فساغ لي الشّراب وكنت قبلا ... ... أكاد أغصّ بالماء الفرات
فلا فرق بين ما أعرب من هذه الظروف المقطوعة وبين ما بني منها . وقال بعضهم : بل إنما أعربت لعدم تضمنها معنى الإضافة ، فمعنى ( كنت قبلا ) أي : قديما .
وقال الشارح الرضي : والأول هو الحق .
$[2/135]
" وأجري مجراه " أي : مجرى الظرف المقطوع عن الإضافة " لا غير ، وليس غير " في حذف المضاف إليه والبناء على الضم وإن لم يكن ( غير ) من الظروف لشبهه بالغايات لشدة الإبهام الذي فيه كما كان فيها .
ولا يحذف منه المضاف إليه إلا بعد ( لا أو ليس ) نحو ( أفعل هذا لا غير ) و ( جاءني زيد ليس غير ) لكثرة استعمال ( غير ) بعدهما .
" و " كذلك أجري مجرى الظروف " حسب " لشبهها بـ ( غير ) في كثرة الاستعمال وعدم تعرفها بالإضافة .
" ومنها " أي : من الظروف المبنية " حيث " للمكان .
وقال الأخفش : قد يستعمل للزمان " ولا يضاف إلا إلى جملة " اسمية كانت أو فعلية " في الأكثر " أي : في أكثر الاستعمالات .
وقد جاء :
* أما ترى حيث سهيل طالعا *
$[2/136]
فـ ( حيث ) فيه مضاف إلى مفرد وهو ( سهيل ) مفعول ( ترى ) أي : أما ترى مكان سهيل طالعاً .
آخره :
* نجما يضيق كالشّهاب ساطعا *
وإنما بنيت على الضم كالغايات لأنها غالبة الإضافة إلى الجملة والمضاف إلى الجملة في الحقيقة مضاف إلى المصدر الذي تضمنته الجملة .(1/334)
فهي وإن كانت في الظاهر مضافة إلى الجملة فإضافتها إليها كلا إضافة ، فشابهت الغايات المحذوف ما أضيفت إليه ، فبنيت على الضم مثلها . ومع الإضافة إلى المفرد يعربه بعضهم لزوال علة البناء ، أي : الإضافة إلى الجملة والأشهر بقاؤه على بنائه ، لشذوذ الإضافة إلى المفرد .
" ومنها " أي : من الظروف المبنية " إذا " زمانية كانت أو مكانية .
وإنما بنيت لما ذكرنا في ( حيث ) وهي إذا كانت زمانية " للمستقبل " أي : للزمان المستقبل ، وإن كانت داخلة على الماضي ، وذلك لأن الأصل في استعمالها أن تكون لزمان من أزمة المستقبل مختص من بينها بوقوع حدث فيه مقطوع بوقوعه في اعتقاد المتكلم .
$[2/137]
والدليل عليه استعمالها في الأغلب الأكثر في هذا المعنى ، نحو ( إذا طلعت الشمس ) وقوله تعالى { إذا الشمس كورت } ولهذا كثر في الكتاب العزيز استعماله لقطع علاّم الغيوب بالأمور المتوقعة .
وقد استعمل في الماضي كما في قوله تعالى { حتى إذا بلغ بين السّدّين } و { حتى إذا ساوى بين الصّدفين } و { حتى إذا جعله نارا } .
" وفيها " أي : في ( إذا " معنى الشرط " وهو ترتيب مضمون جملة على أخرى فتضمنت معنى حرف الشرط ، فهذا علة أخرى لبنائها " ولذلك " أي : لكون معنى الشرط فيها " اختير " أي جعل مختارا " بعدها الفعل " لمناسبة الفعل الشرط .
وجوز الاسم أيضاً على الوجه الغير المختار ، لعدم تأصلها في الشرط مثل ( إن ، ولو ) .
" وقد تكون " أي : ( إذا ) " للمفاجأة " مجردة عن معنى الشرط ، يقال : فاجأ الأمر مفاجأة من قولهم : فجأته فجاءة - بالضم والمد - إذا لقيته وأنت لا تشعر به .
" فيلزم المبتدأ بعدها " فرقا بين ( إذا ) هذه وبين ( ذا ) الشرطية المراد بلزوم المبتدأ : غلبة وقوعه بعدها ، فلا ينافي ما سبق من عدم وجوب الرفع بعدها في باب
$[2/138]
الإضمار على شريطة التفسير .
نحو ( خرجت فإذا السبع ) أي : فإذا السبع حاضر ، أو واقف . على حذف الخبر .(1/335)
والعامل في ( إذا ) هذه معنى المفاجأة ، وهو عامل لا يظهر ، وقد استغنوا عن إظهاره لقوة ما فيه من الدلالة عليه .
وأما الفاء : فهي للسببية فإن مفاجأة السبع مسبّبة عن الخروج .
قيل والأقرب إلى التحقيق : أنها للعطف من جهة المعنى ، أي : خرجت ففاجأت ، وحاصل المعنى : خرجت ففاجأت زمان وقوف السبع ، كما هو مذهب الزجاج أن ( إذا ) هذه زمانية أو مكان وقوف السبع ، كما ذهب إليه المبرد ، فإنها عنده مكانية .
$[2/139]
وقوله ( زمان وقوف السبع ، أو مكانه ) مفعول فيه لفاجأت ، لا مفعول به .
وإلا لم يتبق ( إذا ) ظرفية بل تصير اسمية بل المفعول به محذوف ، أي : فاجأت في زمان وقوف السبع أو مكانه إياه أي : السبع وقد تكون لمجرد الزمان نحو آتيك إذا احمر البسر ، أي : وقت احمرار البسر .
وقد يستعمل اسما مجردا عن معنى الظرفية في نحو ( إذا يقوم زيد إذا يقعد عمرو ) وقد سبقت إليه الإشارة .
" ومنها " أي : من الظروف المبنية " إذ " الكائنة " للماضي " .
وبناؤها لما مر في ( حيث ) أو لكون وضعها وضع الحرف .
وقد تجيء للمستقبل كقوله تعالى { فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم } .
$[2/140]
" وتقع بعدهما الجملتان " الاسمية والفعلية ، لعدم اشتمالها على معنى الشرط المقتضي إخصاصها بالفعلية : مثل ( كان ذلك إذ زيد قائم ، وإذ قام زيد ) وقد تجيء للمفاجأة نحو ( خرجت فإذ زيد قائم ) ولقلة مجيئها لم يذكرها المصنف .
" ومنها ( أين وأنّى ) " فهما " للمكان استفهاما وشرطا " أي : حال كونهما للاستفهام والشرط .
وبناؤهما لتضمنهما معنى حرف الاستفهام أو الشرط نحو ( أين زيد ؟ ) و ( أين تكن أكن ) و ( أنّى زيد ؟ ) و ( أنّى تجلس أجلس ) .
وقد جاء ( أنّى زيد ؟ ) بمعنى كيف و ( أنّى القتال ؟ ) بمعنى : متى .
" و " منها " متى للزمان فيهما " أي في الاستفهام والشرط ، نحو ( متى القتال ؟ ) و ( متى تخرج أخرج ) .(1/336)
" و " منها " أيّان للزمان استفهاما " مثل ( متى ) نحو ( أيّان يوم الدّين ؟ ) والفرق بينهما أن ( أيان ) مختص بالأمور العظام وبالمستقبل ، فلا يقال ( أين يوم قيام زيد ؟ ) و ( أيان قدوم الحاج ؟ ) بخلاف ( متى ) فإنه غير مختص بهما .
والمشهور فتح الهمزة والنون ، وقد جاء كسرهما أيضاً .
$[2/141]
" و " منها " كيف " الكائنة " للحال استفهاما " أي : حال شيء وصفته فالمراد بالحال صفة الشيء ، لا زمان الحال كما توهما بعض الشارحين .
قال صاحب المفصل : ( وكيف ) جار مجرى الظروف ، ومعناه السؤال عن الحال ، تقول : كيف زيد ؟ أي : على أيّ حال هو ؟ ) .
ويستعمل الشرط مع ( ما ) على ضعف عند البصريين ، نحو ( كيفما تجلس أجلس أي : على أي هيئة تجلس أجلس .
ومطلقا عند الكوفيين نحو ( كيف تجلس أجلس ) .
فإن كان بعده اسم فهو في محل الرفع بالخبرية عنه وإن كان بعده فعل مثل ( كيف جئت ؟ ) فهو في محل النصب على الحالية ، أي : على أي حال جئت راكبا أو ماشيا .
" ومنها " أي : من الظروف المبنية " ( مذ ومنذ ) " بنيا لموافقتهما ( مذ ومنذ ) حرفين ويكونان تارة " بمعنى أوّل المدّة " أي أول مدة زمان الفعل المتقدم عليهما نحو ( ما رأيته مذ أو منذ يوم الجمعة ) أي : أو زمان عدم رؤيته يوم الجمعة .
$[2/142]
" فيليهما " أي : يقع بعدهما أي : بعد ( مذ ومنذ ) " المفرد " أي الاسم المفرد ، لا المثنى ولا المجموع حقيقة كالمثال المتقدم ، أو حكما ، نحو ( ما رأيته مذ اليومان اللذان صاحبنا فيهما ) أي : أول مدة عدم رؤيته هذان اليومان .
فما دام لا يلاحظ هذان اليومان أمرا واحدا لا يحكم عليهما بأولية المدة ، لأن أو المدة إنما يكون أمرا واحدا لا شيئين أو أشياء .(1/337)
فالمثنى والمجموع إذا وقعا أول المدة يكونان في حكم المفرد " المعرفة " حقيقة ، كالمثال المتقدم ، أو حكما نحو ( ما رأيته مذ يوم لقيتني فيه ) لحصول التعيين المقصود من كونه معرفة ، وإنما كان التعيين مقصودا ، لأنه لا فائدة في جعل الوقت المجهول أول مدة فعل ، لأن أولية وقت ما لزمان مدة الفعل معلوم بالضرورة .
" و " تارة يكونان " بمعنى جميع المدة " أي : جميع مدة زمان الفعل " فيليهما " أي : ( مذ ومنذ ) " المقصود " أي : الزمان الذي قصد بيانه حال كونه متلبسا " بالعدد " أي : بعدده المستغرق جميع أجزائه ، بحيث لا يشذ منه شيء نحو ( ما رأيته مذ يومان ) أي : جميع أجزاء مدة زمان عدم رؤيته يومان لا أزيد ولا أنقص .
" وقد يعق بعدهما المصدر " نحو ( ما خرجت مذ ذهابك ) " أو الفعل " نحو ( ما خرجت مذ ذهبت ) " أو أن " أي : ما كتب على هذه الصورة مثقلة كانت أو مخففة نحو ( ما خرجت مذ أنك ذاهب ) أو ( ما خرجت مذ أن ذهبت ) أو الجملة الاسمية نحو ( ما خرجت مذ زيد مسافر ) ولم يذكره لقلته .
" فيقدر " بعدهما " زمان مضاف " إلى أحد هذه الأمور ، ليصح حمل ما بعدهما
$[2/143]
عليهما ، فكان التقدير في ( ما خرجت مذ ذهابك ) مذ زمان ذهابك وعلى هذا القياس فيما بقي " وهو " أي : كل واحد من ( مذ ومنذ ) اسمين " مبتدأ " وهما معرفتان لكونهما في تأويل الإضافة لأنهما إما بمعنى ( أول المدة ) أو ( جميع المدة ) .
" وخبره ما بعده " أي : خبر كل منهما ما يقع بعده " خلافا للزجاج " فإنهما عنده خبر المبتدأ والمبتدأ ما بعدهما .
ويرد عليه أنه يلزم أن يكون المبتدأ في مثل قولك : مذ يومان نكرة ، والخبر معرفة ، وذلك غير جائز .
واعلم أنهما إذا كانا مبتدأ أو خبرا فهما اسمان صريحان لا ظرفان ، فلا يصح عدهما من الظروف المبنية إلا أن يراد بظرفيتهما كونهما من أسماء الزمان لا أنهما يعقان ظرفا في تراكيبهم .(1/338)
" ومنها " أي من الظروف المبنية " لدى " بالألف المقصورة " ولدن " بفتح اللام وضم الدال وسكون النون .
$[2/144]
" وقد جاء لدن " بفتح اللام وسكون الدال وكسر النون " ولدن " فتح اللام والدال وسكون النون ، و " لدن " بضم اللام وسكون الدال وكسر النون " ولد " بفتح اللام وسكون الدال " ولد " بضم اللام وسكون الدال " ولد " فتح اللام وضم الدال .
وبناؤها لوضع بعضها وضع الحروف ، وحمل البقية عليه .
وكلها بمعنى ( عند ) والفرق : أنه يقال : ( المال عند زيد ) فيما يحضر عنده وفيما في خزائنه ، وإن كان غالبا عنه .
ولا يقال : ( المال لدى زيد أو لدن زيد ) إلا فيما يحضر عنده .
$[2/145]
وحكمها : أن يجربها على الإضافة ، نحو ( المال لدى زيد ) .
وقد ينصب في بعض لغات العرب بـ ( لدن ) خاصة ( غدوة ) خاصة سماعا ، تشبيها لنونها بنون التنوين في مثل ( رطل زيتا ) ولذلك يحذف عنها ، ويثبت .
ولكن ( غدوة ) أكثر استعمالا من ( سحرة ) وغيرها .
" و " منها " قطّ " مفتوح القاف ومضموم الطاء المشددة وهذا أشهر لغاته وقد يخفف الطاء المضمومة وقد يضم القاف اتباعا لضمة الطاء المشددة أو المخففة .
وجاء ( قط ) ساكنة الطاء مثل ( قط ) الذي هو اسم فعل ، فهذه خمس لغات كلها " للماضي المنفي " أي : لأجل الفعل الماضي المنفي ، وقوع شيء فيه ليستغرق النفي جميع الأزمنة الماضية نحو ( ما رأيته قط ) .
وبناء المخففة لوضعها وضع الحروف ، وبناء المشددة لمشابهتها لأختها المخففة .
وقيل : حمل على أختها ( عوض ) .
$[2/146](1/339)
" و " منها " عوض " بفتح العين وضم الضاد ، وقد جاء فتح الضاد وكسرها " للمستقبل " أي : لأجل الفعل المستقبل " المنفي " أو الزمان المستقبل المنفي فيه وقوع شيء ليستغرق النفي جميع الأزمنة المستقبلة نحو ( لا أراه عوض وبناء ( عوض ) على الضم لكونه مقطوعا عن الإضافة كـ ( قبل وبعد ) بدليل إعرابه مع المضاف إليه نحو : ( عوض العائضين ) أي : دهر الداهرين ، ومعنى ( الداهر ) و ( العائض ) الذي يبقى على وجه الدهر .
" والظروف المضافة إلى الجملة و " إلى كلمة " إذ " المضافة إلى الجملة " يجوز بناؤها " لاكتسابها البناء من المضاف إليه ولو بواسطة " على الفتح " للخفة نحو قوله تعالى { يوم ينفع الصادقين صدقهم } وقوله تعالى { من خزي يومئذ } فيمن قرأ بالفتح .
ويجوز إعرابها أيضاً لكونها أسماء مستحقة للإعراب ، ولا يجب اكتساب المضاف إلى المبني البناء منه .
$[2/147]
" وكذلك " أي : كالمذكور من الظروف في جواز البناء على الفتح والإعراب ، " مثل وغير " مذكورين " مع ( ما وأن ) مخففة أو مشددة ، مثل ( قيامي مثل ما قام زيد ) و ( قيامي مثل أن يقوم زيد ، أو مثل أنك تقوم ) لمشابهتهما الظروف المضافة إلى الجملة نحو ( إذا وحيث ) ولهذه المشابهة ذكرهما في بحث الظروف .
ويجوز إعرابهما لكونهما اسمين مستحقين للإعراب .
$[2/148]
" ( المعرفة والنكرة ) "
أي : هذا باب بيان المعرفة والنكرة ، من أقسام الاسم :
" المعرفة " : ما " أي : اسم " وضع " بوضع جزئي أو كلّي لشيء متلبس " بعينه " أي : بذاته المعينة المعلومة للمتكلم والمخاطب المعهودة بينهما . فالشيء مقيد بهذه المعلومية والمعهودية إذا وضع له اسم ، فهو المعرفة ، وإذا وضع له اسم باعتبار ذاته مع قطع النظر عن هذه الحيثية فهو النكرة .
فقوله ( ما وضع لشيء ) شامل للمعرفة والنكرة ، وقوله ( بعينه ) يخرج به النكرة .(1/340)
" هوي " أي : المعرفة : ستة أنواع بالاستقراء ، وأشار بترتيبها في الذكر إلى ترتبيها بحسب المرتبة .
فالأول : " المضمرات " فإنها موضوعة بإزاء معان معينة مشخصة باعتبار أمر كلّي ، فإن الواضع لاحظ أولا مفهوم المتكلم الواحد من حيث إنه يحكي عن نفسه مثلا ، وجعله آلة لملاحظة أفراده ، ووضع لفظ ( أنا ) بإزاء كل واحد من تلك الأفراد بخصوصه بحيث لا يفاد ولا يفهم إلا واحد بخصوصه دون القدر المشترك فيتعقل ذلك المشترك آلة للوضع ل أنه الموضوع له ، فالوضع كلي والموضوع له جزئي مشخص .
$[2/149]
" و " الثاني . " الأعلام الشخصية ، كما إذا تصوّر ذات زيد ووضع لفظ ( زيد ) بإزائه من حيث معلوميته ومعهوديته ، أو الجنسية ، كما إذا تصور مفهوم الأسد ، وهو الحيوان المفترس ، ووضع بإزائه من حيث معلوميته ومعهوديته لفظ ( أسامة ) .
فهذا اللفظ بهذا الاعتبار علم لهاذ المعنى الجنسي ومعرفة بخلاف ما إذا وضع لفظ الأسد بإزاء هذا المفهوم الجنسي مع قطع النظر عن معلوميته ومعهوديته فإنه بهذا الاعتبار نكرة .
" و " الثالث : " المبهمات " يعني أسماء الإشارة والموصولات وإنما سميت مبهمات لأن اسم الإشارة من غير إشارة مبهم ، وكذا الموصوف من غير صلة .
وهذا القسم من قبيل الوضع العام ، والموضوع له خاص ، فإنها موضوعة بإزاء معان معينة معهودة من حيث معلوميتها ومعهوديتها وضعا عاما كليا ، فإن الواضع إذا تعقل مثلا معنى المشار إليه المفرد المذكر ، وعين لفظا بإزاء كل واحد من أفراد هذا المفهوم كان هذا وضعا عاما ، لأن التصور المعتبر فيه عام ، وهو المشترك بين تلك الأفراد ، والموضوع له خاص ، لأنه خصوصية كل واحد من تلك الأفراد ، لا المفهوم المشترك بينها .
$[2/150]
" و " الرابع ، والخامس : " ما عرف باللام " العهدية أو الجنسية أو الاستغراقية .
وإنما لم يقل ( ما دخله اللام ) لئلا يدخل فيه ما دخله اللام الزائدة لتحسين اللفظ .(1/341)
والميم في ( ليس من امبر امصيام في امسفر ) بدل من اللام فلا يعد ما دخلته قسما آخر من المعارف .
" أو " عرف " بالنداء " نحو : يا رجل ، إذا قصد به معيّن ، بخلاف يا رجلا ، لغير معين ، فإنه نكرة .
ولم يذكره المتقدمون لرجوعه إلى ذي اللام ، إذ أصل ( يا رجل ) : يا أيها الرجل .
" و " السادس : " المضاف إلى أحدها " أي : أحد الأمور الخمسة المذكورة ولا يستلزم صحة الإضافة إلى أحدها صحتها بالنسبة إلى كل واحد فلا يرد أنها لا تصح إلا بالنسبة إلى الأربع الأول ، فإن المنادى لا يضاف إليه .
قيل : كان عليه أن يقول : والمضاف إلى المعرفة ، ليدخل فيه المضاف إلى المضاف
$[2/151]
إلى المعرفة أيضاً ، مثل ( غلام أبيك ) .
والجواب : أن المراد بالمضاف إلى أحدها أعم من أن يكون بالذات أو بالواسطة . ولا يخفى عليك - نظرا إلى ما سبق - أن المضاف إذا كان لفظ ( الغير أو المثل أو الشبه ) فهو مستثنى من هذا الحكم .
" معنى " أي : إضافة معنى ، يعني : إضافة معنوية .
فقوله ( معنى ) مفعول مطلق بحذف مضاف . واحترز به عن المضاف إلى أحد هذه الأمور إضافة لفظية ، فإنها لا تفيد تعريفا .
ولما سبق تعريف المضمرات والمبهمات - ومعنى المضاف إلى أحدهما معنى ظاهر - والمعرف باللام والنداء مستغن عن التعريف خص العلم بالتعريف وقال :
$[2/152]
" ( العلم ) "
اسما كان أو لقبا أو كنية ، لأنه إن صدر بالأب أو الأم أو الابن أو البنت فهو كنية ، وإلا ، فإن قصد به مدح أو ذم فهو اللقب وإلا فهو اسم .
" ما وضع لشيء بعينه " شخصا أو جنسا واحترز به عن النكرات ، والأعلام الغالبة التي تعني لفرد معين بغلبة الاستعمال فيه داخلة في التعريف لأن غلبة استعمال المستعملين بحيث اختص العلم الغالب لمفرد معين بمنزلة الوضع من واضع معين ، فكأن هؤلاء المستعملين وضعوا له ذلك .(1/342)
" غير متناول غيره " أي : حال كون ذلك الاسم الموضوع لشيء بعينه غير متناول غير ذلك الشيء باستعماله فيه ، واحترز به عن المعارف كلها .
وقوله " بوضع واحد " أي : تناولا بوضع واحد لئلا يخرج الأعلام المشتركة . ولما أشار إلى ترتيب أنواع المعارف في الأعرفية بترتيبها في الذكر ، أراد التنبيه على ترتيب أصنافها فيما يكون فيه هذا الترتيب ، فقال :
" وأعرفها " أي : أعرف المعارف ، يعني : أقلها لبسا عند المخاطب من حيث
$[2/153]
أصنافها .
" المضمر المتكلم " لبعد وقوع الالتباس فيه .
" ثم " المضمر " المخاطب " فإنه يتطرق فيه مالا يتطرق في المتكلم .
ألا ترى أنك إذا قلت : ( أنا ) لم يلتبس بغيره ، وإذا قلت : ( أنت ) جاز أن يلتبس بآخر ، فيتوهم أن الخطاب له .
وليس المراد بالأعرفية إلاّ كون المعرفة أبعد من اللبس .
ثم المضمر الغائب ، ولم يذكره لأنه علم من أعرفية المتكلم والمخاطب أنه أدون منهما .
واقتصر على بيان النسبة بين أصناف المضمرات فإن سائر المعارف : لا تفاوت بين أصنافها إلا المضاف إلى أحدها ، فإن فيه تفاوتا باعتبار تفاوت المضاف إليه ولهذا ما أثبت التفاوت بين أصنافه بعد بيانه بين أنواع المضاف إليه وأصنافه .
وهذا الترتيب الذي ذكره هو مذهب سيبويه فإن فيه اختلافات كثيرة .
$[2/154]
" ( النكرة ) "
" ما وضع لشيء لا بعينه "
أي : لا باعتبار ذاته المعينة المعلومة المعهودة من حيث هو كذلك فقوله ( ما وضع لشيء ) شامل للمعرفة والنكرة ، وبقوله ( لا بعينه ) خرجت المعرفة .
$[2/155]
" ( أسماء العدد ) "
إنما أفردها بالذكر ، لأن لها أحكاما خاصة ليست بغيرها .
" وهي : ما وضع " أي : ألفاظ وضعت " لكمية آحاد الأشياء " منفردة كانت تلك الآحاد أو مجتمعة .
فالأشياء : هي المعدودات وآحادها : كل واحد منها .(1/343)
وكمية الآحاد : ما يجاب به إذا سئل عن واحد أو عن أكثر من واحد من تلك المعدودات بـ ( كم ) والألفاظ الموضوعة بإزاء تلك الكميات بأن يكون كل واحد منها موضوعا لكمية واحدة منها أسماء العدد .
فالواحد موضوع لكمية آحاد الأشياء إذا أخذت منفردة .
فإذا سئل عن معدود منها ، بكم هو ؟ يجاب بالواحد .
والاثنان موضوع لكميتها إذا أخذت مجتمعة متكررة مرة واحدة .
فإذا سئل عن معدودين يجبا بالاثنين وهكذا إلى ما لا نهاية له .
فظهر من التقرير أن لفظ الواحد والاثنين داخلان في هذا التعريف ، لأنهما من أسماء العدد في عرف النحاة وإن لم يكونا عند بعض الحساب من العدد .
ولما كان المتبادر من هذه العبارة أن نفس الكمية هي الموضوع له من غير اعتبار معنى آخر لا ينتقض التعريف بمثل : رجل ، ورجلين ، وذراع وذراعين ، ومنّ ومنّين حيث لا يفهم منها الواحديّة والأثنينيّة فقط .
" أصولها " أي : أصول أسماء العدد التي يتفرع منها باقيها .
إما بإلحاق تاء التأنيث ، كـ ( واحدة ، واثنتان ) أو بإسقاطها كـ ( ثلاث إلى تسع ) أو بالتثنية كـ ( مائتين وألفين ) أو بالجمع كـ ( مئات وألوف وعشرين ) ، أو بالتركيب إضافيا كان كـ ( ثلاثمائة ) أو مزجيا كـ ( خمسة عشر ) أو بالعطف كـ ( خمسة وعشرين ) .
" اثنتا عشرة كلمة ، واحد إلى عشرة ، ومائة ، وألف ، تقول " في الأعداد مذكرة ومؤنثة ومفردة ومركبة ومعطوفة : " واحد واثنان " في المفرد المذكر وتثنيته .
$[2/156]
" واحدة واثنتان أو ثنتان " في المفرد المؤنث ، وتثنيتها على ما هو القياس .
" و " تقول للمذكر : ( ثلاثة إلى عشرة " بالتاء لجماعة المذكر اعتبارا لتأنيث الجماعة ، نحو ( ثلاثة رجال إلى عشرة رجال ) " وثلاث إلى عشر " بدونها ، لجمع المؤنث ، فرقا بين المذكر والمؤنث ، نحو ( ثلاث نسوة ) و ( عشر نسوة ) ولم ينقل الأمر بالعكس لكون المذكر أسبق .(1/344)
وتقول : إذا جاوزت عشرا : " أحد عشر ، واثنا عشر ) " في المذكر ، نحو ( أحد عشر رجلا ) و ( اثنا عشر رجلا ) . " إحدى عشرة ، واثنتا عشرة " و ( ثنتا عشرة ) في المؤنث على الأصل بتذكير المذكر وتأنيث المؤنث .
وغير الواحد إلى ( أحد ) والواحدة إلى ( إحدى ) للتخفيف .
وتقول : " ( ثلاثة عشر إلى تسعة عشر ) " في المذكر ، نحو ( ثلاثة عشر رجلا ) .
" ثلاث عشرة إلى تسع عشرة " في المؤنث ، نحو ( ثلاث عشرة امرأة ) إبقاء للجزء الأول فيهما بحاله قبل التركيب وتذكير الثاني في المذكر كراهة اجتماع تأنيثين من جنس واحد فيما هو كالكلمة الواحدة ، بخلاف ( إحدى عشرة ) و ( اثنتا عشرة ) فإن التأنيث فيهما من جنسين .
وأما تذكير الثاني في ( أحد عشر ، واثنا عشر ) فمحمول على التذكير في ( ثلاثة عشر ) والتاء في ( ثنتان ) بدل من لام الكلمة فلم يتمخض للتأنيث ، فلهذا حكمنا عليه بأنه جنس آخر من التأنيث .
وفي ( اثنتان ) وإن كانت للتأنيث إلا أنها حملت على ثنتان .
وأما تأنيث الجزء الثاني في المؤنث فلأنه لما وجب تذكير المذكر - لما عرفت - وجب تأنيثه للمؤنث ، لانتفاء المانع وهو عم الفرق بين المذكر والمؤنث .
" وتميم تكسير الشين " عند التركيب " في المؤنث " أي : من ( عشرة ) تحرزا عن توالي أربع فتحات مع ثقل التركيب في ( إحدى عشرة واثنتا عشرة ) أو خمس فتحات في ( ثلاث عشرة إلى تسع عشرة ) . والحجازيون يسكنونها وهي اللغة الفصيحة لأن السكون أخف من الفتح .
$[2/157]
" و " تقول : " عشرون وأخواتها " بكسر التاء لأنه منصوب بالعطف على ( عشرون ) المنصوب محلا بمفعولية القول .
وهي : ثلاثون وأربعون وخمسون إلى تسعين .
" فيهما " أي : في المذكر والمؤنث من غير فرق ، وهي عقود ثمانية ، وتقول فيما زاد على كل عقد من تلك العقود إلى عقد آخر : " أحد وعشرون " في المذكر " إحدى وعشرون " في المؤنث .(1/345)
ولما غير الواحد والواحدة هاهنا بدون التركيب لأن المعطوف والمعطوف عليه في قوة التركيب لم يكن استعمالهما بالعطف على صورة لفظ ما تقدم بعينه ، فلذلك لم يدرجهما في قاعة العطف بلفظ ما تقدم بل خصها بما عداهما فقال " ثم بالعطف " أي : عطف تلك العقود على الزائد عليها كائنا ذلك الزائد " بلفظ ما تقدم " من أسماء الأعداد بعينه من غير تغيير ، فتقول : ( اثنان وعشرون ) في المذكر و ( اثنتان ، أو ثنتان وعشرون ) في المؤنث ، ( ثلاثة وعشرون ) في المذكر و ( ثلاث وعشرون ) في المؤنث ، هكذا " إلى تسعة وتسعين " بل إلى ( تسع وتسعين ) وتقول : فيما زاد على ( تسعة وتسعين ) .
" مائة وألف " في الواحد " مائتان وألفان " في التثنية " فيهما " أي : في المذكر والمؤنث من غير فارق بينهما .
" ثم " تقول فيما زاد على ( مائة وألف ) وما يتفرع عنهما " بالعطف " أي : بعطف الزائد عليهما أو عطفهما على الزائد حال كون الزائد واقعا " على صورة ما تقدم " من أسماء الأعداد من غير تغيير وتبديل ، فتقول : ( مائة وواحد ، أو واحدة ) و ( مائة واثنان أو اثنتان ) و ( مائة وثلاثة رجال ، أو ثلاث نسوة ) و ( مائة وأحد عشر رجلا أو إحدى عشرة امرأة ) و ( مائة وأحد وعشرون رجلا أو إحدى وعشرون امرأة ) و ( مائة واثنان وعشرون رجلا أو اثنتان وعشرون امرأة ) و ( مائة وثلاثة وعشرون رجلا أو ثلاث وعشرون امرأة ) إلى ( مائة وتسعة وتسعين رجلا أو تسع وتسعين امرأة ) وكذا الحال في تثنية المائة والألف وجمعهما .
وجوز أن يعكس العطف في الكل فتقول ( واحد ومائة ) إلى آخر ما ذكرنا .
" و " الأصل " في ثماني عشرة فتح الياء " لبناء صدور الأعداد المركبة على الفتح كـ ( ثلاثة عشر ) .
$[2/158]
" وجاء إسكانها " أي : إسكان الياء لتثاقل المركب بالتركيب كما في ( معدي كرب ) .(1/346)
" وشذ حذفها " أي : حذف الياء " بفتح النون " لأنها إذا حذفت فالوجه بقاء الكسرة كما في قولك : ( جاءني القاضي ) إذا حذفت الياء لأن الذي سوغ ذلك فيه كونه مركبا ، فروعي زيادة استثقاله فجعل موضع الكسرة فتحة .
قال الشارح الرضي : ( ويجوز كسرها ليدل على الياء المحذوفة ، لكن الفتح أولى ليوافق أخواته ، لأنها مفتوحة الأواخر مركبة مع العشرة .
****
ولما فرغ من بيان حال أسماء الأعداد شرع في بيان حال مميزاتها وابتدأ من الثلاثة لأنه لا مميز للواحد والاثنين كما سيصرح به فقال :
" ومميز الثلاثة إلى العشرة " والثلاثة إلى العشر " مخفوض " أي : مجرور " ومجموع لفظا " نحو ( ثلاثة رجال ) .
" أو معنى " نحو ( ثلاثة رهط ) .
أمّا كونه مخفوضا فلأنه لما كثر استعماله آثروا فيه جر التمييز بالإضافة ، للتخفيف لأنها تسقط التنوين والنونين .
وأما كونه مجموعا ليطابق المعدود العدد " إلا ي ( ثلاثمائة إلى تسعمائة ) " استثناء من وقله ( مجموع ) لأنهم لم يجمعوا ( مائة ) حين ميزوا بها ثلاثة وأخواته " وكان قياسها " أن تجمع ، فيقال : ( مئات أو مئين ) " لأنه للمائة جمعين .
أحدهما : في صورة جمع المذكر السالم وهو مئون .
والثاني : في صورة جمع المؤنث السالم وهو مئات .
ولا يجوز إضافة العدد إلى جمع المذكر السالم ، فلا يقال ( ثلاثة مسلمين ) فلم يبق إلا ( مئات ) لكنهم كرهوا أن يلي التمييز المجموع بالألف والتاء بعدما تعود المجيء بعد ما هو في صورة المجموع بالواو والنون ، أعني : ( عشرين إلى تسعين ) فاقتصر على المفرد مع كونه أخصر .
$[2/159]
" ومميز ( أحد عشر إلى تسعة وتسعين ) " بل إلى ( تسع وتسعين ) " منصوب مفرد " أما نصبه في العقود فلتعذر الإضافة إذ لا يستقيم إبقاء النون معها إذ هي في صورة نون الجمع ، ولا حذفها إذ ليست هي في الحقيقة نون الجمع .
وأما فيما عداها فلأنهم كرهوا أن يصيروا ثلاثة أسماء كالاسم الواحد .(1/347)
ولا يرد عليه ( خمسة عشرك ) لأن المضاف إليه فيه لما كان غير العدد لم يمتزج امتزاج ذلك المميز فلم يلزم صيرورة ثلاثة أشياء شيئا واحدا .
وإنما جوزوا : ( ثلاثمائة امرأة ) مع أن فيها صيرورة ثلاثة أشياء شيئا واحدا ، ليطرد بـ ( مائة امرأة ) .
وأما أفراده فلأنه لما صار منصوبا صار فضلة . فاعتبر أفراده لتكون الفضلة قليلة .
" ومميز مائة وألف ، و " مميز " تثنيتهما ، و " مميز " جمعه " أي : جمع الألف ، وإنما لم يقل وجمعهما ، كما قال : ( وتثنيتهما ) لأن استعمال جمع مائة مع مميزها في الأعداد مرفوض ، فلا يقال : ( ثلثمئات رجل ) كما يقال : ( ثلاثة آلاف رجل ) بخلاف التثنية ، فإنه يقال : ( مائتا رجل ) مثل ( ألفا رجل ) " مخفوض مفرد " لأنه لما كانت ( مائة وألف ) من أصول الأعداد كالآحاد ناسب أن يكون مميزها على طبق مميزها لكنه لما كانت الآحاد في جانب القلة من الأعداد والمائة والألف في جانب الكثرة منها اختير في مميزها الجمع الموضوع للكثرة ، وفي مميزها المفرد الدال على القلة رعاية للتعادل .
" وإذا كان المعدود مؤنثا واللفظ " المعبر به عنه " مذكرا " كلفظ ( الشخص ) إذا عبرت به عن المؤنث " أو بالعكس " بأن يكون المعدود مذكرا واللفظ مؤنثا كلفظ ( النفس ) إذا عبرت بها عن المذكر " فوجهان " أي : ففي العدد وجهان : التذكير ، والتأنيث ، فإن شئت قلت : ( ثلاثة أشخص ) وأنت تريد ( النساء ) اعتبارا باللفظ وهو الأكثر في كلامهم وإن شئت قلت : ( ثلاث أشخص ) اعتبارا بالمعنى .
" ولا يميز واحد " وواحدة " و " لا " اثنان " واثنتان وثنتان بمميّز .(1/348)
فلا يورد الواحد مع مميزه فلا يقال : ( واحد رجل ) ولا الاثنان معه ، كما لا يقال : اثنا رجلين ، بل يذكرون ما يصلح أن يكون تمييزا لهما على تقدير ذكر التمييز معهما ، ويطرحون الواحد والاثنين " استغناء بلفظ التمييز " أي : الصالح لأن يكون تمييزا على تقدير ذكره معهما الدال بجوهره على الجنس وبصيغته على الوحدة
$[2/160]
والاثنينية " عنهما " أي : عن الواحد إذا كان التمييز مفردا ، وعن الاثنين إذا كان مثنى " مثل ( رجل ورجلان ) " فإن من صيغة ( رجل " يفهم الجنس والوحدة ، ومن صيغة ( رجلان ) يفهم الجنس والاثنينية . فبذكرهما استغناء عن المميز .
$[2/161]
فإن قلت : هب أن مميز الواحد مغن عنه ، لكنا لا نسلم أن مميز الاثنين كذلك ، نعم إذا كان مميزه مثنى يغني عنه لم لا يجوز أن يكون مفردا ، كما يقال : اثنا رجل ؟ .
قلت : لما التزموا الجمعية في مميز سائر الآحاد ينبغي أن يعتبر فيما لم يتيسر الجمعية فيه ما هو أقرب إليها وهو الاثنينية ولا يبعد أن يقال : معنى الكلام أنه لا يميز واحد ولا اثنان استغناء بلفظ التمييز أي : بجواهر حروفه المصورة بهيئته الخاصة القابلة للحوق علامة الإفراد به ، أعين : التنوين أو علامة الاثنينية ، أعني : حرفي التثنية .
$[2/162]
فإذا اعتبر مع علامة الإفراد استغنى به عن ذكر الواحد على حدة ، وإذا اعتبر مع علامة التثنية استغنى به عن ذكر الاثنين على حدة ، فاختاروا لحوق العلامة التي هي أخف
$[2/163](1/349)
على ذكرهما ولا شك أن : ( رجلان ) أخف من ( اثنا رجل ) وذلك الاستغناء إنما يكون " لإفادته " أي : لإفادة لفظ التمييز " النص المقصود " أي : التنصيص على العدد والتصريح به الذي قصد ذلك التنصيص " بالعدد " أي : بذكر اسم العدد ، فلما أفاد التمييز ذلك التنصيص استغنى في إفادته عن ذكر العدد على حدة " وتقول في المفرد من المتعدد " أي : في الواحد من المتعدد " باعتبار تصييره " أي : بسبب اعتبار تصييره : تصيير ذلك المفرد عددا أنقص منه أو أزيد عليه بواحد .
" الثاني " في المذكر فقوله : " الثاني " مقول القول ، وذلك القول إنما هو باعتبار
$[2/164]
تصييره الواحد اثنين بانضمامه إليه ، فيكون معنى ثاني الواحد مصيره بانضمامه إليه اثنين .
وإنما ابتدأ من الثاني إذ ليس قبل الواحد عدد حتى يكون الواحد مصيره واحدا .
" والثانية " في المؤنث على هذا القياس وهكذا " إلى العاشر " في المذكر ، " والعاشرة " في المؤنث " لا غير " أي : لا تقول غير ذلك فلا يجري ذلك فيما تحت الاثنين ولا فيما فوق العشرة إذ ما فوقه مركبات لا يتيسر اشتقاق اسم الفاعل منها .
" و " تقول في المفرد " باعتبار حاله " أي : مرتبته من المتعدد من غير اعتبار معنى التصيير " الأول والثاني " إذا وقع في المرتبة الأولى أو الثانية في المذكر " والأولى والثانية " في المؤنث ، كذلك من غير اعتبار معنى التصيير .
وإنما لم يقل ( الواحد والواحدة ) لأنهما لا يدلان على المرتبة ، فأبدل منهما ( الأول والأولى ) للدلالة عليها ، وهكذا " إلى ( العاشر والعاشرة والحادي عشر ) " في المذكر " و ( الحادية عشر ) " في المؤنث .
" و " كذلك " ( الثاني عشر الثانية عشرة إلى التاسع عشر والتاسعة عشرة ) " .(1/350)
واعلم أن حكم اسم الفاعل من العدد سواء كان بمعنى المصير أو لا حكم أسماء الفاعلين في التذكير والتأنيث فتقول في المذكر : ( الثاني والثالث والرابع إلى العاشر ) وفي المؤنث : ( الثانية والثالثة والرابعة إلى العاشرة ) وكذا في جميع المراتب من المركب والمعطوف نحو ( الثالثة عشرة ) تؤنث الاسمين في المركب ، كما تذكرهما في المذكر نحو ( الثالث عشر ) وإنما ذكر الاسمين لأنه اسم لواحد مذكر ، فلا معنى للتأنيث فيه بخلاف
$[2/165]
( ثلاثة عشر رجلا ) فإنه للجماعة .
وتقول في المعطوف : ( الثالث والعشرون ) و ( الثالثة والعشرون ) " ومن ثمه " أي : ومن أجل اختلاف الاعتبارين اعتبار تصييره واعتبار حاله اختلف إضافتهما فلاختلاف إضافتهما " قيل في الأول " أي : المفرد من المتعدد المقول باعتبار تصييره " ثالث اثنين " بالإضافة إلى الأنقص بدرجة " أي مصيرهما " أي الاثنين ثلاثة " من " قولهم : " ( ثلاثتهما ) " بالتخفيف أي : صيرت الاثنين ثلاثة .
" و " قيل " في الثاني " أي : في المفرد من المتعدد باعتبار حاله " ( ثالث ثلاثة ) " أو ( أربعة وخمسة ) بالإضافة إلى عدد يساوي عدده ، أو يكون فوقه " أي أحدها " لكن لا مطلقا ، بل باعتبار وقوعه في المرتبة الثالثة أو الرابعة أو الخامسة ، وإلا يلزم جواز إرادة الواحد الأول من ( عاشر العشرة ) وذلك مستبعد جدا .
" وتقول " في إضافة ما زاد على العشرة : " ( حادي عشر أحد عشر ) " بإضافة المركب الأول إلى المركب الثاني أي : واحد من أحد عشر متأخر بعشر درجات بناء " على " الاعتبار " الثاني " وهو اعتبار بيان الحال " خاصة " لأن الاعتبار الأول لا يتجاوز العشرة كما عرفت .(1/351)
" وإن شئت قلت " في أداء هذا المعنى : " ( حادي أحد عشر ) " بحذف الجزء الأخير من المركب الأول استغناء عنه بذكره في المركب الثاني ، وهكذا تقول : " إلى ( تاسع تسعة عشر ) فتعرب الجزء الأول " من المركب الأول ، لانتفاء التركيب الموجب للبناء وبني الجزآن الباقيان لوجود موجب البناء فيهما وهو التركيب .
$[2/166]
" ( المذكر والمؤنث ) "
ذكرهما بعد باب العدد ، لانجرار مباحثه إلى ذكر التذكير والتأنيث ، وقدم المذكر لأصالته وأخر تعريفه ، لأنه عدمي ، وتعريف المؤنث وجودي .
" والمؤنث : ما فيه " أي : اسم كان فيه " علامة التأنيث لفظا " أي : ملفوظة كانت تلك العلامة حقيقية كـ ( امرأة وناقة وغرفة ) أو حكما كـ ( عقرب ) إذ الحرف الرابع في المؤنث السماعي في حكم تاء التأنيث ، ولهذا لا تظهر التاء في تصغير الرباعي من المؤنثات السماعية " أو تقديرا " أي : مقدرة غير ظاهرة في اللفظ كـ ( دار ونار ونعل وقدم ) وغيرها من المؤنثات السماعية . .
" والمذكر بخلافه " أي : اسم متلبس بمخالفة المؤنث ، أي : لم يوجد فيه علامة التأنيث ، لا لفظا ولا تقديرا .
" وعلامته " أي : علامة التأنيث " التاء والألف " حال كونها " مقصورة " كـ ( سلمى وحبلى " أو ممدودة " كـ ( صحراء وحمراء ) وقد زاد بعضهم : الياء في قولهم
$[2/167]
( ذي وتي ) وزعم أنها للتأنيث ، وليس ذلك بحجة ، لجواز أن تكون صيغة موضوعة للمؤنث ، مثل : ( هي وأنت وهن ) .
" وهو " أي : المؤنث " حقيقي ، ولفظي ، فالحقيقي : ما " أي : اسم " بإزائه أي : في مقابلته " ذكر من " جنس " الحيوان كـ ( امرأة ) " في مقابلة ( رجل ) " ناقة " في مقابلة ( جمل ) .(1/352)
" واللفظي : بخلافه " أي : متلبس بمخالفة المؤنث الحقيقي ، أي : ليس بإزائه ذكر من الحيوان بل تأنيثه منسوب إلى اللفظ لوجود علامة التأنيث في لفظه حقيقة أو تقديرا أو حكما بلا تأنيث حقيقي في معناه " كـ ( ظلمة ) " مثال للتأنيث اللفظي حقيقة " وعين " مثال للتأنيث اللفظي تقديرا ، فإن تاء التأنيث مقدرة فيها ، بدليل تصغيرها على ( عيينة ) ولم يورد مثالا للمؤنث اللفظي الحكمي كـ ( عقرب ) لقلة وقوعه .
" وإذا أنسد الفعل " بلا صل كما هو الأصل " إليه " أي إلى المؤنث مطلقا حقيقيا أو لفظيا مظهرا أو مضمرا " فبالتاء " أي : فذلك الفعل متلبس بالتاء وجوبا إيذانا بتأنيث الفاعل من أول الأمر ، إلا إذا كان مسندا إلى ظاهر غير الحقيقي ، فإنه حينئذ لك الاختيار في إلحاق التاء وتركه ، وإلى هذا أشار بقوله : " وأنت في ظاهر غير الحقيقي بالخيار " فهو بمنزلة الاستثناء من هذه القاعدة فلك أن تقول في : ( طلعت الشمس ) ( طلع الشمس ) بخلاف ( الشمس طلعت ) فإنه لا يجوز فيه ( الشمس طلع ) لكون التأنيث فيه لفظيا ، واستغنائه عن إلحاق التاء ، لما في لفظه من
$[2/168]
الإشعار به ، بخلاف مضمره ، إذ ليس فيه ما يشعر بتأنيثه ، وجعل بعض الشارحين : ضمير ( إليه ) راجعا إلى المؤنث الحقيقي ، أو ضمير المؤنث اللفظي بقرينة قوله ( وأنت في ظاهر غير الحقيقي بالخيار ) . ولو كان يستثنى من هذه القاعدة صور الفصل أيضاً ، لئلا يحتاج إلى التقييد بقولنا : ( بلا فصل ) لكان أحسن استيفاء لأحكام جميع الأقسام . ففي صورة الفصل أيضاً لك الخيار في إلحاق التاء بالفعل ، وفي تركه ، فتقول : ( حضرت القاضي امرأة ) و ( حضر القاضي امرأة ) وطلعت اليوم الشمس ، وطلع اليوم الشمس ، إلا إذا كان المؤنث الحقيقي منقولا عما يغلب في أسماء الذكور كـ ( زيد ) إذا سميت به امرأة ، فإنه مع الفصل يجب إثباتها ، نحو ( جاءت اليوم زيد ) لدفع الالتباس .(1/353)
" وحكم ظاهر الجمع " لا ضميره فإن إلحاق التاء أو ضمير الجمع فيه واجب ، نحو : ( الرجال جاءت ، أو جاءوا ) " غير " الجمع " المذكر السالم " لأنه لو كان جمع المذكر السالم لم يجز تأنيثه ، فلا يقال : ( جاءت الزيدون ) ولا ( الزيدون جاءت ) " مطلقا " أي : سواء كان واحده مؤنثا نحو : ( إذا جاءك المؤمنات ) أو مذكرا ، نحو : ( جاءت الرجال ) .
$[2/169]
" حكم ظاهر غير " المؤنث " الحقيقي " فأنت بالخيار ، إن شئت ألحقت التاء به ، وإن شئت تركتها ، نحو ( جاءت الرجال ) و ( جاء الرجال ) .
" وضمير " جمع الذكور " العاقلين " أي : جمع المذكر العاقل من جموع التكسير " غير الجمع المذكر السالم " فإنهم إذا جمعوا سالما فإن ضميرهم الواو لا غير يقال : ( الزيدون جاءوا ) ولا يقال : ( جاءت ) .
" فعلت " أي : ضمير ( فعلت ) وهو المستكن فيه المقرون بالتاء الساكنة للتأنيث ، بتأويل الجماعة نحو ( الرجال جاءت ) .
" وفعلوا " أي : ضمير ( فعلوا ) يعني : الواو لكونها موضوعة لهذا النوع من الجمع .
" والنساء ، والأيام " أي : ضمير ( النساء ) وما يماثلها في كونه جمع المؤنث ، وإن لم يكن من العقلاء كـ ( العيون ) وضمير الأيام وما يماثلها في كونه جمع المذكر غير العاقل " فعلت وفعلن " أي : ضمير ( فعلت ) مقرونا بتاء التأنيث ، بتأويل الجماعة وضمير ( فعلن ) أي : بالنون أمّا في جمع المؤنث فظاهر ، لأن هذه النون موضوعة له .
$[2/170]
وأما في جمع المذكر غير العاقل ، كالأيام ، فلأنه لا أصل له في التذكير كـ ( الرجال ) فيراعى حقه ، فأجري مجرى التأنيث .
وفي ( الحواشي الهندية ) موافقا لشرح الرضي أن النون موضوعة لجمع غير العقلاء كـ ( الواو ) وضعت لجمع العاقلين .
فاستعمالها في النساء للحمل على جمع غير العقلاء ، إذ الإناث لنقصان عقولهن يجرين مجرى غير العقلاء .
$[2/171]
" ( المثنى ) "(1/354)
" ما لحق آخره " أي : آخر مفرده بتقدير المضاف ، أو قدر بعد قوله ( ونون مكسورة ) قولنا : ( مع لواحقه ) وإلا لا يصدق التعريف إلا على مثل ( مسلم ) من ( مسلمان ومسلمين ) ، كما لا يخفى ولو اكتفى بظهور المراد لاستغنى عن هذه التكلفات .
" ألف " حالة الرفع " أو ياء مفتوح ما قبلها " أي : مفتوح حرف كان قبل الياء حالتي النصب والجر ، ليمتاز عن صيغة الجمع ، ولم يعكس لكثرة التثنية وخفة الفتحة .
" ونون " عوضا عن الحركة أو التنوين " مكسورة " لئلا تتوالى الفتحات في صورة الرفع ، وهي فتحة ما قبل الألف التي في حكم الفتحتين ، وفتحة النون ، " ليدل " ذلك اللحوق أو اللاحق وحده مع الملحوق .
ولا بأس باشتماله على لحوق النون وعدم دلالة لحوقها على ذلك ، لأنه على تقدير تسليمه إذا دل أمران من أمور ثلاثة على شيء صح أن يقال أن هذه الأمور الثلاثة دالة عليه غاية ما في الباب أن تكون دلالتها بواسطة هذين الأمرين .
" على أنّ معه " أي : مع مفرده " مثله " في العدد ، يعني : الواحد حال كون ذلك المثل " من جنسه " أي : من جنس مفرده باعتبار دخوله تحت جنس الموضوع له بوضع واحد مشترك بينهما .
ولو أريد بقوله ( مثله ) ما يماثله في الوحدة والجنس جميعا ، لاستغنى عن قوله : ( من جنسه ) وقوله ( ليدل ) إشارة إلى فائدة لحوق هذه الحروف بالاسم المفرد ، وإلى أنه لا يجوز تثنية الاسم باعتبار معنيين مختلفين ، فلا يقال : ( قرءآن ) ويراد بها الطهر والحيض ، بل يراد بها ( طهران ) أو ( حيضان ) على الصحيح خلافا لبعضهم .
$[2/172]
فإن قلت : هذا يشكل بالأبوين للأب والأم والقمرين للشمس والقمر فإنه ثني الأب باعتبار معنيين مختلفين هما الأب والأم وكذلك ثني القمر باعتبار معنيين مختلفين هما الشمس والقمر .(1/355)
قلنا : جاز أن يجعل الأم مسماه باسم الأب ، ادعاء لقوة التناسب بينهما ، ثم يؤول الاسم بمعنى المسمى به ليحصل مفهوم يتناولهما ، فيتجانسان ، فيثنى باعتباره ، فيكون معنى الأبوين المسميين بالأب وكذا الحال في الشمس بالنسبة إلى القمر .
فإن قلـ فليعتبر مثل هذا التأويل في ( القرءان ) أيضاً بلا احتياج إلى ادعاء اسميته للطهر والحيض ، فإنه موضوع لكل واحد منهما حقيقة وليؤول بالمسمى به ليحصل مفهوم يتناولهما فيثنى باعتباره .
قلنا : لا شبهة في صحة هذه الاعتبار لكن الكلام في جواز التثنية بمجرد اشتراكه اللفظي بينهما ، وهو الذي اختلف فيه والمصنف اختار عدم جوازه ، وبهذا الاعتبار صح تثنية الأعلام المشتركة حقيقة أو ادعاء وجمعها .
فـ ( زيد ) مثلا إذا كان علما لكثرة يؤول بالمسمى بـ ( زيد ) ثم يثنى ويجمع ، وكذا ( عمر ) إذا صار علما ادعائيا لأبي بكر يؤول بالمسمى بـ ( عمر ) ثم يثنى ويجمع .
ورده بعضهم وقال : الأولى أن يقال : الأعلام لكثرة استعمالها ، وكون الخفة مطلوبة فيها يكفي لتثنيتها وجمعها مجرد الاشتراك في الاسم ، بخلاف أسماء الأجناس .
فعلى قول هذا البعض ينبغي أن لا يذكر في تعريف التثنية قوله ( من ) جنسه .
ولما كان آخر الاسم المفرد الذي لحقه علامة التثنية في بعض المواد مما يتطرق إليه
$[2/173]
التغيير أراد المصنف أن يبين حكم ما يتطرق إليه التغيير ، لأن حكم ما وراءه يعلم من تعريف المثنى ، فقال :
" والمقصور " أي : الاسم المقصور ، وهو ما في آخره ألف مفردة لازمة ، ويسمى مقصورا ، لأنه ضد الممدود ، أو لأنه محبوس من الحركات والقصر الحبس .
" إن كان ألفه " منقلبة " عن واو " حقيقة ، كـ ( عصوان ) أو حكما بأن كان مجهول الأصل ، ولم يمل كـ ( إلوان ) في المسمى بـ ( إلى ) .
" وهو ثلاثي " أي : والحال أن ذلك المقصور ثلاثي ، أي : غير ما فيه أربعة أحرف فصاعدا من الرباعي والثلاثي المزيد فيه .(1/356)
" قلبت " ألفه " واوا " اعتبارا للأصل حقيقة أو حكما ، وخفة الثلاثي بخلاف ما فوقه حيث لا يرد فيه لمكان الثقل .
" وإلا " أي : وإن لم يكن كذلك بأن كان ألفه عن ياء ، حقيقة كـ ( رحيان ) في ( رحى ) أو حكما بأن كان مجهول الأصل ، أو عديمه ، وقد أميل كـ ( متيان ) في ( متى ) حيث جاء ( متى ) ممالا ، أو كان على أربعة أحرف فصاعدا ، أصلية كانت الألف كـ ( الأعلى ) و ( المصطفى ) أو زائدة كـ ( حبلى ) .
$[2/174]
" فبالياء " أي : فألفه مقلوبة بالياء ، اعتبارا للأصل فيما أصله الياء حقيقة أو حكما ، وتخفيفا فيما زاد على ثلاثة أحرف .
والاسم " الممدود إن كانت همزته أصلية " أي : غير زائدة ، ولا منقلبة عن أصلية أو زائدة " ثبتت " الهمزة في الأشهر لأصالتها كـ ( قرّاء ) بضم القاف وتشديد الراء لجيد القراءة وللتنسك من ( قرأ ) إذا تنسك .
وحكى أبو علي عن بعض العرب قلبها واوا ، نحو ( قرّاوان ) . " وإن كانت " الهمزة " للتأنيث " أي منقلبة عن ألف التأنيث كـ ( حمراء ) فإن أصلها كان ( حمراا ) بألفين :
إحداهما : للمد في الصوت . والثانية : للتأنيث .
فقلبت الثانية همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة .
" قلبت واوا " فيقال : ( حمراوان ) لأن الهمزة حرف ثقيل من جنس الألف فينبغي أن يقع بين ألفين مع أنها غير أصلية ، والواو أقرب إلى الهمزة من الياء ، لثقلها ، ولهذا قلبت الواو همزة في مثل ( أقّتت ) ، و ( أجوه ) . وربما صححت فقيل ( حمراءان ) .
$[2/175]
وحكى المبرد عن المازني : قلبها ياء ، نحو : ( حمرايان ) .
والأعرف قلبها واوا " وإلا " أي : وإن لم تكن الهمزة أصلية ولا للتأنيث بأن تكون للإلحاق كـ ( علباء ) فإن همزته للإلحاق بـ ( قرطاس ) أو منقلبة عن واو ، أو ياء أصلية كـ ( كساء ) و ( رداء ) فإن أصلهما ( كساو ، ورادي ) " فالوجهان " المذكوران جائزان .(1/357)
أحدهما : ثبوت الهمزة وبقاؤها ، لأن الهمزة في الصورة الأولى منقلبة عن واو أو ياء ملحقة بالأصل ، وفي الأخرى عن أصلية ، فشابهتا همزة ( قراء ) فثبتت في الصورتين ، كما في ( قراء ) .
وثانيهما : قلب الهمزة واوا ، لأن عين الهمزة في الصورتين ليست بأصلية فشابهت همزة ( حمراء ) فانقلبت مثلها واوا .
وفي الترجمة الشريفية أن اللازم من هذه العبارة أنه لا يجوز أن يقال : في ( رداء ) إلا ( رداءان ) بالهمزة أو ( رداوان ) بالواو ، ولكن المشهور ( ردايان ) بالياء .
فكان ينبغي أن يقول المصنف : ( وإلا فوجهان ) بغير لام العهد لتكون عبارة عن إثبات الهمزة وردها إلى الأصل ، لا الإشارة إلى الوجهين المذكورين كما هو المتبادر من اللام ، لكنا قد تصفحنا كتب الثقاة ، كالمفصل والمفتاح واللباب ، فما وجدنا فيها أثرا مما حكم باشتهاره غير ما وقع في شرح الرضي من أنه ( قد تقلب المبدلة من أصل ياء ) وهذا أعم من أن يكون هذا الأصل واوا أو ياء .
$[2/176]
" ويحذف نونه " أي : نون التثنية " للإضافة " أي : لأجل الإضافة ، إذ النون لقيامها مقام التنوين توجب تمام الكلمة وانقطاعها والإضافة توجب الاتصال والامتزاج فيتنافيان .
" وحذفت تاء التأنيث " التي قياسها أن لا تحذف عن آخر المثنى كـ ( شجرتان ) و ( تمرتان ) .
" في خصيان وأليان " على خلاف القياس ، مع جواز إثباتها فيهما على القياس اتفاقا .
ووجه حذفها فيهما : أن كل واحدة من ( الخصيين والأليين ) لما اشتد اتصالهما بالأخرى بحيث لا يمكن الانتفاع بدونها صارتا بمنزلة مفرد .
وتاء التأنيث لا تقع في حشوة .
وقيل : ( خصيّ ) و ( أليّ ) مستعملان .
وهما لغتان في ( خصية ، وألية ) وإن كانتا أقل استعمالا منهما .(1/358)
ولما كان حذف النون قاعدة مستمرة أتى في بيانه بالفعل المضارع المفيد للاستمرار ، بخلاف حذف تاء التأنيث ، إذ ليس له قاعدة بل وقع على خلاف القياس في مادة مخصوصة ، فلهذا أتى في بيانه بالفعل الماضي .
$[2/177]
" ( المجموع ) "
" ما دلّ " أي : اسم دل " على " جملة " آحاد مقصودة " أي : يتعلق بها القصد في ضمن ذلك الاسم ، " بحروف مفردة " أي : بحروف هي مادة لمفرده الذي هو الاسم الدال على واحد واحد من تلك الآحاد ، حال كون تلك الحروف متلبسة " بتغيير ما " بحسب الصورة إمّا بزيادة أو نقصان أو اختلاف في الحركات والسكنات حقيقة أو حكما .
فالجار في قوله ( بحروف مفردة ) إمّا متعلق بقوله ( مقصودة ) أو بقوله ( دلّ ) أو بهما على سبيل التنازع .
وقوله ( بتغيير ما ) ظرف مستقر ( حال ) من الحروف .
ودخل في قوله ( بتغيير ما ) جمعا السلامة لأن الواو والنون في آخر الاسم من تمامه وكذا الألف والتاء فتغيرت الكلمة بهذه الزيادات إلى صيغة أخرى .
وقوله " ما دل على آحاد ) جنس يشتمل الجموع وأسماء الأجناس كـ ( تمر ، ونخل ) فإنها وإن تدل عليها وضعا فقد تدل عليها استعمالا .
( واسما الجموع كـ ( رهط ونفر ) وبعض أسماء العدد كـ ( ثلاثة وعشرة ) وبقوله ( مقصودة بحروف مفرده ) خرجت أسماء الأجناس .
فإذا قصد بها نفس الجنس لا أفراده ، بقوله ( مقصودة ) .
وإذا قصد بها الإفراد استعمالا ، فبقوله ( بحروف مفرده ) كذلك بقوله ( بحروف مفرده ) خرجت أسماء الجموع والعدد .
$[2/178]
" فنحو ( تمر ) " مما الفارق بينه وبين واحده التاء " و " نحو " ركب " مما هو اسم جمع " ليس بجمع على الأصح " بل الأول اسم جنس والثاني اسم جمع كالجماعة .
وقد علمت أنهما خارجان عن حد الجموع .
والفرق بينهما أن اسم الجنس يقع على الواحد والاثنين وضعا ، بخلاف اسم الجمع .
فإن قيل : الكلم لا يقع على الكلمة والكلمتين وهو اسم جنس .(1/359)
قيل : ذلك بحسب الاستعمال لا بالوضع ، على أنه لا ضمير في التزام كون الكلم اسم جمع أيضاً .
وإنما قال ( على الأصح ) وهو قول سيبويه لأن الأخفش قال : جميع أسماء الجموع التي لها آحاد من تركيبها كـ ( جامل وباقر وركب ) جمع .
وقال الفراء : كذا أسماء الأجناس ، كـ ( تمر وتمرة ، ونخل ونخلة ) . وإما اسم جنس أو جمع لا واحد له من لفظه ، ( نحو ( إبل ، وغنم ، فليس بجمع بالاتفاق ) .
" و " نحو " فلك " مما الجمع والواحد فيه متحد بالصورة " جمع " لصدق الحد عليه .
فإن التغيير المأخوذ فيه أعم من أن يكون بحسب الحقيقة أو بحسب التقدير .
فضمة ( فلك ) إذا كان مفردا ضمة ( قفل ) وإذا كان جمعا ضمة ( أسد ) .
$[2/179]
" وهو " أي : المجموع نوعان : " صحيح ومكسر . فالصحيح " أي : الجمع الصحيح تارة يكون " لمذكر ، و " تارة يكون " لمؤنث فـ " الجمع الصحيح " المذكر : ما لحق آخره " أي : آخر مفرده " واو مضموم ما قبلها " في حالة الرفع " أو ياء مكسور ما قبلها " في حالتي النصب والجر . " ونون " عوضا عن الحركة أو التنوين ، على سبيل منع الخلو " مفتوحة " لتعادل خفة الفتحة ثقل الواو والضمة " ليدل " ذلك اللحوق أو اللاحق فقط أو مع الملحوق " على أن معه " أي : مع مفرده الواحد من حيث معناه " أكثر منه " ولم يقل : من جنسه اكتفاء بما ذكر في التثنية .
فإن قيل : اسم التفضيل يوجب ثبوت أصل الفعل في المفضل عليه ولا كثرة في الواحد .
قيل : ثبوت أصل الفعل إمّا أن يكون محققا أ, على سبيل الفرض ، كما يقال ( فلان أفقه من الحمار ) و ( أعلم من الجدار ) .(1/360)
" فإن كان آخره " أي : آخر مفرده " ياء " ملفوظة ، كـ ( القاضي ) أو مقدرة كـ ( قاض ) " قبلها كسرة حذفت " أي : الياء ، " مثل : قاضون " جمع ( قاض ) فإن أصله ( قاضيون ) نقلت ضمة الياء إلى ما قبلها بعد سلب حركة ما قبلها طلبا للخفة ، وحذفت الياء لالتقاء الساكنين ، وعلى هذا القياس حالتا النصب والجر ، مثل ( قاضين ) فإن أصله ( قاضيين ) حذفت كسرة الياء لثقل اجتماع الكسرتين واليائين فسقطت لالتقاء الساكنين .
" وإن كان آخره " أي : آخر الاسم الذي أريد جمعه " مقصورا " أي : إلفا مقصورة " حذفت الألف " لالتقاء الساكنين " وبقي " بعد الحذف " ما قبلها " أي : ما قبل الألف على ما كان عليه " مفتوحا " ولم يغير لتدل الفتحة على الألف
$[2/180]
" مثل : مصطفَون " في حالة الرفع ، و ( مصطفَين ) في حالتي النصب والجر ، فأصلهما ( مصطفيون ) و ( مصطفيين ) قلبت الياء ألفا ، لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وحذفت الألف لالتقاء الساكنين .
" وشرطه " أي : شرط الاسم الذي أريد جمعه جمع الصحيح المذكر يعني : شرط صحة جمعيته " إن كان " ذلك الاسم " اسما " أي : اسما محضا من غير معنى الوصفية فيه " فمذكر علم " أي : فكونه مذكرا علما " يعقل " من حيث مسماه لا من حيث لفظه .
وإنما اشترط ذلك لكون هذا الجمع أشرف الجموع لصحة بناء الواحد فيه والمذكر العلم العاقل أشرف من غيره فأعطى الأشرف للأشرف .
فإن فقد فيه الكل كـ ( العين ) أو اثنان كـ ( المرأة ) أو واحد ، نحو ( أعوج ) للفرس لم يجمع هذا الجمع .
وأراد بالمذكر ما يكون مجردا عن التاء ملفوظة أو مقدرة ، ليخرج عنه نحو
$[2/181]
( طلحة ) فإنه لا يجمع بالواو والنون خلافا للكوفيين ، وابن كيسان ، فإنهم 146/أ/ أجازوا ( طلحون ) بسكون اللام ، وابن كيسان بفتحها .(1/361)
ويدخل فيه ، نحو ( ورقاء ) و ( سلمى ) اسمي رجلين ، فإنهما يجمعان بالواو والنون اتفاقان لأن علم التأنيث هو التاء لا الألف فلا يمنع من الجمعية بالواو والنون لأن الممدودة تقلب واوا ، فتنمحي صورة علامة التأنيث ، والمقصورة تحذف وتبقى الفتحة قبلها دالة عليها .
" وشرطه " أي : وشرط الاسم الذي أريد جمعه جمع المذكر الصحيح " إن كان صفة " من الصفات غير علم كاسم الفاعل والمفعول " فمذكر يعقل " أي : له شروط ، فالشرط الأول : كونه مذكرا يعقل كما مر .
$[2/182]
" و " الشرط الثاني : " أن لا يكون " ذلك الاسم الكائن صفة " أفعل فعلاء " أي : مذكر غير مستوف صيغة الصفة الكائن ذلك الاسم إياها مع المؤنث ، بل يكون المذكر على صيغة ( أفعل ) والمؤنث على صيغة ( فعلاء ) " مثل : أحمر حمراء " للفرق بينه وبين ( أفعل ) التفضيل كـ ( أفضلون ) ولم يعكس ، لأن معنى الصفة في ( أفعل ) التفضيل كامل لدلالته على الزيادة .
" و " الشرط الثالث : " أن لا يكون " ذلك الاسم " فعلان فعلى " أي : مذكرا غير مستوف تلك الصيغة مع المؤنث ، بل يكون المذكر على صيغة ( فعلان ) والمؤنث على صيغة ( فعلى ) " مثل : سكران سكرى : " فإنه لا يقال : فيه ( سكرانون ) للفرق بينه وبين ( فعلان فعلانه ) كـ ( ندمانون ) ولم يعكس ، لأن ( فعلان فعلانه ) أصل في الفرق بين المذكر والمؤنث ، لأنه فيه التاء وعدمها .
" و " الشرط الرابع : " أن لا يكون " الاسم المذكور مذكرا " مستويا فيه أي : في هذه الصفة بتأويل الوصف مع " المؤنث مثل : جريح وصبور " .
يقال : ( رجل جريح ، وصبور ، وامرأة جريح وصبور ) فلا يجمع بالواو والنون ولا بالألف والتاء ، فإنه لما لم يختص بالمذكر ولا بالمؤنث لم يحسن أن يجمع جمعا مخصوصا بأحدهما ، بل المناسب أن يجمع جمعا يستويان فيه مثل : جرحى وصبر .(1/362)
" و " الشرط الخامس : " أن لا يكون " الاسم المذكور مذكرا متلبسا " بتاء التأنيث ، مثل : علامة " كراهة اجتماع صيغة جمع المذكر وتاء التأنيث ولو حذفت التاء لزم اللبس .
$[2/183]
" وبحذف نونه " أي : أي نون الجمع " بالإضافة " لما مر في التثنية .
" وقد شذ نحو ( سنين ) " بكسر السين جمع ( سنة ) بفتحها " وأرضين " بفتح الراء ، وقد جاء إسكانها ، جمع ( أرض ) بسكونها .
وإنما حكم بشذوذهما ، لانتفاء التذكير والعقل ، وعدم كونهما علما أو صفة .
وقد أدرج صاحب اللباب بعض هذه الأسماء تحت قاعدة كلية أخرجتها من الشذوذ ، منها ( سنين ) ، وأمثاله ، وأبقى بعضها على الشذوذ ، منها ( أرضين ) وأمثاله .
فمن أراد تفصيل ذلك فليرجع إليه .
$[2/184]
" ( المؤنث ) "
أي الجمع الصحيح المؤنث " ما لحق " أي : جمع لحق " آخره " أي : آخر مفرده " ألف وتاء وشرطه " أي : شرط الجمع الصحيح المؤنث " إن كان " مفرده " صفة وله " أي : لذلك المفرد " مذكر ، فأن يكون مذكره " أي : مذكر ذلك المفرد " جمع بالواو والنون " لئلا يلزم مزية الفرع على الأصل .
" وإن لم يكن له " أي : لمفرده " مذكر " جمع بالواو والنون " فأن لا يكون " أي : فشرط صحة جمعيته أن لا يكون " مجردا " عن تاء التأنيث " كـ ( حائض ) " لأنه يقال في جمع ( حائضة ) : ( حائضات ) .
فلو قيل في جمع حائض أيضاً : حائضات لزم الالتباس .
" وإلا " عطف على قوله ( إن كان صفة ) أي : وإن لم يكن المؤنث صفة ، بل كان اسما " جمع " هذا الجمع " مطلقا " أي : من غير اعتبار الشرط ، مثل ( طلحات وزينبات ) في جمع طلحة وزينب .
وفي شرح الرضي : أن هذا الإطلاق ليس بسديد ، لأن الأسماء المؤنثة بتاء مقدرة كـ ( نار وشمس ) ونحوهما من الأسماء التي تأنيثها غير حقيقي لا يطرد فيها الجمع بالألف والتاء ، بل هو فيها مسموع كـ ( السماوات والكائنات ) وذلك لخفاء هذا التأنيث ، لأنه ليس بحقيقي ولا ظاهر العلامة .
$[2/185](1/363)
" ( جمع التكسير ) "
" ما تغيّر " أي : جمع تغير " بناء واحده " من حيث نفسه وأموره الداخلة فيه ، كما هو المتبادر ، فلا ينتقض بجمع السلامة لتغير بناء واحده بلحوق الحروف الخارجة الزائدة به ، وأيضاً المتبادر من تغيره تغير يكون لحصول الجمعية ، فلا ينقض أيضاً بمثل ( مصطفَون ) فإن تغير الواحد فيه يلزم بعد حصول الجمعية .
وأما التغير المذكور في تعريف الجمع مطلقا ، فهو أعم من أن يكون من حيث ذات الواحد أو من حيث الأمور الخارجة الزائدة ، كما يدل عليه ( ما ) الإبهامية المفيدة للعموم في قوله ( بتغير ما ) سواء كان ذلك التغير حقيقيا " كرجال وأفراس " أو اعتباريا كـ ( فلك ) كما مر .
$[2/186]
" ( جموع القلة ) "
وهو ما يطلق على ثلاثة وعشرة وما بينهما .
" أفعل " أي : جمع يكون على وزن ( أفعل ) كـ ( أفلس ) جمع ( فلس ) .
" وأفعال " أي : جمع يكون على وزن ( أفعال ) كـ ( أفراس ) جمع فرس . وعلى هذا القياس معنى البواقي .
" وأفعلة " كـ ( أرغفة ) جمع رغيف .
" وفعلة " كـ ( غلمة ) جمع غلام .
" و " الجمع " الصحيح " مذكرا كان كـ ( مسلمين ) أو مؤنثا كـ ( مسلمات ) وفي شرح الرضي : أن ( الظاهر أنهما - أي : جمعي السلامة - لمطلق الجمع من غير نظر إلى القلّة والكثرة ، فيصلحان لهما ) .
$[2/187]
" وما عدا ذلك " المذكور من الأوزان والجمع الصحيح " جمع كثرة " يطلق على ما فوق العشرة إلى ما لا نهاية له .
وقد يستعار أحدهما للآخر مع وجود ذلك الآخر ، كقوله تعالى : " ثلاثة قروء " مع وجود ( أقراء ) .
$[2/188]
" ( المصدر ) "
" اسم الحدث " يعني بالحدث معنى قائما بغيره سواء صدر عنه كـ الضرب ، والمشي ) أو لم يصدر كـ ( الطول والقصر ) .(1/364)
" الجاري على الفعل " والمراد بجريانه على الفعل : أن يقع بعد اشتقاق الفعل منه تأكيدا له ، أو بيانا لنوعه أو عدده مثل : جلست جلوسا ، وجلسة وجلسة . فمثل ( القادريّة والعالميّة ) ومثل ( ويلا له ويحا له ) مما لم يشتق الفعل منه لا يكون مصدرا وإن كان الأخيران مفعولا مطلقا .
" وهو " أي : المصدر " من الثلاثي " المجرد " سماع " أي : سماعي ويرتقي عدده إلى اثنين وثلاثين كما بيّن في كتب التصريف .
$[2/189]
" وفي غيره " أي : غير الثلاثي المجرد يعني : الثلاثي المزيد فيه والرباعي المجرد والمزيد فيه " قياس " .
أي : قياسي كما تقول : كل ما كان ماضيه على ( أفعل ) فمصدره على ( إفعال ) وكل ما كان ماضيه على ( استفعل ) فمصدره على ( استفعال ) " مثل : ( أخرج إخراجا ، واستخرج استخراجا ) " إلى غير ذلك بما علم في التصريف .
" ويعمل " أي : المصدر بالقطع " عمل فعله " المشتق منه حال كونه " ماضيا " نحو ( أعجبني ضرب زيد عمرا أمس ) .
" و " حال كونه " غيره " أي : غير ماض ، مستقبلا كان أو حالا ، نحو ( أعجبني إكرام عمرو خالدا غدا أو الآن ) .
وذلك العمل لمناسبة الاشتقاق بينهما لا باعتبار الشبه ، فلهذا لم يشترط فيه الزمان كاسمي الفاعل والمفعول .
" إذا لم يكن مفعولا مطلقا " يعني عمل المصدر عمل فعله بالقطع مشروط بأن لا يكون مفعولا مطلقا أصلا فإنه إذا كان مفعولا مطلقا فسيجيء حكمه .
" ولا يتقدم معموله " أي : معمول المصدر " عليه " لكونه بتقدير الفعل مع ( أن ) وشيء مما في حيز ( أن ) لا يتقدم عليه ، فلا يقال ( أعجبني عمرا ضرب زيد ) .
$[2/190]
" ولا يضمر " أي : معموله " فيه " - أو يكون الظرف مفعول ما لم يسم فاعله - لأنه لو أضمر فيه ، لأضمر في المثنى والمجموع قياسا على الواحد ، فيلزم اجتماع التثنيتين والجمعين نظرا إلى المصدر والفاعل .(1/365)
ولما كان تثنية الفعل وجمع راجعين في الحقيقة إلى الفاعل ، وكذا في اسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة لا يلزم فيها محذور ، بخلاف المصدر فإن له في نفسه تثنية وجمعا .
ولا شبهة أن الإضمار فيه يستلزم الاستتار ، فإنه إذا كان بارزا لم يكن مضمرات فيه بل مضمرا مطلقا ، فلا حاجة إلى اعتبار قيد الاستتار على حدته ، لخرج مثل ( ضربي زيدا حاصل ) .
" ولا يلزم ذكر الفاعل " أي : فاعل المصدر ، لا مظهرا ولا مضمرا ، نحو : ( أعجبني ضرب زيدا ) لأن النسبة إلى فاعل ما غير مأخوذة في مفهومه فلا يتوقف تصور مفهومه عليه بخلاف الفعل واسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة .
" ويجوز إضافته إلى الفاعل " مع أن أعماله منونا أولى ، لأنه حينئذ أقوى مشابهة للفعل ، لكونه نكرة نحو قوله تعالى : { ولولا دفع الله الناس } .
" وقد يضاف " أي : المصدر " إلى المفعول " سواء كان مفعولا به ، أو ظرفا أو مفعولا له على قلة بالنسبة إلى الفاعل ، نحو : ضرب اللص الجلاد ، وضرب يوم الجمعة ، وضرب التأديب .
" وأعماله " أي : أعمال المصدر متلبسا " باللام " أي : بلام التعريف " قليل "
$[2/191]
لأنه عند عمله مقدر بأن مع الفعل فكما لا يدخل لام التعريف على ( أن ) مع الفعل ينبغي أن لا يدخل على المصدر المقدر به ، ولكن جوز ذلك على قلة فرقا بين شيء وبين المقدر به .
قيل : لم يأت في القرآن شيء من المصادر المعرفة باللام عاملا في فاعل أو مفعول صريح بل قد جاء عاملا بحرف الجر نحو قوله تعالى : { لا يحب الله الجهر بالسوء } .
" فإن كان " أي : المصدر " مفعولا مطلقا " صرفا من غير اعتبار إبداله من الفعل " فالعمل للفعل " من غير تجويز أن يكون للمصدر عمل ، إلا لا يجوز أعمال الضعيف مع وجان القوي ، سواء كان الفعل مذكورا ، نحو ( ضرب ضربا زيدا ) أو محذوفا غير لازم ، نحو ( ضربا زيدا ) .(1/366)
" وإن كان " أي : المصدر مفعولا مطلقا واقعا " بدلا منه " أي من الفعل وهو ما كان حذف فعله لازما ، نحو ( سقيا له ، وشكرا له ، وحمدا له ) " فوجهان " أي : فيجوز فيه وجهان : عمل الفعل للأصالة ، وعمل المصدر للنيابة .
وقيل : عمل المصدرية للمصدرية ، وعمله للبدلية ، ففي قوله ( فوجهان ) وجهان .
وإنما فصل بين قسمي المصدر - أعني : ما لم يكن مفعولا مطلقا ، وما كان إياه - بالجمل المعترضة ، لبيان أحكام عمل المصدر ، لأن عمل المصدر في القسم الأول أكثر وأظهر ، لو أخرت عن القسمين توهم تعلقه بالقسمين على سواء .
$[2/192]
$[2/193]
$[2/194]
" ( اسم الفاعل ) "
" ما اشتق " أي : اسم مشتق " من فعل " أي : من حدث موضوعا ذلك الاسم " لمن قام " أي : الفعل " به " أي : لذات ما قام بها الفعل .
ولو قال : لما قام به الفعل لكان أولى ، لأن ما جهل أمره يذكر بلفظ ( ما ) ولعله قصد التغليب .
" بمعنى الحدوث " يعني الحدوث ، تجدد وجوده له وقيامه به مقيدا بأحد الأزمنة الثلاثة .
قال المصنف في شرحه : ( قوله ( ما اشتق من فعل ) يدخل فيه المحدود وغيره من اسم المفعول والصفة المشبهة ، وغير ذلك .
وقوله ( لمن قام به ) يخرج منه ما عدا الصفة المشبهة ، لأن الجميع ليس ( لمن قام به ) .
وقوله ( بمعنى الحدوث ) يخرج الصفة المشبهة ، لأن وضعها على أن تدل على معنى ثابت ) .
$[2/195]
والظاهر أن اسم التفضيل داخل في الجميع الذي حكم عليه بأنه ليس ( لمن قام به ) والحق ذلك ، لأن المتبادر من قوله ( ما اشتق لمن قام به ) أن يكون موضوعا لمن قام به ، ويكون ( من قام به ) تمام المعنى الموضوع له من غير زيادة ونقصان .
لو ضم إلى أصل الفعل معنى آخر كالزيادة فيه ، ووضع له اسم لا يصدق على هذا الاسم أنه موضوع لمن قام به الفعل ، بل لمن قام به الفعل مع زيادة ، فبقوله ( لمن قام به ) خرج اسم التفضيل فإنه موضوع لمن قام به الفعل مع الزيادة على أصل الفعل .(1/367)
وخالف أكثر الشارحين المصنف وأسندوا إخراج اسم التفضيل إلى قوله ( بمعنى الحدوث ) كما أسندوا إخراج الصفة المشبهة إليه ظنا منهم أن الاشتقاق ( لمن قام به ) شامل لاسم التفضيل ولم يتنبهوا أن الاشتقاق متضمن معنى الوضع ، كما علمت .
فليس اسم التفضيل موضوعا ( لمن قام به ) بل له مع الزيادة ، ويخدشه أن صيغة المبالغة على هذا التقدير يخرج من التعريف ، ولا يبعد أن يلتزم ذلك ، ويدل عليه حصره صيغ اسم الفاعل فيما حصر ، وجعل أحكام صيغ المبالغة مثل أحكام اسم الفاعل .
وفي ( الترجمة الشريفية ) ما معناه أن صيغة اسم الفاعل من الثلاثي المجرد على ( فاعل ) كـ ( ضارب ) وقاتل ، وماش ، وآكل ) كل ما اشتق من مصادر الثلاثي
$[2/196]
لمن قام به لا على هذه الصيغة فهو ليس باسم فاعل ، بل هو صفة مشبهة ، أو ( أفعل ) التفضيل ، أو صيغة مبالغة ، كـ ( حسن وأحسن ومضراب ) .
" وصيغته " أي : صيغة اسم الفاعل " من مجرد الثلاثي على : " زنة " ( فاعل ) ، ومن غيره " ثلاثيا مزيدا فيه أو رباعيا مجردا أو مزيدا فيه " على صيغة المضارع " المعلوم " بميم " أي : مع ميم " مضمومة " موضوعة في موضع حرف المضارعة سواء كان حرف المضارعة مضموما أو لا .
" و " مع " كسر ما قبل الآخر " وإن لم يكن فيما قبل آخر المضارع كسر ، كما في ( يتفعّل ويتفاعل ويتفعلل ) " نحو : مدخل " فيما وضع الميم موضع حرف المضارعة المضمومة .
" ومستغفر " فيما وضعت موضع حرف المضارعة المفتوحة . ولو أقيم ( متفاعل ) مقام ( مستغفر ) كان مثال الكسر الغير الواقع في آخر المضارع أيضاً مذكورا ، فكما يكون لكل من قسمي الميم مثال يكون لكل من قسمي الكسر أيضاً مثال .
" ويعمل " أي : اسم الفاعل " عمل فعله " فإن كان فعله لازما يكون هو أيضاً لازما ، ويعمل عمل فعله اللازم ، وإن كان متعديا إلى مفعول واحد يكون هو أيضاً متعديا إلى مفعول واحد ، وإن كان متعديا إلى اثنين كان هو أيضاً كذلك .(1/368)
وكما أن فعله يتعدى إلى الظرفين والحال والمصدر والمفعول له والمفعول معه وسائر الفضلات كذلك يتعدى هو إليها .
$[2/197]
" بشرط معنى الحال أو الاستقبال " أي : يعمل اسم الفاعل حال كونه متلبسا بشرط أي : بشيء يشترط عمله به من معنى هو زمان الحال أو الاستقبال .
فالإضافتان بيانيتان وإنما اشترط أحدهما ، لأن عمله لشبه المضارع ، فيلزم أن لا يخالفه في الزمان ، نحو ( زيد ضارب غلامه عمرا ) الآن أو غدا .
والمراد بالحال والاستقبال : أعم من أن يكون تحقيقا أو حكاية كقوله تعالى : { وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } فإن ( باسط ) هاهنا وإن كان ماضيا لكن المراد حكاية الحال ومعناها أن يقدر المتكلم باسم الفاعل العامل بمعنى الماضي كأنه موجود في ذلك الزمان . أو يقدر ذلك الزمان كأنه موجود الآن .
" و " بشرط " الاعتماد " أي : اعتماد اسم الفاعل " على صاحبه " أي : 150/ب على المتصف به ، وهو المبتدأ أو الموصول أو الموصوف أو ذو الحال ، ليقوى فيه جهة الفعل ، من كونه مسندا إلى صاحبه ، نحو ( زيد ضارب أبوه ) و ( جاء الضارب أبوه ) و ( جاء رجل ضارب أبوه ) و ( جاء زيد راكبا فرسه ) .
" أو " اعتماده على " الهمزة " الاستفهامية ونحوها من ألفاظ الاستفهام " أو ما " النافية ونحوها من حروف النفي كـ ( لا وإن ) لأن الاستفهام والنفي بالفعل أولى ، فازداد بهما شبهه للفعل نحو ( أقائم زيد ؟ ) و ( أقائم الزيدان ؟ ) و ( ما قائم زيد ) و ( ما قائم الزيدان ) .
$[2/198](1/369)
" فإن كان " اسم الفاعل المتعدي " للماضي " أي : للزمان الماضي بالاستقلال أو في ضمن الاستمرار وأريد ذكر مفعوله " وجبت الإضافة " أي : إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله " معنى " أي : إضافة معنوية ، لفوات شرط الإضافة اللفظية ، مثل ( زيد ضارب عمرو أمس ) " خلافا للكسائي " فإنه ذهب إلى عدم وجوب إضافته لأنه يعمل عنده ، سواء كان بمعنى الماضي أو الحال أو الاستقبال ، فيجوز أن يكون منصوبا على المفعولية وعلى تقدير إضافته ليس إضافة معنوية لأنها عنده من قبيل إضافة الصفة إلى معمولها .
وتمسك الكسائي بقوله تعالى { وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } وقد مرّ الجواب عنه .
" فإن كان له " أي : لاسم الفاعل " معمول آخر " غير ما أضيف اسم الفاعل إليه " فبفعل مقدر " أي : فانتصابه بفعل مقدر لا باسم الفاعل ، نحو ( زيد معطي عمرو درهما أمس ) فـ ( درهما ) منصوب بـ ( أعطى ) المقدر . فإنه لما قيل : معطي عمرو ، قيل : ما أعطاه ؟ فقيل : درهما . أي : أعطاه درهما .
$[2/199]
" فإن دخلت اللام " الموصولة على اسم الفاعل " استوى الجميع " أي : جميع الأزمنة ، فتقول : ( مررت بالضارب أبوه زيدا أمس ) كما تقول ( مررت بالضارب أبوه زيدا الآن ، أو غدا ) لأنه فعل في الحقيقة حينئذ عدل عن صيغة الفعل إلى صيغة الاسم ، لكراهتهم إدخال اللام عليه .
" للمبالغة " في الفعل المشتق منه " كـ ( ضرّاب ، وضروب ومضراب " بمعنى كثير الضرب " وعليم " بمعنى كثير العلم " وحذر " بمعنى كثير الحذر " مثله " أي : مثل اسم الفاعل في العمل واشتراط ما يشترط به عمله هذا على تقدير أن تكون صيغ المبالغة خارجة عن حد اسم الفاعل ، وأما إذا كانت داخلة فيه ، فمعنى هذه العبارة أن صيغ اسم الفاعل إذا كانت للمبالغة مثله ، أي : مثل اسم الفاعل إذا لم يكن للمبالغة ، نحو ( زيد ) ضرّاب أبوه عمرا الآن أو غدا ) و ( مررت بزيد الضرّاب عمرا الآن أو غدا أو أمس ) .(1/370)
وما فيه من معنى المبالغة نائب مناب ما فات من المشابهة اللفظية .
" والمثنى " من اسم الفاعل ومما وضع منه للمبالغة " و " كذلك " المجموع " منهما مصحّحا كان أو مكسّرا " مثله " أي : مثل اسم الفاعل إذا كان مفردا في العمل وشروطه ، لعدم تطرق خلل إلى صيغته المفردة من حيث ذاتها بإلحاق علامتي التثنية والجمع ، تقول : ( الزيدان ضاربان ، أو الزيدون ضاربون عمرا الآن أو غدا ) و ( الزيدان الضاربان أو الزيدون الضاربون عمرا الآن أو غدا أو أمس ) .
$[2/200]
" ويجوز حذف النون " أي : نون المثنى والجموع " مع العمل " في مفعوله بنصبه على المفعولية بخلاف ما إذا كان مضافا إليه فإن حذفها واجب .
" و " مع " التعريف تخفيفا " مفعول له للحذف أي : يجوز حذفها لوجود هذين الشرطين لقصد مجرد التخفيف لطول الصلة بها كقراءة من قرأ : " المقيمي الصلاة " بنصب ( الصلاة ) على المفعولية .
وأمّا على تقدير التنكير ، مثل قوله تعالى { لذائقوا العذاب } بالنّصب فحذفها ضعيف لأن اسم الفاعل لم يقع صلة اللام .
والقراءة مما لا اعتمد عليها .
$[2/201]
" ( اسم المفعول ) "
" هو ما اشتق من فعل " أي : حدث موضوعا " لمن وقع عليه " أي : لذات ما من حيث وقوع الفعل عليه ، فـ ( مضروب ) موضوع لذات ما وقع عليها الضرب .
واعتذار إقامة ( من ) مقام ( ما ) مر في اسم الفاعل .
فقوله ( ما اشتق من فعل ) شامل لجميع الأمور المشتقة من المصدر .
وقوله ( لمن وقع عليه ) يخرج ما عدا المحدود ، كاسم الفاعل والصفة المشبهة واسم التفضيل مطلقا ، سواء وضع لتفضيل الفاعل أو لتفضيل المفعول .
فإنه مشتق من فعل لموصوف بزيادته على الغير في ذلك الفعل واسم المفعول موضوع لمن وقع عليه الفعل فقط .(1/371)
" وصيغته من الثلاثي " المجرد " على " زنة " مفعول كـ ( مضروب ) ومن غيره " أي : غير الثلاثي المجرد " على صيغة اسم الفاعل بفتح ما قبل الآخر " لخفة الفتحة وكثرة المفعول " كـ ( مستخرج ) " بفتح الراء .
" وأمره " أي : شأنه وحاله " في العمل " أي : عمل النصب " و الاشتراط " أي : اشتراط عمله بأحد الزمانين والاعتماد على صاحبه أو الهمزة أو ( ما ) " كأمر اسم الفاعل " أي : مثل شأنه وحاله .
$[2/202]
وإذا كان معرفا باللام يعمل بمعنى الماضي أيضاً فهو يرفع ما يقوم مقام الفاعل ، ولو كان هناك مفعول آخر يبقى على نصبه " نحو : ( زيد معطيّ غلامه درهما " الآن أو غدا ) أو ( المعطي غلامه درهما : الآن أو غدا أو أمس ) .
" ( الصفة المشبهة ) "
باسم الفاعل من حيث أنها تثنى وتجمع وتذكر وتؤنث .
" ما اشتق من فعل لازم " احترز به عن اسم الفاعل واسم المفعول المتعديين .
" لمن " أي : لما " قام به على معنى الثبوت " لا بمعنى الحدوث ، احتراز عن نحو : ( قائم ) و ( ذاهب ) مما اشتق من فعل لازم لمن قام به بمعنى الحدوث ، فإنه اسم فاعل لا صفة مشبهة .
واللازم أعم من أن يكون لازما ابتداء أو عند الاشتقاق ، كـ ( رحيم ) فإنه مشتق من ( رحم ) بكسر العين بعد نقله إلى ( رحم ) بضمها ، فلا يقال : رحيم إلا من ( رحم ) بضم الحاء ، أي : صار ( الرّحم ) طبيعة له كـ ( كرم ) بمعنى صار الكرم طبيعة له .
والمراد بكونه بمعنى الثبوت : أنه يكون كذلك بحسب أصل الوضع ، فيخرج عنه نحو ( ضامر وطالق ) فإنهما بحسب أصل الوضع للحدوث ثم عرض لهما الثبوت بحسب الاستعمال .
" وصيغتها " أي : صيغة الصفة المشبهة مع اختلاف أنواعها " مخالفة " لصيغة " اسم الفاعل " أو لصيغة الفاعل الذي هو ميزان اسم الفاعل من الثلاثي المجرد ، فلا تجيء صيغة من صيغها على هذا الوزن قطعا .
$[2/203](1/372)
" على حسب السماع " أي : كائنة على قدره ، بحيث لا تتجاوزه فالظرف منصوب على أنه حال من المستكن في مخالفة ، أو صفة لمصدر محذوف ، أي : مخالفة كائنة على قدر ما يسمع .
وخص مخالفتها لصيغة اسم الفاعل بالبيان مع أنها مخالفة لصيغة اسم المفعول أيضاً ، لزيادة اختصاصها لها باسم الفاعل ، لكونها مشبهة به ، ولكن عملها لمشابهتها إيّاه فيما ذكر .
" كـ ( حسن ) و ( صعب ) و ( شديد ) " .
" وتعمل عمل فعلها مطلقا " أي : من غير اشتراط زمان ، لكونها بمعنى الثبوت ، فلا معنى لاشتراطها فيها .
وأما اشتراط الاعتماد فمعتبر فيها ، إلا أن الاعتماد على الموصول لا يتأتى فيها ، لأن اللام الداخلة عليها ليس بموصول بالاتفاق .
" وتقسيم مسائلها " أي : جعلها قسما قسما ، وبيان حكم كل قسم . ويسمى كل قسم مسألة ، لأنه يسأل عن حكمه ويبحث عنه .
" أن تكون الصفة " متلبسة " باللام أو مجردة " عنها " و " على كل من التقديرين " معمولها " إما " مضاف ، أو " متلبس " باللام ، أو مجرد عنهما " أي : عن اللام والإضافة .
$[2/204]
" فهذه " الأقسام " ستة " حاصلة على الاثنين في الثلاثة .
" والمعمول " أي : معمول الصفة المشبهة " في كل واحد منها " أي من هذه الأقسام الستة ، " مرفوع " تارة " ومنصوب " تارة " ومجرور " تارة أخرى .
فعلى هذا " صارت " أقسام مسائلها " ثمانية عشر قسما " حاصلة من ضرب الأقسام الثلاثة التي للمعمول من حيث الإعراب في الأقسام الستة الحاصلة من قبل .
" فالرفع " في المعمول " على الفاعلية " أي : فاعليته للصفة المشبهة .
" والنصب على التشبيه " أي : تشبيه معمول الصفة " بالمفعول في " المعمول " المعرفة وعلى التمييز " أي : جعل معمول الصفة تمييزا " في " المعمول " النكرة " هذا عند البصريين .
وقال الكوفيون : بل هو على التمييز في الجميع ، لأنهم يجوزون تعريف المميز .
وقال بعض النحاة : على التشبيه بالمفعول في الجميع .(1/373)
وقال الشارح الرضي ( والأولى التفصيل ) .
" والجر " في المعمول " على الإضافة " أي : إضافة الصفة إليه " وتفصيلها " أي : تفصيل هذه الأقسام في ضمن أمثلة جزئية قوله " حسن وجهه " بتنوين الصفة
$[2/205]
ورفع ( وجهه ) بالفاعلية أو نصبه على التشبيه بالمفعول ، وبحذف التنوين وجر ( وجهه ) بالإضافة ، فهذا التركيب " ثلاثة " أي : ثلاثة أمثلة من الأمثلة المقصودة ذكرها ، لتوضيح الأقسام باعتبار اختلاف معمول الصفة رفعا ونصبا وجرا .
" وكذلك " أي : مثل هذا التركيب في كونه أمثلة ثلاثة " حسن الوجه " بالوجوه المذكورة .
" وحسن وجهه " عطف على ( حسن الوجه ) أي : هو أيضاً بالوجوه المذكورة أمثلة ثلاثة .
" الحسن وجهه " بإدخال اللام على الصفة ورفع ( وجهه ) بالفاعلية أو نصبه بالتشبيه بالمفعول أو جره بالإضافة .
وإنما غير الأسلوب بترك العاطف إشارة إلى أنه شروع في قسم آخر من الصفة المشبهة ، لأن الأمثلة السابقة كانت للصفة المجردة عن اللام ، وهذه للصفة ذات اللام .
" الحسن الوجه " بالوجوه الثلاثة .
" الحسن وجه " أيضاً بهذه الوجوه .
وإنما قدم الصفة الكائنة باللام في أول تقسيم المسائل على الصفة المجردة عنها لأن مفهوم الأول وجودي والثاني عدمي ، وعكس الترتيب في تفصيلها ، لأن أقسام الصفة المجردة أشرف ، لأن قسما واحدا منها مختلف فيه وسائر الأقسام صحيح ، بخلاف أقسام ذات اللام ، فإن قسمين منها ممتنع كما قال : " اثنان منها " أي : من تلك الأقسام " ممتنعان " :
$[2/206]
أحدهما : أن تكون الصفة باللام مضافة إلى معمولها المضاف إلى ضمير الموصوف بواسطة أو غير واسطة .(1/374)
مثل " الحسن وجهه " و ( الحسن وجه غلامه ) لعدم إفادة الإضافة فيه خفة ، لأن الخفة في الصفة المشبهة إما بحذف التنوين أو النون كـ ( حسن وجهه ) بالإضافة ، أو بحذف ضمير الموصوف من فاعل الصفة ، أو مما أضيف إليه الفاعل واستتاره في الصفة ، مثل ( الحسن الوجه ) و ( الحسن وجه الغلام ) أو بحذفهما معا ولا خفة فيه بواحد منها .
وثانيهما : أن تكون الصفة باللام مضافة إلى معموله المجرد عن اللام ، مثل ( " الحسن وجه " أو وجه غلام ) لأن إضافة ( الحسن ) إلى ( وجه ) وإن أفادت التخفيف بحذف الضمير واستتاره في الصفة ، لكنهم لم يجوزوها ، لأن إضافة المعرفة إلى النكرة وإن كانت لفظية مفيدة للتخفيف ، لكنها في الصورة تشبه عكس المعهود من الإضافة .
" واختلف " في صورة كان الصفة فيها مجردة عن اللام مضافة إلى معمولها المضاف إلى ضمير الموصوف مثل " حسن وجهه " فسيبويه وجميع البصريين يجوزونها على قبح في ضرورة الشعر والكوفيون يجوزونها بلا قبح في السعة .
وجه الاستقباح : أنهم إنما ارتكبوا الإضافة لقصد التخفيف ، فيقتضي الحال أن يبلغ أقصى ما يمكن منه ، ويقبح أن يقتصر على أهون التخفيفين ، أعني : حذف التنوين .
ولا يتعرض لأعظمهما مع إمكانه وهو حذف الضمير مع الاستغناء عنه بما استكنّ في الصفة .
والذي أجازها بلا قبح نظر إلى حصول شيء من التخفيف في الجملة ، وهو حذف التنوين . " والبواقي " من الأقسام الثمانية عشر التي خرجت منها الأقسام الثلاثة المذكورة ، وهي خمسة عشر قسما .
$[2/207]
" ما كان فيه ضمير واحد " منها ، أي : من تلك البواقي . إمّا في الصفة ، وهو سبعة أقسام ( الحسن الوجه ) بنصب المعمول و ( الحسن الوجه ) بجره و ( حسن الوجه ) بنصبه و ( حسن الوجه ) بجره و ( الحسن وجها ) و ( حسن وجها ) بنصب و ( حسن وجه ) بجره .
وإمّا في المعمول مثل ( الحسن وجهه ) و ( حسن وجهه ) برفعه فيهما ، وهما قسمان ، والمجموع تسعة .(1/375)
" أحسن " لأن الضمير فيه بقدر الحاجة من غير زيادة ولا نقصان .
" وما كان فيه ضميران " منها .
أحدهما : في الصفة ، والآخر : في المعمول مثل ( حسن وجهه ، والحسن وجهه ) بنصبه فيهما ، فهو قسمان .
" حسن " لاشتماله على الضمير المحتاج إليه ، وغير ( أحسن ) لاشتماله على ضمير زائد على قدر الحاجة .
" وما لا ضمير فيه " منها وهو أربعة أقسام : ( الحسن الوجه ) و ( حسن الوجه ) ( وحسن وجه ) و ( الحسن وجه ) برفعه فيها " قبيح " لعدم الرابط بالموصوف لفظا .
ولما كان وجود الضمير غير ظاهر في الصفة مثل ظهوره في المعمول احتيج إلى قاعدة يظهر بها وجوده وعدمه ، فقال :
" ومتى رفعت " معمول الصفة " بها فلا ضمير فيها " أي : في الصفة ، لأن
$[2/208]
معمولها حينئذ فاعل لها ، فلو كان فيها ضمير يلزم تعدد العامل " فهي " أي : تلك الصفة حينئذ " كالفعل " 154/ب فكما أن الفعل لا يثنى ولا يجمع بتثنية فاعله الظاهر وجمعه ، كذلك تلك الصفة لا تثنى ولا تجمع بتثنية معمولها وجمعه .
" وإلا " أي : وأن ترفع معمول الصفة بها ، بل تنصب أو تجر " ففيها ضمير الموصوف " ليكون فاعلا لها " فتؤنث " أي : أنث الصفة بتأنيث الموصوف فتقول : ( هند حسنة وجه ) أو ( حسنة وجها ) .
" وتثنى " أي : الصفة إذا كان الموصوف تثنية ، مثل ( الزيدان حسنا وجه ) و ( حسنان وجها ) .
" وتجمع " أيضاً الصفة إذا كان الموصوف جمعا مثل ( الزيدون حسنو وجه ) و ( حسنون وجها ) .
" واسما الفاعل والمفعول غير المتعديين " أي : اسم الفاعل غير المتعدي إلى مفعول ، واسم المفعول الغير المتعدي أيضاً إلى المفعول لاشتقاقه من الفعل المتعدي إلى مفعول واحد فإذا بني اسم المفعول منه أقيم ذلك المفعول مقام الفاعل ، فيبقى غير متعد إلى مفعول .
" مثل الصفة " المشبهة في ذلك ، أي : " فيما ذكر " من الأقسام الثمانية عشر .
$[2/209](1/376)
فيرفعان الفاعل ، ومفعول ما لم يسم فاعله ، وينصبانهما ، ويضافان إليهما ، تقول : ( زيد قائم الأب ) و ( مضروب الأب ) برفع الأب ونصبه وجره ، وإذا كانا متعديين لا يجوز إضافتهما إليهما ولا نصبهما ، لئلا يلزم الالتباس بالمفعول .
فإذا قلنا مثلا : ( زيد ضارب أباه ) و ( زيد معطي أباه ) لم يعلم أن ( أباه ) في المثال الأول مفعول ( ضارب ) أو فاعل له نصب تشبيها بالمفعول ، وفي المثال الثاني أنه مفعول ثان لمعطي ، أو مفعول أول أقيم مقام الفاعل ، ونصب تشبيها بالمفعول ، والمفعول الثاني محذوف .
وكذلك مثل الصفة المشبهة المنسوب ، تقول : ( زيد تميميّ الأب ) مرفوعا ومنصوبا ومجرورا .
$[2/210]
**
" ( اسم التفضيل ) "
" ما اشتق " أي : اسم اشتق " من فعل " أي : حدث " لموصوف " قام به الفعل أو وقع عليه .
والتعميم لقصد شمول قسمي اسم التفضيل ، أعني : ما جاء للفاعل وما جاء للمفعول " بزيادة على غيره " في أصل ذلك الفعل .
و ( الباء ) في قوله : ( بزيادة ) : إمّا ظرف لغو للموصوف أي : لذات متصفة بتلك الزيادة ، أو ظرف مستقر أي : لموصوف متلبس بتلك الزيادة .
فقوله : ( ما اشتق من فعل ) شامل لجميع المشتقات ، وقوله ( لموصوف ) يخرج أسماء الزمان والمكان والآلة ، لأن المراد بالموصوف ذات مبهمة ولا إبهام في تلك الأسماء .
وقوله ( بزيادة على غيره ) يخرج اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة .
" وهو " أي : اسم التفضيل ، من حيث صيغته " أفعل " للمذكر " وفعلى " للمؤنث .
وإن كان بحسب الأصل فيدخل فيه ( خير وشر ) لكونهما في الأصل ( أخير وأشر ) فخففتا بالحذف لكثرة الاستعمال ، وقد يستعملان على الأصل .
" وشرطه أن يبنى " أي : اسم التفضيل " من " حدث " ثلاثي " لا رباعي
$[2/211](1/377)
" مجرد " لا مزيد فيه " ليمكن البناء " أي : بناء ( أفعل ) و ( فعلى ) منه ، إذ البناء من الرباعي والثلاثي المزيد فيه مع المحافظة على تمام حروفه ، متعذر ، لأن هذه الصيغة لا تتسع الزيادة على ثلاثة أحرف .
ومع إسقاط بعضها يلزم الالتباس ، فإنه لا يعلم أنه مشتق من الرباعي أو الثلاثي المجرد أو المزيد فيه ، فإن هذه الحروف الثلاثة تحتمل أن تكون تمام حروف ثلاثي مجرد أو بعض حروف رباعي مجرد كلها أصول ، أو تكون من حروف المزيد فيه إمّا من أصوله ، أو من زوائده ، أو ممتزجا منهما ، فلا يتبين ما هو المشتق منه ، فلا يتعين المعنى .
" ليس بلون " أي : من ثلاثي مجرد ، ليس بلون " ولا عيب " ظاهري
$[2/212]
" لأن منهما " اشتق " ( أفعل ) لغيره " أي : لغير اسم التفضيل كـ ( أحمر ) و ( أعور ) .
فلو اشتق اسم التفضيل أيضاً منهما لالتبس أنّ المراد : ذو حمرة وعور ، أو زائد الحمرة أو العور وهذا التعليل إنما يتم إذا تبين أن ( أفعل ) الصفة مقدم بناؤه على ( أفعل ) التفضيل ، وهو كذلك ، لأن ما يدل على ثبوت مطلق الصفة مقدم بالطبع على ما يدل على زيادة على الآخر من الصفة . والأولى موافقة الوضع الطبع .
" مثل ( زيد أفضل الناس ) " فإن ( الأفضل ) اشتق من ثلاثي مجرد ليس بلون ولا عيب وهو ( الفضل ) .
" فإن قصد غيره " أي : غير الثلاثي المجرد بأن يراد أن يدل على أن لأحد زيادة فيه على غيره " توصل إليه " أي : إلى غير الثلاثي المجرد " بأشد ونحوه ، مثل : هو أشدّ منه استخراجا " مثال الثلاثي المزيد فيه " وبياضا " مثال اللون ، " وعمى " مثال العيب .
وحيث قيدنا العيب بالظاهري لا يرد نحو ( أجهل وأبلد ) ولكن يرد أنه صح على هذا التقدير اشتقاق ( أحمق ) على معنى التفضيل ، فإنه لا فرق بين الجهل والبلادة
$[2/213](1/378)
والحمق ولكنهم حكموا بشذوذه في نحو ( أحمق من هبنّقة ) والجواب : بأن المراد بالحمق ما يبدو م أثر البلادة في الظاهر كما حكي عن هبنّقة من تعليق خرزات وعظام وخيوط على عنقه ، وهو ذو لحية طويلة ، فسئل عن ذلك ، فقال : لأعرف بها نفسي ولا أضل وتقلد ذات ليلة أخوه بقلادته ، فلما أصبح قال يا أخي أنت أنا ، فمن أنا ؟ - ففيه شائبة من حمق هبنّقة .
فإنه يقتضي جواز اشتقاق ( أحمق ) من ( حمق ) لمن لا يكون بهذا الظهور قياسا .
وأن يكون اشتقاق ( أجهل وأبلد ) لمن يكون آثار جهله وبلادته ظاهرة على سبيل الشذوذ ، ولا يقول بذلك عاقل .
والشارح الرضي عدّ ( أحمق ) من قبل ( أبلد ) حيث قال : ( وينبغي أن يقال : من الألوان والعيوب الظاهرة فإن الباطنة يبنى منها ( أفعل ) التفضيل : نحو فلان أبلد من فلان وأحمق منه ) .
" وقياسه " أي : القياس الواقع في اسم التفضيل اشتقاقه " للفاعل " لا المفعول فإنه لو اشتق لكل منهما قياسا مطردا لكثر الالتباس ، فاقتصروا على الأشرف .
" وقد جاء للمفعول " على خلاف القياس في مواضع قليلة " نحو : أعذر " لمن هو أشد معذورية " وألوم " لمن هو أشد ملومية . " و " على هذا القياس " ( أشغل وأشهر وأعرف ) " .
$[2/214]
" ويستعمل " أي : اسم التفضيل " على أحد ثلاثة أوجه " وهي استعماله بالإضافة أو ( من ) أو اللام على سبيل الانفصال الحقيقي ، فلا بد من واحد منها لأن وضعه لتفضيل الشيء على غيره ، فلا بد فيه من ذكر الغير الذي هو المفضل عليه .
وذكره مع ( من ) والإضافة ظاهرة وأمّا مع اللام فهو في حكم المذكور ظاهرا لأنه يشار باللام إلى معين بتعيين المفضل عليه مذكور قبله لفظا أو حكما ، كما إذا طلب شخص أفضل من زيد قلت : عمرو الأفضل أي : الشخص الذي قلنا أنه أفضل من زيد . فعلى هذا لا يكون اللام في ( أفعل ) التفضيل إلا للعهد .(1/379)
فيجب أن يستعمل إمّا " مضافا " نحو ( زيد أفضل الناس ) " أو بـ ( من ) " نحو ( زيد أفضل من عمرو ) " أو معرفا باللام " نحو ( زيد الأفضل ) " فلا يجوز " الجمع بين اثنين منها " نحو ( زيد الأفضل من عمرو ) " إلا يكون ذكر اللام أو ( من ) لغوا .
وأما قوله :
ولست بالأكثر منهم حصى ... ... وإنّما العزّةِ ! وللكاثر
$[2/215]
فقيل : ( من ) فيه ليست تفضيلية ، بل للتبعيض ، أي : لست من بينهم بالأكثر حصى .
" ولا " يجوز خلوه من الكل أيضاً ، لفوات الغرض ، " نحو ( زيد أفضل ) إلا أن يعلم " المفضّل عليه ، مثل ( الله أكبر ) .
ويجوز أن يقال في مثله : أن المحذوف هو المضاف إليه أي : أكبر كل شيء أو أنه ( من ) مع مجروره ، أي : أكبر من كل شيء .
" فإذا أضيف " أي : اسم التفضيل " فله معنيان " .
" أحدهما : وهو الأكثر : أن يقصد به الزيادة " أي : أحدهما : زيادة موصوفة المقصودة به " على من أضيف إليه " أي : على ما أضيف اسم التفضيل إليه ، باعتبار تحققه في ضمن بعضهم ، وإلا يلزم تفضيل الشيء على نفسه .
وإنما كان هذا الاستعمال أكثر ، لأن وضع ( أفعل ) لتفضيل الشيء على غيره ، فالأولى ذكر المفضول .
" فيشترط " في استعماله بهذا المعنى " أن يكون " موصوفه بعضا " منهم " داخلا فيهم بحسب مفهوم اللفظ ، وإن كان خارجا عنهم بحسب الإرادة ، لأن المقصود من استعماله بهذا المعنى تفضيل موصوفه على مشاركيه في هذا المفهوم العام " مثل ( زيد أفضل الناس ) أي : أفضل من مشاركيه في هذا النوع .
$[2/216]
" فلا يجوز " بهذا المعنى قولك " ( يوسف أحسن أخوته ) ، لخروجه عنهم " أي : عن الإخوة " بإضافتهم إليهن والثاني : أن يقصد به زيادة مطلقة " أي : ثاني معنييه زيادة مقصودة مطلقة غير مقيدة ، بأن تكون على المضاف إليه وحده .(1/380)
" ويضاف " اسم التفضيل إلى ما أضيف إليه " للتوضيح " أي : لتوضيح اسم التفضيل وتخصيصه ، كما يضاف سائر الصفات ، نحو : ( مصارع مصر ، وحسن القوم ) فيما لا تفضيل فيه ، فلا يشترط كون بعض المضاف إليه .
" فيجوز " بهذا المعنى أن تضيفه إلى جماعة هو داخل فيهم نحو قولك : ( نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل قريش ) أي : أفضل الناس من بين قريش ، وأن تضيفه إلى جماعة من جنسه ليس داخلا فيهم ، كقولك " يوسف أحسن أخوته " فإن يوسف ) لا يدخل في جملة أخوة يوسف وأن تضيفه إلى غير جماعة ، نحو ( فلان أعلم بغداد ) ، أي أعلم مما سواه ، وهو مختص ببغداد لأنه منشؤه ، أو مسكنة .
" ويجوز في " النوع " الأول " من نوعي اسم التفضيل المضاف وهو الذي يقصد به الزيادة على من أضيف إليه " الإفراد " أي : إفراد اسم التفضيل ، وإن كان موصوفه مثنى أو مجموعا ، وكذا التذكير ، وإن كان موصوفه مؤنثا ، نحو ( زيد ، أو الزيدان ، أو الزيدون ، أو هند أو الهندان أو الهندات أفضل الناس ) وهذا لا يشابه ( أفعل من ) الذي ليس فيه إلا الإفراد والتذكير في كون المفضل عليه مذكورا معه .
$[2/217]
" والمطابقة " أي : مطابقة اسم التفضيل إفرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا " لمن هو " أي : اسم التفضيل صفة " له " نحو : ( الزيدان أفضلا الناس ) و ( الزيدون أفضلو الناس ) و ( هند فضلى النساء ) و ( الهندات فضلياهن ) و ( الهندان فضلياتهن ) لمشابهته ما فيه الألف واللام في كونه معرفة .
" وأما " النوع " الثاني " من نوعي اسم التفضيل المضاف ، وهو الذي يقصد به زيادة مطلقة " و " القسم " المعرف باللام " منه " فلا بد " فيهما " من المطابقة " أي : مطابقة اسم التفضيل لموصوفه ، إفرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا للزم مطابقة الصفة لموصوفها مع عدم قيام المانع ، وهو امتزاجه بـ ( من ) التفضيلية لفظا أو معنى ، لعدم ذكر المفضل عليه بعدهما .(1/381)
" و " اسم التفضيل " الذي " استعمل " بـ ( من ) مفرد مذكر لا غير " أي : لا غير المفرد المذكر ، لكراهتهم لحوق أداة التثنية والجمع والتأنيث المختصة بالآخر بما هو في حكم الوسط ، باعتبار امتزاجه بـ ( من ) التفضيلية لكونها الفارقة بينه وبين باب ( أحمر ) فكأنها من تمام الكلمة .
" ولا يعمل " اسم التفضيل " في " اسم " مظهر " الرفع بالفاعلية بقرينة الاستثناء .
وإنما خص المظهر لأنه يعمل في المضمر بلا شرط ، لأن العمل في المضمر ضعيف لا يظهر أثره في اللفظ ، فلا يحتاج إلى قوة العامل .
وإنما خص بالفاعل لأنه لا ينصب المفعول به ، سواء كان مظهرا أو مضمرا ، بل إن
$[2/218]
وجد بعده ما يوهم ذلك فـ ( أفعل ) دال على الفعل الناصب له .
قال الله تعالى : { هو أعلم من يضل عن سبيله } أي : أعلم من كل واحد يعلم من يضل .
وأما الظرف والحال والتمييز ، فيعمل فيها أيضاً بلا شرط ، لأن الظرف والحال يكفيهما رائحة من الفعل ، نحو ( زيد أحسن منك اليوم راكبا ) والتمييز ينصبه ما يخلو عن معنى الفعل أيضاً ، نحو ( رطل زيتا ) .
وإنما لم يعمل الرفع بالفاعلية ، لأن هذا العمل بالأصالة إنما هو عمل الفعل وهو لم يعمل عمل الفعل ، لأنه ليس له فعل بمعناه في الزيادة ليعمل عمله ، ولأنه لما كان فيما هو الأصل فيه ، وهو استعماله بـ ( من ) لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث بعد مشابهته عن اسم الفاعل فلا يعمل لمشابهته أيضاً ، " إلا إذا كان " اسم التفضيل " صفة " أي : وصفا سببيا هو في اللفظ " لشيء " معتمدا عليه ، بأن يقع نعتا له أو خبرا عنه أو حالا " وهو في المعنى " صفة " لمسبّب " مشترك بين ذلك الشيء وبين غير " مفضل " ذلك المسبب " باعتبار الأول " أي : باعتبار تقيده بذلك الشيء الذي اعتبر أولا " على نفسه " أي : نفس ذلك المسبب " باعتبار غيره " أي : باعتبار تقييده بغيره ، أي : غير ذلك الأول ، فيكون
$[2/219](1/382)
باعتبار الأول مفضلا وباعتبار الثاني مفضلا عليه .
" منفيا " خبر بعد خبر لكان أو حال عن اسمه أو صفة لمصدر محذوف أي : تفضيلا منفيا .
" مثل ( ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد ) " فـ ( رجلا ) هو الشيء الذي له اسم التفضيل في اللفظ . و ( الكحل ) مسبب مشترك بين عين الرجل وبين عين زيد ، وفضل باعتبار عين الرجل ، مفضل عليه باعتبار عين زيد .
وإنما اشترط أن يكون في اللفظ ثابتا لشيء وفي المعنى لمسببه ، ليحصل له صاحب يعتمد عليه ، ويحصل له مظهر تعلّق بذلك الصاحب حتى يتيسر عمله فيه ، كالصفة المشبهة ، لانحطاط رتبتهما عن رتبة اسم الفاعل ، فإنه يعمل في مظهر بعده سواء كان من متعلقات الموصوف أو لم يكن ، مثل ( زيد ضارب عمرا ) وإنما اشترط أن يكون ذلك المسبب مشتركا مفضلا من وجه مفضلا عليه من وجه ، بعد اتحادهما بالذات ، ليخرج عنه مثل قولك : ما رأيت رجلا أحسن كحل عينه من كحل عين زيد ، فإنهما مختلفان بالذات ، بخلاف ( الكل ) الملحوظ مطلقا المفيد تارة بهذا وتارة بذلك فإنه واحد بالذات مختلف بالاعتبار ولئلا يبقى على ما هو الأصل في اسم التفضيل ، وهو
$[2/220]
التغاير بحسب الذات بين المفضل والمفضل عليه ليسهل إخراجه عن المعنى التفضيلي بالنفي ، كما سيتضح فائدته .
وإنما اشترط أن يكون اسم التفضيل منفيا إذ عند كونه منفيا يكون بمعنى الفعل ويعمل عمله .
وإنا قلنا : أنه عند كونه منفيا يكون بمعنى الفعل " لأنه " أي : ( أحسن ) في هذا المثال " بمعنى حسن " وكذا كل ( أفعل ) في المواد الآخر بمعنى ( فعل ) وهذه العبارة تحتمل معنيين :(1/383)
أحدهما : أن يكون ( أحسن ) مثلا بعد النفي بمعنى ( حسن ) لأنه إذا استولى النفي على اسم التفضيل توجه النفي إلى قيده الذي هو الزيادة فيفيد أنه ليس حسن كحل عين رجل زائدا على كحل عين ( زيد ) فيبقى أصل حسن كحل عين رجل مقيسا إلى حسن كحل عين زيد ، إما بأن يساويه أو بأن يكون دونه ، والمساواة يأباها مقام المدح ، فيرجع المعنى إلى أنه حسن في عين كل أحد الكحل دون حسنه في عين زيد ، فيكون ( أحسن ) مع النفي بمعنى ( حسن ) .
وثانيهما : أن يجعل ( أحسن ) قبل تسلط النفي عليه مجردا عن الزيادة عرفا ، لأن نفي الزيادة لا يلائم المدح ، فيبقى أصل الحسن ، وتوجه النفي إلى حسن رجل مقيسا إلى حسن زيد ، إما بالمساواة أو يكون دونه .
والقياس بكونه دونه لا يناسب المقام ، فيرجع المعنى إلى ( ما رأيت رجلا حسن في عينه الكحل حسنه في عين زيد ) فانتفى المساواة والزيادة بالطريق الأولى ، لما اقتضاه المقام .
$[2/221]
ولا يبعد أن يقصد بنفي المساواة نفي الزيادة أيضاً ، لأن في الزائد على شيء ما يساويه مع زيادة ، فيصح أن يقصد به عرفا نفي المساواة مطلقا ، ولو في ضمن الزائد ، فانتفى الزائد أيضاً .
فيحصل من جميع ذلك أن حسن كحل كل عين رجل دون حسن كحل عين زيد ، وذلك كمال المدح .
فإن قلت : لو كان زوال الزيادة التفضيلية بالنفي يقتضي جواز عمل اسم التفضيل في المظهر ، ينبغي أن يكون عمله في مثل ( ما رأيت رجلا أفضل أبوه من زيد ) جائزا ، كما جاز في المثال المذكور .
قلنا : فرق بين المثالين ، فإن المفضل والمفضل عليه في المثال المذكور متحدان بالذات ، والأصل في اسم التفضيل أن يكون المفضل والمفضل عليه مختلفين بالذات .(1/384)
ففي صورة الاتحاد ضعف المعنى التفضيلي ، فإذا زال بالنفي زال بالكلية ولم يبق له قوة أن يعود حكمه بعد الزوال ، بخلاف ( ما رأيت رجلا أفضل أبوه من زيد ) فإن المفضل والمفضل عليه فيه مختلفان بالذات ، فلا ضعف في معناه التفضيلي ، فله قوة أن يعود حكمه بعد الزوال ، وهو عدم جواز عمله في المظهر " مع أنهم لو رفعوا " ( أحسن ) بالخبرية والكحل بالابتداء " لفصلوا بين ( أحسن ) ومعموله " أي : ما عمل فيه أحسن من حيث أنه اسم تفضيل فيه معنى الفعلية .
وذلك المعمول قوله ( منه في عين زيد ) .
" بأجنبي ، وهو ( الكحل ) " إذ ما ليس معمولا له من هذه الحيثية فهو أجنبي له من
$[2/222]
هذه الحيثية لا يجوز تخلله بينه وبين معمولاته من هذه الحيثية ، ولا يخرجه عن هذه الأجنبية ما عرض له من معنى الابتداء العامل في المبتدأ والخبر ، إذ العامل بالحقيقة حينئذ معنى الابتداء ، لا اسم التفضيل ، بخلاف ما إذا عمل في ( الكحل ) بالفاعلية فإنه لم يبق أجنبيا حينئذ فإنه من معمولاته من حيث أنه اسم التفضيل ولو قدم قوله ( منه أجنبيا حينئذ ، فإنه من معمولاته من حيث أنه اسم التفضيل ولو قدم قوله ( منه في عيد زيد ) على ( الكحل ) لم يلزم الفصل بين ( أحسن ) ومعموله من حيث إنه اسم تفضيل ولكن في معناه تعقيد ركيك ، وكذا لو قيل بهذه العبارة ( ما رأيت رجلا أحسن من الكحل في عينه هو - أي الكحل في عين زيد ) لا يخلو معناه من ركاكة وتعقيد أيضاً ، مع أنهما ليسا من قبيل العبارة المشهورة الواردة في أداء مثل هذا المقصود والكلام فيها .(1/385)
ولما قرر مسألة الكحل وبين شرائطها وما عبر عنها على وجه يطابق المقصود بلا زيادة ولا نقصان ، أراد أن ينبه على أن التعبير عنها غير منحصر فيما ذكر ، بل يمكن أن يعبر عنها بعبارة أخصر منه ، وعلى ترتيب غير ترتيبه ، وينتقل بهذا التقريب إلى ما أنشده سيبويه واستشهد به في إثبات هذه المسألة ، ويطبق بعض هذه الصور عليه ، فقال : " ولك أن تقول : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل من عين زيد " بإقامة ( من عين زيد ) مقام ( منه في عين زيد ) وهو أخصر منه بمقدار ضمير ( منه ) وكلمة ( في ) .
$[2/223]
ولو رفع لفظ ( العين ) من البين ، واكتفى بـ ( من زيد ) كان أخصر من ظهور المعنى المقصود . وعلى كلا التقديرين فالمعنى على ما كان عليه قبل هذا التغيير لأن أصله ( من كحل عين زيد ) والمعنى على حذف المضاف فإنه لو كان كذلك لا يكون من قبيل تفضيل الشيء على نفسه ، إذ يتعدد الكحل حينئذ .
" فإن قدمت " على اسم التفضيل " ذكر العين " التي كان الكحل فيها مفضلا عليه " قلت : ( ما رأيت كعين زيد أحسن فيها الكحل ) " كان أصله : ما رأيت عينا أحسن فيها الكحل منه في عين زيد فلما ذكر ( عين زيد ) مقدما عليه استغنى عن ذكره ثانيا .
وتقديره : ما رأيت عينا مماثلة لعين زيد في أصل التكحل أحسن فيها الكحل من عين زيد ، أو تقول معناه : ما رأيت عينا كعين زيد في كونها أحسن فيها الكحل منه في غيرها .
ويلزم من هذا على أبلغ وجه أن للكحل في عين زيد حسنا ليس في عين غيره .
وإنما جازت هذه الصورة وإن لم يكن فيها فصل ظاهر لو رفعت ( أفعل ) بالابتداء ، لأنها فرع الأولى ولأن ( من ) التفضيلية مع مجرورها مقدرة فيها أيضاً كما ذكرنا .
$[2/224]
" مثل : ولا أرى "
( مثل ) منصوب على أنه صفة مصدر محذوف ، أي : قلت : ( ما رأيت كعين زيد . . . أهـ ) قولا يماثل قول الشاعر .(1/386)
وإنما ترك صدر البيت ، ليكون مبتدأ بما هو مبدأ المماثلة ، وترك موصوف ( أحسن ) في المثال وإن كانت المماثلة الكاملة في ذكره ، إذ هو في مقابلة قوله ( واديا ) وهو مذكور لأنه كان في مقام بيان الاختصار في المثال المذكور أولا .
وتمام البيت مع ما يليه :
39ـ
مررت على واديي السباع ولا أرى ... ... كوادي السباع حين يظلم واديا
أقلّ به ركب أتوه تئية ... ... وأخوف إلا ما وقى الله ساريا
كان أصله ( لا أرى واديا أقل به ركب منهم في وادي السباع ) فقدم ( وادي السباع ) ، واستغنى عن ذكره ثانيا .
الركب : اسم جماعة الركبان ، وهو مخصوص براكبي الإبل .
والتئية : من أيي أو أييّ كالتحية من ( حيى أو حيّى ) وهو المكث ، والتأني . وساريا : من السرى ، وهو السير في الليل .
فقوله ( أرى ) إما من رؤية البصر أو من رؤية القلب .
$[2/225]
فعلى الأول ( واديا ) مفعوله و ( كوادي السباع ) حال منه قدم عليه .
وعلى الثاني : ( واديا ) مفعوله الأول و ( كوادي السباع ) مفعوله الثاني .
وعلى التقديرين ( حين يظلم ) طرف التشبيه المستفاد من الكاف . والواو في ( ولا أرى ) إما اعتراضية أو حالية .
و ( أقل ) صفة ( واديا ) والجار في ( به ) متعلق بـ ( أقل ) والمجرور عائد إلى ( واديا ) .
و ( ركب ) فاعل ( أقل ) وجملة ( أتوه ) صفة له .
و ( تئيّة ) تمييز عن نسبة ( أقل ) إلى ( ركب ) أو منصوب على المصدرية أي إتيان تئية .
و ( أخوف ) عطف على ( أقل ) وهو بمعنى المفعول أسند إلى ضمير ( واديا ) .
والمعنى : واديا أقل به ركب منهم بوادي السباع وأخوف منه .
و ( ما ) في ( ما وقى ) مصدرية .
و ( ساريا ) أي : راكبا ساريا مفعول ( وقى ) .
المستثنى مفرّغ ، أي : واديا أقل وأخوف في كل وقت إلا في وقت وقاية الله تعالى ساريا .(1/387)
يقول : مررت على واد منسوب إلى السباع لكثرتها فيه والحال أني لا أرى مثل وادي السباع حين أحاط به الظلام واديا يكون توقف الركب به أقل من توقفهم بوادي السباع ويكون ذلك الوادي أخوف من وادي السباع في كل وقت إلا وقت
$[2/226]
وقاية الله سبحانه وتعالى - راكبا ساريا سائرا بالليل فيه - عن الآفات والمخافات .
ولو عبر بالعبارة الأولى لقلت : ولا أرى واديا أقل به ركب أتوه منه بوادي السباع .
ولو عبرت بالعبارة الثاني لقلت : ولا أرى أقلّ به ركب أتوه من وادي السباع .
ولما قسم المصنف الكلمة إلى أقسامها الثلاثة على وجه علم من دليل الانحصار حد كل واحد منها ، ولم يكتف بذلك القدر ، بل صدر مباحث الاسم بتعريفه ، فلما وصلت النوبة إلى مباحث الفعل سلك تلك الطريقة وصدرها بتعريفه ، فقال : .
$[2/227]
" ( الفعل ) "
" ما دلّ " أي : كلمة دلت " على معنى " كائن " في نفسه " أي : في نفس ما دلّ ، يعني : الكلمة .
والمراد بكون المعنى في نفس الكلمة دلالتها عليه من غير حاجة إلى ضم كلمة أخرى إليها لاستقلاله بالمفهومية .
ويمكن إرجاع الضمير في ( نفسه ) إلى المعنى وحينئذ يكون المراد : يكون ( المعنى في نفسه ) استقلاله بالمفهومية ، فمرجع كون المعنى في نفسه وكونه في نفس الكلمة إلى أمر واحد ، وهو استقلاله بالمفهومية ، لكن المطابق لما ذكر في وجه الحصر إرجاع الضمير إلى ( ما دلّ ) كما لا يخفى . أعلم أن الفعل مشتمل على ثلاثة معان : أحدها : الحدث الذي هو معنى المصدر .
وثانيها : الزمان .
وثالثها : النسبة إلى فاعل ما .
ولا شك أن النسبة إلى فاعل ما معنى حرفي هو آلة لملاحظة طرفيها ، فلا تستقل بالمفهومية .
فالمراد ( بمعنى في نفسه ) ليس تلك النسبة .(1/388)
ولما وصف ذلك المعنى بالاقتران بالزمان تعين أن يكون المراد به الحدث . فالمراد بالمعنى ليس معناه المطابقي ، بل أعم لكن لا يتحقق إلا في ضمن التضمني فخرج بهذا القيد الحرف ، لأنه ليس مستقلا بالمفهومية .
$[2/228]
" مقترن " وضعا " بأحد الأزمنة الثلاثة " في الفهم من لفظه الدال عليه فهو صفة بعد صفة للمعنى ، فخرج به الاسم عن حد الفعل . وبقولنا ( وضعا ) يخرج أسماء الأفعال ، لأن جميعها منقولة عن المصادر أو غيرها كما سبق ودخل فيه الأفعال المنسلخة عن الزمان نحو ( عسى وكاد ) لاقتران معناها به بحسب الوضع .
ويصدق على المضارع أنه اقترن بأحد الأزمنة الثلاثة لوجود الأحد في الاثنين ، ولأنه مقترن بحسب كل وضع بواحد ، وإن عرض الاشتراك من تعدد الوضع .
" ومن خواصه " أي : من خواص الفعل " دخول قد " لأنها إنما تستعمل لتقريب الماضي إلى الحال أو لتقليل الفعل ، أو تحقيقه وشيء من ذلك لا يتحقق إلا في الفعل .
" و " دخول " السين وسوف " لدلالة الأول على الاستقبال القريب والثاني على الاستقبال البعدي " و " دخول " الجوازم " لأنها وقعت إما لنفي الفعل كـ ( لم ولما ) أو لطلبه كلام الأمر ، أو للنهي عنه كـ ( لا ) النهي ، أو لتعليق الشيء بالفعل كأدوات الشرط .
وكل من هذه المعاني لا تتصور إلا في الفعل .
$[2/229]
" ولحوق تاء التأنيث " عطف على دخول ( قد ) . وإنما خص به لحوق تاء التأنيث لأنها تدل على تأنيث الفاعل فلا تلحق إلا بما له فاعل ، والصفات استغنت عنها بما لحقها من التاء المتحركة الدالة على تأنيثها وتأنيث فاعلها .
فلا جرم اختصت بالفعل .
" ساكنة " حال عن تاء التأنيث احتراز عن المتحركة لاختصاصها بالاسم .(1/389)
" و " لحوق " نحو : تاء فعلت " أراد بنحو ( تا فعلت ) الضمائر المتصلة البارزة المتحركة المرفوعة فيدخل فيه تاء فعلت أيضاً وذلك لأن ضمير الفاعل لا يلحق إلا بما له فاعل ، والفاعل إنما يكون للفعل وفروعه وحط فروعه عنه بمنع أحد نوعي الضمير تحرزا عن لزوم تساوي الفرع والأصل وخص البارز بالمنع لأن المستكن أخف وأخصر فهو بالتعميم أليق وأجدر .
$[2/230]
" ( الماضي ) "
" ما دلّ " أي : فعل دل بحسب أصل الوضع فإنه المتبادر من الدلالة " على زمان قبل زمانك " الحاضر الذي أنت فيه ، قبليّة ذاتية بين أجزاء الزمان .
فإن تقدم بعض أجزاء الزمان على بعض إنما يكون بحسب الذات لا بحسب الزمان فلا يلزم أن يكون الزمان زمان .
فقوله ( ما دلّ على زمان ) شامل لجميع الأفعال ، قوله ( قبل زمانك ) يخرج ما عداه .
والمراد بـ ( ما ) الموصولة : الفعل ينتقض منع الحد بمثل ( أمس ) ، والمراد بالدلالة : ما هو بحسب الوضع ، فلا ينتقض منعه بـ ( لم يضرب ) وجمعه بـ ( إن ضربت ضربت ) .
" مبني على الفتح " خبر مبتدأ محذوف ، أي هو ، يعني : الماضي مبني على الفتح لفظا ، نحو : ضرب أو تقديرا نحو : رمى .
أما البناء على الحركة دون السكون الذي هو الأصل في المبني فلمشابهته المضارع في وقوعه موقع الاسم ، نحو ( زيد ضرب ) في موضع ( زيد ضارب ) و
$[2/231]
شرطا وجزاء ، تقول : ( إن ضربتني ضربتك ) في موضع : ( إن تضربني أضربك ) .
وأما الفتح لكونه أخف الحركات .
" مع غير الضمير المرفوع المتحرك " فإنه مبني على السكون معه ، نحو ( ضربن إلى ضربنا ) كراهة اجتماع أربع متحركات متواليات فيما هو كالكلمة الواحدة ، لشدة اتصال الفاعل بفعله .
وإنما قيد الضمير المرفوع بالمتحرك احترازا عن مثل ( ضربا ) فإنه أيضاً مبني على الفتح .
" و " مع غير " الواو " فإنه يضم معها ، لمجانستها لفظا كـ ( ضربوا ) أو تقديرا ، كـ ( رموا ) .
$[2/232]
" ( المضارع ) "(1/390)
" ما أشبه " أي : فعل أشبه " الاسم بأحد حروف ( نأيت ) " أي : حال كونه متلبسا بأحد حروف ( نأيت ) أو أتين في أوائل يعني : الحروف التي جمعتها كلمة ( نأيت ) .
وهذه المشابهة إنما يكون " لوقوعه " أي : ذلك الفعل " مشتركا " بين زماني الحال والاستقبال على الأصح كوقوع الاسم مشتركا بين المعاني المتعددة كـ ( العين ) .
" وتخصيصه " - بالجر عطف على قوله ( وقوعه ) - أي : وتلك المشابهة إنما تكون لوقوع الفعل مشتركا ولتخصيصه بواحد من زماني الحال والاستقبال ، يعني الاستقبال " بالسين " فإنه للاستقبال القريب .
" وسوف " فإنه للاستقبال البعيد كما مر أن الاسم يخصص بأحد معانيه
$[2/233]
بواسطة القرائن .
وإنما عرف المضارع بمشابهته الاسم لأنه لم يسم مضارعا إلا لهذا إذ معنى المضارعة في اللغة المشابهة ، مشتقة من الضّرع ، كأن كلا الشبهين ارتضعا من ضرع واحد ، فهما أخوان رضاعا .
" فالهمزة " من تلك الحروف الأربعة " للمتكلم مفردا " مذكرا كان أو مؤنثا مثل ( أضرب ) .
" والنون له " أي : للمتكلم المفرد إذا كان " مع غيره " واحدا كان ذلك الغير أو أكثر ، مثل ( نضرب ) .
وكأنهما مأخوذان من ( أنا ونحن ) .
" والتاء للمخاطب " مطلقا واحدا كان أو مثنى أو مجموعا مذكرا كان أو مؤنثا .
" وللمؤنث " الواحد " والمؤنثين غيبة " أي : حال كون المؤنث والمؤنثين غائبات
$[2/234]
أو ذوي غيبة .
" والياء للغائب غيرهما " أي : غير القسمين المذكورين بالجر على البدلية من الغائب ، لأنه وإن يصر بالإضافة معرفة ، لكنه خرجت بها عن النكارة الصرفة ، فهو في قوة النكرة الموصوفة ، أو بالنصب حال وهو الأولى لموافقة السابق .
" وحروف المضارعة مضمومة في الرباعي " أي : فيما ماضيه على أربعة أحرف أصلية ، كـ ( يدحرج ) أو لا كـ ( يخرج ) .
" ومفتوحة فيما سواه " أي : فيما سوى ما ماضيه على أربعة أحرف ، مثل : ( يتدحرج ويستخرج ) ونحوهما .(1/391)
" ولا يعرب من الفعل غيره " أي : غير المضارع لعدم علة الإعراب فيه ولما كان هذه الكلام في قوة قولنا ( وإنما يعرب المضارع ) صح أن يتعلق به قوله " إذا لم يتصل إحداهما يكون مبنيا ، لأن نون التوكيد لشدة الاتصال بمنزل جزء الكلمة فلو دخل الإعراب قبلها يلزم دخوله في وسط الكلمة ، ولو دخل عليها لزم دخوله على كلمة
$[2/235]
أخرى حقيقية ولأن نون جمع المؤنث في المضارع تقتضي أن يكون ما قبلها ساكنا لمشابهتها نون جمع المؤنث في الماضي . فلا يقبل الإعراب .
" وإعرابه رفع ونصب " يشارك الاسم فيهما " وجزم " يختص به كالجر بالاسم .
" فالصحيح " منه وهو عند النحاة : ما لم يكن حرفه الأخير حرف علة " المجرد عن ضمير بارز مرفوع " متصل به " للتثنية " مذكرا كان أو مؤنثا ، مثل ( يضربان ، وتضربان ) " والجمع " المذكر مثل ( يضربون وتضربون ) والمؤنث مثل ( يضربن وتضربن ) " والمخاطب المؤنث " مثل ( تضربين ) .
فهذه أربع صيغ ( يضرب ) في الواحد الغائب المذكر ، و ( تضرب ) في موضعين : في الواحد الغائب المؤنث ، والواحد المخاطب المذكر .
و ( أضرب ) في المتكلم الواحد ، و ( نضرب ) في المتكلم مع الغير .
" بالضمة في حال الرفع " والفتحة " في حال النصب " لفظا " أي : حال كون الضمة والفتحة لفظتين .
" والسكون " في حال الجزم " مثل ( يضرب ) " و ( لن يضرب " و ( لم يضرب ) .
$[2/236]
" و " المضارع " المتصل به ذلك " أي : الضمير البارز المرفوع وذلك في خمسة مواضع : " بالنون " حالة الرفع .
" وحذفها " أي : بحذف النون حالتي الجزم والنصب .
فإن النصب فيه تابع للجزم كما أن النصب في الأسماء تابع للجر . " مثل ( يضربان ) " وتضربان " ويضربون وتضربون وتضربين " ولم ( يضربا ولن يضربا ) إلى آخرها .(1/392)
" و " المضارع " المعتلّ " الآخر " بالواو والياء بالضمة تقديرا " في حال الرفع لأن الضمة على الواو والياء ثقيلة ، تقول : ( يدعو ويرمي ) " والحذف " أي : بحذف الواو والياء في حال الجزم ، لأن الجازم لما لم يجد حركة أسقط الحرف المناسب لها ، نحو ( لم يغز ، ولم يرم ) .
" و " المضارع " المعتل " الآخر " بالألف بالضمة والفتحة تقديرا " لأن الألف لا يقبل الحركة ، تقول : ( يرضى ولن يرضى ) .
" والحذف " أي : بحذف الألف في حال الجزم ، تقول : ( لم يرض ) .
" ويرتفع " المضارع " إذا تجرد عن الناصب والجازم نحو ( يقوم زيد ) " سواء كان العامل فيه هذا التجرد كما هو المتبادر من عبارته ، وذلك مذهب الكوفيين ،
$[2/237]
وسواء كان العامل فيه وقوعه موقع الاسم ، كما في : زيد يضرب ، أي : ضارب ، أو : مررت برجل يضرب ، أو : رأيت رجلا يضرب .
وإنما ارتفع بوقوعه موقع الاسم ، لأنه إذن يكون كالاسم ، فأعطى أسبق إعراب الاسم وأقواه ، وهو الرفع وذلك مذهب البصريين .
وأورد عليه أنه يرتفع في مواضع لا يقع فيها موقع الاسم ، كما في الصلة ، نحو ( الذي يضرب ) وفي نحو ( سيقوم ، وسوف يقوم ) وفي خبر ( كاد ) نحو ( كاد زيد يقوم ) وفي نحو : ( يقوم الزيدان ) .
وأجيب عن نحو : الذي يضرب ، ويقوم الزيدان ، بأنه واقع موقعه ، لأنك تقول الذي ضارب هو ) على أن ( ضارب ) خبر مبتدأ مقدم عليه وكذا ( قائمان الزيدان ) ويكفينا وقوعه موقع الاسم ، وإن كان الإعراب مع تقديره اسما غير الإعراب مع تقديره فعلا .
وعن نحو ( سيقوم ) أن سيقوم مع السين واقع موقع الاسم ، لا يقوم وحده ، والسين صار كأحد أجزاء الكلمة .
وسوف في حكم السين .
وعن نحو ( كاد زيد يقوم ) أن الأصل فيه الاسم ، وإنما عدل عن الأصل لما يجيء في
$[2/238]
باب أفعال المقاربة إن شاء الله تعالى .
" وينتصب " أي : المضارع " بأن " ملفوظة " ولن " .(1/393)
قال الفراء : أصله ( لا ) أبدل الألف نونا . وقال الخليل : أصله ( لا أن ) فقصر كـ ( أيش ) في ( أي شيء ) وقال سيبويه إنّه حرف برأسه .
" وإذن " قيل : أصله ( إذ أن ) فخففت . وقيل : أصله ( إذ ) الظرفية ، فنون عوضا عن المضاف إليه .
" و ( كي ) وب ( أن ) مقدرة بعد ( حتى ) نحو ( سرت حتى أدخلها ) .
$[2/239]
" و " بعد " لام ( كي " نحو ( سرت لأدخلها ) " و " بعد " لام الجحود " وهي اللام الجارة الزائدة في خبر كان المنفي ، نحو قوله تعالى : { وما كان الله ليعذبهم } لأن هذه الثلاثة جوار فيمتنع دخولها الفعل إلا بجعله مصدرا ، بتقدير ( أن ) المصدرية .
" و " بعد " الفاء " نحو ( زرني فأكرمك ) .
" و " بعد " الواو " نحو ( لا تأكل السمك وتشربَ اللبن ) .
$[2/240]
" و " بعد " أو " نحو ( لألزمنّك أو تعطيني حقي ) .
فإن الفاء والواو عاطفتان واقعتان بعد الإنشاء ، وقد امتنع عطف الخبر على الإنشاء ، فجعل مفردا ليكون من عطف المفرد على المفرد المفهوم من ذلك الإنشاء ، فيكون المعنى في ( زرني فأكرمك ) ليكن زيارة منك فإكرام منّي إيّاك .
وفي : لا تأكلْ السمك وتشربَ اللبن ، لا يكن أكل السمك وشرب اللبن معه . " فـ ( أن ) " التي ينتصب بها المضارع " مثل ( أريد أن تحسن إلىّ " ) مثال النصب بالفتحة .
" و " مثل " أن تصوموا خير لكم ) " مثال النصب بحذف النون .
" و " كلمة " أن التي تقع بعد العلم " إذا لم يكن بمعنى الظنّ " هي " ( أن ) " المخففة من ( أنّ ) المثقلة " لأن المخففة للتحقيق ، فيناسب العلم بخلاف الناصبة فإنها للرجاء والطمع فلا يناسبه .(1/394)
" وليس " أي : ( أن ) الواقعة بعد العلم " هذه " أي : ( أن ) الناصبة " نحو ( علمت أن سيقوم ، وأن لا يقوم و " ( أن ) " التي تقع بعد الظن ففيها الوجهان " ، لأن الظن باعتبار دلالته على غلبة الوقوع يلائم ( أن ) المخففة الدالة على التحقيق ، وباعتبار عدم اليقين يلائم ( أن ) المصدرية ، فيصح وقوع كليهما ، فيجري في ( أن ) التي
$[2/241]
بعده الوجهان .
" ولن ، مثل ( لن أبرح ) ومعناها " أي : معنى ( لن ) " نفي المستقبل " نفيا مؤكدا لا مؤبدا ، وإلا يلزم أن يكون في قوله تعالى : ( فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي ) تناقض ، لأن ( لن ) تقتضي معنى التأييد و ( حتى ) تقتضي الانتهاء .
" وإذن " التي ينتصب بها المضارع " إذا لم يعتمد ما بعدها على ما قبلها " أي : إن لم يكن ما بعدها معمولا لما قبلها ، فإنه إذا اعتمد ما بعدها على ما قبلها لا ينتصب بها
$[2/242]
المضارع لأنها لضعفها لا تقدر أن تعمل فيما اعتمد على ما قبلها فصار كأنه سبقها حكما ، " وكان " عطف على ( لم يعتمد ) أي : ينتصب بها المضارع إذا لم يعتمد ما بعدها على ما قبلها ، وإذا كان " الفعل " المذكور بعدها " مستقبلا " لكونها جوابا وجزاء ، وهما لا يمكنان إلا في الاستقبال .
فإن فقد أحد الشرطين ، نحو ( أنا إذن أحسن إليك ) وكقولك لمن يحدثك ، إذن أظنك كاذبا ، أو كلاهما كقولك لمن يحدثك : أنا إذن أظنك كاذبا ، وجب الرفع .
" مثل " قولك لمن قال : أسلمت " إذن تدخل الجنة " مثل بمثال لا يحتمل إلا الاستقبال .
فقوله ( إذن ) مبتدأ ، وقوله ( إذا لم يعتمد ) ظرف للانتصاب الملحوظ معها كما أشرنا إليه ، وقوله ( مثل : إذن تدخل الجنة ) خبر المبتدأ .
فتمثيل ( إذن ) بهذا المثال على طريقة تمثيلات أخواتها إلا أنه لما كان انتصاب المضارع بها مشروطا بشرطين أشار إليهما فيما بين المبتدأ والخبر .(1/395)
" وإذا وقعت " أي : إذن " بعد الواو والفاء فالوجهان " جائزان ، النصب بناء على ضعف الاعتماد بالعطف ، لاستقلال المعطوف ، لأنه جملة ، والرفع باعتبار الاعتماد بالعطف وإن ضعف .
" وكي " التي ينتصب بها المضارع " مثل ( أسلمت كي أدخل الجنة ) ومعناها السببية " أي : سببية ما قبلها لما بعدها كسببية الإسلام لدخول الجنة في المثال المذكور .
" وحتى " التي ينتصب المضارع بعدها بتقدير ( أن ) " إذا كان " أي : المضارع
$[2/243]
" مستقبلا بالنظر إلى ما قبلها " .
وأنْ كان بالنظر إلى زمان المتكلم ماضيا أو حالا أو مستقبلا . " بمعنى كي " أي : حال كون ( تى ) بمعنى ( كي ) السببية " أو إلى " لانتهاء الغاية ، " مثل ( أسلمت حتى أدخل الجنة ) " مثال لـ ( حتى ) بمعنى ( كي ) ولاستقبال المضارع بالنظر إلى ما قبلها وبالنظر إلى زمان التكلم أيضاً .
" و ( كنت سرت حتى أدخل البلد ) " مثال لـ ( حتى ) بمعنى ( كي ) أو ( إلى ) ولاستقبال المضارع بالنظر إلى ما قبلها ، وأما بالنظر إلى زمان التكلم فيحتمل أن يكون ماضيا أو حالا أو مستقبلا .
" وأسير حتى تغيب الشمس " مثال لـ ( حتى ) بمعنى ( إلى ) ولاستقبال ما بعدها تحقيقا .
$[2/244]
" فإن أردت " بالفعل الذي دخلته حتى " الحال " يعني زمان الحال " تحقيقا " أي : بطريق التحقيق بأن تكون هي زمان التكلم بعينه ، وسيجيء مثاله .
" أو حكاية " أي : بطريق الحكاية كما تقول ( كنت سرت أمس حتى أدخل البلد " فـ ( أدخل ) في هذا الموضع حكاية الحال الماضية كأنك كنت في زمان الدخول هيأت هذه العبارة وتحكيها في زمان التكلم على ما كنت هيأته ، وكان ما بعد ( حتى ) في هذه العبارة مرفوعا فأبقيته على ما كان عليه وحكيته .
ففي زمان الحكاية أيضاً يكون مرفوع ، إذ لا يمكن حينئذ تقدير ( أن ) لأنها علم الاستقبال .
" كانت " أي : ( حتى ) عند هذه الإرادة " حرف ابتداء " لا جارة ولا عاطفة .(1/396)
ومعنى كونها حرف ابتداء أن يبتدأ بها كلام مستأنف لا أن يقدر بعدها مبتدأ يكون الفعل خبره لتكون ( حتى ) داخله على اسم كما توهم بعضهم .
" فيرفع " أي : ما بعد ( حتى ) لعدم الناصب والجازم " وتجب السببية " أي :
$[2/245]
كون ما قبلها سببا لما بعدها ، ليحصل الاتصال المعنوي ، وإن فات الاتصال اللفظي " مثل ( مرض " فلان " حتى لا يرجونه " الآن ) مثال لما أريد الحال تحقيقا ، فإنه قصد به نفي الرجاء في زمان التكلم .
" ومن ثمة " أي : من أجل هذين الأمرين أي : كون ( حتى ) عند إرادة الحال حرف ابتداء ، ووجوب سببية ما قبلها لما بعدها " امتنع " نظرا إلى الأمر الأول " الرفع " أي : رفع ما بعد ( حتى ) " في " قولك " كان سيري حتى أدخلها في " وقت حصول كان " الناقصة " في هذا القول بأن يجعل ( كان ) فيه ناقصة لا تامة ، لأنها لو كانت حرف ابتداء انقطع ما بعدها عما قبلها فتبقى الناقصة بلا خبر فيفسد المعنى .
" و " امتنع الرفع نظرا إلى الأمر الثاني في قولك : " أسرت حتى تدخلها ؟ " ، لأنه حينئذ يكون ما بعدها خبرا مستأنفا مقطوعا بوقوعه ، وما قبلها سببا لما بعدها وهو مشكوك فيه ، لوجود حرف الاستفهام فيلزم الحكم بوقوع المسبب مع الشك في وقوع السبب وهو محال .
" وجاز في " وقت حصول ( كان ) " التامة ( كان سيري حتى أدخلها ) " فإن معناه : ثبت سيري فأنا أدخل الآن ولا فساد فيه .
" و " وجاز " أيهم سار حتى يدخلها " بالرفع لأن السير في هذا المقام محقق والشك إنما هم في تعيين الفاعل ، فيجوز أن يكون المسبب متحقق الحصول .
$[2/246]
فقوله ( أيهم ) عطف بتقدير ( جاز ) على ( جاز في التامة ) لا على ( كان سيرى حتى أدخلها ) لعدم صلاحية تقييده بقوله ( في التامة ) كالمعطوف عليه .(1/397)
وفي بعض النسخ هكذا ( وجاز في : كان سيري حتى أدخلها ، في التامة ) أي : جاز الرفع في هذا التركيب في وقت حصول ( كان ) التامة ، فعلى هذا قوله ( أيهم سار ) عطف على ( كل سيري ) ولا فساد فيه .
" ولام كي " التي ينتصب المضارع بعدها بتقدير ( أن ) " مثل : ( أسلمت لأدخل الجنة ) " وإنما يقدر ( أن ) بعدها ، لأنها جارة " ولام الجحود " التي تنصب بها المضارع .
هي " لام تأكيد " للنفي " بعد النفي لكان " لفظا " مثل " : " وما كان الله ليعذبهم " أو معنى ، نحو : لم يكن ليفعل ، وهي أيضاً جارة ، ولهذا تقدر بعدها ( أن ) .
فإن قيل إذا صار الفعل بمعنى المصدر بـ ( أن ) المقدرة ، فكيف يصح الحمل ؟
قيل : على حذف المضاف من الاسم ، أي : ما كان صفة الله تعذيبهم . أو من الخبر ، أي : ما كان الله ذا تعذيبهم .
أو على تأويل المصدر باسم الفاعل ، أي : ما كان الله معذبهم " والفاء " التي ينتصب المضارع بعدها بتقدير ( أن ) .
$[2/247]
فتقدير ( أن ) بعدها لانتصاب المضارع مشروط " بشرطين " .
" أحدهما : السببية " أي : سببية ما قبلها لما بعدها ، لأن العدول عن الرفع إلى النصب للتنصيص على السببية ، حيث يدل تغيير اللفظ على تغيير المعنى .
فإذا لم يقصد السببية لا يحتاج إلى الدلالة عليها .
" والثاني : أن يكون قبلها " أي : قبل الفاء أحد الأشياء الستة ليبعد بتقديم الإنشاء أو ما في معناه من النفي المستعدي جوابا عن توهم كون ما بعدها جملة معطوفة على الجملة السابقة " أمر " نحو ( زرني فأكرمك ) أي : لكن منك زيارة فإكرام مني " أو نهي " نحو ( لا تشتمني فأضربك ) أي : لا يكن منك شتم فضرب مني .
ويندرج فيهما الدعاء ، نحو ( اللهم اغفر لي فأفوز ) و ( لا تؤاخذني فأهلك ) .
" أو استفهام " نحو ( هل عندكم ماء فأشربه ) أي : هل يكون منكم ماء فشرب مني ؟ .
" أو نفي " نحو ( ما تأتينا فتحدثنا ) أي : ليس منك إتيان فتحديث منا .(1/398)
ويندرج فيه التخصيص نحو ( لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ) لاستلزامه نفي فعل فيندرج في النفي .
$[2/248]
" أو تمنّ " نحو ( ليت لي مالا فأنفقه ) أي : ليت لي ثبوت مالي فإنفاق مني .
ويدخل فيه ما وقع على صيغة الترجي نحو ( لعلّي أبلغ الأسباب أسباب السّموات فأطّلع ) بالنصب على قراءة حفص .
" أو عرض " نحو : ألا تنزل بنا فتصيب خيرا ، أي : ألا يكون منك نزول فإصابة خير منا .
ففي جملة هذه المواضع معنى السببية مقصود ، والفاء تدل عليها ، وما بعد الفاء في تأويل مصدر معطوف على مصدر آخر مفهوم مما قبل الفاء .
وأما نحو :
سأترك منزلي لبني تميم ... ... وألحق بالحجاز فأستريحا
$[2/249]
بدون تقدم أحد الأشياء الستة فمحمول على ضرورة الشعر .
" والواو " التي ينتصب بعدها المضارع بتقدير ( أن ) ، فتقدير أن بعدها مشروط " بشرطين " :
أحدهما : " الجمعية " أي : مصاحبة ما قبلها لما بعدها وإلا فالواو للجمع دائما .
" و " ثانيهما : " أن يكون قبلها " أي : قبل الواو " مثل ذلك " أي : مما يماثل الواقع قبل الفاء في كونه أحد الأشياء الستة المذكورة ، وأمثلتها أمثلة الفاء
$[2/250]
بعينها بإبدال الفاء بالواو ، كما تقول مثلا : ( زرني وأكرمك ) أي : فيجتمع الزيارة والإكرام ، و ( لا تأكل السمك وتشرب اللبن ) أي : لا يجتمع منك أكل السمك مع شرب اللبن ، وعلى هذا القياس .
" وأو " التي ينتصب المضارع بعدها بتقدير ( أن ) " بشرط معنى ( إلى أن ) أو ( إلا أن ) " أي : بشرط أن تكون بمعنى ( إلى ) أو ( إلا ) ، الداخلتين على ( أنّ ) المقدرة بعدها ، لا أن ( أن ) أيضاً داخل في مفهومها وإلا يلزم من تقدير ( أن ) بعدها تكرار نحو ( لألزمنك أو تعطيني حقي ) أي : إلى أن تعطيني حقي ، أو إلا أن تعطيني حقي .
فسيبويه يقدرها بـ ( ألا ) بتقدير مضاف ، أي : لألزمنك إلا وقت أن تعطيني حقي .(1/399)
وغيره يقدرها بـ ( إلى ) بتأويل مصدر مجرور بـ ( أو ) التي بمعنى ( إلى ) أي : لألزمنك إلى إعطائك حقي .
" والعاطفة " أي : الحروف العاطفة مطلقا ، سواء كانت من الحروف العاطفة المذكورة أولا ، كـ ( ثم ) وإذا كانت منها فمن غير اشتراط ما ذكر من الشروط لصحة تقدير
$[2/251]
( أن ) بعدها ، أي : ينتصب المضارع بها بتقدير ( أن ) " إذا كان المعطوف عليه اسما " صريحا نحو ( أعجبني ضربك زيدا وتشتم ، أو فتشتم أو ثم تشتم ) فـ ( ثم ) ليست من الحروف العاطفة المذكورة .
وتقدير ( أن ) بعد الواو والفاء ليس مشروطا بالشروط المذكورة فيهما . فقوله ( والعاطفة ) إذا كان مرفوعا فهو معطوف على أول المعدودات الناصبة بتقدير ( أن ) أعني قوله ( حتى إذا كان مستقبلا ) أو على آخرها وهو ( أو ) بشرط معنى ( إلى أن ) .
وقيل : هو مجرور معطوف على ( حتى ) في قوله ( وبأن مقدرة بعد حتى ) وظاهر أن هذا وإن كان أبعد بحسب اللفظ ، لكنه أقرب بحسب المعنى ، لأنه على التقدير الأول إن جعل العاطفة أعم مما ذكر ، كما ذكرنا يلزم أن يذكر في التفصيل ما لم يكن في الإجمال ، وإن خصت به يلزم تخصيص الحكم به .
وليس في الواقع مخصوصا به ، كما سبق من جريانه في ( ثم ) أيضاً .
ويرد عليه أنه كان المناسب حينئذ ذكرها مرتين ، مرة في الإجمال ومرة في التفصيل ، كسائر ما ذكر .
" ويجوز إظهار ( أن ) مع لام ( كي ) نحو ( جئتك لأن تكرمني ) ومع ما ألحق بها من اللام الزائدة نحو ( أردت لأن تقوم ) .
$[2/252]
" و " مع الحروف " العاطفة " نحو ( أعجبني قيامك وأن تذهب ) لأن هذه الثلاثة تدخل على اسم صريح ، نحو ( جئتك للإكرام ) و ( أعجبني ضرب زيد وغضبه ) و ( أردت لضربك ) .(1/400)
فجاز أن يظهر معها ما يقلب الفعل إلى اسم صريح ، وهو ( أن ) المصدرية وأما لام الجحود فلما لم تدخل على الاسم الصريح لم يظهر بعدها ( أن ) وكذا ( حتى ) لأن الأغلب فيها أن تستعمل بمعنى ( كي ) وهي بهذا المعنى لا تدخل على اسم صريح ، وحمل عليها التي بمعنى ( إلى ) لأن المعنى أغلب في ( حتى ) التي يليها المضارع .
وأما الفاء والواو و ( أو ) فلأنها لما اقتضت نصب ما بعدها للتنصيص على معنى السببية والجمعية والانتهاء صارت كعوامل النصب ، فلم يظهر الناصب بعدها .
" ويجب " أي : إظهار ( أن ) " مع ( لا ) " الداخلة على المضارع المنصوب بها " في " صورة دخول " اللام " بمعنى ( كي ) عليها أي : على ( أن ) لاستكراه اللامين المتواليين ، لام ( كي ) ولام ( لا ) نحو قوله تعالى : { لئلا يعلم } .
واعلم أن ( أن ) الناصبة تضمر في غير المواضع المذكورة كثيراً من غير عمل لضعفها نحو قولهم : ( تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه ) ومع العمل مع الشذوذ كقول
$[2/253]
الشاعر :
ألا أيّهذا اللائمي أحضر الوغى ... ... وأن أشهد اللّذات هل أنت مخلدي
في رواية النصب ، ولكن ليس بقياس ، كما في تلك المواضع ، ولذلك لم يذكرها .
" وينجزم " أي : المضارع " بـ ( لم ) و ( لما ) ولام الأمر و ( لا ) " المستعملة " في " معنى " النهي " احتراز عما استعمل في معنى النفي .
وهذه الكلمات تجزم فعلا واحدا .
" وكلم المجازاة " أي : وينجزم المضارع بكلم المجازاة " أي : كلمات الشرط والجزاء التي بعضها من الأسماء وبعضها من الحروف .
ولهذا اختار لفظ ( الكلم ) والمجزوم بها فعلان .
$[2/254]
" وهي " أي : كلم المجازاة : " إن ومهما وإذما وحيثما "
$[2/255]
فـ ( إذ ) و ( حيث ) يجزمان المضارع مع ( ما ) وأما بدونها فلا .(1/401)
" وأين ومتى " وهما يجزمان المضارع مطلقا سواء كانا مع ( ما ) أو لا ، " و ( ما ومن وأي وأنى ) وأما " انجزام المضارع " مع ( كيفما وإذا ) ، فشاذ " لم يجيء في كلامهم على وجه الإطراد .
أما مع ( كيفما ) فلان معناه عموم الأحوال فإذا قلت : كيفما تقرأ أقرأ ، كان معناه على أي حال وكيفية تقرأ أنت أنا أيضاً أقرأ عليها .
ومن المتعذر استواء قراءة قارئين في جميع الأحوال والكيفيات وأما مع ( إذا ) فلأن كلمات الشرط ، إنما تجزم لتضمنها معنى ( أن ) التي هي موضوعة للإبهام ، و ( إذا ) موضوعة للأمر المقطوع به .
$[2/256]
" وبـ ( إن ) مقدرة " عطف على قوله ( بلم ) أي : وينجزم المضارع بـ ( إن ) مقدرة ، وسيجيء بيانه إن شاء الله تعالى .
" فـ ( لم ) لقلب المضارع ماضيا ونفيه " أي : نفي المضارع ولا يبعد لو جعل الضمير عائدا إلى ما هو أقرب أعني ( ماضيا ) .
" و ( لما ) مثلها " أي : مثل ( لم ) في هذا القلب والنفي .
" وتختص " أي : ( لما ) " بالاستغراق " أي : استغراق أزمنة الماضي من وقت الانتفاء إلى وقت التكلم بـ ( لما ) تقول : ندم فلان ولم ينفعه الندم ، أي : عقيب ندمه ، ولا يلزم استمرار انتفاء نفع الندم إلى وقت التكلم بها ، وإذا قلت : ( ندم فلان ولما ينفعه الندم ) أفاد استمرار ذلك إلى وقت التكلم بها .
" وجواز حذف الفعل " أي : وتختص أيضاً ( لما ) بجواز حذف الفعل بها إن دل عليه دليل ، نحو ( شارفت المدينة ولما ) أي : ولما أدخلها . وتختص أيضاً بعدم دخول أدوات الشرط عليها ، فلا تقول : ( إن لما تضرب ، ومن لما يضرب ) كما تقول : ( إن لم يضرب ، ومن لم يضرب ) وكأن ذلك لكونها فاصلة قويّة بين العامل
$[2/257]
ومعموله .
وتختص أيضاً باستعمالها غالبا في المتوقع ، أي : ينفي بها فعل مرتقب متوقع ، تقول لمن يتوقع ركوب الأمير : لما يركب .
وقد يستعمل في غير المتوقع أيضاً ، نحو ( ندم فلان ولما ينفعه الندم ) .(1/402)
" ولام الأمر " هي " اللام المطلوب بها الفعل " .
ويدخل فيها لام الدعاء ، نحو ( ليغفر لنا الله ) وهي : 170/أ مكسورة وفتحها لغة وقد تسكن بعد الواو والفاء وثم ، نحو قوله تعالى : { ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا } و { ثم ليقضوا } .
" ولا النهي " هي لا " المطلوب بها الترك " أي : ترك الفعل .
وفي بعض النسخ ( ولا النهي ضدها ) أي : لا النهي التي هي
$[2/258]
ضد لام الأمر ، وهي التي يطلب بها ترك الفعل ، وهي تدخل على جميع أنواع المضارع ، المبني للفاعل والمفعول ، مخاطبا أو غائبا أو متكلما .
" كلم المجازاة " المذكورة من قبل " تدخل على الفعلين لسببية " الفعل " الأول ، ومسببه " الفعل " الثاني " أي : لجعل الفعل الأول سببا والثاني مسببا .
وفي شرح المصنف ( وكلم المجازاة ما يدخل على شيئين لتجعل الأول سببا للثاني ) .
ولا شك أن كلم المجازاة الشيء سببا للشيء فالمراد بجعلها الشيء سببا : أن المتكلم اعتبر سببية شيء لشيء ، بل بلزومية شيء لشيء وجعل كلم المجازاة دالة عليها .
ولا يلزم أن يكون الفعل الأول سببا حقيقيا للثاني ، لا خارجا ولا ذهنا بل ينبغي أن يعتبر المتكلم بينهما نسبة يصح بها أن يوردها في صورة السبب والمسبب ، بل الملزوم واللام كقولك : ( إن تشتمني أكرمك ) فالشتم ليس سببا حقيقيا للإكرام ، ولا الإكرام مسببا حقيقيا له ، لا ذهنا ولا خارجا ، لكن المتكلم اعتبر تلك النسبة بينهما إظهارا لمكارم الأخلاق يعني أنه منها بمكان يصير الشتم الذي هو سبب الإهانة عند الناس سبب الإكرام عنده .
$[2/259]
" ويسميان " أي : هذان الفعلان : أولهما " شرطا " لأنه شرط لتحقق الثاني " و " ثانيهما " جزاء " من حيث أنه يبتنى على الأول ابتناء الجزاء على الفعل .
" فإن كانا " أي : الشرط والجزاء " مضارعين " نحو ( إن تزرني أزرك ) " أو الأول " فقط " مضارعا " نحو ( إن تزرني فقد زرتك ) .(1/403)
" فالجزم " واجب في المضارع لدخول الجازم وهو ( إن ) أو ما يتضمنها مع صلاحية المحل .
$[2/260]
" وإن كان الثاني " مضارعا " فالوجهان " أي : ففيه الوجهان ، الجزم لتعلقه بالجازم ، وهو أداة الشرط والرفع ، لضعف التعلق لحيلولة الماضي والفعل بغير المعمول ، نحو ( إن أتاني زيد آته وآتيه ) .
" وإذا كان الجزاء ماضيا بغير ( قد ) لفظا " تفصيل الماضي ، نحو : إن خرجت خرجت ، " أو معنى " نحو : إن خرجت لم أخرج .
ويحتمل أن يكون تفصيلا لـ ( قد ) أي : لم يقترن بـ ( قد ) سواء كان ( قد ) ملفوظا ، كقوله تعالى { إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل } أو معنويا مقدرا كقوله تعالى { إن كان قميصه قدّ من قبل فصدقت } أي : فقد صدقت .
" لم يجز الفاء " في الجزاء لتحقق تأثير حرف الشرط فيه لقلب معناه إلى الاستقبال ، فاستغنوا فيه عن الرابطة ، كقولك ( إن أكرمتني أكرمتك ، وإن أكرمتني لم أكرمك ) .
وإنما قال ( بغير قد ) ليخرج عنه الماضي المحقق الذي لا يستقيم أن يكون للشرط تأثير فيه كقولك : ( إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس ) لوجوب دخول الفاء فيه .
" وإن كان " أي : الجزاء " مضارعا مثبتا أو منفيا بـ ( لا ) " احتراز عما إذا كان منفيا بـ ( لم ) فإنه مندرج فيما سبق ، لكونه ماضيا معنى ، أو بـ ( لن ) حيث يجب فيه الفاء لعدم تأثير أداة الشرط فيه معنى .
$[2/261]
" فالوجهان " الآتيان بالفاء وتركها ، لأن أداة الشرط لم تؤثر في تغيير معناه كما تؤثر في الماضي فيؤتى بالفاء ، وأثرت في تغيير المعنى حيث خلصت لمعنى الاستقبال ، فيترك الفاء لوجود التأثير من وجه وإن لم يكن قويا ، نحو قوله تعالى : { إن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين } و { من عاد فينتقم الله منه } .
" وإلا " أي : وإن لم يكن الجزاء الماضي أو المضارع المذكورين .(1/404)
" فالفاء " لازمة فيه لأن الجزاء حينئذ إما ماض بـ ( قد ) لفظا كما تقول : ( إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس ) أو تقديرا كما تقول ( إن أكرمتني اليوم فأكرمتك أمس ) بتقدير ( فقد أكرمتك ) وعلى كل التقديرين لا تأثير لحرف الشرط في الماضي ، فاحتاج إلى الرابطة وهي الفاء .
وإما جملة اسمية أو أمر أو نهي أو دعاء أو استفهام أو مضارع منفي بـ ( ما أو لم أو لن ) إلى غير ذلك ، كالتمني والعرض .
وفي جميع هذه المواضع لا تأثير لحرف الشرط في الجزاء ، فاحتاج إلى الفاء .
$[2/262]
" ويجيء ( إذا ) التي للمفاجأة " مع الجملة الاسمية " التي وقعت جزاء " موضع الفاء " لأن معناها قريب من معنى الفاء ، لأنها تنبئ عن حدوث أمر بعد أمر ، ففيها معنى الفاء التعقيبية ولكن الفاء أكثر .
وإنما اشترط اسمية الجملة الجزائية ، لاختصاصها بها لأن ( إذا ) الشرطية مختصة بالفعلية ، فاختصت هذه بالاسمية فرقا بينهما ، كقوله تعالى { إن تصبهم سيئية بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون } أي : فهم يقطنون .
" وأن " التي يجزم بها المضارع حال كونها " مقدرة " إنما كانت مقدرة " بعد الأمر " نحو ( زرني أكرمك ) أي : إن تزرني أكرمك .
" والنهي " نحو ( لا تفعل الشر يكن خيرا لك ) أي : إن لم تفعله يكن خيرا لك .
" والاستفهام " نحو : هل عندكم ماء أشربه ) لأن المعنى : إن يكن عندكم ماء أشربه .
" والتمني " نحو ( ليت لي مالا أنفقه ) لأن المعنى إن يكن لي مال أنفقه " والعرض " نحو ( ألا تزل تصب خيرا ) أي : إن تنزل تصب خيرا ، إذا كان المضارع الواقع بعد هذه الأِشياء الخمسة صالحا لأن يكون مسببا لما تقدم " وقصدا لسببية " أي : سببية ما تقدم له فحينئذ يقدر ( إن ) مع مضارع يؤخذ مما تقدم ، ويجعل المضارع الواقع بعد هذه الأشياء مجزما بها .
$[2/263](1/405)
وإنما اختص تقدير ( إن ) بما بعد هذه الأشياء لأنها تدل على الطلب والطلب غالبا يتعلق بمطلوب يترتب عليه فائدة يكون ذلك المطلوب سببا لها ، وهي مسببة له .
فإذا كان المضارع الواقع بعدها تلك الفائدة وقصد سببية الفعل المطلوب بتلك الأشياء لها قدر ( إن ) مع ذلك الفعل ويجعل المضارع الواقع بعدها جزاء فيجزم بها " نحو أسلم تدخل الجنة " .
فإن المطلوب بـ ( أسلم ) هو الإسلام وهو مطلوب فائدته دخول الجنة ، فهو سبب لها ، وقصد أداء تلك السببية فقدر ( إن ) مع الفعل المأخوذ من ( أسلم ) وجعل ( تدخل الجنة ) جزاء له ، فقيل : إن تسلم تدخل الجنة .
" ونحو ( لا تكفر تدخل الجنة ) " أي : إن لا تكفر تدخل الجنة ، لأن النهي قرينة الفعل المنفي لا المثبت .
" و " لهاذ " امتنع : لا تكفر تدخل النار " عند الجمهور " خلافا للكسائي " فإنه لا يمتنع ذلك عنده .
فامتناعه عند الجمهور " لأن التقدير " على ما عرفت " إن لا تكفر " تدخل النار ، وهو ظاهر الفساد .
وأما عدم امتناعه عند الكسائي ، فلأنه يقول ( معناه بحسب العرف : إن تكفر تدخل النار .
فالعرف في هذه المواضع قرينة الشرط المثبت .
والعرف قرينة قوية .
هذا إذا قصدت السببية وأما إذا لم تقصد لم يجز الجزم قطعا بل يجب أن يرفع إما
$[2/264]
بالصفة إن كان صالحا للوصفية كقوله تعالى : { فهب لي من لدنك وليا يرثني } فيمن قرأ بالرفع . أي : وليا وارثا ، أو بالحال كذلك ، كقوله تعالى { ونذرهم في طغيانهم يعمهون } أي : عمهين .
أو بالاستئناف كقول الشاعر :
وقال رائدهم أرسوا نزاولها ... ... فكل حتف امرئ يجري بمقدار
$[2/265]
" ( الأمر ) "
هكذا في بعض النسخ ، وفي بعضها ( مثال الأمر ) وكان المراد به صيغة الأمر ، فإنهم يطلقون ( أمثلة الماضي وأمثلة المضارع ) ويريدون صيغهما وفي بعض الشروح : إنما قال ( مثال الأمر ) لأن الأمر كما اشتهر في هذا النوع من الأفعال كذلك اشتهر في المعنى المصدري أيضاً .(1/406)
فأراد النص على المقصود .
وهو في اصطلاح النحويين والأصوليين مخصوص بالأمر بالصيغة كذا ذكره المصنف في شرحه .
" صيغة يطلب بها الفعل " شامل لكل أمر غائبا كان أو مخاطبا أو متكلما معلوما أو مجهولا .
" من الفاعل " احتراز عن المجهول مطلقا فإنه يطلب به الفعل عن المفعول لا عن الفاعل .
$[2/266]
" المخاطب " احتراز عن الغائب والمتكلم .
" بحذف حرف المضارعة " احتراز عن مثل قوله تعالى { فبذلك فلتفرحوا } فيمن قرأ على صيغة الخطاب وعن مثل ( صه ) و ( رويد ) .
" وحكم آخره " أي - آخر الأمر في الحقيقة - عند البصريين الوقف والبناء على السكون لانتفاء ما يقتضي إعرابه وهو حرف المضارعة لأن مشابهته للاسم المقتضية للإعراب إنما هي بسببه وفي الصورة " حكم المجزوم " أي : مثل حكم المضارع المجزوم في إسكان الصحيح وسقوط نون الإعراب وحرف العلة ، لأنه لما شابه ما فيه اللام من المجزوم معنى أعطي حكمه ، تقول ( اضرب ، اضربا ، اضربوا ) و ( اخش واغز وارم ) كما تقول لم يضرب لم يضربا ، لم يضربوا ) و ( لم يخش ، ولم يغز ، ولم يرم ) .
وذهب الكوفيون إلى أنه معرب مجزوم بلام مقدرة .
" فإن كان بعده " أي : بعد حرف المضارعة أو بعد حذفه حرف متحرك أسكن آخره ، وجعل ما بقي أمرا ، تقول في ( تعد ) عد وفي ( تضارب ) ضارب .
$[2/267]
ولم يذكر المصنف هذا القسم لظهوره .
وإن كان بعده حرف " ساكن وليس " المضارع " برباعي " والمراد بالرباعي هاهنا ما يكون ماضيه على أربعة أحرف من المزيد فيه .
وإنما هو باب الإفعال لا غير .
" زدت همزة وصل " على ما بقي بعد حذف حرف المضارعة ، ليتوصل بها إلى النطق بالساكن ، حال كون تلك الهمزة " مضمومة إن كان بعده " أي بعد الساكن " ضمة " دفعا للالتباس بالمضارع على تقدير الفتح .
فإنه إذا قيل في ( اقتل ) : اقتل بفتح التاء التبس بالواحد المتكلم للمجهول وبالماضي المجهول من الرباعي إذا قيل ( اقتل ) بكسر التاء .(1/407)
" ومكسورة فيما سواه " أي : فيما سوى ساكن بعد ضمة ، سواء كان بعده كسرة أو فتحة .
فإنه لو ضم في مثل : ( اضرب ) التبس بالماضي المجهول من ( الإضراب ) ولو فتح لالتبس بالأمر منه ، ولو ضم في ( اعلم ) لالتبس بالمضارع المجهول ، ولو فتح لالتبس
$[2/268]
بالماضي الرباعي " نحو : اقتل " مثال لما يكون بعد حرف المضارعة ضمة .
" واضرب " مثال لما يكون بعده كسرة " و اعلم " مثال لما يكون بعده فتحة .
" وإن كان رباعيا فمفتوحة " أي : فالهمزة مفتوحة لأنها همزة أصل ردت لارتفاع موجب حذفها ، وهو اجتماع همزتين في المتكلم الواحد لا همزة وصل " مقطوعة " لذلك بعينه .
$[2/269]
" ( فعل ما لم يسمّ فاعله ) "
أي : فعل المفعول الذي لم يذكر فاعله .
وإضافة الفاعل إليه لأدنى ملابسة أو على حذف مضاف ، أي : فاعل فعله الواقع عليه ، ولا يبعد أن يراد بالموصول الفعل الذي لم يذكر فاعله ، ويكون إضافة الفعل إليه بيانية .
" وهو ما حذف فاعله " وأقيم المفعول مقامه .
ولم يذكر هذا القيد هاهنا اكتفاء بذكره فيما سبق .
" فإن كان " الفعل الذي أريد حذف فاعله ، وإقامة المفعول مقامه " ماضيا " غيرت صيغته دفعا للبس بأن " ضم أوله وكسر ما قبل آخره " مثل ( اضرب ودحرج ، واعلم ) .
واختير له هذا النوع من التغيير لأن معناه غريب ، فاختير له وزن غريب لم يوجد في الأوزان لخروج الضمة إلى الكسرة ووزن ( فعل ) بالخروج من الكسرة إلى الضمة وإن كان غريبا يدل على غرابة المعنى أيضاً ، لكن الخروج من الكسرة إلى الضمة أثقل ، فلا ضرورة في اختياره بعد حصول المقصود بأخف منه .
" ويضم الثالث مع همزة الوصل " نحو ( انطلق واقتدر واستخرج ) لئلا يلتبس في الدرج بالأمر من ذلك الباب .
" و " يضم " الثاني مع التاء " مثل ( تعلم ، وتجوهل وتدحرج ) لئلا يلتبس بصيغة مضارع ( علمت ، وجاهلت ، ودحرجت ) .
$[2/270]
" خوف اللبس " هذا علة لقوله ( ويضم الثالث والثاني ) .(1/408)
" ومعتل العين " أي : ما يكون عينه فقط معتلا لئلا يرد عليه مثل ( طوى ، وروى ) من اللفيف ، فإنه لا يعتل عينه لئلا يفضي إلى اجتماع اعلالين في ( يروي ويطوي ) .
قيل : الأصوب أن يقال : معتل العين المنقلبة عينه ألفا لئلا يرد عليه مثل ( عور ، وصيد ) .
وإنما خصّ معتل العين بالذكر لزيادة غموض ، واختلاف في المبني للمفعول من ماضيه كما ذكر وبتبعيته ذكر معتل العين في المبني للمفعول من مضارعه وإن لم يكن فيه ما ذكرنا .
" الأفصح فيه ( قيل ، وبيع ) " أصلهما : قول وبيع نقل الكسرة من العين إلى ما قبلها بعد حذف حركته فصار ( بيع وقول ) فأبدل واو ( قول ) ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فصار ( قيل ) .
" وجاء الإشمام " وهو فصيح في نحو ( قيل وبيع ) .
وفي شرح الرضي ( حقيقة هذا الإشمام أن تنحو بكسرة فاء الفعل نحو الضمة فتميل الياء الساكنة بعدها نحو الواو قليلا ، إذ هي تابعة لحركة ما قبلها .
هذا مراد القراء والنحاة بالإشمام في هذا الموضع .
$[2/271]
وقال بعضهم : الإشمام هاهنا كالإشمام حالة الوقف ، أعين : من الشفتين فقط مع كسرة الفاء خالصا .
وهذا خلاف المشهور عند الفريقين .
وقال بعضهم : هو أن تأتي بضمة خالصة بعدها ياء ساكنة .
وهذا أيضاً غير مشهور عندهم .
والغرض من الإشمام : الإيذان بأن الأصل في أوائل هذه الحروف .
و " و " جاء " الواو " أيضاً على ضعف فقيل ( قول ، وبوع ) بالإسكان بلا نقل ، وجعل الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها .
" ومثله " أي : مثل باب الماضي المجهول من معتل العين من الثلاثي المجرد باب الماضي المجهول من معتل العين من " باب " الافتعال والانفعال ، نحو " اختير وانقيد " في مجيء اللغات الثلاث فيه إذ ( خير وقيد ) فيهما مثل ( قيل وبيع ) بلا تفاوت .
" دون استخير وأقيم " إذ ليس ذلك مثل ( قيل وبيع ) لسكون ما قبل حرف العلة فيهما في الأصل ، إذ أصلها ( استخير وأقوم ) بالياء والواو المكسورتين .(1/409)
والقياس فيهما إذا سكن ما قبلها أن تنقل حركتهما إليه وتقلب العين ياء إذا كان واو ، فيقال ( استخير وأقيم ) لغة واحدة .
" وإن كان " أي : الفعل الذي أريد حذف فاعله وإقامة المفعول مقامه .
" مضارعا ضمّ أوله " وهو حرف المضارعة نحو ( يضرب ، ويكرم ، ويلتزم ، ويستخرج ويتدحرج ) .
$[2/272]
" وفتح ما قبل آخره " لخفة الفتحة وثقل المضارع بالزيادة .
" ومعتل العين " المبني للمفعول " تنقلب العين فيه " ألفا " ياء كانت أو واوا ، نحو ( يقال ، ويباع ، ويختار ، وينقاد ، ويستجار ، ويستقام ) لتحركها حقيقة أو حكما وانفتاح ما قبلها .
$[2/273]
" ( المتعدي وغير المتعدي ) "
" فالمتعدي " من الفعل " ما يتوقف فهمه على متعلق " أي : على أمر غير الفاعل يتعلق الفعل به ، ويتوقف فهمه عليه .
فإن كل فعل لا بد له من فاعل وفهمه موقوف على فهمه ، لكن نسبة الفعل إلى الفاعل بطريق الصدور والقيام والإسناد ، فيقال : هذا الفعل صادر من الفاعل وقائم به ، ومسند إليه .
ولا يقال في الاصطلاح أنه متعلق به فإن التعلّق نسبة الفعل إلى غير الفاعل .
فالحاصل أن فهم الفعل إن كان موقوفا على فهم غير الفاعل فهو المتعدي . " كـ ( ضرب ) " فإن فهمه موقوف على تعقل المضروب ولا يمكن تعقله إلا بعد تعقله ، بخلاف الزمان والمكان والغاية وهيئة الفاعل والمفعول ، فإن فهم الفعل وتعقله بدون هذه الأمور ممكن .
" وغير المتعدي بخلافه " أي : بخلاف المتعدي يعني لا يتوقف فهمه على فهم أمر غير الفاعل " كـ ( قعد ) " فإنه وإن كان له تعلّق بكل واحد من الزمان والمكان والغاية وهيئة الفاعل ، لكن فهمه مع الغفلة عن هذه المتعلقات جائز . وغير المتعدي يصير متعديا ، إما بالهمزة نحو ( أذهبت زيدا ) أو بتضعيف العين نحو ( فرّحت زيدا ) .
أو بألف المفاعلة ، نحو ( ماشيته ) أو بسين الاستفعال ، نحو ( استخرجته ) أو بحرف الجر نحو ( ذهبت بزيد ) .
$[2/274](1/410)
" والمتعدي يكون " متعديا " إلى مفعول واحد ، كـ ( ضرب ) " وهذا في الكلام كثير .
" و " إلى " اثنين " ثانيهما غير الأول " كـ ( أعطي ) " " و " إلى اثنين ثانيهما عين الأول فيما صدق عليه " نحو ( علم ) " .
" وإلى " مفاعيل " ثلاثة كـ ( أعلم ، وأرى ) " بمعنى ( أعلم ) وهما أصلان في هذا القسم ، فإنهما كانا قبل إدخال الهمزة متعدين إلى مفعولين فلما أدخلت عليهما الهمزة زاد مفعول آخر ، يقال له المفعول الأول .
وأما الأفعال الأخرى وهي " أنبأ ، ونبّأ ، وخبّر ، وأخبر ، وحدّث " فليست أصلا في التعدية إلى ثلاثة مفاعيل بل تعديتها إليها إنما هي بواسطة اشتمالها على معنى الإعلام .
" وهذه " الأفعال المتعدية إلى ثلاثة مفاعيل " مفعولها الأول كمفعول " باب " أعطيت " في جواز الاقتصار عليه ، كقولك ( أعلمت زيدا ) والاستغناء عنه ، كقولك ( أعلمت عمرا منطلقا ) .
" والثاني والثالث " من مفعوليها " كمفعولي علمت " في وجوب ذكر أحدهما عند ذكر الآخر ، وجواز تركهما معا .
$[2/275]
" ( أفعال القلوب ) "
وتسمى أفعال الشك واليقين أيضاً . وكأنهم أرادوا بالشك الظن ، وإلا فلا شيء من هذه الأفعال بمعنى الشك المقتضي تساوي الطرفين .
وهي " ظننت ، وحسبت ، وخلت " وهذه الثلاثة للظن .
" وزعمت " وهي تكون تارة للظن وتارة للعلم .
" وعملت ، ورأيت ، ووجدت " وهذه الثلاثة للعلم .
" تدخل " أي : هذه الأفعال " على الجملة الاسمية لبيان ما هي " أي : تلك الجملة فقولك ( علمت ) لبيان أن ما أنشأت هذه الجملة عنه حين تكلمت بها ، وأخبرت بها عن قيام زيد إنما هو العلم .
وإذا قلت ( ظننت زيدا قائما ) فقولك ( ظننت ) لبيان أن منشأ الإخبار بهذه الجملة هو الظن ، وكذلك بواقي الأفعال .
" فتنصب " أي : هذه الأفعال " الجزئين " أي : جزئي الجملة الاسمية المسند والمسند إليه على أنهما مفعولان لها .(1/411)
" ومن خصائصها " هي جمع خصيصة ، وهي ما يختص بالشيء ولا يوجد في غيره ، أي ومن خصائص أفعال القلوب " أنه إذا ذكر أحدهما ذكر الآخر " فلا يقتصر على أحد مفعوليها .
$[2/276]
وسبب ذلك - مع كونهما في الأصل مبتدأ وخبر . وحذف المبتدأ والخبر غير قليل - أن المفعولين معا بمنزلة اسم واحد لأن مضمونها معا هو المفعول به في الحقيقة ، فلو حذف أحدهما كان كحذف بعض أجزاء الكلمة الواحدة ، ومع هذا فقد ورد ذلك مع القرينة على قلة .
أما حذف المفعول الأول فكما في قوله تعالى { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم } على قراءة ( ولا يحسبن ) بالياء المنقوطة من تحت بنقطتين ، أي : لا يسحبنّ هؤلاء بخلهم هو خيرا لهم . فحذف ( بخلهم ) الذي هو المفعول الأول .
وأما حذف الثاني فكما في قول الشاعر
$[2/277]
لا تخلنا على غراتك إنّا ... ... طالما قد وشى بنا الأعداء
أي لا تخلنا جازعين ، بحذف ( جازعين ) الذي هول المفعول الثاني .
" بخلاف باب أعطيت " فإنه يجوز فيه الاقتصار على أحدهما مطلقا ، يقال : ( فلان يعطي الدنانير ) من غير ذكر المعطي له و ( يعطي الفقراء ) من غير ذكر المعطي .
وقد يحذفان معا كقولك ( فلان يعطي ، ويكسو ) إذ يستفاد من مثله فائدة بدون المفعولين بخلاف مفعولي ( باب علمت ) فإنك لا تحذفهما نسيا منسيا . فلا تقول : ( علمت وظننت ) لعدم الفائدة إذ من المعلوم أن الإنسان لا يخلو من علم وظن .
وأما مع قيام القرينة فلا بأس بحذفهما ، نحو : ( من يسمع يخل ) أي : يخل مسموعه صادقا .
$[2/278]
" ومنها " أي : ومن خصائص أفعال القلوب " جواز الإلغاء " أي إبطال عملها " إذا توسطت " بين مفعوليها نحو ( زيد ظننت قائم ) .
" أو تأخرت " عنهما نحو ( زيد قائم ظننت ) .(1/412)
وإنما يجوز الإلغاء على التقديرين " لاستقلال الجزئين " الصالحين ، لأن يكونا مبتدأ وخبرا ، أو مفعولين لها " كلاما " تاما على تقدير الإلغاء ، وجعلهما مبتدأ وخبرا ، مع ضعف عملها بالتوسط أو التأخر .
وقد نقل الإلغاء عند التقديم أيضاً نحو ( ظننت زيد قائم ) لكن الجمهور على أنه لا يجوز .
وهذه الأفعال على تقدير إلغائها في معنى الظرف .
فمعنى ( زيد قائم ظننت ) زيد قائم في ظني .
وفي قوله ( جواز الإلغاء ) إشارة إلى جواز أعمالها أيضاً على تقدير التوسط والتأخر ، وفي بعض الشروح أنّ الأعمال أولى على تقدير التوسط وفي بعضها أنهما متساويان .
$[2/279]
والإلغاء أولى على تقدير التأخر .
وقد يقع الإلغاء فيهما إذا توسطت بين الفعل ومرفوعه ، نحو : ( ضرب أحسب زيد ) وبين اسم الفاعل ومعموله نحو : ( لست بمكرم أحسب زيدا ) وبين معمولي ( إن ) نحو ( إن زيدا أحسب قائم ) وبين سوف ومصحوبها نحو ( سوف أحسب يقوم زيد ) وبين المعطوف والمعطوف عليه ، نحو ( جاءني زيد أحسب وعمرو ) .
ولا شك أن إلغاءها في هذه الصور واجب ، فلهذا قيد جوازه المنبئ عن جواز الأعمال بقوله ( إذا توسطت ) يعني : بين مفعوليها ( أو تأخرت ) يعني عنهما .
وإنما خص هذه الإلغاء الخاص بالذكر مع أن مطلقه أيضاً من خصائصها لشيوعه وكثرة وقوعه .
" ومنها " أي ومن خصائص أفعال القلوب " أنها تعلّق " وتعليقها وجوب إبطال عملها لفظا دون معنى بسبب وقعها " قبل " معنى " الاستفهام " بلا واسطة كما يجيء مثاله أو بواسطة كما إذا كان قبل المضاف إلى ما فيه معنى الاستفهام نحو ( علمت غلام من أنت ؟ ) .
" و " قبل " النفي " الداخل على معموليها " و " قبل " اللام " أي : لام الابتداء الداخلة على معمولها .
" مثل ( عملت أزيد عندك أم عمرو ؟ ) " مثال للتعليق بالاستفهام ، وترك مثال أخوية بالمقايسة .
$[2/280](1/413)
فمثال النفي ( علمت ما زيد في الدار ) ومثال اللام ( علمت لزيد منطلق ) وإنما تعلق قبل هذه الثلاثة ، لأن هذه الثلاثة تقع في صدر الجملة وضعا ، فاقتضت بقاء صورة الجملة .
وهذه الأفعال توجب تغيرها بنصب جزئيها فوجب التوفيق باعتبار أحدهما لفظا والآخر معنى .
فيمن حيث اللفظ روعي الاستفهام والنفي ولام الابتداء ، ومن حيث المعنى روعيت هذه الأفعال .
والتعليق مأخوذ من قولهم ( امرأة معلقة ) أي : مفقودة الزوج ، تكون كالشيء المعلّق لا مع الزوج لفقدانه ، ولا بلا زود لتجويزها وجوده . فلا تقدر على التزوج .
فالفعل المعلق ممنوع من العمل لفظا عامل معنى وتقديرا ، لأن معنى : ( علمت لزيد قائم ) علمت قيام زيد ، كما كان كذلك عند انتصاب الجزئين .
ومن ثم جاز عطف الجملة المنصوب جزءاها على الجملة التعليقية نحو ( علمت لزيد قائم وبكرا قاعدا ) .
$[2/281]
والفرق بين الإلغاء والتعليق من وجهين .
أحدهما : أن الإلغاء جائز لا واجب والتعليق واجب .
والثاني : أن الإلغاء إبطال العمل في اللفظ والمعنى والتعليق إبطال العمل في اللفظ لا في المعنى .
" ومنها " أي : ومن خصائص أفعال القلوب .
" أنه يجوز أن يكون فاعلها " أي : فاعل أفعال القلوب " ومفعولها ضميرين " متصلين " لشيء واحد " .
وإنما قلنا ( متصلين ) لأنه إذا كان أحدهما منفصلا لم يختص جواز اجتماعهما بفعل دون آخر ، نحو ( إياك ظلمت ) .
" مثل : علمتني منطلقا " وعلمتك منطلقا .
ولا يجوز ذلك في سائر الأفعال فلا يقال : ( ضربتني ، وشتمتني ) بل يقال ( ضربت نفسي ، وشتمت نفسي ) وذلك لأن أصل الفاعل أن يكون مؤثرا والمفعول به متأثرا وأصل المؤثر أن يغاير المتأثر .(1/414)
فإن اتحدا معنى كره اتفاقهما لفظا قصد مع اتحادهما معنى تغايرهما لفظا بقدر الإمكان فمن ثم قالوا : ( ضربت نفسي ) ولم يقولوا : ( ضربتني ) فإن الفاعل والمفعول ( به ) ليسا بمتغايرين بقدر الإمكان لاتفاقهما من حيث كون كل واحد منهما ضميرا متصلا بخلاف ( ضربت نفسي ) فإن ( النفس ) بإضافتها إلى ضمير المتكلم
$[2/282]
صارت كأنه غيره ، لغلبة مغايرة المضاف للمضاف إليه ، فصار الفاعل والمفعول فيه متغايرين بقدر الإمكان .
وأما أفعال القلوب فإن المفعول به فيها ليس المنصوب الأول في الحقيقة ، بل مضمون الجملة فجاز اتفاقهما لفظا ، لأنهما ليسا في الحقيقة فاعلا ومفعولا به .
ومما أجري مجرى أفعال القلوب ( فقدتني ، وعدمتني ) لأنهما نقيضا ( وجدتني ) فحملا عليه حمل النقيض على النقيض .
وكذلك أجرى ( رأي ) البصريّة والحلميّة على ( رأي ) القلبية ، فجوز فيهما ما جوز فيه ، من كون فاعلهما ومفعولهما ضميرين لشيء واحد ، كقول الشاعر :
ولقد أراني للرّماح دريئة ... ... من عن يميني تارة وأمامي
$[2/283]
وكقوله تعالى ( إني أراني أعصر خمرا ) .
" ولبعضها " أي : والبعض أفعال القلوب ما عدا ( حسبت ، وخلت ، وزعمت ) " معنى آخر " قريب من معانيها الأول .
وهي : إما ( العلم ) أو ( الظن ) بحيث يمكن أن يتوهم أنه بهذا المعنى أيضاً متعدّ إلى مفعولين .
وإنما قيدنا بذلك لئلا يقال : لا وجه للتخصيص بالبعض ، لأن لكل واحد معنى آخر .
فإن ( خلت ) جاء بمعنى ( صرت ذا حال ) ، و ( حسبت ) بمعنى ( صرت ذا حسب ) و ( زعمت ) بمعنى ( كفلت ) .
" يتعدى به " أي : بذلك المعنى الآخر " إلى " مفعول " واحد " لا اثنين .
" فظننت : بمعنى : اتهمت " من الظنة بمعنى التهمة .
و ( ظننت زيدا ) بمعنى : اتهمته أي : أخذته مكانا لوهمي .
$[2/284]
والوهم : نوع من العلم . ومنه قوله تعالى ( وما هو على الغيب بظنين ) أي : بمتهم .
" وعلمت : بمعنى عرفت " .(1/415)
تقول : ( علمت زيدا ) بمعنى : عرفت شخصه ، وهو العلم بنفس شيء من غير حكم عليه .
" ورأيت : بمعنى أبصرت " ومعنى ( أبصرت ) قريب من معنى ( علمت ) بالحاسّة . ومنه قوله تعالى ( فانظر ماذا ترى ) .
" ووجدت : بمعنى أصبت ) .
تقول ( وجدت الضّالة ) أي : أصبتها وعلمتا بالحاسّة .
ولما كان مراده أن لها معاني أخر قريبة من معنى ( العلم أو الظن ) لم يتعرض لـ ( علم ) بمعنى صار مشقوق الشفة العليا .
ولـ ( وجدت جدة ) ووجت موجدة ووجدت وجدا ، أي : استغنيت وغضبت وحزنت لأنها ليست بمعنى ( العلم والظن ) .
$[2/285]
" ( الأفعال الناقصة ) "
إنما سميت ناقصة لأنها لا تتم بمرفوعها كالأفعال الغير الناقصة .
" ما وضع " أي : أفعال وضعت " لتقرير الفاعل على صفة " أي : العمدة فيما وضعت له هذه الأفعال هو تقرير الفاعل على صفة .
ولا شك أن هذه الصفة خارجة عن ذلك التقرير الذي هو العمدة في الموضوع له ، لأن ذلك التقرير نسبة بين الفاعل والصفة ، فكل من طرفيها خارج عنها .
فخرج من الحد الأفعال التامة لأنها موضوعة لصفة وتقرير الفاعل عليها فكل من الصفة والتقرير عمدة فيما وضعت له لا التقرير وحده .
وإنما جعلنا التقرير المذكورة عمدة الموضوع له في الأفعال الناقصة ، لا التامة لاشتمالها على معان زائدة على ذلك التقرير ، كالزمان في الكل ، والانتقال والدوام والاستمرار في بعضها .
ولو جعل الموضوع له جزئيات ذلك التقرير فيقال ( صار ) مثلا موضوع لتقرير الفاعل على صفة على وجه الانتقال إليه في الزمان الماضي ، وكذا كل فعل منها ، فلا شك أن كل جزئي تمام الموضوع له بالنسبة إلى ما هو موضوع له ، والصفة خارجة عنه .
فخرج الأفعال التامة منها ، ولا يبعد أن يجعل اللام في قوله : ( لتقرير الفاعل ) للغرض ، لا صلة الوضع ، ولا شك أن الغرض من وضع الأفعال الناقصة هو التقرير المذكور ، لا الصفات ، بخلاف الأفعال التامة ، فإن الغرض من وضعها مجموعهما ، لا(1/416)
$[2/286]
التقرير فحسب ، كما عرفت ، فخرجت عن حدها ، فظهر بما ذكرنا أن هذا الحد لا يحتاج إلى قيد زائد لإخراج الأفعال التامة أصلا .
" وهي " أي : الأفعال الناقصة " كان ، صار ، وأصبح ، وأمسى ، وأضحى وظلّ ، وبات ، وآض ، وعاد ، وراح ، ومازال ، وما انفك ، وما فتئ " بالهمزة وقيل : بالياء " وما برح ، ومادام ، وليس " ولم يذكر سيبويه منها سوى ( كان ، وصار ومادام ، وليس ) ثم قال : وما كان نحوهن من الفعل مما لا يستغنى عن الخبر . والظاهر أنها غير محصورة .
وقد تضمّن كثير من الأفعال معنى الناقصة ، كما تقول : ( تتم التسعة بهذا عشرة ) أي : تصير عشرة تامة و ( كمل زيد عالما ) أي : صار زيد عالما كاملا .
$[2/287]
" وقد جاء " في قولهم " ( ما جاءت حاجتك ) " ناقصة ، ضميرها اسمها و ( حاجتك ) خبرها إمّا بأن يكون ( ما ) نافية ، و ( جاءت ) بمعنى ( كانت ) وفيها ضمير لما تقدم من الغرارة ونحوها ، أي : لم تكون هذه على قدر ما تحتاج إليه أو استفهامية ، والضمير في ( ما جاءت ) يعود إليها .
وإنما أنثت باعتبار خبرها ، كما في ( من كانت أمك ) .
ومعناه : أية حاجة صارت حاجتك .
" و " جاء أيضاً ( قعدت ) ناقصة ، في قولهم ( أرهف شفرته حتى قعدت " أي : صارت الشفرة " كأنها حربة " أي : رمح قصير .
$[2/288]
قال الأندلسي : لا يتجاوز ( جاء وقعد ) الموضع الذي استعملها العرب فيه خلافا للفراء .(1/417)
" تدخل " هذه الأفعال ، وما كان نحوهن " على الجملة الاسمية " المركبة من المبتدأ والخبر " لإعطاء الخبر " أي : لأجل إعطائها الخبر " حكم معناها " أي : معنى هذه الأفعال يعني : أثره المترتب عليه مثل ( صار زيد غنيا ) فمعنى ( صار ) الانتقال وحكم معناه ، أي : أثره المترتب عليه كون الخبر منتقلا إليه ، فلما دخل على الجملة الاسمية ، أعني : ( زيد غني ) وأفاد معناه الذي هو الانتقال ، أعطى الخبر وهو ( غني ) أثر ذلك الانتقال وهو كون الغنى منتقلا إليه .
" فترفع " هذه الأفعال الجزء " الأول " لكونه فاعلا " وتنصب " الجزء " الثاني " لشبهه بالمفعول به في توقف الفعل عليه " مثل ( كان زيد قائما ) فـ ( كان )
$[2/289]
تكون ناقصة " كائنة " لثبوت خبرها " لاسمها ثبوتا " ماضيا " أي : كائنا في الزمان الماضي دائما " من غير دلالة على عدم سابق وانقطاع لاحق ، نحو ( كان زيد فاضلا ) .
" أو منقطعا " نحو ( كان زيد غنيا فافتقر ) .
" وبمعنى صار " عطف على قوله ( لثبوت خبرها أي ( كان ) تكون ناقصة كائنة بمعنى ( صار ) فهو من قبيل عطف أحد القسمين على الآخر لأعلى ما هو قسم منه ، كقول الشاعر :
بتيهاء قفر والمطي كأنها ... ... قطا الحرن قد كانت فراخا بيوضها
أي : صارت فراخا بيوضها فإن بيوضها لم تكن فراخا بل صارت فراخا .
" ويكون فيها ضمير الشأن " هذا أيضاً عطف على قوله ( لثبوت خبرها ) أي : ( كان ) تكون ناقصة ويكون فيها ضمير الشأن اسما لها ، والجملة الواقعة بعدها خبرا مفسرا للضمير ، كقوله :
إذا مت كان الناس صنفان شامت ... وآخر مثن بالذي كنت أصنع
$[2/290]
" وتكون تامة " عطف على قوله ( تكون ناقصة ) أي : ( كان ) تكون تامة ، تتم بالمرفوع من غير حاجة إلى المنصوب " بمعنى ثبت " ووقع ، كقولهم : ( كانت الكائنة والمقدر كائن ) وكقوله تعالى ( كن فيكون ) .(1/418)
" و " تكون زائدة ، وهي التي وجودها وعدمها لا يخل بالمعنى الأصلي ، كقوله تعالى { كيف نكلّم من كان في المهد صبيا } ، أي : كيف نكلم من هو في المهد حال كونه صبيا . فـ ( كان ) زائدة لتحسين اللفظ ، إذ ليس المعنى على المضيّ .
وإنما ذكر هذين القسمين مع كونها غير ناقصة استيفاء لجميع استعمالاتها .
" و ( صار ) للانتقال ) " إما من صفة إلى صفة نحو ( صار زيد عالما ) وإما من حقيقة إلى حقيقة نحو : صار الطرفين خزفا .
وتكون تامة بمعنى الانتقال من مكان إلى مكان أو من ذات إلى ذات وتتعدى بـ ( إلى ) نحو : صار زيد من بلد إلى بلد كذا ، أو من بكر إلى عمرو . ويلحق بصار مثل ( ال ، ورجع ، واستحال ، وتحوّل ، وارتدّ ) .
قال الله تعالى { فارتدّ بصيرا } .
وقال الشاعر :
إنّ العداوة تستحيل مودة ... ... بتبدّل الهفوات بالحسنات
$[2/291]
وقال :
* فيالك من نعمى تحولن أبوءسا *
" و ( أصبح وأمسى وأضحى ) لاقتران مضمون الجملة بأوقاتها " ، المدلول عليها بموادها لا بصورها ، مثل ( أصبح زيدا قائما ) و ( أمسى زيد مسرورا ) و ( أضحى زيد حزينا ) .
فالمثال الأول يدل على اقتران مضمون الجملة وهو ( قيام زيد ) بوقت الصباح وعلى هذا القياس المثالان الآخران .
" و " تكون " بمعنى صار " نحو ( أصبح ، أو أمسى أو أضحى زيد غنيا ) .
أي : ( صار وليس المراد : أنه صار في الصباح أو في المساء أو الضحى على هذه الصفة .
" وتكون تامة " بمعنى الدخول في هذه الأوقات ، تقول : ( أصبح زيد ) إذا دخل في الصباح .
" و ( ظل وبات ) لاقتران مضمون الجملة بوقتيهما " .
$[2/292]
فإذا قلت : ( زل زيد سائرا ) فمعناه : ثبت له ذلك في جميع نهاره ، وإذا قلت ( بات زيد سائرا ) فمعناه : ثبت له ذلك في جميع ليله .(1/419)
" وبمعنى ( صار ) " نحو ( زل زيد غنيا ) و ( بات عمرو فقيرا ) أي : صار . وقد يجيء هذا الفعلان تامين أيضاً ، نحو ( ظللت بمكان كذا ) و ( بتّ مبيتا طيبا ) لكن لما كان مجيئهما تامين في غاية القلة جعله في حكم العدم ولذلك لم يذكرهما تامين وفصلهما عن الأفعال الثلاثة السابقة .
و ( آض ، وعاد ، وغدا ، وراح ) فهذه الأفعال الأربعة ناقصة إذا كانت بمعنى ( صار ) وتامة في مثل قولك ( آض ، أو عاد زيد من سفره ) أي : رجع ، وغدا : إذا مشى في وقت الغداة ، وراح ، إذا مشى في وقت الرواح ، وهو ما بعد الزوال إلى الليل .
وأسقط المصنف ذكر هذه الأفعال من البين في مقام التفصيل مع ذكرها في مقام الإجمال ، وكان الوجه في ذلك أنها من الملحقات ولذا لم يذكرها صاحب المفصل .
وقال صاحب اللباب : ( وألحق بها ( أض وعاد ، وغدا وراح ) فأسقطها عن البين إشارة إلى عدم الاعتداد بها لأنها من الملحقات .
" وما زال " من زال يزال ، لا من زال فإنها تامة .
" وما برح " بمعناه من برح أي : زال ومنه البارحة : الليلة الماضية .
" وما فتئ " أيضاً بمعناه .
$[2/293]
" وما انفك " أي : ما انفصل " لاستمرار خبرها " أي : خبر تلك الأفعال ، " لفاعلها " قيل : سمي اسمها فاعلا تنبيها على أن اسمها ليس بقسم على حدة من المرفوعات كما أن خبرها قسم على حدة من المنصوبات .
" مذ قبله " أي : قبل فاعلها خبرها أي : من وقت يمكن أن يقبله عادة . فمعنى ( ما زال زيد أميرا ) استمرار إمارته من زمان قابليته وصلاحيته للإمارة أما دلالتها على الاستمرار فلان النفي مأخوذ من معاني هذه الأفعال ، فإذا دخلت أدوات النفي عليها كانت معانيها نفي النفي ، ونفي النفي استمرار الثبوت .
واعتبار الصلاحية والقابلية معلوم عقلا .(1/420)
" ويلزمها " أي : هذه الأفعال الأربعة إذا أريد استمرار الثبوت " النفي " بدخول أدواته عليها لفظا ، وهو ظاهر أو تقديرا كقوله تعالى : ( تالله تفتؤ تذكر يوسف ) أي : لا تفتؤ .
فإنه لو لم تدخل أدوات النفي عليها لم يلزم النفي المستلزم الاستمرار المقصود منها .
" وما دام لتوقيت أمر " أي : تعيينه " بمدة ثبوت خبرها لفاعلها " بأن جعلت تلك المدة ظرف زمان له ، وذلك لأن لفظة ( ما ) مصدرية ، فهي مع ما بعدها في تأويل المصدر وتقدير الزمان قبل المصادر كثير .
وإذا قدر الزمان قبله ، فلا بد هناك من حصول كلام يفيد فائدة تامة .
وإلى هذا أشار بقوله " ومن ثمّ " أي : ومن أجل أنه لتوقيت أمر بمدة ثبوت
$[2/294]
خبرها لفاعلها " احتاج إلى " وجود " كلام " مستقل بالإفادة " لأنه " حينئذ مع اسمه وخبرها " ظرف " والظرف فضلة غير مستقل بالإفادة ، مثل ( أجلس ما دام زيد جالسا ) أي : أجلس مدة دوام جلوس زيد .
فما دام لم يشفع ( ما دام ) بـ ( أجلس ) ولم يحصل من المجموع كلام لا يفيد فائدة تامة ، بخلاف الأفعال المصدرة بحرف النفي فإنها مع أسمائها وأخبارها كلام مستقل بالإفادة ، فلا حاجة إلى وجود كلام ورائها .
" و ( ليس ) لنفي مضمون الجملة حالا " أي : زمان الحال ، مثل : ليس زيد قائما ، أي : الآن .
وهذا هو مذهب الجمهور .
" وقيل " هي لنفي مضمون الجملة " مطلقا " ولذلك تقيد تارة بزمان الحال ، كما تقول : ليس زيد قائما الآن ، وتارة بزمان الماضي ، نحو : ( ليس خلق الله مثله ) وتارة بزمان المستقبل نحو قوله تعالى : { ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم } وهذا مذهب سيبويه .
$[2/295]
" ويجوز تقديم أخبارها " أي : أخبار الأفعال الناقصة " كلها على أسمائها " إذ ليس فيها إلا تقديم المنصوب على المرفوع فيما عامله فعل .(1/421)
فإن أريد بجواز التقديم نفي الضرورة عن جانبي وجوده وعدمه فينبغي أن يقيد بمثل قولنا : ما لم يعرض ما يقتضي تقديمها عليها ، نحو ( كم كان مالك ) ، أو تأخيرها عنها ، نحو ( صار عدوّي صديقي ) .
وإن أريد به نفي الضرورة عن جانب العدم فقط فينبغي أن يقيد بمثل قولنا : ( إذا لم يمنع مانع من التقديم ) وحينئذ يجوز أن يكون واجبا كالمثال المذكور .
" وهي " أي : الأفعال الناقصة " في تقديمها " أي : تقديم أخبارها " عليها " أي : على تلك الأفعال واقعة على " ثلاثة أقسام : قسم يجوز " تقديم أخبارها عليها " وهو من ( كان إلى راح ) " وهو أحد عشر فعلا ، لكونها أفعالا .
وجواز تقديم المنصوب على المرفوع في الأفعال لقوتها .
" وقسم لا يجوز " تقديم أخبارها عليها " وهو " أي : هذا القسم " ما في أوله " كلمة " ما " نافية كانت أو مصدرية .
أما إذا كانت نافية فلامتناع تقديم ما في حيز النفي لأنه يقتضي التصدر ، وأما إذا كانت مصدرية فلامتناع تقديم معمول المصدر على نفس المصدر . ويخالف هذا الحكم " خلافا " ثابتا " لابن كيسان " بأن يكون هذا الخلاف واقعا ظاهرا من جانبه ، لا من جانب الجمهور ، كما يقتضيه باب المفاعلة لتقدمهم فكأنه لا مخالفة منهم .
وذلك الخلاف منه " في غير ما دام " لأن أداة النفي لما دخلت على الفعل الذي معناه النفي أفادت الثبوت ، فصار بمنزلة ( كان ) فلا يلزم تقديم ما في حيز النفي ، بحسب المعنى .
$[2/296]
" وقسم مختلف فيه " ظهر فيه الخلاف من الجمهور من بعضهم مع بعض فإن الافتعال هاهنا بمعنى التفاعل المقتضي لمشاركة أمرين في أصل الفعل صريحا " وهو " أي : القسم المختلف فيه كلمة " ليس " .
فالمبرد والكوفيون وابن السراج والجرجاني : على أنه لا يجوز ، مراعاة للنفي ، إذا يمتنع تقديم معمول النفي عليه .
والبصريون وسيبويه والسيرافي والفارسي : على أنه يجوز ، بناء على أنه فعل ، وجواز تقديم معمول الفعل عليه .(1/422)
وبين الطائفتين في حكم هذا القسم معارضة ومجادلة .
وبهذا اندفع ما قيل : كان من الواجب على المصنف أن يجعل ما في أوله ( ما ) النافية من القسم المختلف فيه ، لوقوع الخلاف فيها من ابن كيسان .
$[2/297]
" ( أفعال المقاربة ) "
" ما وضع " أي : فعل وضع " لدنو الخبر " أي : للدلالة على قرب حصوله للفاعل " رجاء " منصوب على المصدرية بتقدير مضاف ، أي دنوّ رجاء ، بأن يكون ذلك الدنو بحسب رجاء المتكلم ، وطمعه حصول الخبر له ، لا بجزمه به .
فـ ( عسى ) في قولك : ( عسى زيد أن يخرج ) يدل على قرب حصول الخروج لزيد ، بسبب أنك ترجو ذلك وتطمعه ، لا أنك جازم به .
" أو " وضع لدنو الخبر وقرب ثبوته للفاعل " حصولا " أي : دنو حصول ، بأن يكون أخبار المتكلم بذلك الدنو لإشراف الخبر على حصوله للفاعل .
فـ ( كاد ) في قولك ( كاد زيد أن يخرج ) يدل على قرب حصول الخروج لزيد لجزمك بقرب حصوله .
" أو " وضع لدنو الخبر وقرب حصوله للفاعل " أخذا فيه " أي : دنو أخذ وشروع في الخبر ، بأن يكون ذلك الدنو بسبب جزم المتكلم بشروع الفاعل في الخبر بالتصدي لما يفضي إليه .
فـ ( طفق ) في قولك : ( طفق زيد يخرج ) يدل على قرب حصول الخروج لزيد بسب جزم المتكلم بشروعه فيما يفضي إليه .
" فالأول " ما وضع لدنو الخبر رجاء " عسى " .
قال سيبويه : عسى طمع وإشفاق .
فالطمع في المحبوب ، والإشفاق في المكروه ، نحو ( عسيت أن أموت ) ومعنى الإشفاق : الخوف .
" وهو غير متصرف " حيث لا يجيء منه مضارع ومجهول وأمر ونهي إلى غير ذلك من الأمثلة .
$[2/298]
وإنما لم يتصرّف في ( عسى ) لتضمنه معنى إنشاء الطمع والرجاء كـ ( لعلّ ) والإنشاءات في الأغلب من معاني الحروف ، والحروف لا يتصرّف فيها .
" تقول " على أحد استعماليه : " ( عسى زيد أن يخرج ) " وهو أن يكون بعده اسم ثم فعل مضارع مصدر بـ ( أن ) الاستقبالية تقوية لمعنى الترجي ، الذي هو توقع وجود الفعل في الاستقبال .(1/423)
فـ ( زيد ) اسم ( عسى ) و ( أن يخرج ) في محل النصب بالخبرية ، أي : عسى زيد الخروج ، بتقدير مضاف ، أما جانب الاسم نحو ( عسى حال زيد الخروج ) وأما في جانب الخبر ، أي : عسى زيد ذا الخروج ، لوجوب صدق الخبر على الاسم .
وعلى هذا ( عسى ) ناقصة .
وقيل : المضارع مع ( أن ) مشبه بالمفعول وليس بخر ، لعدم صدقه على الاسم وتقدير المضاف تكلف وذلك لأن المعنى الأصلي : قارب زيد أن يخرج أي : الخروج ثم نقل إلى إنشاء الطمع .
$[2/299]
فالمضارع مع ( أن ) وإن لم يبق على المفعولية في صورة الإنشاء فه ومشبه بالمفعول الذي كان في صورة الخبر ، فانتصب لشبهه المفعول .
و ( عسى ) على هذا تامة .
وقال الكوفيون ( أن يفعل ) في محل الرفع بدلا مما قبله ، بدل الاشتمال ، لأن فيه إجمالا تفصيلا ، وفي إبهام الشيء ثم تفسيره وقع عظيم لذلك الشيء في النفس .
وقال الشارح الرضي ( والذي أرى أن هذا وجه قريب ) .
" و " تقول على الاستعمال الآخر " عسى أن يخرج زيد " بأن يذكر مرفوع فقط ، هو ما كان منصوبا في الاستعمال الأول ، فاستغنى عن الخبر لاشتمال الاسم على المنسوب والمنسوب إليه كما استغنى في ( علمت أن زيدا قائم ) عن المفعول الآخر ، فأقيم مقامهما فهي في هذا الاستعمال ناقصة .
وإن اقتصر على المرفوع من غير قصر إقامته مقام المرفوع والمنصوب ، بمعنى : ( قرب خروج زيد ) فهي تامة .
وههنا احتمال آخر : وهو أن يكون ( زيد ) مرفوعا بأنه اسم ( عسى ) وفي ( يخرج ) ضمير يعود إلى ( زيد ) و ( أن يخرج ) في محل النصب بأنه خبر ( عسى ) وآخر : وهو أن يجعل ذلك من باب التنازع بين ( عسى ) ( ويخرج ) في ( زيد ) فإن أعمل الأول كان ( زيد ) اسم ( عسى ) و ( أن يخرج ) خبرا له مقدما عليه ، وإن أعمل الثاني كان اسم ( عسى ) ما استكن فيه من ضمير ( زيد ) وخبره ( أن يخرج زيد ) فهي على هذين الاحتمالين ناقصة أيضاً .(1/424)
" وقد يحذف ( أن ) عن الفعل المضارع في الاستعمال الأول تشبيها لها بـ ( كاد ) فكما أن ( كاد زيد يخرج ) لم يذكر فيه ( أن ) كذلك ( عسى زيد يخرج ) لا يذكر فيه ( أن ) كقولهم :
$[2/300]
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... ... يكون وراءه فرج قريب
كان الأصل فيه ( أن يكون وراءه ) فحذف ( أن ) منه دون الاستعمال الثاني لعدم مشابهة قولك : عسى أن يخرج زيد ، بقولك كاد زيد يخرج .
" والثاني " أي : ما وضع لدنو الخبر دنو حصول " كاد " تقول : ( كاد زيد يجيء ) " فتخبر عن دنو الخبر لعلمك بإشرافه على الحصول للفاعل في الحال .
ففاعله اسم محض ، كما هو الأصل وخبره فعل مضارع ليدل على قرب حصول الخبر من الحال ، باعتبار أحد معنييه من غير ( ان ) لدلالته على الاستقبال المنافي للحال .
" وقد تدخل ( أن ) " على خبر ( كاد ) تشبيها له بـ ( عسى ) كما أنه يحذف ( أن ) عن خبر ( عسى ) تشبيها له بـ ( كاد ) كقولهم :
* قد كاد من طول البلى أن يمصحا *
$[2/301]
فلما كان كل واحد منهما مشابها للآخر أعطى لكل منهما حكم الآخر من وجه .
" وإذا دخل النفي على ( كاد ) فهو " أي : ( كاد ) " كالأفعال " أي : كسائر الأفعال في إفادة أدوات النفي نفي مضمونها " على " القول " الأصح " ماضيا كان أو مستقبلا .
" وقيل : نفيه " أي : نفي ( كاد ) " يكون للإثبات مطلقا " ماضيا كان أو مستقبلا .
أما في الماضي فكقوله تعالى { وما كادوا يفعلون } فإن المراد إثبات الفعل لا نفيه ، بدليل ( فذبحوها ) .
وأما في المضارع فلتخطئه الشعراء قول ذي الرمة :
$[2/302]
إذا غير الهجر المحبين لم يكد ... ... رسيس الهوى من حب ميّة يبرح
فإنه يدل على زوال رسيس الهوى .
ولتسليمه بتخطئتهم وتغييره قوله ( لم يكد ) بقوله ( لم أجد ) فلو لا كان نفي كاد للإثبات ، لما خطّأوه ، ولما غيره لتخطئتهم . وأجيب عن الأول : بأن قوله تعالى { وما كادوا يفعلون } يدل على انتفاء الذبح وانتفاء القرب منه في وقت ما .(1/425)
وقوله تعالى { فذبحوها } قرينة تدل على ثبوت الذبح بعد انتفائه .
وانتفاء القرب منه ، ولا تناقض بين انتفاء الشيء في وقت ثبوته ي وقت آخر .
$[2/303]
وعن الثاني : فلتخطئة بعض الفصحاء مخطئ ذي الرمة وذا الرمة في تسليمه تخطئتهم .
روى عن عنبة أنه قال : قدم ذو الرمة الكوفة واعترض عليه ابن شبرمة فغيره .
فقال عنبة : حدثت أبي بذلك فقال أخطأ ابن شبرمة في إنكاره عليه وأخطاء ذو الرمة حين غيره ، وإنما هو كقوله تعالى : { لم يكد يراها } وإنما هو لم يرها .
" وقيل : يكون " أي : النفي الدخل على ( كاد ) وما يشتق منه " في الماضي للإثبات وفي المستقبل كالأفعال " أي : كسائر الأفعال في إفادة النفي مضمونه " تمسكا في الدعوى الأولى بقوله تعال : { وما كادوا يفعلون } " وقد عرفت وجه التمسك ، والجواب عنه .
$[2/304]
" و " في الدعوى الثانية " يقول ذي الرّمة " :
" إذا غير الهجر المحبين لم يكد ... ... رسيس الهوى من حب ميّة يبرح
حين أراد بالنفي الداخل على ( يكاد ) انتفاء قرب رسيس الهوى عن البراح ، أي : الزوال .
فالنفي الداخل على ( يكاد ) كالنفي الداخل على سائر الأفعال وهذا مسلم لكن لا يثبت مدعاه بمجرد ذلك ما لم يثبت دعواه الأولى .
وقد عرفت وجه القدح فيه وفي تمسكه عليها .
" والثالث " هو ما وضع لدنو الخبر وقرب ثبوته للفاعل دنو أخذ ، وشروع في الخبر " طفق " بمعنى : أحذ في الفعل يقال : طفق يطفق كعلم يعلم طفقا وطفوقا وقد جاء : طفق يطفق ، كضرب يضرب .
" وكرب " بفتح الراء بمعنى ( قرب ) يقال : ( كربت الشمس ) إذا دنت للغروب .
" وجعل " بمعنى طفق " وأخذ " بمعنى شرع .
" وهي " أي : هذه الأفعال الأربعة في الاستعمال " مثل ( كاد ) " في كون خبرها المضارع بغير ( أن ) تقول : ( طفق زيد ) أو أخذ أوكرب يفعل ) و ( جعل يقول وقال الله تعالى { وطفقا يخصفان } .
" وأوشك " بمعنى أسرع عطف على طفق .(1/426)
" وهي " أي : أوشك " مثل ( عسى وكاد ) في الاستعمال " فتارة تستعمل استعمال ( عسى ) على وجهيه ، نحو ( أوشك زيد أن يجيء ) و ( أوشك أن يجيء زيد ) وتارة تستعمل استعمال ( كاد ) بدون ( أن ) نحو ( أوشك زيد يجيء ) .
$[2/305]
" ( فعل التعجب ) "
" ما وضع لإنشاء التعجب " وفي بعض النسخ ( أفعال التعجب ) وفي أكثر النسخ ( فعلا التعجب ) بصيغة التثنية .
فإفراد الفعل بالنظر إلى أن التعريف للجنس ، وجمعه بالنظر إلى كثرة إفراده ، وتثنيته بالنظر إلى نوعي صيغته .
وعلى كل تقدير فالتعريف للجنس المفهوم في ضمن التثنية والجمع أيضاً .
فهو ما وضع ، أي : فعل وضع ، لأن الكلام في قسم الأفعال ، فلا ينتقض الحد بمثل ( لله دره فارسا ) و ( واها له ) لكن ينتقض بنحو : ( قاتله الله من شاعر ) و ( ولا شلّ عشره ) .
فإنه فعل وضع لإنشاء التعجب وليس بمحض الدعاء إلا أن يقال : هذه الأفعال ليست موضوعة للتعجب بل استعملت لذلك بعد الوضع .
أو المراد بما وضع لإنشاء التعجب فحسب ، بحيث لا يستعمل في غيره .
وما ذكر من مواد النقض فكثيراً ما تستعمل في الدعاء .
" وله " أي : لفعل التعجب أو لما وضع لإنشاء التعجب " صيغتان " :
إحداهما : صيغة الفعل الذي تشمنه تركيب " ما أفعله " .
$[2/306]
وأخراهما : صيغة الفعل الذي تشمنه تركيب " أفعل به " بشرط أن يكونا في هذين التركيبين " وهما " أي : فعلا التعجب " غير متصرفين " فلا يتغيران إلى مضارع ومجهول وتأنيث .
وفي بعض النسخ ( وهي ) أي : أفعال التعجب ( غير متصرفة ) .
" مثل ( ما أحسن زيدا ) و ( أحسن بزيد ) ، ولا يبنيان " أي : فعلا التعجب " إلا مما يبني منه ( أفعل ) التفضيل " لمشابهتهما له من حيث أن كلا منهما للمبالغة والتأكيد وكذا لا يبنيان إلا للفاعل كأفعل التفضيل .
وقد شذ ( ما أشهى الطعام ) و ( ما أمقت الكذب ) .(1/427)
" ويتوصل في " الفعل " الممتنع " بناء صيغتي التعجب منه من رباعي أو ثلاثي مزيد فيه أو ثلاثي مجرد مما فيه لون أو عيب " بمثل : ما أشدّ استخراجه ، وأشدد باستخراجه " أي : يتوصل بناؤهما من فعل لا يمتنع بناؤهما منه ، وجعل الممتنع مفعولا أو مجرورا بالباء .
" ولا يتصرف فيهما " أي : في صيغتي التعجب " بتقديم " أي : بتقديم جائز فيهما عدا صيغتي التعجب ، كتقديم المفعول أو الجار والمجرور على الفعل .
" وتأخير " أي : وتأخير جائز فيما عداهما كتأخير الفعل منهما
$[2/307]
وإنما قيدنا التقديم والتأخير بما قيدنا ليكون عدم التصرف بهما من خواص صيغتي التعجب ، فإن المقام يقتضي بيان الأحكام الخاصة بهما ، فلا يقال : ( ما زيدا أحسن ) ولا ( بزيد أحسن ) لأنهما بعد النقل إلى التعجب جريا مجرى الأمثال فلا يتغيران كما لا تتغير الأمثال .
قيل : عدم التصرف بالتقديم يستلزم عدم التصرف بالتأخير وبالعكس ، لأن تقديم الشيء يستلزم تأخير غيره وكذا تأخيره يستلزم تقديم غيره .
فلو اكتفى بأحدهما لكفى .
وأجيب : بأن ذكر التأخير إنما هو للتأكيد لا للتأسيس ، على أن كل واحد منهما وإن لم ينفصل عن الآخر بالوجود ، لكنه ينفصل عنه بالقصد ، فكأنه اعتبر القصد .
" ولا " يتصرف فيهما بإيقاع " فصل " بين العامل والمعمول ، نحو : ( ما أحسن في الدار زيدا ) و ( أكرم اليوم بزيد ) لإجرائهما مجرى الأمثال كما سبق .
" وأجاز المازني الفصل بالظرف " لما سمع عن العرب قولهم : ( ما أحسن بالرجل أن يصدق ) .
$[2/308]
وأجاز الأكثرون الفصل بكلمة ( كان ) مثل ( ما كان أحسن زيدا ) .
ومعناه : أنه كان له في الماضي حسن واقع دائم إلا أنه لم يتصل بزمان المتكلم ، بل كان دائما قبله .
****
" و ( ما ) ابتداء " أي : مبتدأ على أن يكون المصدر بمعنى اسم المفعول ، أو ذو ابتداء بتقدير المضاف .
وفي بعض النسخ ( وما ابتدائية ) ومعناه ظاهر .(1/428)
" نكرة " بمعنى ( شيء ) لأن النكارة تناسب التعجب لأنه يكون فيما خفي سببه . " عند سيبويه " .
" وما بعدها " أي : ما بعد ( ما ) " الخبر " من باب ( شرّ أهرّ ذا ناب ) ، " وموصولة " أي : ( ما ) موصولة " عند الأخفش " .
" والخبر محذوف " أي : الذي أحسن زيدا أي : جعله ذا حسن شيء عظيم .
$[2/309]
وقال الفراء : ( ما ) استفهامية ما بعدها خبرها .
قال الشارح الرضي ( وهو قوي من حيث المعنى لأنه كان جهل سبب حسنه فاستفهم عنه .
وقد يستفاد من الاستفهام معنى التعجب ، نحو ( وما أدراك ما يوم الدين ) .
وأما : أحسن بزيد ، فـ ( أفعل ) صورته أمر ، ومعناه الماضي من ( أفعل ) بمعنى : صار ذا فعل ، كـ ( ألحم ) أي : صار ذا لحم .
" وبه " أي : مجرورة " فاعل " لهذا الفعل " عن سيبويه " والباء زائدة لازمة إلا إذا كان المتعجب منه ( أن ) مع صلتها ، نحوك أحسن أن تقول أي : بأن تقول ، على ما هو القياس .
" فلا ضمير " عند سيبويه " في أفعل " لأن الفاعل واحد ليس إلا .
( وبه ) أي : مجروره " مفعول عند الأخفش " لـ ( أحسن ) بمعنى ( صر ذا حسن ) على أن تكون همزة ( أفعل ) للصيرورة " والباء للتعدية " أي : لجعل اللازم
$[2/310]
متعديا .
فالمعنى : صيره ذا حسن .
" أو " الباء " زائدة " على أن يكون ( أحسن ) متعديا بنفسه ، ويكون همزة ( أحسن ) " للتعدية " كـ ( أخرج ) .
" ففيه " أي : في الفعل " ضمير " هو فاعله ، أي : أحسن أنت بزيد ، أو زيدا ، أي : اجعله حسنا ، بمعنى : صفة به .
وقال الفراء وتبعه الزمخشري : إنّ ( أحسن ) أمر لكل أحد ، بأن يجعل زيدا حسنا .
وإنما يجعله كذلك بأن يصفه بالحسن ، فكأنه قيل : صفه بالحسن كيف شئت ، فإن فيه من جهات الحسن كل ما يمكن أن يكون في شخص .
$[2/311]
" ( أفعال المدح والذم ) "
يعني الأفعال المشهورة عند النحاة بهذا اللقب .
" ما وضع " أي : فعل وضع " لإنشاء مدح أو ذم " .(1/429)
فلم يكن مثل ( مدحته وذممته ) منها لأنه لم يوضع للإنشاء .
" فمنها نعم ، وبئس " وهما في الأصل فعلان على وزن ( فعل ) بكسر العين ، وقد اطرد في لغة بني تميم في ( فعل ) إذا كان فاؤه مفتوحا وعينه حلقيا أربع لغات .
إحداهما ( فعل ) بفتح الفاء وكسر العين وهي الأصل .
والثانية : ( فعل ) بإسكان العين مع فتح الفاء .
والثالثة : إسكان العين مع كسر الفاء .
والرابعة : كسر الفاء إتباعا للعين .
والأكثر ي هذين الفعلين عند بني تميم إذا قصد بها المدح أو الذم ، كسر الفاء وإسكان العين .
قال سيبويه : وكان عامة العرب اتفقوا على لغة بني تميم .
$[2/312]
" وشرطهما " أي : شرط ( نعم وبئس ) " أن يكون الفاعل معرفا باللام " للعهد الذهني وهي لواحد غير معني ابتداء ، ويصير معينا بذكر المخصوص بعده ، ويكون في الكلام تفصيل بعد الإجمال ، ليكون أوقع في النفس نحو ( نعم الرجل زيد ) .
" أو " يكون " مضافا إلى العرف بها " أي : باللام إمّا بغير واسطة نحو ( نعم صاحب الرجل زيد ) أو بواسطة نحو ( نعم فرس غلام الرجل ) أو ( نعم وجه فرس غلام الرجل ) وهلم جرا .
" أو " يكون " مضمرا مميزا بنكرة منصوبة " مفردة أو مضافة إلى نكرة أو معرفة إضافة لفظية نحو ( نعم رجلا ، أو ضارب رجل أو زيد أو ( حسن الوجه أنت ) .
" أو " مميزا " بما " بمعنى : شيء منصوب المحل على التمييز " مثل : ( فنعمّا هي ) " أي : نعم شيئا هي .
وقال الفراء وأبو علي : هي موصولة بمعنى ( الذي ) فاعل لنعم ، وتكون الصلة بأجمعها في ( فنعمّا هي ) محذوفة لأن ( هي ) مخصوصة أي : نعم الذي فعله هي ، أي : الصدقات .
$[2/313]
وقال سيبويه والكسائي : ( ما ) معرفة تامة بمعنى الشيء ، فمعنى ( فنعمّا هي ) : نعم الشيء هي ، فـ ( ما ) هو الفاعل لكونه معنى ذي اللام ، و ( هي ) مخصوصة " وبعد ذلك " الفاعل " المخصوص " بالمدح أو الذم .(1/430)
وبعديّته إنّما هي بحسب الغالب لأنه قد يتقدم المخصوص ، فيقال ( زيد نعم الرجل ) صرح به في ( المفتاح ( .
" وهو " أي : المخصوص " مبتدأ ما قبله " أي : الجملة الواقعة قبله غالبا " خبره " ولم تحتج هذه الجملة الواقعة خبرا إلى ضمير المبتدأ ، لقيام لام التعريف العهدي مقامه .
$[2/314]
" أو خبر مبتدأ محذوف " وهو ( هو ) " مثل : نعم الرجل زيد " .
فـ ( زيد ) في هذا المثال إمّا مبتدأ ، و ( نعم الرجل ) مقدما عليه خبره ، وإمّا خبر مبتدأ محذوف على تقدير سؤال . فإنه لما قيل : ( نعم الرجل ) فكأنه سئل : من هو ؟ قيل : زيد ، أي : هو زيد .
فعلى الوجه الأول ( نعم الرجل زيد ) جملة واحدة وعلى الوجه الثاني جملتان .
" وشرطه " أي : شرط المخصوص يعني : شرط صحة وقوعه مخصوصا " مطابقة الفاعل " أي : مطابقته الفاعل أو مطابقة الفاعل إياه في الجنس حقيقة ، أو تأويلا ، وفي الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث لكونه عبارة عن الفاعل في المعنى نحو ( نعم الرجل زيد ) و ( نعم الرجلان الزيدان ) و ( نعم الرجال الزيدون ) و ( بئست المرأة هند ) ، و ( بئست المرأتان الهندان ) و ( بئست النساء الهندات ) .
ويجوز أن يقال ( نعم المرأة هند ) ، ( بئس المرأة هند ) لأنهما لما كانا غير منصرفين أشبها الحروف فلم يجب إلحاق العلامة بهما .
" و " قوله تعالى " ( بئس مثل القوم الذين كذّبوا ) " جواب سؤال حيث وقع المخصوص ، أعني ( الذين كذبوا ) جمعا مع إفراد الفاعل وهو ( مثل القوم ) .
" وشبهه " مما لا يطابق الفاعل المخصوص " متأول " بتقدير : مثل الذين كذبوا أو يجعل ( الذين ) صفة للقوم وحذف المخصوص ، أي : بئس مثل القوم المكذبين مثلهم " وقد
$[2/315]
يحذف المخصوص إذا علم " بالقرينة " مثل " قوله تعالى " نعم العبد " أي : أيّوب ، بقرينة أنّ ذلك في قصته .(1/431)
" و " قوله تعالى " ( فنعم الماهدون ) " أي : نحن " و ( ساء ) مثل ( بئس ) " في إفادة الذم والشرائط والأحكام .
" ومنها " أي : من أفعال المدح والذم ( حبّ ) في " حبّذا " وهو - أي حبذا - مركب من : حبّ الشيء ، أو : حبّ إذا صار محبوبا ، ومن : ذا .
" وفاعله " أي : فاعل هذا الفعل " ( ذا ) ولا يتغير " أي : ( حبذا ) ، أو فاعله ( ذا ) عما هو عليه .
فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث ، إذا كان المخصوص مثنى أو جمعا أو مؤنثا لجريها مجرى الأمثال التي لا تتغير .
فيقال ( حبّذا الزيدان ) و ( حبّذا الزيدون ) و ( حبّذا هند ) .
" وبعده " أي : بعد ( حبذا ) " المخصوص ، وإعرابه " أي : إعراب مخصوص ( حبذا ) " كإعراب مخصوص ( نعم ) " على الوجهين المذكورين .
" ويجوز أن يقع قبل المخصوص " أي : مخصوص ( حبذا ) " أو بعده " أي : بعد مخصوصه " تمييز أو حال على وفق مخصوصه " في الإفراد والتثنية والجمع والتأنيث
$[2/316]
والتذكير ، نحو : ( حبذا رجلا زيد ) و ( حبذا زيد رجلا ) و ( حبذا راكبا زيد ) و ( حبذا زيد راكبا ) و ( حبذا رجلين أو راكبين الزيدان ) و ( حبذا الزيدان رجلين ، أو راكبين ) و ( حبذا امرأة هند ) و ( حبذا هند امرأة ) .
والعامل في التمييز أو الحال ما في حبذا من الفعلية وذو الحال هو ( ذا ) لا ( زيد ) لأن ( زيد ) مخصوص والمخصوص لا يجيء إلا بعد تمام المدح والركوب من تمامه ، فالراكب حال من الفاعل لا من المخصوص .
$[2/317]
" ( الحرف ) "
" ما دلّ على معنى في غيره " أي : كلمة دلت على معنى حاصل في غيرها متعقّل بالنسبة إليه ، أي : لا يكون مستقلا بالمفهومية بحيث لا يصلح لأن يحكم عليه أو به ، بل لا يدل في ذلك من انضمام أمر آخر إليه .
" ومن ثمه " أي : لأجل أنه يدل على معنى في غيره احتاج في جزئيته للكلام ركنا كان أو غيره " إلى اسم " يتعقل معناه بالنسبة إليه ، نحو من البصر " أو فعل " كذلك نحو ( قد ضرب ) .
$[2/318](1/432)
" ( حروف الجر ) "
" ما وضع للإفضاء بفعل " أي : إيصاله .
فإن معنى الإفضاء الوصول ولما عدي بالباء صار معناه الإيصال .
" أو معناه " أي : معنى الفعل وهو كل شيء استنبط منه معنى الفعل كاسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة والمصدر والظرف والجار والمجرور وغير ذلك .
" إلى ما يليه " سواء كان اسما صريحا ، مثل ( مررت بزيد ) و ( أنا مارّ بزيد ) أو كان في تأويل الاسم كقوله تعالى ( ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ) أي : برحبها .
وسميت هذه الحروف حروف الإضافة أيضاً ، لأنها تضيف الفعل أو معناه إلى ما يليه ، وحروف الجر لأنها تجر معاني الأفعال إلى ما يليه ، أو لأن أثرها فيما يليه الجر .
" وهي " أي : حروف الجر " ( من ، وإلى ، وحتى ، وفي ) " ذكر هذه الحروف على سبيل الحكاية ، لأنها ليس لها أسماء خاصة يعبر بها عنها " والباء اللام " ذكرهما باسميهما لوجودهما ، وكذلك ذكر الواو والتاء والكاف بأسمائهما حيث وجدت بخلاف ما بقي منها .
" وربّ وواوها " أي : الواو التي تقدر بعدها ( رب ) وفي عدها من حروف الجر تسامح .
$[2/319]
" وواو القسم وتاؤه وباؤه وعن وعلى والكاف ومذ ومنذ وحاشا وعدا وخلا " فالعشرة الأول لا تكون إلا حروفا والخمسة التي تليها تكون حروفا وأسماء والثلاثة البواقي تكون حروفا وأفعالا .
" فـ ( من ) للابتداء " أي : لابتداء الغاية .
والمراد بالغاية المسافة إطلاقا لاسم الجزء على الكل ، إذ لا معنى لابتداء النهاية .
وقيل : كثيراً ما يطلقون الغاية ويريدون بها الغرض والمقصود .
فالمراد بها الفعل لأنه غرض الفاعل ومقصوده .
وهذا الابتداء إما من المكان نحو ( سرت من البصرة ) أو من الزمان ، نحو ( صمت من يوم الجمعة ) .
وعلامة ( من ) الابتدائية صحة إيراد ( إلى ) أو ما يفيد فائدتها في مقابلتها نحو ( سرت من البصرة إلى الكوفة ) ونحو ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) لأن معنى أعوذ به : ألتجئ إليه .
$[2/320](1/433)
" والتبيين " بالجر عطفا على الابتداء ، أي : ويجيء ( من ) للتبيين أيضاً أي : لإظهار المقصود من أمر مبهم .
وعلامته صحة وضع الموصول في موضعه ، مثل : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) فإنك لو قلت ( فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان ) استقام المعنى .
" والتبعيض " أي : وقد يجيء ( من ) للتبعيض .
وعلامة صحة وضع ( بعض ) مكانه نحو ( أخذت من الدراهم ) أي : بعض الدراهم .
" وزائدة " عطف على قوله ( للابتداء ) فإنه مرفوع بالخبرية .
وزيادتها لا تكون إلا " في غير " الكلام " الموجب " نحو ( ما جاءني من أحد ) و ( هل جاءك من أحد ) و ( لا تضرب من أحد ) " خلافا للكوفيين والأخفش " فإنهم يجوزون زيادتها في الموجب أيضاً مستدلين بقولهم : ( قد كان من مطر ) ، فأجاب عن استدلالهم بقوله " وقد كان من مطر وشبهه " مما يتوهم منه زيادة ( من ) في الكم الموجب " متأول " بكونها للتبعيض أو التبيين أي : قد كان بعض مطر ، أو شيء من مطر ، أو هو وارد على الحكاية كأن قائلا قال هل كان من
$[2/321]
مطر ؟ فأجاب : بأنه قد كان من مطر .
" ( وإلى ) للانتهاء " أي : لانتهاء الغاية .
فهي بهذا المعنى مقابلة لـ ( من ) سواء كان في المكان ، نحو ( خرجت إلى السوق ) أو الزمان ، نحو : ( أتمّوا الصيام إلى اللّيل ) أو غيرهما نحو ( قلبي إليك ) .
فإن قلب المخاطب منته إليه ، باعتبار الشوق والميل .
" وبمعنى ( مع ) قليلا " كقوله تعالى : { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } أي : مع أموالكم .
$[2/322]
" و ( حتى ) كذلك " أي : مثل ( إلى ) في كونها لانتهاء الغاية " وبمعنى ( مع ) كثيرا " ولم يكتف في كونها بمعنى ( مع ) تشبيها بـ ( إلى ) كما اكتفى في كونها لانتهاء الغاية للتفاوت الواقع بينهما بالقلة والكثرة .(1/434)
" وتختص " أي : ( حتى ) " بالظاهر " أي : بالاسم الظاهر ، فلا يقال : ( حتاه ) كما يقال ( إليه ) لأنها لو دخلت على المضمر لالتبس الضمير المجرور بالمنصوب لجواز وقوعه بعدها ، أي : بعد ( حتى ) .
" خلافا للمبرد " فإنه جوز دخوله على المضمر مستدلا بما وقع في بعض أشعار العرب على سبيل الندرة .
والجمهور يحكمون بشذوذه فلا يجوزونه قياسا .
" و ( في ) للظرفية أي : لظرفية مدخوله لشيء حقيقة نحو ( الماء في الكوز ) أو مجازا نحو ( النجاة في الصدق ) .
" وبمعنى ( على ) قليلا " كقوله تعالى { ولأصلبنّكم في جذوع النخل }
$[2/323]
أي : على جذوع النخل .
" والباء للإلصاق " أي : لإفادة لصوق أمر إلى مجرور الباء هذه ، كما ترى في : ( مررت بزيد ) فإن الباء فيد يفيد لصوق مرورك بزيد ، أي : بمكان يقرب منه .
" والاستعانة " أي : استعانة الفاعل في صدور الفعل عنه بمجروره نحو ( كتبت بالقلم ) .
" والمصاحبة " نحو : اشتريت الفرس بسرجه أي : مع سرجه فمعناه مصاحبة السرج واشتراكه مع الفرس في الاشتراء ولا يلزم أن يكون السرج حال اشتراء الفرس ملصقا به فالإلصاق يستلزم المصاحبة من غير عكس .
" والمقابلة " أي : لإفادة وقوع مجروره في مقابلة شيء آخر نحو ( بعت هذا بذاك ) .
" والتعدية " أي : جعل الفعل اللازم متعديا لتضمنه معنى التصيير ، بإدخال
$[2/324]
الباء على فاعله ، فإن معنى ( ذهب زيد ) صدور الذهاب عنه ، ومعنى ( ذهبت بزيد ) صيرته ذاهبا .
والتعدية بهذا المعنى مختصة بالباء ، وأما التعدية بمعنى إيصال معنى الفعل إلى معموله بواسطة حرف الجر ، فالحروف الجارة كلها فيها سواء ، لا اختصاص لها لحرف دون حرف .
" والظرفية " نحو ( جلست بالمسجد ) أي : في المسجد .
" وزائدة في الخبر في الاستفهام " بـ ( هل ) لا مطلقا نحو ( هل زيد بقائم ؟ ) فلا يقال : أزيد بقائم ؟ .(1/435)
" والنفي " بليس ، نحو : ليس زيد براكب ، وبـ ( ما ) نحو : ( ما زيد براكب ) فهي تزاد في الخبر في هذه الصور " قياسا وفي غيره " أي : غير الخبر الواقع في الاستفهام والنفي " سماعا " سواء لم يكن خبرا " نحو : بحسبك زيد " ، ( وكفى بالله شهيدا ) " وألقى بيده " أي : حسبك زيد وكفى بالله شهيدا وألقى يده .
أو كان خبرا ولكن لا في الاستفهام والنفي ، نحو : حسبك بزيد .
" واللام للاختصاص " بملكية نحو ( المال لزيد ) وبلا ملكية نحو : ( الجلّ
$[2/325]
للفرس ) .
" والتعليل " أي : لبيان علة شيء ذهنا نحو ( ضربت للتأديب ) أو خارجا نحو ( خرجت لمخافتك ) .
" وبمعنى ( عن ) مع القول " نحو ( قلت لزيد إنه لم يفعل الشر ، أي : قلت عنه وزائدة نحو ( ردف لكم ) أي : ردفكم .
" وبمعنى الواو في القسم للتعجب " نحو : لله لا يؤخر الأجل .
وإنما يستعمل في الأمور العظام فلا يقال : لله لقد طار الذباب .
" و ( ربّ ) للتقليل " أي : لإنشاء التقليل " و " لهذا وجب " لها صدر الكلام " كما أن ( كم ) وجب لها صدر الكلام لكونها لإنشاء الكثير .
" مختصة بنكرة " لعدم احتياجها إلى المعرفة .
" موصوفة " ليتحقق التقليل الذي هو مدلول ( رب ) لأنه إذا وصف الشيء صار أخصّ وأقلّ مما لم يوصف .
واشتراط كونها موصوفة إنما هو " على " المذهب " الأصح " وهذا مذهب أبي
$[2/326]
علي ومن وافقه .
وقيل : لا يجب ذلك .
والمختار عند المصنف الوجوب .
وهذا الذي ذكره من التقليل أصلها ، ثم يستعمل في معنى التكثير كالحقيقة وفي التقليل كالمجاز المحتاج إلى القرينة .
" وفعلها " أي : فعل ( رب ) يعني الذي تعلق به ( رب ) " ماض " لأنها للتقليل المحقق ، ولا يتصور ذلك إلا في الماضي ، نحو ( رب رجل كريم لقيته ) أو : ( رب رجل كريم لم أفارقه ) .
" محذوف " أي : ذلك الفعل الماضي .
" غالبا " أي : في غالب الاستعمالات ، لوجود القرائن نحو ( ربّ رجل كريم ) أي : لقيته .
$[2/327](1/436)
" وقد تدخل " أي : ( رب ) " على مضمر مبهم " لا مرجع له " مميز بنكرة منصوبة " على التمييز " والضمير مفرد " وإن كان المميز مثنى أو مجموعا " مذكر " وإن كان المميز مؤنثا ، نحو ( ربة رجلا ، أو رجلين ، أو رجالا ، أو امرأة ، أو امرأتين ، أو نساء ) .
" خلافا للكوفيين في مطابقة التمييز " في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ، فإنهم يقولون : ( ربه رجلا ، وربهما رجالا وربها امرأة وربهما امرأتين ، وربهن نساء ) .
" وتلحقها " أي : ( رب ) " ( ما ) الكافة " أي : المانعة عن العمل " فتدخل " بعد لحوق ( ما ) " على الجمل " نحو : ( ربما يود الذي كفروا ) .
وقد تكون ( ما ) زائدة فتدخل على الاسم ، وتجره نحو :
ربّما ضربة بسيف صقيل ... ... بين بصرى وطعنة نجلاء
" وواها " أي : واوها ( رب ) في حكمها " تدخل على نكرة موصوفة " مثل :
$[2/328]
وبلدة ليس بها أنيس ... ... إلا اليعافير وإلا العيس
وهذه الواو للعطف عند سيبويه وليست بجارة .
فإن لم تكن في أول الكلام فكونها للعطف ظاهر ، وإن كانت في أوله فيقدر له معطوف عليه .
وعند الكوفيون إنها حرف عطف ثم صارت قائمة مقام ( رب ) جارة بنفسها لصيرورتها بمعنى ( رب ) فلا يقدرون له معطوفا عليه لأن ذلك تعسّف .
" وواو القسم إنما تكون عند حذف الفعل " أي : فعل القسم ، فلا يقال : ( أقسمت بالله ) وذلك لكثرة استعمالها في القسم فهي أكثر استعمالا من أصلها ، أعني : الباء .
$[2/329]
" لغير السؤال " يعني : لا تستعمل الواو في السؤال ، فلا يقال : والله أخبرني ؟
كما يقال : بالله أخبرني ؟ حطا للواو عن درجة الباء .
" مختصة بالظاهر " يعني : الواو مختصة بالاسم الظاهر ، سواء كان الاسم الظاهر اسم الله أو غيره فلا يقال : وك لأفعلن ، مثلا بل يقال ( والله ، أو رب الكعبة ) وذلك الاختصاص أيضاً لحط رتبته عن رتبة الأصل - وهو الباء - بتخصيصه بأحد القسمين ، وخص الظاهر لأصالته .(1/437)
" والتاء مثلها " أي : مثل الواو في اشتراطها بحذف الفعل وكونها لغير السؤال " مختصة باسم الله " من الأسماء الظاهرة حطا لمرتبتها عن مرتبة أصلها الذي هو الواو ، بتخصيصها ببعض المظهر ، وخص منه ما هو أصل في باب القسم وهو اسم الله تعالى .
" والباء أعم منهما " أي : من الواو والتاء " في الجميع " أي : في جميع ما ذكر من حذف الفعل وكونهما لغير السؤال والدخول على المظهر مطلقا ، أو على اسم الله خاصة فهي كما تكون عند حذف الفعل تكون عند ذكره ، نحو : ( بالله ،
$[2/330]
وأقسم بالله ) وكما تكون لغير السؤال تكون للسؤال أيضاً نحو ( بالله لأفعلنّ ) و ( بالله أجلس ) .
وكما تدخل على المظهر تدخل على المضمر ، نحو ( بالله لأفعلن ) و ( بك لأفعلن ) وفي الدخول على المظهر لا تختص باسم الله خاصة ، نحو ( بالرحمن لأفعلنّ ) بخلافهما فإنهما مختصان ببعض هذه الأمور ، كما عرفت .
فالمراد بالجميع : جمع ما ذكر من الأمور المختصة لا الاختصاص فلا يرد أنه لا يصح أن يقال : الباء توجد مع الاختصاص وبدونه لمكان التنافي .
" ويتلقى " أي : يجاب " القسم " الذي لغير السؤال " باللام ، و ( إنّ ) وحرف النفي " ( ما ) أو ( لا ) .
فاللام في الموجبة الاسمية نحو ( والله لزيد قائم ) والفعلية ، نحو ( والله لأفعلن ) كذا و ( إنّ ) فيها ، أي : في الاسمية ، نحو : ( الله إن زيدا لقائم ) .
و ( ما ) و ( لا ) في المنفية اسمية كانت أو فعلية نحو ( والله ما زيد بقائم ، ولا يقوم زيد ) .
وقد يحذف حرف النفي لوجود القرينة كقوله تعالى { تالله تفتؤ تذكر يوسف } أي : لا تفتؤ تذكر .
وأما قسم السؤال فلا يتلقى إلا بما فيه من معنى الطلب ، نحو : ( بالله أخبرني ؟ ) و ( بالله هو قام زيد ؟ ) .
" و " قد " يحذف جوابه " أي : جواب القسم " إذا اعترض " أي : توسط
$[2/331]
القسم بين أجزاء الجملة التي تدل على جواب القسم .(1/438)
" أو تقدمه " أي : القسم " ما يدلّ عليه " أي : على جوابه نحو : ( زيد والله قائم ) و ( زيد قائم والله ) لاستغنائه عن الجواب في هاتين الصورتين لوجود ما يدل عليه .
والجملة المذكورة وإن كان جوابا للقسم بحسب المعنى ، لكنه بحسب اللفظ لا يسمى إلا الدال على الجواب لا الجواب ولهذا لا يجب فيها علامة جواب القسم .
" و ( عن ) للمجاوزة " أي : لمجاوزة شيء وتعديته عن شيء آخر وذلك إما بزواله عن الشيء الثاني ووصوله إلى الثالث ، نحو : ( رميت السهم عن القوس إلى الصيد ) أو بالوصول وحده نحو : ( أخذت عنه العلم ) أو بالزوال وحده نحو : ( أديت عنه الدين ) .
" و ( على ) للاستعلاء " أي : لاستعلاء شيء على شيء نحو ( زيد على السطح ) و ( عليه دين ) .
" وقد يكونان " أي : عن ، وعلى " اسمين " يعلم ذلك " بدخول ( من ) عليهما " نحو ( من عن يميني ) أي : من جانب يميني ، و ( من عليه ) أي : من فوقه .
" والكاف للتشبيه " نحو ( زيد كالأسد ) " وزائدة " نحو ( ليس كمثله
$[2/332]
شيء ) إذا التقدير : ليس مثله شيء ، على بعض الوجوه .
" وقد تكون " أي : الكاف " اسما " بمعنى ( مثل ) ، نحو :
* يضحكن عن كالبرد المنهمّ *
أي : عن أسنان مثل البرد الذائب للطافته .
" وتختص " أي : الكاف " بالظاهر " أي : بالاسم الظاهر عند الجمهور ، فلا يقال ( كه ) استغناء عنه بمثل ونحوه .
وقد تدخل في السعة على المرفوع نحو ( ما أنا كأنت ) " خلافا للمبرد " فإنه أجاز ذلك مطلقا ، نظرا إلى ما جاء في بعض أشعارهم .
$[2/333](1/439)
" ومذ ومنذ " للزمان الماضي أو الحاضر فهما " للابتداء في " الزمان " الماضي " يعني : إذا أريد بهما الزمان الماضي فالمراد أن مبدأ زمان الفعل المثبت أو المنفي هو ذلك الزمان الماضي الذي أريد بهما لا جميعه كا إذا قلت : سافرت من البلد مذ سنة كذا ، أو ما رأيت فلانا مذ سنة كذا ، بشرط أن تكون هذه السنة ماضية ، لا تكون أنت فيها ، فإن معناه حينئذ : أن مبدأ مسافرتي ، أو عدم رؤيتي كان هذه السنة وامتدّ إلى الآن .
" والظرفية " عطف على الابتداء أي : وهما للظرفية المحضة من غير اعتبار معنى الابتداء " في " الزمان " الحاضر " أي : الذي اعتبرته حاضرا ، فالمراد أن جميع زمان الفعل هو ذلك الزمان الحاضر " نحو ( ما رأيته مذ شهرنا ، ومذ يومنا ) " أي : جميع زمان انتفاء رؤيتنا هو هذا الشهر أو اليوم الحاضر عندنا ، لأنهما لم ينقضيا بعد ، ولم يمتد زمان الفعل إلى ما ورائهما فكيف يصح اعتبارهما مبدأ زمان الفعل ؟ .
$[2/334]
فالمثالان المذكوران كلاهما للظرفية ، ويمكن أن يجعل الأول مثالا للابتداء كما يتوهم بحسب الظاهر ، لكن بتقدير مضاف ، أي : ما رأيته مذ دخول شهرنا .
" وحاشا وعدا وخلا للاستثناء " أي : لاستثناء ما بعدها عما قبلها فإذا جررت بها ما بعدها تكون حروفا جارة ، وبهذا الاعتبار ذكرت هاهنا ، نحو ( جاءني القوم حاشا زيد ، وعدا زيد ، وخلا زيد ) وإذا نصبت تكون أفعالا .
$[2/335]
" ( الحروف المشبهة بالفعل ) "
وجه شبهها به ، إما لفظا فلانقسامها كالفعل إلى الثلاثي الرباعي والخماسي ولبنائها على الفتح مثله .
وإما معنى فلأن معانيها معاني الأفعال ، مثل : أكّدت ، وشبّهت ، واستدركت وتمنيت وترجيت .(1/440)
وكان المناسب أن يعبر عنها بالأحرف المشبهة ، على صيغة جمع القلة ، لكونها ستة ، لكنهم لما عبروا عن الحروف الجارة والعاطفة مثلا بصيغة جمع الكثرة لم يستحسنوا تغيير الأسلوب ، مع شيوع استعمال كل من صيغتي جمع القلة والكثرة مع الأخرى ، على أنها إذا لوحظت مع فروعها الحاصلة بتخفيف نوناتها ، ولغات ( لعلّ ) تبلغ مبلغ جمع الكثرة .
" وهي ( إنّ ، وأنّ ، وكأنّ ، ولكنّ ، وليت ، ولعلّ " أخرهما لكونهما للإنشاء بخلاف الأربعة السابقة .
" لها " أي : لهذه الحروف " صدر الكلام " وجوبا ليعلم من أول الأمر أنه أيّ قسم من أقسام الكلام ، إذ كل منها يدل على قسم منه ، كالكلام المؤكد والمشتمل على التشبيه والاستدراك والتمني والترجي .
" سوى ( أنّ ) " المفتوحة " فهي بعكسها " أي : بعكس باقيها ، على حذف المضاف ، بأن تقتضي عدم الصدارة لأنها مع اسمها وخبرها في تأويل المفرد ، فلا بد لها من التعلق بشيء آخر حتى يتم كلاما ، وحينئذ لو وقعت في الصدر اشتبهت بـ ( إنّ ) المكسورة في صورة الكتابة .
$[2/336]
وإنما حملنا العكس على اقتضاء عدم الصدارة لا على عدم اقتضاء الصدارة لأن مجرد الاستثناء يكفي في ذلك .
" وتلحقها " أي : هذه الحروف " ما " الكافة " فتلغي " أي : تعزل هذه الحروف عن العمل لمكان ( ما ) الكافة " على الأفصح " أي : على أفصح اللغات ، مثل ( إنما زيد قائم ) .
وقد تعمل على غير الأفصح كما وقع في بعض أشعارهم .
" وتدخل " هذه الحروف " حينئذ " أي : حين إذ تلحقها ( ما ) .
" على الأفعال " لأن ( ما ) الكافة أخرجتها عن العمل فلا يلزم أن يكون مدخولها صالحا للعمل .(1/441)
" فإنّ " المكسورة " لا تغيّر معنى الجملة " ولا تخرجها عن كونها جملة فإذا قلت : ( إنّ زيدا قائم ) أفدت ما أفدت بقولك : ( زيد قائم ) مع زيادة التأكيد " وأنّ " المفتوحة " مع جملتها " أي : مع اسمها وخبرها سماها جملة باعتبار ما كانت عليه قبل دخولها عليهما " في حكم المفرد ، ومن ثمة " أي : ومن أجل الفرق المذكور " وجب الكسر في موضع الجمل " أي : في موضع يقتضي الجمل " و " وجب " الفتح
$[2/337]
في موضع المفرد " أي : في موضع يقتضي المفرد .
" فكسرت " أن " ابتداء " أي : في ابتداء الكلام لكونه موضع الجملة ، نحو ( إنّ زيدا قائم ) " و " كسرت أيضاً " بعد القول " وما يشتق منه ، لأن مقول القول لا يكون إلا جملة ، نحو ( قال زيد : إنّ عمرا قائم ) " و " كسرت أيضاً " بعد " الاسم " الموصول " لأن صلة الموصول لا تكون إلا جملة نحو : ( جاءني الذي إنّ أباه قائم ) .
" وفتحت " ( أنّ ) حال كونها مع جملتها " فاعلة " نحو ( بلغني أنّ زيدا عالم ) لوجوب كون الفاعل مفردا .
" و " حال كونها مع جملتها " مفعولة " نحو ( كرهت أنّ زيدا شاعرا ) لوجوب كون المفعول مفردا .
" و " حال كونها مع جملتها " مبتدأة " نحو : ( عندي أنّك فاضل ) ، لوجوب كون المبتدأ مفردا .
" و " حال كونها مع جملتها " مضافا إليها " نحو ( أعجبني اشتهار أنّك عالم ) لوجوب كون المضاف إليه مفردا .
" وقالوا : ( لولاك أنك ) " بفتح الهمزة بعد ( لولا ) الامتناعية " لأنه " أي :
$[2/338]
ما بعد ( لولا ) الامتناعية " مبتدأ " وكون المبتدأ مفردا واجب نحو ( لولا أنك منطلق انطلقت ) وكذلك بعد ( لولا ) التحضيضية لأنها مع اسمها وخبرها بعدها معمول للفعل الواجب دخول ( لولا ) التحضيضية عليه نحو : ( لولا أنّي معا لك زعمت ) أي : لولا زعمت أن معاد لك و ( لولا أنك ضربتني ) أي : لولا صدر الضرب منك .(1/442)
" و " كذلك قالوا : ( لو أنّك ) " بفتح الهمزة " لأنه " أي : ما بعد ( لو ) " فاعل " لفعل محذوف والفاعل يجب أن يكون مفردا : نحو ( لو أنّك قائم أي : لو وقع قيامك ) .
" فإن جاز " في موضع " التقديران " أي : تقدير المفرد وتقدير الجملة " جاز الأمران " أي : الفتح والكسر في ( أن ) الفتح على تقدير جعل ( أن ) مع اسمها وخبرها مفردا ، والكسر على تقدير جعلها معهما جملة " مثل ( من يكرمني فإني أكرمه ) " مما وقع بعد الفاء الجزائية .
$[2/339]
فإن كان المراد : من يكرمني فأنا أكرمه ، وجب الكسر لأنها وقعت في موضع الجملة ، وإن كان المراد : من يكرمني فجزاؤه أني أكرمه ، أو إكرامي ثابت له ، وجب الفتح لأنها وقعت في موضع المفرد ، لأنها إما مبتدأ أو خبر مبتدأ .
" و " مثل قول الشاعر :
* إذا إنّه عبد القفا واللّهازم " *
مما وقعت فيها الكسر على أنها مع اسمها وخبرها جملة واقعة بعد ( إذا ) المفاجأة والفتح على أنهما معهما مبتدأ محذوف الخبر ، أي : إذا عبوديته للقفا واللهازم ثابتة .
وتمام البيت :
وكنت أرى زيدا - كما قيل _ سيّدا ... ... إذا إنّه عبد للقفا واللّهازم
قوله ( أرى ) على صيغة المجهول بمعنى ( أظن ) و ( زيدا ) مفعوله الثاني و ( سيدا ) مفعوله الثالث و ( كما قيل ) معترضة .
ومعنى كونه عبد القفا واللهازم : أنه لئيم يخدم قفاه ولهازمه ، أي : همته أن يأكل ليعظم قفاه ولهازمه .
واللهزمتان : عظمان ناتئان في اللحيين تحت الأذنين ، جمعهما بإرادة ما فوق الواحد ، أو بإرادتهما مع حواليهما تغليبا .
" وشبهه " بالجر عطف على ( إذا إنه عبد القفا الخ ) .
أي : مثل ( إذ إنه عبد القفا ) ومثل شبهه .
$[2/340]
وما وجد ذلك في كثير من النسخ .
فمن جملة أشباهه قولهم : ( أو ما أقول إني أحمد الله ) فإن جعلت ( ما ) موصولة أو موصوفة كان حاصل المعنى : أو مقولاتي ، تعين الكسر ، لأن أول المقولات أني أحمد الله لا المعنى المصدري .(1/443)
فإن المعنى المصدري أعني : الحمد ، قول خاص وليس من جنس المقولات وإن جعلت ( ما ) مصدرية كان حاصل المعنى : أول أقوالي ، تعين الفتح ، لأن أول الأقوال هو المعنى المصدري الذي هو معنى ( أن ) المفتوحة مع جملتها لا ما هو من جنس المقول .
" ولـ ذلك " أي : لأجل أن ( إنّ ) المكسورة لا تغير معنى الجملة كان اسمها المنصوب في محل الرفع ، لأنها في حكم العدم ، إذ فائدتها التأكيد فقط .
" جاز العطف على " محل " اسم " ( إنّ ) " المكسورة " من جهة أنه في محل الرفع سواء كان المكسورة مكسورة " لفظا أو حكما بالرفع " بأن تكون المفتوحة في حكم
$[2/341]
المكسورة كما إذا وقعت بعد ( العلم ) مثل ( إنّ زيدا قائم وعمرو ) و ( علمت أنّ زيدا قائم وعمرو ) فـ ( أن ) في هذا المثال وإن كانت مفتوحة لفظا فهي مكسورة حكما ، حيث تكون مع ما عملت فيه بتأويل الجملة ، فصح أن يرفع المعطوف على اسمها حملا على محله " دون ( أن ! ) المفتوحة " فإنه لم يجز العطف على محل اسمها بالرفع فإنها لما غيرت معنى الجملة لا يصح فرض عدمها .
" ويشترط " في العطف على اسم ( إنّ ) المكسورة بالرفع " مضي الخبر " أي : ذكر خبرها قبل المعطوف " لفظا " مثل ( إنّ زيدا قائم وعمرو ) " أو تقديرا " مثل ( إنّ زيدا وعمرو قائم ) أي : إن زيدا قائم وعمرو قائم ، لأنه لو لم يمض الخبر قبله لا لفظا ولا تقديرا لزم اجتماع عاملين على إعراب واحد ، مثل ( إنّ زيدا وعمروا ذاهبان ) فإنه لا شك أن ( ذاهبان ) خبر عن كل من المعطوف والمعطوف عليه .
فمن حيث إنّه خبر عن اسم ( إن ) يكون العامل في رفعه ( إنّ ) ومن حيث إنّه خبر المعطوف على اسمه يكون العامل في رفعه الابتداء ، فيلزم اجتماع عاملين أعني ( إنّ ) والابتداء على رفعه وهو باطل " خلافا للكوفيين " فإنهم لا يشترطون
$[2/342](1/444)
في صحة هذا العطف مضي الخبر ، فإن ( إنّ ) عندهم لا تعمل في الاسم ، والخبر مرفوع بالابتداء كما كان قبل دخول ( إن ) عليه . فلا يلزم اجتماع عاملين على إعراب واحد .
" ولا أثر لكونه " أي : لكون اسم ( إنّ ) " مبنيا " في جواز العطف على محل اسم ( إن ) قبل مضي الخبر عند الجمهور ، فلا يجوز عندهم ( إنّك وزيد ذاهبان ) كما أنه لا يجوز ( إن زيدا وعمرو ذاهبان ) .
فإن المحذور المذكور مشترك بينهما " خلافا للمبرد الكسائي " فإنهما يجوزان في مثل ( إنك وزيد ذاهبان ) العطف على محل اسم ( إن ) بلا مضي الخبر فإنه لما لم يظهر عمل ( إن ) في اسمهما بواسطة بنائه ، فكأنهما لم تعمل فيه ، فلا يلزم المحذور المذكور .
" ( ولكنّ ) " في جواز العطف على محل اسمه " كذلك " أي : مثل ( إن ) لأنه لا يغير معنى الجملة عما كانت عليه قبل دخوله .
فإن معناه الاستدراك ، وهو لا ينافي المعنى الأصلي ، كما أنه لا ينافيه التأكيد ، فيجوز اعتبار محل اسمه وعطف شيء عليه بالرفع مثل ( إن ) المكسورة كما تقول : ( لم يخرج زيد ولكن عمرا خارج وبكر ) ولا يجوز في سائر الحروف المشبهة بالفعل العطف على محل اسمها لعدم بقاء المعنى الأصلي فيها ، فلا يعتبر محل اسمها .
" و " أيضاً " لذلك " أي : لأجل أن ( إنّ ) المكسورة لا تغير معنى الجملة والمفتوحة تغيره " دخلت اللام " التي هي لتأكيد معنى الجملة " مع المكسورة " التي هي أيضاً لذلك
$[2/343]
التأكيد .
" دونها " أي : دون المفتوحة ، لكونها بمعنى المفرد ، فلا يجتمع معها ما هو لتأكيد معنى الجملة " على الخبر " متعلق بـ ( دخلت ) أي : دخلت اللام مع المكسورة على الخبر ، أي : على خبرها ، نحو ( إن زيدا لقائم ) .
" أو " دخلت " على الاسم " أي : على اسمها " إذا فصل بينه " أي : بين الاسم " وبينها " أي : بين ( إن ) نحو ( إنّ في الدار لزيدا ) .(1/445)
" أو " دخلت " على الاسم " أي : على اسمها " إذا فصل بينه " أي : بين الاسم " وبينها " أي : بين ( إن ) نحو ( إنّ في الدار لزيدا ) .
" أو " دخلت " على ما " وقع " بينهما " أي : بين اسمها وخبرها ، نحو ( إن زيدا لطعامك آكل ) .
وإنما خص دخول اللام بهذه الصور ، لأن فيما عداها يلزم توالي حرفي التأكيد والابتداء - أعني - : ( إنّ ) المكسورة واللام - وهم كرهوا ذلك ، واختاروا تقديم ( إنّ ) دون اللام ترجيحا للعامل على ما ليس بعامل .
" و " دخول اللام " في ( لكن ) " على اسمها أو خبرها أو على ما بينهما " ضعيف " لأنها وإن لم تغير معنى الجملة لكن لا توافق اللام مثل ( إنّ ) في معناه الذي هو التأكيد .
وقد جاء مع ضعفه في قول الشاعر :
* ولكنني من حبّها لعميد *
$[2/344]
" وتخفف " ( إنّ ) " المكسورة " لثقل التشديد وكثرة الاستعمال " فيلزمها " بعد التخفيف " اللام ، و " حينئذ " يجوز إلغاؤها " أي : إبطال عملها ، وهو الغالب ، لغوات بعض وجوه مشابهتها مع الفعل ، كفتح الآخر ، وكونها على ثلاثة أحرف ، كما يجوز إعمالها على ما هو الأصل ، ولهذا لم يذكره صريحا .
واللام على كلا التقديرين لازم لها .
أما في الإلغاء فللفرق بين المخففة والنافية في مثل ( إن زيد قائم ) و ( إن زيد لقائم ) .
$[2/345]
وأما في الأعمال فلطرد الباب ، ولأن كثيراً من الأسماء لا يظهر فيه إعراب لفظي لكون إعرابه تقديريا ، أو لكونه مبنيا .
وهذا خلاف مذهب سيبويه وسائر النحاة ، فإنهم قالوا : عند الإعمال لا يلزمها اللام لحصول الفرق بالعمل .(1/446)
" ويجوز دخولها " أي : دخول ( إن ) المخففة " على فعل من أفعال المبتدأ " أي : من الأفعال التي هي من دواخل المبتدأ والخبر ، لا غير ، مثل : كان ، وظن ، وأخواتها ، لأن الأصل دخولها عليهما ، فإذا فات ذلك اشترط أن لا يفوت دخولها على ما يقتضي المبتدأ والخبر ، رعاية للأصل بحسب الإمكان كقوله تعالى : { وإن كانت لكبيرة } و { إن نظنّك لمن الكاذبين } .
" خلافا للكوفيين في التعميم " أي : تعميم الدخول وعدم تخصيصه بدواخل
$[2/346]
المبتدأ والخبر ، لا في أصل الدخول على الفعل ، لأنه متفق عليه .
فالكوفيون خالفوا البصريين في تجويز دخولها على غير دواخلهما متمسكين بقول الشاعر :
بالله ربك إن قتلت لمسلما ... ... وجبت عليك عقوبة المتعمد
وهو شاذ عن البصريين .
" وتخفف المفتوحة " كالمكسورة " فتعمل " عند التخفيف على سبيل الوجوب " في ضمير الشأن مقدر " والسبب في تقديره أن مشابهة المفتوحة بالفعل أكثر من مشابهته المكسورة به ، كما سبق ، وإعمال المكسورة ، بعد تخفيفها في سعة الكلام واقع ، كقوله تعالى : { وإن كلا لما ليوفينهم } وإعمال المفتوحة بعد تخفيفها لم يقع في
$[2/347]
سعة الكلام ، ويلزم منه بحسب الظاهر ترجيح الأضعف على الأقوى وذلك غير جائر فقدروا ضمير الشأن حتى يكون اسما للمفتوحة بعد تخفيفها والجملة المفسرة لضمير الشأن خبرا لها ، فتكون عاملة في المبتدأ والخبر كما كانت في الأصل .
فهي لا تزال عاملة بخلاف المكسورة فإنها قد تكون عاملة وقد لا تكون .
والعمل في الظاهر وإن كان أقوى من العمل في المقدر لكن دوام العمل في المقدر يقاوم العمل في الظاهر في وقت دون وقت ، فلا يلزم ترجيح الأضعف على الأقوى .
" فتدخل " أي : المفتوحة " على الجمل " الصالحة لأن تكون مفسرة لضمير الشأن " مطلقا " سواء كانت اسمية أو فعلية داخلا فعلها على المبتدأ والخبر أو غير داخل .(1/447)
" وشذ أعمالها " أي : أعمال المفتوحة المخففة " في غيره " أي : في غير ضمير الشأن ، ولكنه قد حكى بعض أهل اللغة أعمالها في المضمر في السعة نحو قولهم ( أظن أنك قائم ) و ( أحسب أنه ذاهب ) .
وهذه رواية شاذة غير معروفة .
وأما في الضرورة فجاء في المضمر فقط .
قال الشاعر :
فلو أنك في يوم الرخاء سألتني ... ... فراقك لم أبخل وأنت صديق
$[2/348]
" ويلزمها " أي : المفتوحة المخففة حال كونها مقرونة " مع الفعل " أي : الفعل المتصرف ، بخلاف غير المتصرف ، مثل { أن ليس للإنسان إلا ما سعى } ، و { أن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم } .
" السين " نحو : { علم أن سيكون منكم مرضى } .
" أو سوف " كقول الشاعر :
واعلم فعلم المرء ينفعه ... ... أن سوف يأتي كل ما قدرا
" أو قد " نحو : { ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم } .
ولزوم هذه الأمور الثلاثة للفرق بين المخففة وبين ( أن ) المصدرية الناصبة ، وليكون كالعوض من النون المحذوفة .
" أو حرف النفي " نحو : { أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا } .
وليس لزوم حرف النفي إلا ليكون من النون المحذوفة .
فإنه لا يحصل بمجرده الفرق بين المخففة والمصدرية ، فإنه يجتمع مع كل منهما .
فالفارق بينهما ، إمّا من حيث المعنى ، لأنه إن عني به الاستقبال فهي المخففة وإلا فهي المصدرية .
وإما من حيث اللفظ ، لأنه إن كان الفعل المنفي منصوبا فهي المصدرية وإلا فهي المخففة .
$[2/349]
" وكأنّ للتشبيه " أي : لإنشائه .
وهي حرف برأسه على الصحيح حملا على أخواتها ، ولأن الأصل عدم التركيب ومذهب الخليل أنها مركبة من الكاف و ( إنّ ) المكسورة وأصل ( كأن زيدا الأسد ) : إنّ زيدا كالأسد ، قدمت الكاف ليعلم إنشاء التشبيه من أول الأمر .
وفتحت الهمزة ، لأن الكاف في الأصل جارة ، وإن خرجت عن حكم الجارة .
والجارة إنما تدخل على المفرد ، فراعوا الصورة ، وفتحوا الهمزة ، وإن كان المعنى على الكسر .(1/448)
" وتخفف " أي : كأنّ " فتلغى " عن العمل " على " الاستعمال " الأفصح " لخروجها عن المشابهة لفوات فتحة الآخر ، كقول الشاعر :
ونحر مشرق اللون ... ... كأن ثدياه حقّان
وإن أعملتها قلت : كأن ثدييه ، لكنه على الاستعمال الغير الأفصح ، لما عرفت .
وإذا لم تعملها لفظا ففيها ضمير الشأن مقدر عندهم ، كما في ( أن ) المخففة .
ويجوز أن يقال : غير مقدر بعدها الضمير ، لعدم الداعي إليه كما كان في ( أن ) المخففة .
$[2/350]
" ولكنّ " وهي عند البصريين مفردة .
وقال الكوفيون هي مركبة من ( لا وإنّ ) المكسورة المصدرة بالكاف الزائدة وأصله ( لا كإنّ ) فنقلت كسرة الهمزة إلى الكاف وحذفت الهمزة .
فكلمة ( لا ) تفيد إن ما بعدها ليس كما قبلها ، بل هو مخالف له نفيا وإثباتا ، وكلمة ( إنّ ) تحقق مضمون ما بعدها .
" للاستدراك "
ومعنى الاستدراك ، رفع توهم يتولد من كلام متقدم .
فإذا قلت : ( جاءني زيد ) فكأنه توهم أن عمار أيضاً جاءك ، لما بينهما من الألفة ، فرفعت ذلك التوهم بقولك : ( لكنّ عمرا لم يجيء ) .
" تتوسط " أي : لكنّ " بين كلامين متغايرين " نفيا وإثباتا .
" معنى " أي : تغايرا معنويا .
والضروري هو المعنوي ولهذا اقتصر عليه .
واللفظي قد يكون النفي صريحا نحو ( جاءني زيد لكن عمرا لم يجيء ) وقد لا يكون ، نحو : ( زيد حاضر لكن عمرا غائب ) .
" وتخفف " أي : لكن " فتلغى " عن العمل لخروجها عن المشابهة .
وأشبهت العاطفة لفظا ومعنى فأجريت مجراها بخلاف ( إنّ ، وأنّ ) المخففتين فإنه لي لهما ما أجريتا عليه .
وفي بعض النسخ ( على الأكثر ) وكأنه إشارة إلى ما جاء عن يونس
$[2/351]
والأخفش أنه يجوز إعمالها قياسا على أخواتها المخففة .
وقال الشارح الرضي : ولا أعرف له شاها .
" ويجوز معها " مشددة ومخففة " الواو " وهي إمّا لعطف الجملة على الجملة وإمّا اعتراضية .
وجعل الشارح الرضي : الأخير أظهر .(1/449)
" وليت للتمني " أي : لإنشائه فتدخل على الممكن ، نحو ( ليت زيدا قائم ) ، وعلى المستحيل نحو :
ألا ليت الشباب يعود يوما ... ... فأخبره بما فعل المشيب
" وأجاز الفراء : ليت زيدا قائما " بنصب المعمولين بناء على أن ( ليت ) للتمني ، فكأنه قيل : أتمنى زيدا قائما ، أي : أتمناه كائنا على صفة القيام .
فالجزآن منصوبان على المفعولين بمعنى ( ليت ) .
وأجاز الكسائي نصب الجزء الثاني بتقدير ( كأن ) ومتمسكها قول الشاعر :
$[2/352]
* يا ليت أيام الصبا رواجعا *
فالفراء يقول : معناه : أتمنى أيام الصباح رواجعا ، والكسائي يقول : أي ليت أيام الصبا كانت رواجعا .
فالمحققون : على أن ( رواجعا ) منصوب على أنه حال من الضمير المستكن في خبرها لمحذوف ، أي : ليت أيام الصبا لنا كائنة حال كونها راجعة .
" ( ولعلّ ) للترجي " أي : لإنشائه ولا يدخل على المستحيل .
ومعناه توقع أمر مرجو ، أو مخوف كقوله تعالى : ( لعلكم تفلحون ) و ( لعلّ الساعة قريب ) .
$[2/353]
والغالب هو الأول .
" وشذ الجر بها " أي : بكلمة ( لعل ) كما جاء في اللغة العقيلية .
وأنشد السيرافي في ذلك :
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ... ... فلم يستجبه عند ذاك مجب
فقلت ادع أخرى وارفع الصوت دعوة ... ... لعل أبي المغوار منك قريب
وأجيب عنه : بأنه يحتمل أن يكون على سبيل الحكاية ، كذا قال المصنف في شرحه يعني : أنه وقع مجرورا في موضع آخر ، فالشاعر حكاه على ما كان عليه ، أو كان اشتهر ذلك الرجل بأبي المغوار بالياء .
فيجب أن يحكى في الأحوال الثلاث بالياء .
ولعل مراد المصنف - بما ذكر من التأويل - أن هذا البيت يحتمل أن لا يكون من قبيل هذه اللغة الشاذة ، وإلا فلا حاجة إلى التأويل بعدما جزم فيه بوجود الجر بها ، وحكم بشذوذه .
$[2/354]
" ( الحروف العاطفة ) "
العطف في اللغة : الإمالة .
ولما كانت هذه الحروف تميل المعطوف إلى المعطوف عليه سميت عاطفة .(1/450)
" وهي : الواو ، والفاء ، وثم ، وحتى ، وأو ، وإمّا " بكسر الهمزة " وأم ، ولا ، وبل ، ولكن " وعد بعضهم ( أي ) المفسرة منها ، وعند الأكثرين : أنّ ما بعدها عطف بيان لما قبلها ، كما ذهب بعض آخر إلى أن ( بل ) التي بعدها مفرد ، نحو : ( جاءني زيد بل عمرو ) و ( ما جاءني زيد بل عمرو ) ليست منها ، لأن ما بعدها بدل غلط مما قبلها .
وبدل الغلط بدونها غير فصيح ، وأما معها ففصيح مطرد في كلامهم ، لأنها موضوعة لتدارك مثل هذا الغلط .
" فالأربعة الأول للجمع " أي : جمع المعطوف والمعطوف عليه في حكم واحد أعم من أن يكون مطلقا أو مع ترتيب .
ومراد النحاة بالجمع هاهنا : أن لا يكون لأحد الشيئين أو الأشياء كما كانت ( أو ) و ( إمّا ) .
$[2/355]
وليس المراد اجتماع المعطوف والمعطوف عليه في الفعل في زمان أو مكان . فقولك : جاءني زيد ، وعمرو ، أو فعمروا ، أو ثم عمرو ، أو حتى عمرو ، أي : حصل الفعل من كليهما ، لا من أحدهما دون الآخر .
" فالواو للجمع مطلقا ، ولا ترتيب فيها " .
فقوله : ( لا ترتيب فيها ) بيان لإطلاقها ، أي : لا ترتيب فيها بين المعطوف والمعطوف عليه ، بمعنى : أنه لا يفهم هذا الترتيب منها وجودا وعدما .
" والفاء للترتيب " أي : للجمع مع الترتيب بغير مهلة " و ( ثمّ ) مثلها " أي : مثل الفاء في مطلق الترتيب مقرونة " بمهلة " .
" و ( حتى ) مثلها " أي : مثل ( ثمّ ) في الترتيب بمهلة ، غير أن المهلة في ( حتى ) أقل منها في ( ثم ) .
فهي متوسطة بين الفاء التي لا مهلة فيها وبين ( ثم ) المفيدة للمهلة .
" ومعطوفها " أي : المعطوف بـ ( حتى ) بحسب ما اقتضاه وضعها " جزء " قوي أو ضعيف ، من حيث إنّه قويّ أو ضعيف .
" من متبوعه " أي : متبوع معطوفها .
" ليفيد " أي : العطف بها " قوة " في المعطوف " أو ضعفا " أي : ليدل عليها حتى يتميز الجزء بالقوة والضعف عن الكل .
$[2/356](1/451)
فصار كأنه غير فصلح أن تجعل غاية وانتهاء الفعل المتعلق بالكل ، ودلّ انتهاء الفعل إليه على مشموله جميع أجزاء الكل ، نحو : ( مات الناس حتى الأنبياء ) و ( قدم الحاج حتى المشاة ) والفرق بين ( ثمّ ) و ( حتى ) بعد اشتراكهما في الترتيب مع المهلة ، من وجهين :
أحدهما : اشتراط كون المعطوف بـ ( حتى ) جزءا من متبوعه ، ولا يشترط ذلك في ( ثم ) .
وثانيهما : أن المهلة المعتبرة في ( ثم ) إنما هي بحسب الخارج نحو : ( جاءني زيد ثم عمرو ) وفي ( حتى ) بحسب الذهن ، فإن المناسب بحسب الذهن أن يتعلق الموت أولا بغير الأنبياء ، وإن كان موت الأنبياء بحسب الخارج في أثناء سائر الناس وهكذا المناسب في الذهن ، تقدم قدوم ركبان الحاجّ على رجّالتهم وإن كان في بعض الأوقات على عكس ذلك .
ومع هذا يصح أن يقال ( قدم الحاجّ حتى المشاة ) .
واعلم أن الانتهاء بالجزء الأقوى أو الأضعف ، كما يفيد عموم الفعل جميع أجزاء الشيء كذلك الانتهاء بالملاقى للجزء الأخير يفيد ذلك العموم ، كقولك : ( نمت البارحة حتى الصباح ) فإنه يفيد شمول النوم لجميع أجزاء الليلة .
وكذلك استعملت ( حتى ) الجارة في المعنيين جميعا ، إلا أنه لم يأت في العاطفة ما يلاقي الجزء الأخير ، فإن أصل ( حتى ) أن تكون جارة لكثرة استعمالها ، فتكون العاطفة محمولة عندهم على الجارة .
$[2/357]
وإذا كانت محمولة عليها لم يستعملوها في معنييها جميعا ، ليبقى للأصل على الفرع مزية .
وإنما استعملوها في أظهر معنييها ، وهو كون مدخولها جزءا ، لأن اتحاد الأجزاء في تعلق الحكم أعرف في العقل ، وأكثر في الوجود من اتحاد المتجاورين .
هكذا في بعض الشروح ، ومن هذا ظهر وجه اختصاص معطوفها بكونه جزءا من متبوعه ، وعدم الحاجة إلى أن يقال : الجزء أعم من أن يكون حقيقة أو حكما ، ليشمل المجاور أيضا كما وقع في بعض الحواشي .(1/452)
" وأو ، وإمّا ، وأم " كل من هذه الحروف الثلاثة " لأحد الأمرين " أي : للدلالة على أحد الأمرين أو الأمور حال كون ذلك الأحد " مبهما " أي : غير معين عند المتكلم .
ولا يتوهم أن ( أو ) في مثل قوله تعالى : { ولا تطع منهم آثما أو كفورا } لكل من الأمرين لأنها مستعملة لأحد الأمرين على ما هو الأصل فيها .
والعموم مستفاد من وقوع الأحد المبهم في سياق النفي لا من كلمة ( أو ) .
" وأم المتصلة لازمة لهمزة الاستفهام " أي غير مستعملة بدونها .
" يليها " أي : يذكر بعدها بلا فاصلة " أحد المستويين ، و " المستوى " الآخر " يلي " الهمزة " أي : همزة الاستفهام " بعد ثبوت أحدهما " أي : أحد المستويين عند المتكلم .
" لطلب التعيين " من المخاطب .
" ومن ثمة " أي : لأجل أن ( أم ) المتصلة يليها أحد المستويين والآخر
$[2/358]
الهمزة بعد ثبوت أحدهما لطلب التعيين .
" لم يجز " تركيب " ( أرأيت زيدا أم عمرا ؟ ) " فإن المستويين فيه ( زيد وعمرو ) وأحدهما وإن ولي ( أم ) ولكن الآخر لم يل الهمزة .
هذا ما اختاره المصنف .
والمنقول عن سيبويه : إن هذا جائر حسن فصيح ، و ( أزيدا رأيت أم عمرا ؟ ) أحسن وأفصح ، وحينئذ يكون تركيب ( أرأيت زيدا أم عمرا ؟ ) حسنا وفصيحا وإن لم يكن أحسن وأفصح .
وفي الترجمة الشريفية : أنه وجه بعض نسخ الكافية المقروءة على المصنف وعليه خطه هكذا ( يليها أحد المستويين والآخر الهمزة على الأفصح ، ومن ثمة ضعف : أرأيت زيدا أم عمرا ؟ ) .
ولا يخفى أن الحكم بضعفه لتنزيله عن مرتبة الأفصحية إلى الفصيحية غير مناسب لأن ما كان حسنا فصيحا لا يعد ضعيفا .
وبالجملة فكلام المصنف هاهنا لا يخلو عن اضطراب .
والحق ما نقل عن سيبويه .
$[2/359](1/453)
" و " أيضاً " ومن ثمة " أي : من أجل ما ذكر بعينه " كان جوبها " أي : جواب أم المتصلة " بالتعيين " أي : بتعيين أحد الأمرين ، لأن السؤال عند " دون نعم ، أو لا " لأنهما لا يفيدان التعيين ، بخلاف ( أو ) و ( إمّا ) مع الهمزة ، كما إذا قلت : ( أجاءك زيد أو عمرو ؟ ) أو ( أجاءك إما زيد وإمّا عمرو ؟ ) فإنه لا يصح جوابهما بـ ( لا ) و ( نعم ) ، لأن المقصود بالسؤال أن أحدهما لا على التعيين جاءك أو لا .
وقد يجاب بنفي كليهما لاحتمال الخطأ في اعتقاد المتكلم بوجود أحدهما ، فالمشار إليه بـ ( ثمة ) في الموضعين أمر واحد لكنه لما كان مشتملا على شرطين لصحة وقوع ( أم ) المتصلة فرع عليه باعتبار كل واحد منهما حكما آخر .
وجعلها إشارة في كل موضع إلى شرط آخر لا يخلو عن سماجة ، ولو اقتصر على قوله ( ومن ثمة لم يجز ) في أول الكلام وعطف قوله ( كان جوابها بالتعيين ) على قوله ( لم يجز ) وتعلق كل حكم بشرط على طريق اللف والنشر ، لكان أخصر وأحسن كما لا يخفى .
" و " أم " المنقطعة كـ ( بل ) " في الإضراب عن الأول " و " مثل " الهمزة " للشك في الثاني ، والواقع قبلها إما خبر " مثل " قولك : ( إنها لابل أم شاء ؟ ) " أي : أنّ القطعة التي أراها لابل ، وهي جملة خبرية فلما علمت أنها لست بابل أعرضت عن هذه الإخبار ثم شككت في أنها شاء ، أو شيء آخر ، فاستفهمت عنها بقولك : أم
$[2/360]
شاء أي : بل أهي شاء ؟
وإما استفهام كما تقول : أزيد عندك أم عمرو ؟ أي : بل أعمرو .
وحينئذ تقصد الإضراب عن الاستفهام الأول بالاستفهام الثاني .(1/454)
" و ( إما ) قبل المعطوف عليه لازمة مع إما " أي : غير مستعملة إلا معها يعني : إذا عطف شيء على آخر بـ ( إما ) يلزم أن يصدر المعطوف عليه أولا بـ ( إما ) ثم عطف عليه المعطوف بـ ( إما ) نحو ( جاءني إمّا زيد وإمّا عمرو ) ليعلم من أول الأمر أن الكلام مبني على الشك ، " جائزة مع ( أو ) " يعني : إذا عطف شيء على آخر بـ ( أو ) نحو أن يصدر المعطوف عليه بـ ( إما ) نحو ( جاءني إمّا زيد أو عمرو ) ولكن لا يجب نحو ( جاءني زيد أو عمرو ) .
وذهب بعض النحاة إلى أن ( إما ) ليست من الحروف العاطفة ، وإلا لم تقع عليه قبل المعطوف عليه ، وأيضاً يدخل عليها الواو العاطفة .
فلو كانت هي أيضاً للعطف يلزم إيراد عاطفين معا ، ويكون أحدهما لغوا .
والجواب عن الأول أن ( إما ) السابقة على المعطوف عليه ليست بالعطف بل للتنبيه على الشك في أول الكلام ، كما عرفت .
$[2/361]
وعن الثاني : أن الواو الداخلة على ( إما ) الثانية لعطفها على ( إما ) الأولى ، و ( إما الثانية لعطف ما بعدها على ما بعد ( إما ) الأولى ، فلكل منهما فائدة أخرى فلا لغو .
" ولا وبل ولكن " هذه الحروف الثلاثة " لأحدهما معيّنا " أي : لنسبة الحكم من الأمرين المعطوف والمعطوف عليه على التعيين . فكلمة ( لا ) لنفي الحكم الثابت للمعطوف عليه عن المعطوف .
فالحكم هاهنا للمعطوف عليه لا للمعطوف ، نحو ( جاءني زيد لا عمرو ) فحكم المجيء فيه لزيد لا لعمرو .
وكلمة ( بل ) بعد الإثبات لصرف الحكم عن المعطوف عليه إلى المعطوف نحو ( جاءني زيد بل عمرو ) أي : بل جاءني عمرو ، فحكم المجيء فيه للمعطوف دون المعطوف عليه على عكس ( لا ) .
والمعطوف عليه في حكم المسكوت عنه ، فكأنه لم يحكم عليه بشيء ، لا بالمجيء ولا بعدمه .
والإخبار الذي وقع منه لم يكن بطريق القصد ، ولهذا صرف عنه بكلمة ( بل ) وأما كلمة ( بل ) بعد النفي نحو ( ما جاءني زيد بل عمرو ) ففيه خلاف .(1/455)
فذهب بعضهم : إلى أن كلمة ( بل ) لصرف الحكم المنفي من المعطوف عليه إلى المعطوف أي : بل ما جاءني عمرو والمعطوف عليه في حكم المسكوت عنه .
$[2/362]
وبعضهم : إلى أنها تثبت الحكم المنفي عن المعطوف عليه للمعطوف ، والمعطوف عليه في حكم المسكوت عنه أو الحكم منفي عنه .
فمعنى ( ما جاءني زيد بل عمرو ) بل جاءني عمرو و ( زيد ) إما في حكم المسكوت عنه أو المجيء منفي عنه .
" ولكن لازمة للنفي " أي : غير مستعملة بدونه .
فإن كانت لعطف المفرد على المفرد فهي نقيضة ( لا ) فتكون لإيجاب ما انتفى عن الأول فتكون لازمة لنفي الحكم عن الأول ، نحو ( ما قام زيد لكن عمرو ) أي : قام عمرو .
وإن كانت لعطف الجملة على الجملة فهي نظيرة ( بل ) في مجيئها بعد النفي والإثبات .
فبعد النفي لإثبات ما بعدها وبعد الإثبات لنفي ما بعدها نحو : ( جاءني زيد لكن عمرو لم يجيء ) و ( ما جاءني زيد لكن عمرو قد جاء ) فعلى كل تقدير غير مستعملة بدون النفي .
$[2/363]
" ( حروف التنبيه ) "
" ألا ، وأمَا ، وها " .
يصدر بها الجمل كلها حتى لا يغفل المخاطب عن شيء مما يلقى المتكلم إليه .
ولهذا سميت حروف التنبيه ، نحو ( ألا زيد قائم ، وأما زيد قائم ، وها زيد قائم ) .
وتدخل ( ها ) خاصة من المفردات على أسماء الإشارة حتى لا يغفل المخاطب عن الإشارة التي لا يتعين معانيها إلا بها ، نحو : هذا ، وهاتا ، وهذان ، وهاتان ، وهؤلاء .
$[2/364]
" ( حروف النداء ) "
" ( يا ) أعمها " استعمالا ، لأنها تستعمل لنداء القريب والبعيد ، " و ( أيا ) و ( هيا ) للبعيد ، و ( أي ) بفتح الهمزة وسكون الياء ، " والهمزة للقريب " وكأنه أراد بالقريب ما عدا البعيد ، فيدخل فيه المتوسط أيضاً .
فإن القريب ينقسم إلى قريب متصف بأصل القرب من غير زيادة ، وله كلمة ( أي ) وإلى : أقرب متصف بزيادة القرب ، وله الهمزة بخلاف البعيد ، فإنه لم يذكر له مرتبتان .(1/456)
فالقريب بالمعنى المقابل للأقرب هو المتوسط بين كمال البعد وكمال القرب .
$[2/365]
" ( حروف الإيجاب ) "
" نعم ، وبلى ، وإي " بكسر الهمزة وسكون الياء .
" وأجل ، وجير ، وإنّ " بكسر الهمزة وفتح النون المشددة .
ومن بيان معاني تلك الحروف يتبين وجه تسميتها بحروف الإيجاب .
" فـ ( نعم ) مقررة لما سبقها " أي : محققة لمضمونه استفهاما كان ، أو خبرا .
فهي في جواب : أقام زيد ؟ بمعنى : قام زيد ، وفي جواب : ألم يقم زيد ؟ بمعنى : لم يقم زيد .
و ( بلى ) في جواب : ألم يقم زيد ؟ بمعنى : قام زيد .
فمعنى ( بلى ) في جواب : ( ألست بربكم ) أنت ربنا .
ولو قيل في موضع ( بلى ) هاهنا : ( نعم ) لكان كفرا .
فإن معناه حينئذ : لست بربنا .
وقيل : يجوز استعمال ( نعم ) هاهنا بجعلها تصديقا للإثبات المستفاد من إنكار النفي .
وقد اشتهر هذا في العرف .
$[2/366]
فلو قال أحد : يا زيد أليس لي عليك ألف درهم ، وقال زيد : نعم ، يكون إقرار ويقوم مقام ( بلى ) لتقرير الإثبات بعد النفي .
" و ( بلى ) مختصة بإيجاب النفي " يعني : تنقض النفي المتقدم وتجعله إيجابا سواء كان ذلك النفي مجردا عن الاستفهام نحو : بلى ، في جواب من قال : ( ما قام زيد ) أي : قد قام ، أو مقرونا به .
فهي إذن لنقض النفي الذي بعد ذلك الاستفهام ، كقوله تعالى : ( ألست بربكم ؟ قالوا بلى ) أي : بلى أنت ربنا .
وقد جاء على سبيل الشذوذ لتصديق الإيجاب ، كما تقول في جواب : أقام زيد ؟ بلى قام زيد .
" و ( إي ) إثبات بعد الاستفهام " ولا شك في غلبة استعمالها مسبوقة بالاستفهام .
وذكر بعضهم : أنها يجيء لتصديق الخبر أيضاً .
$[2/367]
وذكر ابن مالك : أن ( إي ) بمعنى ( نعم ) وهذا مخالف لما ذكره المصنف .
" ويلزمها القسم " أي : لا تستعمل إلا مع القسم من غير ذكر فعل القسم . فلا يقال : إي أقسمت والله .
ولا يكون المقسم به إلا الرب والله ولعمري .(1/457)
تقول : إي والله ، وإي وربي ، وإي لعمري .
" وأجل ، وجير " بالكسر والفتح " و ( إنّ ) تصديق للمخبر " .
$[2/368]
وفي بعض النسخ ( تصديق للخبر ) كقولك : أجل وجير وإنّ للمخبر : قد أتاك زيد ، أو لم يأتك ، أي : قد أتى ، أو لم يأت .
وجاء ( إن ) لتصديق الدعاء أيضاً ، نحو قول ابن الزبير لمن قال ( لعن الله ناقة حملتني إليك : إن وراكبها ) أي : لعن الله تلك الناقة وراكبها .
وجاء بعد الاستفهام أيضا في قول الشاعر :
ليت شعري هل للمحبّ شفاء ... ... من جوى حبّهن إن اللقاء
أي : نعم اللقاء شفاء للمحب .
فمجيئها في هذين الموضعين خلاف ما ذكره المصنف من كونها تصديقا للمخبر .
$[2/369]
" ( حروف الزيادة ) "
وإنما سميت هذه الحروف زوائد ، لأنها قد تقع زائدة ، لا أنها لا تقع إلا زائدة .
ومعنى كونها زائدة : أن أصل المعنى بدونها لا يختل ، لا أنها لا فائدة لها أصلا .
فإن لها فوائد في كلام العرب ، إما معنوية وإما لفظية .
فالمعنوية : تأكيد المعنى كما في ( من ) الاستغراقية ، والباء في خبر ( ما ) و ( ليس ) .
وأما الفائدة اللفظية : فهي تزيين اللفظ وكونه بزيادتها أفصح ، أو كون الكلمة أو الكلام بسببها مهيئا لاستقامة وزن اشعر ، أو لحسن السجع ، أو لغير ذلك .
ولا يجوز خلوها من الفائدتين معا ، وإلا لعدت عبثا ، ولا يجوز ذلك في كلام الفصحاء ، ولا سيما في كلام الباري سبحانه وتعالى .
" إن ، وأن " مخففتين " وما ، ولا ، ومن ، والباء ، واللام " .
فـ ( إن ) بكسر الهمزة وسكون النون تزاد " مع ( ما ) النافية " كثيراً لتأكيد النفي نحو ( ما إن رأيت زيدا ) أي : ما رأيت زيدا .
$[2/370]
" قلت " أي : زيادة ( إن ) " مع ( ما ) المصدرية " نحو : انتظرني ما إن جلس القاضي ، أي : مدة جلوسه .
" و " قلت : زيادتها أيضاً مع " لمّا " نحو ( لما إن قام زيد قمت ) .
" وأن " بفتح الهمزة وسكون النون تزاد " مع لما " كثيراً نحو ( فلما أن جاء البشير ) .(1/458)
" و " تزاد " بين لوم والقسم " المتقدم عليه نحو ( والله أن لو قام زيد قمت ) .
" وقلت " زيادتها " مع الكاف " نحو :
* كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم *
على تقدير رواية ( ظبية ) بالجر .
$[2/371]
" و ( ما ) " تزاد " مع ( إذا ) " نحو ( إذا ما تخرج أخرج ) بمعنى : إذا تخرج أخرج " و " مع " متى " ( متى ما تذهب أذهب ) .
" و " مع " أي " نحو ( أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) .
" و " مع " أين " نحو ( أينما تجلس أجلس ) " و " مع " إن " نحو : ( إما ترين من البشر أحد ) .
حال كون تلك المذكورات مع ( ما ) " شرطا " أي : أدوات شرط .
" و " مع " بعض حروف الجر " نحو ( فبما رحمة من الله لنت لهم ) و ( مما خطيئاتهم أغرقوا ) و ( عما قليل ) ، وزيد صديقي كما أن عمرا أخي .
" وقلت " زيادة ( ما ) " مع المضاف " نحو ( غضبن من غير ما جرم ) و ( أيما الأجلين قضيت ) .
وقيل ( ما ) فيها كلها نكرة والمجرور بعدها بدل منها .
$[2/372]
" و ( لا ) " أي : كلمة ( لا ) تزاد " مع الواو " العاطفة " بعد النفي " لفظا نحو ( ما جاءني زيد ولا عمرو ) أو معنى ، نحو : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .
" و " تزاد " بعد أن المصدرية " نحو قوله تعالى : ( ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك ) أي : أن تسجد .
" وقلت " زيادة ( لا ) " قبل أقسم " نحو ( لا أقسم بيوم القيامة ) ، و ( لا أقسم بهذا البلد ) .
والسر في زادتها التنبيه على جلاء القضية ، بحيث تستغني عن القسم فتبرز لذلك في صورة نفي القسم .
" وشذت " زيادتها " مع المضاف " كقوله :
* في بئر لا حور سرى ، وما شعر *
أي : في بئر حور
والحور : المهلكة جمع حائر أي : هالك من حار أي : هلك .
" ومن ، والباء ، واللام تقدم ذكرها " مشتملا على ذكر مواضع زيادتها ، فلا حاجة إلى تكرارها .
$[2/373]
***
" ( حرفا التفسير ) "(1/459)
" أي " فهي تفسر كل مبهم من المفرد ، نحو ( جاءني زيد أي : أبو عبدالله ) والجملة كما تقول : ( قطع رزقه ، أي : مات ) .
" وأن " وهي ، أي : أن " مختصة بما في معنى القول " أي : بفعل متقرر في معنى القول تقرر المظروف في الظرف ، غير منفك عنه فلا تقع بعد صريح القول ، ولا بعد ما ليس في معنى القول .
فهي لا تفسر في الأكثر إلا مفعولا مقدرا للفظ غير صريح القول مؤدّ معناه نحو قوله تعالى { وناديناه أن يا إبراهيم } فقوله : ( أن يا إبراهيم ) تفسير لمفعول ( ناديناه ) المقدر ، أي : ناديناه بلفظ قولنا ( يا إبراهيم وكذلك قولك : ( كتبت إليه أن ائت ) أي : كتبت إليه شيئا هو ( ائت ) .
فـ ( إن ) حرف دال على أن ( ائت ) تفسير للمفعول به المقدر لـ ( كتبت ) وقوله تعالى ( ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ) .
فقوله : ( أن اعبدوا الله ) تفسير للضمير في ( به ) وفي ( أمرت ) معنى القول ، وليس تفسيرا لما في قوله ( ما أمرتني ) لأنه مفعول لصريح القول .
وقد يفسر بها المفعول به الظاهر كقوله تعالى { إذ أوحينا إلى أمّك ما يوحى أن اقذفيه في التابوت } .
فقوله ( أن اقذفيه ) تفسير لـ ( ما يوحى ) الذي هو المفعول الظاهر لـ ( أوحينا ) .
$[2/374]
***
" ( حروف المصدر ) "
" ما ، وأن " المفتوحة المخففة ، " وأنّ " المشددة .
" فالأولان " أي : ( ما ، وأن ) المفتوحة المخففة " للفعلية " أي : للجملة الفعلية ، أي : تدخلان على الجملة الفعلية ، فتجعلانها في تأويل المصدر نحو قوله تعالى : { ضاقت عليهم الأرض بما رحبت } أي : برحبها ، بضم الراء ، وهو السعة ، ونحو قولك : ( أعجبني أن خرجت ) أي : خروجك . واختصاص ( ما ) المصدرية بالفعلية إنما هو عند سيبويه وجوز غيره بعدها الاسمية .
قال الشارح الرضي ( وهو الحق وإن كان قليلا ، كما وقع في نهج البلاغة ، ( بقوا في الدنيا ما الدنيا باقية ) .(1/460)
" وأنّ " المفتوحة المشددة " للاسمية " أي : للجملة الاسمية خاصة إلا إذا كفت بـ ( ما ) فيجوز بعدها الاسمية والفعلية .
ومعنى كونها للاسمية أنها تعمل في جزئيتها وتجعلها في تأويل المفرد الذي هو مصدر خبرها ، نحو ( أعجبني أنك قائم ) أي : قيامك أو ما في معناه نحو ( أعجبني أن زيدا أخوك ) أي : أخوّة زيد ، فإن تعذر قدرت الكون ، نحو ( أعجبني أن هذا زيدا ) أي : كونه زيدا .
$[2/375]
***
" ( حروف التحضيض ) "
" هلاّ ، وألاّ " مشدتتين " ولولا ، ولوما لها صدر الكلام " لدلالتها على أحد أنواع الكلام .
فتصدر لتدلّ من أول الأمر على أن الكلام من ذلك النوع .
" ويلزمها الفعل " وفي بعض النسخ ( وتلزم الفعل ) " لفظا " نحو ( هلا ضربت زيدا ) و ( هلا تضرب زيدا ) " أو تقديرا " نحو ( هلا زيدا ضربته ) و ( هلا زيدا تضربه ) .
فمعناها إذا دخلت على الماضي التوبيخ واللوم على ترك الفعل ، ومعناها في المضارع الحضّ على الفعل والطلب له .
فهي في المضارع بمعنى الأمر .
ولا يكون التحضيض في الماضي الذي قد فات إلا أنها تستعمل كثيراً في لوم المخاطب على أنه ترك في الماضي شيئا يمكن تداركه في المستقبل . فكأنها من حيث المعنى للتحضيض على فعل مثل ما فات .
$[2/376]
***
" ( حرف التوقع والتقريب ) "
" قد " يسمى بهما لمجيئته لهما .
فإن هذا الحرف إذا دخل على الماضي أو المضارع ، فلا بد فيها من معنى التحقيق ثم إنه يضاف في بعض المواضع إلى هذا المعنى في الماضي التقريب من الحال مع التوقع ، أي : يكون مصدره متوقعا للمخاطب واقعا عن قريب ، كما تقول لم يتوقع ركوب الأمير : ( قد ركب الأمير ) أي : حصل عن قريب ما كانت تتوقعه .
ومنه قول المؤذن ( قد قامت الصلاة ) .
ففيها إذن ثلاثة معان مجتمعة ، التحقيق والتوقع والتقريب .
وقد يكون مع التحقيق التقريب من غير توقع ، كما تقول : ( قد ركب زيد ) لمن لم يتوقع ركوبه .(1/461)
" و " هي " في المضارع " المجرد من ناصب وجازم وحرف تنفيس .
" للتقليل " أي : يضاف إلى التحقيق في الأغلب التقليل ، نحو ( إن الكذوب قد يصدق ) .
وقد تستعمل للتحقيق مجردا عن معنى التقليل نحو ( قد نرى تقلب وجهك في السماء ) ويجوز الفصل بينها وبين الفعل بالقسم ، نحو ( قد والله أحسنت ) و ( قد لعمري بتّ ساهرا ) .
$[2/377]
" ( حرفا الاستفهام ) "
" الهمزة و ( هل ) لهما صدر الكلام " لا يتقدمهما ما في حيزهما ، لدلالتهما على أحد أنواع الكلام كما مر .
وتدخلان على الاسمية والفعلية .
" تقول " في الاسمية " " ( أزيد قائم ؟ ) و " في الفعلية " ( أقام زيد ؟ ) وكذلك ( هل ) " تقول فيهما : ( هل زيد قائم ؟ ) و ( هل قام زيد ؟ ) إلا أن الهمزة تدخل على كل اسمية ، سواء كان الخبر فيها اسما أو فعلا ، بخلاف ( هل ) فإنها لا تدخل على اسمية خبرها فعل ، نحو ( هل زيد قام ؟ إلا على الشذوذ وذلك لأن أصلها أن تكون بمعنى ( قد ) كما جاءت على الأصل ، في قوله تعالى { هل أتى على الإنسان } أي : قد أتى فلما كان أصلها ( قد ) وهي من لوازم الأفعال فإن رأت فعلا في حيزها تذكرت عهودا بالحمى وحنّت إلى الإلف المألوف وعانقته ، وإن لم تره في حيزها تسلت عنه ذاهلة .
" والهمزة أعم تصرفها " .
أي : التصرف فيها باعتبار استعمالها في مواضع استعمالاتها أكثر من التصرف في ( هل ) .
$[2/378]
" تقول ( أزيدا ضربت ؟ ) " بإدخال الهمزة على الاسم مع وجود الفعل بخلاف ( هل زيدا ضربت ؟ ) لما عرفت .
" و " تقول : " ( أتضرب زيدا وهو أخوك ؟ ) " باستعمال الهمزة لإثبات ما دخلت عليه على وجه الإنكار دون ( هل تضرب زيدا ؟ ) لأن المستفهم عنه في مثل هذا الموضع محذوف بالحقيقة لأن أصله أترضى بضربك زيدا ؟ وهو غير مستحسن منك ، و ( هل ) ضعيفة في الاستفهام ، فلا يحذف فعلها ، بخلاف الهمزة فإنها قوية فيه .(1/462)
" و " تقول " ( أزيد عندك أم عمرو ؟ ) " وتجعل الهمزة معادلة لـ ( أم ) المتصلة فإنه لما قصد الاستفهام عن أحد الأمرين تعدد المستفهم عنه .
فاستعمال الهمزة التي هي الأصل في باب الاستفهام والأقوى فيه أنسب وأليق .
وتقع ( هل ) مع ( أم ) المنقطعة ، لن المستفهم عنه في صورة ( أم ) المنقطعة لم يتعدد ، لأنها للإضراب عن السؤال الأول واستئناف سؤال آخر بـ ( أم ) المقدرة بالهمزة .
فإن قولك ( هل زيد عندك أم عمرو ؟ ) في تقدير ( بل عندك عمرو ) .
" و " تقول : " أثم إذا ما وقع ، وأفمن كان ، وأومن كان " بإدخال الهمزة على ( ثم ، والفاء ، والواو ) من الحروف العاطفة ، " دون ( هل ) " لكونها فرع الهمزة فلا تتصرف تصرفها .
$[2/379]
***
" ( حروف الشرط ) "
" ( إن ، ولو ، وأمّا ) لها صدر الكلام " لما مر .
" فـ ( إن ) للاستقبال وإن دخل على الماضي ، و ( لو ) عكسه " يعني : ( لو ) للماضي ، وإن دخل على المستقبل .
وفي بعض النسخ فـ ( إن ) للاستقبال و ( لو ) للمضي .
ومعناه : أنّ ( إن ) للاستقبال سواء دخلت على المضارع أو الماضي نحو ( إن تكرمني أكرمك ) و ( إن أكرمتني أكرمتك ) .
فمعنى المثال الثاني بعينه معنى المثال الأول يعني : إن وقع منك إكرامي في الاستقبال وقع أيضاً إكرامك فيه .
$[2/380]
وكذلك ( لو ) للمضي على أيهما دخلت نحو ( لو ضربت ضربت ) و ( لو تضرب أضرب ) بمعنى واحد ، أي : لو وقع منك ضربي في الماضي فقد وقع مني ضربك أيضاً فيه .
وقد تستعمل ( لو ) كـ ( إن ) في المستقبل نحو قوله تعالى { ولأمة مؤمنة خير م مشركة ولو أعجبتكم } .
واعلم أن المشهور أن ( لو ) لانتفاء الثاني لانتفاء الأول ، وهذا لازم معناها فإنها موضوعة لتعليق حصول أمر في الماضي بحصول أمر آخر مقدر نية ، وما كان حصوله مقدرا في الماضي كان منتفيا فيه قطعا .
فيلزم لأجل انتفائه انتفاء ما علق به أيضاً .(1/463)
فإذا قلت مثلا : ( لو جئتني لأكرمتك ) فقد علقت حصول الإكرام في الماضي بحصول مجيء مقدر فيه ، فيلزم انتفاؤهما معا وكون انتفاء الإكرام مسببا لانتفاء المجيء في زعم المتكلم .
واستعمال ( لو ) بهذا المعنى هو الكثير المتعارف ، وقد تستعمل
$[2/381]
على قصد لزوم الثاني للأول مع انتفاء اللازم ، ليستدل به على انتفاء الملزوم كقوله تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } .
فإن ( لو ) هاهنا تدل على لزوم الفساد لتعدد الآلهة ، وعلى أن الفساد منتف ، ليعلم من ذلك انتفاء التعدد .
ومن هذا الاستعمال توهم المصنف أن ( لو ) لانتفاء الأول لانتفاء الثاني ،
$[2/382]
وخطّأ عكسه المشهور ، ولم يدر أن ما ذكره معنى يقصد إليه في مقام الاستدلال بانتفاء اللازم المعلوم على انتفاء الملزوم المجهول ، وأن المعنى المشهور بيان سببية أحد الانتفائين المعلومين للآخر بحسب الواقع ، فلا يتصور هناك استدلال .
فإنك إذا قلت : ( لو جئتني لأكرمتك ) لم تقصد أن تعلم المخاطب انتفاء المجيء من انتفاء الإكرام كيف ؟ وكلا الانتفائين معلوم له بل قصد إعلامه بأن انتفاء الإكرام مستند إلى انتفاء المجيء .
ولها استعمال ثالث ، وهو أن يقصد بيان استمرار شيء فيربط ذلك الشيء بأبعد النقيضين عنه كقولك : ( لو أهانني لأكرمته ) لبيان استمرار وجود الإكرام ، فإنه إذا استلزم الإهانة الإكرام فكيف لا يستلزم الإكرام الإكرام ؟
" وتلزمان " أي : ( إن ، ولو ) " الفعل لفظا " كما مر في الأمثلة .
" أو تقديرا " نحو قوله تعالى { وإن أحد من المشركين استجارك } ، و { لو أنتم تملكون } أي : وإن استجارك أحد ، ولو تملكون أنتم ، فأحد وأنتم مرفوعان بأنهما فاعلان لفعلين محذوفين يفسرهما الظاهر ، أما ( أحد ) فظاهر ، وأما ( أنتم ) فلأنه كان ضميرا متصلا مستترا ، فلما حذف الفعل صار منفصلا بارزا وليس تأكيدا لفاعل الفعل المحذوف ، لأن حذف الفعل والفاعل أبعد م حذف الفعل وحده .(1/464)
" ومن ثمه " أي : ومن أجل بعدهما " قيل " بعد " لو " المحذوف
$[2/383]
فعلها : " ( أنك ) بالفتح " لا بالكسر " لأنه " أي : ( أنّ ) مع معموليه " فاعل " للفعل المقدر بعد ( لو ) .
والصالح للفاعلية هو ( أن ) المفتوحة لا المكسورة .
" و " قيل : ( انطلقت ) بالفعل " أي : بصيغة الفعل " موضع منطلق " أي : في موضع يليق أن يقع فيه ( منطلق ) لأن الأصل في خبر ( إن ) هو الإفراد " ليكون " ، الفعل المذكور موضع اسم الفاعل " كالعوض " عن الفعل المحذوف ، فيقال : لو أنك انطلقت ، ولا يقال : لو أنك منطلق .
وإنما قال ( كالعوض ) لأن الفعل المقدر لا بد له من مفسر ، و ( أن ) لكونها دالة على معنى التحقيق والثبوت ، تدل على معنى ( ثبت ) المقدر هاهنا ، فهو عوض عنه من حيث المعنى ، والفعل الواقع خبرا عوض عنه من حيث اللفظ ، فليس شيء منهما عوضا حقيقيا عن الفعل المقدر ، بل كالعوض ، وهذا إذا كان الخبر ، مشتقا يمكن اشتقاق الفعل من مصدره .
" وإن كان جامدا " لا يكن اشتقاق الفعل منه " جاز " وقوع ذلك الاسم الجامد خبرا " لتعذره " أي : لتعذر وقوع الفعل في موضع الخبر ، كقوله تعالى : { ولو أنّ ما في الأرض من شجرة أقلام } .
فإن ( أقلام ) ليس مشتقا ليوضع فعله في موضعه .
" وإذا تقدم القسم أول الكلام " أي : في أول زمان التكلم بالكلام .
$[2/384]
فيصح ترك ( في ) لكونه ظرف زمان واحترز به عن توسط القسم بتقدير غير الشرط .
" على الشرط " متعلق بتقدم .
" لزمة الماضي " أي : لزم القسم أن يكون الشرط الواقع بعده ماضيا " لفظا أو معنى " ليكون على وجه لا تعمل فيه أدوات الشرط فيطابق أي : الشرط الجواب حيث يبطل عمل أدوات الشرط فيه ، أي : في الجواب .
" وكان الجواب للقسم " فقط " لفظا " لا للقسم والشرط جميعا ، لأنه يلزم أن يكون مجزوما وغير مجزوم ، وهو محال .
وأما معنى فهو جواب للقسم ، لكون اليمين عليه والشرط أيضاً ، لكونه مشروطا بالشرط .(1/465)
" مثل : والله إن أتيتني " مثال للماضي لفظا " وإن لم تأتني " مثال للماضي معنى " لأكرمتك ، وإن توسط " أي : القسم بين أجزاء الكلام " بتقديم الشرط " عليه " أو غيره " أي : تقديم غير الشرط " جاز أن يعتبر " القسم ويلغي الشرط " وأن يلغي " القسم ويعتبر الشرط .
ويحتمل أن يكون المعنى : جاز أن يعتبر الشرط ويلغى القسم ، وأن يلغى الشرط ويعتبر القسم " كقولك : ( أنا والله إن تأتني آتك ) " فعلى المعنى الأول هذا مثال لتقديم غير الشرط وجواز إلغاء القسم فيكون باعتبار التقديم والجواز ، كليهما نشرا على غير ترتيب اللف .
وعلى المعنى الثاني هذا مثال لتقديم غير الشرط وجواز اعتبار الشرط فيكون
$[2/385]
النشر باعتبار التقديم على غير ترتيب اللف وباعتبار الشرط على ترتبيه " وإن أتيتني والله لآتينك " .
وإنما أورد في هذا المثال الشرط بصيغة الماضي على خلاف المثال الأول إشارة إلى اشتراط المعني في الشرط في صورة اعتبار القسم على تقدير توسطه كاشتراطه على تقدير التقديم .
فعلى المعنى الأول هذا مثال لتقديم الشرط وجواز اعتبار القسم فهو باعتبارهما جميعا نشر على ترتيب اللف .
وعلى المعنى الثاني مثال لتقديم الشرط وجواز إلغائه ، فالنشر باعتبار الأول على ترتيب اللف ، وباعتبار الثاني على غير ترتيبه .
ففي كل من المثالين يقع من حيث المعنى الثاني اختلاف بين اعتباريه بخلاف المعنى الأول فالحمل عليه أولى ، وعلى تقدير الحمل عليه ، وإن كان رعاية كون النشر على ترتيب اللف يقتضي تقديم المثال الثاني على الأول لكنه أراد اتصال المثال بالمثل له بقدر الإمكان ، على تقدير تقديم اللفين على نشرهما من حيث مثالاهما .
" وتقدير القسم كاللفظ " أي : كالتلفظ به أو مقدره كملفوظه في صدر الكلام فلزم في الشرط الذي بعده المضي وكان الجواب للقسم .
" نحو " قوله تعالى " { لئن أخرجوا لا يخرجون } " أي : والله لئن أخرجوا
$[2/386](1/466)
فالشرط ماض و ( لا يخرجون ) جواب القسم .
فإنه لو كان جزاء الشرط لكان الجزم بحذف النون أولى به ، أي : لا يخرجوا .
" و " كذا قوله تعالى " { وإن أطعمتموهم إنكم لمشركون } " أي : والله إن أطعمتموهم إنكم لمشركون .
فالشرط ماض و ( إنكم لمشركون ) جواب القسم ، فإنه لو كان جزاء الشرط يلزم الإتيان بالفاء ، لأن الجملة الاسمية الواقعة جزاء يجب فيها الفاء .
" و ( أما للتفصيل ) " .
أي : لتفصيل ما أجمله المتكلم في الذكر نحو قولك : ( جاءني أخوتك أما زيد فأكرمته ، وأما عمرو فأهنته وأما بشر فأعرضت عنه ) .
أو ما أجمله في الذهن ويكون معلوما للمخاطب بواسطة القرائن .
وقد جاءت للاستئناف من غير أن يتقدمها إجمال ، نحو ( أما ) الواقعة في أوائل الكتب .
ومتى كانت لتفصيل المجمل وجب تكرارها ، وقد يكتفى بذكر قسم واحد ، حيث يكون المذكور ضد غير المذكور لدلالة أحد الضدين على الآخر ، كقوله تعالى : { فأما الذي في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه } ؟
فإن ما يقابل ( أما ) المذكورة هاهنا غير مذكور ، لكنه مقدر ، يعني : وأما الذين ليس في قلوبهم زيغ فيتبعون المحكمات ، ويردون إليها المتشابهات .
$[2/387]
والحكم بأن كلمة ( أما ) للشرط لزوم الفاء في جوابها وسببية الأول للثني .
" والتزم حذف فعلها " الذي هو الشرط " وعوض بينها " أي : بين ( أما ) " وبين فائها " الواقعة في جزائها " جزء مما في حيزها " أي : حيز فائها أو حيز ( أما ) لأن حيز الفاء أيضاً حيزها ، سواء كان ذلك الجزء مبتدأ نحو ( أما زيد فمنطلق ) أو معمولا لما وقع بعد الفاء نحو ( ما يوم الجمعة فزيد منطلق ) .
" مطلقا " أي : تعويضا مطلقا غير مقيد بحال تجويز تقديم ذل كالجزء على الفاء وعدم تجويزه .
وهذا مذهب سيبويه فجعل سيبويه لـ ( أما ) خاصية جواز التقديم لما يمتنع تقديمه مطلقا .
" وقيل " والقائل المبرد : " هو " أي : ما وقع بينهما وبين فائها " معمول
$[2/388](1/467)
الشرط المحذوف " عملا " مطلقا " أي : معمولية مطلقة غير مقيدة بحال تجويز التقديم وعدمه " مثل ( أما يوم الجمعة فزيد منطلق ) " فإن تقديره على المذهب الأول : مهما يكون من شيء فزيد منطلق يوم الجمعة ، حذف فعل الشرط الذي هو ( يكن من شيء ) وأقيم ( أما ) مقام ( مهما ) ووسط ( يوم الجمعة ) بين ( أما ) وفائها لئلا يلزم توالي حرفي الشرط والجزء ، فصار : أما يوم الجمعة فزيد منطلق ، كما ترى . وأما على المذهب الثاني فتقديره : مهما يكن من شيء يوم الجمعة فزيد منطلق ، فيوم الجمعة معمول لفعل الشرط فلما حذف فعل الشرط صار : أما يوم الجمعة فزيد منطلق .
فهذا القائل لم يجعل لـ ( أما ) خاصية جواز التقديم أصلا .
" وقيل " والقائل المازني " إن كان " ما يتوسط بين ( أما ) وفائها " جائز
$[2/389]
التقديم " على الفاء مع قطع النظر عن الفاء كالمثال المذكور .
" فمن " قبيل القسم " الأول " وهو أن يكون المتوسط جزء الجزاء قدم على الفاء " وإلا " أي : وإن لم يكن جائز التقديم مع قطع النظر عن الفاء بل انضم إليها مانع آخر ، مثل : أما يوم الجمعة فإن زيدا منطلق .
فإن ما في حيز ( إن ) لا يعمل فيما قبلها " فمن " قبيل القسم " الثاني " وهو أن يكون المتوسط معمول الشرط المحذوف .
وهذا القائل ميز بين أن لا يكون وراء الفاء مانع آخر وبين أن يكون .
فجعل لـ ( إما ) قوة رفع حكم الامتناع عن الأول دون الثاني .
هذا تقدير الكلام إذا كان ما بعد ( أما ) منصوبا وأما إذا كان مرفوعا ، نحو ( أما زيد فمنطلق ) فتقديره على المذهب الأول : مهما يكن من شيء فزيد منطلق ، أقيم ( أما ) مقام ( مهما ) وحذف فعل الشرط ، ووسط ( زيد ) بين أما والفاء لما ذكرنا فصار : أما زيد منطلق فارتفاع ( زيد ) بالابتداء كما كان أولا .
وعلى المذهب الثاني مهما يكن يزد فمنطلق ، أي : فهو منطلق ، وأقيم ( أما ) مقام ( مهما ) وحذف الفعل الشرط فصار : أما زيد فمنطلق .(1/468)
فـ ( زيد ) فاعل الفعل المحذوف ، وأما تقديره على تقدير الرفع ، بـ ( مهما يذكر زيد فهو منطلق ) بصيغة الفعل الغائب المجهول على أن يكون ( زيد ) مرفوعا بأنه فاعل الفعل المحذوف .
وتقديره على تقدير النصب بـ ( مهما تذكر يوم الجمعة ) بصيغة الفعل المخاطب المعلوم على أن يكون ( يوم الجمعة ) منصوبا بأنه مفعول به للفعل المحذوف ، فوجهه غير ظاهر مع أنه يوهم جواز : أما زيد فمنطلق ، بالنصب بتقدير ( تذكّر ) على صيغة المعلوم المخاطب ، وجواز : أما يوم الجمعة فزيد منطلق ، برفع اليوم بتقدير ( يذكر ) على صيغة المجهول الغائب مع عدم جوازهما بلا خلاف .
وإنما مثل المصنف بما يكون الواسطة بين ( إما ) وفائها منصوبة لظهور أمثلة كونها مرفوعة لكثرتها .
$[2/390]
***
" ( حرف الردع ) "
" كلاّ " .
الردع : هو الزجر والمنع ، تقول لشخص : فلان يبغضك ، فيقول : كلا ، أي : ردعا لك ، أي : ليس الأمر كما تقول .
وقد يجيء بعد الطلب لنفي إجابة الطالب كقولك - لمن قال لك افعل كذا - كلا ، أي : لإيجاب إلى ذلك .
" وقد جاء " أي : كلا " بمعنى : حقا " .
والمقصود منه تحقيق مضمون الجملة كقوله تعالى { كلا إن الإنسان ليطغى } وإذا كان معنى ( حقا ) جاز أن يقال : إنه اسم بني لكون لفظه كلفظ ( كلا ) الذي هو حرف ولمناسبة معناه لمعناه ، لأنك تردع المخاطب عما يقوله تحقيقا لضده ، لكن النحاة حكموا بحرفيته إذا كان بمعنى ( حقا ) أيضاً لما فهموا من
$[2/391]
$[2/392]
أن المقصود به تحقيق مضمون الجملة ، كالمقصود بـ ( إن ) فلم يخرجه ذلك عن الحرفية .
***
" ( تاء التأنيث الساكنة ) "
لا المتحركة لأنها مختصة بالاسم .
" تلحق " الفعل " الماضي " لتكون من أول الأمر علامة " لتأنيث المسند إليه " فاعلا كان أو مفعول ما لم يسم فاعله .(1/469)
وإنما جعلت هذه التاء ساكنة بخلاف تاء الاسم لأن أصل الاسم الإعراب وأصل الفعل البناء فنبه من أول الأمر بسكون هذه على بناء ما لحقته ، وبحركة تلك على إعراب ما وليته ، لأنها كالحرف الأخير مما تلحقانه .
" فإن كان " أي : المسند إليه اسما " ظاهرا غير " مؤنث " حقيقي فمخير " أي : فأنت مخير بين إلحاق تاء التأنيث وبين عدمه أو فهو : أي إلحاق تاء التأنيث مخير فيه على الحذف والإيصال .
وهذه المسألة قد تقدمت إلا أنها ذكرت فيما تقدم من حيث أنها من أحكام المؤنث ، وهنا من حيث أنها من أحكام تاء التأنيث .
" وأما إلحاق علامة التثنية والجمعين " أي : جمعي المذكر والمؤنث في مثل ( قاما الزيدان ) و ( قاموا الزيدون ) و ( قمن النساء ) " فضعيف " لعدم احتياجها إلى هذه العلامات مثل احتياج المسند إليه إلى علامة التأنيث ، لأن تأنيثه قد يكون معنويا أو سماعيا وعلامة التثنية والجمع غالبا ظاهرة غاية الظهور .
وإذا ألحقت على ضعفها فليست بضمائر ، لئلا يلزم الإضمار قبل الذكر من غير فائدة ، بل هي حروف أتى بها للدلالة من أول الأمر على أحوال الفاعل ،
$[2/393]
كتاء التأنيث .
وفي شرح الرضي : ( هذا ما قاله النحاة’ ولا منع من جعل هذه الحروف ضمائر ، وإبدال الظاهر منها .
والفائدة في مثل هذا الإبدال ما مر في بدل الكل من الكل ، أو تكون الجملة خبر المبتدأ المؤخر .
والغرض كون الخبر مهمّا .
$[2/394]
" ( التنوين ) "
في الأصل مصدر نونته أي : أدخلته نونا ، فسمي ما به ينوّن الشيء - أعني : النون - تنوينا ، إشعارا بحدوثه وعرضوه لما في المصدر من معنى الحدوث . ولهذا سمى سيبويه المصدر حدثا .
وهو في الاصطلاح " نون ساكنة " أي : بذاتها فلا تضرها الحركة العارضة ، مثل ( عادا الأولى ) .
وهي شاملة نون ( من ، ولدن ، ولم يكن ) وأمثالها .
فأخرجها بقوله " تتبع حركة الآخر " أي : آخر الكلمة ، فإن هذه أواخر تلك الكلمات لا توابع حركات أواخرها .(1/470)
وإنما قال : ( تتبع حركة الآخر ) ولم يقل : تتبع الآخر ، لأن المتبادر من متابعتها الآخر لحوقها به من غير تخلل شيء وههنا الحركة متخللة بين آخر الكلمة والتنوين .
فإن قلت : فآخر الكلمة هي الحركة فلا حاجة إلى ذكر الحركة .
قلت : المتبادر من الآخر الحرف الآخر .
ولم يقل : آخر الاسم ، ليشمل تنوين الترنم في الفعل .
" لا لتأكيد الفعل " .
فخرج نون التأكيد الخفيفة .
$[2/395]
ولا ينتقض التعريف بالنون في نحو ( يا رجل انطلق ) فإن المراد بتبعيتها حركة الآخر تطفلها لها في الوجود تطفل العارض للمعروض ، وليس نون ( انطلق ) تابعا لحركة لام الرجل بهذا المعنى .
" وهو " أي : التنوين .
" للتمكن " وهو ما يدل على امكانية الكلمة ، أي : كون الاسم لم يشبه الفعل بالوجهين المعتبرين في منع الصرف ، وحينئذ لا يتصور معناه في غير المتصرف .
" والتنكير " وهو الفارق بين المعرفة والنكرة ، فهو الدال على أن مدخوله غير معني ، نحو : صه ، أي : اسكت سكوتا ما في وقت ما ، وأما ( صه ) بغير التنوين فمعناه اسكت الآن .
وأما التنوين في نحو : رب أحمد وإبراهيم فليس للتنكير بل هو للتمكن .
قال الشارح الرضي : ( وأنا لا أرى منعا من أن يكون تنوين واحد للتمكن والتنكير معا ، فأقول : التنوين في ( رجل ) يفيد التنكير أيضاً فإذا جعلته علما
$[2/396]
تمحض للتمكن ) .
" والعوض " :
وهو ما لحق الاسم عوضا عن المضاف إليه لتعاقبهما على آخر الكلمة كـ ( يومئذ ) أي : يوم إذ كان كذا .
فـ ( اليوم ) مضاف إلى ( إذ ) و ( إذ ) كانت مضافة إلى الجملة التي كانت بعدها فلما حذفت الجملة للتخفيف ألحق بها التنوين عوضا عن الجملة ، لئلا تبقى الكلمة ناقصة ، وكذلك ( حينئذ ) وساعتئذ وعامئذ ) و ( جعلنا بعضهم فوق بعض ) أي : فوق بعضهم ( ومررت بكل قائما ) أي : بكل واحد ، وأمثال ذلك .
" والمقابلة " :(1/471)
وهو ما يقابل نون جمع المذكر السالم كـ ( مسلمات ) فإن الألف والتاء فيه علامة الجمع ، كما أن الواو علامة جمع المذكر السالم ، ولم يوجد فيه ما يقابل
$[2/397]
النون في ذلك ، فزيد التنوين في آخره ليقابله .
وتوهم بضعهم أنه للتمكن وهو خطأ لأنه إذا سميت بمسلمات مثلا امرأة يثبت فيها التنوين ، ولو كانت للتمكن لزالت للعلتين : العلمية ، والتأنيث .
وظاهر أنه ليس تنوين التنكير لوجوده فيما كان علما كـ ( عرفات ) ولا تنوين العوض لعدم مساعدة المعنى ، ولا تنوين الترنم لوجوده في غير أواخر الأبيات والمصاريع فتعين أن يكون للمقابلة ، لأنها معنى مناسب لحمل التنوين عليه " والترنم " : وهو ما لحق أواخر الأبيات والمصاريع لتحسين الإنشاد ، لأنه حرف يسهل به ترديد الصوت في الخيشوم ، وذلك الترديد من أسباب حسن الغناء .
وإنما اعتبروا ما لحق أواخر الأبيات والمصاريع وإن كان لحوقها للحروف والكلمات الواقعة في أثنائها جائزا بل واقعا كما تشاهد من أصحاب الغناء ، لأن محل التغني به إنما هو الآخر ، لئلا يختل سلك النظم بتخلله بين كلمات الأبيات
$[2/398]
والمصاريع ، ولا يخل بفهم المعاني .
وهو إما أن يلحق القافية المطلقة وهي ما كان رويها متحركا مستتبعا بإشباع حركة واحدة من الألف والواو والياء .
وسميت هذه الحروف حروف الإطلاق ، لإطلاق الصوت بامتدادها .
ولحوق النون بهذه القافية إنما يكون بابدال حروف الإطلاق به ، كما في قول الشاعر :
أقلّي اللّوم - عاذل - والعتابن ... ... وقولي إن أصبت لقد أصابن
فروي هذا البيت الباء وحصل بإشباع فتحها الألف وعوض عن الألف عند التغني نون الترنم .
وإما أن يلحق القافية المقيدة وهي ما كان رويها حرفا ساكنا صحيحا كان أو غير صحيح .
وسميت مقيدة لتقيد الصوت بها وامتناع امتداده ، لأنه ليس هناك حركة يحصل من إشباعها حرف الإطلاق ليتيسر امتداد الصوت كقول
$[2/399]
الشاعر :(1/472)
وقاتم الأعماق خاوي المخترقن ... ... مشتبه الأعلام لماع الخفقن
فإن روى القافية في هذا البيت القاف الساكنة ولا يمكن مد الصوت بها ، فحركت عند التغني بالفتح أو الكسر وألحق بها النون ، فقيل ( المخترقن ، والخفقن ) .
ويسمى هذا القسم من التنوين ( الغالي ) لأن الغلو هو التجاوز عند الحد .
$[2/400]
وقد تجاوز البيت بلحوق هذا التنوين عن حد الوزن ، ولهذا يسقط عد التقطيع .
وليس للقسم الأول اسم يختص به .
واعلم أن التنوين الترنم ليس موضوعا بإزاء معنى من المعاني ، بل هو موضوع لغرض الترنم لأن معناه الترنم كما أن حرف التهجي موضوع لغرض التركيب ، لا بإزاء معنى من المعاني .
ففي عده تنوين الترنم من أقسام الحروف ، التي هي من أقسام الكلمة المعتبر فيها الوضع تساهل وتسمح .
وأما التنوينات الأخر ففي اعتبار الوضع في بعضها أيضاً تأمل .
" ويحذف " أي : التنوين وجوبا " من العلم " حال كونه " موصوفا بابن " حال كون الابن " مضافا إلى علم آخر " نحو : جاءني زيد بن عمرو ، وذلك لكثرة استعمال ( ابن ) بين علمين أحدهما موصوف به والآخر مضاف إليه فطلب التخفيف لفظا بحذف التنوين من موصوفه وخطا بحذف الألف من ابن
$[2/401]
وكذلك قولهم : هذا فلان بن فلان لأنه كناية عن العلم .
ويعلم منه إذا كان صفة لغير العلم ، أو كان مضافا إلى غير العلم ، نحو : جاءني رجل ابن زيد ، وزيدٌ ابن عالم ، لم يحذف التنوين من اللفظ ، وألف ( ابن ) من الخط ، لقلة الاستعمال . .
ويعلم من قوله ( موصوفا ) أنه لا يحذف إذا لم يكن ( الابن ) صفة نحو ( زيد ) ابن عمرو على أن يكون ( ابن عمرو ) خبرا عن زيد . وحكم ( الابنة ) حكم ( الابن ) في جميع ما ذكرنا إلا في حذف همزتها فإنها لا تحذف حيثما كانت ، لئلا تلتبس ببنت في مثل ( هذه هند ابنة عاصم ) .
$[2/402]
***
" ( نون التأكيد ) "
قسمان :
" خفيفة ساكنة " لأنها مبنية والأصل في البناء السكون .(1/473)
" ومشددة مفتوحة " لثقلها وخفة الفتح .
" مع غير الألف " أي : غير ألف التثنية نحو ( اضربان ) وألف الجمع ، أي : الألف الفاصل بين نون الجمع المؤنث ، والنون المشددة نحو ( اضربنانّ ) ، فإنها تكسر معهما لشبهها فيهما بنون التثنية .
" تختص " أي : نون التأكيد " بالفعل المستقبل " الكائن " في " ضمن " الأمر " نحو : اضربن ، بالتخفيف ، واضربنّ ، بالتشديد ، " والنهي " نحو : لا تضربنّ .
" والاستفهام " نحو : هل تضربنّ ؟ .
" والتمني " نحو : ليتك تضربنّ .
" والعرض " نحو : ألا تنزلنّ عندنا فتصيب خيرا .
" والقسم " نحو : والله لأفعلنّ ، بالتخفيف والتشديد في جميع هذه الأمثلة .
وإنما اختص هذا النون بهذه المذكورات الدالة على الطلب دون الماضي والحال لأنه لا يؤكد إلا ما يكون مطلوبا .
" وقلّت " أي : نون التأكيد .
" في النفي " فلا يقال : ( زيد ما يقومنّ ) إلا قليلا لخلّوه عن معنى الطلب .
$[2/403]
وإنما جاز قليلا تشبيها له بالنهي .
" ولزمت " أي : نون التأكيد " في مثبت القسم " أي : في جوابه المثبت ، لأن القسم محل التأكيد ، فكرهوا أن يؤكدوا الفعل بأمر منفصل عنه - وهو القسم - من غير أن يؤكدوه بما يتصل به - وهو النون - بعد صلاحيته213/أ له .
وفي قوله ( لزمت ) إشارة إلى أن زيادة نون التأكيد فيما عدا مثبت القسم غير لازم بل جائز .
" وكثرت " أي : نون التأكيد " في مثل ( إما تفعلنّ ) أي : في الشرط المؤكد حرفه بـ ( ما ) فإنهم لما أكدوا الحرف قصدوا تأكيد الفعل أيضاً ، لئلا ينتقص المقصود من غيره .
****(1/474)
" وما قبلها " أي : ما قبل نون التأكيد خفيفة كانت أو ثقيلة ، " مع ضمير المذكرين " وهو الواو " مضموم " ليدل على الواو المحذوفة لالتقاء الساكنين ، وإن اشترط في التقاء الساكنين على حدة أن يكون الساكنان في كلمة واحدة ، فإن النون المشددة كلمة أخرى ، أو لثقل الواو بعد الضمة وقبل النون المشددة إن لم يشترط في التقاء الساكنين ما ذكر .
" ومع " ضمير " المخاطبة " وهو الياء " مكسور " ليدل على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين : أو لثقل الياء بعد الكسرة وقبل النون المشددة .
$[2/404]
" و " ما قبلها " فيما عدا ذلك " المذكور من ضمير المذكرين وضمير المخاطبة ، وهو الواحد المذكر غالبا كان أو مخاطبا والمؤنث الغائبة " مفتوح " طلبا للخفة .
وظاهر أن ما عدا ذلك المذكور ، يشمل التثنية والجمع المؤنث ، وحكمهما غير ما ذكر .
فقوله : " وتقول في التثنية والجمع المؤنث : ( اضربانّ ، واضربنانّ ) " بمنزلة الاستثناء عنه .
فتقول في المثنى : ( اضربانّ ) بإثبات الألف ، لئلا يشتبه بالواحد و ( اضربنانّ ) في الجمع المؤنث ، بزيادة الألف بعد نون الجمع وقبل نون التأكيد ، لئلا يجتمع ثلاث نونات متواليات .
" ولا تدخلهما " أي : التثنية والجمع المؤنث " النون الخفيفة " للزوم التقاء الساكنين على غير حدة " خلافا ليونس " فإنه يجوز التقاء الساكنين على غير حده ويجعله مغتفرا كما في الوقف وليس بمرضي عند الأكثرين .
" وهما " أي : النون الثقيلة والخفيفة " في غيرهما " أي : غير التثنية وجمع المؤنث " مع الضمير البارز " أي : واو جمع المذكر وياء المخاطبة " كالمنفصل " أي : كالكلمة المنفصلة ، يعني : يجب أن يعامل آخر الفعل مع النونين معاملته مع الكلمة المنفصلة من حذف الواو والياء أو تحريكهما ضما وكسرا .
$[2/405]
وغرضه من هذا الكلام بيان أحوال الأفعال المعتلة الآخر عند إلحاق النون بها .(1/475)
ومعنى كلامه أن النونين حكمهما مع المثنى وجمع المؤنث ما ذكر ، ومع غيرهما على ضربين :
إما مع ضمير بارز وهو شيئان : جمع المذكر ، نحو ( اغزوا ، وارموا ، واخشوا ) والواحدة المؤنثة نحو ( اغزي وارمي واخشي ) .
وإما مع ضمير مستتر وهو الواحد المذكر نحو ( اغز ، وارم ، واخش ) .
فالنون مع الضمير البارز كالكلمة المنفصلة نحو ( اغزنّ وارمنّ يا قوم ) بحذف الواو ، كما حذفت في نحو ( اغزوا الكفار ) و ( ارموا الغرض ) وكذا ( اغزنّ وارمنّ يا امرأة ) بحذف الياء كما حذفت في ( اغزي الجيش ) و ( ارمي الغرض ) .
وتضم الواو المفتوح ما قبلها نحو ( اخشونّ ) كما ضمتها مع المنفصلة تقول : ( اخشينّ ) كـ ( اخشي الرجال ) .
" فإن لم يكن " أي : مع الضمير البارز وهو في الواحد المذكر ، نحو ( اغز وارم ، واخش ) .
$[2/406]
" فكالمتصل " أي : فالنون كالكلمة المتصلة ، ويعني بها : ألف التثنية تقول ( اغزونّ وارمينّ واخشينّ ) برد اللامات وفتحها كما قلت ( اغزوا ، وارميا ، واخشيا ) .
" ومن ثمه " أي : لأجل أنه مع غير الضمير البارز كالمتصل مع الضمير البارز كالمنفصل " قيل : هل ترينّ ؟ " في : هل ترى ؟ كما يقال : تريانّ ، هذا مثال لغير البارز الذي تحركت لامه بالفتح كما يفتح مع المتصل .
" وهل ترونّ ؟ " في ( هل ترون ؟ ) بإسقاط نون الجمع وإلحاق نون التأكيد وضم الواو كضمها في ( لم ترو القوم ) هذا مثال ما فيه ضمير بارز يضم لأجل النون .
" وهل ترينّ ؟ " في مثل ( هل تريْن ) بإثبات الياء وكسرها كما يقال : ( لم تري الناس ) هذا مثال ما فيه ضمير بارز يكسر لأجل النون .
" واغزونّ " عطف على ( هل ترينّ ؟ ) لا على ( ترين ) أي : ومن ثمه قيل : ( اغزونّ ) برد الواو المحذوفة كما ترد مع ضمير التثنية في ( اغزوا ) .
" اغزنّ " في ( اغزوا ) بحذف الواو المضموم ما قبلها ، كما قيل : ( اغزوا القوم ) .(1/476)
" واغزنّ " في ( اغزي ) بحذف الياء المكسور ما قبلها كما قيل : ( اغزي القوم ) .
$[2/407]
وهذه الأمثلة وقعت على ترتيب تصريفها الواقع في كتب التصريف بعضها لما هو مع الضمير البارز كالمنفصل وبعضها لما هو مع غير المضير البارز كالمتصل ، كما أشرنا إليه .
****
" و " النون " المخففة تحذف للساكن " أي : لالتقائها الساكن المذكور بعدها .
وفي بعض النسخ ( للساكنين ) أي : لالتقاء الساكنين ، كقول الشاعر :
لا تهين الفقير علك أن ... ... تركع يوماً والدهر قد رفعه
أي : لا تهينن ، حذفت النون الخفيفة لالتقائها اللام الساكنة ، التي بعدها ، وأبقيت فتحة ما قبلها لتدل عليها وإلا لكان الواجب أن يقال : لا تهنّ الغير .
ولم يحركوها كما يحرك التنوين فرقا بينهما .
$[2/408]
وإنما لم يعكس حطا لمرتبة ما يدخل الفعل عن مرتبة ما يدخل الاسم ، لكون الاسم أصلا والفعل فرعا .
" و " تحذف أيضاً المخففة " في " حال " الوقف " على ما ألحقت به تخفيفا إذا ضم أو كسر ما قبلها كما يحذف التنوين لذلك .
" فيرد ما حذف " لأجل المخففة كما إذا ألحقت المخففة بـ ( اغزوا ، واغزي ) وقلت ( اغزن ، واغزن ) بحذف الواو والياء .
فإذا وقفت عليهما وجب أن ترد المحذوف وقلت ( اغزوا ، واغزي ) بخلاف التنوين فإنه لا يرد ما حذف لأجله لأن التنوين لازم في الوصل والمخففة ليست بلازمة ، فجعل للازم مزية بإبقاء أثره على ما ليس بلازم .
" و " المخففة " المفتوح ما قبلها تقلب ألفا " كقولك في ( اضربن ) : ( اضربا ) تشبيها لها بالتنوين .
فإن التنوين إذا انفتح ما قبلها تقلب ألفا ، وإذا انضم أو انكسر تحذف ، نحو أصبت خيرا ، وأصابني خير ، واختتم لي بخير .(1/477)
اللهم اجعل خاتمة أمورنا خيرا ، ولا تلحق بنا من تبعة شرورنا ضيرا واجعل نونات نقائصنا خفيفة كانت أو ثقيلة في موقف الندامة منقلبة بألف آداب عبوديتك على نهد الاستقامة ، وصلّ على من كلمة شفاعته في محو أرقام الضلالات كافية ، وعن مضرة أسقام الجهالات شافية وعلى آله وأصحابه وعلى من تبعهم من زمرة أحبابه .
$[2/409]
وقد استراح من كد الانتهاض ، لنقل هذا الشرح من السواد إلى البياض ، العبد الفقير عبدالرحمن الجامي ، وفقه الله سبحانه وتعالى في وظائف عبوديته للإعراض عن مطالبة الأعواض والأغراض ، ضحوة السبت الحادي عشر من رمضان المنتظم في سلك شهور سنة سبع وتسعين وثمانمائة من الهجرة النبوية عليه أفضل التحية .
$[2/410]
***
الخاتمة
في ختام هذا البحث أشير إلى أبرز النقاط التي ظهرت فيه :
- أن ابن الحاجب صاحب الكافية والشافية وهو عثمان بن عمر جمال الدين المتوفي سنة 646 هـ قد خلف مؤلفات عديدة ذكرت ( 15 ) خمسة عشر مؤلفاً من مؤلفاته النحوية ، والصرفية و ( 10 ) عشرة مؤلفات أخرى له .
- وذكرت اثنين وثلاثين شرحا لشافيته الصرفية ، وأكثر من مائة شرح لكافيته النحوية .
- وأنه أفاد كثيراً في تأليفه للكافية من كتاب سيبويه ومفصل الزمخشري .
- وأن تأليفه للكافية يمثل مرحلة جديدة من مراحل التأليف النحوي تتميز بالمنهجية والاختصاص وتتسم بالميل الشديد إلى الاختصار مع قصد الإحاطة والشمول وذلك ما يتطلبه الاتجاه التعليمي للنحو في هذه المرحلة .
- وأنه حذا حذو الزمخشري في تقسيم وترتيب الموضوعات النحوية في الكافية ما عدا بعض المسائل التي خالفه فيها .
- وأنه خالف الزمخشري في استعمال بعض المصطلحات في الموضوعات .(1/478)
- وأن أوجه التشابه بين الكافية والمفصل كبيرة حتى عدت الكافية خلاصة نحوية لمفصل الزمخشري وكأنه كالمقدمة لها ، ولا يعني أن ابن الحاجب كان متفقا مع الزمخشري في كل ما قاله فقد خالفه في مواضع متعددة منه ، ولابن الحاجب في كافيته إضافات عديدة ترك الزمخشري في المفصل الحديث عنها .
- وأن لابن الحاجب بعض الآراء التي اختارها فكان سببا في اشتهارها بين المتعلمين منذ عصره إلى عصرنا الحاضر مع كونها على خلاف رأي البصريين .
- وأن ابن مالك كان متابعاً لابن الحاجب فيما اختاره من آراء فزاد اشتهارها إلا أنه لم يذكر ابن الحاجب في مثل هذه الاختيارات حتى شاع المصنفين من بعده أنها اختيارات ابن مالك مع أن لابن الحاجب فضل السبق إلى اختيارها .
- وأن ابن مالك كان متابعا لابن الحاجب أيضاً في تسميته لكتبه النحوية كالكافية الشافية
$[2/411]
والوافية .
- وأن الجامي شارح الكافية وهو نور الدين عبدالرحمن المتوفي سنة 898 هـ ، قد خلف مؤلفات كثيرة في مختلف العلوم في اللغتين العربية والفارسية ، وذكرت له أكثر من أربعين مؤلفا .
- وأن شرحه لكافية ابن الحاجب - موضوع بحثنا - المسمى " الفوائد الضيائية " قد ألفه لتعليم أبناء ضياء الدين يوسف ولينتفع به سائر المتعلمين وله في زمان وما بعده ، شهرة كبيرة حتى أصبح الكتاب الدراسي المتداول بين المتعلمين .
- ولاعتناء العلماء به كتبوا عليه حواشي كثيرة وقد توصلت إلى ذكر أكثر من أربعين حاشية .
- وقد حرص الجامي في أثناء شرحه للكافية على إيفاد المراد وأضاف من عدنه زيادات كثيرة من توجيهات وتعريفات وتعليلات .
- وقد أفاد الجامي في شرحه من جملة كتب أهمها شرح ابن الحاجب للكافية وشرح الرضي لها . واتخذ الجامي بين هذين الشرحين سببا وسطا من حيث الإيجاز والإسهاب .
- ولم يكن موقفه مع هذه الكتب موقف التسليم المطلق وإنما ينظر إليها من موقف الفاحص الناقد .(1/479)
- ويأتي الجامي في كثير من المواضع بعبارة لا يرى الناظر إلى ظاهرها اعتراضا ولا جوابا ويعني بها ردا على اعتراض ، فرأيت بيان ذلك مع التوجيه .
- كما بينت أنه ذو شخصية علمية تظهر من خلال إبداء موقفه من بعض الآراء من غير أن يتقيد بعالم من علماء أو مذهب من المذاهب .
- وأنه كثيراً ما يذكر آراء ولا يصرح بقائليها وإنما يستعمل في ذلك أساليب متعددة .
- وأنه ولوع أشد الولع بالعلّة .
- كما بينت مصادر الجامي في شرحه وأساليبه في أخذه منها ، وبينت ما أخذوا منه .
- وقد اعتمدت في تحقيقي لهذا الكتاب على مراجع تزيد على سبعين ومائة مرجع ، مرجحا ما أراه راجحا ومضعفا ما أراه ضعيفا وموثقا للآراء والأقوال ومصححا نسبة بعض الآراء إلى أصحابها وناسبا ما لم ينسبه المؤلف منها مع تخريج الشواهد بأنواعها ، وإبداء بعض الملاحظات والاستدراكات ، والتنبيه على مواضع الخلاف والوفاق بين المؤلف وغيره ، وإضافة أنواع من التعريف والتعليل وتحقيق كثير من المسائل النحوية المهمة وإكمال الموضوعات والآراء التي ذكر المؤلف بعضها ، يضاف إلى ذلك شرح الألفاظ التي تحتاج إلى ذلك والترجمة للأعلام .
$[2/412](1/480)