وإن كان الكلام غير موجب: فإن كان الاستثناء متصلا1 فالأرجح اتباع المستثنى للمستثنى منه2، بدل بعض عند البصريين، وعطف نسق عند الكوفيين3، نحو: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُم} ، {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَك} ، {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} 4، والنصب عربي جيد، وقد قرئ به في السبع في "قليل"، و"امرأتك".
وإذا تعذر البدل على اللفظ، أبدل على الموضع، نحو: لا إله إلا الله، ونحو: ما فيها من أحد إلا زيد، برفعهما5، وليس زيد بشيء إلا شيئا لا يعبأ به، بالنصب6؛ لأن "لا"
__________
1 هو ما يكون فيه المستثنى بعض المستثنى منه، ويحكم على أحدهما بضد ما يحكم به على الآخر، سواء كان المستثنى منه متعدد الأفراد، والمستثنى أحد تلك الأفراد، نحو: زرت الزملاء إلا محمدا، أو كان المستثنى منه فردا ذا أجزاء، والمستثنى جزء من تلك الأجزاء، نحو: نظفت الحجرة إلا شباكا، وفي الحالتين يكون ما بعد إلا مخالفا في الحكم لما قبلها.
2 أي في إعرابه فيكون مثله، مرفوعا، أو منصوبا، أو مجرورا.
3 لأن "إلا" عندهم من حروف العطف في باب الاستثناء خاصة، وهي بمنزلة "لا" العاطفة، في أن ما بعدها يخالف ما قبلها.
4 "الضالون" بدل من الضمير المستتر في "يقنط"، بدل بعض من كل، و"امرأتك" بالرفع بدل من "أحد" كذلك، و"قليل" بدل من الواو في "فعلوه" أيضا، ولا يعترض بعدم وجود الضمير الرابط؛ لأن "إلا" إلا أغنت عنه، لدلالتها على إخراج الثاني من الأول، وكونه بعضا منه، والجمع عطف نسق عند الكوفيين.
5 قيل: لفظ الجلالة بدل من محل الاسم قبل دخول "لا"، أو من محل لا مع اسمها. وفي القولين ضعيف؛ لأن هذا المحل قد زال بدخول الناسخ، والمختار أنه بدل من الضمير المستكن في الخبر المحذوف، ولا يجوز النصب؛ لأن "لا" الجنسية لا تعمل في معرفة، ولا في موجب، و"زيد" بدل من محل أحد؛ لأن محله رفع بالابتداء، ولا يجوز الخفض على اللفظ؛ لأنه موجب بإلا، و"من" الزائدة لا تعمل في موجب.
6 "شيئا" بدل من محلي "بشيء"؛ لأنها في موضع نصب على الخبرية بليس، ولا يجوز(2/180)
الجنسية لا تعمل في معرفة، ولا في موجب، و"من" و"الباء" الزائدتين كذلك، فإن قلت: لا إله إلا الله واحد، فالرفع أيضا1؛ لأنها لا تعمل في موجب.
ولا يترجح النصب على الاتباع، لتأخر صفة المستثنى منه عن المستثنى، نحو: ما فيها رجل إلا أخوك صالح، خلافا للمازني2.
وإن كان الاستثناء منقطعا3: فإن لم يمكن تسليط العامل على المستثنى، وجب النصب اتفاقا، نحو: ما زاد هذا المال إلا ما نقص4، إذ لا يقال زاد النقص، ومثله: ما نفع زيد إلا ما ضر، إذ لا يقال: نفع الضر.
__________
1 أي على البدل على المحل، ولا يجوز النصب على اللفظ، وإن كان البدل نكرة موصوفة؛ لأنها موجبة لوقوعها بعد "إلا" و"لا" الجنسية لا تعمل في الموجب، كما بين المصنف.
2 فقد اختار النصب في هذه الحالة، فتقول: ما فيها رجل إلا أخاك صالح، فرجل مبتدأ، والجار والمجرور قبله خبر، وصالح: نعت لرجل، وأخاك منصوب على الاستثناء مقدم على صفة المستثنى منه.
3 المنقطع هو: ما لم يكن فيه المستثنى بعضا من المستثنى منه، فلا بد هو فرد من أفراده ولا جزء حقيقي منه، وإن كان ينبغي أن يكون بينهما اتصال معنوي، وعلاقة، وربط، بحيث يصح أن يقع الحرف "لكن" موقع أداة الاستثناء مع استقامة المعنى، فلا بد أن يكون ما قبل "إلا" دالا على ما يستثنى. ولهذا يجوز: ما قام القوم إلا فرسا، ويمتنع قام القوم إلا ثعبانا، ويشترط ألا يسبقه ما هو نص صريح في خروجه، فلا يصح صهلت الخيل إلا الإبل؛ لأن الصهيل نص قاطع في صوت الخيل، فلا صلة بين المستثنى والمستثنى منه، بخلاف "صوتت" مثلا.
4 "إلا" أداة استثناء. "ما" مصدرية. "نقص"، الجملة صلتها، وهي في موضع نصب على الاستثناء، ولا يجوز الرفع على الإبدال من الفاعل؛ لأنه لا يصح تسليط العامل على المستثنى، فلا يقال: زاد النقص.(2/181)
وإن أمكن تسليطه: فالحجازيون يوجبون النصب1، وعليه قراءة السبعة: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّن} ، وتميم ترجحيه وتجيز الاتباع2، كقوله:
وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس3
وحمل عليه الزمخشري4:
__________
1 لامتناع الإبدال حقيقة؛ لأن المستثنى ليس به جنس المستثنى منه.
2 فترفع "اتباع" على أنه بدل من "علم" باعتبار موضعه، ولا يجوز خفضه على الإبدال من "علم" باعتبار لفظه؛ لأنه معرفة موجبة، و"من" الزائدة لا تعمل فيها كما سلف.
3 بيت من الرجز: لعامر بن الحارث الملقب بـ"جران العود" شاعر نميري، ولقب بذلك؛ لأنه اتخذ من جلد العود سوطا يضرب به نساءه.
اللغة والإعراب: أنيس: مؤنس: اليعافير: جمع يعفور، وهو ولد البقرة الوحشية، العيس: هي الإبل التي يخالط بياضها شيء من الشقرة، واحدها: أعيس، والأنثى: عيساء وبلدة الواو واو رب، "بلدة" مبتدأ، "ليس بها أنيس" الجملة من ليس واسمها وخبرها صفة لبلدة، وخبر المبتدأ محذوف "إلا" حرف استثناء، "اليعافير" بدل من أنيس، وإلا توكيد للأولى."العيس" معطوف على اليعافير.
المعنى: كثير من البلدان الموحشة التي لا مؤنس، ولا رفيق فيها، وليس بها إلا أولاد البقر الوحشي، والإبل زرتها، ولم أخش شيئا.
الشاهد: رفع "اليعافير والعيس" على الإبدال على لغة تميم، مع أنه استثناء منقطع تقدم فيه المستثنى منه، فكان ينبغي انتصابه على المشهور.
وقد حملهم على ذلك: أن المقصود هو المستثنى، فكأنه قال: ليس بها إلا اليعافير، أما المستثنى منه، فكأنه غير مذكور فصار كالاستثناء المفرغ، أو أنه توسع في معنى المستثنى حتى جعله نوعا من المستثنى منه، فقدر اليعافير والعيس نوعا من الأنيس، أو توسع في المستثنى نه، فكأن الاستثناء في الحالتين متصل.
4 هو أبو القاسم: محمود بن عامر جار الله الزمخشري، نسبة إلى زمخشري، من أعمال خوارزم، كان واسع العلم، غاية في الذكاء وقوة القريحة، متفننا في كل علم، معتزليا، قدم بغداد غير مرة، وأخذ الأدب عن النيسابوري والأصبهاني، وجاور بمكة، فلقب بجار الله.(2/182)
{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} 1.
__________
وفخر خوارزم، وكانت له رجل من خشب، بسبب خراج أصاب رجله فقطعت، وله مصنفات كثيرة، من أشهرها: "الكشاف في التفسير"، و"المفصل" في النحو"، و"أطواق الذهب"، و"الأحاجي النحوية"، ومات يوم عرفة سنة 538هـ.
كثر الشك والخلاف وكل ... يدعي الفوز بالصراط السوي
فاعتصامي بلا إله سواه ... ثم حبي لأحمد وعلي
فاز كلب بحب أصحاب كهف ... كيف أشقى بحب آل نبي
1 "من" في محل رفع فاعل يعلم. "الغيب" مفعول به، "الله" بدل من "من" على لغة تميم، وهو استثناء منقطع، لعدم دخوله في مدلول "من"؛ لأنه سبحانه لا يحويه مكان، وجعل ابن مالك الاستثناء متصلا، وقدر متعلق الظرف: من يذكر في السموات والأرض لا استقر ونحوه. وذكر في المغني: أنه يجوز أن تعرب "من" مفعولا به ليعلم، لا فاعلا و"الغيب" بدل اشتمال منه، و"الله" فاعل، ويكون الاستثناء مفرغا، وكأنه قيل: لا يعلم الغيب إلا الله.
وقد أشار الناظم في إجمال إلى ما تقدم بقوله:
ما استثنت "إلا" مع تمام ينتصب ... وبعد نفي أو كنفي انتخب
اتباع ما اتصل وانصب ما انقطع ... وعن تميم فيه إبدال وقع
أي أن ما استثنه "إلا" إذا وقع بعد تمام الكلام الموجب ينصب، سواء كان متصلا أو منقطعا، وإن وقع بعد نفي أو شبهه، فالمختار الاتباع مع المستثنى المتصل، والنصب وحده مع المنقطع، وعند تميم يجوز الإبدال أيضا في المنقطع.
__________
* "ما" موصولة مبتدأ. "إلا" فاعل استثنت مقصود لفظها، والجملة صلة، والعائد محذوف: أي ما استثنته إلا، "مع تمام" ظرف ومضاف إليه متعلق باستثنت، "ينتصب" الجملة خبر المبتدأ. و"بعد" ظرف متعلق بانتخب. "نفي" مضاف إليه، "أو كنفي" معطوفة على نفي, "والكاف بمعنى مثل. "اتباع" نائب فاعل انتخب، "ما" اسم موصول مضاف إليه. "اتصل" الجملة صلة. "ما" اسم موصول مفعول انصب، "انقطع" الجملة صلة ما، "وعن تميم" جار ومجرور متعلق بوقع، "فيه" خبر مقدم. "إبدال" مبتدأ مؤخر، "وقع" فعل ماض وفاعله يعود على إبدال والجملة نعت له، ويجوز أن تكون جملة "وقع" خبر المبتدأ، "وعن تميم فيه" متعلقان بوقع.(2/183)
فصل: وإذا تقدم المستثنى على المستثنى منه، وجب نصبه مطلقًا1، كقوله:
وما لي إلا آل أحمد شيعة
وما لي إلا مذهب الحق مذهب2
وبعضهم يجيز غير النصب3 في المسبوق بالنفي4، فيقول: ما قام إلا زيد أحد، سمع يونس: ما لي إلا أبوك ناصر، وقال:
__________
1 أي سواء أكان متصلا أم منقطعا، ولا يجوز أن يعرب بدلا؛ لأنه يكون تابعا، والتابع لا يتقدم على المتبوع.
2 هذا البيت للكميت بن زيد الأسدي، من قصيدة له مشهورة، يمدح فيها بني هاشم، آل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومطلعها:
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب ... ولا لعاب مني وذو الشوق يلعب
ولم يلهني دار ولا رسم منزل ... ولم يتطربني بنان مخضب
اللغة والإعراب: طربت: من الطرب، وهو خفة تعتري القلب من لهو أو حزن نحوهما، البيض جمع بيضاء، وهي المرأة النقية اللون، بنان: البنان: الأصابع أو أطرافها، والمفرد بناته، مخضب: مزين بالخضباب، وهو ما يختضب به، كالنحاء ونحوه، شيعة: أنصار وأعوان، مذهب الحق: طريقه وشرعته، "ما" نافية، "لي" خبر مقدم "إلا" أداة استثناء "آل" منصوب على الاستثناء، "أحمد" مضاف إليه، ممنوع من الصرف، للعملية، ووزن الفعل. "شيعة" مبتدأ مؤخر، وهو المستثنى منه.
المعنى: ليس لي أنصار وأعوان إلا آل النبي -عليه السلام- وليس لي طريق ومذهب أسلكه، وأهتدي به إلا طريق الحق.
الشاهد: تقدم المستثنى في الصدر والعجز، وهو "آل" و"مذهب"، ونصبه فيهما وجوبا على الاستثناء؛ لأنه لو لم ينصب على الاستثناء لأعرب بدلا، والبدل تابع، والتابع لا يجوز أن يتقدم على المتبوع.
3 أي على الاستثناء فيجيز النصب والرفع والجر على البدل للاتباع.
4 ومثله: ما في معناه من النهي والاستفهام، كما يدل عليه قول الناظم:
وبعد نفي أو كنفي ...
إلخ(2/184)
إذا لم يكن إلا النبيون شافع1
ووجهه: أن العامل فرغ لما بعد "إلا"، وأن المؤخر عام أريد به خاص، فصح إبداله من المستثنى، لكنه بدل كل، ونظيره في أن المتبوع أخر وصار تابعًا: "ما مررت بمثلك أحد"2.
__________
1 عجز بيت من الطويل، لحسان بن ثابت، شاعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصدره:
لأنهمو يرجون من شفاعة
اللغة والإعراب: يرجون: يأملون؛ "لأنهم" اللام للتعليل، وأن واسمها، "يرجون" الجملة خبرها، "منه" متعلق به. "شفاعة" مفعوله. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط، "يكن" مضارع تامة مجزومة بلم. "إلا" أداة استثناء ملغاة. "النبيون" فاعل يكن، "شافع" بدل كل من فاعل يكن.
المعنى: أن أهل بدر أطاعوا الرسول، ووفوا بعهدهم له؛ لأنهم يرجون أن يشفع لهم يوم القيامة، حين لا شفيع فيه إلا الأنبياء.
الشاهد: رفع المستثنى المتقدم المسبوق بالنفي -وهو "النبيون"- على مذهب الكوفيين.
2 قول عن العرب "مثلك" تابع في الأصل لأحد على أنه نعت له، وأصل العبارة: ما مررت بأحد مثلك، فلما قدم النعت على المنعوت أعرب النعت بحسب العوامل، وأعرب "أحد"، وهو المنعوت في الأصل بدلا، وإلى ما تقدم من حالة المستثنى المتقدم، يشير الناظم بقوله:
وغير نصب سابق في النفي قد ... يأتي ولكن نصبه اختر إن ورد
أي أن غير النصب على الاستثناء -وهو البدل- قد يجوز، حين يكون الكلام تماما منفيا -أي غير موجب- ولكن النصب هو المختار، أما إذا كان تاما موجبا، فالنصب واجب
مطلقا كما بين المصنف.
__________
* "وغير" مبتدأ، "نصب" مضاف إليه، وكذلك سابق. "في النفي" متعلق بيأتي، وجملة "قد يأتي" خبر المبتدأ، "ولكن" حرف استدراك. "نصبه" مفعول مقدم لاختر ومضاف إليه. "إن ورد" جملة شرطية، وفعل الشرط، وجواب الشرط محذوف، أي فاختر نصبه.(2/185)
فصل: وإذا تكررت "إلا": فإن كان التكرار للتوكيد، وذلك إذا تلت عاطفًا1، أو تلاها اسم مماثل لما قبلها2، ألغيت، فالأول نحو: ما جاء إلا زيد وإلا عمرو، فما بعد إلا "الثانية" معطوف بالواو على ما قبلها و"إلا" زائدة للتوكيد3، والثاني كقوله:
... ... ... ... ... لا ... تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا4
فالفتى مستثنى من الضمير المجرور بالباء، والأرجح كونه تابعًا له في جره، ويجوز كونه منصوبًا على الاستثناء، و"العلا" بدل من الفتى، بدل كل من كل؛ لأنهما لمسمى واحد، و"إلا" الثانية مؤكدة.
وقد اجتمع العطف والبدل في قوله:
__________
1 أي بالواو خاصة، دون غيرها من حروف العطف.
2 أي متفق مع ما قبلها في معناه ومدلوله، ومقصود بالحكم برغم اختلاف الألفاظ، كأن يكون بدل كل من كل، أو عطف بيان، وكذلك بقية أنواع البدل، مثل: ما أعجبني إلا محمد، إلا وجهه، إلا عمله، إلا علي.
3 أي اللفظي، ولا أثر لها في الحكم الإعرابي مطلقا.
4 هذا عجز بيت من كلام الناظم، الذي يبين فيه حكم إلا المكررة للتوكيد، وهو بتمامه:
وألغ "إلا" ذات توكيد كلا ... تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا
أي اعتبر "إلا" ملغاة، أي غير موجودة، ولا تؤثر فيما دخلت عليه، إذا كررت وكانت للتوكيد، مثل: لا تمرر بهم إلا الفتى، إلا العلا فالعلا هو الفتى، وهو يدل كل، أو عطف بيان من الفتى، و"إلا" لا أثر لها، ولو حذفت ما تغير الإعراب.
__________
* "إلا" مقصود لفظه مفعول ألغ، "ذت توكيد" حال من إلا ومضاف إليه. "كلا" الكاف جارة لقول محذوف، و"لا" ناهية "إلا" أداة استثناء "الفتى" مستثنى من ضمير بهم "إلا العلا" إلا: توكيد للسابقة، والعلا، أي الشرف، بدل من الفتى، بدل كل من كل؛ لأنهما لمسمى واحد.(2/186)
الاستثناء المفرغ
...
مالك من شنجك إلا عمله ... إلا رسيمه وإلا رمله1
"فرسيمة" بدل، و"رمله" معطوف، و"إلا" المقترنة بكل منها مؤكدة.
وإن كان التكرار لغير توكيد، وذلك في غير بابي العطف والبدل، فإن كان العامل الذي قيل "إلا" مفرغًا، تركته يؤثر في واحد من المستثنيات2، ونصبت ما عدا ذلك الواحد3، نحو: ما قام إلا زيد إلا عمرًا إلا بكرًا، رفعت الأول بالفعل على أنه فاعل، ونصبت الباقي، ولا يتعين الأول لتأثير العامل بل يترجح، وتقول: ما رأيت إلا زيدًا إلا عمرًا إلا بكرًا، فتنصب واحدًا منها بالفعل على أنه مفعول به، وتنصب البواقي بإلا على
__________
1 هذا رجز من شواهد سيبويه، ولم ينسبه لأحد.
اللغة والإعراب: شنجك: الشنخ -بالتحريك- الجمل، وسكنت نونه للضرورة.
الرسيم: ضرب من سير الإبل البطيء، الرمل: السير السريع، "ما": نافية. "لك": متعلق بمحذوف خبر مقدم، "من شنجك" جار ومجرور ومضاف إليه، وهو متعلق بما تعلق به الخبر، "إلا" أداة استثناء ملغاة، "عمله" مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، "إلا" الثانية للتوكيد.
"رسيمه" بدل من عمله، بدل بعض من كل، "وإلا" الواو عاطفة و"إلا" زائدة للتوكيد، "رمله" معطوف على رسيمه.
المعنى: ليس لك من جملك مأرب إلا رسيمه ورمله، وكلاهما أنت في حاجة إليه.
وروي "شيخك"، وهي الرواية المشهورة، والشيخ: الرجل المسن، وعلى هذا قد يراد بالرسيم والرمل: السعي والهرولة بين الصفا والمروة وفي الطواف، ويكون المعنى: ليس لك مطمع في شيخك، إلا الانتفاع منه بهذين العملين الجليلين.
الشاهد: تكرار "إلا" مرتين في قوله: "إلا رسيمه" على البدلي، وفي قوله: و"إلا رمله" على العطف، وهي في الموضعين ملغاة لا تفيد غير التوكيد.
2 أي على حسب ما يطلب، من رفع، أو نصب، أو جر، ويحسن أن يكون عمله في الأول، كما بين المصنف.
3 أي وجوبا على الاستثناء.(2/187)
الاستثناء1.
وإن كان العامل غير مفرغ، فإن تقدمت المستثنيات على المستثنى منه نصبت كلها2، نحو: ما قام إلا زيدًا إلا عمرًا إلا بكرًا أحد.
__________
1 وكذلك تقول: ما مررت إلا بمحمد، إلا محمودا، إلا علينا، فتجر واحدا منها بالباء، وتعلقه بالفعل، وتنصب الباقي، وفيما تقدم يقول الناظم:
وإن تكرر لا لتوكيد فمع ... تفريغ التأثير بالعامل دع
في واحد مما "بإلا" استثني ... وليس عن نصب سواه مغني
أي إذا تكررت "إلا" لغير توكيد، بأن قصد بها ما قصد بما قبلها من الاستثناء، فإن كان الاستثناء مفرغا، فدع العامل يؤثر في واحد من المستثنيات بإلا، وانصب الباقي، فليس عن نصب غير الواحد غنى، أي مفر.
2 أي على الاستثناء وجوبا، سواء كان الكلام تاما موجبا، أما غير موجب. ولا يجوز الإبدال في شيء منها؛ لأنه يكون تابعا، والتابع لا يتقدم على المتبوع، وفي هذا يقول الناظم:
ودون تفريغ مع التقدم ... نصب الجميع احكم به والتزم
أي إذا تقدمت المستثنيات، وكان الاستثناء غير مفرغ، بأن يكون الكلام تاما موجبا، أو غير
__________
* "وإن" شرطية، "تكرر" مضارع للمجهول فعل الشرط، ونائب الفاعل يعود إلى "إلا"، "ولا" عاطفة، "لتوكيد" معطوف على محذوف، أي: وإن تكرر إلا لتأسيس لا لتوكيد، وكل من المجرور المحذوف والمذكور متعلق بتكرر، أو حال من مرفوعه، "فمع" الفاء واقعة في جواب الشرط، و"مع" ظرف متعلق بدع، "تفريغ" مضاف إليه، "التأثير" مفعول دع مقدم "بالعامل" متعلق بالتأثير، وجملة "دع" جواب الشرط "في واحد" متعلق بدع.
"مما" متعلق بمحذوف نعت لواحد، وما اسم موصول، "بإلا" متعلق باستثنى الواقع صلة ما، "وليس" فعل ناقص واسمها يعود إلى واحد، "عن نصب" متعلق بمعنى، "سواه" مضاف إليه "مغني" خبر ليس، ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة، ويجوز أن يكون "مغني" اسم ليس، وخبرها محذوف، أي وليس مغن عن نصب سواه موجودًا.
* "ودون تفريغ" ظرف ومضاف إليه متعلق باحكم، "مع التقدم" مثل سابقة، "نصب" مفعول لمحذوف يفسره ما بعده، "الجميع" مضاف إليه، "والتزم" معطوف على احكم ومفعوله محذوف، أي والتزم ذلك الحكم.(2/188)
وإذا تأخرت، فإن كان الكلام إيجابا، نصبت أيضًا كلها1، نحو: قاموا إلا زيدا إلا عمرًا إلا بكرًا.
وإن كان غير إيجاب أعطى واحد منها ما يعطاه لو انفراد2، ونصب ما عداه، نحو: ما قاموا إلا زيد إلا عمرًا إلا بكرًا، لك في واحد منها الرفع راجحًا والنصب مرجوحًا ويتعين في الباقي النصب3، ولا يتعين الأول لجواز الوجهين، بل يترجح 4، هذا حكم المستثنيات المكررة بالنظر إلى اللفظ5.
وأما بالنظر إلى المعنى فهو نوعان: ما لا يمكن استثناء بعضه من بعض، كزيد وعمرو وبكر6، ويمكن، نحو: له عندي عشرة إلا أربعة إلا اثنين إلا واحدًا.
ففي النوع الأول: إن كان المستثنى الأول داخلًا، وذلك إذا كان مستثنى من غير موجب، فما بعده دخل7، وإن كان خارجًا وذلك إذا كان مستثنى من موجب، فما بعده خارج8.
__________
1 أي ما سبق، من أن جوا الاتباع مختص بغير الإيجاب.
2 فيجوز فيه النصب على الاسثناء، أو البدل من المستثنى منه.
3 أجاز الأبدي في هذه الصورة، رفع الجميع على الإبدال.
4 وذلك لقربه من العامل.
5 أي من حيث الإعراب اللفظي.
6 فإن كل واحد منها لا يدخل فيه غيره، فلا يستثنى منه شيء.
7 أي في الحكم الذي دخل فيه الأول، مثل ما قام أحد إلا محمدًا إلا عليا إلا محمودًا.
فـ"محمدًا" هو المستثنى الأول، وهو داخل في إثبات القيام له؛ لأنه مستثنى من النفي، فيكون علي ومحمود داخلين أيضًا.
8 أي أن حكم المستثنيات الأخيرة حكم الأول، دخولًا وخروجا، وفي حكم المستثنيات المكررة المتأخرة يقول الناظم:(2/189)
وفي النوع الثاني1اختلفوا: فقيل الحكم كذلك، وإن الجميع مستثنى من أصل العدد2، وقال البصريون والكسائي: كل من الأعداد مستثنى مما يليه3، وهو الصحيح؛ لأن الحمل على الأقرب متعين عند التردد، وقيل: المذهبان محتملان.
وعلى هذا: فالمقر به في المثال الأول، ثلاثة على القول الأول، وسبعة على القول الثاني، ومحتمل لهما على الثالث، ولك في معرفة المتحصل على القول الثاني طريقتان:
إحداهما: أن تسقط الأول، وتجيز الباقي بالثاني، وتسقط الثالث، وإن كان معك
__________
وانصب لتأخير وجئ بواحد ... منها كما لو كان دون زائد
كلم يفوا إلا امرؤ إلا علي ... وحكمها في القصد حكم الأول
أي انصب المستثنيات كلها في حالة التأخير، وإن كان الكلام موجبا، فإن كان تاما غير موجب، عومل واحد منها بما كان يستحقه لو لم تتكرر "إلا"، فيبدل مما قبله وهو المختار، أو ينصب على قلة، كالمثال الذي ذكره، فيجوز في "علي" الرفع على البدلية من "امرؤ، والنصب على الاستثناء، وما يتكرر من المستثنيات حكمه في المعنى حكم الأول، فيثبت له ما يثبت للأول من الدخول إن كان الكلام منفيا، أو الخروج إن كان موجبا كما أوضح المصنف.
1 وهو ما يمكن استثناء من بعض.
2 أي من العدد الأول.
3 أي من الذي قبله، والذي قبله مستثنى من الذي قبله، وهكذا ... إلى الأول.
__________
* "لتأخير" متعلق بانصب، "منها" متعلق بمحذوف نعت لواحد "كما" الكاف جارة، وما زائدة، "لو" مصدرية أو العكس، "كان" تامة، وفاعلها يعود على واحد. "دون" ظرف متعلق بمحذوف حال من فاعل كان، "زائد" مضاف إليه، و"لو" ومدخولها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف. "كلم" الكاف جارة لقول محذوف، و"لم" نافية جازمة، "يفوا" مضارع مجزوم وواو الجماعة فاعل، "إلا"حرف استثناء. "امرؤ" بدل من الواو، بدل بعض من كل، "إلا" الثانية حرف استثناء، "على" مستثنى منصوب، وقد وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة. "وحكمها" مبتدأ والضمير للمستثنيات مضاف إليه، "في القصد" متعلق به. "حكم الأول" خبر المبتدأ ومضاف إليه.(2/190)
رابع، فإنك تجيز به، وهكذا إلى الأخير1.
والثانية: أن تحط الآخر مما يليه، ثم باقيه مما يليه ... وهكذا إلى الأول2.
فصل: وأصل "غير" أن يوصف بها3: إما نكرة، نحو: {صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} 4، أو معرفة كالنكرة5، نحو: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} ، فإن موصوفها "الذين"، هم جنس لا قوم بأعيانهم6.
__________
1 فالمستثنى الأول في المثال الذي ذكره المصنف "4" تسقط من "10"، فيكون الباقي "6"، ويجيز بالثاني وهو "2"، ثم يسقط منها الثالث، وهو "1" فيكون الباقي "7".
2 وهناك طريقة ثالثة، وهي: جمع الأعداد الفردية ومنها المستثنى منه الأول، ثم الأعداد الزوجية، وتطرح الثانية من الأولى، فباقي الطرح هو المطلوب، ففي المثال المذكور "10+ 2" - "4+1" = 7.
تنبيه: اختلف النحاة في عامل النصب في المستثنى، فقيل "إلا" وقيل العامل الذي قبلها بمساعدتها، وقيل فعل محذوف تقديره "أستثني"، ولعل خير هذه الأقوال أنه منصوب بالفعل الذي قبلها أو بغيره مما يعمل عمله، فإن لم يوجد قبلها فعل أو غيره مما يعمل عمله، نحو: الزملاء إخوة إلا المنحرف، يؤول ما قبلها بما يعمل كأن يقال: في ها المثال: الزملاء منتسبون للإخوة إلا المنحرف.
3 وذلك على الرغم من جمودها، لما فيها من معنى اسم الفاعل؛ لأن معناها إفادة المغايرة، والدلالة على أن مجروها مغاير ومخالف للمنعوت في الحكم الذي ثبته له إيجابا أو نفيا، إما في ذاته، نحو: قابلت رجلا غير "علي"، أو في وصف طارئ على الذات، نحو: قابلني بوجه غير الذي عهدته منه، فوصف الوجه مختلف في الحالتين.
4 فـ"غير" صفة لصالحا، ولا أثر لإضافتها للموصول؛ لأنها لا تتعرف بالإضافة، لتوغلها في الإبهام.
5 وهي المعرفة المراد منها الجنس.
6 والمعرف الذي يراد به الجنس قريب من النكرة، وهي في الحالتين مؤولة بالمشتق بمعنى مغاير؛ لأن النعت لا يكون إلا مشتقا أو مؤولا به.(2/191)
وقد تخرج عن الصفة وتضمن معنى "إلا"1، فيستثنى بها اسم مجرور بإضافتها إليه، وتعرب هي2 بما يستحقه المستثنى بإلا في ذلك الكلام، فيجب نصبها في نحو: قاموا غير زيد3، وما نفع هذا المال غير الضرر 4 عند الجميع، وفي نحو: ما فيها أحد غير حمار5، عند الحجازيين، وعند الأكثر في نحو: ما فيها غير زيد أحد6.
__________
1 فتقع في جميع مواقعها، وتجري عليها كل الأحكام التي تجري على المستثنى بإلا، وقد تحمل "إلا" على "غير"، فيوصف بها مع بقائها على حرفيتها، أو صيرورتها اسما وظهور إعرابها على ما بعدها، بشرط أن يكون الموصوف بها: جمعا نكرة، كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ، أو شبههما. والمراد بشبه الجمع: ما كان مفردًا في اللفظ، دالا على متعدد في المعنى، مثل "غيري" في قول الشاعر:
لو كان غيري سليمى الدهر غيره ... وفع الحوادث إلا الصارم الذكر
فقوله: إلا الصارم، صفة لغيري، والمراد بشبه النكرة ما أريد به الجنس كالمعرف بأل الجنسية، وقد أشار إلى ذلك المصنف.
وتخالف "إلا" "غير" في أمور، منها: أنه لا يجوز حذف موصوفها، فلا يقال: جاءني إلا محمد، ويقال: جائني غير محمد وتقع بعدها الجمل، أما "غير"، فإنها مختصة بالإضافة إلى المفرد، ولا يجوز مراعاة المعنى في المعطوف المستثنى بها، بخلاف "غير"، فتقول: ما قام القوم غير محمد وعلي، بجر "علي" على لفظ محمد، ورفعه على المعنى؛ لأن المعنى: ما قام "إلا" محمد وعلي، أما "إلا" فلا يجوز إلا مراعاة اللفظ.
2 ويجوز بناءها على الفتح في جميع الأحوال بشرط أن تكون مضافة إلى مبني، نحو: ما قام غير هذا، وشأنها في ذلك شأن الأسماء المتوغلة في الإبهام، كغير، ومثل، وأجاز الفراء بناءها على الفتح مطلقا.
3 أي مما فيه الكلام تام موجب.
4 أي إذا كان الاستثناء منقطعا، ولا يمكن تسليط العامل على المستثنى.
5 أي مما فيه الاستثناء منقطع، ويمكن تسليط العامل على المستثنى.
6 أي إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه.
والخلاصة: أنه يجب نصب "غير" بالإجماع في صورتين: إذا كان الكلام تاما موجبا،
نحو: قام القوم غير زيد، أو كان الاستثناء منقطعا، ولا يمكن تسليط العامل على المستثنى نحو: ما نفع هذا المال غير الضرر، ويجب النصب عند الحجازيين، إذا كان الاستثناء، منقطعا وأمكن تسليط العامل على المستثنى، نحو: ما في الدار أحد غير حمار، وبنو تميم يجيزون الاتباع في ذلك، وإذا تقدم المستثنى منه، نحو: ما في الدار غير زيد أحد وجب النصب عند الأكثرين.(2/192)
ويترجح عند قوم في نحو هذا المثال، وعند تميم في نحو: ما فيها أحد غير حمار1.
ويضعف في نحو: ما قاموا غير زيد2، ويمتنع في نحو: ما قام غير زيد3.
فصل: والمستثنى بـ"سوى" كالمستثنى بـ"غير" في وجوب الخفض، ثم قال الزجاجي4، وابن مالك: "سوى "كـ" غير" ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
1 أي وهو الاستثناء المنقطع الذي يمكن فيه تسليط العامل.
2 أي إذا كان الكلام تاما غير موجب.
3 أي إذا كان الاستثناء مفرغا.
هذا: وتنصب "غير" بما قبلها من العوامل على الحال، وفيها مع هذا معنى الاستثناء، وإلى "غير" أشار الناظم بقوله:
واستثن مجرورًا بـ"غير معربا ... بما لمستثنى بـ"إلا" نسبا
أي استثن بكلمة "غير" مستثنى مجرور دائما، ويكون لفظ "غير" معربا بالإعراب الذي يكون للمستثنى بإلا، فيما إذا حذفت "غير"، وحلت "إلا" محلها.
4 هو أبو القاسم، عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي. أصله من نهاوند، ثم انتقل إلى بغداد، ولزم أبا إسحاق إبراهيم الزجاج حتى برع في النحو، وإليه ينسب، ثم رحل إلى الشام وأملى وحدث بدمشق عن الزجاج، ونفطويه، وابن دريد، وابن الأنباري وغيره، وصنف كثيرا من الكتب، ومنها: كتاب الجمل في النحو صنفه بمكة، وكان إذا فرغ من باب منه طاف أسبوعا ودعا الله أن يغفر له، وأن ينفع به قارئه، ولهذا عم النفع به، وهو مخطوط بدار الكتب المصرية، وله في النحو أيضًا، الإيضاح في النحو، والكافي، وتوفي بطبرية سنة 340هـ.
__________
* "واستثن مجرورا" فعل أمر وفاعل مستتر، ومفعول، "بغير" متعلق باستثن"معربا" حال من. "غير" لقصد لفظة "بما" متعلق بمعربا، وما اسم موصول. "لمستثنى" متعلق بنسبا "بإلا" متعلق بمستثنى، "نسبا" ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود على ما والألف للإطلاق، والجملة صلة "ما" الموصولة.(2/193)
معنى وإعرابًا1، ويؤيدهما حكاية الفراء "أتاني سواك"2، وقال سيبويه والجمهور: هي ظرف3، بدليل وصل الموصول بها؛،كجاء الذي سواك4، قالوا: ولا تخرج عن النصب على الظرفية إلا في الشعر، كقوله:
__________
1 أي فتقع صفة لنلرة أو شبهها، وتقع في الاستثناء متصلا ومنقطعا، وتخرج من النصب إلى الرفع والجر، ويجر ما بعدها بالإضافة ... إلخ، وعلى هذا جري الناظم حيث يقول:
ولسوى سوى سواء اجعلا ... على الأصح ما "لغير" جعلا
أي اجعل ما "لغير" من الأحكام المتقدمة لسوى وسوى وسواء، على الرأي الصحيح.
2 فقد وقعت "سواك" فاعلا لأتى، ووقعت مبتدأ في قول الشاعر:
وإذا تباع كريمة أو تشترى ... فسواك بائعها وأنت المشتري
ووقعت كذلك مجرورة بالحرف في قوله -عليه الصلاة والسلام-: $"دعوت ربي ألا يسلط على أمتي عدوا من سوى أنفسها"، ووقعت منصوبة على غير الظرفية في قول الشاعر:
لديك كفيل بالمنى لمؤمل ... وإن سواك من يؤمله يشقى
3 أي للمكان مجازا، ومعناها: مكان أو عوض، ونصبها؛ لأنها في الأصل صفة لظرف المكان، كقوله تعالى: {مَكَانًا سُوًى} أي مستويا، فلما حذف الموصوف قامت الصفة مكانه فنصبت.
4 فـ"سواك" هنا ظرف وليست بمعنى "غير"؛ لأن "غير" لا تدخل في مثل هذا إلا وقبلها الضمير، يقولون: جاء الذي هو غيرك، فلما وصلت بغير ضمير ادعى أنها ظرف، والتقدير: جاء الذي استقر مكانك.
__________
* "ولسوى" متعلق باجعلا في موضع المفعول الثاني له "سوى سواء"، معطوفان على سوى بإسقاط العاطف.
"اجعلا" فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة المقلوبة ألفًا. "على الأصح" متعلق بجعلا، "ما" اسم موصول مفعول أول لاجعلا، "لغير" متعلق بجعلا، وهو في موضع المفعول الثاني له، "جعلا" ماض للمجهول ونائب فاعله ضمير مستتر هو المفعول الأول، والجملة صلة "ما" والألف للإطلاق.(2/194)
ولم يبق سوى العدوا ... ن دناهم كما دانو1
وقال الرماني والعكبري2: تستعمل ظرفا غالبًا، وكـ"غير" قليلًا، وإلى هذا أذهب3.
فصل: والمستثنى بـ"ليس" و"لا يكون"4 واجب النصب؛ لأنه خبرهما، وفي
__________
1 هو لشهل بن شيبان، الملقب بالفند للزماني من قصيدة في حرب البسوس، ومطلعها:
صفحنا عن بني ذهل ... وقلنا القوم إخوان
فلما صرح الشر ... وأمسى وهو عربان
اللغة والإعراب: العدوان: الظلم الصريح. دناهم: جازيناهم وفعلنا بهم مثل ما فعلوا بنا ... "يبق" مضارع مجزوم بلم بحذف الألف، "سوى العدوان" فاعل، ومضاف إليه "دناهم" فعل وفاعل ومفعول، "كما" الكاف حرف تشبيه وجر، "ما" مصدرية وهي ومدخولها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور في محل نصب صفة لمصدر محذوف، أي دناهم دينا، مماثلا لدينهم إيانا، وجملة دناهم جواب "لما" في البيت المذكور قبله.
المعنى: لما ظهر الشر وانكشف كل شيء كان مستورا، ولم يبق من بني ذهل إلا العدوان الظاهر، جازيناهم وفعلنا بهم مثل ما فعلوا بنا، وكما تدين تدان.
الشاهد: وقوع "سوى" فاعلا لبيق، وخروجها عن الظريفية، وهو عند البصريين خاص بالشعر، وعند الكوفيين جائز في السعة، ومذهبهم أرجح.
2 هو أبو البقاء، عبد الله بن الحسين، محب الدين العكبري البغدادي الضرير النحوي، قرأ العربية على ابن الخشاب وغيره حتى حاز قصب السبق، وأصبح إماما يشار إليه، ويقصده الناس من الأقطار، وكان ثقة صدوقا غزير الفضل كثير المحفوظ، دينا حسن الأخلاق متواضعا، أصيب في صباه بالجدري فأضر به، فكانت تحضر إليه المصنفات وتقرأ عليه، فإذا حصل ما يريد أملاه، وقد صنف كتاب كثير، منها: شرح الإيضاح، والتكملة، واللمع، وشرح الحماسة، والمقامات، وله: كتاب اللباب في علل البناء والإعراب، ومات سنة 616هـ.
3 قيل: وهو أعدل الأقوال؛ لأنه لا يحتاج إلى تكلف وتأويل في التخريج.
4 هما فعلان ناسخان، ويشترط وجود "لا" النافية قبل يكون، وأن تكون بلفظ المضارع الغائب.(2/195)
الحديث: "ما أنهر الدم وذكرا اسم الله عليه فكلوا، ليس السن والظفر"1، وتقول: "أتوني لا يكون زيدًا".
واسمها ضمير متصل عائد على اسم الفاعل2 المفهوم من الفعل السابق3، أو البعض المدلول عليه بكله السابق، فتقدر: "قاموا ليس زيدًا": ليس القائم، أو ليس بعضهم وعلى الثاني فهو نظير: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً} بعد تقدم ذكر الأولاد 4.
وجملتا الاستثناء5 في موضع نصب على الحال6، أو مستأنفتان فلا موضع لهما7.
__________
1 هذا حديث في حكم الذبائح، أنهر: أسأل الدم، وقيد الشارع ذلك بقطع الحلقوم والودجين أو المريء، "ما" اسم موصول مبتدأ. "أنهر" فعل ماض وفاعله يعود على ما: "الدم" مفعوله، وجملة "فكلوا منه" خبر ما، "السن" خبر ليس منصوب على الاستثناء من فاعل أنهر، وما بينهما اعتراض، و"الظفر" معطوف على السن.
2 أي أو اسم المفعول، كما في نحو: أكرمت القوم ليس محمدا، فإن المرجع فيه اسم مفعول.
3 أي من الحدث المفهوم من الكلام السابق. أو من قوة الكلام، إن لم يكن هنالك فعل أو مشتق يرشد إلى ما يرجع إليه الضمير، كالاتصاف بالإخوة في مثل هؤلاء إخوتك ليس عليا، أي ليس المنتسب إليك بالأخوة عليا، وهذا الرأي لسيبويه.
4 أي في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} ، فإن الأولاد تشمل الذكور والإناث، فالنون في "كن" اسمها، وهي عائدة على الإناث اللاتي هن البعض المفهوم من الأولاد، و"نساء" خبرها.
5 أي جملة "ليس زيدًا" و"لا يكون زيدا.
6 ولا تحتاج لوجود "قد" المشروطة في الجملة الماضوية الواقعة حالا؛ لأن هذا في غير الجمل التي أفعالها جامدة كما هنا.
7 أي لا علاقة لهما بما قبلهما، من جهة الإعراب، أما من الناحية المعنوية، فبينهما ارتباط.
كما أسلفنا، وهذا رأي جمهور البصريين.(2/196)
فصل: وفي المستثنى بـ"خلا" و"عدا" وجهان:
أحدهما: الجر على أنهما حرفا جر1، وهو قليل، ولم يحفظه سيبويه في "عدا". ومن شواهده قوله:
أبحنا حيهم قتلًا وأسرًا ... عدا الشمطاء والطفل الصغير2
وموضعهما نصب، فقيل هو نصب عن تمام الكلام3، وقيل؛ لأنهما متعلقان بالفعل المذكور4.
__________
1 ويكون ما بعدهما مجرورا، لفظا، والجار والمجرور متعلقان بما قبلهما من فعل أو شبهه، وقيل: لا يتعلقان بشيبء كما سيأتي، وهذا إذا لم تتقدم عليهما "ما" المصدرية، وإلا وجب اعتبارهما فعلين.
2 بيت من الوافر، لم ينسب لقائل.
اللغة والإعراب: أبحنا: أحللنا، من أباح الشيء، إذا أحله، والمراد: استأصلنا.
حيهم: الحي: القبيلة، الشمطاء: العجوز التي خالط البياض سواد شعرها، والرجل أشمط.
"حيهم" مفعول أبحنا ومضاف إليه، "قتلا" تمييز، ويجوز أن يكون "حيهم" منصوبا على نزع الخافض، أي في حيهم، و"قتلا" مفعول به. "الشمطاء" مجرور بـ"عدا".
المعنى: استبحنا القتل والأسر، واستأصلنا هذه القبيلة، ولم نترك إلا العجائز من النساء، والصغار من الأطفال.
الشاهد: جر الاسم الواقع بعد "عدا" على أنها حرف جر.
3 أي تمام الجملة قبلهما، فتكون هي الناصبة لمحلهما على الاستثناء، كما قيل في تمييز النسبة: إن العامل فيه النصب هو الجملة قبله، ولا يحتاجان لمتعلق على اعتبارها من أحرف الجر الشبيهة بالزائد.
4 أي قبلهما، فيكونان حينئذ في موضع نصب على المفعول به، قيل: والأرجح الأول.(2/197)
والثاني: النصب على أنهما فعلان جامدان لوقوعهما موقع "إلا"1، وفاعلهما ضمير مستتر، وفي مفسره، وفي موضع الجملة، البحث السابق2.
وتدخل عليهما "ما" المصدرية3 فيتعين النصب، لتعين الفعلية حينئذ، كقوله:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل4
وقوله:
تمل الندامى ما عداني فإنني5
__________
1 لأن الفعل إذا وقع موقع الحرف يصير جامدا، كما أن الاسم إذا وقع موقعه يصير مبنيا، ونصب ما بعدهما على أنه مفعول واضح بالنسبة لعدا؛ لأنه متعد قبل الاستثناء، أما "خلا" فقد ضمنت عند الاستثناء معنى جاوز، فصارت متعدية.
2 أي في "ليس" و"لا يكون" وقد تقدم قريبا.
3 أي الاستثناء؛ لأنها لا تدخل على فعل جامد، وقيل: لأنهما في الأصل متصرفان، والمنع إنما هو الجامد أصالة.
4 صدر بيت من الطويل، للبيد بن ربيعة العامري، وعجزه:
وكل نعيم لا محالة زائل
اللغة والإعراب: ما خلا الله: ما عداه -سبحانه- باطل المراد: فان وهالك. زائل: ذاهب، "ألا" أداة استفتاح. "كل شيء" مبتدأ ومضاف إليه. "ما" مصدرية. "خلا" فعل ماض، والفاعل هو "الله" منصوب على التعظيم. "باطل" خبر كل، "كل نعيم" مبتدأ ومضاف إليه، "لا" نافية للجنس. "محالة" اسمها والخبر محذوف، "زائل" خبر المبتدأ، وجملة "لا" واسمها معترضة بين المبتدأ والخبر.
المعنى: كل شيء في هذه الحياة فان لا بقاء له، إلا المولى -سبحانه وتعالى- وكل نعيم في الدنيا زائل وذاهب من غير شك، فليعتبر بها المنحرفون.
الشاهد: استعمال "خلا" فعلا لسبقها بما المصدرية، ونصب لفظ الجلالة بعدها.
5 تقدم هذا البيت في باب النكرة والمعرفة، "انظر صفحة 103 جزء أول".
الشاهد: فيه هنا استعمال "عدا" فعلا ماضيا، لسبقها بـ"ما" المصدرية، فوجب نصب الاسم بعدها.(2/198)
ولهذا دخلت نون الوقاية، وموضع الموصول وصلته نصب: إما على الظرفية1 على حذف مضاف، أو على الحالية على التأويل باسم الفاعل2، فمعنى: "قاموا ما عدا زيد": قاموا وقت مجاوزتهم زيدًا، أو مجاوزين زيدًا وقد يجران على تقدير "ما" زائدة3.
__________
1 أي الزمانية، وهذا هو الصحيح.
2 ويكون الحال فيه معنى الاستثناء، ولا يقال إن المصدر المؤول لا يقع حالا، لتعرفه بالضمير المشتمل عليه، والحال لا يكون إلا نكرة؛ لأنا نقول: إن ما معنى مؤول بنكرة، أي متجاوزين وخالين.
3 وإلى هذا ذهب الجرمي والكسائي والفارسي، ولم يرتضه ابن هشام؛ لأن "ما" تزاد بعد حرف الجر، نحو: {عَمَّا قَلِيلٍ} ، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} ، أما هنا فلا. وإن كان قد سمع ذلك فهو شذوذ لا يقاس عليه، وقد أشار الناظم إلى هذا، وإلى حكم ما سبق، من "ليس، ولا يكون، وعدا، وخلا"، فقال:
وأستثن ناصبا بـ"ليس" و"خلا" ... وبـ"عدا" وبـ"يكون" بعد "لا"
واجرر بسابقي "يكون" إن ترد ... وبعد "ما" انصب وانجرار قد يرد
وحيث جرا فهما حرفان ... كما هما إن نصبا فعلان
أي استن بهذه الأدوات، وهي: ليس، وخلا، وعدا، ويكون -المسبوقة بلا النافية- ناصبا المستثنى بها؛ لأنها في هذه الحالة أفعال، وجر المستثنى بالأداتين السابقتين على "يكون" إذا
__________
* "ناصبا" حال من فاعل استثن، "بليس" متعلق باستثن. "وخلا" معطوف عليه، "وبعدا وبيكون" جاران ومجروران معطوفان على ليس، "بعد" ظرف متعلق بمحذوف حال من يكون. "لا" مضاف إليه مقصود لفظه.
"بسابقي" متعلق باجرر "يكون" مضاف إليه مقصود لفظه، "إن" شرطية. "ترد" فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام، "وبعد" ظرف متعلق بانصب. "ما" مضاف إليه مقصود لفظه، "وانجرار" مبتدأ "قد يرد" الجملة خبر، "حيث" اسم شرط، على رأي الفراء الذي لا يشترط اقتراتها بما، "جرا" فعل وفاعل فعل الشرط، "فهما حرفان" مبتدأ وخبر جواب الشرط، وعلى رأي غيره: تكون، "حيث" ظرف مكان متعلق بحرفان؛ لأنه في قوة المشتق، وزيدت الفاء لإجراء الظرف مجرى الشرط، كقوله تعالى: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ} . "كما" متعلق بفعلان. "هما" مبتدأ. "إن نصبا" شرط وفعله، والجواب محذوف "فعلان" خبر المبتدأ، وجملة الشرط وجوابه معترضة بين المبتدأ والخبر.(2/199)
فصل: والمستثنى "بحاشا" عند سيبويه مجرور لا غير1، وسمع غيره النصب، كقوله: اللهم اغفر لي ولمن يسمع، حاشا الشيطان وأبا الأصبغ2، والكلام في موضعها، جارة وناصبة، وفي فاعلها، كالكلام في أختيها3.
ولا يجوز دخول "ما" عليها4، خلافا لبعضهم5، ولا دخول "إلا"، خلافا
__________
شئت، وهما: خلا، وعد، على اعتبارهما حرفي جر، وإذا سبقتهما "ما" المصدرية، فانصب ما بعدهما حتما على اعتبارهما فعلين، وقد ورد الجر قليلا عن بعض العرب في أمثلة مسموعة لا يقاس عليها، وأوله بعضهم على أن "ما" زائدة، وإن جررت بخلا، وعدا فهما حرفا جر، وإن نصبت بهما فهما فعلان بلا خلاف في ذلك.
1 أي على اعتبار أنها حرف جر، والصواب أن ذلك هو الكثر فيها.
2 هذا كلام منثور وليس بنظم، و"أبو الأصبغ" اسم رجل رمي بالخسة والدناءة، وجعل قرينا للشيطان، لالتحاقه به في قبح الأفعال. "الشيطان" منصوب بحاشا على أنها فعل ماض، و"أبا" معطوف عليه، "الأصبغ" مضاف إليه. وجيء بحاشا هنا للتهكم؛ لأنها إنما يستثنى بها في مقام تنزيه المستثنى عن نقص ما، والمغفرة أمر حسن لا يتنزه أحد عنه، ولكنه بالغ في تقبيح فعل الشيطان، وأبي الأصبغ وخستهما وذمهما، حتى كأن المغفرة تنقص بهما، فيجب أن تتنزه عنهما وألا تتعلق بأمثالهما.
3 وهما: عدا، وخلا، وقد شرحناهما قريبا.
4 أي سواء كانت مصدرية أو زائدة، وهذا رأي ابن مالك كما ذكر في النظم، إذ يقول:
وكخلا حاشا ولا تصحب "ما" ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
وما ورد مما يفيد غير ذلك، فشاذ عنده.
5 فقد أجاز دخول "ما" عليها مستدلا بقوله -عليه الصلاة والسلام-: $"أسامة أحب الناس إلي ما حاشا فاطمة"، ورد بأن جملة "ما حاشا فاطمة"، مدرجة من كلام الراوي، وليست من الحديث، أي أنه -عليه الصلاة والسلام- لم يستثن فاطمة، فتكون "ما" نافية لا مصدرية، و"حاشا" فعل متعدل متصرف بمعنى أستثني، وكذلك استدل بقول الأخطل:
رأيت الناس ما حاشا قريشا ... فإنا نحن أفضلهم فعالًا
وأجيب بأن هذا شاذ، ومفعول رأى الثاني محذوف، أي دوننا، وقيل: رأى، من الرأي فتكتفي بمفعول واحد.(2/200)
للكسائي1.
__________
1 فقد أجاز دخول "إلا" عليها إذا جرت، ومنعه إذا نصبت، تقول: قام القوم إلا حاشا محمد بالجر.
تكملة: تأتي "حاشا" على ثلاثة أحوال:
أ "استثنائية"، وهي فعل ماض جامد، وقد تأتي حرفا كما سبق في الكلام عليها.
ب "تنزيهية"، تدل على التنزيه الخالص وتبرئة ما بعدها من سوء، والصحيح أنها اسم مرادف لكلمة "تنزيه" التي هي مصدر "نزه"، بدليل إضافتها وتنوينها في قوله تعالى: {حَاشَ لِلَّهِ} ، فقد قرأ ابن مسعود: "حاش الله" بالإضافة على زيادة اللام، كسبحان الله، ومعاذ الله، وقرأ أبو السمال: "حاشا لله" بالتنوين والإضافة، والتنوين من خواص الأسماء، وهي منصوبة على أنها مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبا من معناها؛ لأنها مصدر قائم مقام الفعل، وقال بعض النحاة: إنها اسم فعل ماض بمعنى: تنزه، أو بريء، واللام بعدها زائدة، و"الله" مجرور باللام الزائدة في محل فاعل باسم الفعل، وقال الكوفيون والمبرد: إنها فعل.
جـ أن تكون فعلا متعديا متصرفا بمعنى استثني، تقول: حاشيت مال اليتيم أن تمتد إليه يدي أي استثنيته، وتكتب ألفها الأخيرة ياء في هذه الحالة، ومنه الحديث السابق: $"أسامة أحب الناس إلي ما حاشى فاطمة "، كما ذكرنا. وقول
الشاعر:
ولا أرى فاعلًا في الناس يشبهه ... ولا أحاشي من الأقوام من أحد
ويجوز في نحو: قام الناس حاشاك وحاشاه: كون الضمير منصوبا، وكونه مجرورا، فإذا قلت: حاشاي تعين الجر، وإن قلت: حاشاني تعين النصب، وكذا الشأن في: خلا، وعدا.
فائدة: تأتي "لما" للاستثناء بمعنى إلا، نحو: ناشدتك الله لما فعلت كذا، عمرك الله لما تركت كذا، وهذا مقصور على السماع على الصحيح.
خاتمة في معنى "لاسيما"، وإعراب الاسم الواقع بعدها:
معناها: "سيما" مركبة من كلمتين هما: "سي" بمعنى مثل، ولفظ "ما"، وهي تفيد أن ما بعدها يشترك مع ما قبلها في حكم ما، ولكن نصيب ما بعدها أوفر، ويزيد على نصيب ما قبله، ولذلك كان معناها: لا مثل، أي أن ما بعدها ليس مماثلا لما قبلها، وبسبب هذه(2/201)
.. .... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
1 إذا كان الاسم الواقع بعدها نكرة، نحو: ولا سيما يوم، جاز فيه الرفع والجر والنصب، فالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره هو، والجملة صلة "ما" على أنها موصولة، أو صفتها على أنها نكرة موصوفة، أي لا مثل الذي هو يوم -أو لا مثل شيء هو يوم، والجر على إضافة "سي" إليه، و"ما" زائدة، أو على أن "ما" نكرة تامة والمجرور بدل منها أو عطف بيان، وعلى الوجهين ففتحة "سي" إعراب؛ لأنه مضاف لما، أو للاسم إذا كانت زائدة، والنصب على أنه تمييز لما، و"ما" نكرة تامة في محل جر بإضافة سي إليها، وقيل: أن النصب على أنها تمييز لسي؛ لأنها مبهمة تحتاج إلى تمييز، و"ما" كافة لسي عن الإضافة، وعلى هذا ففتحته للبناء، وقد روي بالأوجه الثلاثة قول امرئ القيس.
ولا سيما يوم بدارة جلجل
2 وإن كان الاسم الواقع بعدها معرفة: جار الرفع والجر فقط على الاعتبار السابق، وفي جميع الأحوال، فالواو للاستئناف ويجوز أن تكون للعطف، والجملة بعدها معطوفة على ما قبلها أو للحال، "لا" نافية للجنس تعمل عمل إن، و"سي" اسمها بمعنى مثل، وخبرها محذوف دائما تقديره "موجود" أو"حاصل"، والجملة من لا واسمها وخبرها في محل نصب على الحال، والغالب تشديد يائها ودخول "لا" و"الواو" الاعتراضية عليها حتى أوجبه بعضهم، وقد تحذف "الواو" و"لا"، وقد تخفف الياء تحذف الواو، كقول الشاعر:
فه بالعقود وبالأيمان لا سيما ... عقد وفاء به من أعظم القرب
ونصبها حينئذ على الحال، و"لاش" مهملة، وقد تستعمل "لاسيما" بمعنى خصوصا، إذا قصد بها تفضيل حالة من أحوال ما قبلها، فتكون في محل نصب على أنها مفعول مطلق لأخص محذوفا مع كونها اسم لا، ولا خبر لها، وحينئذ يؤتى بعدها بالحال مقردة أو جملة، نحو: أحب محمدا ولا سيما مجدا، أو هو مجد، وبالجملة الشرطية، نحو: ولا سيما إن اجتهد، وجواب الشرط يدل عليه الفعل المقدر "بأخص".(2/202)
.. .... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
الأسئلة والتمرينات:
1 عرف المستثنى، وبين الفرق بين الاستثناء المتصل والمنقطع، ومثل لكل.
2 ما هو الاستثناء المفرغ؟ وماذا يشترط فيه؟ هات أمثلة موضحة من إنشائك.
3 تختلف حالات إعراب المستثنى، فمتى يجب نصبه؟ ومتى يترجح؟ ومتى يضعف؟ مثل لما تذكر بأمثلة موضحة، وعلل ما تقول.
4 اشرح قول ابن مالك:
واستثن مجرورًا بـ"غير" معربا ... بما لمستثنى بـ"إلا" نسبا
وبين الفرق بين "إلا" و"إير" و"سوى"، ووضح ما تقول بالأمثلة:
5 بين حكم المستثنى بخلا وعدا ولا يكون، ووضح ما تقول بأمثلة من إنشائك.
6 فيما يأتي شواهد لبعض مسائل هذا الباب، بين موضع الشاهد، وحكم المستثنى:
قال تعالى: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ} .
{وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ} .
{وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} .
{فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى} .
{الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} .
{لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ} .
{لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَك} .
وفي الحديث الشريف: "دعوت ربي ألا يسلط على أمتي عدوًا من سوى أنفسها".
لا يدرك المجد إلا سيد فطن ... لما يشق على السادات فعال
خلا الله لا أرجو سواك وإنما ... أعد عيالي شعبة من عيالكا
لديك كفيل بالمنى لمؤمل ... وإن سواك من يؤمله يشقى
لكل جديد لذة غير أنني ... وجدت جديد الموت غير لذيذ
فإني والذي يحج له النا ... س بجدوى سواك لم أثق
حاشا قريشا فإن الله فضلهم ... على البرية بالإسلام والدين
7 هات ثلاث جمل للاستثناء، يكون فيها المستثنى واجب النصب، وأخرى يكون فيها جائز النصب والاتباع للمستثنى منه.(2/203)
.. .... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
8 بين موضع إعراب ما تحته خط في الآتي، وعلل لما تقول:
وما المرء إلا الأصغران لسانه ... ومعقوله والجسم خلق مصور
لكل داء دواء يستطب به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها
وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان
إذا الخل لم يهجرك إلا ملالة ... فليس له إلا الفراق عتاب
9 اشرح البيت الآتي، واعرب ما تحته خط، وهو للمرحوم إسماعيل صبري الشاعر المصري المتوفى سنة 1923، وفي وصف أهرام مصر:
لم يأخذ الليل منها والنهار سوى ... ما يأخذ النمل من أركان ثهلان
10 كون جملة من إنشائك، يكون المستثنى فيها منصوبا، مع أن الكلام قبله تام منفي، وأخرى يجب فيها الاتباع.(2/204)
باب: الحال أنواعها
مدخل
...
باب الحال 1:
الحال نوعان: مؤكدة2 وستأتي، ومؤسسة3 وهي: وصف4 فضلة5 مذكورة لبيان الهيئة6، كجئت راكبًا، وضربته مكتوفا، ولقيته راكبين7.
__________
هذا باب الحال:
1 يطلق الحال لغة: على الوقت الذي فيه الإنسان، وعلى ما هو عليه من خير أو شر، واصطلاحا: ما ذكره المصنف ولف الحال -من غير تاء- صالح للتذكير والتأنيث، تقول: الحال حسن، أو حسنة، والكثر والأفصح في لفظه التذكير: وفي وصفه وفي ضميره التأنيث.
2 وهي التي لا تفيد معنى جديدًا، ويفهم معناها بدون ذكرها، ويدل عليها عاملها أو صاحبها.
3 وهي التي تفيد معنى لا يستفاد إلا بذكرها، وتسمى كذلك المبنية؛ لأنها تبين وتوضح هيئة صاحبها، وهذا القسم هو الغالب في الحال، حتى قال المبرد والفراء: إن الحال لا تكون مؤكدة.
4 أي صريح أو مؤول، لتدخل الحال الجامدة، والجملة وشبهها "الظرف والجار والمجرور"، لتأول كل بالوصف المشتق، والمراد بالوصف: الاسم المشتق الذي يدل على معنى وذات متصفة به، وهو: اسم الفاعل، واسم المفعول والصفة المشبهة، وأمثلة المبالغة، وأفعل التفضيل.
5 المراد بالفضلة هنا: ما ليست ركنا في الإسناد، وإن كانت لازمة لصحة المعنى، نحو قوله تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} ، فإنه لا يكون معنى إذا حذفت كلمة "كسالى"، أوجب ذكرها لعارض كونها سادة مسد العمدة، كالحال التي تسد مسد الخبر في نحو: ضربي العبد مسيئًا.
6 أي هيئة صاحبه وصفته وقت وقوع الفعل، من فاعل، أو مفعول به، أو هما معا، أو غير ذلك.
7 "راكبا" حال مبنية لهيئة الفاعل، و"مكتوفا" مبنية لهيئة المفعول، و"راكبين" مبنية لهما، قيل: ومجيء الحال من غير ذلك، كالمجرور بالحرف والمضاف إليه، والمبتدأ والخبر، واسم الناسخ، ينبغي أن يؤول بالفاعل أو المفعول، وقيل: بجواز ذلك بدون تأويل، لوروده في الفصيح من كلام العرب.(2/205)
وخرج بذكر الوصف، نحو "القهقرى" في رجعت القهقرى1.
وبذكر الفضلة الخبر في نحو: زيد ضاحك.
وبالباقي: التمييز في نحو2: لله دره فارسا، والنعت في نحو: جاءني رجل راكب، فإن ذكر التمييز لبيان جنس المتعجب منه3، وذكر النعت لتخصيص المنعوت، وإنما وقع بيان الهيئة بهما ضمنا لا قصدًا، وقال الناظم:
الحال وصف فضلة منتصب ... مفهم في حال كذا ... ...
فالوصف جنس يشمل الخبر والنعت والحال، وفضله مخرج للخبر، و"منتصب" مخرج لنعتي الموفوع والمخفوض، كجاءني رجل راكب، ومررت برجل راكب، ومفهم في حال كذا4 مخرج لنعت المنصوب، كرأيت رجلًا راكبا، فإنه إنا سيق لتقييد المنعوت، فهو لا يفهم "في حال كذا" بطريق القصد، وإنما أفهمه بطريق اللزوم5.
وفي هذا الحدد نظر؛ لأن النصب حكم، والحكم فرع التصور6، والتصور متوقف
__________
1 فإنه وإن كان مبنيا لهيئة الفاعل، إلا أنه اسم للرجوع إلى الخلف، لا وصف وتثنى على القهقرين بحذف الألف، والقياس قلبها ياء.
2 أي من كل تمييز وقع وصفا مشتقا.
3 أي: وهو الفروسية في المثال المذكور.
4 هذه العبارة هي معنى قول المصنف: مذكورة للدلالة على الهيئة.
5 لأن المقصود الأصلي من النعت، تقييد المنعوت به، ويلزم من ذلك بيان الهيئة عرضا.
6 أي تصور المحدود وتعرفه؛ لأنه لا يحكم على شيء إلا بعد تصوره ومعرفته، وقد أدخل الحكم في التعريف.(2/206)
فصل: في أوصاف الحال
على الحد فجاء الدور1.
فصل: للحال2 أربعة أوصاف.
أحدها3، أن تكون منتقلة لا ثابتة، وذلك غالب لا لازم، كجاء زيد ضاحكا، وتقع وصفا ثابتا في ثلاث مسائل:
إحداها: أن تكون مؤكدة4، نحو: زيد أبوك عطوفًان، و {يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} .
__________
1 وقد أجيب على ذلك: بأن يكفي في الحكم على الشيء تصويره بوجه ما غير الحد.
وفيما سبق من تعريف الحال يقول الناظم:
الحال وصف فضلة منتصب ... مفهم "في حال" كفردًا أذهب
أي أن الحال هو: الوصف المشتق الفضلة المنتصب للدلالة على هيئة صاحبه وصفته، مثل: فردا أذهب، ففردا حال بمعنى منفردا، وفيه القيود المذكورة، وكملة "حال" غير منونة؛ لأنها مضافة إلى محذوف، كما أوضحنا في الإعراب.
2 أي من حيث هي، بقطع النظر عن كونها مؤكدة، أو مؤسسة.
3 هذا الوصف باعتبار ثبات معناها ودوامه، أو عدم ذلك، والمرادبالمنتقلة: التي ليست ملازمة للمتصف بها، بل تبين هيئة صاحبها مدة مؤقتة، وبالثابتة: الملازمة لصاحبها التي لا تفارقه.
4 أي لمضمون الجملة التي قبلها، بحيث يتفق معنى الحال ومضمون الجملة، فتلازم صاحبها تبعا لذلك، ويشترط في هذه الجملة: أن تكون اسمية، وأن يكون طرفاه -وهما المبتدأ والخبر- معرفتين جامدتين، ولا بد أن يتأخر الحال عنهما وعن العامل، كالمثال الأول الذي ذكره المصنف، فإن "عطوفا" حال من الأب والعطف ملازم للأبوة؛ لأن الأبوة من شأنها العطف، وهذا المعنى مستفاء من مضمون الجملة ... إلخ.
وقد تكون مؤكدة لعاملها، إما في اللفظ والمعنى، نحو: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} ،
أو في المعنى فقط، كمثال المصنف الثاني، فإن "حيا" حال من ضمير أبعث، والبعث هو الحياة بعد الموت، وهذه مؤكدة لمعنى العامل، وهو "أبعث"؛ لأن البعث من لازمة الحياة، وهو مستفاد بدون ذكر الحال، أو مؤكدة لمعنى صاحبها، نحو: {لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} ، فجميعا حال مؤكدة معنى صاحبها، وهو "من"، ومعنى الجمعية هو معنى العموم المستفاد من "من" بدون ذكر الحال.
__________
* "الحال وصف" مبتدأ وخبر "فضلة منتصب مفهم" نعوت لوصف "في حال" -بدون تنوين- جار ومجرور في محل جر بإضافة مفهم من إضافة الوصف لمفعوله، والمضاف إليه محذوف منوي ثبوته، أي في حال كذا.
"كفردا" الكاف جارة لقول محذوف، و"فردا" حال من فاعل أذهب.(2/207)
الثاني: أن يدل عاملها على تجدد صاحبها، نحو: خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها، فيديها بدل بعض، و"أطول" حال ملازمة1.
الثالثة: نحو: {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} ، ونحو: {أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} 2، ولا ضابط لذلك، بل هو موقوف على السماع، ووهم ابن الناظم فمثل "بمفضلًا" في الآية، للحال التي تجدد صاحبها3.
الثاني: أن تكون مشتقة لا جامدة4، وذلك أيضًا غالب لا لازم.
__________
1 أي ليديها؛ لأن ذلك مقارن للخلق والإيجاد فهو ثابت لا يتغير، والعامل، وهو "خلق" يدل على تجدد الصاحب وحدوثه -وهو المخلوق- بعد أن لم يكن، و"خلق" هو العامل في الحال وفي صاحبها.
2 أي مما يدل على الدوام بقرائن خارجية، فقائما حال من "الله"، وعاملها "شهد"، و"مفصلا" حال من الكتاب وعاملها أنزل، وهما وصفان ثابتان؛ لأن دوام قيامه تعالى بالعدل لازم، وكذلك تبيين الكتاب للحق والباطل، وهذا معروف من أمر خارج عن الجملة، وهو صفات الخالق سبحانه.
3 حجة المصنف: أن "الكتاب" -الذي هو صاحب الحال- قديم، فلا يمكن أن يكون متجددًا حادثا، وأجيب عن ابن الناظم: بأنه أراد بالكتاب اللفظ المقروء لا الصفة النفسية، ولا مانع من القول بتجدده، بدليل وصفة بالإنزال، ولا يتجها الوهم إلا إذا أريد أن الإنزال يدل على تجدد المنزل، وحدوثه وقت الإنزال.
4 هذا الوصف بحسب الاشتقاق والجمود، وإنما كان الغالب في الحال أن تكون مشتقة؛ لأنهها صفة لصاحبها في المعنى، والصفة لا تكون إلا مشتقة، وهذا يستلزم وجوب مطابقتها لصاحبها في التذكير والإفراد وفروعهما؛ لأن الاشتقاق يقتضيها تحمل ضمير، وإلى الوصفين المتقدمين أشار الناظم بقوله:
وكونه منتقلا مشتقا ... يغلب لكن ليس متسحقا
أي أن الغالب والكثير في الحال: أن تكون منتقلة مشتقة، وليس هذا واجبا.(2/208)
وتقع جامدة مؤولة بالمشتق في ثلاث مسائل:
إحداها: أن تدل على تشبيه1، نحو: كر زيد أسدا، وبدت الجارية قمرًا، وتثنت غصنا، أي شجاعًا، ومضيئة ومعتدلة2، وقالوا: وقع المصطرعان عدلي عير3، أي مصطحبين اصطحاب عدلي حمار حين سقوطهما.
الثانية: أن تدل على مفاعلة4، نحو: بعته يدًا بيد5، أي متقابضين، وكلمته فاه
__________
1 أي أن تقع الحال مشبها بها في جملة، تفيد التشبيه ضمنا لا صراحة.
2 فالكلمات "أسدا وقمرا، وغصنا" أحوال منصوبة من الفاعل قبلها، وهي جامدة مؤولة بالمشتق كما ذكر المصنف، وكل منها بمنزلة المشبه به، وليس مشبها به حقيقة؛ لأن التشبيه غير مقصود، وقيل: أنها مستعملة في حقيقتها، والكلام على حذف مضاف، أي مثل: أسد، وقمر، وغصن، وذلك أصرح في الدلالة على التشبيه.
3 هذا مثل عربي، يضرب للأمر يتساوى فيه الخصمان، ومعناه: وقعا معا ولم يصرع أحدهما الآخر، والمصطرعان: تثنية مصطرع، وهو من يحاول صرع صاحبه وطرحه على الأرض، عدلي: تثنية عدل، وهو نصف الحمل يكون على أحد جنبي البعير، العير: الحمار، ويغلب على الوحشي، "عدلي" حال جامدة من المصطرعات، وهي مؤولة بالمشتق كما بين المصنف، وقيل: إن "عدلي" مفعول مطلق، أي وقوعا مثل وقوع عدلي عير؛ لأن النيابة إنما تكون بين متضايفين، أو موصوف وصفته.
4 سواء كان بلفظها أو بمعانها، والمفاعلة: هي صيغة تقتضي المشاركة من الجانبين.
5 "يدا" حال من الفاعل والمفعول معا "بيد" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة للحال، أي
__________
* "وكونه" مبتدأ، وهو مصدر كان الناقصة مضاف إليه اسمه، "منتقلا" خبر المصدر الناقص، "مشتقا" خبر ثان.
"يغلب" الفاعل يعود إلى الكون، والجملة خبر المبتدأ "لكن" حرف استدراك. "ليس" فعل ماض ناقص، واسمها يعود على كونه منتقلا ... إلخ. "مستحقا" خبر ليس.(2/209)
إلى في، أي متشافهين1.
الثالثة: أن تدل على ترتيب، كادخلوا رجلًا رجلًا، أي مترتبين2.
وتقع جامدة غير مؤولة المشتق في سبع مسائل:
وهي: أن تكون موصوفة3، نحو: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} ، {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} 4، وتسمى حالًا موطئة5.
__________
يدا كائنة مع يد، ومعنى الكلمتين جار على صيغة المفاعلة، أي مقايضة، وقيل: إن الحال مجموع اللفظين؛ لأنه هو الدال على المفاعلة، ويجوز رفع "يد" على الابتداء، و"بيد" جار ومجرور خبر، والجملة في محل نصب حال، والرابط محذوف، أي يد منه مع يد مني.
1 إعرابه كسابقه، ومثله: كلمته عينه إلى عيني، أي مواجهة أو مقابلة، وجاورته منزله إلى منزلي، وناضلته قوسه عن قوسي، وقيل: لا يقاس على هذا لخروجه على القياس بالتعريف والجمود والتركيب.
2 مثله: رجلين رجلين، أو رجالا رجالا، وضابط هذا النوع: أن يذكر المجموع أولا مجملا، ثم يؤتى ببعضه مفصلا مكررًا، مثل: مشي التلاميذ: اثنين اثنين، أو ثلاثة ... إلخ، انقضى العام شهرا شهرا، الأسبوع يوما يوما.....وهكذا، فكل هذا منصوب بالعامل والمجموع حال، وقيل: الأول هو الحال، والثاني، توكيد لفظي للأول، أو صفة بتقدير مضاف، أي ذا رجل، أو معطوف عليه بحرف عطف محذوف، وهو "الفاء" أو"ثم" لا غير؛ لأنهما هما اللذان يدلان على الترتيب.
3 أي بمشتق كمثال المصنف، أو بشبهه، وهو الظرف والجار والمجرور؛ لأن كلا منهما يتعلق بمحذوف مشتق، نحو قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} ، {أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} .
4 "قرآنا" حال من القرآن في قوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ} ، و"بشرا" حال من فاعل تمثل، والاعتماد فيهما على الصفة، وهي: "عربيا، وسويا".
5 أي ممهدة لما بعدها؛ لأنه هو المقصود، أما هي فغير مقصود بذاتها، وإنما تمهد الذهن وتهيؤه لما تجيء بعدها من الصفة، فهي مجرد وسيلة إلى النعت.(2/210)
أو دالة على سعر1، نحو: بعته مدا بكذا2.
أو عدد، نحو: {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} 3.
أو طور واقع فيه تفصيل4، نحو: هذا بسرا أطيب منه رطبًا5.
أو تكون نوعًا لصاحبها6، نحو: هذا مالك ذهبًا.
أو فرعا7، نحو: هذا حديدك خاتما، {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} .
أو أصلا له8، نحو: هذا خاتمك حديدًا، و {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} .
__________
1 أي على شيء له سعر وثمن.
2 "مدا" حال من الهاء في بعته، وهي عائدة على الشيء المبيع، "بكذا" متعلق بمحذوف بيان لمد، وهو من الأشياء التي تسعر، ويجوز رفع "مد" على أنه مبتدأ، و"بكذا" متعلق بمحذوف خبر، والجملة في محل نصب حال، والعائد محذوف، أي مدمنه.
3 "أربعين" حال من "ميقات"، و"ليلة" تمييز.
4 أي أن تدل الحال على أن صاحبها في طور وحال من أحواله مفضل وزائد على نفسه، أو غيره في حالة أخرى.
5 "فبسرا" حال من فاعل أطيب المستتر فيه، و"ربطا" حال من الهاء في منه. والمراد أن للبلح أطوارا مختلفة، وهو في طر البسر مفضل على نفسه في طور الرطب.
6 أي بأن يكون لصاحبها أنواع متعددة، وهي نوع منها، فـ"ذهبا" في المثال حال من "مالك"، والذهب نوع من المال.
7 أي أن يكون صاحبها نوعا معينا، وهي فرع منه، فخاتما حال من حديدك، وهو فرع له.
و"بيوتا" حال من الجبال، وهي فرع منها.
8 أي أن تكون الحال هي النوع والأصل، وصاحبها هو الفرع، فحديدا حال من خاتمك، والحديد أصل للخاتم، و"طينا" حال من منصوب خلقت المحذوف، أي خلقته، أو على نزع الخافض، أي من طين، والطين أصل للمخلوق.
وفي الحال الجامدة يقول الناظم في إجمال.(2/211)
تنبيه: أكثر هذه الأنواع وقوعا: مسألة التسعير، والمسائل الثلاث الأول1، وإلى ذلك يشير قوله:
ويكثر الجمود في سعر وفي ... مبدي تأول بلا تكلف
ويفهم منه: أنها تقع جامدة في مواضع أخر بقلة، وأنها لا تؤول بالمشتق كما لا تؤول الواقعة في التسعير، وقد بينتها كلها.
وزعم ابنه أن الجميع مؤول بالمشتق2، وهو تكلف، وإنما قلنا به في الثلاث الأول؛ لأن اللفظ فيها مراد به غير معناه الحقيقي، فالتأويل فيها واجب.
الثالث: أن تكون نكرة لا معرفة3، وذلك لازم4، فإن وردت بلفظ المعرفة.
__________
ويكثر الجمود في سعر وفي ... مبدي تأول بلا تكلف
كبعه مدا بكذا يدا بيد ... وكر زيد أسدًا أي كأسد
أي يكثر مجيء الحال جامدة في الأشياء التي تدل على سعر، وفي كل ما يظهر تأولها بمشتق من غير تكلف، وقد مثل لما دل على السعر أو التشبيه، وقد أوضح المصنف المواضع الأخرى، والمد: مكيال معروف لأهل الحجاز والعراق، مقداره، رطل وثلث، أو رطلان.
1 وهي ما دل على تشبيه، أو مفاعلة، أو ترتيب.
2 وتأويلها في السبع الباقية على معنى: متصفا بصفات البشر، من استواء الخلقة ونحوها، ومسعرا، ومعدودا، ومطورا بطور البسر أو الرطب، ومنوعا ومصوغا، ومتأصلا، أو مصنوعا.
3 هذا الوصف من ناحية التنكير والتعريف.
4 لأن الغالب فيها أن تكون مشتقة، وأن يكون صاحبها معرفة، فلو عرفت وهي مشتقة
__________
* "في سعر" بيكثر. "وفي مبدي تأول" معطوف على ما قبله، ومضاف إليه "بلا تكلف" متعلق بتأول، و"لا" اسم بمعنى غير مضاف إلى تكلف. "كعبه" الكاف جارة لقول محذوف، و"بعه" فعل أمر ومفعوله.
"مدا" حال من الهاء، "بكذا" متعلق بمحذوف صفة لمد، أي كائنا بكذا، "يدا بيد"، إعرابه كسابقه "أسدا" حال من زيد. "أي" حرف تفسير "كأسد" الكاف اسم بمعنى مثل، عطف بيان على "أسدا" الواقع حالا، و"أسد" مضاف إليه.
لتوهم أنها نعت عند انتصاب صاحبها، وحمل غيره عليه.(2/212)
أولت بنكرة، قالوا: جاء وحده1، أي منفردًا، ورجع عوده على بدئه2، أي عائدًا، وادخلوا الأول فالأول3، أي مترتبين، وجاءوا الجماء الغفير4، أي جميعًا، وأرسلها العراك، أي معتركه5.
__________
1 "وحده" حال من فاعل جاء المستتر، وهي معرفة بسبب إضافتها إلى الضمير الواقع مفعولا؛ لأنها مصدر "وحد"، وجامدة مؤولة بمشتق من معناها، كما ذكر المصنف.
2 "عوده" حال من الفاعل المستتر في رجع، وهو معرفة بإضافته إلى الضمير، ومؤول بالمشتق، ومعناه: رجع عائدا في الحال، أو رجع على الطريق نفسه، ويروى برفع "عوده" على أنه مبتدأ والجار والمجرور بعده خبر، والجملة حال من الضمير في جاء ويقال هذا: لإنسان عهد منه عدم الاستقرار على ما ينقل إليه، بل يرجع إلى ما كان عليه.
3 "الأول" حال من الواو في "ادخلوا"، و"الأول" الثاني معطوف بالفاء على سابقه، وهما معرفتان بأل.
4 "الجماء" حال من الواو في جاءوا، والجماء: مؤنث الأجم بمعنى الكثير وأنت باعتبار الموصوف المحذوف، أي الجماعة الجماء، والغفير: من الغفر وهو الستر، أي الذي يستر ويغطي وجه الأرض لكثرته، وهو صفة للجماء، ولم يطابق، وإن كان بمعنى فاعل حملا على فعيل بمعنى مفعول، أو باعتبار معنى الجمع.
5 ومعناها: مزدحمة، ولو قال: أي معاركة، لكان أحسن؛ لأن اسم الفاعل من العراك معارك، لا معترك، والعراك حال من الهاء في أرسلها، والضمير للإبل أو الأتن، وقيل: العراك مفعول مطلق لمحذوف هو الحال من الضمير، أي معاركة العراك، وهذا المثال جزء من بيت للبيد بن ربيعة العامري، يصف أتنا وردت الماء مزدحمة، وهو بتمامه:
فأرسلها العراك ولم يذدها ... ولم يشفق على نغص الدخال
العراك: ازدحام الإبل أو غيرها عند ورود الماء يذدها" يطردها ويمنعها. يشفق: يرحم.
نغص: نغص البعير -لم يتم شربه الدخال: مداخلة البعير الذي شرب مع الذي لم يشرب، يريد: أن حمار الوحش، أرسل الأتن إلى الماء مزدحمة ولم يرحمها من مزاحمة غيرها ممن شرب، وقد أشار الناظم إلى ما تقدم بقوله:
والحال إن عرف لفظًا فاعتقد ... تنكيره معنى كوحدك اجتهد
الحال لا تكون إلا نكرة، فإن جاءت معرفة في اللفظ فهي نكرة في المعنى، كوحدك، فهو مؤول بنكرة، أي منفردا، كما أوضح المصنف.(2/213)
الرابع: أن تكون نفس صاحبها في المعنى1، فلذلك جاز: "جاء زيد ضاحكًا"، وامتنع" جاء زيد ضحكًا"2.
وقد جاءت مصادر أحوالًا بقلة في المعارف3، كجاء وحده، وأرسلها العراك".
وبكثرة في النكرات، كطلع بغتة، وجاء، ركضا، وقتلته صبرًا4، وذلك على التأويل بالوصف5، أي مباغتا، وراكضا، ومصبورًا، أي محبوسًا.
__________
1 هذا الوصف باعتبار أنها نفس صاحبها في المعنى، أو ليست هكذا، ومعنى ذلك: أن تكون ذات الحال وذات صاحبها واحدة في الخارج؛ لأنها وصف له والوصف نفس الموصوف، وهذا لا ينافي أن مفهوم الحال ومفهوم صاحبها متغايران.
2 لأن الضحك مصدر، و"زيد" ذات، والمصدر يباين الذات.
3 ذلك؛ لأن فيها شذوذين: المصدرية، والتعريف.
4 بغتة وركضا حال من الفاعل، وصبرا حال من المفعول، وهي مصادر، نكرات، ومعنى بغتة: فجأة، والركض: العدو، والقتل الصبر: أن يحبس المراد قتله ثم يرمى حتى يموت.
5 هذا عند سيبويه والجمهور، وحجتهم: أن الحال كالخير والنعت، وقد وقع كل منهما مصدرًا منكرًا كثيرًا، فكذلك الحال، وذهب الأخفش والمبرد إلى أن مثل ذكل منصوب على المصدرية والعامل فيه محذوف، أي يبغت بغتة، ويركض ركضا، ويصبر صبرا.
فالجملة هي الحال، لا المصدر. وكذلك الأمر عند الكوفيين، إلا أن الناصب له عندهم الفعل المذكور مؤولا بفعل من لفظ المصدر، أي بغت بغتة وركض ركضا، وصبر صبرا.
وقيل: هي مصادر على حذف مضاف غير مصدر هو الحال في الأصل، فلما حذف.
__________
* "والحال" مبتدأ، "إن" شرطية. "عرف" ماض للمجهول فعل الشرط "لفظا" تمييز محول عن نائب الفاعل، "فاعتقد" جواب الشرط، والفاء للربط. "تنكيره" مفعول اعتقد ومضاف إليه. "معنى" تمييز، وجملة الشرط وجوابه خبر المبتدأ. "كوحدك" الكاف جارة لقول محذوف، "وحدك" حال من فاعل اجتهد ومضاف إليه، والجملة مقول القول المحذوف.(2/214)
ومع كثرة ذلك، فقال الجمهور: لا ينقاس مطلقًا، وقاسه المبرد فيما كان نوعا من العامل1، فأجاز: "جاء زيد سرعة"، ومنع: "جاء زيد ضحكا"، وقاسه الناظم وابنه بعد "أما" نحو2: أما علماء فعالم، أي مهما يذكر شخص في حال علم، فالمذكور عالم3، وبعد خبر شبه به مبتدؤه، كـ"زيد زهير شعرًا"4، ... ... ... ...
__________
المضاف ناب عنه المضاف إليه في الحالية، أي ذا بغتة وذا ركض، وذا صبر، وقيل: هي مصادر على حذف مصادر، أي طلوع بغتة، ومجيء ركض، وقتل صبر. وقد أشار الناظم إلى ما تقدم بقوله:
ومصدر منكر حالا يقع ... بكثرة كبغتة زيد طلع
أي يقع المصدر النكرة حالا بكثرة، وذلك على خلاف الأصل؛ لأن الحال وصف يدل على معنى صاحبه، والمصدر لا دلالة له على صاحب المعنى، وذلك مثل: زيد طلع بغتة، فبغتة مصدر نكرة وهو منصوب على الحال على النحو الذي فصل، والذي سهل هذه المخالفة: الحمل على الإخبارية في مثل: محمد عدل، والنعت كذلك، مثل: هذا ماء غور.
1 أي مما يدل عليه عامه، فالسرعة في المثال نوع من المجيء.
2 أي من كل تركيب وقع فيه الحال بعد، "أما" الشرطية، في مقام قصد فيه الرد على من وصف شخصا بوصفين، وأنت تعتقد اتصافه بأحدهما دون الآخر.
3 ناصب الحال في هذا: فعل الشرط المحذوف، وهو "يذكر"، وصاحبها: المرفوع وهو نائب فاعل، ويجوز أن يكون ناصبها ما بعد الفاء، وصاحبها الضمير المستكين فيه، وهي على هذا مؤكدة، والتقدير: مهما يكن من شيء فالمذكور، عالم في حال علم، ويتعين الوجه الأول إذا كان ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها.
4 فشعرًا -بمعنى شاعرًا- حال، والعامل فيه زهير لتأوله بمشتق؛ لأن معناه ميجد، وصاحب الحال ضمير مستتر فيه، ويجوز أن يعرب "شعرًا" تمييزا مفسرا المثل المحذوفة، أي مثل زهير من جهة الشعر، وهي العاملة في التمييز، ومثله: أنت حاتم جودًا، والأحنف حلما،
__________
* "ومصدر" مبتدأ. "منكر" صفة. "حالا" حال من فاعل يقع، وجملة "يقع" خبر المبتدأ، وفاعل "يقع" يعود على المصدر المنكر، "بكثرة" متعلق بيقع. "كبغتة" الكاف جارة لقول محذوف، و"بغتة" حال من فاعل طلع، "زيد" مبتدأ، "طلع" الجملة خبر.(2/215)
فصل: أصل صاحب الحال التعريف
...
فصل: أصل صاحب الحال، وتعريفه
أو قرن هو1 بأل الدالة على الكمال، نحو: أنت الرجل علمًا2.
فصل: وأصل صاحب الحال التعريف3.
ويقع نكرة بمسوغ؛ كأن يتقدم عليه الحال4؛ نحو: في الدار جالسا رجل، وقوله:
لمية موضحا طلل5
أو يكون مخصوصًا: إما بوصف؛ كقراءة بعضهم: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ
__________
1 أي الخبر.
2 فعلمًا -بمعنى عالمًا- حال من الضمير في الرجل؛ لتأوله بالمشتق؛ إذ معناه الكامل، والعامل فيه الرجل لما ذكر. ويجو أن يكون تمييزًا محولا عن الفاعل، وهو ضمير الرجل بمعنى الكامل، والتقدير: أنت الكامل علما؛ أي علمه فهذه ثلاثة يقيس فيها الناظم وابنه وقوع المصدر والنكرة حالا.
3 لأنه محكوم عليه بالحال، وحق المحكوم عليه أن يكون معرفة؛ لأن الحكم على المجهول لا يفيد غالبًا.
4 أي وتتأخر النكرة، وذلك قياسا على المبتدإ إذا تأخر.
5 صدر بيت من مجزوء الوافر، لكثير "عزة"، يصف دار محبوبته الدارسة، وعجزه:
يلوح كأنه خلل
اللغة والإعراب: مية: اسم محوبته، موحشا: اسم فاعل من أوحش المنزل إذا خلا من أهله، والمراد: القفر الذي لا أنيس فيه، طلل: هو ما بقي شاخصا من آثار الديار، يلوح: يظهر ويلمع، خلل: جمع خلة وهي بطانة منقوشة بالمعادن تغشى بها أجفان السيوف.
"لمية" جار ومجرور خبر مقدم، ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث، "موحشا" حال مقدم من "طلل" الواقع متبدأ مؤخر.
المعنى: أن دار مية قد أقفرت من أهلها ودرست معالمها، ولم يبق إلا آثار ضئيلة، تظهر للرائي كأنها نقوش في الباطن التي تغشى أجفان السيوف.
الشاهد: وقوع "موحشا" حال من "طلل" وهو نكرة، وسوغ ذلك تقدم الحال عليها.
وقيل: إنه حال من الضمير المستكن في الخبر، وهذا الضمير معرفة، وإن كان مرجعه -وهو المبتدأ- نكرة، وإذا لا شاهد فيه، وهو قول جمهور البصريين على أنه يمكن أن يقال: أن النكرة هنا موصوفة يلوح ... إلخ، فالمسوغ وصف النكرة، لا تقدم الحال عليها.(2/216)
عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّق} 1، وقول الشاعر:
نجيت يا رب نوحًا واستجبت له ... في فلك ماخر في اليم مشحونا2
وليس منه: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} ، خلافًا للناظم وابنه3، أو بإضافة؛ نحو: ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
1 "مصدقا" حال من كتاب، لتخصيصه بالوصف بالجار والمجرور بعده، ويجوز أن يكون حالا من الضمير المستتر في الجار والمجرور، وهو الذي انتقل إليه بعد حذف الاستقرار، وإذا لا شاهد فيه.
2 بيت من البسيط، لم نقف على قائله.
اللغة والإعراب: نجيت: أنقذت وخلصت من الغرق، نوحا: هو أبو البشر الثاني بعد آدم. فلك: السفينة، للمفرد والجمع، ماخر: شاق عباب الماء، وهو اسم فاعل من مخرت السفينة، إذا شقت الماء فسمع لها صوت، أليم: البحر. مشحونا: مملوءا، "يا رب": يا حرف نداء، ورب منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة للتخفيف اكتفاء بالكسرة، والياء مضاف إليه، "نوحا" مفعول نجيت، "في فلك" متعلق به أو بمحذوف حال من نوح، أو من الهاء في له، "ماخر" صفة لفلك، "في أليم" متعلق به "مشحونا" حال من فلك.
المعنى: واضح.
الشاهد: في "مشحونا"، فإنه حال من النكرة، وهي "فلك"، وسوغ ذلك تخصصها بوصفها بماخر، فقربها ذلك من المعرفة.
3 فإنهما أعربا "أمرا" حالا من "أمر" الأول، لوصفه بحكيم مع أنه مضاف إليه، وهما يقولان بعدم جواز مجيء الحال من المضاف إليه، إلا بشروط لم تتوافر هنا، وستأتي قريبا.
وفي إعرابه أقوال، منها: أن "أمرا" منصوب على الاختصاص بأخص محذوفا، أو مفعول لأجله، أو حال من "كل"، أو من فاعل أنزلنا، أو من مفعوله، أي آمرين به، أو مأمورًا به.(2/217)
{فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً} 1، أو بمعمول؛ نحو: عجبت من ضرب أخوك شديدًا2 أو مسبوقا بنفي؛ نحو: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} 3، أو نهي؛ نحو:
.................. لا ... بيغ امرؤ على امرئ مستسهلا4
وقوله:
لا يركنن أحد إلى الإحجام ... يوم الوغى متخوفًا لحمام5
__________
1 "سواء" حال من "أربعة" وهي نكرة، لكنها مختصة بإضافتها إلى "أيام".
2 "شديدا" حال من "ضرب" النكرة؛ لاختصاصه بالعلم في الفاعل وهو "أخوك".
3 جملة "ولها كتاب معلوم" حال من "قرية" النكرة؛ لأنها مسبوقة بالنفي، وفيه مسوغ آخر، وهو: اقتران الجملة الحالية بالواو -وأن خص بعضهم ذلك بالإيجاب، ومسوغ ثالث وهو: وقوع "إلا" الاستثنائية قبلها؛ لأن الاستثناء المفرغ لا يقع في النعوت.
4 "مستسهلا" حال من "امرؤ" الأول؛ لأنه مسبوق بنهي، وهذا المثال عجز بيت من الألفية.
والبغي: التعدي والظلم، والاستسهال: الاستخفاف، ومعناه: لا يعتدى شخص على غيره مستخفا بذلك، فإن البغي مرتعه وخيم.
5 بيت من الكامل، لقطري بن الفجاءة المازني الخارجي المشهور.
اللغة والإعراب: الركون: الميل، الإحجام: النكوص والتأخر، وهو مصدر أحجم عن الشيء إذا نكص عنه ولم يقدم عليه، والوغى: الحرب، وأصله الجلبة والصياح، وأطلق على الحرب لما فيها من ذلك، الحمام: الموت. "لا" ناهية. "أحد" فاعل يركنن.
"يوم الوغى" ظرف متعلق بيركنن ومضاف إليه. "متخوفا" حال من "أحد"، وهو نكرة مسبوقة بلا الناهية، "لحمام" متعلق بمتخوف.
المعنى: لا يسوغ أن يفكر أحد في التأخر والتخلف، وعدم الإقدام وقت الحرب خوفا من الموت، فإن هذا عار لا يليق بالرجال، ولكل أجل كتاب.
الشاهد: وقوع "متخوفا" حالا من "أحد" وهو نكرة، وسوغ ذلك وقوع النكرة بعد النهي الشبيه بالنفي.(2/218)
أو استفهام؛ كقوله:
يا صاح هل حم عيش باقيا فترى1
__________
1 صدر بيت من البسيط، لرجل من بني طيء لم يذكر اسمه، وعجزه:
لنفسك العذر في إبعادها الأملا
اللغة والإعراب: حم: قدر وقضي، عيش: المراد هنا: الحياة، باقيا: دائما لا يفنى ولا يزول. "صاح" منادى مرخم "صاحب" على غير قياس؛ لأنه غير علم. "عيش" نائب فاعل حم. "باقيا" حال من عيش، "فترى" الفاء للسببية، وترى فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد الفاء، "لنفسك" جار ومجرور متعلق بترى، وهو في موضع الفعول الثاني لها، "العذر" مفعول أول. "في إبعادها" متلعق بالعذر، والهاء مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله، "الأملا" مفعول المصدر، والألف للإطلاق.
المعنى: يقول لصاحبه مستنكرًا: أخبرني: هي قدر للإنسان حياة دائمة في الدنيا؟ فيكون لك العذر في هذه الآمال البعيدة، والتكالب على جمع حطام هذه الدنيا الغادرة الفانية.
الشاهد: وقوع "باقيا" حال من "عيش" وهو نكرة، وسوغ ذلك وقوع النكرة بعد الاستفهام، وهو شبيه بالنفي ومن المسوغات: أن تكون الحال جملة مقرونة بالواو؛ لأن وجود الواو في صدر الجملة يمنع توهم كونها صفة نحو قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} ، أو تشترك النكرة مع معرفة في الحال، نحو: هؤلاء صبية ومحمد مسافرين، وفي مواضع صاحب الحال النكرة يقول الناظم:
ولم ينكر غالبا ذو الحال إن ... لم يتأخر أو يخصص أو يبن
من بعد نفي أو مضاهيه كـ"لا ... يبغ امرؤ على امرئ مستسهلا
__________
* "ينكر" مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم، "غالبا" حال من "ذو" الواقعة نائب فاعل ينكر، "الحال" مضاف إليه، "إن" شرطية، "لم يتأخر" فعل الشرط وفاعله يعود على ذو الحال، وجواب الشرط محذوف، أي فلا ينكر "أو يخصص أو يبن" معطوفان على يتأخر، "من بعد نفي" متعلق بيبن ومضاف إليه، "أو مضاهيه" معطوف على نفي، "كلا" الكاف جارة لقول محذوف، ولا ناهية. "يبغ" مجزوم بلا الناهية. "مستسهلًا حال من. "امرؤ" الواقع فاعلا ليبغ.
أي أن الغالب على صاحب الحال ألا يكون نكرة؛ إلا إذا تأخر وتقدم الحال على النكرة، أو خصص بوصف أو بإضافة، أو يبن؛ أي يظهر ويقع بعد نفي أو ما يضاهيه ويشابهه؛ وهو النهي والاستفهام، وذكر مثالا للنهي.(2/219)
وقد يقع نكرة بغير مسوغ، كقولهم: "علية مائه بيضا"1، وفي الحديث: "وصلى وراءه رجال قيامًا" 2.
فصل: وللحال مع صاحبها ثلاث حالات3:
إحداها: وهي الأصل -أن يجوز فيها أن تتأخر عنه، وأن تتقدم عليه؛ كجاء زيد ضاحكا، وضربت اللص مكتوفا؛ فلك في ضاحكا ومكتوفا، أن تقدمهما على المرفوع، والمنصوب.
الثانية: أن تتأخر عنه وجوبا، وذلك كأن تكون محضورة؛ نحو: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} 4، أو يكون صاحبها مجرورًا: إما بحرف جر
__________
1 "بيضا" جمع أبيض حال من مائة، ولا يصح أن يكون تمييزا؛ لأن تمييز المائة لا يكون جمعا. وهذا المثال رواه سيبويه عن العرب، والمراد: أن المائة دراهم لا دنانير ولا غيرها؛ لأن الدراهم من الفضة وهي بيضاء.
2 الحديث؛ كما رواه الإمام مالك في الموطأ "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعدا وصلى وراءه رجال قياما" فـ"قياما" حال من رجال، وهو نكرة بلا مسوغ، وقدا اختلف النحاة: هل مجيء الحال من النكرة بلا مسوغ مقيس؟ أو هو مقصور على السماع؟ رأيان: الأول لسيبويه، والثاني للخليل ويونس.
3 أحكام التقديم والتأخير الآتية، مقصورة على الحال المؤسسة، أما المؤكدة فالصحيح عدم تقديمها كما سيأتي في موضعه.
4 "مبشرين" و"منذرين" حالان من "المرسلين"، ولا يجوز تقدمها عليها، لأنهما محصوران، ويجب تأخير المحصور؛ لأن تقديمه يؤدي إلى عكس المعنى البلاغي المراد من الحصر.(2/220)
غير زائد؛ كمررت بهند جالسة1، وخالف في هذه الفارسي وابن جني وابن كيسان؛ فأجازوا التقديم2، قال الناظم: وهو الصحيح؛ لوروده؛ كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ} 3. وقول الشاعر:
تسليت طرًا عنكم بعد بينكم4
__________
1 "جالسة" حال من "هند" المجرورة بحرف الجر، ولا يجوز تقديمها على "بهند" وعلة لك كما قالوا: ان تعلق العامل بالحال تابع لتعلقه بصاحبه، فحقه إذا تعدي لصاحبه بواسطة أن يتعدى إلى الحال بتلك الواسطة، ولما كان الفعل لا يتعدى بحرف واحد مع التصريح به إلى شيئين استعاضوا عن ذلك بالتزام تأخير الحال؛ ليكون في حيز الجار.
2 حجتهم: أن المجرور بالحرف، مفعول به في المعنى، وتقديم حال المفعول به عليه غير ممنوع، فكذلك هنا.
3 "كافة" -بمعنى جميعا- حال من المجرور وهو الناس، وقد تقدم عليه.
4 صدر بيته من الطويل، لم ينسب لقائل، وعجزه:
بذكراكموا حتى كأنكم عندي
اللغة والإعراب: تسليت: تصبرت وتكلفت السلوان. طرا: أي جميعا. بينكم: فراقكم وبعدكم، "طرا" حال من الضمير المجرور بعن في "عنكم" وقد تقدم عليه. ولا تأتي "طرا". إلا حالا. "عنكم" متعلق بتسليت، "بعد" ظرف تعلق بتسليت أيضًا وهو مضاف إلى "بينكم، بذكراكموا" متعلق بتسليت كذلك. "حتى" ابتدائية، "عندي" ظرف متعلق بمحذوف خبر كأن.
المعنى: تسليت وشغلت نفسي عنكم جميعا بعد بعدكم عني بذكراكم الطيبة التي لا تنسى، وكنتم بذلك كأنكم ماثلون أمامي ولم تفارقوني.
الشاهد: وقوع "طرا" حال من كان المخاطب في "عنكم"، وهي مجرورة محلا بعن، وقد تقدم الحال على صاحبه المجرور، وذلك جائز في السعة، عند الفارسي ومن تبعه، وأيده الناظم. أما الجمهور فلا يجيزون ذلك. وقد أوضح المصنف رأيهم فيما ورد، وفي هذا يقول الناظم.(2/221)
والحق أن البيت ضرورة، وأن "كافة" حال من الكاف، والتاء للمبالغة1، لا للتأنيث، ويلزمه تقديم الحال المحصورة، وتعدي "أرسل" باللام؛ والأول ممتنع، والثاني خلاف الأكثر2.
وإما بإضافة3، كأعجبني وجهها مسفرة.
وإنما تجيء الحال من المضاف إليه: إذا كان المضاف بعضه، كهذا المثال، وكقوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} 4، {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ
__________
وسبق حال ما بحرف جر قد ... أبوا ولا أمنعه فقد ورد
أي أن النحاة أبوا ولم يجيزوا أن يتقدم الحال على صاحبها المجرور، بحرف جبر، يقول الناظم، ولا أمنع ذلك، فقد ورد في الكلام الفصيح، وقد بينا حجة كل.
وهذا الخلاف فيما إذا كان صاحب الحال مجرورا بحرف جر أصلي، فإذا كان مجرورا بحرف جر زائد، فلا خلاف في جواز التقديم؛ تقول: من جاءني راكبًا من أحد.
1 ويكون المعنى: إلا شديد الكف للناس؛ أي المنع لهم من الشرك ونحوه، قيل: ولا تستعمل "كافة" إلا حالا، وغلط من يقول: ولكافة المسلمين، مثلا.
2 فإن الأكثر والغالب تعدينه بإلى.
3 أي بأن كان صاحب الحال مضافا إليه؛ فلا يجوز حينئذ تقديم الحال على صاحبها؛ لئلا تكون فاصلة بين المضاف والمضاف إليه وهما كالشيء الواحد، وكذلك لا يجوز -على الصحيح- تقديمها على المضاف؛ لأن المضاف مع المضاف إليه كالصلة مع الموصول؛ فكما لا يتقدم ما يتعلق بالصلة على موصولها، كذلك لا يتقدم ما يتعلق بالمضاف إليه على المضاف.
هذا: وإذا كانت الإضافة محضة لزم تأخير الحال باتفاق. وإن كانت غير محضة؛ نحو: هذا شارب السويق ملتوتا الآن أو غدا، جاز التقديم عند الناظم، وأنكره ابنه.
4 "إخوانا" حال من المضاف إليه وهو "هم"، والصدور بعضه.
__________
* "وسبق" مفعول مقدم لأبوا، "حال" مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله. "ما" اسم موصول مفعول للمصدر، "بحرف" متعلق بقوله. "جر" الواقع صلة لما "قد" للتحقيق. "أبوا" فعل وفاعل. "ولا" نافة "أمنعه" مضارع مرفوع، والهاء مفعول عائدة على سبق. "فقد" الفاء للتعليل.(2/222)
يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} 1 أو بعضه2؛ نحو: {مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} 3. أو عاملًا في الحال4؛ نحو: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} 5، وأعجبني انطلاقك مفردًا، وهذا شارب السويق ملتوتًا6.
__________
1 "ميتا" حال من أخيه المضاف إليه. "لحم"، واللحم بعض الأخ.
2 وهو ما يصح حذفه، وإقامة المضاف إليه مقامه بدون أن يتغير المعنى.
3 "حنيفا" حال من إبراهيم المضاف إليه، و"الملة" كالبعض منه، بدليل أنه يصح حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه مع صحة المعنى، فيقال: اتبع إبراهيم.
4 أي أن يكون المضاف عاملا في الحال، وذلك يستلزم أن يكون المضاف مما يعمل عمل الفعل، كالمصدر، والوصف العامل، كاسم الفاعل ونحوه. ويؤخذ ذلك من تمثل المصنف.
5 "جميعا" حال من "كم" المضاف إليه، و"مرجع" مصدر ميمي -بمعنى الرجوع- عامل النصب في الحال، ومثله تماما: أعجبني انطلاقك منفردا.
6 "ملتوتا" حال من السويق المضاف إليه، و"شارب" اسم فاعل عامل النصب في
الحال.
والسويق: ما يتخذ من القمح والشعير، والملتوت: من لت السويق. سحقه وبله وبسه بالماء ونحوه، وفي مجيء الحال من المضاف إليه يقول الناظم:
ولا تجز حالًا من المضاف له ... إلا إذا اقتضى المضاف عمله
أو كان جزء ماله أضيفا ... أو مثل جزئه فلا تحيفا
أي لا يجوز مجيء الحال من المضاف إليه، إلا إذا استوفى المضاف عمله في الحال، وهذا يقتضي أن يكون المضاف مما يعمل عمل الفعل، كما بينا أو كان المضاف جزءا من المضاف إليه، أو مثل جزئه في صحة للاستغناء عنه بالمضاف إليه. وقوله "فلا تحيفا"؛ أي:
__________
* "حالا" مفعول تجز: "من المضاف" متعلق بمحذوف صفة لحالا. "له" متعلق بالمضاف. "إلا" أداة استثناء. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط، "المضاف" فاعل اقتضى. "عمله" مفعول اقتضى ومضاف إليه، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام، "أو كان" معطوف على اقتضى، واسم كان يعود إلى المضاف له، "جزء" خبرها. "ما" اسم موصول مضاف إليه، "له" متعق بأضيف الواقع صلة للموصول. "أو مثل جزئه" معطوف على جزء السابق ومضاف إليه. "فلا تخفيفا" لا: ناهية، و"تحيفا" مضارع مبني على الفتح لا تصاله بنون التوكيد الحقيقة المنقلبة ألفا في محل جزم بلا.(2/223)
الثالثة: أن تتقدم عليه وجوبا، كما إذا كان صاحبها محصورًا1، نحو: ما جاء راكبًا إلا زيد.
فصل: وللحال مع عاملها ثلاث حالات أيضًا2.
إحداها: وهي الأصل أن يجوز فيها أنت تتأخر عنه، وأن تتقدم عليه.
وإنما يكون ذلك: إذا كان العامل فعلا متصرفا3، كجاء زيد راكبًا، أو صفة تشبه
__________
بمخالفة هذا، وإنما اشترط ما ذكر لصحة مجيء الحال من المضاف إليه؛ لوجوب اتحاد عامل الحال وصاحبها عند الجمهور، وإذا كان المضاف عاملا في المضاف إليه كان عاملا في الحال، فيتحد العامل في الحال وفي الصاحب. وإذا كان الحال جزءا أو كالجزء، كان المضاف والمضاف إليه؛ كالشيء الواحد، فيكون المضاف كأنه صاحب الحال، ويكون العامل فيه هو العامل في الحال. أما غير الجمهور فلا يرى ضرورة أن يكون العامل في الحال هو العامل في صاحبها.
هذا: وقد ذكر بعض النحاة من المواضع التي تجب فيها تأخير الحال عن صاحبها: أن يكون الصاحب منصوبا بكأن، أو"ليت"، أو"لعل" أو بفعل تعجب، أو بصلة حرف مصدري؛ نحو: سرني أن أكرمت الفقير محتاجا، أو يكون ضميرا متصلا بصلة "أل"؛ نحو: الود أنت المستحقه خالصا، أو يكون الحال جملة مقترنة بالواو؛ نحو: جاء محمد والقوم مستعدون للرحيل.
1 وبعض النحاة يجيز تقديم المحصور بإلا كما سبق في الفاعل، ومن مواضع وجواب التقديم أيضًا: أن يكون صاحبها مضافًا إلى ضمير يعود على شيء له صلة وعلاقة بالحال؛ نحو: جاء زائرا فاطمة أبوها.
2 عامل النصب في الحال: إما لفظي؛ كالمصدر؛ والفعل المشتق، والوصف العامل كاسم الفاعل ونحوه، وإما معنوي؛ كأسماء الإشارة، والألفاظ الاستفهام، وبعض الحروف والأدوات التي سيذكرها المصنف والناظم فيما بعد.
3 بأن يقع في الأزمنة الثلاثة؛ ماضيا، ومستقبلا، وحالا، ويشترط ألا يعرض له ما يمنع تقديم الحال عليه؛ كأن يقترن بلام الابتداء، أو القسم كما سيأتي؛ نحو: إن محمدا ليسافر(2/224)
الفعل المتصرف1 كزيد منطلق مسرعا؛ فلك في راكبًا ومسرعًا أن تقدمها على "جاء" وعلى "منطلق"؛ كما قال الله تعالى: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُون} 2. وقالت العرب: شتى تئوب الحلبة3؛ أي متفرقين يرجع الحالبون.
وقال الشاعر:
نجوت وهذا تحملين طليق4
فتحملين في مضوع نصب على الحال5، وعاملها "طليق"، وهو صفة مشبهة.
__________
1هي: اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة. ووجه الشبه: تضمنها معنى الفعل وحروفه، وقبولها العلامات الدالة على الفرعية مطلقا؛ كالتأنيث، والتثنية، والجمع.
2 "خشعًا" حال من الواو في "يخرجون"، وقد تقدم على عامله الفعل، ويجوز أن يكون "خشعًا" صفة لمفعول محذوف ليدعو؛ أي: يوم يدعو الداعي قوما خشعًا أبصارهم.
3 "شتى" حجال من "الحلبة"، وقد تقدمت على عاملها "تئوب" وهو فعل متصرف. "وشتى: جمع شتيت بمعنى متفرق. تئوب: ترجع الحلبة: جمع حالب؛ وهذا مثل عربي يقال عندما يراد الإخبار عن الاختلاف الناس في الأخلاق مع أن أصلهم واحد؛ فأصحاب الأنعام يردون الماء مجتمعين ويحلبونها متفرقين.
4 تقدم الكلام على هذا الشاهد في باب الموصول في الجزء الأول صفحة 152.
5 أي من فاعل "طليق" المستتر فيه؛ أي هذا طليق حال كونه محمولا لك.
وقد أشار الناظم إلى هذه الحالة بقوله:
والحال إن ينصب بفعل صرفا ... أو صفة أشبهت المصرفا
فجائز تقديمه كمسرعا ... ذا راحل ومخلصا زيد دعا
__________
* "والحال" مبتدأ. "إن ينصب" شرط وفعله. "بفعل" متعلق بينصب. "صرفا" ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود على فعل، والجملة نعت له. "أو صفة" معطوفة على فعل. "أشبهت المصرفا" الجملة نعت لصفة. "فجائز" خبر مقدم، والفاء للربط، "تقديمه" مبتدأ مؤخر، والهاء مضاف إليه مفعول المصدر، والجملة جواب الشرط وجملة الشرط وجوابه خبر المبتدأ وهو الحال، "كمسرعا" الكاف جارة لقول محذوف، و"مسرعا" حال أي إذا نصبت بفعل متصرف، أو وصف يشبهه جاز تقديمها على عاملها وتأخيرها عنه، وذكر مثالين: أحدهما إذا تقدمت على عاملها الفعل المتصرف، وهو: مخلصا زيد دعا، والثاني لحال تقدمت على عاملها الوصف، وهو: مسرعا ذا راحل.(2/225)
الثانية: أن تتقدم وجوبا؛ كما إذا كان لها صدر الكلام؛ نحو: كيف جاء زيد؟ 1.
الثالثة: أن نتأخر عنه وجوبا، وذلك في ست مسائل، وهي:
أن كيون العامل فعلًا جامدًا؛ نحو: ما أحسنه مقبلا2!
أو صفة تشبه الفعل الجامد، وهو اسم التفضيل3؛ نحو: هذا أفصح الناس خطيبا4.
أو مصدرًا مقدرًا بالفعل وحرف مصدري؛ نحو: أعجبني اعتكاف أخيك صائمًا5 أو اسم فعل؛ نحو: تزال مسرعًا، أو لفظًا مضمنا معنى الفعل دون حروفه6؛ نحو:
__________
1 "كيف" اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب على الحال من زيد. وقيل: ظرف شبيه باسم المكان، وعلى القولين فهي للاستفهام عن الأحوال.
2 "مقبلا" حال من الهاء في أحسنه. وهو واجب التأخير عن العامل؛ لأنه غير متصرف في نفسه، فلا يتصرف في معموله بالتقدم عليه.
3 لأنه لا يقبل العلاقات الفرعية في أكثر الأحوال؛ كالتأنيث والتثنية، والجمع، فانحط عن درجة المشتقات الأصليلة؛ كاسم الفاعل واسم المفعول، واقترب من الجامد.
4 "خطيبا" حال من فاعل "أفصح" المستتر فيه.
5 "صائمًا" حال من أخيك، والعامل فيه المصدر الذي يمكن تقديره بأن والفعل، ومفعول هذا المصدر لا يتقدم عليه كمعمول اسم الفعل. أما إذا كان العامل مصدرا نائبا عن فعله المحذوف وجوبا؛ فيجوز تقديم الحال؛ نحو: إكرامًا فاطمة مجدة.
6 كألفاظ اسم الإشارة والاستفهام والتشبيه، وأحرف التمني والترجي، والظرف والجار والمجرور، والنداء، وأما. والعلة في ذلك كله ضعف العامل.
__________
مقدمة على عامله وهو راحل، "ذا راحل" مبتدأ وخبر، وفي. "راحل" ضمير مستتر فاعله، وهو صاحب الحال. "ومخلصا" حال من فاعل دعا. "زيد دعا" زيد مبتدأ، وجملة. "دعا" خبر.(2/226)
{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَة} 1؛ وقوله:
كأن قلوب الطير ويابسا2
وقولك: "ليت هندًا مقيمة عندنا"3.
__________
1 "خاوية" حال من بيوتهم، والعامل فيه اسم الإشارة تلك"، وفيه معنى الفعل، وهو "أشير" دون حروفه.
2 صدر بيت من الطويل، لامرئ القيس بن حجر الكندي يصف عقابا بسرعة اختطافها للطيور، وعجزه:
لدى وكرها العناب والحشف البالي
اللغة والإعراب: وكرها، الوكر: عش الطائر حيث كان في شجر أو جيل.
العناب: نوع من الفاكهة معروفة، تشبه به أنامل الحسان المخضوبة بالحناء. الحشف: أردأ التمر. "قلوب" اسم كأن. "الطير" مضاف إليه. "رطبا ويابسا" حالان من قلوب، والعامل فيهما "كأن"؛ لما فيها من معنى الفعل، وهو "أشبه" دون حروفه. "لدى وكرها" ظرف متعلق بمحذوف حال من قلوب الطير ومضاف إليه، العناب: خبر كأن.
المعنى: أن هذه العقاب كثيرة الاصطياد للطير، ويرى عند عشها قلوب كثيرة من قلوب الطير، بعضها لا يزال رطبا فهو كالعناب، وبعضها قد جف، فهو كأردأ التمر.
الشاهد: في "رطبا ويابسا" فهما حالان من قلوب، والعامل في الحالين وصاحبهما "كأن" ومعناه أشبه، فهو متضمن معنى الفعل دون حرفه، ولا يجوز تقديم الحال على عاملها في مثل ذلك.
3 "مقيمة" حال من "هند"، والعامل فيها "ليت"؛ لأنها بمعنى الفعل -"أتمنى"- دون حروفه، وقد أشار الناظم إلى الحال التي لا يجوز تقديمها على عاملها المعنوي بقوله:
وعامل ضمن معنى الفعل لا ... حروفه مؤخرا لن يعملا
كـ"تلك ليت وكأن" ندر ... نحو "سعيد مستقرًا في هجر"
__________
* "وعامل" مبتدأ. "ضمن ماضي مبني للمجهول، ونائب الفاعل مفعوله الأول، والجملة صفة لعامل. "معنى الفعل" مفعول ثان لضمن ومضاف إليه. "لا حروفه" معطوفة على معنى الفعل، "مؤخرا"حال من فاعل يعمل الآتي "لن" حرف نصب ونفي، "يعملا" مضارع منصوب وفاعله يعود إلى عالم، والألف للإطلاق، والجملة أي أن العامل الذي ضمن معنى الفعل دون حروفه -ويسمى العامل المعنوي- لا يعمل النصب؛ إذا كان متأخرا عن الحال، وذكر من ذلك: تلك، وليت، وكأن وقد مثل لها المصنف. ثم بين أن تقديم الحال على عاملها المعنوي؛ الظرف والجار والمجرور، نادر، وسيذكر المصنف ذلك قريبا.(2/227)
أو عاملًا آخر عرض له مانع1؛ نحو: لأصبر محتسبا، ولأعتكفن صائمًا؛ فإن في حيز لام الابتداء ولام القسم لا يتقدم عيلهما2.
ويستثنى من أفعل التفضيل: ما كان عاملًا في حالين لاسمين: متحدي المعنى، أو مختلفين، وأحدهما مفضل على الآخر3؛ فإنه يجب تقديم حال الفاصل4؛ كهذا بسرًا أطيب منه رطبًا5، وقولك زيد مفردًا أنفع من عمرو معانًا6.
__________
1 أي يمنع من تقديم الفاعل عليه، وعلى المانع أيضا بالأولى.
2 أي؛ لأن لهما الصدارة، فل يعمل ما بعدهما في شيء قبلهما، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك، واللام في "لأصبر" للابتداء، وفي "لأعتكفن" للقسم.
3 أي مفضل في حالة من أحواله على الآخر في حالة أخرى، وعلى نفسه كذلك.
4 أي على أفعل التفضيل خوف اللبس.
5 "بسرا" حال من الضمير في أطيب الواقع فاعلا، و"رطبا" حال من الضمير المجرور في "منه" وهو متعلق بأطيب، والعامل فيهما أطيب، لتضمنه معنى المفاضلة، والإشارة للتمر، أي هذا التمر في حال كونه بسرا أطيب من نفسه في حال كونه رطبا.
6 "مفردا" حال من الضمير المستتر في "أنفع" الراجع إلى زيد، و"معانا" حال من "عمر"، والعامل في الحالين "أنفع".
وكان القياس في هذا وما قبله، وجوب تأخر الحالين عن "أفعل"، لكنهم اغتفروا تقدم الحال الفاضلة؛ فرقا بين المفضل والمفضل عليه؛ إذ لو آخر لحصل لبس، وصاحبا الحالين في المثال الأول متحدان في المعنى، وفي الثاني مختلفان، وهذا التقدير الذي ذكره المصنف.
__________
خبر المبتدأ، "كتلك" متعلق بمحذوف خبر المبتدأ محذوف؛ أي وذلك كائن كتلك، "ليت وكأن" معطوفان على تلك، "نحو" فاعل ندر "سعيد" مبتدأ "مستقرا" حال من الضمير في الجار والمجرور بعده "في هجر" متعلق بمحذوف خبر المبتدأ.(2/228)
ويستثنى من المضمن معنى الفعل دون حروفه: أن يكون1 ظرفا أو مجرورًا مخبرًا بهما2؛ فيجوز بقلة توسط الحال بين المخبر عنه والمخبر به؛ كقوله:
بنا عاذ عوف وهو بادي ذلة ... لديكم ... ... ... ... ... 3
__________
تقدير سيبويه، ويرى المبرد والزجاج والفارسي ومن تبعهم، أن الناصب لهذين الحالين "كان" محذوفة، وصاحب الحال هو الضمير المستتر في "كان".
وإلى جواز أحد الحالين المنصوبين بأفعل التفضيل المذكور، أشار الناظم بقوله:
ونحو "زيد مفردًا أنفع من
عمرو معانا" مستجاز لن يهن*
أي نحو هذا المثال مما فضل فيه شيء في حال على غيره، أو نفسه في حال أخرى، وقد أوضحنا السبب في ذلك. ومعنى مستجاز: أجازه النحاة. ولن يهن: أي لن يضعف مثل هذا الأسلوب.
1 أي العامل.
2 أي متأخرين عن المخبر عنه.
3 جزء بيت من الطويل، لم تقف على قائله، وهو بتمامه:
بنا عاذ عوف وهو بادي ذلة ... لديكم فلم يعدم ولاء ولا نصرًا
اللغة والإعراب: عاذ: اعتصم والتجأ. عوف: اسم رجل. بادي ذلة: ظاهر المهانة.
يعدم: يفقد، ولاء: موالاة ومناصرة. نصرا: إعانة. "بنا" متعلق بعاذ. "عوف" فاعل عاذ. "هو" الواو للحال، وهو مبتدأ. "بادي" حال من الضمير المستكن في "لديكم" الواقع خبرا للمبتدأ. "ذلة" مضاف إليه. "فلم" الفاء عاطفة ولم جازمة. "ولاء" مفعول يعدم و"لا" اللام زائدة لتوكيد النفي، "نصرا" معطوف على "ولاء".
المعنى: التجأ إلين عوف واستعان بنا، وقد ظهر عليه الهوان والمذالة وهو مقيم عندكم، فأقلنا عثرته ونصرناه، وقدمنا له العون والمساعدة.
__________
* "ونحو"، "زيد" مبتدأ كذلك. "مفردا" حال من ضمير أنفع العائد إلى زيد. "أنفع" خبر عن زيد. "من عمرو" متعلق بأنفع. "معانا" حال من عمرو، وجملة "زيد مفردا، إلى معانا" في محل جر بإضافة "نحو" إليها مقصود لفظها. "مستجاز" خبر نحو، "يهن"؛ أي يضعف، مضارع منصوب بلن، وسكن للوقف، وفاعله يعود على نحو، وجملة "يهن" وفاعله في محل رفع خبر ثان، أو صفة للخبر السابق.
الشاهد: أن "بادي" حال من ضمير الظرف وهو "لديكم" المنتقل إليه من متعلقة كما هو معلوم، وقد تقدم الحال على عامله الظرف، مع توسطه بين المخبر عنه والخبر، ولو جعل "بادي" حال من "هو" على رأي سيبويه الذي يجبز مجيء الحال من المبتدأ، لم يكن في البيت الشاهد المطلوب، وما ذكره المؤلف والناظم تبعا فيه قول الأخفش والفراء، وهو عند الجمهور ضرورة.(2/229)
وكقراءة بعضهم: {مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا} 1، وكقراءة الحسن2، {وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} 3، وهو قول الأخفش وتبعه الناظم.
والحق أن البيت ضرورة، وأن خالصة، ومطويات معمولان لصلة "ما"، و"لقبضته"4، وأن السموات عطف على ضمير مستتر في "قبضته"؛ لأنه بمعنى
__________
1 "خالصة" بالنصب حال من الضمير المنتقل إلى الجار والمجرور وهو "لذكورنا"، وقد تقدمت على عاملها، وتوسطت بين المخبر عنه، وهو "ما" الموصولة، والخبر -وهو "لذكورنا"، و"ما" واقعة على الأجنة.
2 هو الإمام أبو سعيد، الحسن بن البصري. كان من علماء التابعين وكبرائهم، إماما في القراءة، وكان أكثر كلامه حكما وبلاغة، وقد جمع إلى العلم العمل والعبادة. روي عن الشافعي أنه قال: لو أشاء أن أقول مع القراءات نزل بلغة الحسن لقلت؛ لفصاحته. وهو أحد الأربعة الذين لهم قراءة شاذة مع القراءات العشر، وتوفي بالبصرة سنة 116هـ.
3 "مطويات" حال متوسطة بين المبتدأ، وهو السموات، وعاملها الظرفي الواقع خبرا، وهو "بيمينه"، وصاحب الحال الضمير المنتقل إلى الخبر الجار والمجرور، وهذه الحالة -وهي جواز تقديم الحال على عاملها الظرف، والجار والمجرور -هي التي أشار إليها الناظم فيما تقدم، بقوله:
... ... ... ... ... ... ... ... وندر ... نحو سعيد مستقرا في هجر
4 فتكون "خالصة" معمولة للجار والمجرور على أنها حال من الضمير المستتر في "بطون" الواقعة صلة لما -وهي العاملة في الحال- والتاء في خالصة للتأنيث باعتبار معنى "ما"؛ لأنها واقعة على الأجنة كما أسلفنا، وتكون "مطويات" معمولة لقبضته على أنه حال من السموات، و"بيمينه" ظرف لغو متعلق بمطويات.(2/230)
مقبوضته لا مبتدأ، و"بيمينه" معمول الحال لا عاملها1.
فصل: ولشبه الحال بالخبر2 والنعت3 جاز أن تتعد لمفرد وغيره4
فالأول؛ كقوله:
على إذا ما جئت ليلى بخفية ... زيادة بيت الله رجلان حافيا5
وليس منه6: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} .
__________
1 وعلى ذلك تكون الحال غير متقدمة على عاملها الظرف والجار والمجرور في الآيتين.
2 أي في كونه محكومًا به في المعنى على صاحبه كما يحكم بالخبر على المبتدأ.
3 أي في أنه يدل على الاتصاف بالصفة، وإن كان ذلك مقصودا في النعت، وتبعيا في الحال.
4 المراد بالجواز عدم الامتناع، وهذا يصدق بالواجب، فإنه يجب تكرير الحال وتعددها بعد "إما" لوجوب تكرير "إما"؛ تقول: اضرب اللص إما قائما وإما مطروحا على الأرض، وكذلك بعد "لا" النافية لتكريرها في الغالب؛ تقول: جاء علي فرحا ولا أسوان.
5 بيت من الطويل، أنشده ابن الأعرابي ولم ينسبه، وبعضهم ينسبه إلى مجنون ليلى.
اللغة والإعراب: بخفية: أي في خفاء وستر وبعد عن الأنظار، رجلان: ماشيا،
حافيا: غير متنعل. "علي" جار ومجرور خبر مقدم. "ما" زائدة. "ليلى" مفعول جئت "بخفيه" صفة لموصوف محذوف على زيادة الباء. "زيارة بيت الله" مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، من إضافة المصدر لمفعوله. "رجلان حافيا" حالان من فاعل. "زيارة" المحذوف؛ أي زيارتي بيت الله.
المعنى: نذر وواجب علي -إذا وصلت إلى محبوبتي ليلى خفية، ولم يشعر بي أحد من الناس فيشي بنا- أن أزور بيت الله ماشيا غير منتعل.
الشاهد: في "رجلان حافيا"؛ حيث تعدد الحال وصاحبهما واحد وهو فاعل الزيارة المحذوف، ويجوز أن يكون حالين من ياء المتكلم المجرورة محلا بعلي.
6 أي من تعدد الحال لمفرد؛ لأن شرط التعدد عند الموضح: ألا يكون هناك حرف عطف بين الأحوال المتعددة، وإلا كان ما بعد العطف معطوفا لا حالا. وأجاز ذلك بعض النحاة.(2/231)
والثاني: إن اتحد لفظه ومعناه ثني أو جمع1؛ نحو: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} الأصل دائبة ودائبا2؛ ونحو: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ} 3. وإن اختلف فرق بغير عطف؛ كلقيته مصعدًا منحدرا، ويقدر الأول للثاني وبالعكس4، قال:
عهدت سعاد ذات هوى معنى5
وقد تأتي على الترتيب إن أمن اللبس.
__________
1 أي من باب الاختصار، وذلك أولى لا واجب كما يقول بعض النحاة، ومن غير نظر للعوامل: أهي متحدة في ألفاظها ومعانيها وعملها، أم غير متحدة في شيء من ذلك.
2 "دائبين" مثنى، وهي حال مؤسسة من الشمس والقمر، ولا يضر الاختلاف في التذكير والتأنيث، ما دام الحالان متفقين لفظا ومعنى.
3 "مسخرات" جمع، وهي حال مؤكدة لعاملها لفظا ومعنى.
4 أي تقدر الحال الأولى للاسم الثاني، والحال الثانية للاسم الأول، وإن كان هنالك ثالثة فللاسم الذي قبل هذا؛ وذلك ليتصل أول الحالين بصاحبه، ولا يعكس لئلا يلزم فصل كل من صاحبه مع عدم القرينة، وقد تجعل كل حال بعد صاحبها مباشرة، وهذا أحسن منعا للغموض.
5 صدر بيت من الطويل، لم ينسب لقائل معين، وعجزه:
فزدت وعاد سلوانًا هواها
اللغة والإعراب: عهدت: عرفت علمت سعاد: اسم محبوبته. ذات هوى: صاحبة عشق وحب. معنى: اسم مفعول من عناه الأمر، شق عليه حتى أورثه العناء والجهد سلوانا: سلوا ونسيانا. "سعاد" مفعول عهدت. "ذات هوى" حال من سعاد، ومضاف إليه.
"معنى" حال من التاء في عهدت. "عاد" ماض ناقص بمعنى صار، "سلوانا" خبر "عاد" مقدم. "هواها" اسمها مؤخر ومضاف إليه، ويجوز جعل عاد تامة، و"هواها" فاعل به، و"سلوانا" حال منه.
المعنى: لقد كنت أنا وسعاد شديدي المحبة والهيام؛ فأما أنا فازددت حبا لها وشغفا بها، وأما هي فصار هواها وحبها هجرا وانصرافا عني.
الشاهد: مجيء الحالين على عكس ترتيب صاحبيهما؛ فقد جعل أول الحالين -وهو ذات هوى- لثاني الاسمين، وهو سعاد؛ ليتصل بصاحبه، والعكس والقرينة التذكير والتأنيث.(2/232)
كقوله:
خرجت بها أمشي تجر وراءنا1
ومنع الفارسي وجماعة النوع الأول2؛ فقدروا نحو قوله "حافيًا" صفة أو حالًا من ضمير "رجلان"، وسلموا الجواز إذا كان العامل اسم تفضيل3؛ نحو: هذا بسرًا أطيب منه رطبًا.
__________
1 صدر بيت من الطويل، لا مرئ القيس، من معلقته المشهورة، وعجزه:
على أرينا ذيل مرط مرحل
اللغة والإعراب: مرط: كساء من صوف أو خز. مرحل: معلم فيه خطوط. "بها" متعلق بخرجت. "أمشي" الجملة حال من التاء في خرجت. "تجر" الجملة حال من الضمير في بها. "على أثرينا" جار ومجرور متعلق بتجر، "ذيل" مفعول تجر، مضاف إلى مرط. "مرحل" صفة لمرط.
المعنى: خرجت بمحبوبتي من خدرها ماشيا، وهي ورائي تجر على إثر أقدامنا ذيل كسائها؛ لتخفي الأثر عن الناس، فلا يعلم بنا أحد.
الشاهد: مجيء الحالين على ترتيب الصاحبين، الأول للأول، والثاني للثاني؛ لأمن اللبس؛ لأن "أمشي" مذكر، و"تجر" مؤنث، ومعروف أن الحال يطابق صاحبه في التذكير والتأنيث.
2 وهو تعدد الحال لمفرد؛ وحجتهم: أن صاحب الحال إذا كان واحدا، فلا يقتضي العامل إلا حالا واحدة، قياسا على الظرف، وهو قياس مع الفارق الواضح؛ لأن الشيء الواحد يمتنع وقوعه في زمانين أو مكانين، لكن لا يمتنع تقييده بقيدين، ولا بأكثر.
3 لأن صاحب الحال، وإن كان جامدا في المعنى، فهو متعدد في اللفظ.
هذا: ويؤخذ من المثال الذي ذكره المصنف أنه ينبغي أن يكون اسم التفضيل متوسطا بين الحالين؛ ليخرج نحو: محمد أحسن من زملائه متكلما فصيحا.(2/233)
فصل: الحال ضربان 1:
مؤسسة: وهي التي لا يستفاد معناها بدونها؛ كجاء زيد راكبا، وقد مضت.
ومؤكدة: إما لعاملها2 لفظا ومعنى؛ نحو: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} 3،
وقوله:
أصخ مصيخا لمن أبدى نصيحته4
أو معنى فقط؛ نحو: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} ، {وَلَّى مُدْبِرًا} 5.
__________
1 تقسيم الحال إلى مؤسسة ومؤكدة هو مذهب الجمهور، وذهب الفراء والمبرد إلى أن الحال لا تكون إلا مؤسسة، وتأولوا الأمثلة التي ساقها الجمهور.
2 وهي: كل وصف دل على معنى عامله؛ سواء وافقه في اللفظ، أو خالفه.
3 "رسولا" من الكاف، وهي مؤكدة لأرسلناك، وموافقة لها لفظا ومعنى، ويؤوله الفراء والمبرد بمعنى "أوجدناك".
4 صدر بيت من البسيط، لم يعين قائله، وعجزه.
والزم توقي خلط الجد باللعب
اللغة والإعراب: أصخ: استمع؛ وهو أمر من الإصاخة، بمعنى الاستماع. أبدى: أظهر وأعلن. نصيحته؛ النصيحة: الإرشاد إلى الخبر، توقي: مصدر توقي الأمر؛ إذا تحفظ الوقوع فيه وتحرز عن إتيانه. "مصيخا" اسم فاعل حال من فاعل أصخ. "لمن" متعلق بأصخ، ومن اسم موصول. "أبدى نصيحته" الجملة صلة من. "توقي" مفعول الزم. "خلط" مضاف إليه. "الجد" مضاف إليه لخط؛ من إضافة المصدر لمفعوله.
المعنى: استمع وأحسن الاستماع والإنصات لمن ينصحك بإخلاص، ولا تهمل النصيحة، والتزم وقاية نفسك، وحفظها من خلط الجد والاجتهاد، بالله والعبث.
الشاهد: في "مصيخًا"؛ فإنه حال مؤكدة من ضمير "أصخ"، وهي موافقة لهذا العامل لفظا ومعنى، ويؤوله الفراء والمبرد على أن "أصخ" بمعنى استمع، و"مصيخا" بمعنى: مستمعا في انتباه وحرص.
5 "ضاحكا" حال من فاعل تبسم، و"مدبرا" حال من فاعل ولي. وهما مؤكدان للعامل في المعنى؛ لأن التبسم نوع من الضحك، والإدبار نوع من التولي.
ويجمع الوعين قول الناظم:
وعامل الحال بها قد أكدا ... في نحو "لا تعث في الأرض مفسدا
أي أن الحال قد تؤكد عاملها؛ إما لفظا ومعنى، أو معنى فقط على النحو الذي سلف، وهذا المثال للمؤكدة معنى؛ لأن معنى الإفساد هو العثي.(2/234)
وإما لصاحبها؛ نحو: {لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} 1.
وإما لمضمون جملة2 معقودة من اسمين معرفتين جامدتين؛ كـ: زيد أبوك عطوفا.
وهذه الحال واجبة التأخير عن الجملة المذكورة، وهي معمولة لمحذوف وجوبا تقديره: أحقه ونحوه3.
__________
1 "جميعا" حال من فاعل آمن؛ وهو "من" الموصولة، وهي مؤكدة لها؛ لأن كلا منهما يدل على الإحاطة والشمول، وهذا القسم من زيادات المصنف، ولم يذكره الناظم.
2 بحيث يتفق معنى الحال، ومضمون الجملة، فتلزم الحال صاحبها تبعا لذلك.
3 أي: كأعرفه، أو أعمله. وهذا التقدير إن لم يكن المبتدأ ضمير لمتكلم وإلا قدر الفعل، أو العامل مناسبا له؛ نحو: أحقني، أعرفني، أعلم أني. ولا بد أن تكون هذه الحال متأخرة عنه أيضا. وجعل في شرح التسهيل: "زيد أبوك عطوفا" من المؤكدة لعاملها، لموافقتها له. في المعنى؛ لأن الرب صالح للعمل؛ لتأوله بالعاطف.
قيل: وهو الحق. والغرض من التوكيد بالحال؛ قد يكون إظهار اليقين؛ نحو: أنت المجاهد معروفا، أو الفخر؛ نحو: أنا محمد بطلا، أو التحقير؛ نحو: هو المجرم معاقبا ... إلخ.
وفي الحال المؤكدة لمضمون الجملة يقول الناظم:
وإن تؤكد جملة فمضمر ... عاملها، ولفظها يؤخر
__________
* "وعامل الحال" مبتدأ ومضاف إليه. "بها" متعلق بأكدا. "قد أكدا" قد للتحقيق، وأكدا ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى عامل الحال، والجملة خبر المبتدأ، "في نحو" متعلق بأكدا. "لا تعث" لا: ناهية، و"تعث" مضارع مجزوم بلا. "في الأرض" متعلق به. "مفسدا" حال من فاعل تعث، مؤكدة لعاملها؛ كما أوضحنا.
* "وإن" شرطية. "تؤكد" مضارع فعل الشرط، وفاعله يعود على الحال. "جملة" مفعوله. "فمضمر" الفاء واقعة في جواب الشرط، و"مضمر" خبر مقدم "عاملها" مبتدأ مؤخر ومضاف إليه. "ولفظها يؤخر" مبتدأ وخبر، والجملة في محل جزم، معطوفة على جملة جواب الشرط.(2/235)
فصل: تقع الحال: اسما مفردا، وجملة
وظرفا، كرأيت الهلال بين السحاب1، وجارا ومجرورا؛ نحو: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتهِ} 2، ويتعلقان بمسقر، أو استقر محذوفين وجوبا3.
وجملة؛ بثلاثة شروط:
أحدها: كونها خبرية، وغلط من قال في قوله:
اطلب ولا تضجر من مطلب4
__________
أي إذا كانت الحال مؤكدة للجملة، فإن عاملها يكون مضمرًا؛ أي محذوفا، ويجب تأخير الحال عن الجملة، وعن عاملها المحذوف.
1 "بين" ظرف مكان في مضوع الحال من الهلال.
2 "في زينته" جار ومجرور في موضع الحال من فاعل خرج المستتر العائد على "قارون".
3 أي لكونهما "كونا" مطلقا. ويشترط في كل من الظرف والجار والمجرور: أن يكون تاما أي مفيدا، وإفادته تكون بالإضافة، أو بالنعت، أو بالعدد، أو بغير ذلك من أنواع الإفادة.
4 صدر بيت من السريع؛ نسبه الشيخ خالد لبعض المولدين، ولم يعينه، ولم يؤت به كشاهد؛ وإنما لبيان خطأ الذين أعربوه، وعجزه:
فآفة الطالب أن يضجرا
اللغة والإعراب: لا تضجر: لا تسأم ولا تقلق. آفة: عاهة وهي عرض يفسد ما يصيبه. "ولا تضجر" الواو عاطفة، و"لا" ناهية، "تضجر" مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المحذوفة تخفيفا في محل جزم، وعلى هذا فهو من عطف الجمل.
وقيل: "لا" نافية والواو عاطفة مصدر منسبك من "لا" والفعل، على مصدر متصيد من الأمر السابق؛ أي ليكن منك طلب، وعدم ضجر، وعليه ففتحة تضجر فتحة إعراب.
والظاهر أن الواو للمعية، و"لا" نافية، و"تضجر" منصوب بأن مضمرة بعد واو المعية، "من مطلب" متعلق بتضجر، "فآقة" الفاء حرف للتعليل، وآفة مبتدأ، "الطالب" مضاف إليه.
"أن يضجر" المصدر المكون من أن والفعل خبر المبتدأ.
المعنى: استمر ودوام على طلب معالي الأمور، ولاتسأم إذا لم تظفر بما تطلب؛ فإن(2/236)
إن "لا" ناهية، والواو للحال، والصواب: أنها عاطفة؛ مثل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} .
الثاني: أن تكون غير مصدرة بدليل استقبال1، وغلط من أعرب "سيهدين" من قوله تعالى: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} حالا.
الثالث: أن تكون مرتبطة؛ إما بالواو والضمير؛ نحو: {خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ} 2، أو بالضمير فقط؛ نحو: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُو} 3 أي متعادين: أبو بالواو فقط؛ نحو: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} 4.
وتجب الواو قبل "قد" داخلة على مضارع5؛ نحو: {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ
__________
السأم والملل علة كل طالب، ومن يصبر ينل ما يريد، وبعده:
ألم تر الحبل بتكراره ... في الصخرة الصماء قد أثرا
الشاهد: بيان خطأ إعراب أن الواو حالية؛ لأنه يشترط في جملة الحال أن تكون خبرية، وهذه إنشائية. أما مثل: لأمدحن المخلص إن أصاب أو أخطأ، بحيث وقعت الجملة الشرطية حالا مع أنها إنشائية، مشتملة على علامة استقبال، وهي حرف الشرط "إن"؛ فالمسوغ عند النحاة أنها شرطية لفظا لا معنى؛ لأن التقدير: لأمدحنه على أي حال.
1 أي علامة تدل على الاستقبال؛ كالسين، وسوف، ولن، وأداة الشرط.... الخ. وذلك؛ لأنها لو صدرت بهذا؛ لفهم كونها مستقبلة بالنسبة لعاملها فتفوت المقارنة؛ على أن هناكت تنافيا بين الحال والاستقبال بحسب اللفظ.
2 جملة "وهم ألوف" حال من الواو في "خرجوا"، وهي مرتبطة بالواو والضمير.
3 "بعضكم" مبتدأ ومضاف إليه. "لبعض" متعلق بعدو الواقع خبرا، والجملة حال من الواو في "اهبطوا"، والربط الضمير في "بعضكم" والخطاب لسيدنا آدم وحواء، وجمع ضميرهما؛ لأنهما أصلا البشر، فكأنهما جميع الجنس.
4 جملة "ونحن عصبة" حال من الذئب، أو من ضمير يوسف، والرابط الواو فقط، ولا دخل للضمير "نحن"؛ لأنه لم يرجع لصاحب الحال، وتسمى هذه الواو واو الحال.
5 أي مثبت.(2/237)
تَعْلَمُونَ} 1.
وتمتنع في سبع صور:
إحداها: الواقعة بعد عاطف2؛ نحو: {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} 3.
الثانية: المؤكدة لمضمون الجملة؛ نحو: هو الحق لا شك فيه، {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} 4.
الثالثة: الماضي التالي "إلا"5؛ نحو: {إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} 6.
__________
1 جملة "تعلمون" حال من الواو في "تؤذونني"، والرابط الواو، وهي واجبة في ذلك.
وتجب أيضا: في الجملة الحالية، الخالية من الضمير العائد على صاحب الحال لفظا وتقديرًا؛ نحو: تيقظت والشمس طالعة. ومنه قوله تعالى: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أما الماضي المثبت الذي تقع جملته حالا ففيه خلاف؛ فالكوفيون يوجبون "قد" إذا كان الرابط هو الواو وحدها. فإن كان هناك ضمير يعود إلى صاحب الحال، جاز الاقتران بقد وعدمه، ويرى البصريون ضرورة وجود "قد" في جملة الماضي المثبت؛ سواء أكان الرابط الواو وحدها، أو الضمير، أو هما، وإن لم توجد قدرت، والصواب رأي الكوفيين؛ لوجود شواهد كثيرة عليه.
2 أي يعطفها على حال قبلها.
3 جملة "هم قائلون" حال معطوفة على "بياتا"، وهو مصدر في موضع الحال، والرابط الضمير. ولا يقال: "أو وهم" كراهة اجتماع حرفي عطف صورة. و"قائلون" من القيلولة وهي نصف النهار؛ يقال: قال وتقيل؛ نام فيه فهو قائل.
4 كل من جملتي "لا شك فيه"، و"لاريب فيه" حال مؤكدة لمضمون الجملة قبلها. وتمتنع الواو؛ لأن المؤد عين المؤكد؛ فلو قرن بالواو كان في صورة عطف الشيء على نفسه. أما المؤكدة لعاملها؛ فقد تقترن بالواو؛ نحو قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} .
5 أي التي تفيد الإيجاب، والمسبوقة بكلام غير موجب.
6 جملة "كانوا به يستهزءون" حال من الهاء في "يأتيهم"، وإنما امتنعت الواو؛ لأن ما بعد "إلا" مفرد حكما، ويرى بعض النحاة جواز اقترانه بالواو في هذه الحالة؛ تمسكا بقول زهير:
نعم امرأ هرم لم تعر نائبة ... إلا وكان لمرتاع بها وزرا
وذلك قياسا على الجملة الاسمية الواقعة بعد "إلا"، نحو قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} .(2/238)
الرابعة: الماضي المتلو "بأو"1؛ نحو: لأضربنه ذهب أو مكث2.
الخامسة: المضارع المنفي "بلا"؛ نحو: {وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ} 3.
السادسة: المضارع المنفي "بما" كقوله:
عهدتك ما تصبو وفيك شبيبة4
__________
1 أي: الجملة الماضوية الحالية المعطوفة عليها جملة أخرى بأو.
2 جملة "ذهب" في محل نصب حال من الهاء وبعدها "أو"، وتمتنع الواو؛ لأنها في تقدير فعل الشرط؛ إذا المعنى: إن ذهب وإن مكث، وفعل الشرط لا يقترن بالواو، فكذلك المقدر به. والحق أن العلة عدم وجود الواو في مثل هذا الأسلوب من الكلام العربي.
3 جملة "تؤمن بالله" حال من الضمير المجرور باللام، ولم تقترن بالواو؛ لأن المضارع المنفي بلا أو بما بمنزلة اسم الفاعل المخفوض بإضافة "غير" المنصوبة على الحال، وهو لا تدخل عليه الواو؛ والتقدير في هذه الآية: "وما لنا غير مؤمنين"، واختص المنفي بلا وما دون المنفي بلم ولما؛ لأن مضي النفي بهما في المعنى قربه من الماضي الجائز الاقتران بالواو، وأبعده من الشبه باسم الفاعل، ويرى ابن الناظم: أنه يجوز اقتران المضارع في المنفي بلا بالواو، وإن كان عدم الاقتران أكثر، ومن شواهده قول الشاعر العربي:
أفادوا من دمي وتوعدوني ... وكنت ولا ينهنهني الوعيد
4 صدر بيت من الطويل، أنشده ابن مالك في التسهيل، ولم ينسبه، وعجزه:
فما لك بعد الشيب صبا متيما
اللغة والإعراب: عهدتك: عرفتك. تصبو: تميل إلى والله والعبث؛ من الصبوة، وهي الميل إلى الجهل والفتوة. شبيبة: شباب وفتوة ونشاط جسماني. صبا: عاشقا من الصبابة، وهي العشق ورقة الهوى. متيما: مذللا مستعبدا بالحب. "عهدتك" فعل وفاعل ومفعول.
"ما" نافية. "تصبو" الجملة في محل نصب حال من الكاف في "عهدتك". "وفيك" الواو(2/239)
السابعة: المضارع المثبت1؛ كقوله تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} 2.
وأما نحو قوله:
علقتها عرضا وأقتل قومها3
__________
للحال، وفيك خبر مقدم. "شبيبة" مبتدأ مؤخر. "فما" الفاء عاطفة، و"ما" استفهامية مبتدأ. "لك" جار ومجرور خبر. "بعد" ظرف زمان متعلق بصبا الآتي، "الشيب" مضاف إليه. "صبا" حال من الكاف في ذلك. "متيما" صفة لصبا.
المعنى: عرفتك وأنت شاب؛ موفور القوة، جم النشاط، مستقيما بعيدا عن اللهو، والميل للنساء، فما لك بعد الشيوخة والكبر والضعف صرت عاشقا منحرفا؟
الشاهد: في قوله: "ما تصبو"؛ فإنه جملة حالية مضارعية منفية بما، ولم تقترن بالواو؛ اكتفاء بالربط بالضمير، وهو الفاعل المستتر؛ لما بيناه في المنفية بلا، ومثل "ما" "إن" النافية.
1 أي المجرد من "قد"؛ فإن اقتران بقد، لزمته الواو؛ كما تقدم.
2 جملة "تستكثر" حال من فاعل "تمنن" المستتر فيه. وإنما امتنعت فيه الواو؛ لشبهه باسم الفاعل في الزنة والمعنى، والواو لا تدخل اسم الفاعل؛ فكذلك ما أشبهه.
3 صدر بيت من الكامل، لعنترة بن شداد العبسي، من معلقته المشهورة.
زعما لعمر أبيك ليس بمزعم
اللغة والإعراب: علقتها: تعلق بها وأحببتها. عرضا: من غير قصد. زعما: طمعا؛ وهو مصدر زعم؛ بمعنى طمع. "علقتها" فعل ونائب فاعل ومفعول. "عرضا" تمييز أو مفعول مطلق، "وأقتل قومها" الجملة حال من التاء في علقتها. "زعما" مصدر لفعل محذوف، أو حال بمعنى زاعما. "لعمر" اللام للابتداء، وعمر مبتدأ. "أبيك" مضاف إليه، والخبر محذوف وجوبا.
المعنى: أحببتها وشغفت بها بمجرد النظر إليها من غير قصد، وأنما أحارب قومها وأقتلهم، فكيف ذلك مع هذا التناقض، ثم قال مخاطبا نفسه: إن هذا طمع مني لا موضع له، وفعل لا يليق بمثلي.
الشاهد: في "وأقتل قومها"؛ فهي جملة حالية مضارعية مثبتة، وقد اقترنت بالواو مع امتناع الواو في ذلك، وقد خرجه المصنف.(2/240)
فقيل: ضرورة، وقيل: الواو عاطفة، والمضارع مؤول بالماضي1، وقيل: واو الحال، والمضارع لمبتدأ محذوف؛ أي وأنا أقتل2.
__________
1 والتقدير: وقتلت قومها؛ وذلك ليتناسب المتعاطفان، فذلك أولى من عدم التناسب.
2 وتكون جملة المبتدأ والخبر في محل نصب على الحال، وهي جملة اسمية، وفي الحال التي تقع جملة، وما يتعلق بها، يقول الناظم:
وموضع الحال تجيء جملة ... كـ"جاء زيد وهو ناو رحله
وذات واو بعدها انو مبتدأ ... له المضارع اجعلن مسندا
وجملة الحال سوى ما قدما ... بواو أو بمضمر أو بهما
أي تجيء الجملة وتقع موقع الحال، فتكن في موضع نصب على الحال، وذكر الناظم مثالًا للجملة الاسمية الواقعة حالا؛ وهو قوله: "وهو ناو رحله"، ثم ذكر أن الجملة الواقعة حالا؛ إن صدرت بمضارع مثبت تربط بالضمير، ولا تقترن بالواو، واقتصر على هذه الحالة من الحالات التي تمتنع فيها الواو، وهي سبع كما بين المصنف. ثم بين أنه إذا ورد ما ظاهره أن الجملة المضارعية المتقدمة اقترنت بالواو، ينوي ويقدر بعد الواو مبتدأ محذوف، وخبره الجملة المضارعية. وذكر أخيرا أن جملة الحال ما عدا الحالة التي اقتصر عليها.
__________
* "وموضع" ظرف مكان متعلق بتجيء. "الحال" مضاف إليه. "جملة" فاعل تجيء. "وهو" الواو للحال، و"هو" ضمير منفصل مبتدأ. "ناو" خبر المبتدأ، وفيه ضمير مستتر فاعله، "رحله" مفعوله والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب حال من زيد. "وذات بدء" ومضاف إليه، "بمضارع" متعلق بيدء. "ثبت" ماض وفاعله يعود على مضارع، والجملة في محل جر صفة لمضارع. "حوت ضميرا" فاعل حوت يعود على ذات بدء، والجملة خبر المبتدأ. "ومن الواو" جار ومجرور متعلق بخلت، وفاعل "خلت" يعود على "ذات بدء" والجملة معطوفة على جملة الخبر. "وذات واو" مبتدأ ومضاف إليه، "بعدها" ظرف متعلق بانو. "مبتدأ" مفعول انو، والجملة خبر المبتدأ. "له" متعلق باجعلن. "المضارع" مفعول أول لأجعلن. "مسندأ" مفعول ثان له. "وجملة الحال" مبتدأ ومضاف إليه. "سوى" منصوب على الظرفية أو على الاستثناء. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "قدما" نائب الفاعل يعود إلى، "ما" والألف للإطلاق، والجملة صلة "بواو" متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، "أو بمضمر أو بهما" معطوفان على "بواو".
يجوز ربطها بالواو فقط، أو بالضمير فقط، أو بهما معا، وقد علمت مما أوضحناه القصور في كلام الناظم.(2/241)
فصل: وقد يحذف عامل الحال جوازًا1؛ لدليل حالي كقولك لقاصد السفر: راشدًا وللقادم من الحج: مأجورًا، أو مقالي2؛ نحو: {بَلَى قَادِرِينَ} ، {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} ؛ بإضمار: تسافر، ورجعت، وتجمعها، وصلوا.
ووجوبًا: قياسًا في أربع صور؛ نحو: ضربي زيدًا قائمًا3، ونحو: زيد أبوك عطوفا4، وقد مضتا. والتي يبين بها ازدياد أو نقص بتدريج؛ كتصدق بدينار فصاعدا، واشتراه بدينار فسافلًا5. وما ذكر لتوبيخ؛ نحو: أقائمًا، وقد قعد الناس؟ وأتميميا مرة
__________
1 الأصل في عامل الحال وغيرها، أن يكون مذكورا؛ ليحقق الغرض منه؛ وهو إفادة معنى جديد، أو تقوية المعنى الموجود. وقد يحذف جوازا أو وجوبا لدواع تقتضي الحذف؛ كما سيذكر المصنف، ويستثنى من الحذف جوازا: ما إذا كان العامل معنويا؛ كالظرف والجار والمجرور، واسم الإشارة، وحرف التمني والتنبيه ... إلخ مما سبق بيانه؛ فلا يجوز حذف العامل فيها لضعفه؛ سواء فهم أم لم يفهم.
2 الدليل المقالي هو: ما يعتمد على كلام مذكور صريح؛ وهو في مثال المصنف جواب نفي وشرط، وقد يكون جوابا لاستفهام؛ نحو: راكبا، لمن قال: كيف جئت؟ أو منهيا عنه؛ نحو: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} ، أو مقصود الحصر فيه؛ نحو: ما جاءني محمد إلا راكبا، ومنه قوله تعالى: {وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} ، أما الدلي الحالي، فتدل عليه القرائن والمناسبات المحيطة بالمتكلم، من غير استعانة بكلام أو قول.
3 أي: مما فيه الحال سادة مسد الخبر، وقد سبق إيضاحهما؛ فل يجوز ذكر الخبر؛ لئلا يلزم الجمع بين العوض والمعوض.
4 أي: من الحال المؤكدة لمضمون جملة قبلها. والعلة في وجوب حذف العامل: أن الجملة قبله منزلة البدل من اللفظ.
5 "صاعدا وسافلا" حالان عاملهما محذوف وجوبا؛ والتقدير: فذهب المتصدق به صاعدا، وانحط المشتري به سافلا، ولا بد من اقتران هذه الحال بالفاء العاطفة، أو "ثم" العاطفة؛ وهي تعطف جملة خبرية على جملة إنشائية، ويجب حذف العامل والصاحب في هذه الحال.(2/242)
وقيسيا أخرى1؟ أي: أتوجد؟ وأتتحول2؟
وسماعًا في غير ذلك؛ نحو: هنيئا لك؛ أي ثبت لك الخير هنيئا، أو أهناك هنيئا.
__________
1 "قائما" و"تميميا" و"قيسيا" أحوال منصوبة بفعل محذوف وجوبا؛ لأنه بدل من اللفظ بالفعل؛ ولا يجمع بين البدل والمبدل منه.
2 "أتوجد" راجع للمثال الأول، و"أتتحول" راجع للثاني، وليس المراد أن يتحول في حالة كونه تميميا ... إلخ؛ بل إنه يتخلق تارة بأخلاق التميمي، وأخرى بأخلاق القيسي؛ فالأولى تقدير عامل الحال "توجد" كسابقه.
وقيل "تميميا وقيسيا" مفعول مطلق على حذف مضاف؛ أي: أتتخلق تخلق تميمي مرة؟ ... إلخ. وفي حذف عامل الحال يقول الناظم:
والحال قد يحذف ما عمل ... وبعض ما يحذف ذكره حظل
أي أن الحال قد يحذف عاملها؛ الذي يعمل فيها النصب جوازًا، وأن بعض ما يحذف من هذه العوامل محظول؛ أي ممنوع ذكره، وذلك في المواضع التي يجب فيها حذف العامل، وقد بينها المصنف. وهنالك عوامل تحذف سماعا؛ نحو: هنيئا لك.
فوائد:
أالحال التي تتعدد لواحد تسمى "مترادفة"؛ أي متوالية الواحدة الأخرى، وقد تعرب الحال الثانية حالا من الضمير المستتر في الحال التي قبلها، وحينئذ تسمى الحال الثانية: "متداخلة".
ب هنالك ألفاظا مسموعة وقعت حالا، مع أنها معرفة بالإضافة؛ منها قولهم: تفرق القوم أيدي سبأ، وقد أولت على معنى: متبدين، أو مثل أيدي سبأ، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، ومنها قولهم: فعلت هذا الأمر جهدي أو طاقتي. وأول بمعنى:
__________
* "والحال" مبتدأ "ما" اسم موصول نائب فاعل يحذف، والجملة خبر المبتدأ. "فيها" متعلق بعمل الواقع صلة الموصول. "وبعض" مبتدأ أول. "ما" اسم موصول ومضاف إليه. "يحذف" نائب فاعله يعود على، "ما" والجملة صلة. "ذكره حظل" مبتدأ ثان ومضاف إليه، وجملة حظل خبره، وجملة الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول.(2/243)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
جاهدا أو مطيقا.
جـ تنقسم الحال باعتبار الزمان إلى: مقارنة لعاملها، وهو الغالب فيها، ومقدرة، وهي المستقبلة؛ نحو: مررت برجل معه سيف مقاتلا به غدا؛ أي مقدرًا ذلك.(2/244)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
الأسئلة والتمرينات:
1 عرف كلا من الحال المؤسسة والمؤكدة، وبين الفرق بينهما، ووضح بأمثلة.
2 اذكر المواضع التي تقع فيها الحال وصف لازما، والتي تقع فيها جامدة، ومثل لما تقول بأمثلة من عندك.
3 متى يقع صاحب الحال نكرة؟ اذكر موضع ذلك، ووضح بالأمثلة.
4 تجيء الحال من المضاف إليه بشروط؛ اذكر هذه الشروط، ووضح ما تقول بأمثلة من إنشائك.
5 اذكر المواضع التي يجب فيها تأخير الحال عن صاحبها، والتي يجب فيها تقديمها، ومثل لما تقول.
6 لا بد في الحال من رابط، فمتى تتعين الواو للربط؟ ومتى يتعين الضمير؟ مثل.
7 فيما يأتي شواهد لبعض مسائل هذا الباب. وضح ذلك توضيحا شافيا:
قال تعالى: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} .
{وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} .
{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} .
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} .
{انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} .
{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} .
{وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} .
{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} .
وبالجسم مني بينا لو علمته ... شحوب وإن تستشهد العين تشهد
ولو أن قوما لارتفاع قبيلة ... دخلوا السماء دخلتها لا أحجب
قهرت العدا لا مستعينا بعصبة ... ولكن بأنواع الخديعة والمكر
غافلا تعرض المنية للمر ... ء فيدعى ولات حين إباء
بدت قمرًا ومالت غصن بان ... وفاحت عنبرًا ورنت غزالًا(2/245)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
8 اشرح البيتن الآتين شرحا أدبيا، وبين موضع إعراب ما تحته خط فيهما، وهما للمرحوم حافظ إبراهيم، الشاعر المصري على لسان مصر:
أتراني وقد طويت حياتي ... في مراس لم أبلغ اليوم رشدي
أي شعب أحق مني بعيش ... وارف الظل أخضر اللون رغد
9 اشرح قول ابن مالك الآتي، ووضح ما تقول بأمثلة من إنشائك:
والحال قد يجيء ذا تعدد ... لمفرد فاعلم وغير مفرد
10 بين فيما يأتي: الحال، وصاحبها، وعاملها، ونوعها، والرابط:
أنشئت الجامعة العربية أملا مرتقبا للعرب في 22 مارس سنة 1943، بين الرجاء يحدوهم، والخوف يجيش في صدورهم. هكذا كان الحال حقا لا مرية فيه، وتكونت وقتئذ من سبع دول عربية، ثم انضمت إليها في غبطة ليبيا سنة 1946، وتبعها السودان -راجيا دعم الوحدة- سنة 1956، وتقدمت تونس والمغرب متآخيتين سنة 1957، ولما خفت وطأة الاستعمار عن الجزائر، أقبلت مهرولة لتسير في الركب العربي، وكلها أم في جمع الكلمة، وحين ظفرت الكويت بالاستقلال دخلت مسرعة للانضمام لأشقائها سنة 1963، وأنعم بها سباقة إلى كل ما فيه خير العرب، وما كاد اليمين شمالا وجنوبا يتنفس الصعداء من آثار التخلف والاستعمار، حتى كان يدا بيد مع الجامعة، ثم انضمت إليها اليمن الجنوبية سنة 1968.
تلك هي مرحلة تكوين الجامعة دولة دولة. والآن وقد اكتملت الوحدة، نرجو أن يوفقنا المولى إلى العمل لخير العرب، وكفى بالاستعمار داعيا إلى السير قدما يدا واحدة إخوة متحابين، وألا نعود إلى التفرق أيدي؛ فقد ظهرت الحقائق، شمسا، وعلينا أن نقوي جيوشنا شيئا فشيئا، فإنا نعلم أن العدو متربص بنا أبدًا، ويد الله مع الجامعة.(2/246)
باب: التمييز
مدخل
...
باب: التمييز 1
التمييز: اسم2 نكرة، بمعنى "من"3، مبين4 لإبهام اسم أو نسبة.
فخرج بالفصل الأول5؛ نحو: زيد حسن وجهه6.
وقد مضى أن قوله:
صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو7
محمول على زيادة "أل".
وبالثاني: الحال؛ فإنه بمعنى في حال كذا، لا بمعنى "من".
وبالثالث8؛ نحو: لا رجل، ونحو:
__________
هذا باب التمييز
1 هو في الأصل: مصدر ميز الشيء؛ إذا خلصه من شيء آخر؛ فمعناه، لغة: تخليص شيء من شيء. ثم أطلق على الاسم المميز مجازا، ويسمى أحيانا: التفسير أو التبيين، أو المفسر، أو المميز. ومعناه اصطلاحا ما ذكره المصنف.
2 أي صريح؛ لأن التمييز لا يكون جملة ولا ظرفا، ولا جارا ومجرورا، بخلاف الحال في هذه الثلاثة.
3 المراد: أن يفيد معنى "من" البيانية، أي التي تبين جنس ما قبلها أو نوعه؛ ذلك؛ لأن الاسم المميز جيء به لبيان الجتس؛ كما يجاء بمن مميزة له، وليس المراد أنه يمكن تقدير "من" قبله؛ فقد لا يصلح الكلام أحيانا لتقدير "من".
4 هو نعت لاسم؛ أي أنه يبين ويوضح إبهام ما قبله، ويزيل غموضه.
5 أي قوله: نكرة.
6 أي: من كل ما هو مشبه بالمفعول به؛ فإن "وجهه" وإن بين إبهام ما قبله، لكنه ليس بتمييز؛ لأنه معرفة، بل "وجهه" منصوب على التشبيه بالمفعول به.
7 تقدم هذا البيت في "باب المعرف" بالأداة. وقد ذكر هنالك أن اللام في النفس زائدة للضورة؛ فهو نكرة. وقد أجاز الكوفيون تعريف التمييز متمسكين بمثل هذا.
8 وهو قوله: "مبين لإبهام اسم أو نسبة" يخرج اسم "لا" التي للتبرئة.(2/247)
أستغفر الله ذنبا لست محصيه1
فإنهما وإن كان على معنى "من" لكنها ليست للبيان؛ بل هي في الأول للاستغراق، وفي الثاني للابتداء2.
وحكم التمييز النصب. والناصب لمبين الاسم هو ذلك الاسم المبهم3؛ كعشرين درهما. والناصب لمبين النسبة المسند من فعل أو شبهه4؛ كطاب نفسًا، وهو طيب
__________
1 صدر بيت من البسيط، لم نقف على قائله، وعجزه:
رب العباد إليه الوجه والعمل
اللغة والإعراب: أستغفر: أطلب المغفرة. محصيه: ضابطا عدده، الوجه: القصد والتوجه، "ذنبا" مفعول ثان لأستغفر، أو منصوب على نزع الخافض؛ على تضمين أستغفر معنى استنيب. "لست محصيه" الجملة من ليس واسمها وخبرها صفة لـ"ذنبا"، "رب العباد" بدل من لفظ الجلالة، ومضاف إليه. "إليه" خبر مقدم. "الوجه" مبتدأ مؤخر. "والعمل" معطوف على الوجه.
المعنى: أطلب المغفرة والعفو من الله، على ذنوبي الكثيرة التي لا أحصيها؛ فهو رب الخلق جميعا، وإليه الالتجاء في كل شيء، وله يكون العمل والسعي.
الشاهد: في "ذنبا" فإنه ليس بتمييز؛ لأنه وإن كان على معنى "من"، إلا أنها ليست للبيان؛ فهو ليس مبينا لإبهام اسم قبله، أو لنسبة في جملة.
2 كأنه أراد استغفار يبتدئ من أول الذنوب إلى ما لا نهاية، وقيل: "من" هنا للتعليل، وهو أظهر.
3 أي الذي جاء التمييز لإيضاحة وإزالة الغموض عنه، وإنما عمل مع جموده؛ لشبهه باسم الفاعل؛ في الاسمية، وطلب المعمول في المعنى، ووجود ما به تمام الاسم؛ وهو النون والتنوين؛ فإن "عشرين درهما" -مثلًا- شبيه بضاربين محمدًا، ورطل زيتا شبيها بضارب عليا.
4 وهو الوصف كما مثل المصنف. وقيل: الناصب له الجملة التي يوضح النسبة فيها؛ لأنه قد لا يكون في الجملة فعل أو وصف؛ نحو: هذا أخوك إخلاصا، أو أبوك عطفا. فالقول بأن ناصبه الجملة مطرد.(2/248)
أبوة. وعلم بذلك بطلان عموم قوله:
ينصب تمييزا بما قد فسره1
__________
1 هذا عجز بيت من النظم، عرف الناظم بصدره التمييز، وهو بتمامه:
اسم بمعنى "من" مبين نكره ... بنصب تمييزًا بما قد فسره
أي أن التمييز هو: الاسم النكرة المتضمن معنى "من"، الذي يبين إبهام ما قبله ويوضحه، وأن ناصبه هو ذلك الشيء المبهم، الذي جاء التمييز لإيضاحه. ووجه البطلان الذي أشار إليه المصنف: أن كلام الناظم يقتضي أن التمييز بنصب بما قد فسره؛ سواء كان مفسرا لإبهام اسم مفرد أو نسبة، مع أن تمييز النسبة ينصب بالجملة، أو بما فيها من فعل أو شبهه على الخلاف الذي ذكرناه، لا بالنسبة المفسرة، وأجاب الأشموني: بأن كلا من الجملة والفعل يوصف بالإبهام من حيث نسبته؛ فيصح كون التمييز مفسرا لهما باعتبار نسبتهما، فيصدق أنه نصب بمفسره. وعلى هذا يكون قول الناظم على عمومه، وقيل: إن ذلك خاص بتمييز المفرد، وخصه بالذكر؛ لأنه جامد غالبا، فربما ينوهم أنه لا يعمل.
__________
* "اسم" خبر لمبتدأ محذوف؛ أي هو اسم. "بمعنى" متعلق بمحذوف صفة لاسم. "من" مضاف إليه مقصود لفظه "مبين" نعت ثان لاسم "نكرة" نعت ثالث له، "تمييزا" حال من نائب فاعل ينصب المستتر "بما" جار ومجرور متعلق بينصب. و"ما" اسم موصول، وهي واقعة على العامل، "قد فسره" الجملة صلة ما، وفاعل. "فسره" يعود إلى التمييز، والهاء مفعوله عائدة إلى ما.(2/249)
فصل: أنواع الاسم المبهم أربعة
...
فصل: الاسم المبهم أربعة أنواع
أحداها: العدد1 كـ {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} .
والثاني: المقدار2، وهو: إما مساحة3؛ كشبر أرضا. أو كيل كقفيز برا4. أو
__________
1 سواء كان صريحا؛ كمثال المصنف ونحوه، أو كناية؛ ككم الاستفهامية نحو: كم رطلا اشتريت.
2 هو ما يعرف به قدر الشيء وكميته.
3 هي الأشياء التي يجري تقديرها بالقياس، ويدخلها العرف في كشبر، وباع ... إلخ.
4 القفيز من المكاييل يختلف باختلاف الأقطار؛ ففي بعضها 182/3؛ نحو ثمانية عشر وثلثين قدحا وفي آخر؛ نحو: 48 قدحا، ومن الأرض 144 ذراعا، وليس مرادا هنا. والبر: القمح.(2/249)
كمنوين عسلًا؛ وهو تثنية منا1؛ كعصا، ويقال فيه من بالتشديد وتثنية منان.
والثالث: ما يشبه المقدار2؛ نحو: {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا} ، ونحي سمنا3، {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} 4. وحمل على هذا: "إن لنا غيرها إبلًا"5.
والرابع: ما كان فرعًا للتمييز6؛ نحو: خاتم حديدًا؛ فإن الخاتم فرع الحديد، ومثله: باب ساجا7، وجبة خزًا، وقيل: إنه حال8.
__________
1 المنا: رطلان: وهذه الأمثلة ذكرها الناظم بقوله:
كشبر أرضا، وقفيز برا ... ومنوين عسلًا وتمرا
2 أي في مطلق التقدير، وإن لم يكن معينا ومحدودا، أو لم يوضع للتقدير به، وهذا النوع يكون في الوزن والكيل والمساحة، وقد مثل له المصنف على هذا الترتيب.
3 النحي: الزق مطلقا، أو هو خاص بوعاء السمن، وجمعه أنحاء، وهو يشبه الكيل، وليس بكيل حقيقة.
4 "مثل" اسم يدل على المماثلة من غير ضبط بحد معلوم، فهو شبيه بالمساحة، وليس مساحة حقيقة.
5 "إبلا" منصوب على التمييز من غير؛ لأنها اسم مبهم يدل على المغايرة، وهم يحملون المغايرة عى المماثلة.
6 ضابطه: كل فرع أصبح له بسبب التفريع اسم خاص يليه أصله؛ بحيث يصح إطلاق الأصل عليه.
7 الساج: نوع من الخشب.
8 أي؛ لأنه يس مقدارًا ولا شبيها بالمقدار، وأيضًا: فقد يقع نعتا تابعًا للأول، وكل ما يتبع النكرة نعتا لها، ينصب بعد المعرفة حالا، وإذا أعرب حالا، كان التابع نعتا. أما من يقول بأنه تمييز فحجته: جموده، ولزومه، وتنكيره صاحبه، والغالب في الحال غير ذلك. وإذا أعرب تمييز؛ فالتابع عطف بيان، وتسمى هذه الأنواع الأربعة: تمييز المفرد أو الذات؛ لأنها تزيل الإبهام عن كلمة واحدة، أو ما هو بمنزلتها، والغالب في تلك الكلمة أن تكون شيئا محسوسا مجسما.
__________
* "كثير" متعلق بمحذوف، حال من ما الموصولة في البيت قبله "أرضا" تمييز لشبر، "وقفيز" معطوف على شبر.
"برا" تمييز لفقير. "ومنوين علا" كذلك. "وتمرا" معطوف على عسلا.(2/250)
والنسبة المبهمة نوعان1: نسبة الفعل للفاعل؛ نحو: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} 2. ونسبته لمفعول؛ نحو: {وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا} 3.
ولك في مميز الاسم أن تجره بإضافة الاسم4؛ كشبر أرض، وقفيز بر، ومنوي
__________
1 تمييز النسبة ويسمى تمييز الجملة -هو: الذي يزيل الإبهام والغموض عن المعنى المنسوب فيها؛ لشيء من الأشياء.
2 نسبة "اشتعل" إلى الرأس مبهمة؛ فبين هذا الإبهام بالتمييز؛ وهو "شيبا" وهو محول عن الفاعل؛ لأن الأصل اشتعل شيب الرأس؛ فحول الإسناد من المضاف إلى المضاف إليه فارتفع، وحصل إبهام في الإسناد إليه، فجيء بالمضاف الذي كان فاعلا، وحول عنه الإسناد فجعل تمييزا.
3 نسبة "فجرنا" إلى الأرض مبهمة، و"عيونا" تمييز مبين لذلك الإبهام، والأصل: وفجرنا عيون الأرض، فعمل به ما عمل بسابقه، ويرى أكثر النحاة: أن تمييز الجملة لا يخرج عن واحد من هذين، ولو تأويلا؛ مثل: زادت البلاد سكانا، واختلف الناس طباعا، ووفيت العمال أجورا.
4 ويحذف من الاسم ما به تنوين، أو نون تشبهه. وقد يكون جره بحرف الجر "من"؛ كما سيأتي، ومع جره يسمى تمييز، فالجر لا يمنع من هذه التسمية.
وفي ذلك يقول الناظم:
وبعد ذي وشبهها اجرره إذا ... أضفتها؛ كـ"مد حنطة غذا
أي بعغد هذه الأشياء التي عرض أمثلتها في البيت السابق، وهي ما دل على مساحة أو كيل أو وزن، أو ما يشبهها؛ من كل لفظ جرى العرف على استعماله في واحد منها، اجرر التمييز بالإضافة؛ بشرط أن يكون المميز مضافا للتمييز مباشرة، والمد: رطل وثلث رطل. والحنطة: القمح.
__________
* "وبعد" ظرف متعلق باجرر، "ذي" مضاف إليه، "وشبهها" معطوف على ذي "إذا" ظرف فيه معنى الشرط "أضفتها" الجملة فعل الشرط، والجواب محذوف، "كمد" الكاف جارة لقول محذوف، و"مد" مبتدأ مضاف إلى حنطة "غذا" خبر المبتدأ.(2/251)
عسل إلا إذا كان الاسم عددًا1 كعشرين درهما، أو مضافًا2؛ نحو: {بِمِثْلِهِ مَدَدًا} و {مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا} .
فصل: من مميز النسبة: الواقع بعد ما يفيد التعجب3؛ نحو: أكرم به أبا، وما أشجعه رجلًا، ولله دره فارسا4. والواقع بعد اسم التفضيل، وشرط نصب هذا كونه
__________
1 إذا كان العدد من ثلاثة إلى عشرة وجب جر تمييزه بإضافة العدد إليه، والغاب في هذا التمييز المجرور: أن يكون جمعا. والعدد من أحد عشر إلى تسع وتسعين، يجب نصب تمييزه؛ وأن يكون مفردًا، والمائة والمائتان والمئات والألف والألوف، يجب أن يكون التمييز فيها مفردًا مجرورا.
2 أي: إذا أضيف العدد إلى غير التمييز -ولو تقديرا- وجب نصب تمييزه أيضًا لامتناع إضافته مرة أخرى. قال الناظم مشيرا إلى ذلك:
والنصب بعد ما أضيف وجبا ... إن كان مثل "ملء الأرض ذهبا
أي يجب نصب التمييز؛ إذا أضيف العدد إلى غير التمييز كما مثل؛ فذهبا تمييز لملء واجب النصب، ولا يجوز جره بالإضافة؛ لأن "ملء" أضيف مرة لغير التمييز، فلا مرة أخرى.
3 سواء كان التعجب بصيغتيه القياسيتين، أو بغيرهما من الصيغ السماعية، ويجب نصب التمييز الواقع بعده.
4 فأبا، ورجلا، وفارسا: تمييز لبيان جنس المتعجب منه، المبهمم في النسبة، والدر في الأصل: مصدر در اللبن يدر در؛ إذ أكثر، وسمي اللبن نفسه درًا. والمراد هنا: اللبن الذي
__________
* "والنصب" مبتدأ. "بعد" ظرف متعلق به. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "أضيف" ماض للمجهول والجملة صلة. "وجبا" الجملة خبر المبتدأ، وفاعل وجب يعود إلى النصب، والألف للإطلاق. "إن" شرطية. "كان ناقصة" وهي اسم الشرط، واسمها يعود إلى ما أضيف. "مثل" خبرها. "ملء الأرض" مبتدأ ومضاف إليه "ذهبا" تمييز والخبر محذوف؛ أي لي، وجواب الشرط محذوف، يدل عليه ما قبله، وجملة المبتدأ والخبر في محل جر بمثل.(2/252)
فاعلًا معنى1؛ نحو: زيد أكثر مالًا بخلاف مال زيد اكثر مال2.
وإنما جاز هو أكرم الناس رجلًا؛3 لتعذر إضافة "أفعل" مرتين4.
__________
ارتضعه من ثدي أمه، وأضيف إلى الله تشريفا، ومعناه: ما أعجب هذا اللبن الذي ارتضعه، وأضيف إلى الله تشريفا، ومعناه: ما أعجب هذا اللبن الذي ارتضعه هذا الرجل، وتغذى به؛ لأنه أنشأ شخصا لا مثيل له في صفات الكمال، فهو لبن من عند منشئ الخلائق ومبدعها، وهو الله سبحانه وتعالى، وإلى هذه الصورة يشير الناظم بقوله:
وبعد كل ما اقتضى تعجبا ... ميز كـ"أكرم بأبي بكر أبا
أي يقع التمييز بعد كل ما يدل على التعجب؛ قياسا أو سماعا، ويجب نصبه كما مثل.
1 علامة ما هو فاعل في المعنى: ألا يكون من جنس ما قبله، وأن يستقيم المعنى بعد جعله فاعلا، وجعل أفعل التفلضيل فعلا؛ فتقول في مثال المصنف: زيد كثر ماله.
2 فيجب جره بالإضافة؛ لأنه ليس بفاعل بالمعنى، وضابط هذا النوع: أن يكون أفعل التفضيل بعضا من جنس التمييز، ويصح أن يوضع لفظ "بعض" موضع اسم التفضيل، ولا يفسد المعنى؛ ففي المثال المذكور يصح أن يقال: "مال زيد بعض مال". وإنما يجب الجر بالإضافة إذا كان أفعل التفضيل غير مضاف لشيء آخر غير التمييز، فإن كان مضافا وجب نصب التمييز؛ نحو: علي أفضل الناس إخوة، وهند أفضل النساء أخوات، وكذلك إذا كان غير مضاف؛ نحو: أنت أذكى من محمد عقلا.
3 أي بنصب "رجلا" مع تخلف شرط النصب؛ لأن "رجلا" لا يصح أن يكون فاعلا في المعنى؛ فلا يقال: هو كرم رجل.
4 فقد أضيف إلى الناس. فلو أضيف إلى رجل أيضًا لزم ذلك، ونصب التمييز في هذا واجب كما تقدم، وإلى صورة أفعل التفضيل أشار الناظم بقوله:
والفاعل المعنى انصبن بأفعلا ... مفضلا كـ"أنت أعلى منزلا
أي أن التمييز الواقع بعد أفعل التفضيل يجب نصبه؛ إذا كان فاعلا في المعنى؛ كم مثل الناظم، فـ"منزلا" في المثال يجب نصبه؛ لأنه لا يصح جعله فاعلا بعد جعل أفعل التفضيل فعلا؛ تقول: أنت علا منزلك.
__________
* "وبعد كل" ظرف متعلق بميز ومضاف إليه. "ما" اسم موصول أو نكرة موصوفة مضاف إليه. "اقتضى تعجبا" فاعل اقتضى يعود إلى ما، والجملة صلة ما، أو صفة لها "كأكرم" الكاف جارة لقول لمحذوف. و"أكرم" فعل ماض للتعجب جاء على صورة الأمر. "بأبي" فاعل أكرم على زيادة الباء. "بكر" مضاف إليه. "أبا" تمييز.(2/253)
فصل: ويجوز جر التميز بـ"من"1؛ كرطل من زيته إلا في ثلاث مسائل:
إحداها: تمييز العدد 2 كعشرين درهما.
الثانية: التميز المحول عن المفعول3 كغرست الأرض شجرًا، ومنه: ما أحسن زيدًا أدبًا4 بخلاف ما أحسنه رجلًا5.
الثالثة: ما كان فاعلًا في المعنى: إن كان محولًا عن الفاعل صناعة؛ كطاب زيد نفسًا. أو عن مضاف عن غيره؛ نحو: زيد أكثر مالًا6؛ إذ أصله: مال زيد أكثر، بخلاف
__________
1 أي ظاهرة، واختلف في معناها حينئذ؛ فقيل زائدة، وقيل للتبعيض، والأظهر أنها لبيان الجنس.
2 بينا قريبا حكم تمييز العدد. وسبب عدم جره بمن: أن وضع "من" البيانية أن يفسر بها، وبما بعدها اسم جنس قبلها صالح لحمل ما بعدها عليه. وتمييز العدد لا يصلح للجمل؛ لأنه مفرد وما قبله متعدد.
3 لأنه التمييز فيه مفسر للنسبة، لا للفظ المذكور، فما بعد "من" من مطلق التمييز مبين لما قبلها، فلا يصح حمله عليه، وكذلك الشأن في المحول عن الفاعل.
4 فهو محول عن المفعول، والأصل: ما أحسن أدب زيد.
5 أي فإنه وإن كان مفعولا في المعنى إلا أنه ليس محولا عن المفعول؛ لأنه عين ما قبله؛ فلا يصح أن يقال: ما أحسن رجل زيد.
6 فإن "مالا" محول عن المبتدأ، كما بين المصنف.
__________
* "والفاعل" مفعول مقدمم لانصبن. "المعنى" منصوب على نزع الخافض، أو مفعول به للفاعل، أو مجرورًا تقديرًا؛ بإضافة الفاعل إليه، من إضافة الوصف لمعموله. "بأفعلا" متعلق بانصبن مقصود لفظه. "مفضلا" حال من فاعل انصبن. "كأنت" الكاف جارة محذوف، وأنت مبتدأ، "أعلى" خبر. "منزلا" تمييز، وهو فاعل في المعنى.(2/254)
نحو: لله دره فارسًا
....................... ... وأبراحت جارا1
فإنهما وإن كانا فاعلين معنى؛ إذ المعنى: عظمت فارسًا، وعظمت جارا2. إلا أنهما غير محولين، فيجوز دخول "من" عليهما؛ من ذلك3 نعم رجلًا زيد يجوز نعم من رجل قال:
فنعم المرء من رجل تهامي4
__________
1 أبرحت -بكسر التاء- خطاب للمؤنث؛ أي أعجبت وهذه العبارة مأخوذة، من بيت للأعشى، من قصيدة يمدح فيها قيس بن معدي كرب الكندي، وهو:
أقول لها حين جد الرحيل ... أبرحت ريا وأبرحت جارا
والضمير في "لها" يعود إلى الناقة التي ارتحل عليها لممدوحه. جد الرحيل: اشتد.
أبرحت: عظمت، أو عجبت. ربا: المراد به الممدوح الذي يقصده الشاعر بشعره؛ إذا فسر "أبرحت" بعظمت؛ أي عظمت ملكا؛ بمعنى: ما أعظم الملك الذي نقصدينه، ويكون ربا تمييزا، وإذا فسر أبرحت بأعجب، فالمراد بالرب صاحب الناقة، ويكون "أبرحت" على هذا فعلا متعديا، و"ربا" مفعولا به؛ كأنه قال: أعجبت صاحبك. مثله جارا.
المعنى: يتخيل أن ناقته شكت إليه طول سفرها، وما احتملته من مشاق ومتاعب؛ فيقول لها: لا تستعظمي ما تلاقينه من الجهد والتعب؛ فإنك تذهبين إلى ملك عظيم يجزل العطاء الذي ينسى معه كل جهد وعناء.
2 فيكون "فارسا وجارا": واقعين على مدلول التاء التي هي الفاعل؛ فيلزم أن يكونا فاعلين في المعنى.
3 أي من الفاعل، في المعنى غير المحول عن الفاعل صناعة.
4 عجز بيت من الوافر؛ ينسب لأبي بكر بن الأسود الليثي، يرثي هشام بن المغيرة، أحد أشراف مكة، وصدره.
تخيره ولم يعدل سواه
وقبل هذا البيت:
فذرني أصطبح يا بكر إني ... رأيت الموت نقب عن هشام(2/255)
فصل: لا يتقدم التمييز على عامله؛ إذا كان اسمًا كرطل زيتا، أو فعلًا جامدًَا1؛ نحو: ما أحسنه رجلًا. وندر تقدمه على المتصرف؛ كقوله:
أنفسا تطيب بنيل المنى2
__________
ومعنى اصطبح: اشرب الصبوح؛ وهو شرب الخمر صباحا، ويقابه الغبوق؛ وهو شربها في العشي. ونقب: بحث.
اللغة والإعراب: تخيره: اختاره واصطفاه، لم يعدل: لم يمل. تهامي: منسوب إلى تهامة، وتطلق على مكة، وعلى أرض معروفة ببلاد العرب. "تخيره" فعل ماض، والفاعل يعود على الموت، والهاء مفعوله، تعود على هشام. "فلم" الفاء عاطفة، ولم جازمة نافية. "سواه" مفعول يعدل، منصوب بفتحة مقدرة على الألف، والهاء مضاف إليه. "فنعم" الفاء عاطفة، ونعم فعل ماض. "المراء" فاعل. و"من" زائدة، "رجل" تمييز للمرء منصوب بفتحة مقدرة؛ منع منها حرف الجر الزائد. "تهامي" صفة لرجل.
المعنى: أن الموت اختار هشاما، ولم يعدل به سواه، ولم يمل إلى غيره من الناس، فهو نعم الرجل من تهامة.
الشاهد: جر التمييز وهو "رجل" بمن؛ لأنه -وإن كان فاعلا في المعنى- لكنه غير محول عن الفاعل الصناعي. وقد اقتصر الناظم على مسألتين مما ذكره المصنف، فقال:
واجرر بـ"من" إن شئت غير ذي العدد ... والفاعل المعنى؛ كـ"طب نفسا تفد
أي يجوز جر التمييز بالحرف "من"؛ بشرط ألا يكون التمييز للعدد الصريح، وألا يكون فاعلا في المعنى؛ مثل: طب نفسا تفد؛ أي تستفد؛ فإن الأصل: لتطب نفسك، ثم حول الكلام؛ فصار الفاعل تمييزا. فلا يصح جر "نفسا" بمن.
1 وكذلك إذا كان فعلا متصرفا يؤدي معنى الفعل الجامد؛ نحو: كفى بالله شهيدا، فإن "كفى" فعل متصرف، ولكنه بمعنى فعل التعجب وهو غير متصرف؛ لأن معناه ما أكفاه.
2 صدر بيت من المتقارب، ينسب لرجل من طيئ، لم يعين اسمه، وعجزه.
__________
* "إن" شرطية. "شئت" فعل الشرط، وجوابه محذوف "غير" مفعول اجرر. "ذي" -بمعنى صاحب- مضاف إليه، "العدد" مضاف إليه. "والفاعل" معطوف على ذي. "المعنى" منصوب على نزع الخافض، أو مضاف إليه، أو مفعول به للفاعل. "نفسا" تمييز. "نفذ" مضارع مبني للمجهول مجزوم في جواب الأمر، وهو "طب" ونائب الفاعل أنت.(2/256)
وفاس على ذلك المازني والمبرد والكسائي1.
__________
وداعي المنون ينادي جهارا
اللغة والإعراب: تطيب: تطمئن. نيل المنى: إدراك المأمول، والمنى: جمع منية؛ وهي ما يتمناه الإنسان ويأمله، المنون: الموت. "أنفسا" الهمزة للاستفهام، و"نفسا" تمييز معمول لتطيب. "وداعي المنون" الواو للحال، "داعي" مبتدأ. و"المنون" مضاف إليه. "ينادي" الجملة خبر المبتدأ. "جهارا" مفعول مطلق.
المعنى: كيف تستلذ نفس الإنسان وتطمئن بما تظفر به من الأماني والآمال؛ ورسول الموت يطلبها طلبا شديدا، لا شك فيه.
الشاهد: تقديم "نفسا" وهو تمييز على عامله، وهو تطيب؛ لأنه فعل متصرف، وهذا نادر عند سيبويه والجمهور.
1 وحجتهم ما ذكر، وأيضا: القياس على غيره من الفضلات المنصوبة بفعل متصرف.
والأجواد عدم جواز التقديم، إلا لضرورة كما يقول سيبويه؛ لأن التمييز كالنعت في الإيضاح، والنعت لا يتقدم على عامله، فكذلك ما أشبهه، وأيضا فالغالب في التمييز المنصوب بفعل متصرف، أن يكون فاعلا في الأصل، فلا يغير عما كان يستحقه من وجوب التأخير، أما البيت ونحوه فضرورة، وفي حكم تقديم التمييز، وعدم تقديمه، يقول الناظم:
وعامل التمييز قدم مطلقا ... والفعل ذو التصريف نزرا سبقا
أي أن عامل التمييز يجب تقديمه؛ سواء كان التمييز تمييز مفرد أو نسبة، وإذا كان عامل التمييز فعلا متصرفا، فقد يتأخر هذا العامل، ويتقدم التمييز عليه نادرا.
أما توسط التمييز بين العامل ومعموله، فجائز؛ بشرط أن يكون العاملا فعلا أو وصفا يشبه؛ نحو: صفا نفسا الورع.
__________
* "وعامل التمييز" مفعول به مقدم لقدم ومضاف إليه. "مطلقا" حال من "عامل التمييز". "والفعل" مبتدأ" "ذو التصريف" نعت للفعل، ومضاف إليه. "نزرا" صفة لمصدر محذوف؛ أي سبق سبقا نزرا، أو حال من ضمير "سبقا" ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود على الفعل، والألف للإطلاق، والجملة خبر المتبدأ.(2/257)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
فوائد:
أالعدد غير الصريح مثل: "كم" يجوز جر تمييزه بمن؛ تقول: كم من كتاب عندك.
ب ملخص ما قيل في إعراب "يا جارتا ما أنت جارة": أن "يا" حرف نداء، و"جارتا" منادى منصوب؛ لإضافته لياء المتكلم المنقلبة ألفا؛ وأصله "يا جارتي"، و"ما": إما أن تكون نافية تفيد التعجب. و"أنت جارة" جملة اسمية من مبتدأ وخبر.
المعنى: لست جارة. وإنما أنت شيء أكبر من ذلك؛ فأنت بمنزلة الأم أو الأخت أو القريبة؛ إعلانا للتعجب من إخلاصها، الذي لا يصدر إلا عن واحدة من هؤلاء، لا عن جارة، وإما أن تكون "ما" استفهامية خبرا مقدما، و"أنت" مبتدأ مؤخر، و"جارة" تمييز.
ومعنى الجملة: التعجب؛ بسبب أداة الاستفهام الدالة على التعظيم، ويجوز في هذه الصورة: أن تكون "جارة" حالا مؤوله بمعنى ملاصفة، كما يجوز أن تكون "ما" نافية. والجملة بعدها منفية؛ أي أنت ليست أهلا أن تكوني جارة ... إلخ.
جـ يتفق الحال والتمييز في أن كلا منهما: اسم، نكرة، منصوب، فضلة، راف للإبهام. ويختلفان في الأمور الآتية.
1 التمييز لا يكون إلا اسما مفردا، أما الال فيجيء جملة، وشبه جملة "ظرفا وجارا ومجرورا".
2 التمييز يكون مبينا للذوات أو النسبة، أما الحال فلا يكون إلا مبنيا للهيئات.
3 التميز لا يتعدد إلا بالعطف، أما الحال فتتعدد بعطف، وغير عطف.
4 التمييز في الغالب يكون جامدا، أما الحال فيكون مشتقة وجامدة، وقد يأتي التمييز مشتقا.
5 الراجح عدم تقديم التمييز على عامله، إذا كان فعلا مشتقا أو وصفا يشبهه، أما الحال فيجوز فيه ذلك.
6 التمييز لا يكون إلا مؤكدا لعامله على الصحيح أما الحال فقد تكون مؤكدة، وأما قول الشاعر:
تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا
فالصحيح أن "زاد" معمول لتزود؛ إما مفعولا مطلقا إن أريد به التزود، أو مفعولا به إن(2/258)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
أريد الشيء الذي يتزود به من أفعال البر، وعليهما فـ"مثل " نعت له تقدم فصار حالا.
وأما قول الآخر:
نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت ... رد التحية نطقا أو بإيماء
ففتاة حال مؤكدة.(2/259)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
الأسئلة والتمرينات:
1 عرف التمييز ووضح نوعية، وبين فيما يكون كل منهما؟ مع التمثل.
2 ما حكم التميز الواقع بعد ما يفيد التعجب أو التفضيل؟ وضح ما تقول بالمثال.
3 متى يجب نصب التمييز؟ ومتى يجب جره؟ ومتى يمتنع ذلك؟ مثل لما تذكر.
4 ما حكم التمييز بالنسبة لعامله؛ من حيث تقدمه عليه، أو تأخره عنه؟ وضح.
5 اشرح قول ابن مالك:
واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد ... والفاعل المعنى كـ"طب نفسا تفد
6 بين موضع الشاهد فيما يأتي في هذا الباب، وأعرب ما تحته خط:
قال تعالى: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} .
{اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} .
{فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا} .
{كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} .
{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} .
{إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَة} .
أتهجر ليلى بالفراق حبيبها ... وما كان نفسا بالفراق تطيب
إذا المرء عينا قر بالعيش مثريا ... ولم يعن بالإحسان كان مذمما
طافت أمامة بالسر كبان آونة ... يا حسنه من قوام ما ومنتقبا
إنا لقوم أبت أخلاقنا كرما ... أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا
7 اشرح اليت الآتي شرحا أديبا، وأعربه، وبين ما فيه من شاهد:
كفى بالمرء عيبا أن تراه ... له وجه وليس له لسان
8 بين في العبارات الآتية: التمييز، نوعه، عامله، حكمه؛ من حيث النصب والجر:
كان سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من أطيب الناس عنصرا وأكثرهم عدلا؛ حتى لقب بالفاروق، ومع هذا كان أرقهم قلبا، ولقد عظم عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلا، فلله دره بطلا، وأنعم به جريئا في الحق، لا يخاف فيه لومة لائم. اشترك.(2/260)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
مع الرسول في جميع الغزوات؛ فيا له من شجاع، وما أحسنه مقدامًا، يجود بروحه فداء لغيره، ودفاعا عن دينه، أحسن بالفدائيين رجالا مدافعين عن وطنهم المغتصب.
9 أكمل الجمل الآتية بوضع تمييز مناسب، واضبطه بالأوجه الجائزة:
- أعطيت الفقراء من الزكاة كلية ... ...
- اشتريت رطلين ... ...
- في كيس نقودي عشرة ... ... وثلاث ... ...
- قابلني ثلاثون من المجاهدين فأعطيتهم ... ...
- جنينا محصول فدان ... ...
- ما في الأرض قدر راحة ... ...
10 هات مثالين من إنشائك لما يأتي، ووضح السبب:
أ- تمييز جملة واجب المطابقة للاسم السابق.
ب- تمييز جملة تمتنع مطابقته للاسم السابق.
جـ- تمييز جملة تجوز فيه المطابقة وعدمها للاسم السابق.(2/261)
باب: حروف الجر لم سميت بذلك وعددها
مدخل
...
باب حرف الجر 1:
وهي عشرون حرفًا2: ثلاثة مضت في الاستثناء؛ وهي: خلا، وعدا، وحاشا.
__________
هذا باب حروف الجر:
1 هكذا: سماها البصريون، وعللوا ذلك بأنها تعمل الجر فيما بعدها؛ ظاهرا أومقدر أو محليا، كما قيل: حروف النصب، والجزم لذلك. أو؛ لأنها تجر معاني الأفعال وشبهها، وتوصلها إلى ما تجره، ومن أجل هذا سماها الكوفيون: "حروف الإضافة"؛ لأنها تضيف معاني الأفعال، وتربطها بما بعدها.
2 أي على المشهور، وفي بعضها خلاف. وقد جمعها الناظم في قوله:
هاك حروف الجر وهي من إلى ... حتى خلا حاشا عدا في عن على
مذ منذ رب اللام كي واو وتا ... والكاف والبا ولعل ومتى
وهذه الحروف تقع كلها أصلية؛ إلا "من" و"الباء" و"اللام" و"الكاف"؛ فتستعمل زائدة أحيانا، أما "رب" و"لعل" فإنهما حرفا جر، شبيهان بالزائد. وحرف الجر الزئاد لا يفيد معنى جديدا؛ وإنما يقوى المعنى القائم الجملة، ويؤكده ولا يحتاج لشيء يتعلق به، والمجرور به يكون مجرورا في اللفظ فقط، ومحله رفع أو نصب، أو جر على حسب ما يقتضيه العامل، أما حرف الجر الشبيه بالزائد فيفيد معنى جديدا في الجملة؛ هو التقليل، ولا يحتاج لمتعلق كالزائد، ويجر ما بعدها لفظا، وله محل من الإعراب كالزائد، ولذلك سمي شبيها بالزائد. وأما حرف الجر الأصلي فيؤدي معنى جديدا في الجملة، ويوصل بين معنى العامل والاسم المجرور به، ويظهر معناه في جملته، وعلى ما بعده، ولا بد له من متعلق -أي عامل- يتعلق به؛ من فعل أو شبهه؛ لأن مهمته توصي المعنى بين العامل والاسم المجرور، والمجرور به مجرور في اللفظ، وقد يكون مع ذلك في محل رفع أو نصب أو جر -على حسب العوامل؛ فله إعراب لفظي، وآخر محلي وكل حرف من حروف الجر المذكورة قد يتعدد معناه، وقد يشاركه غيره في بعض المعاني، وبعض الحروف المشتركة قد يكون أوضح في تأدية المعنى من غيره إلى غير ذلك؛ مما سيمر بك مفصلا -إن شاء الله.
__________
* "هاك" اسم فعل أمر بمعنى خذ، والكاف حرف خطاب، ينصرف تصرف الكاف الاسمية؛ من تذكير وغيره. "حروف الجر" مفعول هاك ومضاف إليه. "وهي مبتدأ. "من" قصد لفظه، وهي ما عطف بإسقاط العاطف في بعضها خبر المبتدأ.(2/262)
وثلاثة شاذة:
أحدها: "متى" في لغة هذيل1، وهي بمعنى "من" الابتدائية2. سمع من بعضهم أخرجها متى كمه3، وقال:
متى لجج خضر لهن نئيج4
__________
1 من القبائل العربية القحطانية التي عنها أخذ اللسان العربي. وكان فيها شعراء كثيرون مشهورون؛ منهم: أبو ذؤيب الهذلي.
2 قال في الهمع: "وتأتي اسما بمعنى "وسط" حكى، و"ضعها متى كمه"؛ أي وسطه وهي حينئذ مبنية؛ لمشابهتها الحرفية.
3 أي من كمه.
4 عجز بيت من الطويل، لأبي ذؤيب الهذلي يصف سحابا، وصدره:
شربن بماء البحر ثم ترفعت
اللغة والإعراب: شربن، المراد: حملن الماء، والضمير للسحاب، ترفعت: ارتفعت وتصعدت، لجج: جمع لجة؛ وهي معظم الماء، نئيج: مر سريع بصوت، "شربن" فعل ماض، ونون النسوة فاعل، وقد ضمن معنى تروين. فعداه بالباء، أو الباء بمعنى. "من".
"متى" حرف جر أصلي بمعنى "من" لجج "مجرور بها على لغة هذيل، والجار والمجرور متعلق بشربن. "خضر" نعت لجج، "لهن نئيج" مبتدأ وخبر، والجملة صفة للجج، أوحال من النون في شربن، على زعم العرب.
المعنى: هذا البيت يعبر عما كان العرب يعتقدون؛ من أن للسحب شبه خراطيم، تدنو من البحر الملح في بعض الأماكن، فتأخذ من مائه ما شاءت ثم تصعد إلى الجو سريعا ولها دوي، فيعذب هذا الماء وينتقل ثم ينزل إلى حيث يشاء الله مطرا. ونستطيع أن نفسر هذا الاعتقاد الساذج بما يتفق مع ما قرره العلم اليوم، وهو أنه كناية عن تصعد ماء البحار بوساطة حرارة الشمس، وتنقله من جهة إلى أخرى بالهواء، حتى يرتفع إلى حيث يشاء الله، ويكون سحبا تنزل بعد مطرا.
الشاهد: استعمال "متى" بمعنى "من" على لغة هذيل، وجرها "لجج".(2/263)
والثاني: "لعل" في لغة عقيل1قال:
لعل الله فضلكم علينا2
ولهم في لامها الأولى: الإثبات، والحذف، وفي الثانية: الفتح، والكسر3.
والثالث: "كي"، وإنما تجر ثلاثة؛
أحدها: "ما" الاستفهامية4؛ يقولون إذا سألوا عن علة الشيء: "كميه"5، والأكثر أن يقولوا "لمه".
__________
1 قبيلة عربية، أبوها عقيل بن كعب ربيعة، من قيس عيلان بن مضر.
2 صدر بيت من الوافر، لم ينسب لقائل، وعجزه:
بشيء إن أمكم شريم
اللغة والإعراب: لعل: حرف جر شبيه بالزائد، ومعناه الترجي، قيل: وهو هنا بمعنى الإشفاق، ولا يتعلق بشيء. فضلكم: زادكم. شريم: هي المرأة المقضاة التي اختلط مسلكاها؛ ويقال فيها: شرماء وشروم. "لعل" حرف ترج وجر شبيه بالزائد. "الله" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة؛ منع منها حرف الجر الشبيه بالزائد. "فضلكم" الجملة خبر. "إن أمكم شريم" الجملة من إن ومعموليها لا محل لها، وهي بمنزلة التعليل لما قبلها؛ إن قرئت بكسر إن، وبفتحها في تأول مصدر مجرور على أنه بدل من شيء.
المعنى: آمل في يكون الله سبحانه وتعالى فضلكم علينا وأكرمكم؛ لأن، أو يكون أمكم بهذه الحالة؛ قد اختلط قبلها بدبرها. وهذا -من الشاعر- تهكم واستهزاء.
الشاهد: استعمال "لعل" حرف جر على لغة عقيل، وقد جر بها لفظ الجلالة.
3 هذه اللغات ليست خاصة بـ"لعل" التي يجر الاسم بعدها -كما رآه بعضهم، بل جاءت في لغات العرب عامة.
4 أي التي يسأل بها عن سبب الشيء وعلته.
5 أصلها: كيما؟ أي "لما"، ومعروف أن "ما" الاستفهامية إذا جرت تحذف ألفها، ويحل محلها "هاء السكت" في الوقف؛ حفظا للفتحة الدالة على الألف، ويقال في إعرابها:(2/264)
الثاني: "ما" المصدرية وصلتها1 كقوله:
يراد الفتى كيما يضر وينفع2
أي للضر والنفع، قاله الأخفش، وقيل: "ما" كافة3.
الثالث: "أن" المصدرية، وصلتها؛ نحو: جئت كي تكرمني، فإذا قدرت "أن" بعدها4؛ بدليل ظهورها في الضرورة كقوله:
لسانك كيما أن تغر وتخدعا5
__________
كي حرف جر أصلي للتعليل، و"ما" استفهامية مجرورة بكي حذفت ألفها وجوبا لما بينا.
1 أي المصدر المنسبك من "ما" وصلتها، فإن هذا هو المجرور محلا بالحرف.
2 عجز بيت من الطويل، لقيس بن الخطيم، وقيل للنابغة، وصدره:
إذا أنت لم تنفع فضر فإنما
اللغة والإعراب: يراد: يقصد. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط، في محل نصب بضر. "أنت" فاعل لفعل محذوف، هو فعل الشرط، يفسره المذكور. "لم تنفع" الجملة مفسرة. "فضر" الفاء واقعة في جواب "إذا"، و"ضر" فعل أمر، ويجوز في رائه الفتح للخفة، والضم؛ إتباعا لحركة الضاد، والكسر للتخلص "فإنما" للتعليل، وإنما أداة حصر، "يراد الفتى" فعل ونائب فاعل. "كي" جارة تعليلية بمنزلة اللام، و"ما" مصدرية؛ وهي وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بكي.
المعنى: إذا لم يكن في مقدورك أن تنفع من يستحق النفع والعون، فضر من يستحق الضرر والإيذاء؛ فإن الإنسان لا يقصد منه في الحياة غير هذين العملين.
الشاهد: دخول "كي" على "ما" المصدرية، وجرها المصدر المؤول.
3 أي "لكي" عن عمل الجر، كما تكف "رب" في "ربما".
4 أي ليكون المصدر المنسبك من "أن" المضمرة وصلتها في محل جر "بكي".
5 عجز بيت من الطويل، لجميل بن معمر العذري، وصدره:
فقالت أكل الناس أصبحت مانحا
اللغة والإعراب: مانحا: اسم فاعل من المنح؛ وهو الإعطاء. تغر: تخدع؛ يقال:(2/265)
والأولى أن تقدر "كي" مصدرية1، فتقدر اللام قبلها؛ بدليل كثرة ظهورها معها؛ نحو: {لِكَيْلا تَأْسَوْا} .
والأربعة عشر الباقية قسمان:
سبعة تجر الظاهر والمضمر: وهي: من، وإلى، وعن، وعلى، وفي، والباء، واللام؛ نحو: {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} ، {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ} ، {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} ، {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} ، {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} ، {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} .
__________
غره غرورا، خدعه: ختله، وأراد به المكروه من حيث لا يعلم. "أكل" الهمزة للاستفهام، وكل مفعول أول مقدم لمانحا. "الناس" مضاف إليه. "أصبحت" فعل ماض ناقص، والتاء اسمها. "مانحا" خبرها "لسانك" مفعول ثان لمانحا، ومضاف إليه "كي" حرف تعليل وجر. "ما" زائدة. "تغر" مضارع منصوب بأن والفاعل أنت، و"تخدعا" معطوف على تغر والألف للإطلاق، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بكي.
المعنى: أصبحت مانحا جميع الناس حلاوة لسانك، وحسن كلامك؛ لتغرهم وتوقعهم في المكروه من حيث لا يشعرون. إن هذا عمل لا يليق بالكملة من الرجال.
الشاهد: ظهور "أن" المصدرية بعد "كي"، وهذا يدل على أن "كي" للتعليل وليست حرفا مصدريا، وأنه يقدر بعدها "أن" إن لم تكن موجودة.
1 فتكون هي الناصبة للمضارع، وذلك إذا لم تذكر "أن" بعدها. وإذا ذكرت "أن" المصدرية بعدها ولم تسبقها لام الجر، كانت حرف جر؛ كلام التعليل معنى وعملا، وإن ذكرت قبلها اللام، كانت حرفا مصدريا ناصبا بنفسه؛ كأن المصدرية معنى وعملا، وإن توسطت بينهما؛ فالأحسن اعتبارها جارة للمصدر المنسبك بعدها، مؤكدة للام الجر قبلها، ويجوز أن تكون مصدرية مؤكدة بـ"أن" بعدها، والمصدر المنسبك مجرور باللام قبلها، وإن لم توجد "لام الجر" قبلها، ولا "أن" بعدها، جاز اعتبارها مصدرية؛ بتقدير اللام قبلها، أو حرف جر بتقدير "أن" بعدها.
هذا: وتختص "متى"، و"لعل"، و"كي" بالدخول على الاسم الظاهر، وقد علمت أنها لا تستعمل في الجر إلا قليلا. ولم ينبه الناظم على ذلك، وقد ذكر بعض النحاة من حروف الجر "لولا"، إذا دخلت على الضمائر المتصلة؛ نحو: لولاي ولولاك ولولاه، فهي عند سيبويه، وجمهور البصريين في هذه الحالة حرف جر زائد، لا يتعلق بشيء، والضمير بعدها في محل جر بها، وفي محل فع بالابتداء؛ كمدخول "من" الزائدة؛ في مثل قولك: ما في الدار من أحد: أما عند الكوفيين والأخفش من البصريين فموضع الضمير المتصل رفع لا غير، وقد وضع المتصل موضع المنفصل.(2/266)
{وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ} ، {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ} ، {آمِنُوا بِاللَّهِ} ، {وَآمِنُوا بِهِ} ، {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ} ، {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ} .
وسبعة تختص بالظاهر:1، وتنقسم أربعة أقسام2:
ما لا يختص بظاهر بعينه، وهو: حتى، والكاف، والواو. وقد تدخل الكاف في الضرورة على الضمير؛ كقول العجاج:
وأم أو عال كها أو أقربا3
__________
1 أشار إليها الناظم بقوله:
بالظهر اخصص منذ مذ وحتى ... والكاف والواو ورب والتا
2 هذا التقسيم بالنسبة لعملها في الظاهر الذي تجره؛ كما سترى.
3 عجز بيت من الرجز المشطور، للعجاج بن رؤبة، في حمار وحشي، وصدره:
خلى الذنابات شمالا كثبا
اللغة والإعراب: خلى: ترك. الذنابات: موضع معين. شمالا: أي ناحية الشمال. كثبا: قريبا، والكثب: القرب. أم أوعال: هضبة معروفة. كها: أي مثل الذنابات في البعد.
"خلى" فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الحمار الوحشي. "الذنابات" مفعوله الأول منصوب بالكسرة، نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. "شمالا" ظرف مكان، أو مفعول خلى الثاني. "كتبا" حال من الذنابات، أو هو المفعول الثاني لخلى، و"شمالا" حاال. "وأم" -بالنصب- معطوفا على الذنابات. "أو عال" مضاف إليه. "كها" جار
__________
* "بالظاهر" جار ومجرور متعلق باخصص. "منذ" مفعول اخصص مقصود لفظه، و"مذ" وما بعده عطف على "منذ" بإسقاط العاطف في مذ.(2/267)
وقول الآخر:
كه ولا كهن إلا حاظلا1
وما يختص بالزمان؛ وهو: مذ ومنذ، فأما قولهم: ما رأيته مذ أن الله خلقه؛ فتقديره:
__________
ومجرور متعلق بمحذوف حال من "أم أوعال". ويجوز رفع أم على الابتداء، وخبره "كها"، "أو أقربا" معطوف على الهاء من كها.
المعنى: إن هذا الحمار ترك الذنابات عن شماله قريبا منه، وترك أم أوعال؛ مثل الذنابات أقرب منها إليه.
الشاهد: في "كها"؛ حيث جرت الكاف الضمير المتصل، وحقها أن تجر الظاهر، أو الضمير المنفصل عند بعض النحاة. وهذا ضرورة.
1 عجز بيت من الرجز لرؤبة بن العجاج، يصف حمارا وحشيا، وأتنا وحشيات، وصدره:
فلا ترى بعلا ولا حلائلا
اللغة والإعراب: بعلا: زوجا، والجمع البعولة؛ ويقال للمرأة أيضا: بعل وبعلة؛ كزوج وزوجة، حلائل: جمع حليلة وهي الزوجة. حاظلا: مانعا من التزوج. "لا" نافية. "بعلا" مفعول أو لترى. "ولا" الواو حرف عطف، "ولا" زائدة لتوكيد النفي. "كه" جار ومجرور متعلق بمحذوف، صفة لبعلا، "ولا كهن" معطوف على "كه"، و"لا" زائدة لتوكيد النفي. "إلا" أداة حصر. "حاظلا" مفعول ثان لترى، ويجوز جعل "حاظلا" حالا من "بعلا" إن جعلت "ترى" بصرية.
المعنى: لا ترى من الأزواج والزوجات مثل حمار الوحش وأتنه، كل يقصر نفسه على صاحبه، ولا يتطلع إلى غيره، إلا من منع أنثاه قهرا عن التزوج؛ وذلك أن الحمار يمنع أتنه من حمار آخر يريدها. وكانت عادة العرب في الجاهلية إذا طلقوا امرأة منعوها من التزوج إلا بإذنهم، فجعل الأتن كالحلائل، وجعل الحمار بعلهن.
الشاهد: جر الضمير المصتل في "كه"، و"كهن" بالكاف للضرورة، وقد تدخل "حتى" كذلك على الضمير في الضرورة؛ كقوله:
فلا والله لا يلفي أناس ... فتى حتاك يا ابن أبي زياد(2/268)
مذ زمن أن الله خلقه؛ أي مد زمن1 خلق الله إياه.
وما يختص بالنكرات، وهو: "رب"، وقد تدخل في الكلام على ضمير غيبة ملازم للإفراد، والتذكير، والتفسير بتمييز بعده مطابق للمعنى2، قال:
ربه فتية دعوت إلى ما3
وما يختص بالله، ورب مضافا للكعبة، أو لياء المتكلم، وهو: "التاء؛ نحو: {وَتَاللَّهِ
__________
1 وعلى ذلك تكون "مذ" جرت زمانا محذوفا مضافا إلى المصدر، ويشترط في الزمان المجرور بهما؛ أن يكون معينا معدودا لفظا أو معنى، كمنذ يومين، أو شهر لا مبهما، كمنذ زمن؛ لأنهما لا يجران المبهم؛ والمراد بالمبهم: النكرة غير المعدودة. وأن يكون ماضيا أو حالا لا مستقبلا كما سيأتي؛ فلا يقال: منذ غد. وأن يكون متصرفا؛ فلا تقول: ما رأيته منذ سحر، تريد سحر يوم بعينه، فإن لم ترده من يوم بعينه، فهو متصرف، كقوله تعالى: {إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} ، ويشترط في عاملهما: أن يكون فعلا ماضيا؛ إما منفيا متكررا؛ نحو: ما رأيته مذ يوم الخميس -أو مثبتا متطاولا؛ كسرت منذ يوم الخميس، ولا يجوز قتلته، أو ما قتلته منذ يوم الخميس؛ إذا كانت مذ أو منذ بمعنى "من" والمراد بالتطاول: أن يكون في طبيعة الحدث معنى الاستمرار كالسير والنوم والمشي، ولا شك أن القتل المتعلق بمعين لا يستمر ولا يتكرر؛ فلو قلت: ما قتلت -بدون هاء- صح الكلام.
2 أي في الإفراد والتذكير وفروعهما. وهذا المعنى هو المراد من الضمير الذي يسمونه "الضمير المجهول"؛ لعدم عودته على متقدم، وقد استغنى بمطابقة التمييز للمعنى عن مطابقته للضمير؛ تقول: ربه رجلا، وربه رجلين، وربه رجالا، وربه امرأة، وربه امرأتين، وربه نساء، والكوفيون يجيزون مطابقة الضمير للمفسر لفظا؛ تقول: ربها امرأة وربهما رجلين، وربهم رجالا، وربهن نساء ... وهكذا.
3 صدر بيت من الخفيف، لم يعرف قائله، وعجزه:
يورث المجد دائبا فأجابوا
اللغة والإعراب: فتية: جمع فتى. دعوت: ناديت. يورث: يكسب. المجد: الكرم والشرف. دائبا مداوما مجتهدا فيه. "ربه" رب حرف جر شبيه بالزائد والهاء في محل جر(2/269)
لأَكِيدَنَّ} ، وترب الكعبة، وتربي لأفعلن، ونذر تالرحمن تحياتك1.
__________
برب، وفي محل رفع مبتدأ. "فتية" تمييز المجرور برب. "دعوت" الجملة خبر المتبدأ، ومفعول دعوت محذوف؛ أي دعوتهم. "دائبا" حال من التاء في دعوت، أو صفة لمصدر محذوف؛ أي إيراثا دائبا. "فأجابوا" معطوف على دعوت.
المعنى: كثير من الشباب دعوتهم إلى ما يكسبهم المجد والشرف والكرم، وثابرت على دعائهم، فاستجابوا لما دعوتهم إليه، ولبوا ندائي.
الشاهد: جر "رب" ضميرا مفردا مذكرا؛ مع أنه مفسر بتمييز مجموع؛ وهو "فتية" واختلف في الضمير المجرور برب؛ فقيل معرفة، وقيل نكرة؛ لأنه عائد على واجب التنكير.
1 معناه: وحياتك، فالتاء بدل من واو القسم.
وقد أشار الناظم إلى الأقسام المتقدمة بقوله:
واخصص بمذ ومنذ وقتا وبرب ... منكرا والتاء لله ورب
وما رووا من نحو "ربه فتى" ... نزر كذا "كها" ونحوه أتى
أي أن "مذ" و"منذ" لا يجران من الأسماء الظاهرة إلا أسماء الزمان، ولا تجر "رب" إلا النكرات، والتاء مختصة بالقسم، وتجر لفظ الجلالة، وكلمة "رب" على النحو الذي بينه المصنف، وما رواه النحاة من جر "رب" لضمير الغيبة، نحو: ربه فتى، نادر وشاذ، وكذلك جر الكاف لهذا الضمير.
هذا: ويجوز دخول الكاف على ضمير الرفع؛ تقول: ما أنا كهو، وما أنا كأنت، وما أنت كأنا. وعلى ضمير النصب؛ نحو: ما أنا كإياك، وما أنت كإياي.
__________
* "بمذ" متعلق باخصص. "ومنذ" عطف عليه. "وقتا" مفعول به لا خصص. "وبرب" معطوف على بمذ؛ لأنه من متعلقات اخصص. "منكرا" معطوف على وقتا؛ من باب العطف على معمولين لعامل واحد وهو جائز. "والتاء" مبتدأ. "لله" خبره. "ورب" معطوف على لفظ الجلالة. "وما" اسم موصول مبتدأ. "رووا" فعل وفاعل، والجملة صلة ما. "من نحو" ومجرور متعلق برووا. "ربه فتى" رب: حرف جر شبيه بالزائد والهاء مجرورة محلا "فتى" تمييز للضمير. "نزر" خبر المبتدأ. "نزر" خبر المبتدأ. "كذا" متعلق بمحذوف خبر مقدم "كها" مبتدأ مؤخر قصد لفظه. "ونحوه" متبدأ ومضاف إليه. "أتى" الجملة خبر.(2/270)
فصل: في ذكر معاني الحروف1.
لـ"من" سبعة معان:
أحدهما: التبعيض2؛ نحو: {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} ، ولهذا قرئ: {بَعْضَ
مَا تُحِبُّونَ} .
والثاني: بيان الجنس3؛ نحو: {مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} .
__________
1 بين البصريين والكوفيين خلاف في جواز نيابة بعض الحروف عن بعض؛ فمذهب البصريين أن لكل حرف من حروف الجر معنى واحدا، يؤديه على سبيل الحقيقة؛ فمعنى "في" الظرفية، و"على" الاستعلاء، و"من" الابتداء، و"إلى" الانتهاء. إلخ؛ فإذا أدى معنى آخر غير الحرف الخاص به، كان تأديته لهذا المعنى بطريق المجاز، أو بتضمين العامل الذي يتعلق به الحرف معنى عامل آخر يتعدى بهذا الحرف، ولا بد لصحة استعمال المجاز من علاقة بين المعنى المنقول منه، والمعنى المنقول إليه، وقرينة تصرف الذهن عن المعنى الأصلي إلى المعنى المجازي.
ومذهب الكوفيين: أن قصر الحرف على معنى واحد تعسف لا مبرر له، وأنه إذا اشتهر استعمال الحرف في معنى، وشاعت دلالته عليه؛ بحيث يفهمها السامع بلا لبس ولا غموض؛ كان هذا المعنى حقيقا بالنسبة للحرف، ولا مجاز ولا تضمين، وفي هذا المذهب تيسير، وقد رجححه كثير من المحققين، على أن الباحثين منفقون على أن المجاز إذا اشتهر وشاع أصبح حقيقة عرفية.
2 أي الدلالة على البعضية، وعلامتها: صحة حذف "من" ووضع "بعض" مكانها.
3 أي بيان أن ما بعدها جنس يشمل ما قبلها، وأكثر ما تقع بعد "نا" و"مهما" لشدة إبهامهما، وعلامتهما: صحة الإخبار بما بعدها عما قبلها، وهنالك علامة أخرى وهي: صحة حذف "من" ووضع اسم موصول مكانها؛ مع ضمير يعود على ما قبلها إن كان معرفة. فإن كان نكرة، فالعلامة أن يخلفها الضمير وحده؛ فنحو: {مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} تقول فيه: هي ذهب. و"من" البيانية مع مجرورها، ظرف في محل نصب على الحال. إن كان ما قبلها معرفة، ونعت تابع لما قبلها إن كان ما قبلها نكرة.(2/271)
والثالث: ابتداء الغاية1 المكانية باتفاق؛ نحو: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، والزمانية، خلافا لأكثر البصريين، ولنا قوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} 2، والحديث: "فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة" 3، وقول الشاعر:
تخيرن من أزمان يوم حليمة4
__________
1 المراد بالغاية هنا: المقدار والمنسافة لا آخر الشيء، وعلامتها: أن يصلح في مكانها "إلى" أو ما يفيد فائدتها؛ نحو: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن معنى أعوذ بالله ألتجئ إليه.
2 من الآية: 108 من سورة التوبة، ويقول البصريون: إن "من" لابتداء الغاية في الأحداث، والتقدير: من تأسيس أول يوم.
3 هذا حديث رواه أنس بن مالك قال: "جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! هلكت المواشي وتهدمت البيوت، وتقطعت السبل؛ فادع الله. فدعا عليه السلام، فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة".
4 صدر بيت من الطويل، للنابغة الذبياني، في وصف السيوف، من قصيدة له في مدح عمرو بن الحارث، أحد الملوك الغسانيين، وعجزه.
إلى اليوم قد جربن كل التجارب
اللغة والإعراب: تخيرن: وقع الاختيار عليهن، واصطفين، وضمير الإناث للسيوف المذكورة في قوله قبل:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
"يوم حليمة": يوم من أيام حروب العرب المشهورة، وكان سنة61 ق هـ. وحليمة هي: بنت الحارث بن أبي شمر ملك غسان، وكان أبوها قد وجه جيشا إلى المنذر بن ماء السماء -ملك الحيرة بالعراق- فشجعت الجيش ومنحت أفراده جزءا من طيبها فانتصر وقتل النذر، وقد ضرب بذلك المثل فقيل: "ما يوم حليمة بسر". وهو يضرب لكل أمر مشهور. جرين: اختبرن وامتحن. التجارب: جمع تجربة، وهي اختيار الشيء مرة بعد أخرى. "تخيرن" مضارع للمجهول ونون النسوة نائب الفاعل. "من أزمان" متعلق به. "يوم حليمة" مضاف إليه. "إلى اليوم" متعلق أيضا بتخيرن. "قد" للتحقيق. "جربن" إعرابه مثل تخيرن. "كل" مفعول مطلق مضاف إليه "التجارب".(2/272)
والرابع: التنصيص على العموم1، أو تأكيد التنصيص عليه2، وهي الزائدة3.
ولها ثلاثة شروط: أن يسبقها نفي، أو نهي4 ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
المعنى: أن هذه السيوف جريت واختبرت مرات كثيرة من هذا الوقت، وأظهرت التجارب مضاءها وصفاء جوهرها، وجودة صقلها، وشدة فتكها بالأعداء.
الشاهد: في قوله "من أزمان"؛ فإن "من" فيه لابتداء الغاية الزمنية على مذهب الكوفيين، ويجب البصريون على ذلك: بأن الكلام على تقدير مضاف؛ أي من استمرار يوم حليمة، وكذلك يقدرون مضافا في الحديث؛ لتكون "من" لابتداء الغاية في الأحداث؛ أي من صلاة يوم الجمعة، وقد يكون الابتداء في غير الزمان والمكان؛ نحو: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} ، وقولك: من فلان إلى فلان.
1 أي عموم المعنى وشمول كل فرد من أفراد الجنس، وهي الداخلة على نكرة ليست ملازمة للوقوع بعد النفي، ولا تدل على العموم بنفسها؛ نحو: ما جاءني من رجل؛ ذلك أن كلمة "رجل" من النكرات التي قد تقع بعد النفي، أو لا تقع، فوقوعها بعد النفي لا يفيد العموم والشمول لكل فرد، بل يحتمل خروج بعض الأفراد من دائرة النفي، فإذا أريد النص في الشمول على سبيل اليقين؛ جيء بالحرف الزائد "من"، ووضع قبل النكرة مباشرة؛ ومن ثم لا يصح أن يقال: ما غاب من رجل، وإنما غاب رجلان أو أكثر؛ منعا للتناقض.
2 هي الداخلة على نكرة لا تستعمل إلا بعد نفي أو شبهه، فتدل بنفسها على العموم؛ مثل: أحد، عريب ديار؛ تقول: ما جاءني من أحد، فيدل ذلك دلالة قاطعة على العموم والشمول، وإنما كانت الأولى للتنصيص، وهذه للتأكيد؛ لأن النكرة الملازمة للنفي تدل على العموم بنفسها فزيادة "من" تأكيد لذلك العموم. أما الأولى فإن النكرة قبل دخول "من" تحتمل نفي الوحدة، ونفي الجنس على سبيل العموم؛ فدخولها نص على الثاني.
3 المراد بزيادتها: وقوعها في موضع يطلبه العامل بدونها، فتكون مقمحة بين طالب ومطلوب، وإن كان سقوطها مخلا بالمعنى المراد.
4 فلا تزاد في الإثبات إلا في تمييز "كم" الخبرية؛ إذا كان مفصولا منها بفعل متعد، نحو قوله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} .(2/273)
أو استفهام بهل1، وأن يكون مجرورها نكرة2، وأن يكون؛ إما فاعلا؛ نحو: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ} ، أو مفعولا3؛ نحو: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} ، أو مبتدأ4؛ نحو: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} 5.
__________
1 أو بالهمزة كذلك على الراجح؛ نحو: هل جاءك، أو جاءك من بشير؟
2 فلا تجر معرفة وذهب الأخفش إلى عدم اشتراط الشرطين معا؛ فأجاز زيادتها في الإيجاب، وأن تجر معرفة، وجعل من ذلك قوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم} ، وأجاب الجمهور: بأن "من" في الآية للتبعيض، لا زائدة.
3 أي حقيقة؛ فخرج ثاني مفعولي "ظن"، وثالث مفاعيل "أعلم"؛ لأنهما خبران في الأصل، لا مفعولان حقيقة.
4 أي ولو في الأصل؛ فيدخل أول مفعولي "ظن" وثاني مفاعيل "أعلم" قيل: أو مفعولا مطلقا؛ نحو قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} : أي من تفريط.
5 "خالق" مبتدأ. "غير الله" نعت على المحل، ومضاف إليه، والخبر محذوف؛ أي لكم. وجملة "يرزقكم" نعت ثان.
هذا: ولم يشترط الكوفيون في مجرور "من" الزائدة إلا شرط واحد؛ وهو أن يكون فاعلا، أو مفعولا أو مبتدأ، وذهب الأخفش والكسائي إلى جواز زيادتها بلا شرط مطلقا، وقد اقتصر الناظم على هذه المعاني الأربعة فقال:
بعض وبين وابتدئ في الأمكنه ... بـ"من" وقد تأتي لبدأ الأزمنه
وزيد في نفي وشبهه فجر ... نكرة كـ"ما لباغ من مفر"
أي أن "من" تجيء للتبعيض؛ ولبيان الجنس، وابتداء الغاية في الأمكنة كثيرا، وفي الأزمنة قليلا، وزائدة بعد نفي، أو شبهه، مع جر النكرة، وسيذكر الناظم المعنى الخامس "لمن"، وهو البدلية بعد.
__________
* "بعض" فعل أمر. "وبين وابتدى" معطوفان عليه. "في الأمكنة" متعلق باتبدئ. "بمن" تنازعه الأفعال الثلاثة، فأعمل الأخير لقربه، وحذف من غيره ضميره؛ لأنه فضله. "تأتي" فاعله يعود على من. "وزيد" ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود على من. "في نفي" متعل بزيد. "وشبهه" معطوف على نفي. "نكرة" مفعول جر. "كما" الكاف جارة لقول محذوف، و"ما" نافية. "لباغ" خبر مقدم. "من" زائدة. "مفر" مبتدأ مؤخر.(2/274)
والخامس: معنى البدل1، نحو: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ} 2.
والسادس: الظرفية3؛ نحو: {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} ، {إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} 4.
والسابع: التعليل5؛ كقوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} 6، وقال الفرزدق:
يغضي حياء ويغضى من مهابته7.
وللام اثنا عشر معنى:
أحدها: الملك8؛ نحو: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ} .
والثاني: شبه الملك ويعبر عنه بالاختصاص9؛ نحو: السرج للدابة.
__________
1 أي: أن تكون بمعنى كلمة "بدل"؛ بحيث أن تحل هذه الكلمة محلها.
2 أي: بدل الآخر.
3 فتكون بمعنى "في" التي للظرفية؛ مكانية أو زمانية.
4 "من" في الآية الأولى للظرفية المكانية، وفي الثانية للزمانية.
5 فتدخل على اسم يكون سببا، وعلة في شيء آخر.
6 أي: أغرقوا لأجل خطيئاتهم، فقدمت العلة على المعلول للاختصاص.
7 تقدم هذا الشاهد، والكلام عليه في باب النائب عن الفاعل صفحة: 45.
الشاهد: فيه هنا يكون "من" دالة على العليل؛ أي يغضي لأجل مهابته.
تنبيه: إذا ولي "من" اسم مبدوء بأل، فالأحسن فتح نونها؛ نحو: من القوم. وإذا وليها ساكن آخر، فالغالب كسر نونها نحو: سررت من اجتهادك.
8 هي التي تقع بين ذاتين؛ الثانية منهما هي التي تملك حقيقة، وهذا المعنى أكثر استعمالاتها.
9 وتقع بين ذاتين؛ ثانيتهما لا تملك حقيقة، وإنما تختص بالأولى دون تملك من إحداهما للأخرى؛ كمثال المصنف، أو أولاهما لا تملك؛ كأنت لي وأنما لك. وقد تقع اللام قبل الذاتين؛ نحو: لأخي ابن ذكي. فإن وقعت بين معنى وذات؛ نحو: الحمد لله، والويل للمنافقين، كانت للاستحقاق، وقد يعبر عن الجميع بلام الاختصاص.(2/275)
والثالث: التعدية1؛ نحو: ما أضرب زيدًا لعمرو2.
والرابع: التعليل؛ كقوله:
وإني لتعروني لذكراك هزة3
والخامس: التوكيد، وهي الزائدة4؛ نحو قوله:
ملكا أجار لمسلم ومعاهد5
__________
1 أي إلى المفعول به، فما بعدها يكون في حكم المفعول به معنى، وإن كان مجرورا.
2 الفعل "ضرب" متعد في الأصل، فلما نقل إلى "فعل" للتعجب صار قاصرا، فعدي بالهمزة إلى "زيد"، وباللام إلى "عمرو". هذا مذهب البصريين، ويقول الكوفيون: إن الفعل باق على تعديته بلا نقل، واللام هنا لتقوية العامل؛ لضعفه باستعماله للتعجب.
3 تقدم الكلام عليه من باب "إن وأخواتها".
الشاهد: فيه هنا كون اللام في "لذكراك" للتعليل؛ أي لأجل تذكري إياك.
4 في هذه الحالة يكون التوكيد محضا، فنزداد لتأكيد معنى الجملة؛ بتمامها وتقويتها دون العامل، ويجري عليها ما يجري على حرف الجر الزائد، وأكثر ما تكون بين الفعل، ومعموله المتأخر عنه؛ كمثال المصنف. أو بين المتضايقين؛ نحو: يا بؤس للحرب، ويحسن الاقتصار على المسموع فيها. وهل ما بعدها مجرور بها أو بالمضاف؟ قولان.
5 عجز بيت من الكامل للرماح بن ميادة، يمدح عبد الواد بن سلميان بن عبد الملك بن مروان، أمر المدينة، وصدره.
وملكت ما بين العراق ويثرب
اللغة والإعراب: يثرب: الاسم القديم للمدينة المنورة؛ سميت باسم رجل من العمالقة بناها، وتسمى كذلك "طيبة" سماها بذلك الرسول، أجاز: حفظ وحمى، معاهد: هو من يدخل بلاد الإسلام بعهد من الإمام. "ما" اسم موصول مفعول ملكت، "بين" ظرف متعلق بمحذوف صلة. "العراق" مضاف إليه. "ويثرب" معطوف على العراق، مجرور بالكسرة الظاهرة للوزن. "ملكا" مفعول مطلق. "أجاز" الجملة صفة لملكا. "لمسلم" مفعول أجار على زيادة اللام. "ومعاهد" معطوف عليه باعتبار اللفظ.
المعنى: لقد امد سلطانك وانبسط نفوذك؛ حتى شمل ما بين العراق والمدينة المنورة، وشملت الجميع بعدلك وحمايتك؛ سواء في ذلك المسلم والمعاهد.
الشاهد: زيادة اللام في "لمسلم" لمجرد التوكيد؛ لأن "أجار" يتعدى بنفسه، وقد تقدم على معموله، فليس بحاجة إلى اللام.(2/276)
وأما {رَدِفَ لَكُم} ، فالظاهر أنه ضمن معنى اقترب1، فهو مثل: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} . والسادس: تقوية العامل الذي ضعف؛ إما بكونه فرعا في العمل2؛ نحو: {مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} ، {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} ، وأما بتأخره عن المعمول؛ نحو: {إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} 3، وليست المقوية زائدة محضة4، ولا معدية محضة5، بل هي بينهما.
والسابع: انتهاء الغاية6؛ نحو: {كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى} .
والثامن: القسم7؛ نحو: لله لا يؤخر الأجل.
والتاسع: التعجب8؛ نحو: درك!
__________
1 يرى المبرد: أن اللام فيه زائدة.
2 أي مأخوذا من غير كالفروع؛ وذلك كالمصدر، واسمي الفاعل والمفعول، وأمثلة المبالغة.
3 "تعبرون" أصل في العمل؛ لأنه فعل، ولكن تأخره عن معموله أضعفه؛ فقوي باللام. والرؤيا: الحلم المنامي، وتعبيره: تفسيره.
4 أي؛ لأنها تفيد التقوية، وتتعلق بالعامل الذي قوته؛ بخلاف الزائدة المحضة؛ فإنها لا تتعلق بشيء.
5 وذلك لاطراد صحة إسقاطها.
6 أي المسافة في الزمان والمكان.
7 أي والتعجب معا. ويشترط أن تكون جملة القسم محذوفة، وأن يكون المقسم به لفظ الجلالة؛ لأنها خلف عن التاء؛ والتاء أكثر ما تستعمل مع لفظ الجلالة.
8 أي المجرد عن القسم؛ بشرط القرينة، ويغلب أن يكون بعد النداء؛ نحو: يا للغروب وما فيه من روعة!(2/277)
والعاشر: الصيرورة1؛ نحو:
لدوا للموت وابنوا للخراب2
والحادي عشر: البعدية3؛ نحو: {أَقِمُ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} أي: بعده.
والثاني عشر: الاستعلاء4؛ نحو: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ} ؛ أي: عليها.
__________
1 أي لبيان ما يصير إليه الأمر، وتسمى كذلك "لام العاقبة"؛ لأنها توضح عاقبة الشيء، وما يؤول إليه.
2 صدر بيت من الوافر، لم ينسب لقائل، وعجزه:
فكلكم يصير إلى الذهاب
اللغة والإعراب: "لدوا" فعل أمر من الولادة، مبني على حذف النون، وواو الجماعة فاعل "للموت" متعلق به. "للخراب" متعلق بابنوا. والخراب: ضد العمران. "فكلكم" الفاء للتعليل، و"كلكم" مبتدأ ومضاف إليه. "يصير" مضارع ناقص، واسمها يعود إلى كل. "إلى الذهاب" متعلق بمحذوف خبر يصير، وجملة يصير من اسمها وخبرها خبر المبتدأ.
المعنى: لدوا وتكاثروا وابنوا وشيدوا كما تشاءون؛ ليكون المال والمصير والعاقبة إلى ما ذكر؛ فكل إنسان مصيره الموت والفناء.
الشاهد: إن اللام في "للموت" وفي "للخراب" للصيرورة؛ كما ذكرنا، وليست للتعليل؛ لأن الموت ليست علة للولد، وليس الخراب علة البناء.
3 أن تكون اللام بمعنى "بعد"، ويصح حلولها محلها. والمثال الذي ذكره المصنف سبق ذكره في باب المفعول له: صحفة 137. وذكر هنالك أن اللام للتعليل، وفسر الدلوك بميل الشمس عن السماء.
4 أي الدلالة على أن شيئا حسيا أو معنويا وقع فوق الاسم الذي بعدها، فتكون بمعنى "على" والمراد في الآية: أنهم يسقطون على وجوهم والأذقان: جمع ذقن، وهي مجمع اللحيين في الإنسان. ومثال الاستعلاء المعنوي قوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} ؛ أي عليها. وقوله عليه الصلاة والسلام لعائشة حين اشترت بريرة: "اشترطي لهم الولاء"؛ أي عليهم.(2/278)
وللباء اثنا عشر معنى أيضًا:
أحدها: الاستعانة1؛ نحو: كتبت بالقلم.
والثاني: التعدية2؛ نحو: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} ؛ أي: أذهبه.
والثالث: التعويض3؛ نحو: بعتك هذا بهذا.
__________
هذا: وتأتي اللام للظرفية؛ نحو قوله تعالى في أمر الساعة: {لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} ، وبمعنى "قبل"؛ نحو: كتبت هذا لليلة بقيته من رمضان؛ أي قبل ليلة.
وبمعنى "من" البيانية؛ كقول الشاعر:
لنا الفضل في الدنيا وأنفك راغم ... ونحن لكم يوم القيامة أفضل
أي نحن أفضل منكم يوم القيامة، ولمعان أخرى كثيرة، مبسوطة في "المغني". وقد اقتصر الناظم على بعض ما تقدم من المعاني، فقال:
واللام للملك وشبهه وفي ... تعدية أيضًا وتعليل قفي
وزيد ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
أي أن اللام تفيد معنى الملك وشبهه، وتأتي للتعدية والتعليل، وتقع زائدة، ومعنى قفي: نسب وعرف.
1 هي الدالة على آلة الفعل وأداته التي يحصل بها معناه، فهي الواسطة بين الفاعل ومفعوله المعنوي؛ ولذلك تسمى "باء الآلة"، وهذا المعنى هو و"الإلصاق" أكثر المعاني استعمالا لها.
2 أي يستعان بها غالب في تعدية الفعل إلى مفعوله، كما تعدية همزة النقل؛ ولذلك تسمى "باء النقل"، وأكثر ما تعدى الفعل القاصر كمثال المصنف، ومن ورودها مع الفعل المتعدي قوله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} ، وقولهم: صككت الحجر بالحجر، والأصل: دفع بعض الناس بعضا، وصك الحجر الحجر.
3 هي الداخلة على الأعواض والأثمان؛ حسا أو معنى؛ والعوض: دفع شيء في مقابلة
__________
* "واللام للملك" مبتدأ وخبر. "وشبهه" عطف على الملك ومضاف إليه. "وفي تعدية" متعلق بقفي. "أيضا" مفعول مطلق لمحذوف. "وتعليل" معطوف على تعدية. "قفي" ماض للمجهول ونائب الفاعل يعود على اللام. "وزيد" ماض للمجهول نائب الفاعل يعود إلى اللام.(2/279)
والرابع: الإلصاق1؛ نحو: أمسكت بزيد2.
والخامس: التبعيض3؛ نحو: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} ؛ أي: منها4.
والسادس: المصاحبة5؛ نحو: {وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ} ؛ أي: معه6.
والسابع: المجاوزة7؛ نحو: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} ؛ أي: عنه.
والثامن: الظرفية8؛ نحو: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} ؛ أي: فيه ونحو: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} .
والتاسع: البدل9؛ كقول بعضهم: ما يسرني أني شهدت بدرًا بالعقبة؛ أي بدلها.
__________
شي آخر؛ ولذلك تسمى باء المقابلة، وهي غير البدل الذي هو اختيار أحد الشيئين وتفضيله على الآخر من غير مقابلة من الجانبين، وقد مثل المصنف للعوض الحسي، أما المعنوي، فنحو: قابلت إحسانه بالشكر والدعاء.
1 الإلصاق هو: مطلق التعلق، وهذا المعنى أصل معانيها لا يفارقها، وهو إما حقيقي كمثال المصنف، أو مجازي؛ نحو: مررت بمحمد؛ أي جعلت مروري بمكان يقرب من مكانه.
2 معناه: قبضت على شيء من جسمه، أو ما يتصل به من ثوب أو نحوه، وهذا أبلغ من أمسكت زيدا؛ لأنه يفيد منعه من الانصراف بأي وجه كان.
3 أي أن يكون الاسم المجور بها بعضا من شيء قبلها.
4 وقيل: ضمن يشرب معنى يروي.
5 المصاحبة: انضمام شيء لآخر انضماما يقتضي تلازمهما فيما يقع عليهما أو منهما، وعلامتها: أن يصلح في موضعها "مع"، ويغني عنها وعن مصحوبها الحال.
6 أو كافرين على الحال؛ ومثل هذه الآية: {اهْبِطْ بِسَلامٍ} ؛ أي معه، أو مسلما.
7 سيأتي قريبا أيضاح معنى المجاوزة، وعلامة المجاوزة هنا: أن يصلح في مكانها "عن". قيل: ويختص هذا المعنى بالسؤال كما مثل المصنف، وبدليل: {يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} ، وقيل: لا يختص بذلك بدليل قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} ؛ أي عنه.
8 هي التي يصلح في مكانها "في" والظرفية مكانية وزمانية، وقد مثل لهما المصنف.
9 أي أن تكون بمعنى كلمة "بدل"، وقد بينا الفرق بين البدل وبين العوض، قريبا، والقول.(2/280)
والعاشر: الاستعلاء1؛ نحو: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَار} أي: قنطار.
والحادي عشر: السببية2؛ نحو: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} .
والثاني عشر: التأكيد، وهي الزائدة3؛ نحو: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} ، ونحو: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ، ونحو: بحسبك درهم، ونحو: زيد ليس بقائم. ولـ"في" ستة معان:
الظرفية؛ حقيقة4 مكنية أو زمانية؛ نحو: {فِي أَدْنَى الأَرْضِ} ، ونحو: {فِي بِضْعِ سِنِينَ} . أو مجازية5؛ نحو: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ} .
__________
الذي ذكره المصنف هو لرافع بن خديج الصحابي، وفي الحديث: "ما يسرني حمر النعم" أي بدلها.
1 هي التي يصلح في موضعها "على"، وقد تقدم قريبا معنى الاستعلاء.
2 أي: أو التعليل. وهي التي يكون ما بعدها سببا أو علة فيما قبلها.
3 وتزاد في مواضع منها: زيادتها في فاعل "أفعل" في التعجب للتوكيد، وزيادتها فيه لازمة، وتغلب في فاعل "كفى"، وتزاد في المفعول نحو: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} . وزيادتها في غير ذلك مقيسة. وفي خبر "ليس" و"ما" وزيادتها فيهما لتأكيد النفي وفي المبتدأ مع لفظ حسب، وقد مثل الموضح لذلك، وتأتي الباء للقسم، وهذا من أكثر استعمالاتها وهي الأصلية فيه، وتستعمل في القسم الاستعطافي وهو الذي يكون جوابه جملة طلبية نحو: بالله هل زاركم محمد؟ أي أسألك بالله. وغير الاستعطافي، وهو المؤكد بجملة خبرية نحو: بالله لتسافرن. وللغاية بمعنى "إلى" نحو قوله تعالى: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} ؛ أي أحسن إلي.
4 وهي: ما كان للظرف احتواء وللمظروف تحيز، وذلك بأن يكون كل من الظرف والمظروف من الذوات، و"أدنى" و"بضع" قد اكتسبتا الظرفية من المضاف إليهما؛ فإن "أدنى" اسم تفضيل من الدنو، و"بضع" اسم لما بين الثلاث إلى التسع.
5 هي ما فقدت ركني الحقيقة؛ نحو: في عملك نفع، وقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ، أو الاحتواء؛ نحو: محمد في سعة من الرزق، أو التحيز كمثال.(2/281)
والسببية؛ نحو: {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 1.
والمصاحبة2؛ نحو: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} .
والاستعلاء؛ نحو: {لأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} .
والمقايسة3؛ نحو: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} 4.
وبمعى الباء؛ نحو:
بصيرون في طعن الأباهر والكلى5
__________
المصنف وقد اجتمعت الظرفية الحقيقة والمجازية في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} .
1 أي بسبب ما أفضتم؛ أي خضتم فيه من حديث الإفك، وما اتهمتم به السيدة عائشة وتسمى التعليلية، وفي الحديث: "دخلت امراة النار في هرة حبستها"؛ أي بسبب، أو لأجل هرة.
2 هي التي يحسن في موضعها "مع".
3 أي: أو الموازنة؛ وهي ما يكون ما قبلها ملاحظا بالقياس إلى ما بعدها، ويحكم عليه بعد القياس بأمر ما؛ فهي واقعة بين مفضول سابق وفاضل لاحق. ولا مانع من العكس أحيانا.
4 أي: بالقياس إلى الآخرة وموازنته بمتاعها.
5 عجز بيت من الطول، لزيد الخير، الذي كان يعرف في الجاهلية بزيد الخيل، فسماه النبي بعد أن أسلم زيد الخير. وصدره:
ويركب يوم الروع مجنا فوراس
اللغة والإعراب: الروع: الفزع والخوف. فوارس: جمع فارس على غير قياس. بصيرون: عارفون وخبيرون. الأباهر: جمع أبهر، وهو عرق متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه، الكلى: جمع كلوة، أو كلية. "يوم" ظرف منصوب بيركب. "بصيرون" صفة لفوارس. "في طعن" متعلق به "الأباهر" مضاف إليه. "والكلى" معطوف على الأباهر.
المعنى: في اليوم الذي يفزع فيه الناس ويرهبون -وهو يوم الحرب- يركب منا فرسان شجعان مدربون على الحرب، خبيرون بطعن المقاتل التي تقضي على الأعداء.
الشاهد: قوله "في طعن"؛ فإن "في" بمعنى الباء؛ لأن بصيرا يتعدى بها، وتأتي "في" بمعنى "إلى" الغائية، ومنه قوله تعالى: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} كناية عن(2/282)
ولـ"على" أربعة معان:
أحدها: الاستعلاء1؛ نحو: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} .
والثاني: الظرفية؛ نحو: {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} ؛ أي: في حين غفلة.
__________
عدم الرد عن ترك الكلام. وبمعنى "من"؛ نحو قوله تعالى: {فِي تِسْعِ آيَاتٍ} . وبمعنى الباء التي للإلصاق؛ نحو: وقف الحارس في الباب؛ أي ملاصقا له.
وقد اقتصر الناظم في معاني "في" على الظرفية والسببية، وعلى بعض معاني الباء، فقال مشيرا إلى ذلك.
... ... ... والظرفية استبن بـ"با" ... و"في" وقد يبينان السببا
بالبا استعن وعد عوض ألصق ... ومثل "مع" و"من" و"عن" بها انطق
ترك من أول البيت كلمة "وزيد"؛ لأنها من معاني اللام وقد ذكرت قبل ثم قال الناظم: والظرفية استبن ببا وفي؛ أي اجعل الظرفية واضحة بهما؛ لأنها من معانيهما؛ أي أن الباء وفي قد اشتركا في إفادة الظرفية، وكذلك السببية، وذكر أن الباء تكون للاستعانة وللتعدية، وللتعويض، وللإلصاق، وبمعنى "مع"؛ أي المصاحبة.
وبمعنى "من" -أي للتبعيض، وبمعنى "عن"- أي المجاوزة، وقد أوضحنا ذلك كله.
1 أي العلو؛ وهو أكثر معانيها استعمالا، والاستعلاء قد يكون حقيقة إن كان على نفس المجرور وهو الغالب؛ حسا كمثال المصنف، أو معنى؛ نحو: {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ، ومجازًا إن كان العلو على ما يقرب من المجرور؛ نحو: {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى} ، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ، فقد شبه التمكن من الهدى والأخلاق العظيمة الشريفة والثبوت عليها، بمن علا دابة يصرفها كيف شاء، وليس من الاستعلاء المجازي قولهم: "توكلت على الله، واعتمدت عليه"؛ لأن الله لا يعلو عليه شيء لا حقيقة ولا مجاز، وإنما ذلك من باب الإضافة والإسناد؛ أي أضفت توكلي واعتمادي إلى الله، وأسندتهما إليه -سبحانه-.
__________
1 "والظرفية" مفعول مقدم لاستبين. "ببا" متعلق به. "وفي" عطف على ببا. "يبنيان" مضارع وألف الاثنين فاعل وهي عائدة إلى "الياء" و"في" "السببا" مفعول والألف للإطلاق. "بالبا" متعلق باستعن والألف للضرورة. "وعد، عوض، ألصق" معطوفان على استعن بحذف العاطف. "ومثل مع" حال من "ها" في بها ومضاف إليه. "ومن، وعن" معطوفان على مع. "بها" متعلق بانطق.(2/283)
والثالث: المجاوزة؛ كقولك:
إذا رضيت علي بنو قشير1 أي: عني.
والرابع: المصاحبة؛ نحو: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} ؛ أي: مع ظلمهم.
ولـ"عن" أربعة معان أيضًا.
أحدها المجاوزة2؛ نحو: سرت عن البلد، ورميت عن القوس.
__________
1 صدر بيت من الوافر، لقحيف العامري، يمدح حكيم بن المسيب القشيري، وعجزه:
لعمر الله أعجبني رضاها
اللغة والإعراب: بنو قشير: قبيلة تنبسب إلى كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. لعمر الله: المراد: الحلف بإقراره لله -تعالى- بالبقاء بعد فناء الخلق. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "رضيت" فعل الشرط. "بنو قشير" فاعل رضيت ومضاف إليه. "لعمر الله" اللام للابتداء، وعمر الله مبتدأ ومضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله، والخبر محذوف وجوبا؛ أي قسمي. "أعجبني رضاها" جواب الشرط.
المعنى: واضح.
الشاهد: وقوع "على" بمعنى "عن"؛ لأن الأصل في "رضي" أن يتعدى بعن لا بعلى.
وقيل: إن "رضي" مضمن معنى عطف. وتأتي "على" بمعنى اللام، نحو: {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} ؛ أي لهدايته إياكم. وبمعنى "من"؛ نحو: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} ؛ أي من الناس. وبمعنى الباء نحو: حقيق على ألا أقول إلا الحق، أي بألا أقول. وبمعنى "عند"؛ نحو: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} ؛ أي عندي.
2 المجاوزوة هي: ابتعاد شيء مذكور أو غير مذكور عن حرف الجر بسبب شيء قبله؛ فالأول: نحو: رميت السهم عن القوس، والثاني؛ نحو: -رضي الله عنك؛ أي: جاوزتك المؤاخذة بسبب الرضا والمجاوزة قد تكون حقيقة كهذين المثالين، وقد تكون مجازية، إذا كانت في المعانى؛ نحو: أخذت الفقه عن عالم متمكن؛ أي أن الفقه جاوزه بسبب الأخذ منه، والمجاوزة أظهر معاني "عن" وأكثرها استعمالا.(2/284)
والثاني: البعدية1؛ نحو: {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} ؛ أي حالا بعد حال2.
والثالث: الاستعلاء؛ كقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} أي: على نفسه، وقول الشاعر:
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب
عني ... 3؛ أي: علي
__________
1 أي: أن تكون بمعنى "بعد".
2 أي: من البعث والسؤال والموت، أو من النطفة إلى ما بعدها، وقيل: إن "عن" هنا باقية على ظاهرها. والمعنى: طبقا متجاوزا في الشدة عن طبق آخر دونه.
3 جزء بيت من البسيط، لذي الإصبع العدواني، واسمه حرثان بن محرث، ولقب بذي الإصبع؛ لأن حية نهشت إبهام رجله فقطعها، في مزين بن جابر تمامه:
ولا أنت دياني فتخزوني
وهذا البيت من قصيدة له مشهورة، مطلعها:
يا من لقلب شديد الهم محزون ... أمسى تذكر ريا أم هارون
وبعده:
ولا تفوت عيالي يوم مسغبة ... ولا بنفسك في الضراء تكفيني
فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي ... إن ذلك مما ليس يشجيني
ومنها:
إن الذي يقبض الدنيا ويبسطها ... إن كان أغناك عني سوف يغنيني
اللغة والإعراب: لاه: أصله: لله، حذفت لام الجر، واللام الأولى من لفظ الجلالة شذوذا، أفضلت: زدت وصرت صاحب فضل. حسب: هو كل ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه ومآثرهم. دياني: مالك أمري، وهو صيغة مبالغة، من دان فلان فلانا، أخضعه وملك أمره. تخزوني: تسوسني وتقهرني. "لا" مجرور بحرف جر محذوف، والجار والمجرور خبر مقدم. "ابن عمك" مبتدأ مؤخر مضاف إليه. "لا" نافية "أفضلت" فعل. ونائب فاعل. "في حسب عني" متعلقان بأفضلت. "لا" نافية "أنت" مبتدأ. "دياني" خبر مضاف إلى ياء المتكلم. "فتخزوني" مضارع منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية، وسكنت الواو تخفيفا وللقافية.
المعنى: لله در ابن عمك، يعني نفسه، فقد حاز من الصفات السامية ما يتعجب منه، وأنت لم تفضلني في المفاخر، ولست القائم على أمري وبيدك مصيري، حتى تسوسني وتقهرني وتذلني.
الشاهد: أن "عن" للاستعلاء بمعنى "على"؛ لأن المعروف أن يقال: أفضلت عليه: وجوز الرضي: أن تكون "عن" باقية على أصلها؛ وضمن الشاعر أفضلت، معنى تجاوزت في الفضل، وفي البيت حذف الجر وإبقاء عمله.(2/285)
والرابع: التعلي؛ نحو: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} ؛ أي لأجله1.
وللكاف أربعة معان أيضًا:
أحدها: التشبيه2؛ نحو: {وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} 3.
والثاني: التعليل؛ نحو: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} ؛ أي لهدايته إياكم4.
__________
1 ويجوز أن يكون حالا من ضمير "تاركي"؛ أي ما نتركها صادرين عن قولك.
هذا: وتأتي "عن" بمعنى "من"؛ نحو: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} أي: من عباده، وبمعنى الباء، نحو: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} ؛ أي بالهوى. وللبدل؛ نحو: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} ؛ أي بدل نفس. ولغير ذلك. وفي بعض معاني "على" و"عن" يقول الناظم:
على للاستعلا ومعنى "في" و"عن" ... بعن تجاوزا عني من قد فطن
وقد تجي موضع "بعد" و"على" ... كما "على" موضع "عن" قد جعلا
أي: أن "على" تستعمل للاستعلاء، وبمعنى "في" للظرفية، ومثل "عن" للمجاوزة وتؤدي هذا المعنى إذا قصده من فطن له، وتأتي "عن" بمعنى "بعد"، وبمعنى "على" المفيدة للاستعلاء، كما أن "على" تكون بمعنى "عن" للمجاوزة.
2 وهو أكثر معاني الكاف تداولًا، والأصل فيها.
3 الدهان: الأديم الأحمر، أو جمع دهن؛ أي صارت السماء محمرة كوردة مذابة كالدهن الذي يدهن به.
4 فالكاف للتعليل، و"ما" مصدرية.
__________
* "على" قصد لفظه "للاستعلا" خبر وقصر للضرورة. "ومعنى في" معطوف على الاستعلاء ومضاف إليه. "وعن" معطوف على في، "بعن" متعلق بعني. "تجاوزا" مفعول مقدم لعني. "من" اسم موصول فاعل عني. "قد فطن" الجملة صلة من. "تجي" مضارع فاعله يعود على عن. "موضع" ظرف لتجي. "بعد" مضاف إليه. "وعلى" معطوف على بعد، "كما" الكاف جارة وما مصدرية. "على" مبتدأ مقصود لفظه. "موضع عن" ظرف متعلق يجعلا ومضاف إليه. "جعلا" مبني للمجهول ونائب الفاعل يعود إلى. "على" والألف للإطلاق، والجملة خبر المبتدأ.(2/286)
والثالث: الاستعلاء، قيل لبعضهم: كيف أصبحت؟ قال: كخير؛ أي عليه1. وجعل مه الأخفش قولهم: "كن كما أنت"؛ أي: على ما أنت عليه2.
والرابع: التوكيد؛ وهي الزائدة؛ نحو: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} ؛ أي: ليس شيء مثله3.
ومعنى إلى، وحتى: انتهاء الغاية4 مكانية أو زمانية؛ نحو: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} ؛ ونحو: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} 5؛ ونحو: أكلت
__________
1 استدل المصنف بهذا؛ لأن القول له، والمجيب هو رؤبة بن العجاج الراجز المشهور، وقيل: الكاف للتشبيه على حذف مضاف، أي كصاحب خير.
2 الكاف بمعنى "على"، و"ما" موصولة في محل جر بالكاف، و"أنت" مبتدأ حذف خبره -أي كن على الحال التي أنت عليها. وقيل: "أنت" خبر حذف مبتدؤه؛ أي كن كالشخص الذي هو أنت. وقيل: "ما" زائدة ملغاة والكاف جارة و"أنت" ضمير مرفوع نائب عن الضمير المجرور، وهو في محل جر بالكاف، والجار والمجرور خبر "كن"؛ أي كن فيما يستقبل مماثلا لنفسك فيما مضي. وقيل غير ذلك من الأعاريب.
3 هكذا قدره الأكثرون؛ فرارا من إثبات المثل وهو محال عليه -سبحانه-، وقد زيدت الكاف لتوكيد نفي المثل؛ لأن زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة، وقيل: إن الكاف ليست بزائدة، و"مثل" بمعنى الذات أو الصفة، وقيل غير ذلك.
وقد ذكر الناظم من معاني الكاف ما جاء في قوله:
شبه بكاف وبها التعليل قد ... يعنى وزائدًا لتوكيد ورد
أي أن الكاف تأتي لتشبيه، وقد تأتي للتعليل، وورد مجيئها زائدة للتوكيد. ولم يذكر الناظم الاستعلاء من معانيها.
4 المقصود بالغاية كما تقدم: المسافة والمقدار. والمراد بانتهاء الغاية: أن المعنى قبلهما ينقطع وينتهي بوصوله إلى المجرور بعدهما، وتشاركهما في ذلك "اللام" وقد تقدمت.
5 "إلى" هنا لانتهاء الغاية. الزمانية وفي الآية قبلها للمكانية.
__________
* "بكاف" متعلق بشبه. "وبها" متعلق يعني. "التعليل" مبتدأ. "قد يعني" قد للتقليل، ونائب فاعل يعني يعود على التعليل وجملة الفاعل ونائبه خبر المبتدأ. "وزائدا" حال من فاعل. "ورد" الآتي "لتوكيد" متعلق بزائد، "ورد" فعل ماض وفاعله يعود إلى الكاف.(2/287)
ونحو: أكلت السمكة حتى رأسها، ونحو: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} 1.
وإنما يجر بـ"حتى" في الغالب: آخر، أو متصل بآخر كما مثلنا؛ فلا يقال: سهرت البارحة حتى نصفها2.
ومعنى "كي" التعليل3، ومعنى "الواو، والتاء"4: القسم.
__________
1 "حتى" للانتهاء في الزمان، وفي المثال الأول لانتهاء الغاية في المكان.
2 لأن النصف ليس آخرا ولا متصلا به. والغالب أن يكون مجرور. "حتى" اسما ظاهرا، لا مضمرا.
هذا: وتأتي "إلى" للمصاحبة، نحو: من غش في المعاملة أساء قومه إلى نفسه؛ أي مع نفسه وللاختصاص؛ نحو: أمر الأمة إلى رئيسها، وأمر الأسرة إلى راعيها، والظرفية؛ نحو سيجمع الله الناس إلى يوم تشيب فيه الولدان؛ أي في يوم.
وتأتي "حتى" للتعليل والدلالة على أن ما قبلها علة وسبب لما بعدها بعكس اللام؛ فإن ما بعدها هو العلة لما قبلها، وفي هذه الحالة لا تجر إلا المصدر المنسبك من أن الناصبة وصلتها؛ نحو: أحسن عملك حتى تكافأ، وقد اقتصر الناظم على ما في قوله:
للانتها "حتى" و"لام" و"إلى" ... و"من" و"باء" يفهمان بدلا
أي أن "حتى" تدل على انتهاء الغاية، وكذلك "اللام" و"إلى" و"من" والباء" يشتركان في معنى واحد؛ هو البدل وقد تقدم ذلك. هذا: وقد ذكر النحاة فروقا بين "حتى" و"إلى" تجر الظاهر والمضمر، و"حتى" لا تجر إلا الظاهر على الراجح، و"إلى" تدل على النهاية إذا وجدت قبلها "من" الدالة على البداية، ولا يصح مجيء "حتى".
3 تقدم الكلام عليها صفحة 264.
4 حروف القسم أربعة: اللام والباء، وقد تقدم الكلام عليهما. انظر صفحة 275، وصفحة 279، أما الواو والتاء فيدلان على القسم غير الاستعطافي، ولا يصح أن يذكر معهما فعل القسم، ولا يجران إلا الاسم الظاهر، والتاء لا تجر من الأسماء الظاهرة إلا: "الله، رب، الرحمن"، ومن الشذوذ أن تجر غير هذه الثلاثة، انظر صفحة: 269.
__________
* "للانتها" متعلق بمحذوف خبر مقدم. "حتى" مبتدأ مؤخر مقصود لفظه. "ولام وإلى" معطوفان على حتى. "ومن" قصد لفظه مبتدأ، والواو للاستئناف. "وباء" معطوف على من. "يفهمان" فعل وفاعل، والجملة خبر المبتدأ. "بدلا" مفعول به ليفهمان.(2/288)
ومعنى مذ ومنذ1: ابتداء الغاية إذا كان الزمان ماضيا؛ كقوله:
أقوين مذ حجج ومذ دهر2
وقوله:
وربع عفت آثاره منذ أزمان3
__________
1 انظر صفحة: 268.
2 عجز بيت من الكامل، لزهير بن أبي سلمى، من قصيدة يمدح فيها هرم بن سنان. وصدره:
لمن الديار بقنة الحجر
اللغة والإعراب: قنة: هي أعلى الجبل. الحجر: منازل قوم ثمود بالشام عند وادي القرى. أقوين: خلون من السكان. حجج: سنين، جمع حجة وهي السن، وهو اسم زمان كالدهر. "لمن" اللام جارة، ومن اسم استفهام في محل جر باللام، والجار والمجرور خبر مقدم. "الديار" مبتدأ مؤخر، "بفنة" متعلق بمحذوف صفة للديار. "الحجر" مضاف إليه، "أقوين". فعل ماض ونون النسوة فاعل، والجملة حال من الديار بتقدير قد. "مذ" حرف جر بمعنى من. "حجج" مجرور بها.
المعنى: لمن هذه الديار التي بأعلى المكان؟ وقد خلت من ساكنيها من سنوات وأزمان طويلة.
الشاهد: في "مذ" حيث استعملت حرف الجر بمعنى "من" لابتداء الغاية الزمنية والمجرور ماض، وهو قليل.
3 عجز بيت من الطويل، لامرئ القيس الكندي، وصدره:
قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان
اللغة والإعراب: "قفا" أمر للواحد بلفظ الاثنين على عادة العرب؛ مثل: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} . ذكرى: تذكر. عرفان: معرفة. ربع: منزل ودار. عفت آثاره: درست وانمحت علاماته. "قفا" فعل أمر، وألف الاثنين فاعل. "نبك" مضارع مجزوم في جواب الأمر بحذف الياء. "من ذكرى" جار ومجرور متعلق بنبك. "حبيب مضاف إليه،"وعرفان" معطوف على حبيب، "وربع" معطوف على ذكرى، أو على حبب. "عفت آثاره" الجملة.(2/289)
والظرفية إن كان حاضرا1؛ نحو: منذ يومنا. وبمعنى "من" وإلى "معا إن كان معدودًا؛ نحو: مذ يومين2.
ورب للتكثير كثيرا وللتقليل قليلا3: فالأول؛ كقوله -عليه السلام-: "يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة" 4، وقول بعض العرب عند انقضاء رمضان: يا رب صائمه
__________
صفة لربع. "منذ" حرف جر بمعنى من. "أزمان" مجروريها، والجار والمجرور متعلق بعفت.
المعنى: قف يا صاحبي نندب حظنا ونذرف الدمع من تذكر الأحبة والأصدقاء الذين فقدناهم، وتلك المنازل التي درست بعد أن كانت عامرة بأهلها، وذهبت آثارها ومعالها من أزمان طويلة.
الشاهد: جر "منذ" للزمان الماضي وهي للابتداء، وأكثر العرب يرى وجوب جر "منذ ومذ" للحاضر، وترجيح جر "منذ" للماضي، وترجيح رفع "مذ" للماضي على جره.
1 فيكونان على معنى "في" وينصبان بالفعل قبلهما.
2 أي ما رأيته من ابتداء هذه المدة إلى انتهائها؛ ويشترط حينئذ: أن يكون الزمان نكرة معدودا لفظا، كمذ يومين، أو بمعنى كمذ شهر؛ لأنهما لا يجران المبهم -أي غير المعدود. ويجوز وقوع المصدر بعدهما، تقول: ما رأيته مذ قدوم الحجاج- أي مذ زمن قدوم الحجاج، كما يجوز وقوع "أن" وصلتها بعدهما. نحو: ما رأيته منذ أن الله خلقني، وهو على تقدير زمان أيضًا، وفي مذ ومنذ الحرفان يقول الناظم:
وإن يجرا في مضي فكـ"من" ... هما وفي الحضور معنى "في" استبنع
أي إن وقع ما بعدهم مجرورا، وكان ماضيا فهما حرفا جر بمعنى "من"، وإن كان حاضرا فهما بمعنى "في"، وقوله استبن: أي اطلب بيان معنى "في" الظرفية.
3 يرى فريق من النحاة، أنها للتقليل دائما، وزعم ابن درستويه وجماعة أنها للتكثير دائما.
4 "يا" للتنبيه أو للنداء والمنادى محذوف. "رب" حرف جر شبيه بالزائد. "كاسية"؛ أي مكسية مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة. "في الدنيا" متعلق به. "عارية" خبر. "يوم القيامة"
__________
* "إن" شرطية "يجرا" فعل الشرط والألف فاعل. "في مضي" متعلق بيجرا. "فكمن" الفاء لرابط الجواب بالشرط، و"كمن" ومجرور خبر مقدم، "هما" مبتدأ مؤخر، "وفي الحضور" متعلق باستبن. "معنى" مفعول استبن مقدم. "في" مضاف إليه مقصود لفظه.(2/290)
لن يصومه وقائمه لن يقومه1. والثاني؛ كقوله:
ألا رب مولود وليس له أب ... وذي ولد لم يلده أبوان2
__________
ظرف متعلق بعارية، ومضاف إليه، ويجوز أن تكون عارية صفة لكاسية باعتبار اللفظ أو المحل، والخبر محذوف؛ أي ثابتة.
المعنى: كثير من الناس مستور ومكسو في الدنيا، مفضوح وعار اليوم القيامة.
الشاهد: أن "رب" هنا للتكثير؛ لأن الحديث مسوق للتخفيف، والتقليل لا يناسبه.
ومثله وقوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} .
1 "صائمه" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة، والهاء مضاف إليه، وهي في محل نصب مفعول لصائم. "لن يصومه" الجملة خبر. وقد استدل بهذا الكسائي على إعمال اسم الفاعل المجرد بمعنى الماضي.
المعنى: كثير ممن يصومون رمضان ويقومون ليلة لا ثواب لهم في صومهم وقيامه؛ لأنهم يضيعون ثوابهم بما يرتكبون من آثام.
الشاهد: فيه كسابقة.
2 بيت من الطويل، ينسب لرجل من أزد السراة، ولم يعين اسمه. وذكر الفارسي أنه لرجل اسمعه عمرو الجنبي، لقي امرأ القيس في إحدى الفلوات فخاطبه بهذا البيت.
اللغة والإعراب: مولود ليس له أب: هو عيسى -عليه السلام- ولد ليس له أبوان: هو آدم أبو البشر، فقد خلق من تراب. "ألا" للتنبيه. "رب" حرف جر وتقليل شبيه بالزائد.
"مولود" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها حركة حرف الجر الشبيه بالزائد، "وليس له أب" الواو للحال، والجملة من ليس ومعموليها، في موضع نصب على الحال، وخبر المبتدأ محذوف؛ أي موجود "وذي" معطوف على مولود مجرور بالياء؛ لأنه من الأسماء الخمسة، "ولد" مضاف إليه "يلده" مضارع مجزوم بلم بسكون مقدر منع من ظهوره حركة التخلص من التقاء الساكنين العارض؛ فقد سكنت اللام تشبيها بكتف وفخذ ونحوهما، من كل كلمة ثانيها مكسور؛ فإنه يجوز إسكانه للتخفيف وسكنت الدال للجازم، فحركت الدال بالفتح إتباعا للياء، ويجوز في ضمها إتباعا للهاء. "أبوان" فاعل يلد، والجملة صفة لذي ولد.
الشاهد: كون "رب" هنا للتقليل؛ لأنه لا يوجد من هذين الصنفين إلا فرد واحد، ولا تجر رب غالبا إلا الاسم الظاهره النكرة، وتحتاج هذه النكرة لصفة من مفرد أو جملة أو شبهها، وقد تجر ضميرا للتنبيه يفسره اسم منصوب بعده يعرب تمييزا ... إلخ، انظر صفحة 269.(2/291)
فصل: في الحروف المشتركة بين الحرفية والاسمية
فصل: من هذه الحروف ما لفظه مشترك بين الحرفية والاسمية، وهو خمسة:
أحدهما: الكاف1 والأصح أن اسميتها مخصوصة بالشعر؛ كقوله:
يضحكن عن كالبرد المنهم2
__________
1 يرى الأخفش والفارسي وابن مالك: أن استعمالها اسما قياسي في سعة للكلام، ولا يختص بضرورة الشعر، وقد كثر في كلام الفحول من الشعر، وإذا صارت اسما كانت بمعنى "مثل"، وتقع فاعلا فتكون مبنية على الفتح في محل رفع؛ كقول الشاعر:
ما عاتب المرء الكريم كنفسه ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ومفعولا؛ كقول آخر:
ولم أر كالمعروف أما مذاقه ... فحلو وأما وجهه فجميل
وفي محل جر، نحو: تبتسم عن كاللؤلؤ، وكمثال المصنف.
2 رجز للعجاج بن رؤبة، يصف نسوة بالحسن والجمال وصدره:
بيض ثلاث كتعاج جم
اللغة والإعراب: بيض: جمع بيضاء. نعاج: جمع نعجة، والمراد بها هنا البقرة الوحشية، شبهت بها المرأة الحسناء، ولا يقال نعاج لغيرها. جم: جمع جماء وهي التي لا قرن لها. البرد: مطر ينعقد كرات صغيرة. المنهم: الذائب منه بعضه حتى يصير كرات صغيرة جدا. "بيض" مبتدأ. "ثلاث" صفة له "كنعاج" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة ثانية. "جم" صفة لنعاج. "يضحكن" فعل مضارع ونون النسوة فاعل، والجملة خبر المبتدأ "كالبرد، الكاف اسم بمعنى "مثل" في محل جر بعن، والبرد مضاف إليه. "المتهم" صفة للبرد.
المعنى: أن هؤلاء النسوة البيض اللاتي كبقر الوحش خفة ورشاقة، يضحكن عن أسنان كالبرد الصغير صفاء ولطافة.(2/292)
والثاني والثالث: "عن"، و"على"؛ ,وذلك إذا دخلت عليهما "من"؛1
كقوله:
من عن يميني مرة وأمامي2
__________
الشاهد: استعمال الكاف في "كالبرد" اسما بمعنى "مثل"؛ بدليل دخول حرف الجر عليها، وحرف الجر لا يدخل إلا على الاسم.
1 ليس ذلك بقيد لاسميتهما، وإنما الغالب وقوعهما مجرورتين بمن، وإذا استعملا اسمين، كانت "عن" بمعنى جانب، و"على" بمعنى فوق. وهذا الاستعمال قياسي فيهما. وإلى استعمال الكاف و"عن" و"على" أسماء يشير الناظم بقوله:
واستعمل اسما وكذا "عن" و"على" ... من أجل ذا عليهما "من" دخلا
أي أن الكاف استعملت اسما، وكذلك "عن" و"على"، ومن أجل استعمالهما اسمين دخل عليهما الحرف الجار "من"، وهو لا يدخل إلى على الأسماء.
2 عجز بيت من الكامل، لقطري بن الفجاءة الخارجي، وصدره:
فلقد أرباني للرماح دريئة
اللغة والإعراب: دريئة: هي الحلقة التي يتعلم عليها الطعن والرمي. "ولقد" اللام واقعة في جاب قسم مقدر، وقد حرف تحقيق. "أراني" مضارع، والفاعل أنا، والنون للوقاية، والياء مفعول أول. "للرماح" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من دريئة، الواقع مفعولا ثانيا لأرى. "من" جارة. "عن" اسم بمعنى جانب أو جهة، في محل جر بمن، والجار والمجرور متعلق بمحذوف يدل عليه أراني. "يميني" مضاف إليه. "مرة" منصوب على المصدرية "وأمامي" معطوف على يميني.
المعنى: يصف نفسه بالشجاعة والصبر على الجلاد في معمعة الحرب حين يفر الأبطال، فتتقاذف عليه رماح الأعداء ونبالهم، وتأتيه من كل جانب وهو ثابت، أو يريد: أن المحاربين معه يتخذونه وقاية يتقون بها رمايا الأعداء؛ لشجاعته ورباطة جأشه.
__________
* "واستعمل" ماض للمجهول، ونائب الفاعل، يعود إلى الكاف في البيت السابق."اسما" حال من نائب الفاعل. "وكذا" متعلق بمحذوف خبر مقدم. "عن" مبتدأ مؤخر مقصود لفظه "وعلى" معطوف على عن. "من أجل" متعلق بدخل. "ذا" مضاف إليه. "عليهما" متعلق بدخل. "من" قصد لفظه مبتدأ. "دخلا" فعل ماض فاعله يعود على. "من" والألف للإطلاق، والجملة خبر المبتدأ.(2/293)
وقوله:
غدت من عليه بعدما تم ظمؤها1
والرابع والخامس: "مذ"، ومنذ". وذلك في موضعين2.
__________
الشاهد: أن "عن" اسم بمعنى جانب أو جهة، بدليل دخول حرف الجر عليه وهو "عن".
1 صدر بيت من الطويل، لمزاحم بن الحارث العقيلي يصف قطاة، وعجزه:
تصل وعن قيض بزيزاء مجهل
اللغة والإعراب: غدت: صارت والضمير فيه عائد على القطاة. ثم: كمل. ظمؤها: مدة صبرها عن الماء؛ والظم: ما بين الشرب والشرب، تصل: تصوت أحشاؤها من العطش، قيض: هو القشر الأعلى للبيض. زيزاء: بيداء، وهي الأرض القفر التي لا ماء فيها. مجهل: قفر ليس فيها أعلام يهتدي بها. "غدت" فعل ماض من أخوات كان، واسمها مستتر يعود على القطاة. "من" جارة. "عليه" اسم بمعنى فوق في محل جر بمن، والهاء مضاف إليه. "بعد" ظرف منصو بغدت. "ما" مصدرية. "ثم ظمؤها" فعل وفاعل ومضاف إليه، والمصدر المنسبك من "ما" وما بعدها مضاف إليه لبعد أي بعد تمام، "تصل" الجملة خبر غدت. "وعن قيض" معطوف بالواو على قوله "من عليه" "بزيزاء" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لقيض، ممنوع من الصرف لألف التأنيث الممدودة، "مجهل" مضاف إليه، أو صفة لزيزاء، أو بدل كل من كل.
المعنى: أن هذه القطاة صارت من فوق فرخها، وقد مضت المدة التي تصبر فيها عن الماء -تصوت من شدة الظمأ، وهي على قشور البيض والأفراخ في تلك الأرض الغليظة القفر الخالية مما يهتدي به السائرون.
الشاهد: استعمال "على" اسما بمعنى "فوق"؛ بدليل دخول حرف الجر عليها. وقيل: معناه "عند".
2 وإليهما يشير الناظم بقوله:
و"مذ ومنذ" اسمان حيث رفعا ... أو أوليا الفعل كـ"جئت مذ دعا"
__________
* "ومذ" مبتدأ قصد لفظه. "ومنذ" معطوف عليه. "اسمان" خبر المبتدأ "حيث" ظرف صفة لمذ ومنذ. "رفعا" جملة الفعل والفاعل في محل جر بإضافة حيث. "أو" عاطفة. "أولياء" ماض للمجهول، والألف نائب فاعل وهي المفعول الثاني. "الفعل" مفعول أول؛ لأنه الفاعل في المعنى. "مذ" ظرف متعلق بجئت. "دعا" فعل ماض والفاعل هو، والجملة في محل جر بإضافة مذ.
أي أن "مذ" و"منذ" يكونان اسمين حين يرفعان اسما بعدهما، أو حين يليهما ويقع بعدهما فعل وفاعله، ومثل الناظم للجملة الفعلية بقوله: جئت مذ دعا، وسيأتي إيضاح ذلك.(2/294)
أحدهما: أن يدخلا على اسم مرفوع؛ نحو: ما رأيته مذ يومان، أو مذ يوم الجمعة، وهما حينئذ: مبتدآن، وما بعدهما خبر1. وقيل: بالعكس2، وقيل: ظرفان، وما بعدهما فاعل بكان تامة محذوفة3.
والثاني: أن يدخلا على الجملة؛ فعلية كانت، وهو الغالب؛ كقوله:
ما زال مذ عقدت يده إزاره4
__________
1 ومعناهما: الأمد ونفي المدة؛ إذا كان الزمان حاضرا؛ نحو: ما رأيته مذ يومنا، أو معدودا كمثال المصنف "منذ يومان"، والتقدير: مدة عدم الرؤية يومنا، أو يومان ومن المعدود: منذ يوم، أو شهر، أو سنة، أو عشرة أيام، أو خمسة عشر يوما، أو عشرون يوما، أو مائة يوم، أو ألف يوم ... إلخ. وإن كان الزمان ماضيا؛ نحو: ما رأيته مذ يوم الجمعة فمعناه: أول مدة انقطاع الرؤية يوم الجمعة، وهذا مذهب المبرد والفارسي وبعض الكوفيين.
2 ويكونان ظرفين متعلقين بمحذوف هو الخبر وما بعدهما مبتدأ مؤخر، ويكون معنى ما لقيته مذ يومان بيني وبين لقائه يومان، وفي هذا تكلف وتقدير لا مبرر له، وهو مذهب الأخفش والزجاج.
3 والتقدير: مذ كان أو قد مضى يومان أو يوم الجمعة، وهما حينئذ متعلقان بمضون ما قبلهما، مع ملاحظة استمرار الانتفاء إلى زمن التكلم، وهذا مذهب جمهور الكوفيين، واختاره ابن مالك، ولعل الرأي الأول هو الأولى بالاتباع.
4 صدر بيت من الكامل، للفرزدق يرثي يزيد بن المهلب، وعجزه:
فسما فأدرك خمسة الأشبار
اللغة والإعراب: عقدت يده إزاره: كناية عن مجاوزته حد الطفولة وبلوغه سن التمييز والإزار: ما يلبسه الإنسان في نصفه الأسفل. فسما: شب واتفع. أدرك: بلغ ووصل، خمسة الأشبار: المراد: ارتفعت قامته وبلغ مبلغ الرجال."ما" نافية. "زال" فعل(2/295)
أو اسمية كقوله:
وما زلت أبغي المال مذ أنا يافع1
__________
ماض ناقص، واسمها يعود على يزيد: "مذ" ظرف مبني على السكون في محل نصب بزال، وهو مضاف إلى جملة "عقدت يداه إزاره" من الفعل والفاعل والمفعول. "قسما" معطوف على عقدت، "فأدرك" معطوف عليه كذلك، "خمسة الأشبار" مفعول أدرك، ومضاف إليه، وخبر زال جملة "يدني" في البيت بعده، وهو:
يدني كتائب من كتائب تلتقي ... في ظل معترك العجاج مثار
المعنى: أن يزيد منذ بلغ سن التمييز، واستطاع أن يقضي حوائجه بنفسه، ظهرت عليه مخايل الرجولة، وأخذ يتدرج في مدارج الرفعة والشجاعة ويظهر منه ما لا يرى إلا في الأبطال والعظماء.
الشاهد: دخول "مذ" على جملة فعلية، وهو الغالب فيها، وينبغي أن يكون الفعل ماضيًا.
1 صدر بيت من الطويل للأعشى ميمون بن قيس، وعجزه:
وليدا وكهلا حين شبت وأمردا
وهذا البيت من قصيدته المشهورة التي مطلعها:
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وبت كما بات السليم مسهدا
اللغة والإعراب: أبغي: أطل. يافع: هو الغلام الذي بلغ الحلم، أو ناهز العشرين؛ يقال أيفع الغلام ويفع؛ فهو يافع، ولا يقال موفع؛ وكأنهم استغنوا باسم الفاعل من الثلاثي. وليدا: صبيا. كهلا: هو من وخطه الشيب، أو من جاوز الثلاثين، أو الأربعين إلى الخمسين والستين. أمردا: هو الشاب الذي طر شاربه ولم تنبت لحيته؛ لأنه لم يبلغ سن الالتحاء؛ فإذا بلغه ولم تنبت لحيته فهو ثط. "ما" نافية "زلت" فعل ماض ناقص، والتاء اسمها. "أبغي المال" الجملة خبر زال. "مذ" ظرف معمول لأبغي. "أنا يافع" مبتدأ وخبر، والجملة مضاف إليه بمذ.
المعنى: إنني أطلب المال، وأسعى للحصول عليه منذ كنت ناشئا، ثم صبيا، إلى أن بلغت سن الكهولة.
الشاهد: دخول "مذ" على الجملة الاسمية.(2/296)
وهما حينئذ ظرفان باتفاق1.
فصل: تزاد كلمة "ما" بعد من، وعن، والباء فلا تكفهن عن عمل الجر2؛ نحو: {مِمَّا خَطِياتِهِمْ} ، {عَمَّا قَلِيلٍ} ، {فَبِمَا نَقْضِهِمْ} . وبعد "رب" و"الكاف" فيبقى العمل قليلا؛ كقوله:
ربما ضربة بسيف صقيل3
__________
1 قيل: ظرفان مضافان إلى الجملة، أو إلى زمن مضاف إلى الجملة. وقيل: إنهما مبتدأن؛ بتقدير زمن مضاف إلى الجملة، يكون هو الخبر، والتقدير في مثال الناظم: "جئت مذ دعا" وقت المجيء هو زمن دعائه، وفي بيت للأغشى: أول وقت طلبي المال، هو وقت كوني يافعًا؛ وعلى ذلك فدعوى الاتفاق على الظرفية غير مسلمة هذا، وأصل منذ: مذ، ولا تدخل "من" عليهما، ولا يصح العكس أيضا.
2 لأنها لا تزيل اختصاصهن بالأسماء، وتقتضي قواعد الكتابة اتصال الحرفين خطا، قال: الناظم:
وبعد "من" و"عن" و"باء" زيد "ما" ... فلم يعق عن عمل قد علما
أي تزاد "ما" بعد "من" و"عن" والباء فلا تكفها وتمنعها عن عمل لها معلوم، وهو جر ما بعدها.
3 صدر بيت من الخفيف، لعدي بن الرعلاء الغساني. وعجزه:
بين بصرى وطعنة نجلاء
اللغة والإعراب: صقيل: مجلو أملس. بصرى: بلد الشام؛ كان بها سوق في الجاهلية، وذهب إليها النبي -صلى الله عليه وسلم- مع عمه للتجارة، ورآه فيها بحيرا
__________
* "وبعد" ظرف متعلق بزيد. "من" مضاف إليه مقصود لفظه "وعن وباء" معطوفان على من. "زيد" ماض للمجهول. "ما" نائب فاعل زيد. "يعق" مضارع مجزوم بلم، وفاعله يعود على "ما". "عن عمل" متعلق بيعق، "قد علما": "قد" حرف تحقيق، وعلى ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى علما، والألف للإطلاق، والجملة في محل جر صفة لعمل.(2/297)
وقوله:
كما الناس مجروم عليه وجارم1
والغالب أن تكفهما عن العمل2 فيدخلان حينئذ على الجمل.
__________
الراهب، وعرفه، وحذر عمه عليه، نجلاء: واسعة ظاهرة الاتساع، "رب" حرف جر شبيه بالزائد. "ما" زائدة بعدها "ضربة" مجرور برب لفظا، وهي مبتدأ. "بسيف" متعلق بمحذوف صفة لضربة. "صقيل" صفة لسيف. "بين" ظرف متعلق بمحذوف، وخبر المبتدأ "بصرى" مضاف إليه، أو صفة لضربة، والخبر محذوف. "وطعنة" معطوف على ضربة.
"نجلاء" صفة لها، مجرورة، بالكسرة الظاهرة للضرورة، وقد أضاف الشاعر "بين" إلى "بصرى"، وهو مفرد لم يعطف عليه مثله، مع أن "بين" لا تضاف إلا إلى متعدد؛ إما؛ لأن "بصرى" في قوة المتعدد؛ لأنها ذات أجزاء، ومحلات كثيرة؛ أي بين أجزائها وأماكنها. أو أن هناك مضافا محذوفا؛ أي بين أماكن بصرى.
المعنى: كثيرا ما استعملت سيفي للضرب، ورمحي للطعن، في هذه الجهة استعمالا مشرفا.
الشاهد: زيادة "ما" بعد "رب"، وعدم منعها من العمل. وذلك قليل.
1 عجز بيت من الطويل، لعمرو بن براقة الهمداني، وصدره:
وننصر مولانا ونعلم أنه
اللغة والإعراب: ننصر: نعين ونؤازر، مولانا؛ المراد هنا: حليفنا أو سيدنا، مجروم: مظلوم واقع عليه الجرم والتعدي، وجار: ظالم معتد. "مولانا" مفعول ننصر، منصوب بفتحة مقدرة على الألف، وهو مضاف إلى "نا". "أنه" أن واسمها. "كما" الكاف حرف تشبيه وجر، و"ما" زائدة. "الناس" مجرور بالكاف، والجار والمجرور خبر "أن"، والجملة في محل نصب سدت مسد مفعولي نعلم. "مجروم" خبر ثان؛ لأن. "عليه" جار ومجرور، ونائب فاعل لمجروم؛ لأنه اسم مفعول. "وجازم معطوف عليه.
المعنى: أن من أخلاقنا وشيمتنا أن نساعد حليفنا، ونعينه على عدوه، ونحن نعلم أنه كغيره من الناس يظلم، ويظلم غيره.
الشاهد: زيادة "ما" بعد الكاف في "كما الناس"، وعدم كفها عن عمل الجر.
2 وحينئذ تسمى "كافة" أما إذا لم تكف؛ فتسمى "زائدة" لا غير.(2/298)
كقوله:
كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه1
__________
وفي زيادة "ما" بعد "رب" و"الكاف" يقول الناظم:
وزيد بعد "رب" و"الكاف" فكف ... وقد تليهما وجر لم يكف
أي زيد الحرف "ما" بعد "رب"، وبعد "الكاف" فكفهما عن العمل، وقد يلهما ولا يكفيهما، ومعنى "لم يكف: لم يمنع" وكذلك تزاد "ما" قليلا بعد اللام؛ كقول الأعشى:
إلى ملك خير أربابه ... فإن لما كل شيء قرارا
أي فإن لكل شيء. وما ورد من دخول "ما" على هذه الحروف وكفها عن العمل، يؤول عند الجمهور على أن "ما" مصدرية، والفعل بعدها في تأويل مصدر مجرور بها. وتزاد "ما" أيضًا بعد أدوات الشرط الجازمة، وغير الجازمة؛ فلا تغير وضعها؛ نحو: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ} ، {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ} . والغرض من زيادتها في هذه الأحوال كلها التأكيد.
1 عجز بيت من الطويل، لنهشل بن جرى، يرثي أخاه مالكا، وكان قد قتل في جيش علي يوم صفين، وصدره:
أخ ماجد لم يحزني يوم مشهد
اللغة والإعراب: ماجد: ذو مجد؛ والمجد: الرفعة والشرف والكرم. يحزني: يوقعني في الخزاية؛ وهي الإهانة والفضيحة؛ والمراد: يخذلني. يوم مشهد: اليوم الذي يشهده الناس ويحضرونه؛ والمراد يوم صفين، وهو الذي قتل فيه أخوه مالك. سيف عمرو؛ المراد: عمرو بن معد يكرب الزبيدي، وسيفه: الصمصامة. مضاربة: جمع مضرب؛ وهو نحو شبر من طرفه. "أخ" مبتدأ. "ماجد" صفته. "لم يخزني" الجملة خبر. ويجوز أن يعرب. "أخ" خبرا لمبتدأ محذوف، وما بعده صفة. "يوم مشهد" ظرف متعلق بيخزني، ومضاف إليه. "كما" الكاف جارة، و"ما" كافة. "سيفا عمرو" مبتدأ، ومضاف إليه. "لم تخنه مضاربه" الجملة خبر المبتدأ.
__________
* "وزيد" ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود على "ما" في البيت السابق. "والكاف" معطوف على "رب". "فكف" الفاء عاطفة، وفاعل كف يعود على "ما"، ومفعوله محذوف؛ أي فكف جرهما. "تليهما" فاعل تلى يعود على "ما"، وضمير التثنية مفعول به يعود على رب والكاف، و"جر" الواو للحال، و"جر" مبتدأ، "لم يكف" يكف مضارع مبني للمجهول؛ ومجزوم بلم؛ ونائب الفاعل يعود إلى. "جر" والجملةخبر المبتدأ.(2/299)
وقوله:
ربما أوفيت في علم1
والغالب على "رب" المكفوفة أن تدخل على فعل ماض2 كهذا البيت، وقد تدخل على مضارع منزل منزلة الماضي لتحقق وقوعه؛ نحو: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} 3.
__________
المعنى: يمدح أخاه بالشجاعة والإقدام والكرم، وأنه لم يتخل عنه، ولم يخذله، ولم يحجم عن لقاء الأعداء معه يوم صفين؛ كما أن سيف عمرو بن معد يكرب لم يخذله ولم ينب في يده عن شيء ما.
الشاهد: أن "ما" كفت الكاف في "كما" عن الجر؛ فرفع "سيف" على الابتداء، وهذا هو الكثير فيها. هذا: وتقع "كما" بعد الجمل صفة في المعنى؛ نحو: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} ، وتعرب نعتا لمصدر أو حالا؛ أي نعيده أول خلق؛ إعادة مثل ما بدنا، أو نعيده مماثلا للذي بدأناه. ومثل: "كما": "كذلك".
1 صدر بيت من المديد لجذيمة بن الأبرش بن مالك بن فهم ملك الحيرة، وهو صاحب الزباء، وعجزه:
ترفعن ثوبي شمالات
اللغة والإعراب: أوفيت: نزلت، علم: جبل. شمالات: جمع شمال؛ وهي ريح تهب من ناحية القطب الشمالي. "ربما" رب حرف جر شبيه بالزائد، و"ما" كافة "ترفعن" مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، "ثوبي" مفعول ترفعن. "شمالا" فاعله.
المعنى: كثيرًا ما أنزل على الجبال العالية، في مهب الرياح العاتية، محتملا المصاعب؛ لأرقب الأعداء؛ يفتخر بأنه يرقب الطليعة بنفسه متحملا لمشاق؛ ولا يعتمد على غيره.
الشاهد: أن "ما" كفت "رب" عن عمل الجر؛ لأنها دخلت على الجملة الفعلية.
2 لأن معناها التكثير أو التقليل؛ وهما إنما يكونان فيما عرف حده، والمستقبل مجهور، وإذا كانت "ما" كافة، و"رب" غير عاملة، وجب وصلهما كتابة، فإن كانت "رب" عاملة، وجب فصلهما.
3 فإن "يود"، وإن كان مستقبلا حقيقة؛ لأنه في يوم القيامة؛ لكن لما كان معلوما لله تعالى، نزل منزلة الماضي، بجامع التحقق في كل، وقيل: إن المضارع مقصود به حكاية حال ماضية.(2/300)
وندر دخولها على الجملة الاسمية كقوله:
ربما الجامل المؤيل فيهم1
حتى قال الفارسي: يجب أن تقدر "ما" اسما مجرورًا برب بمعنى شيء2، والجامل خبرا لضمير محذوف، والجملة صفة لما3؛ أي رب شيء هو الجامل المؤبل.
فصل: تحذف "رب"، ويبقى عملها بعد الفاء كثيرًا؛ كقوله:
__________
على طريق المجاز:
1 صدر بيت من الخفيف، لأبي دؤاد الإيادي، وعجزه:
وعناجيج بينهن المهار
اللغة والإعراب: الجامل: اسم جمع للإبل لا واحد له، وقيل: القطيع من الإبل مع رعاتها. المؤبل: المعد للقنية. عناجيج: جمع عنجوج؛ كعصفور؛ وهي الخيل الجياد الطويلة الأعناق، المهار: جمع مهر، وهو ولد الفرس، والأنثى مهرة. "ربما": "رب" حرف تقليل وجر شبيه بالزائد، و"ما" كافة زائدة "الجامل" مبتدأ "المؤبل" صفته "فيهم" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، "وعناجيج" مبتدأ معكوف على الجامل، وخبره محذوف يدل عليه ما قبله. "بينهن المهار" خبر مقدم، ومبتدأ مؤخر، والجملة صفة لعناجيج.
المعنى: يصف نفسه بالكرم والجود، وأنه لا يبخل على من يتصل به بأحسن ما عنده؛ من الإبل المتخذة للقنية، والخيل الجياد التي معها أولادها.
الشاهد: دخول "رب" المكفوفة بما على الجملة الاسمية، وذلك نادر.
2 وذلك ليكون الاسم المجرور بها نكرة.
3 و"فيهم" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال؛ أي كائنا فيهم؛ وبذلك يكون مدخول رب مفردا، وإنما قدر الفارسي ضميرا محذوفا، ولم يجعل الجملة على حالها صفة لما ليحصل الربط بين الصفة والموصوف، وفي هذه الحالة تكتب "ما" مفصولة من "رب" بخلاف "ما" الكافة؛ فإنها تكتب موصولة.(2/301)
فمثلك حبلى قد طرفته ومرضعا1
وبعد "الواو" أكثر: كقوله:
وليل كموج البحر أرخى سدوله2
__________
1 صدر بيت من الطويل؛ لامرئ القيس الكندي، من معلقته المشهورة يخاطب به محبوبته، وعجزه:
فألهيتها عن ذي تمائم محول
اللغة والإعراب: طرقت: أتيتها ليلا؛ والطروق: الإتيان في الليل. ألهيتها: شغلتها.
تمائم: جمع تميمة؛ وهي التعاويذ التي تعلق على الصبي لتقيه من العين والسحر ونحوهما، على عقيدة العرب، محول: اسم فاعل؛ من أحول الصبي، إذا مر عمره حول. "فمثلك" الفاء عاطفة و"مثلك" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة، وجر لفظا برب المحذوفة بعد الفاء والكاف مضاف إليه. "حبلى" بدل من "مثل"، وجملة "قد طرقت" خبر المبتدأ "ومرضع" معطوف على حبلى. "فألهيتها" الفاء عاطفة، و"ألهيتها" فعل وفاعل ومفعول. "عن ذي" متعلق به، "تمائم" مضاف إليه، ممنوع من الصرف؛ لصيغة منتهى الجموع. "محول" صفة لذي تمائم مجرورة بالكسرة.
المعنى: رب المرأة مثلك حبلى، ومرضع قد أتيتها ليلا، فشغلتها عن طفلها الصغير الذي تولع به، وخص الحبلى والمرضع؛ لأنهما أزهد النساء في الرجال، ومع ذلك تعلقتا به، ومالتا إليه.
الشاهد: جر "مثل" في اللفظ -برب المحذوفة بعد الفاء، وذلك كثير.
2 صدر بيت من الطويل، لامرئ القيس أيضًا من المعلقة المذكورة، وعجزه:
علي بأنواع الهموم ليبتلي
اللغة والإعراب: كموج البحر: أي مثله؛ في شدة هوله وظلمته. سدوله: ستوره والمفرد سدل. ليبتلي: ليختبر ويمتحن. "وليل" الواو واو رب، "ليل" مبتدأ وهو مجرور لفظا برب المحذوفة. "كموج البحر" متعلق بمحذوف صفة لليل، ومضاف إليه، والخبر محذوف، أي قطعته. "أرخى" سدوله"، الجملة صفة ثانية لليل، أو هي الخبر. "علي" متعلق بأرخى. "ليبتلي" اللام للتعليل، ويبتلي مضارع منصوب بأن المضمرة بعد اللام.(2/302)
وبعد "بل" قليلا؛ كقوله:
بل مهمه قطعت بعد مهمه1
وبدونهن أقل؛ كقوله:
__________
المعنى: رب ليل عظيم الهول والخوف أسد على ستور ظلامه مع أنواع الهموم والأحزان؛ ليختبر ما عندي من الشجاعة والاحتمال والصبر، أو الجزع والفزع -قطعته ولم أبال بشيء.
الشاهد: جر "ليل" برب المحذوفة بعد الواو؛ وهذا أكثر من حذفها، وجر ما بعدها بعد الفاء.
1 بيت من الرجز المشطور، لرؤبة بن العجاج.
اللغة والإعراب: مهمه: مفازة بعيدة الأطراف؛ قيل: سميت بذلك؛ لأن سالكها يقول لصاحبه من الخوف والذعر: مه مه؛ أي كف عن الحديث. "بل"حرف عطف للإضراب. "مهمه" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة، وجر لفظا برب المحذوفة بعد "بل"، "قطعت" الجملة خبر. ويجوز أن يعرب "مهمه" مفعولا
مقدما لقطعت. "بعد مهمه" ظرف متعلق بقطعت ومضاف إليه.
الشاهد: في "بل مهمه"؛ حيث جر برب المحذوفة بعد "بل".
وحذف "رب" بعد "بل" وإبقاء عملها، قليل بالنسبة للواو والفاء، وكل حرف من هذه الأحرف الثلاثة يسمى العوض عن "رب"، أو النائب عنها، ويقال في الإعراب: الواو واو "رب"، والفاء فاء "رب"، وبل: بل "رب".
وفي حذف "رب" بعد هذه الأحرف يقول الناظم:
وحذفت "رب" فجرت بعد "بل" ... و"ألفا" وبعد "الواو شاعر ذا العمل
أي أن "رب" قد تحذف، ويبقى ما بعدها مجرورا بها لفظ؛ وذلك قليل بعد "بل"، وكثير
__________
* "رب" نائب فاعل حذفت مقصود لفظها. "فجرت" الفاء عاطفة، وفاعل جرت يعود على رب، والتاء للتأنيث. "بعد" ظرف متعلق بجرت. "بل" مضاف إليه مقصود لفظه. "وألفا" معطوف على بل؛ وقصر للضرورة. "وبعد الواو" ظرف متعلق بشاع، ومضاف إليه. "ذا" اسم إشارة فاع. شاع العمل بدل من ذا، أو نعت، أو عطف بيان.(2/303)
رسم دار وقفت في طلله1
وقد يحذف غير "رب" ويبقى عمله؛ وهو ضربان:
سماعي؛ كقول رؤبة: "خير والحمد لله"؛ جوابًا لم قال له: كيف أصبحت؟ 2
وقياسي3؛ كقولك: بكم درهم اشتريت ثوبك؟؛ أي: بكم من درهم؟ خلافًا للزجاج في تقديره الجر بالإضافة4.
__________
بعد الفاء، وشاع بعد الواو.
1 صدر بيت من الخفيف، لجميل بن معمر العذري، وعجزه:
كدت أقضي الحياة من جلله
اللغة والإعراب: رسم دار: هو ما بقي من آثارها لاصقا بالأرض؛ كالرماد ونحوه.
طلله، الطلل: ما شخص؛ أي ارتفع من آثارها؛ كالوتد والأثافي. من جلله: من أجله، أو من عظم شأنه في نفسي. "رسم" بالجر مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة، وجر لفظا برب محذوفة. "دار" مضاف إليه، "وقفت" الجملة صفة لرسم. "في طلله" جار ومجرور متعلق بوقفت. "كدت" كاد واسمها أقضي الحياة" الجملة خبر كاد، والجملة من كاد ومعموليها خبر المبتدأ.
المعنى: رب أثر باق من آثار ديار الأحبة، وقفت عنده؛ فكدت أموت أسى وحزنا على تلك الديار؛ التي كانت عامرة ولها أعظم شأن في نفسي، فأصبحت خرابا خاوية من أهلها.
الشاهد: جر "رسم" برب محذوفة؛ من غير أن يسبق هذا المجرور حرف من الأحرف الثلاثة التي مرت، وذلك نادر.
2 الأصل: بخير، أو على خي؛ فحذف الجار، وأبقي عمله. ورؤبة هذا من فصحاء العرب، الذين يستدل بقولهم.
3 ويطرد في مواضع كثيرة؛ منها: أن يكون حرف الجر داخلا على تمييز "كم" الاستفهامية؛ بشرط أن تكون مجرورة بحرف جر مذكور قبلها؛ كمثال المصنف.
4 بأي إضافة "كم" إلى تمييزها.(2/304)
وكقولهم: إن في الدار زيدا والحجرة عمرا1؛ أي: وفي الحجرة، خلافا للأخفش؛ إذ قدر العطف على معمولي عاملين2.
وقولهم: مررت برجل صالح إلا صالح فطالح3؛ حكاه يونس، وتقديره: إلا أمر بصالح، فقد مررت بطالح4.
__________
1 هذا هو الموضع الثاني؛ وهو: أن يكون حرف الجر مع مجروره بعد عاطف، والمعطوف عليه مشتمل على حرف جر مماثل للمحذوف؛ "فالحجرة" مجرورة بفي محذوفة، وليست معطوفة على الدار؛ لئل يلزم العطف على معمولي عاملين مختلفين، وذلك ممنوع عند سيبويه، ومن تبعه؛ وذلك لضعف العاطف عن القيام مقام عاملين مختلفين.
2 فجعل "الحجرة" معطوفة على الدار، وعمرًا معطوفا على "زيدا"، والدار وزيد، معمولان لعاملين مختلفين؛ لأن العامل في الدار حرف الجر، والعامل في "زيدا" إن.
3 هذا هو الموضع الثالث؛ وهو: أن يكون حرف الجر مسبوقا بفاء الجزاء، الواقعة بعد ما تضمن مثل المحذوف.
4 هذا تقرير ابن مالك. وقدره سيبويه: إلا أكن مررت بصالح فبطالح؛ قيل: هو الصواب؛ لئلا ينتقض إخبارك أولا بالمرور فيما مضي؛ لأن: إلا أمر معناه في المستقبل، ويمكن حمل تقدير ابن مالك عليه؛ بأن يجعل معنى إلا أمر: إن لا أكن مررت. وفيما سبق؛ من حذف الجار وإبقاء عمله؛ تشبيها برب. يقول الناظم:
وقد يجر بسوى "رب" لدى ... حذف وبعضه يرى مطردا
أي وقد يجر الاسم بحروف غير "رب" مع حذفها، وبعض حالات الحذف والجر قد يكون قياسيا مطردا، وبعضه سماعي لا يقاس عليه.
ومما يطرد فيه الحذف غير ما ذكره المصنف:
1 أن يكون حرف الجر "لام التعليل" إذا جرت "كي" المصدرية وصلتها؛ نحو: كافأتك
__________
* "قد" حرف للتقليل. "بسوى" جار ومجرور؛ واقع موقع نائب فاعل يجر. "رب" مضاف إليه مقصود لفظه.
"لدى" ظرف متعلق بيجر. "حذف" مضاف إليه. "وبعضه" مبتدأ، ومضاف إليه "يرى". مطردا نائب فاعل يرى، العائد على بعضه، هو المفعول الأول، و"مطردا" المفعول الثاني، والجملة خبر المبتدأ.(2/305)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ....
__________
كي تقبل على عملك؛ أي لكي؛ إذا قدرت "كي" تعليلية.
ب- أو يكون الجار أحد حروف القسم، والمجرور لفظ الجلالة، دون عوض من حرف القسم المحذوف؛ نحو: الله لأعاقبن المهمل، أي بالله.
جـ- إذا كان الجار واقعا مع المجرور، في سؤال مقرون بالهمزة، بعد كلام متضمن؛ مثل المحذوف؛ نحو: أعلي بن إبراهيم؛ استفهاما لمن قال: مررت بعلي.
د- أو كانا واقعين بعد "هلا" التي للتحضيض، وقبلهما كلام مشتمل على مثل المحذوف؛ كأن يقال: سأتصدق بدينار؛ فيقال: هلا دينارين؛ أي بدينارين.
هـ- أن يكون المجرور بالحرف معطوفا على خبر "ليس"، أو"ما" الحجازية؛ بشرط أن يكون صالحا لدخول حرف الجر عليه؛ بأن يكون الخبر اسما لم ينتقض نفيه بإلا؛ نحو: لست مدركا القطار، ولا قادر على العودة؛ بجر "قادر" بالعطف على "مدركا"، الذي يجوز جره بالباء، فيقال: لسبت بمدرك, فعلى الجواز الموهوم، عطف عليه بالجر؛ وهذا هو الذي يسميه النحاة "العطف على التوهم".
و إذا كان الجار مسبوقا بإن الشرطية، وقبلهما كلام مشتمل على مثيل للمحذوف؛ نحو: سلم على من تحب؛ إن محمد، وإن علي.
ز- إذا كان حرف الجر مع المجرور معطوفين على مشتمل على حرف جر، مثل المحذوف، مع الفصل "بلا" بين حرف العطف، وحرف الجر؛ نحو: ما للمعلم إلا الإرشاد والتوجيه، ولا الطالب إلا الجد والتحصيل، أو: ولا للطالب.
حـ- أن يكون حرف الجر كالموضع السابق، مع الفصل "بلو" كقوله: متى استعنتم بنا ولو فئة منا وجدتم منا كل عون؛ أي: ولو بفئة.
هذا: ولا يجوز الفصل بين حرف الجر ومجروره اختيارا، ويجوز الفصل بينهما اضطرارا؛ بظرف، أو جار ومجرور.
تنبيه: ذكرنا فيما سبق: أن الظرف؛ والجار والمجرور لا بد لهم من متعلق يرتبطان به؛ وهذا المتعلق قد يكون فعلا، أو شبهه؛ كاسم الفعل، أو مؤولا بما يشبه ذلك، أو ما يشير إلى معناه؛ نحو: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} ؛ أي وهو المسمى بهذا الاسم، {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} ؛ أي انتفى الكون مجنونا بنعمة ربك؛ فإن(2/306)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ....
__________
لم يكن شيء من ذلك؛ قدر الكون المطلق متعلقا ويستثنى من ذلك:
أ- الحروف الزائدة؛ لأنه أتي بها للتأكيد لا للربط.
ب- "لعل" في لغة عقيل؛ لأنها شبيهة بالزائد.
جـ- "رب"؛ مثل: رب رجل محسن قابلت؛ لأن مجرورها مفعول.
د- "لولا" عند من جربها؛ لأنها بمنزلة "لعل"؛ في رفع ما بعدها محلا.
هـ- حروف الاستنثاء؛ وهي: خلا، وعدا، وحاشا، إذا خفضن.(2/307)
باب: الإضافة معناها
مدخل
...
باب الإضافة 1:
تحذف من الاسم الذي تريد إضافته؛ ما فيه من تنوين ظاهر أو مقدر2؛ كقولك في ثوب ودراهم: ثوب زيد ودراهمه، ومن نون تلي علامة الإعراب وهي: نون التثنية وشبهها؛ نحو: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} ، وهذان اثنا، ونون جمع المذكر السالم وشبهه؛ نحو: {وَالْمُقِيمِي الصَّلاةَ} ، وعشر وعمرو3، ولا تخذف النون التي تليها علامة الإعراب؛ نحو: بساتين زيد، وشياطين الإنس4.
__________
هذا باب الإضافة:
1 معناها في اللغة: مطلق الإسناد، واصطلاحنا: إسناد اسم إلى آخر، على تنزيل الاسم الثاني من الأول منزلة تنوينه، أو ما يقوم مقام التنوين في تمام الكلمة، وإن شئت قلت: هي نسبة تقييدية بين اسمين، تقتضي أن يكون ثانيهما مجرورا دائما، والمراد بالنسبة: الإسناد والحكم، ومعنى كونمها تقييدية: أنها نسبة جزئية الغرض منها تقييد المضاف بالمضاف إليه، وإيجاد نوع من القصر والتحديد له، بعد أن كان عاما مطلقا.
2 كتنوين الممنوع من الصرف؛ كدراهم كما مثل المصنف، وكذلك يجب حذف أل غير الأصلية التي هي من بنية الكلمة من صدر المضاف؛ إذا كانت الإضافة محضة، أو غير محضة. والمضاف غير مثنى أو جمع على حده، والثاني مجرد من أل كما سيأتي في موضعه.
3 عشرو: شبيه بجمع المذكر في إعرابه بالحروف، وليس بجمع؛ لأنه لا مفرد له.
4 لأن النون في المثالين تليها علامة الإعراب، وهي الحركة وعلامة الإعراب تأتي في المرتبة بعد آخر الكلمة، وإلى حذف النون والتنوين من المضاف، يشير الناظم بقوله:
نونا تلي الإعراب أو تنوينا ... مما تضيف احذف كطور سينا
أي احذف من الاسم الذي تريد إضافته، نونا تلي حرف الإعراب، وكذلك التنوين الذي في آخر الاسم، ومثل الناظم لحذف التنوين من المضاف بكلمة "طور" عند إضافته "لسينا" والطور: جبل معروف في صحراء سينا على الحدود الشمالية الشرقية لمصر.
__________
* "نونا" مفعول مقدم لاحذف، "تلي" الجملة نعت لنونا. "الإعراب" مفعول تلي على حذف مضاف؛ أي حرف الإعراب. "أو تنوينا" معطوف على نونا. "مما" ما: اسم موصول والجار والمجرور متعلق باحذف. "تضيف" الجملة صلة ما. "كطور سينا" الجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف؛ أي وذلك كطور، وسينا: مضاف إليه، وقصر للضرورة.(2/308)
ويجر المضاف إليه بالمضاف وفاقا لسيبويه1، لا بمعنى اللام خلافا للزجاج2.
فصل: وتكون الإضافة على معنى "اللام" بأكثرية، وعلى معنى "من" بكثرة، وعلى معنى "في" بقلة3.
وضابط التي بمعنى "في": أن يكون الثاني ظرفا للأول4؛ نحو: {مَكْرُ اللَّيْلِ} ، {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ} .
والتي بمعنى "من" أن يكون المضاف بعد المضاف إليه، وصالحًا للإخبار به عنه5؛ كخاتم فضة؛ ألا ترى أن الخاتم بعض جنس الفضة؟ وأنه يقال: هذا الخاتم فضة.
فإن انتفى الشرطان معا؛ نحو: ثوب زيد وغلامه، وحصير المسجد وقنديله6، أو الأول فقط؛ نحو: يوم الخميس7، أو الثاني فقط؛ نحو: يد زيد8، فالإضافة بمعنى لام الملك والاختصاص1.
__________
1 ووافقة الجمهور وهو الصحيح؛ بدليل اتصال الضمير به، والضمير لا يتصل إلا بعامله.
2 أي: ولا بالإضافة، ولا بحرف مقدر ناب عنه المضاف، خلافا لمن قال ذلك.
3 ذهب أبو حيان: إلى أن الإضافة ليست على معنى أي حرف، ولا على نية حرف.
4 أي: أن يكون المضاف إليه ظرف زمان أو مكان واقعا فيه المضاف، سواء كانت الظرفية حقيقة أو مجازية؛ فإن المقصود أن يكون وعاء للمضاف وغلافا يحتويه، وقد مثل لهما المصنف.
5 أي يصح الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف.
6 فإن الثوب والغلام ليسا بعض زيد، وكذلك الحصير والقنديل ليسا بعض المسجد، ولا يصح الإخبار بزيد ولا بالمسجد عما قبلهما، والإضافة في الأولين للملك، وفي الآخرين للاختصاص.
7 فإن اليوم ليس بعض الخميس، وإن كان يصح الإخبار عنه بالخميس، فالإضافة هنا من إضافة المسمى للاسم.
8 فإن اليد وإن كانت بعض زيد، لكن لا يصح الإخبار عنها به، والإضافة فيه من إضافة الجزء إلى كله.(2/309)
فصل: الإضافة على ثلاثة أنواع
...
فصل: والإضافة على ثلاثة أنواع
نوع يفيد تعرف المضاف بالمضاف إليه أن كان معرفة؛ كـ غلام زيد، وتخصصه به إن كان نكرة2؛ كغلام امرأة. وهذا النوع هو الغالب3.
ونوع يفيد تخصص المضاف دون تعرفه4. وضابطه: أن يكون المضاف متوغلا
__________
1 لام الملك كما في: ثوب زيد وغلامه، ولام الاختصاص كبقية الأمثلة، وعلى هذا تكون الإضافة التي على معنى اللام هي: التي يتحقق معناها دون معنى "من" أو"في".
هذا: ولا يشترط في الإضافة التي بمعنى اللام صحة التصريح باللام، بل يكفي إفادة معناها؛ كيوم الاثنين، وعلم البلاغة، وشجرة التفاح؛ فإنها بمعنى لام الاختصاص ولا يصح إظهار اللام فيها. ومن الإضافة على معنى "من": إضافة الإعداد إلى المعدودات؛ نحو: خمسة أقلام. وإضافة العدد إلى مثله؛ نحو: أربعمائة، ولا يضر عدم صحة الإخبار في الظاهر؛ لأن المضاف إليه يشمل المضاف، وإضافة المقادير إلى الأشياء المقدرة؛ نحو: بعت فدان قمح، وقد سبق ذلك في التمييز.
2 المراد بالتخصص: تقليل الشيوع والاشتراك في النكرة؛ بحيث تصبح في درجة بين المعرفة والنكرة، من ناحية التعيين والتحديد.
3 ذلك؛ لأن كلا من المتضايفين يؤثر في الآخر، فالمضاف يؤثر الجر في المضاف إليه، وهذا يؤثر في الأول التعريف أو التخصيص، وضابطه: انتفاء ضابطي القسمين الآتيين.
4 هذا النوع ينقسم إلى قسمين:-
أ- قسم ملازم للتنكير، لا يقبل التعريف أصلا ولو أضيف إلى معرفة؛ لشدة توغله في الإبهام، وقد ذكر المصنف ضابطه.
ب- وقسم يقبل التعريف، ولكن يجب تأويله بنكرة؛ لأنه حل محل ما لا يكون
إلا نكرة؛ ومن ذلك: المعطوف على مجرور "رب" وعلى التمييز المجرور بعد "كم"؛ نحو: رب رجل وصديقه، كم ناقة وفصيلهما؛ لأن مجرور رب و"كم" لا يكون إلى نكرة، فالمعطوف عليهما نكرة كذلك. وكذلك كلمة "وحد"، و"جهد"، و"طاقة" ونحوها في مثل قولهم: فعل ذلك وحده، أو جهده، أو طاقته؛ لأن هذه الكلمات أحوال غالبا، والحال لا يكون إلا نكرة؛ ولهذا يجب تأويلها بمنفردا، وجاهدا، ومطيقا.(2/310)
في الإبهام1؛ كغير و"مثل"؛ إذا أريد بهما مطلق المماثلة والمغايرة2 لا كمالهما3؛ ولذلك صح وصف النكرة بهما؛ في نحو: مررت برجل مثلك أو غيرك4. وتسمى الإضافة في هذين النوعين: معنوية؛ لأنها أفادت أمرا معنويا5؛ ومحضة؛ أي خالصة من تقدير الانفصال6.
__________
1 أي متعمقا ومتغلغلا وشديد الدخول فيه.
2 نحو: مررته برجل غيرك، أو مثلك؛ لأن المغايرة أو المماثلة العامة بين شيئين لا تخص وجها بعينه.
3 لأن صفات المخاطب معلومة، فثبوتها كلها لشخص، أو ثبوت أضدادها جميعا لشخص يستلزم تعيينه، وإذا أريد بـ"غير" و"مثل" مغايرة خاصة ومماثلة خاصة، وحكم بتعريفهما، وأكثر ما يكون ذلك في "غير": إذا وقعت بين ضدين معرفتين؛ نحو: رأيت العلم غير الجهل، ومررت بالكريم غير الشحيح، ومنه قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} ، فقد زيل إبهام "غير" بتعين جهة المغايرة، ويكون في "مثل": إذا أضيفت لمعرفة وقارنها ما يشعر بمماثلة خاصة؛ نحو: محمود مثل عنترة؛ أي في الشجاعة، وعلي مثل حاتم؛ أي في الجود. ومن الألفاظ المتوغلة في الإبهام: تربك، نحوك، ندك، شبهك، ومعناها: نظرك، وشرعك قطك، قدك، وهي بمعنى حسبك وكافيك، وخدنك، بمعنى صاحبك، ولا يقاس على هذه، بل يقتصر على السماع.
وكافيك، وخدنك، بمعنى صاحبك، ولا يقاس على هذه، بل يقتصر على السماع.
4 وهذا يدل على أنها لم تتعرف. بالإضافة؛ لأن النكرة لا توصف بمعرفة.
5 وهو استفادة المضاف من المضاف إليه التعريف أو التخصيص؛ ولأنها تتضمن معنى حرف من حروف الجر الثلاثي: من، في، اللام.
6 فإن نحو: والد محمد مثلك، ليس في تقدير: والد لمحمد مثل لك؛ بل بين المضاف والمضاف إليه قوة ارتباط واتصال، وأكثر ما يكون المضاف في الإضافة المحضة: اسما جامدا غير مؤول بالمشتق؛ كالمصادر وأسمائها. والمشتقات الشبيهة بالجوامد التي لا تعمل مطلقا، كأسماء المكان والزمان، والآلة، وأفعل التفضيل على المشهور.(2/311)
ونوع لا يفيد شيئا من ذلك. وضابطه: أن يكون المضاف صفة تشبه المضارع؛ في كونها مرا بها الحال أو الاستقبال1.
__________
وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
والثاني اجرر وانو "من" أو"في" إذا ... لم يصلح إلا ذاك واللام خذا
لما سوى ذينك واخصص أولا ... أو أعطه التعريف بالذي تلا
أي اجرر الثاني، وهو المضاف إليه، وانو؛ أي تخيل وجود الحرف "من" أو "في" إذا لم يتحقق المعنى إلا على نية أحدهما، فإن لم يصلح أحدهما، فخذ اللام وانوها في كل موضع سوى الموضع الصالح لهذين الحرفين، واخصص الأول، وهو المضاف، أو عرفه بالذي تلاه، وهو المضاف إليه.
1 أما الصفة التي بمعنى الماضي أو مطلق الزمن؛ فإن الإضافة فيها محضة؛ نحو: قارئ الدرس أمس كان نشيطا، وقارئ الدرس نشيط. واختلف في الصفة التي بمعنى الاستمرار؛ فقيل هي كالحال. وقيل: الاستمرار يحتوي على الأزمنة الثلاثة؛ فإذا اعتبر جانب الماضي، كانت الإضافة حقيقة، فلا يعمل، ويتعرف بالإضافة؛ كما في: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} بدليل وصف المعرفة به. وإن اعتبر جانب الحال أو الاستقبال، كانت الإضافة حقيقة، فيعمل، ولا يعرف كما في وجاع الليل سكنًا.
هذا: وإذا كان المضاف إليه جملة في هذا النوع من الإضافة؛ فإن هذه الجملة تعتبر في حكم المفرد والمضاف إليه؛ لأنها تؤول بمصدر مضاف إلى فاعله إن كانت فعلية، وبمصدر مضاف إليه مبتدئه إن كانت اسمية؛ نحو: أزورك حين تكون في المنزل؛ أي حين وجودك، وأزورك حين والدك موجود؛ أي حين وجود والدك، وهذا المصدر يكون معرفة إن أضيف إلى معرفة، ونكرة متخصصة إن أضيف إلى النكرة.
__________
* "والثاني" مفعول لاجرر. "وانو" فعل أمر معطوف على اجرر. "من" مفعوله مقصود لفظه. "أو في" معطوف على من. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "لم يصلح" فعل الشرط "إلا" أداة استثناء ملغاة. "ذاك" ذا اسم إشارة فاعل يصلح، والكاف حرف خطاب. "واللام" مفعول مقدم لخذ. "خذا" فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا للوقف. "لما" متعلق بخذ، وما اسم موصول. "سوى" ظرف مضاف إلى "ذينك" والإشارة للمعنيين، وهو متعلق بمحذوف صلة ما. "أولا" مفعول اخصص. "التعريف" مفعول أعط الثاني والهاء مفعوله الأول. "بالذي" متعلق بأعط، والباء للسببية، أو متعلق بالتعريف. "تلا" فعل ماض والفاعل يعود على الذي، والجملة صلة.(2/312)
وهذه الصفة ثلاثة أنواع: اسم الفاعل1؛ كـ"ضارب زيد"، وراجينا، واسم المفعول؛ كـ"مضروب العبد"، ومروع القلب2، والصفة المشبهة؛ كـ"حسن الوجه"، وعظيم الأمل، وقليل الحيل.
والدليل على أن هذه الإضافة لا تفيد المضاف تعريفا: وصف النكرة به؛ في نحو: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} 3 ووقوعه حالا؛ في نحو: {ثَانِيَ عِطْفِهِ} 4 وقوله:
فأتت به حوش الفؤاد مبطنا5
__________
1 سواء كان مضافا لمعموله الظاهرة أو المضمر، وقد مثل لهما المصنف، ومثل اسم الفاعل: أمثلة المبالغة.
2 سواء كان من الثلاثي أم عن غيره؛ كمثالي المصنف. ومروع، من روعه الشيء بمعنى أفزعه.
3 فـ"هديا" نكرة منصوبة على الحال، و"بالغ الكعبة" صفتها ومضاف إليه، ولا توصف النكرة بالمعرفة.
4 "ثاني" حال من فاعل "يجادل" في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} والحال واجب التنكير، والأصل عدم التأويل.
5 صدر بيت من الكامل، لأبي كبير الهذلي، يمدح تأبط شرًّا -أحد فتاك العرب وذؤبانهم،
وعجزه:
سهدا إذا ما نام ليل الهوجل
اللغة والإعراب: أتت به: فاعل أنت يعود إلى أم تأبط شرا، وكان أبو كبير قد تزوجها، والضمير في "به" يعود إلى تأبط شرا. حوش الفؤاد: حديد القلب جريء الجنان. مبطنا: ضامر البطن، سهدا: قليل النوم. الهوجل: الثقيل الكسلان، أو الأحمق. "حوش الفؤاد" حال من الضمير في "به" ومضاف إليه، وهو صفة مشبهة مضافة إلى فاعلها، "مبطنا، وسهدا" حالان مثل حوش. "إذا" ظرف زمان متعلق بسهدا. "ما" زائدة. "ليل الهوجل" فاعل نام ومضاف إليه. وإسناد النون إلى الليل مجاز عقلي من إسناد الفعل إلى زمنه؛ أي نام الهوجل في الليل.
المعنى: أن هذه المرأة جاءت بمولود ذكي جر ضامر البطن يقظ، قليل النوم في الليل حين ينام غير من الكسالى الحمقى.
الشاهد: إضافة الصفة المشبهة -وهي "حوش"- إلى فاعلها المحلى بأل، ولم يفدها ذلك تعريفا؛ لأنها جاءت حالا، والحال لا يكون إلا نكرة.(2/313)
ودخول "رب" عليه في قولك:
يا رب غابطنا لو كان يطلبكم1
والدليل على أنها لا تفيد تخصيصا: أن أصل قولك ضارب زيد، ضارب زيدًا، فالاختصاص موجود2 قبل الإضافة. وإنما تفيد هذه الإضافة التخفيف3 أو رفع
__________
1 صدر بيت من البسيط، من قصيدة جرير يهجو فيها الأخطل الشاعر الأموي النصراني،
وعجزه:
لاقى مباعدة منكم وحرمانا
اللغة والإعراب: غابطنا: اسم فاعل من الغبطة، وهي أن يتمنى الإنسان مثل حال من يغبطه، من غير أن يتمنى زوال ما عنده. مباعدة، بعدا وانصرافا. حرمانا: منعا وعدم استجابة. "يا" حرف تنبيه، أو نداء والمنادى محذوف. "رب" حرف جر شبيه بالزائد. "غابطنا" مبتدأ مجرور برب لفظا، ومضاف إليه. "لو" شرطية غير جازمة. "كان" فعل الشرط واسمها "هو" يعود إلى الغابط "يطلبكم" الجملة خبر. "لاقي" فعل ماض جواب الشرط وفاعله يعود إلى الغابط. "يطلبكم" الجملة خبر. "لاقى" فعل ماض جواب الشرط وفاعله يعود إلى الغابط. "مباعدة" مفعوله. "منكم" متعلق بمحذوف صفة لمباعدة والجملة من "لو" وشرطها وجوابها خبر المبتدأ.
المعنى: كثير من الناس يغبطوننا على اتصالنا بكم، ويتمنون أن يكونوا مثلنا؛ لأنهم يظنون أننا ننعم بهذا الاتصال، ولو قصدوكم وطلبوا شيئا مما عندكم لأبعدتموهم وحرمتموهم العطاء، ولعرفوا حقيقة ما يناله المتصل بكم.
الشاهد: دخول "رب" على غابطنا، وهو اسم فاعل مضاف إليه ضمير المتكلم و"رب" مختصة بالدخول على النكرات، ولو كان معرفة ما صح ذلك، فدل على أنه لم يستفد تعريفا من إضافته للضمير.
2 أي بمعمول اسم الفاعل.
3 لأن الأصل في الصفة أن تعمل النصب، والمختص أخف؛ لأنه لا تنوين معه ولا نون كما بين المصنف.(2/314)
القبح؛ أما التخفيف فبحذف التنوين الظاهر؛ كما في ضارب زيد، وضاربات عمرو، وحسن وجهه، أو المقدر كما في ضوارب زيد، وحواج بيت الله1. أو نون التثنية كما في ضاربا زيد. أو الجمع كما في ضاربوا زيد.
وأما رفع القبح ففي نحو: مررت بالرجل الحسن الوجه؛ فإن في رفع الوجه2 قبح خلو الصفة من ضمير يعود على الموصوف3، وفي نصبه4 قبح إجراء وصف القاصر مجرى وصف المتعدي5، وفي الجر تخلص منهما. ومن ثم6 امتنع الحسن وجهه لانتفاء قبح الرفع7؛ ونحو: الحسن وجه لانتفاء قبح النصب؛ لأن النكرة تنصب على التمييز8.
وتسمى الإضافة في هذا النوع لفظية؛ لأنها أفادت أمرا لفظيا9، وغير محضة؛ لأنها في تقدير الانفصال10.
__________
1 في "ضوارب" و"حواج" تنوين مقدر حذف الإضافة؛ بدليل نصبهما المفعول.
2 أي على الفاعلية بالصفة المشبهة.
3 لأن الصفة لا ترفع ظاهرا أو ضميرا معا، والغالب في الصفة المشبهة أن تشتمل على ضمير يكون بمنزلة البرابط بيها وبين ما تجري عليه، ويدل على معناها.
4 أي على التشبيه بالمفعول به، إن كان معرفة، وعليه أو على التمييز، إن كان نكرة.
5 أي في نصب الشبيه بالمفعول به؛ لأن الصفة المشبهة لا تصاغ إلا من اللازم، فهي كفعلها لا تنصب المعفول به.
6 أي ومن أجل أن الإضافة فيما ذكر إنما هي لرفع قبح الرفع والنصب على النحو الذي بسط.
7 لأن المرفوع ضميرا مضافا إليه يعود على الموصوف.
8 أي والتمييز ينصبه المتعدي والقاصر.
9 وهو التخفيف بحذف التنوين، ونوني المثنى والجمع من آخر المضاف، والتحسين المترتب على إزالة القبح.
10 فإن المضاف فيها لا بد أن يكون وصفا عاملا، وكثيرا ما يرفع ضميرًا مستترا، وهذا(2/315)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
الضمير يكون فاصلا تقديرا بين الوصف المضاف، ومعموله على الرغم من استتاره.
ويجعل الإضافة غير خالصلة الاتصال، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
وإن يشابه المضاف "يفعل" ... وصفا فعن تنكيره لا يعدل
كرب راجينا عظيم الأمل ... مروع القلب قليل الحيل
وذي الإضافة اسمها لفظيه ... وتلك محضة ومعنويه
أي أن المضاف إذا كان وصفا مشبها "يفعل"؛ أي مشبها المضارع في العمل والدالة على الحال والاستقبال، فإن لا يعزل عن تنكيره؛ أي لا يفارقه التنكير أبدا؛ مثل "رب راجينا"؛ فـ"راج" مضاف، وهو اسم فاعل لم يكتسب التعريف بإضافته للضمير؛ بدليل دخول "رب" عليه، وهي لا تدخل إلا على نكرة. "وعظيم الأمل" صفة مشبهة نعت لراج النكرة، وقد أضيفت إلى معرفة ولم تكتسب منها التعريف،
و"مروع القلب" اسم مفعول مضاف للمعرفة بعده، ولم يكتسب منها التعريف؛ لأنه وصف لراج ومثله: "قليل الحيل" فهو صفة مشبهة مضاف لمعرفة، وهو نعت لراج كذلك، والإضافة التي من هذا النوع تسمى: لفظية، وغير محضة، والنوع السابق يسمى: محضة، ومعنوية.
ومن الإضافة غير الحضة: إضافة الاسم المنعوت إلى نعت؛ كقولهم: "صلاة الأولى، و"مسجد الجامع"، و"ديانة القيمة" والأصل: الصلاة الأولى، والمسجد الجامع، والديانة القيمة"، وإضافة النعت إلى منعوته؛ كقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} وإضافة المسمى إلى الاسم؛ نحو: شهر رمضان وشجر البرتقال، وعلم الحساب. ومنه: ذات اليمين وذات الشمال، وإضافة صدر المركب المزجي إلى عجزه، على رأي.
__________
* "وإن" شرطية، "يشابه" فعل الشرط. "المضاف" فاعلا "يفعل" مفعوله قصد لفظه. "وصفا" حال من المضاف.
"فعن تنكيره" الفاء للرابط، و"عن تنكيره" جار ومجرور متعلق بيعدل. "لا" نافية" "يعدل" مضارع للمجهول، والجملة من الفعل ونائب الفاعل خبر لمبتدأ محذوف، وجملة المبتدأ والخبر جواب الشرط، "كرب" الكاف جارة لقول محذوف، والجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف. "رب" حرف تقليل وجر. "راجينا" اسم فاعل مجرور برب وهو مضاف إلى "نا" من إضافة اسم الفاعل لمفعوله. "عظيم الأمل" نعت لراجي ومضاف إليه، وكذلك ما بعده. "وذي" اسم إشارة مبتدأ أول "الإضافة" بدل أو نعت. "اسمها لفظية" الجملة من المبتدأ والخبر خبر ذي، "وتلك" اسم إشارة مبتدأ والكاف للخطاب. "محضة" خبر. "ومعنوية" معطوفة على محضة.(2/316)
فصل: فيما يختص به الإضافة اللفظية
...
فصل: تختص الإضافة اللفظية بجواز دخول "أل" على المضاف في خمس مسائل1:
إحداها: أن يكون المضاف إليه بأل2؛ كالجعد الشعر؛ وقوله:
شفاء وهن الشافيات الحوائم3
__________
1 أما المحضة فلا تدخل "أل" فيها على المضاف؛ لئلا يلزم اجتماع معرفين على شيء واحد، أو إضافة المعرفة إلى النكرة، وأجاز الكوفيون دخول "أل" على المضاف إذا كان اسم عدد مضاف إلى معدود فيه "أل"؛ نحو: قرأت الثلاثة الكتب في الأربعة الأيام، وحجتهم في ذلك السماع، وكان القياس في اللفظية كذلك، لكن لما كانت الإضافة فيها على نية الانفصال، اغتفر ذلك فيها.
2 لأن رفع القبح عن نصب ما بعد الصفة المشبهة بالإضافة، لا يكون إلا بذلك الشرط كما بينا قريبا، وحمل عليها اسم الفاعل، والجعد: صفة مشبهة، من جعد شعره جعودة، ضد بسط.
3 عجز بيت من الطويل للفرزدق، من قصيدة قالها حين خرج قتيبة من مسلم الباهلي، على سليمان بن عبد الملك، وخلع طاعته، فقتل وجيء برأسه إلى سليمان، وصدره:
أبأنا بها قتلى وما في دمائها
اللغة والإعراب: أبأنا: قتلنا وعوضنا، يقال: أبأت فلانا بفلان -قتلت به، وجعلته بواء؛ أي عوضا به. والضمير في "بها" و"هن" للسيوف، وفي "دمائها" للقتلى.
الشافيات جمع شافية، اسم فاعل من الشفاء، الحوائم: العاطش، جمع حائمة، وهي التي تحوم حول الماء من العطش، والمراد المتشوقة للقتل، "أبأنا" فعل وفاعل. "بها" متعلق به، "وما" الواو للحال، و"ما" نافية في دمائها" جار ومجرور خبر مقدم ومضاف إليه.
"شفاء" مبتدأ مؤخر "وهن" الواو للحال وهن مبتدأ. "الشافيات" خبر. "الحوائم" مضاف إليه، والجملة حال.
المعنى: قتلنا بهذه السيوف قتلى منهم، وعوضنا بها قتلانا، ولكن ما سفك من دماء القتلى، لم يشف ما في قلوبنا من غيظ ورغبة في الانتقام؛ لأن من قتلنا غير أكفاء لنا، ولا وفاء في دمائهم لقتلانا، وإنما يشفي غيظ الصدور، وتهدأ حرارة الألم، إذا قتلنا مثل من فقدنا، والسيوف هي الشافيات التي بها تنال الثارات.
الشاهد: إضافة الوصف المقترن بأل، وهو "الشافيات"؛ لأن المضاف إليه مقترن بها، وهو "الحوائم".(2/317)
الثانية: أن يكون مضافا لما فيه "أل"1؛ كالضارب رأس
الجاني، وقوله:
لقد ظفر الزوار أقفية العدا2
الثالثة: أن يكون مضافا إلى ضمير ما فيه "أل" كقوله:
الود أنت المستحقة صفوه3
__________
1 فإن وجودها فيه كوجودها في الثاني؛ لأن المضاف والمضاف إليه، كالشيء الواحد؛ ولهذا لا يسوغ أن يكون بين الوصف وما فيه "أل"، أكثر من مضاف واحد، فلا يصح: الضارب رأس صديق الجاني.
2 صدر بيت من الطويل، لم ينسب لقائل، وعجزه:
بما جاوز الآمال ملأسر والقتل
اللغة والإعراب: ظفر: نال. الزوار: جمع زائر. أقفية: جمع قفا وهو مؤخر العنق.
ملأسر: أصله من الأسر؛ فحذفت النون على لغة، وهو كثر في كلام العرب، وكذلك همزة الوصل وذلك كثير أيضا في كلامهم، قال عمر بن ربيعة:
وما أنس ملأشياء لا أنس قولها ... لنا مرة منها بقرن المنازل
يريد: من الأشياء. "لقد" اللام واقعة في جواب قسم مقدر، وقد للتحقيق. "الزوار" فاعل ظفر. "أقفية" مضاف إليه. "العدا" مضاف إليه أيضا لأقفية، "بما" متعلق بظفر، وما اسم موصول، "جاوز الآمال" فاعل جاوز يعود على ما، والآمال مفعوله والجملة صلة ما.
"ملأسر" جار ومجرور متعلق بجاوز. "والقتل" معطوف على الأسر.
المعنى: أن الأعداد فروا أما هؤلاء الأبطال حين رأوهم ولم يثبتوا، وأعطوهم ظهورهم وأقفيتهم، فظفروا منهم بأكثر مما كانوا يأملون في أسرهم وقتلهم.
الشاهد: إضافة الزوار، وهو صفة مقرونة بأل، إلى الخالي منها، وسوغ ذلك كون المضاف إليه -وهو أقفية- مضافا مقترن بأل وهو العدا.
3 صدر بيت من الكامل، لم يذكر قائله، وعجزه:(2/318)
ومنع المبرد هذه1.
الرابعة: أن يكون المضاف مثنى؛ كقوله:
إن يغنيا عني المستوطنا عدن2
__________
مني وإن لم أرج منك نوالا
اللغة والإعراب: الود: الحب والمودة، صفوة: خالصه. أرج: آمل وأطمع. نولا: عطاء. "الو" مبتدأ أول "أنت" مبتدأ ثان، "لمستحقه" خبره، وجملة الثاني وخبره خبر الأول.
"صفوه" مصاف إليه، والهاء مضاف إليه لصفو، وهي عائدة إلى الود. "مني" متعلق بالمستحقه. "وإن" الواو عاطفة، وإن حرف شرط جازم. "أرج" مضارع مجزوم بلم فعل الشرط، والجواب محذوف يدل عليه الكلام. "نوالا" مفعول
أرج.
المعنى: أنت -دون سائر الناس- التي تستحقين وتستوجبين مني خالص وصادق الحب والمودة، ولست أرجو من وراء ذلك منك عطاء، ولا أطلب جزاء.
الشاهد: إضافة الوصف المقترن بأل -وهو المستحقه- إلى مضاف فيه ضمير يعود إليه ما فيه أل، وهو صفوه، وضميره عائد إلى الود، وذلك جائز عند الجمهور.
1 وأوجب النصب، ولم يعتبر الضمير العائد إلى ما فيه أل، بمنزلة الاسم المقرون بها، وهو محجوج بالسماع، والأفصح في المسائل الثلاث: النصب بالوصف.
2 صدر بيت من البسيط، لم نقف على قائله، وعجزه:
فإنني لست يوما عنهما بغني
اللغة والإعراب: يغنينا: يستغنيا، مضارع. غنى بمعنى استغنى. المستوطنا عدن: اللذان اتخذا "عدن" وطنا وموضع إقامة، "إن" شرطية. "يغنيا" فعل الشرط مجزوم بحذف النون والألف فاعل. "المستوطنا" بدل من الألف الاثنين على اللغة الفصحى. "عدن" مضاف إليه.
ويجوز أن يكون "المستوطنا" فاعل، والألف حرف علامة التثنية على لغة "أكلوني البراغيث"، وعدن: بلد في جنوب اليمن على ساحل البحر الأحمر، "فإنني" الفاء واقعة في جواب الشرط وإن واسمها والنون للوقاية، "لست" ليس واسمها، "يوما" منصوب على الظرفية. "عنهما" متعلق "بغنى" الواقع خبرا لليس على زيادة الباء، والجملة خبر إن.(2/319)
الخامسة: أن يكون جمعا: اتبع بسبيل المثنى وهو جمع المذكر السالم؛ فإنه يعرب بحرفين ويسلم فيه بناء الواحد، ويختم بنون زائدة تحذف للإضافة كما أن المثنى كذلك؛ كقوله:
ليس الأخلاء بالمصغي مسامعهم1
__________
المعنى: إن يستغني عني هذان الشخصان المقيمان بعدن، ويريا أنهما في غير حاجة إلي فإني لا أستغني عنهما يوما ما، وأراني محتاجا إليهما دائما.
الشاهد: جواز إضافة الاسم المقترن بأل، إلى اسم ليس مقترنا بها، وهو "عدن"؛ وسوغ هذا: أن المضاف وصف دال على مثنى، وعلل النحويون ذلك بأن الوصف لما طال بالتثنية والجمع -ناسبه التخفيف فلم يحتج لاتصالها بالمضاف إليه.
1 صدر بيت من البسيط، لم ينسب لقائل، وعجزه:
إلى الوشاة ولو كانوا ذوي رحم
اللغة والإعراب: الإخلاء: جمع خليل وهو الصديق المخلص. بالمصغي، جمع مصغ، وهو اسم فاعل من أصغى إليه، إذا أنصت له وأمال أذنه إليه، مسامعهم: جمع مسمع وهو مكان السمع؛ أي الآذان، الوشاة: جمع واش، وهو النمام الذي يسعى بين المتصافين لإفساد قلوبهم. رحم: قرابة. "بالمصغي" خبر ليس على زيادة الباء هو جمع مذكر سالم.
"مسامعهم" مضاف إليه، والضمير مضاف إليه أيضا. "إلى الوشاة" متعلق بالمضغي. "ولو" الواو عاطفة، و"لو" شرطية. "كانوا" كان واسمها. "ذوي رحم" خبر كان ومضاف إليه.
المعنى: أن الأصدقاء المخلصين في صداقتهم، لا يستمعون ولا يلتفتون لكلام النمامين الذين يسعون للإفساد بين قلوب الأصدقاء، ولو كان هؤلاء الساغون من الأقرباء.
الشاهد: إضافة الاسم المقترن بأل، وهو "المصغي" إلى الخالي منها، وهو "مسامعهم"؛ لأن المضاف وصف مجموع جمع مذكر سالما، وقد بينا علة ذلك. وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
ووصل "أل" بذا المضاف مغتفر ... إن وصلت بالثان كـ"الجعد الشعر
أو بالذي له أضيف الثاني ... كـ"زيد الضارب رأس الجاني"(2/320)
وجوز الفراء إضافة الوصف المحلي بأل إلى المعارف كلها1؛ كالضارب زيد والضارب هذا بخلاف: الضارب رجل2. وقال المبرد والرماني في "الضاربك، وضاربك": موضع الضمير خفض3.
__________
وكونها في الوصف كاف إن وقع ... مثنى أو جمعا سبيله اتبع
أي أن وصل أل، بهذا المضاف -أي الذي إضافته لفظية- جائز؛ إن وصلته بالثاني وهو المضاف إليه، ومثل الناظم بقوله: "فكلاهما فيه أل. وكذلك يجوز وصل أل بالمضاف؛ إذا أضيف المضاف إلى ما فيه أل، ومثل بقوله: "زيد الضارب رأس الجاني"، فرأس مضاف إليه الضارب، وهو خال من أل، ولكنه مضاف إلى ما فيه أل، وهو الجاني"، ثم قال الناظم: ويكفي كون أل في المضاف دون المضاف إليه؛ إذا كان المضاف وصفا مثنى، أو جمعا تحققت فيه شروط المثنى، وهو جمع المذكر السالم.
1 أي سواء كان تعريفها بالعلمية، أم بالإشارة، أم بالضمير، أم بغيرها، حملا على المعرف بأل وإذا أضيف الوصف المحلي بأل إلى الضمير؛ نحو: الضاربك، والضاربهو جاز كون الضمير في محل جر بالإضافة، أو محل نصب على المفعولية، خلافا للمبرد كما سيأتي.
2 فلا يجوز؛ لامتناع إضافة المعرفة إلى النكرة.
3 حجتهما: أن الضميسر نائب عن الظاهر، وعند حذف التنوين من الوصف يكون الظاهر.
__________
* "ووصل" مبتدأ. "أل" مضاف إليه. "بذا" متعلق بوصل، "المضاف" بدل من ذا. "مغتفر" خبر المبتدأ وسكن للشعر.
"إن وصلت" بالبناء للمفعول فعل الشرط ونائب الفاعل يعود إلى أل. "بالثان" متعلق بوصلت، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله. "كالجعد" خبر لمبتدأ محذوف. "الشعر" مضاف إليه من إضافة الصفة المشبهة إلى معمولها. "أو بالذي" عطف على بالثان. "له" متعلق بأضيف، وجملة. "أضيف الثاني" من الفعل ونائب الفاعل لا محل لها صلة الذي. "كزيد" خبر لمبتدأ محذوف، و"زيد" مبتدأ. "الضارب" خبره. "رأس" مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل لمفعوله. "الجاني" مضاف إليه. "وكونها" مبتدأ والضمير مضاف إليه عائد إلى أل، وهو اسم كون. "في الوصف" خبر كون من حيث النقص، "كاف" خبره من حيث ابتدائيته. "إن" شرطية. "وقع" فعل الشرط وفاعله يعود على المضاف، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله "مثنى" حال من الضمير في وقع. "أو جمعا" معطوف عليه. "سبيله" مفعول اتبع مقدم ومضاف إليه، وفاعل اتبع يعود على جمعا، والجملة صفة له.(2/321)
وقال الأخفش: نصب1 وقال سيبويه: الضمير كالظاهر؛ فهو منصوب "في الضاربك"2 مخفوض في "ضاربك"3، ويجوز في الضارباك والضاربوك الوجهان4.
مسألة: قد يكتسب المضاف المذكر من المضاف إليه المؤنث تأنيثه، وبالعكس.
وشرط ذلك في الصورتين: صلاحية المضاف للاستغناء عنه بالمضاف إليه5.
__________
مخفوضا، فكذلك نائبه.
1 حجته: أن موجب النصب المفعولية وهي محققه، وموجب الخفض الإضافة وهي غير محققة؛ لأن دليلها حذف التنوين، وهو قد يحذف بسبب آخر غير الإضافة؛ كصون الضميسر المتصل من وقوعه منفصلا، واستدل بقوله تعالى: {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} .
2 لانتفاء شروط إضافة الوصف المحلي بأل المتقدمة.
3 أي على المحل؛ لأن عدم تنوين الوصف دليل على الإضافة، ولا مانع منها؛ لأنه مجرد من أل.
4 أما الخفض؛ فعلى أن النون حذفت للإضافة والضمير في محل خفض. وأما النصب؛ فعلى أنها حذفت للتخفيف وتقصير الصلة، ويكون الضمير في محل نصب. وقال الجرمي والمازني والمبرد وجماعة: إن الضمير في موضع جر فقط؛ لأن الأصل حذف التنوين للإضافة فلا يعدل عنه إلا إذا تعين غيره.
5 أي مع صحة المعنى ولو مجازا، وعدم تغييره في الجلمة، ويشترط أن يكون المضاف جزءا من المضاف إليه، أو مثل جزئه، وذلك بأن تجمعه بكله صلة قوية غير صلة الجزئية، تدل على اتصاله به؛ كاللون، أو الثوب، أو الخلق، أو الحب ... إلخ أو أن يكون المضاف كلا للمضاف إليه، نحو قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} . أو يكون المضاف إليه أو يكون المضاف وصفا في المعنى للمضاف إليه؛ كإضافة المصدر في البيت الآتي. فإن تحقق الشرطان، كان اكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه -على قتله- قياسيا، وإلا فلا اكتساب وإن صلح الحذف، فلا يجوز أعجبتني يوم العروبة؛ لأن المضاف -وهو "يوم"- ليس جزءا ولا كالجزء، ولا كلا ولا وصفا.(2/322)
فمن الأول قولهم: قطعت بعض أصابعه1، وقراءة بعضهم: "تلتقطه بعض السيارة"، وقوله:
طول الليالي أسرعت في نقضي2
ومن الثاني قوله:
إنارة العقل مكسوف بطوع هوى3
__________
1 "بعض" نائب فاعل قطعت، وأنث الفعل؛ لأن "بعض" اكتسبت التأنيث من المضاف إليه وهو الأصابع، ويصح الاستغناء عنه بالأصابع؛ فيقال: قطعت أصابعه والمضاف بعض المضاف إليه.
2 صدر بيت من الرجز، للأغلب العجلي، من قصيدة يتحسر فيها على ذهاب شبابه وضعف قوته؛ بسبب الكبر والشيخوخة، وهو من المعمرين، وعجزه:
نقضن كلي ونقضن بعضي
اللغة والإعراب: نقضي، النقض: الهدم والكسر، وهو هنا: كناية عن ضعف قواه: "طول الليالي" مبتدأ ومضاف إليه. "أسرعت" الجملة خبر المبتدأ، "في نقضي" جار ومجرور متعلق بأسرعت. "نقضن" فعل ماض، ونون النسوة فاعل "كلي" مفعول. "ونقض بعضي" مثله.
المعنى: أن طول الليالي أسرعت في ضعفي، وذهبت بقوتي شيئا فشيئا، ولم يبق علي قبل أن يحين الوقت المعتاد فيه ذلك.
الشاهد: تأنيث الضمير في "أسرعت" مع إعادته إلى "طول" المذكر، وجوز ذلك إضافة "طول " إلى مؤنث، وهو الليالي، فاكتسب منه التأنيث، والمضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد.
3 صدر بيت من البسيط، لم ينسب لقائل، وعجزه:
وعقل عاصبي الهوى يزداد تنويرا
اللغة والإعراب: إنارة العقل: إضاءته، والمراد: الغريزة التي بها يدرك العقل الأشياء مكسوف: مظلم، من قولهم: كسفت الشمس، إذا ذهب نورها وزال ضوءها، بطلوع هوى: بالطاعة والانقياد لشهوة النفس. "إنارة العقل" مبتدأ ومضاف إليه. "مكسوف" خبر.(2/323)
ويحتمله: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} 1، ولا يجوز قامت غلام هند، ولا قام امرأة زيد؛ لعدم صلاحية المضاف فيهما للاستغناء عنه بالمضاف إليه.
__________
"بطوع هوى" متعلق بمكسوف ومضاف إليه، و"عقل" مبتدأ. "عاصي الهوى" مضاف إليه. "يزداد" الجملة خبر لمبتدأ. "تنويرا" تمييزا.
المعنى: أن مطاوعة الإنسان في هواه، وانطلاقه وراء شهوات نفسه، يغطي نور العقل ووضاءة البصيرة، وعصيانه لهواه يزيد العقل نورا، والبصيرة تبصرة وحسن النظر إلى الأشياء وتقدير لها.
الشاهد: في "مكسوف"؛ حيث أعاد الضمير مذكرا على إنارة وهو مؤنث، وسوغ ذلك كون المرجع مضافا إلى مذكر، وهو العقل فاكتسب التذكير منه.
1 فقد ذكر "قريب" وهو خبر عن "رحمة"؛ لأنها اكتسبت التذكير من إضافتها إلى لفظ الجلالة. قال الصبان: وعبر بالاحتمال؛ لما في إطلاق المذكر على الله -تعالى- من سوء الأدب، ولكن التذكير وصف للفظ الجلالة؛ لأنه المضاف إليه، لا لذاته -سبحانه- فتدبر. وقيل: "قريب" فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، أو بمعنى فاعل وأجري مجرى مفعول، أو أن التذكير على تأويل الرحمة بمذكر وهو: الغفران. وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
وربما أكسب ثان أولا ... تأنيثا إن كان لحذف موهلا
أي أن الثاني وهو المضاف إليه، قد يكسب الأول وهو المضاف، التأنيث؛ إن كان الأول مؤهلا -أي صالحا- للحذف والاكتفاء بالثاني عنه، وقد أهمل الناظم الشرط الثاني.
هذا: وقد ذكر المصنف من الأمرو التي يكتسبها المضاف من المضاف إليه: التعريف؛ إن كان المضاف إليه معرفة، والتخصيص إن كان نكرة، والتخفيف إذا ان المضاف اسم فاعل مضاف إلى معموله، ورفع القبح إن كان صفة مشبهة، والتذكير، والتأنيث، وأتي بأمثلة موضحة لذلك، وهنالك أشياء أخرى يستفيدها إلى المضاف من المضاف إليه؛ منها: الظرفية؛
__________
* "وربما" رب: حرب تقليل وجر، وما: كافة. "ثان" فاعل أكسب. "أولا" مفعول أول لأكسب. "تأنيثا" مفعوله الثاني. "إن كان" شرط وفعله، واسم كان يعود إلى المضاف. "لحذف متعلق بموهلا الواقع خبر لكان، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه.(2/324)
مسألة: لا يضاف اسم لمرادفه 1؛ كـ ليث أسد، ولا موصوف إلى صفته2؛ كـ"رجل فاضل"، ولا صفة إلى موصوفها3؛ كـ"فاضل رجل". فإن سمع ما يوهم شيئًا من ذلك يؤول.
فمن الأول، قولهم: "جاءني سعيد كرز"4، وتأويله: أن يراد بالأول المسمى وبالثاني الاسم5؛ أي جاءني مسمى هذا الاسم.
__________
بشرط أن يكون المضاف دالا على الكلية أو الجزيئة؛ كلفظ "كل" و"بعض"، والمضاف إليه ظرفا؛ مثل قوله تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} والمصدرية أحيانا؛ إذا كان المضاف إليه مصدرا والمضاف ليس بمصدر؛ كقوله تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِين ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} فكلمة "أي" مفعول مطلق منصوب بقوله "ينقلبون" ووجوب التصدير؛ إذا كان المضاف إليه لفظا من الألفاظ الذي يجب تصديرها في جملتها؛ كألفاظ الاستفهام؛ فإن وجوب التصدير ينتقل إلى المضاف الذي ليس من ألفاظ الصدارة؛ ولهذا وجب تقديم المبتدأ في نحو: كتاب من معك؟ والخبر في مثل: صبيحة أي يوم سفرك؟ والمفعول مثل: غلام أيهم أكرمت؟ والجار والمجرور في نحو: من صديق أيهم أنت أشعر؟ ... وهكذا.
1 ذلك لأن المضاف يتعرف أو يتخصص بالمضاف إليه؛ فلا بد أن يكون غيره في المعنى؛ لأن الشيء لا يتعرف أو يتخصص بنفسه. والترادف: الاتحاد مأصدقا ومفهوما.
2 لأن الصفة تابعة لموصوفها في الإعراب، فلو أضيف إليها الموصوف، لكانت مجرورة دائما.
3 لأن الصفة يجب أن تكون تابعة ومتأخرة عن الموصوف، ولا يمكن ذلك في الإضافة.
4 فإن "سعيد" و"كرز" اسمان مترادفان مسماهما واحد، وأضيف أحدهما للآخر، والكرز في الأصل: الخرج الذي يضع فيه الراعي زاده ومتاعه وجمعه كرزة. والكراز: الكبش الذي يحمله ويسير به أمام القوم.
5 هذا إذا كان الحكم مناسبا للمسمى، فإن ناسب الاسم عكس التأويل؛ نحو: كتبت سعيد كرز؛ أي كتبت اسم هذا المسمى، والإضافة بهذا التأويل على معنى لام الاختصاص.(2/325)
ومن الثاني؛1 قولهم: "حبة الحمقاء، وصلاة الأولى، ومسجد الجامع"، وتأويله: أن يقدر موصوف؛ أي حبة البقلة الحمقاء، وصلاة الساعة الأولى، ومسجد المكان الجامع2.
ومن الثالث3 قولهم: "جرد قطيفة، وسحق عمامة"4. وتأويله: أن يقدر موصوف أيضا، وإضافة الصفة إلى جنسها5؛ أي شيء جرد من جنس القطيفة، وشيء سحق من جنس العمامة.
__________
1 أي من الإضافة الموصوف إلى صفته، والحمقاء: هي المسماة بـ"الرجلة"، ووصفت بالحمق مجازًا؛ لأنها تنبت في مجاري السيول، فيمر الماء فيغطيها فتطؤها الأقدام.
قال الصبان: وهذا يظهر لو كانت الحبة تطلق على "الرجلة"، ونحوها من البقول، أما إذا كانت واحدة الحب؛ كالبرد وبذر الرجلة، وسائر الحبوب فلا.
2 وبذلك يكون الأول مضافا إلى الموصوف؛ من إضافة الشيء إلى جنسه كالمثال الأول، أو زمنه كالثاني، أو كله كالثالث، وقيل: إن الإضافة في حبة الحمقاء من إضافة العام إلى الخاص، ولا حاجة للتأويل والمراد بالساعة الأولى: أول ساعة بعد الزوال، أو أول ساعة تؤدي فيها الصلاة المفروضة.
3 وهو من إضافة الصفة إلى موصوفها.
4 جرد: بمعنى مجرودة. وسحق: بمعنى بالية؛ أي قطيفة مجرودة، وعمامة بالية. قيل: ومنه قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ} ، إذا قدر أنه من إضاف الصفة إلى الموصوف، ومعناه: الأعين الخائنة.
5 أي جنس موصوفها، وتكون الإضافة، معنوية، من إضافة الشيء إلى جنسه، ويجر الجنس بمن؛ لأن الإضافة على معناها، وفيما تقدم يقول الناظم:
ولا يضاف اسم لما به اتحد ... معنى وأول موهما إذا ورد
__________
* "اسم" نائب فاعل يضاف. "لما" متعلق بيضاف، وما: اسم موصول "به" متعلق باتحد، وجملة "اتحد" صلة ما.
"معنى" تمييز أو منصوب على نزع الخافض. "موهما" مفعول أول. "إذا ورد" شرط وفعله وجوابه محذوف؛ أي إذا ما يوهم جواز إضافة الشيء إلى ما اتحد به.
أي لا يضاف اسم لآخر اتحد معه في المعنى. والمراد بالاتحاد في المعنى: ما يشمل الترادف، والتساوي؛ سواء كان بحسب الوضع؛ كالإنسان والناطق، أو بحسب المراد؛ كالموصوف والصفة، على النحو الذي ذكر. وإذا ورد ما يوهم ذلك يجب تأويله كما بين المصنف.(2/326)
فصل: الغالب على الأسماء أن تكون صالحة للإضافة والإفراد؛ كغلام، وثوب.
ومنها ما يمتنع إضافته1؛ كالمضمرات، والإشارات، وكغير "أي"2 من الموصولات، وأسماء الشرط والاستفهام.
ومنها ما هو واجب الإضافة إلى المفرد، وهو نوعان:
1- ما يجوز قطعه عن الإضافة في اللفظ3؛ نحو: كل، وبعض، وأي4، قال تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} 5، {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ، {أَيَّامًا
__________
1 لأنه لا يعرض له ما يحتاج معه إلى الإضافة، وكذلك لمشابهته الحروف، والحروف لا تضاف.
2 أما هي فملازمة للإضافة لفظا أو تقديرا لضعف شبهها بالحرف، بما عارضه من شدة افتقارها إلى مفرد تضاف إليه، لتوغلها في الإبهام، وسيأتي بعد توضيح حكم "أي".
3 فيحذف المضاف إليه؛ لفظا وينوي معناه، ويستغني عنه بالتنوين الذي يدل عليه، والذي يسمى تنوين العوض، ويبقى للمضاف حكمه في التعريف أو التنكير.
4 يشترط في "كل": ألا تكون للتوكيد؛ نحو: ت أصادق العرب كلهم، ولا للنعت؛ مثلك المجاهد المخلص هو الرجل كل الرجل؛ فإن كانت كذلك وجب إضافتها لفظا كما ذكرنا، ويشترط في "أي" ألا تقع نعتا أو حالا، وإلا تعينته إضافتها لفظا، ومن هذا النوع:
"غير"، و"مع" والجهات الست، وسيأتي توضيح لذلك في موضعه.
5 التنوين في "كل" عوض عن المضاف إليه المحذوف؛ أي كلهم. والضمير للشموس والأقمار، وأفرد "فلك" مراعاة للفظ كل، وجمع "يسبحون" مراعاة للمضاف إليه المحذوف، واختلف عند قطع "كل" و"بعض" عن الإضافة لفظا، هل هما معرفتان بنية الإضافة؟ ذهب سيبويه والجمهور إلى ذلك، وعليه فتأتي الحال منهما متأخرة؛ فتقول: مررت بكل ساجدًا وببعض جالسا وهو الصحيح، وذهب الفارسي إلى أنهما نكرتان وهذا الخلاف حين يكون المضاف إليه معرفة؛ فإن كان نكرة فلا خلاف في تنكيرهما.(2/327)
تَدْعُوا} 1.
2- وما يلزم الإضافة لفظا، وهو ثلاثة أنواع:
ما يضاف للظاهر والمضمر؛ نحو: كلا وكلتا وعند، ولدى، وقصارى2 وسوى.
وما يختص بالظاهر؛ كأولي، وأولات، وذي، وذات3؛ قال الله تعالى: {نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ} ، {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ} ، {وَذَا النُّونِ} 4، {ذَاتَ بَهْجَةٍ} .
وما يختص بالمضمر، وهو نوعان:
ما يضاف لكل مضمر، وهو "وحد"5؛ نحو: {إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ} .
__________
1 "أيا" اسم شرط مفعول مقدم لتدعو، و"ما" زائدة.
2 قصارى الشيء وقصاراه: غايته ونهايته؛ يقال: قصاراك أن تفعل كذا؛ أي جهدك وغايتك وآخر أمرك؛ ومثله: حمادى؛ تقول: حماداك وحمادي؛ أي غايتك وغايتي ... إلخ.
3 أي وفروعهما؛ كذوا، وذواتا، وذووا، وذوات، والكل بمعنى صاحب.
4 أي صاحب النون، وهو سيدنا يونس -عليه السلام-، والنون: الحوت.
5 يضاف "وحد" إلى ضمير الغائب والمخاطب والمتكلم، كما مثل المصنف، ولا فرق بين المذكر والمؤنث، ولا بين ضمير المفرد وغيره، وهو مصدر يدل على التوحيد والانفراد ملازم للإفراد والتنكير، وقد يثنى شذوذا، وهو منصوب غالبا؛ فقيل: على الحال لتأويله بموحد؛ أي منفردا، وقيل: على أنه مفعول مطلق لفعل من لفظه؛ يقال: وحد الرجل يحد إذا انفرد، أو مصدر لا فعل له من لفظه. وقد يجر بعلى؛ يقال: أخذت كل درهم على وحده، وبالإضافة وقد ورد في خمس كلمات؛ يقال في المدح: هو نسيج وحده، وقريع وحده، وفي الدلالة على الإعجاب بالنفس: رجيل وحده. وفي الذم: عيير وحده، وجحيش وحده.(2/328)
وقوله:
وكنت إذا كنت إلهي وحدكا1
وقوله:
والذئب أخشاه إن مررت به وحدي2
__________
1 صدر بيت من الرجز، لعبد الله بن عبد الأعلى القرشي، وعجزه:
لم يلك شيء يا إلهي قبلكا
اللغة والإعراب: قبلك، قيل: إن معنى القبلية: المعية؛ بدليل مقابلتها بقوله وحدك؛ لأن القبلية محالة في حقه تعالى، وقيل: إن الظرف ليس قيدا في الفعل المنفي بلم.
والمعنى: لم يكن شيء أصلا إل أنت. "كنت" كان وفاعلها؛ لأنها تامة بمعنى وجدت.
"إذا" ظرف للماضي بمعنى حين متعل بكان. "إلهي" منادى بحذف حرف النداء.
"وحدكا" منصوب على الحال من فاعل كان والألف للإطلاق، "يك" مضارع مجزوم بلم على النون المحذوفة للتخفيف. "شيء" اسم يك. "قبلكا" ظرف خبر يك ومضاف إليه.
المعنى: وجدت يا إلهي حين وجدت وحدك، لم يك معك شيء قبل خلق هذا العالم ثم أوجدت العالم.
الشاهد: إضافة "وحد" إلى ضمير الخطاب.
2 جزء بيت من المنسرح، للربيع بن ضبع الفزاري، يصف ذهاب قوته، وضعفه، بعد أن كبر وشاخ وتمامه:
... ... ... ... ... ... ... ... ... وأخشى الرياح والمطرا
وقبله:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا
اللغة والإعراب: معاني المفردات واضحة. "الذئب" مفعول لفعل محذوف يفسره أخشى. "إن مررت" شرط وفعله، والجواب محذوف يدل عليه ما قبله، "وحدي" حال من التاء في مررت. وإعراب الباقي واضح.
المعنى: إني لكبر سني وضعفي وعدم قدرتي على مقاومة أي شيء، أخاف من الذئب إن مررت وليس معي أحد، ولا أحتمل هبوب الرياح وسقوط المطر فإن ذلك يؤذيني لشدة ضعفي.
الشاهد: إضافة "وحد" إلى ضمير المتكلم.(2/329)
وما يختص بضمير المخاطب، وهو: مصادر مثناة لفظا ومعناها التكرار1 وهي: "لبيك" بمعنى إقامة على إجابتك بعد إقامة2، و"سعديك" بمعنى إسعادا لك بعد إسعاد، ولا تستعمل إلا بعد لبيك3، و"حنانيك" بمعنى تحننا عليك بعد تحنن، و"دواليك" بمعنى تداولا بعد تداول4، و"هذاذيك" -بذالين معجمتين- بمعنى إسراعا لك بعد إسراع. قال:
ضربا هذاذيك وطعنا وخضا5
__________
1 المراد بالتكرار، التكثير الذي يزيد على اثنين، وهي ملحقة بالمثنى في إعرابه؛ مراعاة لمظهرها، وليست مثنى حقيقا من حيث معناها، وتعرب مفعولا مطلقا لفعل من لفظها، إلا هذاذيك، فيقدر فعلها من معناها، وهو: أسرع على الصحيح.
2 أصل لبيك: ألب لك إلبابين؛ أي أقيم على طاعتك وإجابتك إقامة كثيرة، فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه، ثم حذف الزوائد، وحذف الجار من الضمير المفعول وأضيف المصدر إليه، وقيل: إنه من لب بمعنى ألب؛ أي أقام؛ وكذا الباقي؛ ومثلها: حجازيك؛ أي محاجزة بعد مجاجزة، وحذاريك؛ أي حذرًا بعد حذر.
3 لأن "لبيك" هي الأصل في الإجابة، و"سعديك" بمنزلة التوكيد لها.
4 أي تواليا وتناوبا في طاعتك بعد توال وتناوب.
5 صدر بيت من الرجز، للعجاج، من أرجوزة يمدح فيها الحجاج بن يوسف الثقفي، وعجزه:
يمضي إلى عاصي العروق النحضا
اللغة والإعراب: ضربا هذاذيك: أي ضربا يهذا هذا بعد هذ؛ والهذ: الإسراع في القطع وغيره، وخضا -الوخض: الطعن الذي يصل إلى الجوف، وقيل بالعكس، والمراد: الطعن الذي يسرع إلى الموت، عاصي العروق: هو العرق الذي يسيل ولا يرقأ دمه، وجمعه عواص، النحضا، النحض: اللحم المكتنز كلحم الفخذ، "ضربا" مصدر منصوب بفعل محذوف، أو مفعول به لمحذوف؛ أي نجزيهم ضربا. "هذاذيك" مفعول مطلق لمحذوف من معناه؛ أي أسرع، وهو مضاف إلى الكاف، "وطعنا" معطوف على ضربا "وخضا" صفة له "يمضي" الجملة صفة ثانية لضربا "النحضا" منصوب على تقدير الخافض "في" المعنى: اضرب ضربًا كثيرا مسرعًا في القطع، واطعن طعنًا جائفًا في اللحم حتى يمزق الأجسام، فتصل أجزاؤها إلى العروق العاصية التي يسيل دمها بلا انقطاع.
الشاهد: إضافة "هذاذيك" إلى ضمير المخاطب.(2/330)
وعامله وعامل "لبيك" من معناهما، والبواقي من لفظها1، وتجويز سيبويه في "هذاذيك" في البيت، وفي "دواليك" من قوله.
دواليك حتى كلنا غير لابس2
الحالية: بتقدير نفعله متداولين، وهاذين؛ أي مسرعين، ضعيف؛ للتعريف3،
__________
1 فيقدر: أسرع، وأجيب، وأسعد، وأتخنن، وأتداول، وقد علمت أن لـ"لبيك" فعلا من لفظها، قال الصبان: "والمتجه عندي أن لبيك منصوب بفعل من لفظه". وذكر بعضهم فعلا لهذاذيك؛ وهو: هذ يهذ هذا؛ أي أسرع.
2 عجز بيت من الطويل، أنشده سيبويه، وهو لسحيم الأسود، عبد بني الحسحاس، من الشعراء المخضرمين، وصدره:
إذا شق برد شق بالبرد مثله
اللغة والإعراب: برد: هو الكساء الموشى؛ أي المخطط المزخرف، دواليك: من المداولة وهي المناوبة بينك وبين غيرك. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "برد" نائب فاعل شق. "مثله" نائب فاعل شق الثاني، ومضاف إليه، "دواليك" مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف من معناه، مضاف إلى الكاف، "حتى" اتبدائية. "كلنا غير لابس" مبتدأ وخبر مضاف إليه.
المعنى: إذا شق واحد منا برد صاحبه ومزقه؛ شق الآخر برده كذلك بالتناوب، حتى نرى وكلنا ليس عليه برد. قيل في سبب ذلك: أن الرجل كان إذا أراد تأكيدا المودة بينه وبين من يحب، واستدامة صحبته، شق كل واحد منهما برد صاحبه؛ يرى أن ذلك أبقى المودة بينهما.
الشاهد: إضافة "دواليك" إلى ضمير المخاطب، وهو مفعول مطلق، لا حال؛ خلافا لسيبويه.
3 أي؛ لأنه معرفة بإضافته للضمير، والحال واجب التنكير، وقوله: "ولأن المصدر ... إلخ".
دفع به ما قد يقال: إن هذه الحال مما جاء معرفا لفظا، وإن كان منكرا معنى.(2/331)
ولأن المصدر الموضوع للتكثير لم يثبت فيه غير كونه مفعولا مطلقا.
وتجويز الأعلم في هذاذيك في البيت الوصفية1 مردود لذلك2، وقوله فيه وفي أخواته: إن الكاف لمجرد الخطاب، مثلها في "ذلك"3 مردود أيضا؛ لقولهم: "حنانيه" و"لبي زيد"4، ولحذفهم النون لأجها ولم يحذفوها في "ذانك"5، وبأنها لا تحلق الأسماء التي لا تشبه الحرف6. وشذت إضافة "لبي" إلى ضمير الغائب في نحو قوله:
لقلت لبيه لمن يدعوني7
__________
1 أي لضربا. والمعنى: اضرب ضربا مسرعًا أو مكررًا.
2 أي للتعريف؛ لأن ضربا نكرة، فلا يوصف بمعرفة؛ ولأن المصدر ... إلخ.
3 أي مثل الكاف في ذلك؛ في أنها لا موضع لها من الإعراب.
4 فقد أضيف "حنانيه" إلى الضمير، و"لبي" إلى الاسم الظاهر، وقيام ضمير الغيبة، والاسم الظاهر مقام الكاف، دليل على اسميتها؛ لأن الاسم إنما يقوم مقامه مثله.
5 وهذا أيضا دليل على أنها اسم مضاف إليه، وكذلك في "تانك".
6 أي أن الكاف الحرفية لا تحلق كل ما لا يشبه الحرف. ولبيك وأخواته مصادر لا تشبه الحرف؛ فلا تلحقها الكاف الحرفية، فهذه ثلاث علل للرد على الأعلم.
7 رجز أنشده أبو علي الفارسي، ولم ينسبه، وقبله:
إنك لو دعوتني ودوني ... زوراء ذات مترع بيون
اللغة والإعراب: زوراء: هي الأرض البعيدة الأطراف. مترع: مملوء أو ممتد؛ من قولهم: حوض ترع؛ أي ممتلئ والذي في اللسان: منزع بدل مترع؛ وهو الفراغ الذي في البئر حتى الماء، بيون: هي البئر الواسعة الرأس الضيقة الأسفل، أو البعيدة القاع. "إنك" إن واسمها. "لو" شرطية غير جازمة. "دعوتني" فعل الشرط. "ودوني" الواو للحال، و"دوني" ظرف خبر مقدم، ومضاف إليه، "زوراء" مبتدأ مؤخر، والجملة حال من ياء دعوتني، "ذات مترع" صفة لزوراء ومضاف إليه. "بيون" صفة لمترع. "لقلت" جواب لو، وجملة الشرط وجوابه خبر إن. "لبيه" مفعول مطلق لمحذوف منصوب بالياء، مضاف إلى الهاء، وهو التفات من الخطاب إلى الغيبة.
المعنى: إنك لو طلبتني وناديتني لأمر ما -وبيننا أرض نائية، صبعة المسالك، ذات مياه بعيدة الغور- لأجبتك سريعا، ولما تأخرت عن تلبية طلبك.
الشاهد: إضافة "لبى" إلى ضمير الغائب، وهو شاذ؛ لأنه مختص بضمير المخاطب.(2/332)
وإلى الظاهر في نحو قوله:
فلبى فلبي يدي مسور1
وفيه رد على يونس في زعمه أنه مفرد، وأصله لبا؛ فقلبت ألفه ياء لأجل الضمير كما في لديك وعليك2. وقول ابن الناظم: إن خلاف يونس في لبيك وأخواته وهم3.
__________
1 عجز بيت من المتقارب، أنشده سيبويه، ولم يعين قائله، وهو لأعرابي من بني أسد، استعان بآخر اسمه مسور في دفع غرامة مالية فأعانه، وصدره:
دعوت لما نابني مسورا
اللغة والإعراب: دعوت: استعنت. نابني: أصابني ونزل بي. مسور: اسم رجل. فلبى: أجاب دعائي بقوله لبيك. "لما" متعلق بدعوت، و"ما" اسم موصول. "نابني" الجملة صلة ما. "مسورا" مفعول دعوت. "فلبى" الفاء عاطفة، وجملة "لبى" معطوف على جملة "دعوت"، وفاعله يعود على مسور، ومفعوله محذوف؛ أي فلباني أو فلبى رجائي. "فلبى" الفاء للسببية، و"لبى" مفعول مطلق لمحذوف منصوب بالياء. "يدي" مضاف إليه مجرورا بالياء. "مسور" مضاف إليه كذلك.
المعنى: دعوت مسورا واستغثت به، لدفع ما نابني وحل بي، فأجابني إلى ما دعوته إليه؛ فتلبية بعد تلبية ليدي مسور، أبادر إليه إذا ناداني وسألني في أمر ينوبه؛ كما بادر إلي، وخص يديه بالذكر؛ لأنهما اللتان قدمتا المال له.
الشاهد: إضافة "لبى" إلى الاسم الظاهر، وهو "يدي"؛ وذلك شاذ.
2 وجه الرد كما قال سيبويه: أنه لو كان مفردًا مقصورًا -كما يرى يونس- لما قلبت ألفه ياء مع الظاهر في قوله: "فلبى يدي مسور"، كما لا تقلب ألف "لدي" و"على" عند ذلك؛ إذ يقال: لدي الباب، وعلى الجبل؛ ببقاء الألف، فكان ينبغي أن يقال: لبى زيد، فدل ذلك على أنه مثنى، وليس بمقصور.
3 بفتح الهاء؛ أي غلط؛ لأن خلاف يونس في لبيك فقط.(2/333)
ومنها ما هو واجب الإضافة إلى الجمل؛1 اسمية أو فعلية، وهو: "إذا" و"حيث"2.
__________
وفيما تقدم في هذا الفصل يقول الناظم:
وبعض الأسماء يضاف أبد ... وبعض ذا قد يأت لفا مفردا
وبعض ما يضاف حتما امتنع ... إبلاؤه اسما ظاهرا حيث وقع
كوحد لبى ودوالي سعدى ... وشذ إبلاء "يدي" للبى
أي بعض الأسماء يضاف دائما لفظا ومعنى؛ وبعض هذه قد يجيء مفردًا مقطوعا عن الإضافة؛ لفظا لا معنى، وبعض الأسماء التي يتحتم إضافتها، يمتنع إضافتها إلى الاسم الظاهر، ويجب أن يكون المضاف إليه ضمير؛ ومنها "وحد"، و"لبى" و"شذ"، وقرع يدي -وهو اسم ظاهر- مضافا إليه للبى.
1 يشترط في الجملة الواقعة مضافا إليه: أن تكون خبرية؛ فلا تصلح الشرطية المبدوءه بإن، أو ما يشابهها في التعليق، ولا تصلح الإنشائية مطلقا، ويشترط كذلك أن تكون مشتملة على ضمير، يعود على المضاف؛ لأن المضاف إلى الجملة، مضاف في التقدير إلى مفرد -هو المصدر المكون منها. فكما لا يعود ضمير من المصدر المضاف إليه إلى المضاف؛ كذلك لا يعود من الجملة إليه.
2 "إذا" ظرف للزمان الماضي المبهم في الغال، ومعناها: زمن، أو وقت، أو حين. وقد ترد
__________
* "وبعض الاسما" مبتدأ ومضاف إليه. "يضاف أبدًا" الجملة خبر، وأبدًا ظرف. "وبعض ذا" مبتدأ ومضاف إليه. "يأت" فعل مضارع حذفت ياؤه للضرورة، وفاعله مستتر، والجملة خبر المبتدأ. "فظا" منصوب على التمييز، أو نزع الخافض. "مفردا" حال من ضمير يأتي، ويجوز أن يكون "لفظا" هو الحال، و"مفردا" نعت له.
"وبعض" مبتدأ. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "يضاف" الجملة صلة ما، ونائب الفاعل يعود على ما، "حتما" مفعول مطلق لفعل محذوف، "إيلاؤه" فاعل امتنع، والجملة خبر المبتدأ، وهو مضاف إلى الهاء؛ من إضافة المصدر لمفعوله الأول. "اسما" مفعوله الثاني. "ظاهرا" صفة لقوله اسما. "حيث" ظرف مكان متعلق بامتنع، وجملة. "وقع" مضاف إليه لحيث، وفاعله يعود إلى بعض ما يضاف. "كوحد" جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف. "لي" ودوالي، سعدي "معطوفات على "وحد" بحذف العاطف في. "لبى" و"سعدى" "إيلاء" فاعل شذ. "يدي" مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله الأول. "للبى" متعلق بإيلاء؛ على أنه مفعوله الثاني. ومفعوله الأول المضاف إليه. واللام فيه لتقوية العامل.(2/334)
فأما "إذ"؛ فنحو: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} ، {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا} 1، وقد يحذف ما أضيفت إليه للعلم به2 فيجاء بالتنوين عوضا منه؛ كقوله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} 3.
__________
ظرفا للمستقبل بمعنى "إذا"، إذا دلت قرينة على ذلك؛ نحو قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} ، {إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِم} ، وإذا أضيفت لجملة فعلية وجب أن يكون الفعل ماضيا لفظا ومعنى، أو معنى فقط؛ نحو قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} ، وقيل: يجب أن يكون معنى الجملة قد تحقق قبل النطق بها، أو أنه سيتحقق من غير شك. وهذا كله ليكون المضاف إليه مماثلا لمعنى "إذ" في الزمن.
وتلزم "إذ" البناء، وتكون في محل نصب على الظرفية؛ إلا إذا أضيف إليها اسم؛ كيومئذ، وحينئذ؛ فتكون في محل جر بالإضافة.
هذا: "وترد "إذ" للتعليل؛ كقوله تعالى: {وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} ، وهي في هذه الحالة: إما حرف زائد للتعليل كاللام، أو ظرف زمان، والتعليل مستفاد من قوة الكلام، وتأتي لإفادة المفأجاة؛ أي مفاجأة ما بعدها لما قبلها وذلك بعد "بينا" أو"بينما"، نحو: بينا نحن جلوس إذ أقبل علينا ضيف عزيز: وتعرب حينئذ حرف للمفاجأة، أو حرفا زائدًا؛ لتأكيد معنى الجملة.
و"حيث" هي في الغالب ظرف مكان نادر التصرف، وهي مبنية دائما على الضم في محل نصب على الظرفية؛ أو خفض بمن؛ ولا يجوز قطعها عن الإضافة لفظا، ولا يضاف إلى الجملة من أسماء المكان غيرها.
1 "إذ" في المثالين مفعول به لاذكروا عند بعض النحاة، وعند الجمهور -وهو الحق- أن "إذ" ظرف لمفعول به محذوف؛ أي اذكروا نعمة الله عليكم، إذ أنتم قليل، وإذ كنتم قليلا.
2 وأكثر ما يكون ذلك؛ إذا كان المضاف اسم زمان، كيومئذ وحينئذ وساعتئذ؛ فيحف المضاف ويؤتى بالتنيوين؛ عوضا عن الجملة المحذوفة، وتحرك الذال عند التنوين بالكسر؛ للتخلص من الساكنين.
3 أي يوم إذ غلبت الروم. و"إذ" حينئذ باقية على بنائها، على الصحيح.(2/335)
وأما "حيث: فنحو: جلست حيث جلس زيد، وحيث زيد جالس1، وربما أضيفت إلى المفرد2؛ كقوله:
ببيض المواضي حيث لي العمائم3
__________
1 الغالب في الجملة الاسمية بعد "حيث"، ألا يكون خبرها فعلا. وإضافتها للجملة الفعلية أكثر؛ سواء كانت مثبتة، أو منفية.
2 يجيز بعض النحاة إضافتها للمفرد، مع بقائها مبنية، نحو: إنا مسافر حيث الهدوء، ويؤيده جواز فتح همزة "أن" بعدها؛ فتكون مضافة إلى المصدر المنسبك من أن ومعموليها، وهو مفرد، وبعضهم يعربها، ويندر أن تقع ظرف زمان أو غيره، ولا يقاس على ما يسمع من ذلك.
3 عجز بيت من الطويل، للفرزدق، وصدره:
ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم
اللغة والإعراب: نطعنهم -بضم العين وفتحها- نضربهم؛ يقال: طعنه بالرمح؛ كمنعه ونصره -ضربه ووخزه. الحبا: جمع حبوة؛ وهي الثوب الذي يحتبى به.
والاحتباء: أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعها به مع ظهره، ويشده عليها. وقد يكون الاحتباء باليدين؛ والمراد هنا: أوساطهم. بيض: جمع أبيض، والمراد: السيوف المواضي؛ جمع ماض، وهو النافذ القاطع؛ أي السيوف القواطع. "لي" العمائم: لفها وشدها طاقة بعد طاقة على الرءوس. "تحت الحبا" مفعول ومضاف إليه "بع" ظرف متعلق بنطعن "ضربه" مضاف إليه. وضمير الغائبين مضاف إليه؛ من إضافة المصدر لمفعوله "حيث" ظرف مكان في محل نصب، متعلق بضرب، أو حال. "لي العمائم" مضاف إليه.
المعنى: نضربهم برماحنا في أواسطهم؛ حيث لا يبرءون من الطعن بعد ضربهم بالسيوف القواطع على رءوسهم.
الشاهد: إضافة حيث إلى اسم مفرد، وفي المغني: أن من أضاف "حيث" إلى المفرد، أعربها؛ ومنه قول الشاعر:
أما ترى حيث سهيلا طالعا
بفتح ثاء حيث على أنها مفعول ترى، وخفض سهيل. وفيما يضاف وجوبا إلى الجملة الاسمية والفعلية، يقول ابن مالك:(2/336)
ولا يقاس عليه خلافا للكسائي.
ومنها ما يختص بالجمل الفعلية وهو: "لما" عند من قال باسميتها1؛ نحو: لما جاءني أكرمته. و"إذا"2........................................................................
__________
وألزموا إضافة إلى الجمل ... "حيث" و"إذ" وإن ينون يحتمل
إفراد إذ ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
أي ألزم النحاة "حيث" و"إذ" الإضافة إلى الجمل، بالشروط التي أوضحناها.
وإن ينون "إذ"، وذلك بعد حذف المضاف إليه، ومجيء التنوين عوضا عنه، يحتمل ويجوز إفرادها؛ أي قطعها عن الإضافة؛ لفظا لا معنى.
1 القائل باسميتها: الفارسي وابن جني وابن السراج وآخرون؛ وقالوا: هي ظرف بمعنى "حين"؛ ولذا تسمى "لما الحينية". وقيل: بمعنى "إذ"، ورجحه ابن مالك في المعني؛ لأنها مختصة بالماضي، وفيها معنى الشرط، ويجب أن يكون شرطها، وجوابها ماضيين عند الأكثرين، وتضاف إلى شرطها، وتنصب بجوابها، وعند سيبويه: هي حرف وجود لوجود، لا محل لها.
2 هي ظرف غير جازم، مبني دائما، متضمن معنى الشرط غالبا، وتكون للزمان المستقبل كثيرا، وللماضي قليلا، ووقوع الماضي، في جملة شرطها أو جزائها، لا يخرجها عن الدلالة عن المستقبل، ويقع شرطها، وجوابه ماضيين، أو مضارعين، أو مختلفين، وناصبها: المحققين. وإما جوابها فتكون مضافة إلى جملة الشرط وهو المشهور، ويجوز أن يحذف المضاف إليه وتجيء التنوين عوضا عنه؛ تقول: من ينكر المعروف فليس إذا يستحقه؛ أي فليس إذا يجحده يستحقه، وتأتي "إذا" للمفاجأة، فتختص الجملة الاسمية، وهي حينئذ حرف على الأصح، نحو: خرجت فإذا محمد ينتظرني، وقيل هي ظرف، قد أشار الناظم إلى "إذا" بقوله:
__________
* "إضافة" مفعول ثان مقدم لألزموا. "إلى الجمل" متعلق بإضافة، أو بمحذوف صفة له. "حيث" مقصود لفظه مفعول أول. "وإذ" معطوف على حيث. "وإن ينون" شرط وفعله ونائب الفاعل يعود على إذ. "يحتمل إفراد إذ" الجملة من الفعل، ونائب الفاعل جواب الشرط.(2/337)
عند غير الأخفش والكوفيين1 نحو: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء} ، وأما نحو: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} فمثل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك} 2. وأما قوله:
إذا باهلي تحته حنظلية3
__________
وألزموا "إذا" إضافة إلى ... جمل الإفعال كـ"هن إذا اعتلى"
ومعنى: هن إذا اعتلى؛ كن متواضعا هبنا، إذا تكبر وتعالى غيرك.
1 أما عندهما، فيجوز إضافتها إلى الجمل الاسمية؛ تمسكا بظاهر ما ورد من الآيات التي ذكرها المصنف.
2 فكل من "السماء" و"أحد" فاعل بفعل محذوف يفسره المذكور، وليس كل منهما مبتدأ، والفعل بعدهما خبرا.
3 صدر بيت من الطويل للفرزدق، وعجزه:
له ولد منها فذاك المذرع
اللغة والإعراب: بأهلي: منسوب إلى باهلة، وهي قبيلة من قيس عيلان، ويكثر الشعراء من ذمها؛ ومن ذلك وقول الشاعر:
إذا قيل للكلب يا باهلي ... عوى الكلب من لؤم هذا النسب
حنظلية: نسبة إلى حنظلة؛ وهي أكرم قبائل تميم؛ حتى ليقال: "حنظلة الأكرمون".
المذرع: الذي أمه أشرف من أبيه. "إذا" ظرف فيه معنى الشرط، "باهلي" اسم كان محذوفة، "تحته" ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، ومضاف إليه. "حنظلية" مبتدأ مؤخر، والجملةفي محل نصب خبر كان المحذوفة وحدها. ويجوز أن يكون المحذوف كان واسمها، و"باهلي" مبتدأ أول. "تحته حنظلية" مبتدأ ثان وخبر، والجملة خبر الأول، والجملة خبر كان المحذوفة مع اسمها ضمير الشأن. "له ولد" خبر مقدم، ومبتدأ مؤخر، والجملة من المبتدأ والخبر صفة لباهلي، أو حال. "منها" جار ومجرور صفة لولد "فذاك" الفاء واقعة في جواب الشرط، وذاك اسم إشارة مبتدأ "المذرع" خبر.
المعنى: إذا تزوج رجل من باهلة امرأة من حنظلة، وأتى منها بولد؛ فهو المذرع؛ أي
__________
* "إذا" مقصود لفظه مفعول أول لألزموا. "إضافة" مفعول ثان "إلى جمل" متعلق بإضافة "الأفعال" مضاف إليه. "كهن" خبر لمبتدأ محذوف، "إذا" ظرف فيه معنى الشرط. "اعتلى" فعل الشرط، والجملة في محل جر بإضافة إذا، وجواب الشرط محذوف يدل على الكلام.(2/338)
فصل: حكم ما هو بمنزلة إذ أو إذا
...
فعلى إضمار كان؛ كما أضمرت هي وضمير الشأن في قوله:
فهلا نفس ليلى شفيعها1
فصل: وما كان بمنزلة "إذ" أو"إذا؛ في كونه اسم زمان مبهم لما مضى أو لما يأتي2، فإنه بمنزلتهما فيما يضافان إليه3؛ فلذلك تقول: جئتك زمن الحجاج أمير، أو
__________
الذي أمه أشرف من أبيه.
الشاهد: في "إذا باهلي"؛ فإنه على تقدير كان محذوفة بعد إذا؛ بما أنه ليس بعده فعل يصلح للتفسير؛ لأن إذا لا يليها إلا الفعل؛ لفظا أو تقديرا. واحتج به الأخفش على دخول "إذا" على الجملة الاسمية.
1 جزء من بيت من الطويل، لقيس بن الملوح، المعروف بمجنون ليلى، وقيل لغيره، وأوله:
ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة ... إلى ... ... ... ... ... ...
اللغة والإعراب: نبئت: أخبرت: بشفاعة؛ الشفاعة: التوسل ابتغاء الخير الشفيع: الذي يكون منه التوسل "نبئت" ماض للمجهول، والتاء نائب الفاعل، وهو المفعول الأول. "ليلى" مفعول ثان لنبئت. "أرسلت" الجملة مفعول ثالث. "بشفاعة" مفعول أرسلت؛ على زيادة الباء "إلى" متعلق بأرسلت "فهلا" الفاء للسببية، وهلا حرف تحضيض. "نفس ليلى" خبر مقدم، ومضاف إليه. "شفيعها" مبتدأ مؤخر، ومضاف إليه، والجملة خبر كان المحذوفة، مع اسمها ضمير الشأن؛ أي فهلا كان هو؛ أي الحال والشأن.
المعنى: أخبرت أن ليلى أرسلت إلي شفيعا، يطلب مني العودة إلى الوصل والمودة، فهلا تقدمت بنفسها لطلب ذلك؛ إن كان هذا أجدى، وأحق بالقبول.
الشاهد: حذف كان واسمها ضمير الشأن بعد هلا، ولم تجعل "نفس ليلى" اسم كان محذوفة، كما حدث في البيت السابق؛ لأن "شفيعها" اسم مفرد مرفوع، لا يصلح أن يكون خبرا، وهلا من الأدوات التي لا يليها إلا الفعل.
2 قول المصنف: لما مضى، راجع لوجه الشبه بإذ. وقوله: أو لما يأتي، راجع لوجه الشبه بإذ. والمراد بالمبهم من الزمان: ما ليس محدودا؛ بالأ يكون له أي اختصاص؛ كحين، ومدة، ووقت، ووزمن، ولحظة، وبرهة، أو يكون له اختصاص من بعض النواحي؛ كغداة وعشية، وليل، ونهار، وصباح، ومساء أما المحدود فهو: ما دل على عدد معين؛ كيومين، وأسبوع، وشهر، وسنة، أو وقت محدود؛ كأمس، وغد، وهذا لا يضاف إلى جملة.
3 فما يكون بمعنى، "إذ" يجوز إضافته إلى الجملة بنوعيها، بالشرط الذي ذكرناه؛ وهو أن(2/339)
أو زمن كان الحجاج أميرًا؛ لأنه بمنزلة "إذ"1؛ وآتيك زمن يقدم الحاج، ويمتنع في: زمن الحاج قادم؛ لأنه بمنزلة "إذا"2.
هذا قول سيبويه، ووافقه الناظم في مشبه "إذ" دون مشبه "إذا"؛ محتجا بقوله تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} 3. وقوله:
فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة4
وهذا ونحوه مما نزل فيه المستقبل -لتحقق وقوعه- منزلة ما قد وقع ومضى5.
__________
يكون معنى الجملة ماضيا أو مستقبلا محتم الوقوع، كما يجوز أن يضاف إلى المفرد أو لا يضاف، وما يكون بمنزلة، "إذا" يضاف إلى الجملة الفعلية، غير أن الإضافة في "إذ" و"إذا" واجبة، وفيما يكون بمنزلتهما جائزة.
1 "فزمن" في المثال الأول مضاف إلى جملة اسمية، وفي الثاني مضاف إلى فعلية.
2 أي: و"إذا" لا تضاف إلى الجمل الاسمية؛ فكذلك ما كان بمعناها.
3 فقد أضيف "يوم" هو يشبه "إذا" في الاستقبال، إلى الجملة الاسمية.
4 صدر بيت من الطويل، لسواد بن قاب السدوسي الأزدي الصحابي، يخاطب الرسول،
وعجزه:
بمغن فتيلا عن سواد بن قارب
وتقدم الكلام عليه في باب "ما ولا ولات" صفحة 257 جزء أول.
الشاهد فيه هنا: إضافة "يوم" إلى الجملة الاسمية، على رأي الناظم؛ مع أنه بمنزلة "إذا" في الدلالة على المستقبل، و"إذا" لا تضاف إليها. وظاهره الرد على سيبويه، الذي لا يجيز ذلك.
5 أي فيكون "يوم" مشبها لإذ؛ لا لإذا؛ لأن المراد من الماضي ما كان متحقق الوقوع؛ سواء عبر عنه بالماضي، أو بالمضارع، وهذا توجيه سيبويه، وهو رد على رأي الناظم، وفي أسماء الزمان المشبهات "إذ"، يقول الناظم:
... .... وما كـ"إذ" معنى كإذ ... أضف جوازًا نحو "حين جا نبذ"
أي والذي مثل "إذا" في المعنى؛ من حيث كونه اسم زمان ماض مبهم، يضاف جوازا إلى مثل ما تضاف إليه "إذ"؛ من الجمل الاسمية والفعلية؛ نحو: حين جاء نبذ؛ أي طرد. واقتصر الناظم على مشبه، "إذ" دون مشبه "إذا"؛ لأنه يجيز إضافة مشبه "إذا" إلى الجملة الاسمية؛ محتجا بما ذكره المصنف ورده.
__________
* "وما" اسم موصول مبتدأ، "كإذ" متعق بمحذوف صلة، "معنى" منصوب على نزع الخافض، أو تمييز. "كإذ" خبر المبتدأ. "جوازًا" مفعول مطلق لأضف، وجملة أضف؛ كالاستدراك على قوله: كإذ، يبين به أنه مثله في مطلق الإضافة؛ لا في وجوبها. "نحو" خبر لمبتدأ محذوف. "حين" ظرف متعلق بنبذ. "جا" فعل ماض قصر للضروة. "نبذ" ماض مبني للمجهول، والجملة في محل جر بإضافة نحو إليها.(2/340)
فصل: في إعراب الزمان المحمول على إذ أو إذا
...
فصل: ويجوز في الزمان المحمول على "إذ" أو"إذا": الإعراب على الأصل والبناء حملًا عليهما1؛ فإن كان ما وليه فعلًا مبنيا؛ فالبناء أرجح للتناسب؛ كقوله:
على حين عاتبت المشيب على الصبا2
__________
1 "إذ" و"إذا" مبنيان على الفتح في جميع الأحوال، أما ما يشبههما؛ فيجوز فيه الإعراب على الأصل؛ بناء على أن الأصل في الأسماء الإعراب، وهذا يحسن إذا كان المضاف إليه جملة اسمية، أو جملة مضارعية فعلها معرب، وجيوز فيه البناء على الفتح، ويحسن عند الإضافة إلى جملة فعلية فعلها مبني، وقد أوضح ذلك المصنف.
2 صدر بيت من الطويل، للنابغة الذبياني، من قصيدة، يعتذر فيها للنعمان بن المنذر،
وعجزه:
وقلت ألما أصح والشيب وازع
اللغة والإعراب: "على" الأولى، بمعنى "في"، والثانية للتعليل. عاتبت؛ العتاب: اللوم مع السخط، وعدم الرضا، الصبا، والصبوة والميل إلى الهوى، أصح: أتنبه، وازع: زاجر، من وزع؛ أي زجر ونهي. "على حين" جار ومجرور متعلق بأسبل، أو برددتها في قوله قبل:
وأسبل مني عبرة فرددتها ... على النحو منها مستهل ودامع
"عاتبت المشيب" الجملة في محل جر بإضافة "حين" إليها، "على الصبا" متعلق بعاتبت. "ألما" الهمزة للاستفهام الإنكاري، و"لما" حرف نفي وجزم. "أصح" مضارع مجزوم بحذف الواو. "والشيب وازع" الواو للحال، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب حال، من الضمير المستتر في أصح.
المعنى: سال مني الدمع وانهمل، وقت معاتبتي للشيب، وقد حل بي، وذهب زمان الصبوة والفتوة والانغماس في الشهوات وقلت لنفسي، موبخا: كيف لا أصحو وأفيق من غفلتي واسترسالي في الشهوات! والشيب أكبر زاجر وواعظ.
الشاهدك: في "حين"؛ روي بالفتح على البناء لإضافته لمبني، وبالخفض على الإعراب.(2/341)
وقوله:
على حين يستصبين كل حليم1
وإن كان فعلا معربا أو جملة اسمية؛ فالإعراب أرجح عند الكوفيين، وواجب عند البصريين، واعترض عليهم بقراءة نافع: {هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ} بالفتح2، وقوله:
على حين التواصل غير داني3
__________
1 عجز بيت من الطويل، لم ينسب لقائل، وصدره:
لأجتذبن منهن قلبي تحلما
اللغة والإعراب: تحلما؛ التحلم: تكلف الحلم وتصنعه. يستصبين: يستملن ويجتذبن. حليم: عاقل رزين. "لأجتذبن" اللام للتوكيد واقعة في جواب قسم مقدر. "أجتذبن" مضارع مؤكد بالنون الخفيفة. "منهن" جار ومجرور متعلق به، "قلبي" مفعول مضاف إليه ياء المتكلم. "تحلما" مفعول لأجله، أو حال بمعنى متحلما. "على حين"جار ومجرور متعلق بأجتذبن، "يستصبين" مضارع مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة فاعله، والجملة مضاف إليه لحين. "كل جليم" مفعول يستصبين، ومضاف إليه.
المعنى: اجتذب قلبي، وأشده إلى نفسي من هؤلاء الفاتنات؛ متكلفا الحلم، والكف عن الميل إلى الهوى؛ لأنه يستملن إلى الله والصبوة كل عاقل.
الشاهد: فيه كالذي قبله؛ غير أن الفعل الذي أضيف إليه "حين" هناك مبني بالإصالة؛ لأنه ماض، وهذا مبني لاتصاله بنون النسوة، وأصله معرب.
2 أي ببناء "يوم" على الفتح، لا على الإعراب؛ لأن الإشارة إلى اليوم؛ كما في قراءة الرفع، فلا يكون ظرفا، ويجيب البصريون -الذين يوجبون الإعراب- بأن الفتحة "في يوم" فتحة إعراب، وهو منصوب على الظرفية خبرًا لهذا. والإشارة ليست لليوم؛ وإنما هي للمذكور قبل؛ من كلامه مع عيسى، وكلام عيسى معه؛ أي هذا المذكور كائن في هذا اليوم، ويمكن أن يكون على لغة سليم؛ من إعمال القول مطلقا.
3 عجز بيته من الوافر، لم ينسب لقائل، وصدره:
تذكر ما تذكر من سليمى
اللغة والإعراب: التواصل: المواصلة وترك القطعية والهجر، دان: قريب. تذكر فعل ماض، والفاعل هو "ما" اسم موصول مفعول تذكر الأولى "تذكر الثاني" الجملة صلة.(2/342)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
"ما"، والعائد محذوف؛ أي تذكره. "من سليمى" جار ومجرور حال من "ما". "على حين" متعلق بتذكر "التواصل غير داني" الجملة من المبتدأ والخبر مضاف إليه لحين.
المعنى: تذكر وأعاد إلى ذاكرته وذهنه كل ما كان بينه، وبين سليمى -وأبهم المذكر؛ تعظيما له وتفخيما- لا في وقت لا ينتظر فيه قرب الوصال، والتقرب بينهما.
الشاهد: في "حين"؛ روى بالفتح على البناء، في محل جر بعلى، مع إضافته لجملة اسمية. وبهذا يرد على البصريين؛ والذين يمنعون البناء في هذه الحالة، وإن كان الإعراب أكثر. وإلى ما ذكر في هذا الفصل، يشير ابن مالك بقوله:
وابن أو أعرب ما كـ"إذ" قد أجريا ... واختر بنا متلو فعل بنيا
وقبل فعل معرب أو مبتدا ... أعرب ومن بنى فلن يفندا
أي يجوز البناء والإعراب في كل اسم زمان حمل على "إذ"، وكان مثلها في المعنى، والمختار بناء ما يتلوه فعل مبني، وإعراب ما وقع قبل فعل معرب، أو قبل مبتدأ "المراد: جملة اسمية". ومن بني في جميع الأحوال، فلن يفندا؛ أي يغلط.
هذا: وهنالك ألفاظ غير زمانية، ولكنها تشبه الزمان؛ في ارتباطها بالوقت والزمن؛ مثل آية بمعنى علامة، وهذه تضاف جوازًا إلى الجملة الفعلية، التي فعلها متصرف، ويغلب أن يأتي بمعنى علامة، وهذه تضاف جوازًا إلى الجملة الفعلية، التي فعلها متصرف، ويغلب أن يأتي بعدها "ما" النافية أو المصدرية، وتعرب على حسب ما تستحقه قبل الإضافة؛ كقول الشاعر:
ألا من مبلغ عني تميما ... بآية ما يحبون الطعاما
بآية يقدمون الخيل شعثا ... كأن على سنابكها مداما
فكلمة آية معربة، مضافة إلى المصدر المؤول في البيت الأول، وإلى الجملة المضارعية في الثاني.
__________
* "أو أعرب" معطوف على "ابن"؛ بنقل فتحة الهمزة إلى الواو للوزن، "ما" اسم موصول تنازعه الفعلان، "كإذ" متعلق بأجريا، وجملة "قد أجريا" صلة ما "بنا" -بالقصر- مفعول اختر، "متلو فعل" مضاف إليه. "بينا" ماض للمجهول،
والجملة نعت لفعل. "وقيل فعل" ظرف متعلق بأعرب، ومضاف إليه "معرب" صفة لفعل. "أو مبتدأ" معطوف على فعل، "ومن" اسم موصول مبتدأ، "بني" الجملة صلة من، "فلن يفندا" نائب فاعل يفندا عائد على من، والجملة خبرها، والفاء زائدة في خبر الموصول لشبهه بالشرط.(2/343)
فصل: مما يلزم الإضافة كلا وكلتا بشروط
...
فصل: مما يلزم الإضافة "كلا" و"كلتا"1، ولا يضافان إلا لما استكمل ثلاثة شروط:
أحدها: التعريف2؛ فلا يجوز: كلا رجلين، ولا كلتا امرأتين، خلافا للكوفيين3.
والثاني: الدلالة على اثنين4؛ إما بالنص؛ نحو: كلاهما، و {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ} أو بالاشتراك؛ نحو قوله:
كلانا غني عن أخيه حياته5
__________
1 أي للإضافة لفظا ومعنى، وكلا وكلتا مفردان لفظا، مثنيان معنى، يدلان على اثنين واثنتين، ويجوز في خبرهما، وفي كل ما يحتاج إلى المطابقة بينه وبينهما، مراعاة اللفظ وهو الأفصح، ومراعاة المعنى.
2 لأنهما في المعنى يؤكدان ما أضيفتا إليه، والمنكور لا يؤكد عند البصريين.
3 فقد أجازوا إضافتهما إلى النكرة المختصة؛ لجواز توكيدها؛ تقول: حضر كلا رجلين عالمين، وكتلا امرأتين شاعرتين، والأحسن الأخذ بهذا الرأي.
4 أي شيئين؛ مذكرين أو مؤنثين، واشترط ذلك؛ لأن الغرض منهما تقوية التثنية في المضاف إليه، وتأكيدها، ولا بد أن يطابق التأكيد المؤكد.
5 صدر بيت من الطويل، ينسب لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، يخاطب الحسين بن عبد الله، وكان صديقين ثم تهاجرا، وقيل لغيره، وعجزه:
ونحن إذا متنا أشد تغانيا
اللغة والإعراب: معاني المفردات واضحة "كلانا" مبتدأ موفوع بالألف، ومضاف إليه. "غني" خبر. "عن أخيه" منصوب على الظرفية، أو على نزع الخافض، ومضاف إليه "ونحن" متبدأ. "إذا متنا" شرط وفعله، وهو اعتراض بين المبتدأ والخبر وهو "أشد". "تغانيا" تمييز.
المعنى: واضح.
الشاهد: إضافة "كلا" إلى الضمير "نا"؛ وهو لفظ مشترك يدل على الاثنين والجماعة؛ فصحت إضافة "كلا" إليه.(2/344)
فإن كلمة "نا" مشتركة بين الاثنين والجماعة، وإنما صح قوله:
إن للخير والشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل1
لأن "ذا" في المعنى، مثلها في قوله تعالى: {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} 2، أي: وكلا ما ذكر، وبين ما ذكر.
والثالث: أن يكون كلمة واحدة3؛ فلا يجوز: كلا زيد وعمرو؛ فأما قوله:
كلا أخي وخليلي واجدي عضدا4
__________
1 لعبد الله بن الزبعري، أحد شعراء قريش، من قصيدة قالها بعد غزوة أحد، يتشفى بالمسلمين، وكان وقتئذ لا يزال على جاهليته، ثم أسلم بعد، وقبله النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمنه بعد فتح مكة.
اللغة والإعراب: مدى؛ المدى: غاية الشيء ونهايته. وجه: جهة، ومستقبل كل شيء وجهه. قبل، القبل: المحجة الواضحة. "للخبر" جار ومجرور خبر "إن" مقدم. "مدى" اسمها مؤخر. "وكلا" الواو عاطفة. "كلا" متبدأ مرفوع بضمة مقدرة على الألف. "ذلك" ذا: اسم إشارة مضاف إليه، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، "وجه" خبر المبتدأ. "وقبل" معطوفة على وجه؛ وسكن للشعر.
المعنى: إن للخير والشر غاية ونهاية، ينتهيان إليها ويقفان عندها، وكلاهما أمر معروف، يستقبله الإنسان ويعرفه، كما يستقبل الوجه. وضبطه بعضهم "قبل"؛ بكسر القاف، وفتح الباء، جمع قلبة؛ أي كلا من الخير والشر بمثابة القبلة التي يتوجه إليها المصلي.
الشاهد: إضافة "كلا" إلى مفرد لفظا، مثنى معنى؛ وهو ذلك؛ لأنه عائد على اثنين هما: الخير والشر.
2 أي بين الفارض والبكر؛ والفارض: السنة، والبكر: الفتية، والعوان: النصف.
3 فلا يضافان إلى كلمتين متفرقتين؛ لأنهما موضوعان لتأكيد المثنى.
4 صدر بيت من البسيط لم ينسب لقائل معين، وعجزه:
في النائبات وإلمام الملمات
اللغة والإعراب: الخليل: الصديق. عضدا: سندا يعتمد عليه، ويركن إليه عند(2/345)
فمن نوادر الضرورات.
ومنها "أي"1: تضاف للنكرة2 مطلقًا؛ نحو: أي رجل، وأي رجلين، وأي رجال؟
__________
الشدائد. النائبات: المصائب التي تنوب الإنسان، جمع نائبة. إلمام: نزول، مصدر ألم؛ أي نزل. الملمات: نوازل الدهر وحوادثه، جمع ملمة. "كلا" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على الألف. "أخي" مضاف إليه "وخليلي" معطوف عليه مضاف إلى ياء المتكلم، "واجدي" خبر كالا باعتبار لفظه، وياء المتكلم مضاف إليه، وهي في محل نصب مفعوله الأول. "عضدا" مفعول ثان. "في النائبات" متعلق بواجدي.
المعنى: كل من أخي وصديقي يجدني عند حلول المصائب والشدائد، ونزول حوادث الدهر ونوائبه، معينا وركنا يستند إليه، وناصرا ينصره ويساعده.
الشاهد: إضافة "كلا" إلى متعدد، مع التفريق بالعطف؛ وهو أخي وخليلي، وهذا نادر كل الندرة، ولا تضاف كلا وكلتا لشيء من الضمائر غير "نا" و"الكاف" المتصلة بالميم والألف، والهاء كذلك؛ تقول: كلانا، كلاكما، كلاهما، وكذلك كلتا.
وإلى كلا وكلتا وشروطهما أشار الناظم بقوله:
لمفهم اثنين معرف بلا ... تفرق أضيف "كلتا" و"كلا"
أي أضيفت كلتا وكلا لمفهم اثنين -أي لما يدل عليه اثنين- مع تعريفه، وعدم تفرق أفرداه؛ فقد أجيز: بين محمد وعلي، واشترك محمد وعلي، ولم يجز العطف في كلا وكلتا، مع عدم التفريق بينه، وبين سابقيه، والعلة في ذلك: الورود عن العرب.
1 "أي" الملازمة للإضافة خمسة أنواع: نوعان ملازمان للإضافة لفظا ومعنى؛ وهما: الوصفية، التي تقع نعتا، والحالية، التي تقع حالا، وثلاثة ملازمة للإضافة معنى لا لفظا؛ وهي: الاستفهامية، والشرطية، والموصولة؛ فيحوز قطعها عن الإضافة لفظا، مع نية المضاف إليه، وحينئذ تنون؛ ليكون التنوين عوضا عن المحذوف.
2 كل الأنواع المتقدمة، ما عدا الموصولة، فلا تضاف إلا لمعرفة؛ كما سيأتي.
__________
* "لمفهم" متعلق بأضيف. "اثنين" مضاف إليه. "معرف" صفة لمفهم "بلا تفرق" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة ثانية لمفهم، "كلتا" نائب فاعل أضيف. "وكلا" معطوف عليه.(2/346)
وللمعرفة1 إذا كانت مثناة،؛ نحو: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ} ، أو مجموعة؛ نحو: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} ولا تضاف إليها مفردة2 إلا إن كان بينهما3؛ جمع مقدر4؛ نحو: أي زيد أحسن؟ إذا المعنى: أي جزاء زيد أحسن؟ أو عطف عليها مثلها بالواو5، كقوله:
أيي وأيك فارس الأحزاب6
__________
1 إن كانت استفهامية، أو شرطية، أو موصولة.
2 أي لا تضاف "أي" المذكورة إلى المعرفة المفردة.
3 أي بين "أي" وبين المعرفة المفردة.
4 أي لفظ يدل على جمع؛ وهو "أجزاء" في المثال المذكور، أو قصد الجنس بالمضاف إليه؛ نحو: أي الدينار دينارك؟، وأي الكسب أطيب؟.
5 أي تكررت بعطف معرفة مفردة على الأولى بالواو خاصة. ولا يشترط إضافة الأولى منهما إلى ضمير المتكلم، خلافا لبعضهم، فيصح أن يقال: أيك وأي محمد أفقه؟ وأي على، وأي محمد أفضل؟
6 عجز بيت من الكامل، لم يعلم قائله، وصدره:
فلئن لقيتك خاليين لتعلمن
اللغة والإعراب: خاليين: منفردين ليس معنا أحد. الأحزاب: جمع حزب؛ وهو الجماعة من الناس أمرهم واحد. "فلئن" اللام موطئة للقسم، وإن حرف شرط جازم، "لقيتك" فعل الشرط. "خاليين" حال من الفاعل والمفعول في لقيتك، "لتعلمن" اللام واقعة في جواب القسم، وتعلمن مضارع مبني على الفتح، لاتصاله بنون التوكيد، وجواب الشرط محذوف، يدل عليه جواب القسم "أيي" مبتدأ ومضاف إليه، "وأيك" معطوفة على أيي. "فارس الأحزاب" خبر ومضاف إليه، وجملة المبتدأ والخبر سدت مسد مفعولي "تعلم"؛ المعلق بسبب الاستفهام.
المعنى: يتوعد الشاعر محدث، ويقول له: إذا تقابلنا منفردين، ليس معنا أحد، ونزل كل منا إلى صاحبه، فستعلم أينا الفارس المغوار، الذي لا ينازعه أحد.
الشاهد: إضافة "أي" إلى مفرد معرفة؛ لتكرارها بعطف مثلها عليها بالواو.(2/347)
إذ المعنى: أينا. ولا تضاف "أي" الموصولة إلا لمعرفة1؛ نحو: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} خلافا لابن عصفور2. ولا "أي" المنعوت بها، والواقعة حالا، إلا لنكرة3؛ كمررت بفارس، أي فارس، وبزيد، أي فارس. وأما الاستفهامية والشرطية، فيضافان إليهما4؛ نحو: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} ، {أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ
__________
1 لأنه يراد بها معين، والصلة لا تستقل بذلك مع أي؛ لتوغلها في الإبهام، فلا بد من إضافتها لمعرفة، ولا بد أن تدل المعرفة على متعدد، أو يعطف مثلها بالواو؛ كما سلف.
2 فقد أجاز إضافتها للنكرة.
3 أي غالبًا؛ لأن نعت النكرة، والحال ينبغي أن يكون نكرتين، وينبغي أن تكون هذه النكرة مماثلة للمنعوت؛ لفظا ومعنى، أو معنى فقط؛ كما مثل المصنف.
4 أي إلى النكرة والمعرفة، وذلك؛ لأن معنى الاستفهام، والشرط يؤدي بهما.
وخلاصة ما تقدم أن لأي ثلاثة أحوال:
أ- الإضافة إلى النكرة والمعرفة، في الشرطية والاستفهامية، ويضافان إلى النكرة مطلقا؛ سواء كانت لمتعدد أو غير متعدد، وهما حينئذ بمعنى المضاف إليه كاملا؛ ولذا يكونان بمعنى "كل"، ويشترط في المعرفة أن تكون لمتعدد، ويكونان معها بمعنى "بعض"، ويجوز قطعهما عن الإضافة؛ فمثال الشرطية في قوله تعالى: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ، ومثال الاستفهامية أن تقول: أكرمت رجلًا؛ فيقال لك: أيا يا فتى؟
ب- الإضافة إلى النكرة في الوصفية والحالية، ومعنى الوصفية: الدلالة على بلوغ المنعوت الغاية؛ مدحا أو ذما؛ ويشترط أن تكون النكرة مماثلة للمنعوت؛ لفظا ومعنى، أو معنى فقط والوصفية لا تتكرر، ولا تنوى بها الأجزاء، وتدل الحالية على ما تدل عليه الحال؛ من بيان هيئة صاحبها المعرفة.
جـ- الإضافة إلى المعرفة في "أي" الموصولة؛ وهي بمعنى الذي؛ ويشترط في المعرفة أن تدل على متعدد بالإضافة، أو بالعطف بالواو على مثل المتقدم، كما سبق بيانه، ويراعى لفظه في المطابقة، وقد تقطع عن الإضافة لفظا؛ تقول: أكرم أيا هو أفضل.
وفي "أي" وأحكامها، يقول الناظم:
ولا تضف لمفرد معرف ... "أيا" وإن كررتها فأضف(2/348)
قَضَيْتُ} 1، {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ} ، وقولك: أي رجل جاءك فأكرمه.
ومنها لدن2 بمعنى عند، إلا أنها تختص بستة أمور:
أحدها: أنها ملازمة لمبدأ الغايات3؛...........................................
__________
أو تنو الاجزا واخصصن بالمعرفه ... موصولة "أيا" وبالعكس الصفه
وإن تكن شرطًا أو استفهاما ... فمطلقا كمل بها الكلاما
أي: لا يجوز إضافة "أي" للمفرد المعرفة، إلا مع تكرارها أو مع نية الأجزاء والمراد: الاستفهامية، والشرطية، والموصولة؛ لأنها هي التي تضاف إلى المعرفة والموصولة تختص بالمعرفة. أما الشرطية والاستفهامية؛ فيجوز إضافتهما للنكرة كما يوضحه الإطلاق بعد.
وتختص الصفة بنوعيها؛ النعتية والحالية، بعكس الموصولة؛ أي بالإضافة إلى النكرة، ثم بين إن الشرطية والاستفهامية يكمل بهما وبما أضيفتا إليه الكلام مطلقا؛ سواء أضيفتا إلى المعرفة أو إلى النكرة.
1 مثالان للاستفهامية والشرطية المضافتين إلى معرفة، وما بعدها للمضافتين إلى نكرة.
2 هي ظرف مبهم يدل على بدء الغاية الزمانية أو المكانية، والمراد بالغاية: ما يدل عليه الكلام بعدها من المقدار الزمني أو المسافة المكانية، من حيث يكون البدء بها. وتجر ما بعدها بالإضافة لفظا إن كان معربا، ومحلا إن كان مبنيا أو جملة.
3 أي أول المسافات المكانية أو المقادير الزمانية، فمسماها نقطة البداية ودخول "من" التي للابتداء عليها؛ لتدل على هذا المعنى المراد منها؛ لأن غير مألوف في الأسماء أما "عند" فتكون لمبدأ الغابات كثيرا، وللدلالة على الحضور المجرد؛ نحو: جلست عندك. ويندر أن يقال: جلست لدنك، وإنما تكون "عند" لابتداء الغاية كثيرا إذا دخلت عليها "من" الابتدائية، فإن لم تدخل عليها "من"، كانت للدلالة على مجرد الحضور.
__________
* "ولا" ناهية. "تضف" مضارع مجزوم بلا. "معرف" نعت لمفرد "أيا" مفعول تضف. "وإن كررتها" شرط وفعله ومفعوله. "فأضف" الفاء واقعة في جواب الشرط، ومفعول أضف محذوف؛ أي فأصفها للمعرفة. "أو تنو" معطوف على كررتها مجزوم بحذف الياء، وفصل بينهما بجواب الشرط لكونه ليس أجنبيا. "الأجزاء" مفعول تنو. "واخصصن" أمر مؤكد بالنون الخفيفة. "المعرفة" متعلق به. "موصولة" حال مقدم من أيا الواقع مفعولا لاخصصن، "وبالعكس" خبر مقدم، "الصفة" مبتدأ مؤخر، "وإن تكن" تكن فعل الشرط واسمها يعود على أي. "شرطا" خبر تكن. "أو استفهاما" معطوف على شرطا، "فمطلقا" الفاء للربط، و"مطلقا" صفة لمصدر محذوف؛ أي فتكميلا مطلقا. "كمل بها الكلاما" الجملة في محل جزم جواب الشرط.(2/349)
فمن ثم يتعاقبان1 في نحو: جئت من عنده ومن لدنه، وفي التنزيل: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} ؛ بخلاف نحو: جلست عنده؛ فلا يجوز فيه جلست لدنه؛ لعدم معنى الابتداء هنا2.
الثاني: أن الغالب استعمالها مجرورة بمن3.
الثالث: أنها مبنية4 إلا في لغة قيس5، وبلغتهم قرئ: {مِنْ لَدُنْه} .
الرابع: جواز إضافتها إلى الجمل6؛ كقوله:
لدن شب حتى شاب سود الذوائب7
__________
1 أي يتداولان على شيء واحد.
2 لأن المقصود: جلست في مكان قريب منه.
3 فتكون مبنية على السكون في محل جر، ولم ترد في القرآن الكريم إلا كذلك. ومن القليل تجردها للظرفية، وحينئذ تكون مبنية على السكون في محل نصب. أما "عند" فتنصب كثيرا على الظرفية، أو تجر بمن، وجرها بمن -على كثرته- قليل بالنسبة لجر "لدن" بها.
4 بخلاف "عند" فإنها معربة عند أكثر العرب.
4 فإنها معربة عندهم تشبيها بعند، وإعرابها عندهم مخصوص بالمشهور فيها، وهو "لدن"، وقد سكنت الدال للتخفيف مع الإشمام بالضمة، والأصل ضمها وزعم الفارسي أن "لدن" في الآية على هذه القراءة مبنية، والكسرة للتخلص من الساكنين: سكون الدال، والنون لأجل بناء لدن.
6 وإذا أضيفت للجملة تمخضت للدلالة على بداية الغاية الزمانية دون المكتابة، لأن الأرجح أنه لا يضاف إلى الجملة من ظروف المكان، غير "حيث" كما تقدم.
7 عجز بيت من الطويل، لعمير بن شييم المعروف بالقطامي الشاعر، وصدره:
صريع غوان راقهن ورقنه
اللغة والإراب: صريع: مصروع، وهو المطروح على الأرض. غوان: جمع غانية.(2/350)
الخامس: جواز إفرادها قبل "غدوة"1؛ فنصبها: إما على التمييز2 أو على التشبيه بالمفعول به3 أو على إضمار "كان" واسمها4. وحكى الكوفيون رفعها على إضمار "كان" تامة5. والجر القياس6 والغالب في الاستعمال.
__________
وهي المرأة الحسناء التي استغنت بجمالها عن التزين. راقهن: أعجبهن، وروي: شاقهن؛ أي بعث الشوق إلى أنفسهن: الذوائب: جمع ذؤابة، وهي الضفيرة من الشعر. "صريع غوان" خبر لمبتدأ محذوف ومضاف إليه. "راقهن" الجملة صفة لغوان. "وشقنه" معطوف على راقهن. "لدن" ظرف زمان تنازعه العوامل الثلاثة. صريع، ورقهن، ورقنه، وهو مضاف إلى جملة "شب". "حتى" حرف غاية وجر. "سود الذوائب" فاعل شاب ومضاف إليه، من إضافة الصفة إلى الموصوف.
المعنى: أن هذا المخاطب مصروع ومغلوب على أمره، بسبب هؤلاء الغانيات الفاتنات، اللاتي تعلقن به، وقد أعجبب وتعلق بهن منذ نشأ، حتى شابت ذوائبه فأعرضن عنه، وأعرض عنهن قهرا.
الشاهد: إضافة "لدن" إلى جملة "شب" وفاعله المستتر فيه جوازا.
1 أي قطعها عن الإضافة لفظا ومعنى، من غير أن يفصل بينها فاصل.
2 أي للدن؛ لأن نونها تشبه التنوين، ويكون من تمييز المفرد سماعًا؛ لأنها اسم لأول زمن مبهم، فسر بغدوة.
3 لأن "لدن" تشبه اسم الفاعل، في أن نونها تثبته تارة وتحذف أخرى، مثله.
4 وتكون "غدوة" خبرا، والأصل: لدن كان الوقت غدوة. وهذا الوجه حسن؛ لبعده عن التكلف؛ ولأن فيه إبقاء "لدن" على ما ثبت لها من الإضافة إلى الجملة.
5 وتكون غدوة فاعلا، والتقدير: لدن كانت غدوة؛ أي وجدت وظهرت، وعلى هذا تكون "لدن" ظرفا مضافا إلى الجملة تقديرا. وقيل: مرفوع بلدن لشبهها بالفاعل، كما عملت "يا" في المنادى لنيابتها عن أدعو.
6 أي بإضافة "لدن" إليها كما تجر سائر الظروف. أما "عند" فلا ينقطع عن الإضافة إلا إذا كان اسما محضا وبعد عن الظرفية.
هذا: ولا ينصب بعد "لدن" من الأسماء إلا غدوة، ولا تكون غدوة إلا منونة أما "عند".(2/351)
السادس: أنها لا تقطع إلا فضلة1؛ تقول: السفر من عند البصرة2، ولا تقول: من لدن البصرة.
ومنها "مع": وهو اسم لمكان الاجتماع3، معرب إلا في لغة ربيعة وغنم4 فتبنى
__________
1 لأنها ظرف غير متصرف، فهي مقصورة على النصب على الظرفية أو الجر بمن. أما "عند" فلا.
2 فالجار والمجرور خبر عن السفر.
هذا: وتأتي "عند" ظرفا للأعيان والمعاني؛ تقول: هذا القول عندي صواب، وعند فلان علم به، ويندر ذلك في "لدي" قيل: ومنه قوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} .
وتقول: عندي مال وإن كان غائبا عنك. ولا تقول: لدي مال إلا إذا كان حاضرا، وفي "لدن" يقول ابن مالك.
وألزموا إضافة "لدن" فجر ... ونصب "غدوة بها عنهم ندر
أي أن العرب ألزموا "لدن" الإضافة فجر المضاف إليه، وقد يتجرد عن الإضافة وينصب كلمة "غدوة" دون غيرها نادرا.
3 هي ظرف مكان أو ظرف زمان، يدل على اجتماع والتقاء بين اثنين في مكان واحد أو زمان واحد، وإرادة المكان أو الزمان توضحه القرائن. مثال دلالته على المكان: التواضع مع الغنى كرم نفس. ومثال الزمان: يذهب الفلاح إلى الحقل في الصباح الباكر. وهي حينئذ ظرف غير متصرف ملازم في الغالب للإضافة لفظا ومعنى، معرب منصوب على الظرفية؛ ولأنها اسم يخبر بها عن الذوات؛ تقول: محمد معك. وتأتي بمعنى "عند" فتفيد الحضور المجرد، ولا تدل على اجتماع ومصاحبة، وتكون حينئذ معربة مضافة، واجبة الجر بمن الابتدائية؛ نحو: من أراد البذل فلينفق من معه لا من مع غيره.
4 ربيعة: إحدى قبليتين عظيمتين تفعرت إليهما العرب العدنانية، والثانية مضر، وربيعة أبو القبيلة. وغنم: قبيلة أبوها ورئيسها غنم بن تغلب وائل.
__________
* "إضافة" مفعول ثان مقدم لألزموا. "لدن" مفعول أول قصد لفظه. "فجر" الفاء للعطف، وفاعل جر يعود على لدن ومفعوله محذوف؛ أي المضاف إليه. "ونصب" مبتدأ "غدوة" مضاف إليه. "بها" متعلق بنصب. "عنهم" متعلق بتدر، وجملة "ندر" خبر المبتدأ.(2/352)
على السكون1؛ كقوله:
فريشي منكم وهواي معكم2
وإذا لقي الساكنة ساكن جاز كسرها وفتحها3؛ نحو: مع القوم، وقد تفرد بمعنى "جميعا"4 فتنصب على الحال5؛ نحو: جاءوا معًا.
__________
1 لجمودها بملازمتها الظرفية ولتضمنها معنى حرف المصاحبة، وهي على اللغة حرف جر.
2 صدر بيت من الوافر، نسبه الشاطبي إلى الراعي النميري، ونسبه العيني إلى جرير، من كلمة يمدح فيها هشام بن عبد الملك بن مروان، وعجزه:
وإن كان زيارتكم لماما
اللغة والإعراب: الريش اللباس الفاخر، ومثله الرياش، أو المال والخصب ونحوهما. هواي، الهوى: الميل القلبي. لماما: أي في بعض الأحايين، وقتا بعد وقت.
"فريشي" مبتدأ مضاف لياء المتكلم. "منكم" متعلق بمحذوف خبر. "معكم" ظرف مكان مبني على السكون في محل نصب متعلق بمحذوف خبر هواي. "وإن كانت" شرط وفعله، "زيارتكم" اسم كان ومضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله أو مفعوله. "لماما" خبر كان، وجواب الشرط محذوف يدل عليه السياق.
المعنى: كل ما عندي من لباس فاخرا أو مال وعيش خصب هو منكم ومن فضلكم، وأنا محب لكم وقلبي متعلق بكم، وإن كانت زيارتكم لي قليلة لا تدل على موالاتكم لي، أو زيارتي لكم قليلة.
الشاهد: بناء "مع" على السكون على لغة ربيعة، والمشهور فتحها على أنه معربة، والفتحة للإعراب.
3 فتبنى على الكسر للتخلص من الساكنين، أو على الفتح للخفة.
4 معناها في هذه الحالة: الدلالة على مجرد اصطحاب اثنين أو أكثر واجتماعهما، ولا تدل على اتحاد في الزمان أو المكان إلا بقرينة، وتكون حينئذ معربة منصوبة منونة، ولا حظ لها في الإضافة.
5 وقد تعرب ظرفا مخبرا به عن المبتدأ؛ نحو: المجاهدان معا، وتستعمل للجمع مطلقا، كما(2/353)
ومنها "غير": وهو اسم دال على مخالفة ما قبله لحقيقة ما بعده1. وإذا وقع بعد "ليس" وعلم المضاف إليه2: جاز ذكره كقبضت عشرة ليس غيرها3، وجاز حذفه
__________
تستعمل للاثنين؛ تقول: المجاهدون معًا؛ أي مجتمعون وموجودن معا ... إلخ. واختلف النحاة في "مع" أهي ثنائية الوضع؟ أم ثلاثية حذفته لامها، وأصلها معي؟ وخير الآراء: أن الظرفية ثنائية الوضع معربة يحذف تنوينها عند الإضافة، وتقع حالا أو خبرا على حسب السياق، وهي متعلقة بمحذوف، أما المنونة التي تجردت عن الظرفية؛ فإن أعربت حالا كانت منصوبة بالفتحة الظاهرة إن اعتبرت ثنائية، أو بفتحة مقدرة على الألف المحذوفة -لالتقائها ساكنة مع التنوين- إن اعتبرت ثلاثية. وإن أعربت خبر؛ فلا بد من اعتبارها ثلاثية مرفوعة بضمة مقدرة على الألف المحذوفة لفظا لا خطا، أما من يعربها خبرا وهي ثنائية، فيحتم بناءها على الظرفية، وتعليقها بمحذوف هو الخبر، كما ذكرنا.
وفي "مع" يقول ابن مالك:
ومع "مع" فيها قليل ونقل ... فتح وكسر لسكون يتصل
أي أن لفظ "مع" فيها لغة قليلة هي: "مع" بسكون العين، ونقل عن العرب في هذه: الفتح والكسر، إذا جاء بعدها ساكن متصل بها لم ينفصل منها بفاصل.
1 أما في ذاته وحقيقته؛ كمررت بجرل غيرك. أو في وصف من الأوصاف العرضية التي تطرأ على الذات؛ نحو: خرج الطالب من الامتحان بوجه غير الذي دخل به، وهو اسم محض لا ظرفية فيه.
2 أي: بأن دل عليه دليل، ونوى نص لفظه لا معناه، ومصل "ليس"، "لا" النافية عند بعض النحاة.
3 برفع "غير" على أنها اسم "ليس" وخبرها محذوف، والتقدير ليس غيرها مقبوضا، وبنصها على أنها خبر "ليس" واسمها محذوف، والتقدير ليس المقبوض غيرها.
__________
* "ومع" معطوف على لدن "مع" قصد لفظه مبتدأ. "فيها" متعلق بقليل الواقع خبرا للمبتدأ. "فتح" نائب فاعل نقل. و"سر" معطوف على فتح. "لسكون" تنازعه كل من: فتح وكسر، فتعلق بالأخير، وأضمر في الأول ضميره، "يتصل" الجملة نعت لسكون.(2/354)
لفظا1 فيضم بغير تنوين2. ثم اختلف، فقال المبرد: ضمة بنا؛ لأنها كقبل في الإبهام، فهي اسم أو خبر3. وقال الأخفش: إعراب؛ لأنها اسم ككل وبعض لا ظرف كقبل وبعد، فهي اسم لا خبر. وجوزهما ابن خروف4. ويجوز الفتح قليلًا مع التنوين ودونه5، فهي خبر، والحركة إعراب باتفاق؛ كالضم مع التنوين6.
__________
1 أي إذا نوي معناه، بأي لفظ آخر يؤدي المعنى المقصود دون لفظه.
2 ويحذف التنوين لنية معنى المضاف إليه.
3 أي اسم لليس في محل رفع، أو خبر لها في محل نصب، والآخر محذوف، والتقدير كما سلف.
4 فعلى البناء هي اسم "ليس" أو خبرها، وعلى الإعراب هي اسم لا خبر.
5 أما مع التنوين فلقطعها عن الإضافة لفظا، ومعنى، وأما مع عدمه لفنية لفظ المضاف إليه.
6 وتكون "غير" اسم ليس: وإجمال القول: أن "غير" تعرب بالحركات كلها بدون تنوين على حسب الجملة قبلها؛ إذا أضيفت لفظا ومعنى، وكذلك الشأن إذا حذف المضاف إليه ونوي لفظه، وسبقتها "ليس" أو"لا" النافيتان. وإذا قطعت عن الإضافة نهائيا، ولم ينو لفظ المضاف ولا معناه، أعربت كذلك بالحركات كلها، ولكنها تكون منونة، أما إذا حذف المضاف إليه ونوي معناه دون لفظه، فتبنى على الضم من غير تنوين، وتبنى على الفتح إذا كان المضاف إليه المحذوف المنوي لفظه -مبنيا. وإذا لم تسبق "غير" "بليس" ولا "بلا" النافيتين، استعملت نعتا أو نصبت على الاستثناء، على حسب الحالة، وارتضى بعض النحاة: جواز إعراب "غير" وبنائها عند حذف المضاف إليه مطلقا؛ سواء نوى لفظه أم نوى معناه، وحسنه الكثيرون.
هذا: وإذا حلت "لا" النافية للجنس محل "ليس"، جاز في "غير"؛ البناء على الض في محل نصب على أنها اسم لا، والمضاف إليه محذوف منوي المعنى، وكذلك الخبر، ويجوز البناء على الفتح في محل نصب كذلك. وإذا كانت "لا" للوحدة بنيت "غير" على الضم في محل رفع على أنها اسم "لا"، والمضاف إليه محذوف منوي معناه، والخبر محذوف كذلك. ويجوز رفعها بتنوين وبغير تنوين، على حسب قطعها عن الإضافة أو نية لفظ المضاف إليه. وفي "غير" يقول الناظم:(2/355)
ومنها "قبل" و"بعد"1: ويجب إعرابها في ثلاث صور:
إحداها: أن يصرح بالمضاف إليه؛ كجئتك بعد الظهر وقبل العصر، ومن قبله ومن بعده2.
الثانية: أن يحذف المضاف إليه وينوى ثبوت لفظه، فيبقى الإعراب وترك التنوين كما لو ذكر المضاف إليه؛ كقوله:
ومن قبل نادى كل مولى قرابة3
__________
واضمم بناء "غيرا" ان عدمت ما ... له أضيف ناويًا ما عدما
أي اضمم لفظ "غير" ضمة بناء؛ إن عدمت؛ أي حذف ما أضيف له "غير" وقد نوى هذا المحذوف، واقتصر الناظم على هذا ولم يذكر باقي الحالات، وبعضه يعلم مما ذكره في نظائر "غير"، بعد.
1 هما: اسمان ظرفان؛ يدل أولهما على سبق شيء على آخر، وتقدمه عليه في الزمان أو المكان الحسي أو المعنوي، ويدل الثاني على تأخر شيء على آخر كذلك، وهم ملازمان للإضافة غالبا.
2 في المثال الأول، نصبا على الظرفية الزمانية، وفي الثاني جرا بمن؛ وتقول في المكان: دارنا قبل داركم، أو بعدها.
3 صدر بيت من الطويل، لم يعرف قائله، وعجزه:
فما عطفت مولى عليه العواطف
اللغة والإعراب: من قبل: أي من قبل ما حدث. مولى: للمولى معان كثيرة؛ منها: ابن العم، والسيد، والناصر، والقريب، والأول أو الأخير، هو المراد هنا. عطفت: أمالت
__________
* "بناء" مفعول مطلق على حذف مضاف؛ أي ضم بناء. "غيرا" مفعول اضمم. "إن" شرطية. "عدمت" فعل الشرط وفاعله. "ما" وهي اسم موصول مفعول. "له" متعلق بأضيف، ونائب فاعل أضيف يعود على غير، والجملة صلة ما، "ناويا" حال من فاعل اضمم المستتر. "ما" اسم موصول مفعول ناويا وفاعله مستتر. "عدما" ماض للمجهول ونائب الفاعل يعود إلى "ما" والجملة صلة ما.(2/356)
أي: ومن قبل ذلك. وقرى: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدِ} بالجر من غير تنوين؛ أي من قبل الغلب، ومن بعده.
الثالثة: أن يحذف، ولا ينوى شيء؛ فيبقى الإعراب1، ولكن يرجع التنوين؛ لزوال ما يعارضه في اللفظ والتقدير؛ كقراءة بعضهم: {مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} بالجر والتنوين وقوله:
فساغ لي الشراب وكنت قبلا2
__________
ورققت. العواطف: الصلات والروابط التي تستلزم العطف وميل بعض الناس لبعض؛ كالصداقة، والمروءة، والنجدة ونحوها، وهي جمع عاطفة. "من قبل" جار ومجرور متعلق بنادى، "كل مولى" فاعل نادى ومضاف إليه. "قرابة" مفعول نادى. "فما" الفاء عاطفة وما نافية. "مولى" الثاني مفعول عطفت. "عليه" متعلق به. "العواطف" فاعل. وذكر في العيني: أن "مولى" بدل من الضمير في عليه وقدم للضرورة.
المعنى: يقول الشاعر في وصف شدة نزلت به: إنه قبل وقوع هذه الكارثة، نادى كل قريب من أقربائه، ومن بينه وبينهم صلات مودة وعطف؛ ليساعدوه ويأخذوا يناصره، أما هو فما أجابه أحد، ولا عطف عليه قريب أو صديق.
الشاهد: جر "قبل" بدون تنوين، لحذف المضاف إليه ونية لفظه.
1 أي بالنصب على الظرفية أو بالجر بمن إن وجدت. ويكون معنى "قبل" و "بعد" في هذه الحالة، القبلية المطلقة والبعدية المطلقة، من غير تقييد بشيء ما؛ أي أن معناهما هو المعنى الاشتقاقي العام.
2 صدر بيتا من الوافر، ليزيد بن الصعق على الصحيح، ونسبه العيني لعبد الله بن يعرب، وكان له ثأر أدركه، وعجزه:
أكاد أغص بالماء الحميم
اللغة والإعراب: ساغ: سهل وحلا. أغص: أشرق -بفتح الهمزة والغين- مضارع غص من باب فرح وروي أغص بضم الهمزة وفتح الغين، مبنيا للمفعول. الحميم: هو الماء الحار، والمراد هنا: الماء البارد الذي تشتهيه النفس، كما جاء في اللسان عن ابن الأعرابي، هو من أسماء الأضداد، وروي بالماء الفرات؛ وهو الماء العذب، والرواية الأولى(2/357)
ومعرفتان في الوجهين قبله:
فإن نوي معنى المضاف إليه دون لفظه1 بنيا على الضم2؛ نحو: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} في قراءة الجماعة.
ومنها "أول"3 و"دون"4، وأسماء الجهات: كيمين، وشمال، ووراء، وأمام، وفوق
__________
1 المراد بنية المعنى: أن يلاحظ المعنى من غير نظر إلى عبارة مخصوصة، أو لفظ معين يدل عليه؛ بل يقصد المسمى معبرا عنه بأي لفظ كان. أما نية اللفظ، فيلاحظ لفظ المضاف إليه المعروف من المقام.
2 أي في محل نصب على الظرفية، أو في محل جر؛ إن سبقا بمن، وإنما لم تقتض الإضافة بنية المعنى، الإعراب؛ لضعفها بخلافها مع نية اللفظ، ففيها قوة، وهنالك حالة أخرى يبنيان فيها على الفتح جوازا؛ وهي: إذا أضيفا إلى مبني، وكذلك الشأن في جميع الأسماء المبهمة، وأسماء الزمان المبهمة.
3 أصله "أو أل"؛ بدليل جمعه على أوائل، قلبت الهمزة الثانية واوًا وأدغمتا، وله استعمالات منها: أن يستعمل اسما لا ظرفية فيه، ومعناه: مبتدأ الشيء المقابل لآخره، نحو: أول الغيث قطر؛ أي بدايته، وهذا الشيء ليس له أول ولا آخر، أو وصفا بمعنى "سابق" اسم فاعل؛ أي متقدم؛ نحو: ذهبت إلى الحجاز عاما أولًا؛ أي عاما سابقا، وهو في هاتين الحالتين معرب منصرف.
وقد يستعمل اسما مؤولا بالمشتق بمعنى أسبق -أي متقدم- فيمنع من الصرف؛ للوصفية ووزن الفعل، وتدخل عليه "من" الجارة للمفصل عليه؛ تقول: محمد في العلم أول من علي؛ أي أسبق منه، وينصب على الحال أو غيره. وهل هو أفعل تفصيل لا فعل له من لفظه؟ أو جار مجراه؟؛ خلاف ويستعمل "أول" ظرفا للزمان بمعنى "قبل"؛ نحو: رأيت الهلال أول الناس؛ أي قبلهم؟ وفي هذا الاستعمال تجري عليه الأحكام التي جرت على "غير" و"قبل وبعد"؛ فيعرب إذا أضيف لفظا ومعنى، أو حذف المضاف إليه، ونوى معناه؛ نحو: أسرعت للمستغيث أول.
4 "دون" ظرف مكان ملازم للإضافة في أغلب الأحوال، وهو في الأصل اسم للمكان الأدنى -أي الأقرب- إلى مكان المضاف إليه؛ تقول: جلست دون المنبر؛ أي قريبا من(2/358)
ومعرفتان في الوجهين قبله:
فإن نوي معنى المضاف إليه دون لفظه1 بنيا على الضم2؛ نحو: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} في قراءة الجماعة.
ومنها "أول"3 و"دون"4، وأسماء الجهات: كيمين، وشمال، ووراء، وأمام، وفوق
__________
1 المراد بنية المعنى: أن يلاحظ المعنى من غير نظر إلى عبارة مخصوصة، أو لفظ معين يدل عليه؛ بل يقصد المسمى معبرا عنه بأي لفظ كان. أما نية اللفظ، فيلاحظ لفظ المضاف إليه المعروف من المقام.
2 أي في محل نصب على الظرفية، أو في محل جر؛ إن سبقا بمن، وإنما لم تقتض الإضافة بنية المعنى، الإعراب؛ لضعفها بخلافها مع نية اللفظ، ففيها قوة، وهنالك حالة أخرى يبنيان فيها على الفتح جوازا؛ وهي: إذا أضيفا إلى مبني، وكذلك الشأن في جميع الأسماء المبهمة، وأسماء الزمان المبهمة.
3 أصله "أو أل"؛ بدليل جمعه على أوائل، قلبت الهمزة الثانية واوًا وأدغمتا، وله استعمالات منها: أن يستعمل اسما لا ظرفية فيه، ومعناه: مبتدأ الشيء المقابل لآخره، نحو: أول الغيث قطر؛ أي بدايته، وهذا الشيء ليس له أول ولا آخر، أو وصفا بمعنى "سابق" اسم فاعل؛ أي متقدم؛ نحو: ذهبت إلى الحجاز عاما أولًا؛ أي عاما سابقا، وهو في هاتين الحالتين معرب منصرف.
وقد يستعمل اسما مؤولا بالمشتق بمعنى أسبق -أي متقدم- فيمنع من الصرف؛ للوصفية ووزن الفعل، وتدخل عليه "من" الجارة للمفصل عليه؛ تقول: محمد في العلم أول من علي؛ أي أسبق منه، وينصب على الحال أو غيره. وهل هو أفعل تفصيل لا فعل له من لفظه؟ أو جار مجراه؟؛ خلاف ويستعمل "أول" ظرفا للزمان بمعنى "قبل"؛ نحو: رأيت الهلال أول الناس؛ أي قبلهم؟ وفي هذا الاستعمال تجري عليه الأحكام التي جرت على "غير" و"قبل وبعد"؛ فيعرب إذا أضيف لفظا ومعنى، أو حذف المضاف إليه، ونوى معناه؛ نحو: أسرعت للمستغيث أول.
4 "دون" ظرف مكان ملازم للإضافة في أغلب الأحوال، وهو في الأصل اسم للمكان الأدنى -أي الأقرب- إلى مكان المضاف إليه؛ تقول: جلست دون المنبر؛ أي قريبا من(2/359)
وتحت1، وهي على التفصيل المذكور في "قبل وبعد"؛ تقول: جاء القوم وأخوك خلف، أو أمام2؛ تريد خلفهم أو أمامهم، قال:
لعنا يشن عليه من قدام3
وقال:
على أينا تعدو المنية أول4
__________
1 يمين وشمال: كثير التصرف، وفوق وتحت: يتصرفان أحيانا إذا اتجردا عن الظرفية، وباقي الظروف متوسطة التصرف، والظرف بنوعيه -المتصرف وغير المتصرف- حين يكون ظرفا معربا؛ ينصب على الظرفية أو يجر بمن، وحين يكون مبنيا على الضم، يكون في محل نصب أو في محل جر بمن، إن وجدت قبله، وإذا جرد من الظرفية لا ينصب على الظرفية، بل يعرب على حسب الجملة؛ كما سيأتي مفصلًا.
2 أي: بالبناء على الضم؛ لحذف المضاف إليه، ونية معناه.
3 عجز بيت من الكامل؛ لأحد شعراء بني تميم، لم يعين اسمه، وصدره:
لعن الإله تعلة بن مسافر
اللغة والإعراب: لعن؛ اللعن: الطرد والإبعاد. تعلة: اسم رجل. يشن: يصب؛ من شن الماء يشنه، إذا صبه متفرقا. من قدام: من أمامه. "تعلة" مفعول لعن. "ابن مسافر" صفة لتعلة ومضاف إليه. "لعنا" مصدر، "يشن" مضارع للمجهول، ونائب الفاعل يعود على لعنا، والجملة صفة للعنا، "من" جارة، "قدام" مبني على الضم في محل
جر بمن.
المعنى: واضح.
الشاهد: بناء "قدام" على الضم؛ لحذف المضاف إليه، ونية معناه.
4 عجز بيت من الطويل، لمعن بن أوس، وهو من قصيدة مشهورة، يستعطف بها صديقا له.
وصدره:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل(2/360)
وحكى أبو علي: ابدأ بذا من أول؛ بالضم على نية معنى المضاف إليه1؛ وبالخفض على نية لفظه، وبالفتح على نية تركهما، ومنعه من الصرف؛ للوزن والوصف2.
ومنها "حسب"3؛ ولها استعمالان:
__________
اللغة والإعراب: أوجل: من الوجل؛ وهو الحذف، وهذا يحتمل أن يكون وصفا أو فعلا مضارعا مبدوءا بهمزة المتكلم، تعدو: تسطو؛ من عدا عليه، اجترأ وسطا وروي تغدو؛ أي تصبح؛ من غدا فلان، إذا جاء غدوة، المنية: الموت. "لعمرك" سبق إعرابه مرات، "ما أدري" ما: نافية، أدري: مضارع، والفاعل أنا، والجملة جواب القسم "وإني لأوجل" الواو للحال، وإن اسمها واللام للابتداء و"أوجل" خبر إن، والجملة من إن ومعموليها في محل نصب حال. "على أينا" جار ومجرور، ومضاف إليه، ومتعلق بتعدو.
"المنية" فاعل تعدو. "أول" ظرف زمان متعلق بتعدو، مبني على الضم في محل نصب، والجملة سدت مسد مفعولي "أدري" المعلق عن العمل بالاستفهام.
المعنى: أقسم بحياتك؛ لست أدري ولا أعلم، وإني لخائف، على أينا ينقض الموت أول ويموت قبل صاحبه؛ فلا تقطع حبل المودة والصلة، فالموت آت لا بد منه.
الشاهد: بناء "أول" على الضم؛ لحذف المضاف إليه، ونية معناه؛ والمراد أول الوقتين؛ لأن لكل وقتا يموت فيه، أحدهما يقدر أسبق من الآخر.
1 أي من أول الأمر.
2 لأنه اسم تفضيل بمعنى الأسبق؛ أي المتقدم. ويستفاد من حكاية أبي علي الفارسي: أن "أول" له استعمالان؛ أحدهما: أن يكون اسما؛ كقبل، والثاني: أن يكون صفة؛ كالأسبق. وقد تقدم ما فيه.
تنبيه: إذا قلت: سافر محمد منذ عام أول، جاز أن تعرب "عام" خبرا مرفوعا عن "منذ" و"أول" بالرفع صفة لها، ويكون المعنى: سافر منذ عام سابق على عامنا الحالي. وجاز في "أول": النصب على أنه ظرف زمان بمعنى قبل؛ ويكون المعنى: منذ عام قبل العام الحالي.
3 هي اسم لا يدل على ظرفية زمانية، ولا مكانية، وذكرت هنا مع ظروف الغايات؛ لأنها تشبهها في الغاية، والدلالة على النهاية.(2/361)
أحدهما: أن تكون بمعنى "كاف"1؛ فتستعمل استعمال الصفات2: فتكون نعتا لنكرة؛ كمررت برجل حسبك من رجل؛ أي: كاف لك عن غيره، وحالًا لمعرفة؛ كهذا عبد الله حسبك من رجل. واستعمال الأسماء3؛ نحو: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ} ؛ {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} 4 بحسبك درهم5. وبهذا يرد على من زعم أنها اسم فعل6؛ فإن العوامل اللفظية لا تدخل على أسماء الأفعال باتفاق7.
والثاني: أن تكون بمنزلة "لا غير" في المعنى8؛ فتستعمل مفردة9، وهذه هي
__________
1 أي اسم فاعل عامل من كفى؛ وهي في هذا الاستعمال جامدة، مؤولة بالمشتق، مفردة، معربة، مضافة لفظا، نكرة لا تتعرف بالإضافة للمعرفة؛ نظرا للفظها.
2 أي المشتقة؛ وذلك من افتقارها إلى موصوف تجري عليه، وهذا الاستعمال مراعى فيه معنى "حسب".
3 أي الجامدة، وذلك من مباشرة العوامل اللفظية، والمعنوية، من غير اعتبار موصوف، وهذا الاستعمال مراعى فيه لفظها؛ فتقع مبتدأ أو خبر، أو اسم ناسخ، أو مجرورة بحرف جر زائد؛ والأرجح أن "حسب" لا تقع في موقع إعرابي غير ما ذكرنا.
4 "حسبهم" مبتدأ ومضاف إليه. "جهنم" خبر، ويجوز العكس. و"حسبك" اسم إن ومضاف إليه. "الله" خبرها. ومثال وقوع "حسب" خبرا؛ قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} .
5 "بحسبك" الباء حرف جر زائد، و"حسبك" مبتدأ، ومضاف إليه. "درهم" خبر، ولا يسوغ العكس.
والخلاصة: أن "حسب" إذا أضيفته لفظا ومعنى؛ جاز وقوعا مبتدأ، وخبرا، واسما للناسخ، ومجرورة بحرف زائد، مراعاة للفظها، وتقع نعتا للنكرة، وحالا من المعرفة، بالنظر لمعناها؛ وهو اسم الفاعل النكرة؛ بمعنى كاف.
6 أي بمعنى يكفي.
7 وكذلك العوامل المعنوية؛ كالابتداء على الأرجح.
8 فتفيد النفي زيادة على معناها الأصلي.
9 أي مقطوعة عن الإضافة لفظا، وإن نوي معنى المضاف إليه المحذوف وفي هذا(2/362)
حسب المتقدمة. ولكنها عند قطعها عن الإضافة تجدد لها إشرابها هذا المعنى، وملازمتها للوصفية، أو الحالية، أو الابتدائية، وبناؤها على الضم1؛ تقول: رأيت رجلا حسب، ورأيت زيدًا حسب2.
قال الجوهري: كأنك قلت: حسبي، أو حسبك، فأضمرت ذلك3 ولم تنون، انتهى. وتقول: قبضت عشرة فحسب؛ أي: فحسبي ذلك.
واقتضى كلام ابن مالك أنها تعرب نصبا إذا نكرت، كقبل وبعد4 قال أبو حيان5:
__________
الاستعمال تبنى "حسب" على الضم، وتقع صفة للنكرة، أو حالا من المعرفة، أو مبتدأ؛ بشرط اقترانها بالفاء الزائدة؛ لتزيين اللفظ؛ تقول: إن لكل قرية جمعية تعاونية حسب؛ فحسب صفة لجمعية، مبني على الضم، في محل نصب، وتقول: انصرف المنافقون حسب؛ أي لا غير؛ فحسب حالن مبني على الضمن في محل نصب، وتقول: قرأت ثلاثة أجزاء من القرآن فحسب؛ فالفاء زائدة، وحسب مبتدأ، مبني على الضم، في محل رفع، والخبر محذوف؛ أي فحسب الثلاثة مقروء، ويجوز العكس في هذا؛ بشرط حذف الفاء، فيكون المبتدأ هو المحذوف؛ تقول: القروء حسب؛ أي كافيني مثلا.
1 أي لقطعها عن الإضافة لفظا، وقد كانت في الاستعمال الأول معربة بحسب العوامل.
2 "حسب" حال من زيد، مبني على الضم، في محل نصب. وفيما قبله وصف لرجل كذلك، وقد حذف المضاف إليه، ونوى معناه.
3 أي حذفت المضاف إليه منهما، وأضمرته في نفسك، ولم تنون؛ لأنك نويت معناه، فبنيت على الضم، كقبل وبعد.
4 هذا إذا قطعت عن الإضافة، قال الناظم:
وأعربوا نصبا إذا ما نكرا ... "قبلا" وما من بعده قد ذكرا
5 هو محمد بن يوسف بن علي، الإمام "أثير الدين" أبو حيان الأندلسي الغرناطي، نحوي عصره، ولغويه، ومفسره، ومحدثه، ومقرئه، ومؤرخه، وأديبه، أخذ العربية عن أبي الحسن الآبدي، وأبي جعفر بن الزبير، وابن الضايع، وغيرهم، وأخذ القراءات عن أبي جعفر بن الطباع، وسمع الحديث بالأندلس وأفريقية والأسكندرية ومصر والحجاز، من نحو 450 شيخا، واشتهر اسمه وذاع صيته، وأخذ عنه أكابر عصره؛ ومنهم: ابن عقل، وابن قاسم.(2/363)
"ولا وجه لنصبها؛ لأنها غير ظرف، إلا إن نقل عنهم نصبها حالًا إذا كانت نكرة، انتهى.
فإن أراد1 بكونها نكرة قطعها عن الإضافة اقتضى أن استعمالها حينئذ منصوبة شائع، وأنها كانت مع الإضافة معرفة، وكلاهما ممنوع2. وإن أراد تنكيرها مع الإضافة فلا وجه لاشتراطه التنكير حينئذ؛ لأنها لم ترد إلا كذلك3. وأيضًا فلا وجه لتوقفه في
__________
وكان -رحمه الله- ثبتا عارفا باللغة، أما النحو والتصريف؛ فكان لا يجاري فيهما، ولم يدركه أحد في أقطار الأرض في زمانه. وكان لا يقرئ أحدا إلا في كتاب سيبويه، أو التسهيل، أو مصنفاته وكان يميل إلى مذهب أهل الظاهر، ويعظم ابن تيمية، ثم تركه حين طعن في كتاب سيبويه، ونسب إليه الخطأ في بعض المواضع، وهو الذي وجه الناس على مصنفات ابن مالك، ورغبهم فيها، وشرح فهم غامضها، وكان فصيح العبارة، يقبل على الأذكياء من الطلاب ويعظمهم، وله مصنفات كثيرة؛ منها -في النحو-: "التذييل والتكميل في شرح التسهيل"، و"الارتشاف" مختصره. قيل: لم يؤلف في العربية أعظم، ولا أجمع، ولا أحصى للخلاف منهما، وله كذلك: "التذكرة في العربية". و"المبدع في التصريف"، و"غاية الإحسان في النحو"، و"شرح الشذا في مسألة كذا"، ومن شعره.
عداي لهم فضل علي ومنة ... فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا
هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها ... وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
وتوفي سنة 745هـ. وقد رثاه الشعراء، ومن رثاء الإمام الصفدي له، قوله:
مات أثير الدين شيخ الورى ... فاستعر البارق واستعبرا
مات إمام كان في علمه ... يرى إمامًا والورى من ورا
والنحو قد سار الردى نحوه ... والصرف للتصريف قد غيرا
وكان ثبتا نقله حجة ... مثل ضياء الصبح إن أسفرا
1 أي أبو حيان، وهذا تحليل ومناقشة الموضح لقول ابن حيان المذكور.
2 أما الأول؛ فلأنها إذا قطعت عن الإضافة، وجب بناؤها على الضم، وأما الثاني؛ فلأنها نكرة دائما أضيفت أو لم تضف.
3 أي إلا نكرة؛ لأن إضافتها لا تفيد التعريف، وإنما هي في تقدير الانفصال، كما يقول ابن(2/364)
تجويز انتصابها على الحال1 فإنه مشهور؛ حتى أنه مذكور في كتاب الصحاح2؛ قال: "تقول هذا رجل حسبك من رجل، وتقول في المعرفة هذا عبد الله حسبك من رجل، فتنصب حسبك على الحال"3، انتهى. وأيضا فلا وجه للاعتذار عن ابن مالك بذلك4؛ لأن مراده5 التنكير الذي ذكره في "قبل وبعد"؛ وهو: أن تقطع عن الإضافة لفظا وتقديرًا6.
وأما "عل"7: فإنها توافق "فوق" في معناها8، وفي بنائها على الضم إذا كانت معرفة9؛ كقوله:
__________
1 أي لا وجه لتوقف أبي حيان في نصبها، حينئذ كانت مضافة.
2 هو للجوهري، وهو مشهور متداول بين الدارسين، والمدرسين؛ لسهولته.
3 فحسبك في الأول وقعت بعد نكرة مرفوعة؛ فرفعت على أنها نعت لها. وفي الثاني وقعت بعد معرفة؛ فنصبته على أنها حال منها، وهي في الموضعين نكرة؛ لأن إضافتها لا تفيد التعريف؛ كما تقدم.
4 أي بنصبها على الحال، وهذا إذا تنزلنا وقلنا إن لها حالة تعريف، وحالة تنكير.
5 أي مراد ابن مالك في قوله: وأعربوا نصبا إذا نكرا.
6 أي وتنصب على الظرفية، وليس المراد مطلق التنكير، كما توهمه ابن حيان. وما ذكره الموضح -دفاعا عن ابن مالك- لا يمنع النقد، فالصواب أن يحمل قول الناظم:
وما من بعده قد ذكرا
على المجوع، لا على كل فرد؛ حتى لا يرد عليه "حسب"، و"عل"؛ كما سيأتي.
7 هي ظرف مكان يفيد الدلالة على العلو؛ أي على أن شيئا أعلى من آخر.
8 أي: وهو الدلالة على العلو.
9 وذلك إذا أريد بها علو خاص معين، ويشترط مع ذلك في بنائها على الضم: أن يحذف المضاف إليه، وينوي معناه.(2/365)
وأتيت نحو بني كليب من عل1
أي: من فوقهم، وفي إعرابها إذا كانت نكرة؛ كقوله:
كجلمود صخر حطه السيل من عل2
__________
1 عجز بيت من الكامل للفرزدق، من قصيدة يهجو فيها جريرا الشاعر المشهور، وصدره:
ولقد سددت عليك كل ثنية
اللغة والإعراب: ثنية: هي العقبة، أو الجبل، أو الطريق إليهما، والجمع: ثنايا، بني كليب: رهط جرير. "لقد" اللام موطئة للقسم، وقد للتحقيق، "كل" مفعول سددت.
"نحو" ظرف مكان منصوب بأتى, "بني كليب" مضاف إليه. "من جارة. "عل" مبني على الضم، في محل جر بمن.
المعنى: سددت عليك يا جرير كل طريق، ومنحى تسلكه للمفاخرة، وأتيتكم من أعلى، فألحقت بأصولكم وبكم عارا، لا يستطيعون دفعه، والخلاص منه.
الشاهد: بناء "عل" على الضم لكونه معرفة؛ وقد حذف المضاف إليه، وهو ينوي معناه؛ والتقدير: من علهم؛ أي من فوقهم.
2 عجز بيت من الطويل، لام مرئ القيس الكندي، من معلقته المشهورة، يصف فرسا، وصدره:
مكر مفر مقبل مدبر معًا
اللغة والإعراب: مكر: عظيم الكر والهجوم، لا يسبقه غيره. مفر: سريع الفرار من الأعداء، كجلمود؛ الجلمود: الصخرة العظيمة، الصلبة حطه السيل: حدره وألقاه من أعلى إلى أسفل. من عل: من فوق "مكر" هو وما بعده صفة لمنجرد في قوله قبل:
وقد أغتدي والطير في وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل
أغتدي: أخرج وقت الغداة. وكناتها: جمع وكنة؛ وهي عش الطائر. بمنجرد: أي فرس قصير الشعر. الأوابد: الوحوش، والمفرد أبد، "معا" حال بمعنى جميعا، أو ظرف متعلق بمقبل ومدبر، "كجلمود" خبر لمبتدأ محذوف. "صخر" مضاف إليه؛ من إضافة الخاص للعام. "عل" مجرور بمن؛ وحذف التنوين للشعر.
المعنى: يصف فرسه بسرعة الكر على الأعداء وشدته، والفرار عند النجاة، ويقول: إنه(2/366)
أي: من شيء عال.
وتخالفها في أمرين: أنها لا تستعمل إلا مجرورة بمن1، وأنها لا تستعمل مضافة2؛ كذا قال جماعة؛ منهم ابن أبي الربيع3، وهو الحق، وظاهر ذكر ابن مالك لها في عداد هذه الألفاظ أنها يجوز إضافتها، وقد صرح الجوهري4 بذلك؛ فقال: يقال أتيته من عل الدار -بكسر اللام؛ أي من عال"5.
ومقتضى قوله:
وأعربوا نصبا إذا ما نكرا ... قبلا وما من بعده قد ذكرا
__________
من السرعة؛ كأنه يقبل ويدبر في وقت واحد، وهو في ذلك؛ كصخر حدره السيل من مكان عال، لا يقف في طريقه شيء.
الشاهد: إعراب "عل" وجره بمن، وقطعه عن الإضافة؛ لأنه لم ينو لفظ المضاف إليه، ولا معناه؛ إذ لم يرد الشاعر أن الصخر ينحط من أعلى شيء خاص، وكان حقه التنوين؛ لأنه نكرة، ولكنه حذف للشعر.
1 سواء كانت معربة، أم مبنية.
2 أي لفظا في أفصح الأساليب، وأكثرها شيوعا؛ بل تستعمل مبنية على الضم؛ لنية معنى المضاف إليه، أو منونة؛ لقطعها عن الإضافة رأسا، بخلاف "فوق"؛ فإنها تستعمل كثيرا مضافة، وغير مضافة، مجرورة بمن، وغير مجرورة بها.
3 هو عبيد الله بن أحمد، الإمام أبو الحسين بن أبي الربيع القرشي الأموي الأشبيلي، إمام أهل النحو في زمانه، قرأه على الدباج والشلوبين، وتصدر للإقراء؛ ليحصل على عيشه.
ولما استولى الفرنجة على أشبيلية جاء إلى سبتة، وأقرأ بها النحو دهره، وعنه أخذ محمد الإشبيلي والغافقي، وصنف "الإفصاح في شرح مسائل الإيضاح"، كما شرح سيبويه، وشرح "الجمل" شرحا وافيا في عشر مجلدات، لم يشذ عنه مسألة في العربية، وتوفي سنة 688هـ. وخلفه في حلقته تلميذه؛ أبو إسحاق الغافقي.
4 هو الإمام اللغوي؛ إسماعيل بن حماد، صاحب الصحاح انظر 264 جزء أول.
5 هذا رأي لا يرتضيه الجمهور؛ لأنه لم يرد في الفصيح ما يؤيده.(2/367)
أنها يجوز انتصابها على الظرفية أو غيرها، وما أظن شيئًا من الأمرين1، موجودًا وإنما بسطت القول قليلًا في شرح هاتين الكلمتين؛ لأني لم أر أحدًا وفاهما حقهما في الشرح، وفيما ذكرته كفاية، والحمد لله.
فصل: يجوز أن يحذف ما علم من مضاف ومضاف إليه2. فإن كان المحذوف المضاف؛ فالغالب أن يخلفه في إعرابه3 المضاف إليه4؛ نحو: {وَجَاءَ رَبُّكَ}
__________
1 أي: جواز إضافتها، وجواز نصبها على الظرفية، أو غيرها؛ كالحالية. أما قول الجوهري: يقال: "أتيته من عل الدار" بالإضافة، فهو سهو؛ كما في الشذور.
وفي حكم "قبل" و"بعد"، وما بعدهما من نظائر "غير"، يقول الناظم:
قبل كغير بعد حسب أول ... ودون والجهات أيضا وعل
وأعربوا نصبا إذا نكرا ... "قبلا" وما من بعده قد ذكرا
أي أن "قبل" تشبه "غير" في الحكم الذي سبق؛ وهو البناء؛ إذا حذف المضاف إليه، ونوى معناه. وكذلك: بعد، وحسب، وأول، ودون، والجهات. وعل، كغير ثم ذكر أن النحاة أعربوا لفظ "قبل"، وبقية الأسماء التي بعده، بالنصب مع التنكير، وهذا الحكم لا ينطبق على بعض الأسماء مثل: حسب، عل، وقد ترك بعض الأحكام التي ذكرت، وقد بسطنا القول فيها.
2 أي إذا دلت قرينة على لفظه، أو على آخر بمعناه؛ بحيث لا يؤدي حذفه إلى لبس، أو تغيير في المعنى.
3 فيكون فاعلا في مكانه، ومفعولا، ومبتدأ، وخبرا، وطرفا، وحالا ... إلخ، وكذلك في باقي أحكامه؛ كالتذكير، والتأنيث، والإفراد والتنكير، وغير ذلك.
4 أي: بشرط أن يكون صالحا ليحل محل المضاف المحذوف في إعرابه؛ فلا يصح حذف
__________
* "قبل" مبتدأ. "كغير" متعلق بمحذوف خبر. "بعد، حسب، أول، ودون، والجهات" معطوفات على قبل؛ بعاطف مقدر في بعضها. "أيضا" مفعول مطلق لمحذوف. "وعل" معطوف على قبل. "نصبا" حال من ضمير أعربوا؛ أي ناصبين, "وإذا" ظرف فيه معنى الشرط. "ما" زائدة. "نكرا" ماض مبني للمجهول فعل الشرط، والألف للإطلاق، ونائب الفاعل يعود على قبلا الواقع مفعولا لأعربوا، والإضمار قبل الذكر جائز في الشعر، وجواب الشرط محذوف للعلم به، "وما" موصولة معطوفة على قبلا، "من بعده" متعلق بذكرا، الواقع صلة(2/368)
أي: أمر ربك، ونحو: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} ؛ أي: أهل القرية1.
وقد يبقي على جره. وشرط ذلك في الغالب: أن يكون المحذوف معطوفا على مضاف بمعناه2؛ كقولهم: ما مثل عبد الله؛ ولا أخيه يقولان ذلك3؛ أي ولا مثل أخيه؛ بدليل قولهم "يقولان" بالتثنية4 وقوله:
أكل امرئ تحسبين امرأ ... ونار توقد بالليل نارا5
__________
المضاف إذا كان المضاف إليه جملة؛ لأنها لا تصلح فاعلا ولا مفعولا ولا مبتدأ ... إلخ.
أو كان محلى بأل والمضاف منادى، فلا يصح أن تقول: يا الشاعر، تريد، يا مثل الشاعر.
1 الأول مثال للفاعل، والثاني للمفعول، فلما حذف المضاف وهو: "أمر - وأهل"- أعرب المضاف إليه وهو "رب" و"القرية"، بإعرابه، ومثال المبتدأ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} ، أي زمن الحج، ومثال الخبر قولهم في وصف الدنيا: فإنما هي إقبال وإدبار؛ أي ذات إقبال.
ومثال الظرف: وصلنا إلى المنزل غروب الشمس؛ أي وقت الغروب، ومثال الحال: تفرق القوم أيادي سبأ -أي مثل أيادي سبأ ... إلخ.
2 أي يماثله لفظا ومعنى، أو معنى فقط، أو يقابله، بأن يكون ضده أو نقيضه، ليكون المعطوف عليه دليلا على المحذوف، ويشترط كذلك: أن يكون حرف العطف متصلا بالمضاف إليه، أو منفصلا منه "بلا" النافية.
3 فـ "أخيه" مجرور بإضافة "مثل" المحذوفة إليه، وهي معطوفة على "مثل" المذكورة.
4 أي نظرا إلى المذكور والمحذوف، ولو كان "أخيه" معطوفا على "عبد الله"، لكان العامل فيهما واحدا وهو "مثل"، وكان يجب أن يقال: يقول، بالإفراد؛ لأنه خبر لاسم "ما"، وهو مفرد.
5 بيت من المتقارب، لحارثة بن الحجاج، المكنى يأبي دؤاد الإيادي.
اللغة والإعراب: تحسبين: تظنين، توقد: تتوقد وتشتعل "أكل" الهمزة للاستفهام الإنكاري "وكل" مفعول أول لتحسبين مقدم. "امرئ" مضاف إليه. "امرأ" مفعول ثان. "ونار" الواو عاطفة، و"نارا" مجرورة بتقدير مضاف معطوف على كل. "امرئ" أو بإضافة مفعول أول محذوف لتحسبين محذوفة؛ أي: وتحسبين كل نار. "توقد بالليل" الجملة في محل جر صفة لنار. "نارا" مفعول ثان لتحسبين المقدرة.(2/369)
أي وكل نار؛ لئلا يلزم العطف على معمولي عاملين1.
ومن غير الغالب قراءة ابن جماز2: {وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} ؛ أي عمل الآخرة؛ فإن المضاف ليس معطوفا؛ بل المعطوف جملة فيها المضاف.
__________
المعنى: أتظنين كل شخص جديرا بأن يسمى رجلا؟ وكل نار تشتعل تسمى نارا؟ إنما الخليق باسم الرجل هو: من اكتملت فيه صفات الرجولة الكريمة، والجديرة باسم النار هي: التي توقد للخير والقرى.
الشاهد: إبقاء جر "نار" على أنه مضاف إليه "لكل" محذوفة، معطوفة بالواو على كل المذكورة.
1 أي: إنما جعل المعطوف محذوفا، ولم يعطف "نارا" الأولى على امرئ المعمول لكل، و"نار" الثانية على امرأ المعمول لتحسبن؛ لئلا يلزم عطف معمولين، وهما "نار" المجرورة والمنصوبة على معمولين، وهما: امرء وامرأ، لعاملين مختلفين وهما "كل" و"تحسبين"، بعاطف واحد وهو الواو، وذلك ممنوع على الراجح عند النحاة؛ لأن العاطف نائب عن العامل، والعامل واحد لا يعمل جرا ونصبا، ولا يقوى أن ينوب عن عاملين، أما على حذف "كل" فيكون العطف على معمولي عامل واحد، وهو تحسبين، وذلك جائز.
2 هو أبو الربيع؛ سليمان بن مسلم بن جماز الزهري المدني، كان مقرئا جليلا وضابطا محسنا، من أفاضل رواة أبي جعفر أحد القراء العشرة المشهورين، توفي سنة 170هـ.
وفي حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، يقول الناظم:
وما يلي المضاف يأتي خلفا ... عنه في الإعراب إذا ما حذفا
وربما جروا الذي أبقوا كما ... قد كان قبل حذف ما تقدما
لكن بشرط أن يكون ما حذف ... مماثلًا لما عليه قد عطف
__________
* "وما" اسم موصول مبتدأ. "يلي المضاف" الجملة صلة. "يأتي" الجملة خبر المبتدأ. "خلفا" حال من ضمير يأتي العائد إلى ما "عنه" متعلق بخلفا، والضمير عائد إلى المضاف. "في الإعراب" متعلق بيأتي. "إذا" ظرف فيه معنى الشرط "ما" زائدة "حذفا" فعل الشرط ونائب فاعله عائد إلى المضاف، والألف للإطلاق، وجواب الشرط محذوف، "وربما" رب: حرف جر للتقليل، وما: كافية "الذي" مفعول جروا، "أبقوا" فعل وفاعل والجملة صلة. "كما" ما: موصولة، والجار والمجرور صفة لموصوف لحذوف؛ أي كالجر الذي "قد كان".(2/370)
وإن كان المحذوف المضاف إليه فهو على ثلاثة أقسام؛ لأنه تارة يزول من المضاف ما يستحقه من إعراب وتنوين، ويبنى على الضم؛ نحو: ليس غير، ونحو: {مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} كما مر1.
__________
أي ما يأتي بعد المضاف -وهو المضاف إليه- يكون خلفا عنه في الإعراب عند حذفه؛ فيعرب بإعرابه، وقد يجر العرب الذي أبقوه بعد حذف المضاف -وهو المضاف إليه- ويتركونه على حاله كما كان قبل حذف المتقدم وهو المضاف، لكن بشرط أن يكون المضاف المحذوف مماثلا لما عطف عليه في لفظه ومعناه؛ ليكون المعطوف عليه دليلا على المحذوف.
هذا: وقد يحذف أكثر من مضاف، فيقوم الأخير مقام الأول. فمثال حذف مضافين قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} ، فإن الأصل: وتجعلون بدل شكر رزقكم تكذيبكم، فحذف: "بدل، شكر" وكلاهما مضاف. وقام "رزق" مقام الأول.
ومثل حذف ثلاثة قول تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} أصل: فكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- من جبريل قدر مسافة قرب قاب قوسين، فحل المضاف غليه الأخير "وهو: قاب"، محل الأول، "وهو: قدر" وإذا حذف المضاف، بعد استيفاء شروط حذفه، جاز عدم الالتفات إليه عند عود الضمائر ونحوها، مما يقتضي المطابقة؛ كالتعريف. والتنكير والإفراد وغير ذلك، وجاز مراعاته كأنه موجود، وقد اجتمع الأمران في قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} .
الأصل: وكم من أهل قرية، فرجع الضمير "ها" مؤنثا إلى القرية، ورجع الضمير "هم" مذكرا إلى "أهل" المحذوف.
1 هذا في حالة ما إذا حذف المضاف إليه ونوى معناه. ومثل: "غير" و"قبل" و"بعد"
__________
صلة واسم كان يعود إلى المضاف إليه. "قبل" ظرف خبر كان. "حذف" مضاف إليه. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "تقدما" الجملة صلة، "لكن" حرف استدراك. "بشرط" متعلق بمحذوف حال من فاعل جروا، أو من مفعوله، أو خبر لمبتدأ محذوف؛ أي لكن ذلك الجر كائن بشرط ... إلخ "ما" اسم موصول اسم يكون "حذف" الجملة صلة ما. "مماثلا" خبر يكون. "لما" متعلق بمماثل، وما: اسم موصول. "عليه" متعلق بعطف الواقع صلة لما.
الظروف الدالة على الغاية؛ كفوق، وتحت ... إلخ.(2/371)
وتارة يبقى إعرابه ويردي إليه تنوينه، وهو الغالب1؛ نحو: {وَكُلًا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ} ، {أَيًّا مَا تَدْعُوا} ، وتارة يبقى إعرابه ويترك تنوينه2 كما كان في الإضافة.
وشرط ذلك في الغالب: أن يعطف عليه اسم عامل في مثل المحذوف3، وهذا العامل:
إما مضاف؛ كقولهم: خذ ربع ونصف ما حصل4، أو غيره؛ كقوله:
بمثل أو أنفع من وبل الديم5
__________
1 هذا إذا حذف المضاف إليه ولم ينو لفظه ولا معناه، فيرجع المضاف إلى حالته الإعرابية قبل الإضافة، ويرد إليه ما حذف للإضافة كالتنوين ... إلخ.
2 وذلك إذا حذف المضاف إليه ونوى ثبوت لفظه، فلا يتغير إعراب المضاف إليه إلا يرد إليه ما حذف للإضافة؛ كالتنوين، والنون إن كان مثنى أو مجموعا.
3 أي في صيغته ومعناه؛ ليدل على المحذوف نصا، فيكون في قوة المذكور.
4 الأصل: خذ ربع ما حصل ونصف فما حصل، فحذف المضاف إليه الأول لدلالة الثاني عليه، وأبقى المضاف الأول وهو "ربع" على حالة بدون تنوين؛ لأن المضاف إليه منوي لفظه، وقد عطف عليه. "نصف" وهو مضاف إلى مثل المحذوف.
5 عجز بيت من الرجز، لم ينسب لقائل وصدره:
علقت آمالي فعمت النعم
اللغة والإعراب: علقت: وصلت. آمالي: جمع أمل، وهو ما يطمع فيه المرء ويرجوه، وبل، والوبل: المطر الكثير كالوابل، الديم جمع ديمة، وهي المطر الدائم لا رعد فيه ولا برق. "آمالي" مفعول علقت. "فعمت" الفاء عاطفة، و"عم" فعل ماض، والتاء علامة التأنيث. "النعم" فاعل فعمت وسكن للشعر، "بمثل" متعلق بعلق، وهو مضاف إلى محذوف يدل عليه المذكور بعده، "أو أنفع" معطوف على "مثل" المجوررة بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للوصفية ووزن الفعل، "من ويل الديم" متعلق بأنفع ومضاف إليه، وسكن "الديم" كذلك للشعر.
المعنى: وصلت آمالي وما أجروه في الحياة، ووضعتها بين يدي رجل أسبغ علي نعمه وعمني بفضله، فكان مثل الغيث العميم أو أكثر منه نفعا.
الشاهد: حذف المضاف إليه بعد "مثل"؛ لدلالة "وبل الديم" عليه، والتقدير: بمثل وبل الديم. والعامل: "أنفع" وهو غير مضاف، بل مجرور بالعطف على "مثل".(2/372)
ومن غير الغالب قولهم: "ابدأ بذا من أول" بالخفض من غير تنوين1، وقراءة بعضهم: {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} ؛ أي: فلا خوف شيء عليهم2.
__________
1 أي على نية لفظ المضاف إليه، والتقدير: من أول الأمر. حكى ذلك أبو علي الفارسي.
2 "خوف" بالضم بلا تنوين على أن "لا" مهملة، أو عاملة عمل ليس، وبالفتح على أن "لا" عاملة عمل إن؛ فإن قدرت الفتحة إعرابا ففيه الشاهد. وإن قدرت بناء فلا. وقد يحذف المضاف إليه ويبقى المضاف على حاله؛ إذا كان معطوفا على مضاف إلى مثل المحذوف، عكس الصورة المذكورة، ومنه الحديث: عن أبي برزة الأسلمي، غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات أو ثماني، بفتح الياء بلا تنوين؛ أي ثماني غزوات. ويقتصر في هذا على المسموع.
وقد أشار ابن مالك إلى حذف المضاف إليه بقوله:
ويحذف الثاني فيبقى الأول ... كحالة إذا به يتصل
بشرط عطف وإضافة إلى ... مثل الذي له أضفت الأولا
أي يحذف الثاني، وهو المضاف إليه، فيبقى الأول -وهو المضاف- على حاله الأول، حيث اتصاله بالمضاف إليه لا يتأثر بالحذف، وذلك بشرط أن يعطف على هذا المضاف مضاف إلى لفظ مثل الذي أضيف إليه المضاف الأول.
__________
* "الثاني" نائب فاعل يحذف، "كحالة" متعلق بمحذوف حال من. "الأول" وضمير الغائب مضاف إليه. "إذا" ظرف لحاله. "به" متعلق بيتصل "بشرط" متعلق بيحذف، "عطف" مضاف إليه. "وإضافة" معطوف على عطف "إلى مثل" متعلق بإضافة، "الذي" اسم موصول مضاف إليه، "له" متعلق بأضفت، "أضفت الأولا"، الجملة صلة الذي.(2/373)
فصل: في الفصل بين المتضايفين
فصل: زعم كثير من النحويين أنه لا يفصل بين المتضايفين إلا في الشعر1,
__________
1 ذلك؛ لأن المضاف إليه بمنزلة الجزء من المضاف، فكما لا يفصل بين أجزاء الاسم لا يفصل بينه وبين ما نزل منزلة الجزء منه، وهذا رأي البصريين، وهو رأي حسن؛ لأن الفصل بينه المتضايفين يبعد المعنى عن الذهن، ويحتاج إلى تفكير لفهمه، ولا بد من قرية تدل على ذلك.(2/373)
والحق أن مسائل الفصل سبع: منها ثلاث جائزة في السعة1:
إحداها: أن يكون المضاف مصدرًا والمضاف إليه فاعله، والفاصل: إما مفعوله2؛ كقراءة ابن عامر: {قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} 3 وقول الشاعر:
فسقناهم سوق البغاث الأجادل4
وإما ظرفه؛ كقول بعضهم:
__________
1 ضابطها: أن يكون المضاف؛ إما اسما يشبه الفعل والفاصل بينهما معمول للمضاف منصوب، أو اسما لا يشبه الفعل والفاصل القسم.
2 يشترط أن يكون المفعول غير جملة؛ فلا يجوز: أعجبني قول أنا مذنب - السارق.
3 برفع "قتل" على أنه نائب عن فاعل "زين" وجر "شركائهم" على إضافة "قتل" إليه، من إضافة المصدر لفاعله باعتبار أمرهم به، ونصب "أولادهم" على أنه مفعوله، وقد فصل به بين المتضايفين. قيل: والفصل في هذا حسن.
4 عجز بيت من الطويل، لم ينسب لقائل، وعجزه:
عتوا إذا أجبناهم إلى السلم رأفة
اللغة والإعراب: عتوا: من العتو، وهو مجاوزة الحد. السلم -بكسر السين وفتحها: الصلح. البغاث، مثلثة الباء: طائر ضعيف يصاد ولا يصيد ولا نفع فيه. الأجادل: جمع أجدل، وهو الصقر، "عتوا" فعل ماض مسند لواو الجماعة، "إذا" ظرف بمعنى حين في محل نصب بعتوا، وهو مضاف إليه الجملة بعده. "رأفة" مفعول لأجله. "فسقناهم" الفاء عاطفة، و"ساق" فعل ماض، و"نا" فاعل، و"هم" مفعول. "سوق" مصدر منصوب بسقناهم، وهو مضاف إلى "الأجادل" فاعله "البغاث" مفعوله.
الشاهد: الفصل بين المضاف وهو "سوق"، والمضاف إليه وهو "الأجادل" فاعل المصدر بالمفعول وهو "البغاث"؛ لأن المراد: سوق الأجادل البغاث.
المعنى: أن أعداءنا تكبروا وطغوا وأفسدوا؛ لما رحمناهم وأجبناهم إلى الصلح رأفة بهم، فلم نر بدا أن نطاردهم ونأخذهم بالقسوة والشدة فسقناهم أمامنا، كما تسوق كواسر الطير، كالأجادل الضعيفة منها كالبغاث.(2/374)
ترك يوما نفسك وهواها1
الثانية: أن يكون المضاف وصفا2 والمضاف إليه: إما3 مفعوله الأول والفاصل مفعوله الثاني؛ كقراءة بعضهم: {فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} 4.
وقول الشاعر:
وسواك مانع فضله المحتاج5
__________
1 نصيحة نثرية، وتمامها: "سعى لها في رداها"، "ترك" مصدر مبتدأ "يوما" ظرف منصوب به، وقد فصله من المضاف إليه، وهو نفسك الواقع فاعلا للمصدر، ومفعوله محذوف.
"وهواها" مفعوله معه؛ أي ترك نفسك شأنها يوما مع هواها "سعى" خبر المبتدأ، ويجوز أن يكون المصدر مضافا إلى المفعول والفاعل محذوف؛ أي تركك نفسك.
2 اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال.
3 لم يأت المصنف لـ"إما" هذه بمقابل، والصواب تأخيرها بعد كلمة "الفاصل"؛ لأن التنويع فيه، وأن يقول: والفاصل إما مفعوله الثاني؛ لأنه قد عادل ذلك: بقوله أو ظرفه.
4 أي ينصب "وعده"، وجر "رسله" فـ"مخلف" اسم فاعل متعد لاثنين "رسله" مضاف إليه من إضافة الوصف إلى مفعوله الأول "وعده"، مفعوله الأول "وعده" مفعول ثان، وقد فصل بينهما، والأصل: فلا تحسبن الله مخلف رسله وعده.
5 عجز بيت من الكامل، لم يعرف قائله، وصدره.
ما زال يوقن من يؤمك بالغنى
اللغة والإعراب: يوقن: يعلم علما لا شك فيه. يؤمك: يقصدك. المحتاج: الذي به حاجة إلى غيره، "ما" نافية. "زال" فعل ماض ناقص "يوقن" الجملة خبر زال مقدم. "من" اسم موصول اسمها مؤخر "يؤمك" الجملة صلة من "بالغنى" متعلق بيوقن "وسواك" مبتدأ ومضاف إليه، "مانع" خبر، وهو اسم فاعل مضاف إلى "المحتاج" وهو مفعوله الأول؛ لأن منع يتعدى إلى مفعولين. "فضله" مفعوله الثاني ومضاف إليه، وقد فصل به بينهما، وهو الشاهد والأصل: وسواك مانع المحتاج فضله.
المعنى: أن من يقصدك طالبا معروفك، يعلم علما لا يخالطه شك أنك ستغنيه وتجيب سؤله، وغيرك يمنع المحتاجين فضله ووفرة ماله.(2/375)
أو ظرفه؛ كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "هل أنتم تاركو لي صاحبي" 1، وقول الشاعر:
كناحت يوما صخرة بعسيل2
الثالثة: أن يكون الفاصل قسمًا؛ كقولك: هذا غلام والله زيد3.
والأربع الباقية تختص بالشعر:
__________
1 هذا جزء من حديث قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين وقع خلاف بين أبي بكر وبعض الصحابة، فغضب النبي وقال ما معناه: جئتكم بالهدى فكذبتم، وقال أبو بكر: صدقت، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ تاركو، جمع تارك اسم فاعل من ترك مضاف إلى صاحبي بدليل حذف النون منه وهي تحذف للإضافة، وهو مفعوله "لي" جار ومجرور ظرف لتاركو، وقد فصل بين المضاف والمضاف إليه، وهو الشاهد:
2 عجز بيت من الطويل، لم يعرف قائله أيضا، وصدره:
فرشني بخير لا أكونن ومدحتي
اللغة والإعراب: رشني: فعل أمر، من راش السهم، ألزق عليه الريش لتقويته، والمراد: قوني وأصلح شأني، بعسيل، العسيل: مكنسة العطار التي يجمع بها العطر.
"فرشني" الفاء للاستئناف، و"رش" فعل أمر، والنون للوقاية، "لا" نافية. "أكونن" مضارع ناقص مبني على الفتح لنون التوكيد الحقيقية واسمها أنا، "ومدحتي" الواو للمعية، و"مدحتي" مفعول معه ومضاف إليه "كناحت" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر أكون، وهو اسم فاعل مضاف إلى "صخرة" وهي مفعوله. "يوما" ظرف لناحت، وقد فصل به بينهما، وهو الشاهد، "بعسيل" متعلق بناحت.
المعنى: يقول لمن يستجديه ويطلب عونه: قوني وأصلح من شأني ولا تبخل علي وتخيب آمالي فيك، حتى لا أكون في مدحي لك وثنائي عيك كمن ينحت الصخر بمكنسة العطار؛ يريد: أن جودة شعره في مدحه لم تؤثر فيه.
3 بجر "زيد" بإضافة "غلام" إليه. وقد ذكر الكسائي أن العرب يقولون ذلك. وحكى أبو عبيدة عن العرب قولهم: إن الشاة لتجتر فتسمع صوت والله ربها.
ومن مواضع الفصل اختيار: الفصل: بـ"إما"؛ كقول تأبط شرا:
هما خطتا إما إسار ومنة ... وإما دم والقتل بالحر أجدر(2/376)
إحداها: الفصل بالأجنبي، ونعني به معمول غير المضاف؛ فاعلًا كان؛ كقوله:
أنجب أيام والده به ... إذ نجلاه فنعم ما نجلا1
ومفعولًا؛ كقوله:
تسقي امتياحًا ندى المسواك ريقتها2
__________
أي هما خطتا إسار. وقد حذفت نون المثنى المضاف وفصل بينهما بإما، ولخطة: الحالة والطريقة، وإسار: أي أسر ووقع في يد العدو. ومنة: أي امتنان وعفو بإطلاق السراح؛ أي أن الخطتين المعلومتين من السياق، هما: خطتا أسر وامتنان إن رأيتم العفو، أو قتل، وهو أولى بالجر، وهذا تهكم واستهزاء، والفصل بالجملة الشرطية؛ نحو: هذا خادم، إن شاء الله، المسجد.
هذا: ويشترط في الفصل مطلقا: ألا يكون المضاف إليه ضميرا؛ لأنه لا يفصل من عامله.
1 بيت من المنسرح، منقصيدة للأعشى ميمون بن قيس، يمدح سلامة ذا فائش الحميري.
اللغة والإعراب: أنجب: من أنجب الرجل، ولد ولدا نجيبا نجلاه: ولداه "أنجب" فعل ماض، "أيام" ظرف متعلق به، "والداء فاعل أنجب مرفوع بالألف. "به" متعلق بأنجب، "إذ" ظرف زمان مضاف إليه لأيام، من إضافة العام للخاص.
وقد فصل بينهما بأجنبي من المضاف وهو "والداه"، الواقع فاعلا لأنجب، وفيه الشاهد، "نجلاه" فعل ماض وألف الاثنين العائدة على الوالدين فاعل، والهاء مفعول به والجملة في محل جر بإضافة. "إذ"، "فنعم" فعل ماض لإنشاء المدح. "ما" موصول فاعل نعم. "نجلا" الجملة صلة والعائد محذوف؛ أي نجلاه وفي البيت الفصل بالجار والمجرور وهو "به"، وهذا يدل على جواز الفصل بأكثر من معمول أجنبي للضرورة.
المعنى: أن والدي هذا المولود أتيا بولد حين ولداه، فنعم المولود الذ أنجباه.
2 صدر بيت من البسيط لجرير، من قصيدة يمحدح فيها يزيد بن عبد الملك، ويذم آل المهلب، وعجزه:
كما تضمن ماء المزنة الرصف(2/377)
أي تسقي ندى ريقتها المسواك، أو ظرفا؛ كقوله:
كما خط الكتاب بكف يوما ... يهودي يقارب أو يزيل1
__________
اللغة والإعراب: امتياحا: مصدر امتاح؛ أي غرف الماء؛ والمراد هنا: الاستياك.
الندى: البلل. المسواك: العودة الذي يستاك به ريقتها؛ الريقة: الرضاب، وهو ماء الفم.
المزنة: السحابة البيضاء الرصف: الحجارة المرصوفة، والمفرد رصفة "تسقي" مشارع متعد لاثنين، والفاعل يعود على "أم عمرو" في قوله قبل:
ما استوصف الناس عن شيء يروقهم ... إلا أرى أم عمرو فوق ما وصفوا
كأنها مزنة غراء واضحة ... أو درة لا يواري ضوءها الصدف
"امتياحا" مصدر نائب عن ظرف الزمان؛ أي وقت امتياحها، أو حال مؤوله بالمشتق؛ أي ممتاحة "ندى" مفعول ثان مقدم لتسقي، "ريقتها" مضاف إليه لندى، "المسواك" مفعول أول، وقد فصل بين المتضايفين، ويجوز أن يكون "ندى" فاعل تسقي؛ فيكون الفصل بين الفاعل المضاف، والمضاف إليه، بالمفعول، على كل، فالفاصل أجنبي من المضاف؛ لأنه ليس معمولا له، وهو الشاهد. "كما" الكاف جارة، و"ما" مصدرية. "ماء" مفعول به لتضمن. "المزنة" مضاف إليه. "الرصف" فاعل تضمن، و"ما" وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف، صفة لمفعول مطلق محذوف لتسقي؛ والتقدير: تسقي المسواك ندى ريقتها سقيا مشابها؛ لتضمن الرصف ماء المزنة.
المعنى: أم "أم عمرو" تسقي من رضاب فمها المسواك الذي تستاك به، فيشتمل على ريقها العذب الصافي، كما تشتمل الحجارة المرصوفة على ماء المطر الصافي؛ وذلك أن الماء المتراكم فوق هذه الحجارة، أصفى وأنقى ما يعرف العرب من الماء.
1 بيت من الوافر، لله يثم بن الربيع بن زرارة -المكنى بأبي حية- النميري.
اللغة والإعراب: يقارب: يجعل بعض الكتابة قريبا من بعض. يزيل: يفرق ويباعد بينها. "كما" الكاف حرف جر وتشبيه. "وما" مصدرية. "الكتاب" نائب فاعل خط, والمصدر المكون من "ما" ومدهولها مجرور بالكاف، والجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف؛ أي رسم هذه الدار، كخط الكتاب. "بكف" متعلق بخط. "يهودي" مضاف إليه. "يوما" ظرف متعلق بخط أيضًا، وقد فصل به بين كف المضاف، وبين المضاف إليه، وهو(2/378)
الثانية: الفصل بفاعل المضاف كقوله:
ولا عدمنا قهر وجد صب1
ويحتمل أن يكون منه، أو من الفصل بالمفعول قوله:
__________
"يهودي"، وهو أجنبي من المضافا؛ لأنه لم يتعلق به وفيه الشاهد.
وجملتا "يقارب، أو يزيل" صفتان ليهودي.
المعنى: رسم هذه الدار محكم منسق على حسب المواقع؛ كخط الكتاب الذي يكتبه يهودي ماهر، فيدني بعض الكتابة من بعضها أحيانا، ويباعد بينها أحيانا أخرى؛ تبعا لما يتطلبه الرونق والجمال، وخص اليهودي؛ لأنه من أهل الكتاب فيما يعرف العرب.
1 عجز بيت من الرجز، لم نقف على قائله، وصدره:
ما إن وجدنا للهوى من طب
اللغة والإعراب: الهوى: العشق، أو محبة الإنسان الزائدة للشيء. طب: علاج الجسم والنفس، عدمنا: فقدنا. قهر: غلبة، وجد: شدة الشوق والحب. صب: من الصبابة؛ وهي رقة الشوق وحرارته. "ما" مهملة "إن" زائدة، "من طب" مفعول وجدنا على زيادة "من"، وروي؛ رأينا وهما بمعنى. "ولا" الواو عاطفة، و"لا" حرف زائد لتوكيد النفي.
"قهر" مصدر مفعول عدمنا؛ وهو مضاف إلى "صب"؛ من إضافة المصدر لمفعوله، وقد فصل بينهما بفاعل المضاف؛ وهو "وجد"؛ لأنه فاعل المصدر. وفيه الشاهد.
المعنى: لم يجد علاجا ينفع ويشفي من برج به العشق، وكثيرا ما يغلب الحب والشوق على العاشق؛ فيملك عليه نفسه وقلبه، ويقوده إلى حتفه.
هذا: ويلاحظ أنه في المسألة الأولى من مسائل الجواز في السعة، أجيز الفصل بين المصدر المضاف وفاعله بالمفعول؛ كما في آية: {قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} ، وفي الشاهد بعدها، وهنا امتنع في السعة، إضافة المصدر إلى مفعول، والفصل بالفاعل، فما الفرق، مع أن المعروف جواز إضافة المصدر إلى فاعله ومفعوله على حد سواء؟ لعل السبب هو أن إضافة المصدر للمفعول، مع ذكر الفاعل؛ فيه خلاف بين النحاة، حتى منعه بعضهم، على أن المعول عليه هو السماع.(2/379)
فإن نكاحها مطر حرام1
بدليل أنه يروى بنصب مطر، وبرفعه2 فالتقدير: فإن نكاح مطر إياها أو هي.
الثالثة: الفصل بنعت المضاف؛ كقوله:
من ابن أبي شيخ الأباطح طالب3
__________
1 عجز بيت من الوافر، لمحمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت الأوسي، المعروف بالأحوص، من قصيدة يصف فيها "مطر" وزوجته، وصدره:
لئن كان النكاح أحل شيء
اللغة والإعراب: النكاح: الزواج. مطر: اسم رجل من أقبح الرجال، وزوجته من أجمل النساء، وكانت تريد فراقه، وهو يأبى ذلك. وقيل: إن الأحوص كان يهواها، ولكن أهلها زوجوها مطرا هذا. "لئن" اللام التوكيد، وإن شرطية. "كان" فعل الشرط.
"النكاح" اسم كان: "أحل شيء" خبرها ومضاف إليه. "فإن" الفاء واقعة في جواب الشرط. "نكاحها" اسم إن ومضاف إليه، وهو مضاف أيضا إلى "مطر" على رواية الجر، وقد فصل بينهما بالهاء، وهي محتملة للفاعلية والمفعولية؛ كما ذكر المصنف. قال صاحب التصريح: "ويشكل على هذه الرواية إضافة المصدر إلى شيئين". "حرام" خبر إن.
2 أما على رواية النصب؛ فيكون التقدير: فإن نكاح مطر هي؛ فنكاح مصدر مضاف إلى فاعله، ومطرا مفعوله، ويكون من الفصل بالفاعل، وناب ضمير غير الرفع مناب ضمير الرفع. وعلى رواية الرفع؛ يكون التقدير: فإن نكاح مطر إياها؛ فنكاح مصدر أضيف إلى مفعوله، و"مطر" فاعله، ويكون من الفصل بالمفعول.
3 عجز بيت من الطويل، ينسب لمعاوية بن أبي سفيان، وقد قاله حين نجا من ضربة من أراد قتله. وكان ثلاثة من الخوارج قد اتفقوا على قتله، وقتل علي بن أبي طالب، وعمرو بن العاص؛ فنجا من الطعنة، ولم يخرج عمرو ليلة التنفيذ -وقتل من ناب عنه في الصلاة.
وقتل علي بيد عبد الرحمن بن ملجم -لعنه الله- والقصة مشهورة. وصدر البيت:
نجوت وقد بل المرادي سيفه
اللغة والإعراب: المرادي: نسبة إلى قبيلة مراد باليمن، والمراد ابن ملجم. الأباطح:(2/380)
الرابع: الفصل بالنداء؛ كقوله:
كأن برذون أبا عصام ... زيد حمار دق باللجام1
أي كأن برذون يا أبا عصام.
__________
جمع أبطح، وهو المكان الواسع، ومسيل الماء فيه دقاق الحصى؛ والمراد مكة، وأراد بشيخها: أبا طالب؛ لأنه كان عظيما فيها، "وقد بل" الواو للحال، والجملة حال من التاء في نجوت. "المرادي" فاعل بل. "بسيفه" مفعول ومضاف إليه. "من ابن" متعلق ببل. "أبي" مضاف إليه، وهو مضاف إلى "طالب" شيخ الأباطح" صفة لأبي، ومضاف إليه وقد فصل به بين المضاف؛ وهو "أبي"، والمضاف إليه؛ وهو "طالب"، وهو نعت للمضاف، وفيه الشاهد. والأصل: من ابن أبي طالب، شيخ الأباطح.
المعنى: تخلصت من القتل، وقد لطخ ابن ملجم -لعنه الله- سيفه بدم علي بن أبي طالب، شيخ مكة وعظيمها.
1 بيت من الرجز، لم نقف على قائله.
اللغة والإعراب: برذون؛ البرذون من الخيل: ما ليس بعربي أبا عصام: كنية رجل.
دق: من الدقة، ضد غلط. "كأن"حرف تشبيه ونصب. "برذون" اسم كأن، "أبا عصام" منادى بحذف الياء ومضاف إليه. "زيد" مضاف إليه لبرذون: "حمار" خبر كأن. "دق" ماض مبني للمفعول أو للفاعل، ومرفوعه يعود على حمار. "باللجام" متعلق بدقة، والجملة صفة لحمار.
المعنى: يقول: أن برذون زيد أبا عصام غير أصل، وهو هزيل؛ مثل حمار ضعف وهزل؛ بسبب اللجام.
الشاهد: الفصل بين المضاف؛ وهو "برذون"، والمضاف إليه؛ وهو "زيد" بالنداء؛ وهو "أبا عصام"، وقيل: إن أبا عصام هو زيد؛ وعلى ذلك يكون "برذون" مضافا إلى أبا عصام"، على لغة القصر، و"زيد" بالجر بدل منه، ولا شاهد فيه حينئذ. وفي الفصل بين المتضايفين يقول الناظم.
فصل مضاف شبه فعل ما نصب ... مفعولًا أو ظرفًا أجز ولم يعب(2/381)
فصل: في أحكام المضاف للباء.
يجب كسر آخره1 كغلامي، ويجوز فتح الياء وإسكانها2. ويستثنى من هذين الحكمين3 أربع مسائل، وهي: المقصور؛ كفتى وقذى، والمنقوص؛ كرام وقاض، والمثنى كابنين وغلامين، وجمع المذكور السالم كزيدين ومسلمين، فهذه الأربعة أخرها واجب السكون4 ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
فصل يمين واضطرارا وجدا ... بأجنبي أو بنعت أو ندا
أي أجز فصل ما نصبه المضاف الذي يشبه الفعل؛ إذا كان ذلك المنصوب مفعولا أو ظرفا، ويجوز الفصل باليمين؛ أي القسم. أما في حالة الضرورة؛ فقد وجد الفصل بالأجنبي؛ وهو ما ليس معمولا للمضاف، أو بالنعت، أو بالنداء. وخص النعت والنداء بالذكر -وإن كانا يدخلان في الفصل بالأجنبي- زيادة في الإيضاح.
1 أي آخر المضاف؛ وذلك لمناسبة الياء؛ سواء كان صحيحا؛ كما مثل المصنف، أو شببها به؛ وهو: ما آخره واو أو ياء قبلها ساكن، كدلو وظبي.
2 والإسكان هو الأصل، وتكون مبنية على السكون، أو الفتح في محل جر. وقد تحذف الياء؛ اكتفاء بالكسرة قبلها، وقد تقلب الياء مع فتح ما قبلها، كغلاما، وقد تحذف الألف اكتفاء بالفتحة، وتختص هذه الأوجه بالإضافة المحضة؛ لا بالنداء كما في التسهيل، أما في غيرها، فلا حذف ولا قلب؛ كمكرمي؛ لأنها في نية الانفصال فليست الياء كجزء من الكلمة.
3 أي وجوب كسر الآخر، وجواز فتح الياء وإسكانها.
4 لأن آخر المقصور والمثنى المرفوع ألف، وآخر المنقوص والمثنى المجرور والمنصوب، وجمع المذكر مطلقا، ياء مدغمة في ياء المتكلم، والألف والحرف المدغم لا يقبلان التحريك.
__________
* "فصل مضاف" مفعول مقدم لأجز؛ وإضافته لما بعده من إضافة المصدر لمفعوله، "شبه فعل" صفة لمضاف.
ومضاف إليه، "ما" اسم موصول فاعل المصدر، "نصب" الجملة صلة والعائد محذوف؛ أي ما نصبه، "مفعولا" حال من ما. "أو ظرفا" معطوف عليه. "فصل يمين" نائب فاعل يعب، ومضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله. "واضطرارًا" مفعول لأجله. "وجدا" نائب الفاعل يعود الفاعل يعود إلى الفصل. "بأجنبي" متعلق بمحذوف حال من ضمير وجد. "أو بنعت" معطوف على بأجنبي. "أو ندا" معطوف على نعت وقصر للضرورة.(2/382)
والياء معها واجبة الفتح1. وندر إسكانها بعد الألف في قراءة نافع: {وَمَحْيَاي} 2، وكسرها بعدها في قراءة الأعمش3، والحسن: {هِي
__________
1 وذلك للخفة، والتخلص من التقاء الساكنين.
وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
آخر ما أضيف لليا اكسر إذا ... لم يك معتلًا كرام وقذى
أو يك كابنين وزيدين فذى ... جميعها اليا بعد فتحها احتذى
أي اكسر آخر الاسم الذي أضيف للياء؛ أي ياء المتكلم؛ بشرط ألا يكون هذا الاسم معتل الآخر؛ كرام: اسم فاعل من رمى، وقذى؛ وهو الأجسام الصغيرة اليت تصيب العين فتؤلمها، والمراد برام: المنقوص، وبقذى: المقصور، والمعتل يشملهما، وألا يكون كابنين وزيدين -أي المثنى وجمع المذكر وشبههما، فهذه الأربعة جميعها اليا احتذي -أي اتبع- فتحها بعدها؛ أي أن الياء بعدها تكون مفتوحة.
2 يلزم على هذه القراءة التقاء ساكنين على غير حده الجائز.
3 هو أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش، الأسدي الكوفي، أحد أصحاب القراءات الشاذة بعد العشرة أخذ القراءة عن عاصم ومجاهد وغيرهما. وكان حافظا ثبتا، واسع العمل بالقراءة ورعا ناسكا، يتجنب الاتصال بأصحاب السلطان، وكان يسمى "المصحف"؛ لشدة إتقانه وضبطه قال هشام: "ما رأيت بالكوفة أحدا أقرأ لكتاب الله من الأعمش". وكان مع هذا ملح ونوادر؛ روي أنه خرج يوما إلى الطلب؛ فقال: "لولا أن في منزلي من هو أبغض إلي منكم ما خرجت إليكم"، وتوفي -رحمه الله- 148هـ.
__________
* "آخر" مفعول اكسر مقدم. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "أضيف" الجملة صلة "لليا" متعلق بأضيف. "إذا" ظرف فيه معنى الشرط. "يك" مضارع مجزوم بلم على النون المحذوفة للتخفيف، واسمها يعود إلى ما.
"معتلا" خبرها. "كرام" خبرا لمبتدأ محذوف. "وقذى" معطوف عليه، وجواب الشرط محذوف يدل عليه المقام. "أو يك" معطوف على يك السابق، وفيه ضمير هو اسمه "كابنين" متعلق بمحذوف خبر يك. "وزيدين" معطوف على ابنين. "فذي" اسم إشارة مبتدأ أول. "جميعها" توكيد ومضاف إليه. "اليا" -بالقصر- مبتدأ ثان.
"بعد" ظرف مبني على الضم، في محل نصب حال من الياء، "فتحها" مبتدأ ثالث ومضاف إليه. "احتذي" نائب الفاعل يعود إلى فتحها، والجملة خبر المبتدأ الثالث، والثالث وخبره خبر الثاني، وجملة الثاني، وخبره خبر المبتدأ الأول.(2/383)
عَصَاي} 1. وهو 2 مطرد في لغة بني يربوع3 في الياء المضاف إليها جمع المذكر السالم؛ وعليه قراءة حمزة: "بِمُصْرِخِيِّ إِنِّي".
وتدغم ياء المنقوص والمثنى والمجموع في ياء الإضافة كقاضي4، ورأيت ابني وزيدي5 وتقلب واو الجمع ياء6 ثم تدغم كقوله:
أودى بني وأعقبوني حسرة7
__________
1 أي بالكسر؛ على أصل التخلص من الساكنين.
2 أي الكسر.
3 حي من تميم، رأسه يربوع بن حنظلة بن مالك، وشاعرهم الأغلب العجلي. ومنهم متمم بن نويرة الصحابي.
4 رفعا ونصبا وجرا، ويعرب بحركات مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها سكون الإدغام.
5 أصلهما: ابنين لي، وزيدين لي؛ حذفت النون واللام للإضافة، ثم أدغمت الياء الساكنة في الياء الثانية هي المضاف إليه، وفتحت ياء المتكلم.
6 اي تطبيقا للقاعدة الصرفية؛ وهي: أنه إذا اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وكسر ما قبلها إن لم يكن هنالك مانع؛ تقول: أنتم معاوني في صد العدو؛ وأصله معاونون لي؛ حذفت النون واللام للإضافة؛ كما سبق فصار معاونوي؛ قلبت الواو ياء على القاعدة، وأدغمتا، وكسر ما قبلهما للمناسبة؛ فهو مرفوع بالواو المنقلبة ياء.
7 صدر بيت من الكامل، لأبي ذؤيب الهذلي؛ خويلد بن خالد بن محرث، من قصيدة يرثي فيها أبناء له خمسة هلكوا جميعا في الطاعون في عام واحد، وعجزه:
عند الرقاد وعبر لا تقلع
ويعد العلماء هذه المرثية في الذروة من شعر الرثاء ومطلعها:
أمن المنون وريبها تتوجع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع
اللغة والإعراب: أودى: هلك. أعقبوني: أورثوني، خلفوا لي. حسرة، حزنا مع ألم. عبرة: دمعا. الرقاد: النون. لا تقلع: لا تذهب ولا تنقضي. "بني" فاعل أودى؛ وهو(2/384)
وإن كان قبلها ضمة قلبت كسرة؛ كما في بني ومسلمي1 أو فتحة أبقيت2 كمصطفى وتسلم ألف التثنية3؛ كمسلماي. وأجازت هذيل في ألف المقصورة قلبها ياء4
__________
جمع ابن، وأصل بنون لي عمل فيه ما عمل في مثله، وهو مرفوع بالواو المنقلبة ياء، المدغمة في ياء المتكلم "حسرة" مفعول أعقبوني. "عند" ظرف متعلق بأعقب. "الرقاد" مضاف إليه. "وعبرة" معطوف على حسرة. "لا تقلع" الجملة في محل نصب صفة لعبرة.
المعنى: هلك أبنائي وتركوا لي حزنا مضنيا، وألما ممضا، ودموعا لا تنقطع، وخص النوم؛ لأنه مثار الهموم والأشجان.
الشاهد: قلب واو الجمع ياء عند إضافته لياء المتكلم، وإدغامها لما ذكرنا.
1 لأن الكسرة هي التي تناسب الياء: وفي ذلك يقول الناظم.
وتدغم اليا في والواو وإن ... ما قبل واو ضم فاكسره يهن
أي تدغم الياء التي في آخر المضاف -في المنصوب من المثنى والجمع- في ياء المتكلم المضاف إليه. وكذلك تدغم الواو في جمع المذكر المرفوع بعد قلبها ياء؛ وإن كان ما قبل واو الجمع مضموما بعد قلبها ياء، وإدغامها في ياء المتكلم؛ وجب قلب هذه الضمة كسرة ليهون -أي يسهل- النطق.
2 لتدل على الألف المحذوفة للساكنين.
3 لأنه لا موجب لقلبها ياء، وكذلك ما حمل عليها كثنتاي، وألف المقصور؛ كهدى، على الراجح.
4 أي: لتكون عوضا عن الكسرة قبل الياء، ثم يدغمونها في ياء المتكلم، فيقولون: في هذى، هدي. وتكون في هذه الحالة معربة بالياء التي أصلها الألف، بدلا من الحركات المقدرة على الألف، فهو مما ناب فيه حرف عن حركة.
__________
* "اليا" نائب فاعل تدغم. "فيه" متعلق يتدغم، والضمير يعود إلى ياء المتكلم، وذكر لتأويله باللفظ. "والواو" معطوفة على الياء. "وإن" شرطية "ما" اسم موصول نائب فاعل لمحذوف يفسره. "ضم" وهذا المحذوف في محل جزم فعل الشرط. "قبل واو" ظرف متعلق بمحذوف صلة الموصول، ومضاف إليه. "ضم" نائب الفاعل يعود إلى ما، والجملة مفسرة، "فاكسره" جواب الشرط "يهن" مضارع مجزوم في جواب الأمر، ومعناه: يسهل.(2/385)
كقوله:
سبقوا هوي وأعتقوا لهواهم1
واتفق الجميع على ذلك2 في علي ولدي3. ولا يختص بياء المتكلم بل هو عام في كل ضمير؛ نحو: عليه ولديه وعلينا ولدينا، وكذا الحكم في إلي.
__________
1 صدر بيت، لأبي ذؤيب الهذلي، من مرثيته السابقة، وعجزه:
فتخرموا ولكل جنب مصرع
اللغة والإعراب: هوى: ما أهواه وأشتهيه، أعنقوا: أسرعو؛ من العتق؛ وهو السير السريع، والمراد: تبع بعضهم بعضا، فتخرموا: اخترمهم الموت واستأصلهم. مصرع: مكان يصرع ويطرح فيه، "هوى" مفعول سبقوا منصوب بالفتحة المقدرة على الألف المنقلبة ياء، أو بالياء التي أصلها الألف، كما أوضحنا و"أعنقوا" معطوف على سبقوا. "لهواهم" جار ومجرور متعلق بأعنقوا، وهو مجرور بكسرة مقدرة على الألف؛ للتعذر، و"هم" مضاف إليه. "فتخرموا" الفاء عاطفة، وتخرموا فعل ونائب فاعل، "ولكل" الواو للحال، ولكل متعلق بمحذوف خبر مقدم، "جنب" مضاف إليه. "مصرع" مبتدأ مؤخر.
المعنى: مات أبنائي، وسبقوني إلى ما كنت أحب وأشتهي، واستأصلهم الموت واحدا بعد واحد، ولكل إنسان أجله، ومكانه الذي يوارى فيه جثمانه.
الشاهد: قلب ألف المقصور في "هوي" ياء على لغة هذيل، وإدغامها في ياء المتكلم؛ وأصله هواي، والعرب كافة يبقون ألف المقصور عند إضافته للياء، وفي ذلك يقول الناظم:
وألفا سلم وفي المقصور عن ... هذيل انقلابها ياء حسن
2 أي على قلب الألف مع ياء المتكلم.
3 المراد "علا" الظرف، وهو لغة في "عل"، بمعنى فوق، وكذلك "لدى" الظرف بمعنى عند.
أما الحرفية فلا تضاف.
__________
* "وألفا" مفعول سلم مقدم. "وفي المقصور عن هذيل" متعلقان بحسن، "انقلابها" مبتدأ ومضاف إليه؛ من إضافة المصدر لفاعله. "يا" مفعول المصدر. "حسن" خبر المبتدأ، وسكن للشعر.(2/386)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
تنبيه: إذا أضيف "ابنم" لياء المتكلم جاز إبقاء ميمه الزائدة وحذفها، مع إسكان الياء، وكسر ما قبلها في الحالتين؛ تقول: ابنمي -أو ابني. هذا: ويجوز زيادة هاء السكت الساكنة غالبا، عند الوقوف على ياء المتكلم، مع بناء الياء على الفتح؛ كقوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ، يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ، مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} ، وقول السيدة عائشة: "أبيه وما أبيه".(2/387)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
الأسئلة والتمرينات:
1 عرف الإضافة، واذكر ما تحدثه في آخر الاسم من تغيير، ومتى تكون بمعنى "من"، أو"في"؟
2 اذكر أنواعها، وما الذي يفيده كل نوع، وما تختص به الإضافة اللفظية، مثل لما تقول بأمثلة من إنشائك.
3 يقولون: "إن إضافة الوصف لمعموله لا تفيد المضاف تعريفا، ولا تخصيصا". وضح ذلك بالمثال، والشاهد.
4 ما الذي يمتنع إضافته من الأسماء؟ وما الذي تجب إضافته إلى المفرد، وإلى المضمر؟ مثل لما تقول.
5 بين نوع ما تضاف إليه الأسماء الآتية: لدى -كل- غير. ووضح بالأمثلة.
6 ماذا يشترط فيما تضاف إليه "كلا" و"كلتا"؟ اذكر أمثلة موضحة من إنشائك.
7 يستشهد النحويون بما يأتي في باب الإضافة، بين موضع الاستشهاد، واشرحه:
قال تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} .
{وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} .
{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} .
{إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} .
{هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} .
{لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} .
{لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} .
{تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} .
{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} .
{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} .
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا} .
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} .(2/388)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
أما ترى حيث سهيل طالعا ... نجما يضيء كالشهاب لامعا
أتي الفوحش عندهم معروفة ... ولديهم ترك الجميل جميل
ألم تعلمي يا عمرك الله أنني ... كريم على حين الكرام قليل
وما زال مهري مزجر الكلب منهم ... لدن غدوة حتى دنت لغروب
ولئن حلفت على يديك لأحلفن ... بيمين صدق من يمينك مقسم
8 أعرب ما تحته خط من قول أمير الشعراء أحمد شوقي، يخاطب أبا البنات الذي لم يرزق بنين، وما فيه من شاهد في الإضافة.
إن البنات ذخائر من رحمة ... وكنوز حب صادق ووفاء
الساهرات لعلة أو كبرة ... والصابرات لشدة وبلاء
والباكياتك حين ينقطع البكا ... والزائراتك في العرا والنائي
9 بين فميا يأتي: المضاف، والمضاف إليه، مع بيان نوع الإضافة، وفائدتها:
اعلم صديقي أن قصارى جهد النمام الإيقاع بين الأصدقاء؛ فحسبك تلك القطعية، ولقد كان ظلما؛ أي ظلم! أن يخرج أهل فلسطين من ديارهم التي أقاموا فيها، من لدن أقدم العصور، وكل منا ينظر في شئونه ليس غير. ألا إن التاريخ ليطل علينا من عل، ويسجل في صفحاته أينا كان أو العاملين، وسيجعل الله بعد عسر يسرا.
قال عليه السلام: "بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه".
يا شاه ما قنص لمن حلت له ... حرمت علي وليتها لم تحرم
وأفنى رجالي فبادوا معا ... فأصبح قلبي بهم مستفز
ولم أر مثل الخير يتركه الفتى ... ولا الشر يأتيه امرؤ وهو طائع
سقى الأرضين الغيث سهل وحزنها ... فنيطت عرى الآمال بالزرع والضرع
أأكذب عامدًا من أجل مالي ... فليس بنافعي ما عشت مالي
10 أعرب البيت الآتي، وبين ما فيه من شاهد، واذكر متى تبن "أي"، ومتى تعرب:
ألا تسألون الناس أيي وأيكم ... غداة التقينا كان خرا وأكرما
11 اشرح قول ابن مالك:
وما يلي المضاف يأتي خلفا ... عنه في الإعراب إذا ما حذفا(2/389)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
13 تأتي "لدن" بمعنى "عند"، و"عل" بمعنى "فوق"، ولكن بينهما فروق؛ فما هي هذه الفروق؟ وضح ما تقول بالمثال.
14 بين حكم "لبيك" و"سعديك"، ونظائرهما في الإضافة، ثم اشرح معناهما، وكيف تعربهما؟
15 أعرب البيت الآتي، وبين ما الشاهد فيه، واشرحه شرحا أدبيا:
حنانيك مسئولا ولبيك داعيا ... وحسبي موهوبا وحسبك واهبا(2/390)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
الأسئلة والتمرينات:
على باب حروف الجر.
1 يسمي الكوفيون حروف الجر "حروف الإضافة"، ولهذه التسمية علاقة بحاجة هذه الحروف إلى متعلق. وضح ذلك.
2 تستعمل "كي" حرف جر مصدرية؛ فمتى تتعين للجر؟ وما الأشياء التي تجرها؟
3 ما الذي تجره "رب"؟ وما شرط جرها للضمير؟ وضح ذلك بأمثلة.
4 ما الفرق بين حرف الجر الأصلي، والزائد، والشبيه الزائد؟ هات مثالا لكل.
5 من معاني "من": التنصيص على العموم، وتأكيد التنصيص عليه، اشرح ذلك، وبين الفرق بينهما، موضحا بالمثال، ثم اذكر أمثلة فيها "من" للتبعيض، وللبدل، وزائدة.
6 اشرح قول الناظم:
و"مذ ومنذ" اسمان حث رفعا ... أو أوليا الفعل كجئت مذ دعا
7 اذكر خمسة من المواضع التي يطرد فيها حذف الجار، وإبقاء عمله، ومثل.
8 ما الذي تلحقه "ما" من حروف الجر؟ وما حكم ما تلحقه منها؟ وضح ما تقول.
9 فيما يأتي شواهد في "باب حروف الجر"؛ بين موضع الشاهد على ضوء ما عرفت:
قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} .
{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} .
{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} .
{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} .
{اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا} .
{وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} .
{وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} .
{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} .
{وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} .
{فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} .(2/391)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
{لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} .
{مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} .
{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} .
في الحديث: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته". "بني الإسلام على خمس". "رب ضارة نافعة".
إني نظرت إلى الشعوب فلم أجد ... كالجهل داء للشعوب مبيدا
وجانب من الثرى يدعى الوطن ... ملء العيون والقلوب والفطن
ما لمحب جلد أن يهجرا ... ولا حبيب رأفة فيجبرا
بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئا إذا كان جائيا
لقد علمت سمراء أن حديثها ... نجيع كما ماء السماء نجيع
وإنك لم يفخر عليك كفاخر ... ضعيف ولم يغلبك مثل مغلب
تناوله بالرمح ثم انثنى له ... فخر سريعا لليدين وللفم
ليس الغبي بسيد في قومه ... لكن سيد قومه المتغابي
فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
10 اشرح وأعرب قول ابن الرومي، يهجو خالدا القحطبي:
أخالد ما أغراك من عداوة ... ولا ترة لولا الشقاء المقدر
11 هات أمثلة من إنشائك في الحالة الحاضرة لما يأتي:
استعمال "كاف" و"عن" اسمين -زيادة "ما" بعد "رب" وعدم كفها عن العمل.
استعمال "منذ" اسما، وبعده جملة اسمية -استعمال "في" بمعنى الباء، والعكس.
12 أعرب ما تحته خط فيما يأتي، وبين الشاهد فيه؛ وهو لأبي محمد اليزيدي النحوي:
شكوتم إلينا مجانينكم ... ونشكو إليكم مجانينا
فلولا المعافة كنا كهم ... ولولا البلاء لكانوا كنا
13 بين فيما يأتي حرف الجر، ومعناه، ومجروره، الزائد، والأصلي:
أيها العاقل: إلي بأذنك وعقلك؛ ادخر من غناك لفقرك، ومن صحتك لمرضك، ومن(2/392)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
__________
دنياك لأخرتك، ولا تكن في غفلة عن هذا؛ {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} ، وابتعد عن المعاضي ما استطعت؛ فسيجمع الله الناس ليوم تشيب من هوله الولدان، {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} ، وكن كما أمرك مولاك، ودع الغوى، فعن قريب يؤديه الدهر، {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} ، واعلم أن الناس في عراك منذ خلق الله الخلق، فالعاجز من اعتمد على غيره؛ ولو كان أقرب الناس إليه، والقوي من اعتمد على نفسه، وجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، ولم يلق بنفسه إلى ما فيه هلاكه، وتحلى بالخلق الكريم، وتمثل بقول الشاعر:
ولم أر كالمعروف أما مذاقه ... فحلو وأما وجهه فجميل(2/393)
الفهارس
فهرس الموضوعات
...
فهرس الموضوعات:
الصفحة الموضوع
1 باب الفاعل
1 تعريف الفاعل
3 أحكام الفاعل
3 الأول: الرفع
3 الثاني: وقوع الفاعل بعد المسند إليه
5 الثالث: لا بد من الفاعل
9 الرابع: أنه يصح حذف فعله
12 الخامس: أن فعله يوحد مع تثنيته، وجمعه
17 السادس: أنه إن كان مؤنثا أنت فعله لأجله
17 المواضع التي يجب فيها تأنيث الفاعل
25 السابع: أن الأصل أن يتصل بفعله
35 "تنبيه" حكم ما إذا كان الفاعل والمفعول ضميرين ولا حصر في أحدهما
36 "خاتمة" في المواضع التي يعود فيها الضمير على متأخر لفظا ورتبة
37 "فائدة" في الأفعال التي لا تحتاج إلى فاعل
38 الأسئلة والتمرينات
40 باب النائب عن الفاعل
44 قد يحذف الفاعل لأغراض لفظية أو معنوية
44 ينوب عنه في أحكامه: المفعول به، المجرور
44 ينوب عنه في أحكامه: المصدر المختص
47 ينوب عنه في أحكامه: الظرف المتصرف المختص
48 حكم غير النائب
50 معناه متعلق بالرافع(2/395)
الصفحة الموضوع
51 فصل: في حكم ما إذا تعدى الفعل لأكثر من واحد
51 حكم الثاني من باب "كسا"
52 من باب "ظن" ومن باب "أعلم"
55 فصل: فيما يحدث للفعل من تغيير
60 "فوائد هامة"، "تتمة" في حكم الأجوف والمضعف عند إسنادهما للضمائر
64 الأسئلة والتمرينات:
66 باب الاشتغال، تعريفه، أركان الاشتغال
68 ناصب الاشتغال، مواضع وجوب نصب المشتغل عنه
69 مواضع ترجيح نصب المشتغل عنه
78 "تنبيهان": أ- ليس من أقسام هذا الباب عند المصنف، ما يجب فيه الرفع
78 ب- لم يعتبر سيبويه إيهام الصفة مرجحا للنصب
80 أمور متممة لما تقدم
80 لا بد في الاشتغال من علقة بين العامل والاسم السابق ... إلخ
86 الأسئلة والتمرينات:
88 باب التعدي واللزوم
88 تعريف المتعدي، علاماته، حكمه
89 تعريف اللازم، علاماته، حكمه
92 أقسامه
95 فصل: لبعض المفاعيل الأصالة في التقدم، وسبب ذلك
97 فصل: يجوز حذف المفعول به لغرض
97 مواضع ذلك
98 فصل: يجوز حذف الناصب
98 وجوب ذلك
99 المواضع التي يصير فيها المتعدي لازمًا(2/396)
الصفحة الموضوع
100 المواضع التي يصير فيها اللازم متعديًا
101 "تنبيهات"
102 الأسئلة والتمرينات:
104 باب التنازع في العمل
104 تعريف، أمثلة للعاملين، شروط العاملين المتنازعين
109 فصل: حكم العاملين المتنازعين من حيث العمل وأيهما يعمل
112 حكم العامل المهمل
113 إذا كان من باب "كان" أو"ظن"
116 "مسألة" في وجوب عمل المهمل في ظاهر
118 "خاتمة"
119 الأسئلة والتمرينات:
121 باب المفعول المطلق
122 تعريف، الفرق بينه وبين المصدر، عامله
124 فصل: فيما ينوب عن المصدر في النصب على المفعولية المطلقة
127 حكم المصدر من حيث التثنية والجمع
128 حذف عامله جوازا ووجوبا
129 قيام المصدر مقام فعله
129 حكم ما لا فعل له
130 حكم ما له فعل، واقع في الطلب، وواقع في الخبر في مسائل
139 "فائدتان": أ- في إضافة المصدر. ب- بعض مصارد مسموعة بالتثنية
141 الأسئلة والتمرينات:
143 باب المفعول له، أو لأجله
143 تعريف، شروطه، حكم فاقد الشروط
145 أحواله من حيث الإعراب(2/397)
الصفحة الموضوع
150 الأسئلة والتمرينات
:
152 باب المفعول فيه؛ وهو المسمى ظرفا
152 تعريف الظرف
153 حكم ما يدل على الزمان أو المكان عرضا
156 فصل: وحكمه النصب، ناصبه
157 وحكمه من حيث الذكر والحذف
158 فصل: أسماء الزمان كلها صالحة للنصب على الظرفية
158 ما يصلح لذلك من أسماء المكان
161 فصل: في الظروف المتصرفة، وغير المتصرفة
163 "فوائد"
164 الأسئلة والتمرينات:
166 باب المفعول معه
166 تعريف، محترزات الشروط
168 الناصب له
169 فصل: في أحوال الاسم الواقع بعد الواو
173 الفرق بين العطف والمعية، اجتماع المفاعيل
175 الأسئلة والتمرينات:
176 باب المستثنى، تعريف
176 أدوات الاستثناء
177 حكم المستثنى بإلا
184 فصل: إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه
186 فصل: حكم "إلا" إذا تكررت
187 الاستثناء المفرغ
191 فصل: أصل "غير" أن يوصف بها(2/398)
الصفحة الموضوع
192 عامل النصب في المستثنى
192 حكم "غير" الاستثنائية، الفرق بينهما وبين "إلا"
193 فصل: في حكم المستثنى "بسوى"
195 فصل: في حكم المستثنى "بليس، ولا يكون"
197 فصل: في حكم المستثنى "بخلا، وعدا"
200 فصل: في حكم المستثنى "بحاشا"
201 معنى "لا سيما"، وإعراب الاسم الواقع بعدها
203 الأسئلة والتمرينات:
205 باب الحال، أنواعها
206 تعريف الحال المؤسسة
207 فصل: في أوصاف الحال
210 مواضع وقوع الحال جامدة، غير مؤوله بالمشتق
216 فصل: أصل صاحب الحال، التعريف
216 ويقع نكرة بمسوغ
220 فصل: حكم الحال مع صاحبها، تقديمًا، أو تأخيرًا
222 شروط مجيء الحال من المضاف إليه
224 فصل: حكم الحال مع عاملها، تقديما، أو تأخيرا
231 شبه الحال بالخبر
234 فصل: في تقسيم الحال إلى مؤسسة ومؤكدة
234 حكم المؤكدة لعاملها، أو لصاحبها، أو لجملة
236 فصل: تقع الحال: اسما مفردا، وجملة
236 شروط الجملة
238 مواضع ربط الجملة بالضمير أو بالواو
242 فصل: مواضع حذف عامل الحال، جوازا، ووجوبا(2/399)
الصفحة الموضوع
245 الأسئلة والتمرينات
247 باب التمييز، تعريف، محترزات التعريف
248 حكم التمييز النصب، ناصبه
249 فصل: أنواع الاسم المبهم أربعة
251 النسبة المبهمة نوعان
252 فصل: حكم التمييز الواقع بعد ما يفيد التعجب، أو التفضيل
254 فصل: يجر التمييز بمن إلا في مسائل
256 لا يتقدم التمييز على عامله
258 "فوائد": إعراب: يا جارتا ما أنت جارة
258 ما يتفق فيه التمييز والحال، وما يختلفان فيه
260 الأسئلة والتمرينات
262 باب حروف الجر، لم سميت بذلك؟، عددها
263 الفرق بين حرف الجر الأصي، والزائد، والشبيه بالزائد
263 حروف الجر الشاذة: متى، لعل، كي
266 الأحراف التي تجر الظاهر والمضمر
267 الأحرف التي تختص بالظاهر، أقسامها
271 فصل: في ذكر معاني الحروف
271 معاني "من"
275 معاني "اللام"
279 معاني "الباء"
281 معاني "في"
283 معاني"على"
284 معاني"عن"(2/400)
الصفحة الموضوع
286 معاني "الكاف"
287 معنى إلى، وحتى
288 معنى "كي"، و"الواو"، و"التاء"
289 معاني "مذ"
290 معنى "رب"
292 فصل: في الحروف المشتركة بين الحرفية والاسمية
294 حكم "مذ" و"منذ"
297 فصل: في حكم من، وعن، والباء، إذا دخلت عليها "ما" الزائدة
301 فصل: في حذف "رب"، وبقاء عملها بعد الفاء، والواو، وبل
304 حذف غير "رب"، وبقاء عمله؛ قياسي وسماعي
305 المواضع التي يطرد فيها الحذف
306 "تنبيه"
306 الظرف التي لا تحتاج إلى متعلق
307 الأسئلة والتمرينات
308 باب الإضافة، معناها
309 ما يحذف للإضافة
309 ضابط الإضافة التي على معنى اللام، وفي، ومن
310 فصل: الإضافة على ثلاثة أنواع
310 نوع يفيد التعريف
310 وثان يفيد التخصيص
312 النوع الذي لا يفيد شيئا ضابطه
315 الإضافة اللفظية
317 فصل: فيما يختص به الإضافة اللفظية
322 "مسألة" في شرط اكتساب المضاف من المضاف إليه(2/401)
الصفحة الموضوع
322 التأنيث، أو التذكير
325 "مسألة" لا يضاف اسم لمرادفه، ما سمع من ذلك يؤول
325 فصل: الغالب على الأسماء صلاحيتها للإضافة والإفراد
327 ما تمتنع إضافته
327 ما تجب إضافته إلى المفرد
328 ما تجب إضافته إلى الجملة مطلقا
335 "إذا" وحكمها
336 "حيث" وحكمها
337 ما تجب إضافته إلى الجمل الفعلية
339 فصل: حكم ما هو بمنزلة "إذا"
341 فصل: في إعراب الزمان المحمول على "إذ" أو"إذا"
344 مما يلزم الإضافة: "كلا" و"كلتا" بشروط
346 حكم "أي" أحوال "أي"
349 حكم "لدن" وما تختص به
352 حكم "مع" وحكم "غير"
356 حكم "قبل" و"بعد" وحكم "أول" و"دون" وأسماء الجهات
361 حكم "حسب" ولها استعمالان
365 حكم "عل"، موافقتها "فوق" ومخالفتها لها
368 فصل: يجوز حذف ما يعلم من مضاف، ومضاف إليه
368 حكم ما إذا كان المحذوف المضاف
371 حكم ما إذا كان المحذوف المضاف إليه
373 فصل: في الفصل بين المتضايفين
374 المسائل التي يجوز فيها الفصل في سعة الكلام
376 المسائل التي تختص بالشعر(2/402)
الصفحة الاسم
379 الفصل بفاعل المضاف
380 الفصل بنعت المضاف، وبالنداء
382 فصل: في أحكام المضاف إلى ياء المتكلم، وما يستثنى من كسر الآخر
383 جواز فتح الياء وإسكانها
387 "تنبيه"
387 إضافة "ابتم" إلى الياء
387 جواز زيادة هاء السكت عند الوقف على الياء
388 الأسئلة والتمرينات
391 أسئلة وتمرينات على حروف الجر(2/403)
فهرس أعلام:
فهرس بأسماء النحاة والقراء الذين وردت أسماؤهم بهذا الجزء
الصفحة الاسم
8 الشامي، من القراء
9 الجرمي
10 ابن جني
26 الجزولي. ابن الحاج
27 ابن الأنباري
31 الطوال
42 الرندي
48 أبو جعفر، من القراء
51 الخضرواي
52 ابن طلحة(2/403)
الصفحة الاسم
53 الأبدي
58 ابن عذرة
59 علقمة - من القراء
59 المهاباذي
71 ابن السيد، وابن بابشاذ
74 ابن الباذش
74 ابن خروف
107 الجرجاني
143 ابن الخباز
166 الصيمري
172 الأصمعي
173 اليزيدي
182 الزمخشري
193 الزجاجي
195 العكبري
230 الحسن البصري - من القراء
263 أبو حيان
370 ابن جماز- من القراء
383 الأعمش - من القراء(2/404)
المجلد الثالث
باب: إعمال المصدر وإسمه
...
بسم الله الرحمن الرحيم
باب: إعمال المصدر واسمه
الاسم الدال على مجرد الحدث، إن كان علمًا؛ كفجار وحماد للفجرة والمحمدة، أو مبدوءًا بميم زائدة لغير المفاعلة؛ كمضرب، ومقتل، أو متجاوزًا فعله الثلاثة، وهو بزنة اسم حدث الثلاثي؛ كغسل ووضوء في قولك: اغتسل غسلًا، وتوضأ وضوءًا؛ فإنهما بزنة القرب والدخول ي: قرب قربًا، ودخل دخولًا؛ فهو اسم مصدر، وإلا فمصدر1 ويعمل المصدر عمله فعله2......................................................
__________
باب إعمال المصدر واسمه:
1- المصدر من حيث معناه: هو الاسم الذي يدل -غالبًا- على الحدث المجرد من غير ارتباط بزمان، أو مكان، أو بذات، أو بعلمية. ومدلوله الحقيقي: أمر معنوي محض، يدل عليه اللفظ المعروف، وتسميته مصدرا مجاز. ولا بد من ناحيته اللفظية أن يشتمل على جميع الحروف الأصلية والزائدة في فعله لفظًا أو تقديرًا، وقد يزيد عنها؛ كأكرمه إكرامًا، ولا يمكن أن ينقص بدون تعويض. أما اسم المصدر، فهو كالمصدر في معناه؛ من حيث دلالته على الحدث المجرد، ويكون علم جنس كما ذكر الموضح. ويخالفه في لفظه بنقص حروفه عن حروف فعله بدون تعويض. وما ذكره المصنف من اعتبار المبدوء بميم زائدة لغير فاعله اسم مصدر، مجانب لما عليه جمهور النحاة؛ من أن يسمى مصدرا ميميًا كما سيأتي - لا اسم المصدر.
هذا: ويرى بعض المحققين أن اسم المصدر، يدل مباشرة على لفظ المصدر لا على الحدث، أما دلالته على الحدث فتبعية؛ جاءت بوساطة دلالته على المصدر. ومن أسماء المصدر: كل اسم يدل على معنى مجرد وليس له فعل، كالقهقري.
2- سواء كان متعديًا أو لازمًا، ويخالف المصدر فعله في أمور؛ أهمها: أن المصدر لا يعمل إلا إذا كان مصدر نائبًا عن فعله. وفي رفعه نائب الفاعل خلاف، والمختار جوازه عند(3/3)
إن كان يحل محله فعل؛ إما مع "أن"1؛ كعجبت من ضربك زيدًا أمس، ويعجبني ضربك زيدًا غذاء؛ أي: أن ضربتهن وأن تضربه. وإما مع "ما"2؛ كيعجبني ضربك زيدًا الآن؛ أي ما تضربه، ولا يجوز في نحو: ضربت ضربًا زيدًا، منصوبًا بالمصدر؛ لانتفاء هذا الشرط3.
__________
أمن اللبس؛ نحو: سررت من رش بالطائرة المبيدات الحشرية. بخلاف الفعل؛ فإنه يعمل وجوبًا بلا شرط، ويتحمل ضمير مرفوعه المحذوفن فاعلًا كان أو نائب فاعل.
1- أي المصدرية، وذلك إذا كان الزمان ماضيًا أو مستقبلًا.
2- أي المصدرية أيضًا، وذلك حين يكون الزمان حالًا ولا تصلح له "أن"، وتدل كذلك على الماضي والمستقبل. وخصت بإرادة الحال لتعذره مع أن، ولأن دلالة "أن" مع الماضي على المضي، ومع المضارع على المستقبل، أشد من دلالة "ما" -هو شرط في عمله في غير الظرف والجار والمجرور، أما عمله فيهما؛ فلا يشترط فيه شيء ما. ويحذف الفعل فينوب عنه مصدره في عمله، وفي تأديه معناه؛ نحو: تعظيمًا والديك، وإشفاقًا على الضعيف، كما تقدم في موضعه.
3- لأنه لا يصلح أن يحل محاله فعل مع "أن" أو "ما"؛ وإنما نصب زيد بضربت؛ لأن المصدر المؤكد لعامله المذكور لا يعمل كما سلف. وما ذكره المصنف لعمل المصدر شرط إيجابي لابد من وجوده، وهنالك شروط سلبية؛ منها:
أ- ألا يكون مصغرا؛ فلا يجوز: أميرك مطاع؛ تريد: أمرك.
ب- ولا ضميرا؛ فلا يصح: حبي والدي عظيم، وهو أمي أعظم، خلافا للكوفيين، ورأيهم ضعيف؛ لأن المضير مصدر.
جـ- ولا مختومًا بالتاء الدالة على الوحدة؛ أي المرة؛ فلا يجوز: سررت بضربتك الفائزة. أما التاء من بنية الكلمة؛ كرحمة ورهبة، فلا تمنع؛ تقول: رحمتك الفقراء دليل على مروءتك وحسن خلقك؟
د- وأن يكون مفردا؛ لا مثنى ولا مجموعًان وشذ إعمال غير المفرد في قول الشاعر:
قد جربوك فما زادت تجاربهم ... أبا قدامة إلا المجد والفنعا(3/4)
وعمل المصدر مضافًا أكثر1؛ نحو: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاس} 2، ومنونًا أقيس3؛ نحو: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا} 4، وبأل قليل ضعيف5؛ كقوله:
ضعيف النكاية أعداءه6
__________
وأجاز بعض العلماء عمل الجميع، وهو رأي مقبول لا مانع من الأخذ به.
هـ- وإلا يكون يكون مفصولًا من معموله بأجنبي ولا بتابع؛ فلا يسوغ: إني أسرع إلى إجابة صارخة المتسجير.
و ولا موصوفا قبل العمل؛ فلا يصح: ساءني عتابك الأليم محمدا.
ز- ولا مؤخرا عن معموله؛ فلا يجوز أعجبني زيدًا ضربك.
1- أي في الاستعمال، وكذلك أبلغ في القول من المنون.
2- الآية 251 من سورة البقرة، والآية 40 من سورة الحج.
3- أي: أوفق بالقياس على الفعل من المضاف؛ لأنه يشبه الفعل بالتنكير، وهو يلي المضاف في الكثرة والفصاحة.
4- "إطعام" مصدر فاعله محذوف "يتيمًا" مفعوله؛ أي "إطعامه يتيمًا "ذي مسغبة" أي مجاعة، صفة ليوم ومضاف إليه. سورة البلد: الآية 14.
5- أي قليل في السماع، ضعيف في القياس؛ لبعده من مشابهة الفعل بدخول "أل" عليه.
6- صدر بيت من المتقارب، ذكره سيبويه ولم ينسبه، وعجزه:
يخال الفرار يراخي الأجل
اللغة والإعراب:- النكاية: الإضرار والأذى؛ من نكيت العدو: أثرت فيه ونلت منه، يخال: يظن. يراخي: يباعد ويؤخر. "ضعيف" خبر لمبتدأ محذوف. "النكاية" مضاف إليه، وهو مصدر محذوف فاعلة. أعداءه" مفعوله ومضاف إليه. "الفرار" مفعول أول "يخال" "يراخي الأجل" الجملة في محل نصب مفعول ثان، وسكن لأجل الوقف.
المعنى: إن هذا الرجل ضعيف لا يستطيع أن يؤثر في أعدائه، أو يقهرهم أو ينازلهم القتال؛ يظن أن الهرب والفرار من الحرب يبعد عنه الموت، ويفسح له في العمر.
الشاهد:- إعمال المصدر المقترن بأل؛ وهو "النكاية"، ونصبه المفعول؛ وهو "أعداءه".(3/5)
واسم المصدر -إن كان علمًا- لم يعمل اتفاقًا1، وإن كان ميميًا، فكالمصدر اتفاقًا2؛ كقوله:
أظلوم إن مصابكم رجلا3
__________
1- لأن الاعلام لا تعمل؛ إذ لا دلالة لها على الحدث الذي يقتضي معمولا؛ وذلك نحو: "يسار" علم لليسر، و"فجار" علم جنس للفجور، وفعله: أفجر، لا فجر. و"برة" علم جنس على البر، وفعله: أبر، لا بر. واسم المصدر العلم لا يضاف، ولا يقبل "أل"، ولا يقع موقع الفعل، ولا يوصف، كما ذكر ذلك صاحب الهمع. وإن كان غير علم، عمل بالشرط الذي يعمل به المصدر غير النائب عن فعله، وإعمال اسم المصدر -مع قياسيته- قليل، ومنه قول الشاعر:
بعشرتك الكرام تعد منهم
ولم يحفظ له شاهدا إلا في حالة الإضافة؛ لأن النصب من خواص الأسماء، فهو يبعد شبه المصدر من الفعل، ويقدر الفعل الماضي والمضار عند إرادة الزمن المستقبل.
2- أوضحنا قريبًا أن الحق أنه مصدر ميمي، لا اسم مصدر.
3- صدر بيت من الكامل، للحارث بن خالد المخزومي، وعجزه:
اهدى السلام تحية ظلم
وبعده:
أقصيته وأراد سلمكم ... فليهنه إذ جاءك السلم
اللغة والإعراب: ظلوم: وصف من الظلم، لقب به الشاعر حبيبته، مصابكم: مصدر ميمي بمعنى الإصابة. "أظلوم" الهمزة للنداء، وظلوم منادي. "مصابكم" اسم إن وهو مصدر بمعنى الإصابة مضاف إلى فاعله. "رجلا" مفعوله. "أهدى السلام" الجملة صفة لرجل. "تحية" مفعول مطلق لأهدى، على حد قعدت جلوسًا، أو حال مؤكد من السلام، أو مفعول لأجله. "ظلم" خبر إن.
المعنى: يقول لمحبوبته -وقد لقبها بظلوم لمعاملتها له-: إن إصابكم رجلًا يتقدم بالتحية تقربا إليكم، ظلم منكم له؛ لأنه يبغي الوصل والقرب، وتجيبونه بالصد والإعراض.(3/6)
وإن كان غيرهما1، لم يعمل عند البصريين، ويعمل عند الكوفيين والبغداديين. وعليه قوله:
وبعد عطائك المائة الرتاعا
__________
الشاهد: -عمل المصدر الميمي- وهو "مصاب" عمل الفعل؛ فقد أضيف إلى فاعله؛ وهو كاف المخاطب، ونصب المفعول، وهو "رجلا".
1- أي غير العلم، وذي الميم المزيدة لغير المفاعلة.
2- عجز بيت من الوافر، لعمير بن شبيم، المعروف بالقطامي، وصدره:
أكفرًا بعد رد الموت عني
وهو من قصيدته التي مطلعها:
قفي قبل التفرق يا ضباعا ... ولا يك موقف منك الوداعا
وفيها يخاطب ويمدح زفر بن الحارث الكلابي، وكان قد خلصه من الأسر وأطلق سراحه، ورد عليه ماله، واعطاه مائة بعير من غنائم الذين أسروه.
اللغة والإعراب: أكفرا: الكفر هنا: جحد النعمة. الرتاعا: جمع راتعة، وهي الإبل التي ترتع وترعى كيف شاءت لا يمنعها أحد. "أكفرا" الهمزة للاستفهام الإنكاري، و"كفرا" مفعول مطلق لفعل محذوف، أي: أأكفر كفرا؟ "بعد" ظرف متعلق بكفر. "رد الموت" مضاف إليه. "وبعد" السابق. "عطائك" مضاف إليه، وهو اسم مصدر مضاف إليه فاعله، ومفعوله الأول محذوف؛ أي عطائك إياي. "المائة" مفعوله الثاني. "الرتاعا" صفة لمائة.
المعنى: كيف أجحد نعمتك، وأنكر فضلك عليَّ، وإحسانك إليَّ، بعد أن أطلقت سراحي من أسري، وخصلتني من يد أعدائي؛ فحلت بيني وبين الموت المحقق، ولم تكتف بذلك؛ بل أعطيتني مائة من الإبل الراتعة السمينة؛ تفضلًا منك وكرمًا؟
الشاهد: -إعمال اسم المصدر- وهو "عطاء" -عمل الفعل؛ فأضيف لفاعله، ونصب المفعول، وهذا قليل. وفيما تقدم يقول الناظم:
بفعله المصرد الحق في العمل ... مضافًا أو مجردًا أو مع أل(3/7)
ويكثر أن يضاف المصدر إلى فاعله، ثم يأتي مفعوله1؛ نحو: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} [الحج: 40] ، ويقل عكسه كقوله:
قرع القواقيز أفواه الأباريق2
__________
إن كان فعل مع "أن" أو "ما" ... يحل محله ولاسم مصدر عمل*
أي ألحق المصدر بفعله في العمل، فاجعله مثله في التعدي واللزوم وغيرهما؛ سواء كان مضافًا، أو مبدوءًا بأل، أو مجرد من أل والإضافة؛ وهو المنون؛ وإنما يعمل بشرط أن يصح إحلال فعل مسبوق بـ"أن" أو "ما" المصدريتين محله، وإلا فلا يعمل، واسم المصدر قد يعمل أحيانًا عمل الفعل كما بين المصنف.
1- أي إن وجد له مفعول، ويكون الفاعل مجرورا في اللفظ، مرفوعا في المحل.
2- عجز بيت من البسيط، للمغيرة بن عبد الله المعروف بالأقيشر الأسدي، وصدره:
أفنى تلادي وما جمعت من نشب
اللغة والإعراب:- التلاد: المال القديم، كالتالد والتليد، وضده: الطريف. النشب: المال الثابت الذي لا يستطاع نقله؛ كالدور ولاضياع. القواقيز: جمع قاقوزة، وهي القد الذي يشرب فيه الخمر، والقرع: ضرب شيء صلب بمثله؟ "تلادي" تلاد مفعول به لأفنى، والياء مضاف إليه. و"ما" الواو عاطفة، و"ما" اسم موصول معطوف على تلادي، "جمعت" الجملة صلة ما "قرع" فاعل أفنى، وهو مصدر مضاف إلى القواقيز، مفعوله. "أفواه الأباريق" أفواه فاعل بالمصدر، والأباريق مضاف إليه.
المعنى:- إن معاقرتي للخمر ومعاشرة إخوان السوء، ذهب بجميع أموالي التي ورثتها عن آبائي، وما جمعته بجهدي وعملي، سواء في ذلك المنقول منها والثابت.
الشاهد:- إضافة المصدر؛ "وهو قرع"، إلى مفعوله؛ وهو "القوقيز"، ثم الإتيان.
__________
* بفعله: بفعل متعلق بألحق، والهاء مضاف إليه. "المصدر" مفعول مقدم لألحق. "مضافا" حال من المصدر، وكذلك ما عطف عليه. فعل "اسم كان" مع "ظرف معلق بمحذوف، نعت لفعل. "أن" مضاف إليه مقصود لفظه. "أو ما" معطوف على أن "يحل" فعل مضارع، وفاعله يعود إلى فعل، والجملة خبر كان: "محله" محل ظرف مكان منصوب، والهاء مضاف إليه. "ولاسم" جار ومجرور خبر مقدم. "مضاف إليه" عمل "مبتدأ مؤخر، وسكن للشعر.(3/8)
وقد يختص بالشعر؛ ورد بالحديث: "وحج البيت من استطاع إليه سبيلًا" 1؛ أي: وأن يحج البيت المستطيع.
وإما إضافته إلى الفاعل، ثم لا يذكر المفعول وبالعكس، فكثير؛ نحو: {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء} [إبراهيم: 40] 2، ونحو: {لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} [فصلت: 49] 3، ولو ذكر لقيل: دعائي إياك، ومن دعائه الخير. وتابع المجرور يجر على اللفظ، أو يحمل على المحل فيرفع4؛ كقوله:
طلب المعقب حقه المظلوم5
__________
بالفاعل؛ وهو "أفواه" وذلك قليل. وروي: "قرع القوارير"، جمع قارورة؛ وهي الزجاجة.
1- "حج" مصدر مضاف إلى مفعوله؛ وهو "البيت". "من" اسم اموصول فاعله. وقد عدل المصنف عن الاستدلال بالآية: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] ؛ لاحتمال كون "من" بدلًا يحتمل أن تكون مبتدأ خبره محذوف؛ أي فعليه أن يحج. وجعلها فاعلا للمصدر يفسد معه المعني؛ لأن المعنى يكون حينئذ: ولله على الناس -مستطيعهم وغير مستطيعهم- أن يحج البيت المستيطعن فيلزم تأثيم جميع الناس بتخلف المستطيع؛ فتدبر.
2- "دعاء" مصدر مضاف إلى الفاعل وهو ياء المتكلم، ومفعوله محذوف؛ أي دعائي إياك. الآية 40 من سورة إبراهيم.
3- "دعاء الخير" مصدر مضاف لمفعوله، وفاعله محذوف؛ أي من دعائه الخير. وقد يضاف المصدر إلى الظرف فليجره، ويرفع الفاعل وينصب المفعول؛ كالمنون؛ نحو: إهمال اليوم التلميذ الاستذكار ضار بمستقبله.
4- أي: إذا كان المجرور فاعلا أو نائب فاعل، وهذا مذهب الكوفيين، وذهب سيبويه، وجمهور البصريين، إلى عدم جواز الإتباع على المحل، وما ورد مما ظاهره الاتباع على المحل يؤول بتقدير رافع للمرفوع وناصب للمنصوب. ورأي الكوفيين وأولى بالسير عليه.
5- عجز بيت من الكامل للبيد بن ربيعة العامري، يصف حمارا وحشيًا وأتانا، وصدره:(3/9)
أو ينصب1؛ كقوله:
مخافة الإفلاس والليانا
__________
حتى تهجر في الرواح وهاجها
اللغة والإعراب:- تهجر: سار في الهاجرة؛ وهي نصف النهار وقت اشتداد الحر.
الرواح: الوقت من زوال الشمس إلى الليل. هاجها: أزعجها وأثارها. المعقب: الغريم الذ ي يطلب حقه بإلحاح "حتى": حرف غاية لكلام متقدم، "تهجر": فعل ماض وفاعله يعود على الحمار الوحشي. "وهاجها": الواو عاطفة، و"هاجها": فعل ومفعول، وفاعله يعود أيضًا على الحمار، و"ها": عائدة على أتان كانت مرافقته له. "طلب المعقب": طلب مفعول مطلق لهاج، والمعقب مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى فاعله. "حقه": مفعوله ومضاف إليه. "المظلوم" -بالرفع- نعت للمعقب باعتباره محله.
المعنى:- حتى سار ذلك الحمار الوحشي عند شدة الحرا بعد الزوال، وأزعج أتانه، وطلبها طلبًا متواصلًا؛ كما يطلب الغريم المظلوم حقه ودينه من غريمه بشدة وإلحاح.
الشاهد:- رفع "المظلوم"- وهو نعت للمعقب المجرور لفظًا -بإضافة المصرد؛ وهو "طلب" ولكنه مرفوع محلًا؛ لأنه فاعل للمصدر.
1- أي إن كان المجرور مفعولًا.
2- عجز بيت من الرجز، لزيادة العنبري، ونسب في كتاب سيبويه لرؤبة بن العجاج، وصدره:
قد كنت داينت بها حسانا
اللغة والإعراب:- دانيت بها: أخذتها بدلا من دين لي عليه، والهاء عائدة على جارية معروفة الليانة: المماطلة "قد" حرف تحقيق. "كنت" كان واسمها. "دانيت" الجملة خبر كان "حسانا" مفعول داينت. "مخافة" مفعول لأجله."الإفلاس" مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله، والفاعل محذوف؛ أي مخافتي الإفلاس "والليانا" معطوف بالنصب على محل الإفلاس.
المعنى:-كنت قد أخذت هذه الجارية من حسان بدلًا من دين لي عليه؛ لخوفي من إفلاسه، ومماطلته في دفع ما عليه من الدين.
الشاهد: عطف الليانا -بالنصب- على الإفلاس؛ لأنه -وإن كان مجرورا لفظا بإضافة المصدر؛ وهو "مخافة"، لكنه منصوب محلا- مفعول للمصدر، ويجوز جعل "الليانا" مفعولا معه، ويكون معطوفا على "مخافة" على حذف مضاف.(3/10)
.......................................................................................................................
__________
وإلى إضافة المصدر لما بعده، وإتباعه على اللفظ أو المحل، يشير الناظم بقوله:
وبعد جره الذي أضيف له ... كمل بنصب أو برفع عمله
وجر ما يتبع ما جر ومن ... راعي في الإتباع المحل فحسن1
أي بعد إضافة المصدر إلى ما أضيف له، وجره المضاف إليه، كمل عمله بالنصب أو بالرفع؛ وذلك بنصب ما بعده مفعولا به إن كان المصدر مضافا للفاعل، وبرفعه إن كان المصدر مضافا للمفعول. وإنه جاء تابع للمضاف إليه المجرور، فجر هذا التابع مراعيًا لفظ المجرور، أو راع محل المضاف إليه؛ من رفع أو نصب، فارفع التابع أو أنصبه، وهذا حسن، والإتباع على المحل جائز في جميع التوابع عند الكوفيين وطائفة من البصريين. وأجازه سيبويه ومن وافقه في العطف والبدل. ومنعه في النعت والتوكيد، والحق الجواز في الجميع؛ لورود السماع به.
تنبيهان:
1- إعمال اسم المصدر قليل وإن كان قياسيًا، وقال الصيمري: إعماله شاذ.
2- قال الأشموني: المصدر المقدر بالحرف المصدري والفعل مع معموله، كالموصول مع صلته؛ فلا يتقدم ما يتعلق به عليه؛ كما لا يتقدم شيء من الصلة على الموصول.
ولا يفصل بينهما بأجنبي؛ كما لا يفصل بين الموصول وصلته. وإذا ورد ما يوهم شيئًا من ذلك، أول.
أما المصدر الآتي بدلًا من اللفظ بفعله، فلا يتقدم ما يتعلق به عليه؛ لأن الأصح أنه مساوٍ لاسم الفاعل فيتحمل الضمير.
ولا يرى الرضي مانعا من تقديم معموله عليه إذا كان ظرفا أو شبهه؛ قال تعالى: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّه} [النور: 2] ، {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْي} [الصافات: 102] .
__________
1- "بعد" ظرف متعلق بكمل. "جره" مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله. "الذي" مفعول للمصدر. "أضيف له" ماض للمجهول، والجملة صلة الموصول. "عمله" مفعول كمل ومضاف إليه. "جر" فعل أمر. "ما" اسم موصول، مفعوله. "يتبع" الجملة صلة. "ما" الثانية مفعول يتبع. "جر" الجملة صلة. "ومن" اسم شرط جازم، مبتدأ. "راعي" فعل الشرط. "فحسن" الفاء للربط، و"حسن" خبر لمبتدأ محذوف؛ أي فرأيه حسن، والجملة جواب الشرط، وجملة الشرط وجوابه خبر "من".(3/11)
...........................................................................................................
__________
الأسئلة والتمرينات:
1- عرف كلًا من المصدر واسمه، وبين الفرق بينهما في اللفظ والمعنى، مع التمثيل.
2- اذكر أقسام المصدر، وأيها أكثر استعمالا؟ وهات مثالين لكل قسم.
3- هات ثلاثة أمثلة لمصدر مضاف إلى فاعله، ومثلهما لمصدر مضاف إلى مفعوله.
4- ما الذي يشترط في المصدر ليعمل عمل فعله؟ وضح بالمثال.
5- اشرح قول ابن مالك:
وجر ما يتبع ما جر ومن ... راعى في الاتباع المحل فحسن
6- بين موضع الاستشهاد بما يأتي في هذا الباب: قال تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا} ، {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ، يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} ، {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ} .
في الحديث الشريف: "من قبلة الرجل امرأته الوضوء".
يا من يعز علينا أن نفارقهم ... وجداننا كل شيء بعدكم عدم
بضرب بالسيوف رءوس قوم ... أزلنا هامهن عن المقيل
إذا صح عون الخالق المرء لم يجد ... عسيرًا من الآمال إلا ميسرًا
بعشرتك الكرام تعد منهم ... فلا ترين لغيرهمو ألوفا
7- أعرب قول الشاعر الآتي، وبين ما فيه من شاهد، واشرح معناه شرحا أدبيًا:
المن للذم داع بالعطاء فلا ... تمنن فتلفى بلا حمد ولا مال
8- بين فيما يأتي: المصدر ونوعه، واسم المصدر مع بيان المعمول وتابعه:
إن وجدي بك الشديد أراني ... عاذرًا من عهدت فيك عذولًا
وحمدك المرء ما لم تبله خطأ ... وذمك المرء بعد الحمد تكذيب
لا شيء أنقص للأحرار من إفشائهم الأسرار. مخالفة الطالب أستاذه من سوء التربية. يجب أن تكون معاملة الآباء لبنيهم بدافع الشفقة والحنان. محبة الوطن من الإيمان من البر إكرام ضيفًا وإغاثة محتاج(3/12)
باب: إعمال إسم الفاعل
مدخل
...
باب: إعمال اسم الفاعل
وهو: ما دل على الحدث وفاعله؛ فخرج بالحدوث نحو: أفضل، وحسن1؛ فإنهما إنما يدلان على الثبوت،2 وخرج بذكر فاعله نحو: مضروب، وقام3.
فإن كان صلة لـ"أل" عمل مطلقًا4، وإن لم يكن عمل بشرطين5.
أحدهما: كونه للحال أو الاستقبال6، لا الماضي؛ خلافًا للكسائي، ولا حجة له في
__________
1- أي: من اسم التفضيل، والصفة المشبهة.
2- أي ثبوت الصفة للموصوف، وملازمتها له، كما سيأتي إيضاحة في موضعه.
3- "مضروب": اسم مفعول، وهو يدل على المفعول، لا على الفاعل. و"قام": فعل، والفعل يدل بوضعه على الحدث والزمان، ودلالته على الفاعل بطريق الالتزام.
4- أي من غير تقييد بزمن، أو اعتماد على شيء، أو غير ذلك من الشروط الآتية؛ وذلك لأنه مع "أل" الموصولة يحل محل الفعل، والفعل يعمل في جميع الأحوال؛ فكذلك ما حل محله. وإلى ذلك يشير الناظم بقوله:
وإن يكن صلة "أل" ففي المضي ... وغيره إعماله قد ارتضي*
5- المراد: عمل النصب في المعفول، أما رفعه الفاعل فبغير شرط، إذا كان الفاعل ضميرًا مستترًا أو بارزًا، كما سيأتي بيانه.
6- وكذلك إذا كان بمعنى الاستمرار المتجدد؛ أي الذي يحدث ثم ينقطع ثم يعود ... إلخ. وقيل في اشتراط هذا: إنه إنما يعمل حملا على مضارعة، وهو بمعنى الحال أو الاستقبال؛ فإن كان بمعنى الماضي، فقد زال شبهه بالمضارع، فلا وجه لعمله.
__________
* "وإن يكن" شرط وفعله، واسم يكن يعود على اسم الفاعل. "صلة أل" صلة خبر يكن، وأن مضاف إليه. "ففي المضي" متعلق بارتضي، والفاء للربط. "وغيره" معطوف على المضي، ومضاف إليه. "إعماله"مبتدأ ومضاف إليه."قد ارتضى" الجملة خبر، وجملة المبتدأ والخبر جواب الشرط.(3/13)
{بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} 1؛ لأنه على حكاية الحال. والمعنى: يبسط ذراعيه، بدليل: {وَنُقَلِّبُهُم} 2، ولم يقل: وقلبناهم.
والثاني: اعتماده3 على استفهام، أو نفي، أو مخبر عنه، أو موصوف؛ نحو: أضارب زيد عمرًا؟ وما ضارب زيد عمرًا، وزيد ضارب أبوه عمرًا، ومررت برجلٍ ضارب أبوه عمرًا4.
والاعتماد على المقدر5 كالاعتماد على الملفوظ به؛ نحو: مهين زيد عمرًا ام مكرمة؟ أي: أمهين؟ 6، ونحو: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُه} 7؛ أي صنف مختلف ألوانه8.
وقوله:
__________
1- حجته: أن "باسطا" اسم فاعل بمعنى الماضي، وقد عمل النصب في "ذراعيه".
2- فقد أتى بالمضارع الدال على الحال، وكذلك الواو في "وكلبهم"؛ فإنها للحال، والذي يحسن وقوعه بعدها المضارع لا الماضي؛ فإنه يقال: سافر محمد وأبوه يبكي، ولا يحسن أن يقال: وأبو بكى.
3- أي: لأن ذلك يقربه من الفعل. وهذا شرط لعمله النصب في المفعول، وفي الفاعل الظاهر، كما سيأتي، أما عدم المضي فشرط لعمله في المفعول فقط. ويشترط فيه -علاوة على الشرطين المذكورين- ألا يكون مصغرا؛ فلا يصح: ضويرب محمدا، ولا موصوفا قبل العمل؛ كالمصدر؛ فلا يسوغ: راكب "مسرع" سيارة. فإن تأخر النعت عن المنعوت جاز، وخالف الكسائي في هذين الشرطين.
4- "ضارب" اسم فاعل صفه لرجل، و"أبوه" فاعل به، و"عمرا" مفعوله. ومثل ذلك الحال؛ لأنه صفة في المعنى؛ نحو: جاء محمد راكبًا أبو فرسا.
5- أي من جميع ما ذكر من الاستفهام، والنفي، والمخبر عنه، والموصوف، وذي الحال.
6- بدليل وجود "أم" المعادلة؛ فمهين اسم فاعل، وقد رفع "زيدٌ"، ونصب "عمرا" اعتمادا على الاستفهام المقدر.
7- سورة فاطر: الآية 38، والنمل: 69.
8- التمثيل بهذه الآية، إما سهو، أو مبني على أن الاعتماد شرط للعمل، حتى في المرفوع،(3/14)
كناطح صخرة يومًا ليوهنها1
أي: كوعل ناطح. ومنه: يا طالعًا جبلًا، أي يا رجلًا طالعًا. وقول ابن مالك: إنه اعتمد على حرف النداء، سهو؛ لأنه2 مختص بالاسم فكيف يكون مقربا من الفعل؟ 3.
__________
وهو رأي ضعيف، والصحيح عند النحاة: أن رفعه الفاعل لا يشترط فيه شيء، أما الاعتماد فشرط لنصبه المفعول به، وليس في الآية مفعول به.
1 صدر بيت من البسيط، للأعشى، ميمون بن قيس، وعجزه:
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
اللغة والإعراب: ليوهنها: ليضعفها. يضرها: يضرها ويؤثر فيها. أوهى: أضعف.
الوعل: التيس الجبلي، وجمعه أوعال، ووعول. "كناطح" جر ومجرور خبر لمبتدأ محذوف، وهو صفة لمحذوف؛ أي كوعل ناطح. "صخرة" مفعول ناطح. "ليوهنها" اللام لام التعليل، و"يوهن" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد اللام، والفاعل يعود إلى وعل، و"ها" مفعول. "قرنه" قرن مفعول "أوهى"، والهاء مضاف إليه. "الوعل" فاعل.
المعنى: أن الذي يطلب ويرجو من الأشياء ما لا يستطيع الوصول إليه، يتعب نفسه، ويخيب أمله، ولا يظفر بشيء، كالتيس الذي ينطح بقرنه صخرة صلبة ليضعفها ويفتتها؛ فلا يؤثر ذلك فيها شيئًا، ويرجع وقد أتعب نفسه، وآذى قرنه بلا جدوى.
الشاهد: -عمل اسم الفاعل -وهو "ناطح"- النصب في "صخرة" لاعتماده في المعنى على الموصوف المقدر. وفي البيت شاهد على جواز تقديم المفعول المضاف إلى ضمير الفاعل على الفاعل.
2 أي حرف النداء.
3 قال الصبان: يجاب عن الناظم، بأنه لم يدع أن حرف النداء مسوغ؛ بل إن الوصف إذا ولي حرف النداء عمل، وهذا لا ينافي كون المسوغ الاعتماد على الموصوف المحذوف. وإنما صرح بذلك مع دخوله في قوله بعد:
وقد يكون نعت محذوف عرف
لدفع توهم أن اسم الفاعل لا يعمل إذا ولي حرف النداء؛ لأن النداء يبعده عن الفعل.(3/15)
فصل: في صيغ المبالغة، وشروط عملها
تحول صيغة "فاعل" للمبالغة والتكثير1 إلى "فعال"، أو "فعول"، أو "مفعالٌ"
__________
وقد أشار الناظم إلى الشرطين اللذين ذكرهما المصنف بقوله:
كفعله اسم فاعل في العمل ... إن كان عن مضيه بمعزل
وولي استفهامًا أو حرف ندا ... أو نفيًا أو جا صفة أو مسندا
وقد يكون نعت محذوف عرف ... فيستحق العمل الذي وصف2
أي: إن اسم الأفعل يكون في العمل -تعديا ولزوما- كفعله، بشرط أن يكون بمعزل -أي بعد- عن الزمان الماضي، وأن يقع بعد استفهام، أو حرف نداء، أو نفي، أو يكون صفة، أو مسندا؛ بأن يكون خبرا لمبتدأ أو لناسخ، وقد يكون نعتا لمنعوت محذوف معروف فيعمل عمل فعله، كما لو اعتمد على مذكور.
1- أي: المبالغة والكثرة في معنى الفعل الثلاثي الأصلي، ولذلك تسمى: صيغة المبالغة. ولا تصاغ في الغالب إلا من مصدر فعل ثلاثي متصرف، متعد، ما عدا صيغة "فعال"؛ فتصاغ من من مصدر الثلاثي اللازم والمتعدي، وقد اجتمعا في قول الشاعر:
وإني لصبار على ما ينوبني ... وحسبك أن الله أثنى على الصبر
ولست بنظار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العليا في جانب الفقر
ويندر أن تصاغ من غير اسم الفاعل الثلاثي "كأفعل"؛ لأن اسم فاعل غير الثلاثي يكون على فاعل؛ نحو: دراك، وسئار، من أدرك- وأسأر؛ أي أبق في الكأس بقية، ومعطاء، ومعوان؛ من أعطى، وأعان. وسميع، ونذير؛ من أسمع، وأنذر، وزهوق؛ من
__________
2- "كفعله" جار ومجرور خبر مقدم."اسم فاعل" مبتدأ مؤخر ومضاف إليه. "في العمل" متعلق بما تعلق به قوله "كفعله"، أو بالكاف لما فيها من معنى التشبيه. "إن كان" شرط وفعله، واسم كان يعود على "اسم فاعل". "عن مضيه" متعلق بمعزل الواقع خبر لكان، وجواب الشرط محذوف للعلم به؛ أي: وإن كان بمعزل عن مضيه فهو كفعله في العمل، "وولي" معطوف على "كان" في البيت السابق، أو الواو للحال، وبعدها "قد" مقدرة، والجملة حال من اسم كان. "استفهامًا" مفعول ولي. "أو حرف ندا أو نفيا" معطوفان على "استفهاما". "أو جا" -بالقصر- معطوف على ولي. "صفة" حال من فاعل جاء. "أو مسندا" عطف على صفة. "وقد" حرف تقليل. "يكون" فعل مضارع ناقص واسمها يعود على اسم الفاعل. "نعت" خبرها مضاف إلى محذوف. "عرف" فعل ماض للمجهول، والجملة صفة لقوله: "محذوف" فليستحق" فعل مضارع معطوف بالفاء على يكون. "العمل" مفعول يستحق. "الذي" نعت للعمل. "وصف" فعل ماض للمجهول، والجملة صلة الذي.(3/16)
بكثرة، وإلى "فعيل"، أو "فعل"، فيعمل عمله بشروط1؛ قال:
أخا الحرب لباسا إليها جلالها2
__________
أزهق.
1- أي تخضع لجميع الأحكام اليت يخضع لها اسم الفاعل بنوعية؛ المجرد من "أل"، والمقرون بها، وعملها قياسي على الأصح.
وإلى صيغ المبالغة وحكمها يشير ابن مالك بقوله:
فعال أو مفعال أو فعول ... في كثرة عن "فاعل" بديل
فيستحق ما له من عمل ... وفي "فعيل" قل ذا و"فعل"3
أي أن صيغة فعال، ومفعال، وفعيل، تغني -عند إرادة الكثرة- عن صيغة"فاعل"، وتستحق ما تستحقه من العمل عند استيفاء الشروط. ثم ذكر أن استعمال صيغتي "فعيل" و"فعل" قليل في الدلالة على المبالغة.
2- صدر بيت من الطويل، للقلاخ بن حزن بن جناب المنقري، وعجزه:
وليس بولاج الخوالف أعقلا
اللغة والإعراب: أخا الحرب: أي مؤاخيها وملازمها. إليها: إلى بمعنى اللام؛ أي لها. جلالها: جميع جل؛ والمراد: ما يلبس في الحروب من الدروع ونحوها. ولاج: كثير الولوج؛ أي الدخول: الخوالف: جمع خالفة؛ وهي عمود البيت أو الخيمة، والمراد هنا: الخيمة نفسها أو البيت. أعقلا: الأعقل: الذي تصطك ركبتاه من الفزع. "أخا الحرب لباسا" حالان من ضمير متكلم واقع اسم إن في قوله قبل:
فإن تك فاتتك السماء فإنني ... بأرفع ما حولي من الأرض أطولا
__________
3- "فعال" مبتدأ وليس بنكرة؛ بل هو علم على وزن خاص. "في كثرة عن فاعل: متعلقان ببديل الواقع خبرا عن فعال وما عطف عليه. "فيستحق" الفاء للتفريع، وفاعل "يستحق" يعود على المذكور من الصيغ. "ما" اسم موصول مفعوله. "له" جار ومجرور، صلة ما. "من عمل" جار ومجرور بيان لما. "وفي فعيل" متعلق بـ"قل".
"ذا" اسم إشارة فاعل "قل"، وتابعه محذوف؛ أي العمل. "وفعل" معطوف على فعيل، والتقدير: وقل هذا العمل في فعيل وفعل.(3/17)
وقال:
ضروب بنصل السيف سمانها1
وحكى سيبويه: إنه لمنحار بوائكها2.
وقال:
__________
"إليها" متعلق بلباس. "جلالها" مفعول بلباس، ومضاف إليه. "ولبس" الواو عاطفة، واسم ليس يعود إلى "أخا الحرب". "بولاج" خبر ليس على زيادة الباء. أعقلا" خبر ثان لليس، أو حال من اسمها، أو نعت لولاج، ممنوع من الصرف للوصفية، ووزن أفعل.
المعنى: يمتدح الشاعر نفسه بالشجاعة والإقدام ويقول: نه رجل حرب، يلبس لها لباسها، ويقتحمها إذا شبت نيرانها، ولا يختبئ في البيوت أو الخيام خوفا وفزعا؛ أي أنه مقدام جيء غير جبان، ويقول عن نفسه:
أنا القلاح بن جناب بن جلا ... أخو خنائير أقود الجملا
الشاهد: إعمال صيغة المبالغة- وهي "لباس" عمل الفعل واسم الفاعل؛ فنصبت المفعول؛ وهو "جلالها" وقد اعتمدت على موصوف مذكور؛ وهو "أخا الحرب".
1- صدر بيت من الطويل، لأبي طالب بن عبد المطلب، عم النبي، من قصيدة يرثي فيها أبا أمية بن المغيرة المخزومي، زوج أخته عاتكة بنت عبد المطلب، وعجزه:
إذا عدموا زادًا فإنك عاقر
اللغة والإعراب: ضروب: صيغة مبالغة لضارب، نصل السيف: حده وشفرته.
سوق: جمع ساق. سمانها: جمع سمينة، ضد الهزيلة، وهي الممتلئة الجسم. عاقر: اسم فاعل من العقر، وهو الذبح. "ضروب" خبر لمبتدأ محذوف؛ أي أنت ضروب، مثلا "سوق" مفعول به لضروب. "سمانها" مضاف إليه، وباقي الإعراب واضح.
المعنى: يصف الشاعر أبا أمية بالكرم والجود وقت العسرة، ويقول: إنه كان جوادا، واسع الكرم؛ يعقر الإبل السمان للضيفان، إذا أعسر الناس، ولم يجدوا زادا، وقد كانوا يضربون قوائم الإبل بالسيوف قبل الذبح؛ لإضعافها؛ فيتمكنوا من ذبحها.
الشاهد: إعمال صيغة المبالغة -وهي "ضروب"- عمل الفعل؛ فنصب بها المفعول؛ وهو "سوق" وقد اعتمدت على مخبر عنه محذوف، كما بينا في الإعراب.
2- بوائكها: جمع بائكة، وهي السمينة الحسناء من النوق، وهي منصوبة بمنحار، صيغة مبالغة من ناحر، وقد اعتمدت على مخبر عنه محذوف؛ وهو اسم "إن".(3/18)
فتاتان أما منهما فشبيهة ... هلالاً................1
وقال: أتاني أنهم مزقون عرضي2
__________
1- جزء من بيت من الطويل، لعبد الله بن قيس الرقيات، وتمامه:
......................................... ... وأخرى منهما تشبه البدرا
اللغة والإعراب:- فتاتان: تثنية فتاة؛ ويه الجارية الحديثة السن، هلالا: الهلال: القمر لليلتين، أو ثلاث من أول الشهر. البدر: القمر عند تمامه وكماله. "فتاتان" خبر لمبتدأ محذوف، أي هما فتاتان. "أما" حرف شرط وتفصيل. "منهما" خبر لمبتدأ محذوف. "فشبيهة" الفاء زائدة، وشبيهة خبر لمبتدأ محذوف أيضًا، والتقدير: أما فتاة منهما فهي شبيهة، وفي شبيهة ضمير مستتر هو الفاعل. "هلالا" مفعول به لشبيهة؛ وهو من أشبه، وذلك من النادر. "وأخرى" صفة لمبتدأ محذوف؛ أي وفتاة أخرى. "منهما" صفة لأخرى. "تشبه البدرا" الجملة خبر المبتدأ.
المعنى: أن هاتين الفتاتين جميلتان؛ غير أن إحداهما تشبه الهلال في نحافتها، والأخرى تشبه البدر في سمنها وإشراقتها.
الشاهد: في "شبيهة هلالا"؛ حيث أعمل صيغة المبالغة -وهي "شبيهة"- عمل الفعل؛ فنصب بها المفعول، وقد اعتمدت على مخبر عنه محذوف، كما أوضحنا في الإعراب.
هذا: وقد ورد هذا الشاهد بروي آخر هو: "تشبه الشمسا"، وبعده:
فتاتان في سعد السعود ولدتما ... ولم تلقيا يوماً هوانًا ولا نحسا
2- صدر بيت من الوافر، لزيد الخيل الطائي، وهو الذي سماه الرسول: "زيد الخير، وكان يلقب بزيد الخيل لكثرة خيوله، وعجزه:
جحاش الكرملين لها فديد
اللغة والإعراب: مزقو، جمع مزق؛ مبالغة في مأزق، من المزق؛ وهو: شق الثياب ونحوها، ويستعمل في شق العرض مجازًا. عرضي: عرض الإنسان: ما يحميه ويصونه ويدافع عنه من حسبه ونسبه. جحاش. فديد: صياح وتصويت. "أتاني" أتى فعل ماض، والنون للوقاية، والياء مفعول "أنهم" أن واسمها. "مزقون" خبرها، وهي ومعمولاها في(3/19)
فصل: في تثنية إسم الفاعل، وجمعه، وكذلك صيغ المبالغة
تثنية اسم الفاعل وجمعه، وتثنية أمثلة المبالغة وجمعها، كمفردهن في العمل والشروط1؛ قال الله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا} 2، وقال الله تعالى: {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} 3، وقال: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} 4، وقال الشاعر:
__________
تأويل مصدر فاعل أتاني. "عرضي" مفعول لمزقون، والباقي واضح.
المعنى: يقول عن قوم توعدوه بالشر: بلغني أن هؤلاء القوم يتطاولون علي، وينالون عرضي بالقدح والذم، ولست أعبأ بهؤلاء، ولا أصغي لترهاتهم؛ فهم عندي كالجحوش التي ترد هذا الماء، وتتزاحم عليه، وهي تنهق وتصيح، وتحدث جلبة كاذبة.
الشاهد: إعمال صيغة المبالغة، وهي "مزقون"؛ فإنه جمع مزق، كاسم الفاعل، وهو معتمد على مخبر عنه؛ وهو اسم إن.
1- وفي ذلك يقول الناظم:
وما سوى المفر مثله جعل ... في الحكم والشروط حيثما عمل*
أي أن غير المفرد -من اسم الفاعل وأمثلة المبالغة- مثل المفرد في العمل والشروط المتقدمة، ولا فرق بين أن يكون الجمع جمع مذكر سالما، أو جمع مؤنث، أو جمع تكسير هذا: وإعمال أمثلة المبالغة رأي سيبويه وأصحابه، وحجتهم السماع، والحمل على أصلها؛ وهو اسم الفاعل؛ لأنها محولة عنه لقصد المبالغة. ويمنع الكوفيون إعمال شيء منها، وحملوا المنصوب بعدها على تقدير فعل، كما منعوا تقديمه عليها. ويرده قول العرب: "أما العسل فأنا شرابٌ". ولم يجز بعض البصريين إعمال "فعيل" و"فعل".
2- لفظ الجلالة منصوب بالذاكرين، وهو جمع ذاكر، وفاعله مستتر فيه. ولا يحتاج لشرط؛ لاقترانه بأل.
3- "هن" مبتدأ. "كاشفات" خبر، وهو جمع كاشفة، وفاعلها مستتر فيها. "ضره" مفعول، ومضاف إليه، وهي معتمدة على مخبر عنه؛ وهو "هن".
4- "خشعًا" جمع خاشع. "أبصارهم" فاعل به لاعتماده على صاحب الحال.
__________
* "وما" اسم موصول مبتدأ."سوى المفرد" سوى ظرف متعلق بمحذوف، صلة ما. "المفرد" مضاف إليه. "مثله" مفعول ثان مقدم لجعل الواقع خبرا للمبتدأ. "في الحكم" متعلق بجعل. "والشروط" معطوف على الحكم، "حيثما" ظرف متعلق بجعل، و"ما" زائدة. "عمل" الجملة في محل جرب بإضافة حيث إليها.(3/20)
والناذرين إذا لم القهما دمي1
وقال:
غفر ذنبهم غير فخر
"غفر" جمع غفور، و"ذنبهم" مفعوله.
__________
1- عجز بيت من الكامل، لعنترة العبسي، وصدره:
الشائمي عرضي ولم أشتمهما
وهو من معلقته المشهورة، في حصين ومرة؛ ابن ضمضم، المذكورين في قوله قبل:
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للحرب دائرة على ابني ضمضم
اللغة والإعراب: الشاتمي: مثنى شاتم؛ من الشتم، وهو الرمي بالمكروه من القول.
الناذرين: تثنية ناذر؛ وهو الذي يوجب على نفسه ما ليس بواجب عليه. "الشاتمي" صفة لابني ضمضم، مجرور الياء لأنه مثنى. "عرضي" مضاف إليه. ولم "أشمتهما" الواو للحال، والجملة في محل نصب حال. "والناذرين" معطوف على الشاتمي، "دمي" مفعول للناذرين على تقدير مضاف؛ أي سفك دمي.
المعنى: أخشى أن أموت ولم أنتقم من ابني ضمضم؛ اللذين يشتماني، ويقدحان في عرضي، ولم أسئ إليهما، وينذران على أنفسهما -حين أكون غائبًا عنهما- سفك دمي وقتلي؛ فإذا حضرت أو لقياني، أمسكا عن كل ذلك؛ هيبة مني، وجبنا منهم وفزعا.
الشاهد: إعمال مثنى اسم الفاعل المقترن بأل -وهو "الناذرين- عمل المفرد؛ فنصب المفعول -وهو "دمي"- بدون اعتماد على شيء.
2- عجز بيت من الرمل، لطرفة بن العبد، من قصيدته التي مطلعها:
أصحوت اليوم أم شاقتك هر ... ومن الحب جنون مستعر
وصدره:
ثم زادوا أنهم في قومهم
اللغة والإعراب: هر: مرخم هرة: اسم محبوبته. غفر: جمع غفور؛ مبالغة في غافر فخر: جمع فخور؛ مبالغة كذلك في فاخر. "ثم" حرف عطف. "زادوا" زاد فعل ماض، وواو الجماعة فالع. "أنهم" أن واسمها، روي بفتح الهمزة على تقدير الباء؛ أي زادوا بأنهم، وبكسرها على الاستئناف لبيان سبب الزيادة، "في قومهم" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من اسم أن. "غفر" خبر أن، وفاعله مستتر فيه، "ذنبهم" مفعوله، ومضاف(3/21)
فصل: في حكم الإسم الفضلة الذي يلي الوصف العامل
يجوز في الاسم الفضلة1 الذي يتلو الوصف العامل: أن ينصب به، وأن يخفض بإضافته2، وقد قرئ {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِه} ، {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} 3، بالوجهين4. وأما ما عدل التالي فيجب نصبه5؛ نحو: {خَلِيفَةً} من
__________
إليه، والإضافة لأدنى ملابسة؛ لأنهم إنما يغفرون ذنب من يذنب إليهم. "غير فخر" غير خبر ثان لأن، وفخر مضاف إليه، وسكن للوقف، ويروى: غير فجر؛ من الفجور.
المعنى: أن هؤلاء القوم زادوا على غيرهم -فوق ما هم عليه من الإقدام والشجاعة- بأنهم كثير والعفو عن الزلات، والصفح عن الإساءات، وأنهم- مع ما لهم من الخصال الكريمة- لا يفخرون، ولا يتباهون بشيء، أو لا يرتكبون آثاماً.
الشاهد: إعمال جمع صيغ المبالغة -وهو"غفر"- عمل المفرد، وقد اعتمد على مخبر عنه مذكور؛ وهو اسم أن.
1- المراد بالفضلة: المنصوب على أنه مفعول به، أو خبر كان وأخواتها. أما الحال والتمييز فلا يضاف الوصف إليهما، وكذا لا يضاف إلى الفاعل في المعنى.
2- محل جواز الوجهين في الاسم الظاهر، أما الضمير المنفصل فيجب نصبه، وأما المتصل فيجب جره بالإضافة لعدم التنوين؛ نحو: هذا مكرمك؛ خلافا للأخفش وهشام؛ فقد جعلاه في محل نصب.
3- الآية 3 من سورة الطلاق، والآية 38 من سورة الزمر.
4- أي بالنصب والخفض؛ فنصب "امره" على المفعولية، وخفضهما على الإضافة.
5- أي: لتعذر الإضافة بسبب الفصل بالتالي، ومحل النصب إن لم يكن فاعلا، وإلا وجب رفعه؛ نحو: هذا ضارب محمدا أبوه. ويتلخص من هذا: إن التالي للوصف العامل، تارة يجب جره، وتارة يجب نصبه، وتارة يجوز فيه الأمران، وفي ذلك يقول الناظم:
وأنصب بذي الإعمال تلواً وأخفض ... وهو لنصب ما سواه مقتضي*
أي أنصب المفعول التالي لاسم الفاعل العامل؛ أي المستوفي شروط العمل، أو جره على
__________
* "بذي" متعلق بانصب. "الإعمال" مضاف إليه. "تلوا" مفعول انصب. "وهو" مبتدأ. "لنصب" متعلق بمقتضي.
"ما" اسم موصول مضاف إليه. "سواه" سوى ظرف، والهاء مضاف إليه، وهو متعلق بمحذوف صلة "ما". "مقتضي" خبر المبتدأ "هو".(3/22)
قوله: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة} 1. وإذا أتبع المجرور2، فالوجه جر التابع على اللفظ؛ فتقول: هذا ضارب زيد وعمرو. ويجوز نصبه بإضمار وصف منون3، أو فعل اتفاقًا4، وبالعطف على المحل عند بعضهم.
ويتعين إضمار الفعل إن كان الوصف غير عامل؛ فنصب {الشَّمْس} في:
__________
الإضافة، ويكون في محل نصب، فإن نصب أكثر من مفعول، جاز جر واحد، ووجب نصب الباقي. أما التالي للوصف غير العامل، فيجب جره بالإضافة، وينصب ما عداه -ولو أكثر من واحد- بفعل محذوف؛ نحو: هذا معطي محمد أمس درهما، ومعلم محمد أمس عليا قائما. وهذا أيضاً إن لم يكن فاعلا، وإلا وجب رفعه عند جمهور النحاة؛ نحو: هذا مكرم أخوه أمس.
1- من الآية 30 من سورة البقرة.
2- أي بالوصف بأحد التوابع. أما المنصوب فلا يجوز جر تابعه؛ لأن شرط الإتباع على المحل كونه أصلياً، والأصل في الوصف المستوفي للشروط العمل، لا الإضافة؛ لالتحاقه بالفعل.
3- فيقال في المثال: وضارب عمرا، ويكون حينئذ معمولا للتابع المقدر لا تابعا.
4- فتقول ويضرب عمرا، قيل: وإضمار الوصف أرجح؛ ليطابق المذكور، ولأن حذف المفرد أسهل من حذف الجملة، ويحتمل المذهبين قول الناظم:
وأجرر أو أنصب تابع الذي انخفض ... كـ"مبتغي جاءه ومالاً من نهض*
أي أن تابع الاسم المجرور على الوجه السالف، يجوز فيه الجر والنصب؛ نحو: من نهض مبتغي جاه ومالاً؛ فكلمة "مالا" معطوفة على "جاه" المجرور بالإضافة؛ لأنها منصوبة باعتبارها مفعولاً لاسم الفاعل.
__________
* "تابع" مفعول تنازعه الفعلان قبله. "الذي" اسم موصول مضاف إليه. "انخفض" الجملة صلة الذي "كمبتغي" الكاف جاره لقول محذوف في موضع رفع، خبر لمبتدأ محذوف، و"مبتغي" اسم فاعل خبر مقدم وفاعله مستتر فيه."جاه" مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل لمفعوله. "ومالا" منصوب بإضافة وصف منون أو فعل، أو هو معطوف على محل جاه. "من" اسم موصول مبتدأ مؤخر. "نهض" الجملة صلة الموصول، والتقدير: وذلك كقولك: الذي نهض مبتغي جاه ومالا.(3/23)
{وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ} 1، بإضمار جعل لا غير2، إلا إن قدر "جاعل" على حكاية الحال3.
__________
1- من الآية 96 من سورة الأنعام.
2- فلا يجوز النصب بإضمار وصف منون، ولا بالعطف على المحل؛ لأن الوصف غير عامل؛ لكونه بمعنى الماضي.
3- فحينئذ يجوز النصب على الوجهين السابقين؛ أي بإضمار وصف منون، أو بالعطف على محل الليل؛ لأن الوصف على هذا يكون عاملا؛ لكونه بمعنى "يجعل".
هذا: وقد اختلف في ناصب المنصوب: هل هو فعل مضمر يفسره اسم الفاعل، أو اسم الفاعل نفسه؟ كما اختلف في الأحسن بالنسبة للمعمول التالي للعامل: أهو الجر بالإضافة، أم النصب؟ ذهب سيبويه إلى أن النصب أولى، وقيل: الجر أولى؛ لأنه أخف.
تنبيهات:
أ- إذا كان اسم الافعل مجردًا من أل والإضافة، جاز تقديم معمول عليه؛ نحو: محمد أنا مكرم. وإن كان مقترنا بأل لم يجز تقديم شيء من معمولاته عليه، إلا شبه الجملة؛ لأن أل الداخلية عليه موصولة، واسم الفاعل مع فاعله بمنزلة الصلة لها، والصلة وما يتبعها لا تتقدم على الموصول، وكذلك إذا كان مجرورًا بالإضافة، أو بحرف جر أصلي؛ نحو: هذا رداء معلم الحساب، ذهب محمد بمعلم القراءة، فإن كان حرف الجر زائدا جاز التقديم؛ نحو: ليس محمد خليلا بمكرم. وأجاز البعض تقديم المعمول إذا كان اسم الفاعل مضاف إليه، والمضاف كلمة "غير"، أو "حق"، و "جد"، أو "مثل"، أو "أول"؛ نحو: المنافق الوعد غير منجز، محمد الأعداء جد قاهر، أو حق قاهر، كاتبنا جودة مثل الشاعر، محمد ضيفا أول مكرم. وكذلك يجوز تقديم المعمول على مبتدأ يكون اسم الفاعل خبرًا له؛ نحو: الغرباء أنت مكرم.
ب- لا يجوز إضافة اسم الفاعل إلى مرفوعه سواء كان لازما أو متعديا، إلا إذا أريد به الثبوت والدوام، وقامت قرينة على ذلك، وحينئذ يصير صفة مشبهة تجري عليه أحكامها الآتية في بابهما، ويسمى باسمها على الرغم من بقائه على صورته، بخلاف المصدر، فإنه يضاف للفاعل والمفعول.(3/24)
.....................................................................................................................
__________
وقيل في علة ذلك: إنه يجوز حذف فاعل المصدر، ولا يجوز ذلك في اسم الفاعل.
جـ- إذا أريد باسم الفاعل الاستمرار، جاز اعتبار إضافته محضة؛ بالنظر إلى معنى المضي فيه، وبذلك يقع صفة للمعرفة ولا يعمل. وجاز اعتبارها غير محضة؛ بالنظر إلى الحال والاستقبال، وبذلك يقع صفة للنكرة ويعمل فيما أضيف إليه.(3/25)
باب: إعمال اسم المفعول
وهو: ما دل على حدث ومفعوله1؛ كمضروب ومكرم. ويعمل علم فعل المفعول2.
وهو كاسم الفاعل، في أنه إن كان بأل، عمل مطلقاً، وإن كان مجرداً، عمل بشرط الاعتماد3، وكونه للحال أو الاستقبال: تقول: زيد معطي أبو درهماً الآن أو غداً4، كما تقول: زيد يعطي أبوه درهماً، وتقول: المعطى كفافاً يكتفي5، كما تقول: الذي يعطى أو أعطي، فـ"المعطى": مبتدأ، ومفعوله الأول مستتر عائد إلى "أل"6، و"كفافا" مفعول ثان، و"يكتفي "خبر.
__________
باب إعمال اسم المفعول
1- أي على معنى مجرد، وعلى الذات التي وقع عليها هذا الحدث.
2- أي الفعل المبني للمفعول؛ أي للمجهول. فإن كان متعديا لواحد رفعة بالنيابة، وإن كان متعديا لاثنين أو ثلاثة رفع واحد بالنيابة، ونصب غيره؛ قال الناظم:
فهو كفعل صيغ للمفعول في ... معناه كـ"المعطى كفافاً يكتفي*
3- أي على استفهام، أو نفي، أو مخبر عنه، أو موصوف، أو ذي حال؛ كما سبق إيضاحه في اسم الفاعل.
4- "زيد" مبتدأ. "معطى" خبره، وهو اسم مفعول متعد لاثنين. "أبوه" نائب فاعل وهو المفعول الأول."درهماً مفعوله الثاني. ومعطي مجرد من أل، وقد اعتمد على المخبر عنه.
5- مثال للمقرون بأل، وهو يعمل بلا شرط، وقد مثل به الناظم.
6- وهو مرفوع المحل؛ لأنه نائب فاعل، و"أل" في المعطى موصولة، ومعطى صلتها، وأشار
__________
* "فهو" الفاء فاء الفصيحة وهو مبتدأ. كفعل متعلق بمحذوف خبر. "صيغ" فعل ماض للمجهول، والجملة صفة لفعل. "للمفعول" متعلق بصيغ، "في معناه"متعلق بالكاف لما فيها من معنى التشبيه. "كالمعطى" الكاف جارة لقول محذوف خبر لمبتدأ محذوف، و"أل"، موصولة مبتدأ نقل إعرابها إلى ما بعدها؛ لأنها على صورة الحرف، ونائب فاعل "معطى" يعود إلى "أل" وهو مفعوله الأول. "كفافا" المفعول الثاني، والكفاف: ما يكفي الإنسان من غير إسراف. "يكتفي" الجملة خبر المبتدأ الذي هو "أل" الموصولة.(3/26)
وينفرد اسم المفعول1 عن اسم الفاعل2 بجواز إضافته إلى ما هو مرفوع به في المعنى3؛ وذلك بعد تحويل الإسناد عنه4 إلى ضمير راجع للموصوف5، ونصب الاسم على التشبيه6؛ تقول:.................................
__________
بقوله: الذي يعطى أو أعطى، إلى أنه يحتمل الأزمنة الثلاثة، وإلى حكم اسم المفعول، أشار الناظم بقوله:
سوكل ما قرر لاسم فاعل ... يعطى اسم مفعول بلا تفاضل*
أي كل ما تقرر لاسم الفاعل من العمل والشروط -مما ذكره المصنف- يثبت لاسم المفعول بلا زيادة على شيء من الشروط.
1- أي القاصر المصوغ من المتعدي لواحد إذا أريد به معنى الثبوت والاستمرار، لا اسم المفعول المراد به الحدوث.
2- أي المتعدي لأكثر من واحد، وأريد به الحدوث، والذي أجمع النحاة على امتناع إضافته لمرفوعه. أما اسم الفاعل اللازم إذا أريد به الدوام؛ كضامر البطن، وعالي القامة، فيجوز إضافته إلى مرفوعه؛ كاسم المفعول.
3- وذلك إجراء له مجرى الفة المشبهة، في جواز الإضافة إلى المرفوع، ويبقى على وزنه الأصلي؛ وهو زنة "مفعول" من الثلاثي، وزنة مضارعة المبني للمجهول من غير الثلاثي، مع إبدال أوله ميمًا مضمومة كما سيأتي.
4- أي عن المرفوع.
5- أي باسم المفعول، فيجعل نائب الفاعل ضمير الموصوف؛ لأنه لو أضيف إليه من غير تحويل، لزم إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن الوصف عين مرفوعه في المعنى، ولا يصح حذفه؛ لعم الاستغناء عنه.
6- أي نصب الاسم المرفوع به على التشبيه بالمفعول به؛ لأن بعد تحويل الإسناد عنه إلى ضمير الموصوف، أشبه الفضلة؛ لاستغناء الوصف عنه بالضمير. ثم يجر بعد ذلك.
__________
* "وكل" مبتدأ. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "قرر" فعل ماض للمجهول والجملة صلة ما. "يعطى" مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل مستتر هو المفعول الأول. "اسم" مفعول ثان ليعطى. "مفعول" مضاف إليه، والجملة خبر المبتدأ. "بلا" متعلق بيعطى، و"لا" اسم بمعنى غير مضافة إلى ما بعدها.(3/27)
الورع محمود مقاصده1،ثم تقول: الورع محمود المقاصد، بالنصب2، ثم تقول: الورع محمود المقاصد، بالجر3.
__________
بالإضافة فراراً من قبح إجراء وصف المتعدي لواحد مجرى وصف المتعدي لاثنين؛ فالجر فرع النصب، وهذا فرع الرفع.
1- "مقاصده" مقاصد نائب فاعل "محمودة"، والهاء مضاف إليه.
2- وذلك بعد تحويل الإسناد عن المرفوع إلى ضمير الموصوف؛ فنائب الفاعل ضمير مستتر يعود على الورع، وينصب المرفوع -وهو المقاصد- على التشبيه بالمفعول به.
3- أي بجر المقاصد بالإضافة. وفي إضافة اسم المفعول لمرفوعه، يشير الناظم بقوله:
وقد يضاف ذا إلى اسم مرتفع ... معنى كـ"محمود المقاصد الورع"*
هذا: وقد وردت صيغ سماعية بمعنى اسم المفعول المصوغ من مصدر الثلاثي، في الدلالة على الذات والمعنى، ولكنها ليست على زنته.
ومن ذلك: "فعيل" بمعنى مفعول، نحو كحيل بمعنى مكحول، و"فعل"؛ "كذبح" بمعنى مذبوح، "وفعل" كنقص بمعنى مقنوص، و"فعلة" كمضغة بمعنى ممضوغة، وغرفة بمعنى مغروفة، وأكلة بمعنى مأكولة يقتصر في ذلك على المسموع.
ومن الخير والتسامح أن تعمل عمل اسم مفعول بشروطه، فترفع نائب فاعل حتما. وقد تنصب مفعولا به أو أكثر، إن كان فعلها المبني للمجهول كذلك.
تنبيه:
ذكر في الأشموني: أن جواز إلحاق اسم المفعول بالصفة المشبهة، وقياسه عليها في جواز إضافته إلى المرفوع؛ إنما يكون إذا كان على وزنه الاصلي، وهو: وزن "مفعول" من الثلاثي، ووزن المضارع المبني للمجهول من غيره؛ فإن حول عن ذلك إلى "فعيل" ونحوه -مما سيأتي بيانه- لم يجز؛ لكراهة كثرة التغيرات؛ فلا يقال: مررت برجل كحيل عينه، ولا قتيل أبيه، ويجوز: مكحول عينه ومقتول أبيه.
__________
* "ذا" اسم إشارة إلى اسم المفعول، وهو نائب فاعل "يضاف"إلى اسم "جار ومجرور، متعلق بـ "يضاف". "مرتفع" نعت لاسم. "معنى" تمييز، أو منصوب على نزع الخافض. "كمحمود" الكاف اسم بمعنى مثل، خبر لمبتدأ محذوف؛ أي وذلك مثل، "محمود" خبر مقدم. "المقاصد" مضاف إليه، من إضافته اسم المفعول لمرفوعه في المعنى. "الورع" مبتدأ مؤخر.(3/28)
.................................................
__________
الأسئلة والتمرينات:
1- عرف كلا من اسمي الفاعل والمفعول تعريفا مفصلا يوضح الفرق بينهما.
2- ماذا يشترط في اسم الفاعل لينصب المفعول إذا كان بأل، أو مجردا منها؟ ووضح ما تقول بأمثلة من عندك.
3- ما حكم المعمول التالي لاسم الفاعل؟ وما حكمه إذا لم يكن تالياً له؟ وضح ذلك.
4- كيف تعرف تابع المعمول المجرور؟ أشرح ذلك بأمثلة من إنشائك.
5- أشرح قول ابن مالك.
وقد يضاف ذا إلى اسم مرتفع ... معنى: كـ"محمود المقاصد الورع"
6- يستشهد النحويون بما يأتي في باب اسمي الفاعل والمفعول، بين موضع الاستشهاد، وأعرب ما تحته خط:
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} .
{وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} .
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّين} .
وفي الحديث: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار:
أمنجز أنتمو وعداً وثقت به ... أم اقتفيتم جميعاً نهج عرقوب
حذر أموراً لا تضير وآمن ... ما ليس منجيه من الأقدار
وعاجز الرأي مضياع لفرصته ... حتى إذا فات أمراً عاتب القدرا
ما الراحم القلب ظلاماً وإن ظلما ... ولا الكريم بمناع وإن حرما
هل أنت باعث دينار لحاجتنا ... أو عبد رب أخا عون بن مخراق
ولست بمفراح إذا الدهر سرني ... ولا جازع من صرفه المتقلب
7- أعرب ما تحته خط في البيتين، وبين ما فيهما من شاهد:
عشية سعدي لو تراءت لراهب ... بدومة تجر دونه وحجيج
قلى دينه واهتاج للشوق إنها ... على الشوق إخوان العزاء هيوج(3/29)
..................................................................................................................
__________
8- بين فيما يأتي: اسمي الفاعل والمفعول، وأمثلة المبالغة، ومعمول كل وتابعه، وحكمه.
الإنسان المخلص في عمله، الباذل جهده في إتقانه المطيع أمر خالقه - يكون دائمًا مطمئن النفس، غير مضطرب القلب، سميعاً أمر رؤسائه، مرضيا عنه من الله والناس. أما غير المخلص، المرائي الرؤساء، المضيع الوقت في العبث، القول غير الفعال- فهو محروم من الطمأنينة، غير مستوجب مرضاة الله والناس. قال الجاحظ: المشورة لقاح العقول ورائدة الصواب.
وكم مالئ عينيه من شيء غيره ... إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى
ما عاش من عاش مذموماً خلائقه ... ولم يمت من ثوى بالخير مذكورا
ذريني فإن البخل يا أم مالك ... لصالح أخلاق الرجال سروق
لا تحسب المجد تمراً أنت آكله ... لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدن القرع للأبواب أن يلجأ
تباركت إني من عذابك خائف ... وإني إليكم تائب النفس باخع
ضحوك السن إن نطقوا بخير ... وعند الشر مطراق عبوس
لكل جديد لذة غير أنني ... وجدت جديد الموت غير لذيذ
9- أعرب البيت الآتي، وأشرحه، وبين ما فيه من شاهد:
وما كل ذي لب بمؤتيك نصحه ... ولا كل مؤت نصحه بلبيب(3/30)
باب: أبنية مصادر الثلاثي 1
اعلم أن للفعل الثلاثي2 ثلاثة أوزان:
"فعل" بالفتح؛ ويكون متعديًا؛ كضربه، وقاصراً؛ كقعد. و"فعل" بالكسر؛ ويكون
__________
باب أبنية مصادر الثلاثي:
1- للفعل الثلاثي مصادر كثيرة، العبرة فيها على السماع. وما يذكره النحويون من الضوابط لمجرد الحصر التقريب لغير المسموع؛ فإذا ورد فعل ولم يعلم مصدره، أتى بمصدر له على الوزن الغالب المقرر في أمثاله، فإن سمع له مصدر على غير القياس يكتفي به.
2-أي المجرد؛ وذلك باعتبار ماضيه فقط. أما باعتبار الماضي مع المضارع، فيأتي على ستة أوجه يسميها الصرفيون أبوابا؛ لأن "فعل" -بالفتح- يأتي مضاعره مثلث العين. و"فعل" -بالكسر- يأتي مضارعه مفتوح العين، أو مكسورها لا غيره، و"فعل" بالضم لا يكون مضارعه إلا مضموم العين. وإليك مجمل القول في هذه الأبواب:
الباب الأول: "فعل يفعل"؛ كضرب يضرب، وجلس يجلس، وهو مقيس مطرد في المثال الواوي؛ كوعد يعد، بشرط ألا تكون لامه حرف حلق؛ كوقع، وحروف الحلق ستة؛ وهي: الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء. وفي الأجوف اليائي؛ كجاء يجيء، وفاء يفيء.
وفي الناقص اليائي، كأتى يأتي، بشرط ألا تكون عينه حرف حلق؛ كسعى. وفي المضعف اللازم؛ كفر يفر. وما عدا ذلك مقصور على السماع.
الباب الثاني: "فعل يفعل"؛ كنصر ينصر، وأخذ يأخذ. وهو مقيس في الأجوف الواوي: كجال يجول، وقال يقول. والناقص الواوي أيضًا؛ كصفا يصفو، وسما يسمو والمضعف المتعدي؛ كمده يمده، وصب الماء يصبه.
وفي كل تقصد به المفاخرة والغلبة؛ نحو: ناصرته فأنا أنصره، وسابقته فأنا أسبقه، ويشترط ألا يكون من الأنواع التي يجب فيها كسر العين في الباب السابق.
الباب الثالث: "فعل يفعل" كبدأ يبدأ. ويكثر فيما كانت عين ماضيه أو لامه حرف حلق؛ كذهب يذهب، وفتح يفتح.
ويشترط ألا يكون مضعفا، وإلا فهو على ما سبق؛ من كسر اللازم، وضم المتعدي. وما(3/31)
قاصرًا؛ كسلم، ومتعديًا؛ كعلمه. و"فعل" بالضم، ولا يكون إلا قاصرًا1؛ كظرف.
فأما "فعل" و""فعل" المتعديان، فقياس مصدرهما "الفعل"2؛ فالأول: كالأكل،
__________
جاء من هذا الباب غير حلقي، فشاذ؛ كأبي يأبى. وقد اشتهر الكسر في مضارع: رجع، ونزع، ونضج. والضم في: دخل، وصرخ، ونفخ، وقعد، وأخذ، وطلع، وبزغ، وبلغ، ونخل. فينبغي الاقتصار على ما اشتهر.
الباب الرابع: "فعل يفعل"؛ كعلم يعلم، وفهم يفهم، ولا ضابط لهذا الباب؛ وإنما يكثر فيه الأفعال الدالة على الفرح وتوابعه، والامتلاء، والخلو، والألوان، والعيوب، والخلق الظاهرة التي تذكر لتحلية الإنسان؛ كفرح، وطرب، وغضب، وحزن، وشبع، وروي، وعطش، وحمر، وعمش، وعور، وهيف.
الباب الخامس: "فعل يفعل" كحسب يحسب، وولي يلي. وهو نادر في الصحيح، كثير في المعتل. قيل: ولم يرد في اللغة من أفعال هذا الباب إلا خمسة عشر فعلا من المعتل؛ هي: ورث المال، ولي الأمر، ورم الجرح، ورع عن الشبهات، ومق؛ أي أحب، وفق، وثق به، وري المخ، وجد عليه؛ أي حزن، وعق عليه، ورك؛ أي اضطجع، وكم؛ أي اغتم، وقه، وهم، وعم الدار؛ قال لها: أنعمي.
وورد أحد عشر فعلا تكسر عينها في الماضي، ويجوز الكسر والفتح في المضارع؛ منها: حسب، يش، يبس، ولخ الكلب، وغر الصدر، وبق؛ أي هلك.
الباب السادس: "فعل يفعل" كعظم يعظم، وكرم يكرم، ولا يكون إلا لازما كما ذكر المصنف. وأفعال هذا الباب تدل على الأوصاف الخلقية؛ أي التي لها مكث. ولم يرد "فعل" يائي العي، إلا "هيئو الرجل"؛ أي حسنت هيئته، ولا يأتي الام إلا "نهو الرجل"؛ أي صار ذا نهية؛ أي عقل.
هذا: ولك أن تنقل وتحول إلى هذا البناء كل فعل ثلاثي تريد به الدلالة على أن معناه صار كالغزيرة، أو أردت التعجب منه، أو القدح فيه، كما سيأتي في باب التعجب؛ تقول: حسن يحسن، ورفه يرفه.
1- وقد يتعدى بالتضمين كما سبق في "بابه". انظر 103 جزء ثان، أو بالتحويل كما بينا هنا.
2- سواء كان الفعل صحيحا أو معتلا، إلا إن دل على صناعة فمصدره -في الغالب-(3/32)
والضرب، والرد، والثاني: الفهم، واللثم، والأمن.
وأما "فعل" القاصر؛ فقياس مصدره "الفعل"؛ كالفرح، والأشر، والجوى، والشلل1، إلا إن دل على حرفة أو ولاية؛ فقياسه "الفعالة"؛ كولي عليهم ولاية2.
وأما "فعل" القاصر، فقياس مصدره الفعول3، كالقعود، والجلوس، والخروج إلا
__________
"فعالة"؛ كحاك حياكة، وصاغ صياغة، وخاط خياطة، والمراد بالقياس: أنه إذا ورد فعل لم يعلم مصدره، يقاس على ذلك، ولا يقاس مع السماع.
قال الناظم مشيرا إلى مصدر "فعل"، و"فعل":
فعل قياس مصدر المعدي ... من ذي ثلاثة كـ"ردَّ ردًّا"*
1- يشير بتكرار الأمثلة إلى أنه لا فرق بين أن يكون صحيحاً، أو معتلا، أو مضعفاً؛ وإليه أشار الناظم بقوله:
و"فعل" اللازم بابه "فعل" ... كفرح وكجوى وكشلل**
2- مثله: ساس البلاد سياسة، وراض الخيل رياضة. وهذا المصدر يأتي في "فعل" المتعدي الدال على صناعة كما سلف، واللازم كما سيأتي، ويستثنى منه ما دل على لون؛ فإن الغالب في مصدره "فعلة"؛ كحمرة، وسمرة، وأدمة، وما دل على معنى ثابت، فقياسه "فعولة؛ نحو: يبس يبوسة. أو "فعالة"؛ كبراعة، وما دل على معالجة؛ أي محاولة حسية، فمص3 دره "فعول"؛ كصعد صعوداً، وقدم قدوماً.
3- هذا إذا كان صحيح العين، فإن كان معتلها فالغالب في مصدره أن يكون على وزن
__________
* "فعل" مبتدأ، وسوع الابتداء بالنكرة إنه مراد به لفظ "فعل" المذكور؛ فهو من قبيل الأعلام "قياس مصدر" قياس خبر، ومصدر مضاف إليه. "المعدى" مضاف إليه لمصدر، وأصله نعت لمحذوف؛ أي مصدر الفعل المعدى. "من ذي ثلاثة": "من ذي" جار ومجرور متعلق بمحذوف، حال من المعدى، وثلاثة مضاف إليه، و "من" للتبعيض. "كرد ردا" الكاف جارة لقول محذوف، و"ردا" مفعول مطلق.
** "وفعل" مبتدأ أول."اللازم" نعته. "بابه فعل" بابه مبتدأ ثان ومضاف إليه، وفعل خبر، والجملة خبر الأول "كفرح" خبر لمبتدأ محذوف، وما بعده عطف عليه.(3/33)
إن دل على امتناع؛ فقياس مصدره "الفعال"؛ كالإباء1، والنفار، والجماح، والإباق، أو على تقلب2؛ فقياس مصدره "الفعلان"؛ كالجولان، والغليان، أو على داء؛ فقياسه "الفعال"؛ كمشى بطنه مشاء. أو على سير؛ فقياسه "الفعيل"؛ كالرحيل، والذميل3.أو على صوت؛ فقياسه "الفعال"، أو "الفعيل"4؛ كالصراخ، والعواء، والصهيل، والنهيق، والزئير5. أو على حرفة أو ولاية؛ فقياسه "الفعالة"؛ كتجر تجارة، وخاط خياطة، وسفر
__________
"فعل"؛ كنام نوما، وصام صوما. أو على "فعال"؛ كصام صياما، وقام قياما. أو "فعالة"؛ كناح نياحة. قال الناظم:
و"فعل" اللازم مثل قعدا ... له "فعول" باطراد كغدا*
يقال غدا غدوا؛ أي: أتى، أو ذهب في وقت الغدوة، وهي أول النهار.
1- الإباء: مصدر أبى بمعنى امتنع، أما أبى بمعنى كره؛ فهو متعد؛ تقول: أبيت الشيء، إذا كرهته.
2- أي تنقل: وحركة متقلبة: فيها اهتزاز واضطراب، لا مطلق تحرك؛ فلا يرد: قام قياما، ومشى مشيا، وسعى سعيا.
3- الذميل: ضرب من سير الإبل، فيه رفق ولين، وهو دون الرسيم.
4- يجتمع الفعال والفعيل في نحو: صرخ الطفل، ونعب الغراب، ونعق الراعي. ويكون "فعال" مصدرا لما يدل على مرض كما تقدم، أو صوت؛ نحو: بغم الظبي بغاما، و"فعيل" لما يدل على سير كما سلف، أو صوت أيضًا، نحو: صهل الفرس صهيلا؛ فـ"أو" ليست للتخيير، اللهم إلا إذا لم يسمع أحدهما.
5- الزئير: صوت الأسد؛ مصدر زأر. والنهيق: صوت الحمار؛ مصدر نهق؛ قيل: ويختص "فعال" بالناقص؛ مثل رغاء، وثغاء، فلا يأتي على فعيل، كما يغلب "فعيل" في المضاعف؛ نحو: أزيز، وأنين. وقد تجيء الأصوات على "فعال"؛ كالعرار؛ وهو صياح
__________
* "وفعل" مبتدأ أول. "اللازم" نعته. "مثل" حال من الضمير في اللازم. نعته. "مثل" حال من الضمير في اللازم. "قعدا" مضاف إليه، مقصود لفظه. "له" خبر مقدم. "فعول" مبتدأ ثان مؤخر، والجملة خبر المبتدأ الأول، "باطراد" حال من الضمير المستكن فلي له. "كغدا" جار ومجرور، خبر لمبتدأ محذوف.(3/34)
بينهم سفارة، إذا أصلح1.
وأما "فعل" بالضم، فقياس مصدره "الفعولة"؛ كالصعوبة، والسهولة، والعذوبة، والملوحة، و"الفعالة"؛ كالبلاغة، والفصاحة، والصراحة2.
__________
الظليم. وإلى المستثنيات مصدر "فعل" مفتوح العين اللازم، يشير ابن مالك بقوله:
ما لم يكن مستوجبًا "فعالًا" ... أو "فعلانًا فادر أو "فعالا"
فأول لذي امتناع كأبى ... والثان للذي اقتضى تقلبا
للدَّا "فعال" أو لصوت وشمل ... سيراً وصوتاً "الفعيل" كصهل*
أي: إن مصدر "فعل اللازم هو "فعول" باطراد، ما لم يستوجب الفعل مصدر آخر على وزن "فعال" أو "فعلان" فالأول، وهو "فعال"، يكون مصدرا لكل فعل دل على امتناع؛ كأبى إباءً، وامتنع امتناعاً، والثاني: وهو "فعلان"، يكون مصدرا لكل فعل دل على حركة وتقلب واضطراب؛ مثل: جال جولانا، والثالث: وهو "فعال"، لما يدل فعله على داء او مرض؛ نحو: سعل سعالًا. أو على صوت؛ نحو: نعب نعابا، ويستعمل "الفعيل" مصدراً للفعل الذي يدل على الصوت أو السير؛ نحو: صهل الخيل صهيلا، ورحل الضيف رحيلا. وقد جاء مصدر "فعل" اللازم على غير ذلك كثيرا؛ مثل: قام قياما، ولها لهوا، وفسد فسادا، وطغى طغيانا.
1- ويتبين من هذا أن "فعالة" مطرد في كل ما دل على حرفة أو ولاية، سواء كان الفعل متعديا أو لازما، مفتوح العين أم مكسورها.
2- يكون المصدر على وزن "فعولة" غالباً، إذا جاءت الصفة المشبهة منه على وزن "فعل"؛ نحو: سهل فهو سهل، وعذب فهو عذب؛ فالمصدر: سهولة وعذوبة، وعلى وزن "فعالة"
__________
* "ما" مصدرية ظرفية. "مستوجبا" خبر يكن، واسمها ضمير مستتر، وفاعل مستوجب ضمير مستتر فيه "فعلال" مفعوله، "فادر" فعل أمر، والجملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه."فأول" مبتدأ، "لذي امتناع" متعلق بمحذوف خبر ومضاف إليه. "كأبى" خبر لمبتدأ محذوف. "والثان للذي" مبتدأ وخبر."أو لصوت" معطوف على للدا. "سيرا" مفعول شمل مقدم. "وصوتا" معطوف عليه. "الفعيل" فاعل شمل مؤخر. "كصهل" خبر لمبتدأ محذوف.(3/35)
وما جاء مخالفاً لما ذكرنا فبابه النقل1؛ كقولهم في "فعل المتعدي: جحده جحوداً، وشكره شكوراً وشكرانا2، وقالوا "جحداً" على القياس. وفي "فعل" القاصر: مات موتاً، وفاز فوزاً، وحكم حكماً وشاخ شيخوخة، ونم نميمة، وذهب ذهاباً3. وفي "فعل" القاصر: رغب رغوبة4، ورضي رضا، وبخل بخلاً، وسخ سخطاً، بضم أولهما وسكون ثانيهما، وأما البخل والسخط بفتحتين، فعلى القياس، كالرغب5.
وفي "فعل" نحو: حسن حسناً، وقبح قبحاً6. وذكر الزجاجي وابن عصفور: أن "الفعل" قياس في مصدر "فعل" وهو خلاف ما قاله سيبويه.
__________
إذا كانت الصفة منه على وزن "فعيل"؛ نحو: ملح فهو مليح، وظرف فهو ظريف؛ فالمصدر: ملاحة، وظرافة، وقد يختلف ذلك؛ نحو: ضخم، فهو ضخم، وملح الطعام؛ أي صار ملحاً؛ فمصدرهما الشائع: الضخامة، والملوحة، مع أن الصفة المشبهة ليست على "فعل"، ولا "فعيل". وفي "فعل" يقول الناظم:
"فعولة" "فعالة" لـ "فعلا" ... كسهل الأمر وزيد جزلا*
أي: إن لـ"فعل" -ولا يكون إلا لازما- مصدرين؛ هما: "فعولة"؛ مثل: سهل الأمر سهولة، و"فعالة"؛ مثل: جزل الرجل جزالة، أي جاد أو عظم.
1- أي السماع عن العرب، ولا يقاس عليه.
2- والقياس: جحدا، وشكرا.
3- والقياس في الجميع "فعول".
4- والقياس: رغبا.
5- وعلى ذلك يكون لرغب، وبخل، وسخط مصادر قياسية، وأخرى سماعية، ويلاحظ أن المصنف اعتبر رضي، وسخط، لازمين، مع ورود قولهم: رضيه، وسخطه.
6- والقياس: "الفعولة"، أو "الفعالة"؛ قال الناظم:
__________
* "فعولة" مبتدأ. "فعالة" معطوفة بإسقاط العاطف. "لفعلا" متعلق بمحذوف، خبر المتبدأ وما عطف عليه. "كسهل" الكاف جارة لقول محذوف. "وزيد" مبتدأ. "جزلا" الجملة خبر.(3/36)
.....................................................
__________
وما أتى مخالفاً لما مضى ... فبابه النقل كسخط ورضي*
أي: ما جاء عن العرب مخالفاً لما سبق من أنواع المصادر القياسية، يقتصر فيه على السماع، وتتلخص مصادر الثلاثي فيما يأتي، وأكثرها بقرار من المجمع اللغوي.
أ- ما دل على حرفة أو شبهها يكون على وزن "فعالة"؛ كزراعة، وتجارة، وصباغة، وحياكة.
ب- وما يدل على امتناع يكون على وزن "فعال"؛ كإباء، وجماح، وفرار ونفار.
جـ- وما يدل على اضطراب وتقلب يكون على وزن "فعلان"؛ كغليان، وجولان، ودوران، وطيران.
د- وما يدل على داء ومرض يكون على وزن "فعال"؛ كصداع، وزكان، وسعال، ودوار.
هـ- وما يدل على صوت يكون على وزن "فعال"، أو "فعيل" كرحيل، وذميل، ودبيب، ووجيف.
و وما يدل على صوت يكون على وزن "فعال"، أو "فعيل"؛ كصراخ، وعويل، وزئير.
ز- وما يدل على لون يكون على وزن "فعلة"؛ كحمرة، وخضرة، وشهبة، وإن لم يدل على شيء من ذلك فالغالب:
أ- في "فعل" اللازم أن يكون مصدره على وزن "فعل"؛ كفرح، وعطش.
ب- وفي "فعل" اللازم أن يكون مصدره على وزن "فعول"؛ كقعود، ونهوض.
جـ- وفي المتعدي منهما أن يكون مصدره على وزن "فعل"؛ كفهم، ونصر.
د- وفي "فعل" -ولا يكون إلا لازماً- يكون مصدره على وزن "فعولة"، و"فعالة"؛ كسهولة، ونباهة.
هذا: وقد قرر مجمع اللغة العربية القاهري: أن يصاغ من أي باب من أبواب الثلاثي: مصدر على وزن "فعالة" للدلالة على الحرفة أو شبهها؛ كـ" الدلاكة" لصناعة الدلك، و"الوساطة" لحرفة "القومسيونجية"، وكذلك "الصحافة"، و"الطباعة"؛ إلا إذا كان معتل العين، فالغالب فيه "فعل"؛ كصوم ونوم، أو "فعال"؛ كصيام وقيام، أو "فعالة؛ كنياحة.
__________
* "وما" اسم شرط مبتدأ."أتى" الجملة فعل الشرط. "مخالفا" حال من فاعل أتى. "لما" متعلق بمخالف. و"ما" اسم موصوف. "مضى" الجملة صلة. "فبابه النقل" مبتدأ وخبر، والفاء واقعة في جواب الشرط، والجملة في محل جزم جواب الشرط، وجملتا الشرط والجواب خبر المبتدأ، وهو "ما".(3/37)
باب: مصادر غير الثلاثي
...
باب: مصارد غير الثلاثي
لا بد لكل فعل غير ثلاثي1 من مصدرٍ مقيسٍ.
__________
باب: مصادر وغير الثلاثي
1- ويشمل غير الثلاثي ما يأتي:
أ- الرباعي المجرد، وله بناء واحد؛ هو: "فعلل" ويكون لازماً، كحشرج: غرغر عند الموت، ومتعدياً؛ كدحرج. ومنه ما اشتق من أسماء الأعيان، كفلفلت الطعام، وزعفرت الثوب. والمنحوت؛ كبسمل، وحوقل. ويلحق به ثمانية أوزان، أصلها من الثلاثي، فزيد حرف للإلحاق؛ وهي: "فعلل"؛ كجلبب؛ يقال: جلببه: ألبسه الجلباب، و"فوعل"؛ كجورب: ألبسه الجورب. و"فعول"؛ كهرول: أسرع في المشي، و"فيعل"؛ كهيمن؛ هيمن عليه: صار عليه رقيباً. و"فعيل"؛ كشريف؛ يقال: شريف الزرع: قطع شريافه؛ وهو ورقه الطويل. و"فنعل"؛ كسنبل، و"فعنل" كقلنس؛ يقبال: قلنسه: ألبسه القلنسوة. و"فعلى"؛ كسلقى؛ أي استلقى على ظهره.
ب- مزيد الثلاثي بحرف واحد، وله ثلاث أبنية:
أفعل؛ نحو: أحسن وأكرم، والغالب فيه أن يكون للتعدية؛ نحو: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} ، و"فعل"؛ كقطع وقدم، ويغلب أن يكون للتكثير؛ نحو: {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُن} ، و"فاعل"؛ كقاتل وخاصم، ويدل على المشاركة كثيرا.
جـ- مزيد الثلاثي بحرفين، وله ابنية خمسة؛ هي: "انفعل"؛ كانكسر وانصرف. و"افتعل"؛ كاجتمع واتصل، و"تفعل"؛ كتقدم وتصدع، و"تفاعل"؛ كتقاتل وتخاصن، ومنه: ادارك واثاقل. و"افعل"؛ كاحمر، ومنه: ارعوى.
د- مزيد الثلاثي بحرفين، وله ابنية أربعة هي:"استفعل"؛ كاستغفر واستقام. و"افعوعل"؛ كاحدودب، واعشوشب، و"افعول"؛ كاجلوذ: أسرع في السير، واعلوط البعير: ركبه بغير خطام. و"افعال"؛ كاحمار، واعوار.
هـ- مزيد الرباعي بحرف واحد، وله بناء واحد؛ هو: "تفعلل"؛كتدحرج وتبعثر، ويلحق به سبعة أوزان، أصلها من الثلاثي فزيح حرف للإلحاق، ثم زيدت عليها لتاء؛ وهي: "تفعلل"؛ كتجلبب، و"تمفعل"؛ كتمندل: أي تمسح بالمنديل. و"تفوعل"؛ كتجورب. و"تفعول": كتسرول. و"تفيعل"؛ كتسيطر. و"تفعيل"؛ كترهيأ؛ يقال: ترهيأ في الأمر؛(3/38)
فقياس "فعل" بالتشديد -إن كان صحيح اللام، "التفعيل"؛ كالتسليم، والتكليم؛ والتطهير1، ومعتلها كذلك، ولكن تحذف ياء التفعيل،.........
__________
اضطرب، أو هم ثم أمسك عنه. و"تفعلي"؛ كتقلسي؛ أي ليس القلنسوة.
و مزيد الرباعي بحرفين، وله بناءان؛ هما: "افعنلل"؛ كاحرنجم وافرنقع؛ يقال: احرنجم الرجل أراد الأمر، ثم رجع عنه، والقوم: اجتمعوا، وافرنقعوا: تنحوا وانصرفوا. ويلحق به ثلاثة أبنية أصلها من الثلاثي، فزيد حرف للإلحاق، ثم حرفان؛ وهي: "افعنلل"؛ كاقعنس؛ أي تأخر ورجع، و"افعنلى"؛ كاسلنقى: نام على ظهره. و"افتعلى"؛ كاستلقى.
ويلاحظ أن زيادة الإلحاق تكون بتكرير اللام، وهو الكثير، أو بزيادة الواو أو الياء، ثانية وثالثة، أو النون وسطا، أو الألف آخرا.
والإلحاق هو: زيادة في أصول الكلمة؛ لتكون على وزن أخرى أزيد منها في الحروف؛ لتعامل معاملتها في التصريف؛ كالجمع، والتكسير، والنسب، وغير ذلك. وهو يكون في الأفعال، وضابطه فيها: اتحاد المصادر، ويكاد يكون محصورا في الأوزان السالفة، أما في الأسماء؛ فيمكن أن يقال في تحديده، كل كلمة فيها زيادة، غير حرف المد، لا تطرد في إفادة معنى، وتكون موافقة لوزن من أوزان الاسم الرباعي أو الخماسي المجردين، في الحركات والسكنات، تكون ملحقة به. أما حروف المد، فلا تكون للإلحاق إلا طرفا، كما سيأتي في موضعه.
وقد ذكرنا في الزيادة التي للإلحاق أنها لا تطرد في إفادة معنى؛ ليخرج مثل: الميم في "مفعل"؛ فإنها للزمان، أو المكان، أو المصدر، وكذلك الهمزة في "أفعل"؛ فإنها فيه للتفضيل، وكذلك نحو: أكرم، وقاتل، وقدم؛ فذلك ونحوه ليس من الإلحاق في شيء.
هذا: وقد كان الذي يدعو للإلحاق عند العرب دواع، في مقدمتها: ضرورة الشعر، والتمليح، أو التهكم ... إلخ. وليس من حقنا اليوم، ولا من حق أحد سواهم، أن يزيد شيئاً للإلحاق؛ فأصبح مقصورا على سمع من ذلك.
1- هي مصادر: سلم، وكلم، وطهر. وفي هذا يقول الناظم:(3/39)
وتعوض منها التاء1؛ فيصير وزنه:"تفعلة"؛ كالتوصية، والتسمية، والتزكية2.
وقياس "أفعل" -إذا كان صحيح العين- "الإفعال"؛ كالإكرام، والإحسان، ومعتلها كذلك، ولكن تنقل حركتها3 إلى الفاء فتقلب ألفا4، ثم تحذف الألف الثانية5، وتعوض عنها التاء؛ كأقام إقامة، وأعان إعانة. وقد تحذف التاء6؛ نحو: {وَإِقَامِ الصَّلاةِ} .
__________
وغير ذي ثلاثة مقيس ... مصدره كقدس التقديس*
1- أي الدالة على التأنيث؛ لأنها أقوى على قبول الحركات من حروفة العلة.
2- وقد يأتي صحيح اللام كذلك على قلة؛ نحو: جرب تجربة، وذكر تذكرة.
هذا: وسمع "فعال" مصدرا لـ"فعل" في لغة اليمن، ومنه قوله تعالى: {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا} ، ويقتصر فيه على السماع. ويغلب في مهموز اللام؛ نحو: جزأ تجزئة، وهنأ تهنئة، ولم يجز سيبويه هذا إلا ما سمع.
3- أي حركة العين.
4- أي تقلب العين ألفا؛ لتحركها بحسب الأصل، وانفتاح ما قبلها الآن.
5- وهي ألف المصدر؛ لالتقائها ساكنة مع الألف المنقلبة عن العين، ولقربها من الطرف الذي هو محل التغيير. وهذا هو الصحيح، وهو مذهب سيبويه، وعليه فوزن إقامة "إفعلة". ويرى الأخفش والفقراء: أن المحذوف هو الألف الأولى، وهي عين الكلمة؛ لأن الأصل: أنه إذا التقى ساكنان، والأول حرف مد، حذف الأول؛ فوزنها عندهما "إفالة".
6- أي للإضافة؛ كمثال المصنف، أو مطلقاً؛ فقد حكى الأخفش: أجاب إجابا. ويرى الفراء أن التعويض لازم، إلا إذا أضيفت الكلمة؛ فيجوز ترك التاء لقيام المضاف إليه مقامها.
وقد أشار الناظم إلى ما تقدم بقوله:
وزكه تزكية وأجملا ... إجمال من تجملا تجملا
__________
* "وغير" مبتدأ أول."ذي ثلاثة" مضاف إليه. "مقيس" بمعنى قياس، مبتدأ ثان. "مصدره" مضاف إليه. "كقدس" خبر المبتدأ الثاني، والجملة خبر الأول. "التقديس" نائب فاعل قدس، وجيوز جعل "كقدس" متعلق بمحذوف حالا من هاء "مصدره، والتقديس هو خبر "مقيس".(3/40)
وقياس ما أوله همزة وصل1؛ أن تكسر ثالثة، وتزيد قبل آخره ألفاً، فينقلب مصدراً؛ نحو: اقتدار اقتداراً، واصطفى اصطفاءً، وانطلق انطلاقاً واستخرج استخراجاً، فإن كان "استفعل" معتل العين، عمل فيه ما عمل في مصدر "أفعل" المعتل العين2؛ فتقول: استقام استقامة، واستعاذ اتسعاذة.
وقياس "تفعلل" وما كان على وزنه3،
أن يضم رابعه، فيصير مصدراً؛ كتدحرج
__________
واستعذ استعاذة ثم أقم ... إقامة وغالبًا ذا التا لزم*
يقول: إن "فعل" معتل اللام مصدره "تفعلة"؛ نحو: زكى تزكية. و"أفعل" صحيح العين، مصدره "إفعال"؛ نحو: أجمل إجمالا. أما "تفعل" فمصدره "التفعل"؛ نحو: التجمل. ثم بين أن السداسي المعتل العين، والرباعي كذلك، تحذف عينهما وتعوض عنها التاء غالباً، ومثل للسداسي باستعاذ، وللرباعي بأقام.
1- هو: ماضي الخماسي على وزن "افتعل"؛ نحو: انشرح واجتمع. وماضي السداسي على وزن "استفعل" غير معتل العين؛ نحو: استغفر، واحلولى. ويشترط أن تكون الهمزة أصلية؛ فيخرج ما أصله: تفاعل، أو تفعل؛ كاطاير، وتطير؛ فلا تكسر ثالث مصدره، ولا تزاد قبل آخر ألف، بل يضم ما قبل الآخر نظرًا للأصل كما سيأتي.
2- أي: من نقل حركة العين إلى الفاء، وقلب العين ألفا، ثم حذفها للساكنين، وتعويض تاء للتأنيث عنها. وهنا يأتي الخلاف السابق في المحذوف من مصدر "أفعل"، وفي تعويض التاء؛ فوزن استقامة عند سيبويه، "استفعلة"، وعند الأخفش "استفالة"، وجاء بالتصحيح نحو: استحوذ استحواذًا، وأغيمت إغياماً.
3- أي في الحركات والسكنات، وعدد الأحرف. وبدئ بتاء زائدة، وإن لم يكن من بابه، كما مثل المصنف.
__________
* "تزكية" مفعول مطلق لزكه. "وأجملا" فعل أمر، والألف منقبلة عن نون التوكيد الخفيفة، "إجمال" مفعول مطلق. "من" اسم موصول مضاف إليه. "تجملا" مصدر مقدم لتجملا الواقع صلة لمن. و"غالبا" حال مقدم من الضمير في لزم. "ذا" اسم إشارة مبتدأ، وهو إشارة إلى المصدر المحذوف منه الحرف. "التاء" -بالقصر- مفعول لزم الواقع خبرا لذا.(3/41)
تدحرجا، وتجمل تجملا، وتشيطن تشيطناً، وتمسكن تمسكناً. ويجب إبدال الضمة إن كانت اللام باء؛ نحو: التواني، والتداني1.
وقياس "فعلل" وما ألحق به "فعللة"؛ كدحرج دحرجة، وزلزل زلزلة، وبيطر بيطرة، وحوقل حوقلة1، و"فعلال"، بالكسر،......
__________
1- أصلهما بضم ما قبل الياء؛ فقلبت الضمة كسرة لتسلم الياء من قبلها واوا؛ لأن ذلك يؤدي إلى وجود ما لا نظير له في كلام العرب؛ وهو: وجنود واو مضموم ما قبلها، في آخر الاسم المعرب.
هذا: وإذا كان الفعل على وزن "تفاعل"، وكانت فاؤه دالا أوثاء؛ نحو: تدارك وتثاقل، جاز إدغام التاء فيما بعدها، والإتيان بهمزة وصل؛ لسكون الأول بالإدغام؛ تقول: ادارك، واثاقل، ويكون المصدر: اداركاً، واثاقلا. ومثل ذلك ما كانت فاؤه صادا أو طاء، أوشينا، نحو: اصابر، واطهر، واشاجروا وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
وما يلي الآخر مد وافتحا ... مع كسر تلو الثان مما افتتحا
بهمزة وصل كاصطفى وضم ما ... يربع في أمثال قد تلملما*
أي ما يليه الآخر؛ أي يقع بعده الحرف الأخير، مده وافتحه، واكسر الحرف الذي يتلو الثاني، من فعل خماسي أو سداسي مبدوء بهمزة وصل، ينشأن منه المصدر القياسي، كاصطفى، واستهوى. أما الخماسي الذي على وزن "تفعلل" فيكون مصدره بضم ما يربع فعله، أي ما يكون رابعا فيه؛ نحو تلملم؛ فإن مصدره "تلملم" بضع الرابع.
2- ذكره من الملحق ما كان على وزن "فعلل"؛ و"فيعل"، و"فوعل"، والباقي سبق بيانه قريباً. ومعنى بيطر: عالج الدواب، وهي ما ليس بإنسان من الحيوان وحوقل: ضعف عن الجماع للكبر.
__________
* "وما" اسم موصول مفعول مقدم لمد، "الآخر" فاعل يلي، ومفعوله محذوف؛ أي ما يليه الآخر، والجملة صلة. "وافتحا" فعل أمر مؤكد بالنون الحقيقة المنقلبة ألفا. "مع كسر" مع ظرف متعلق بمد، وكسر مضاف إليه، "مما" متعلق بمحذوف حال من تلو، وما اسم موصول. "افتتحا" فعل ماض للمجهول والجملة صلة "ما" المجرورة محلا بمن "بهمز وصل" متعلق بافتح ومضاف إليه."كاصطفى" خبر لمبتدأ محذوف. "ما" اسم موصول مفعول ضم "يربع" الجملة صلة ما؛ وهو من ربعت القوم: صرت رابعهم.. "في أمثال" متعلق بضم. "قد تلملما" مضاف إليه قصد لفظه.(3/42)
إن كان مضاعفًا1؛ كزلزال، ووسواس. وهو2 في غير المضاعف سماعي؛ كسرهف سرهافاً3، ويجوز فتح أول المضاعف، والأكثر أن يعني بالمفتوح اسم الفاعل4؛ نحو: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاس} ؛ أي الموسوس5.
وقياس "فاعل"6؛ كضارب وخاصم وقاتل، "الفعال"، و"المفاعلة"، ويمتنع "الفعال" فيما فاؤه ياء7؛ نحو: ياسر، ويامن، وشذ: ياومه يواماً8، وما خرج عما ذكرناه،
__________
1- المضاعف من الرباعي هو: ما كانت فاؤه ولامه الأولى من جنس، وعينه ولامه الثانية من جنس آخر.
2- أي وزن "فعلان".
3- يقال: سرهفت الصبي، أحسنت غذاءه.
4- أي: معنى اسم الفاعل، لا المصدر.
وفي مصدر" فعلل" الرباعي يقول الناظم:
فعلال أو فعللة لفعللا ... واجعل مقيساً ثانياً لا أولا*
أي: إن "فعللة" هي المصدر القياسي للرباعي "فعلل". وقد يجيء مصدره على "فعلال" قليلا، وقد أوضح المصنف القول فيه.
5- ولهذا وصف بالخناس وما بعده، وهما من صفات الذوات. قيل: وليس في اللغة "فعلال" -بالفتح- إلا في المضاعف، والأصل فيه الكسر، كما أنه ليس فيها "تفعال" -بالكسر- مصدرا؛ إلا "تلقاء"، و"تبيان"، وما عداهما بالفتح. وورد من غير المصدر بضعة عشر اسما على وزن "تفعال"؛ منها: تعشار، وترباع، وتبراك؛ أسماء مواضع؛ وتمساح؛ للحيوان المعروف. وتمثال، وتلعاب لكثير اللعلب، وتلقام لسريع اللقم.
6- أي غير معتل الفاء بالياء، سواء دل على المشاركة كما مثل المصنف، أو لا؛ نحو: نادى نداء، ومناداة.
7- وذلك لثقل الابتداء بالياء المكسورة.
8- المياومة: المعاملة بالأيام؛ كالمشاهرة بالشهور.
__________
* "فعلال"مبتدأ."أو فعللة" معطوف عليه. "لفعللا" متعلق بمحذوف، خبر. "مقيسا" مفعول ثان مقدم لاجعل. "ثانياً" مفعول أول. "لا" عاطفة. "أولا" معطوف على ثانيا.(3/43)
فشاذ1؛ كقولهم: كذب كذاب، وقوله:
باتت تنزي دلوها تنزيا2
__________
1- فيكون مقصورا على السماع ولا يقاس عليه. وإلى ذلك يشير الناظم بقوله:
لفاعل "الفعال" و"المفاعله" ... وغير ما مر السماع عادله
أي: إن مصدر "فاعل" هو: الفعال، والمفاعلة، وما جاء مخالفا للمقيس من المصادر السالفة كلها، فمقصور على السماع لا يقاس عليه، ومعنى عادلة*: ساواه.
2- صدر بيت من الرجز، استشهد به كثير من النحاة، ولم ينسبوه لقائل، وعجزه:
كما تنزي شهلة صبيا
اللغة والإعراب: تنزي: تحرك. شهلة: عجوز، أو هي النصف التي بين الشابة والعجوز. "تنزي" الجملة في محل نصب خبر "بات" إذا جعلت ناقصة، وحال من الضمير المستتر فيها إن جعلت تامة، واسمها أو فاعلها يعود على المرأة المعلومة من قبل. "دلوها" دلو مفعول لتنزي، والهاء مضاف إليه. "تنزيا" مفعول مطلق لتنزي أيضا. "كما" الكاف حرف تشبيه وجر، و"ما" مصدرية، وهي وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لتنزيا؛ أي تنزي دلوها تنزيا مماثلا لتنزية شهلة صبيا. "شهلة" فاعل تنزي. "صبيا" مفعول به لتنزي.
المعنى: أن هذه المرأة، باتت تحرك دلوها بيديها حين تخرجه من البئر، برفق ولين، كما تحرك العجوز الصبي حين ترقصه، برفق ولين كذلك.
الشاهد: في "تنزيا"؛ حيث جاء مصدر للفعل "تنزي" المعتل اللام، والقياس "تنزيه"؛ كتوصية، وتزكية، وتعمية؛ لأن "التفعيل" مصدر "فعل" الصحيح اللام. وقد لخص بعض العلماء الحديثين مصادر الرباعي فيما يأتي؛ فقال:
أ- ما كان على وزن "أفعل" فمصدره "إفعال"؛ كأكرام إكراما.
ب- وما كان على وةزن "فعل" فمصدره "تفعيل"؛ كقدم تقديما.
جـ- وما كان على وزن "فاعل" فمصدره على "فعال" أو "مفاعلة" كقاتل قتالا ومقاتلة.
__________
* "لفاعل" متعلق بمحذوف خبر مقدم. "الفعال" مبتدأ مؤخر. "والمفاعلة" معطوف على الفعال.. و"غير" مبتدأ. "ما" اسم موصوف مضاف إليه. "مر" الجملة صلة. "السماع" مبتدأ ثان. "عادلة" الجملة خبر المبتدأ الثاني، وجملة الثاني وخبره خبر الأول.(3/44)
وقولهم: تحمل تحمالا، وترامى القوم رميا، وحوقل حيقالا، واقشعر قشعريرة، والقياسِ: تكذيباً، وتنزيه وتحملا، وتراميا، وحوقلة، واقشعراراً.
فصل:
ويدل على المرأة1 من مصدر الفعل الثلاثي بـ"فعله"2 بالفتح؛ كجلس
__________
د- وما كان على وزن "فعلل" فمصدره "فعللة"؛ كدحرج دحرجة، وعلى وزن "فعلال" إن كان مضاعفاً، كوسوس وسوسة، ووسواسا.
أما الخامسي والسداسي؛ فالمصدر منهما يكون على وزن الماضي مع كسر ثالثة، وزيادة ألف قبل الآخر، إن كان مبدوءًا بهمزة وصل؛ كانطلق انطلاقا، واستخرج استخراجا، ومع ضم ما قبل آخره فقط، إن كان مبدوءًا بتاء زائدة؛ كتقدم تقما، وتدحرج تدحرجا. وإذا كانت عين الفعل ألفا، تحذف منه ألف الإفعال، والاستفعال، ويعوض عنها التاء في الآخر؛ كأقامة إقامة، واستقام استقامة. وإذا كانت لامه ألفاً؛ ففي "فعل" تحذف ياء التفعيل، ويعوض عنها تاء أيضًا؛ كزكى تزكية، وفي "تفعل" تقلب الألف ياء ويكسر ما قبلها؛ كتأنى تأنيا، وتغاضى تغاضيا.
وفي غير ذلك تقلب همزةً إن سبقتها ألف؛ كألقى إلقاءً، ووالى ولاء، واقتدى اقتداء؛ وارعوى ارعواءً، واستولى استيلاءً.
1- أي على حصلو الشيء مرة واحدة.
2- أي: إنه إذا أريد الدلالة على المرة الواحدة من مصدر الفعل الثلاثي -علاوة على معناه- أتي بمصدره مهما كانت صيغته، وجعل على وزن "فعل"، وزيدت عليه تاء التأنيث فيصير "فعلة". وشذ ما حكاه سيبويه من قولهم: أتيته إتيانة، ولقيته لقاءة؛ والقياس: أتية، ولقية، قال المتنبي:
لقيت بدرب القلة الفجر لقية ... شفت كبدي والليل فيه فتيل
ودرب القلة موضع وراء الفرات. ويشترط أن يكون هذا الفعل الثلاثي الذ ي تصاغ من مصدره المرة: تاما، منصرفا؛ فلا يصاغ من نحو: كاد وعسى. وأن يكون المصدر لأفعال صادرة عن الجوارح المدركة بالحس؛ كالضرب، والمشي، والجلوس، والقيام ... إلخ؛ نحو: ربة، وقعدة وقومة، لا عن الأفعال الباطنة؛ كالعلم، والفهم، والجهل، والجبن، والبخل؛ فلا يقال: علمته علمه، ولا فهمته فهمة، وألا يدل على صفة ثابتة ملازمة؛ فلا يصاغ مثل: حسن، وجبن، وظرف، وقبح.(3/45)
جلسة، ولبس لبسة، إلا إن كان بناء المصدر العام عليها1، فيدل على المرة منه بالوصف2؛ كرحم رحمة واحدة. ويدل على الهيئة3 بـ"فعلة" بالكسرة؛ كالجلسة، والركبة، والقتلة4، إلا إن كان بناء المصدر العام عليها، فيدل على الهيئة بالصفة ونحوها5، كنشد الضالة نشدة عظيمة. والمرة من غير الثلاثي، بزيادة التاء على مصدره القياسي6؛ كانطلاقه واستخراجه، فإن كان بناء المصدر العام على التاء، دل على المرة منه بالوصف7 كإقامة واحدة، واستقامة واحدة.
ولا يبنى من غير الثلاثي مصدر للهيئة8 إلا ما شذ من قولهم:...............................
__________
1- أي على وزن "فعلة" بالفتح. أما نحو: كدرة بالضم، ونشدة بالكسر، فيفتحان للمرة، ويكسران للهيئة، ولا يؤتى بالوصف معهما.
2- أي بلفظ: "واحدة" أو ما يشابهها، أو بقرينة تدل على الوحدة؛ نحو: أهلك الله ثمود بصيحة. ويتبين من هذا: أن للفعل الثلاثي الصالح للمرة مصدرين: أحدهما مشهور على النحو السالف، والثاني للدلالة على المرة، وهذا لا يعمل.
3- أي هيئة الحدث، وكيفيته عند وقوعه.
4- يعمل هنا ما سبق إيضاحه في "فعلة".
5- أي بالصفة التي تدل على ما يراد من الهيئة؛ من حسن، أو قبح، أو زيادة، أو نقص، أو غير ذلك من الأوصاف، ومثل الصفة: نحو: نشدة الملهوف. وفي صياغة المرة والهيئة من الثلاثي، يقول الناظم:
و"فعلة" لمرة كجلسه ... و"فعلة" لهيئة كجلسه*
6- أي: بدون زيادة أو نقص، أو أي تغيير.
7- أو بقيام قرينة تدل عليها.
8- لأن بناء مصدر الهيئة منه يهدم بنية الكلمة؛ ذلك لأنه يستتبع حذف ما قصد إثباته فيها لغرض من الإغراض، فاجتنب ذلك، واكتفي بالمصدر الأصلي مع وصفه عندما تدعو.
__________
* "فعلة" مبتدأ. "لمرة" جار ومجرور، خبر. "كجلسة" متعلق بمحذوف، خبر لمبتدأ محذوف، أي وذلك كجلسة وإعراب الشطر الثاني كذلك.(3/46)
اختمرت خمرة1، وانتقبت نقبة2، وتعمم عمة، وتقمص قمصة3.
__________
الحال لذلك.
1- أي غطت رأسها بالخمار؛ وهو المعروف "بالطرحة".
2- أي سترت وجهها بالنقاب؛ وهو المعروف "بالبرقع".
3- أي غطى جسمه بالقميص. وفيما تقدم يقول ابن مالك.
في غير ذي الثلاث بالتا المرة ... وشذ فيه هيئة كالخمرة*
أي تكون الدلالة على المرة من مصدر غير الثلاثي بزيادة التاء في آخره، أما الهيئة؛ فلا تجيء منه مبشارة، وشذ مجيئها منه؛ كالخمرة؛ من اختمر.
تتمة:
أ- المصدر الميمي: هو مصدر مبدوء بميم زائدة لغير المفاعلة، مصوغ من المصدر الأصلي للفعل، يعمل عمله ويفيد معناه، مع قوة الدلالة وتأكيدها.
واحترز بغير المفاعلة من نحن: مشاركة، ومعاونة، ومقارنة؛ فلا تسمى "مصادر ميمية"، وهو يصاغ من مصدر الفعل الثلاثي مطلقا، غير المضعف1 مهما كانت صيغته، على وزن"مفعل" بفتح العين؛ نحو: ملعب، ومسقط، ومصعد، إلا في حالة واحدة؛ فإنه يكون فيها على وزن "مفعل" بكسر العين؛ وهي:
أن يكون الثلاثي معتل الفاء2 بالواو، صحيح الآخر، تحذف فاؤه في المضارع عند كسر عينه؛ نحو: موصل، موعد، موضع، موثق، مورد؛ فإن كان صحيح الفاء، أو معتلها بالياء، أو معتل الفاء واللام، أو غير مكسور العين في المضارع؛ كوجل، فصيغته "مفعل" بالفتح،
__________
* "في غير" متعلق بمحذوف، حال من ضمير الخبر بعد. "ذي" بمعنى صاحب، مضاف إليه. "الثلاث مضاف إليه. "التاء" -بالقصر للضرورة- خبر مقدم. "المره" مبتدأ مؤخر. "فيه" متعلق بشذ والضمير لغير ذي الثلاث، "هيئة" فاعل شذ، و"كالخمره" خبر لمبتدأ محذوف.
أ- مضعف الثلاثي هو: ما كانت عينه ولامه من جنس واحد؛ نحو: مد، فر، عد.
ب- المعتل الفاء يسمى: "مثالا"، والمعتل اللام يسمى: "ناقصا"، والمعتل العين يسمى "أجوف"، والمعتل الفاء واللام يسمى: "لفيفا مفروقا"؛ مثل: وعي، وني، والمعتل العين واللام يسمى: "لفيفا مقرونا"؛ مثل: عوي، جوي، والذي أحد حروفه همزة يسمى: مهموزا.(3/47)
................................................
__________
وشذ: المرجع، المصير، المعرفة، المغفرة، المجيء، المسير، المشيب، المعصية، المعيشة، المعذرة، المقدرة. وقد رود فيها الفتح على القياس.
ويصاغ من غير الثلاثي على وزن اسم المفعول وزن المضارع، مع إبدال أوله ميماً مضمومة، وفتح ما قبل الآخر إن لم يكن مفتوحا؛ نحو: معرف، متعاون، مكرم، من عرف، وتعاون، وإكرام.
هذا: والمصدر الميمي يلازم الإفراد، ولا تلحقه تاء التأنيث إلا سماعا؛ نحو: المحبة، والمودة، والمسرة، والموعظة. وقد ترد صيغة "مفعلة" لبيان سبب الفعل؛ ومن ذلك قوله- عليه السلام: $"الولد مبخلة مجبنة محزنة"، وذلك مقصور على السماع. كما ترد هذه الصيغة للدلالة على مكان كثرة مسماها؛ نحو: مأسدة، ومسبعة، ومفعاة؛ أي مكان تكثر فيه: الأسود، والسباع، والأفاعي، وقد أجاز المجمع اللغوي أن تصاغ "مفعلة" قياسا من أسماء الأعيان الثلاثية الأصول، للمكان الذي تكثر فيه هذه الأعيان، سواء أكانت من الحيوان، أم من النبات، أم من الجماد.
ب- أسماء الزمان والمكان: هما اسمان مصوغان من المصدر الأصلي للفعل؛ للدلالة على زمان الفعل أو مكانه، زيادة على المعنى المجرد الذي يدل عليه ذلك المصدر. وهما يصاغان من الثلاثي على وزن "مفعل" بفتح العين، إن كان معتل اللام مطلقا، أو صحيحها، ولم تكسر عين مضارعه؛ كمرمى، ومسعى، ومدعى، ومنظر، ومدخل، ومقام، ومخاف.
وعلى وزن "مفعل"، بكسر العين، إن كان مثالا واويا صحيح اللام مطلقا، أو كانت عين مضارعه مكسورة؛ نحو: موعد، وميسر، ومجلس، ومبيع. وشذ من الأول: المنسك: الموضع الذي تذبح فيه النسائك، وهي الذبائح، والمطلع، والمشرق، والمغرب، والمفرق، والمرفق، والمنبت، والمسقط، والمسكن: موضع السكن، والمسجد، والمخزن. وسمع الفتح في بعضهما على القياس. وشذ من الثاني: موكل: موضع حصن، وموظف: موضع قرب مكة، وموزن: اسم موضع، وقيل: لا شذوذ في ذلك كله؛ لأنها أسماء لأمكنة وأزمنة مخصوصة معينة. ولم يذهب بها النحاة مذهب الفعل، ويصاغان من غير الثلاثي على زنة اسم المفعول؛ كمكرم، ومستخرج، ومستعان به؛ من أكرم، واستخرج، واستعان. قيل:(3/48)
....................................................................................................................
__________
وشذ من ذلك: مأوى ومصبح؛ على أنهما من آويت، واصبحت. واسما الزمان والمكان مشتقان، ولكنهما لا يعملان عمل الفعل. وتعيين المراد من الزمان أو المكان خاضع للقرئن.
ويتبين مما تقدم: أن صيغة الزمان والمكان والمصدر الميمي واحدة في غير الثلاثي، وكذلك في الثلاثي إلا فيما يأتي:
1- في المثال الصحيح اللام الذي لا تحذف فاؤه في المضارع.
2- وفي السلم المكسور العين في المضارع؛ فإن المصدر الميمي فيهما على وزن "مفعل" بفتح العين؛ كموجل، ومينع، ومنزل. واسم الزمان والمكان على وزن "مفعل" فيهما وعند الاتفاق في الصيغة يكون التمييز بينها بالقرائن.
جـ- المصدر الصناعي، أي المصنوع: هو كل لفظ جامد أو مشتق، أمس أو غيره، زيد في آخره ياء مشددة بعدها تاء تأنيث مربوطة، تسمى: تاء الفعل، تمحض اللفظ للمعنى المصدري؛ ليدل على معنى هو: مجموعة الصفات والخصائص والأحوال الخاصة بذلك اللفظ الذي لحقته الياء والتاء؛ مثل: الحرية، والإنسانية، والوطنية، والتقدمية، والوحشية، والكيفية، والفروسية، واللصوصية، والرجولية ... إلخ.
وهو قياسي في هذا، وليست له صيغ أخرى، والحاجة إليه ماسة، وبخاصة في علم الكيمياء، وغيره من العلوم الطبيعية، وهو من المولد المقيس على كلام العرب، ولتوضيح الغرض من المصدر الصناعي نقول:
إن اسم الجنس سواء أكان مصدرًا أم اسم عين، يدل على حقيقة الشيء الذي وضع له، ولا يدل على خصائصه وصفاته التي يمكن أن تقوم به؛ فلفظ "إنسان يدل على الحيوان الناطق لا غير، ولا يدل على خصائص هذا اللفظ؛ ككون الإنسان كريم النفس، مأمون الجانب، يألف ويؤلف ... إلخ. ولفظ "وطن" يدل على الموضع الذي يقيم به الإنسان، ولا يدل على غير ذلك من المعاني التي قد تتعلق بهذا الوطن، ككونه محبوبا، تتعلق به النفوس، وتفديه بالأرواح، وتعمل لخيرة، وهكذا....إلخ.
فإذا أريد به الدلالة على هذه الأحوال والخصائص؛ قيل: إنسانية، ووطنية؛ لأن صيغة النسب تربط بين المنسوب، والمنسوب إليه؛ فكأنما قيل: صفات وخصائص تنسب إلى(3/49)
.....................................................................................................................
__________
الإنسان والوطن، وزيدت تاء النقل من الوصفية للاسمية؛ ليتمحض اللفظ للمعنى المصدري.
وقد قرره المجمع اللغوي؛ فقال ما نصه:
"إذا أريد صنع مصدر من كلمة، يزاد عليها ياء النسب والتاء".
د- اسم الآلة: اسم مصوغ من الفعل للدلالة على الأداة التي تعين الفاعل في عمل ما يفعل. وهو يصاغ قياسا من الفعل الثلاثي المتعدي غالبا، وجاء قليل من اللازم؛ كمصفاة ومطهرة، ومن الثلاثي المزيد فيه؛ كمصباح، ومسرجة، من استصبح، واسرج.
وينقسم قسمين: مشتق، وجامد، فللمشتق أوزان ثلاثة وهي: "مفعال؛ كمفتاح، ومنشار، ومقراض.
و"مفعل"؛ كمبرد، ومقص ومخلب، ومخيط، ومنجل.
و"مفعلة"؛كمكنسة، ومسبحة ومسطرة، ومبراة.
أما الجامد فليس له وزن مخصوص؛ وإنما يأتيس على أوزان شتى، لا يحدها ضابط؛ مثل الفأس، والقدوم، والسكين، والمخدة، والملحقة ... إلخ.
أما نحو: المدهن، والمنخل، والمسمط، والمكحلة، والمدق، مما جاء على وزن مفعل -بضم الميم والعين- فالصحيح: أنها أسماء أوعية مخصوص، وليست أسماء آلة جارية على فعلها، ويوصي المجمع اللغوي باتباع صيغ المسموع من أسماء الآلات؛ فإذا لم يسمع وزن منها لفعل، جاز أن يصاغ من أي وزن من الأوزان الثلاثة المتقدمة.
هذا: ولم يرد في القرآن الكريم من صيغ اسم الآلة غير ست كلمات؛ هي: مصباح، مفتاح، ميثاق، ميقات، مكيال، ووردت كلمات أخرى قليلة على غير هذا الصيغ؛ مثل حجاب: خياط، سقاية. وقد قرر المجمع اللغوي صحة استعمال "فعال" لاسم الآلة، وأضاف هذه الصيغة إلى الصيغ الثلاث المتقدمة: "مفعال، مفعل، مفعلة".ومعروف أن صيغة"فعال" من صيغ المبالغة، وتستعمل أيضاً بمعنى النسب، أو صاحب الحديث، وعلى الأخص الحرف؛ فقالوا: نجار، خباز، نشا، كما سيأتي بيان ذلك في باب النسب والعرب يسندون الفعل إلى ما يلابس الفاعل؛ زمانه، أو مكانه، أو آلته، فيقولون: نهر جار، ويوم صائم، وليل ساهر، وعيشة راضية، وقد ورد اسم الآلة على وزن "فعال"؛ مثل(3/50)
................................................
__________
: سراد، وإراث، والسراد: المثقب "آلة الخرز"، والإراث: ما أعد للنار من حراقة وغيرها، ولكنه غير مطرد. "انظر مجلة المجمع اللغوي الجزء العاشر".
فوائد:
1- من الشاذ المسموع عند العرب مجيء المصدر الدال على المرة على وزن "فعلة"؛ مثل قولهم:"حج فلان حجة" بكسر الحاء، و"رأى الشيء رئية" بكسر الراء.
2- ذكر صاحب المصباح: أن الفعل الثلاثي إن كان من ذوات التضعيف، كان مصدره الميمي بالفتح والكسر معا؛ نحو: فر مفرا ومفرا.
3- المصدر الميمي، بجميع صيغة وأوزانه، يعرب على حسب الجملة؛ فيكون فاعلا، ومفعولا به، ومضافا إليه، ومبتدأ أو خبرا ... إلخ. وهنالك ألفاظ مسموعة بالنصب في أكثر الأحوال باعتبارها مفعولا لفعل محذوف؛ نحو: أفعل وكرامة ومسرة، ومرحباً بك.(3/51)
..................................................................................................................
__________
الأسئلة والتمرينات:
1- ما المصدر القياسي لكل من "فعل" المتعدي، و"فعل" اللازم؟ وضح ما تقول بالأمثلة.
2- اذكر المصادر الغالبة للفعل الثلاثي الذي يدل على: حرفة، أو مرض، أو صوت، ووضح بأمثلة من محفوظك.
3- فيم ينقاس كل من: "فعال"، و"فعلة"، و"فعل"، و"فعولة"؟
4- اذكر المصدر القياسي لـ"أفعل" صحيح العين ومعتلها، وبين ما يحدث من التغيير في المعتل، موضحا ذلك بالأمثلة.
5- بين الحالة التي يفترق فيها المصدر الميمي عن اسمي الزمان والمكان، ومثل لما تقول.
6- يستشهد بما يأتي في هذا الباب، بين موضع الاستشهاد:
قال تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} .
{وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاة} .
{وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ، ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ، فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} .
{وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا} .
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} .
{قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُم} .
{فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} .
قال -عليه الصلاة والسلام: "وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة". رجع القهقهرى، وقعد القرفصاء، واطمأن طمأنينة.
لا يمنعنك من بغا ... ء الخير تعقاد التمائم
إن الأشائم كالأيا ... من والأيامن كالأشائم
متى وعدتك في ترك الهوى عدة ... فاشهد على عدتي بالزور والكذب
لا تنم واغتنم مسرة يوم ... إن تحت التراب يوماً طويلا
7- يقول أمير الشعراء أحمد شوقي، مخاطباً رجال الصحافة والوطنية:
حمدنا بلاء كمو في النضال ... وأمس حمدنا بلاء السلف(3/52)
.................................................................................................................
__________
ومن نسي الفضل للسابقين ... فما عرف الفضل فيما عرف
بين في هذين البيتين: المصادر، وأفعالها، وأعرب ما تحته خط فيهما، ثم اشرحهما شرحًا شرحًا أدبياً.
8- ايت بثلاث جمل، في كل منها لفظ يصلح أن يكون مصدرا ميميًا، واسمي زمان ومكان.
9- بين فيما يأتي: المصادر الشاذة والقياسية، وسبب ما تقول.
ركوب، عظم رحيل، ذهاب، ملاحة، شراب، طواف، دعوى، صرير، غفران، فصاحة، توحيد، زكان، طوفان، مدينة، رطوبة، سمو، سباب، شرود، تنبيه، إشارة، استشارة، ضجيج ثوران.
10- عرف كلًا من المصدر الصناعي، والمصدر الميمي، وائت بثلاثة أمثلة في جمل مفيدة لكل، وبين حكمها في العمل.
11- بين فيما يأتي المصادر، وأسماء الزمان والمكان، والمرة والهيئة، واذكر فعل كل:
قال علي -كرم الله وجهه-: ليس لواضع المعروف في غير حقه، وعند غير أهله، من الحظ إلا محمدة اللئام، وثناء الأشرار، ومقالة الجهال. إذا ثارت في رأسك عزة أخرجتك عن جادة الصواب، وبدرت منك بادرة إساءة لأحد، فأسرع إلى ترضيته ترضية كريمة؛ لتنعم بالسكينة والطمأنينة، وأحسن الإصغاء للناصحين المخلصين؛ فذلك خير مستقرا وأحسن مقاما، ومن قصر في إصلاح نفسه، قعد به تقصيره عن بلوغ الغاية، واعلم أن لكل جواد كبوة، ولك صارم نبوة، والله المستعان على إنجاح مسعانا.
12- ما الذي تتفق فيه صيغتا المصدر الميمي مع صيغتي الزمان والمكان من الثلاثي، وما الذي تختلفان فيه؟ مثل لما تقول.
13- أعرب البيت الأول مما يأتي، وبين ما فيهما من شاهد، وهما للمرحوم الشاعر الكبير محمود سامي البارودي في شكوى الزمان:
كلما رمت نهضة أقعدتني ... ونية لا تقلها أعصابي
لم تدع صولة الحوادث مني ... غير أشلاء همة في ثيابي(3/53)
صفحة سكانر(3/54)
باب: أبنية أسماء الفاعلين 1 والصفات المشبهات بها
يأتي وصف الفاعل من الفعل الثلاثي المجرد2، على "فاعل"3، بكثرة في "فعل"، بالفتح، معتدياً كان؛ كضربه وقتله، أو لازماً؛ كذهب، وغذاء، بالغين والذال المعجمين، بمعنى سال4. وفي "فعل" بالكسر؛ متعدياً؛ كأمنه، وشربه، وركبه، ويقل في القاصر؛ كسلم. وفي "فعل" بالضم؛ كـ"فره"5.
وإنما قياس الوصف من "فعل" اللازم6: فعل في الأعراض7؛ كفرح وأشر.
__________
باب: أبنية أسماء الفاعلين والصفات المشبهات بها
1- اسم الفاعل هو: ما صيغ ليدل على من قام به أصل الحديث، أو وقع منه على أصل الحدث، وكذلك اسم المفعول، واسم التفضيل، وأسماء الزمان والمكان، وبقوله: على جهة الحدوث، تخرج الصفة المشبهة؛ لأنها تدل على الثبوت.
2- بشرط أن يكون متصرفا، سواء كان متعديا أو لازما.
3- وإن كانت عين الماضي ألفا؛ كقال وباع، قلبت همزة؛ تقول: قائل، بائع. وإن كان ماضيه ناقصا، كدعى، ورمى، وسعى، تحذف لأمه في حالتي الرفع والجز؛ تقول: هذا داعٍ، ورام، وساع.
4- تقول: غذا الماء، إذا سال، وغذا العرق، إذا سال دمه، ويستعمل متعديا بمعنى ربي؛ تقول: غذوت الصبي باللبن الطبيعي، أي ربيته به، واسم الفاعل في الحالتين: "غاذ" على وزن "فاعل".
5- الفاره من الناس: الحاذق بالشيء، والمليح الحسن، ومن الدواب: الجيد السير؛ يقال: رجل فاره، أي حاذق، وجارية فرهاء، أي حسناء، وفره الفرس يفره -بضم الراء: نشط وخف في السير.
6- يسمى هذا:"باب فرح" وتأتي منه الصفة المشبهة على ثلاثة أوزان قياسية، ذكرها المصنف ومثل لها. وتحد "الصفة المشبهة باسم الفاعل" بأنها: اسم مشتق مصوغ من مصدر الفعل الثلاثي اللازم، للدلالة على ثبوت صفة لصاحبها ثبوتا عاما مستمرا.
7- المراد بالأعراض: الأمور والمعاني التي تطرأ على الذات وتزول سريعا وتتجدد وتتردد على صاحبها، كالفرح، والحزن، والألم. فخرجت الألوان والأشياء الخلفية، تقول: فرح(3/55)
و"أفعل" في الألوان والخلق1؛ كأخضر، وأسود، وأكحل2، وألمى3، وأعور، وأعمى. و"فعلان" فيما دل على الامتلاء وحرارة الباطن4؛ كشبعان، وريان، وعطشان.
__________
فهو فرح، وأشر فهو أشر، و"الأشر" الذي لا يحمد النعمة والعافية، وتعب فهو تعب، وحذر فهو حذرٌ, ومؤنث "فعل" هذا "فعلة"، وشذ من الباب: مريض، وكهل؛ لأنهما عرضان.
1- الخلق: جمع خلقة؛ وهي الحالة الظاهرة الدائمة في البدن؛ من عيب، أو لون، أو حلية. ومؤنث "أفعل" هذا، فعلاء"؛ تقول: عور فهو أعور، وحمر فهو أحمرن وكحل فهو أكحل. ومنه قولهم: اشتهرت الخيول العربية بأنها دعجاء المقلة -والدعج: سعة العين مع شدة سوادها- كحلاء العين، وطفاء الأهداب؛ والوطف: غزرة شعر الجفون.
2- الأكحل: من بجفونه سواد كالكحل، من غير "اكتحال".
3- الألمى: هو أسمر الشفتين، والأنثى: لمياء.
4- الواو بمعنى "أو"؛ لأن المقصود: أنه ينقاس فيما يدل على امتلاء أو خلو، أو نحو ذلك مما يطرأ ويتكرر، ولكنه يزول ببطء، ومؤنثه "فعلى"؛ تقول: ظمي: فهو ظمآن، وهي ظمآى، وصدى فهو صديان، وهي صدي، وروى فهو ريان وهي ريا.
الخلاصة: أن باب "فعل" اللازم "باب فرح"، يبنى الصوف منه على ثلاثة أوزان: "فعل، وأفعل، وفعلان"، وتدور معانيها الغالبة حول ما يأتي: أمور تطرأ وتزول سريعا وتتردد، وأمور تثبت وتبقى، وأمور تطرأ وتزول ببطء. وإلى هذا الباب يشير الناظم بقوله:
كفاعل صغ اسم فاعل إذا ... من ذي ثلاثة يكون كغذا
-
وهو قليل في "فعلت" و"فعل" ... غير معدى بل قياسه "فعل"
-
و"أفعل" "فعلان" نحو أشر ... ونحو صديان ونحو الأجهر*
__________
* "كفاعل": متعلق بمحذوف، حال مقدم من "أسم فاعل" الواقع مفعولا لصنع، أو صفة لمصدر محذوف؛ أي صوع كصوغ. "إذا" ظرف مجرد عن الشرط، متعلق بصغ. "من ذي ثلاثة" متعلق بيكون التامة ومضاف إليه "كغذا" خبر لمبتدأ محذوف. "في فعلت" متعلق بقليل."وفعل" معطوف على فعلت. "غير معدى" غير حال من "فعل"، ومعدى مضاف إليه. "بل" حرف انتقال وإضراب. "قياسه" مبتدأ ومضاف إليه، والضمير للوصف. "فعل" خبر المبتدأ. "وأفعل" معطوف على فعل. "فعلان" معطوف على أفعل بإسقاط العاطف. "نحو أشر" نحو خبر لمبتدأ محذوف، وأشر مضاف إليه، وما بعده معطوف عليه.(3/56)
وقياس الوصف من "فعُل"، بالضم1، فعيل، كظريف وشريف، ودونه "فعل"؛ كشهم وضخم. ودونهما "أفْعَل"؛ كأخطب2؛ إذا كان أحمر إلى الكدرة، وفَعُل؛ كبطل3 وحسن و"فَعَال" بالفتح؛ كجبان4، و"فُعَال"؛ بالضم، كشجاع، و"فُعُل"؛ كجنب. و"فَعَل"؛ كعفر؛ أي شجاع ماكر5. وقد يستغنون عن صيغة "فاعل" من "فَعْل" بالفتح، بغيرها6؛ كشيخ، وأشيب، وطيب، وعفيف7.
__________
أي: صغ اسم الفاعل من الفعل الثلاثي المتصرف على وزن "فاعل"؛ نحو: غذا فهو غاذ، وهذا يصلح متعديا ولازما كما أوضحنا. ووزن "فاعل" قليل في مثل "فعل" و"فعل" اللازمين، والقياس فيهما "فعل"؛ تقول: نجس فهو جس، وفرح فهو رح. و"أفعل" و"فعلان" مثل "فعل" في أنهما أسما فاعل من "فعل"الثلاثي اللازم؛ نحو: أشرف، فهو أشر، وصدي، فهو صديان، وجدهر، فهو أجهر؛ والصديان: العطشان، والأجهر: من لا يستطيع الإبصار في الشمس. والحق أن هذه الصيغ صفات مشبهة، وليست باسم فاعل كما يفهم من ظاهر كلام الناظم.
1- يسمى هذا "باب كرم"، وتأتي منه الصفة المشبهة على أوزان كثيرة؛ أشهرها ما ذكره المصنف، ومثل له.
2- ذكر في التصريح: أنه بالخاء والظاء المعجمتين، وليس لهذه المادة أثر في كتب اللغة، والذي فيها: خطب، ولكن فعله من "باب فرح"، وخطب بالضم صار خطيبا، فلعل التمثيل بهذا اللفظ سهو من المصنف.
3- يقال: بطل الرجل، صار بطلا.
4- يكثر هذا الوزن في المؤنث؛ يقال: حصنت المرأة فهي حصا، ورزنت فهي رزان؛ والرزان: المتوقرة غير الطائشة.
5- الذي في اللسان وغيره أن العفر بالكسر: الخبيث الماكر، ومنه العفريت، أما بالضم فهو: الشجاع الجلد.
6- محل الاستغناء: ما لم يكن له وزن قياسي من المسموع، أما ما استعمل له قياس وسمع غيره؛ فليس موضع الاستغناء نحو: مال فهو مائل، وأميل.
7- ذكر المصنف لباب "فعل" عشرة أوزان قياسية؛ بعضها كثير الاستعمال، وبعضها قليل،(3/57)
تنبيه: جمع هذه الصفات صفات مشبهة1؛ إلا "فاعلاً"؛ كضارب، وقائم؛ فإنه اسم فاعل، إلا إذا أضيف إلى مرفوعه2، وذلك فيما دل على الثبوت؛ كطاهر القلب، وشاحط الدار، أي بعيدها، فصفة مشبهة أيضاً3.
__________
والبعض أقل، وهي موزعة بين البابين كما سيأتي؛ منهما ما هو خاص بباب كرم؛ وهو: "فعل، وفعل، وفعال". أما: أفعل، وفعلان، فيختصان بباب فرح، ويشترك بين البابين: "فعل، وفعل، وفعيل، وفعل". وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
و"فعل" أولى و"فعيل" بفعل ... كالضخم والجميل والفعل جمل
وأفعل فيه قليلٌ و"فعل" ... وبسوى الفاعل قد يغنى "فعل"*
أي أن الماضي إذا كان على وزن "فعل" بضم العين، فالأولى أن يكون وزن اسم فاعله "فعل" أو "فعيل"، مثل: ضخم، وجميل، من ضخم، وجمل، ومجيء اسم الفاعل منه على وزن "أفعل" أو "فعل"، قليل. وقد يستغنى عن صيغة "فاعل" من مصدر "فعل" بغيرها؛ نحو: شاب فهو أشيب. وشاخ فهو شيخ ... إلخ. كما ذكر المصنف.
1- أي إذا قصد بها الدلالة على الثبوت والاستمرار، وإن لم تضف لمرفوعها ولم تنصبه؛ فإن قصد بها الحدوث والتجدد كانت أسماء فاعلين، وهل يجب حينئذ أن تحول إلى صيغة "فاعل"؛ فتقول: ضائق، وسائد، وفارح، في ضيق، وسيد، وفرح؟ أم يجوز بقاء زنتها مع هذا القصد؟ لعل الأقرب إلى الصواب: أنه لا يجب التحويل إلا إذا قصد التنصص على إرادة الحدوث. ولا يختص وزن "فاعل" بجواز قصد الثبوت والاستمرار؛ بل يجري ذلك في أسماء الفاعلين من غير الثلاثي. وقد مثل المصنف للصفة المشبهة بمستقيم الرأي، ومعتدل القامة، وهذا يدل على أنه زنة اسم الفاعل من غير الثلاثي، تكون أحياناً صفة مشبهة.
2- أي في المعنى، وكذلك إذا نصبه.
3- يتبين من هذا: أن موازن "فاعل" لا يكون صفة مشبهة، إلا إذا قصد به الدوام والاستمرار
__________
* "وفعل أولى" مبتدأ وخبر. و"فعيل" معطوف على فعل "بفعل" متعلق بأولى."والفعل جمل" مبتدأ وخبر، وهذه الجملة لبيان الواقع لا للاحتراز."وأفعل" مبتدأ. "فيه" متعلق بقليل الواقع خبر للمبتدأ "وفعل" معطوف على أفعل. "وبسوى الفاعل" جار ومجرور متعلق بيغني، ومضاف إليه. "فعل" فاعل يغني. ومعنى يغني: يستغني.(3/58)
فصل:
ويأتي وصف الفاعل من غير الثلاثي المجرد، بلفظ مضارعه1؛ بشرط الإتيان بميم مضمومة، مكان حرف المضارعة، وكسر ما قبل الآخر2 مطلقا؛ سواء كان مكسوراً في المضارع؛ كمنطلق ومستخرج، أو مفتوحاً؛ كمتعلم ومتدحرج.
__________
وأضيف إلى مرفوعه أو نصبه. وكذلك اسم الفاعل من غير الثلاثي كما أسلفنا، وكما سيمثل به المصنف في باب الصفة المشبهة من قوله: مستقيم الرأي، ومعتدل القائمة، مما يدل صراحة على أن الوصف من غير الثلاثي يكون صفة مشبهة.
1- وشذ من ذلك ألفاظ؛ منها: أمحل البلد، إذا قحط، فهو ماحل، وأعشب المكان، إذا كثر عشبه، فهو عاشب، وأيفع الغلامن إذا شب، فهو يافع، وأورس النبت والشجر، إذا اصفر لونه فهو وارس. واحصرت الناقة، إذا ضاق مجرى لبنها، فهي حصور. وأعقت الفرس، إذا حملت فهي عقوق، وألقحت الريح، فهي لاقحة، قال تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِح} الآية: 22 من سورة الحجر. قيل: إنه سمع، يفع، وورس، فيكون يافع ووارس حينئذ؛ مما استغنى فيه باسم الفاعل الثلاثي عن اسم فاعل غيره. وجاء "مورس" قليلاً.
2- أي: ولو تقديراً؛ كمختار ومعتل، اسمي فاعل، من اختار واعتل؛ فإن الكسر مقدر فيهما، وشذ فتح ما قبل الآخر في: مسهب، من أسهب إذا تكلم كثيراً، ومحصن، من أحصن إذا تزوج. وملقح من ألقح الفحل الناقة.
وفي بناء اسم الفاعل من غير الثلاثي يقول الناظم:
وزنة المضارع اسم فاعل ... من غير ذي الثلاث كالمواصل
مع كسر متلو الأخير مطلقا ... وضم ميم زائد قد سبقا*
أي أن زنة اسم الفاعل من مصدر الفعل غير الثلاثي، هي زنة مضارعه، مع كسر الحرف الذي قبل الآخر في المضارع، وضم الميم الزائدة التي يؤتي بها في أول المضارع بدل حرف المضارعة؛ نحو: المواصل من أوصل الرباعي.
__________
* "وزنة المضارع" زنة خبر مقدم، والمضارع مضاف إليه. "اسم فاعل" مبتدأ مؤخر ومضاف إليه. "من غير" متعلق بزنة. "ذي الثلاث" مضاف إليه، "كالمواصل" خبر لمبتدأ محذوف. مع "ظرف متعلق بمحذوف حال من كلمة المضارع، وما بعده مضاف إليه. "مطلقا" حال من كسر. "وضم ميم" ضم معطوف على كسر، وميم مضاف إليه. "زائدا" نعت لميم "قد سبقا" الجملة في محل جر نعت ثان لميم، والألف في سبقا للإطلاق.(3/59)
باب: أبنية أسماء المفعولين 1
يأتي وصف المفعول من الثلاثي المجرد2، على زنه "مفعول"؛ كمضروب، ومقصود، وممرور به3. ومنه مبيع؛ ومرمي؛ إلا أنها غيرت4. ومن غيره بلفظ مضارعة؛ بشرط الإتيان بميم مضمومة مكان حرف المضارعة، وإن شئت فقل: بلفظ اسم
__________
هذا: وقد يأتي اسم الفاعل في صورة المصدر؛ نحو ماء غور؛ أي غائر، ورجل عدل، أي عادل، وجاء ركضا؛ أي راكضا.
باب: أبنية أسماء المفعولين
1- اسم المفعول هو: اسم مشتق يصاغ من مصدر الفعل المبني للمجهول؛ للدلالة على معنى مجرد حادث، وعلى من وقع عليه هذا المعنى مجرد حادث، وعلى من وقع عليه هذا المعنى.
2- بشرط أن يكون تاما متصرفا؛ لأن الجامد لا يبنى منه اسم مفعول، ولا اسم فاعل، ولا صفة مشبهة، كما لا يأتي منه مصدر، ولا غيره من المشتقات. ويصاغ من المتعدي مطلقا، ومن اللازم بشرط ما يأتي.
3- هذا مثال لبناء اسم المفعول من اللازم بالصلة؛ لأن اسم المفعول لا يصاغ من اللازم إلا مع الظرف، أو الجار المجرور، أو المصدر، كما تقدم بيان ذلك في باب التعدي واللزوم، انظر صفحة: 94، جزء ثان.
4- أي غيرت لفظا عن زنة "مفعول"، والأصل: مبيوع، ومقوول، ومرموي، نقلت حركة الياء والواو في الأولين، إلى الساكن قبلهما، ثم قلبت الضمة كسرة في الأول لتسليم الياء. وحذفت الواو من الثاني لالتقاء الساكنين؛ أما الثالث فقد قلبت الواو ياء وأدغمتا، لاجتماعهما، وسبق إحداهما بالسكون، ثم قلبت الضمة كسرة لمناسبة الياء. وإذا كان اسم المفعول مؤنثا وجب زيادة تاء التأنيث في آخره؛ تقول: فاطمة منزهة عن فحش القول. وقد أشار الناظم إلى بناء اسم المفعول من الثلاثي بقوله:
وفي اسم مفعول الثلاثي اطرد ... زنة "مفعول" كآت من قصد*
__________
* "وفي اسم" جار ومجرور متعلق باطرد، وهو مضاف إلى ما بعده. "زنة مفعول" زنة فاعل اطرد، ومفعول مضاف إليه."كآت" خبر لمبتدأ محذوف على حذف موصوف. "من قصد" متعلق بآت بتقدير مضاف مجرور بمن؛ أي كمفعول آت من مصدر "قصد".(3/60)
فاعله بشرط فتح ما قبل الآخر1؛ نحو: المال مستخرج، وزيد منطلق به.
وقد ينوب "فعيل" عن مفعول2؛ كـ "دهين"، وكحيل، وجريح، وطريح، ومرجعه إلى السماع3. وقيل:.............
__________
أي: أن صيغة اسم المفعول من مصدر الثلاثي على وزن "مفعول" باطراد، كالوزن اللاذي تأتي به من الفعل "قصد"؛ فتقول: مقصود.
1- أي في اسم الفاعل، وفي ذلك يقول الناظم:
وإن فتحت منه ما كان انكسر ... صار اسم مفعول كمثل المنتظر*
أي: إن صيغة اسم المفعول من غير الثلاثي، هي صيغة اسم الفاعل، بعد أن يفتح الحرف الذي قبل الآخر، والذي كان مكسورا في اسم الفاعل؛ تقول: منتظر، اسم مفعول، ومنتظر، اسم فاعل.
2- أي: إن اسم المفعول من الثلاثي، قد يأتي على وزن "فعيل" بدلا من "مفعول"، فيدل على معناه، ولكن لا يعمل عمله عند كثير من النحاة؛ فلا يقال: مررت برجل كحيل عينه، أو قتيل أبوه، أو ذبيح كبشه. وأجاز ذلك ابن عصفور في كتاب "المقرب"، واستحسنه بعضهمز وكذلك ينوب عن "مفعول"، على قلة، "فعل"؛ كذبح، وطحن؛ بمعنى: مذبوح ومطحون. و"فعل"؛ كعدد؛ بمعنى معدود، وقنص، بمعنى مقنوص. و"فعلة"؛ كمضغة؛ بمعنى ممضوغ، وكذلك غرفة، وأكلة، وسبة، وضحكة. و"فعول"؛ نحو: ركوب، جزور.
3- أي يقتصر في ذلك على المسموع والمنقول عن العرب. وفي هذا يقول الناظم:
وناب نقلاً عنه ذو "فعيل" ... نحو فتاة أو فتى كحيل**
أي ينوب "فعيل" عن اسم المفعول من الثلاثي، وهذا منقول عن العرب ومسموع منهم؛ تقول: فتاة كحيل؛ بمعنى مكحولة العين، وفتى كحيل كذلك. وصيغة "فعيل" التي بمعنى مفعول، يستوي فيها المذكر والمؤنث غالباً.
__________
* "وإن فتحت" شرط وفعله. "منه" متعلق بفتحت، والضمير عائد إلى ما زاد عن الثلاثة. "ما" اسم موصول مفعول فتحت. "انكسر" الجملة خبر كان، وهي معمولاها صلة الموصول. "صار اسم مفعول" جواب الشرط "كمثل" خبر لمبتدأ محذوف. "المنتظر" مضاف إليه.
** نقلاً مصدر بمعنى المفعول، حال من ذو فعيل؛ أي منقولا عن العرب. "عنه" متعلق بناب. "ذو فعيل" فاعل ناب ومضاف إليه. "نحو" خبر لمبتدأ محذوف. "كحيل" صفة لما قبله.(3/61)
ينقاس فيما ليس له فعيل" بمعنى "فالع1؛ نحو: قدر، ورحم؛ لقولهم: قديرٌ، ورحيم2.
__________
وقد يأتي اسم المفعول في صورة المصدر قال تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّه} ؛ أي مخلوقة، {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِه} ؛ أي معلومة. سورة البقرة: 255.
1- أي: كقتيل وجريح؛ وذلك لعدم اللبس فيه، بخلاف ماله ذلك فإنه يلتبس بالفاعل.
2- أي: بمعنى قادر، وراحم، وهذا تمثيل للمنفي، والتعليل لمحذوف.
أي: إنما كان الفعلان لهما "فعيل" بمعنى فاعل؛ لقولهم ... إلخ. وأما ما ليس له فعيل بمعنى فاعل؛ فنحو: جريح، وقتيل.(3/62)
باب: إعمال الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي إلى الواحد 1
: وهي: الصفة التي استحسن فيها أن تضاف لما هو فاعل في المعنى2؛ كـ"حسن
__________
باب: إعمال الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي إلى واحد
1- الصفة المشبهة هي: ما اشتق من مصدر فعل لازم لغير تفضيل، بقصد نسبة الحدث إلى الموصوف على جهة الثبوت. وحق الصفة المشبهة أن تكتفي بمرفوعها ولا تعمل النصب؛ لمباينتها الفعل بدلالتها على الثبوت، ولأنها مشتقة من مصدر الفعل الثلاثي اللازم، وهو لا ينصب، ولكنها لما أشبهت اسم الفاعل المتعدي لواحد، نصبت مفعولها مثله، على التشبيه بالمفعول به. ووجه الشبه بينها وبين اسم الفاعل في أمرين: الأول: أنها تدل على الحدث وصاحبه مثله؛ "فحسن" مثلا معناه ذو حسن، وضارب معناه: ذو ضرب، ولا فرق بينهما إلا من حيث دلالتها على الثبوت، ودلالة اسم الفاعل على الحدوث. والثاني: أنها تقبل التثنية والجمع، والتذكير والتأنيث غالبًا، كاسم الفاعل؛ تقول: حسن، وحسنة؛ كما تقول: ضارب وضاربة، وحسنان، وحسنون، وحسنات؛ كما تقول: ضاربان وضاربتان وضاربون؛ ويشترط في عملها النصب على التشبيه بالمفعول به: الاعتماد؛ كاسم الفاعل ومن أجل هذا كله: سميت بذلك الاسم.
2- قيد الفاعل بالمعنى؛ لأن الصفة لا تضاف للفاعل إلا بعد تحويل الإسناد عنه إلى ضمير الموصوف؛ فلم يبق فاعلا إلا من جهة وقوعه بعدها، واتصافه بمعناها.
والمراد: استحسان الجر بنوعها لا بشخصها؛ لئلا يرد صور امتناع الجر، وضعفه، كما(3/62)
الوجه، ونقي الثغر، وظاهر العرض"؛ فخرج نحو: زيد ضارب أبوه1؛ فإن إضافة الوصف فيه إلى الفاعل ممتنعة2؛ لئلا توهم الإضافة إلى المفعول3، ونحو: زيد كاتب أبوه4؛ فإن إضافة الوصف فيه، وإن كانت لا تمتنع5؛ لعدم اللبس6، لكنها لا تسحن؛ لأن الصفة لا تضاف لمرفوعها، حتى يقدر تحويل إسنادها عنه إلى ضمير موصوفها؛ بدليلين:
أحدهما: أنه لو لم يقدر كذلك، لزم إضافة الشيء إلى نفسه7.
والثاني: أنهم يؤنثون الصفة في نحو: هند حسنة الوجه8؛..................................
__________
سيأتي. وفي تعريف الصفة المشبهة، يقول ابن مالك:
صفة استحسن جر فاعل ... معنى بها المشبهة اسم الفاعل*
أي أن الصفة التي يتحسن أن يجر بها فاعلها في المعنى هي: "الصفة المشبهة باسم الفاعل"، وهي تجره بالإضافة، والمضاف إليه هو فاعلها المعنوي.
1- مثال لاسم الفاعل المتعدي، الواقع على الذوات.
2- أي وإن قصد به الثبوت والدوام كما بينه المصنف. وأجازهما بعض النحاة إذا قصد الثبوت، وأمن اللبس عند الإضافة للمفعول. وآخرون أجازوا إذا قصد الثبوت، ويحذف المفعول اقتصاراً، ويكون من باب الصفة المشبهة.
3- أي على أن الأصل: زيد ضارب أباه.
4- مثال لاسم الفاعل القاصر؛ أي الذي لا يقع على الذوات.
5- وذلك إذا قصد به الدوام والثبوت؛ لأنه حينئذ يكون صفة مشبهة. أما إذا قصد به الحدوث والتتجدد، فإن إضافته ممتنعة.
6- أي عند الإضافة إلى المفعول؛ لأن الكتابة لا تقع على الذوات.
7- لأن الصفة نفس مرفوعها في المعنى، واللازم باطل، فالملزوم مثله.
8- فلو لم تكن الصفة مسندة إلى ضمير الموصوف؛ وهو هند، لذكرت كما تذكر مع
__________
* "صفة" خبر مقدم. "استحسن جر فاعل" الجملة من الفاعل ونائب الفاعل والمضاف إليه، نعت لصفة. "معنى" تمييز أو منصوب على نزع الخافض. "بها" متعلق بجر. "المشبهة" مبتدأ مؤخر. وفيها ضمير مستتر فاعل بها؛ لأنها اسم فاعل. "اسم فاعل" مفعول به بالمشبهة، والفاعل مضاف إليه.(3/63)
فلهذا1 حسن أن يقال: زيد حسن الوجه؛ لأن من حسن وجهه حسن أن يسند الحسن إلى جملته مجازًا2. وقبح أن يقال: زيد كاتب الأب؛ لأن من كتب أبوه، لا يحسن أن تستند الكتابة إليه3 إلا بمجاز بعيد4. وقد تبين أن العلم بحسن الإضافة5 موقوف على النظر في معناها6 لا على معرفة كونها صفة مشبهة، وحينئذ فلا دور في التعريف المذكور7 كما توهمه ابن الناظم8.
فصل: وتختص هذه الصفة عن اسم الفاعل بخمسة أمور.
أحدها: أنها تصاغ من اللازم دون المتعدي9؛ كحسن، وجميل، وهو يصاغ
__________
المرفوع.
1- أي لأجل هذا التحويل المذكور.
2- أي من الإسناد إلى الجزء وإرادة الكل، والباعث عليه قصد التخفيف.
3- لأن الأب ليس جزءًا من الابن؛ فلا يسوغ أن يطلق أحدهما ويراد الآخر.
4- وهو الإسناد إلى المضاف، وإرادة المضاف إليه.
5- أي في إضافة الصفة إلى مرفوعها.
6- أي المعنى الثابت لفاعل الصفة؛ وهو: نسبة الحدث إلى موصوفه على سبيل الثبوت، والدوام، فما جاز من الصفات أن يسند إلى ضمير موصوفه، فإضافته إلى موصوفه حسنة، وما لا، فلا.
7- أي التعريف الذي ذكره المصنف، واتبع فيه الناظم في قوله: * صفة استحسن جر فاعل ... إلخ.
8- حيث قال: إن هذه الخاصة -وهي الإضافة إلى الفاعل- لا تصلح للتعريف بالصفة المشبهة وتمييزها عن غيرها؛ لأن العلم بالصفة المشبهة متوقف على استحسان إضافتها للفاعل، واستحسان الإضافة متوقف على العلم بكونها صفة مشبهة، فجاء الدور. وقد دفع المصنف ذلك بما حاصله: أن العلم باستحسان الإضافة موقوف على النظر في المعنى الثابت للفاعل، لا على العلم بكونها صفة مشبهة.
9- إلا إذا كان المتعدي في حكم اللازم وفي منزلته؛ مثل: ممدود القامة، وعالي الرأس، إذا(3/64)
منهما؛ كقائم، وضارب.
الثاني: أنها للزمن الحاضر الدائم1 دون الماضي المنقطع، والمستقبل. وهو يكون لأحد الأزمنة الثلاثة.
الثالث: أنها تكون مجارية للمضارع في تحركه وسكونه؛ كطاهر القلب، وضامر البطن، ومستقيم الرأي، ومعتدل القامة، وغير مجارية له. وهو الغالب فلي المبنية من الثلاثي3؛ كحسن، وجميل، وضخم، وملآن. ولا يكون اسم الفاعل إلا مجاريا له.
__________
أريد لكل من "ممدود" و"عالي"، الثبوت الدوام، وفعلهما: مد وعلا. وكلاهما متعد، ولكن مجيء الصفة المشبهة منهما، جعلهما بمنزلة اللازم، وكذلك إذا حول إلى "فعل" بالضم، كما في رحمان ورحيم وعلين؛ فإنها صفات من رحم، وعلم، وكلاهما متعد.
1- أي الثابت المستمر؛ فلا بد أن يشمل معناها الأزمنة الثلاثة مجتمعة، ولا يقتصر على بعضها؛ فلا يصح -على الراجح- أن يقال: الوجه حسن أمس، أو الآن، أو غدا، ودلالة الصفة المشبهة على الدوام، عقلية لا وضعية؛ لأنه لما انتفى عنها التجدد والحدوث، ثبت الدوام عقلا؛ لأن الأصل في كل ثابت دوامه واستمراره.
وإلى الأمرين السابقين أشار الناظم بقوله:
وصوغها من لازم لحاضر ... كطاهر القلب جميل الظاهر*
أي أنها تصاغ من مصدر الثلاثي اللازم، للدلالة على معنى متصل بالزمن الحاضر -أي الحالي- اتصال دوام وملازمة. ثم مثل بمثالين: أحدهما اسم فاعل، قصد به الثبوت والاستمرار؛ فصار صفة مشبهة؛ وهو: طاهر القلب، وبقي على وزنه. والثاني: صفة مشبهة أصيلة؛ وهو: جميل الظاهر.
2- أما المبنية من مصدر غير الثلاثي، فلا بد من مجاراتها لمضارعها. والمراد بالمجاراة: تساوي عدد الحروف المتحركة والساكنة في كل منهما، وأن يكون ترتيب المتحرك والساكن فيهما متماثلا.
__________
* "وصوغها" معطوف على "جر فاعل" المتقدم، أو مبتدأ ومضاف إليه حذف خبره؛ أي وصوغها واجب من لازم ... إلخ. "من لازم لحاضر" متعلقان بصوغها. "كطاهر القلب" متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، ومضاف إليه. "جميل الظاهر" معطوف على طاهر القلب بإسقاط العاطف.(3/65)
الرابع: أن منصوبها لا يتقدم عليها1، بخلاف منصوبه2؛ ومن ثم صح النصب في نحو: زيداً أنا ضاربه3، وامتنع في نحو: زيد أبوه حسن وجهه4.
الخامس: أنه يلزم كون معمولها سببياً5؛ أي متصلا بضمير موصوفها؛ إما لفظاً نحو: زيد حسن وجهه، وإما معنى؛ نحو: زيد حسن الوجه؛ أي منه6، وقيل: إن
__________
1- أي إن كان شبيها بالمفعول به؛ لأنه كان فاعلا في الأصل. أما المعمولات الأخرى، فيجوز تقديمها؛ تقول: محمد بالضعفاء رحيم القلب.
2- فإنه يجوز تقديمه؛ إذا كان غير مقرون بأل نحو: العواصف شجرا مقتلعة. أما المقترن بأل، أو المجرور بإضافة، أو بحرف جر أصلي، فيمتنع تقديم منصوبه؛ ففي مثل: هذا غلام قاتل زيدا، ومررت بضارب زيدا، يمتنع تقديم "زيدا"، أما نحو: لست بضارب زيدا؛ فلا يمتنع التقديم لزيادة الجار، أما المرفوع والمجرور فلا يتقدمان فيهما؛ ولأن المرفوع فاعل، والمجرور مضاف إليه، وكلاهما لا يتقدم.
3- أي بنصب "زيدا" على الاشتغال، وتقدمه على اسم الفاعل المشتغل عنه بالعمل في ضميره؛ لأنه لو تفرغ من الضمير لعمل فيه، وما يعمل في المتقدم عليه، يصح أن يفسر عاملا فيه.
4- فلا يصح نصب الأب، بصفة محذوفة معتمدة على زيد، تفسرها الصفة المذكورة المشتغلة عنه بنصب سببيه؛ وهو "وجهه"؛ لأن الصفة المشبهة لا تعمل في متقدم، وما لا يعمل لا يفسر عاملا؛ فوجب رفعه على أنه مبتدأ ثان، و"حسن" خبره، والجملة خبر "زيد".
5- أي: إذا كان مجرورا أو منصوبا على التشبيه بالمفعول به. وكذلك إذا كان معمولها مرفوعا، والصفة جارية على الموصوف. والمراد بالسببي: ما ليس أجنبياً من الموصوف؛ فيشمل الضمير البارز المتصل؛ نحو: حسن الوجه طلقه أنت، فيجوز في الهاء أن تكون في محل نصب أو جر "لطلق"، و"حسن الوجهه طلقه" خبران مقدمان، و"أنت" مبتدأ مؤخر.
6- "فالوجه" معمول لحسن؛ وهو سببي؛ لأنه متصل بضمير الموصوف معنى؛ وهو "زيد"، وقد حذف الضمير مع حرف الجر، ولكنه ملحوظ كأنه موجود. وهذا رأي البصريين.(3/66)
"أل" خلف عن المضاف إليه1. وقول ابن الناظم: إن جواز نحو: زيد بك فرح2، مبطل لعموم قوله3: إن المعمول لا يكون إلا سببيًا مؤخرًا، مردود؛ لأن المراد بالمعمول4 ما عملها فيه بحق الشبه5؛ وإنما عملها في الظروف، بما فيها من معنى
__________
1- وهو الضمير، وعلى ذلك فلا حذف. وهذا رأي الكوفيين، واعترض عليه بأنه قد يصرح بالضمير مع أل؛ كما في قول طرفة بن العبد من معلقته:
رحيب قطاب الجيب منها رقيقة ... بجس الندامى بضة المتجرد
الشاهد: في "الجيب منها". رحيب: متسع قطاب: مخرج الرأس منه. والجس: اللمس. البضة: البيضاء الرخصة. المتجرد: جسدها المتجرد من ثيابها.
وعلى الرغم من هذا الاعتراض يستحسن بعض العلماء رأي الكوفيين؛ لخلوه من الحذف والتقدير. وعليه يكون السببي هو: المتصل بضمير صاحب الصفة أو بما يغني عن الضمير، وإلى الأمرين السابقين يشير الناظم بقوله:
وسبق ما تعمل فيه مجتنب ... وكونه ذا سببية وجب*
أي يجتنب أن يسبقها ما تعمل فيه، ووجب كون معمولها ذا سببية. وقد أوضحنا ذلك.
2- أي مما تقدم فيه المعمول -وهو هنا "بك- على الصفة؛ وهي "فرح" مع أنه غير بسببي؛ لأنه ليس اسماً ظاهراً مضافًا إلى ضمير يعود إلى الموصوف، وهو "زيد".
3- أي قول الناظم.
4- أي في قوله:
وسبق ما تعمل فيه مجتنب
5- أي بسبب مشابهتها لاسم الفاعل، وهو المنصوب على التشبيه بالمفعول به كما يفهم ذلك من قوله:
وعمل اسم فاعل المعدى ... لها على الحد الذي قد حدا**
__________
* "وسبق" مبتدأ. "ما" اسم موصول مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله. "تعمل فيه" الجملة صلة ما "مجتنب" خبر المبتدأ."وكونه" مبتدأ وهو مصدر كان الناقصة، مضاف إلى اسمه. "ذا سببية" ذا خبر الكون الناقص، وسببية مضاف إليه. "وجب" الجملة خبر الكون الواقع مبتدأ.
** "وعمل" مبتدأ مضاف إلى ما بعده. "المعدى" مضاف إليه، وهو نعت لمحذوف: أي الفعل المعدى "لها" متعلق بمحذوف خبر المبتدأ. "على الحد" متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن في الخبر. "الذي" صفة للحد، أوبدل منه."قد حدا"الجملة صلة الذي والألف للإطلاق.(3/67)
الفعل. وكذا عملها في الحال، وفي التمييز1 ونحو ذلك2، بخلاف اسم الفاعل3.
فصل: لمعمول هذه ثلاث حالات4: الرفع على الفاعلية. وقال الفارسي: أو على الإبدال من ضمير مستتر في الصفة5. والخفض بالإضافة، والنصب على التشبيه
__________
أي ما ثبت لاسم الفاعل المتعدي لواحد، يثبت لها على الضبط والتحديد الذي قد حدد لكل منهما؛ ومن ذلك؛ أن منصوبها لا يسمى مفعولا به؛ وإنما يسمى: المنصوب على التشبيه بالمفعول به إن كان معرفة؛ أما المنصوب على وجه آخر، والمرفوع، فلا يشترط فيهما ذلك.
1- مثال الحال: محمد حسن وجه طلقه. مثال التمييز: على فصيح قولا.
2- أي من الفضلات التي ينصبها الفاعل المتعدي واللازم، ولا يمنع من تقديمها مانع آخر، ما عدا المفعول المطلق.
3- فإنه لقوة شبهة بالفعل، يعمل في متأخر ومتقدم، وفي سببي، وفي أجنبي.
هذا: ومما تختص به الصفة المشبهة أيضاً:
أ- أنها لا تعمل محذوفة؛ فلا يجوز: هذا حسن القول والعمل، بنصب "الفعل" على تقدير: وحسن الفعل. أما اسم الفاعل فيجوز: أنت ضارب اللص والخائن.
ب- أنه لايجوز أن يفصل بينها وبين معمولها المرفوع أو المنصوب بظرف، أو جار ومجرور عند الجمهور؛ إلا للضرورة.
جـ- أنه لا يراعى لمعمولها المجرور محل بالعطف أو غيره، بخلاف اسم الفاعل.
د- إنها لا تتعرف بالإضافة مطلقا، بخلاف اسم الفاعل؛ فإنه يتعرف بها إذا كان بمعنى الماضي فقط، وأريد به الاستمرار، فيلحظ في هذا الاستمرار جانب المضي وحده.
هـ- أن "أل" الداخلة عليها حرف تعريف لا غير، أما الداخلة على اسم الفاعل، فاسم موصول ومعرفة معا على الاصح فيهما.
4- هنالك معمول يمتنع فيه الرفع، وآخر يجب فيه؛ كما سيجيء ذلك قريباً.
5- أي بدل بعض من كل إذا أمكن ذلك. لا مطلقاً. قال الصبان: ويتعين الرفع على الفاعلية في نحو: مررت بامرأة حسن الوجه؛ لأن الصفة لو تحملت الضمير لوجب تأنيث الوصف بالتاء. ويتعين عدمه في نحو: مررت بامرأة حسنة الوجه؛ لأن الوجه لو كان فاعلا، لوجب(3/68)
بالمفعول به أن كان معرفة، وعلى التمييز إن كان نكرة1. والصفة مع كل من الثلاثة: إما نكرة، أو معرفة2، وكل من هذه الستة3 للمعمول معه ست حالات؛ لأنه إما "بأل"؛ كـ"الوجه" أو مضاف لما فيه "أل"؛ كوجه الأب، أو مضاف للضمير؛ كوجهه، أوة مضاف لمضاف للضمير؛ كـ"وجه أبيه"، أو مجرد؛ كـ"وجه"، أو مضاف إلى المجرد كـ"وجه أب"؛ فالصور ست وثلاثون؛ الممتنع منها أربعة4؛ وهي: أن تكون الصفة بأل والمعمول مجرداً منها، ومن الإضافة إلى تاليها، وهو مخفوض5
__________
تذكير الوصف، ويجوز الأمران في نحو: مررت برجل حسن الوجه.
1- ويجوز أيضا في النكرة أن تنصب على التشبيه بالمفعول به.
2- أي مجردة من أل، أو مقرونة بها.
3- أي الحاصلة من ضرب وجوه الإعراب الثلاثة، في حالتي تنكير الصفة وتعريفها.
4- لا يصح فيها إضافة الصفة المشبهة إلى معمولها وجره.
5- لأنه يلزم عليه إضافة ما فيه أل، إلى المجرد منها، ومن الإضافة لتاليها، أو لضمير تاليها، وذلك ممنوع كما تقدم إيضاحه في باب الإضافة. انظر صفحة (33) جزء ثان، وهذا في الصفة المفردة، أما المثناة والمجموعة جمع مذكرسالم، فتجوز إضافتها مطلقا. وقد أشار الناظم إلى حالات المعمول وهذه الصور بقوله:
فارفع بها وانصب وجر مع "أل" ... ودون "أل" مصحوب "ال" وما اتصل
بها مضافًا أو مجردًا ولا ... تجرر بها مع أل سما من أل خلا
ومن إضافة لتاليها وما ... لم يخل فهو بالجواز وسما*
__________
* "بها" متعلق بالرفع. "وانصب وجر" معطوفان على أرفع، وحذف متعلقهما لدلالة هذا عليه."مع أل" مع ظرف، حال من الهاء في بها، وأل مضاف إليه."ودون أل" دون ظرف معطوف على مع، وأل مضاف إليه، "مصحوب أل" مفعول تازعه الأفعال الثلاثة قبل، فأعمل الأخير، وحذف ضميره مما قبله؛ لأنه فضلة. "وما" اسم موصوف عطف على مصحوب أل. "اتصل" الجملة صلة ما. "بها" متعلق بجر. "مضافا" حال من اتصل "أو مجردا" معطوف عليه. "تجرر" مجزوم بلا الناهية. "بها" متعلق بجر. "مع أل" مع ظرف حال من الضمير في بها العائد إلى الصفة، وأل مضاف إليه. "سما" بالقصر لغة في الاسم، مفعول تجرر. "من أل" متعلق بخلا، وجملة "خلا" نعت لسما. "ومن إضافة" معطوف على من أل. "لتاليها" متعلق بإضافة، ومضاف إليه. "وما"(3/69)
كـ" الحسن وجهه"1، أو "وجه أبيه"، أو "وجه"، أو "وجه أب".
__________
أي ارفع بالصفة المشبهة، أو انصب، أو جر، مع وجود "أل" فيها، ودون وجودها -المعمول المقترن بأل، والمعمول المتصل بالصفة إذا كان مضافا، أو مجرداً من "أل" والإضافة. ويدخل تحت قوله: مضافا، ما ذكره المصنف من المعمول المضاف بأنواعه. ثم ذكر الحالات التي لا يجوز فيها الجر؛ فقال: لا تجرر بالصفة المشبهة المقرونة بأل، اسما خلا من "أل"، أو من الإضافة لما فيه "أل"، ويشمل ذلك الصور الأربعة التي ذكرها المصنف، وما لم يخل من ذلك يجوز جره، كما يجوز رفعه ونصبه.
1- محل الامتناع في هذا وفي الأمثلة الثلاثة بعده، إذا كان الموصوف غير محلى بأل، كزيد مثلا، وإلا جاز الجر؛ تقول: مررت بالرجل الحسن وجهه ... إلخ؛ لان معمول الصفة حينئذ مضاف لضمير ما فيه أل.
هذا: وتنقسم الصور الجائزة إلى ثلاثة أقسام: قبيح، وضعيف، وحسن، فالقبيح: رفع الصفة؛ سواء كانت مع "أل" أو مجردة منها، نكرة، ويشمل ذلك أربع صور؛ هي: الحسن وجهه، أو وجه أب، حسن وجه، أو وجه أب، ووجه القبح: غلو الصفة لفظا عن ضمير الموصوف؛ وإنما جازت لتقدير الضمير فيها. والضعيف نصب الصفة النكرة -المعارف مطلقا، وجرها المضاف إلى ضمير الموصوف، أو إلى المضاف إلى ضميره، وذلك ست صوره؛ مثل: حسن الوجه، أوجه الأب، أو وجهه، أو وجه أبيه؛ بالنصب فيهن. وحسن وجهه، وحسن وجه أبيه، بالجر فيهما، ووجه الضعف: إجراء وصف القاصر مجرى وصف المتعدي، في حالة النصب. وشبه إضافة الشيء إلى نفسه في حالة الجر. والحسن ما عدا ذلك، وهو اثنتان وعشرون صورة.
__________
اسم شرط مبتدأ أول. "لم يخل" الجملة فعل الشرط. "فهو" الفاء للربط، و"هو" مبتدأ. "بالجواز" متعلق بوسما الوقاع خبراً للمبتدأ، وجملة الشرط والجواب خبر المبتدأ الأول، والوسم: العلامة.(3/70)
................................................
__________
الأسئلة والتمرينات:
1- كيف تصوغ اسم الفاعل من الثلاثي، صحيح العين ومعتلها؟ وضح بالأمثلة.
2- يأتي اسم الفاعل صفة مشبهة، فمتى يكون ذلك؟ وهل يبقى على زنته؟ وضح ما تقول بأمثلة من عندك.
3- ما زنة اسمي الفاعل والمفعول من غير الثلاثي؟ اذكر أمثلة لذلك.
4- اذكر أوجه الشبه التي من أجلها سميت الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي للواحد؟
5- اذكر أوزان الصفة المشبهة من بابي "فرح"، "وشرف" ومثل.
6- بين اسم الفاعل والصفة المشبهة فروق؛ فلما هي؟ وضح ذلك بأمثلة.
7- كيف يعرب معمول الصفة المشبهة معرفة ونكرة؟ وما حكم المعمول من حيث التقدم وعدمه؟
8- فيما يأتي شواهد لاسمي الفاعل، والمفعول، والصفة المشبهة، بين الشاهد، وأعرب ما تحته خط:
قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .
{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} .
قيل في صفة الرسول -صلى الله عليه وسلم: "وشثن أصابعه"، أي غليظها. وقيل لعرب: ما المروءة عندكم؟ قال": طعام مأكول، ونائل مبذول، وبشر مقبول.
أعندي وقد مارست كل خفية ... يصدق واش أو يخيب سائل
وإني لسهل ما تغير شيمتي ... صروف ليالي الدهر بالفتل والنقض
ومن يك منحل العزائم تبعا ... هواه فإن الرشد منه بعد
لعل عتبك محمود عواقبه ... وربما صحت الأجسام بالعلل(3/71)
................................................
__________
تباركت إني من عذابك خائف ... وإني إليك تائب النفس باخع
السمح في الناس محبوب خلائقه ... والجامد الكف ما ينفك ممقوتًا
9- بين نوع كل من المشتقات الآتية، وضعه في جملة من إنشائك، وهات فعله الذي اشتق منه:
قاض، لطيف، قوال غير فعال، سمح الأخلاق، جيد، نقي العرض، فكه الحديث، لماع، مرضى السجايا، مغررو بنفسه، متعال على إخوانه.
10- يقول الفرزدق الشاعر الأموي في مدح سيدنا علي زين العابدين بن الحسين -رضي الله عنهما:
سهل الخلقية لا تخشى بوادره ... تزينه الخصلتان الحلم والكرم
حمال أثقال أقوام إذا اقترحوا ... حلو الشمائل يحلو عنده نعم
اشرح البيتين شرحاً أدبياً، وبين ما فيهما من شواهد، وأعرب ما تحته خط.
11- ضغ اسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة من الأفعال الآتية.
لأن، ساد، أضطر، روى، هاب، نشط، حلا، استدعى، قاد، رقى.
صورة سكانر
12- صغ من الأفعال الآتية: اسمي الفاعل والمفعول، والصفة المشبهة:
عض، استعان، تكبر، تخاصم، انبطح، نعم، ولي، سما، استولى.(3/72)
باب: التعجب
مدخل
...
باب: التعجب 1
وله عبارات كثيرة؛ نحو: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} 2، "سبحان ال له3 إن المؤمن لا ينجس"، لله دره فارساً! 4.
__________
باب: التعجب
1- هو انفعال وتأثر داخلي يحدث في النفس عند استعظام أمر له مزية ظاهرة؛ بسبب زيادة فيه، جعلته نادرا ولا نظير له، وقد خفي سببها، قيل: ولعل هذا معناه اللغوي. أما عند النحاة فهو: استعظام زيادة في وصف الفاعل خفي سببها، وخرج بها المتعجب به عن أمثاله، أو قل نظيره فيها. وهذا يفسر اشتراط أن يكون الفعل الذي توخذ من مصدره صيغة التعجب مبنيا للمعلوم؛ فلا يتعجب مما لا زيادة فيهن ولا مما ظهر سببه؛ ولهذا يقال: إذا ظهر السبب بطل العجب. وأيضاً، لا يوصف المولى -سبحانه- بأنه متعجب؛ لأنه لا يخفى عليه -سبحانه- شيء، وما ورد في كلامه أو في الحديث الشريف أو غيرهما، مما يدل على التعجب؛ فالمراد منه: إما توجيه المخاطبين إلى إظهار العجب؛ نحو: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّار} ؛ أي: إن حالهم تستدعي أن يتعجب منها. أو المراد لازمة؛ وهو الرضا والتعظيم، ونحو ذلك من الأغراض البلاغية: حديث: "عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل" أي: وهم أسارى المشركين، يسلمون فيدخلون الجنة. وكان القياس عدم التعجب من صفاته -تعالى: لأنها لا تقبل الزيادة؛ نحو: ما أعظم الله، وما أقدره، وما أجله، وما أعلمه، ولكنهم أجازوا ذلك بقصد الثناء عليه، على أن المعنى: إنه -تعالى- في غاية العظمة، وإن عظمته مما تحار فيها العقول.
2- المعنى: أتعجب من كفركم بالله، فاستعملت "كيف" للتعجب مجازاً عما وضعت له من الاستفهام عن الأحوال من الآية 28 من سورة البقرة.
3- "سبحان" لفظ موضوع للتنزيه، وقد استعمل للتعجب؛ لأن الإنسان يسبح الله عند رؤية مخلوقاته العجيبة. والمتعجب منه حال المخاطب المتوهم نجاسة المؤمن، وهذا حديث قاله -عليه السلام- لأبي هريرة، حين رآه في بعض طرق المدينة، وكان جُنُبًا، فأبى أن يقابله حتى اغتسل.
4- قول لبعض العرب، ومن الصيغ التعجبية غير ما ذكر: "يا لك" أو "يا له"، وقولهم: عجبت من كذا، إلى غير ذلك، من كل ما يدل على التعجب بقرينة.(3/73)
والمبوب له منها في النحو اثنتان1:
إحداهما:"ما أفعله"؛ نحو: ما أحسن زيدًا!
فأما "ما" فأجمعوا على اسميتها2؛ لأن في "أحسن" ضميرًا يعود عليها3، وأجمعوا على أنها مبتدأ لأنها مجردة للإسناد إليه. ثم قال سيبويه: هي نكرة تامة4 بمعنى شيء، وابتدئ بها لتضمنها معنى التعجب5، وما بعدها خبر6؛ فموضعه رفع. وقال الأخفش: هي معرفة ناقصة7؛ بمعنى الذي، وما بعدها صلة فلا موضع له. أو نكرة ناقصة8، وما بعدها صفة فمحله رفع، وعليهما فالخبر محذوف وجوباً؛ أي شيء عظيم9.
__________
1- أي: قياسيتان في التعجب، يدلان عليه بالوضع لا بالقرينة كغيرهما. وقد يتضمنان أحيانًا مع التعجب غرضا آخر؛ كالمدح أو الذم؛ كما سيأتي بعد.
2- وهي علامة التعجب؛ ولذا تسمى: "ما التعجبية". ويجب تقديمها على الفعل.
3- أي: والضمير لا يعود إلا على الأسماء، وهذا الضمير هو فاعل "أحسن"، وهو مستتر وجوباً، ويكون مفردا مذكرا غالباً.
4- يراد بالنكرة: أنها بمعنى شيء أي شيء. وبالتمام: أنها غير موصوفة بشيء بعدها، وقد أفادها التنكير الإبهام، وهو يناسب التعجب؛ لأنه يكون فيما خفي سببه.
5- ذلك لأنها توجه الذهن إلى أن ما بعدها عجيب، وأن الذي أوجده عظيم؛ فلها دخل في إفادته. أما الموضوع للتعجب فهو الجملة بتمامها.
6- أي عن الجملة الفعلية، والتقدير: شيء من الأشياء أحسن زيدا؛ أي جعله حسنا، وهذا باعتبار الأصل. أما الآن فليس المقصود بهذا التركيب الإخبار؛ بل المراد إنشاء التعجب؛ ولذا جاز استعماله في التعجب مما يستحيل كونه بجعل جاعل؛ كالتعجب من صفاته -تعالى- كما أسلفنا قريبا في نحو: ما أقدر الله، وما أعلمه ... إلخ.
7- أي اسم موصول؛ لأنها تحتاج في إفهام المراد منها إلى الصلة.
8- أي موصوفة بمعنى شيء، تحتاج إلى صفة.
9- ويؤخذ على قول الأخفش: أن فيه حذف الخبر من غير أن يسد مسده شيء. وفيه أيضا:(3/74)
وأما "أفعل" كأحسن؛ فقال البصريون والكسائي: فعل، للزومه مع ياء المتكلم ونون الوقاية1، نحو: ما أفقرني إلى رحمه الله -تعالى، ففتحته بناء؛ كالفتحة في ضرب، من: زيد ضرب عمراً، وما بعده مفعول به2. وقال بقية الكوفيين: اسم؛ لقولهم: ما أحيسنه3، ففتحته إعراب؛ كالفتحة في "زيد عندك؛ وذلك4 لأن مخالفة الخبر للمبتدأ تقتضي عندهم نصبه5 و"أحسن"؛ إنما هو في المعنى وصف لزيد لا لضمير "ما"6، "وزيد" عندهم مشبه بالمفعول به7.
الصيغة الثانية: "أفعل به؛ نحو: أحسن بزيد. واجمعوا على فعليه "افعل"8 ثم
__________
تقديم الإفهام بالصلة أو الصفة، وتأخير الإبهام بالتزام حذف الخبر. والمألوف في الكلام الذي يتضمن إفهاما وإبهاما، تقديم الإبهام؛ فالراجح ماذهب إليه سيبويه من أنها نكرة تامة، وينبغي الأخذ به؛ لأنه خال من التعسف والحذف والتأويل من غير داع.
1- أي: ونون الوقاية لا تلزم إلا الفعل.
2- وهو في المعنى فاعل ولهذا المفعول أحكام خاصة؛ منها: أنه لا يحذف إلا إذا دل عليه دليل. ولا يكون إلا معرفة أو نكرة مختصة. ولا يتقدم على عامله. ولا يحال بينهما إلا بالظرف الصحيح. وسيذكر المصنف بعض هذه الأحكام.
3- أي: والتصغير من خصائص الأسماء. ويجيب البصريون، ومعهم الكسائي من الكوفيين: بأن هذا شاذ فلا ينهض دليلا على الاسمية.
4- أي كون فتحته فتحة إعراب، مع كونه خبرا.
5- أي نصب الخبر، فعامل النصب عندهم في الخبر هو المخالفة للمبتدأ؛ أي كون "ليس" وصفا له، أما إذا كان الخبر هو المبتدأ في المعنى: كالله ربنا أو مشبها به؛ نحو: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُم} ؛ فإنه يرتفع ارتفاعه. من الآية 6 من سورة الأحزاب.
6- هذا بيان للمخالفة هنا، وهي أن الخبر ليس وصفا للمبتدأ في المعنى، وفيه إشارة إلى أن معنى "أحسن" عنددهم: فائق في الحسن، لا صير زيد حسنا، كما هو مذهب البصريين؛ إذ التصيير صفة لضمير "ما"، لا لزيد.
7- وذلك لوقوعه بعد ما يشبه الفعل في الصورة.
8- لأن هذه الصيغة لا تكون إلا للفعل. أما "أصبع" فنادر.(3/75)
قال البصريون: لظفه لفظ الأمر1، ومعناه الخبر2، وهو في الأصل فعل ماض على صيغة "أفعل"؛ بمعنى: صار ذا كذا3؛ كأغدا البعير، أي صار ذا غدة4، ثم غيرت الصيغة5، فقبح إسناد صيغة الأمر إلى الاسم الظاهر6، فزيدت الباء في الفاعل؛ ليصير على صورة صيغة المفعول به7؛.............................................................
__________
1- أي أنه جاء على صورة الأمر، فيبنى على السكون إن كان صحيح الآخر، وعلى حذف حرف العلة إن كان معتلا؛ كالأمر، نظرا لصورته. أو يبنى على فتح مقدار منع من ظهوره مجيئة على صورة الأمر؛ نظرا لمعناه.
2- أي معناه في الاصل الخبر. أما الآن فالجملة كلها لإنشاء التعجب، ولا تدل على زمن مطلقا كما بينا قريبا. أو يكون مراد المصنف بالخبر، ما قابل الطلب، فيشمل الإنشاء غير الطلب كما هنا.
3- أي: أن أصل "أحسن بزيد": أحسن زيد، أي صار ذا حسن، فهمزته للصيرورة. وهكذا باقي صيغ "افعل" التي جاءت في ظاهرها على صورة الأمر؛ وهي في الحقيقة فعل ماض يراد منه التعجب.
4- الغدة: طاعون الإبل، ولا تكون الغدة إلا في البطن.
5- أي: غيرت إلى صيغة الأمر؛ وذلك عند قصد التعجب؛ ليوافق اللفظ في التغيير، تغيير المعنى من الإخبار إلى الإنشاء.
6- لأن فعل الأمر لا يرفع الاسم الظاهر مطلقا.
7- وزيادتها في هذا الموضع لازمة، إذا كان المجرور بها اسما صريحا لا مصدرا مؤولا. وإلى صيغتي التعجب المذكورتين أشار الناظم بقوله:
"بأفعل" انطق بعد "ما" تعجبا ... أو جيء بـ"أفعل" قبل مجرور ببا*
أي انطق بصيغة "أفعل" لأجل التعجب، بشرط أن تقع هذه الصيغة بعد "ما" التعجبية. أو جيء بصيغة "أفعل" بعدها المتعجب منه؛ أي من شيء فيه، مجرورًا بالباء.
__________
* "بأفعل": متعلق بانطق، "بعد": ظرف متعلق بانطق أيضا، "ما": اسم تعجب مضاف إليه، "تعجبا": مفعول لأجله أو حال من فاعل انطق عل التأويل بالمشتق أي انطق متعجبا، "أو جئ": معطوف على انطق وما بعده متعلق به، "ببا": متعلق بمجرور وقصر للضرورة.(3/76)
كـ"امرر بزيد"؛ ولذلك التزمت1 بخلافها في: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} 2؛ فيجوز تركها؛ كقوله:
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا3
وقال الفراء والزجاج، والزمخشري، وابن كيسان، وابن خروف: لفظه ومعناه الأمر،
__________
1- أي التزمت زيادتها صونا للفظ عن القبح، إلا إذا كان المجرور بها -وهو الفاعل- مصدرا مؤولا من "أن" أو "أن" وصلتهما؛ لاطراد حذف الجار في ذلك؛ كقول العباس بن مرداس:
واحبب إلينا أن تكون المقدما
أي بأن تكون:
2- الآية 79، 116 من سورة النساء، 28 من سورة الفتح.
3- عجز بيت من الطويل، لسحيم بن وثيل، عبد بني الحسحاس، وصدره:
عميرة ودع إن تجهزت غاديا
وبعده:
تريك غداة البين كفا ومعصما ... ووجها كدينار الهرقلي صافيا
كأن الثريا علقت فوق نحرها ... وجمر غضى هبت له الريح ذاكيا
اللغة والاعراب: عميرة: اسم محبوبته، وهو تصغير عمرة. تجهزت: تهيأت وأعددت ما يلزمك في سفرك. غاديا: اسم فاعل من غدا؛ أي ذهب وقت الغداة، وهي ما بين الفجر وطلوع الشمس. "عميرة": مفعول مقدم لودع. "إن تجهزت" شرط وفعله وفاعله. "غاديا" حال من التاء في تجهزت. "الشيب" فاعل كفى. "والإسلام" معطوف عليه. "للمرء" متعلق بناهيا الواقع حالا من الشيب، ويجوز أن يكون "ناهيا" تمييزا مبينا لنسبة الكفاية إليه.
المعنى: يجرد من نفسه شخصا يخاطبه، ويقول له: اترك عميرة وودعها وداع شخص أعد عدته لترك نوازع الصبا، متعظا بما حل به من الشيبن واعتصم به من حرمة الإسلام، وكفى بذلك واعظا. روي: أن عمر -رضي الله عنه- حين سمعه ينشد هذا البيت قال: لو قدمت الإسلام على الشيب لأجرتك.
الشاهد: إسقاط الباء من فاعل "كفى" لعدم التزامها. بخلافها في فاعل فعل التعجب(3/77)
وفيه ضمير1؛ والباء للتعدية2. ثم قال ابن كيسان: الضمير للحسن3. وقال غيره: للمخاطب4؛ وإنما التزم إفراده5 لأن كلام جرى مجرى المثل.
__________
الذي على صورة الأمر؛ فهي لازمة كما بينا، رفعا للقبح.
1- أي مستتر تقديره أنت، وهو الفاعل.
2- فهي حرف أصلي، وهي ومجرورها في محل نصب على المفعولية. وقيل: الهمزة -على قول الفراء ومن وافقه- للنقل، والباء زائدة.
3- أي المصدر المفهوم من أحسن، والتقدير: أحسن يا حسن بزيد؛ أي دم به والزمه؛ ولذلك أفرد الضمير؛ لأن ضمير المصرد كالمصدر؛ لا يثنى ولا يجمع.
4- أي الذي يراد منه أن يتعجب. وعليه يكون معنى أحسن بزيد: اجعل يا مخاطب زيدا حسنا، أي صفة بالحسن كيف شئت. وعلى كل فالضمير المذكور مفرد مذكر دائما؛ فلا يقال في التأنيث: أحسني، ولا في التثنية والجمع: أحسنا، وأحسنوا، وأحسن.
5- أي مع تغيير المخاطبين، وكذلك تذكيره واستتاره. وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
وتلو "أفعل" أنصبنه كـ"ما ... أوفى خليلينا وأصدق بهما*
أي أنصب ما يجيء بعد "أفعل" على أنه مفعول به، وهو المتعجب منه. ثم ذكر مثالين: أحدهما للمتعجب منه المنصوب بعد "أفعل"؛ وهو: ما أوفى خليلينا، والثاني للمتعجب منه المجرور بالباء بعد "أفعل"؛ وهو: أصدق بهما.
هذا: ولا يتعجب إلا من معرفة أو نكرة مختصة؛ نحو: ما أحسن محمدا.
وما أسعد رجلا يتقي الله في عمله، وذلك لأن المتعجب منه مخبر عنه في المعنى؛ فلا يجوز: ما أحسن رجلا، ولا أحسن برجل؛ لعدم الفائدة.
__________
* "وتلو أفعل"؛ أي تالي أفعل، تلو مفعول لمحذوف يفسره ما بعده، وهو انصبته، و"أفعل" مقصود لفظه مضاف إليه."كما" الكاف جارة لقول محذوف. "ما" تعجيبة مبتدأ. "أوفي" فعل تعجب وفاعله مستتر وجوبا يعود إلى ما. "خليلينا" مفعول أو في منصوب بالياء ومضاف إليه، والجملة خبر ما. "وأصدق" فعل ماض جاء على صورة الأمر. "بهما" الباء زائدة، والضمير فاعل أصدق.(3/78)
مسألة: في جواز حذف المتعجب منه
...
مسألة: ويجوز حذف المتعجب منه 1
في مثل:...................................................
__________
1- المراد بالمتعجب منه: المعمول الذي له صلةى بالأمر الذي يدعو للتعجب من صفة أو فعل؛(3/78)
"ما أحسنه"، إن دل عليه دليل1؛ كقوله:
ربيعة خيراً ما أعف وأكرما
وفي "أفعل به" إن كان "أفعل" معطوفا على آخر، مذكور معه؛ مثل ذلك المحذوف؛ نحو: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِر} 3، وأما قوله:
__________
فإذا قلت: ما أحسن الإخلاص في العمل؛ فإن التعجب من حسن الإخلاص، لا من الإخلاص ذاته؛ لأن التعجب من الأحوال لا من الذوات.
1- ويشترط أن يكون ضميرا، سواء أكان منصوبا "بأفعل" أم مجرورا بالباء بعد "أفعل".
2- عجز بيت من الطويل لسيدنا علي بن أبي طالب، من كلمة يمدح فيها ربيعة على ما أبلت معه يوم صفين، وصدره:
جزى الله عني والجزاء بفضله*
اللغة والإعراب: جزى: كافأ؛ من المجازاة وهي المكافأة. بفضله: بإحسانه. "والجزاء بفضله" الجملة من المبتدأ والخبر معترضة. "ربيعة" مفعول أول لجزي. "خيراً" مفعول ثان. "ما أعف" ما تعجبه مبتدأ، وأعف فعل ماض للتعجب، وفاعله يعود على ما، والجملة خبر المبتدأ. "وأكرما" معطوف على أعف، والألف للإطلاق، ومفعول فعل التعجب؛ وهو المتعجب منه، محذوف للعلم به؛ أي ما أعفها وأكرمها. والمراد هنا: عفتهم عن المغانم وأسلاب القتلى. أنظر إلى قول عنترة:
ينبئك من شهد الوقيعة أنني ... أغشى الوغى وأعف عند المغنم
الشاهد: حذف المتعجب منه؛ وهو مفعول فعل التعجب؛ لأنه ضمير يدل عليه سياق الكلام.
3- أي: أبصر بهم؛ وإنما جاز حذف المجرور بعد "أفعل" للدليل، مع كونه فاعلا؛ لأن لزومه للجر كساه صورة الفضلة، فجاز فيه ما يجوز فيها، وقيل: لم يحذف، وإنما استتر في الفعل بعد حذف التاء. وقد أشار الناظم إلى حذف المتعجب منه بقوله:
وحذف ما منه تعجب استبح ... إن كان عند الحذف معناه يضح*
__________
* "وحذف" مفعول مقدم لاستبح. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "منه" متعلق بتعجب الواقع صلة لما. "إن كان" شرط وفعله."عند الحذف" عند ظرف متعلق بيضح، والحذف مضاف إليه. "معناه" اسم كان. "يضح" الجملة خبر كان، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام.(3/79)
حميدا وإن يستغن يوما فأجدر1
أي به، فشاذ2
__________
أي يباح لك ويجوز حذف المتعجب منه؛ وهو المنصوب بعد "أفعل"، والمجرور بالباء بعد "أفعل"، إن كان معناه يظهر عند الحذف؛ بأن دل عليه دليل بعد حذفه.
1- عجز بيت من الطويل، في وصف صعلوك، لعروة بن الورد، المعروف بعروة الصعاليك، وقد كان حفيا بهم، يجمعهم ويقوم بشئونهم وصدره:
فذلك إن يلق المنية يلقها
اللغة والإعراب: فذلك: الإشارة لصعلوك وصف بأوصاف كثيرة في أبيات قبل هذا البيت؛ منها:
ولله صعلوك صحيفة خده ... كضوء شهاب المائس المتنور
المنية: الموت. حميدا: محموداً؛ فهو فعيل بمعنى مفعول. فأجدر: أي ما أجدره، وما أحقه. "فذلك" ذا: اسم إشارة مبتدأن واللام للبعد، والكاف حر خطاب. "إن يلق" شرط وفعله، والفاعل يعود إلى الصعلوك. "المنية" مفعول به. "يلقها" يلق فعل مضارع جواب الشرط، مجزوم بحذف الألف، و"ها" مفعول تعود على المنية، والجملة خبر المبتدأ، "حميدا" حال من فاعل يلقها. "فأجدر" الفاء واقعة في جواب الشرط الثاني؛ و"أجدر" فعل ماض للتعجب جاء على صورة الأمر، وحرك للروي، وفاعله محذوف؛ أي به، والجملة في محل جزم جواب الشرط.
المعنى: هذا الصعلوك الموصوف بالصفات المذكورة، إن مات في سبيل مطالبه، يموت وهو محمود الفعل عند الناس، لما كان عليه من عفة وعزة نفس، وما له من صفات كريمة، وإن عاش واستغنى؛ فما أحقه وما أخلقه بالغنى؛ لأنه وصل إليه بسعيه وجده.
الشاهد: في قوله "فأجدر"؛ حيث حذف المتعجب منه مع حرف الجر، من غير أن تكون صيغة التعجب المحذوف معمولها، معطوفة على أخرى مذكور معمولها المشابه للمحذوف، على حد قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} من الآية 38 من سورة مريم.
2- أي لعدم العطف المذكور، قال الصبان: والأوجه عندي أنه ليس بشاذ، وأنه لا يشترط هذا(3/80)
مسألة: في عدم تصرف الفعلين وإمتناع تقديم معمولهما عليهما
وكل من هذين الفعلين ممنوع التصرف1؛ فالأول نظير: تبارك، وعسى، وليس2، والثاني نظير "هب" بمعنى اعتقد، و"تعلم" بمعنى أعلم3. وعلة جمودهما: تضمنهما معنى حرف التعجب الذي كان يستحق الوضع4.
مسألة: ولعدم تصرف هذين الفعلين، امتنع أن يتقدم عليهما معمولهما، وأن يفصل بينهما بغير ظرف، ولا مجرور؛ لا تقول: ما زيداً أحسن، ولا بزيد أحسن، وإن قيل: إن "بزيد" مفعول5، وكذلك لا تقول: ما أحسن يا عبد الله زيداً6، ولا أحسن لولا بخله
__________
الشرط؛ بل المدار على وجود مطلق دليل يدل على المحذوف.
1- فكل من الصيغتين يلزم حالة واحدة، مع أن فعلهما الأصلي ثلاثي متصرف؛ ولكنهما يفقدان التصرف بسبب استعمالهما في التعجب، ولا يدلان على حدث ولا زمن؛ لأن الجملة التعجبية متجردة لحض الإنشاء المقصود منه التععجب، اللهم إلا إذا اشتملت على لفظة "كان" أو "يكون" أو غيرهما من الألفاظ التي تدل على زمن معين.
2- أي في الجمود وملازمة المضي.
3- أي في الجمود وملازمة صيغة الأمر.
4- وأيضًا: فإن لزومها حالة واحدة أدل على التعجب؛ لأن التصرف والانتقال من حالة إلى أخرى، ربما يشعر بزوال المعنى الأول، وأجاز هشام الإتيان بمضارع "ما أفعله"؛ فتقول: ما يحسن محمدا؛ وهو قياس ولم يسمع. وفي عدم تصرف هذين الفعلين يقول الناظم:
وفي كلا الفعلين قد لزما ... منع تصرف بحكم حتما*
أي: ولزم منع تصرف في كلا الفعلين بحكم محتوم قدم؛ أي في الزمن القديم.
5- كما هو رأي الفراء ومن وافقه، وقد تقدم.
6- أي بالفصل بالمنادى بين أحسن ومعموله. وقد ورد في الفصيح ما يدل على جوازه؛ كقول علي -كرم الله وجهه- في عمار بن ياسر، وقد مر به وهو مقتول، فمسح التراب عن
__________
* "وفي كلا": متعلق بلزم. "الفعلين": مضاف إليه. "قدما" ظرف متعلق بلزم أيضاً. "منع تصرف": منع فاعل لزم، وتصرف مضاف إليه، من إضافة المصدر لمفعوله، "حتما": فعل ماض مبني للمجهول، والجملة من الفعل ونائب الفاعل صفة لحكم؛ أي لزم منع تصرف في كلا الفعلين قديما بحكم محتوم.(3/81)
بزيد1. واختلفوا في الفصل بظرف أو مجرور متعلقين بالفعل، والصحيح الجواز2؛ كقولهم: ما أحسن بالرجل أن يصدق، وما أقبح به أن يكذب، وقوله:
وأحر إذا حالت بأن أتحولا3
ولو تعلق الظرف والجار والمجرور بمعمول فعل التعجب، لم يجز الفصل به اتفاقا؛
__________
وجهه: أعزز علي أبا اليقظان أن أراك صريعا مجدلا؛ أي مرميا على الجدالة، وهي الأرض، وأبو اليقظان: كناية عمار بن ياسر.
1- أي بالفصل بلولا الامتناعية ومصحوبها، وأجاز ذلك ابن كيسان.
2- وذلك للتوسع فيهما. وقد أشار الناظم إلى الحكمين السابقين بقوله:
وفعل هذا الباب لن يقدما ... معموله ووصله به الزما
وفصله بظرف أو بحرف جر ... مستعمل والخلف في ذاك استقر*
أي أن معمول الفعل في هذا الباب لا يتقدم على فعله، والزم وصل الممول بفعله، والفصل بالظرف والجار والمجرور مستعمل في الكلام المأثور. والخلاف بين النحاة ثابت في أمر القياس عليه، والصحيح جوازه.
ومحل الخلاف إذا لم يكن في معمول فعل التعجب ضمير يعود على المجرور، وإلا وجب الفصل بالجار ومجروره المتعلقين بفعل التعجب؛ كمثال المصنف.
3- عجز بيت من الطويل، لأوس بن حجر، وصدره:
أقيم بدار الحزم ما دام حزمها*
اللغة والإعراب: دار الحزم: المكان الذي تعتبر الإقامة فيه حزما. أحر: أخلق. حالت: تغيرت. أتحول: انتقل عنها إلى غيرها. "ما" مصدرية ظرفية. "دام" فعل ماض ناقص. "حزمتها" اسم دام مضاف إليه، والخبر محذوف؛ أي موجودا، ويجوز أن تكون "دام" تامة، وحزمها فاعل به، و"أحر" الواو عاطفة، وأحر فعل ماض للتعجب جاء على
__________
* وفعل هذا مبتدأ ومضاف إليه. "الباب" بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة، "معموله" نائب فاعل يقدم، والجملة خبر المبتدأ. "ووصله" مفعول مقدم بالزما، ومضاف إليه، والألف فيه بدل من نون التوكيد الخفيفة "وفصله" مبتدأ ومضاف إليه. "بظرف" متعلق به. "مستعمل" خبر المبتدأ. "والخلف" مبتدأ. "في ذاك" متعلق به. "استقر" الجملة خبر.(3/82)
نحو: ما أحسن معتكفا في المسجد، وأحسن بجالس عندك1.
__________
صورة الأمر. "إذا" ظرف زمان متعلق بأجر. "حالت" الجملة في محل جر بإضافة إذا إليها. "بأن اتحولا" الباء زائدة، وإن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بها لفظا، وهو في التقدير فاعل لفعل التعجب "أحر"، مرفوع محلا، والألف في أتحولا للإطلاق.
المعنى: أقيم بالمكان الذي نعتبر الإقامة فيه من الحزم وحسن التصرف؛ وذلك حيث يكون الإنسان فيه عزيزا مكرما؛ فإذا تغيرت الحال ولاقى الإنسان مهانة، فأخلق به أن يتحول عنه إلى مكان آخر، يلقى فيه العزة والكرامة.
الشاهد: الفصل بالظرف- وهو: "إذا حالت- بين فعل التعجب- وهو"احر" - وبين معموله، وهو قوله: "بأن أتحولا".
1- فلا يقال فيهما: ما أحسن في المسجد معتكفا، ولا أحسن عندك بجالس، لئلا يلزم الفصل بين الفعل ومعموله بمعمول معموله.(3/83)
فصل: في شروط ما يبنى منه هذان الفعلان
فصل: وإنما يبنى هذا الفعلان مما اجتمعت فيه ثمانية شروط: أحدها: أن يكون فعلا1؛ فلا يبنيان من "الجلف والحمار"؛ فلا يقال: ما أجلفه2، ولا ما أحمره. وشذ ما ذرع المرأة؛ أي ما أخف يدها في الغزل؛ بنوه من قولهم: امرأة ذراع3. ومثله: ما أقمنه، وما أجدره بكذا4. الثاني: أن يكون ثلاثياً؛ فلا يبنيان من دحرج، وضارب، واستخرج5، إلا "أفعل"؛......................
__________
1- أي ماضيا، وإن كان سيفقد الدلالة على الزمن بدخوله في صيغة التعجب.
2- لبنائه من الاسم لا من الفعل، وقد أثبت له القامونس فعلا؛ فقد جاء فيه: الجلف: الرجل الغليظ الجافي. وجلف -كفرح- جلفا وجلافة، وعلى ذلك يصح ما أجلفه، وكذلك ما أحمره؛ فإنه من الحمار؛ وهو الحيوان المعروف، ويرب به المثل في البلادة، ولا فعل له.
3- في القاموس: الذراع كسحاب: الخفيفة اليدين بالغزل، ويكسر. قيل: وقد ذكر ابن القطاع في كتاب الأفعال: ذرعت المرأة، إذا خفت يدها في العمل؛ فهي ذراع. وعلى هذا يكون الشذوذ من حيث البناء من فعل المجهول.
4- فقد بنو الأول من قولهم: هو قمن، أو قمين بكذا، والثاني من قولهم: هو جدير بكذا، ومعناهما: ما أحقه وما أخلقه، ولا فعل لهما.
5- قال الصبان نقلا عن المصرح؛ لأنه يلزم على ذلك حذف بعض الأصول في الرباعي المجرد، وحذف الزيادة الدالة على معنى مقصود في غيره؛ كالمشاركة والمطاوعة، والطلب؛ في نحو: ضارب، وانطلق، واستخرج، مما تدل عليه حروف الزيادة.(3/83)
فقيل: يجوز مطلقاً1، وقيل: يمتنع مطلقا، وقيل: يجوز إن كانت الهمزة لغير النقل2؛ نحو: ما أظلم الليل، وما أقفر هذا المكان3، وشذ على هذين القولين4: ما أعطاه للدراهم، وما أولاه للمعروف5، وعلى كل قول: ما أتقاه، وما أملا القربة؛ لأنهما من أتقى وامتلأت، وما أخصره؛ لأنه من اختصر، وفيه شذوذ آخر6 سيأتي.
الثالث: أن يكون متصرفاً7 فلا يبنيان من نحو: نعم، وبئس.
الرابع: أن يكون معناه قابلًا للتفاضل9؛......................................
__________
1- أي سواء كانت الهمزة فيه للنقل أم لا. وهذا مذهب سيبويه والمحققين من أصحابه.
2- همزة النقل هي: التي تنقل الفعل من اللزوم إلى التعدي، أو من التعدي لواحد إلى التعدي لاثنين، أو من التعدي لاثنين إلى التعدي لثلاثة، وقد سبق بيانه ذلك في باب تعدي الفعل ولزومه. انظر صفحة "83" جزء ثان.
أما التي لغير النقل فهي: التي وضع عليها الفعل، مثل: أظلم، وأضاء وأقفر.
3- لقائل أن يقول: إن همزة "أفعل" في التعجب للنقل ولتعديه ما عدم التعدي في الأصل؛ نحو: ما أظرف زيدا، أو في الحال؛ نحو: ما أضربه لعمرو؛ فالفعلان المذكوران همزتهما للنقل والتعدية، وقد أجيب بأنهما مبنيان من "أفعل" الذي همزته لغير النقل.
4- أي: وهما المنع مطلقا، أو المنع في أحد شقي التفصيل.
5- أما الشذوذ على القول الأول فواضح. وأما على الثاني فلأن الهمزة في المثالين للنقل من التعدي لواحد إلى التعدي لاثنين؛ فإن الأصل: عطا زيد الدراهم؛ أي تناولها، وولي محمد المعروف، أي تناوله.
6- هو: أنه مصوغ من مبني للمفعول.
7- أي في الأصل تصرفا كاملا قبل أن يدخل في الجملة التعجبية. أما بعد دخوله فيها فيصبح جامدا كما سبق.
8- لأن التصرف فيما لا يتصرف نقض لوضعه.
9- أي التفاوت بالزيادة والنقص؛ وذلك ليتحقق معنى التعجب؛ كالعلم، والجهل، والغنى، والحسن، والقبح.(3/84)
فلا يبنيان من نحو: فني، ومات1.
الخامس: ألا يكون مبيناً للمفعول2؛ فلا يبنيان من نحو: رب، وشذ: ما أخصره من وجهين3. وبعضهم يستثني ما كان ملازما لصيغة "فعل"؛ نحو: عنيت بحاجتك، وزهى علينا؛ فيجيز: ما أعناه بحاجتك، وما أزهاه علينا4.
السادس: أن يكون تاماً؛ فلا يبنيان من نحو: كان، وظل وبات، وصار، وكاد5.
السابع: أن يكون مثبتاً؛ فلا يبنيان من منفي، سواء كان ملازماً للنفي6، نحو، ما عاج بالدواء، أي ما انتفع به7، أم غير ملازم؛ كـ"ما قام زيد"8.
__________
1- لأنه لا تفاوت في الفناء والموت، ولا مزية لبعض فاعليه على بعض حتى يتعجب منه.
2- وذلك لئلا يلبتس المبني من فعل المفعول، بالمبني من فعل الفاعل.
3- هما: كونه من غير ثلاثي، وكونه من المبني للمجهول.
4- إنما استثنى ذلك لأمن اللبس، ولوروده في الأمثال؛ فقد قيل: هو أزهى من ديك، وأزهى من غراب، وأزهى من طاووس. والتفضيل أخو التعجب فيما يشترط فيهما؛ قال في التسهيل: "وقد يبنيان من فعل المفعول إن أمن اللبس".
5- فلا يقال: ما أكون محمدًا مسافرًا مثلا؛ لأنه يستلزم نصب "افعل" لشيئين، وهاذ غير سائغ. ولا يجوز حذف "مسافرا"؛ لامتناع حذف خبر كان، ولا جره باللام؛ لامتناع ذلك أيضاً. وحكى عن الكوفيين: ما أكون زيدا قائما، بناء على أصلهم؛ من أن المنصوب بعد "كان" حال، وهو قول لم يؤيده سماع.
6- لأنه يؤدي إلى اللبس بين التعجب من المثبت، ومن المنفي؛ لأن صيغة التعجب إثبات وليس فيها أداة نفي.
7- مضارعة يعبج؛ أي ينتفع، وهو ملازم للنفي أيضاً، وندر مجيئه للإثبات، أما عاج يعوج؛ بمعنى مال يميل، فيستعمل في النفي والإثبات، ومن وروده منفياً قول جرير:
تمرون الديار ولم تعوجوا ... كلامكم علي إذا حرام
8- فلا يقال: ما أقومه. ومثله: ما عاج؛ أي مال؛ فلا يقال أيضًا: ما أعوجه؛ ذلك لئلا يلتبس المنفي بالمثبت.(3/85)
الثامن: ألا يكون اسم فاعله على "أفعل فعلاء"1؛ فلا يبنيان من نحو: عرج؛ وشهل، وخضر الزرع2.
__________
1- وذلك حملا للتعجب على "أفعل" التفضل الذي يمتنع بناؤه منه لالتباسه بالوصف؛ لجريانهما مجرى وحدًا في أمور كثيرة كما سيأتي، ولأن هذه المعاني تشبه الخلقة الثابتة التي لا تفاوت فيها بالزيادة والنقص.
2- وهكذا من كل ما دل على لون، أو عيب، أو حلية، أو شيء فطري، وإلى الشروط المتقدمة يشير الناظم بقوله:
وصغهما من ذي ثلاث صرفا ... قابل فضل تم غير ذي انتفى
وغير ذي وصف يضاهي أشهلا ... وغير سالك سبيل فعلا*
أي صغ صيغتي التعجب من مصدر الفعل صاحب الحروف الثلاثة: أي الثلاثي، المتصرف، القابل للتفاضل والتفاوت، التام. غير المنفي، والذي صفته المشبهة ليست مثل "أشهل"؛ فإن مؤنثه شهلاء. والشهلة: زرقة تشوب سواد العين، وغير مبني على صيغة "فعل"؛ وهي صيغة بناء الثلاثي للمجهول.
__________
* "وصغهما" صغ فعل أمر والضمير البارز مفعول لفعل الأمر، وهو عائد إلى فعل التعجب. "من ذي ثلاث"؛ أي من مصدر فعل ذي ثلاث، متعلق بصغ، وثلاث مضاف إليه، "صرفا" فعل ماض للمجهول. والجملة صفة لفعل المقدر. "قابل فضل ثم غير ذي انتفا" نعوت لفعل أيضا، بعضها مفرد بوعضها جملة. "غير ذي وصف" معطوف على غير ذي انتفا، ومضاف إليه؛ فهو نعت أيضاً، وفي "سالك" ضمير مستتر هو الفاعل. "سبيل" مفعوله. "فعلا" مضاف إليه مقصود لفظه.(3/86)
فصل: في كيفية التعجب من فاقد الشروط
فصل: ويتوصل إلى التعجب من الزائد على ثلاثة، ومما وصفه على "أفعل فعلاء"،
بـ" ما أشد ونحوه1،..............................................
__________
1- مثل: ما أقوم، وما أضعف، وما أكثر، وما أقل، وما أحسن، وما أقبح، وما أعظم، وما أحقر، وما أكبر، وما أصغر، وغير ذلك مما يناسب المقام. وأشدد، وأشد، مصوغان من شد الثلاثي، وهو مستكمل للشروط، ولذلك صح أن يتوصل بهما إلى التعجب مما لم(3/86)
وينصب مصدرهما بعده1. أو بـ"اشدد" ونحوه؛ ويجر مصدرهام بعده بالباء؛ فنقول: ما أشد أو أعظم دحرجته، أو أنطلاقه، أو حمرته. وأشدد أو أعظم بها2. وكذا المنفي والمبني للمفعول، إلا أن مصدرها يكون مؤولًا3 لا صريحا؛ نحو: ما أكثر ألا يقوم، وما أعظم ما ضرب، وأشدد بهما.
__________
يستكمل الشروط، وليس من أشتد الماسي كما فهم البعض.
1-أي ينصب مصدر ما زاد على الثلاثة، أو ما وصفه على "أفعل فعلاء"، بعد أشده ونحوه، على أنه مفعول به.
2- وقد أشار الناظم إلى ذلك بقوله:
وأشدد أو أشد أو شبههما ... يخلف ما بعض الشروط عدما
ومصدر العادم بعد ينتصب ... وبعد "أفعل" جره بالبا يجب*
أي أن صيغة أشدد، على وزن "أفعل"، وأشد، على وزن "أفعل"، وما يشبه هاتين الصيغتين، مما يؤخذ من فعل مستوف للشروط -يخلف الصيغة التي لا يمكن صوغها الفعل الذي عدم- أي فقد- بعض الشروط. ومصدر الفعل العادم للشروط ينصب بعد الصيغة التي جئنا بها؛ مفعولا بعد "ما أفعل"، وبجر بالباء بعد "أفعل".
3- أي: من "أن" والفعل المضارع المنفي، أو من "ما" والفعل المبني للمجهول، والمصدر المؤول في موضع نصب، مفعول به بعد "أفعل"، ومجرور بالباء بعد "أفعل"، ويجوز في المنفي أن تجيء بمصدره الصريح بدلا من المؤول مسبقوا بكلمة "عدم"الصريحة في معنى النفي أو ما يشبهها؛ فتقول في: ما قام زيد: ما أحسن عدم قيامه.
__________
* "وأشدد"مبتدأ قصد لفظه."أو أشد أو شبههما" معطوفان عليه. "يخلف" فعل مضارع فاعله يعود على أحد المذكورات، والجملة خبر المبتدأ. "أما" اسم موصول مفعول يخلف. "بعض الشروط" بعض مفعول عدم مقدم، والشرط مضاف إليه، وجملة "عدما" صلة ما. "ومصدر" مبتدأ. "العادم" مضاف إليه، وهو صفة لمحذوف، أي الفعل العادم،"بعد" ظرف مبني على الضم متعلق بينتصب الواقع خبرا للمبتدأ. "وبعد" ظرف متعلق بيجب، "أفعل" مضاف إليه مقصود لظفه. "جره" مبتدأ ومضاف إليه. "بالباء" متعق به، وقصر للضرورة، "يجب" الجملة خبر المبتدأ.(3/87)
أما الفعل الناقص: فإن قلنا له مصدر1؛ فمن النوع الأول2، وإلا فمن الثاني3؛ تقول: ما أشد كونه جميلاً، أو: ما أكثر ما كان محسنًا، وأشدد أو أكثر بذلك وأما الجامد والذي لا يتفاوت معناه، فلا يتعجب منهما البتة4.
__________
1- أي بناء على القول بأنه يدل على الحدث، وهو الصحيح.
2- أي: فيؤتى بمصدره الصريح بعد صيغة التعجب التي تؤخذ من الفعل المختار.
3- أي: يؤتى له بمصدر مؤول من "ما والفعل"، منصوب بعد "ما أفعل"، ومجرور بالباء بعد "أفعل".
4- ذلك لأن الجامد لا مصدر له حتى يمكن نصبه، أو جره بالباء، والذي لا يتفاوت معناه غير قابل للتفضيل.
هذا: وبقي من لا فعل له؛ فقيل: لا يتعجب منه؛ لأنه لا مصدر له حتى يؤتي به بعد "أشد" ونحوه، منصوبا أو مجرورًا، قال الصبان: والمتجه عندي أنه يتعجب منه بزيادة ياء المصدرية، أو ما في معناها؛ فيقال: ما أشد حماريته، أو ما أشد كونه حماراً.
ولا يختص التوصل بأشد ونحوه بما فقد بعض الشروط؛ بل يجوز فيما استوفى الشروط؛ تقول: ما أشد ضرب محمد لعلي، وقد يكون "أشد" ونحوه للتعجب ابتداء؛ نحو: ما أشد أعوانه، وما أكثر أمواله. وحينئذ لا يؤتى بعده بمصدر. وما ورد عن العرب من فعلي التعجب مبنيا مما لم يستكمل الشروط، يحفظ ولا يقاس عليه، لندوره. ومن ذلك قولهم: ما أخصره، من اختصر، وهو خماسي مبني للمفعول. وقولهم: ما أجبنه، وما أهوجه، وما أحمقه، مما الوصف منه على "أفعل" وما أعساه وأعس به، من غير المتصرف.. إلخ، وقد أشار الناظم إلى ذلك بقوله:
وبالندور احكم لغير ما ذكر ... ولا تقس على الذي منه أثر*
__________
*وبالندور، متعلق باحكم. "لغير" متعلق به أيضًا. "ما" اسم موصوف مضاف إليه. "ذكر" ماض للمجهول، والجملة صلة ما. "على الذي" متعلق بتقس. "منه" متعلق بأثر الواقع صلة للذي، ومعنى أثر: نقل عن العرب.(3/88)
.......................................................
__________
الأسئلة والتمرينات:
1- عرف التعجب، واذكر بعض الصيغ غير المبوب لها في النحو، مع وضعها في جمل من إنشائك.
2- يقولون: إذا خفي السببب بطل العجب، بين ارتباط هذا القول بتعريف التعجب.
3- اذكر الشروط المجمع عليها في الفعل الذي تبنى منه صيغتا التعجب، ومحترزاتها، مع التمثيل بأمثلة من عندك.
4- كيف تتعجب من فاقد الشروط؟ ابسط القول في ذلك مع التمثيل.
5- ما حكم معمول فعل التعجب؟ وهل يتقدم على الفعل؟ ومتى يجوز حذف المتعجب منه؟
6- هل يجوز الفصل بين فعل التعجب ومعموله؟ وضح ذلك.
7- فيما يأتي شواهد في باب التعجب، بين الشاهد، وأعرب ما تحته خط:
ما أشبه الليلة بالبارحة. يا جارتا ما أنت جاره، وأها لسلمى ثم واها واها
اعزز علي بأن تكون عليلا ... أو أن يكون لك السقام نزيلا
-
إذا ورث الجهال أبناءهم غنى ... وجاءها فما أشقى بني الحكماء
-
فما أكثر الإخوان حين تعدهم ... ولكنهم في النائبات قليل
-
ولا عيب فيها غير سحر جفونها ... وأحبب بها سحارة حين تسحر
-
إلام الخلف بينكمو إلاما ... وهذي الضجة الكبرى علاما
-
ما كان أجمل عهدهم وفعالهم ... من لي بعهد في الوفاء تصرما
-
أولئك قومي بارك الله فيهم ... على كل حال ما أعف وأكرما
-
أعظم بأيام الشباب نضارة ... يا ليت أيام الشباب تعود
8- يكثر استشهاد النحويين بالبيتين الآيتين في هذا الباب، اشرحهما، وبين موضع الاستشهاد فيهما، وأعربهما:(3/89)
.......................................................
__________
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
خليل ما أحرى بذي اللب أن يرى ... صبوراً ولكن لا سبيل إلى الصبر
9- هات صيغتي التعجب من الأفعال الآتية، وبين المعمول بها:
همى الغيث، غم الهلال، عذب الماء، هب الريح، اندحر الأعداء، المجاهد في احلق لا يأس، أنعم بالفداء في سبيل الوطن، ما برح المستعمرون يضللون الرأي العام، سننتصر بالصبر والإيمان.
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب
10- تعجب مما يأتي بصيغتي التعجب المبوب لهما في النحو: "نموذج":
1- تسعد الأمم بأبنائها العاملين.
2- يكرم المرء لأدبه.
3- لا يخذل داعي الوطن إلا دخيل.
4- كان ابن الخطاب آية في العدل.
5- يستخرج الغواصون المرجان من البحار.
6- بان وجه الصواب بالبحث الجدي.
7- لون هذا الثوب زاه.
8- ليس للظلم بقاء مهما طالت أيامه.
9- لم تحرم أمة من النوابغ
10- يكرم المصري ضيفه.
يوجد صورة سكانر(3/90)
.......................................................
__________
11- تعجب مما يأتي بصيغتي التجب "ما أفعل"، أفعل به".
- بان للعالم تعصب الصهيونية
- لون السماء صاف
- لا يهزم المتمسك بحقه العادل
- كان الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
12- بين القياسي والسماعي من أمثلة التعجب الآتية مع ذكر السبب، وأعرب ما تحته خط.
ما أبرع محمدًا في الخطابة
- واها لسلمى ثم واها واها، ما أجن المنتحر لسقوطه في الامتحان وما أجهله بدينه، يا سبحان الله! كيف يتفرق العرب والعدو بين ظهرانيهم، لله در الفدائيين، ما أشد فرحة الأحرار حين يقدمون أرواحهم فداء لوطنهم. ما أعذب الموت في سبيل الحرية واسترداد أرض الوطن. ما أولع الشباب بالتمثيل الهذلي مع أنه مفسد للأخلاق، ما أجدر المخلصين من أبناء الوطن بالتكريم والتقدير.(3/91)
باب: نعم وبئس
مدخل
...
باب: نعم وبئس 1
وهما فعلان عند البصريين والكسائي؛ بدليل: فبها ونعمت2، واسمان عند باقي الكوفيين3؛ بدليل: "ما هي بنعم الولد4، جامدان5 رافعان لفاعلين، معرفين بأل
__________
باب: نعم وبئس
1- المراد بهما هنا: الفعلان الجامدان اللذان يراد بهما إنشاء المدح العام والذم العام، أما "نعم وبئس" اللذان يراد بهما الإخبار بالنعمة والبؤس، فليستا موضوع هذا الباب، وهما متصرفتان؛ لهما: مضارع، وأمر، واسم فاعل.. وغير ذلك؛ تقول: نعم محمد بكذا، ينعم، فهو ناعم، وبئس، يبأس، فهو بائس.
2- هذا جزء من حديثه، وتمامه: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل"أي فبالرخصة أخذ، ونعمت رخصة الوضوء.
ووجه الدلالة على الفعلية دخول تاء التأنيث الساكنة، وهي لا تدخل إلا على الفعل وحكى الكسائي: نعما رجلين، ونعموا رجالا. وضمائر الرفع البارزة المتصلة من خصائص الأفعال أيضا؛ فهذا دليل ثان على الفعلية.
3- وقد بنيا على الفتح لتضمنهما معنى الإنشاء, ويعربان مبتدأين، ومعناهما: الممدوح والمذموم، وما هو فاعل على المشهور يعرب بدلا أو عطف بيان. والخبر هو المخصوص بالمدح أو الذم، ويجوز العكس. وفي مثل: نعم رجلا محمد، يعرب "رجلا" تمييزا أو حالا.
4- قول لبعض العرب وقد بشر بمولود أنثى، وتمامه: نصرها بكاء، وبرها سرقة، ووجه الدلالة فيه: دخول حرف الجر على نعم.
ومثال بئس: قول بعضهم -وقد سار إلى محبوبته على حمار بطيء السير- "نعم السير على بئس العير"، فقد دخل حرف الجر على بئس. ويجيب البصريون على هذا بأن حرف الجر داخل على موصوف محذوف مع صفته، والأصل: بولد مقول فيه: نعم الولد، وعلى عير مقول فيه: بئس العير، والصحيح المعول عليه مذهب البصريين.
5- لأنهما تجردا عن الحدث والزمان -وإن كانا ماضيين وقصد بهما إنشاء المدح أو الذم على سبيل المبالغة، والإنشاء من معاني الحروف.(3/92)
الجنسية1؛ نحو: {نِعْمَ الْعَبْد} ، و {بِئْسَ الشَّرَاب} . أو بالإضافة إلى ما قارنها؛ نحو: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِين} ، {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِين} 2، أو إلى مضاف لما قارنها؛ كقوله:
فنعم ابن أخت القوم غير مكذب3
__________
1- المراد "أل" المعرفة، جنسية كانت أو عهدية؛ فلا يقال: نعم زيد، ولا بئس رجل، على الراجح، والمراد: الجنس حقيقة، إن قصد بمدخول "أل" جميع الأفراد، ثم نص على الممدوح أو المذموم بعد. أو مجازا، إن أريد بمدخولها الفرد المعين كأنه جميع الجنس، مبالغة في المدح والذم، أما العهد فقد يكون لشيء معهود في الذهن، وتكون للعهد الذهني، وقد تكون للعهد الذكري، والمعهود هو المخصوص. و"أل" الجنسية أقوى في تأدية المقصود وإن كانت العهدية أظهر.
2- من الآيتين 29، 30 من سورة النحل.
3- صدر بيت من الطويل لأبي طالب عم النبي، من كلمة يمدح فيها الرسول -عليه السلام، ويعاتب قريشا على ما كان منها، وعجزه.
زهير حسان مفرد من حمائل
اللغة والإعراب: حسام: الحسام: السيف القاطع؛ سمي بذلك لأنه يحسم الخلاف بين الناس. حمائل: جمع حمالة؛ وهي علاقة السيف. "ابن" فاعل نعم. "أخت" مضاف إليه. "القوم" مضاف إليه أيضاً. "غير مكذب" غير حال من ابن ومكذب مضاف إليه، والجملة من نعم وفاعله خبر مقدم. "زهير" مبتدأ مؤخر، أو زهير خبر لمبتدأ محذوف؛ أي هو زهير، وهو المخصوص بالمدح. "حسام مفرد" خبر إن لمبتدأ محذوف، لا نعتان لزهير؛ لأن المعرفة لا تنعت بالنكرة، وروي حساما مفردا على أنهما حالان من زهير، ولعل هذه الرواية الصحيحة،"من حمائل" متعلق بمفردا، وجر بالكسر للضرورة، وكان ينبغي جرة بالفتحة، لأنه ممنوع من الصرف.
المعنى: يمدح زهيراً ابن عمته بأنه صادق المودة مخلص لرحمه، لا ينسب إلى الكذب، ماضي العزيمة، نسيج وحده، كالسيف الذي يفرد عن حمائله، وزهير هذا هو: ابن أمية بن عاتكة بنت عبد المطلب، أخت أبي طالب، وعمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان زهير أحد(3/93)
أو مضمرين مستترين1 مفسرين بتمييز2؛........................................
__________
الرجال الذين اتفقوا على نقض الصحيفة التي تعاهدت فيها قريش على مقاطعة بني هاشم آل النبي، وعلقوها في الكعبة ليلجئوهم على حمل النبي على ترك دعوته.
الشاهد: الإتيان بفاعل "نعم" اسما مضاف إلى مقترن بأل، وهو القوم.
هذا: وقد جاءت إضافة الفاعل إلى ضمير ما فيه أل في قول الشاعر:
فنعم أخو الهيجا ونعم شبابها
وهونادر لا يقاس عليه. وأجاز الفراء ومن تبعه من الكوفيين إضافة الفاعل للنكرة، كقوله:
فنعم صاحب قومل لا سلاح لهم ... وصاحب الركب عثمان بن عفانا
وخص الجمهور ذلك بالضرورة، وورد مجيء الفاعل علما أو مضافا إلى علم؛ كقول بعض العبادلة: بئس عبد الله أنا إن كان كذا. وقول النبي -عليه السلام: "نعم" عبد الله هذا. وأول على أن الفاعل ضمير مستتر حذف تمييزه، والعلم مخصوص بالمدح، وما بعده بدل أو عطف بيان.
1- أي: أو رافعان لمضمرين مستترين وجوبا غالبا، ويلتزم هذا الضمير الإفراد والتذكير؛ قال الشاعر:
نعم أمرين حاتم وكعب ... كلاهما غيث وسيف عضب
ومن غير الغالب: نعما رجلين، ونعموا رجالا، كما سبق. وشذ إبراز الضمير مع الباء الزائدة، حكى الفارضي: "نعم بهم قوما"، ولا يتبع بتابع، وشذ تأكيده في: نعم هم قوما أنتم.
2- أي بعدهما، وهذا من المواضع التي يجوز عود الضمير فيها على متأخر لفظا ورتبة. ولا بد من مطابقة هذا التمييز لمعناهما؛ أي للمخصوص بالمدح؛ أو الذم؛ إفرادا وغير إفراد، وتذكير وتأنيث، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
فعلان غير متصرفين ... نعم وبئس رافعان اسمين
مقارني "أل" أو مضافين لما ... قارنها كـ"نعم" عقبى الكرما(3/94)
نحو: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} 1. وقوله:
__________
ويرفعان مضمرًا يفسره ... مميز كـ"نعم" قوماً معشره*
أي أن نعم وبئس فعلان جامدان، وهما يرفعان فاعلين مقترنين بأل، أومضافين للمقترن بها، ومثل لهذا بقوله: {نِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} . أو يرفعان ضميرا يفسره تمييز، كنعم قوما معشره.
ويشترط في هذا التمييز علاوة على مطابقة المخصوص التي ذكرناها:
أ- أن يكون نكرة عامة متكثرة الأفراد؛ فلا يجوز: نعم شمسا هذه الشمس؛ لأنه لا ثاني لها، أم قولهم: نعم شمسا شمس هذا اليوم، فسائغ؛ لتعددها بتعدد الأيام.
ب- وأن يكون مؤخراً عن العامل؛ فلا يصح تقديمه على نعم وبئس.
جـ- وأن يتقدم على المخصوص بالمدح أو الذم، وشذ قولهم: نعم محمد رجلا.
د- ويجب ذكره؛ فلا يجوز حذفه لئلا يبقى الفاعل المستتر مبهما ليس له ما يفسره إلا إذا وجدت قرينة تدل عليه؛ كالتاء في قولك: إن زرت محمدا فبها ونعمت، أي ونعمت زيارة زيارتك، ومنه الحديث المتقدم: "من توضأ يوم الجمعة ... "إلخ.
هـ- ويجب أن يكون صالحا لقبول "أل" المعرفة، أو حال محل ما يقبلها؛ لأنه خلف عما يجب قرنه بها وهو الفاعل، فاعتبر صلاحيته لها، فلا يفسر بالكمات المتوغلة في الإبهام، ككلمة: "غير"، و"مثل"، و"شبه"، و"أي"، وأفعل التفضيل المضاف والمقرون بمن.
1- فاعل"بئس" ضمير مستتر فيها، و"بدلا" تمييز مفسر له؛ والتقدير: بئس هو أي البدل،
__________
* "فعلان" خبر مقدم؛ غير "نعت له، "متصرفين" مضاف إليه، "نعم" مبتدأ مؤخر قصد لفظه. "وبئس" معطوف على نعم. "رافعان" خبر لمبتدأ محذوف، أي هما رافعان، وفيه ضمير مستتر هو الفاعل. "اسمين مفعوله، ويجوز أن يكون "رافعان" نعتا لفعلين. "مقارني أل" نعت لاسمين ومضاف إليه. "أو مضافين معطوف على مقارني. "لما" متعلق بمضافين، و"ما" اسم موصول. "قارنها" الجملة صلة ما، والهاء عائدة إلى أل. "كنعم" الكاف جارة لقول محذوف، و"نعم"فعل ماض، "عقبي الكرما" فاعل نعم ومضاف إليه. "ويرفعان" فعل مضارع وألف الاثنين فاعل، وهو معطوف على رافعان، من عطف الفعل على الاسم المشبه له. "مضمراً" مفعول يرفعان. "يفسره" الجملة صفة لمضمر. "مميز" فاعل يفسر. "قوما" تمييز مفسر لضمير نعم. "معشره" مخصوص بالمدح مبتدأ، وخبره الجملة التي قبله، ومعشر الرجل: عشيرته.(3/95)
نعم امرأ هرم لم تعر نائبة1
وأجاز المبرد وابن السراج والفارسي: أن يجمع بين التمييز والفاعل الظاهر؛ كقوله:
نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت2
__________
والمخصوص محذوف، أي إبليس وذريته، من الآية 50 من سورة الكهعف.
1- صدر بيت من البسيط ينسب لزهير بن أبي سلمى، يمدح هرم بن سنان، وليس في ديوانه، وعجزه.
إلا وكان لمرتاع بها وزرا
اللغة والإعراب: لم تعر: لم تنزل ولم تعرض. نائبة: كارثة وحادثة من حوادث الدهر. لمرتاع: أي فزع وخائف، وهو اسم فاعل من ارتاع. وزرا، ملجا، ومعينا."نعم" فعل ماض وفاعله ضمير مستتر تقديره: هو "امرأ" تمييز مفسر للضمير المستتر؛ أي نعم هو؛ أي المرء، والجملة خبر مقدم. "هرم" مخصوص بالمدح مبتدأ مؤخر. "نائبه" فاعل تعر. "إلا" حرف استثناء. "وكان" الواو للحال، وكان فعل ماض ناقص، واسمها يعود على هرم. "لمرتاع" متعلق بوزار الواقع خبرا لكان.
المعنى: يمدح هرما بأنه رجل كريم ذو مروءة، وشجاع، لا تنزل بأحد نازلة أو تحل به كارثة من كوارث الزمان تتطلب النجدة والعون؛ إلا أخذ بيده، وكان له معينا وناصرا ومساعدا.
الشاهد: في "نعم امرأ"؛ فإن فاعل نعم ضمير مستتر، وقد فسر لإبهامه بالتمييز بعده الذي هو "امرأ" وهنالك شاهد آخر في قوله: "إلا وكان" حيث جي بواو الحال قبل الفعل الماضي الواقع بعد إلا، وهذا نادر، والفصيح تجرد هذه الجملة من الواو؛ كقوله-تعالى-: {إلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} من الآية 11 من سورة الحجر، و30 من سورة يس.
2- صدر بيت من البسيط، لم يعرف قائله، وعجزه:
رد التحية نطقاً أو بإيماء
اللغة والإعراب: التفاة: المرأة الشابة الحديثة السن، وهي مؤنث الفتى، بذلت: أعطت، بإيماء، الإيماء، الإشارة مصدر أومأ إلى الشيء إذا أشار إليه. "الفتاة" فاعل نعم.(3/96)
ومنعه سيبويه والسيرافي مطلقا1. وقيل: إن أفلاد معنى زائداً جاز، وإلا فلا، كقولهم:
فنعم المرء من رجل تهامي2
__________
"فتاة" تمييز مؤكد له. "هند" مخصوص بالمدح. "لو" شرطية، أو حرف تمن. "بذلت" فعل الشرط، "رد التحية" رد مفعول بذلت، والتحية مضاف إليه. "نطقا" منصوب على نزع الخافض؛ أي بنطقي. "أو بإيماء" معطوف على نطقا بأو، وجواب الشرط محذوف للعلم به.
المعنى: إن هندا تستحق الثناء والتقدير، لو تفضلت برد التحية بالنطق أو بالإشارة، وبعد ذلك منها بذلا ومنحة.
الشاهد: الجمع بين فاعل نعم الظاهر -وهو "الفتاة" وبين تمييزها- وهو "فتاة" "وليس في التمييز معنى زائد على ما يدل عليه الفاعل، ولكن الغرض منه مجرد التوكيد لا رفع إبهام شيء، مثله قول الشاعر:
تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا
وهذا الرأي مؤيد بما ورد كثيرا نظما ونثرا في الفصيح من كلام العرب، وهو الصحيح.
ومن النثر قول الحارث بن عباد، حين بلغه أن بانه بجيرا قتل في حرب البسوس: "نعم القتيل قتيلا أصلح بين بكر وتغلب".
1- أي سواء أفاد التمييز معنى زائدا عما يفيده الفاعل، أم لا؛ لأن التمييز لرفع الإبهام، ولا إبهام مع ظهور الفاعل، وقد أول ما ورد من ذلك بجعل المنصوب حالا مؤكدة.
2- عجز بيت من الوافر، لأبي بكر الأسود بن شعوب الليثي، وقيل: للحارث بن عباد، وصدره:
تخيره فلم يعدل سواه
وقد تقدم شرحه في باب التمييز، صفحة (255) من الجزء الثاني
الشاهد: فيه هنا: الجمع بين فاعل نعم الظاهر -وهو المرء- وبين التمييز -وهو "من رجل"- وقد أفاد التمييز معنى زائدا عما أفاده الفاعل؛ وذلك بواسطة نعته، وهو أنه تهامي، أي منسوب إلى تهامه، وتهامة: اسم لما انخفض عن نجد من بلاد الحجاز، وإلى هذا الخلاف أشار الناظم بقوله:
__________
*"وجمع تمييز" مبتدأ أول، ومضاف إليه، "وفاعل" معطوف على تمييز، "ظهر" الجملة نعت لفاعل. "فيه" كتعلق بمحذوف خبر مقدم. "خلاف" مبتدأ ثان مؤخر. "عنهم" متعلق باشتهرت الواقع نعتا لخلاف، والضمير في عنهم للحناة، وجكلة المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتد الأول.(3/97)
واختلف في كلمة "ما" بعد نعم وبئس؛ فقيل: فاعل1، فهي معرفة ناقصة؛ أي موصولة في نحو2: {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِه} 3 أي:
نعم الذي يعظكم به. ومعرفة تامة4 في نحو: {فَنِعِمَّا هِي} ؛ أي: فنعم الشيء هي. وقيل: تمييز، فهي نكرة موصوفة في الأول5، وتامة في الثاني6.
__________
وجمع تمييز وفاعل ظهر ... فيه خلاف عنهم قد اشتهر*
1- وعلى ذلك فهي مستثناة من شرط الفاعل المتقدم. ومثل "ما"، "من" وتكون موصولة، أي نكرة تامة، أو موصوفة، ولا تكون معرفة.
2- أي من كل تركيب وقع فيه بعدها جملة فعلية، وتكون الجملة صلة.
3- من الآية 58 من سورة النساء.
4- أي غير مفتقرة إلى صلة؛ وذلك إذا وقع بعدا مفرد، ويكون ما بعدها هو المخصوص كما مثل المصنف، وكذلك إذا وقعت بعدها جملة؛ نحو: نعم ما فعلت، وتكون الجملة صفة لمخصوص محذوف، والتقدير: نعم الشيء شيء فعلت، والتقدير في المثال السابق: نعم الشيء شيء يعظكم به.
5- أي: إذا وقعت بعدها جملة فعلية، ويكون الفعل بعدها صفة لها، والمخصوص محذوف، والتقدير في المثال المذكور: نعم شيئًا يعظكم به ذلك القول.
6- أي: إذا وليها مفرد، فهي نكرة تامة تمييز، وفاعلها ضمير مستتر يعود على هذا التمييز، والمفرد بعدها هو المخصوص، وكذلك يجوز إذا وليتها جملة، أن تعرب نكرة تامة، وتكون الجملة صفة لمخصوص محذوف؛ أي نعم هو شيئًا شيء يعظكم به. وإذا لم يلها مفرد ولا جملة؛ نحو: السماحة نعما، والتقتير بئسما، فهي: إما معرفة تامة فاعل، أو نكرة تامة تمييز، والفاعل ضمير مستتر يعود عليها، والمخصوص على كل محذوف؛ أي نعم الشيء، أو شيئًا، تلك السماحة، وكذلك بئس.
وإلى الخلاف في "ما" المتلوة بجملة فعلية يشير الناظم بقوله:
__________
* "وجمع تمييز" مبتدأ أول، ومضاف إليه. "وفاعل" معطوف على تمييز. "ظهر" الجملة نعت لفاعل. "فيه" كتعلق بمحذوف خبر مقدم. "خلاف" مبتدأ ثان مؤخر. "عنهم" متعلق باشتهرت الواقع نعتًا لخلاف، والضمير في عنهم للنحاة، وجكلة المبتدإ الثاني وخبره خبر المبتدإ الأول.(3/98)
فصل: في حكم المخصوص بعد فاعل نعم وبئس
فصل: ويذكر المخصوص بالمدح أو الذم بعد فاعل نعم وبئس1؛ فيقال: نعم الرجل أبو بكر، وبئس الرجل أو لهب، وهو مبتدأ والجملة قبله خبر2، ويجوز أن
__________
"وما" مميز وقيل فاعل ... في نحو "نعم" ما يقول الفاضل*
أي: إنه اختلف في "ما" الواقعة بعد "نعم" و"بئس"؛ فقيل: هي نكرة منصوبة على التمييز، ويكون فاعل "نعم" و"بئس" ضميرا مستترا. وقيل: هي الفاعل. والمثال الذي ذكره يصلح للقولين؛ كما يتبين من الإعراب، ومما أضحناه.
تنبيه:
إذا كان فاعل "نعم" و"بئس" ضميرا مستترا؛ فلا يجوز أن يكون له تابع؛ من نعت، أو عطف، أو توكيد، أو بدل. وإذا كان فاعلهما مفردا ظاهرا، امتنع توكيده توكيدا معنويا. فإن كان مثنى أو جمعا جاز، تقول: نعم الصديقان كلاهما محمد وعلي، ونعم الأصدقاء كلهم محمد، وعلين وعمر، والمؤنث كالمذكر.
أما التوكيد اللفظي فجائز، وكذلك العطف والبدل، أما النعت فيجوز إذا أريد به الإيضاح، لا التخصيص؛ لأن التخصيص مناف للتعميم المفهوم من أل الجنسية.
1- يشترط في المخصوص: أن يكون معرفة، أو نكرة مختصة بوصف أو إضافة أو غيرهما من وسائل التخصيص، وأن يكون أخص من الفاعل، لا مساويا له ولا أعم؛ وذلك ليحصل التفضيل بعد الإجمال، فيكون أوقع في النفس. وأن يكون مطابقا له في المعنى: تذكيرا وتأنيثا، وإفرادا وتثنية وجمعا. وأن يكون متأخرا عنه ليكون أدعى للتشويق. وكذلك يجب تأخيره عن التمييز، إذا كان الفاعل ضميرا مستترا له تمييز؛ نحو: نعم رجلا المجاهد فإن كان الفاعل اسما ظاهرا جاز تقديم المخصوص على التمييز وتأخيره؛ تقول: نعم المجد تلميذا محمدا، ونعم المجد محمد تلميذا.
وإذا كان المخصوص مؤنثاً، جاز تذكير الفعل وتأنيثه، وإن كان الفاعل مذكرا
2- والرابط عموم الفاعل، أو إعادة المبتدأ بمعناه، وهذا مذهب سيبويه ومن تبعه، وهو الراجح.
__________
* "وما" مبتدأ "مميز" خبر. "وقيل" فعل ماض للمجهول. "فاعل" خبر لمبتدأ محذوف، أي هو فاعل، والجملة نائب فاعل، وهي مقول القول. "في نحو" متعلق بمحذوف حال من "ما" نعم" فعل ماض لغنشاء المدح وفاعله مستر. "ما" نكرة ناقصة في موضع نصب تمييز. "يقول الفاضل" الجملة في محل نصب نعت لما، أي نعم شيئا يقوله الفلاضل، وقيل: "ما" معرفة فاعل نعم، والجملة الفعلية في محل رفع نعت لمخصوص محذوف، أي نعم الشيء شيء يقوله الفاضل.(3/99)
يكون خبرا لمبتدأ واجب الحذف، أي: الممدوح أبو بكر، والمذموم أبو لهب1.
وقد يتقدم المخصوص2، فيتعين كونه مبتدأ، نحو: زيد نعم الرجل، وقد يتقدم ما يشعر به فيحذف3؛ نحو: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ} ؛ أي: هو4.
__________
1- وهذا مذهب الجمهور.
وإلى الإعرابين يشير الناظم بقوله:
ويذكر المخصوص بعد مبتدأ ... أو خبر اسم ليس يبدو أبدا*
أي يذكر المخصوص بعد الفاعل، ويعرب مبتدأ، أو خبرا لمبتدأ محذوف وجوبا
2- أي على "نعم"و"بئس"، وذلك بشرط صلاحيته للتأخير.
3- أي قد يتقدم على جملة المخصوص لفظ يدل عليه ويشعر به إذا حذف فيحذف المخصوص جوازا؛ سواء كان هذا المشعر صالحاً لأن يكون مخصوصا، أو لا، ويعرب على حسب حالته.
4- أي أيوب؛ فحذف المخصوص بالمدح وهو ضمير أيوب؛ لدلالة ما قبله عليه، وهو يصلح أن يكون مخصوصا. ويجوز أن يكون التقدير: نعم العبد الصابر، وعلى هذا يكون المشعر -وهو كلمة "صابرا"- غير صالح لأن يكون مخصوصا؛ لأنه نكرة غير مختصة. من الآية 44 من سورة ص. وإلى حذف المخصوص أشار الناظم بقوله:
وإن يقدم مشعر به كفى ... كالعلم نعم المقتنى والمقتفى**
أي: إذا تقدم على المخصوص بالمدح أو الذم ما يشعر به بمعناه، ويدل عليه من غير لبس أو فساد في المعنى، كفى عنه وجاز حذفه، وقول الناظم: "كالعلم نعم المقتنى والمقتفى" من تقديم المخصوص لا المشعر به؛ إذا أعرب "العلم" مبتدأ وما بعده خبرا؛ كما هو المتبادر، والأصل: نعم المقتنى والمقتفى العلم. والمقتنى: الشيء الغالي الذي يقتنى ويحرص الناس
__________
* "المخصوص" نائب فاعل يذكر. "بعد" ظرف مبني على الضم محل نصب متعلق ببذكر. "مبتدأ -بالقصر- حال من المخصوص. "أو خبر اسم" أو خبر معطوف على مبتدأ، واسم مضاف إليه. "ليس يبدو أبداً الجملة من ليس ومعموليها في محل جر نعت ثان لاسم.
** "وإن يقدم "شرط وفعله "مشعر" نائب فاعل يقدم. "به" متعلق بمشعر. "كفى" فعل ماض، والجملة جواب الشرط. "كالعلم" الكاف جارة لقول محذوف، و"العلم" مبتدأ، والجملة بعده خبر، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب مقول القول المحذوف.(3/100)
وليس منه1: "العلم نعم المقتنى"؛ وإنما ذلك من التقدم2.
__________
على الاحتفاظ به. والمقتفى: الذي يتبع ويسار على نهجه.
1- أي ليس من حذف المخصوص.
2- هذا إذا أعرب "العلم" مبتدأ كما بينا، أما إذا أعرب "العلم" خبر لمبتدأ محذوف؛ أي الممدوح العلم، أو عكسه، أو أعرب مفعولا لمحذوف؛ أي الزم العلم، وجملة "نعم المقتنى" مستأنفة، فيكون من تقديم الشعر لا المخصوص؛ لعدم صلاحيته للتأخير؛ لأنه من جملة أخرى، وعلى هذا يحمل كلام الناظم.(3/101)
فصل: في بناء "فعل" للتعجب، وإستعماله كنعم وبئس، حكم "ساء"
وكان فعل ثلاثي صالح للتعجب منه؛ فإنه يجوز استعماله على "فعل"، بضم العين؛ إما بالإصالة؛ كظرف، وشرف، أو بالتحويل1؛ كضرب، وفهم. ثم يجري حينئذ مجرى نعم وبئس؛ في إفادة المدح والذم2، وفي حكم الفاعل، وحكم المخصوص؛ تقول في المدح: فهم الرجل زيد، وفي الذم: خبث الرجل عمرو3.
ومن أمثلته: "ساء"4؛........................................................................................................
__________
1- أي إذا كان في الأصل مفتوح العين أو مكسورها كمثال المصنف. ثم إن كان الفعل معتل العين بالألف نحو: صام ونام، بقي على حاله، وقدر فيه التحويل إلى "فعل"، وإن كان معتل اللام؛ فإن كانت لامه واوا، ظهرت الواو مفتوحة وقبلها الضمة إن لم تكن موجودة من الأصل. نحو سَرُوَ، وغَزُوَ. وإن كانت ياء قلبت واو وضم ما قبلها؛ نحو خَشُوَ، ويعتبر الفعل بعد ذلك التحويل لازما مجردا من الدلالة على الزمن، جامدا، لا مضارع له ولا أمر ولا غيرهما من المشتقات. واستعمال هذا النوع في المدح والذم نادر، ولا يحسن استعماله اليوم، فهنالك ما يغني عنه من الأساليب المقبولة.
2- وذلك مع تأدية كل فعل معناه الخاص به، ودلالته على التعجب؛ فكل فعل ثلاثي يحول إلى صورة "فعل" يؤدي هذه الأمور الثلاثة. وجريان الفعل هذا المجرى ليس على سبيل الوجوب، بل على سبيل الأولوية.
3- وتقول: شرف، وكرم، ونبه، وفهم، وبرع، ولعب.....إلخ.
4- خصها المصنف والناظم بالذكر؛ لأنها للذم العام فهي أشبه ببئس، ولكثرة استعمالها وللخلاف فيها؛ أهي مثل بئس في المعنى والحكم؟ أم هي مثلها في المعنى؟ أما في(3/101)
فإنه في الأصل سوأ، بالفتح1؛ فحول إلى "فعل" بالضم، فصار قاصرا، ثم ضمن معنى "بئس" فصار جامداً محكوماً له ولفاعله بما ذكرنا2؛ تقول: ساء الرجل أبو جهل، وساء حطب النار أبو لهب؛ وفي التنزيل: {وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} 3، {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} 4، ولك في فاعل "فعل" المذكور: أن تأتي به اسماً مجرداً من أل5، وأن تجره بالباء6،.........................................................................................
__________
الأحكام فكالأفعال المحولة.
1- والسوء: ضد السرور، حركت الواو والفتح ما قبلها فقلبت ألفاً، يقال: ساءه الأمر يسوءه، إذا أحزنه، فهو متعد متصرف.
2- أي من كونه كبش في أحكامه، قال الناظم:
واجعل كبئس "ساء" وأجعل فعلا ... من ذي ثلاثة كنغم مسجلا*
أي اجعل "ساء" مثل بئس في معناها وأحكماها. واجعل "فعل" من كل فعل ثلاثي مثل "نعم"، جعلا مطلقًا في معناها وأحكامها، من غير تقييد يحدث بينهما فرقًا. ومعنى مسجلًا حرًا عن التقييد بحكم. والاقتصار على "نعم" ليس مقصودًا، بل مثلها في ذلك "بئس".
3- فاعل "ساء" ضمير مستتر يعود على النار. "مرتفقًا" تمييز على حذف مضاف؛ أي نار مرتفق؛ لأن التمييز ينبغي أن يكون عين المميزة في المعنى. والمرتفق: المتكأ. من الآية 29 من سورة الكهف.
4- "ما" إن جعلت فاعلاً؛ فهي اسم موصول والجملة صلة؛ أي ساء ما يحكمونه، وإن جعلت تمييزًا، فهي نكرة موصوفة؛ أي ساء شيئاً يحكمونه، وعلى الاتجاهين فالمخصوص بالذم محذوف. من الآية 4 من سورة العنكبوت.
5- أي بخلاف فاعل نعم وبئس، وهذا أحد الفروق بينهما.
6- أي الزائدة، وبكثرة إن كان اسماً ظاهرًا، وذلك تشبيهًا بفاعل "أفعل" في التعجب، فيجر
__________
* "كبش" جار ومجرور في موضع المفعول الثاني لاجعل. "ساء" مفعوله الأول، مقصود لفظه. "فعلا" مفعول أول لاجعل الثاني على تقدير مضاف. "من ذي ثلاثة" متعلق بمحذوف حال من فعلا، ومضاف إليه. "كنعم" جار ومجرور في موضع المفعول الثاني لاجعل. "مسجلا" حال من نعم.(3/102)
فإنه في الأصل سوأ، بالفتح1، فحول إلى "فعل" بالضم، فصار قاصرا، ثم ضمن معنى "بئس" فصار جامداً محكوماً له ولفاعله بما ذكرنا2؛ تقول: ساء الرجل أبو جهل، وساء حطب النار أبو لهب؛ وفي التنزيل: {وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} 3، {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} 4، ولك في فاعل "فعل" المذكور: أن تأتي به اسماً وأن تأتي به ضميرًا مطابقًا1؛ نحو: فهم زيد.
وسمع: مررت بأبيات جاد بهن أبياتًا، وجدن أبياتًا2، وقال:
حب بالزور الذي لا يرى3
__________
لفظا ويرفع محلا؛ تقول: حمد بالجار معاشرة؛ أي حمد الجار معاشرة. وهذا فرق ثان بينهما.
1- أي لما قبله وجوبا، وعائدا كذلك إلى شيء سابق؛ تقول: المخلص سعد رجلا، والمخلصان سعدا رجلين..إلخ؛ فإن عاد إلى التمييز المتأخر فلا مطابقة، وهذا فرق ثالث؛ فإن "نعم" يتعين في فاعلها المضمر لزومه حالة واحدة، وعوده على التمييز بعده.
2- حكى ذلك الكسائي، بزيادة الباء في الفاعل أولا، وتجرده منها ثانياً، وهو سبب تمثيل المصنف به. وجاد بهن؛ من جاد الشيء، إذا صار جيدا، وأصله: جود؛ فحول إلى "فعل" لقصد المبالغة والتعجب، وزيدت الباء في الفاعل، وعوض من ضمير الرفع ضمير الجر؛ فقيل: بهن، و"أبياتًا" تمييز، و"جدن" فعل وفاعل، "أبياتًا" تمييز أيضًا، وقد جمع فيهما بين الفاعل والتمييز.
3- صدر بيت من المديد، للطرماح بن حكيم، وعجزه:
منه إلا صفحة أو لمام
اللغة والإعراب: الزور: الزائر، وهو مصدر يراد به اسم الفاعل، ويطلق على الواحد والجمع، مذكرا ومؤنثا. صفحة: المراد: صفحة الوجه؛ وهي جانبه. لمام: جمع لمة، وهي الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن؛ فإذا بلغ المنكب سمي: جمة "حب" فعل ماض لإنشاء التعجب. "بالزور" فاعل حب على زيادة الباء. "الذي" صفة للزور. "لا" حرف نفي. يرى "فعل مضارع للمجهول. "منه" متعلق به. "إلا" أداة حصر. "صفحة" نائب فاعل يرى. والجملة صلة الذي. "أو لمام" معطوف على صفحة.
المعنى: ما أحب الضيف الذي لا يثقل على مضيفه بالمكث عنده ومضايقته، حتى لا يكاد يتحقق من ملامحه، لسرعه انصرافه وتركه المضيف.
الشاهد: مجيء فاعل "حب" التي تفيد معنى "نعم" مقترنا بالباء الزائدة؛ لقربها من معنى التعجب، وقد علمت أن الباء تزاد في فاعل فعل التعجب.(3/103)
أصله: حبب الزور، فزاد الباء، وضم الحاء؛ لأن "فعل" المذكور يجوز فيه: أن تسكن عينه، وأن تنقل حركتها إلى فائه1، فتقول: ضرب الرجل، وضرب.
__________
تنبيه: يتبين مما ذكره المصنف أن "ساء"، "حب" إذا لم يكن معهما "ذا"، من المحول إلى "فعل" بالضم، وتجري عليهما أحكامه التي ذكرها، وهذا هو المشهور. ويرى الدماميني: أنه يلتزم في فاعل "ساء" من جميع الأحكام. وقال الشاطبي: إن فاعل "حب" -إذا لم يكن معه "ذا"- يلتزم فيه ما التزم في فاعل "نعم".
1- وفي ذلك، وفيما تقدم في فاعل "حب" إذا غير "ذا" -يقول الناظم:
وما سوى "ذا" ارفع بحب أو فجر ... بالبا ودون "ذا" انضمام الحا كثر*
أي أرفع الفاعل بحب، إذا كان اسماً غير كلمة "ذا"، أو جره بالباء الزائدة ويكون في محل رفع، وانضمام الحاء مع "حب" -إذا كان دون ذا- كثير.
__________
* "وما" اسم موصول مفعول مقدم لارفع. "سوى" ظرف، صلة ما. "ذا" مضاف إليه. "بحب" متعلق بارفع. "أو فجر" معطوف على ارفع، والفاء زائدة. "بالباء" متعلق بجر، وقصر للضرورة. "ودون ذا" دون ظرف متعلق بمحذوف، حال من محذوف للعلم به، وذا مضاف إليه. "انضمام" مبتدأ. "الحاء" -بالقصر- مضاف إليه. "كثر" الجملة خبر المبتدأ، والتقدير: وانضمام الحاء من حب حال كونه دون "ذا" كثير.(3/104)
فصل: في حبذا ولا حبذا، وإعرابهما
ويقال في المدح: "حبذا"، وفي الذم: "لا حبذا"، قال:
ألا حبذا عاذري في الهوى ... ولا حبذا الجاهل العاذل1
__________
1- بيت من المتقارب، لم نقف على قائله.
اللغة والإعراب: العاذر: الذي يقبل العذر، ولا يلوم؛ من عذره يعذره، والاسم المعذرة. العاذل: اللائم؛ من عذله يعذله، والاسم العذل. "ألا" حرف تنبيه. "حبذا" فعل وفاعل. والجملة في محل رفع خبر مقدم، وسيذكر المصنف لها أعاريب أخرى. "عاذري" مبتدأ مؤخر وهو المخصوص بالمدح. "في الهوى" متعلق بعاذر. "ولا" نافية. "حبذا الجاهل" إعرابه كسابقه. "العاذل" صفة للجاهل.
المعنى: نعم من يعذرني في الهوى، ويكف عن لومي وعذلي، وبئس الجاهل الغبي الذي يلومني، ولا يلتمس لي عذرا في هواي.
الشاهد: استعمال "حبذا" للمدح في الشطر الأول من البيت، و"لا حبذا" للذم في(3/104)
ومذهب سيبويه: أن "حب" فعل، و "ذا" فاعل، وأنهما باقيان على أصلهما1. وقيل: ركبا وغلبت الفعلية لتقدم الفعل؛ فصار الجميع فعلاً، وما بعده فاعل2. وقيل: ركبا وغلبت الاسمية لشرف الاسم؛ فصار الجميع اسماً مبتدأً، وما بعده خبره3. ولا يتغير "ذا" عن الإفراد والتذكير، بل يقال: حبذا الزيدان والهندان؛ أو الزيدون والهندات؛ لأن ذلك كلام جرى مجرى المثل4، كما في قولهم: "الصيف ضيعت اللبن". يقال لكل
__________
الشطر الثاني وقد جمع بينهما.
1- أي أنهما جملة فعلية ماضوية لإنشاء المدح، و"ذا" كفاعل "نعم"؛ لا يجوز إتباعه، وإذا وقع بعده اسم؛ نحو: حبذا الرجل، فهو المخصوص، لا تابع لاسم الإشارة، وإلى هذا أشار الناظم بقوله:
ومثل نعم "حبذا" الفاعل "ذا" ... وإن ترد ذما فقل "لا حبذا"*
أي مثل "نعم" مع فاعلها في إنشاء المدح جملة "حبذا"، وهي جملة فعلية، الفاعل فيها هو "ذا". وعند إرادة الذم قل "لا حبذا" بزيادة "لا" النافية. ويجب وصلها بذا كتابة.
2- هذا رأي ضعيف؛ لأنه لم يعهد تركيب فعل من فعل واسم، على أنه قد يحذف المخصوص، والفاعل لا يحذف، كما في قول الشاعر:
ألا حبذا لولا الحياء وربما ... منحت الهوى ما ليس بالمتقارب
3- وأجاز بعضهم كون "حبذا" خبرا مقدما، والاسم بعده مبتدأ مؤخرا. وينسب هذا إلى المبرد وابن السراج. وضعف بأن "حبذا" لو كان اسما لوجب تكرار "لا" عند إهمالها في نحو: لا حبذا زيد ولا عمرو، وأيضا: عمل "لا" في معرفة إن أعملت عمل "إن" أو ليس. وبقي وجه آخر؛ وهو: أن يكون "حب" فعلا، و"ذا" ملغاة، والاسم بعده فاعل.
4- أي في كثرة الاستعمال، وفيه علة تقتضي عدم التغيير كالمثل؛ وهي: إرادة الإبهاما بذا، ثم الإيضاح بما يأتي بعدها مثل: ربه رجلا، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .
__________
* "ومثل" خبر مقدم "نعم" مضاف إليه."حبذا" مبتدأ مؤخر مقصود لفظه. "والفاعل ذا" مبتدأ وخبر. "وإن ترد" شرط وفعله. "ذما" مفعول ترد. "فقل" الفاء واقعة في جواب الشرط. "لا" نافية. "حبذا فعل وفاعل، والجملة في محل نصب مقول القول، وجملة القول جواب الشرط. زائدة. "بالباء" متعلق بجر، وقصر للضرورة. "ودون ذا" دون ظرف متعلق بمحذوف، حال من محذوف للعلم به، وذا مضاف إليه. "انضمام" مبتدأ. "الحاء" -بالقصر- مضاف إليه. "كثر" الجملة خبر المبتدأ، والتقدير: وانضمام الحاء من حب حال كونه دون "ذا" كثير.(3/105)
أحد بكسر التاء وإفرادها1. وقال ابن كيسان:
لأن المشار إليه مضاف محذوف؛ أي حبذا حسن هند2، ولا يتقدم المخصوص على "حبذا"؛ لما ذكرنا من أنه كلام جرى مجرى المثل3، وقال ابن رباب: شاذ؛ لئلا يتوهم أن في "حب ضميراً"4، وأن "ذا" مفعول.
تنبيه: إذا قلت: "حب الرجل زيد، فحب هذه من باب "فعل" المتقدم ذكره،
__________
1- ذلك لأنه في الأصل خطاب لامرأة طلقت زوجا غنيا لكبره، وأخذت شابا فقيرًا، وكان ذلك في زمن الصيف، فلما جاء الشتاء أرسلت للأول تطلب منه لبنا؛ فقال لها ذلك، وصار مثلا يضرب لمن يطلب الشيء بعد تفريطه فيه، و"الصيف" منصوب على الظرفية لضيعت.
2- هذا قول غير مسلم؛ لأنه لو كان كما ذكره، لظهر هذا المبتدأ المقدر في بعض التراكيب العربية؛ ولم يثبت ذلك إطلاقًا، فهو قول لا دليل عليه.
3- وإلى هذا يشير الناظم بقوله:
وأول "ذا" المخصوص أيا كان لا ... تعدل بذا فهو يضاهي المثلا*
أي أتبع كلمة "ذا" وجيء بعدها بالمخصوص أيا كان؛ مفردا مذكرا أو غيرهما. ولا تعدل بذا أو تمل إلى سواه؛ أي لا تدخل عليه تغييرا مطلقا؛ فهو يشبه المثل في لزومه حالة واحدة للجميع.
4- أي ضميرا مرفوعا على الفاعلية عائدا على المخصوص، وهذا التوهم بعيد؛ لأن معنى هذا التركيب قد اشتهر في غير ذلك المعنى المتوهم. على أن هذا التوهم الذي يفر منه، لا يمتنع وروده على الذهن بسبب التأخير؛ لأنه يفهم أن "ذا" مفعول مقدم، و"زيد" فاعل مؤخر.
__________
* "وأول" فعل أمر يتعدى لاثنين؛ أي أتبع. "ذا" مفعول أول. "المخصوص" مفعول ثان، ويجوز العكس. "أيا" اسم شرط، خبر لكان مقدم، وهي فعل الشرط، واسمها يعود إلى المخصوص. "لا" ناهية "تعدل" مضارع مجزوم بها، والجملة جواب الشرط، وحذفت الفاء للضرورة. "فهو" الفاء للتعليل، و"هو" ضمير منفصل، مبتدأ "يضاهي" المثلا": "المثلا" مفعول، يضاهي، والجملة خبر المبتدأ.(3/106)
ويجوز في حائه: الفتح والضم، كما تقدم؛ فإن قلت "حبذا"، ففتح الحاء واجبٌ، إن جعلتها كالكلمة الواحدة1.
__________
1- أي بالتركيب، فإن أبقيا على أصلهما بلا تركيب، جاز الوجهان: وإذا كان فاعل "حب" اسما غير "ذا"؛ فإنه لا يلتزم صورة واحدة، وإنما يساير المعنى؛ فيكون مفردا أو غير مفرد، مذكرا وغيره على حسب ما يقتضيه المقام.
ويجوز رفعه أو جره بباء زائدة؛ تقول: حب المضيء القمر، وحب المضيئان القمران وحيث المضيئات الأقمار ... وهكذا.
تنبيه:
يخالف مخصوص"حبذا" مخصوص نعم في أمور؛ منها:
أ- أن مخصوص "نعم" يجوز تقديمه عليها، بخلاف مخصوص "حبذا"؛ فلا يتقدم مطلقا، لا على "حب"، ولا على "ذا". وقد أوضح ذلك المصنف.
ب- يجوز عمل النواسخ في مخصوص "نعم"؛ تقول: نعم رجلا كان محمد؛ ولا يجوز ذلك في مخصوص حبذا.
جـ- تقديم التمييز على المخصوص في "نعم" كثير، وتأخيره شاذ ونادر. أما في "حبذا" فيجوز ذكر التمييز أو الحال قبله، أو بعده؛ تقول: حبذا رجلا محمد، وحبذا محمد رجلا، وحبذا راكبا محمد، وحبذا محمدان مسافرين، وصاحب الحال والمميز هو "ذا"؛ لأنه الفاعل المبهم، لا المخصوص.
فائدة:
يجوز زيادة "كاف الخطاب" في آخر "نعم" و"بئس"؛ تقول: نعمك الرجل محمد، وبئسك الرجل زيد.
وهذه الكاف حرف لمجرد الخطاب، وليس لها موضع من الإعراب.
ومع جوازها فهي قليلة في الأساليب البليغة.(3/107)
........................................................................................................................................
__________
الأسئلة والتمرينات:
1- يرى بعض الكوفيين أن "نعم" و"بئس" اسمان بين حجتهم فلي ذلك، وادحضها.
2- يأتي فاعل "نعم" و"بئس" اسما ظاهرا أحياناً، وضميرا أحياناً أخرى، اشرح الشروط اللازمة في كل، ومثل.
3- للنحاة أقوال في أعراب "ما" الواقعة بعد "نعم" و"بئس"، اشرح ذلك، ووضح بأمثلة من إنشائك.
4- كيف تعرب المخصوص؟ وما الفرق بين مخصوص "نعم"، و"حبذا"؟
5- ابسط القول في "ساء"، و"حب"، وما يحول إلى "فعل"، وبين الفرق بينهما، وبين "نعم" و"بئس".
6- اشرح قول ابن مالك الآتي، موضحا ما تقوله بالأمثلة:
وجمع تمييز وفاعل ظهر ... فيه خلاف عنهم قد اشتهر
7- فيما يأتي شواهد للنحويين في باب "نعم" و"بئس"، بين موضع الشاهد، وأعرب ما تحته خط، واذكر المخصوص بالمدح أو الذم:
قال تعالى: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِين} .
{بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا} .
{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُم} .
{سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} .
{كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} .
{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} .
{وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} .
تزود صديق المرء من كان عونه ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا
-
فنعم صديق المرء من كان عونه ... وبئس امرأً من لا يعين على الدهر
-
فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها ... وحب بها مقتولة حين تقتل(3/108)
........................................................................................................................................
__________
لعمري وما عمري علي بهين ... لبئس الفتى المدعو بالليل حاتم
أألوم من بخلت يداه وأغتدي ... للبخل تربا ساء ذاك صنيعاً
ألا حبذا لولا الحياء وربما ... منحت الهوى ما ليس بالمتقارب
نعم امرأين حاتم وكعب ... كلاهما غيث وسيف عضب
8- أعرب ما تحته خط في البيتين الآتيين، وبين ما فيهما من شاهد، وهما لجرير الشاعر الأموي المشهور:
يا حبذا جبل الريان من جبل ... وحبذا ساكن الريان من كانا
وحبذا نفحات من يمانية ... تأتيك من قبل الريا أحيانا(3/109)
باب: أفعل التفضيل
مدخل
...
باب: أفعل التفضيل 1
إنما يصاغ أفعل التفضيل مما يصاغ منه فعلا التعجب2؛ فيقال: هو أضرب وأعلم وأفضل، كما يقال: ما أضربه وأعلمه وأفضله.
__________
باب: أفعل التفضيل
1- هو: اسم مشتق مصوغ للدلالة على أن شيئين اشتركا في صفة خاصة، وزاد أحدهما على الآخر في هذه الصفة. وهو يصاغ قياسا على وزن "أفعل" للمذكر ممنوع من الصرف؛ للوصفية ووزن الفعل.
وعلى وزن "فعلى" للمؤنث، والزائد يسمى "المفضل" والمزيد عليه يسمى: "المفضل عليه" أو "المفضول" سواء كانت صفة مدح؛ كأفضل وأحسن، أو ذم؛ كأقبح وأسوأ. ومنه: خير، وشر، وحب؛ وقد حذفت همزتها لكثرة الاستعمال؛ قال تعالى: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُن} ، {أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة} ، وقال الشاعر:
وحب شيء إلى الإنسان ما منعا
وجاء على الأصل قول رؤبة:
بلال خير الناس وابن الأخير
وقراءة بعضهم: {مَنْ الْكَذَّابُ الأَشِرِ} ، وفي الحديث: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وأن قل".
2- تقدم ذلك مستوفى في "باب التعجب" قريبا فارجع إليه إن شئت.
وفي ذلك يقول الناظم:
صغ من مصوغ منه للتعجب ... "أفعل" للتفضيل وأب اللذ أبي*
أي صغ "أفعل" للدلالة على التفضيل من مصدر الفعل الذي يصاغ منه التعجب، وامنع هذه الصياغة من الفعل الذي منع منه الصوغ هنالك.
__________
* "من مصوغ" متعلق بصغ والموصوف محذوف؛ أي من فعل مصوغ. "منه" جار ومجرور، نائب فاعل مصوغ. "للتعجب" متعلق بمصوغ. "أفعل" مفعول صغ. "للتفضيل" متعلق بضع. "وأب" فعل أمر مبني على حذف الألف. "اللذ" اسم موصول، لغة، في الذي، مفعول. "أبي" فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى الذي، والجملة صلة.(3/110)
وشذ بناؤه من صوف لا فعل له؛ كهو أقمن به، أي أحق1، وألص من شظاظ2.
ومما زاد على ثلاثة، كـ:"هذا الكلام أخصر من غيره"3. وفي "أفعل" المذاهب الثلاثة4، وسمع: هو أعطاهم للدراهم، وأولاهم للمعروف5، وهذا المكان أقفر من غيره6. ومن فعل المفعول؛ كهو أزهى من ديك7، وأشغل من ذات النحيين8، وأعنى بحاجتك9.
__________
1- بنوه من قمن؛ أي حقيق. ومثله قولهم: ما بالبادية أنوأ منه؛ أي أعلم بالأنواء منه.
2- بنوه من لص، وقد حكي ابن القطاع: لصص -بالفتح- إذا استتر، وحكي أيضاً: لصصه، إذا أخذه خفية، وعلى ذلك فلا شذوذ فيه. وشظاظ بكسر -الشين- اسم لص، معروف بالذكاء في اللصوصية، من بني ضبة، ويضرب به المثل في ذلك. ومثل هذين قولهم: هو أفرس من غيره؛ من الفروسية.
3- بنوه من: "اختصر". وفيه شذوذ آخر؛ وهو: بناؤه من المبني للمجهول.
4- أي في بناء "أفعل" التفضيل من الرباعي الذي على وزن "أفعل" الخلاف السابق في التعجب؛ فقيل: يجوز مطلقاً وقيل يمتنع مطلقا، وقيل: يجوز إن كانت الهمزة لغير النقل وإلا فلا.
5- هذان شاذان عند من يمنع ذلك مطلقاً، وعند من يمنع إذا كانت الهمزة للنقل؛ لأن همزتها كذلك.
6- هذا شاذ على القول بالمنع مطلقًا؛ لأن همزته ليست للنقل.
7- بنوه من قولهم: زهي، بمعنى تكبر، وحكى ابن دريد: زها يزهو؛ أي تكبر، وعليه فلا شذوذ؛ لأنه من المبني للفاعل.
8- بنوه من "شغل" بالبناء للمفعول؛ لأن المراد أنها أكثر مشغولية، لا أنها أكثر شغلا لغيرها وهذا الفعل يجيء مبينا للفاعل؛ قال تعالى: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} . والنحيين تثنية نحي، وهو زق السمن، وذات النحيين: امرأة من تيم الله بن ثعلبة، كانت تبيع السمن في الجاهلية، فأتى رجل أنصاري قبل أن يسلم، فساومها فحلت نحيا، فقال لها: أمسكيه حتى أنظر إلى غيره. فحلت الآخر، فقال لها: أمسكيه، فلما شغل يديها حاورها حتى قضى منها ما أراد وفر.
9- بنوه من "عُنِي"، وسمع فيه: عَنِيَ كرضي، وعليه فلا شذوذ فيه.(3/111)
وما توصل به إلى التعجب مما لا يتعجب منه بلفظه، يتوصل به إلى التفضيل. ويجاء بعده بمصدر ذلك الفعل تمييزًا؛ فيقال: هو أشد استخراجاً وحمزة1.
__________
1- إذا كان الفعل جامدا؛ كعسى وليس، أو غير قابل للتفاضل؛ كمات وفني، لم يجز التفضيل منه مطلقا بطريق مباشر أو غير مباشر، لأن الجامد لا مصدر له، وعدم التفاوت يفقد الأساس الذي يقوم عليه التفاضل، وفي المنفي والمجهول خلاف بين النحاة؛ لأن مصدرهما مؤول فيكون معرفة؛ فلا يصلح نصبه تمييزا لأشد ونحوه، وهو ما ينبغي أن يعرب به المصدر هنا. والتحقيق صحة التفضيل منها بالطريقة غير المباشرة؛ لصحة مجيء كلمة "عدم" قبلهما، ولصحة التنكير في بعض الأحوال. أما ما عدا ذلك مما فقد الشروط، فيتوصل إلى التفضيل منه بصوغ اسم تفضيل من "أشد" ونحوه مما يناسب المعنى، ويوضع مصدر الفعل غير المستوفي للشروط بعده، منصوبا على التمييز كما بينا. ويقوم مقام المصدر: اسم فاعل، أو اسم مفعول في آخره ياء مشددة وتاء؛ تقول: هو أشد ضاربية، ومضروبية، من غيره، كما سبق.
ويلاحظ أن "أشد" ونحوه في باب التعجب فعل، أما هنا فاسم.
هذا: وقد ذكر النحاة أن الألفاظ الدالة على العيوب والألوان لا يصاغ منها "أفعل" مباشرة، إذا كانت هذه العيوب والألوان ظاهرة. وسمع من ذلك: أسود من حلك الغراب، وأبيض من اللبن، وقيل: إن هذا شاذ لا يقاس عليه، ولا ندري السبب في عدم القياس، وما ذكروه من علل غير مقنع، والرأي جوازه، إذا لم يحصل لبس بصيغة أخرى، وقامت قرينة على التفضيل، أما العيوب والألوان المعنوية فتصح الصياغة منها مباشرة؛ مثل: فلان أبله من فلان، وأحمق منه، وأرعن منه، وأخرق منه، وأبيض سريرة منه، وأسود قلبا منه.... وهكذا، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
وما به إلى تعجب وصل ... لمانع به إلى التفضيل صل*
أي أن ما يتوصل به إلى التعجب من الأفعال التي لم تستكمل الشروط، بسبب
__________
* "وما" اسم موصول مبتدأ. "به" متعلق بوصل على أنه نائب فاعله قدم عليه، وساغ ذلك لأنه جار ومجرور يتوسع فيهما. "إلى تعجب" متعلق بوصل، والجملة صلة. "لمانع" متعلق بوصل أيضاً. "به إلى التفضيل" متعلقان بصل. "صل" فعل أمر، والجملة خبر المبتدأ.(3/112)
فصل: لإسم التفضيل بالنظر للفظه ثلاث حالات
ولاسم التفضيل ثلاث حالات1:
إحداها: أن يكون مجرداً من "أل" والإضافة؛ فيجب له حكمان: أحدهما: أن يكون مفردًا مذكرًا دائمًا2؛ نحو: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَب} 3، ونحوه: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} ... الآية4؛ ومن ثم5 قيل...............
__________
مانع يمنع التعجب المباشر منها، يتوصل به إلى التفضيل منها عند وجود ذلك المانع. وليعلم أن "أفعل" التفضيل يدل غالباً على الدوام والاستمرار. وهو اسم جامد ليس له ماض، ولا مضارع، ولا اسم فاعل، ولا مفعول، ولا شيء من المشتقات، ولا يتقدم عليه في الاختيار شيء من معمولاته، كما هو الحكم العام في العوامل الجامدة، إلا في مواضع نص عليها النحاة، وسيأتي بعضها؛ كأن يكون المعمول شبه جملة؛ كقول الشاعر:
وللحلم أوقات وللجهل مثلها ... ولكن أوقاتي إلى الحلم أقرب
1- هذا بالنظر إلى لفظه، أما بالنظر إلى معناه، فله ثلاث استعمالات أيضاً:
أ- ما تقدم ذكره في تعريفه.
ب- أن يراد به أن شيئاً زاد في صفته الخاصة به على شيء آخر في صفته، فالاشتراك بينهما في مطلق الزيادة؛ نحو قولهم: السكر أحلى من الملح، والصيف أحر من حرارته، أشد من الشتاء في برودته.. وهكذا؛ فليس بين كل اثنين اشتراك في المعنى، إلا في مطلق الزيادة المجردة المقصور على صاحبها.
جـ- أن يتجرد عن معنى التفضيل، ويراد به ثبوت الصوف لصاحبه؛ فيؤول باسم فاعل، أو صفة مشبهة، وقد أشار إليها المصنف والناظم فيما سيأتي.
2- أي ولو كان مسندًا إلى مؤنث، أو مثنى، أو مجموع.
3- سورة يوسف: الآية 8.
4- تمام الآية: {وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ} من الآية 24 من سورة التوبة. فقد أفرد "أحب" في الآية الأولى مع الاثنين، وفي هذه مع الجماعة.
5- أي: ومن أجل أن "أفعل" التفضيل المجرد من أل والإضافة، يلزم فيه الإفراد والتذكير كما أسلفنا.(3/113)
"آخر" إنه معدول عن آخر1، وفي قول ابن هانئ:
كأن صغرى وكبرى من فقاقعها2
إنه لحن.
والثاني: أن يؤتى بعده "بمن"3 جارة للمفضول، وقد يحذفان4؛ نحو: {وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} 5. وقد جاء الإثبات والحذف في: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَز
__________
1- أي: وليس من باب التفضيل؛ لأنه ليست فيه مشاركة وزيادة؛ لأن معناه الأصلي: أشد تأخرا، و"أخر": جمع أخرى، أنثى آخر على وزن "أفعل".
2- صدر بيت من البسيط، للحسن بن هانئ، المشهور بأبي نواس، في وصف الخمر، وعجزه:
حصباء در على أرض من الذهب
اللغة والإعراب: فقاقعها: جمع فقاعة؛ وهي النفاخات التي على وجه الماء أو الخمر، شبه حبات صغيرة من الحصباء، وهي: دقاق الحصى. در: لآلئ، جمع درة؛ وهي اللؤلؤة. "كأن" حرف تشبيه ونصب. "صغرى" اسم كان. "من فقاقعها" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لصغرى وكبرى. "حصباء" خبر كأن. "در" مضاف إليه. "على أرض" متعلق بمحذوف صفة لحصباء. "من الذهب" متعلق بمحذوف صفة الأرض.
المعنى: كأن النفاخات الصغيرة البيضاء التي تعلو الخمر وهي في الكأس -في لونها الذهبي- حبات من اللؤلؤ على أرض من ذهب.
الشاهد: مجيء "أفعل" التفضيل؛ وهو صغرى وكبرى، مؤنثا مع أنه مجرد من أل والإضافة، وكان حقه أن يكون مفردا مذكرا؛ فيقال: أصغر، وأكبر، لهذا قال بعضهم: إنه لحن، وقال الآخرون: إنه لم يقصد التفضيل، وإنما أراد معنى الوصف المجرد عن الزيادة، فهو صفة مشبهة، لا أفعل تفضيل.
3- ولا يجر المفضول غيرها من الحروف، وهي واجبة في هذه الحالة. واختلف في معناها، فقال المبرد: هي للابتداء، وتكون لابتداء الارتفاع إذا كان السياق للمدح؛ نحو: النشيط أفضل من الخامل. ولابتداء الانحطاط إذا كان السياق للذم؛ نحو: المنافق أضر على المجتمع من العدو، وقال ابن مالك: هي للمجاورة؛ أي أن المفضل جاوز المفضول في الوصف الممدوح أو المذموم، وزاد عليه.
4- أي "من" ومجرورها وهو المفضل عليه، وذلك عند وجود دليل على الحذف، وإلا امتنع.
5- أي من الحياة الدنيا. من الآية 17 من سورة الأعلى.(3/114)
نَفَراً} ؛ أي: منك1.
وأكثر ما تحذف "من" إذا كان "أفعل" خبرًا2. ويقل إذا كان حالًا؛ كقوله:
دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا3
__________
1- وعند الحذف لفظا يلاحظان في التقدير والنية. من الآية 34 من سورة الكهف. وإلى ذلك يشير الناظم بقوله:
وأفعل التفضيل صله أبدا ... تقديرًا أو لفظًا بمن إن جردًا*
أي أن "أفعل" التفضيل المجرد من أل والإضافة. ينبغي أن يوصل في اللفظ بمن جارة للمفضل عليه، وتقدر عند الحذف.
2- سواء كان خبرا لمبتدأ، أو خبر ناسخ، أو أصله الخبر؛ كثاني مفعولي "ظن" وأخواتها، وثالث مفاعيل "اعلم وأرى"..إلخ، نحو: محمد أكرم، كان محمد أفضل، ظننت محمد أعلم، أعلمت عليا محمدا أقدر على تحمل المسئولية.
3- صدر بيت من الطويل، استشهد به النحاة ولم ينسبوه لقائل، وعجزه:
فظل فؤادي في هواك مضللا
اللغة والإعراب: دنوت: قربت؛ من الدنو؛ وهو القرب خلناك: ظنناك وحسبناك. ظل: استمر مضللا: حيران غير مهتد إلى الصواب؛ من الضلال؛ وهو عدم الرشد. "دنوت" فعل وفاعل. "وقد" الواو للحال من التاء في دنوت، و"قد" حرف تحقيق. "خلناك" خال فعل ماض ناقص، من أخوات ظن، "ونا" فاعل، والكاف مفعول أول. "كالبدر" متعلق بمحذوف مفعول ثان. "أجملا" أفعل تفضيل، حال من التاء في دنوت أيضاً. "فظل" معطوف بالفاء على دنوت. "فؤادي" اسم ظل. "في هواك" متعلق بمضللا الواقع خبرا لظل.
المعنى: قربت منا أيتها المحبوبة وأنت أكثر جمالا وبهاء من البدر، وقد كنا نظنك مثله في الجمال وحسن المنظر، فصار قلبي حائرا في هواك وحبك، لا يعرف سبيل الرشد
__________
* "وأفعل التفضيل" أفعل مفعول لمحذوف يفسره ما بعده، والتفضيل مضاف إليه. "أبدًا" ظرف منصوب. "تقديرا أو لفظا" مصدران حالان من المجرور بعدهما، أو منصوبان بإسقاط في. "بمن" متعلق بصل. "إن جردا" شرط وفعله، ونائب الفاعل يعود إلى أفعل التفضيل، والألف للإطلاق، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه.(3/115)
أي دنوت أجمل من البدر.
أو صفة؛ كقوله:
تروحي أجدر أن تقيلي1
__________
ووجه الصواب.
الشاهد: في "أجملا" حيث حذفت "من" التي تجر المفضول عليه مع مجرورها، وأفعل التفضيل هنا حال من التاء في "دنوت" كما ذكرنا. وجملة "وقد خلناك كالبدر" اعتراضية. وهذا على قلته قياسي.
1- عجز بيت من الرجز، أو بيت من مشطوره، وبعده:
غدًا بجنبي بارد ظليل ... ومشرب يشربها رسيل
وهو لأحيحة بن الجلاح الصحابي، يخاطب فسيلة "نخلة صغيرة"، وكان أحيحة ثريا وله نخل كثير بيثرب مدينة الرسول -عليه الصلاة والسلام- ومع ذلك كان يدعو إلى الإدخار والجمع.
ومن كلامه الذي جرى مجرى المثل: "التمرة إلى التمرة تمر، والذود إلى الذود إبل"؛ أي أن القليل إذا انضم إلى القليل صار كثيرا.
اللغة والإعراب: تروحي: ارتفعي وطولي؛ من قولهم تروح النبت، إذا طال. أجدر: أحق وأحرى. تقيلي: من القيلولة؛ وهي الوقت الذي يشتد فيه الحر في منتصف النهار، والمراد: أنها في هذا الوقت تكون متصفة بما يأتي. بجنبي بارد ظليل: أي في مكان يساعد على النمو والازدهار. رسيل: سهل لين، وهو وصف لمشرب. "تروحي" فعل أمر مبني على حذف النون، والياء فاعل. "أجدر" أفعل تفضيل صفة لمحذوف هو وعامله المعطوف على تروحي؛ أي: وخذي مكانا أجدر. "أن تقيلي" أن مصدرية، وتقيلي مضارع منصوب بأن يحذف النون، والمصدر المنسبك مجرور بحرف جر محذوف قياساً؛ أي بقيلولتك. "غدا" ظرف منصوب بتقيلي. "بجبني" متعلق بتقيلي وهو مثنى. "بارد" مضاف إليه. "ظليل" معطوف على بارد بحذف العاطف، وهما وصفان لموصوفين محذوفين؛ أي بجبني ماء بارد ومكان ظليل.
المعنى: ارتفعي أيتها النخلة الصغيرة وطولي، وخذي مكانا أحرى من غيره بأن يزداد فيه نموك وازدهارك، بجنبي ماء بارد ومكان ظليل. وقد كان أهل يثرب ضنوا بطلعهم عليه، فهبت ريح الصبا وقت التأبير على الذكور واحتملت طلعها، فألقته على الإناث(3/116)
أي: تروحي وائتي مكانًا أجدر من غيره بأن تقيلي فيه.
ويجب تقديم "من" ومجرورها عليه1، إن كان المجرور استفهامًا2؛ نحو: أنت ممن أفضل3؟ أو مضافًا إلى الاستفهام؛ نحو: أنت من غلام من أفضل؟ وقد تتقدم في غير الاستفهام؛ كقوله:
فأسماء من تلك الظعينة أملح
وهو ضرورة.
__________
فقام ذلك مقام التأبير، فاستغنى عنهم.
الشاهد:- في "أجدر أن تقيلي"؛ حيث حذف "من" والمفضل عليه مع "أفعل"؛ وهو صفة لموصوف محذوف. وذلك قليل.
هذا: وقد ظن بعضهم أن الشاعر يخاطب بهذا ناقته، وأنه يطلب منها الصبر على مشاق السير في وقت الرواح المقابل للغدو، وأن تقيل في وقت الظهيرة، وعليه تقدير المصنف. ولكن هذا لا يتناسب مع ما قبل هذا البيت وما بعده؛ وقبله:
تأبري يا خيرة الفسيل ... تأبري من حنذ فشولي
إذ ضن أهل النخل بالفحول ... تروحي أجدر أن تقيلي
والصحيح ما ذكرنا، وقد ذكره الفيومي في "المصباح المنير".
1- أي على "أفعل" وحده، دون تقديمها على الجملة كلها.
2- ذلك لأن الإستفهام له الصدارة في الكلام.
3- الأصل: أنت أفضل ممن؟
4- عجز بيت من الطويل، لجرير الشاعر الأموي، وصدره:
إذا سايرت أسماء يومًا ظعينة
ومثل قول ذي الرمة، الشاعر الأموي:
ولا عيب فيها غير أن قطوفها ... سريع وأن لا شيء منهن أطيب
اللغة والإعراب:- سايرت: سارت وصاحبت. ظعينة: الظعينة الهودج كانت فيه امرأة أولا، والجمع: ظعن وظعائن، وهي أيضًا: المرأة ما دامت في الهودج. والمراد هنا: المرأة مطلقًا. أملح: أحسن؛ من ملح؛ كظرف.(3/117)
الحالة الثانية: أن يكون "بأل" فيجب له حكمان:
__________
"إذا" ظرف فيه معنى الشرط. "سايرت" فعل الشرط. "أسماء" فاعل سايرت. "ظعينة" مفعوله. "فأسماء الفاء واقعة في جواب "إذا"، وأسماء مبتدأ. "من تلك" متعلق بأملح الواقع خبرًا للمبتدأ. "الظعينة" بدل من اسم الإشارة.
المعنى: أن أسماء، كلما سارت مع نسوة، ظهر حسنها وجمالها، وتفوقت على من يسايرنها في الحسن والملاحة.
الشاهد: تقدم "من" ومجرورها؛ وهو قوله: "من تلك الظعينة"، على أفعل التفضيل؛ وهو "أملح" في غير الاستفهام، وذلك شاذ لضرورة الشعر. وفي تقديم "من" مع مجرورها في حالتي الاستفهام يقول الناظم:
وأن تكن بتلو من مستفهما ... فلهما كن أبدًا مقدمًا
كمثل ممن أنت خير ولدى ... إخبارٌ التقديم نزرًا وردًا*
أي: إن تكن مستفهما بالاسم التالي "من"؛ أي مجرورها؛ فقدهما وجوبا دائمًا؛ مثل: ممن أنت خير؟ وورد التقديم نادرا حالة الإخبار؛ أي إذا كان الكلام خبرا، لا إنشائيا استفهاميا.
هذا: وإذا بني أفعل التفضيل من مصدر فعل يتعدى بحرف الجر "من"؛ كالفعل "قرب"، و"بعد" جاز تقديم "من" المعدية، على "من" الداخلة على المفضول، وتأخيرها عنها؛ نحو: محمد أقرب من الصواب من علي، وأقرب من علي من الصواب. ولا يجوز الفصل بين "أفعل" وبين "من" ومجرورها، إلا بمعمول "أفعل"؛ نحو: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} أو بـ"لو" وما يتبعها؛ كقول الشاعر:
ولفوك أطيب لو بذلت لنا ... من ماء موهبة على خمر
__________
* "بتلو" أي بتالٍ، متعلق بمستفهمًا، "من" مضاف إليه. "مستفهمًا" خبر تكن الواقع فعلا للشرط. "فلهما" الفاء لربط الجواب بالشرط، و"لهما" متعلق بمقدما الواقع خبرا لكن، والجملة جواب الشرط. "أبدا" ظرف متعلق بمقدما. "كمثل" الكاف زائدة، و"مثل" خبر لمبتدأ محذوف؛ أي وذلك مثل. "ممن" متعلق بخبر الواقع خبرا عن "أنت". "لدى" ظرف بمعنى عنده، متعلق بوردا. "إخبار" مضاف إليه. "لتقديم" مبتدأ. "نزرا" حال من فاعل "ورد" العائد على التقديم، والألف للإطلاق، والجملة خبر المبتدأ.(3/118)
أحدهما: أن يكون مطابقا لموصوفه1؛ نحو: زيد الأفضل، وهند الفضلى، والزيدان الأفضلان، والزيدون الأفضلون، والهندات الفضليات أو الفضل2.
والثاني: ألا يؤتي معه "بمن"3، فأما قول الأعشى:
__________
الموهبة: نقرة في جوف الصخرة يخزن فيها الماء ليبرد، والجمع مواهب. "لو" للتمني، أو شرطية حذف جوابها؛ أي لأحسنت إلينا. "على خمر" متعلق بمحذوف صفة لماء. أو بالنداء؛ كقول الشاعر:
لم ألق أخبث يا فرزدق منكمو ... ليلاً وأخبث بالنهار نهاراً
فائدة:
قال الصبان: "من كلامهم المشهور": "زيد أعقل من أن يكذب"، وظاهر مشكل؛ لأنه يقتضي تفضيل زيد في العقل على الكذب؛ ولا معنى له. وخير ما قيل في هذا وأمثاله: أن "أفعل" التفضيل يقصد به هنا معناه اللغوي، مع تضمين "أفعل" معنى "أبعد"، وبيان سبب البعد؛ فالمراد بهذا التركيب: زيد أبعد الناس من الكذب بسبب عقله، ويكون الغرض من هذا التفضيل: ابتعاد الفاضل من المفضول. ولا تكون "من" تفضيلية وإنما هي مع مجرورها متعلقان بأفعل، الذي هو بمعنى متباعد، والمفضول متروك لقصد التعميم.
1- أي في التذكير والتأنيث، والإفراد وفروعه؛ وذلك لأن اقترانه بأل أضعف شبهه بأفعل في التعجب.
2- الفضل: جمع تكسير لفضلي. قيل: وينبغي أن يرجع في تأنيث اسم التفضيل وجمعه جمع تكسير إلى السماع؛ فقد لا يسمع ذلك، كالأشرف، والأظرف؛ فإنه لم يسمع فيهما: الأشارف والأظارف جمعا، ولا الشرفي والظرفي للمؤنث؛ كما سمع ذلك في الأفضل والأطول. وقد سمع في الأكرم والأمجد جمعهما؛ فقيل: الأكارم والأماجد، ولم يسمع فيهما: الكرمي والمجدي للمؤنثة. ونقل صاحب الأمالي أن بعض العرب يقولون: الأكرم، والأجمل، والأحسن، والأرذل، والأنذل، والألأم، وهي: الكرمي، والجملي، والحسني، والرذلي، واللؤمي ... إلخ.
وعليه فيمكن القياس مع التحفظ للتيسير؛ لأن الوصول إلى المسموع يحتاج إلى عناء شديد.
3- أي: لأن المفضل عليه غير مذكور؛ إذ تغني عنه أل. و"من"، و"أل" يتعاقبان ولا(3/119)
أحدهما: أن يكون مطابقا لموصوفه1؛ نحو: زيد الأفضل، وهند الفضلي، والزيدان الأفضلان، والزيدون
ولست بالأكثر منهم حصى1
فخرج على زيادة "أل"2، أو على أنها3 متعلقة بـ"أكثر" نكرة محذوفاً مبدلًا من "أكثر" المذكورة4.
الحالة الثالثة: أن يكون مضافًا5، فإن كانت إضافته إلى نكرة لزمه أمران: التذكير،
__________
يجتمعان؛ فلا يقال: على الأفضل من محمد.
1- صدر بيت من السريع، للأعشى ميمون بن قيس، من قصيدة يهجو فيها علقمة بن علاثة الصحابي، ويفضل عليه ابن عمه عامر بن الطفيل، في المنافرة التي وقعت بينهما، وهي مشهورة، وعجزه:
وإنما العزة للكاثر
اللغة والإعراب: حصى، المراد: العدد من الأعوان والأنصار. العزة: القوة والغلبة، الكاثر: اسم فاعل؛ من كثرته أكثر، من باب نصر: غلبته في الكثرة. "بالأكثر" خبر ليس على زيادة الباء. "حصى" تمييز لأكثر. "وإنما" الواو عاطفة؛ وإنما أداة حصر. "العزة للكاثر" مبتدأ وخبر.
المعنى: لست يا علقمة أكثر من عامر عددا وأعوانا وأنصارا؛ وإنما تكون الغلبة ويتم النصر لمن عنده جنود أكثر، وأعوان ونصراء.
الشاهد: في قوله: "بالأكثر منهم"؛ حيث يدل ظاهره على أن "من" لحقت أفعل التفضيل المحلى بأل، وهذا ممنوع؛ لما ذكرنا؛ وقد خرجه المصنف، وقال بعضهم إنه ضرورة.
2- أي: فلا تفيد تعريفا، ويكون أفعل التفضيل نكرة، كما تزاد في التمييز والحال.
3- أي "من" في قوله "منهم".
4- ويكون الأصل: وليست بالأكثر أكثر منهم، وفيه حذف البدل. وقيل: إن "من" بمعنى "في"؛ أي فيهم.
5- الراجح أن تكون إضافته غير محضة، وقيل محضة. ويشترط في هذه الحالة مطلقا، سواء أضيف لنكرة أو لمعرفة، ألا يقع بعد "أفعل" "من" الجارة للمفضول؛ فلا يصح: علي أفضل المتسابقين من محمد. أما الجارة لغيره فتقع؛ تقول: محمد أقرب الناس مني، كما(3/120)
والتوحيد؛ كما يلزمان المجرد؛ لاستوائهما في التنكير1، ويلزم في المضاف أن يطابق؛ نحو: الزيدان أفضل رجلين، والزيدون أفضل رجال، وهند أفضل امرأة.
فأما: {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِه} 2، فالتقدير: أول فريق كافر به3. وإن كانت
__________
يشترط أن يكون المضاف بعضا من المضاف إليه عند إرادة التفضيل؛ فلا يصح محمد أفضل امرأة. فإن لم يقصد التفضيل جاز؛ نحو: يوسف أحسن إخوته. والمراد بكونه بعضا من المضاف إليه: أن يكون "أفعل" جزءًا، والمضاف إليه كلا؛ نحو: الرأس أنفع الجسم. أو يكون "أفعل" فردا من أفراد كثيرة يشملها المضاف إليه، وينبغي حينئذ أن يكون المضاف إليه جنسا يندرح تحته أفراد كثيرة؛ نحو: النيل أكبر الأنهار في مصر.
1- ولكونهما على معنى "من". وإذ عطفت على المضاف النكرة مضافا إلى ضميرها، فقيل: يذكر الضمير أيضاً ويفرد على التوهم؛ تقول: محمد أفضل رجل وأعقله، وهند أكرم امرأة وأعقله، والمحمدان أكرم رجلين وأعلقه.... وهكذا.
وقيل: تجوز المطابقة إن لم تكن واجبة أو أولى. أما إذا أضفت "أفعل" إلى معرفة، فإنك تؤنث وتثني وتجمع، وهو القياس، وأجاز سيبويه الإفراد تمسكا بقول الشاعر:
ومية أحسن الثقلين جيداً ... وسالفةً وأحسنه قذالا
أي أحسن من ذكر. وإلى حكم "أفعل" التفضل المجرد من "أل" والإضافة، أو المضاف إلى نكرة، يشير الناظم بقوله:
وإن لمنكور يضف أو جردا ... ألزم تذكيرًا وأن يوحدا*
أي: إذا أضيف "أفعل" التفضيل نكرة، أو جرد من أل والإضافة، يلزم فيه أن كيون مذكر دائماً، وأن يكون مفردا.
2- أي بإفراد {كَافِرٍ} ومقتضى القاعدة: "كافرين" بالجمع؛ ليطابق الواو في {تَكُونُوا} من الآية 41 من سورة البقرة.
3- فهو على حذف موصوف مطابق في المعنى؛ وهو "فريق" لأنه جمع في المعنى، وقد أفرد
__________
* "وإن" شرطية. "لمنكور" متعلق بيضف الواقع شرطًا لإن، ونائب الفاعل يعود إلى أفعل التفضيل. "أو جردا" معطوف على يضف. "ألزم تذكيرا" نائب فاعل ألزم يعود إلى أفعل التفضيل، وهو المفعول الأول، وتذكيرا المفعول الثاني، والجملة في محل جزم جواب الشرط. "وإن يوحدا" المصدر المنسبك من أن والفعل معطوف على "تذكيرا".(3/121)
الإضافة إلى معرفة، فإن أول "أفعل" بما لا تفضيل فيه1، وجبت المطابقة2؛ كقولهم: "الناقص والأشج أعدلا بني مروان، أي عادلاهم3.
وإن كان على أصله من إفادة المفاضلة؛ جازت المطابقة كقوله تعالى: {أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} 4، {هُمْ أَرَاذِلُنَا} ، وتركها؛ كقوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ}
__________
"كَافِر" باعتبار لفظ فريق.
1- سواء كان الغرض عدم المفاضلة وإرادة الزيادة مطلقا، وأن "أفعل" بمعنى الفاعل أو الصفة المشبهة، أو أن الغرض بيان المفاضلة والزيادة المطلقة، لا على المضاف إليه وحده.
2- أي للموصوف؛ في الإفراد والتذكير وفروعهما، ولا يلزم حينئذ أن يكون أفعل التفضيل المضاف بعضا من المضاف إليه، لأن الإضافة لمجرد التخصيص، لا لبيان المفضل عليه؛ بل تارة يكون؛ نحو: محمد أفضل قريش؛ أي أفضل الناس من بينهم، وتارة لا يكون كيوسف أحسن إخوته؛ إن قصد أنه أحسن الناس من بينهم أو أحسنهم؛ لأن "أفعل" لا يكون على معنى "من" حينئذ.
3- هذا مثال لما لا تفضيل فيه؛ لأنه لم يشاركهما أحد من بني مروان في العدل. والناقص: هو يزيد بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان؛ لقب بذلك لأنه نقص أرزاق الجند. والأشج هو: عمر بن عبد العزيز، لقب بذلك لشجة كانت برأسه من ضرب دابة. ومثل هذا: نصيب أشعر الحبشة؛ أي: شاعرهم.
ومثال ما يقصد به التفضيل المطلق على المضاف إليه وعلى غيره: محمد أفضل قريش.
4- فيه أعاريب، أولاها -كما قال الصبان: تفسير {جَعَلْنَا} بمكنا، {فِي كُلِّ قَرْيَة} ظرف لغو متعلق به. {أَكَابِرَ} مفعوله. والشاهد فيه إضافة {أَكَابِرَ} لمجرميها، مع مطابقته لموصوفه المقدر؛ أي قوما أكابر، ولو لم يطابق لقيل: أكبر لمجرميها، من الآية 23 من سورة الأنعام.
وكذلك {أَرَاذِلُنَا} ، ولو لم يطابق لقيل: أرذلنا. من الآية 37 من سورة هود. وفي حكم المقرون بأل، والمضاف إلى معرفة، يقول الناظم:
وتلو "أل" طبق وما لمعرفة ... أضيف ذو وجهين عن ذي معرفة(3/122)
النَّاسِ عَلَى حَيَاة} 1، وهذا هو الغالب. وابن السراج يوجبه2؛ فإن قدر {أَكَابِر} مفعولًا ثانيًا، و {مُجْرِمِيهَا} مفعولًا أول، فيلزمه المطابقة في المجرد3.
__________
هذا إذا نويت معنى "من" وإن ... لم تنو فهو طبق ما به قرن*
أي أن "أفعل" الذي يتلو "أل" ويقع بعدها، تجب مطابقته لما قبله.
وما أضيف لمعرفة فيه وجهان منقولان عن صاحب رأي ومعرفة بلغة العرب، وهما: المطابقة وعدمها، بشرط أن تنوي "من"؛ أي يقصد التفضيل، فإن لم تنو "من" فهو مطابق لما قرن التفضيل به؛ أي للموصوف الذي يقصد به التفضيل.
1- "هم" مفعول أول لتجد. "أحرص" مفعو ثان له. ولو طابق لقال: أحرصي.
2- أي يوجب ترك المطابقة، ويجعل "أفعل" فيه كالمجرد، ويلتزم فيه الإفراد والتذكير. ويرده {أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} المتقدم.
وقول المصنف: "فإن قدر....إلخ"، جواب عن تقدير سؤال لابن السراج؛ وهو: كيف يوجب ترك المطابقة وقد جاءت في {أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} ؟
3- وقد تقدم أنها غير جائزة.
الخلاصة:
أ- أن "أفعل" يجب إفراده وتذكيره، إن كان مجردا، أو مضافا لنكرة، وينبغي دخول "من" الجارة للمفضول في المجرد، ولا تحذف إلا إذا دل عليها دليل، كما يجب في النكرة أن تكون مطابقة لصاحب "أعفل" التفضيل في الإفراد والتذكير وفروعها.
ب- تجوز فيه المطابقة وعدمها، إن كان مضافا لمعرفة وقصد التفضيل باق. وتجب البعضية في هذه الصورة.
__________
* "وتلو"؛ أي تالي، مبتدأ. "أل" مضاف إليه قصد لفظه. "طبق" خبر؛ أي مطابق. "وما" اسم موصول مبتدأ "لمعرفة" متعلق بأضيف الواقع صلة لما. "ذو وجهين" ذو خبر المبتدأ، وجهين مضاف إليهز عن "ذي" متعلق بمحذوف صفة لوجهين. "معرفة" مضاف إليه؛ أي ذو وجهين منقولين عن صاحب معرفة.
"هذا" اسم إشارة مبتدأ والخبر محذوف؛ أي الحكم مثلا، والإشارة إلى جواز الوجهين في المضاف إلى المعرفة. "معنى" مفعول نويت. "من" مضاف إليه. "وإن لم تنو" جملة شرطية، ومفعول تنو محذوف يدل عليه ما قبله. "فهو" القاء للربط، و"هو" ضمير منفصل مبتدأ. "طبق" خبر. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "به" متعلق بقرن الواقع صلة، والمراد بمعنى من -الذي قد تنويه وقد لا تنويه- هو التفضيل.(3/123)
مسألة: فيما يرفعه أفعل التفضيل
مسألة: يرفع أفعل التفضيل الضمير المستتر في كل لغة؛ نحو: زيد أفضل1. والضمير المنفصل، والاسم الظاهر في لغة قليلة2؛ كمررت برجل أفضل منه أبوه، أو أنت3. ويطرد ذلك إذا حل محل الفعل4؛.....................................
__________
جـ- وجوب المطابقة إذا اقترن بأل، ويجب عدم ذكر "من" ومجرورها. أو أضيف لمعرفة، ولم تكن المفاضلة قائمة، وفي هذه الصورة يجوز أن يكون بعضا من المضاف إليه أو غير بعض.
1- ففي "أفضل" ضمير مستتر مرفوع على الفاعلية يعود على زيد.
2- حكاها سيبويه، وأشار إليه الناظم كما سيأتي؛ وإنما كان رفعه لهذين قليلا؛ لأنه ضعيف الشبه باسم الفاعل؛ إذ هو يلزم الإفراد والتذكير عند تجرده، أو إضافته لنكرة.
3- بخفض "أفضل" بالفتحة على أنه صفة لرجل، و"منه" متعلق به، ورفع أبوه"، و"أنت" على الفاعلية بأفضل، وأكثر العرب برفع "أفضل" في مثل ذلك على أنه خبر مقدم، و"أبوه" و"أنت": مبتدأ مؤخر، وفاعل أفضل ضمير مستتر عائد على المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر نعت لرجل، والرابط الضمير المجرور بمن.
وعلى هذا لا يكون "أفضل" رفع اسمًا ظاهرًا أو ضميرًا بارزًا.
4- أي إذا صح أن يحل محل "أفعل" التفضيل فعل بمعناه، من غير فساد في المعنى أو في الأسلوب؛ وذلك لأن الفعل يرفع الظاهر؛ فكذلك ما يحل محله.
وإلى هذا أشار الناظم بقوله:
ورفعه الظاهر نزر ومتى ... عاقب فعلاً فكثير ثبتا
كلن ترى في الناس من رفيق ... أولى به الفضل من الصديق*
أي: أن رفع "أفعل" التفضيل للاسم الظاهر نزر؛ أي قليل، لا يقاس عليه، لكن متى
__________
* "ورفعه" مبتدأ وهو مصدر مضاف لفاعله. "الظاهر" مفعوله. "نزر" خبر المبتدأ "ومتى" اسم شرط، وهو ظرف متعلق بفعله وهو عاقب. "فعلا" مفعول عاقب. "فكثيرا" الفاء واقعة في جواب الشرط، و"كثيرا" حال من فاعل ثبت العائد على رفعه الظاهر، وألفه للإطلاق. "كلن" الكاف جارة لقول محذوف، و"لن" حرف نفي ونصب. "من رفيق" مفعول ترى على زيادة من. "أولى" اسم تفضيل نعت لرفيق. "به" متعلق بأولى "الفضل" فاعل أولى. "من الصديق" جار ومجرور متعلق بأولى؛ أي من الفضل بالصديق.(3/124)
وذلك إذا سبقه نفي1، وكان مرفوعه أجنبيا2 مفضلًا على نفسه باعتبارين3؛ نحو: ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد4؛ فإنه يجوز أن يقال: ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد. والأصل أن يقع هذا الظاهر5 بين ضميرين: أولهما للموصوف6، وثانيهما للظاهر7 كما مثلنا.
__________
عاقب "أفعل" فعلا؛ أي حل محل الفعل؛ فإن رفعه الظاهر قد ثبت كثيرا عن العرب. ومثل الناظم لهذه الكثرة بالبيت الثاني، وسيذكر المصنف أصله، وما حدث فيه من حذف، ويمكن أن يحل محله فعل بمعناه؛ وهو: يحق.
1- أي: أو شبهه؛ وهو النهي والاستفهام الإنكاري على الصحيح. وبعد هذا ينبغي أن يكون أفعل التفضيل نعتا لاسم جنس، ليعتمد عليه ويقوى على رفعه الظاهر.
2- المراد بالأجنبي هنا: ألا يكون متصلا بضمير يعود على الموصوف، ويدل على صلة بين "أفعل" ومنعوته؛ فيخرج نحو: ما رأيت رجلا أحسن منه أبوه.
3- أي أن ذلك الأجنبي يكون مفضلا على نفسه باعتبارين مختلفين. وهذا القيد يغني عما قبله؛ لأن الأجنبي لا يختلف بالاعتبار بل بالذات.
4- "ما" نافية. "رجلا" مفعول رأيت. "أحسن" نعت لرجل إن كانت "رأى" بصرية، ومفعول ثان إن كانت علمية، وهو: اسم جنس مسبوق بنفي، "في عينه" حال من الكحل، أو ظرف لغاو متعلق بأحسن. "الكحل" فاعل أحسن، وهو أجنبي من الموصوف؛ لأنه لم يتصل بضميره، ومفضل على نفسه باعتبارين مختلفين؛ فكونه في عين زيد فاضل، وفي عين غيره مفضول. "منه" متعلق بأحسن. "في عين زيد" في عين حال من الهاء في منه، وزيد مضاف إليه.
المعنى: أن الكحل في عين زيد أحسن من نفسه في عين غيره من الرجال؛ فالمفضل والمفضل عليه شيء واحد، لكن فضل باعتبار مكان على نفسه في مكان آخر.
5- أي الاسم الظاهر الذي هو فاعل لأفعل التفضيل.
6- أي المنعوت بأفعل التفضيل، وهو في المثال: الهاء في "عينه".
7- وهو الهاء في "منه" فيكون المفضول مذكورا. وقد يحذف الضمير الأول العائد على الموصوف إن دل على حذفه دليل؛ تقول: ما رأيت رجلا أحسن الكحل منه في عين زيد،(3/125)
وقد يحذف الضمير الثاني1، وتدخل "من"، إما على الاسم الظاهر2، أو على محله3، أو على ذي المحل4؛ فتقول: من كحل عن زيدا، أو من عين زيد، أو من زيد، فتحذف مضافًا5 أو مضافين6. وقد لا يؤتي بعد المرفوع بشيء7؛ فتقول: ما رأيت كعين زيد أحسن فيها الكحل8، وقالوا: ما أحد احسن به الجميل من زيد9. والأصل: ما أحد أحسن به الجميل من حسن10 الجميل يزيد، ثم إنهم أضافوا الجميل" إلى زيد لملابسته إياه11، ثم حذفوا المضاف12، ومثله في المعنى:.............................
__________
وتقول: ما رأيت رجلا أكمل الإشراق منه في وجه المؤمن؛ والتقدير: أكمل الإشراق في وجه ... إلخ.
1 أي العائد على فاعل اسم التفضيل الظاهر.
2 وهو "الكحل" في مثالنا.
3 أي المحل والمكان الذي يقوم به الفاعل ويحل فيه، وهو "العين" في المثال.
4 أي صاحب ذلك المحل الذي يحل فيه الفاعل، وهو في المثال "زيد".
5 أي إذا أدخلت "من" على المحل؛ وهو "العين".
6 وذلك إذا أدخلت "من" على صاحب المحل؛ وهو "زيد" وقد يحذف الضمير الأول للعلم به؛ تقول: ما رأيت رجلا أحسن الكل منه في عين زيد.
7 فيحذف الضميران معاً، وذلك إذا تقدم محل المفضل نفسه على "أفعل" التفضيل، فيستغني "أفعل" بفاعله عما يكون بعده، وذلك كمثال المصنف، وكقولهم: ما شيء كالغزال أحسن به الحور.
8 فتحذف ضمير "الكحل" ومحله، وصاحب محله؛ اختصارا.
9 فأدخلوا "من" في اللفظ على غير المفضل عليه، وهو ملابسه، لا محله حقيقة.
10 الأولى: إسقاط "حسن"؛ لأن المفاضلة بين الجميل ونفسه باعتبارين، لا بينه بأحد، وحسنه بزيد. ويظهر أن الذي دعى المصنف إلى تقدير "حسن" ليتعلق به المجرور وهو "بزيد"، ويمكن عند الحذف أن يكون "بزيد" حالا من مجرور "من".
11- أي في المعنى؛ فصار التقدير: من جميل زيد.
12- أي: وهو "جميل"، وأقاموا المضاف إليه مقامه؛ وهو "زيد".(3/126)
لن ترى في الناس من رفيق ... أولى به الفضل من الصديق1
والأصل: من ولاية الفضل بالصديق2، ثم من فضل الصديق، ثم من الصديق.
__________
1 ذا بيت من النظم، وقد سبق، انظر صفحة (124) .
2 الأولى حذف "ولاية" كما سبق؛ لأن المفاضلة؛ إنما هي بين الفضل ونفسه باعتبارين، لا بينه وبين ولايته. والخلاصة: أن الضميرين قد يذكران معا، وقد يحذفان، وقد يذكر أحدهما ويحذف الآخر.
فائدتان:
أ- ينصب "أفعل" التفضيل: المفعول لأجله، والظرف؛ والحال، وبقية المنصوبات، ما عدا المفعول المطلق، والمفعول معه، وفي المفعول به خلاف. والرأي جوازه لوروده؛ كقوله تعالى: {هُوَ أَهْدَى سَبِيلا} . أما التمييز، فإن كان فاعلا في المعنى نصب بأفعل؛ نحو: الطبيب أكثر نفعا من المهندس. وإن لم يكن فاعلا، وكان "أفعل" مضافا، صح نصبه؛ نحو: الحطيئة أكثر الشعراء هجاء.
ب إذا كان "أفعل" التفضيل مصوغا من مصدر فعل متعد بحرف جر معين، عدي "أفعل" بذلك الحرف؛ نحو: كان عمر أشفق الناس على الرعية، وأزهدهم في الدنيا، واسرع إلى إغاثة الملهوف. وإن كان من متعد بنفسه، فإن دل على حب أو بغض، أو ما في معناهما، عدي باللام، إن كان مجرورها مفعولا به في المعنى، وما قبل "أفعل" هو الفاعل؛ نحو: المسلم أحب للخير من غيره، وأبغض لمخالفته دينه.
وعدي بإلى، إن كان المجرور هو الفاعل في المعنى؛ نحو: المال أحب إلى البخيل من كل شيء، وإن دل على غير ذلك، عدمي بالام؛ نحو: محمد أنفع للجار. وإن كان فعله متعديا لاثنين عدي لأحدهما باللام، ونصب الآخر مفعولا به؛ نحو: محمد اعطى للمحتاجين الكثير من المال.(3/127)
.....................................................................................................................................
__________
الأسئلة والتمرينات:
1 عرف اسم التفضيل، وبين وزنه القياسي، ومم يصاغ؟ ومثل لما تقول.
2 اذكر حالاته من جهة لفظه، ثم من جهة معناه، ووضح ما تقوله بالأمثلة.
3 متى يلزم "أفعل" التفضيل الإفراد والتذكير، ومتى تجب مطابقته للموصوف؟
4 بين حكمه إذا أضيف لمعرفة أو لنكرة؛ من حيث المطابقة وعدمها، ومثل.
5- اشرح قول ابن مالك:
ورفعه الظاهر نزر ومتى ... عاقب فعلا فكثيراً ثبتا
واشرح القاعدة التي يبنى عليها رفعه الظاهر، والضمير البارز، ووضحها بأمثلة.
6 فيما يأتي شواهد لأفعل التفضيل، بين الشاهد، وأعربه: قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} ، {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} .
وقال -عليه الصلاة والسلام: "اليد العليا خير من اليد السفلى" وقال: "ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني منازل يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون"، وفي الأمثال: "أمضى من سهم".
وأحب أوطان البلاد إلى الفتى ... أرض ينال بها كريم المطلب
-
إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتًا دعائمه أعز وأطول
-
فقالت لنا أهلا وسهلا وزودت ... جنى النحل أو ما زودت منه أطيب
-
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند
-
صبرت ومن يصبر يجد غب صبره ... ألذ وأحلى من جنى النحل في الفم
7- خاطب بالعبارة الآتية المؤنثة، والجمع بنوعيه:
محمد أحق بالوصاية؛ لأنه أعقل إخوته، والأوفر مالا.
8- صغ اسم الفضيل، وفعلي التعجب، من مصادر الأفعال الآتية، وضع أربعة منها في جمل: انزوى، عظم، قتل، مل، سئم، أسود، طوى، أنعم، أتى، ناضل.(3/128)
.....................................................................................................................................
__________
9 صغ اسم التفضيل، وفعلى التعجب، من مصادر الأفعال الآتية:
ارعوى، قال، اشمأز، طوى، مات، راقب، بر، وعد، ندم، اصفر.
يوجد صورة سكانر
10 أعرب البيت البيت الآتي، واشرحه شرحا أدبيا، وبين ما فيه من شاهد في هذا الباب:
لولا العقول لكان أدنى ضيغم ... أدنى إلى شرف من الإنسان
11 بين فيما يأتي: اسم التفضيل، ومعموله، وموضعه من الإعراب، وحكمه من حيث الإفراد والمطابقة:
كان عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، المعروف بصقر قريش، من أرجح الناس عقلا، وأنفذهم عزما، وأسخاهم يدا. ولد في أحدى ضواحي دمشق الدنيا، سنة 133هـ، وما كاد يبلغ العشرين من عمره، أو أكثر قليلا، حتى كان ملك بني أمية أقرب إلى الزوال، وأخذ العباسيون يتعقبون الأعلين من البيت الأموي، ففر عبد الرحمن إلى أقصى الغرب، واستطاع بما وهب من رجاحة العقل وسعة الفكر، أن يؤسس بالأندلس دولة ضارعت أرقى الدول، وكان لها اليد الطولى في نشر الحضارة بالغرب، وتوفي سنة 172هـ، وعاصر من الخلفاء العباسيين: المنصور، والمهدي، والرشيد.(3/129)
.....................................................................................................................................
__________
ومن آثاره الباقية إلى اليوم: الجامع الأموي في قرطبة، وقد كان العنوان الأسمى لمجد الأمويين في الغرب، والرمز الأعلى لعزهم وحضارتهم. وقد أنشأ في مواجهته قصرًا يعتبر تحفة فنية عظمى، وهو الأول من نوعه في الغرب والشرق.(3/130)
باب: النعت
مدخل
...
باب: النعت 1
الأشياء التي تتبع ما قبلها في الإعراب2 خمسة: النعت، والتوكيد، وعطف البيان، والنسق، والبدل3، فالنعت عند الناظم هو:
__________
باب: النعت
1 يسمى النعت أيضاً: الصفة، والوصف.
2 سواء كان الإعراب لفظياً، أو تقديريا، أو محليا، ومثل الإعراب: ما يشبهه من حركة عارضة لغير الإعراب؛ نحو: يا زيد الفاضل، بضم الفاضل على أنه تابع للمنادى على اللفظ.
3- وقد أشار الناظم إلى هذه التوابع بقوله:
يتبع في الإعراب الأسماء الأول ... نعت وتوكيد وعطف وبدل*
أي أن هذه الأربعة تتبع في إعرابها الأسماء الأول التي سبقتها وتقدمت عليها، وهي الأسماء المتبوعة, واقتصر على الأسماء لأنها الأكثر.
وقد اختلف في عامل التابع، فالجمهور على أن العامل فيه هو العامل في المتبوع، ما عدا البدل فإن عامله محذوف، وقيل غير ذلك، ولكن ما ذكرناه هو الراجح. ولا يفصل بين التابع والمتبوع بأجنبي محض عنهما. ويجوز بمعمول الموصوف؛ نحو قوله تعالى: {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِير} ، من الآية 44 م سورة ن.
وبمعمول الموصوف؛ نحو: يعجبني ضربك زيدا الشديد، وبعامل المتبوع؛ نحو: المريض أكرمت الجريح، وبمعمول العامل؛ كقوله تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ، عَالِمِ الْغَيْبِ} من الآية 91، 92 من سورة المؤمنون. وبمفسر العامل؛ نحو: {إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} وبالاستثناء، وبالقسم وبجوابه؛ كقوله تعالى: {بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ} من الآية 3 من سورة سبأ، وبالاعتراض؛ كقوله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيم} ، الآية
__________
* "الأسماء" مفعول يتبع. "الأول" نعت للأسماء. "نعت" فاعل يتبع، وما بعده معطوف عليه، وخص الأسماء بالذكر، لأنها وحدها التي تجري فيها جميع التوابع، وهذا لا ينافي أن بعضها يجري في غير الأسماء؛ كالتوكيد اللفظي، والبدل، وعطف النسق، كما سيأتي.(3/130)
التابع1 الذي يكمل متبوعه؛ بدلالته على معنى فيه2، أو فيما يتعلق به3. فخرج بقيد التكميل النسق والبدل4، وبقيد الدلالة المذكورة البيان والتوكيد5. والمراد بالمكمل: الموضح للمعرفة6؛ كجاز زيد التاجر، أو التاجر أبوه. والمخصص للنكرة7؛ كجاءني رجل تاجر، او تاجر أبوه.
وهذا الحد غير شامل لأنواع النعت، فإن النعت قد يكون لمجرد المدح؛ كـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} ، أو لمجرد الذم؛ نحو: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، أو
__________
76 من سورة الواقعة....إلخ.
ولا يجوز تقديم التابع على المتبوع، وأجاز بعضهم تقديم الصفة إذا كانت لمتعدد تقدم بعضه؛ نحو: نجح محمد الذكيان وعلي.
1 التابع هو: اللفظ المتأخر المشارك لما قبله في نوع إعرابه، الحاصل، والمتجدد وليس خبرًا، ومعنى الحاصل والمتجدد: تغير النعت بسبب تغير المنعوت بتغيير التراكيب.
2 هذا إذا كان نعتا حقيقيا؛ وهو: ما يدل على معنى في نفس منعوته، أو ما هو في حكمه.
3 وذلك إذا كان نعتا سببياً؛ وهو: ما يدل على معنى في شيء بعده؛ له صلة وارتباط بالمتبوع؛ قال الناظم:
فالنعت تابع متم ما سبق ... بوسمه أو وسم ما به اعتلق*
أي أن العت هو: التابع الذي يتمم المنعوت الذي سبقه، ويكمله بوسمه؛ أي بزيادة سمة وعلامة في المنعوت، أو وسم ما اعتلق به، أي ما أتصل بالمنعوت بعلاقة؛ وهو سببيه.
4 لأنهما لم يقصد بهما أصلا تكميل متبوعهما، لا بإيضاح، ولا تخصيص.
5 لأنهما لا يدلان على صفة ومعنى في متبوعهما ولا فيما يتعلق به؛ فإنهما عين متبوعهما؛ فهما يكملان بالإيضاح ورفع الاحتمال.
6 وذلك بإزالة الاشتراك اللفظي فيها، ورفع الاحتمال الذي يتجه إلى معناها.
7 أي بتقليل الاشتراك المعنوي فيهما، وتضييق عدد ما تشمله.
__________
* "فالنعت تابع" مبتدأ وخبر. "متم" نعت لتابع، وفيه ضمير مستتر هو فاعله. "ما" اسم موصول مفعول متم. "سبق" الجملة صلة ما. "بوسمه" متعلق "بمتم" أو وسم" معطوف على وسمه. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "به" متعلق باعتقال الواقع صلة لما، والهاء فيه وفي بوسمه، عائدة إلى "ما" الواقعة على المتبوع.(3/132)
للترحم1؛ نحو: اللهم أنا عبدك المسكين. أو للتوكيد؛ نحو: {نَفْخَةٌ وَاحِدَة} 2.
__________
1 أي: إظهار الرحمة والحنان للغير.
2 يجاب على هذا: بأن الأصل في النعت أن يكون للإيضاح أو التخصيص، ومجيئه للمدح وغيره، أمر عرضي تدل عليه القرائن؛ فهو من باب المجاز؛ فلهذا اقتصر المصنف وغيره من المؤلفين عليهما، الآية 13 من سورة الحاقة.
__________
* "وليعط" فعل مضارع مجزوم بلام الأمر يحذف الألف، ونائب الفاعل العائد إلى النعت هو المفعول الأول. "ما" اسم موصول مفعوله الثاني. "لما" متعلق بمحذوف، صلة "ما" وهي واقعة على المنعوت. "تلا" فعل ماض وفاعله يعود على النعت، والجملة صلة ما الثانية المجرورة باللام. "كامرر" الكاف جارة لقول محذوف، وامرر فعل أمر. "كرما" جمع كريم، صفة لقوم، وقصر للضرورة.(3/133)
فصل: فيما يتبع فيه النعت الحقيقي متبوعه
...
فصل: فيما يتبع النعت الحقيقي متبوعه
وتجب موافقة النعت لما قبله فيما هو موجود فيه؛ من أوجه الإعراب الثلاثة1، ومن التعريف والتنكير2؛ تقول: جاءني زيد الفاضل، ورأيت زيداً الفاضل، ومررت بزيد الفاضل، وجاءني رجل فاضل، كذلك.
وأما الأفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، فإن رفع الوصف ضمير الموصوف
__________
1 وهي: الرفع، والنصب، والجر، وذلك لأن المخالفة فيها تنافي التبعية.
2 لأن المخالفة في ذلك تجعل الشيء معينا وغير معين في وقت واحد. ويشترك في الموافقة فيما تقدم: النعت مطلقا، حقيقيا أو سببيا. قال الناظم مشيرا إلى ذلك:
وليعط في التعريف والتنكير ما ... لما تلا كـ"امرر بقوم كرما*
أي أن النعت يعطي في التعريف والتنكير، ما ثبت للذي تلاه النعت؛ وهو المنعوت، وفي المثال الذي ذكره؛ وهو: "كرما" نعت لقوم، وكلاهما نكرة. وأجاز الأخفش نعت النكرة إذا خصصت بوصف بالمعرفة. ومثل لذلك بقوله تعالى: {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الأَوْلَيَانِ} من الآية 107 من سورة المائدة، فجعل "الأوليان" المعرف بأل، نعتا لآخران النكرة؛ لوصفه بالجار والمجرور. كما أجاز بعضهم نعت المعرف بأل الجنسية بالنكرة المخصوصية، وما في حكمهما وهو الجملة؛ ومنه قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَار} الآية 37 من سورة يس.
__________
* "وليعط" فعل مضارع مجزوم بلام الأمر يحذف الألف، ونائب الفاعل العائد إلى النعت هو المفعول الأول. "ما" اسم موصول مفعوله الثاني. "لما" متعلق بمحذوف، صلة "ما" وهي واقعة على المنعوت. "تلا" فعل ماض وفاعله يعود على النعت، والجملة صلة ما الثانية المجرورة باللام. "كامرر" الكاف جارة لقول محذوف، وامرر فعل أمر. "كرما" جمع كريم، صفة لقوم، وقصر للضرورة.(3/133)
المستترب، وافقه فيها1، كجائتني امراة كريمة، ورجلان كريمان، ورجال كرام. وكذلك جاءتني امرأة كريمة الأب، أو كريمة أبا2، وجاءني رلجان كريما الأب، أو كريمان أبا، وجاءني رجال كرام الأب، أو كرام أبًا، لأن الوصف في ذلك كله رافع ضمير الموصوف المستتر3.
وإن رفع الظاهر أو الضمير البارز، أعطي حكم الفعل4، ولم يعتبر حال الموصوف؛
__________
1 وهذا هو النعت الحقيقي، وحينئذ تكمل له الموافقة لمتبوععه في أربعة أشياء من عشرة؛ هي: حركات الإعراب، والتعريف والتنكير، والإفراد وفروعه، والتذكير والتأنيث.
2 الوصف في هذا المثال وما بعده، يسمى بالوصف المجازي، وهو الذي يجري على غير من هو له؛ وذلك بأن يحول الإسناد عن الظاهر إلى ضمير الموصوف، ويجر الظاهر بالإضافة إن كان معرفة، وينصب على التمييز إن كان، كما في الأمثلة.
3 أي: أصالة أو تحويلا، ولم يرفع السببي.
هذا: وهنالك أشياء لا تلزم فليها المطابقة المتقدمة غير ما أسلفنا؛ منها:
الألفاظ التي تلزم صيغة واحدة في التذكير والتأنيث؛ كـ"فعول" بمعنى فاعل، و"فعيل" بمعنى مفعول؛ مثل صبور، وجريح، ومنها "أفعل" التفضيل إذا كان مجردا من أل، أو مضافا لنكرة؛ فإنه يلزم والإفراد والتذكير، ولا يطابق المنعوت في التأنيث والتثنية والجمع.
ومن ذلك: صفة جمع مذكر ما لا يعقل؛ فإنه يجوز معاملتها معاملة المفرد المؤنث أو الجمع؛ نحو: أياما معدودة ومعدودات، ومنها، أن يكون المنعوت تمييزا مفردا للأعداد المركبة، أو المعطوفة، أو العقود؛ فإنه يجوز في النعت: الإفراد مراعاة للفظ المنعوت، والجمع مراعاة للمعنى؛ تقول: خمسة عشر طالباً ذكيا أو أذكياء، وعشرو رجلا أدبياً أو أدباء، وخمسة وثلاثون عالما كذلك..وهكذا.
ومنها بعض الفاظ مسموعة من غير مطابقة في الجمع مثل: "ثوب أخلاق" جمع خلق؛ وهو البالي، و"بُرْمَةٌ أعشار"؛ البرمة: قدر من حجارة، {نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} جمع مشيج، أي مختلط.
4 أي الذي يقع في موقع النعت، فيجب تجريده من علامة التثنية والجمع على اللغة الفصحى، ويراعي حالة مرفوعه في التذكير والتأنيث، سواء أكان المنعوت كذلك أم لا، وهذا هو(3/134)
تقول: مررت برجل قائمة أمه، وبامرأة قائم أبوها، كما تقول: قامت أمه، وقام أبوها، ومررت برجلين قائم أبواهما، كما تقول: قام أبواهما، ومن قال: قاما أبواهما1، قال: قائمين أبواهما2. وتقول: مررت برجال قائم آباؤهم، كما تقول: قام آباؤهم، ومن قال: قاموا آباؤهم قال: قائمين آباؤهم3.
وجمع التكسير أفصح من الإفراد4؛ كقيام آباؤهم.
__________
النعت السببي، ويجب أن يشتمل الاسم الظاهر على ضمير يعود على المنعوت مباشرة، ويربط بينه وبين هذا الاسم الظاهر الذي ينصب عليه معنى النعت. ويطابق النعت السببي منعوته حتما في اثنين من خمسة هما: حركات الإعراب، والتعريف، والتنكير، كما قدمنا.
1 أي: بإلحاق علامة التثنية بالفعل المسند إلى المثنى الظاهر، وهي لغة "طيء" وأزد شنوءة.
2 أي بتثنية الوصف الرافع للسببي.
3 أعلم أنه يجوز في الوصف المسند إلى السببي المجموع جمع تكسير: الإفراد، والتكسير؛ أي المطابقة وعدمها، والتكسير أفصح عند سيبويه. ويتعين الإفراد -أي عدم المطابقة- في السببي المثنى، والإفرد أفصح حين يكون السببي جمع مؤنث سالما، أو جمع مذكر سالما، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
وهو لدى التوحيد والتذكير أو ... سواهما كالفعل فاقف ما قفوا*
أن حكم النعت عند التوحيد -أي الإفراد- وعند التذكير، وسواهما من فروعهما، هو حكم الفعل، فاتبع في ذلك ما اتبعه العرب في أمر الفعل، وطبقه على النعت.
فائدة:
قال الصبان نقلا عن المغني: يجوز مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين، ون لزم استتار الضمير في قاعدين مع جريان الصفة على غير من هي له؛ لأنه يغتفر في الثواني ما لا
__________
* "وهو" مبتدأ خبره قوله "كالفعل" الآتي. "لدى" ظرف بمعنى متعلق بما تعلق به الخبر. "التوحيد" مضاف إليه. "والتذكير أو سواهما" معطوف على التوحيد. "ما" اسم موصول مفعول "أقف". "قفوا" الجملة صلة ما، والعائذ محذوف؛ أي قفوه، والقفو: الاتباع.(3/135)
فصل: الأشياء التي ينعت بها أربعة
والأشياء التي ينعت بها أربعة:
أحدهما: المشتق. والمراد به: ما دل على حدث وصاحبه1؛ كضارب، ومضروب، وحسن، وأفضل.
الثاني: الجامد المشبه للمشتق في المعنى2؛ كاسم الإشارة3، و"ذي" بمعنى صاحب4، وأسماء النسب؛ تقول: مررت بزيد هذا، وبرجل ذي مال، وبرجل دمشقي؛
__________
يغتفر في الأوائل. ويمتنع. قائمين لا قاعد أبواه، على إعمال الثاني؛ للزوم ما ذكر في الأوائل.
1 المراد بصاحب الحدث: من قام به الفعل أو اتصف به، أو وقع عليه أو منه. ويشمل ذلك: الأسماء المشتقة العاملة؛ وهي: اسم الفاعل، واسم المفعول به، وما هو بمعناه؛ كفعيل بمعنى مفعول في مثل: أمين، وجريح، وصيغ المبالغة، والصفة المشبهة، وأفعل التفضيل، أما غير العاملة؛ كاسمي الزمان والمكان، واسم الآلة، فلا ينعت بها؛ لأنها لا تدل على صاحب الحدث، بل هي مشتقة بالمعنى الأعم.
2 بأن يفيد ما يفيده المشتق من المعنى؛ وهذا هو المسمى بالمشتق تأويلا.
3 أي الزمانية؛ مثل: "هذا" وفروعه، وهي معارف؛ فلا تقع نعتا إلا للمعرفة. أما اسم الإشارة المكانية مثل: "هنا، وثم" فلا تقع نعتا بنفسها، ولكنها تتعلق بمحذوف يكون هو النعت؛ تقول مررت برجل هنا، أو ثَمَّ" فلا تقع نعتا بنفسها، ولكنها تتعلق بمحذوف يكون هو النعت؛ تقول مررت برجل هنا، أو ثم؛ أي كائن أو موجود، ويقال من باب الاختصار: الظرف نعت.
4 ومثلها فروعها؛ وهي: "ذوا، ذوي" للمثنى المذكر، و"ذوو، ذوي" الجمع المذكر، و"ذات" للمفردة المؤنثة، و"ذاتا، وذاتي" للمثنى المؤنث، و"ذوات" لجمع المؤنث، ولا تكون نعتا إلا لنكرة. ويوصف كذلك "بذو" الموصولة وفروعها، وسائر الموصولات الاسمية المبدوءة بأل؛ كالذي والتي، و"بأل" نفسها. أما "من" و"ما" ففي النعت بهما خلاف، والرأي جوازه. ولما كانت الموصولات معرفة، وجب أن يكون منعوتها معرفة. ومن الجامد المشبه للمشتق: أسماء الأعداد؛ نحو: اشتريت الكتب الخمسة، ولفظ: "أي"، إذا أضيفت لنكرة تماثل المنعوت في المعنى؛ نحو: اتخذت صديقا أي صديق، ولفظ "كل، أو جد، أو حق" إذا أضيف كلٌ إلى اسم جنس يكمل معنى الموصوف؛ تقول: أنت الرجل كل الرجل، هذا(3/136)
لأن معناهما: الحاضر، وصاحب مال ومنسوب إلى دمشق1.
الثالث: الجملة، وللنعت بها ثلاثة شروط: شرط في المنعوت، وهو أن يكون نكرة2، إما لفظاً ومعنى3؛ نحو: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه} 4، أو معنى لا لفظاً، وهو المعرف بأل الجنسية5؛ كقوله:
__________
صديق جد وفي، أنت الزميل حق الزميل.
1 أي: فقد أفادت ما يفيده المشتق من المعنى. ولا يقتصر في النسب على المنسوب بالباء؛ بل يشمل ما يكون على صيغة "فعال" أو "فاعل" أو غيرهما، كما سيجيء في باب النسب، وينبغي أن يكون مقصودا، وإلا بقي الاسم على جموده؛ فلا يقع نعتا؛ كمن اسمه: بدوي، أو مكي، ويصلح المنسوب نعتا للنكرة والمعرفة، بشرط المطابقة في ذلك. ومثل المنسوب: المصغر. وإلى النعت بالمشتق وشبهه يشير الناظم بقوله:
وانعت بمشتق كصعب وذرب ... وشبهه كذا وذي والمنتسب*
والذرب: الحاد اللسان، والمنتسب: المنسوب الذي يفيد النسبة إلى غيره.
2 لأن الجملة -كما يقول الرضي- مؤولة بالنكرة، وإن كان يجري على الألسنة أنها نكرة؛ لأن التعريف والتنكير من خواص الأسماء. ويقول صاحب المفصل: إنها نكرة، بدليل وقوعها نعتا للنكرة، والخلاف شكلي لا أثر له على الجوهر.
3 أي: بأن تكون نكرة محضة خالصة من شائبة التعريف؛ وذلك بخلوها من "أل" الجنسية، ومن أي مخصص آخر؛ كالإضافة، والنعت، ونحوهما.
4 من الآية 281 من سورة البقرة.
5 فإن معناه نكرة؛ لأنها للحقيقة في ضمن فرد منهم. ومثله ما قيد بما يفيد التخصيص، ولا تتعين الجملة في هذه الحالة للنعت؛ بل يجوز أن تكون حالا أيضاً، والمنعوت صاحب الحال.
__________
* "بمشتق" متعلق بالنعت، وهو نعت لوصف محذوف. "كصعب" متعلق بمحذوف، خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كائن كعصب. "وذرب" معطوف على صعب. "وشبهه" معطوف على مشتق. والهاء مضاف إليه "كذا" خبر لمبتدأ محذوف أيضًا، وما بعده معطوف عليه.(3/137)
ولقد أمر على اللئيم يسبني1
وشرطان في الجملة:
أحدهما: أن تكون مشتملة على ضمير يربطها بالموصوف2، إمَّا ملفوظ به كما تقدم، أو مقدرٌ كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} ؛ أي: لا تجزي فيه.
__________
1 صدر بيت من الكامل، نسبه سيبويه في كتابه لرجل من بني سلول ولم يعينه، وقيل إنه مولد. ونسبه الأصمعي إلى شمر بن عمرو الحنفي، ضمن خمسة أبيات ذكرها، وعجزه:
فمضيت ثمت قلت لا يعنيني
اللغة والإعراب: اللئيم: الدنيء النفس الخبيث الطباع. لا يعنيني: لا يقصدني. "ولقد" الواو للقسم واللام للتوكيد، وقد للتحقيق. "يسبني" فعل مضارع والنون للوقاية والياء مفعول، والجملة صفة اللئيم باعتبار معناه؛ لأنه نكرة في المعنى. "ثمت" ثم حرف عطف، والتاء لتأنيث اللفظ. "لا يعيني" لا نافية، والجملة مقول القول.
المعنى: لقد أمر على اللئيم الذي ديدنه وطبعه الشتم والسبب من غير مبر؛ فأمضي ولا أهتم به، ولا أجيبه بالمثل، وأردعه احتقارا له، وأقول في نفسي: إنه لا يقصدني بسبه وشتمه.
الشاهد: وقوع "يسبني" نعتا للمعرفة؛ وهي "اللئيم" وساغ ذلك لأن "أل" جنسية، فمدخولها معرفة لفظا، نكرة معنى.
ويشترط كذلك في المنعوت: أن يكون مذكورا. ويجوز حذفه بشرط أن يكون مرفوعا، وبعض اسم متقدم مجرور بـ"من" أو "في"، وسيأتي زيادة إيضاح لذلك.
2 ويطابقة في الإفراد والتذكير وفروعهما. وإذا كانت جملة النعت فعلية بعد مبتدأ هو ضمير للمتكلم أو للخاطب، جاز في الضمير الرابط أن يكون للمتكلم أو للمخاطب، وأن يكون للغائب؛ تقول: أنا مخلص أحب، أو يحب، الأهل والأصدقاء. وأنت مخلص تحب، أو يحب، المخلصين الأوفياء، ومراعاة التكلم أو الخطاب أحسن. والوصف بالجملة الفعلية أقوى منه بالاسمية، وقد تغني "أل" عند بعض النحاة عن الضمير الرابط، إذا دخلت على الجملة الاسمية الواقعة نعتا؛ نحو: اشتريت كتاب الورق ناعم مصقول(3/138)
والثاني: أن تكون خبرية؛ أي محتملة للصدق والكذب؛ فلا يجوز: مررت برجل أضربه، ولا بعبد بعتكه، قاصداً لإنشاء البيع1، فإن جاء ما ظاهره ذلك، يؤول على إضمار القول2؛ كقوله:
__________
والطباعة جيدة؛ أي ورقه ناعم وطباعته جيدة، وهو مسموع كثيرا يصح القياس عليه إذا أمن اللبس. ولا تصلح الواو التي تسبق جملة الوصف للربط، بخلاف الجملة الحالية، بل هي تزاد احياناً؛ لتزيد التصاق جملة النعت بالمنعوت، وتؤكد، وتؤكد دلالتها على النعت. ولذلك يسميها البعض: "واو اللصوق" ومن أمثلتها في القرآن الكريمك {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُوم} ، الآية 4 من سورة الحجر.
1- أي لا الإخبار به، وذلك لأن النعت يقصد به توضيح المنعوت أو تخصيصه، فلا بد أن يكون معلوما عند السامع قبل. والإنشاء بنوعيه: الطلبي وغير الطلبي، ليس كذلك؛ لأنه لا خارج لمدلولها إلا عند التلفظ بهما.
2- ويكون القول المضمر صفة، وتكون الجملة الطلبية معمولة لهذا القول. وإلى هذا، وإلى النعت بالجملة، يشير الناظم بقوله:
ونعتوا بجملة منكراً ... فأعطيت ما أعطيته خبرا
وامنع هنا إيقاع ذات الطلب ... وإن أتت فالقول أضمر تصب*
أي أن العرب نطقوا بالجملة نعتا للمنعوت المنكر، وإذا حدث ذلك فإنها تعطي من الحكم ما أعطيته وهي خبر؛ بدليل قوله: وامنع هنا -أي في باب النعت- وقوع الجملة الطلبية "المراد الإنشائية مطلقا"، وإن ورد في الكلام جمل إنشائية وقعت نعتا، فيخرج على إضمار قول محذوف هو النعت،
__________
* "منكرا" مفعول نعتوا. "ما" اسم موصول، مفعول ثان لأعطيت، والأول نائب الفاعل، والتاء للتأنيث "أعطيته"
الجملة صلة ما، ونائب الفاعل يعود إلى "جملة"، وهو المفعول الأول، والهاء مفعول ثان. "خبرا" حال من نائب الفاعل. "هنا" ظرف مكان متعلق بامنع. "إيقاع" مفعول امنع. "ذات" مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله. "الطلب" مجرور بإضافة ذات. "وإن أتت" شرط وفعله، "فالقول" الفاء واقعة في الجواب، و"القول" مفعول مقدم لأضمر. "تصب" فعل مضارع مجزوم في جواب الأمر، وحرك بالكسر للروي.(3/139)
جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط1
أي: جاءوا بلبن مخلوط بالماء مقول عند رؤيته هذا الكلام.
الرابع: المصدر2؛ قالوا: هذا رجل عدل، ورضا، وزور، وفطر، وذلك عند
__________
وتكون الجملة الإنشائية مقولا له.
1 عجز بيت من الرجز، ينسب العجاج، وقيل لراجز غيره، وقد نزل ضيفا بقوم وطال انتظاره للطعام حتى جاء الليل، ثم أتوه بلبن قليل قد خلطوه بماء كثير حتى صار لونه يحاكي لون الذئب في الزرقة، وصدره:
حتى إذا جن الظلام واختلط
اللغة والإعراب:- جن: دخل وستر. اختلط: امتزج ظلامه بالضياء. بمذق: هو مصدر بمعنى الممذوق؛ أي المخلوط؛ من مذقت اللبن، إذا خطلته بالماء. "قط" اسم للزمان الماضي. "حتى" ابتدائية. "ظرف مضمن معنى الشرط. "جن الظلام" فعل الشرط وفاعله، وجملة "جاءوا" جواب الشرط. "هل رأيت" الجملة في محل نصب مقول لقول مقدر، واقعة صفة لمذق؛ أي بمذق مقول فيه ذلك عند رؤيته. "قط" ظرف مبني على ضم مقدر في محل نصب لرأيت، وسكن للروي.
المعنى:- واضح بعد ما ذكرنا.
الشاهد:- في قوله: "بمذق" هل رأيت الذئب؛ فإن الظاهر يشعر بوقوع الجملة الاستفهامية نعتا للنكرة وهو "مذق"، وليس كذلك، بل جملة الاستفهام معمولة لقول محذوف؛ هو الواقع نعتا، كما بينا وأوضح المصنف.
2 بشرط أن يكون منكرا، وصريحا لا مؤولا، وأن يكون مصدر فعل ثلاثي أو بزنته، وألا يبدأ بميم زائدة، وإن يلتزم صيغة واحدة؛ وهي: الإفراد والتذكير غالباً؛ فلا يثني، ولا يجمع، ولا يؤنث، إلا ما سمع من ذلك. وهو مع هذا كله مقصور على السماع؛ قال الناظم:
ونعتوا بمصدر كثيراً ... فالتزموا الإفراد والتذكيرا*
__________
* "نعتوا" فعل وفاعل، والضمير للعرب. "بمصدر" متعلق بنعتوا. "كثيرا" نعت لمصدر محذوف؛ أي نعتا كثيرا، وقيل: حال. "الإفراد" مفعول به لالتزموا. "والتذكيرا" معطوف على الإفراد.(3/140)
الكوفيين على التأويل بالمشتق1؛ أي عادل، ومرضي، وزائر، ومفطر، وعند البصريين على تقدير مضاف؛ أي ذو كذا؛ ولهذا التزم إفراده وتذكيره2، كما يلتزمان لو صرح بذو3.
__________
أي نعت العرب بالمصدر كثيرا في أساليبهم، ولم يخرجوه عن صيغته الملازمة للإفراد والتذكير، ولو كانت المنعوت غير مفرد وغير مذكر.
1 ذلك لأنه لا يصح أن يكون اسم المعنى نعتا للذات. ويؤيد قولهم: ورود أساليب وقع فيها المصدر نعتا مع إضافته لمعرفة؛ كقوله: مررت برجل حسبك من رجل، أو شرعك من رجل، أي كافيك، وهمك من رجل؛ أي مهمك، ونحو من رجل؛ أي مشابهات ومماثلك. وهذه المصادر لم تكتسب التعريف من المضاف إليه؛ لأنه مؤولة بالمشتق. ومن أمثلة المشتق الذي لا يكسب التعريف قوله تعالى: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} ، فقد وصف {عَارِضٌ} النكرة بـ {مُمْطِرُنَا} المضاف إلى الضمير من الآية 24 من سورة الأحقاف.
2 لان المصدر من حيث هو مصدر، لا يثني ولا يجمع، فأجروه على الأصل للتنبيه على أن حقه ألا ينعت به لجموده، وأنهم توسعوا فيه بالتأويل والحذف.
3 أي: وفروعه؛ فيقال: هذا رجل ذو عدل، وامرأة ذات عدل، ورجلان ذوا عدل، ورجال ذوو عدل، ونساء ذوات عدل. قيل: ومن النعت بالمصدر على التأويل باسم المفعول أو تقدير المضاف، قولهم: مررت برجل ما شئت من رجل، وقوله تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَك} . وقيل إنه من النعت بالجملة.(3/141)
فصل: في حكم تعدد النعوت والمنعوت
وإذا تعددت النعوت1، فإن اتحد معنى النعت، استغني بالتثنية والجمع عن تفريقه؛ نحو: جاءني رجلان فاضلان، ورجال فضلاء. وإن اختلف2 وجب التفريق فيها بالعطف بالواو3؛ كقوله:
__________
1 أي: وكان المنعوت دالا على متعدد؛ بأن كان مثنى أو مجموعات من غير تفريق.
2 أي النعت، إما لفظا ومعنى، أو لفظا فقط؛ كالذاهب والمنطلق، أو معنى فقط؛ كالضارب؛ من الضرب بالعصا، والضارب؛ من الضرب في الأرض، أي السير فيها.
3 أي لا غير؛ لأن العطف بغيرها لا يفيد الترتيب في الفعل؛ بل في حصول الوصفين أو الأوصاف للمنعوت، والترتيب في هذا غير مراد.(3/141)
على أربعين مسلوب وبال1
وقولك: مررت برجال: شاعر، وكاتب، وفقيه.
__________
1 عجز بيت من الوافر، أنشده سيبويه ولم ينسبه لقائل، وصدره:
بكيت وما بكا رجل حزين
اللغة والإعراب: ربعين: مثنى ربع، وهو المنزل. مسلوب: ذاهب لم يبق له أي أثر بال: ذهبت عينه وبقيت آثاره ورسومه. "ما" نافية. "بكا" اسمها، أو مبتدأ، إن جعلت "ما" مهملة. "رجل" مضاف إليه. "حزين" صفة لرجل، والخبر محذوف؛ أي مفيد. والجملة معترضة بين العامل -وهو بكيت- والمعمول؛ وهو: "على ربعين" المتعلق ببكيت. "مسلوب" نعت لربعين، و"بال" معطوف عليه.
المعنى: بكيت من ألم الفراق والحزن على منزلين للأحبة؛ أحدهما ذهب ولم يبق له أثر ما، والثاني بلي ولم يبق منه إلا الأطلال والرسوم. ولكن ماذا يفيد البكاء والحزن على الآثار والأطلال؟
الشاهد: عطف "بال" على "مسلوب" وهما نعتان، ولم يثنهما لاختلافهما في المعنى. هذا: وإذا تعددت النعوت، وكان المنعوت واحدا، وجب تفريق النعوت بعطف بالواو، أو بغيرها مما يناسب السياق، أو بغير عطف؛ تقول: رأيت في الطريق رجلا ماكرا محتالا زريا، أو: ومحتالا وزريا، وتمتنع الواو إذا كان المعنى المراد لا يتحقق بنعت واحد؛ نحو: شرب المريض الدواء؛ الحلو المر.
وفي تعدد النعت ومنعوته يقول الناظم:
ونعت غير واحد إذا اختلف ... فعاطفًا فرقه لا إذا ائتلف*
أي أن النعت المتعدد المختلف في لفظه ومعناه، أو في أحدهما يجب أن تفرقه بالعطف، إذا كان المنعوت متعددا، والعطف يكون بالواو لا غير. أما إذا ائتلف النعت؛ أي اتفق لفظه ومعناه، فلا تفرقة.
__________
* "ونعت" مبتدأ، وما بعده مضاف إليه. "إذا اختلف" شرط وفعله. "فعاطفا" الفاء واقعة في جواب الشرط، و"عاطفا" حال من فاعل فرقه، والجملة جواب الشرط، وجملة الشرط وجوابه خبر المبتدأ. "لا" عاطفه للنفي. "إذا ائتلف" شرط وفعله، والجواب محذوف.(3/142)
وإذا تعددت النعوت1؛ واتحد لفظ النعت، فإن اتحد معنى العامل وعمله، جاز الإتباع مطلقا2؛ كجاء زيد، وأتى عمرو، الظريفان، وهذا زيد، وذاك عمرو، الظريفان، وهذا زيد، وذاك عمرو، العاقلان، ورأيت زيداً، وأبصرت خالدًا، الشاعرين3. وخص بعضهم جواز الإتباع بكون المتبوعين فاعلي فعلين، أو خبري مبتدأين4.
وإن اختلفا في المعنى والعمل؛ كجاء زيد، ورأيت عمراً، الفاضلين. أو اختلف المعنى فقط؛ كجاء زيد، ومضى عمرو الكاتبان. أو العمل فقط؛ كهذا مؤلم زيد، وموجع عمراً، الشاعران، وجب القطع5.
__________
1 أي وكان المنعوت متعددا متفرقا.
2 أي: سواء كان المتبوعان مرفوعين بفعلين، أو خبري مبتدأين، أو منصوبين أو مجرورين. وبعضهم يشترط في هذه الحالة: اتفاق المنعوتين تعريفا وتنكيرا؛ لئلا تتبع المعرفة بالنكرة أو بالعكس. كما يشترط ألا يكون أول المنعوتين اسم إشارة؛ فلا يجوز: جاء هذا، وجاء محمد، الشاعران؛ لأن نعت الإشارة لا يفصل منه.
3 لم يمثل المصنف للمجرور، ومثاله: مررت بعلي، وجزت على خالد، الكريمين.
4 ليس هنالك من سبب، إلا أن سيبويه نص على هذين في كتابه، فتوهم البعض الاختصاص بهما، والصحيح تعميم الحكم. وفي هذا يقول الناظم:
ونعت معمولي وحيدي معنى ... وعمل أتبع بغير استثنا*
أي: أتبع -بغير استثناء- نعت معمولي عاملين متحدين في المعنى والعمل.
5 إما بالرفع على إضمار مبتدأ، أو بالنصب على إضمار فعل. ويمتنع الإتباع لأنه يؤدي إلى تسليط عاملين مختلفي المعنى والعمل، على معمول واحد؛ لأن العامل في التابع هو العامل في المتبوع كما تقدم. وإن كان العامل واحدا؛ فإن اتحد عمله ونسبته إلى المعمولين في المعنى؛ بأن تكون على جهة الفاعلية أو المفعولية مثلا، جاز الإتباع والقطع بشرطه؛
__________
* "ونعت" مفعول مقدم لأتبع. "معمولي" مضاف إليه. "وحيدي" مضاف إليه أيضا، وهو صفة لمحذوف؛ أي نعت معمولي عاملين وحيدي. "معنى" مضاف إليه. "وعمل" معطوف على معنى. "بغير" متعلق بأتبع. "استثنا" مضاف إليه، وقصر للضرورة.(3/143)
فصل: في حكم ما إذا تكررت النعوت لواحد
وإذا تكررت النعوت لواحد؛ فإن تعين مسماه بدونها، جاز إتباعها، وقطعها، والجمع بينهما1، بشرط تقديم المتبع، وذلك كقول خرنق2:
لا يبعد قومي الذين هم ... سم العداة وآفة الجزر
النازلون بكل معترك ... والطيبون معاقد الأزر
__________
نحو: حضر محمد وعلي الخطيبان. وإن اختلفا؛ نحو: ضرب محمد عليا الكريمان، أو اختلف النسبة دون العمل، نحو: أعطيت محمدا أباه الفاضلان، وجب القطع.
1 أي: بين القطع والإتباع، فيقطع البعض ويتبع البعض الآخر.
2 هي الخرنق بنت بدر بن مالك، من بني قيس بن ثعلبة؛ وهي أخت طرفة بن العبد لأمه، وهذان البيتان من بحر الكامل، من قصيدة في رثاء زوجها بشر بن عمرو بن مرثد، سيد بني أسد، ومن قتل معه في يوم القلاب: "اسم جبل بديار بني أسد".
اللغة والإعراب: لا يبعدن: دعاء خرج مخرج النهي؛ أي لا يهلكن؛ من البعد بمعنى الذهاب بالموت أو الهلاك. وهو مضارع. "بعد" من باب فرح. ومن عادة العرب إذا أرادوا الدعاء لشخص، يقولون له: لا تبعد، أو لا يبعد. وإذا أرادوا الدعاء عليه قالوا: بعدت، أو بعدا لك، وفي التنزيل: {أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُود} . العداة: جمع عاد؛ بمعنى العدو؛ أي أنهم بمنزلة السم للأعداء؛ يقتلونهم بلا رحمة. "آفة الجزر". الآفة اسم لكل ما يؤذي أو يهلك، والجزر: جمع جزور، وهي الغبلن يريد أنهم كرماء. "معترك": موضع الاعتراك والقتال. "معاقد": جمع معقد، وهو موضع عقد الإزار، والإزار: ما يشده الإنسان على وسطه، وكني بذلك عن طهارتهم وعفتهم عن الفحشاء. "لا" دعائية. "يبعدن" فعل مضارع مبني على الفتح لنون التوكيد الخفيفة. "قومي" فاعل يبعدن. "الذين" صفة لقومي، وما بعده صلة. "النازلون" نعت لقومي، أو خبر لمبتدأ محذوف. "والطيبون" كذلك. "معاقد" منصوب على التشبيه بالمفعول به؛ لأن "الطيبون" صفة مشبهة. "الأزر" مضاف إليه.
المعنى: تدعو لقومهما بالسلامة والنجاة، وتصفهم بالشجاعة، وأنهم للأعداء بمنزلة السم لا يبقون عليهم، وبالكرم؛ فهم يفنون الإبل ذبحا للضيفان، وبالإقدام؛ فهم لا يجبنون عن القتال في كل معركة. وهم مع هذا شرفاء بعيدون عن الخناء والفحشاء(3/144)
ويجوز فيه: رفع النازلين والطيبين على الإتباع لقومي، أو على القطع بإضمار "هم"، ونصبها بإضمار أمدح أو أذكر، ورفع الأول ونصب الثاني على ما ذكرنا1، وعكسه على القطع فيهما2.
وإن لم يعرف إلا بمجموعها، وجب إتباعها كلها؛ لتنزيلها منه منزلة الشيء الواحد؛ وذلك كقولك: مررت بزيد التاجر الفقيه الكاتب، إذا كان هذا الموصوف يشاركه في اسمه ثلاثة: أحدهم تاجر كاتب، والآخر تاجر فقيه، والآخر ففيه كاتب3. وإن تعين ببعضها، جاز فيما عدا ذلك البعض الأوجه الثلاثة4.
__________
الشاهد: في "النازلون"، و"الطيبون" فهما نعتان لا يتوقف عليهما تعيين النعوت؛ ومن ثم يجوز فيهما الإتباع والقطع، وقد بين ذلك المصنف.
1 أي: فيكون الأول -وهو المنازلون- مرفوعا على الإتباع لقومي، أو على القطع بإضمار "هم"، ويكون خبر المبتدأ محذوفًا، ويكون الثاني -وهو الطيبون- منصوبا على القطع بإضمار أمدح، أو أذكر.
2 العكس هو: نصب الأول ورفع الثاني، ولا يجوز الإتباع في الثاني؛ لأنه مسبوق بنعت مقطوع، والإتباع بعد القطع ممنوع؛ لما فيه من الفصل بين النعت والمنعوت بجملة أجنبية؛ ولأنه رجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه.
3 "فزيد" المقصود لا يتعين إلا بالنعوت الثلاثة، فيجب حينئذ إتباعها كلها.
4 أي الإتباع، والقطع إلى الرفع أو النصب، والجمع بينهما، بشرط تقديم النعت التابع على النعت المقطوع. ويجب إتباع المفتقر إليه في التعيين كما سلف.
وإلى حكم النعوت المتعددة التي تتلو منعوتا يفتقر إليها في تعيين مسماه يشير الناظم:
وإن نعوت كثرت وقد تلت ... مفتقراً لذكرهن أتبعت
واقطع أو اتبع إن يكن معينا ... بدونها أو بعضها أقطع معلنا*
__________
* "وإن" شرطية. "نعوت" فاعل لمحذوف يفسرها ما بعده، وهو فعل الشرط. "وقد تلت" الواو للحال، وقد للتحقيق. "مفتقرا" مفعول تلت. "لذكرهن" متعلق بمفتقرًا، وهو مضاف للضمير. "أتبعت" فعل مضارع مبني للمجهول، والجملة جواب الشرط. "أو اتبع" بنقل فتحة الهمزة إلى الواو؛ لأنه من أتبع الرباعي؛ فهمزته للقطع(3/145)
وإن كان المنعوت نكرة تعين في الأول من نعوته الإتباع، وجاز في الباقي القطع1؛ كقوله:
ويأوي إلى نسوة عطل ... وشعثا مراضيع مثل السعالي2
وحقيقة القطع: أن يجعل النعت خبراً لمبتدأ، أو مفعولًا لفعلٍ. فإن كان النعت المقطوع
__________
أي: إذا كثرت النعوت وتعددت، وجاءت بعد منعوت غير معين، محتاج إليها جميعا في تعيين مسماه، وجب إتباعها كلها له في حركته الإعرابية. وإن كان المنعوت معينا ومتضحا بدونها كلها؛ فاقطع النعوت أو أتبعها. وإذا كان معينا ببعضها، فاقطع أو أتبع هذا البعض، وأتبع ما عداه.
1 سواء افتقر إلى جميعها، أو لا؛ لان القصد من النعت هنا التخصيص، وهو لا يتطلب أكثر من نعت واحد.
2 بيت من المتقارب، من قصيدة لأمية بن أبي عائذ الهذلي، يصف صيادا.
اللغة والإعراب: يأوي، المراد: يرجع ويثوب، وأصله من أوى فلان إلى فلان، أي نزل عنده وسكن إليه، وفلان مأوى المساكين، أي أنهم ينزلون عليه ويجدون عنده راحتهم. عطل: جمع عاطل، وهي المرأة التي خلا جيدها من الحلي. شعثا: جمع شعثاء؛ وهي المرأة السيئة الحال، الملبدة الشعر. مراضيع: جمع مرضع، وزيدات الياء للإشباع، أو جمع مرضاع، والياء منقلبة عن الألف في المفرد. السعالي: جمع سعلاة؛ وهي أخبث الغيلان. "يأوي": فعل مضارع فاعله يعود على الصائد. "عطل" صفة لنسوة. "وشعثا" منصوب على الاختصاص بفعل محذوف، تقديره أخص. "مراضيع " صفة لشعثا. "مثل السعالي" مثل نعت ثان لشعثا والسعالي مضاف إليه.
المعنى: أن هذا الصائد يغيب عن منزله ونسائه مدة للصيد؛ سعيا وراء رزقه، ثم يعود إليه فيجد نسوة بائسات، قد خلت أعناقهن من الحلي، وتلبدت واغبرت شعورهن، وهن يرضعن أبناءهن. وتراهن في هذا المنظر القبيح كأخبث الغيلان.
الشاهد: جر "عطل" على الإتباع وجوبا؛ لأنه نعت لنكرة، وجواز الإتباع والقطع في
__________
مفتوحة، معطوف على أتبع. "إن يكن معينا" إن يكن شرط وفعله، ومعينا خبر يكن. "أو بعضها" مفعول مقدم لا قطع مضاف إلى ها. "معلنا" حال من الضمير في القطع، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام.(3/146)
لمجرد مدح أو ذم أو ترحم، وجب حذف المبتدأ والفعل1؛ كقولهم: الحمد لله الحميد، بالرفع فإضمار هو، وقوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَب} ، بالنصب2 بإضمار أذم. وإن كان لغير ذلك3، جاز ذكره؛ تقول: مررت بزيد التاجر بالأوجه الثلاثة4. ولك أن تقول: هو التاجر، وأعني التاجر
__________
"شعثا"، وقد روي مجرور أيضا، كما ذكر سيبويه.
1 ليكون وجوب الحذف دليلا على قصد إنشاء المدح، أو الذم، أو الترحم.
2 أي: بنصب "حمالة" على أنه نعت مقطوع للذم، مفعول لمحذوف تقديره أذم. "وامرأته" مرفوع بالعطف على فاعل "يصلى" المستتر فيه. ومثال الترحم: اللهم الطف بعبدك المسكين. برفع المسكين ونصبه.
3 أي: لغير المدح والذم والترحم؛ بأن كان للتوضيح، أو التخصيص، أو التعميم، أو الإبهام، أو التفصيل ... إلخ.
4 أي: بالجر على الإتباع، والرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف، والنصب على المفعول بفعل محذوف أيضاً. وإذا قطع النت، خرج عن كونه نعتا، وكانت جملته مستأنفة مستقلة لا محل لها. وقد تسبقها الواو أحياناً، وتكون هذه الواو زائدة كما قدمنا. ويرى البعض: أن جملة النعت المقطوع إذا وقعت بعد معرفة محضة. كانت حالا، وإذا وقعت بعد نكرة محضة، كانت نعتا. وتصلح للأمرين إذا وقعت بعد نكرة مختصة. والرأي الأول أقوم وأفضل؛ لأن الجملة الثانية إنشائية للمدح أو للذم أو غيرها، والإنشائية لا تصلح نعتا إلا بتأويل، ولا تقع حالا.
الخلاصة:
أنك إذا أتبعت الأول، جاز لك في التالي: الإتباع، والقطع. وإذا قطعت الأول، وجب القطع في التالي؛ فإن قطعت الجميع، لم يلزم جعل التالي كالأول؛ بل يجوز التوافق والتخالف. وإلى حركة النعت المقطوع وعامله يشير الناظم بقوله:
وارفع أو انصب إن قطعت مضمرا ... مبتدأ أو ناصباً لن يظهرا*
أي ارفع النعت المقطوع أو انصبه، فالرفع على إضمار مبتدأ خبره المقطوع، والنصب على تقدير عامل محذوف، والعامل في الحالتين لن يظهر؛ لأنه محذوف وجوبا، وقد فصل المصنف القول في ذلك.
هذا: ولا يجوز القطع إذا كان النعت للتوكيد؛ نحو أهلك الله عادا بصيحة واحدة؛ لأن القطع ينافي التوكيد. أو كان النعت من الألفاظ التي كثر استعمالها نعتا بعد كلمات معينة؛ نحو: جاءوا الجماء الغفير. أو كان نعتا لاسم الإشارة؛ مثل: إننا نقدر هذا النابغة.
__________
* "وارفع أو انصب" معطوفان على ما قبل. "إن قطعت" شرط وفعله. وجواب الشرط محذوف. "مضمرا" حال من التاء في قطعت، وفيه ضمير هو فاعله. "مبتدأ" أو "ناصبا" معطوف على "مبتدأ". "لن يظهرا" ألف الاثنين فاعل، وهي عائد على "مبتدأ" و"ناصبا"، والجملة صفة لهما.(3/147)
فصل: يجوز حذف المنعوت بشروطه
...
فصل: يجز حذف المنعوت بشروطه
ويجوز بكثرة حذف المنعوت إن علم1، وكان النعت: إما صالحاً لمباشرة العامل2؛ نحو: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَات} ؛ أي دروعاً سابغاتٍ. أو بعض أسم مقدم مخفوض بمن أو في3.
فالأول كقولهم: منا ظعن ومنا أقام؛ أي منا فريق ظعن ومنا فريق أقام4، والثاني
__________
1 وذلك: بأن كانت هنالك قرينة تدل عليه بعد حذفه؛ كأن يكون النعت مختصا بالمنعوت مشتهرا به؛ نحو: مررت برجل راكب صاهلا؛ أي فرسا صاهلا. أو يكون قد صاحب ما يعنيه؛ نحو: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} *؛ فإن تقدم ذكر الحديد أشعر بالمحذوف. من الآية 10، 11 من سورة سبأ. أو يتقدم ما يدل على المنعوت المحذوف؛ نحو: ألا ماء ولو باردا؟
2 أي: بأن يحل محل المنعوت المحذوف فيعرب بإعرابه؛ فيكون مفردا إن كان المنعوت فاعلا أو مفعولا أو مجرورا أو مبتدأ، ويكون جملة مشتملة على رابط، إن كان المنعوت خبرا مثلا؛ نحو: أنت يضرب محمدا؛ أي: أنت رجل يضرب محمدا؛ فلا يصح حذف المنعوت إن كان فاعلا أو مفعولا أو مجرورا أو مبتدأ، وكان النعت جملة أو شبهها، لأن الجملة لا تقع شيئا مما ذكر.
3 أي: يحذف المنعوت جوازا أيضا، إذا كان النعت جملة أو شبهها، وكان المنعوت مرفوعا؛ كما قال الفارسي. أو كان المنعوت بعضا من اسم متقدم عليه مجرور بـ"من" أو "في".
4 "فظعن وأقام" جملتان في موضع رفع نعتان لمنعوتين محذوفين، والمنعوتان مرفوعان على الابتداء، وهما بعض اسم مقدم؛ وهو الضمير المجرور بمن، وهذا تقدير البصريين. ويقدر الكوفيون المحذوف اسما موصولا؛ أي منا الذي ظعن والذي أقام. وتقدير البصريين أحسن وأقيس؛ لأن اتصال الموصول بالصلة أشد من اتصال الموصوف بصفته.(3/148)
كقوله:
لو قلت ما في قومها لم تيثم ... يفضلها في حسب وميسم1
أصله: لو قلت "ما في قومها أحد يفضلها"، لم تأثم فحذف الموصوف؛ وهو "أحد"، وكسر حرف المضارعة من "تأثم"، وأبدل الهمزة ياء، وقدم جواب "لو" فاصلاً بين الخبر المقدم؛ وهو الجار والمجرور، والمبتدأ المؤخر، وهو "أحد" المحذوف، ويجوز حذف النعت إن علم؛ كقوله تعالى: {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} ؛ أي كل سفينة صالحة3، وقول الشاعر:
فلم أعط شيئا ولم أمنع4
__________
1 بيت من الرجز، نسبه ابن يعيش إلى الأسود الحماني، يصف امرأة. ونسبه سيبويه إلى حكيم بن معية الربعي، راجز إسلامي، كان معاصرا للعجاج.
اللغة والإعراب: لم تيثم: لم تأثم، أي لم تقع في الإثم، وكسرت التاء على لغة، وقلبت الهمزة ياء لسكونها إثر كسرة. يفضلها: يزيد عليها. حسب: كل ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه. ميسم: وسامة وحسن. "لو" شرطية غير جازمة. "قلت" فعل الشرط. "ما" نافية. "في قومها": جار ومجرور خبر مقدم لمبتدأ محذوف؛ أي أحد. "لم تيثم" جواب الشرط. "يفضلها" الجملة صفة لأحد المحذوفة. "في حسب" متعلق بيفضلها.
المعنى: لو قلت: إنه ليس في قوم هذه المرأة أحد يفضلها ويزيد عليها في عراقة النسب والجمال، لم تكن كاذبات في قولك.
الشاهد: حذف المنعوت وهو "أحد"؛ وهو بعض اسم مقدم مجرور بفي؛ وهو "قومها"، وقد قدره المصنف.
2 وقدر المبتدأ مؤخرا؛ لأنه يجب تقديم خبر النكرة عنها بظرف أو جار ومجرور مختصين.
3 بقرينة قوله تعالى: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} . وهنالك قرينة أخرى؛ وهي: أن الملك الغاصب لا يغتصب ما لا نفع فيه. الآية 29 من سورة الكهف.
4 عجز بيت من المتقارب؛ للعباس بن مرداس السلمي، أحد المؤلفة قلوبهم من أبيات قالها يخاطب النبي -عليه السلام- حين وزع غنائم حنين، فأعطى قوما من المؤلفة قلوبهم، من(3/149)
أي شيئا طائلاً، وقوله:
مهفهفة لها فرع وجيد1
__________
أشراف العرب، كل واحد مائة من الإبل؛ منهم أبو سفيان، ومعاوية ابنه، والأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن الفزاري، وأعطى العباس أقل من ذلك، وصدر هذا البيت:
وقد كنت في الحرب ذا تدرأ
اللغة والإعراب: ذا تدرأ: صاحب عدة وقوة في القتال ومحاربة الأعداء. والدرء: الدفع، والمدارأة: المدافعة. "ذا" خبر كنت منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة. "تدرأ" مضاف إليه. "أعط" فعل مضارع مبني للمجهول، مجزوم بلم بحذف الآخر، ونائب الفاعل "أنا"، وهو المفعول الأول. "شيئا" مفعول ثان. "أمنع" فعل مضارع مجزوم بلم، وحرك بالكسر للروي.
المعنى: كنت في الحرب مجاهدا شجاعا، صاحب عدة وقوة لقهر الأعداء وهزيمتهم، فلما وزعت الغنائم لم أعط شيئا مناسبا لعملي كما أعطي غيري مما لم يبذل مثل ما بلتن ولم أمنع نهائيا. وقد بذلت أنا وفرسي جهدا عظيما.
الشاهد: ذكر المنعوت؛ وهو شيئا، وحذف النعت للعلم؛ لأنه أعطي بالفعل عطاء؛ غير أنه كان أقل مما كان يرجو؛ بدليل قوله: ولم أمنع. وقبل بيت الشاهد:
أتجعل نهبي ونهب العبيـ ... ـد بين عيينة والأقرع
وبعده:
وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع
وما كنت دون امرئ منهم ... ومن تضع اليوم لا يرفع
والنهب بمعنى المنهوب، وأراد به الغنيمة، والجمع نهاب، وهو أيضاً: ضرب من الركض، وكل ما انتهب. والعبيد: اسم فرس لعباس بن مرداس. يفوقان: يفضلان. "في مجمع" أي عند اجتماع الناس للتفاخر والتنافر.
قيل: إن النبي -عليه السلام- حين سمع ذلك قال: اقطعوا لسانه عني، فزادوا عطاءه حتى رضي.
1 عجز بيت من الوافر للمرقش الأكبر، عمرو بن سعد بن مالك، أحد بني بكر بن وائل، وقيل اسمه عوف بن سعد بن مالك وصدره:(3/150)
أي: فرع فاحم، وجيد طويل.
__________
ورب أسيلة الخدين بكر
اللغة والإعراب: أسيلة الخدين: ناعمتهما مع طول واسترسال. مهفهفة: ضامرة البطن خفيفة اللحم. فرع: شعر ناعم. جيد: عنق. "رب": حرف تقليل وجر شبيه بالزائد. "أسيلة" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة منع منها حركة حرف الجر الشبيهة بالزائد. "الخدين" مضاف إليه، والخبر في الأبيات بعد. "بكر مفهفهة" صفتان. "لها" خبر مقدم. "فرع" مبتدأ مؤخر. "وجيد" معطوف على فرع.
المعنى: يمدح هذه الفتاة بأن لها خدا ناعما طويلا. وجسما فيه ضمور بطن ودقة خصر، وشعر مسترسل فاحم، وعنق طويل.
الشاهد: حذف الوصفين من "فرع" و"جيد"، ويدل على ذلك مقام المدح؛ لأنه غير مستساغ أن يمدحها بأن لها شعرا وعنقا مطلقين؛ فكل إنسان له ذلك؛ وإنما يريد وصف الشعر بما اعتاد العرب؛ وهو الطول والسواد، وكذلك العنق بالطول. وإلى حذف النعت والمنعوت يشير الناظم بقوله:
وما من المنعوت والنعت عقل ... يجوز حذفه وفي النعت يقل*
أي أن ما عقل -أي علم- من النعت والمنعوت، يجوز حذفه. وحذف النعت أقل في الكلام من حذف المنعوت.
هذا: وقد يحذف النعت والمنعوت معان، إذا دلت القرينة عليهما، وهذا قليل، ومنه قوله تعالى في الأشقى الذي يدخل النار: {ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} ؛ أي لا يحيا حياة نافعة؛ لأنه ليست هنالك واسطة بين الحياة والموت. من الآية 74 من سورة طه.
تتمة:
أ- النعت الذي شرحناه يسمى "النعت التأسيسي"، وهو الذي يدل على معنى جديد لا يفهم من الجملة بدون ذكره، وهناك نوع يسمى: "النعت الموطئ" أو "الممهد"؛ وهو: أن يكون النعت جامدا، وغير مقصود لذاته، والمقصود ما عبده، وقد ذكر ليكون توطئة
__________
*"وما" اسم موصول مبتدأ. "من المنعوت" متعلق بعقل. "والنعت" معطوف على المنعوت. "عقل" فعل ماض للمجهول، والجملة صلة ما. "يجوز حذفه" الجملة خبر المبتدأ. "وفي النعت" متعلق بيقل، والواو للعطف وفاعل يقل يعود على الحذف.(3/151)
....................................................................................................................
__________
وتمهيد للمشتق التالي له المقصود حقيقة؛ نحو: قابلت أخًا أخًا مخلصًا حقا؛ فأخا الثانية نعت موطئ غير مقصود؛ والمقصود ما بعده، وهو مخلصا.
ب - يجوز أن ينعت النعت؛ فتقول: هذا ورق أبيض ناصع البياض، وهذا وجه مشرق أي إشراق. وقد يقع قبل النعت المفرد "لا" النافية، أو "إما"؛ فيجب تكرار هذين الحرفين مع اقترانهما بالواو العاطفة لما بعدهما على ما قبلهما؛ تقول: صاحبت صديقا، لا بخيلا ولا مسرفا، واختر زميلا، إما شاعرا وإما خطيبا.
جـ- إذا تعددت النعوت واتحدت أنواعها؛ بأن كانت مفردة، فأنت بالخيار في تقديم بعضها على بعض، على حسب ما ترى من أهمية. وكذلك إذا كانت كلها جملا، أما إذا اختلفت أنواعها؛ فالغالب تقديم المفرد على شبه الجملة، وهذه على الجملة؛ تقول: هذا طائر أليف على غصن يغرد بصوت حسن، ومنه قوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} ، 28 من سورة غافر. ومن غير الغالب قوله -سبحانه-: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} ، 92، 55 من سورة الأنعام، وهو فصيح يجوز القياس عليه.
د- إذا تكررت النعوت لمنعوت واحد، وكانت مفردة متحدة المعنى، لم يجز عطف أحدهما على الآخر؛ نحو: هذا محمد الشجاع الجريء الفاتك، لأن العطف يقتضي المغايرة. وإن كانت مختلفة المعنى، جاز العطف في المفردات بجميع حروف العطف، ما عدا "أم"، و"حتى" وفي الجمل خلاف؛ نحو: هذا طالب يعرف العربية، ويتقن الإنجليزية، ويتعثر في الفرنسية.
هـ- من الأسماء ما ينعت وينعت به لاستيفائه شروط ذلك؛ كاسم الإشارة؛ تقول: مررت بمحمد هذا وبهذا الشاعر، ولا يكون نعتا إلا لمعرفة؛ لانه معرفة. وذا وقع منعوتا وجب أن يكون النعت مقرونا بأل. وإذا كان جامدا فالأحسن اعتباره عطف بيان، ويجب أن يطابق منعوته في الإفراد والتذكير وفروعهما. والموصول كالإشارة، ومنها ما لا ينعت ولا ينعت به؛ وذلك كالمضمر، والمصدر الدال على الطلب، وكثير من الأسماء المتولة في الإبهام؛ كأسماء الشرط والاستفهام، و"كم" و"ما" التعجبية، وبعض الظروف المبهمة؛ كقبل وبعد. ويستثنى من ذلك: "غير"، و"سوى"،و"من" و"ما" النكرتان التامتان؛ فإنها تقع نعتا.(3/152)
.........................................................................................................................
__________
ومنها ما ينعت ولا ينعت به؛ كالأعلام. ومنها ما يقع نعتا، ولا يقع منعوتا؛ ذلك: "أي"، بشرط أن يكون المنعوت بها نكرة، و"كل"؛ نحو: أنت الأمين كل الأمين، أي المتناهي في الأمانة، و"جد"؛ تقول: سمعت خطابا بليغا جد بليغ. وإذا صلح النعت لمباشرة العامل جاز تقديمه، ويكون المنعوت بدلا منه؛ نحو قوله تعالى: {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ} من الآية 1، 2 من سورة إبراهيم.
فائدة:
ذكر الصبان: أن النعت بعد المركب الإضافي، يكون للمضاف؛ لأنه هو المقصود بالحكم؛ وإنما جيء بالمضاف إليه لغرض التخصيص، فلا يكون له إلا بدليل، ما لم يكن المضاف لفظ "كل"؛ فالنعت للمضاف إليه، لا له؛ لأن المضاف إنما جيء به لقصد التعميم.
ولذلك ضعف قوله:
وكل أخ مفارقة أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان
وذكر في المغنى: أن نحو قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} يجوز فيه: كون "الأعلى" صفة للاسم أو صفة للرب، وعلى الأول تكون منصوبة بفتحة مقدرة على الألف للتعذر، أما على الثاني فمجرورة بكسر مقدرة على الألف.(3/153)
...........................................................................................
__________
الأسئلة والتمرينات:
1 عرف النعت، وبين الأغراض التي يأتي لها، ووضح الفرق بين السببي والحقيقي منه، ومثل لما تقول.
2 يتبع النعت متبوعه؛ ففيم يتبع كل من الحقيقي والسببي؟ وضح بأمثلة.
3 وضح بالأمثلة ما يشترط في النعت بالمصدر، والجملة التي تقع نعتا.
4 ما حكم النعوت إذا تعددت لواحد، ولأكثر من واحد؛ من حيث الإتباع والقطع؟
5 متى يحذف كل من النعت والمنعوت؟ وما شرط ذلك؟ مثل.
6 فيما يأتي شواهد لبعض موضوعات النعت. بين موضع الشاهد، وأعربه:
قال تعالى: {وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْر} .
{قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَق} .
{وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} .
{فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} .
{وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة} .
{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِه} .
-
إن أخاك الحق من يسعى معك ... ومن يضر نفسه لينفعك
-
والخل كالماء يبدي لي ضمائره ... من الصفاء ويخفيها مع الكدر
-
كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
-
وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود
-
قال لي كيف أنت قليل عليل ... سهر دائم وحزن طويل
7 أعرب ما تحته خط من قول أبي العلاء المعري الآتي، واشرحه شرحا أدبيا:
وقد سار ذكرى في البلاد فمن لهم ... بإخفاء شمس ضوؤها متكامل
8 أكمل الجمل الآتية بالنعت المناسب، وبين حكمه من حيث الإتباع والقطع:
سافر علي وذهب إبراهيم.....
حفظت الخطبة والقصيدة.........(3/154)
........................................................................................................
__________
أكرم محمود عليا ...
حضر الطبيب وحضر المريض....
أعطيت الولد أباه ...
مررت بالطلبة وقابلت الضيوف.....
أقبل محمد وانصرف علي.....
9 بين النعت المفرد، والجملة، والسببي، والحقيقي، ومنعوتهما فيما يأتي:
يعتبر يوم الثامن عشر من ذي الحجة المباركة، سنة 376، الموافق السادس والعشرين من شهر يوليو سنة 1956، يوما خالدا لا ينسى ذكره على مر العصور والأجيال؛ ففيه قررت مصر تأميم قناة السويس، واسترداد هذا المرفق المائي العظيم الأثر في اقتصادنا القومي، من يد المستعمرين الذين استغلوه عشرات السنين، وأهملوا صيانته الضرورية، وبذلك قضت على مفتاح الاحتلال، البغيض ذكر اسمه، وبدأت تعمل بنشاط دائم على تحسين هذا الممر العظيم نفعه؛ لخدمة الملاحة البحرية العالمية.
وقد ارتفع دخل القناة إلى ما يقرب من (90) تسعين ألف ألف جنيه سنويا.
رجال الغد المأمول أنا بحاجة ... إلى قادة تبني وشعب يعمر(3/155)
باب: التوكيد 1
وهو ضربان: لفظي وسيأتي، ومعنوي2، وله سبعة ألفاظ: الأول والثاني: النفس، والعين3. ويؤكد بهما لرفع المجاز عن الذات؛ تقول: جاء الخليفة؛ فيحتمل أن الجائي خبره، أو ثقله4، فإذا أكدت بالنفس أو بالعين أو بهما5، ارتفع ذلك الاحتمال، ويجب اتصالهما بضمير مطابق للمؤكد6، وأن يكون لفظهما طبقه في الإفراد والجمع7. وأما في التثنية، فالأصح جمعهما على "أفعل"8.
__________
باب: التوكيد
1 هو في الأصل؛ مصدر وكد، ثم استعمل في التابع المذكور، ويقال فيه: التأكيد، بقلب الواو همزة، والأول أشهر في استعمال النحاة.
2 هو: التابع الذي يزيل عن متبوعه الشك واحتمال إرادة غير معناه الحقيقي الظاهر، وعدم إرادة العموم والشمول.
3 المراد بهما: ذات الشيء وحقيقته التي يتكون منها، ولو لم يكن في تركيبه نفس ولا عين. ويختصان عن بقية ألفاظ التوكيد المعنوي بجواز جرهما بالباء الزائدة، تقول: رأيت النانظر نفسه، أو بنفسه، وعينه، أو بعينه. والمجرور في محل رفع، أو نصب، أو جر، على حسب المتبوع. وإذا أكد معهما بكلمة "كل"، يحسن تأخير "كل" عنهما، كما سيأتي.
4 الثقل -بكسر الثاء وسكون القاف- واحد الأثقال، كحمل وأحمال، وبفتحهما: متاع المسافر، وحشمه، وكل شيء نفيس مصون.
5 أي معا بدون عطف، ويشترط تقديم النفس على العين.
6 أي في الإفراد والتذكير وفروعهما؛ وذلك للربط بين التابع والمتبوع، ولا يجوز حذفه ولا تقديره.
7 ينبغي أن يجمع النفس والعين جمع تكسير للقلة على "أفعل" لا غيره؛ حين يكون المؤكد جمعا، مع إضافتهما لضمير الجمع. ولا يجوز أن يؤكد بهما مجموعين على نفوس وعيون، على المختار.
8 فيقال: جاء المحمدان أنفسهما أو أعينهما. ويجوز إفرادهما وتثنيتهما؛ فيقال: نفسهما، وعينهما، أو: نفساهما، وعيناهما. ولا بد من إضافتهما إلى ضمير المثنى ليطابق المؤكد. وفيما تقدم يقول الناظم:(3/156)
ويترجح إفرادهما على تثنيتها عند الناظم، وغيره بعكس ذلك.
والألفاظ الباقية: كلا، وكلتا، للمثنى1، وكل، وجميع، وعامة، لغيره2، ويجب اتصالهن بضمير المؤكد3؛ فليس منه {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} 4،
__________
بالنفس أو بالعين الاسم أكدا ... مع ضمير طابق المؤكدا
وأجمعهما "بأفعل" إن تبعا ... ما ليس واحداً تكن متبعا*
أي أكد الاسم بالنفس أو بالعين، بشرط أن يضاف كل منهما إلى ضمير يطابق المؤكد، في الإفراد والتذكير وفروعهما للربط به. وإذا كانا تابعين لغير الواحد؛ وهو المثنى والجمع؛ فجيء بهما مجموعين على وزن "أفعل"؛ لتكون متبعا للنهج العربي الصحيح. وأجاز بعض النحاة جمع "نفس"، و"عين" على نفوس وعيون؛ كما أجاز آخرون جمع "عين" جمع قلة على أعيان. والراجح ما ذكره المصنف.
1 أي: ولو على سبيل التفريق؛ نحو: فاز محمد وعلي كلاهما، بشرط اتحاد العامل. ويقصد بهما: إزالة الاحتمال والمجاز عن التثنية، وإثبات أنها هي المقصودة.
2 أي لغير المثنى؛ وهو الجمع مطلقا، والمفرد بشرط أن يتجزأ بنفسه أو بعامله؛ نحو: حضر الطلبة كلهم، جميعهم، عامتهم، واشتريت المنزل كل، جميعه، عامته، والمقصود من التأكيد بها: إفادة التعميم الحقيقي، وإزالة الاحتمال عن الشمول الكامل.
3 أي لفظا؛ ليحصل الربط بين التابع والمتبوع كما أسلفنا، كما يجب أن يطابق هذا الضمير المؤكد في الإفراد والتذكير وفروعهما. وهذا كله إذا جرت على المؤكد هذا الضمير المؤكد في الإفراد والتذكير وفروعهما. وهذا كله إذا جرت على المؤكد؛ فلا يرد نحو قوله تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون} ، من الآية 40 من سورة يس.
4 لعدم اتصال جميعا بالضمير. من الآية 29 من سورة البقرة.
__________
* "بالنفس" متعلق بأكدا. "الاسم" بالرفع مبتدأ، و"أكدا" نائب الفاعل يعود إلى الاسم. والألف للإطلاق، والجملة خبر المبتدأ، وبالنصب مفعول مقدم لأكدا على أنه فعل أمر. "مع ضمير" مع ظرف حال من النفس، وما عطف عليه، و"ضمير" مضاف إليه. "طابق" المؤكد صفة لضمير. "بأفعل" متعلق بأجمعهما. "إن تبعا" شرط وفعله، والألف فاعل، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله. "ما" اسم موصول مفعول تبع. "واحدا" خبر ليس، واسمها يعود على "ما"، وجملة "تكن" مجزومة في جواب الأمر؛ وهو أجمع، واسمها مستتر. "متبعا" خبرها.(3/157)
خلافا لمن وهم1، ولا قراءة بعضهم: {إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} 2، خلافا للفراء والزمخشري؛ بل {جَمِيعًا} حال3، و {كُلٌّ} بدل4، ويجوز كونه حالاً من ضمير الظرف5. ويؤكد بهن لرفع احتمال تقدير "بعض" مضاف إلى متبوعهن؛ فمن ثم جاز: جاءني الزيدان كلاهما، والمرأتان كلتاهما، لجواز أن يكون الأصل: جاء أحد الزيدين، أو إحدى المرأتين6؛ كما قال تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَان} ، بتقدير: يخرج من أحدهما7. وامتنع -على الأصح: اختصم الزيدان كلاهما؛ والهندان كلتاهما؛ لامتناع التقدير المذكور8.
__________
1 فأعرب "جميعا" توكيد لما الموصولة الواقعة مفعولا لـ"خلق"، ولو كان كذلك لقيل "جميعه"، على أن التوكيد بجميع غريب كما سيأتي، فلا يحمل عليه التنزيل.
2- من الآية 48 من سورة غافر.
3 أي من "ما" الموصولة، ومعناها مجتمعا، خلق بمعنى: قدر خلق ذلك في علمه؛ فلا يرد أن الحالية تقتضي وقوع الخلق على ما في الأرض في حالة الاجتماع، وليس كذلك.
4 أي بدل "كل" من اسم "إن"، وهو لا يحتاج إلى الضمير.
5 أي من ضمير الاستقرار المقدر المرفوع في "فيها". قال في المغني: وفيه ضعفان: تقدم الحال على عامله الظرفي، وتنكير "كل" بقطعها عن الإضافة لفظا ومعنى، والحال واجبة التنكير. قيل: وقد يستغنى عن الإضافة إلى الضمير بالإضافة إلى مثل الطاهر المؤكد بكل، وجعل منه قول كثير.
كم قد ذكرتك لو أجزى بذر كمو ... يا أشبه الناس كل الناس بالقمر
6 أي: وقد أطلق المثنى وأريد به واحد.
7 أي: وهو البحر الملح؛ لأن العذاب ليس فيه ذلك. واللؤلؤ: كبار الدر. والمرجان: صغاره. الآية 22 من سورة الرحمن.
8 لأن التخاصم لا يتحقق معناها إلا بوقوعه من اثنين حتما؛ فلا فائدة من التوكيد هنا. ومثله: كل ما يدل على المفاعلة والمشاركة؛ كتقاتل، وتحارب. وهذا رأي الأخفش ومن تبعه. وأجاز الجمهور مثل ذلك، على ما فيه من ضعف بلاغي؛ لأن التوكيد قد يكون للتقوية لا لرفع الاحتمال.(3/158)
وجاز: جاء القوم كلهم، واشتريت العبد كله. وامتنع: جاء زيد كله1. والتوكيد بـ"جميع" غريب، ومنه قول امرأة:
فداك حي خولان ... جميعهم وهمدان2
وكذلك التوكيد بـ"عامة"، والتاء فيهما بمنزلتهما في النافلة3، فتصلح مع المؤنث والمذكر؛ فتقول: اشتريت العبد عامته؛ كما قال الله تعالى: {وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} .
فصل: ويجوز -إذا أريد تقوية التوكيد- أن يتبع "كله" بأجمع، و"كلها" بجمعاء،
__________
1 لعدم الفائدة من التوكيد؛ لأنه يستحيل نسبة المجيء إلى جزئه.
2 بيت من مجزوء الرجز، قالته امرأة أعرابية ترقص به ولدها، وبعده:
وكل آل قحطان ... والأكرمون عدنان
اللغة والإعراب: فداك، الفدا -بالقصر والمد- ما يعطى من مال ونحوه عوضا عن المفدي، والمراد هنا: الدعاء والثناء. خولان وهمدان: قبيلتان من قبائل اليمن. قحطان: أبو العرب اليمانية. عدنان: أبو عرب الحجاز. "فداك" -بفتح الفاء- فعل ماض والكاف مفعول، و"حي" فاعل، وبالكسر مبتدأ ومضاف إليه، و"حي" خبر. "خولان" مضاف إليه ممنعو من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون، وسكن للوقف. "جميعهم" جميع توكيد لحي خولان، وهم مضاف إليه. "وهمدان" معطوف على "حي" كذلك. "وكل" معطوف على حي، وكذلك "الأكرمون"، و"عدنان" عطف بيان على "الأكرمون".
المعنى: واضح.
الشاهد: في "جميعهم"؛ حيث جاء توكيد للفاعل أو الخبر، وهو بمنزلة "كل" في المعنى والاستعمال. والمقصود به رفع احتمال التجوز بإرادة البعض، وإطلاق اسم الكل عليه.
وقد يجيء "جميع" بمعنى مجتمع، ضد متفرق، فلا يفيد توكيدا؛ كقول الشاعر:
نهيتك عن هذا وأنت جميع
3 أي في أنها زائدة لازمة، لا تفارقها في إفراد، ولا في تذكير، ولا في فروعهما.
وهي للمبالغة لا للتأنيث، وفيما تقدم من ألفاظ التوكيد الخمسة يقول الناظم:
و"كلا" أذكر في الشمول و"كلا" ... "كلتا" "جميعا" بالضمير موصلا(3/159)
و"كلهم" بأجمعين، و"كلهن" بجمع1؛ قال الله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} ، وقد يؤكد بهن، وإن لم يتقدم "كل"2؛ نحو: {لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين} .
__________
واستعملوا أيضا ككل فاعله ... من "عم" في التوكيد مثل النافله*
أي: اذكر -عند إرادة الشمول- لفظ "كل" للدلالة على التوكيد، وكذلك "كلا"، و"كلتا" وهما لإفادة الشمول في المثنى، و"جميع" ولا بد من وصلها بالضمير المطابق للمؤكد. وقد استعمل العرب للتوكيد في الدلالة على الشمول ككل لفظا على وزن "فاعلة" من الفعل "عم" وهو "عامة"، وهذا اللفظ مثل كلمة "نافلة" وزنا، وفي لزوم التاء في جميع الأحوال؛ تذكيرا وتأنيثا، وإفراد، وغيرهما.
هذاك وقد قيل إن معنى "مثل النافلة": أن ذكر هذا اللفظ -وهو "عامة"- في التوكيد، زائد على ما ذكره النحاة؛ فهو كالنافلة بالنسبة للفرائض، وكونه للتوكيد هو مذهب سيبويه، وذهب المبرد: إلى أن معنى "عامتهم" في مثل جاء القوم عامتهم، أكثرهم لا جميعهم، وعلى هذا يكون بدل بعض من كل، لا للتعميم كما يرى سيبويه.
1 تعتبر هذه ملحقة بألفاظ التوكيد المتقدمة، ولهذا ينبغي في الفصيح أن تسبقها لفظة "كل"، وأن تكون مطابقة لها.
وقد يتبع "أجمع" وفروعه بـ"أكتع"، فـ"أبصع"، فـ"أبتع" وفروعها؛ لزيادة التقوية لأنها بمعناها، واستعمال هذه قليل؛ ولهذا تركها المصنف والناظم. وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
وبعد "كل" أكدوا بـ "أجمعا" ... "جمعاء أجمعين ثم جمعا**
أي استعمل العرب بعد لفظة "كل" التي للتوكيد، هذه الألفاظ الأربعة؛ لتقوية التوكيد بها.
2 وفي هذه الحالة يجوز إعراب "أجمعين" وأخواتها حالا، ولكن المعنى يختلف عن إعرابها
__________
* "وكلا" مفعول مقدم لاذكر. "في الشمول" متعلق باذكر. "وكلا كلتا جميعا" معطوفات على. "كلا" بحذف العاطف من الأخيرين. "بالضمير" متعلق بموصلا الواقع حالا من "كلا"، وما عطف عليه، وقد أفرد على معنى: ما ذكر. "أيضاً" مفعول مطلق لمحذوف. "ككل" متعلق بمحذوف حال من "فاعله" الواقع مفعولا لاستعملوا. "من عم" متعلق بمحذوف حال من "فاعله" كذلك. "في التوكيد" متعلق باستعملوا. "مثل حال ثالث من فاعله. "النافلة" مضاف إليه.
** "وبعد كل" بعد ظرف متعلق بأكدوا، وكل مضاف إليه. "بأجمعا" جار ومجرور متعلق به أيضا، وما بعده معطوف عليه بإسقاط العاطف، فيما عدا الأخير.(3/160)
{لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِين} .
ولا يجوز تثنية "أجمع"، ولا جمعاء، استغناء بكلا وكلتا1؛ كما استغنوا بتثنية "سي" عن تثنية سواء2، وأجاز الكوفيون والأخفش ذلك؛ فتقول: جاءني الزيدان أجمعان، والهندان جمعاوان.
__________
توكيدا؛ فإن معناها على الحال يكون مجتمعين؛ أي في حال اجتماعهم وعدم تفرقهم وعلى التوكيد، يكون معناها الشمول والإحاطة.
وينبغي ملاحظة ذلك عند الإعراب؛ قال الناظم:
ودون كل قد يجيء أجمع ... جمعاء أجمعون ثم جمع*
1 قيل: إنما يصح الاستغناء بذلك، إذا قصد شمول الأفراد، أما إذا قصد شمول أجزاء الأفراد؛ كما في اشتريت المنزلين أو الحديقتين، فإن "كلا" و"كلتا" لا تفيده.
2 فقالوا: سيان، ولم يقولوا: سواءان إلا نادرا. وهذا رأي جمهور البصريين، وفي ذلك يقول الناظم:
واغن بكلتا في مثنى و"كلا ... عن وزن "فعلاء" ووزن "افعلا"**
أي استغن بكلتا وكلا في المثنى عن تثنية "أجمع" و"جمعاء"؛ فلا تقول: أجمعان، ولا جمعاوان، رفعا، ولا أجمعين ولا جمعاوين، نصبا وجرا.
هذا: وجمع ألفاظ التوكيد المعنوي معارف، بإضافتها إلى الضمير الرابط، و"أجمع" وفروعه معارف بالعلمية؛ لأن كل لفظ منها علم جنس على الإحاطة؛ ولهذا لا يجوز نصبها على الحال، وتمنع من الصرف، كما سيأتي في موضعه.
وإذا تعددت ألفاظ التوكيد فهي للمتبوع، وليس الثاني توكيدا لما قبله، ولا يجوز فيها القطع، ولا عطف بعضها على بعض، ولا يجوز حذف المؤكد "المتبوع" على الحصحي؛ لأن الحذف ينافي الغرض من التوكيد. وأجاز بعض النحاة الحذف إذا كان المؤكد ضميرا
__________
* "ودون" ظرف متعلق بيجيء أو في موضع حال من أجمع وما عطف عليه، وهو مضاف إلى "كل" "قد" حرف تقليل. "أجمع" فالع يجيء، وما بعده معطوف عليه بعاطف مقدر، فيما عدا الأخير.
** "واغن" فعل أمر؛ أي استغن. "بكلتا في مثنى" متعلقان باغن. "وكلا" معطوف على كلتا. "عن وزن" جار ومجرور متعلق باغن. "فعلاء" مضاف إليه. "ووزن" معطوفة على "وزن" قبله. "افعلا مضاف إليه.(3/161)
وإذا لم يفد توكيد النكرة، لم يجز باتفاق1، وإن أفاد جاز عند الكوفيين، وهو الصحيح2.
وتحصل الفقائدة بأن يكون المؤكد محدوداً3، والتوكيد من ألفاظ الإحاطة؛ كاعتكف أسبوعا كله، وقوله:
يا ليت عدة حول كله رجب4
__________
رابطا في جملة الصلة أو الصفة أو الخبر؛ تقول: جاء الذي أكرمت نفسه، أي أكرمته، وجاء طلبة أكرمت كلهم، أي أكرمتهم كلهم، والطلبة أكرمت كلهم، أي أكرمتهم كلهم. ولا يتحد توكيد متعاطفين ما لم يتحد عاملهما معنى؛ فلا يجوز: مات محمد وعاش على كلاهما؛ فإن أتحد معنى جاز؛ تقول: انطلق زيد وذهب عمر كلاهما.
1 لأن الغرض من التوكيد زالة اللبس، وألفاظه معارف كما قدمنا، والنكرة تدل على الإبهام والشيوع، فهما متعارضان تعريفا وتنكيرا.
2 لأن هذا يقربها من التعريف نوعا ما، ولوروده في الكلام العربي الفصيح, ويمنعه البصريون مطلقا، وفي هذا يقول الناظم:
وإن يفد توكيد منكور قبل ... وعن نحاة البصرة المنع شمل*
أي أنه يجوز توكيد النكرة إذا أفادها التوكيد، ومنع نحاة البصريين توكيدها مطلقا، أفاد أو لم يفد.
3 أي موضوعا للدلالة على زمن محدود ببدء ونهاية معينين؛ كيوم، وأسبوع، وشهر، وسنة....إلخ. أو على شيء معلوم المقدار؛ كدرهم، ودينار....إلخ.
4 عجز بيت من البسيط، لعبد الله بن مسلم بن جندب الهذلي، وصدره:
لكنه شاقه أن قيل ذا رجب*
اللغة والإعراب: شاقة: أعجبه وهاجه، أو بعث الشوق إلى نفسه. والشوق: نزوع النفس إلى الشيء. حول: هو العام. "لكنه" لكن حرف استدراك ونصب، والهاء اسمها.
__________
* "وإن يفد" شرط وفعله "توكيد منكور" توكيد فاعل يفد، ومنكور مضاف إليه. "قبل" فعل ماض للمجهول في محل جزم جواب الشرط، وسكن للواقف، ونائب الفاعل يعود إلى "توكيد منكور" عن نحاة البصرة "عن نحاة متعلق بالمنع، والبصرة مضاف إليه. "شمل" الجملة خبر المنع.(3/162)
ومن أنشد "شهر" مكان "حول"؛ فقد حرفه1، ولا يجوز: صمت زمناً كله2، ولا شهراً نفسه3.
فصل:
وإذا أكد ضمير مرفوع متصل4 بالنفس أو بالعين، وجب توكيده أولاً بالضمير المنفصل5؛ نحو: قوموا أنتم أنفسكم، بخلاف قام الزيدون أنفسهم؛ فيمتنع
__________
"شاقه" فعل والهاء مفعوله. "أن" مصدرية. "قيل" فعل ماض للمجهول، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل شاق، وجملة شاق وفاعله خبر لكن، "ذا رجب" ذا مبتدأ، ورجب خبر، والجملة نائب فاعل قيل. "يا" للتنبيه. "ليت" حرف تمن ونصب. "عدة حول" عدة اسمها، وحول مضاف إليه. "كله" توكيد لحول. "رجب" الثانية خبر ليت، وهو مصروف، وإن أريد به معين، كما في المصباح.
وقيل: إن أريد به معين منع من الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي، أو للعدل عن الرجب ومثله في ذلك "صفر".
المعنى: يقول: إنه أعجبه وبعث الشوق إلى نفسه، حين قيل: هذا الشهر رجب، وتمنى أن تكون شهور العام كلها "رجب" لما يجد فيها من الخير والأنس.
الشاهد: توكيد النكرة؛ وهي "حول"، على رأي الكوفيين؛ لأنها محدودة؛ فالعام معلوم الأول والآخر، ولفظ التوكيد من الألفاظ الدالة على الإحاطة، وهو "كله". قيل: والصواب نصب "رجب" لا كما رواه النحاة؛ لأن البيت من قصيدة منصوبة الروي، ومطلعها:
يا للرجال ليوم الأربعاء أما ... ينفك يحدث لي بعد النهي طربا
1 لأنه يفسد المعنى؛ إذ لا يتصور أن يتمنى أن يكون الشهر كله رجبا؛ فإن الشهر لا يكون بعضه رجبا وبعضه غير رجب، حتى يتمنى أن يكون كله رجبا.
2 لأن النكرة غير محدودة الوقت، ولا معلومة المقدار.
3 لأن لفظ التوكيد ليس من ألفاظ الإحاطة والشمول.
4 سواء أكان بارزا كما مثل المصنف، أم مستترا؛ نحو: محمد حضر هو نفسه.
5 لوقوع اللبس أحيانا في مثل: هند خرجت نفسها، أو ذهبت عينها؛ إذ يحتمل أن المراد هو خروج نفسها التي بها حياتها، وذهاب عينها التي تبصر بها، فإذا جاء الفاصل منع هذا(3/163)
الضمير1، وبخلاف: ضربتهم أنفسهم، ومررت بهم أنفسهم، وقاموا كلهم؛ فالضمير جائز واجب2.
__________
الاحتمال، واطرد الباب. ويعرب الضمير المنفصل توكيدا لفظيا للضمير السالف. وقيل: إن الشرط مطلق فاصل ولو غير ضمير، نحو: قوموا في الدار أنفسكم، ولكن الفصل بالضمير المنفصل أحسن وأفصح.
1 لأن المؤكد -"وهو الزيدون"- ليس ضمير متصلا مرفوعا؛ وإنما هو اسم ظاهر، والضمير لا يؤكد الظاهر؛ فإن الظاهر أقوى منه؛ لأنه لا يحتاج إلى مرجع تفسيره.
2 لأن الضمير المؤكد في الأولين ليس مرفوعا؛ فهو منصوب المحل على المفعولية في الأول، ومجرور المحل بالباء في الثاني، فلا يلزم توكيده بالضمير المنفصل قبل توكيده بالنفس أو بالعين، ومع هذا يجوز توكيده بالضمير؛ تقول ضربتهم هم أنفسهم، ومررت بهم هم أنفسهم. ويجوز بغير توكيد بالضمير. والتوكيد في الثالث بغير النفس والعين. أما توكيد الضمير المرفوع المنفصل بالنفس أو بالعين، فحكمه حكم توكيد الاسم الظاهر بهما، لا يحتاج إلى فاصل، تقول: أنت نفسك حضرموت، وأنتما أنفسكما سافرتما، وأنتم أنفسكم أمتنعتم عن الإجابة.. إلخ.
وفيما سبق يقول الناظم:
وإن تؤكد الضمير المتصل ... بالنفس والعين فبعد المنفصل
عنيت ذات الرفع وأكدوا بما ... سواهما والقيد لن يلتزما*
أي إذا أردت أن تؤكد الضمير المتصل بالنفس أو بالعين؛ فينبغي أن يسبقها ضمير منفصل، يفصل بين التابع والمتبوع. ثم قال: عنيت ذا الرفع؛ أي قصدت الضمير المتصل المرفوع، ويجوز التوكيد بلفظ آخر غير النفس والعين، ولا يلتزم حينئذ الفصل بالضمير المنفصل؛ بل يجوز بغيره، وبدون فاصل. كما لا يلتزم الفصل إذا كان المتبوع ليس بضمير رفع متصل.
__________
* "وإن تؤكد" شرط وفعله. "الضمير" مفعوله. "المتصل" صفة للضمير. "بالنفس والعين" متعلقان بتؤكد. "فبعد" الفاء واقعة في جواب الشرط، و"بعد" ظرف متعلق بمحذوف، أي فأكد بهما بعد. "المنفصل" مضاف إليه. "ذا الرفع" ذا مفعول عنيت، والرفع مضاف إليه. "بما" متعلق بأكدوا، وما اسم موصول. "سواهما" سوى ظرف متعلق بمحذوف صلة، والضمير مضاف إليه.(3/164)
وأما التوكيد اللفظي؛ فهو المكرر به ما قبله1، فإن كان جملة، فالأكثر اقترانها بالعطف2؛ نحو: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} *، ونحو:
__________
1 إما بنصه وعينه، ولا يضر بعض تغيير يسير؛ نحو: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} ؛ فكلمة "أمهل" توكيد لفظي لمهل، و"هم" عائدة على الكافرين لا محل لها من الإعراب. من الآية 17 من سورة الطارق. ومن هذه الآية يتبين: أنه يجوز في التوكيد اللفظي الفصل بين المؤكد والمؤكد.
وإما بمرادفه قول الشاعر:
أنت بالخير حقيق قمن
أي جدير: والمرادف: لفظ يؤدي معنى لفظ آخر تماما، ويخالفه في حروفه، ويكون اسما؛ مثل: ذهب وتبر، وفعلا، مثل: قعد، وجلس، وحرفا؛ نحو: نعم، وجير، ولا يصح تكرار اللفظ المؤكد أكثر من ثلاث مرات؛ لأنه لم يسمع غير ذلك، والغرض من التوكيد اللفظي: تمكين السامع من تدارك لفظ لم يسمعه، أو لم يتبينه من أول الأمر.
وقد يراد منه التهديد؛ كقوله تعالى -في خطاب المعاندين بالباطل: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} وقد يكون للتهويل كقوله -سبحانه: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ، ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} . وأحياناً يقصد به التلذذ بترديد لفظ مرغوب فيه؛ نحو: الصحة الصحة أغلى شيء، الجنة الجنة نعم من يفوز بها، مصر مصر جنة الله في أرضه. وقد اقتصر الناظم على تعريف التوكيد اللفظي فقال:
وما من التوكيد لفظي يجي ... مكررًا كقولك ادرجي ادرجي*
أي: والذي هو لفظي من التوكيد، يجيء مكررا، سواء كان التكرار باللفظ والمعنى، أم بالمعنى مع اختلاف اللفظ، كما أوضحنا.
2 وهو "ثم" خاصة, وجعل الرضي الفاء كثم، ويؤيده: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} ، والعطف هنا صوري، لأن بين الجملتين تمام الاتصال، فلا تعطف الثانية على الأولى عطفا حقيقيا،
__________
* "وما" اسم موصول متبدأ. "لفظي" خبر لمبتدأ محذوف، أي هو لفظي، والجملة لا محل لها صلة ما، "من التوكيد" متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن في لفظي؛ لأنه في تأويل مشتق؛ إذ هو منسوب. "يجي" فعل مضارع، والجملة خبر ما. "مكررا" حال من ضمير يجي. "كقولك" خبر لمبتدأ محذوف. "ادرجي" فعل أمر، مبني على حذف النون وياء المخاطبة فاعل، والجملة مقول القول، وادرجي الثانية توكيد. وإلا كانت التبعية بالعطف لا بالتوكيد.(3/165)
{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى، ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} ، وتأتي بدونه؛ نحو قوله -عليه الصلاة والسلام: "والله لأغزون قريشاً"، ثلاث مرات1. ويجب الترك عند إيهام التعدد؛ نحو: ضربت زيداً، ضربت زيداً2.
وإن كان اسماً ظاهراً3، أو ضميراً منفصلاً منصوباً، فوضاح4؛ نحو: فنكاحها باطل باطل5، وقوله:
فإياك إياك المراء فإنه6
__________
1 أي كررها الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرات.
2 لأنه لو عطف بثم أو بالفاء، لتوهم تكرار الضرب.
3 مثل: اسم الفعل.
4 أي أن توكيده يكون بمجرد التكرار من غير شرط، ويتبع الثاني الأول في الضبط، ولا محل له من الإعراب، ويجب في الأسماء الموصولة عند توكيدها توكيدا لفظيا، إعادة لظفها وصلتها معها، ولا يجوز تكرار الموصول وحده دون صلته.
5 هذا جزء من حديث، وهو: "أيما امرأة نكحت نفسها بغير وليها فنكاحها...." إلخ.
6 صدر بيت من الطويل للفضل بن عبد الرحمن القرشي، وعجزه:
إلى الشر دجعاء وللشر جالب
اللغة والإعراب: المراء: الجدال والمعارضة بالباطل. دعاء: صيغة مبالغة من دعاء فلان فلانا، إذا طلب حضوره. جالب: مسبب له، مجلبه، إذا ساقه وجاء به. "فإياك" منصوب على التحذير بفعل محذوف وجوبا. "إياك" الثانية توكيد للأولى. "المراء" مفعول ثان لفعل التحذير المحذوف؛ أي أحذرك المراء. "فإنه" الفاء للتعليل، وإن واسمها. "إلى الشر" متعلق "بدعاء" الواقع خبرا لإن. "وللشر" جار ومجرور متعلق بـ"جالب" المعطوف بالواو على "دعاء".
المعنى: أحذرك الجدال والمعارضة مع الناس من غير وجه حق؛ فإن ذلك كثيرا ما يجر إلى الشرور والخصومات، ويسبب لإنسان متاعب ومصاعب.
الشاهد: توكيد الضمير المنفصل المنصوب -وهو "إياك"- بإعادة اللفظ بنفسه.(3/166)
وإن كان ضميراً منفصلا مرفوعاً، جاز أن يؤكد به كل ضمير متصل1؛ نحو: قمت أنت، وأكرمتك أنت، ومررت بك أنت. وإن كان ضميراً متصلا، وصل بما وصل به المؤكد2؛ نحو: عجبت منك منك.
وإن كان فعلا أو حرفا جوابياً، فواضح3؛ كقولك: قام قام زيد، وقوله:
__________
1 أي مرفوع، أو منصوب، أو مجرور، ويكون على وجه الاستعارة في توكيد ضمير النصب والجر، وليس له محل إعرابي، ويؤكد به كذلك المنفصل المرفوع لا المنصوب، فلا يقال: إياك أنت أكرمت، وليس هناك ضمير منفصل مختص بالجر، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
ومضمر الرفع الذي قد انفصل ... أكد به كل ضمير اتصل*
أي أن الضمير المنفصل المرفوع يجوز أن يؤكد به كل ضمير متصل؛ لكن على وجه الاستعارة في توكيده ضمير النصب والجر كما سبق.
2 أي يجب أن يعاد مع التوكيد اللفظ الذي يتصل بالمؤكد، اسما كان أو فعلا أو حرفا؛ لأن إعادته مجردا تخرجه عن الأتصال إلى الانفصال.
وفي ذلك يقول الناظم:
ولا تعد لفظ ضمير متصل ... إلا مع اللفظ الذي به وصل**
أي لا تكرر لفظ الضمير المتصل للتوكيد؛ إلا إذا أعدت معه اللفظ الذي اتصل بالمؤكد "المتبوع"، أي أنه لا بد من تماثل الضميرين -المؤكد والمؤكد- في اللفظ وفي المعنى، وفي الاتصال، وفي أن يكون مع كل منهما لفظ يماثل اللفظ الذي مع الآخر.
3 أي يكون التوكيد اللفظي بتكرار الفعل وحده، أو الحرف بدون شرط ما. وحروف الجواب هي: ما يجاب بها عن سؤال سائل، سواء كان بالإيجاب؛ كنعم، وأجل، وجير، وإي، أو
__________
* "ومضمر" بالرفع مبتدأ وبالنصب مفعول لمحذوف يفسره ما بعده. "الرفعط مضاف إليه. "الذي" اسم موصول صفة لمضمر. "قد انفصل" قد حرف تحقيق، وفاعل انفصل يعود إلى الذي، والجملة صلة. "اتصل" الجملة في محل جر صفة للضمير المضاف إليه.
** "ولا" ناهية. "ولفظ" مفعول تعد. "ضمير" مضاف إليه. "متصل" صفة لضمير. "إلا" حرف استثناء. "مع ظرف متعلق بمحذوف حال من لفظ. "اللفظ" مضاف إليه. "الذي" صفة للفظ. "به" بـ "وصل" الواقع صلة للموصول، ونائب فاعله يعود على الذي.(3/167)
..........................................................................................................
__________
بالنفي؛ مثل: لا، وبلى.
وبهذه المناسبةن يحسن أن نلقي بعض الضوء على معاني هذه الحروف واستعمالها:
أ- الأصل في استعمال "نعم"، و"جير"، و"أجل"، و"أي" أنها حروف جواب، تقرر حكم ما قبلها من إيجاب أو نفي، فإن كان مثبتا أبقته، على إثباته، وإن كان نفيا أبقته نفيا. فإذا جاءت بعد الاستفهام المثبت أفادات إثباته، وإذا أتت بعد استفهام منفي قررت إثبات نفيه.
وتأتي "نعم" بعد الطلب فتفيد الوعد بإنجاز المطلوب؛ سواء كان الطلب أمرًا أم نهيا أم غيرهما من أنواع الطلب؛ تقول: أخبرني الصدق يا أخي، لا تغرر بي، لها صدقتني القول. فيقال: نعم أخبرك الصدق، نعم لا أغرر بك، نعم صدقتك، فهي تصديق لحديث متقدم. قيل: وبعد الاستفهام، ومنه قوله تعالى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} ، {أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا} ،وهو غير مطرد. وكذلك تأتي "نعم" بعد الجملة الخبرية مثبتة أو منفية؛ نحو: قام محمد، وما قام علي، فتفيد تصديق مضمونها وتقريره.
وأما "أجل" فهي حرف جواب مثل "نعم"، وتجيء بعد الخبر والاستفهام، ولكنهما بعد الخبر أحسن من "نعم"؛ كما أن "نعم" بعد الاستفهام أحسن منها، وقال جماعة، منهم ابن مالك والزمخشري: إنها للخبر لا غير، ولا تقع بعد الاستفهام، والحق أنها تكثر فيها لا غير.
وأما "جير" فحرف جواب بمعنى "نعم"، وتأخذ حكمها في كل ما تقدم.
وأما "إي" فكذلك حرف جواب بمعنى "نعم" في جميع استعمالاتها.
وزعم ابن الحاجب أنها تقع بعد الاستفهام؛ نحو قوله تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} . واتفق الجميع على أنها لاتقع إلا قبل القسم.
ب- أما "لا" فهي حرف جواب لنفي إثبات ما قبلها، ولا يجاب بها نفي أصلًا؛ فهي تناقض "نعم" في معناها، وكثير ما تحذف الجمل بعدها.
وأما "بلي" فهي حرف جواب أيضاً، وهي عبارة عن "بل" التي للإضراب، و"لا" التي للنفي؛ ولذلك لا تقع إلا إضراباً عن النفي لتبطله وتصيره إيجابًا؛ فهي بعكس(3/168)
لا لا أبوح بحب بثنة إنها1
وإن كان غير جوابي، وجب أمران: أن يفصل بينهما2، وأن يعاد مع التوكيد ما اتصل بالمؤكد أن كان مضمرا3؛ نحو: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا
__________
"لا"، سواء كان لنفي مجردا؛ نحو: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} ، أو مقرونا باستفهام، حقيقا كان؛ نحو: أليس زيد بقائم؟ فتقول: بلى. أو توبيخاً، نحو: {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ، بَلَى} ، أو تقريريا؛ نحو: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} . وقد يجاب بـ"بلى" عن الاستفهام المجرد عن النفي؛ ففي صحيح البخاري أنه -عليه الصلاة والسلام- قال لأصحابه: "أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قالوا: بلى" وفي صحيح مسلم: أن الرسول قال لرجل أراد زيادة بعض أولاده بالإعطاء: "أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: بلى".
ومما سبق يتبين أن "لا" لا تأتي إلا بعد إيجاب. وأن "بلى" لا تأتي إلا بعد نفي غالبا، وأن "نعم" تأتي بعدهما.
1 صدر بيت من الكامل، لجميل بن عبد بن معمر العذري، المعروف بجميل بثينة؛ محبوبته وعجزه:
أخذت علي موثقا وعهودا
اللغة والإعراب: لا أبوح: لا أفشي ولا أظهر؛ من باح بسره، إذا أفشاه وتكلم به، موثق، وهو العهد والميثاق، "لا" نافية، والثانية توكيد لها. "بحب" متعلق بأبوح. "بثينة" مضاف إليه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. "مواثقا" مفعول أخذت. "وعهودا" معطوف على مواثقا عطف تفسير.
المعنى: لا أفشي ولا أخبر أحد بالحب الذي بيني وبين بثينة؛ لأنها أخذت علي عهدا مؤكدا ألا أبوح بحبها ولا أظهره، ويجب أن أفي بعهدي لها.
الشاهد: توكيد "لا" توكيدا لفظيا" وهي حرف جواب لا تحتاج للفصل بين المؤكد والمؤكد، ولا لشيء آخر كالحروف غير الجوابية؛ كما سيأتي.
2 أي بين المؤكد والمؤكد بفاصل ما.
3 أي إن كان ما اتصل بالحرف المؤكد مضمرا.(3/169)
وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُون} 1. وأن يعاد هو أو ضميره إن كان ظاهرا2؛ نحو: زيداً إن زيداً فاضل، أو: إن زيداً إنه فاضل، وهو الأولى3.
وشذ اتصال الحرفين؛ كقوله:
إن إن الكريم يحلم ما لم4
__________
1 فأنكم الثانية مؤكدة لأنكم الأولى الواقعة مفعولا ثانيا ليعد، وفصل بينهما بالظرف وما بعده، وأعيد مع الثانية ما اتصل بالأولى، وهو الكاف والميم؛ لأنه مضمر.
2 أي يعاد لفظ المتصل بالحرف أو ضميره، إن كان ما اتصل به الحرف اسما ظاهرا.
3 أي أن إعادة الضمير أولى وأفصحج من إعادة اللفظ، لأنه الأصل، ويلزم من إعادة اللفظ التكرار، وإيهام أن الثاني غير الأول، وبه جاء التنزيل؛ قال تعالى: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون} ، من الآية 107 من سورة آل عمران.
أما إعادة الظاهر فمن وضعه موضع المضمر، وفي توكيد الحرف يقول الناظم:
كذا الحروف غير ما تحصلا ... به جواب كنعم وكبلى*
أي: كما أن توكيد الضمير المتصل لا يكون إلا بإعادته وإعادة ما اتصل به كما سبق في البيت قبل، كذلك الحروف غير الجوابية؛ لا يعاد لفظها إلا مع اسم الظاهر المتصل بها، أو ضميره، أما حروف الجواب؛ كنعم وكبلى، فتعاد وحدها.
4 صدر بيت من الخفيف، لم يعرف قائله، وعجزه:
يرين من أجاره قد ضيما
اللغة والإعراب: يحلم: من الحلم؛ وهو الأناة والتعقل. أجاره: جعله في جواره وحمايته. ضيم: فعل مبني للمجهول؛ أي ظلم وبخس حقه. "إن" حرف توكيد ونصب؟ "إن" الثانية توكيد لها. "الكريم" اسمها. "يحلم" الجملة خبر. "ما" مصدرية ظرفية حرف مبني لا محل له من الإعراب. "يرين" فلعل مضارع مؤكد بالنون الخفيفة في محل جزم بلم، و"ما" وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بإضافة اسم زمان منصوب بيحلم؛
__________
* "كذا" خبر مقدم. "الحروف" مبتدأ مؤخر. "غير" بالرفع نعت للحروف، وبالنصب أداة استثناء. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "تحصلا" فعل ماض، والألف للإطلاقز "به" متعلق به. "جواب" فاعله، والجملة صلة "كنعم" خبر لمبتدأ محذوف. و"كبلى" معطوف على "كنعم".(3/170)
وأسهل منه قوله:
حتى تراها وكأن وكأن
__________
أي يحلم مدة عدم رؤيته ... إلخ. "من" اسم موصول مفعول ليرى. "أجاره" الجملة صلة الموصول. "قد ضيما" قد حرف تحقيق، وضيم فعل ماض مبني للمجهول، ونائب فاعله يعود على من، والجملة في محل نصب صفة لمن، أو حال إن جعلت "يرى" بصرية، ومفعول ثان إن كانت علمية.
المعنى: إن الرجل الكريم الخلق الأبي الطيب النفس، يتحلى بالحلم، والصبر، والتعقل في أحواله وتصرفاته، ما لم ير أن من أجاره وجعله في حماه، قد ظلم واعتدى عليه؛ فعند ذلك يذهب عنه حلمه، ويبطش بهذا الظالم، المعتدي على من التجأ إليه.
الشاهد: توكيدالحرف "إن" بإعادتها من غير فاصل بينهما، مع أنها ليست من حروف الجواب، وهذا شاذ لا يقاس عليه.
1 صدر بيت من الرجز، ينسب لخطام المجاشعي، يصف إبلا. وقيل: هو للأغلب العجلي وعجزه:
أعناقها مشددات بقرن
اللغة والإعراب: أعناقها: جمع عنق؛ وهو الرقبة. قرن: حبل تربط به الإبل، ويقرن بعضها إلى بعض "حتى" حرف غاية وجر. "تراها" ترى فعل مضارع والفاعل أنت والضمير البارز مفعول، وهو عائد على الإبل في البيت قبله. "وكأن" الواو للحال، وكأن حرف تشبيه ونصب، "وكأن" الثانية توكيد، وخففت للقافية. "أعناقها" أعناق اسم كأن الأولى، وهو مضاف إلى الهاء. "مشددات" خبرها. "بقرن" متعلق بمشددات، وسكن للشعر.
المعنى: يصف إبلا في سرعة سيرها وانتظامه؛ فيقول: إن أصحاب هذه الإبل يستحثونها على السير بنظام واعتدال، حتى يظن من يراها أن أعناقها مربوط بعضها إلى بعض بحبال، لانتظامها جميعا في السير.
الشاهد: تأكيد "كأن" بمثلها، مع عدم الفاصل بمعمول الأولى، مع أنها ليست من حروف الجواب. وهذا أخف في الشذوذ من سابقه؛ لأنه فصل هنا بواو العطف.(3/171)
لأن المؤكد حرفان1، فلم يتصل لفظ بمثله.
وأشذ من قوله:
ولا للما بهم أبدًا دواء2
لكون الحرف على حرف واحد.
__________
1 وهما: الواو وكأن.
2 عجز بيت من الوافر، لمسلم بن معبد الوالي الأسدي، وقيل: هو لرجل من بني أسد لم يعين. وصدره:
فلا والله لا يلفي لما بي
اللغة والإعراب: لا يلفي: لا يوجد من ألفى، إذا وجد. لما بي: أي للذي بي. "فلا" الفاء عاطفة، و"لا" زائدة لتوكيد القسم. "والله" حرف قسم وجر، ولفظ الجلالة مجرور به، والجار والمجرور متعلق بفعل قسم محذوف. "لا" نافية. "يلفي" فعل مضارع للمجهول جواب القسم. "لما" اللام جارة، وما اسم موصول، والجار والمجرور متعلق بيلفي. "بي" متعلق بمحذوف صلة. "ولا للما بهم" ولا معطوف على ما قبله، واللام الأولى في "للما" جارة، والثانية توكيد للأولى، وما اسم موصول، وبهم متعلق بمحذوف صلة. "أبدا" ظرف متعلق بيلفي. "دواء" نائب فاعل يلفي.
المعنى: يقسم أنه لا يوجد للذي به من الموجودة والألم. ولا الذي عند خصومه من الحقد والضغينة علاج، وليس هنالك أمل في المودة والمصالحة وإزالة الأحقاد والضغائن، بعد أن تفاقم الخطب وعظم الخلاف.
قيل: إن السبب في هذه القصيدة التي منها هذا البيت، أن مسلما كان غابئا، فكُتبت إبله لعامل الزكاة، فظن أنه فعل به ذلك كيدا، ومنها قوله:
بكت إبلي وحق لها البكاء ... وفرقها المظالم والعداء
الشاهد: في "للما" فإن اللام الثانية فيها توكيد للأولى الجارة، ولم يفصل بينهنما فاصل، مع أن اللام ليست من أحرف الجواب. وهذا شاذ بالغ الشذوذ؛ لأن الحرف المؤكد موضوع على حرف هجائي واحد لا يكاد يقوم بنفسه، ولو جاء على ما يقتضيه الصواب لقال: "لما لما بهم".(3/172)
وأسهل منه قوله:
فاصبحن لا يسألنه عن بما به1
__________
1 صدر بيت الطويل للأسود بن يعفر، وعجزه:
أصعد في علوى الهدى أم تصوبا
اللغة والإعراب: أصعد: أي ارتفع وارتقى، تصوبا: نزل وتسفل. "فأصبحن" الفاء عاطفة، وأصبح فعل ماض نقاض ونون النسوة اسمها، وهي عائدة على الغواني. "لا يسألنه" الجملة خبر أصبح. "عن" جارة. "بما" الباء حرف جر بمعنى "عن" توكيد لها، و"ما" اسم موصول في محل جر بعن. "به" متعلق بمحذوف صلة. "أصعد" الهمزة للاستفهام، وصعد فعل ماض، والفاعل يعود على المحب لهن، وكذلك الضمير في "به".
المعنى: أن هؤلاء الغواني أصبحن بعد أن وخط المحب الشيب، وهده الكبر، ونالت منه الشيخوخة، لا يكترثن به ولا يملن إليه، ولا يسألن عما به من ضعف أو غيره، وهل لا يزال يحلق في الهوى والحب، أم نزل إلى السفل ونسي كل شيء؟ الشاهد: في "عن بما" حيث أكد عن الجارة بلفظ مرادف؛ وهو الباء التي بمعنى "عن" المتصلة بما الموصولة، وهذا شاذ أيضاً لعدم الفاصل؛ ولكنه أهون من سابقه؛ لأن الحرف المؤكد -وهو"عن"- موضوع على حرفين، ولأن اللفظين مختلفان وإن اتفقا في المعنى؛ إذ يقال: سألت به وسألت عنه.
تتمة:
أ- يمتنع حذف المؤكد توكيدا لفظياً؛ لأن حذفه مناف لتكراره.
ب- إذا أتبع المضير المتصل المنصوب بمنفصل منصوب؛ نحو: رأيتك إياك، فمذهب البصريين أنه بدل، ومذهب الكوفيين أنه توكيد، وهو الأصح.
أما المرفوع فيجوز أن يكون توكيدا، كما يجوز أن يكون بدلا بالإجماع.
جـ- من الأساليب الصحيحة: جاء القوم بأجمعهم، وتعرب "أجمع" توكيدا مجرورا اللفظ بالباء الزائدة؛ في محل رفع، أو نصب أو جر، وعلى حسب حالة المؤكد "المتبوع". وبعضهم يعربها بدلا وإن كانت تؤدي معنى التوكيد، وينبغي إضافتها إلى(3/173)
......................................................................................................................
__________
ضمير مطابق.
د- تنفرد كلمتا: نفس، وعين، بجواز جرهما بالباء الزائدة؛ تقول: بنفسه أو بعينه، ويكونان في محل رفع أو نصب أو جر على حسب حالة المتبوع.
هـ- لا يفصل بين المؤكد والمؤكد، بـ"إما" على الأصح، وأجاز الفراء: مررت بالقوم، إما أجمعين، وإما بعضهم.(3/174)
......................................................................................................................
__________
الأسئلة والتمرينات:
1 عرف التوكيد، وبين الفرق بين التوكيد اللفظي والمعنوي بأمثلة موضحة.
2 بم يؤكد بالنفس والعين؟ وما الذي تختص بهما عن بقية ألفاظ التوكيد؟ اشرح ذلك بأمثلة من الواقع. ثم بين ما يؤكد بجميع وعامة. وما يشترط فيهما.
3 اشرح قول ابن مالك:
واستعملوا أيضاً ككل فاعله
من عم في التوكيد مثل النافله
4 كيف تؤكد الضمير المتصل بالنفس والعين؟ وكذلك المنفصل؟ وضح بأمثلة.
5 بين كيف تؤكد الحروف غير الجوابية، والجوابية؟ وما الفرق بينهما؟
6 فيما يأتي شواهد لبعض مسائل هذا الباب، وضح موضع الشاهد، وحكمه في المعنى والإعراب.
قال تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .
{كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا، وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} .
{كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} .
{لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} .
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ، ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} .
-
إذا ما بدت من صاحب لك زلة ... فكن أنت محتالاً لزلته عذرا
-
والنجم تستصغر الأبصار طلعته ... والذنب للعين لا للنجم في الصغر
-
فلما تبينا الهدى كان كلنا ... على طاعة الرحمن والحق والتقى
-
لا ينسك الأسى تأسياً فما ... ما من حمام أحد معتصما
-
بلاد متى ما جئتها جئت جنة ... لعينك فيها كل ما شئت رضوان
-
إلام الخلف بينكموا إلاما ... وهذي الضجة الكبرى علاما
-
وقلن على الفردوس أول مشرب ... أجل جير أن كانت أبيحت دعائره(3/175)
......................................................................................................................
__________
قال صاحب المغني: الفردوس: روضة اليمامة. والدعثور: الحوض الممتلئ.
7 أعرب ما تحته خط في البيتين الآتيين، وبين الشاهد فيهما في هذا الباب:
أيا من لست أقلاه ... ولا في البعد أنساه
لك الله على ذاكا ... لك الله لك الله
8 بين فيما يأتي: ألفاظ التوكيد ونوعها، والمؤكد ونوعه، وموضع كل من الإعراب.
كان الاعتداء الغاشم على بور سعيد سنة 1956 امتحانا للشعوب العربية جميعا ولمبلغ قدرتها كلها على الدفاع، والوقوف في وجه المستعمر. ولقد وقف العرب أنفسهم، ومن ورائهم الشعوب المخلصة جميعها، وقفة أدهشت العالم أجمع؛ ولم يكن في مصر كلها متخاذل ولا متقاعد؛ بل كان الشعب عامة كرجل واحد؛ حتى اندحر المعتودن وارتدوا على أعقابهم خاسرين.
وفي 5 يونية 1967 كان اعتداء إسرائيل بجمعها، ومن ورائها المستعمرون عامتهم، على البلاد العربية- تجربة أخرى، استطاعوا فيها بالخديعة الانتصار على العرب، وإصابتهم بنكسة مؤلمة، ولكن الشعب العربي المعروف بصلابته لم ييأس، وسينتصر وينتصر بمشيئة الله. فصبر صبرا، وإلى الأمام إلى الأمام، وشكرًا شكرًا لكل من يؤازرنا في هذه المحنة، بنفسه أو بماله. والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
ليت شعري هل ثم هل آتينهم ... أم يحولن دون ذاك حمام
9 أكد الفاعل، والمفعول، والضمير في العبارات الآتية بالنفس والعين، وبما يناسب من ألفاظ التوكيد الأخرى:
جلست في الدرس منصتا، وأصغيت إلى أستاذي حين يتكلم. أمسك لسانك عن الشتم، ويديك عن الأذى.
إياك أن تعظ الرجال وقد إياك ... أصبحت محتاجا إلى الوعظ
وقف الخلق ينظرون جميعا ... كيف أبني قواعد المجد وحدي
10 عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:
لو قيل "نعم" في قوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} كان كفراً.
بين السبب في ذلك؛ على ضوء ما عرفت في "نعم"، "بلى".(3/176)
باب: العطف 1
وهو ضربان: عطف نسق وسيأتي، وعطف بيان؛ وهو: التابع2 المشبه للصفة في توضيح متبوعه3 إن كان معرفة وتخصيصه إن كان نكرة.
والأول4: متفق عليه؛ كقوله:
اقسم بالله أبو حفص عمر5
والثاني6: أثبته الكوفيون وجماعة، وجوزوا أن يكون منه: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} ، فيمن نون "كفارة"، ونحو: {مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} 7.
__________
باب: العطف
1 هو في الأصل: مصدر بمعنى الميل والرجوع إلى الشيء بعد الانصرف عنه، وأطلق على التابع المذكور، لأن المتكلم رجع إلى الأول فأوضحه بالثاني، أو أشركه معه في الحكم، كما سيأتي.
2 يشترط فيه: أن يكون جامدا، بخلاف النعت فإنه لا يكون إلا مشتقا، أو مؤولا به.
3 النعت يوضح متبوعه ببيان صفة من صفاته، ومعنى فيه أو في سببه، كما سبق. أما عطف البيان، فيوضح متبوعه ويزيل عنه شائبة الإبهام بنفسه.
4 أي: وهو توضيح ذات متبوعه المعرفة، وإزالة ما قد يصيبها من الشيوع بسبب تعدد مدلولها.
5 عجزه:
ما مسها من نقب ولا دبر
وقد تقدم شرح هذا البيت وقصته في باب العلم، في الجزء الأول، صفحة (135) ، والشاهد فيه هنا: أن "عمر" عطف بيان على "أبو حفص"، وهو علم معرفة، وقد قصد به الإيضاح.
6 أي: وهو تخصيص النكرة؛ فقد نفاه جمهور البصريين، وأثبته الكوفيون وبعض البصريين المتقدمين؛ كأبي علي الفارسي، وابن جني، وبعض المتأخرين؛ كالزمخشري، والناظم، وابنه، كما سترى بعد.
7 فقد أعربوا "طعام" عطف بيان لكفارة، و"صديد" عطف بيان لـ"ماء"، وكلاهما نكرة والصديد: الدم المختلط بالقيح.(3/177)
والباقون يوجبون في ذلك البدلية1،
ويخصون عطف البيان بالمعارف2، ويوافق متبوعه في أربعة من عشرة: أوجه الإعراب الثلاثة3، والإفراد، والتذكير، والتنكير4، وفروعهن.
وقول الزمخشري: إن {مَقَامُ إِبْرَاهِيم} عطف على...............................................
__________
1 أي بدل كل من كل.
2 حجتهم: أن عطف البيان -كاسمه- يقصد به البيان والإيضاح، والنكرة مجهولة، والمجهول لا يعين المجهول، ويقول المجيزون: إن بعض النكرات قد يكون أخص من بعض؛ فلا مانع من أن يبين الأخص غيره، والتخصيص نوع من البيان والإيضاح، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
العطف أما ذو بيان أو نسق ... والغرض الآن بيان ما سبق
فذو البيان تابع شبه الصفه ... حقيقة القصد به منكشفه*
أي أن العطف ينقسم إلى نوعين: عطف بيان، وعطف نسق، ونحن الآن في صدد تعريف وإيضاح عطف البيان؛ وهو: تابع يشبه الصفة؛ أي النعت؛ إلا أن بينهما فرقا؛ وهو أن عطف البيان يبين حقيقة متبوعه ويوضح ذاته نفسها، أما النعت فيبين معنى عارضا، وصفة من صفات الذات كما بينا.
3 ويجوز فيه القطع كالنعت، وقد سبق إيضاح ذلك فارجع إليه.
4 الصحيح أن هذا هو الأغلب، ويصح تخالفهما تعريفا وتنكيرا؛ بشرط أن يكون التابع هو المعرفة؛ ليتحقق الغرض من عطف البيان، وقد يقع عطف البيان بعد"أي" المفسرة؛ نحو: "هذا الخاتم لجين؛ أي: فضة". ويجوز أن يعرب في هذه الصورة بدلا. وفي موافقة العطف لمتبوعه يقول الناظم:
فأولينه من وفاق الأول ... ما من وفاق الأول النعت ولي
__________
* "العطف"؛ بمعنى المعطوف، مبتدأ "إما" حرف تفصيل. "ذو" خبر المبتدأ. "بيان" مضاف إليه. "أو نسق" معطوف على ذو بيان. "الآن" ظرف زمان. "بيان" خبر المبتدأ، وهو الغرض. "ما" اسم موصول، مضاف إليه. "سبق" الجملة صلة ما؛ "فذو البيان تابع" مبتدأ، ومضاف إليه، وخبر. "شبه الصفة" نعت لتابع ومضاف إليه. "حقيقة القصد" مبتدأ ومضاف إليه. "به" متعلق بـ"منكشفة" الواقع خبرا، والجملة صفة ثانية لتابع.(3/178)
{آيَاتٍ بَيِّنَات} 1، مخالف لإجماعهم2. وقوله، وقول الجرجاني: يشترط كونه أوضح من متبوعه3، مخالف لقول سيبويه في "يا هذا ذا الجمة": إن "ذا الجمة" عطف بيان، مع أن الإشارة أوضح من المضاف إلى ذي الأداة4، ويصح في عطف البيان: أن يعرب بدل كل5
...................................................................................................................
__________
فقد يكونان منكرين ... كما يكونان معرفين*
أي أعطه من موافقة الأول "المتبوع"، مثل ما ولي وأخذ النعت، من موافقة لمنعوته في الأمور السابقة، ثم نص على أن عطف البيان ومتبوعه، يتماثلان تعريفا وتنكيرا؛ ليرد على القائلين بأن عطف البيان لا يكون إلا معرفة.
1 أي: مع أن {مَقَامَ} مخالف لـ {آيَاتٌ} ، في التنكير، والتأنيث، والجمع. والمراد بالآيات. أثر القدم في الصخرة، وغوصها فيها إلى الكعبين، وإبقاء هذا الأثر دون آثار سائر الأنبياء، وحفظه آلاف السنين. وسبب هذا الأثر: أنه لما ارتفع بناء الكعبة، قام إبراهيم على هذا الحجر؛ ليتمكن من رفع الحجارة فغاصت فيه قدماه.
2 أي على وجوب مطابقة البيان للمبين، تعريفا وتنكيرا، وإفرادًا وغيره، وتذكيرا وغيره؛ فالوجه: أن {مَقَامَ} مبتدأ حذف خبره؛ أي منها مقام إبراهيم، أو العكس؛ أي بعضها مقام. وقيل: يجوز كونه بدلا من آيات، بدل بعض من كل.
3 أي أعرف منه؛ لأنه يوضح حقيقته وذاته.
4 لم يعرب سيبويه: "ذا الجمة" نعتا؛ لأن نعت اسم الإشارة لا يكون إلا محلى بأل، والجمة: الشعر الواصل إلى المنكب.
5 وذلك إذا قصد به ما يقصد بالبدل، وحينئذ يتعين كونه بدلا.
__________
* "فأولينه" فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة، والهاء مفعوله الأول، ومرجعها ذو بيان. "من وفاق" متعلق بأولينه. "الأول" مضاف إليه. "ما" اسم موصول مفعول ثان لأولينه. "من وفاق الأول" متعلق بولي ومضاف إليه. "النعت" مبتدأ. "ولي" فعل ماض، وفاعله يعود إلى النعت، والجملة خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ والخبر صلة "ما". "فقد" حرف تقليل. "يكونان" فعل مضارع ناقص، وألف الاثنين أسمه، وهي عائدة على البيان والمبين. "منكرين" خبر يكون. "كما" الكاف جارة، و"ما" مصدرية، والجملة بعدها مقدرة بمصدر مجرور بالكاف؛ أي ككونهما معرفين.(3/179)
إلا إن امتنع الاستغناء عنه1؛ نحو: هند قام زيد أخوها. أو إحلاله محل الأول؛ نحو: يا زيد الحارث2، وقوله:
أيا أخوينا عبد شمس ونوفلا3
__________
1 أي فيمتنع أن يكون بدلا. ومن ذلك -غير ما سيذكره الناظم- أن تفتقر جملة الخبر إالى رابط، وهو في التابع كمثال المصنف؛ فـ"أخوها" يتعين كونه عطف بيان؛ لأنه لو أعرب بدلا لخلت جملة الخبر عن الرابط؛ لأن البدل على نية تكرار العامل على الصحيح؛ فهو من جملة أخرى. وكذلك جملة الصلة والصفة؛ نحو: حضر الذي أو رجل، ضرب محمد أخوه، وجملة الحال؛ نحو: هذا محمد قام رجل أخوه.
2 أي: مما فيه تابع المنادى محلى بأل، والمتبوع منادى خاليا منها، فيتعين كون "الحارث" عطف بيان من زيد، لا بدلا؛ لامتناع إحلاله محله؛ فلا يقال: يا الحارث؛ لأن "يا" و"أل" لا يجتمعان هنا.
وإيضاح ما تقدم: أنه يصح في عطف البيان -إذا قصد به ما يقصد ببدل الكل- أن يعرب بدل كل إلا في حالتين.
أ- ألا يمكن الاستغناء عن عطف البيان لمانع يحول دون صحة البدل.
ب- وألا يمكن إحلال عطف البيان -لو صار بدلا- محل متبوعه؛ لمانع يحول دون البدلية، ووضع البدل مكان المبدل منه.
3 صدر بيت من الطويل، لطالب بن أبي طالب بن عبد المطلب، أخي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، من قصيدة يمدح بها الرسول -عليه السلام- ويبكي أصحاب القليب -البئر- من قريش، الذين قتلوا يوم بدر، وعجزه:
أعيذكما بالله أن تحدثا حربا
وروي في السيرة:
فدى لكما لا تبعثوا بيننا حربا
اللغة والإعراب: عبد شمس: فصيلة من قريش، منهم بنو أمية. نوفل: فصيلة أخرى من قريش أيضاً. أعيذكما بالله: يريد: ألجأ إلى الله من أجلكما، أو أحصنكما بالله وأجعلكما في رعايته؛ مخافة أن تشعلا نار الحرب بينكما "أيا" حرف للنداء. "أخوينا"(3/180)
وقوله:
أنا ابن التارك البكري بشر1
__________
منادى منصوب بالياء لأنه مثنى مضاف إلى "نا" "عبد شمس" عبد عطف بيان على أخوينا، وشمس مضاف إليه. "ونوفلا" معطفو على عبد شمس. "أن تحدثا حربا" أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف متعلق بأعيذ؛ أي من أحداثكما حربا.
المعنى: واضح، بعد ما تقدم من الشرح.
الشاهد: تعين كون "عبد شمس" عطف بيان لأخوينا، و"نوفلا" عطف نسق بالواو عليه. ولا يجوز فيهما أن يكون "عبد شمس" بدلا؛ لعدم صحة حلوله محل "أخوينا"؛ لأن ذلك يستلزم ضم "نوفل" المعطوف عليه؛ لأنه مفرد علم يستحق البناء على الضم، والرواية بالنصب لا غير.
ومن الصور التي يمتنع فيها البدل العام صحة إحلاله محل الأول: أن يكون تابع المنادى اسم إشارة؛ كيا محمد هذا، أو مقروناً بأل؛ نحو: يا علي الحسن، أو يتبع وصف "أي" في النداء، أو وصف اسم الإشارة بالخالي من أل؛ نحو: يا أيها الرجل محمد، ويا ذا الرجل غلام محمد، أو يضاف "أفعل" في التفضيل إلى اسم عام يتبع بقسميه؛ نحو: علي أفضل القوم الرجال والنساء، أو أن يتبع ما أضيف إليه "كلا وكلتا" بمتفرق؛ نحو: جاء كلا المجاهدين أحمد وعلي.
ففي كل ما تقدم، يتعين أن يكون التابع عطف بيان، ويمتنع البدل للسبب المتقدم؛ فإن الفصيح أن يكون تابع اسم الإشارة مقرونا بأل، ودخول "أل" على المنادي ممنوع، وتابع "أي" في النداء لا بد أن يكون مقرونا بأل، أو اسم إشارة له تابع مقرون بها، وأفعل التفضيل لا بد أن يكون بعضا من المضاف إليه، ويلزم على البدلية أن يكون "علي" بعض النساء، وكلا وكلتا لا تضافان للمثنى المتفرق إلا شذوذًا.
1 صدر بيت من الوافر، للمرار بن سعيد الفقعسي، من قصيدة يفتخر فيها بأن جده خالد بن فضلة قتل بشر بن عمرو بن مرثد، زوج الخرنق أخت طرفة بن العبد البكري، الشاعر المشهور، وذلك في يوم "القلاب"، وعجزه:
عليه الطير ترقبه وقوعا
اللغة والإعراب: التارك: اسم فاعل من ترك. البكري: المنسوب إلى بكر بن وائل؛ وهي قبيلة مشهورة، منها: جساس، مرة قاتل كليب بن وائل، ترقه: تنتظره. "أنا"(3/181)
وتجوز البدلية في هذا عند الفراء؛ لإجازته: الضارب زيد1 وليس بمرضي.
__________
ضمير منفصل مبتدأ. "ابن التارك" خبر ومضاف إليه. "البكري" مضاف إليه من إضافة الوصف لمفعوله. "بشر" عطف بيان للبكري. "عليه الطير" خبر مقدم، والطير مبتدأ مؤخر، والجملة حال من البكري. "ترقبه" الجملة حال من ضمير الطير المستتر في عليه "وقوعا" مفعول لأجله حذف متعلقه؛ أي ترقبه لأجل وقوعها عليه، أو حل من الضمير المستتر في ترقب.
المعنى: يصف نفسه بالشجاعة، وأنه ابن الذي ترك البكري -بشرا- مجندلا في العراء، مثخنا بالجراح، في حالة يرثى لها، تنتظر الطير خروج روحه لتهبط عليه وتنهش من جسده، فهو شجاع من نسل شجعان.
الشاهد: تعين كون "بشر" عطف بيان؛ لأنه لو أعرب بدلا -والبدل على نية تكرار العامل- لكان التقدير: أنا ابن التارك البكري، التارك بشر؛ فيضاف الوصف المقترن بأل، إلى اسم مجرد منها ومن الإضافة إلى المقترن بها، أو إلى ضميره. وذلك غير جائز، كما تقدم في باب الإضافة.
1 مذهبه: جوازا إضافة الوصف المقترن بأل إلى جمع المعارف، وهو غير مرضي عند الجمهور، وفيما تقدم يقول الناظم:
وصالحاً لبدلية يرى ... في غير نحو "يا غلام يعمرا"
ونحو "بشر" تابع "البكري" ... وليس أن يبدل بالمرضي*
أي أن عطف البيان يصلح للبدلية في غير التركيب الذي يشبه "يا غلام يعمر"، ويعمر: اسم شخص، وهو أن يكون التابع مفردا معرفة معربا، والمتبوع منادى؛ فيتعين أن يكون "يعمر" عطف بيان؛ لأنه لو جعل بدلا لوجب بناؤه على الضم، وهو منصوب. وكذلك
__________
* "وصالحا" مفعول ثان مقدم ليرى. "لبدلية" متعلق بصالح. "يرى" فعل مضارع للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى عطف البيان، وهو المفعول الأول. "في غير نحو" متعلق يبرى ومضاف إليه. "يا غلام" يا حرف نداء، وغلام منادى مبني على الضم في محل نصب. "يعمرا" عطف بيان لغلام على المحلن وهو بضم الميم وفتحها، علم لشخص منقول من عمر يعمر.
"ونحو بشر" معطوف على نحو الأول ومضاف إليه. "تابع" بالجر، نعت لبشر، وبالنصب حال منه. "البكري" مضاف إليه. "أن يبدل" أن وما بعدها في تأويل مصدر، اسم ليس. "بالمرضى" خبرها على زيادة الباء.(3/182)
....................................................................................................................
__________
إذا كان التابع خاليا من أل؛ كـ"بشر"، والمتبوع بأل "كالبكري"، وقد أضيفت إليه صفة بأل، نحو:
أنا ابن التارك البكري بشر
فيتعين كون "بشر" عطف بيان لما بيناه. وليس إعرابه بدلاً مرضيا عند المصنف والجمهور، وهاتان المسألتان اللتان ذكرهما الناظم، هما من أفراد النوع الثاني الذي ذكره المصنف أما الأول، وهو أن يكون التابع غير مستغني عنه في التركيب؛ فلم يتعرض له.
هذا: وعلى الرغم من أن بين عطف البيان، وبدل الكل من الكل مشابهة كبيرة في المعنى والإعراب، فإن عطف البيان يقصد به إيضاح الذات نفسها أو تخصيصها، لا أمرًا عرضيا طارئا عليها؛ فهو بمنزلة التفسير للمتبوع.
أما البدل فيدل على ذات المتبوع بلفظ آخر يساويه في المعنى؛ بحيث يقع اللفظان على ذات واحدة وفرد معين واحد في حقيقته، ولا شأن له بالإيضاح والتخصيص. ويذكر النحاة فروقا أخر من جهة الصناعة؛ منها:
أ- أن عطف البيان لا يكون ضميرا، ولا تابعا لضمير؛ ولهذا امتنع إعراب "مخصوص حبذا" عطف بيان.
ب- ولا يكون مخالفا لمتبوعه في التعريف والتنكير على الصحيح.
جـ- ولا يقع جملة ولا تابعا لجملة، ولا فعلا ولا تابعا لفعل.
د- وأنه لا يلحظ فيه إحلاله محل الأول.
هـ- ولا يعد متبوعه في حكم الطرح. ولا يعد في جملة أخرى مستقلة عن جملة متبوعه؛ بخلاف البدل في ذلك كله. وفي بعض تلك الأمور خلاف بين العلماء.
ولهذا يرى الإمام الرضي وفريق من النحاة: أنه لا فرق بين عطف البيان والبدل؛ فإن المشابهة بينهما تامة. وما ذكر من الفروق مبني على دعوى أن البدل على نية تكرار العامل، وهو دعوى لا تثبت عند التمحيص. على أنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل، أي يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع.(3/183)
باب: عطف النسق
مدخل
...
باب: عطف النسق 1
وهو تابع يتوسط بينه وبين متبوعه أحد الأحرف الآتي ذكرها2؛ وهي نوعان: ما يتقضي التشريك في اللفظ والمعنى3؛ إما مطلقاً، وهو: الواو، والفاء، وثم، وحتى4،
__________
باب: عطف النسق
1 النسق -بالفتح- اسم مصدر، وبالسكون -مصدر نسقت الكلام أنسقه- من باب نصر- عطفت بعضه على بعض، وربطت بعض اجزائه ببعض. وهو بمعنى المنسوق، من إطلاق المصدر على اسم المفعول؛ فالمراد: العطف على الكلام المنسوق بعضه على بعض.
2 وفي تعريف عطف النسق يقول الناظم:
تال بحرف متبع عطف النسق ... كاخصص بود وثناء من صدق*
أي أن التالي والتابع بسبب حرف متبع -أي مشرك- ما بعده لما قبله في الحكم والإعراب، يسمى عطف النسق. ثم ساق الناظم مثلا للتشريك في الحكم لـ"ود" هو الثناء؛ وعلى هذا فليست "أي" التفسيرية من حروف العطف عند الجمهور؛ لأنها لا تتبع ما بعدها لما قبلها وما بعدها بدل أو عطف بيان، خلافا للكوفيين الذين يعدونها عاطفة ومعناها التفسير.
فخرج بقول المصنف: "يتوسط ... إلخ" التوابع كلها ما عدا عطف النسق، وبالتقييد بالحروف المذكورة "أي" التفسيرية كما ذكرنا.
3 أما في اللفظ فبوجوه الإعراب، وأما في المعنى فباحتمال كل من المتعاطفين للمعنى المراد؛ نفيا، وإثباتا، وصلاحية له. وهذا إذا كانا مفردين؛ فإن كان المعطوف غير مفرد، فقد لا يفيد التشريك؛ نحو: حضر التلميذ ولم يحضر والده.
4 يرى الكوفيين أن "حتى" لا تكون حرف عطف، بل هي حرف ابتداء دائما. ويقدورن عاملا لما بعدها تتم به الجملة؛ ففي مثل: قدم الحجاج حتى المشاة، يقدرون: حتى قدم المشاة.
__________
* "نال" خبر مقدم. "بحرف" متعلق به. "متبع" صفة لحرف. "عطف النسق" عطف مبتدأ مؤخر، والنسق مضاف إليه. "كاخصص" خبر لمبتدأ محذوف، وهو فعل أمر. "بود" متعلق به. "وثناء" معطوف على ود. "من" اسم موصوف مفعول أخصص. "صدق" فعل ماض والجملة صلة من.(3/184)
وما مقيدًا؛ وهو: أو، وأم1، فشرطهما ألا يقتضيا إضرابًا2.
وما يقتضي التشريك في اللفظ دون المعنى؛ إما لكونه يثبت لما بعده ما انتفى عما قبله؛ وهو "بل" عند الجميع، و"لكن" عند سيبويه وموافقيه3.
وإما لكونه بالعكس4، وهو "لا" عند الجميع5، و"ليس" عند البغداديين؛ كقوله:
__________
1 ذهب أبو عبيدة إلى أن "أم" حرف استفهام كالهمزة.
2 فإن اقتضيا إضرابا كانا مشتركين في اللفظ فقط، مثل "بل"، وإلى الحروف الستة المذكورة أشار الناظم بقوله:
فالعطف مطلقا بواو ثم فا ... حتى أم أو كـ "فيك صدق ووفا"*
أي أنه يعطف بالواو، وثم، والفاء، وحتى، وأم، وأو، فتفيد مشاركة المعطوف مع المعطوف عليه مطلقا؛ أي في اللفظ والمعنى.
3 يرى يونس: أن "لكن" حرف استدراك دائماً، وعندما تأتي عاطفة تكون قبلها الواو؛ لتكون هي العاطفة، وسيأتي بيان واف عن "لكن" قريباً.
5 سيأتي بيان شاف لكل منها، وإلى ذلك يشير الناظم بقوله:
وأتبعت لفظا فحسب بل ولا ... لكن كـ" لم يبد امرؤ لكن طلا"**
أي: وأتبعت وأفادت مشاركة المعطوف للمعطوف عليه في اللفظ فقط؛ أي في الإعراب لا في المعنى، "بلن ولا، ولكن" والطلا -بالقصر- ولد الظبية حين يولد، أو ولد البقرة الوحشية، أو ولد ذات الظلف مطلقا وجمعه أطلاء.
__________
* فالعطف" مبتدأ. "مطلقا" حال من المبتدأ على رأي سيبويه، أو من الضمير المستتر في الخبر؛ وهو "بواو"، على رأي من يجيز تقديم الحال على عاملها الجار والمجرور. "ثم، فا، حتى، أم، أو" معطوفات بعاطف مقدر على واو بقصد اللفظ. "كفيك" الكاف جارة لقول محذوف، و"فيك" خبر مقدم. "صدق" مبتدأ مؤخر. "ووفا" معطوف على صدق.
** "وأتبعت" فعل ماض والتاء للتأنيث. "لفظا"، و"حسب" بمعنى كاف، مبتدأ مبني على الضمن وخبره محذوف؛ أي فحسبك ذلك؛ "بل" فاعل أتبت "ولا، لكن" معطوفان على بل بحذف العاطف من لكن. "امرؤ" فاعل يبد. "لكن" حرف عطف. "طلا" معطوف على "امرؤ".(3/185)
إنما يجزي الفتى ليس الجمل1
__________
1 عجز بيت من الرمل، للبيد بن ربيعة العامري، يحث على المعروف وحسن الكافأة، وصدره:
وإذا أقرضت قرضاً فأجزه
وهذا البيت من قصيدته التي مطلعها:
إن تقوى الله من خير نفل ... وبإذن الله ريثي والعجل
اللغة والإعراب: النفل: الغنيمة، الريث: الإبطاء والتمهل. أقرضت قرضا: أعطيت شيئا من المال على سبيل القرض لتؤديه بعد؛ والمراد: قدمت إليك معونة ما، أو صنع معك معروف، فأجزه: كافئ صاحبه الفتى: الإنسان. الجمل: الحيوان المعروف، وقد يراد بالفتى الشاب الذي في طراوة الشباب، وبالجمل الرجل الذي تقدمت به السن. "وإذا" ظرف للزمان المستقبل مضمن معنى الشرط. "أقرضت" فعل ماض للمجهول، فعل الشرط، والتاء نائب فاعل. "فاجزه" الفاء واقعة في جواب الشرط، واجزه فعل أمر، والفاعل أنت والهاء مفعوله؛ "إنما" أداة حصر. "يجزى الفتى" فعل وفاعل. "ليس" حرف عطف بمعنى "لا"، على مذهب البغداديين. "الجمل" معطوف على الفتى.
المعنى: استعمال "ليس" حرف عطف بمعنى "لا"، لتنفي عما بعدها صنع الخير الذي ثبت لما قبلها. وهذا قول البغداديين، تبعا لابن عصفور وبعض الكوفيينن وجرى عليه الناظم في التسهيل، ويخرجه المانعون على أن "ليس" فعل ماض ناقص، و"الجمل" اسمها، وخبرها محذوف؛ أي ليس الجمل جازيا.(3/186)
فصل: في الواو "معناها، حكمها، ما تنفرد به"
أما الواو؛ فلمطلق الجمع1؛ فتعطف متأخراً في الحكم، نحو: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} 2.
__________
1 أي الاجتماع والاشتراك بين المتعاطفين في المعنى والحكم، من غير دلالة على مصاحبة، أو ترتيب زني، أو مهلة، أو نحو ذلك. وخالف في ذلك البعض وقالوا إنها للترتيب.
2 من الآية: 26 من سورة الحديد.(3/186)
ومتقدماً؛ نحو: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} 1، ومصاحباً؛ نحو: {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَة} 2.
وتنفرد الواو3 بانها تعطف اسما على اسم لا يكتفي الكلام به4؛ كـ"اختصم زيد وعمرو، واصطف زيد وعمرو، وجلست بين زيد وعمرو؛ إذا الاختصام والتضارب والاصطفاف والبينية، من المعاني النسبية التي لا تقوم إلا باثنين فصاعداً5. ومن هنا قال
__________
1 من الآية: 3 من سورة الشورى؛ فـ"الذين" معطوف على الكاف مع إعادة الجار، عطف متقدم على متأخر.
2 فـ"أصحاب السفينة" معطوف على الهاء عطف مصاحب في الإنجاء على مصاحبه، ومضاف إليه، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
فاعطف بواو لاحقاً أو سابقاً ... في الحكم أو مصاحباً موافقا
أي أعطف بالواو: اللاحق والسابق والمصاحب في الحكم كما مثل المصنف؛ لأنها تدل على مطلق الاجتماع والاشتراك في الحكم بلا قيد ما؛ وإنما تفيد ذلك إذا كان المتعاطفان مفردين، ولم تقع بعدها "إما" الثانية، ولم تكن هنالك قرينة تدل على عدم التجرد للتشريك، المطلق؛ فإن وقعت بعدها "إما" الثانية، فمعناها يوحي به المقام كما سيأتي. وإن وجدت قرينة، وجب الأخذ بما تدل عليه.
هذا: واستعمالها في المعية والمصاحبة أكثر، وفي تقدم ما قبلها كثير، وفي تأخره قليل.
3 أي من بين سائر حروف العطف. ولها مواضع أخرى تنفرد بها تقدم بعضها.
4 أي بالمعطوف عليه في أداء معناه؛ وذلك حين يتطلب الحكم متعددا؛ كالاختصام، والمساواة، ونحوها، كما مثل المصنف.
5 أي: ولا يمكن أن تكون من طرف واحد؛ وذلك مثل: تنازع، وتصالح، وتشارك، وتعاون ... إلخ؛ وإنما انفردت الواو بهذا؛ لأنها لمطلق الجمع؛ وتترجح فيها المعية، قال الناظم مشيرا إلى ذلك:
__________
* "لاحقا" مفعول أعطف. "أو سابقا" معطوف عليه."في الحكم " متعلق بسابقا وقد تنازعه الوصفان قبله. "أو مصاحبا" معطوف على سابقا. "موافقا" نعت له.(3/187)
الأصمعي: الصواب أن يقال:
بين الدخول وحومل بالواو1
__________
واخصص بها عطف الذي لا يغني ... متبوعه كـ"اصطف هذا وابني"
أي اخصص الواو -من بين حروف العطف- بأن يعطف بها، حيث لا يكتفي بالمعطوف عليه في تحقيق معنى العامل؛ كالمثال الذي ذكره الناظم؛ فإن الاصطفاف يتطلب أكثر من واحد.
1 لأن البينية لا يتحقق معناها بواحد. ولا يعطف فيها بالفاء؛ لأن الفاء تدل على الترتيب، وهذا بعض بيت من الطويل، لامرئ القيس بن حجر الكندي، وهو مطلع معلقته وأوله:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى........................
اللغة والإعراب: قفا: فعل أمر من الوقوف، والألف فيه للاثنين. وقيل منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة، والمخاطب واحد، وعوملت الكلمة في الوصل، كما تعامل في الوقف. ذكرى: مصدر بمعنى التذكر. سقط اللوى: السقط -بتثليث السين وسكون القاف- منقطع الرمل حيث يستدق طرفه، واللوى: رمل يتلوى وينحني، الدخول: اسم موضع، وكذلك حومل. "نبك" فعل مضارع مجزوم في جواب الأمر. "من ذكرى" متعلق بنبك. "حبيب" مضاف إليه. "بسقط اللوى" بسقط جار ومجرور، واللوى مضاف إليه متعلق بمحذوف، صفة لمنزل. "بين الدخول" بين ظرف مكان، والدخول مضاف إليه، صفة ثانية."فحومل" معطوف على الدخول.
المعنى: قفا يا صاحبي وشاركاني في البكاء وإرسال الدموع؛ من أجل تذكر حبيب كان يقيم هنا، ومنزل كان عامرا به، بين هذين الموضعين.
الشاهد: في قوله: "بين الدخول وحومل"؛ فإن "بين" لا تضاف إلا إلى متعدد والفاء تدل على الترتيب من غير مهملة؛ فالبينية غير متحققة هنا؛ وإنما تتحقق بالعطف بالواو التي تدل على اشتراك العاطف والمعطوف معا دفعة واحدة في مدلول العامل؛ ولهذا خطأ الأصمعي امرأ القيس. وقد عني العلماء بتصحيح قول امرئ القيس، كما بين ذلك المصنف.
__________
* "عطف" مفعول اخصص. "الذي" مضاف إليه."لا يغني متبوعه" الجملة من الفعل المنفي ونائب فاعله صلة الذي. "هذا" فاعل اصطف. "وابني" معطوف على "هذا".(3/188)
وحجة الجماعة: أن التقدير: بين أماكن الدخول فأماكن حومل1؛ فهو بمنزلة: اختصم الزيدون فالعمرون2.
__________
1 أي أن كلمتي الدخول وحومل هنا، لا يراد بهما جزئي مشخص؛ وإنما يراد بهما أجزاء هذين المكانين، وهنالك مضاف محوذف يفيد هذا التعدد؛ مثل: أماكن، أو مواضع، أو أجزاء الدخول وحومل. وقدر يعقوب بين أهل الدخول....إلخ.
2 يقال هذا إذا كان كل فرد من كل فريق خصمًا لمن هو من فريقه، فيكون اختصاص العمرين بعضهم مع بعض عقب اختصام الزيدين بعضهم مع بعض.
هذا: وتختص الواو كذلك بعطف الشيء على مرادفه، لتقوية معنى المعطوف عليه وتأكيده؛ نحو: البغي والظلم وبال على صاحبه، ومنه قوله تعالى: {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} . وبعطف النعوت المتعددة المتفرقة التي منعوتها متعدد غير متفرق؛ نحو: أصبحت بلادنا زراعية وصناعية وتجارية.
وبوقوعها قبل "إما" المسبوقة بمثلها؛ نحو: إنكار المعروف إما جهل، وإما عدم تقدير. وبوقوع "لا" النافية بعدها إذا عطفت مفدرا بعد نفي أو نهي، نحو: الكريم لا يحب البخل ولا الرياء، ومنه قوله تعالى: {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} ... إلخ، من الآية2 من سورة المائدة، فتكرار "لا" يفيد أن النفي والنهي واقعان على كل من الصفتين وحدها، وعدم تكرارها يوهم أنهما مقصوران على حالة اجتماعهما. وباقترانهما بالحرف "لكن"، كقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} ، فالواو هي العاطفة، أما "لكن" فحرف استدراك.
وبعطف العام على الخاص؛ نحو قوله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} من الآية 28 من سورة نوح. أما عطف الخاص على العام لمزية في الخاص؛ فتشاركها فيه "حتى" نحو: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} ... الآية، ومات الناس حتى الأنبياءز وتختص كذلك بالعطف في التحذير، والإغراء؛ نحو: المروءة والنجدة، ومنه قوله تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} ، وغير ذلك كثير. قد أوصل النحاة ما تختص به الواو، إلى واحد وعشرين نوعا، وسيذكر المصنف في آخر الباب بعضاً آخر مما تختص به.(3/189)
وأما الفاء: فللترتيب1 والتعقيب2؛ نحو: {أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} 3.
وكثيراً ما تقتضي أيضاً التسبب4، إن كان المعطوف جملة5؛ نحو: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} .
واعترض على الأول6 بقوله تعالى: {أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} 7.
ونحو "توضأ فغسل وجه ويديه" ... الحديث8.
والجواب، أن المعنى: أردنا إهلاكها، وأراد الوضوء9.
__________
1 أي بنوعيه: المعنوي، والذكرى والمراد بالترتيب المعنوي: أن يكون زمن تحقق المعنى في المعطوف، متأخرا عنه في المعطوف عليه؛ نحو: من الخير الإنصات؛ فالسماع، فمحاولة الفهم. أما الترتيب الذكري، فهو: وقوع المعطوف بعد المعطوف عليه بحسب التحدث عنهما، لا بحسب زمان وقوع المعنى على أحدهما؛ نحو: حدثنا المعلم عن أبي بكر فعثمان فعمر.
2 التعقيب هو: اتصال المعطوف بالمعطوف عليه بلا مهلة، وقصر المدة التي بين وقوع المعنى عليهما، والتعقيب في كل شيء بحسبه.
3 من الآية 21 من سورة عبس.
4 أي الدلالة على السببية؛ بأن يكون المعطوف متسبباً عن المعطوف عليه، ولكنها لا تسمى فاء السببية، إلا إذا دخلت على مضارع منصوب بأن المصدرية المضمرة، كما سيأتي في موضعه.
5 أي في الغالب، وكذلك إذا كان المعطوف وصفا مشتقا؛ نحو: الطلبة واثقون بأنفسهم فمقبلون على الاختبار؛ ففائزون، ومثل قوله تعالى: {لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ، فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} . الآيتان 52، 53 من سورة الواقعة.
6 وهو الترتيب المعنوي.
7 من الآية 4 من سورة الأعراف.
8 فإن الإهلاك متأخر عن مجيء البأس في المعنى، وهو متقدم عليه في التلاوة والذكر وغسل الأعضاء الأربعة متقدم في المعنى، ومتأخر عن الوضوء في الذكر.
9 وبهذا انتفى الاعتراض؛ فإن إرادة الإهلاك متقدمة على البأس، وإرادة الوضوء سابقًا على غسل الأعضاء. وأجيب أيضاً: بأن الفاء في الآية والحديث للترتيب الذكري لا المعنوي، لأن ما بعدها تفصيل للمجمل قبلها.(3/190)
وعلى الثاني1 بقوله تعالى: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً} 2.
والجواب: أن التقدير: فمضت مدة فجعله غثاء3، أو بأن "الفاء" نابت عن "ثم" كما جاء عكسه، وسيأتي.
وتختص الفاء: بأنها تعطف على الصلة ما لا يصح كونه صلة؛ لخلوه من العائد4؛ نحو: اللذان يقومان فيغضب زيد أخواك5. وعكسه6؛ نحو: الذي يقدم أخواك فيغضب هو زيد7.
__________
1 أي وهو التعقيب.
2 أي: بعد قوله تعالى: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} ؛ فإن جعله غثاء أحوى، لا يعقب إخراج المرعى، ولا يتصل به، ومعنى غثاء: جافا هشيماً. والأحوى: الأسود. من الآية 5 من سورة الأعلى.
3 أي فيكون المعطوف عليه محذوفا، وقد قيل: إن هذا لا يدفع الاعتراض؛ لأن مضي المدة لا يعقب الإخراج، وأجيب بأنه يكفي أن يكون أول أجزاء المضي متعقبا للإخراج، وإن لم يحصل بتمامه إلا في زمن طويل؛ نحو قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً} ، من الآية 33 من سورة الحج. فإن اخضرار الأرض يبتدي بعد نزول المطر، لكن لا يتم إلا في مدة ومهلة.
4 ذلك لأن ما في الفاء من معنى السببية، جعل ما بعدها مع ما قبلها في حكم جملة واحدة، فأغنى ذلك عن الرابط.
5 "اللذان" مبتدأ. "يقومان" الجملة صلة. "فيغضب زيد" الجملة معطوفة بالفاء على جملة يقومان الواقعة صلة، وكان القياس عدم صحة العطف؛ لخلوها عن ضمير يعود إلى الموصول؛ لأنها رفعت الظاهر، وهو "زيد"، ولكن عطفها بالفاء سوغ ذلك؛ لما في الفاء من معنى السبب كما بينا. "أخواك" خبر المبتدأ.
6 أي: وهو أن تعطف الفاء ما يصلح أن يكون صلة، على ما لا يصلح لذلك.
7 "الذي" اسم موصول مبتدأ. "يقوم أخواك" الجملة صلة، وهي خالية من ضمير يعود إلى الموصول؛ فكان القياس عدم صلاحيتها، ولكن عطف جملة "فيغضب هو" عليها بالفاء، وهي مشتملة على عائد إلى الموصول، سوغ ذلك. "زيد" خبر المبتدأ، والعائد هو الضمير(3/191)
ومثل ذلك جار في الخبر، والصفة، والحال1؛ نحو: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً} 2. وقوله:
وإنسان عيني يحسر الماء تارة ... فيبدو......................3
__________
المستتر في "يغضب"، أما لفظ "هو" فتوكيد له. ويجوز: أن يكون مبتدأ، و"زيد" خبره، والجملة خبر الذي، كما يحتمل أن يكون فاعلا ليغضب، وأبرز لدفع توهم كون "زيد" فاعلا.
1 فتعطف بالفاء على كل منها ما لا يصلح أن يكون خبرا أو صفة أو حالا، وبالعكس؛ "أي" تعطف جملة تصلح لتلك الأشياء على جملة لا تصلح.
2 جملة {فَتُصْبِحُ الأَرْضُ} معطوفة بالفاء على جملة {أُنْزِلَ} الواقعة خبرا لأن، وهي خالية من ضمير يعود على اسم "أن"؛ ولكن اقترانها بالفاء سوغ ذلك.
3 جزء من بيت الطويل لذي الرمة، غيلان بن عقبة وتمامه:
.............................. ... وتارات يجم فيغرق
اللغة والإعراب: إنسان عيني: هو النقطة السوداء اللامعة وسط سواد العين. يحسر: ينكشف وينزاح. فيبدو: فيظهر. يجم: يكثر. "إنسان عيني" إنسان مبتدأ، وعيني مضاف إليه. "الماء" فاعل يحسر على أنه مبني للمعلوم، ونائب فاعل إذا بني للمجهول، والجملة خبر المبتدأ "تارة" مفعول مطلق. "فيبدو" الفاء عاطفة، و"يبدو" فعل مضارع، والفاعل يعود على إنسان العين. "وتارات" معطوف على تارة. "يجم" الجملة خبر لـ مبتدأ محذوف؛ أي هو يجم. "فيغرق" معطوف على يجم.
المعنى: أن إنسان العين ينكشف عنه الماء ويزول أحياناً، فيظهر الإنسان للرائي، وأحياناً يكثر الماء في العين فيغرق إنسانها ويستتر ولا يرى.
الشاهد: عطف جملة "فيبدو"- وهي تصلح أن تكون خبرا عن المبتدأ، وهو "إنسان"؛ لاشتمالها على ضمير يعود إليه- على جملة لا تصلح لذلك لخلوها من ذلك الضمير؛ وهي جملة "يحسر الماء".
ومثال عطفها جملة لا تصلح أن تكون صفة لخلوها من عائد يعود على الموصوف، على أخرى تصلح لذلك: هذا قائد يسهر على حراسة الشعب فتسعد الرعية، وعكسه نحو: هذا قائد شكت الرعية فأزال أسباب الشكوى، ومثال عطفها جملة لا تصلح حالا، على(3/192)
وأما "ثم" فللترتيب والتراخي1؛ نحو: {فَأَقْبَرَهُ، ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} 2. وقد توضع موضع الفاء؛ كقوله:
جرى في الأنابيب ثم اضطرب3
__________
أخرى تصلح أن تقول: أقبل محمد يضحك فتنشرح قلوب الزملاء، وعكسه نحو: أقبل محمد تنشرح قلوب الزملاء فيضحك، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
واخصص بفاء عطف ما ليس صله ... على الذي استقر أنه الصلة
أي تختص الفاء بأنها تعطف جملة لا تصلح أن تكون صلة لخلوها من الرابط على جملة أخرى تصلح صلة لاشتمالها على الرابط، ومثل الصلة: الخبر، والصفة، والحال، كما بينا. ومن أحكام الفاء: أنها لا تنفصل من معطوفها بفاصل مطلقا، وتعطف المفردات، كما تعطف الجمل، ويجوز حذفها بقرينة؛ تقول: أنفقت المال جنيها، جنهين، ثلاثة. وتشترك مع الواو في أن كلا منهما يعطف عاملا قد حذف وبقي معموله؛ تقول: اشتريت الكتاب بدينار فصاعدا، أي فذهب الثمن صاعدا. وسيأتي إيضاح ذلك، وإن كلا يجوز حذفه عند أمن اللبس، وحذف الواو أكثر.
1 التراخي هو: انقضاء مدة زمنية بين وقوع المعنى على المعطوف عليه، ووقوعه على المعطوف. وتحديد هذه المدة متروك للعرف. و"ثم" تعطف المفردات والجمل، وقد تدخل عليها تاء التأنيث لتأنيث اللفظ، فتختص بعطف الجمل؛ نحو: من ظفر بمطلوبه ثم أهمل في الحفاظ عليه فلا يلومن إلا نفسه. وتكتب بتاء غير مربوطة.
2 الآية 22 من سورة عبس.
3 عجز بيت من المتقارب لأبي داؤد، حارثة بن الحجاج الإيادي، من قصيدة يصف فيها فرسه، وصدره:
كهز الرديني تحت العجاج
اللغة والإعراب: الرديني: الرمح المنسوب إلى ردينة، وهي امرأة اشتهرت بصنع
__________
* "عطف" مفعول اخصص. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "ليس صلة" الجملة من ليس ومعموليها صلة ما. "على الذي" متعلق بعطف. "أنه الصله" المصدر المؤول من أن ومعموليها فاعل استقر، وجملة "استقر" من الفعل والفاعل صلة الموصول.(3/193)
.................................................................................................................
__________
الرماح بهجر. العجاج: الغبار، والمراد: ما تثيره أقدام المتحاربين أو خيولهم الأنابيب: جمع أنبوب، وهوما بين كل عقدتين من القصب. "كهز" جار ومجرور، خبر لمبتدأ محذوف. "الرديني" مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله. والمشبه: اهتزاز فرس كانت تحت الممدوح. "تحت العجاج" تحت ظرف مكان منصوب بهز، والعجاج مضاف إليه."جرى" فعل ماض فاعله يعود على الهز. "ثم" حرف عطف بمعنى الفاء. "اضطرب" فعل ماض مبني على الفتح، وسكن للروي. والمعنى: إن اهتزاز هذا الفرس، وسرعة عدوه ذهابا وجيئة أثناء القتال، يشبه اهتزاز الرمح واضطرابه، في سرعة وخفة في كل ناحية تحت غبار المعركة.
الشاهد: في قوله: "ثم اضطرب"؛ فإن "ثم" هنا بمعنى الفاء؛ لأن اضطراب الرمح يحدث عقب اهتزاز أنابيبه مباشرة في لحظات من غير مهلة. وفي معنى "الفاء" و"ثم" يقول الناظم:
والفاء للترتيب باتصال ... و"ثم" للترتيب بانفصال
ومعنى "باتصال" أي من غير مهلة زمنية، وهو ما يعبر عنه بالتعقيب. ومعنى "بانفصال": أي بمهلة زمنية؛ وهي التراخي.
هذا: وقد ترد "ثم" للترتيب الذكري الإخباري، أي الذي يقصد به مجر الإخبار وسرد المعطوفات، من غير ملاحظة ترتيب كلامي سابق، ولا ترتيب زمني حقيقي، كقول الشاعر:
إن من ساد ثم ساد أبوه ... ثم قد ساد قبل ذلك جده
هذا: وقد تدخل همزة الاستفهام على ثم، والواو، والفاء؛ مثل: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} ، {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} ، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْض} .
فقيل: إن الهمزة تقدمت على العاطف لأصالتها في التصدير، وقيل: إن هذه حروف استئناف داخلة على جملة مستأنفة.
__________
* "والفاء" مبتدأ. "للترتيب" متعلق بمحذوف خبر. "باتصال" جار ومجرور متعلق بمحذوف، حال من الترتيب، وإعراب الشطر الثاني كذلك.(3/194)
وأما "حتى"1: فالعطف بها قليل، والكوفيون ينكرونه2، وشرطه أربعة أمور:
أحدها: كون المعطوف اسماً3.
والثاني: كون المعطوف اسما4.
والثالث: كونه بعضاً من المعطوف عليه، إما بالتحقيق5؛ نحو: أكلت السمكة حتى رأسها، أو بالتأويل6 كقوله:
ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ... والزاد حتى نعله ألقاها7
__________
1 معناها: ترتيب أجزاء ما قبلها ذهنا، والدلالة على أن المعطوف بلغ الغاية في الزيادة أو النقص، بالنسبة للمعطوف عليه؛ سواء كانت هذه الغاية حسية أو معنوية، محمودة أو مذمومة. وكل هذا بحسب التخيل.
2 ويعربونها ابتدائية في مثل: جاء الطلبة حتى محمد، ورأيت المسافرين حتى عليا، ومررت بالعائدين حتى أخيك، وما بعدها معمول لعامل محذوف.
3 فلا يصح أن يكون فعلا، ولا حرفا، ولا جملة -على العطف- صفحت عن المذنب حتى خجل. وأما على الحرف؛ فلأن الحرف لا يدخل على نظيره غالباً إلا في التوكيد اللفظي أو الضرورة الشعرية. وإذا دخلت على جملة فعلية، أو على جملة اسمية، كانت حروف ابتداء.
4 حقق بعض العلماء الاستغناء عن هذا الشرط، وأجاز المثل المذكور، وفيه تيسير مقبول انظر ترجمة الخضراوي صفحة 49، جزء ثان.
5 وذلك بأن يكون جزءًا من كل؛ كمثال المصنف، أو فردًا من جمع؛ نحو: عاقبت التلاميذ حتى عليًا، أو نوعًا من جنس؛ نحو: أعجبني العنب حتى البناني.
6 أي بتقدير أنه كالبعض؛ لملازمته الكل في كثير من الأحيان، ولأهميته.
7 بيت من الكامل، من كلام أبي مروان النحوي في المتلمس، حين فر من عمرو بن هند لما أراد قتله. والمتلمس: لقب جرير بن عبد المسيح، وبعد هذا البيت:
ومضى يظن بريد عمرو خلفه ... خوفا وفارق أرضه وقلاها
اللغة والإعراب: ألقى: رمى إلى الأرض. الصحيفة: ما يكتب فيه من ورق وغيره.(3/195)
فيمن نصب نعله؛ فإن ما قبلها في تأويل ألقى ما يثقله1. أو شبيهاً بالبعض2؛ كقولك: أعجبتني الجارية حتى كلامها، ويمتنع: حتى ولدها3.
وضابط ذلك: أنه إن حسن الاستثناء حسن دخول حتى4.
والرابع: كونه غاية في زيادة حسية؛ نحو: فلان يهب الأعداد الكثيرة حتى الألوف، أو معنوية؛ نحو: مات الناس حتى الأنبياء أو الملوك5.
__________
رحله: الرحل: ما يستصحبه المرء من المتاع، وهو أيضاً: ما يوضع على ظهر الناقة، بمنزلة السرج للفرس، والزاد: كل ما يستصحبه المسافر ليبلغه مقصده. "ألقى" فعل ماض، وفاعله يعود على المتلمس. "الصحيفة" مفعوله. "كي": حرف تعليل. "يخفف" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد "كي". "والزاد" معطوف على الصحيفة. "حتى" حرف عطف. "نعله" معطوف على الزاد.
المعنى: أن المتلمس رمى بالصحيفة ليخفف ما معه من متاع، وألقى كذلك ما معه من زاد يتبلغ به، حتى نعله التي يلبسها رمى بها، وكان من أمر هذه الصحيفة: أنه وطرفة هجيًا عمرو بن هند الملك، ثم مدحاه بعد ذلك؛ فكتب لكل منهما صحيفة إلى عاملة بالحيرة وختمها، وأمره فيها بقتلهما. وأوهمهما أنه كتب لهما بصلة؛ فلما بلغا الحيرة فتح المتلمس صحيفة، وعلم بما فيها فألقاها في النهر وفر إلى الشام. وأبي طرفة أن يفتح صحيفة، ودفعها إلى العامل فقتله.
الشاهد: عطف "نعله" بحتى على ما قبله؛ لأنه بعض من المعطوف عليه بالتأويل كما بين المصنف، ويحتمل أنه منصوب بفعل محذوف يفسره "ألقاها"، وهذا على رواية النصب، وروي بالرفع؛ على أن "حتى" ابتدائية، و"نعله" مبتدأ، وجملة "ألقاها" في محل رفع خبر، كما روي بالجر، على أن "حتى" حرف غاية وجر، و"نعله" مجرور بها.
1 ولا شك أن النعل بعض ما يثقله ويتعب حركته في الهرب.
2 أي في شدة الاتصال به؛ كالعرض الملازم للكل، من غير أن يدخل في تكوينه، مثل: العلم، واللون، والخلق، والصوت، والكلام ... إلخ.
3 لأن الولد ليس جزءًا ولا شبيهاً بالجزء بخلاف الكلام كما أوضحنا.
4 المراد: الاستثناء المتصل؛ لأن شرط الاستثناء المتصل: أن يتناول ما قبل أداته ما بعدها نصًا.
5 فإن الأنبياء والملوك غاية الناس في الزيادة المعنوية؛ وهي الاتصاف بالنبوة والملك؛ ولهذا لا(3/196)
أو في نقص كذلك؛ نحو: المؤمن يجزى بالحسنات حتى مثقال الذرة؛ ونحو: غلبك الناس حتى الصبيان أو النساء1. وأما "أم"، فضربان: منقطعة وستأتي، ومتصلة، وهي المسبوقة؛ إما بهمزة التسوية2؛.....................................................................
__________
1 غاية النقص المعنوي في الصبيان والنساء هي: الاتصاف بالصبا والأنوثة. وقد اجتمع المعنيان في قول الشاعر:
قهرناكمو حتى الكمأة فأنتم ... تهابوننا حتى بنينا الأصاغرا
فإن فقد شرط من هذه الشروط لا تكون حتى عاطفة. و"حتى" العاطفة لمطلق الجمع، كالواو عند عدم القرينة. ولا تفيد ترتيبًا زمنيًا بين العاطف والمعطوف، والمعتبر فيها ترتيب أجزاء ما قبلها ذهنا من الأضعف إلى الأقوى وبالعكس. وإذا عطف بها آخر شيء، على معطوف مجرور بحرف، وجب إعادة هذا الحرف بعدها؛ لأن المعنى يلتبس بعدم إعادته، وتلتبس هي بالجارة؛ تقول: سافرت في الأسبوع الماضي حتى في آخره؛ إذا كان السفر في أوقات متقطعة في الأسبوع؛ فلو لم تذكر "في" ثانية، لاحتمل أن السفر متصل من أول الأسبوع إلى آخره.
ولا تعطف "حتى" نعتا على نعت، وتكون كالواو في عطفها الخاص على العام، وفي "حتى" وشروطها يقول الناظم:
بعضاً بحتى اعطف على "كل" ولا ... يكون إلا غاية الذي تلا
أي اعطف بحتى بعضًا على كل، أي أن يكون المعطوف جزءًا من المعطوف عليه، ولا يكون المعطوف إلا غاية للذي تلاه، وهو المعطوف عليه. والمراد: الغاية في الزيادة أو النقص، كما أوضح المصنف.
2 سميت بذلك لوقوعها غالبا بعد لفظ "سواء"، أو: لا أبالي، أو" لا أدري، أو ما يشبهها؛ في الدلالة على أن الجملتين بعدها متساويتان في الحكم عند المتكلم.
__________
* "بعضا" مفعول مقدم لاعطف. "بحتى" متعلق باعطف. "ولا" الواو للحال، و"لا" نافية. "يكون" فعل مضارع ناقص واسمها يعود إلى بعض؛ "إلا" أداة استثناء ملغاة. "غاية" خبر يكون. "الذي مضاف إليه. "تلا" الجملة صلة، وجملة "يكون" من اسمها وخبرها حال من بعض، ومجيء الحال من النكرة بلا مسوغ قليل.(3/197)
وهي الداخلة على جملة في محل المصدر1.
وتكون هي والمعطوفة عليها: فعليتين؛ نحو: {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} 2. أو اسميتين؛ كقوله:
أموتي ناء أمهو الآن واقع3
__________
1 بيان لعلامتها؛ وهي: أن تتوسط بين جملتين خبريتين قبلهما الهمزة، وكلتا الجملتين يصلح أن يحل محلها هي والهمزة مصدر مؤول منهما معًا.
2 أعرب الجمهور لفظ "سواء" خبرًا مقدمًا عن الجملة التي بعده، لتأويلها بمصدر؛ أي إنذارك وعدمه سواء، ويجوز العكس. وسوغ الابتداء بسواه، تعلق الجار والمجرور به وهذا من مواضع سبك الجملة بلا سابك. ومنها: الجملة المضاف إليها الظرف؛ نحو قوله تعالى: {هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} ، من الآية 119 من سورة المائدة، ومنها قولهم: "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه"، بناء على عدم تقدير "أن" قبل تسمع.
3 عجز بيت من الطويل لم يعرف قائله، ويظهر أنه لمتمم بن نويرة في رثاء أخيه مالك، وصدره:
ولست أبالي بعد فقدي مالكًا
اللغة والإعراب: أبالي: أكثرت وأعبأ. ناء: بعيد: وهو اسم فاعل من نأى ينأى؛ أي بعد. "لست" ليس واسمها. "أبالي" الجملة خبرها. "بعد"ظرف متعلق بأبالي. "فقدي" مضاف إليه، وهو مصدر مضاف إلى الياء، فاعله. "مالكاً مفعوله. "أموتي" الهمزة للاستفهام، و"موت" مبتدأ. "ناء" خبر مرفوع بضمة مقدرة على الباء المحذوفة، والجملة في محل نصب مفعول أبالي. وقد علق عن العمل في اللفظ بالاستفهام. "أم" عاطفة متصلة. "هو" ضمير منفصل مبتدأ. "الآن" منصوب على الظرفية الزمانية. "واقع" خبر المبتدأ.
المعنى: لست مهتمًا ولا مكترثًا بشيء في الحياة، بعد أن فقدت أخي مالكًا، ولا يعنيني -وقد فقدته- أن يكون موتي بعيدًا، أو ينزل بي الآن.
الشاهد: وقوع "أم" بين جملتين اسميتن، وقد عطفت إحداهما على الأخرى، والتقدير: لست أبالي نأي موتي أو وقوعه الآن.(3/198)
مختلفتني؛ نحو: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ} 1.
وإما بهزة يطلب بها، وبـ"أم التعيين2،.....................................................................
__________
1 الجملة المعطوف عليها فعلية، والمعطوف اسمية، والتقدير: سواء عليكم دعاؤكم إياهم -أي الأصنام- وصمتكم. من الآية 93 من سورة الأعراف.
ومثال العكس: لا يبالي المخلص في عمله؛ أرئيسه حاضر أم يغيب. والمصدر المؤول هنا مفعول به، والتقدير: لا يبالي المخلص حضور رئيسه وغيابه.
ومما تقدم يتبين: أن "أم" المتصلة المسبوقة بهمزة التسوية لا تعطف إلا جملة على جملة، وعطفها للمفرد نادر لا يقاس عليه. وهمزة التسوية لا شأن لا بالاستفهام بعد أن تمحضت للتسوية.
2 قوله: "وإما بهمزة معطوف على قوله قبل: "إما بهمزة التسوية". وهمزة التعيين عند كثير من النحاة هي الواقعة بعد: ليت شعري، ولا أعلم، وما أدري، ونحوهما؛ لأن هذه الألفاظ ليست في حكم "لا أبالي" التي تكون الهمزة بعدها للتسوية، كما أسلفنا؛ لأن قائلها يريد: لا أدرين ولا أعلم، وليت شعري، جواب هذا الاستفهام، ولا يقصد التسوية. وهذا صحيح عند عدم القرينة؛ فإن دل السياق على غير ذلك. وجب النزول على ما يحدده السياق.
وعلامة "أم" المسبوقة بهمزة العيين: أن تقع بين شيئين ينسب لواحد منهما -غير معين- أمر ما معروف للمتكلم، وقبلهما همزة استفهام يقصد بها وبأم تعيين أحد هذين الشيئين، وتسد "أي" مسد الهمزة مع "أم" في طلب التعيين، وهما يغنيان عن "أي" في ذلك، وفي "أم" المتصلة بنوعيه يقول الناظم:
و"أم" بها اعطف إثر همزة التسويه ... أو همزة عن لفظ "أي" مغنيه
أي: أن"أم" يعطف بها بعد همزة التسوية، وقد شرحها المصنف. وبعد الهمزة التي تغني مع "أم" عن لفظ "أي" في طلب التعيين، وهي الهمزة التي يطلب بها وبأم التعيين على النحو الذي بيناه. وسميت "أم" في هذين النوعين متصلة؛ لأنها تقع بين شيئين لا يكتفي
__________
* "وأم" مبتدأ قصد لفظها. "بها" متعلق باعطف، وجملة اعطف خبر المبتدأ. "إثر" ظرف بمعنى بعد، متعلق باعطف. "همز التسوية" مضاف إليه. "وهمزة" معطوف على همز. "عن لفظ أي" جار ومجرور متعلق بـ"مغنيه"، ومضاف إليه. "مغنيه" نعت لهمزة.(3/199)
وتقع بين مفردين؛ متوسطًا بينهما ما لا يسأل عنه؛ نحو: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمُ السَّمَاءُ} 1.
أو متأخراً عنهما؛ نحو: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} 2. وبين فعليتين؛ كقوله:
فقلت أهي سرت أم عادني حلم3
__________
بأحدهما في تأدية المعنى المطلوب؛ لأن التسوية وطلب التعيين لا يكونان إلا بين متعدد، وتسمى كذلك:"أم" المعادلة، لمعادلتها الهمزة في إفادة التسوية في النوع الأول، وإفادة الاستفهام في النوع الثاني.
وتخالف همزة التسوية، الهمزة التي يطلب بها التعيين في أن الأولى لا تستلزم جوابًا؛ لأن الكلام معها خبر قابل للصدق والكذب. أما الثانية، فتتطلب جوابًا بتعيين أحد الشيئين؛ لأنها لم تنسلخ عن الاستفهام.
1 الاستفهام هنا توبيخي، والسؤال عن المبتدأ وهو "أنتم"، والمعادل "السماءِ" المعطوفة على أنتم، وهما مفردان، وقد توسط بينهما غير المسئول عنه؛ وهو {أَشَدُّ خَلْقًا} الواقع خبرًا تقديرًا عن المتعاطفين. من الآية 27 من سورة النازعات.
2 المسئول في هذه الآية عن الخبر وهو قريب وبعيد، والمسئول عنه متأخر، وهو {مَا تُوعَدُونَ} ؛ وذلك لأن شرط الهمزة المعادلة لأم أن يليها أحد الأمرين المطلوب تعيين أحدهما، ويلي "أم" المعادل الآخر؛ ليفهم السامع من أول الأمر ما يطلب تعيينه، ويرى سيبويه: أن إيلاء المسئول عنه الهمزة أولى لا واجب. وإذا عادلت "أم" بين مثبت ومنفي فالغالب أن يلي المثبت الهمزة والمنفي أم.
3 عجز بيت من البسيط لزياد بن حمل؛ وقيل: لزياد بن منقذ العدوي، من كلمة يحن فيها إلى وطنه، وصدره:
فقمت للطيف مرتاعًا فأرقني
وقبله:
زارت رقية شعثاً بعد ما هجعوا ... لدى نواحل في أرساغها الخدم
اللغة والإعراب: الطيف: المراد به خيال المحبوبة الذي يراه في النوم. مرتاعًا: خائفًا؛(3/200)
لأن الأرجح كون "هي" فاعلاً بفعل محذوف.
واسميتين؛ كقوله:
شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر1
__________
يقال: راعه فارتاع؛ أي أفزعه ففزع، ولا ترع؛ أي لا تخف. أرقني: أسهرني. أهي: بسكون الهاء؛ إجراء لهمزة الاستفهام مجرى واو العطف وفائه. سرت: من السرى؛ وهو السير ليلًا. عادني: زارني وأتاني بعد إعراض. "مرتاعًا" حال من التاء في قمت "فأرقني" الفاء عاطفة، وفاعل أرق يعود لى الطيف، والنون للوقاية، والياء مفعول، "أهي" الهمزة للاستفهام، و"هي" فاعل لفعل محذوف يفسره سرت. "أم" عاطفة متصلة. "عادني حلم" الجملة في محل نصب، معطوفة بأم على جملة مقول القول المحذوف، أي فقلت: أهي ... إلخ.
المعنى: استيقظت من النوم فزعًا خائفة؛ لما رأيت في نومي من خيال المحبوبة؛ وقلت في نفسي -وقد أزعجني ذلك وأطار النوم من عيني- أهي المحبوبة جاءت إليَّ ليلا؟ أم ذلك حلم ومنام؟
الشاهد: وقوع "أم" المعادلة لهمزة الاستفهام بين جملتين فعليتين؛ فإن "هي" فاعل لفعل محذوف على الأرجح؛ لأن الاصل في الاستفهام أن يكون عن أحوال الذوات المتجددة، وذلك يكون الفعل.
1 عجز بيت من الطويل؛ نسبه سيبويه للأسود بن يعفر التميمي، يهجو قبيلة شعيث بأنها لا تعزى إلى أب معين، ونسبه بعضهم إلى اللعين المنقري الشاعر: وصدره:
لعمرك ما أدري وإن كنت داريا
اللغة والإعراب: ما أدري: ما أعلم: داريًا: أي من أهل الدراية والعلم بالأنساب. شعيث: اسم حي من بني تميم. سهم: اسم حي من قيس عيلان. منقر: حي ينتهي إلى زيد مناهة بن تميم. "لعمرك" اللام للتوكيد، وعمرك مبتدأ ومصاف إليه، والخبر محذوف وجوبًا؛ أي قسمي. وقد تقدم مثل ذلك. "ما" نافية. "أدري" فعل مضارع. "وإن" الواو اعتراضية، وإن شرطية. "كنت" كان واسمها. "داريا" خبرها، والجملة اعتراضية. "شعيث" مبتدأ، وقد حذفت منه الهمزة. "ابن سهم" "ابن" خبر، وسهم مضاف إليه، والجملة في محل نصب مفعول لأدري، وقد علق عن العمل في اللفظ بالهمزة المحذوفة. "أم" عاطفة(3/201)
الأصل: أشعيث؟ فحذفت الهمزة والتنوين منهما1.
__________
متصلة. "شعيث ابن منقر" شعيث مبتدأ، و"ابن منقر" خبر ومضاف إليه.
المعنى: يقسم الشاعرلا أنه لا يعلم -وإن كان من أهل العلم والمعرفة بالأنساب- أي نسبي شعيث هو الصحيح والحق، أنسبتها إلى سهم، أم نسبتها إلى منقر؟
الشاهد: وقوع "أم" المعادلة بين جملتين اسميتين؛ ولهذا ثبتت همزة "ابن"؛ لأنها تحذف إذا كان "ابن" نعتًا لعلم، ومضافًا إلى علم، والثاني أبو الأول، وهو هنا خبر.
هذا: وقد ذكر سيبويه أنه إذا جاءت همزة التسوية بعد كلمة "سواء"؛ فلا بد من ذكر "أم" العاطفة، فإن لم تجئ الهمزة بعد "سواء" عطف الثاني على الأول بالحرف "أو"؛ نحو: سواء علينا رضي العدو أو سخط. وجاء في المغني: أنه لا يصح العطف بأو بعد "سواء" سواء ذكرت همزة التسوية أم حذفت. وقيل: إن قول الفقهاء: سواء كان كذا أو كذا خطأ، وصوابه "أم". وقد علمت أنه صواب على رأي سيبويه، وحقق بعض العلماء اجتماع همزة التسوية و"أو"، مخالفًا في ذلك رأي سيبويه، وهذا يدل على إباحة استعمال "أو" في جميع الحالات، وهو رأي فيه تيسير، ولا مانع من الأخذ به. أما العطف بـ"أو" بعد همزة الاستفهام فجائزة قياسًا؛ تقول: أسعيد عندك أو بكر، والمعنى: أحدهما عندك أم لا؟ وتخالف همزة التسوية الهمزة التي يطلب بها التعيين في أن الأولى لا تستحق جوابًا؛ لأن الكلام معها خبر قابل للصدق والكذب. أما الثانية فتتطلب جوابًا بتعيين أحد الشيئين؛ لأنها لم تنسلخ عن الاستفهام.
1 أما حذف التنوين فللضرورة، بناء على أن "شعيثًا" مصروف نظرًا إلى الحي. ويحتمل أنه ممنوع من الصرف نظرًا إلى القبيلة. ولا ينافي ذلك الوصف بابن؛ لجواز رعايته التذكير والتأنيث باعتبارين، وأما حذف الهمزة فجائز اختيارًا.
ونقل الدماميني اطراد حذفها اختيارًا قبل أم المتصلة، لكثرته نظمًا ونثرًا، وذلك إن علم أمرها ولم يوقع حذفها في لبس، وفي ذلك يقول الناظم:
وربما أسقطت الهمزة إن ... كان خفا المعنى بحذفها أمن
__________
* "وربما" رب حرف تقيل، و"ما" زائدة كافة. "الهمزة" نائب فاعل أسقطت. "إن كان" شرط وفعله. "خفا" بالقصر، اسم كان. "المعنى" مضاف إليه. "بحذفها" متعلق بأمن الواقع خبرًا لكان، وجوب الشرط محذوف للعلم به من سابق الكلام.(3/202)
تقتضيه البتة1؛ نحو: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} 2؛ أي: بل هل تستوي؛ إذ لا يدخل استفهام على استفهام، وكقول الشاعر:
هنالك أم في جنة أم جهنم3
__________
1 أي: فتكون للخبر المحض.
2 من الآية 16 من سورة الرعد.
3 عجز بيت من الطويل، لعمر بن أبي ربيعة المخزومي، وصدره:
وليت سليمي في المنام ضجيعتي
وقبله:
ألا ليت أني يوم تقضى منيتي ... لثمت الذي ما بين عينيك والفم
وليت طهوري كان ريقك كله ... وليت حنوطي من مشاشك والدم
اللغة والإعراب: سليمى: اسم محبوبته. المنام: النوم. ضجيعتي. مشاركتي في المضجع، وهو كان الرقاد. "سليمى" اسم ليت. "في المنام" متعلق بضجيعتي الواقع خبرًا لليت. "هنالك" هنا اسم إشارة إلى مكان النوم، في محل نصب بضجيعتي، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب. "أم" حرف ابتداء بمعنى "بل" للإضراب. "في جنة" متعلق بمحذوف خبر ليت المحذوفة مع اسمها. "أم في جهنم" إعرابها كذلك.
المعنى: يتمنى أن تكون محبوبته سليمى معه، وضجيعته حيث ينام، ثم رأى أن ذلك غير متيسر فأضرب عنه، وتمنى أن كون ضجيعته في الجنة، ثم أضرب عن هذا لعدم يقينه من تحققه، وتمنى أن يكونا في جهنم معًا.
الشاهد: أن "أم" المنقطعة هنا تمخضت للإضراب بمعنى "بل"، ولا تدل على الاستفهام، ولا تقتضيه أصلًا؛ لأن الشاعر لا يريد الاستفهام؛ وإنما ساقه مساق التمني، ولهذا قدرنا بعدها جملة؛ لأن "أم" التي بمعنى "بل" لا يقع بعدها إلا الجمل، وفي "أم" المنقطعة يقول الناظم:
وبانقطاع وبمعنى "بل" وفت ... إن تك مما قيدت به خلت
__________
* "وبانقطاع وبمعنى" متعلقان بوفت. "بل" مقصود لفظه مضاف إليه. "وفت" فعل ماض، والفاعل يعود إلى أم،(3/203)
إذ لا معنى للاستفهام.
وأما أو: فإنها بعد الطلب1 للتخيير: تزوج زينب أو أختها. أو للإباحة2؛ نحو: جالس العلماء أو الزهاد.
والفرق بينهما: امتناع الجمع بين المتعاطفين في التخيير، وجوازه في الإباحة، وبعد
__________
أي أن "أم" تكون منقطعة، ويترتب على ذلك أن تكون بمعنى "بل"، إذا خلت مما قيدت به في النوع السابق، وهو أن تسبقها همزة التسوية، أو همزة مغنية عن لفظ "أي"، فإذا خلت من هذا التقييد وفت بالانقطاع، وكانت مقيدة له، وقد تقع بعد أداة استفهام غير الهمزة، كقوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} . وجرى العلماء على تسميتها حرف عطف، والراجح أن "أم" المنقطعة ليست عاطفة؛ وإنما هي حرف ابتداء يفيد الإضراب، ولا يدخل إلا على الجمل. قيل: وقد تكون "أم زائدة" كما في قول ساعدة بن جؤية:
يا ليت شعري ولا منجى من الهرم ... أم هل على العيش بعد الشيب من ندم
وهذا النوع مقصور على السماع؛ فلا يقاس عليه.
1 المراد بالطلب: الصيغة التي تدل على معنى الأمر، سواء كانت فعل الأمر أم لام الأمر الداخلة على المضارع، لأن الإباحة والتخيير لا يتأتيان في الاستفهام، ولا في باقي الأنواع الطلبية على الصحيح، ولا فرق بين الأمر الملفوظ والملحوظ؛ كقوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} ؛ أي: فليفعل أي الثلاثة. الآية 196 من سورة البقرة.
2 التخيير: ترك المخاطب حرًّا في اختيار أحد المتعاطفين والاقتصار عليه، دون الجمع بينهما؛ لسبب يمنع الجمع، أما الإباحة فهي: حرية المخاطب في اختيار أحد المتعاطفين، أو اختيارهما معا، وله الجمع بينهما إذا أراد. والمراد: الإباحة بحسب العقل أو العرف، في وقت، وعند أي قوم لا الإباحة الشرعية.
__________
والتاء للتأنيث. "إن تك" شرط وفعله، واسم تك يعود إلى أم أيضاً. "مما" متعلق بخلت، و"ما" موصولة، "قيدت به" قيدت فعل ماض للمجهول، وبه متعلق به. والجملة صلة ما. "خلت" الجملة في محل نصب خبرتك، وجواب الشرط محذوف مع فوات شرط حذفه؛ وهو: مضي الشرط، للضرورة.(3/205)
الخبر للشك1؛ نحو: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} 2. أو للإبهام3؛ نحو: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 4، وللتفصيل نحو: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} .
أو للتقسيم؛ نحو: الكملة اسم، أو فعل، أو حرف5.
وللإضراب عند الكوفيين وأبي علي. حكى الفراء؛ "اذهب إلى زيد، أو دع ذلك فلا تبرح اليوم"6.
__________
1 المارد بالخبر: ما يحتمل الصدق والكذب لذاته. والشك يكون من المتكلم في الحكم؛ لعدم اقتناعه بسبب تعارض الأدلة.
2 من الآية 19 من سورة الكهف.
3 أي من المتكلم على المخاطب والسامع؛ وذلك بأن يخفي المتكلم الحقيقة المعروفة له، ويكتمها عن المخاطب والسامع، رغبة في عدم إثارتهما أو إقلاقهما أو نحو ذلك.
4 الشاهد في "أو" الأولى، وقيل في الثانية، وقيل فيهما. والمعنى: وإن أحد الفريقين منا ومنكم لثابت له أحد الأمرين، في كونه على هدى، أو كونه في ضلال مبين. وجاء بالكلام في صورة الاحتمال، مع العلم بأن من وحد الله وعبده فهو على هدى، ومن عبد غيره فهو في ضلال، توطينًا للمخاطب؛ ليكون أكثر قبولا لما يلقى إليه.
5 قيل: الفرق بين التفصيل والتقسيم: أن الأول تبيين للأمور المجتمعة بلفظ واحد؛ فـ"أو" في الآية تفصيل للإجمال في الواو في "قالوا" العائدة على اليهود والنصارى، أي قالت اليهود: كونوا هودًا، وقالت النصارى: كونوا نصارى. أما التقسيم فهو: تبيين لما دخل تحت حقيقة واحدة؛ كمثال المصنف. ويرى المحققون ألا فرق بينهما، ولا ضرر من توحيد معناهما وجعلهما مترادفين، والمسألة اصطلاحية محضة.
6 فـ"أو" في المثال للإضراب بمعنى بل. ومنه قول الشاعر:
كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية ... لولا رجاؤك قد قتلت أولادي
وهل هي حرف لمجرد الإضراب لا للعطف؛ فما بعدها جملة مستقلة، أو أنها مع إفادة الإضراب حرف عطف؛ فما بعدها معطوف على ما قبلها؟ رأيان، والأول أنسب. واشتراط سيبويه في مجيئها للإضراب: تقدم نفي أو نهي، وإعادة العامل معها؛ نحو: ما قام محمد، أو ما قام علي، ولا يخرج محمدًا، أو لا يخرج علي. والمراد: بل ما قام علي وبل لا يخرج علي.(3/206)
وبمعنى الواو عند الكوفيين1، وذلك عند أمن اللبس كقوله:
ما بين ملجم مهره أو سافع2
__________
1 أي تكون للدلالة على الاشتراك ومطلق الجمع بين المتعاطفين، ويصح أن يحل محلها الواو. ووافق الكوفيين على ذلك: الجرمي، والأخفش.
2 عجز بيت من الكاملن لحميد بن ثور الهلالي، وصدره:
قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم
اللغة والإعراب: الصريخ: صوت المستصرخ المستغيث، ويطلق على المستغيث نفسه، وكلا المعنيين، يصلح هنا، وقد يطلق الصريخ على المغيث؛ قال تعالى: {فَلا صَرِيخَ لَهُمْ} ؛ أي: لا مغيث. ملجم: جاعل اللجام في موضعه من الفرس. مهره: أصله الحصان الصغير، والمراد هنا: الحصان. سافع: قابض على ناصية فرسه. "قوم" خبر لمبتدأ محذوف. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "سمعوا" فعل الشرط وفالع. "رأيتهم" جواب الشرط. "ما بين" ما زائدة، و"بين" ظرف في موضع المفعول الثاني لرأيت. "ملجم مهره" مضاف إليه. "أو" عاطفة بمعنى الواو. "سافع" معطوف على ملجم.
المعنى: يصف القوم بالشجاعة والنجدة؛ فيقوم: إنهم إذا سمعوا استغاثة من أحد أسرعوا لإجابته ونجدته؛ فترى من يلجم فرسه، ومن يأخذ بناصية فرسه، حتى يحضر له غلام اللجام للإسراع في نجدة المستغيث ... إلخ.
الشاهد: استعمال "أو" بمعنى الواو العاطفة؛ ذلك لأن "بين" لا تضاف إلا لمتعدد لفظًا ومعنى؛ فلو أبقيت "أو" على معناها -وهو أحد الشيئين أو الأشياء- لأضيفت "بين" إلى واحد، وهو غير سائغ في العربية، وفي معاني "أو" يقول الناظم:
خير أبح قسم بأو وأبهم ... وأشكك وإضراب بها أيضًا نمي
وربما عاقبت الواو إذا ... لم يلف ذو النطق للبس منفذًا
__________
* "أبح قسم" أمران معطوفان على خبر بحذف العاطف. "بأو" جار ومجرور تنازعه الأفعال الثلاثة قبله. "وأبهم واشكك" معطوفان على خبر. "واضراب" مبتدأ. "بها" متعلق بإضراب. "أيضاً" مفعول مطلق لمحذوف. "نمي" فعل ماضي مبني للمجهول، والجملة خبر المبتدأ.(3/207)
وزعم أكثر النحويين: أن "إما" الثانية في الطلب والخبر؛ نحو: تزوج إما هنداً وإما أختها، وجاءني إما زيد وإما عمرو1؛ بمنزلة "أو" في العطف والمعنى2.
وقال أبو علي وابنا كيسان وبرهان:
__________
أي أن "أو" تؤدي هذه المعاني؛ وهي: التخيير، والإباحة، والتقسيم، والإبهام، والإضراب. وقد تعاقب الواو - أي تحل محلها وتؤدي معناها- إذا لم يجد المتكلم منفذًا للالتباس؛ أي ألا يكون استعمالها موقعا في اللبس. وعدم إدراك السامع أنها بمعنى الواو. وخلاصة ما تقدم من معاني "أو": أنها تكون للتخيير والإباحة بعد الأمر، وللشك والإبهام بعد الجمل الخبرية. أما التفصيل، والإضراب، ومعنى الواو؛ فتكون بعد الطلب وبعد الخبر. والأفضل في الإضراب: أن يسبقه نفي أو نهي، وأن يتكرر العامل معه. وهذه المعاني المسموعة خاضعة للسياق والقرائن لتبين نوع كل منها.
1 المثال الأول للطلب، والثاني للخبر.
2 فتكون حرف عطف بمعنى "أو"، وتكون للتخيير والإباحة إذا سبقت بكلام يشتمل على أمر، وللشك والإبهام إذا كانت مسبوقة بجملة خبرية، وللتفصيل بعد الخبر أو الطلب، نحو قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} ، الآية 3 من سورة والواو زائدة لازمه وانتصابهما على الحال، والعامل فيهما {هَدَيْنَاهُ} ولا تكون "إما" الثانية للإضراب، ولا بمعنى واو العطف؛ لأن "أو" مختصة بهما.
3 ابن برهان هو: أبو القاسم، عبد الواحد بن علي بن برهان الأسدي العكبري، نسبة إلى عكبرا، على دجلة فوق بغداد، كان عالمًا مجيدا للعربية واللغة والتاريخ وأيام العرب، وكان أول أمره منجمًا فصار نحويًا، وكان حنبليًا فصار حنفيًا متعصبًا لأبي حنيفة محترمًا بين أصحابه. وقد تصدر للتدريس ببغداد وأفاد كثيرًا. وكان في خلقه شدة على من يقرأ عليه، يقبل على الطلبة الغرباء، ويتكبر على أولاد الأغنياء، ديّنًا زاهدًا لا يعني بملبسه، ولا يضع على رأسه غطاء، ولولا هذا الشذوذ في أخلاقه وتعاليه على من يقرأ عليهم ويستمليهم لكانت له آثار باقية وكتب مروية؛ لعلمه وفضله وتبحره في النحو واللغة وتوفي في جمادى الآخرة سنة 456هـ. وانظر ترجمة ابن كيسان في الجزء الأول، صفحة 247.
__________
"وربما" رب حرف تقليل، و"ما" كافة. "عاقبت" الفاعل يعود إلى أو. "الواو" مفعول به. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "ذو" فاعل يلف. "النطق" مضاف إليه، والجملة في محل جر بإضافة إذا. "للبس" متعلق بـ"منفذًا". "منفذا" -أي طريقا- مفعول أول ليلف، والثاني محذوف، وكذلك جواب إذا.(3/208)
هي مثلها في المعنى فقط1، ويؤيده قولهم: إنها مجامعة للواو لزوماً، والعاطف لا يدخل على العاطف، وأما قوله:
أيما إلى جنة أيما إلى نار2
فشاذ، وكذلك فتح همزتها، وإبدال ميمها الأولى ياء3،
__________
1 أي: وليست للعطف، وذكرها في باب العطف لمصاحبتها لحرفه.
2 عجز بيت من البسيط، لسعد بن قرط، من أبيات له يهجو فيها أمه، وكان عاقًا شريرًا، وصدره.
يا ليتنا أمنا شالت نعامتها
اللغة والإعراب: شالت نعامتها: كناية من كنايات العرب، ومعناها: ماتت، وأصل شالت: ارتفعت، والنعامة، باطن القدم، ومن مات ترتفع رجلاه وتنخفض رأسه؛ فتظهر نعامته، وقيل النعامة هنا: النعش. أيما: لغة في "إما". "يا" حرف تنبيه أو نداء، والمنادى محذوف. "ليت" حرف تمن وما زائدة. "أمنا" أم اسم ليت، ونا مضاف إليه.
"شالت نعامتها" الجملة خبر لبيت. ويجوز أن تكون "ما" كافة، وأمنا بالرفع مبتدأ، وجملة شالت نعامتها خبر المبتدأ. "أيما" حرف للتفصيل. "إلى جنة" متعلق بشالت. "أيما" الثانية عاطفة، وقد جاءت بدون الواو شذوذاً، وهو الشاهد.
المعنى: يتمنى هذا الشاعر العاق لأمه، أن تكون أمه قد ماتت، وسيان عنده بعد ذلك أن يكون مصيرها الذهاب إلى الجنة أو إلى النار.
3 أي: شاذان أيضًا على سبيل الاجتماع؛ أما فتح همزتها وحده فلا شذوذ فيه؛ بل هو لغة لجماعة من العرب؛ منهم: تميم، وقيس، وفي "إما" يقول الناظم:
ومثل "أو" في القصد "إما" الثانية ... في نحو "إما ذي وإما النائية
__________
* "ومثل" أو "مثل خبر مقدم، و"أو" مضاف إليه. "في القصد" متعلق بمثل. "إما" مبتدأ مؤخر مقصود اللفظ.
"الثانية" نعت لها. "في نحو" متعلق بمثل أو بالثانية. "إما" حرف تفصيل. "ذي" اسم إشارة للمؤنثة مبتدأ، والخبر محذوف؛ أي: إما هذه لك مثلا. "وإما النائيه" عطف على ما قبله.(3/209)
وأما لكن: فعاطفة خلافًا ليونس1؛ وإنما تعطف بشروط: إفراد معطوفها، وأن تسبق بنفي أو نهي، وألا تقترن بالواو؛ نحو: ما مررت برجل صالح لكن طالح، ونحو: لا يقم زيد لكن عمرو، وهي حرف ابتداء2، إن تلتها جملة كقوله:
إن ابن ورقاء لا تخشى بوادره ... لكن وقائعه في الحرب تنتظر3
__________
أي أن "إما" الثانية تفيد ما تفيده "أو" من المعاني؛ نحو: اقصد إما هذه الجهة وإما النائبة؛ أي الجهة البعيدة، وقد سكت المصنف والناظم عن "إما" الأولى؛ لأنه لا عمل لها في عطف أو غيره. ويرى بعض النحاة أن "إما" الثانية والأولى متشابهان في الحرفية، وفي تأدية المعاني المتقدمة، وأن كلام منهما ليس حرف عطف، أما الأولى؛ فلأنه ليس قبلها معطوف عليه، والثانية تقع دائماً بعد الواو العاطفة بلا فاصل، والعاطف لا يدخل على مثله، قيل: وهو رأي حسن يجدر الأخذ به.
وقد تحذف "إما" الثانية لوجود ما يغني عنها، والغالب أن يكون "وإلا"؛ تقول: إما أن يتكلم الإنسان بخير، وإلا فليسكت.
1 فإنها عنده مخففة من الثقيلة، ومعناها الاستدراك، وما بعدها معمول لمحذوف يدل عليه المذكور قبلها، وإذا ذكرت معها الواو فالعطف بالواو لا بها.
2 أي: واستدراك أيضا، وليست عاطفة، والجملة بعدها مستقلة في إعرابها عن الجملة التي قبلها.
3 بيت من البسيط، من قصيدة لزهير بن أبي سلمى المزني، يمدح فيها الحارث بن ورقاء الصيداوي.
اللغة والإعراب: ورقاء: اسم رجل. بوادره: جمع بادرة، وهي ما يبدر من الإنسان عند الغضب. وقائعه: جمع وقيعة؛ وهي إنزال الشر بالأعداء. تنتظر: تخشى ويرتقب وقوعها. "ابن ورقاء" ابن اسم إن، ورقاء مضاف إليه. "لا تخشى بوارده" الجملة من الفعل ونائب الفاعل خبر إن. "لكن" حرف ابتداء واستدراك. "وقائعه" مبتدأ ومضاف إليه. "في الحرب" متعلق بتنتظر، وجملة "تنتظر" خبر المبتدأ.
المعنى: إن هذا الرجل لا يخاف منه عند غضبه وحدته؛ لأنه يملك نفسه عند الغضب؛ فلا يغدر ولا يخون، لكن فتكه بأعدائه في الحرب يرتقب ويخشى منه.
الشاهد: مجيء "لكن" حرف ابتداء لا عطف؛ لأن الواقع بعدها جملة لا مفرد.(3/210)
أو تلت واواً؛ نحو: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} ؛ أي: ولكن كان رسول الله1. وليس المنصوب معطوفًا بالواو2؛ لأن متعاطفي الواو المفردين لا يختلفان بالسلب والإيجاب3. أو سبقت بإيجاب؛ نحو:
قام زيد لكن عمرو لم يقم4. ولا يجوز: "لكن عمرو على أنه معطوف5؛ خلافاً للكوفيين.
وأما بل: فيعطف بها بشرطين: إفراد معطوفها6، وأن تسبق بإيجاب، أو أمرٍ، أو نفي،
__________
1 بين بهذا التقدير أنه إذا سبقتها الواو وجب أن تقع بعدها جملة تعطف بالواو على ما قبلها، وتكون "لكن" حرف استدراك وابتداء لا غير. "ورسول الله" خبر لكان المحذوفة، ومضاف إليه. من الآية 40 من سورة الأحزاب.
2 فإن المعطوف عليه؛ وهو "أبا أحد" منفي، والمعطوف؛ وهو "رسول الله" مثبت. أما عطف الجملتين بالواو، فيجوز تخالفهما نفيًا وإيجابًا؛ تقول: حضر محمد ولم يحضر علي.
4 فـ" لكن" هنا حرف استدراك وابتداء لا عاطفة، و"عمرو" مبتدأ، وجملة لم "يقم" خبر. وجملة المبتدأ والخبر مستقلة.
5 أي: وحده على زيد، لعدم تقدم نفي أو نهي.
ومما تقدم يتبين: أن "لكن" حرف استدراك دائما، وأنها لا تعطف إلا بالشروط الثلاثة المذكورة مجتمعة؛ فإن فقد منها شرط لم تكن عاطفة، ووجب دخولها على الجمل، وتكون حرف استدراك وابتداء معا. والاستدراك يستلزم أن يكون ما بعدها مخالفا لما قبلها في الحكم. وبما أن ما قبلها يجب أن يكون منفيًا أو منهيًا عنه؛ فيكون كلام الذي بعدها مثبتا دائما.
6 ومعناه يختلف باختلاف ما قبله؛ من كلام مثبت، أو مشتمل على صيغة أمر، أو نفي، أو نهي، كما سيبين المصنف؛ فإن دخلت "بل" على جملة كانت حرف ابتداء، ومعناها الإضراب؛ إما الإيطالي؛ وهو الذي يقتضي نفي الحكم السابق، والقطع بأنه غير واقع؛ نحو قوله تعالى: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُون} ، 26 من سورة الأنبياء؛ أي بل هم عباد؛ بناء على أن المضرب عنه المقول. أو الانتقالي؛ وهو: الذي يراد به الانتقال من غرض إلى غرض آخر، مع بقاء الحكم السابق، وعدم إلغائه؛ نحو: قوله سبحانه: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} ، من الآية: 26 من سورة الأعلى.(3/211)
أو نهي. ومعناها بعد الأولين سلب الحكم عما قبلها لما بعدها؛ كقام زيد بل عمرو، وليقم زيد بل عمرو1، وبعد الأخيرين تقرير حكم ما قبلها، وجعل ضده لما بعدها، كما أن "لكن" كذلك؛ كقولك: "ما كنت في منزل ربيع؛ بل في أرض لا يهتدي بها"2، و"لا يقم زيد بل عمرو. وأجاز المبرد كونها ناقلة معنى النفي والنهي لما بعدها؛ فيجوز على قوله: ما زيد قائما بل قاعداً، على مغني: بل ما هو قاعداً3.
__________
1 فإن القيام في المثالين مسكوت عنه بالنسبة لزيد، وثابت لعمرو؛ فالواو هنا حرف عطف وإضراب انتقالي.
2 أي لم أكن في مكان مخصب أهل؛ بل كنت في قفر مجهول؛ فهنا تقرير لنفي الكون في منزل ربيع، وإثبات الكون في الأرض المجهولة. وفي المثال بعد: تقرير نهي زيد عن القيام. وأمر عمرو به. فـ"بل" في المثالين حرف عطف واستدراك.
وخلاصة ما تقدم: أن "بل" مع الخبر المثبت والأمر تفيد إزالة الحكم عما قبلها؛ بحيث يصير كالمسكوت عنه، وجعله لما بعدها. وبعد النفي والنهي تفيد تقرير ما قبلها وإثبات نقيضه لما بعدها. وفي حكم "بل" يقول الناظم:
و"بل" كـ"لكن" بعد مصحوبيها ... كلم أكن في مربع بل تيها*
أي أن "بل" مثل "لكن" في أنها تقرر حكم ما قبلها وتتركه على حاله، وتثبت ضده لما بعدها، إذا كانت بعد نفي أو نهي، وهما المراد بقوله "بعد مصحوبيها". والمربع: المكان الخصيب الذي ينزل فيه القوم زمن الربيع خاصة. والتيها: الأرض الصحراء التي يتيه فيها المرء، ولا يهتدي إلى مقصده.
3 قيل: إن مثل هذا الاستعمال لم يسمع عن العرب؛ لأنه يلزم عليه أن "ما" لا تعمل في "قائمًا" شيئا؛ لأن شرط عملها بقاء النفي في المعمول، وقد انتقل عنه. وقد أجيب بأن الانتقاض جاء بعد مضي العمل فلا يضر.
__________
* "وبل" مبتدأ مقصود لفظه. "كلكن" جار ومجرور خبر. "بعد" ظرف متعلق بمحذوف حال من بل. "مصحوبيها" مضاف إليه. و"ها" عائدة إلى لكن. "في مربع" جار ومجرور خبر أكن. "بل" حرف عطف "تيها" بالقصر معطوف على مربع، وأصله: تيهاء.(3/212)
ومذهب الجمهور: أنها لا تفيد نقل حكم ما قبلها لما بعدها، إلا بعد الإيجاب والأمر؛ نحو: قام زيد بل عمرو، واضرب زيداً بل عمراً1.
وأما لا2: فيعطف بها بشروط:
إفراد معطوفها3، وأن تسبق بإيجاب أو أمر اتفاقاً، كـ"هذا زيد لا عمرو، و"اضرب زيدًا لا عمرًا". أو نداء، خلافاً لابن سعدان4؛ نحو: يا بن أخي لا ابن عمي.
__________
1 فالقاثم والمأمور بضربه عمرو، أما "زيد" فمسكوت عنه، وإلى هذا الاستعمال يشير الناظم بقوله:
وانقل بها للثان حكم الأول ... في الخبر المثبت والأمر الجلي
أي أن "بل" بعد الكلام الموجب، وبعد صيغة الأمر تفيد الإضراب عن الأول، ويصبح مسكوتًا عنه، وتنقل حكمه إلى الثاني.
هذا: ولا يجوز العطف ببل بعد الاستفهام؛ فلا يجوز: أحفظت خطبة بل قصيدة؟ وقد تقع "لا النافية قبلها، فإن كانت "بل" للإضراب، وليست للعطف، كان معنى "لا" تقوية الإضراب وتوكيده.
2 "لا" حرف عطف ونفي تفيد نفي الحكم عن المعطوف بعد ثبوته للمعطوف عليه.
3 أي ولو تأويلًا؛ فيجوز: قلت: محمد قائم لا محمد قاعد، ولا يعطف بها جملة لا محل لها من الإعراب، ويشترط في المفرد: ألا يكون صالحًا لأن يكون صفة لموصوف مذكور، أو يكون خبرًا، أو حالًا، فإن صلح لشيء من ذلك كانت "لا" للنفي المحض وليست عاطفة، ووجب تكرارها؛ نحو {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} ، 68 من سورة البقرة، محمد لا كاتب ولا شاعر، جاء سعيد لا راضيًا ولا ساخطًا، كما يشترط ألا تقترن بعاطف، وإلا كان العطف به. وهي لإفادة نفي ما قبلها؛ نحو: جاء محمد لا بل علي.
4 فإنه منع ذلك؛ زاعمًا أنه لم يسمع عن العرب. وابن سعدان هو: أبو جعفر محمد بن سعدان الضرير، كان من النحاة الكوفيين الموثوق بهم، عالمًا بالعربية والقراءة، وقد أخذها عن أهل مكة والمدينة وغيرها، وكان يقرأ بقراءة حمزة، وصنف كتابًا في النحو، وآخر في القراءات، وتوفي يوم عيد الأضحى سنة 231هـ، وأنجب ولدًا اسمه إبراهيم، كان من أهل العلم والفضل.
__________
* "بها للثان" متعلقان بانقل. "حكم الأول" حكم مفعول انقل، والأول مضاف إليه. "في الخبر" متعلق بانقل. "المثبت" صفة للخبر. "والأمر" معطوف على الخبر. و"الجلي" صفة للأمر.(3/213)
وألا يصدق أحد متعاطفيها على الآخر1، نص عليه السهيلي، وهو حق؛ فلا يجوز: جاءني رجل لا زيد، ويجوز: جاءني لا زيد، ويجوز: جاءني رجل لا امرأة. وقال الزجاجي: وألا يكون المعطوف عليه معمول فعل ماض؛ فلا يجوز: جاءني لا زيد لا عمرو2، ويرده قوله:
عقاب تنوفى لا عقاب القواعل3
__________
1 أي لا يكون داخلًا في مدلوله، ولا معدودًا من أفراده التي يطلق عليها اسمه.
2 حجته: أن العامل يقدر بعد العاطف، ولا يصح أن يقال: لا جاء عمر، إلا على سبيل الدعاء.
3 عجز بيت من الطويل، لامرئ القيس الكندي، وصدره:
كأن دثاراً حلقت بلبونه
الغة والإعراب: دثار: اسم رجل كان راعيا لامرئ القيس؛ وهو: دثاء بن فقعس، أحد بني أسد. حلقت: ذهبت وارتفعت. بلبونه: اللبون: الإبل ذوات اللبن. عقاب: طائر معروف من الطيور الكواسر. تنوفي: اسم موضع مرتفع في جبال طيء، أغير على إبل امرئ القيس من ناحيته. القواعل: موضع دون تنوفى. "دثارًا" اسم كأن. "حلقت" الجملة خبرها. "عقاب تنوفى" عقاب فاعل حلقت، وتنوفى مضاف إليه. "لا" عاطفة. "عقاب القواعل". معطوف على عقاب تنوفي، ومضاف إليه.
المعنى: كأن هذا الراعي حين أغار عليه الأعداء، وشردت إبله بعيدًا قد طارت بإبله عقبان ذلك الجبل العظيم، وارتفعت بها فوقه؛ فهو لا يستطيع ردها، ولا الوصول إليها، لا عقبان هذا الجبل الصغير.
الشاهد: أن "لا" عطفت "عقاب العواقل" على "عقاب تنوفي" والمعطوف عليه معمول لفعل ماض؛ وهو "حلقت"؛ فهو رد على الزجاجي الذي يمنع ذلك.
وقد جمع الناظم حكم "لكن" المتقدمة، وحكم "لا" في بيت واحد؛ هو:
__________
"بها للثان" متعلقان بانقل. "حكم الأول" حكم مفعول انقل، والأول مضاف إليه. "في الخبر" متعلق بانقل. "المثبت" صفة للخبر. "والأمر" معطوف على الخبر. و"الجلي" صفة للأمر.(3/214)
فصل: في العطف على الظاهر والضمير
يعطف على الظاهر، والضمير المنفصل، والضمير المنفصل، والضمير المتصل المنصوب، بلا شرط؛ كـ"قام زيد وعمرو، و"إياك والأسد"؛ ونحو: {جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ} .
ولا يحسن العطف على الضمير المرفوع المتصل، بارزًا كان، أو مستترًا، إلا بعد توكيده بضمير منفصل؛ نحو: {لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} ، أو وجود فاصل، أي فاصل كان، بين المتبوع والتابع؛ نحو: {يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ} .
أو فصل بـ"لا" بين العاطف والمعطوف؛ نحو: {مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} .
__________
وأول "لكن" نفياً أو نهيًا و"لا" ... نداء أو أمرًا أو اثباتًا تلا*
أي اجعل "لكن" والية -أي واقعة- بعد نفي أو نهي، و"لا" تتبع نداء أو أمرًا أو إثباتًا، ولا تكون عاطفة إلا إذا وقعت بعد أحدها. وقد أوضح المصنف ما في البيت من قصور.
هذا: وقد أجاز بعض النحاة وقوع "لا" العاطفة بعد الدعاء والتحضيض؛ نحو: أطال الله عمرك لا عمر عدوك، هلا تكرم المجد لا الخامل. كما أجاز البعض وقوعها بعد الاستفهام؛ تقول: أفرغت من رسائل الطلبة لا الطالبات؟
1 {الأَوَّلِينَ} معطوف على "كم"، من الآية 38 من سورة المرسلات.
2 قيل في سبب ذلك: إن المتصل المرفوع كالجزء من عامله المتصل به لفظًا ومعنى؛ فالعطف عليه يكون كالعطف على جزء الكلمة؛ فإذا أكد دل على انفصاله؛ فحصل له نوع استقلال.
3 أبي بين المعطوف والمعطوف عليه.
4 فقوله: {وَمَنْ صَلَحَ} معطوف على الواو في {يَدْخُلُونَهَا} ، والفاصل بينهما "ها".
5 فقوله: {آبَاؤُنَا} معطوف على "نا" في {أَشْرَكْنَا} بالواو، و"لا" فاصلة بين العاطف والمعطوف، الآية 48 من سورة الأنعام.
__________
* "وأول" فعل أمر من أولى يتعدى إلى مفعولين، والفاعل أنت. "لكن" مفعوله الأول". "نفيًا" مفعوله الثاني. "أو نيهًا" معطوف على نفيًا. "ولا" مبتدأ قصد لفظه. "نداء" مفعول مقدم لتلا."أو أمرًا أو إثباتًا" معطوفان على نداء. "تلا" الجملة خبر المبتدأ؛ وهو "لا".(3/215)
وقد اجتمع الفصلان في نحو: {مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ} 1.
ويضعف بدون ذلك، كمررت برجل سواء والعدم2؛ أي مستوٍ هو والعدم. وهو فاش في الشعر؛ كقوله:
ما لم يكن وأب له لينالا3
ولا يكثر العطف على الضمير المخفوض إلا بإعادة الخافض: حرفاً كان أو اسماً؛ نحو: {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ} ،
__________
1 فقد فصل بين {آبَاؤُكُمْ} المعطوف على الواو في {تَعْلَمُوا} بالتوكيد؛ وهو {أَنْتُمْ} . وفصل بين العاطف وهو الواو، و {آبَاؤُكُمْ} المعطوف بلا. 91 من سورة الأنعام.
2 أي: برفع "العدم" بالعطف على الضمير المستتر في "سواء"؛ لأنه مؤول بالمشتق؛ فيتحمل الضمير، وليس بينها فاصل. وهذه عبارة مأثورة عن بعض العرب.
3 عجز بيت من الكامل، لجرير الشاعر الأموي المشهور، من قصيدة يهجو فيها الأخطل التغلبي وقومه، وصدره:
ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه
اللغة والإعراب: رجا: أمل من الرجاء؛ وهو الأمل في الحصول على الشيء.
الأخيطل: تصغير الأخطل. سفاهة رأيه: ضعف رأيه وفساده. "الأخيطل" فاعل رجا. "من" حرف جر للتعليل. "سفاهة رأيه" مجرور بمن ومضاف إليه. "ما" اسم موصول، أو نكرة مفعول رجا. "يكن" فعل مضارع نقاص مجزوم بلم. "وأب" معطوف على الضمير المستتر في يكن الواقع اسما لها، والعائد على الأخطل. "له" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لأب. "لينالا" اللام لام الجحود، و"ينالا" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد اللام، والألف للتثنية فاعل، والجملة خبر يكن.
المعنى: أن الأخطل يرجو ويتمنى؛ لخفته وضعف رأيه وعدم حصافته، ما لا يمكن أن يناله هو وأبوه من الآمال والأحلام، مما لم تجر العادة بأن ينال مثله.
الشاهد: عطف "أب" وهو اسم ظاهر، على اسم يكن المرفوع المستتر بغير تأكيد أو فاصل بينهما، وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:(3/216)
{قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ} 1، وليس وفاقاً ليونس والأخفش والكوفيين2؛ بدليل قراءة ابن عباس، والحسن، وغيرهما: {تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} 3، وحكاية قطرب: "ما فيها غيره وفرسه"4.
__________
وإن على ضمير رفع متصل ... عطف فافصل بالضمير المنفصل
أو فاصل ما وبلا فصل يرد ... في النظم فاشيًا وضعفه اعتقد*
أي: إذا كان المعطوف عليه ضميرًا مرفوعًا متصلًا فافصل بالضمير المنفصل بين المتعاطفين، أو افصل بأي فاصل غير الضمير. وورد عدم الفصل كثيرًا في الشعر، وهو مع كثرته ضعيف، ويمكن القياس عليه شعرًا ما دام كثيرًا.
1 فقوله تعالى: {وَلِلأَرْضِ} معطوف على الهاء في {لَهَا} المجرور باللام، وأعيدت مع المعطوف. من الآية 11 من سورة فصلت، و {آبَائِكُ} معطوف على الكاف المجرور بإضافة "إله"، وقد أعيد المضاف مع المعطوف. من الآية 133 من سورة البقرة.
2 أي: لا يلزم إعادة الخافض عند هؤلاء، وتبعهم الناظم في ذلك.
3 أي بجر {الأَرْحَامِ} وعطفه على الضمير المجرور بالباء بدون إعادة الجار؛ أي: وبالأرحام.
4 بجر كلمة "وفرسه" بالعطف على الهاء المجرورة بإضافة "غير" إلهيا من غير إعادة الجار؛ وهو المضاف. وهذه العبارة قوله لبعض العرب.
وقطرب هو: أبو علي محمد بن المستنير البصري النحوي الملقب بقطرب. لازم سيبويه وأخذ عنه كثيراً، وكان يدلج إليه؛ فإذا خرج سيبويه سحرًا رآه على بابه؛ فقال له: ما أنت إلا قطرب ليل، فلقب به. والقطرب: دويبة لا تستريح نهارها سعيًا.
__________
* "وإن" شرطية. "على ضمير رفع" متعلق بعطفت ومضاف إليه. "متصل" صفة لضمير. "عطفت" فعل الشرط، والتاء فاعل. "فافصل" الفاء واقعة في جواب الشرط، ولكونه طلبًا دخلته الفاء.
"أو فاصل" معطوف على الضمير. "ما" اسم نكرة نعت لفاصل بمعنى: أي فاصل كان.
"وبلا فعل" بلا متعلق بيرد، والواو للاستئناف، و"لا" اسم بمعنى غير، وفصل مضاف إليه. "في النظم" متعلق بيرد أيضا. "فاشيًا" حال من فاعل يرد. "وضعفه" مفعول اعتقد مقدم، والهاء مضاف إليه.(3/217)
قيل: ومنه {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} 1؛ إذ ليس العطف على "السبيل"؛ لأنه صلة المصدر2، وقد عطف عليه "كفر" ولا يعطف على المصدر حتى تكمل معمولاته3.
__________
وقد أخذ قطرب كذلك عن عيسى بن عمر، وجماعة من علماء البصرة. قيل أنه لم يكن ثقة في اللغة، وله تصانيف كثيرة؛ منها: العلل، والنحو، والأضداد، وإعراب القرآن. ومات سنة 206هـ، وكان يقول الشعر قليلًا، ومن شعره:
لقد غرت الدنيا رجالا فأصبحوا ... بمنزلة ما بعدها متحول
1 فقوله تعالى: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} معطوف على الهاء في {بِهِ} من غير إعادة الجار. قال في المغني: والصواب أن {الْمَسْجِدِ} مجرور بباء محذوفة لدلالة ما قبلها عليها لا بالعطف، ومجموع الجار والمجرور معطوف على {بِهِ} 217 من سورة البقرة.
2 أي وهو {صَدَّ} لأنه متعلق به.
3 وذلك لئلا يلزم الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي؛ فلو عطف {الْمَسْجِدِ} على {سَبِيلِ} لكان من جملة معمولات {صَدَّ} ؛ لأن المعطوف على معمول المصدر من جملة معمولاته، وفي العطف على الضمير المخفوض يقول الناظم:
وعود خافض لدى عطف على ... ضميرخفض لازمًا قد جعلا
وليس عندي لازمًا إذ قد أتى ... في النثر والنظم الصحيح مثبتا*
__________
* "وعود خافض" عود مبتدأ، وخافض مضاف إليه. "لدى عطف" لدى ظرف متعلق بعود، وعطف مضاف إليه. "على ضمير خفض" متعلق بعطف، و"خفض" مضاف إليه. "لازمًا" مفعول ثانٍ لجعلا مقدم. "قد جعلا" قد للتحقيق، وجعلا فعل ماض للمجهول. والألف للإطلاق، ونائب الفاعل يعود إلى "عود خافض"، والجملة خبر المبتدأ.
"عندي" متعلق بلازما الواقع خبرا لليس. "إذا" أداة تعليل. "أتى" فعل ماض، وفاعله يعود إلى العطف على الضمير المخفوض. "في النظم" متعلق "بمثبتا" حال من فاعل أتى.(3/218)
ويعطف الفعل على الفعل1، بشرط اتحاد زمانيهما2؛ سواء اتحد نوعاهما؛ نحو: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ} ، ونحو: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} 3، أم اختلفا؛ نحو: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} 4، ونحو: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} 5.
__________
1 أي وحده من غير مرفوعه، وذلك من قبيل عطف المفردات بعضها على بعض؛ كما يعطف الاسم على نظيره عطف مفردات.
2 أي في الماضي، أو الحال، أو الاستقبال.
3 فقد عطف {تَتَّقُوا} ، على {تُؤْمِنُوا} ، و {يَسْأَلْكُمْ} ، على {يُؤْتِكُمُ} ، من عطف الشرط على الشرط، والجواب على الجواب؛ بدليل الجزم فيهما، وكلاهما فعل مضارع.
4 عطف {أَوْرَدَ} ، على {يَقْدُمُ} ، والأول ماض، ولكنه مستقبل المعنى؛ لأنه بمعنى يورد، والثاني مضارع.
5 عطف {يَجْعَلُ} ، -وهو مضارع- على {جَعَلَ} ، الماضي؛ لأنه في محل جزم، وهو مستقبل بسبب أداة الشرط الجازمة التي تستلزم أن يكون فعل زمن الشرط والجواب مستقبلا، ولا فرق في عطف الفعل على الفعل، بين أن يكون بالواو وبالفاء؛ كما مثل، أو بثم؛ كقوله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} ، كما أنه لا فرق بين أن يكون العطف قبل تمام الفائدة؛ كعطف الشرط على الشرط، أو بعد تمامها؛ كعطف الجواب على الجواب. وقد أشار الناظم إلى ما تقدم بعجز البيت الآتي، وصدره سيأتي في آخر الباب في موضوع آخر.
........................................ ... وعطفك الفعل على الفعل يصح
ويلاحظ: أن المصنف مثل للماضي والمضارع، ولم يمثل للأمر؛ وذلك لأن فعل الأمر،
__________
* "وعطفك" عطف مبتدأ، وهو مصدر مضاف لفاعله؛ وهو الكاف، والواو للاستئناف. "الفعل" مفعوله. "على الفعل" جار ومجرور متعلق بعطف. "يصح" الجملة خبر المبتدأ.(3/219)
ويعطف الفعل على الاسم المشبه له في المعنى1؛ نحو: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا، فَأَثَرْنَ} 2؛ ونحو: {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} 3، ويجوز العكس؛ كقوله:
أم صبي قد حبا أو دارج4
__________
بدون فاعله، لا يكون معطوفًا ولا معطوفًا عليه على الصحيح؛ لأنه لا يفارق فاعله لا لفظًا ولا تقديرًا. ويعرف عطف الفعل وحده على آخر كذلك، إذا نصب الفعلان أو جزمًا بغير تكرار الناصب أو الجازم. أما في حالة الرفع في المضارعين، فيجوز أن يكون من عطف المفرد أو الجملة، والقرينة هي التي توضح المراد.
1 هو الاسم المشتق العامل؛ كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، والمصدر الصريح أيضاً، واسم الفعل في بعض أحواله.
2 {أَثَرْنَ} ، فعل ماض معطوف على المغيرات، وهي اسم فاعل مشبه للفعل؛ لأنه في تأويل: واللائي أغرن. واختلف في موضع {أَثَرْنَ} ، من الإعراب؛ فقيل: لا محل لها لعطفها على صلة أل وهي كذلك، وجرها بالعارية من أل، وقيل: هي في محل جر بالتبعية.
3 عطف {يَقْبِضْنَ} ؛ وهو مضارع، على {صَافَّاتٍ} ، وهو اسم فاعل؛ لأنها في معنى يصففن، ومعنى {صَّافَّاتِ} : ناشرات أجنحتهن في الجو، ومعنى {يَقْبِضْنَ} : يضممن الأجنحة إلى الأجسام. الآية 19 من سورة الملك.
4 عجز بيت من الرجز، لراجز اسمه جندب بن عمرو، يذكر امرأة الشماخ بن ضرار الغطفاني، شاعر معروف، وصدره:
يارب بيضاء من العواهج
وقبله:
يا ليتني علقت غير حارج ... قبل الصباح ذات خلق بارج
اللغة والإعراب: بارج: حسن وجميل. العواهج: جمع عوهج؛ وهي في الأصل: الطويلة العنق من الظباء والنوق والنعام، والمراد هنا: المرأة التامة الخلق. حبا: زحف ومشى على عجزه. دارج: اسم فاعل، من درج الصبي إذا مشى هينا متقارب الخطو. "يا" للتنبيه. "بيضاء" مبتدأ مجرور برب لفظا في محل رفع. "من العواهج" جار ومجرور متعلق(3/220)
وجعل منه الناظم: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} ، وقدر الزمخشري عطف {مُخْرِجُ} ، على {فَالِقُ} 1.
__________
بمحذوف صفة لبيضاء. "أم" بالجر، بدل أو عطف بيان لبيضاء باعتبار اللفظ، وبالرفع باعتبار المحل، أو خبر لمبتدأ محذوف. "صبي" مضاف إليه. "حبا" فعل ماض، والجملة صفة لصبي. "أو دراج" معطوف على حبا؛ لتأويله بدرج.
المعنى: يريد الشاعر امرأة تامة الخلق، تشبه الظباء في طول عنقها، ولا يكون معها غير صبي يحبو، أو قريب عهد بالمشي، لا يكاد يدرك؛ حتى لا ينم عن اتصاله بها.
الشاهد: عطف الاسم المشبه للفعل -وهو "دارج"- على الفعل؛ وهو "حبا"، وفي هذا الشاهد تسامح؛ لأن المعطوف عليه محل جملة "حبا"؛ لأنها صفة لنكرة، فهو من العطف على الجملة لا على الفعل.
وعليه يكون قوله: "أم صبي" بدلًا، أو عطف بيان من "ذات خلق بارج".
1 فيكون من عطف الاسم. من الآية 95 من سورة الأنعام، وفي عطف الفعل على الفعل، وعلى اسم يشبهه أو العكس، يقول الناظم:
واعطف على اسم شبه فعل فعلا ... وعكسا استعمل تجده سهلا*
أي: اعطف الفعل على الاسم المشبه للفعل؛ كاسم الفاعل ونحوه، واستعمل العكس؛ وهو: أن تعطف الاسم على الفعل الواقع موقع الاسم تجد الأمر سهلا ومستساغًا.
هذا: ويجوز عطف الجملة الاسمية على نظيرتها، كما يجوز عطف الجملة الفعلية على مثلها، بشرط اتفاقهما خبرًا أو إنشاء، ويمنع إن اختلفا في ذلك على الصحيح.
أما عطف الاسمية على الفعلية، والعكس، فجائز على الراجح، ومن الحكم المأثورة: "للباطل جولة ثم يضمحل"؛ فالجملة المضارعية معطوفة على الجملة الاسمية قبلها، وقد تعطف الجملة على المفرد أو العكس، إذا كانت الجملة في الحالتين مؤولة بالمفرد؛ كأن تكون نعتًا؛ أو خبرًا أو حالا، كقوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} ؛ أي أو قائلين، وقوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا} ؛ فقاعدا معطوف على قوله: {لِجَنْبِهِ} .
__________
* "على اسم" جار وجرور متعلق باعطف. "شبه فعل" شبه نعت لاسم. وفعل مضاف إليه، "فعلا" مفعول اعطف. "وعكسا" مفعول مقدم لاستعمل. "تجده" فعل مضارع مجزوم في جواب الأمر؛ وهو "استعمل"، والهاء مفعوله الأول. "سهلا" مفعوله الثاني.(3/221)
فصل: فيما تختص به الفاء والواو
تختص الفاء والواو بجواز حذفهما لدليل1، مثاله في الفاء: {أَنِ اضْرِب بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ} ؛ أي: فضرب فانبجست2، وهذا الفعل المحذوف معطوف على {أَوْحَيْنَا} 3، ومثاله في الواو قوله:
فما كان بين الخير لو جاء سالمًا ... أبو حجر إلا ليال قلائل4
__________
1 وتشاركهما في ذلك "أم" المتصلة؛ كقول الشاعر:
دعاني إليها القلب إني لأمره ... سميع فما أدري أرشد طلابها
التقدير: أرشد طلابها أم غي؟ وقيل: إن الهمزة للتصديق؛ فلا تحتاج لمعادل.
2 أصله فضرب فانبجست، فتكون: {انْبَجَسَتْ} ، معطوفة على {فَضَرْبَ} ، المحذوفة.
3 أي: من قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ} ، وإنما لم يكن العطف على أوحينا؛ كما هي القاعدة من أن المعطوفات عليه ما قبله مما يقتضيه المعنى.
4 بيت من الطويل، من قصيدة للنابغة الذبياني، يرثي فيها أبا حجر النعمان بن الحارث بن أبي شمر الغساني.
اللغة والإعراب: معاني المفردات واضحة. "فما" الفاء عاطفة، و"ما" نافية. "بين الخير" بين ظرف، والخير مضاف إليه. وهو متعلق بمحذوف، خبر كان مقدم.. "إلا" أداة حصر. "ليال" اسمها مؤخر، مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة. "قلائل" صفة ليال "لو" شرطية غير جازمة. "جاء" فعل الشرط. "أبو حجر" أبو فاعل جاء، وحجر مضاف إليه. "سالمًا" حال من أبو حجر، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام. وجملة الشرط وجوابه معترضة بين خبر كان واسمها.
المعنى: لم يكن بيني وبين ما كنت أرجو وأطمع فيه من خير ونعمة إلا مدة قليلة، لو سلم النعمان وجاء إلينا. ولكن القدر كان له بالمرصاد، فذهبت آمالي سدى.(3/222)
أي بين الخير وبيني، وقولهم: راكب الناقة طليحان؛ أي: والناقة1.
وتختص الواو بجواز عطفها عاملاً قد حذف وبقي معموله؛ مرفوعاً كان؛ نحو: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} ؛ أي: وليسكن زوجك.
أو منصوباً؛ نحو: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ} ، أي: وألفوا الإيمان.
أو مجرورًا؛ نحو:"ما كل سوداء تمرة، ولا بيضاء شحمة"؛ أي: ولا كل بيضاء3.
وإنما لم يجعل العطف فيهن على الموجود في الكلام، لئلا يلزم في الأول رفع فعل الامر للاسم الظاهر4، وفي الثاني: كون الإيمان متبوًا؛ وإنما يتبوأ المنزل5. وفي الثالث: العطف على معمولي عاملين6. ولا يجوز في الثاني أن يكون الإيمان مفعولًا معه؛ لعدم
__________
الشاهد: حذف الواو ومعطوفها؛ وهو "وبيني"، والدليل على ذلك: أن كلمة "بين" يجب أن تضاف لمتعدد كما أسلفنا.
1 قول لبعض العربن ومعنى طليحان: متعبان ضعيفان. والدليل على المحذوف تثنية الخبر، ويقاس على هذا: كل مبتدأ مضاف، أخبر عنه بخبر مطابق في التثنية أو الجمع للمضاف مع المضاف إليه، من غير عطف.
2 {زَوْجُكَ} ، فاعل بفعل محذوف، معطوف على {اسْكُنْ} ، المستتر لكان شريكه في عامله، والأمر لا يرفع الظاهر.
5 أي: لو جعل {الإِيمَانِ} ، معطوفًا على {الدَّارِ} ، لكان معمولا لتبوءوا، والتبوؤ معناه التهيؤ. وقيل: إنه يقال: تبوأ فلان الدار إذا لزمها، وعلى هذا يصح العطف، ولا يحتاج إلى تقدير عامل.
6 ذلك لأن "سوداء" معمول لـ"كل"، و"تمرة" معمول لـ"ما" فلو عطف بيضاء على سوداء، وشحمة على تمرة لزم ذلك المحذور، وهو غير جائز على الأصح عند الجمهور.(3/223)
الفائدة في تقييد الأنصار1 بمصاحبة الإيمان؛ إذ هو أمر معلوم، ويجوز حذف المعطوف عليه بالواو والفاء2؛ فالاول كقول بعضهم: وبك وأهلًا وسهلًا، جواباً لمن قال له: مرحباً، والتقدير: ومرحباً بك وأهلًا3، والثاني نحو: {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} ؛ أي أنهملكم فنضرب؟ ونحو: {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} ؛
__________
1 في بعض النسخ: "المهاجرين" بدل الأنصار، وهو سهو؛ لأن الآية واردة في الأنصار، وفي مواضع الحذف السابقة يقول الناظم:
والفاء قد تحذف مع ما عطفت ... والواو إذ لا لبس وهي انفردت
بعطف عامل مزال قد بقي ... معموله دفعاً لوهم اتقي*
أي: أن الفاء قد تحذف مع معطوفها؛ وكذلك الواو، إذ دل على ذلك دليل ولم يحدث لبس. وتنفرد الواو من بين حروف العطف، بأنها تعطف عاملًا مزالًا؛ أي محذوفا بقي معموله، والذي يدعو لتقدير المحذوف دفع وهم لا يستقيم الأمر إلا بدفعه وإزالته.
هذا: وقد يحذف العاطف وحده، ولا يكون ذلك إلا في الواو، والفاء، وأو؛ فمثال الواو: قوله -عليه السلام-: "تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من صاع بره، من صاع تمره"، ومثال الفاء: ذاكرت النحو بابا بابا، وادخلو المدرسة واحدا واحدا؛ أي باب فبابا، وواحدا فواحدا، ومثال "أو": أعط السائل قرشًا، قرشين، ثلاثة، أي قرشا، أو قرشين، أو ثلاثة.
2 ومثلهما: "أم" المتصلة، وذلك عند أمن اللبس في الجميع.
3 الجار والمجرور -وهو "بك"- متعلقان بكلمة "مرحبًا" المحذوفة، "وأهلا" الواو عاطفة، و"أهلا" معطوف على مرحبا المحذوفة، عطف مفرد على مفرد؛ فالمعطوف عليه محذوف وهو محل الشاهد، و"سهلا" معطوف مرحبا المحذوفة، فالمعطوف عليه محذوف. وسيبويه يجعل "مرحبا" و"أهلا" منصوبين على المصدر.
__________
"والفاء" مبتدأ. "قد تحذف" قد للتقليل، والجملة خبر المبتدأ، "مع" ظرف متعلق بحذف. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "عطفت" الجملة صلة. "والواو" مبتدأ والخبر محذوف؛ أي كذلك.. "إذا" ظرف متعلق بتحذف "لا" نافية للجنس. "لبس" اسمها، والخبر محذوف؛ أي موجود. "وهي" ضمير منفصل مبتدأ. "انفردت" الجملة خبر. "بعطف عامل" بعطف متعلق بانفردت، وعامل مضاف إليه. "مزال" -أي محذوف- نعت لعامل. "قد بقي معموله "الجملة نعت ثان لعامل. "دفعا" مفعول لأجله. "لوهم" متعلق به. "اتقى" فعل ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود على وهم، والجملة في محل جر صفة لوهم.(3/224)
أي: أعموا فلم يروا؟ 1.
__________
ونظير هذه العبارة قول القائل: "وعليكم السلام"، جوابًا لمن قال: "السلام عليكم"؛ فالواو في الجواب لعطف كلام المتكلم المجيب على كلام المخاطب، مثلها في العبارة السابقة.
1 كل من جملتي "نَضْرِبُ"، و"لَمْ يَرَوْا" معطوف بالفاء على جملة محذوفة بينهما وبين الهمزة؛ لأن المعطوف عليه بالفاء خاص بالجمل، والهمزة في الموضعين في موضعها الأصلي، وهذا رأي الزمخشري ومن تبعه، واختاره المصنف. ويرى سيبويه والجمهور: أن الهمزة قدمت من تأخير؛ تنبيهًا على أصالتها في التصدير ومحلها الأصلي بعد الفاء؛ والأصل: فانضرب، فألم يروا. ومثال الحذف مع بقاء "أم" المتصلة قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} ؛ فإن التقدير: أعلمتم أن الجنة حفت بالمكاره؟ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ... إلخ. وقد أشار الناظم إلى ما تقدم بصدر بيت سبق عجزه في موضوع آخر. صفحة 219؛ وهو:
وحذف متبوع بدا هنا استبح ... ..................................*
أي: استبح حذف معطوف عليه ظهر وذكر في هذا الموضع؛ وهو: العطف بالواو، والفاء، وأم.
تتمة:
أ- لا يجوز تقديم المعطوف على المعطوف إليه، وما ورد من ذلك فهو شاذ يقتصر فيه على المسموع. ومنه قول الأحوص:
ألا يا نخلة من ذات عرق ... عليك ورحمة الله السلام
ب- يجوز الفصل بين الواو ومعطوفها بظرف أو جار ومجرور، ومنه قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} ، ولا يجوز بين الفاء ومعطوفها إلا في الضرورة الشعرية.
ج- الأصل في عطف النسق المغايرة بين المتعاطفين؛ فلا يصح عطف الشيء على نفسه، وأجاز بعضهم ذلك إذا اختلف اللفظان لغرض بلاغي، أو لقصد التفسير والتوضيح،
__________
* "وحذف متبوع" حذف مفعول استبح مقدم، ومتبوع مضاف إليه. "بدا هنا" بمعنى ظهر، فعل ماض، والجملة صفة لمتبوع، و"هنا" ظرف مكان متعلق باستبح أو ببدا.(3/225)
...................................................................................................................
__________
ومنه قوله الشاعر:
وألفى قولها كذبًا ومينًا
د- الصحيح جواز عطف الخبر على الإنشاء، والجملة الاسمية على الفعلية، والعكس.
هـ- مما تنفرد به الواو عطف كلمة "أي" على مثلها؛ كقول الشاعر:
فلئن لقيتك خاليين لتعلمن ... أيي وأيك فارس الأحزاب
و لا يجوز العطف بـ"بل" الواقع بعد الاستفهام؛ فلا تقول: أقرأت كتابًا بل كتابين(3/226)
...................................................................................................................
__________
الأسئلة والتمرينات:
1 عرف عطف البيان، ووضح الفرق بينه وبين البدل بأمثلة من إنشائك.
2 عرف عطف النسق، واذكر حروفه، وما يدل عليه كل حرف، مع التوضيح.
3 تختص كل من الفاء والواو العاطفتين بأشياء، اذكر ما تختص به كل منهما، ووضح ذلك بأمثلة.
4 ما شروط العطف بحتى؟ وما حكم المجرور بعدها؟ اذكر أمثلة موضحة.
5 ما الفرق بين "أو"، "وإما" المعاني التي تأتي لها كل منهما؟ مثل لما تقول.
6 اشرح قول ابن مالك:
وأول "لكن" نفيا أو نهيا و"لا" ... نداء أو أمرًا أو إثباتًا تلا
7 ما الفرق بين همزة التسوية وهمزة التعيين؟ اشرح معنى كل بأمثلة موضحة، ثم اذكر الفرق بين "أم" المتصلة والمنقطعة، مع التمثيل بأمثلة من عندك.
8 فيما يأتي شواهد في باب العطف، بين مواضع الشاهد، وحكمه في الإعراب:
قال تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} ، {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} ، {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ} ، {أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا} ، {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمُ ارْتَابُوا} ، {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} ، {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} ، {إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} .(3/227)
...................................................................................................................
__________
في الحديث.
"كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس"، "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته".
إذا سيدنا منا مضى لسبيله ... أقام عمود الدين آخر سيد
صبرت على ما كان بيني وبينه ... وما يستوي حرب الأقارب والسلم
كيف أصبحت كيف أمسيت مما ... يغرس الود في فؤاد الكريم
إن من ساد ثم ساد أبوه ... ثم قد ساد قبل ذلك جده
أراك فلا أدري أهم هممته ... وذو الهم قدمًا خاشع متضائل
نال الخلافة أو كانت له قدرًا ... كما أتى ربه موسى على قدر
ذعرتم أجمعون ومن يليكم ... برؤيتنا وكنا الظافرينا
فاليوم قد بت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيام من عجب
دعاني إليها القلب أني لأمره ... سميع فما أدري أرشد طلابها
9 أعرب البيت الآتي، وبين ما فيه من شاهد، ثم اشرحه شرحًا أدبيًا:
إني مقسم ما ملكت فجاعل ... أجراً لآخره ودنيا تنفع
10 يكثر في تعبير الفقهاء: "سواء كان كذا أو كذا"، ويقول بعض النحاة: إن هذا التعبير، خطأ، اشرح القول في ذلك، على ضوء ما بينا في موضعه.
11 ما الفرق بين التخيير والإباحة؟ وبعد أي صيغة يقعان؟ اذكر مثالين من إنشائك يلقيان الضوء على ما تذكر من فروق.
12 كيف تعطف على ما يأتي؟
أ- على الضمير المرفوع المتصل.
ب- على الضمير المخفوض، ثم وضح بأمثلة من عندك.
13 ما شرط عطف الفعل على الفعل؟ وضح ذلك بأمثلة من إنشائك.
14 متى تكون "بل" للإضراب؟ ومتى تتمخض للعطف؟ وما الفرق بين الإضراب الإبطالي والانتقالي؟ وضح ما تقول بأمثلة من عندك.
15 قد تعطف الجملة على المفرد، أو العكس، فمتى يكون ذلك؟ وضح ما تقول بأمثله.(3/228)
باب: البدل
مدخل
...
باب البدل 1:
وهو: التابع المقصود بالحكم2 بلا واسطة3. فخرج بالفصل الأول4: النعت، والبيان، والتوكيد؛ فإنها مكملات للمقصود بالحكم5.
وأما النسق فثلاثة أنواع:
أحدها: ما ليس مقصوداً بالحكم6؛ كجاء زيد لا عمرو، وما جاء زيد بل عمرو، أو لكن عمرو، أما الأول فواضح؛ لأن الحكم السابق منفي عنه، وأما الآخران؛ فلأن الحكم السابق هو نفي المجيء، والمقصود به إنما هو الأول.
النوع الثاني: ما هو مقصود بالحكم هو وما قبله، فيصدق عليه أنه مقصود بالحكم، لا أنه المقصود7
__________
باب البدل:
1 معناه في اللغة: العوض وفي الاصطلاح: ما ذكره المصنف.
2 أي: الحكم المنسوب إلى متبوعه، إثباتاً أو نفياً.
3 أي: من غير واسطة لفظية؛ تتوسط وتذكر بين التابع والمتبوع. والمراد بالواسطة هنا: حرف العطف؛ لأن البدل من المجرور قد يكون بواسطة إعادة حرف الجر الداخل على المبدل منه؛ نحو قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ} ، {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} .
4 أي: وهو المقصود بالحكم.
5 أي: وهو متبوعها إما بتخصيصه أو إيضاحه، أو رفع الاحتمال عنه، أو أي وجه من الوجوه التي سبقت في أبوابها. أما هي فليست مقصودة بالحكم.
6 وهو المعطوف "بلا" بعد الإيجاب، وبـ"بل" و"لكن" بعد النفي، كما مثل المصنف.
7 أي وحده؛ بل يشاركه في الحكم غيره أن يكون مقصوداً هو أيضا. أما عبارة "المقصود بالحكم" فتدل على أنه مقصود بالحكم وحده، ولا يشاركه غيره.(3/229)
وذلك كالمعطوف بالواو1؛ نحو: جاء زيد وعمرو، وما جاء زيد ولا عمرو، وهذان النوعان خارجان بما خرج به النعت، والتوكيد، والبيان2.
النوع الثالث: ما هو مقصود بالحكم دون ما قبله، وهذا هو المعطوف بـ"بل" بعد الإثبات؛ نحو: جاءني زيد بل عمرو، وهذا النوع خارج بقولنا: بلا واسطة. وسلم الحد بذلك للبدل. وإذا تأملت ما ذكرته في تفسير هذا الحد، وما ذكره الناظم وابنه من قلدهما، علمت أنهم عن إصابة الغرض بمعزلٍ.
وأقسام البدل أربعة3:
__________
1 أي: في حال الإثبات أو النفي، وقد مثل المصنف للحالتين.
2 أما الأول؛ فلأن المقصود بالحكم هو المتبوع، وأما الثاني؛ فلأن التابع ليس هو المقصود وحده بالحكم؛ وفي تعريف البدل يقول الناظم:
التابع المقصود بالحكم بلا ... واسطة هو المسمى بدلًا*
والغرض من البدل: تقرير الحكم السابق وتقويته، بتعيين المراد وإيضاحه ورفع الاحتمال عنه؛ ذلك لأن الحكم ينسب للمتبوع أولًا، ثم يأتي بعده التابع؛ فكأن الحكم ذكر مرتين. ولهذا يقولون: إن البدل في حكم تكرير العامل، ولا يصح أن يتحد لفظ البدل والمبدل منه، إلا إذا أفاد الثاني زيادة بيان وإيضاح.
3 زاد بعض الناة نوعًا خامسًا سماه: بدل الكل من البعض، واستدل بأمثلة متعددة من الشعر العربي، وفي القرآن الكريم: {فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا، جَنَّاتِ عَدْنٍ} ؛ فجنات بدل "كل" من الجنة, وهي جمع والجنة مفرد، وقال الشاعر:
كأني غداة البين يوم تحملوا ... لدى سمرات الحي ناقف حنظل
"فاليوم" بدل من "غداة"، مع أنه يشملها، وهي جزء منه، وسمرات: جمع سمرة؛ وهي شجرة الطلح. ناقف: جامع. وجامع الحنظل تدمع عيناه؛ فلهذا شبه به وعيناه تدمعان.
__________
"التابع" مبتدأ أول. "المقصود" نعت له. "بالحكم" متعلق بالمقصود. "بلا" متعلق بالتابع أو بالمقصود. "واسطة" مضاف إليه. "هو المسمى" مبتدأ ثان وخبر، والجملة خبر المبتدأ الأول، وفي المسمى ضمير هو نائب فاعله، وهو المعمول الأول. "بدلًا مفعوله الثاني.(3/230)
الأول: بدل كل من كل؛ وهو بدل الشيء مما هو طبق معناه1؛ نحو: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ} 2. وسماه الناظم: "البدل المطابق"؛ لوقوعه في اسم الله تعالى؛ نحو: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} ، فيمن قرأ بالجر3؛ وإنما يطلق "كل" على ذي أجزاء، وذلك ممتنع هنا4.
والثاني: بدل بعض من كل، وهو: بدل الجزء من كله5: قليلا كان ذلك الجزء، أو مساوياً، أو أكثر؛ كأكلت الرغيف ثلثه، أو نصفه، أو ثلثيه، ولا بد من اتصاله بضمير يرجع على المبدل منه6؛ مذكور كالأمثلة المذكورة، وكقوله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا
__________
أي: أن يكون الثاني مطابقًا ومساويًا للأول في المعنى تمام المطابقة، ويختلفان في اللفظ غالباً.
2 فـ {صِرَاطٍ} ، الثانية بدل كل من كل من الأولى، سورة الفاتحة.
3 فـ {اللَّهِ} ، بدل من {الْعَزِيزِ} ، بدل من مطابق، ولا يقال فيه بدل كل من كل؛ لما ذكره المصنف، وإن كانت هذه التسمية اصطلاحية، نقلت بعد التغليب على ما يدل على ذي أجزاء. من الآية 1، 2 من سورة إبراهيم.
4 لأن مسماه تعالى لا يقبل التجزئة.
5 ضابطه: أن يكون البدل جزءًا حقيقيًا من المبدل منه، وأن يصح الاستغناء عنه بالمبدل منه، ولا يفسد المعنى بحذفه.
6 أي ليربط البعض بكله. ويجب في هذا الضمير أن يطابق المتبوع في الإفراد والتذكير وفروعهما، ولا فرق بين أن يتصل هذا الضمير بالبدل مباشرة، أو بلفظ آخر له صلة بالبدل؛ نحو: قابلت العائدين من القتال أربعة منهم. وقد يغني عن الضمير في إفادة الربط "أل" عند أمن اللبس؛ نحو: إذا رأيت والدك فقبله اليد؛ أي يده، وإلا في الاستثناء، إذا كان المبدل منه هو المستثنى منه في كلام تام؛ حيث يجوز في المستثنى النصب على الاستثناء، أو الإتباع على البدلية؛ نحو: ما نجح الطلاب إلا واحدا.(3/231)
وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} 1، أو مقدر كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} ؛ أي: منهم2.
والثالث: بدل الاشتمال؛ وهو: بدل شيء يشتمل عامله على معناه اشتمالًا بطريق الإجمال3؛ كأعجبني زيد علمه، أو حسنه، وسرق زيد ثوبه، أو فرسه4. وأمره في الضمير كأمر بدل البعض؛ فمثال المذكور ما تقدم من الأمثلة؛ وقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} 5.
__________
1 {كَثِيرٌ} ، بدل من الواو الأولى في {عَمُوا} ، والثانية في {صَمُّوا} ، عائدة على {كَثِيرٌ} ؛ لأنه مقدم رتبة؛ إذ التقدير -والله أعلم- ثم عموا كثير منهم وصموا. والذي يحمل على ذلك أنه لو جعل بدلًا من الواوين معًا، لزم توارد عاملين على معمول واحد.
2 {مَنِ اسْتَطَاعَ} ، بدل من {النَّاسِ} ، والضمير العائد على المبدل منه مقدر، كما بين المصنف، وفيه أعاريب أخرى.
3 لتوضيح هذا التعريف نقول: إن بدل الاشتمال تابع يقصد به تعيين وتوضيح أمر في متبوعه، وهذا الأمر من الأمور العارضة الطارئة، التي ليست جزءًا أصيلًا من المتبوع، ويشتمل على هذا الأمر، ويدل عليه "العامل" في المبدل منه؛ ولكن بطريقة إجمالية؛ لأنه لا يليق نسبته إلى ذات المبدل منه.
ويرى ابن مالك أن المشتمل هو المبدل منه، وذهب الفارسي إلى أنه البدل. وما رآه المصنف من أن المشتمل هو "العامل" جدير بالاتباع. وهذا الاشتمال: قد يكون في أمر مكتسب؛ كالعلم، والكرم، والزهد، أو غيره مكتسب؛ ولكنه ملازم لصاحبه: كالحسن، أو غير ملازم؛ كالكلام. وقد يكون الاشتمال بطريق التبعية كالثوب، والفرس ... إلخ.
4 فالعلم والحسن بدل اشتمال، وكلاهما يعين أمرًا عرضيًا في المتبوع؛ لأنه لا يدخل في تكوين الذات، ويشملهما الإعجاب إجمالًا، ولكن لا يناسب نسبته إلى ذات "زيد" التي هي عظم ولحم ودم؛ فيفهم أن المقصود نسبة الإعجاب إلى صفة من صفاته. وكذلك الثوب والفرس بدل اشتمال، ويقال فيهما ما ذكرنا؛ فالمقصود نسبة السرقة إلى شيء يتعلق بالمتبوع؛ فقد دل "العامل" على البدل بطريقة مجملة.
5 فـ {قِتَالِ} ، بدل اشتمال من {الشَّهْرَ} ، والرابط بينهما الهاء المجرورة بفي، وهي(3/232)
ومثال المقدر قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ، النَّارِ} 1؛ أي: النار فيه، وقيل: الأصل "ناره" ثم نابت "أل" عن الضمير.
والرابع: البدل المباين2، وهو ثلاثة أقسام3؛ لأنه لا بد أن يكون مقصودًا كما تقدم في الحد.
ثم الأول4 إن لم يكن مقصوداً البتة؛ ولكن سبق إليه اللسان؛ فهو بدل الغلط؛ أي بدل عن اللفظ الذي هو غلط، لا أن البدل نفسه هو الغلط، كما قد يتوهم. وإن كان مقصوداً؛ فإن تبين بعد ذكره فساد قصده، فبدل نسيان؛ أي بدل شيء ذكر نسياناً.
وقد ظهر أن الغلط متعلق باللسان، والنسيان متعلق بالجنان، والناظم وكثير من النحويين لم يفرقوا بينهما، فسموا النوعين بدل غلط5.
__________
متصلة بما يتعلق بالبدل. من الآية 217 من سورة البقرة.
1 هذا بناء على أن {النَّارِ} ، بدل اشتمال من {الأُخْدُودِ} . والأخدود: الشق في الأرض. وأصحابه هم: أنطيانوس ملك الروم، وبختنصر ملك فارس. ويوسف ذو نواس ملك نجران؛ حفر كل منهم شقًا عظيمًا وملأه نارًا، وأمر بأن يلقى فيه كل من لم يكفر. و"أل" في {الأُخْدُودِ} ، للجنس؛ لأنها أخاديد، لا أخدود واحد. وبدل الاشتمال كبدل البعض، لا بد لصحته من صحة الاستغناء عنه بالمبدل منه مع صحة المعنى عند حذفه؛ فمثل: أعجبني علي أخوه، بدل إضراب لا بد اشتمال؛ لعدم صحة الاستغناء عنه بالأول.
2 أي المغاير للمبدل منه.
3 لا بد في كل من الأقسام الثلاثة أن يكون البدل هو المقصود بالحكم، وهذا النوع بأقسامه الثلاثة لا يحتاج إلى ضمير يربطه بالمتبوع.
4 أي المبدل منه.
5 وقد أشار الناظم إلى أنواع البدل الأربعة المتقدمة بقوله:
مطابقًا أو بعضًا أو ما يشتمل ... عليه يلفى أو كمعطوف ببل*
__________
* "مطابقًا" مفعول ثان مقدم ليلفى. "أو بعضًا أو ما" معطوفان عليه، و"ما" اسم موصول واقعة على بدل.(3/233)
وإن كان قصد كل واحد منهما صحيحًا1؛ فبدل الإضراب، ويسمى أيضًا: "بدل البداء"2. وقول الناظم: "خذ نبلًا مدًى، يحتمل الثلاثة، وذلك باختلاف التقادير؛
__________
أي: يلفى البدل -أي يوجد- مطابقًا، أو بعضًا، أو شيئًا يشتمل على البدل اشتمالًا معنويًا - يريد العامل والمتبوع كما ذكرنا؛ أو كمعطوف بالحرف "بل"؛ وذلك هو البدل المباين؛ لأنه بأنواعه الثلاثة لا يخلو من الإضراب.
1 وذلك بأن ذكر المبدل منه قصدًا، ثم أضرب عنه وتركه، من غير أن يتعرض له بنفي أو إثبات.
2 بفتح الباء؛ أي الطور؛ سمي بذلك لأن المتكلم بدا له ذكره بعد ذكر الأول قصدًا، لسبب ما؛ كأن يكون ظهر له الصواب بعد خفائه عليه. وهذا النوع من البدل لا يحتاج إلى ضمير يربطه بالمتبوع، وكثيرًا ما يوقع في لبس؛ فالأحسن عدم استعماله، وإليه أشاره الناظم بقوله:
وذلًا للإضراب أعز إن قصداً صحب ... ودون قصد غلط به سلب
كزره خالدًا وقبله اليدا ... واعرفه حقه وخذ نبلًا مدى*
و"ذا" -أي هذا الذي يشبه "بل"- انسبه إلى الإضراب إن صحبه القصد من المتكلم. وإن لم يقصده المتكلم؛ فهو بدل جيء به ليسلب الغلط الذي حدث ويزيله. وقد مثل الناظم في البيت الثاني لأنواع البدل كلها، وذكر مثالًا للبدل المباين يحتمل أقسامه الثلاثة؛ وهيك الغلط، والإضراب، والنسيان. وإن كان لم يذكر في البيت الأول سوى نوعين؛ هما: الغلط والإضراب. وقد تكفل المصنف بإيضاح ذلك.
و"خالد" اسم رجل، وهو بدل مطابق من الهاء في "زره" و"اليدا" بدل بعض من الهاء في "قبله"؛ أي يده، أو اليد منه، و"حقه بدل اشتمال من الهاء في "اعرفه". و"مدى" بدل مباين؛ غلط، أو نسيان، أو إضراب، من "نبلا".
__________
* "يشتمل" الجملة صلة ما. "عليه" متعلق بما بيشتمل، والضمير في يشتمل يعود إلى البدل، وفي "عليه" إلى المبدل منه، ويجوز العكس؛ على أن المشتمل هو البدل أو المبدل منه. "يُلفَى" مضارع للمجهول، ونائب الفاعل هو المفعول الأول. "أو" عاطفة. "كمعطوف" الكاف اسم بمعنى مثل، معطوف على "ما يشتمل"، و"معطوف" مضاف إليه. "ببل" جار ومجرور متعلق بمعطوف.
"وذا" اسم إشارة مفعول مقدم لاعز، والإشارة إلى مثل المعطوف ببل. "للاضراب" متعلق باعز. "إن" شرطية.(3/234)
وذلك لأن النبل: اسم جمع للسهم، والمدى: جمع مدية؛ وهي السكين. فإن كان المتكلم إنما أراد الأمر بأخذ المدى؛ فسبقه لسانه إلى النبل؛ فبدل غلط. وإن كان أراد الأمر بأخذ النبل، ثم تبين له فساد تلك الإرادة، وأن الصواب الأمر بأخذ المدى، فبدل نسيان، وإن كان أراد الأول، ثم أضرب عنه إلى الأمر بأخذ المدى، وجعل الأول في حكم المتروك، فبدل إضراب وبداءٍ. والأحسن فيهن أن يؤتى ببل1.
__________
1 لئلا يتوهم أن "مدى" صفة لنبل. والمعنى: نبلًا حادًا. وإذا أتي بـ"بل" خرج عن كونه بدلًا، وصار عطف نسق.
تتمة:
أ- لا يلزم موافقة البدل لمتبوعه في التعريف والتنكير؛ فقد يكونان معرفتين؛ كقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} ، بجر كلمة: {اللَّهِ} ، على أنها بدل من {الْعَزِيزِ} ، وقد يكونان نكرتين، كقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا، حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا} . وقد تبدل المعرفة من النكرة؛ نحو: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ} . والعكس كقوله سبحانه: {لَنَسْفَعًََا بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} ، سورة العلق.
ب- أما الإفراد والتذكير وفروعهما؛ فإن كان بدل "كل" طابق متبوعه فيها، ما لم يمنع مانع من التثنية أو الجمع؛ كأن يكون أحدهما مصدرًا لا يثنى ولا يجمع، كالمصدر الميمي في الآية السابقة: {مَفَازًا، حَدَائِقَ} ، أو قصد التفضيل؛ كقول الشاعر:
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزمان فشلت
أما غيره من أنواع البدل فلا يلزم موافقته فيها.
__________
"قصدا" مفعول مقدم لصاحب الواقع فعلا للشرط، والجواب محذوف يفهم مما قبله. "ودون قصد" دون ظرف متعلق بمحذوف يدل عليه صحب، وقصد مضاف إليه؛ أي وإن وقع دون قصد. "غلظ" خبر لمبتدأ محذوف على حذف مضاف؛ أي فهو بدل غلط. "به" متعلق بسلب الواقع صفة، ونائب فاعله يعود إلى الحكم المفهوم من السابق.
"خالدًا" بدل مطابق في الهاء في زره. "اليدا" بدل بعض من الهاء في قبله، والعائد محذوف؛ أي منه. "حقه" بدل اشتمال من الهاء في أعرفه. "مدى" بدل إضرب من "نبلا".(3/235)
فصل: في إبدال كل من الظاهر والضمير من غيره
يبدل الظاهر من الظاهر كما تقدم. ولا يبدل المضمر من المضمر1؛ ونحو: قمت أنت، ومررت بك أنت، توكيد اتفاقًا، وكذلك نحو: رأيتك إياك، عند الكوفيين، والناظم2. ولا يبدل مضمر من ظاهر، ونحو: رأيت يدًا إياه، من وضع النحويين وليس بمسموع.
ويجوز عكسه مطلقًا3؛ إن كان الضمير لغائب؛ نحو: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} ؛ في أحد الأوجه4.
__________
جـ- إذا اجتمعت التوابع كلها أو عدد منها، قدم النعت، ويليه عطف البيان؛ فالتوكيد فالبدل، فعطف النسق؛ كما قيل:
قدم النعت فالبيان فأكد ... ثم أبدل واختم بعطف الحروف
1 العلة في ذلك: عدم الورود عن العرب.
2 لأنه لا فرق عندهم في تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل، بين المرفوع وغيره، وذهب البصريون إلى أنه بدل؛ لما ثبت عن العرب، كما نقل عن سيبويه وتلقاه من بعده بالقول أنها إذا أرادت البدلية وافقت بين التابع والمتبوع، فقالت: جئت أنت، ورأيتك إياك، وممرت به به؛ فيتحد لفظ التوكيد والبدل في المرفوع، ويختلف في غيره. وذهب الكوفيون إلى أن الضمير الثاني في حالتي النصب والجر توكيد للأول، كما هو في حالة الرفع، ولو كان موافقا له؛ نحو: رأيتك إياك، ومررت بك بك، وبهذا أخذ ابن مالك.
3 أي يجوز إبدال الظاهر من الضمير؛ سواء في ذلك بدل الكل، أو الاشتمال، أو المباينة.
4 هو: إبدال {الَّذِين} ، من الواو في {أَسَرُّوا} ، بدل كل من كل، وقيل: {الَّذِين} ، فاعل أسروا، والواو حرف دال على الجمع لا ضمير، وهي لغة أكلوني البراغيث، وقيل: {الَّذِينَ ظَلَمُوا} ، مبتدأ مؤخر، {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} ، خبر مقدم. من الآية 3 من سورة الأنبياء.
ومثال بدل البعض: محمد أوثقته يديه، والاشتمال: على استحيائه عقله، والغلط: إبراهيم ضربته فرسه.(3/236)
أو كان لحاضر1؛ بشرط أن يكون بدل بعض؛ كأعجبتني وجهك2، وقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} 3.
أو بدل اشتمال؛ كأعجبتني كلامك4، وقول الشاعر:
بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا5
__________
1 سواء كان لمتكم أو مخاطب.
2 "وجهك" بدل مرفوع من تاء المخاطب، بدل بعض من كل.
3 فـ"مَنْ" الموصولة المجرورة باللام في "لِمَنْ"، بدل من ضمير "لَكُمْ"، وأعيدت اللام مع البدل للفصل والتوكيد، وهذه الإعادة جائزة لا واجبة، والجر بها، لا باللام الأولى، ولا بأخرى مقدرة على الأصح. من الآية 21 من سورة الأحزاب.
4 "كلامك" بالرفع، بدل اشتمال من تاء المخاطب.
5 صدر بيت من الطويل، للنابغة الجعدي، من قصيدة أنشدها بين يدي حضرة الرسول -عليه السلام- وعجزه:
وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
اللغة والإعراب: بلغنا السماء: وصلنا إليها، وهو كناية عن علو المنزلة، مجدنا: المجد كرم الآباء. سناؤنا: السناء الشرف والرفعة. "السماء" مفعول بلغنا. "مجدنا" مجد بدل اشتمال من ضمير المتكلم في "بلغنا" الواقع فاعلًا، والضمير مضاف إليه. "وسناؤنا" معطوف على مجدنا. "لنرجو" اللام للتوكيد وجملة نرجو خبر إن. "فوق" ظرف مكان متعلق بمحذوف حال من مظهرا. "ذلك" مضاف إليه. "مظهرًا" مفعول نرجو؛ وهو مصدر ميمي أو اسم مكان، معناه المصعد. قيل: ولا يبعد أنه مكان في الجنة.
المعنى: يصف قومه بأنهم قد بلغوا الغاية التي يرجوها المؤمل؛ من ارتفاع القدر، وسمو المنزلة، وهم مع ذلك يرقبون منزلة أعلى، قيل إنه لما أنشد هذا بين يدي الرسول قال له: "إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟ " فقال: إلى الجنة بك يا رسول الله، فقال الرسول: "أجل، إن شاء الله".(3/237)
أو بدل كل مفيد للإحاطة؛ نحو: {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} 1. ويمتنع إن لم يفدها خلافاً للأخفش؛ فإنه أجاز: رأيتك زيداً، ورأيتني عمراً2.
__________
الشاهد: إبدال "مجدنا، وسناؤنا" بدل اشتمال من ضمير المتكلم البارز الواقع فاعلا في بلغنا.
1 فـ {أَوَّلِنَا} ، و {آخِرِنَا} ، بدل كل من الضمير "نا" المجرور باللام؛ ولهذا أعيدت اللام جوازًا مع البدل؛ مجاراة للمبدل منه، وهو مفيد للإحاطة والشمول؛ لأن المراد بـ {أَوَّلِنَا} ، و {َآخِرِنَا} ، جميعنا على عادة العرب؛ من ذكر طرفي الشيء، وإرادة جميعه؛ كقوله تعالى: {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} ؛ أي في كل وقت.
وقد اقتصر الناظم في الحالات السابقة، على إبدال الظاهر من ضمير الحاضر فقال:
ومن ضمير الحاضر الظاهر لا ... تبدله إلا ما إحاطة جلا
أو اقتضى بعضاً أو اشتمالًا ... كإنك ابتهاجك استمالا*
أي: لا تبدل الظاهر من ضمير، إلا إذا أظهر البدل إحاطة؛ أي دل عليها؛ بكونه بدل كل من كل. أو اقتضى بعضا؛ بأن دل على البعضية، أو دل على اشتمال، كقولك: إنك ابتهاجك استمال الليك القلوب وجذبها نحوك.
2 أيك على أن "زيدا" و"عمرا"، بدلان من الكاف والياء المنصوبين محلا في رأيتك ورأيتني. ووجه الامتناع، إن لم يفد الإحاطة، عدم الفائدة حينئذ، وينبغي أن يفيد البدل ما لم يفده المبدل منه.
__________
* "ومن ضمير" جار ومجرور متعلق بتبدله. "الحاضر" مضاف إليه. "الظاهر" مفعول لفعل محذوف يفسره تبدله. "لا" ناهية. "تبدله" فعل مضارع مجزوم بلا، والهاء مفعوله تعود إلى الظاهر. "إلا" أداة استثناء. "ما" اسم موصول مستثنى مبني على السكون في محل نصب. "إحاطة" مفعول جلا مقدم، وجملة "جلا" صلة الموصول. "أو اقتضى" معطوف على جلا، والفاعل يعود على البدل. "بعضا" مفعوله. "أو اشتمالًا" معطوف على بعضا. "كإنك" الكاف جارة لقول محذوف. "ابتهاجك" بدل اشتمال من الكاف في إنك الواقع اسما لإن، والكاف مضاف إليه. "استمالا" فعل ماض والفاعل يعود على ابتهاجك، والألف للإطلاق، والجملة خبر إن، أي إن فرحك استمال القلوب إليك.(3/238)
فصل: في إبدال كل من الاسم والفعل والجملة من غيره
يبدل كل من الاسم والفعل والجملة من مثله1؛ فالاسم كما تقدم، والفعل كقوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ} 2. والجملة كقوله تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} 3.
وقد تبدل الجملة من المفرد؛ كقوله:
__________
1 ويرى بعض النحاة جواز إبدال الفعل من اسم يشبهه، والعكس؛ كما جاز في العطف؛ تقول: محمد متق يخاف ربه، ومحمد يخاف ربه متق.
وقيل: إن هذا خبر بعد خبر.
2 فالفعل "يُضَاعَفْ" بدل اشتمال من "يَلْقَ"؛ لأن لقي الآثام يستلزم مضاعفة العذاب. وقيل: بدل كل من كل؛ لأن مضاعفة العذاب هي لقي الآثام، ويشترط اتحاد الفعلين في الزمان دون النوع كما في العطف؛ فيجوز: إن جئتني تحسن إلي أكرمك. ولا يبدل الفعل من الفعل بدل بعض، ولا بدلًا مباينًا، وأجازهما بعض النحاة، ومثلوا للأول بقولهمك إن تصل تسجد لله يرحمك؛ فـ"تسجد" بدل بعض من "تصل"، وللثاني بنحو: إن تطعم الفقير تكسه تثب؛ فـ"تكسه" مباين من "تطعم"، والذي يدل على أن البد فيما سبق هو الفعل وحده، لا الجملة، مشاركة الفعل التابع لمتبوعه في نصبه أو جزمه؛ فهو من قبيل بدل المفرد، وفي بدل الفعل من الفعل يقول الناظم في إجمال:
ويبدل الفعل من الفعل كـ"من ... يصل إلينا يستعين بنا يعن"*
"فيستعين بنا" بدل اشتمال من "يصل إلينا".
3 جملة "أَمَدَّكُمْ" الثانية بدل بعض من كل من "أَمَدَّكُمْ" الأولى لأنها أخص منها؛ لأن "مَا تَعْلَمُونَ" يشمل الأنعام وغيرها. من الآيتين 132، 133 من سورة الشعراء. وتبدل الجملة من الجملة بدل اشتمال كقوله:
أقول له أرحل لا تقيمن عندنا ... وإلا فكن في السر والجهر مسلماً
فجملة "لا تقيمن" بدل اشتمال من جملة "ارحل"؛ إذ يلزم من الرحيل عدم الإقامة.
أما إبدال الجملة من الجملة بدل كل؛ فمنعه البعض، وأجازه آخرون بشرط أن تكون الجملة الثانية أدل من الأولى على بيان المراد؛ نحو: اقطع عنقود العنب اقطعه.
ولا يحتاج هذا النوع من البدل إلى ضمير يعود على المبدل منه؛ لتعذر عودته على الفعل أو على الجملة.
__________
* "الفعل" نائب فاعل يبدل. "من الفعل" متعلق بيبدل. "كمن" الكاف جارة لقول محذوف، و"من" اسم شرط جازم مبتدأ. "يصل" فعل الشرط مجزوم بمن. "إلينا" متعلق به. "يستعن" فعل مضارع، بدل اشتمال من يصل، "يعن" بالبناء للمجهول، جواب الشرط، وجملتا الشرط وجوابه خبر المبتدأ.(3/239)
إلى الله أشكو بالمدينة حاجة ... وبالشام أخرى كيف يلتقيان1
أبدل "كيف يلتقيان" من "حاجة" و"أخرى"؛ أي: إلى الله أشكو هاتين الحاجتين تعذر التقائهما.
__________
1 بيت من الطويل، ينسب للفرزدق الشاعر المشهور، يشكو من تفرق حاجاته وأغراضه وتباعد ما بينها، وأنه موزع القلب مشتت البال، وبعده:
سأعمل نص العيش حتى يكفني ... غنى المال يوماً أو غنى الحدثان
اللغة والإعراب: معاني المفردات واضحة. "إلى الله" متعلق بأشكو. "بالمدينة" متعلق بمحذوف، حال من "حاجة" تقدمت عليها. "حاجة" مفعول أشكو. "وبالشام" معطوف على الجار والمجرور. "أخرى" معطوف على حاجة، وهما معمولان لأشكو. "كيف" اسم استفهام، حال تقدمت على صاحبها وعاملها. "يلتقيان" فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والألف فاعل، والجملة بدل اشتمال من حاجة وأخرى.
والشاهد: إبدال جملة "كيف يلتقيان" من المفرد -وهو حاجة وأخرى- بدل كل، وسوغ ذلك أن الجملة في التقدير بمنزلة المفرد، كما بين المصنف، والذي ذهب إليه المصنف رأي ابن جني ومن جاء بعده. وقال الدماميني: يحتمل أن يكون "كيف يلتقيان" جملة مستأنفة؛ أريد بها التنبيه على سبب الشكوى؛ وهو استبعاد اجتماع هاتين الحالتين.
وقد يبدل المفرد من الجملة، كقوله تعالى: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا، قَيِّمًا} ، فكلمة {قَيِّمًا} بدل من جملة {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} ؛ لأنها في معنى المفرد أي جعله مستقيمًا.(3/240)
فصل: في الإبدال من اسم مضمن معنى الاستفهام أو الشرط
وإذا أبدل اسم من اسم مضمن معنى حرف استفهام، أو حرف شرط، ذكر ذلك الحرف مع البدل1؛ فالأول كقولك: كم مالك؟ أعشرون أم ثلاثون؟ ومن
__________
1 وذلك ليوافق البدل المبد منه في تأدية المعنى، وهذا بشرط ألا يظهر حرف الاستفهام مع المبدل منه، فإن ظهر فلا يلي البدل ذلك، ومعنى تضمنه معنى همزة الاستفهام: أنه استفهام يؤدي معنى الهمزة، وهذا الاستفهام عام مجمل، وما بعد الهمزة من البدل. فرد(3/240)
رأيت؟ أزيدًا أم عمرًا؟ وما صنعت؟ أخيراً أم شرًا؟ 1
والثاني نحو: من قيم، إن زيد وإن عمرو، أقم معه، وما تصنع، إن خيرًا وإن شرًا، تجز به، ومتى تسافر، إن غدًا وإن بعد غدٍ، أسافر معك2.
__________
يدخل ضمنًا في اسم الاستفهام المبدل منه، وكذلك يقال في الشرط.
1 فـ"عشرون" وما عطف عليه بدل تفصيل من "كم"، و"زيدا" وما عطف عليه بدل من "من"، و"خيرا" وما عطف عليه بدل من "ما". وقرن الجميع بالهمزة؛ لتضمن المبدل منه معنى الاستفهام. وتكرير الأمثلة، لأن الاستفهام الذي يتضمنه المتبوع قد يكون عن الكمية؛ أي المقدار، أو عن تعيين الذات، أو عن معنى من المعاني.
2 فزيد وعمر وبدلان من "من" بدل تفصيل، وخيرًا وشرًا بدلًا من "ما" الشرطية. وغدًا وبعد غد بدلًا من "متى"، وقرنت كلها بإن لتضمن المبدل منه معنى الشرط. وكرر الأمثلة؛ لان الشرط الذي يتضمنه المتبوع قد يكون للعاقل أو غيره، وللزمان وللمكان، وقد اقتصر الناظم على الكلام على البدل ممن ضمن الاستفهام؛ فقال:
وبدل المضمن الهمز يلي ... همزاً كـ"من ذا" أسعيد أم علي*
أي أن البدل من المضمن همزة الاستفهام لابد أن تسبقه الهمزة كالمثال الذي ذكره.
__________
* "وبدل" مبتدأ، والواو للاستئناف. "المضمن" اسم مفعول مضاف إليه، ونائب فاعل ضمير مستتر هو المفعول الأول. "الهمز" مفعول ثان له. "يلي همزا" الجملة خبر المبتدأ. "كمن" الكاف جارة لقول محذوف، و"من" استفهامية مبتدأ. "ذا" اسم إشارة، خبر. "أسعيد" الهمزة للاستفهام، و"سعيد" بدل من "من". "أم علي "معطوف على سعيد.(3/241)
..................................................................................................................
__________
الأسئلة والتمرينات:
1 عرف البدل، واذكر أنواعه، ومثل لكل، وبين كيف يبدل من المجررو؟
2 ما الذي يشترط في كلنوع من أنواع البدل؟ ولماذا؟
3 ما شرط الإبدال من الضمير؟ وكيف تبدل مما ضمن معنى الاستفهام، أو الشرط؟
4 اذكر أقسام البدل المباين، وبين الفرق بينهما، موضحًا ذلك بأمثلة من عندك.
5 اشرح قول ابن مالك:
واعطف على اسم شبه فعل فعلا ... وعكساً استعمل تجده سهلا
وما رأي النحاة في عطف الجملة على الجملة؟ اشرح ذلك. وهل يشترط فيه شيء؟
6 فيما يأتي شواهد لأنواع البدل ومسائله، وما يتعين كونه عطف بيان أو بدل، وما يجوز فيه الأمران، بين موضع الشاهد، وأعربه:
قال تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} ، {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} ، {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} ، {وَمَا أَنْسَانِي إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} ، {مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} ، {اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} ، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} ، {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا} .
قال -عليه السلام: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" ... إلخ. وقال: "اجتنبوا السبع الموبقات، الشرك بالله، والسحر...." إلخ.
إن النجوم نجوم الأفق أصغرها ... في العين أذهبها في الجو إصعادا
ذريني إن أمرك لن يطاعا ... وما ألفيتني حلمي مضاعا
رحم الله أعظمًا دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات
أداوي جحود القلب بالبر والتقى ... ولا يستوي القلبان قاس وراحم
أقول له أرحل لا تقيمن عندنا ... وإلا فكن في السر والجهر مسلمًا(3/242)
..................................................................................................................
__________
7 بين الفرق بين بدل المطابقة، وبدل الاشتمال، موضحًا ذلك بأمثلة كافية.
8 ما رأيك فيما ذكر النحاة من فروق بين عطف البيان والبدل؟ وفي القولة المشهورة عن الإمام الرضي، ونصها كما في الصبان في آخر باب عطف البيان: "أنا للآن لم يظهر لي فرق جلي بين بدل الكل من الكل، وعطف البيان؛ بل ما أرى عطف البيان إلا البدل، كما هو ظاهر كلام سيبويه".
9 بين فيما يأتي: أنواع التوابع التي مرت بك، ومتبوعها، وأعرب ما تحته خط.
هل تعلم أن سلطان العلماء المعز بن عبد السلام وفد على مصر المعزية من دمشق حاضرة سورية، في عهد السلطان نجم الدين أيوب؟ وقد رشحته موهبته العظيمة، وأدبه الجم، وطلاقه لسانه، أن يتولى الخطابة في مسجد الإمام عمرو بن العاص؛ كما رشحه علمه وورعه أن يتولى القضاء، وأنه أفتى ببيع السادة المماليك. وقد تم ذلك، ونودي ببيعهم على رءوس الأشهاد، صغيرهم وكبيرهم، ووضعت الأموال أثمانهم في بيت المال، خزانة المالية وقتئذ؟ ذلك ما حدث لا ريب فيه، وقد سجله التاريخ.
إن علي الله أن تبايعا ... تؤخذ كرهًا أو تجيء طائعا
10 بعض انواع البدل لا بد فيه من ضمير يربطه بالمتبوع، اذكر ذلك النوع، وهل هنالك ما يغني عن الضمير في الربط؟ وضح ذلك بأمثلة من إنشائك.
11 أعرب البيت الآتي واشرحه، وبين الشاهد فيه.
ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل ... عفاف وإقدام وحزم ونائل(3/243)
باب: النداء وفيه فصول
الفصل الأول: في أحراف النداء وما تدل عليه
...
باب: النداء 1 وفيه فصول
الفصل الأول: في الأحرف التي ينبه بها المنادى، وأحكامها
وهذه الأحرف ثمانية: الهمزة و"أي" مقصورتين وممدودتين2، و"يا"، و"أيا"، و"هيا"، و"وا".
فالهمزة المقصورة للقريب3؛ إلا إن نزل منزلة البعيد4؛ فله بقية الأحرف، كما أنها للبعيد الحقيقي. وأعمها "يا"؛ فإنها تدخل على كل نداء5. وتتعين في نداء اسم الله تعالى6، وفي باب الاستغاثة؛ نحو: يا لله للمسلمين، وتتعين هي، أو "وا" في باب الندبة، و"وا" أكثر استعمالًا منها في ذلك الباب؛ وإنما تدخل "يا" إذا أمن اللبس7؛
__________
باب النداء وفيه فصول:
1 النداء معناه لغة: الطلب وتوجيه الدعوة بأي لفظ كان. واصطلاحًا: طلب المتكلم إقبال المخاطب إليه بالحرف "يا"، أو إحدى أخواتها، سواء كان الإقبال حقيقيًا، أو مجازيًا يقصد به طلب الاستجابة؛ كنداء الله سبحانه وتعالى.
2 تقول في حالة القصر: أمحمد؛ أي محمد، وفي حالة المد: آمحمد؛ أي محمد. أما بقية الأحرف فممدودة.
3 أي للمخاطب القيب في المكان من الداعي، حسيًا كان أو معنويًا؛ نحو: أرب الكون ما أعظم قدرتك! ومثلها "أي" عند المبرد. وقال ابن مالك: هي لنداء البعيد كيا.
4 وذلك بسبب نوم، أو سهو، أو ارتفاع مكانة؛ كنداء العبد لربه، أو انخفاضها؛ كالعكس. أما الهمزة الممدودة فللبعيد؛ لأنه يحتاج إلى مد الصوت ليسمع النداء.
5 سواء كان خالصًا من الندبة والاستغاثة، أم مصحوبًا بهما؛ ولهذا لا يقدر غيرها عند الحذف. وهي لنداء البعيد عند جمهور النحاة.
6 أي في لفظ الجلالة "الله"، وكذلك في نداء لفظ "أيها" و"أيتها"؛ إذ لم يرد عن العرب نداء هذه الأشياء بحرف آخر.
7 فلا يلتبس المندوب بغير المندوب.(3/244)
كقوله:
وقمت فيه بأمر الله يا عمرا1
__________
1 عجز بيت من البسيط لجرير، يرثي أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-، وصدره: حملت أمرًا عظيمًا فاصطبرت له
وقبله:
نعى النعاة أمير المؤمنين لنا ... يا خير من حج بيت الله واعتمرا
وبعده:
فالشمس طالعة ليست بكاسفة ... تبكي عليك نجوم الليل والقمرا
اللغة والإعراب: حملت: كلفت. أمرًا عظيمًا: هو الخلافة وتبعاتها الشاقة. اصطبرت: بالغت في الصبر والاحتمال. "حملت" فعل ماض للمجهول، والتاء نائب فاعل مفعول أول. "أمرا" مفعول ثان. "فاصطبرت" معطوف على حملت. "لها" جار ومجرور في محل نصب مفعول اصطبرت. "يا عمرًا" يا حرف نداء وندبة، "عمرا" منادى مندوب مبني على ضم مقدر على آخر، منع من ظهوره الفتحة العارضة لمناسبة ألف الندبة.
والمعنى: كلفت الخلافة وعهد إليك بشئون المسلمين، في وقت عم فيه الظلم وفشا الجور؛ فصبرت على تلك المشاق، وقمت بما أمرك الله، فقضيت على الفساد ونشرت العدل بين الناس، فأرضيت الخلق والخالق.
والشاهد: استعمال "يا" للندبة لأمن اللبس؛ فإن صدور ذلك بعد موت عمر، دليل على أن المقصود الرثاء والتوجع، لا النداء، وكذلك اتصال ألف الندبة في آخره دليل على أنه أراد الندبة لا النداء. وفي بيان أدوات النداء، ومواضع استعمالها، يقول الناظم:
وللمنادى الناء أو كالناء "يا" ... و"أي" و"آ" كذا "أيا" ثم "هيا"
والهمز للداني و"وا" لمن ندب ... أو "يا" وغير "وا" لدى اللبس اجتنب*
أي أنه يستعمل للمنادى النائي؛ أي البعيد، أو ماي يشبهه مما ذكرناه، هذه الأحرف الخمسة التي سردها، وأن الهمزة تستعمل لنداء الداني؛ أي القريب، وأن "وا" للمندوب، وكذلك "يا"، بشرط أمن اللبس، فإن خيف لبس بالمنادى، تعينت "وا" كما إذا كنت تندب شخصًا اسمه "علي"، وبحضرتك مسمى بهذا الاسم؛ فإنه لو أتي بيا احتمل نداء الحاضر.
هذا: ويجوز نداء القريب بما للبعيد؛ لعلة بلاغية؛ كالتوكيد، والحث على الإصغاء.
__________
* "وللمنادى" متعلق بمحذوف خبر مقدم. "الناء" صفة له. "أو كالناء" عطف عليه. "يا" بالقصر مبتدأ مؤخر مقصود لفظه. "وأي وآ" معطوفان على "يا". "كذا" خبر مقدم. "أيا" مبتدأ مؤخر. "ثم هيا" معطوف على "أيا".(3/245)
ويجوز حذف الحرف1؛ نحو: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} ، {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} ، {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّه} 2. إلا في ثمان مسائل: المندوب3؛ نحو: يا عمرا. والمستغاث4؛ نحو: يا لله. والمنادى البعيد؛ لأن المراد فيهن إطالة الصوت والحذف ينافيه. واسم الجنس غير المعين5؛كقول الأعمى: يا رجلا خذ بيدي والمضمر6، ونداؤه شاذ، ويأتي على صيغتي المنصوب والمرفوع، كقول بعضهم: يا إياك قد كفيتك7، وقول الآخر:
__________
ويمتنع العكس إلا في حالة التنزيل المذكور.
1 أي لفظا فقط، مع مراعاة تقديره، ويتعين تقديره "يا" عند الحذف كما أسلفنا؛ لأنها تستعمل في جميع أنواع المنادى.
2 أي بتقدير حرف النداء "يا" في الجميع. وقد مثل بثلاثة أمثلة للمنادى: المفرد، والشبيه به، والمضاف. وقيل: أن {عِبَادَ اللَّهِ} مفعول {أَدُّوا} ، ومضاف إليه، ولا شاهد فيه حينئذ.
3 وهو المتفجع عليه، أو المتوجع منه، وسيأتي إيضاحه في بابه.
4 وهو من ينادي ليخلص من شدة، أو يساعد في دفعها، وقريبًا نوضحه في مكانه، ومنه المتعجب منه، نحو: يا للماء! إذا تعجب من كثرته.
5 هو: النكرة غير المقصود؛ لأنها غير متهيئة فتحتاج إلى زيادة تنبيه.
6 المراد ضمير المخاطب؛ لأن غيره لا ينادي مطلقاً؛ فلا يقال: يا أنا، ولا يا هو. وإنما امتنع الحذف لأن حذف الحرف معه يفوت الدلالة على النداء.
7 قيل: إن الأحوص اليربوعي وفد مع ابنه على معاوية، فقام الأب فخطب؛ فلما انتهى قام الابن ليخطب فقال له الأب ذلك؛ أي قد أغنيتك عن القول. وبعضهم أعرب "يا" للتنبيه، و"إياك" مفعول لفعل محذوف يفسره "كفيتك" المذكور، ويكون من باب الاشتغال، ولا شاهد فيه.
__________
"والهمز للداني" مبتدأ وخبر. "وواو" مبتدأ قصة لفظه. "لمن" متعلق بمحذوف خبر، وجملة "ندب" صلة من "أو يا" معطوف على "وا". "وغير "مبتدأ. "وا" مضاف إليه. "لدى" ظرف متعلق باجتنب. "اللبس" مضاف إليه، وجملة "اجتنب" خبر المبتدأ، وهو "غير".(3/246)
يا أبجر بن أبجر يا أنتا1
واسم الله تعالى إذا لم يعوض في آخره الميم المشددة2
وأجازه بعضهم، وعليه قول أمية بن أبي الصلت:
رضيت بك اللهم ربا فلن أرى ... أدين إلهاً غيرك الله راضياً3
__________
1 صدر بيت من الرجز، نسبة العيني للأحوص اليربوعي، وصوب بعضهم: أنه لسالم بن دارة، في مر بن واقع، وصدره:
يامريا بن واقع يا أنتا
والعجز في الحالتين:
أنت الذي طلقت عام جعتا
اللغة والإعراب: الأبجر: المنتفخ البطن. طلقت: فارقت حلائلك. عام جعتا: أي في الوقت الذي وقعت فيه المجاعة. "يا" للنداء. "أبجر" الجر بالفتحة لوزن الفعل، ولكنه صرف لضرورة الوزن. "يا" للنداء. "أنتا" منادى مبني على ضم مقدر منع منه حركة البناء الأصلي، والألف للإطلاق. "أنت الذي" مبتدأ وخبر. "طلقت" الجملة صلة الذي. "عام" ظرف متعلق بطلقت. "جعتا" الجملة في محل جر بإضافة عام.
والمعنى: يذم المخاطب بقوله: يا عظيم البطن، وابن عظيمها، أنت الذي فارقت زوجاتك حين لم تجد ما تسد به رمقك، وتملأ به كرشك، وأبيت السعي لجلب رزقهن.
والشاهد: في "يا أنتا" حيث نادى الضمير الذي في موضع الرفع. وقيل: إن "يا" للتنبيه، و"أنت" الأولى مبتدأ، والثانية توكيد، والموصول خبر، ولا شاهد فيه.
2 لأن نداءه على خلاف الأصل، لوجود "أل" فيه؛ فلو حذف حرف النداء من غير تعويض، لم يدم عليه دليل، فإن عوض فالحذف واجب، كما سيأتي.
3 بيت من الطويل، من قصيدة طويلة في سيرة ابن هشام. وأمية هذا: شاعر ثقفي مشهور في الجاهلية، كان عالما بالأخبار، وقد قرأ كثيرًا من الكتب، وعلم أن الله سيرسل رسولًا في ذلك الوقت، فرجا أن يكون هو الرسول؛ فلما بعث النبي -عليه السلام- حسده وكذبه، ولم يوفق للإيمان به. وقيل: إنه هو الذي نزل فيه في سورة الأعراف قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} .(3/247)
واسم الإشارة، واسم الجنس لمعين1 خلافاً للكوفيين فيهما2؛ احتجوا بقوله:
بمثلك هذا لوعة وغرام3
__________
اللغة والإعراب: أدين: أتخذ دينًا؛ من دان بالشيء: أتخذه دينا. "اللهم" منادى مبني على الضم، والميم المشددة عوض عن حرف النداء المحذوف. "ربا" مفعول رضيت، أو تمييز، أو حال من لفظ الجلالة. "فلن" الفاء للتفريع، و"لن" حرف نفي ونصب. "أرى" فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل أنا. "أدين" فعل مضارع ارتفع بعد حذف الناصب، وأصله: أن أدين، على حد: "تسمع بالمعيدي". "الهاء" مفعوله. "غيرك" غير صفة لإله، والكاف مضاف إليه. "الله" منادى بحذف حرف النداء بدون تعويض، على رأي. "راضيا" حال من فاعل رضيت، أو أدين، أو هو مفعول مطلق لرضيت على حد، قم قائما؛ أي قياما.
والمعنى: رضيت رضا ربا يا الله، فلن أرى أن أتخذ إلها غيرك أعبده وأدين له.
والشاهد: في قوله "الله" حيث أعرب منادى مع حذف حرف النداء، وبدون تعويض بالميم المشددة، وذلك ممنوع، كما أنه يجب حذف الحرف معه إذا لحقته الميم؛ لأنه لا يجمع بين العوض والمعوض، وهذا هو القياس. وما جاء على غير ذلك فهو مخالف للقياس.
1 المراد به: النكرة المقصودة المبنية على الضم عند ندائها. وعلة امتناع الحذف عندهم: أن حرف النداء في اسم الجنس كالعوض عن أداة التعريف؛ فلا يحذف كما لا تحذف. وكذلك اسم الإشارة.
2 فقد أجازوا نداء اسم الإشارة على قلة؛ بشرط ألا تتصل به كاف الخطاب، إلا في الندبة؛ فيصح، فإن اتصلت به الكاف ففي جواز ندائه خلاف؛ والصحيح المنع لاستلزامه اجتماع النقيضين؛ لأن مدلول كاف الخطاب يخالف مدلول المنادى. وكذلك يجوز نداء اسم الجنس المعين قليلا.
3 عجز بيت من الطويل، من قصيدة لذي الرمة، غيلان بن عقبة، وصدره:
إذا هملت عيني لها قال صاحبي
ومطلع القصيدة:
عليكن يا أطلال مي بشارع ... على ما مضى من عهدكن سلام
اللغة والإعراب: هملت العين: فاض دمعها وسال. لوعة: اللوعة: حرقة في القلب؛(3/248)
وقولهم: أطرق كرا1،وافتد مخنوق2، وأصبح ليل3.
وذلك عند البصريين ضرورة وشذوذ4.
__________
من ألم الحب والهوى، أو الحزن. غرام: ولوع وشدة رغبة. "إذا" شرطية. "هملت" فعل الشرط، والتاء للتأنيث. "عيني" فاعله. "لها" متعلق بهملت، واللام للتعليل؛ أي لأجل المحبوبة. "قال" فعل ماض، جواب الشرط. "صاحبي" فاعله مضاف للياء. "بمثلك" جار ومجرور خبر مقدم. "هذا" ها للتنبيه، و"ذا" اسم إشارة منادى على حذف حرف النداء. "لوعة" مبتدأ مؤخر، والجملة في محل نصب مقول القول. "وغرام" معطوف على لوعة.
والمعنى: كلما بكى وانهمر دمعه عند تذكر محبوبته، قال له صاحبه: يا هذا: إنك شديد الحب لها، والغرام بها. وهو لا يستطيع أن يعمل له شيئاً يخفف من لوعته وغرامه، ويذهب عنه بعض ألامه.
الشاهد: نداء اسم الإشارة، وهو "هذا" مع حذف النداء، على رأي الكوفيين.
1 هذا جزء من مثل، وتمامه: إن النعام في القرى، وهو مثل يضرب لمن تكبر وقد تواضع من هو أحسن وأشرف منه؛ أي أخفض يا كرا عنقك للصيد؛ فإن من هو أكبر وأطول عنقا منك -وهو النعام- قد صيد وجيء به من مكانه إلى القرى. وأصله: يا كروان؛ فرخم بحذف النون والألف، كما سيأتي إيضاحه، ثم قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وشذوذه من وجهين: حذف حرف الناء، وترخيمه.
2 مثل يضرب لكل مضطر وقع في شدة وضيق، وهو يبخل بافتداء نفسه بشيء من ماله؛ أي افتد نفسك يا مخنوق.
3 مثل يضرب لمن يظهر الكراهة والبغض للشيء، أي: لتذهب أيها الليل بهمومك، وليأت الصبح بديلًا عنك؛ فقد حذف حرف النداء في هذه الأمثلة، مع أن المنادى اسم إشارة في المثال الأول، واسم جنس في الأخيرين. وبذلك احتج الكوفيون على الجواز، وجعلوا منه قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ} ، على أن هؤلاء اسم إشارة منادى.
4 أي: ضرورة إذا وقع في النظم، وشذوذ إذا ورد في النثر، ومن ذلك قول المتنبي:
هذي برزت لنا فهجت رسيسا ... ثم انصرفت وما شفيت نسيسا
أي: يا هذي. وقيل: المتنبي كوفي؛ فجاء كلامه على مذهبهم. ومعنى هجت: أثرت.(3/249)
الفصل الثاني: في أقسام المنادى وأحكامه
الأول: ما يجب فيه البناء على ما يرفع به
...
الفصل الثاني: في أقسام المنادى وأحكامه
المنادى على أربعة أقسام:
الأول: ما يجب فيه البناء على ما يرفع به
ما يجب فيه أن يبنى على ما يرفع به1 لو كان معرباً، وهو ما اجتمع فيه أمران:
أحدهما: التعريف؛ سواء كان ذلك التعريف سابقًا على النداء؛ نحو: يا زيد، أو
__________
رسيسا: هما. نسيسا: بقية نفس. أما الآية فمؤولة على أن {هَؤُلاءِ} بمعنى الذين، وهو خير عن {أَنْتُمْ} ، أو بالعكس، وجملة {تَقْتُلُونَ} صلة، أو أن {هَؤُلاءِ} اسم إشارة وجملة {تَقْتُلُونَ} حال. وقد اقتصر الناظم في مواضع الحذف على قوله:
وغير مندوب ومضمر وما ... جا مستغاثًا قد يعرى فاعلما
وذاك في اسم الجنس والمشار له ... قل ومن يمنعه فانصر عاذلة*
أي: قد يعرى -أي يتجرد- المنادى من حرف النداء، إذا كان المنادى غير مندوب، وغير مضمر، وغير مستغاث. وحذف حرف النداء قليل في اسم الجنس المعين، والمشار له، أي اسم الإشارة، بشرط خلوة من مضيره المخاطب، وقد منعه كثير من النحاة، ومن يمنع ذلك فانصر لائمه؛ لأنه لا حجة له في المنع، فقد وردت أمثلة كثيرة عن العرب تكفي للقياس عليه.
1 فيبنى على الضم الظاهر أو المقدر في: المفرد الحقيقي، وما يلحق به؛ كأسماء الإشارة، والأسماء الموصولة غير المبدوءةبأل، وفي جمع التكسير، وجمع المؤنث السالم، وعلى الألف في المثنى، وعلى الواو في جمع المذكر السالم. وعلل النحويون البناء بمشابهة الكاف الاسمية في نحو: "أدعوك"؛ خطابًا، وإفراد، وتعريفًا، وهذه تشبه الكاف الحرفية لفظا ومعنى، فهو مشبه للحرف بالواسطة.
__________
* "وغير مندوب" غير مبتدأ، ومندوب مضاف إليه. "ومضمر وما" معطوفان على مندوب، و"ما" اسم موصول. "مستغاثًا" حال من فاعل جا، والجملة صلة ما. "قد يعرى" الجملة صلة ما. " قد يعرى" الجملة خبر المبتدأ. "فاعلما" فعل أمر مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد المنقلبة ألفا للوقف.
"وذاك" مبتدأ والإشارة إلى التعري، أي التجرد من حرف النداء، المفهوم من يعرى. "في اسم الجنسِ" "في اسم"(3/250)
عارضاً في النداء بسبب القصد والإقبال1؛ نحو: يا رجل، تريد به معيناً.
والثاني: الإفراد، ونعني به ألا يكون مضافاً، ولا شبيهاً به، فيدخل في ذلك: المركب المزجي2، والمثنى، والمجموع3، نحو: يا معد كرب، ويا زيدان، ويا زيدون، ويا رجلان، ويا مسلمون، ويا هندات4. وما كان مبنياً قبل النداء؛ كسيبويه، وحذام، في
__________
1 أي قصد المنكر بعينه، مما يزيل عنه الإبهام، وإقبال المتكلم عليه وإلقائه الكلام نحوه، فالعلم المفرد بعد النداء معرفة من غير شك، سواء كان التعريف سابقًا على النداء، وهو الأرجح، أو تجدد بسبب النداء. والنكرة المقصودة هي: التي تستفيد التعريف من النداء، وحكمها البناء على الضمة أو ما ينوب عنها، في محل نصب، فهي كالمفرد العلم في ذلك، بشرط أن تكون مفردة، وغير موصوفة قبل النداء، كما سيأتي.
2 وكذلك العددي؛ كخمسة عشر، والإسنادي؛ كفتح الله. ويبنى المزجي على ضم الجزء الثاني، وكذلك الإسنادي، والعددي على فتح الجزأين.
3 قال الصبان: الظاهر أن نحو: يا زيدان، ويا زيدون، من النكرة المقصودة لا من العلم، وأن العلمية زالت؛ إذ لا يثنى العلم، ولا يجمع، إلا بعد اعتبار تنكيره؛ ولهذا دخلت عليهما أل، فتعريفهما بالقصد والإقبال.
4 الأول مبني على ضم الجزء الثاني، والأخير كذلك؛ لأنه جمع مؤنث، والباقي على الألف والواو، والجميع في محل نصب؛ لأن المنادى بمنزلة المفعول به. وقد اختلف في ناصبه؛ فعند سيبويه والجمهور: أن الناصب له فعل مضمر وجوبًا، وحذف لكثرة الاستعمال، فنابت عنه "يا"، أو إحدى أخواتها، وصار المفعول به منادى مبنيًا على الضم في محل نصب؛ فأصل يا محمد: أدعوا محمدًا؛ حذف الفعل، ونابت منابه "يا". ويرى المبرد والفارسي: أن النصب بحرف النداء الذي سد مسد الفعل المستتر، وقد استتر الفاعل فيه، والمنادى مشبه بالمفعول به. ويعتبر النحاة حرف النداء مع المنادى جملة فعلية إنشائية للطلب، على الرغم من أنها قبل النداء خبرية.
__________
متعلق بقل، والجنس مضاف إليه. "والمشار" عطف على اسم الجنس. "له" متعلق به، وجملة "قل" خبر المبتدأ، و"من" اسم شرط مبتدأ. "يمنعه" فعل الشرط. "فانصر" الفاء واقعة في جواب الشرط. "عاذله" مفعول انصر، ومضاف إليه، والجملة جواب الشرط.(3/251)
لغة أهل الحجاز قدرت فيه الضمة1.
ويظهر أثر ذلك في تابعه؛ فتقول: يا سيبويه العالم، برفع العالم ونصبه2، كما تفعل في تابع ما تجدد بناؤه؛ نحو: يا زيد الفاضل، والمحكي كالمبنى3؛ تقول: يا تأبط شرًا المقدام أو المقدام.
__________
1 أي كما تقدر في المعتل؛ كفتى، وقاض.
2 الرفع مراعاة للضم المقدر، والنصب مراعاة للمحل. ولا يجوز الجر مراعاة للكسر؛ لأنها حركة بناء. ويقال في إعرابه: مبني على ضم مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة البناء الأصلي، في محل نصب، "وسيبويه" منادى مبني على ضم مقدر، منع منه اشتغال المحل بحركة البناء الأصلي، في محل نصب.
3 أي يبنى على مقدر، منع من ظهوره حركة الحكاية، في محل نصب، ويرفع تابعه وينصب على النحو المبين في المبني. وإذا نودي المنقوص؛ كقاض، حذف تنوينه ورجعت الياء، وبني على ضم مقدر عليها، وإذا نودي: أثنا عشر، واثنتا عشرة -علمين- جاز أن يقال: يا اثنا عشر، ويا اثنتا عشرة، بالبناء على الألف، وتبقى عشر وعشرة مبنية على الفتح؛ لأنها بمنزلة نون المثنى، وهمزتها للقطع ما داما علمين. ويجوز أن يقال: يا اثني عشر، ويا اثنتي عشرة، بالنصب بالياء، واعتبار عشر وعشرة بمنزلة المضاف إليه صورة، وقد أشار الناظم إلى القسم المتقدم بقوله:
وابن المعرف المنادى المفردا ... على الذي في رفعه قد عهدا
وانو انضمام ما بنو قبل الندا ... وليجر مجرى ذي بناء جدد*
أي ينبغي أن يبنى المنادى المفرد المعرف، وأن يكون بناؤه على العلامة المعهودة فيه
__________
* وابن" فعل مبني على حذف الياء. "المعرف" مفعوله. "المنادى" بدل من المعرف. "المفردا" نعت للمنادى. "على الذي" جار ومجرور متعلق بابن. "في رفعه" متعلق بعهدا الواقع صلة للذي، ونائب فاعل عهدا يعود إلى الذي، والألف للإطلاق.
"انضمام" مفعول انو. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "بنوا" الجملة صلة، والعائد محذوف؛ أي بنوه. "قبل(3/252)
والثاني: ما يجب نصبه
وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: النكرة غير المقصودة1؛ كقول الواعظ: يا غافلاً والموت يطلبه2، وقول الأعمى: يا رجلاً خذ بيدي، وقول الشاعر:
أيا راكباً إما عرضت فبلغن3
__________
في حالة رفعه قبل النداء؛ فما علامته الضمة يبنى عليها، وما علامته الألف؛ كالمثنى، أو الواو؛ كجمع المذكر، يبنى عليهما. ومثل المفرد العلم: النكرة المقصودة؛ لأنها عرفت بالنداء كما بينا. وما كان من الأسماء مبنيًا قبل النداء، يجب تقدير بنائه على الضم، وإجراؤه مجرى المعرب الذي زال إعرابه وتجدد بناؤه بالنداء، أو مجرى المبني الذي زال بناؤه القديم، وحل محله بناء جديد؛ وذلك بأن يتبع بالرفع مراعاة للضم المقدر فيه، وبالنصب مراعاة للمحل، على النحو الذي شرحناه.
1 أي الباقية على إبهامها وشيوعها، ولا تدل على فرد معين مقصود بالمناداة، وتسمى: اسم الجنس غير المعين.
2 هذا إذا جعلت الواو استئنافية؛ فإن جعلت حالية كان من أمثلة الشبيه بالمضاف؛ لعمله النصب في الجملة التي هي حال من ضمير "غافلا" المستقر فيه.
3 صدر بيت من الطويل، لعبد يغوث بن وقاص الحارثي، أحد شعراء الجاهلية، من قصيدة ينوح فيها على نفسه، عندما أسرته تيم الرباب في يوم الكلاب الثاني، وعجزه:
نداماي من نجران أن لا تلاقيا
ومطلع القصيدة:
ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا ... فما لكما في اللوم خير ولا ليا
اللغة والإعراب: عرضت: أي ظهرت، وقيل معناه: أتيت العروض، والعروض: اسم لمكة والمدينة وما حولهما، نداماي: جمع ندمان، وهو المؤنس في مجلس الشراب. نجران: بلد باليمن. "أيا" حرف نداء. "راكبا" منادى منصوب. "أما" إن شرطية مدغمة في "ما" الزائدة. "عرضت" فعل الشرط. "فبلغن" الفا واقعة في جواب الشرط. وبلغن فعل أمر
__________
النداء" قبل ظرف متعلق ببنوا، والندا مضاف إليه. "وليجر" الواو عاطفة، ويجر فعل مضارع مجزوم بلام الأمر، ونائب الفاعل يعود إلى الذي بنوا قبل النداء. "مجرى" مفعول مطلق مبين للنوع. "ذي بناء" مضاف إليه. "جددا" فعل ماض للمجهول، والجملة في محل جر صفة لبناء.(3/253)
وعن المازني أنه أحال وجود هذا القسم.
الثاني: المضاف1؛ سواء كانت الإضافة محضة؛ نحو: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا} ، أو غير محضة؛ نحو: يا حسن الوجه. وعن ثعلب إجازة الضم في غير المحضة2.
الثالث: الشبيه بالمضاف، وهو ما اتصل به شيء من تمام معناه3؛ نحو: يا حسناً
__________
مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة. "نداماي" مفعوهل منصوب بفتحة مقدرة على الألف، وهو مضاف إلى ياء المتكلم. "من نجران" متعلق بمحذوف حال من الندامي، ونجران ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. "أن" مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن. "لا" نافية للجنس. "تلاقيا" اسمها والألف للإطلاق، والخبر محذوف، والجملة في محل رفع خبر "أن" المخففة، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، مفعول ثان لبلغن.
والمعنى: يندب الشاعر حظه وينادي الركبان، وهو في الأسر؛ فيقول: إذا بلغتم العروض فبلغوا ندمائي ورفاقي، وأهلي وأحبابي، أنه لا تلاقي بيننا، فنحن في الأسر لا ندري ما الله صانع بنا.
والشاهد: في قوله "فيا راكبا"؛ فهو منادى منصوب لأنه نكرة غير مقصودة؛ فإن الشاعر لا يقصد راكباً معيناً.
وفي هذا وأمثاله رد على المازني الذي زعم استحالة وجود هذا النوع؛ بدعوى أن نداء غير المعين لا يمكن، وقال: إن التنوين في ذلك شاذ أو ضرورة.
1 بشرط أن تكون إضافته لغير ضمير لمخاطب غير المضاف.
2 حجته: أن الإضافة فيها في نية الانفصال. ورد بأن علة البناء مشابهة الضمير، وهي مفقودة هنا: لإن الصفة المضافة إلى معمولها ليست بهذه المنزلة، ولم يسمع عن العرب ما يسيغ ذلك. وقد تفصل لام الجر الزائد بين المنادى المضاف، والمضاف إليه، في الضرورة الشعرية؛ كقول سعيد بن مالك:
يا بؤس للحرب التي ... وضعت أراهط فاستراحوا
3 أي جاء بعده معمول يتمم معناه؛ سواء كان هذا المعمول مرفوعا به، أم منصوبا، أم مجرورا بالحرف، والجار والمجرور متعلقان بالمنادى، أم معطوفا على المنادى قبل النداء، ومنه النكرة الموصوفة عند كثير من النحاة؛ سواء وصفت بمفرد أو بغيره؛ نحو: يا حليمًا لا يعجل؛ لأنه قد اتصل بهما شيء تمم معناها.(3/254)
وجهه، ويا طالعا جبلاً، ويا رفيقاً بالعباد، ويا ثلاثة وثلاثين، فيمن سميته بذلك1. ويمتنع إدخال "يا" على ثلاثين2, خلافاً لبعضهم. فإن ناديت جماعة هذه عدتها؛ فإن كانت غير معينة، نصبتهما أيضاً3، وإن كانت معينة، ضممت الأول4، وعرفت الثاني بأل5، ونصبته أو رفعته6، إلا أن أعيدت معه "يا"؛ فيجب ضمه وتجريده من أل7.
ومنع ابن خروف8 إعادة "يا"، وتخييره في إلحاق أل مردود9.
__________
1 أي: قبل النداء، وهذا مثال للمنادى المعطوف عليه قبل النداء؛ وإنما وجب نصبها للطول؛ أما الأول فلشبهه بالمضاف؛ لأن الثاني معمول له لوقوع التسمية بهما، وأما الثاني فبالعطف بالواو.
2 لأنه جزء علم؛ كشمس، من عبد شمس، وقيس، من عبد قيس، أما المخالف فقد نظر إلى الأصل.
3 أي ما دمت تريد المجموع؛ أما الأول فلأنه نكرة غير مقصودة، وأما الثاني فللعطف.
4 لأنه نكرة مقصودة، ما دمت أردت به جماعة معينة.
5 لأنه اسم جنس أريد به معين أيضاً؛ فتدخل عليه "أل" لتفيده التعريف، ولم يكف تعريف النداء؛ لأن "يا" لم تدخل عليه مباشرة.
6 أي: عطفا على محل المتبوع أو لفظه، من غير مراعاة لبنائه.
7 أما الضم فلأنه نكرة مقصودة. والمقصود بالضم: البناء على ما يرفع به. وأما تجريده من "أل"؛ فلأن "يا" لا تجامع أل إلا في مواضع ستأتي، وليس هذا منها.
8 انظر صفحة "74"، جزء ثان.
9 قوله: مردود، خبر منع. ووجه الرد على الشطر الأول أن الثاني ليس بجزء علم حتى تمتنع معه "يا"، وعلى الشطر الثاني: أن اسم الجنس أريد به معين؛ فيجب تعريفه بأل لا التخيير، وإلى هذا القسم أشار الناظم بقوله:(3/255)
والثالث: ما يجوز ضمه وفتحه
وهو نوعان:
أحدهما: أن يكون علماً مفرداً1، موصوفاً بابن، متصل به، مضاف إلى علم2؛ نحو: يا زيد بن سعيد3. والمختار عند البصريين -غير المبرد- الفتح، ومنه قوله:
يا حكم بن المنذر بن الجارود4
__________
والمفرد المنكور والمضافا ... وشبهه أنصب عادماً خلافا*
أي: إذا كان المنادى مفردا نكرة غير مقصودة، أو كان مضافا، أو مشبها به، فانصبه بغير خلاف في ذلك. ولم يعتد الناظم برأي ثعلب المخالف؛ لضعفه.
1 فلا يكون مثنى ولا مجموعا، وأن يكون آخره مما يقبل الحركة؛ فلا يكون معتل الآخر؛ فنحو: يا موسى بن محمد، يتعين فيه الضم.
2 سواء كان كل من العلمية: اسما، أو كنية، أو لقبا. ومتى اجتمعت هذه الشروط في نداء أو غيره، وجب حذف همزة الوصل وألفها من ابن وابنة كتابة ونطقا، إلا لضرورة الشعر أو وقوع إحداهما في أول السطر، فتثبت حينئذ كتابة. انظر صفحة 133، باب العلم، من الجزء الأول.
3 فيجوز في "زيد" البناء على الضم في محل نصب على الأصل؛ لأنه مفرد علم، وعلى الفتح في محل نصب أيضاً؛ إما لتركيبه مع الصفة وجعلهما شيئًا واحدًا كخمسة عشر، أو على الإتباع لفتحه "ابن"؛ لأن الحاجز بين آخر المنادي وآخر صفته حرف واحد ساكن، فالفصل به كلا فصل؛ لأنه حاجز غير حصين. ويقال في إعرابه: مبني على ضم مقدر منع من ظهوره فتحه الإتباع في محل نصب، وكلمة "ابن" صفة منصوبة باعتبار المحل، ويجوز من ظهوره فتحة الإتباع في محل نصب، وكلمة "ابن" صفة منصوبة باعتبار المحل، ويجوز أن يكون المنادى معربا منصوباً مضافا إلى سعيد، وكلمة "ابن" مقحمة بين المضاف والمضاف إليه، لا توصف بإعراب ولا بناء ولا محل لها، ولا شك أن هذا تكلف لا مبرر له.
4 صدر بيت من الرجز، نسبه الجوهري لرؤبة، ونسبه غيره لرجل من بني الحرماز، يمدح الحكم بن المنذر العبدي، أمير البصرة، على عهد هشام بن عبد الملك، وعجزه:
__________
* "والمفرد" مفعول مقدم لا نصب. "المنكور" صفته. "والمضافا وشبهة" معطوفان على المفرد، والهاء في شبهة مضاف إليه عائد إلى المضاف. "عادما" حال من فاعل انصب، وفيه ضمير مستتر هو فاعله؛ لانه اسم فاعل يعمل عمل الفعل. "خلافا" مفعوله.(3/256)
ويتعين الضم في نحو: يا رجل ابن عمرو، ويا زيد ابن أخينا؛ لانتفاء علمية المنادى في الأولى؛ وعلمية المضاف إليه في الثانية، وفي نحو: يا زيد الفاضل ابن عمرو؛ لوجود الفصل، وفي نحو: يا زيد الفاضل؛ لأن الصفة غير "ابن"، ولم يشترط ذلك1 الكوفيون، وأنشدوا: بأجود منك يا عمر الجوادا2، بفتح عمر.
__________
ساردق المد عليك ممدود
اللغة والإعراب: الجارود: لقب الجد الممدوح، قيل: لقب بذلك لأنه أغار على قوم فاكتسح أموالهم، فشبهوه بالسيل الشديد الذي يجرف أمامه كل شيء. سرادق. هو ما يمد فوق صحن الدار. المجد: علو المنزلة وسمو القدر.
"يا" حرف نداء. "حكم"منادى، وقد ورد بالفتح، فهو مبني على ضم مقدر في محل نصب منع منه حركة الإتباع، أو على الفتح لتركيبه مع "ابن" صفة للحكم على اللفظ أو المحل. "المنذر" مضاف إليه. "ابن" الثانية مجرورة صفة المنذر. "الجارود" مضاف إليه وسكن للوقف. "سرادق المجد" مبتدأ ومضاف إليه. "ممدود" خبر.
والمعنى: أن الممدوح ذو شرف وسيادة، وقد جعل المجد ذا سرادق منصوب عليه، على سبيل الاستعارة بالكناية.
والشاهد: فتح "حكم" على الرواية، ويجوز الضم. وقد اشترط في جواز الوجهين: كون الابن صفة؛ فلو -جعل بدلا، أو عطف بيان، أو منادى حذف منه حرف النداء، أو -مفعولا- بفعل محوذف تقديره: أعني ونحوه، تعين الضم.
1 أي كون الوصف "ابنا". وحجتهم: أن علة الفتح التركيب. وقد جاء في باب "لا" نحو: لا رجل ظريف، بفتحهما فيجوز هنا.
2 عجز بيت من الوافر الجرير، من قصيدة يمدح فيها عمر بن عبد العزيز، وصدره:
فما كعب بن مامة وابن سعدى
ومطلع القصيدة:
أبت عيناك بالحسن الرقادا ... وأنكرت الأصادق والبلادا
اللغة والإعراب: كعب بن مامة: هو كعب الأيادي: الذي يضرب به المثل في الإيثار؛ لأنه آثر رفيقه في السفر بالماء حتى مات عطشا، ومامة: اسم أمه، وابن سعدى: هو أوس(3/257)
والوصف بابنة كالوصف بابن؛ نحو: يا هند بنت عمرو. ولا أثر للوصف ببنت؛ فنحو: يا هند بنت عمرو، واجب الضم1.
الثاني: أن يكرر2 مضافاً؛ نحو: يا سعد سعد الأوس؛ فالثاني واجب النصب،
__________
ابن حارثة الطائي الجواد المشهور، وسعدى: اسم أمه.
"فما" ما نافية حجازية. "كعب" اسمها. "ابن مامة" ابن صفة، ومامة مضاف إليه ممنوع الصرف للعلمية والتأنيث، وابن أروى معطوف على سابقة ومضاف إليه. "بأجود" خبر. "ما" على زيادة الباء. "يا عمر" يا للنداء، وعمر منادى مبنى على الفتح، أو على ضم مقدر منه من ظهوره فتح الإتباع. "الجواد" صفة.
والمعنى: واضح.
والشاهد: أن "عمر" منادى مبني على الفتح، وقد وصف بغير "ابن"؛ وهو الجوادا، على رأي الكوفيين؛ بدليل قوافي القصيدة، ويحمله البصريون على أن "عمر" حذفت منه الألف. وأصله "يا عمر" فهو كالمندوب، والألف المحذوفة كألف الندبة والفتحة فتحة المناسبة، لا حركة العامل، وهو تكلف بعيد.
1 ويمتنع الفتح لتعذر الإتباع، لأن بينهما حاجزا حصينا وهو تحرك الباء.
وقد أشار الناظم إلى هذا النوع بقوله:
ونحو "زيد" ضم وافتحن من ... نحو "أزيد بن سعيد" لا تهن
والضم إن لم يل الابن علما ... أو يل الابن علم قد حتما
أي أنه إذا كان المنادى علما مفردا، موصوفا بكلمة ابن أو ابنة مضافيين إلى علم، جازف فيه البناء على الضم والفتح. ولم يذكر المصنف هذه الشروط اكتفاء بالمثال، وقد بينت بإيضاح. والضم محتوم. ويمتنع الفتح إن لم يقع "ابن" بعد علم، أو لم يقع بعده علم، وباقي المحترزات بينها المصنف.
2 أي المنادى المفرد المعرفة؛ سواء كان علما أم اسن جنس، وفي التمثيل بـ"سعد سعد
__________
"نحو زيد" نحو مفعول لضم، وزيد مضاف إليه، و"افتحن" معطوف على ضم، ومفعوله ضمير محذوف يعود على زيد. "من نحو" متعلق بمحذوف حال من زيد. "أزيد" الهمزة للنداء، و"زيد" منادى مبني على الضم في محل نصب، ويجوز فيه البناء على الفتح. "ابن" نعت لزيد باعتبار محله. "سعيد" مضاف إاليه "تهن" مجزوم بلا الناهية(3/258)
والوجهان في الأول؛ فإن صممته1، فالثاني بيان أو بدل، أو بإضمار "يا"، أو "أعني"2.
وإن فتحته؛ فقال سيبويه: مضاف لما بعد الثاني، والثاني مقحم بينهما3. وقال المبرد: مضاف لمحذوف مماثل لما أضيف إليه الثاني4.
وقال الفراء: الاسمان مضافان للمذكور5، وقال بعضهم: الاسمان مركبان تركيب
__________
الأوس "إشارة إلى بيت من أبيات من الطويل، قيل: إن هاتفا هتف بها في أهل مكة قبل إسلام سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة؛ وهي:
فإن يسلم السعدان يصبح محمد ... بمكة لا يخشى خلاف المخالف
أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصراً ... ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا ... على الله في الفردوس منية عارف
وسعد الأوس هو: سعد بن معاذ -رضي الله عنه، وسعد الخزرج هو: سعد بن عبادة.
1 أي: لأنه مفرد معرفة، يبنى على الضم في محل نصب.
2 أي أنه مفعول به لفعل محذوف تقديره: أعني، فهو كالنعت المقطوع إلى النصب.
3 أي متوسط بين المتضايفين. ونصبه؛ إما لأنه توكيد لفظي للأول، ولم ينون لقصد المشاكلة بين الاسمين، أو فتحته فتحة إتباع للأول.
وقيل: هو زائد؛ على القول بزيادة الأسماء زيادة مطلقة لا توصف فيها بإعراب ولا بناء، والفصل جائز بين المتضايفين، وفتحته أيضاً فتحة إتباع للأول.
4 ويكون نصب الثاني حينئذ على أحد الأوجه المذكورة عند ضم الأول؛ وهو أن يكون منادى، أو عطف بيان، أو بدلا.. إلخ. والأصل: يا سعد الأوس سعد الأوس؛ فحذفت من الأول لدلالة الثاني عليه.
5 وهو رأي ضعيف؛ لأن فيه توارد عاملين على معمول واحد.
__________
"والضم" مبتدأ. "إن" شرطية. "الابن" فاعل يل. "علما" مفعوله، والجملة في محل جزم فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام؛ أي فالضم حتم. "أو يل" بالجزم، عطف على يل الأولى المجزوم بلم. "الابن" مفعول بل الثاني. "علم" "قد حتما" قد حرف تحقيق، ونائب فاعل حتم يعود على الضم، والألف للإطلاق، والجملة خبر المبتدأ.(3/259)
خمسة عشر ثم أضيفا1.
__________
1 وتكون فتحة الثاني على هذا فتحة بناء. وقد أشار الناظم إلى هذا النوع ببيت سيأتي في آخر فصل تابع المنادى، وهو:
في نكو سعد سعد الأوس ينتصب ... ثان وضم وافتح أولاً تصب*
أي: في مثل يا سعد سعد الأوس، مما وقعت فيه المنادى مفردا مكررا، والثاني مضاف، يجب نصب الثاني منهما، أما الأول فيجوز فيه الضم والفتح على النحو والتوجيه الذي بينه المصنف. وإذا كان الاسم الثاني غير مضاف؛ نحو: يا محمد محمد، أو يا سعد، جاز بناؤه على الضم؛ على أنه منادى حذف قبله حرف النداء، أو بدل، وجاز رفعه ونصبه باعتباره توكيد لفظياً، على اللفظ أو المحل.
__________
* "في نحو" متعلق بينتصب. "سعد" منادى مفرد حذف فيه حرف النداء، ولتكرره يجوز فيه الضم على الأصل، والفتح على الإتباع لما بعده. "سعد الأوس" بنقل حركة الهمزة إلى اللام. منصوب لا غير على البدلية. أو عطف بيان على محل الأول، أو توكيد له على تقدير فتحه. "ينتصب ثان" فعل وفاعل. "أولا" تنازعه الفعلان قبله. "تُصب" فعل مضارع مجزوم في جواب الأمر.(3/260)
الرابع: ما يجوز ضمه ونصبه
وهو المنادى المستحق للضم، إذا اضطر الشاعر إلى تنويته؛ كقوله
سلام الله يا مطر عليها1، وقوله:
أعبد حل في شعبي غريبا2
__________
1 صدر بيت من الوافر للأحوص، محمد بن عبد عاصم الأوسي، وعجزه:
وليس عليك مطر السلام
اللغة والإعراب: "سلام الله" مبتدأ ومضاف إليه. "يا" للنداء. "مطر" منادى مبني على الضم في محل نصب. ونون لضرورة الشعر. "عليها" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ. "عليك" خبر ليس مقدم. "السلام" اسمها مؤخر.
والمعنى: واضح.
والشاهد: في "يا مطر" الأول؛ حيث جاء منونا مرفوعا لضرورة الشعر، وهو مفرد علم واجب البناء على الضم.
2 عجزه:
ألؤما لا أبالك واغترابا
وهو لجرير، وقد تقدم شرحه في باب المفعول المطلق، صفحة 132 جزء ثان.
والشاهد: فيه هنا: نصب "عبدا" وتنوينه للضرورة، مع أنه منادى مفرد معرفة، لأنه نكرة(3/260)
واختار الخليل وسيبويه الضم، وأبو عمرو1 وعيسى2 النصب. ووافق الناظم والأعلم، سيبويه في العلم3، وأبا عمرو وعيسى في اسم الجنس4.
__________
مقصودة، وقيل: يجوز نصب لأنه شبيه بالمضاف؛ إذ هو نكرة موصوفة، كما يجوز أن يكون "عبدا" حالا من فالع فعل محذوف؛ كأنه قال: أتفخر عبدا؟ أي: وأنت عبد؟ ولا يليق الفخر بالعبيد.
1 اسمه كنيته، وقيل: اسمه زبان بن العلاء بن عمار التميمي المازني البصري، أخذ العربية عن ابن أبي إسحاق، أول من مد القياس وشرح العلل، وكان أبو عمرو أوسع منه علما بكلام العرب ولغاتها وغريبها، كما كان من جلة القراء. وأحد أئمة القراءات السبع الموثوق بهم، وكان أبو عمرو يسلم للعرب ولا يطعن عليها، وفيه يقول الفرزدق:
ما زلت أفتح أبواباً وأغلقها ... حتى أتيت أبا عمرو بن عمار
سمع أبو عمرو رجلا ينشد بيت المرقش الأصغر:
ومن يلق خيراً يحمد الناس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
فقال له: قل ومن يغو بكسر الواو؛ ألا ترى إلى قول الله -عز وجل- {فَغَوَى} ، وتوفي أبو عمرو في طريق الشام سنة 154هـ.
2 هو أبو عمرو، عيسى بن عمر الثقفي، مولى خالد بن الوليد المخزومي، كان إماماً في النحو والعربية. أخذ عن ابن إسحاق وأبي عمرو بن العلاء، وروى عن الحسن البصري، وعنه أخذ الأصمعي والخليل وغيرهما، وكان عيسى يطعن على العرب، ويخطئ المشاهير منهم؛ كالنابغة في بعض أشعاره، كما كان صاحب تقعير في كلامه واستعمال للغريب فيه، وله مصنفات كثيرة؛ يقال إنها تربى على السبعين؛ ومنها: الإكمال، والجامع، في النحو، وفيها يقول الخليل:
بطل النحو جميعاً كله ... غير ما أحدث عيسى بن عمر
ذاك "إكمال" وهذا جامع ... فهما للناس شمس وقمر
قال السيرافي: لم يقع هذان الكتابان إلينا، ولا رأينا أحدا ذكر أنه رآهما، ومات عيسى بن عمر سنة 149هـ، قبل ابي عمرو بن العلاء بسنوات.
3 أي: الضم فيه كـ"مطر" في البيت السابق، وذلك لشدة شبهه بالضمير.
4 أي في نصبه كـ"عبدا" في البيت الثاني، وذلك لضعف شبهه بالضمير.(3/261)
فصل: في نداء ما فيه "أل"
ولا يجوز نداء ما فيه "أل"1، إلا في أربع صور:
إحداها: اسم الله تعالى2، أجمعوا على ذلك؛ تقول "يا الله" بإثبات الألفين، و"يلله": بحذفهما، و"يا لله" بحذف الثانية فقط. والأكثر أن يحذف حرف النداء ويعوض عنه الميم المشددة؛ فتقول: "اللهم"3، وقد يجمع بينهما في الضرورة النادرة؛ كقوله:
أقول يا اللهم يا اللهما4
__________
وخير في النظم بين الضم والنصب مع التنوين للضرورة؛ فقال:
واصمم أو انصب اضطراراً نوناً ... مما له استحقاق ضم بينا
أي: اضمم أو انصب ما نون اضطرارا، من كان له استحقاق ضم بين فيما سبق، وذلك هو: المفرد العلم، والنكرة القصودة. وإذا نون المبني على الضم بقي على بنائه، أما في حالة تنوينه منصوبا، فالأحسن أنه معرب منصوب للضرورة.
هذا: ويجوز في تابع المنون المضموم: الضم مراعاة للفظه، والنصب مراعاة لمحله. أما تابع المنون المنصوب فيجب نصبه.
1 لما فيه من الجمع بين معرفين ظاهرين: النداء، وأل؛ وذلك ما لم يعهد في الأساليب العربية، سواء كان النداء بيا، أو إحدى أخواتها. أما دخول "يا" أو غيرها من أحرف النداء على العلم فلا مانع منه؛ لأن العلمية ليست بأداة ظاهرة.
2 وذلك للزوم "أل" له، حتى صارت كالجزء منه.
3 وهو من الألفاظ الملازمة للنداء. ويقال في إعرابه: "الله" منادى مبني على الضم في محل نصب، والميم المشددة عوض عن حرف النداء "يا".
4 عجز بيت من الرجز، لأبي خراش الهذلي. ويقال: هو لأمية بن أبي الصلت، وصدره:
إني إذا ما حدث ألما
اللغة والإعراب: حدث: حادث طارئ من مكاره الدنيا، ألما: نزل. "إني" إن حرف توكيد ونصب، والياء اسمها. "إذا" ظرف فيه معنى الشرط. "ما" زائدة. "حدث" فاعل
__________
"ما" اسم موصول تنازعه الفعلان قبله. "اضطرار" مفعول لأجله. "نونا" فعل ماض للمجهول. والألف للإطلاق، والجملة صلة ما. "مما" متعلق بنونا، وما موصولة، "له" متعلق ببينا. "استحقاق ضم" مبتدأ ومضاف إليه. "بينا" الجملة خبر، وجملة المبتدأ والخبر صلة "ما" الثانية المجرورة بمن.(3/262)
الثانية: الجمل المحكية؛ نحو: يا "المنطلق زيد" فيمن سمى بذلك1. نص على
__________
لفعل محذوف يفسره؛ "ألم"، وهو فعل الشرط "ألما" فعل ماض والألف للإطلاق. "أقول" الجملة خبر "إن" وهو يدل على جواب إذا، أو هو الجواب، وجملة الشرط وجوابه خبر. "يا" حرف نداء. "اللهم" منادى مبني على الضم، والميم حرف، وأصلها عوض عن "ياء" عند حذفها، وقد جمع بينهما للضرورة. "يا اللهم" الثانية إعرابها كذلك. وجملة النداء في محل نصب مقول القول.
والمعنى: إذا نزل بي حادث من حوادث الدهرن وطرأ على ما أحتاج فيه إلى المعونة، ألجأ إلى الله وأناديه؛ فإنه -جلت قدرته- هو المعين وحده.
والشاهد: الجمع في "يا اللهم" بين "يا" والميم المشددة التي تأتي عوضاً عنها، وذلك نادر؛ لأنه جمع بين العوض والمعوض، وهذا ما لم يعهد في العربية.
هذا: وقد تحذف "أل" من اللهم؛ فيقال: لا هم، وتكون كلمة "لاه" هي المنادى المبني على الضم، وهو كثير في الشعر، ومنه قول القائل:
لاهم إن العبد يمنع رحله فامتع رحالك
وقد تخرج "اللهم" عن النداء المحض؛ فتستعمل قبل أحرف الجواب؛ لتقوي الجواب وتؤكد مضمونه في نفس السامع؛ كأن يقال: أصحيح أنك مسافر؟ فتقول: اللهم نعم. أو: لا، فكأنك تقول: والله نعم، أو: والله لا. وقد تستعمل لإفادة الندرة والدلالة على قلة الشيء؛ كأن يقال: سأسافر غدا، اللهم إلا إذا تغير الجو. ومنه قول المؤلفين: اللهم إلا أن يقال كذا أو كذا. وهي في الاستعمالين منادى صورة؛ فتعرب كما يعرف المنادى الحقيقي، ويقال: إن النداء غير حقيقي، وإنه خرج عن معناه الأصلي إلى معنى آخر؛ هو تقوية الجواب، أو إفادة الندرة.
1 أي من الجمل الاسمية بأل. ويقال في إعرابه: مبني على ضم المقدر للحكاية في محل نصب. ويجب قطع همزته وإثباتها نطقا وكتابة في جميع الأحوال مع ثبوت ألف "يا"؛ لأن المبدوء بهمزة الوصل إذا سمي به يجب قطع همزته، لا فرق بين الفعل وغيره، ولا بين الجملة وسواها؛ لصيرورتها جزءا من الاسم، ما عدا لفظ الجلالة "الله" فله حكمه الخاص الذي سلف.(3/263)
ذلك سيبويه، وزاد عليه المبرد: ما سمي به من موصول مبدوء بأل1؛ نحو: الذي، والتي، وصوبه الناظم.
الثالثة: اسم الجنس المشبه به2؛ كقولك: "يا الخليفة هيبة".
نص على ذلك ابن سعدان.
الرابعة: ضرورة الشعرة كقوله:
عباس يا الملك المتوج والذي3
ولا يجوز ذلك في النثر، خلافاً للبغداديين.
__________
1 بشرط أن يكون مع صلته علما؛ نحو: "يا الذي سافر"، في نداء من سمي بذلك؛ لأن الموصول مع صلته بمنزلة اسم واحد، أما الموصول وحده المسمى به، فمتفق على منع ندائه.
2 بشرط أن يذكر معه وجه الشبه، كما مثل المصنف. وتقديره: يا مثل الخليفة هيبة. فـ"يا" لم تدخل على "أل"، بل دخلت في الحقيقة على منادى محذوف قد حل محله المضاف إليه بعد حذفه، فـ"الخليفة" منادى منصوب؛ لأنه مضاف تقديرًا بعد حذف المضاف وإقامته مقامه في الإعراب، و"هيبة" تمييز.
3 صدر بيت من الكامل، لم نقف على قائله، وعجزه:
عرفت له بيت العلا عدنان
اللغة والإعراب: المتوج: الذي ألبس التاج. عرفت: اعترفت. العلا: الشرف. عدنان: المراد عدنان أبو العرب. "عباس" منادى بحرف نداء محذوف مبني على الضم في محل نصب "يا" حرف نداء. "الملك" منادى مبني على الضم في محل نصب. "المتوج" بالرفع والنصب - صفته على اللفظ أو المحل. "والذي" معطوف على الملك. "بيت العلاط بيت مفعول عرفت مقدم، والعلا مضاف إليه. "عدنان" فاعل مؤخر.
والمعنى: واضح.
والشاهد: إدخال حرف النداء "يا" على الاسم المقترن بأل؛ وهو "الملك" وذلك ضرورة من ضرورات الشعر. ويجيز الكوفيون نداء الاسم المقترن بأل كمنا سبقت الإشارة إليه. وفيما سبق من حكم اجتماع أل، وحرف النداء؛ يقول للناظم مقتصرا على بعض الصور:
وباضطرار خص جمع "يا" و"أل" ... إلا مع "الله" ومحكي الجمل(3/264)
الفصل الثالث: في أقسام تابع المنادى المبني 1 وأحكامه
وأقسامه أربعة:
أحدها: ما يجب نصه مراعاة لمحل المنادى، وهو ما اجتمع فيه أمران:
أحدهما: أن يكون نعتاً2، أو بياناً، أو توكيداً.
الثاني: أن يكون مضافاص مجرداً من أل3؛ نحو: يا زيد صاحب عمرو، ويا زيد أبا
__________
والأكثر "اللهم" بالتعويض ... وشذ "يا اللهم" في قريض*
أي أن الجمع بين حرف النداء و"أل" خاص بضرورة الشعر. أما مع لفظ الجلالة "الله"، والجمل المحكية المبدوءة باللام، فجائز. والأكثر في نداء اسم الله "اللهم"، بميم مشددة معوضة من حرف النداء. وشد الجمع بين حرف النداء والميم في قريض؛ أي في شعر وقد ذكر الناظم الجمع بين "يا" و"أل"، والمقصود حروف النداء، لا خصوص "يا".
ومن مواضع جواز الجمع بين حرف النداء و"أل": المنادى المستغاث به المجرور باللام؛ نحو: يا للموسرين للمحتاجين، وسيأتي في بابه قريباً، إن شاء الله.
1 أما المنادى المنصوب اللفظ؛ فإن كان تابعه نعتًا، أو عطف بيان، أو توكيدًا، وجب نصب التابع مراعاة للفظ المتبوع؛ نحو: يا مجاهدًا مخلصًا لا تحجم عن لقاء العدو، يا عربا أهل اللغة الواحدة، أو كلكم، أجيبوا داعي الوطن.
وإن كان التابع بدلا أو عطف نسق مجردا من "أل" فالأحسن أن يكون منصوب الفظ أيضًا؛ نحو: بوركت يا ابن الخطاب عمر، أو بوركتما يا بن الخاطب وعليا. وبعضهم يجعل ذلك في حكم المنادى المستقل.
2 بشرط ألا يكون منعوته -وهو المنادى- اسم إشارة، ولا كلمة "أي" أو "أية" وإلا وجب رفع النعت كما في الحال الثانية الآتية.
3 ويشترط أن تكون الإضافة في الثلاثة محضة على الراجح، وإلا جاز رفع التابع مراعاة
__________
*"وباضطرار" متعلق يخص؛ "جمع" نائب فاعل خص، إن كان ماضياً للمجهول، ومفعوله إن كان فعل أمر. "يا" مضاف إليه، و"أل" معطوف عليه. "إلا" أداة استثناء. "مع" ظرف متعلق بمحذوف، حال من جمع. "الله" مضاف إليه. "ومحكي الجمل" معطوف على لفظ الجلالة ومضاف إليه.
"والأكثر اللهم" مبتدأ، وخبر مقصود لفظه. "وبالتعويض" متعلق بمحذوف، حال من اللهم، "يا اللهم" فاعل شذ، قصد لفظه. "في قريض" متعلق بشذ.(3/265)
عبد الله، ويا تميم كلهم، أو كلكم1.
والثاني: 2 ما يجب رفععه مراعاة للفظ المنادى؛ وهو: نعت "أي" و"أية"، ونعت اسم الإشارة، إذا كان اسم الإشارة وصلة لندائه3؛ نحو: {يَا أَيُّهَا النَّاس} ، {يَا أَيَّتُهَا
__________
للفظ المنادى؛ نحو: يا رجل ضارب محمد، بالضم والنصب.
ووجوب النصب بهذين الشرطين، مذهب جمهور النحاة. وعن جماعة من الكوفيين: جواز النصب والرفع تبعا للمحل واللفظ. ومثل المضاف شبهه.
1 إذا كان تابع المنادى مشتملا على ضمير؛ جاز أن يكون للمخاطب لأنه مخاطب، وتلك قاعدة عامة تسري على توابع المنادى المنصوب اللفظ وغير المنصوب، إلا إذا كان التابع اسم إشارة؛ فلا يجوز أن تتصل بآخره علامة خطاب.
وإلى هذا القسم أشار ابن مالك بقوله:
تابع ذي الضم المضاف دون "أل" ... ألزمه نصباً كأزيد ذا الحيل*
أي: أن تابع المنادى المبني على الضم، إذا كان مضافا مجردا من أل، يجب نصبه؛ نحو: أزيد ذا الحيل؛ أي صاحب الحي؛ فـ"زيد" منادى مبني على الضم، و"ذا" نعت له منصوب بفتحة مقدرة على الألف، و"الحيل" مضاف إليه. ويراد بالتابع، ما عدا عطف النسق والبدل، كما يشير إلى ذلك بعد، وشمل قوله "ذي الضم": العلم، والنكرة المقصودة، ولو كانا مبنيين قبل النداء.
2 "أي" في التذكير، و"أية" في التأنيث؛ وإنما وجب الرفع؛ لأن المقصود بالنداء هو التابع وهو مفرد. أما "أي" و"أية" فكلاهما صلة لندائه. وهما مبنيان على الضم؛ لأن كلا منهما نكرة مقصودة، و"ها" حرف تنبيه زائد زيادة لازمة لا تفارقهما.
3 أي: نداء النعت المبدوء بأل؛ لأن المبدوء بها لا يجوز نداؤه بغير واسطة، إلا في المواضع التي سبقت، ويكون هو المقصود بالنداء؛ فإن قصد نداء اسم الإشارة وحده، لم يلزم رفع وصفه؛ بل يجوز في تابعه الأمران، كما سيأتي.
__________
* "تابع" مفعول بفعل محذوف يفسره المذكور بعده. "ذي الضم" مضاف إليه. "المضاف" نعت لتابع. "دون" ظرف متعلق بمحذوف، حال من تابع. "أل" مضاف إليه مقصود لفظه. "نصبا" مفعول ثان لألزمه، والهاء مفعوله الأول. "كأزيد" الكاف جارة لقول محذوف، والهمزة للنداء، و"زيد" منادى مبني على الضم في محل نصب. "ذا" نعت لزيد بمراعاة المحل. "الحيل" مضاف إليه، وسكن للشعر.(3/266)
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ} 1، وقولك: "يا هذا الرجل، إن كان المراد أولا نداء الرجل.
ولا يوصف اسم الإشارة أبداً إلا بما فيه "أل"2.
ولا يوصف "أي" و"أية" في هذا الباب. إلا بما فيه أل3، أو باسم الإشارة4؛ نحو: يا أيهذا الرجل5.
والثالث: ما يجوز رفعه ونصبه وهو نوعان:
__________
1 "أي" و"أية" نكرتان مقصودتان مبنيتان على الضم في محل نصب، و"ها" زائدة للتنبيه لا محل لها {النَّاس} ، {النَّفْسُ} نعتان لأي مرفوعان باعتبار اللفظ، وحركتها إتباع على الصحيح، 21 من سورة البقرة، 27 من سورة الفجر.
2 أي الجنسية، والتي تصير بعد النداء للعهد الحضوري، أو باسم موصول مبدوء بأل؛ نحو: يا هذا الغافل تنبه. ويجوز إعراب هذا الاسم المبدوء بأل، عطف بيان لاسم الإشارة، والأفضل إعراب المشتق نعتا، والجامد عطف بيان.
3 أي الجنسية، أو المتصلة باسم موصول، كما تقدم في اسم الإشارة.
4 بشرط أن يكون مجردا من كاف الخطاب، ويغلب حينئذ وصفه أيضاً باسم مقرون بأل، كمثال المصنف، وكقول الشاعر:
أيها ذا الشاكي وما بك داء ... كن جميلا تر الوجود جميلا
وقد يجيء نعته بدون أل، نحو: يا أيهذا أقبل.
5 "أي" منادى. "ها" للتنبيه. "ذا" اسم إشارة صفة في محل رفع. "الرجل" صفة لذا، أو عطف بيان.
هذا: ويجب إفراد "أي" و"أية" في النداءِ؛ سواء كانت صفتهما مفردة أم غير مفردة؛ تقول: يا أيها الطالب، يا أيها الصديقان، يا أيها الزملاء، ويحسن أن تماثل كل منهما صفتهما في التذكير والتأنيث؛ تقول: يا أيتها الفتاة؛ يا أيتها الفتاتان، يا أيتها المجدات، وفي هذا القسم يقول ابن مالك:(3/267)
أحدهما: النعت المضاف المقرون بأل1؛ نحو: يا زيد الحسن الوجه2.
والثاني: ما كان مفردا3؛ من نعت، أو بيان، أو توكيد، أو كان معطوفا مقروناً بأل؛
__________
و"أيها" مصحوب أل بعد صفة ... يلزم بالرفع لدى ذي المعرفه*
و"أيهذا" "أيها الذي" ورد ... ووصف "أي" بسوى هذا يرد **
وذو إشارة كـ"أي" في الصفه ... إن كان تركها يفيت المعرفه***
أي: أن النعت المقترن بأل بعد "أيها" يلزم رفعه، وورد عن العرب: "أبهذا"، و"أيها الذي"، مما فيه النعت اسم إشارة، أو اسم موصول مبدوء بأل.
ونعت "أي" بغير ذلك يرد ويرفض. وكذلك اسم الإشارة المنادى؛ مثل "أي" ينعت بمعرفة مرفوعة مقرونة بأل، من اسم جنس أو اسم موصول. ويجب أن ينعت اسم الإشارة أن أدى ترك النعت إلى عدم معرفة المشار إليه، وإلا لا.
1 اقترانه بأل يستلزم أن تكون الإضافة غير محضة؛ لأنها هي التي تجتمع مع أل، وتكاد تنحصر هذه الإضافة في تابع واحد هو النعت؛ لأن الغالب عليه الاشتقاق حيث تشيع هذه الإضافة.
2 الرفع على الإتباع للفظ "زيد" في الصورة؛ تشبيها له بالمرفوع، والنصب على المحل.
3 أي: عن الإضافة لا غير؛ سواء كانت فيه "أل"؛ نحو: يا محمد المجد، أم لا؛ كيا رجل ظريف؛ بالرفع والنصب.
__________
* "وأيها" مقصود لفظه مبتدأ. "مصحوب أل" مصحوب مفعول مقدم ليلزم، وأل مضاف إليه. "بعد صفة" حالان من مصحوب أل، وبعد ظرف متعلق بمحذوف. "يلزم" الفاعل يعود على أيها، والجملة خبر المبتدأ، "بالرفع" حال ثالثة من مصحوب أل. "لدى" ظرف متعلق بيلزم. "ذي المعرفة" مضاف إليه.
** "وأيهذا" مبتدأ قصد لفظه. "أيها الذي" معطوف عليه بحذف العاطف. "ورد" فاعله يعود على المذكور، والجملة خبر المبتدأ، "ووصف أي" مبتدأ ومضاف إليه. "يرد" نائب الفاعل يعود إلى "وصف أي" ... إلخ، والجملة خبر المبتدأ.
*** "وذو إشارة" مبتدأ ومضاف إليه. "كأي" متعلق بمحذوف، خبر. "في الصفة" متعلق بمحذوف، حال من ضمير الخبر. "إن كان" شرط وفعله. "تركها" اسم كان والضمير يعود إلى الصفة. "يفيت المعرفه" الجملة خبر كان، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله.(3/268)
نحو: يا زيد الحسن والحسن، ويا غلام بشر وبشراً، ويا تميم أجمعون وأجمعين، وقال الله تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} . قرأه السبعة بالنصب1، واختاره أبو عمرو، وعيسى، وقرئ بالرفع2، واختاره الخليل وسيبويه. وقدروا3 النصب بالعطف على {فَضْلًا} من قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا} 4.
وقال المبرد: إن كانت "أل" للتعريف، مثلها في {الطَّيْر} ، فالمختار النصب5، أو لغيره، مثلها في {الْيَسَع} ، فالمختار الرفع6.
والرابع: ما يعطى تابعا ما يستحقه إذا كان منادى مستقلًا؛ وهو: البدل، والمنسوق المجرد من أل7، وذلك لأن البدل في نيهة تكرار العامل
__________
1 أي ينصب {الطَّيْر} بالعطف على محل "الجبال" من الآية 10 من سورة سبأ.
2 أي: عطفا على لفظ "الجبال".
3 أي من اختاروا الرفع.
4 والتقدير: وآتيناه الطير، وتكون مجملة النداء معترضة بين المتعاطفين، ووجه اختيار الرفع: مشاكلة الحركة وكثرته، كما يقول سيبويه.
5 لأن المعرف يشبه المضاف من حيث تأثر كل بالتعريف بما يتصل به.
6 لأن "أل" حينئذ -وهي من بنية الكلمة- كالمعدومة؛ فلا مانع من أن يلي ما هي فيه حرف النداء، وإلى المعطوف المقرون بأل أشار الناظم بقوله:
وإن يكن مصحوب "أل" ما نسقا ... ففيه وجهان ورفع ينتقى
أي: إذا كان المعطوف عطف نسق مقترنا بأل جاز فيه وجهان: الرفع، والنصب، والمختار الرفع، ومعنى ينتقى يختار.
7 فيبنى كل منهما على الضم إن كان مفردا معرفة بالعلمية أو بالقصد، وينصب
__________
* "وإن يكن" شرط وفعله. "مصحوب أل" مصحوب خبر يكن مقدم وأل مضاف إليه. "ما" اسم موصول، اسم يكن "نسقا" فعل ماض للمجهول، والجملة صلة، والألف للإطلاق. "ففيه" الفاء واقعة في جواب الشرط، و"فيه" خبر مقدم. "وجهان" مبتدأ مؤخر، والجملة جواب الشرط. "ورفع" مبتدأ، وسوغ الابتداء به -وهو نكرة- وقوعه في معرفة التقسيم. "ينتقى" فعل ماض للمجهول، والجملة خبر.(3/269)
والعاطف كالنائب من العامل1؛ تقول: يا زيد بشر بالضم، وكذلك: يا زيد وبشر، وتقول: يا زيد أبا عبد الله، وكذلك: يا زيد وابا عدب الله. وهكذا حكمهما مع المنادى المنصوب2.
__________
إن كان مضافا أو شبيها بالمضاف.
1 أي: أن حرف العطف بمنزلة عامل النداء؛ فكأنه داخل على منادى مستقل.
2 أي ليس ذلك مختصا بتابع ذي الضم، كما يوهمه كلام الناظم؛ يقول: يا عبد الله أخا محمد، ويا عبد الله وأخا محمد بنصب الأخ، وقد أشار الناظم إلى هذا القسم بقوله:
وما سواه انصب أو ارفع واجعلا ... كمستقل نسقاً وبدلا
وهذا البيت يأتي عقب قول الناظم:
تابع ذي الضم المضاف دون "أل" ... ألزمه نصباً كـ"أزيد ذا الحيل"
فقوله: "وما سواه"؛ أي ما سنى تابع المضاف المذكور الواجب النصب؛ وهو: المضاف المقرون بأل، والمفرد من نعت وبيان أو توكيد أو نسق مقرون بأل، يجوز رفعه ونصبه كما بين المصنف، أما عطف النسق المجرد من أل، والبدل؛ ففي حكم المنادى المستقل؛ يجب ضمه إذا كان مفردا، ويجب نصبه إن كان مضافا. ويتلخص مما سبق من أحكام هذا الفصل: أن توابع المنادى تنصب -جوازا أو وجوبا، على النحو الذي أو -ضحه المصنف، إلا في موضعين:
أ- أن يكون المنادى المتبوع، لفظ "أي"، أو "أية" أو "اسم إشارة"، فيجب رفع نعتها لتماثل حركته حركة المنادى.
ب- أن يكون المنادى المتبوع مبنيا على الضم، والتابع بدلا، أو عطف نسق مجردا من "أل"، فحكمها حكم المنادى المستقل عند فريق من النحاة، وبعضهم يجيز النصب، وهو رأي حسن.
__________
* "وما" اسم موصول معمول ارفع مقدم. "سواه" سوى ظرف متعلق بمحذوف صلة، والهاء مضاف إليه، "واجعلا" فعل أمر مؤكد بالنون المنقلبة ألفا. "كمستقل" جار ومجرور متعلق باجعل في موضع المفعول الثاني له. "نسقا" مفعوله الأول. "وبدلا" معطوف على نسقا.(3/270)
الفصل الرابع: في المنادي المضاف للياء
...
الفصل الرابع: في المنادى المضاف إلى الياء 1
وهو أربعة أقسام:
أحدها: ما فيه لغة واحدة، وهو المعتل2، فإن ياءه واجبة الثبوت، والفتح3؛ نحو: يا فتاي، ويا قاضي4.
الثاني: ما فيه لغتان، وهو الوصف المشبه للفعل5؛ فإن ياءه ثابتة لا غير، وهي: إما مفتوحة أو ساكنة؛ نحو: يا مكرمي، ويا ضاربي.
__________
1 ينظر موضوع "المضاف لياء المتكلم" صفحة 382، جزء ثان، فبين الموضوعين صلة قوية.
2 سواء أكان مقصوراً أم منقوصاً، وقد مثل لهما المصنف.
3 أما علة الثبوت؛ فلأنها لو حذفت لحصل التباس بغير المضاف. وأما وجوب الفتح؛ فلأنها لو سكنت التقى ساكنان، والتحريم بالضم والكسر ثقيل على الياء.
4 "قاضي" منادى منصوب بفتحة مقدرة على الياء المدغمة في ياء المتكلم، وهي مضاف إليها. ويلحق بالمعتل: المثنى وشبهه، وجمع المذكر السالم وشبهه، إذا أضيفا وحذفت نونهما للإضافة، وختم آخرهما بالعلامة الخاصة بكل منهما، فتدغم الياء الساكنة في آخرهما، في ياء المتكلم المبنية على الفتح؛ نحو: يا عيني جودي بالدمع، ومنه قول الشاعر:
يا سابقي إلى الغفران مكرمة ... إن الكرام إلى الغفران تستبق
ويلحق كذلك بالمعتل: المختوم بياء مشددة ليس تشديدها؛ كعبقري، وبني، تصغير ابن؛ يقال: يا عبقري ويا بني، بحذف الياء المشددة الثانية، وإدغام الاولى في ياء المتكلم المفتوحة. ويجوز حذف ياء المتكلم وبقاء الياء المشددة قبلها مكسورة؛ تقول: يا عبقري، ويا بني، ولا يجوز إسكان ياء المتكلم المتصلة بالاسم، المعتل لئلا يلتقي ساكنان -كما لا يجوز تحريكها بالكسرة أو الضمة؛ لأن هاتين الحركتين ثقيلتان على الياء.
5 أي المضارع، وذلك بإفادته معنى الحال أو الاستقبال، وهو الذي إضافته غير محضة، والمنادى واجب النصب بفتحة مقدرة قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها الكسرة التي لمناسبة الياء، ويجب أن يكون المنادى المضاف مفردا، وأن يكون وصفا عاملا.
أما إذا كان الوصف بمعنى الماضي، فإن إضافته تكون محضة،، وتجري فيه اللغات الست الآتية.(3/271)
الثالث: ما فيه ست لغات، وهو ما عدا ذلك1، وليس أباً، ولا أما؛ نحو: يا غلامي.
فالأكثر حذف الياء والاكتفاء بالكسر؛ نحو: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} 2. ثم ثبوتها ساكنة؛ نحو: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ} ، أو مفتوحة؛ نحو: {يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا} ، ثم قلب الكسرة فتحة والياء ألفاً؛ نحو: {يَا حَسْرَتَا} 3. وأجاز الأخفش حذف الألف والاجتزاء بالفتحة؛ كقوله:
بلهف ولا بليت ولا لو اني4
__________
1 ويشمل: الصحيح الآخر، وما يشبهه، إذا كانت إضافتهما محضة. ويجب نصبه؛ إن كان المنادى مفردا، أو جمع تكسير، أو جمع مؤنث سالما؛ نحو: يا أخي، يا أصدقائي، يا زميلاتي.
2 "عباد" منادى مضاف منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة، منع من ظهورها الكسرة التي جاءت لمناسبة الياء. الآية 16 من سورة الزمر.
3 أصله: حسرتي، فقيل حسرتي، ثم قبلت الياء ألفاً لتحركها، وانفتاح ما قبلها؛ فهو منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفا، منع منها حركة المناسبة، وياء المتكلم مضاف إليه مبني على السكون في محل جر، ويجوز أن تلحقه هاء السكت عند الوقف، فتقول: يا حسرتاه. من الآية 56 من سورة الزمر.
4 عجز بيت من الوافر، لم ينسب لقائل، وصدره:
ولست براجع ما فات مني
اللغة والإعراب: راجع: اسم فاعل من رجع، وهو أفصح من أرجع، وفي القرآن الكريم: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} لهف: حزن وتحسر، و"يا لهف" كلمة يتحسر بها على فائت. "براجع" خبر ليس على زيادة الباء، وفيه ضمير هو فاعله لأنه اسم فاعل. "ما" اسم موصول مفعوله. "فات" ماض والجملة صلة. "بلهف" الباء جارة لقول محذوف. و"لهف" منادى بحذف حرف النداء، والجملة معمولة للقول المحذوف، وما بعده معطوف عليه مقصود لفظه، و"لا"زائدة لتأكيد النفي.
والمعنى: أن ما ذهب مني لا يعود بكلمة التلهف والحسرة ولا بكلمة التمني، وقولي:(3/272)
أصله بقولي: يا لهفا.
ومنهم من يكتفي من الإضاف بنيتها1، ويضم الاسم كما تضم المفردات2، وإنما يفعل ذلك فيما يكثر فيه ألا ينادى إلا مضافا3؛ كقول بعضهم: يا أم لا تفعلي، وقراءة آخر: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} 4.
__________
ليتني عملت كذا، ولا بقولي: لو أني فعلت كذا لكان كذا.
والشاهد: في قوله: "بلهف"؛ فإن "لهف" منادى بحرف نداء محذوف، وهو مضاف لياء المتكلم المنقلبة ألفا المحذوفة، والفتحة دليل عليها، وأصله: يا لهفي. وقيل: إن "لهف" مجرور بالباء على الحكاية، وكذا ما بعده لا على النداء، وإذا لا شاهد فيه.
1 فيحذف الياء والكسرة.
2 وذلك تشبيها له بالنكرة المقصودة، فضمته مشاكلة، ويقال في إعرابه: منصوب بفتحة مقدرة لإضافته تقديرًا، منع من ظهورها ضمة المشاكلة، وهذه اللغة أضعف اللغات، وقد أهملها بعض النحاة.
3 وذلك ليكون العلم بشيوع إضافته دليلا على حذف المضاف إليه، وأنه محذوف في اللفظ ملاحظ في النية، مثل: أم، أب، ابن، رب، قوم.
4 كل من "أم" و"أب" منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوف، منع من ظهورها الضمة المجلوبة لمشاكلة المفرد المبني على الضم. من الآية 33 من سورة يوسف. وإلى حكم الصحيح، واللغات التي في الياء، أشار الناظم مقتصرا على خمس اللغات الأولى بقوله:
واجعل منادى صح إن يضف لـ"يا" ... كعبد عبدي عبد عبدا عبديا*
أي: أجعل المنادى الصحيح الآخر -إذا أضيف للياء- على مثال واحد من ذلك؛ فـ"عبد" لما حذفت فيه الياء وبقيت الكسرة دليلا عليها، و"عبدي" لثبوت الياء ساكنة وكسر ما قبلها، و"عبد" لما قبلت فيه الياء ألفا وحذفت، واستغني عنها بالفتحة، و"عبدا" لما قبلت
__________
* "منادى" مفعول أول اجعل. "صح" الجملة صفة لمنادى. "إن يضف" شرط وفعله، ونائب الفاعل يعود إلى منادى، وجواب الشرط محذوف. "ليا" متعلق بيضف، والمضاف إليه مقدر؛ أي لياء المتكلم. "كعبد" جار ومجرور في موضع المفعول الثاني لاجعل، وما بعده معطوف عليه بإسقاط العاطف.(3/273)
الرابع: ما فيه عشر لغات، وهو: الأب، والأم؛ ففيهما مع اللغات الست: أن تعوض تناء التأنيث1 عن ياء المتكلم وتكسرها، وهو الأكثر، أو تفتحها، وهو الأقيس2، أو تضمها على التشبيه بنحو: ثبة وهبة، وهو شاذ، وقد قرئ بهن3. وربما جمع بين التاء والألف، فقيل: يا أبتا، يا أمتا4، وهو كقوله:
أقول يا اللهم يا اللهما ... وسبيل ذلك الشعر
__________
فيه الياء ألفا ولم تحذف، وقلبت الكسرة فتحة، و"عبدي" لما أضيف للياء المبنية على الفتح، ولم يذكر اللغة السادسة، وهي ضم الاسم بعد حذف الياء؛ كالمفرد، اكتفاء بنية الإضافة؛ لما بينا.
1 الغالب في هذه التاء: أن تبقى تاء عند النطق بها وقفاً ووصلا، وأن تكتب تاء غير مربوطة في جميع أحوالها.
2 لأنها عوض عن ياء حركتها الفتح.
3 أي في نحو قوله تعالى: {يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} ، والمنادى في هذه الحالات الثلاث منصوب؛ لأنه مضاف للياء المحذوفة المعوض عنها تاء التأنيث، ونصبه بفتحة مقدرة منع من ظهورها الفتحة التي جيء بها لمناسبة التاء. ويرى بعض المحدثين أن يقال: منصوب بالفتحة الظاهرة، لأن تاء التأنيث تستلزم فتح ما قبلها دائماً إلا في النداء.
4 على ما فيه من جمع بين العوض المعوض، وذلك ممنوع وهو من ذلك أن الألف بدل من الياء؛ فهو جمع بين العوض وبدل المعوض. وقيل: إن هذه الألف ليست بدلا من ياء المتكلم؛ وإنما هي حرف هجائي يوصل به آخر المنادى، إذا كان بعيدا، أو مندوبا، أو مستغاثا به. وهنالك صورة أضعف من هذه؛ ويه الجمع بين هذه التاء وياء المتكلم بعدها؛ فتقول: يا أبتي، ويا أمتي، وعليها جاء قول الشاعر:
أيا أبتي لا زلت فينا فإننا ... لنا أمل في العيش ما دمت عائشا
ويقال في إعرابها: "أب" منادى منصوب مضاف، والتاء عوض عن الياء المحذوفة، أما المذكورة فحرف ناشئ من إشباع كسرة التاء، أو التاء للتأنيث اللفظي والباء بعدها مضاف إليه، وقد فصلت بين المتضايفين.(3/274)
ولا يجوز تعويض تاء التأنيث عن ياء المتكلم إلا في النداء1؛ فلا يجوز: جاءني أبت، ولا رأيت أمت. والدليل على أن التاء في يا أبت ويا أمت عوض من الياء، أنهما لا يكادان يجتمعان، وعلى أنها للتأنيث، أنه يجوز إبدالها في الوقف هاء2.
فصل: وإذا كان المنادى مضافاً إلى الياء؛ فالياء ثابتة لا غير3، كقولك: يا بن أخي، ويا بن خالي، إلا أن كان ابن أم، أو ابن عم4، فالأكثر الاجتزاء بالكسرة من الياء5، أو أن يفتحا للتركيب المزجي6، وقد قرئ: {قَالَ ابْنَ أُم} بالوجهين، ولا يكادون يثبتون
__________
1 وذلك أيضا خاص بالأب والأم.
2 وكذلك في الخط، وقد بينا قريبا أن الغالب والأفضل جعلها تاء عند الكتابة والوقف. وإلى بعض ما سبق في نداء "أب"، و"أم" يقول الناظم:
وفي النداء "أبت أمت عرض ... واكسر أو افتح ومن الياء التا عوض
1أي: عرض وقيل في النداء: يا أبت، ويا أمت، بكسر التاء وفتحها، وهذه التاء عوض عن ياء المتكلم المضاف إليها، وقد ترك الناظم صورة ضم التاء، كما ترك بقية الصور التي أوضحها المصنف.
3 أي: مع بنائها على السكون أو الفتح، ما لمت تحتم الضرورة الشعرية الاقتصار على أحدهما.
4 وكذلك: ابنة أم، أو ابنة عم، أو بنت أم، أو بنت عم.
5 ويكون المنادى معربا منصوبا، والمضاف إليه الأول مجرور بالكسرة الظاهرة قبل الياء المحذوفة.
6 فيصير أن بمنزلة "خمسة عشر" مثلا، ويقال في إعراب: يا بن أم ... إلخ. "يا للنداء"، و "ابن أم" منادى منصوب بفتحة مقدرة، منع من ظهورها حركة البناء التركيبي، وياء المتكلم المحذوفة مضاف إليه. وقيل: إن الأصل: يا بن أما، ويا بن عما ... إلخ، بقلب الياء ألفا وحذفها للتخفيف، وإبقاء الفتحة دليلاً عليها، ويكون الإعراب مقدرا منع منه الفتحة التي
__________
* "وفي النداء" جار ومجرور متعلق بعرض. "أبت" مبتدأ مقصود لفظه. "أمت" معطوف على أبت بحذف العاطف. "عرض" الجملة خبر المبتدأ. "ومن الياء" متعلق بعوض. "التا عوض" مبتدأ وخبره.(3/275)
الياء ولا الألف، إلا في الضرورة؛ كقوله:
يا بن أمي ويا شقيق نفسي1
وقوله:
يا بنة عما لا تلومي واهجعي
__________
جيء بها لمناسبة الألف المحذوفة. ويجوز وجه ثالث؛ وهو: إهمال الياء المحذوفة، واعتبار المنادى وما أضيف إليه بمنزلة الاسم الواحد المركب تركيبًا مزجيًا، ويعرب مبنيا على ضم مقدر منع منه حركة البناء أيضا، وقد أشار الناظم إلى بعض هذه الآراء بقوله:
وفتح أو كسر وحذف اليا استمر ... في "يا بن أم يا بن عم لا مفر"
أي فتح الميم وكسرها قبل الياء المحذوفة، وحذف هذه الياء، مستمر على الراجح في يا بن أم، ويا بن عم، من المنادى المضاف إلى مضاف لياء المتكلم، وأصلهما: يا بن أمي، ويا بن عمي.
1 صدر بيت من الخفيف، لأبي زبيد الطائي، واسمه حرملة بن المنذر، من قصيدة يرثي فيها أخاه، وعجزه:
أنت خلقتني لدهر شديد
وأولها:
إن طول الحياة غير سعود ... وضلال تأميل نيل الخلود
اللغة والإعراب: شقيق: تصغير شقيق. خلفتني: تركتني بعدك. لدهر شديد: لزمن تبعاته شديدة. والإعراب واضح.
والمعنى: يا أخي في النسب، ويا من نفسه كنفسي، لقد ذهبت وتركتني وحيدًا أقاسي ويلات الزمن، وقد كنت ركنا أستند إليه، وظهير أعتمد عليه.
والشاهد: إثبات ياء المتكلم في "يا بن أمي" للضرورة.
2 صدر صدر بيت من الرجز، أو بيت من الرجز المشطور، لأبي النجم، الفضل بن قدامى العجلي، يخاطب امرأته "أم الخيار"، وعجزه:
__________
* "وفتح" مبتدأ وهو نكرة مسوغة التقسيم. "أو كسر" عطف عليه. "وحذف الياء" حذف عطف على كسر، والياء مضاف إليه، والواو بمعنى مع "استمر" فاعله يعود على حذف الياء، والجملة خبر المبتدأ، "في" حرف جر. "يا بن أم" مجرور بفي على الحكاية، متعلق باستمر. "يا بن عم" معطوف عليه بحذف العاطف. "لا" نافية للجنس. "مفر" اسمها، والخبر محذوف، أي: لي، أو: موجود.(3/276)
باب: في ذكر أسماء لازمت النداء 1
منها "فل"، و"فلة"، بمعنى رجل، وامرأة2، وقال ابن مالك وجماعة: بمعنى زيد،
__________
لا يخرق اللوم حجاب مسمعي
وهذا البيت من قصيدة مشهورة مطلعها:
قد أصبحت أم الخيار تدعي ... علي ذنبا كله لم أصنع
من أن رأت رأسي كرأس الأصلع ... ميز عنه قنزعا عن قنزع
جذب الليالي أبطئي أو أسرعي ... أفناه قيل الله للشمس اطلعي
حتى إذا وارك أفق فارجعي
__________
اللغة والإعراب: لا تلومي: من اللوم؛ وهو كثرة العتاب. أهجعي: من الهجوع، وهو الرقاد بالليل، والمراد: ترك ما هي فيه من لوم وتعنيف. حجاب مسمعي. كناية عن الأذن. "يا بنية" "يا" للنداء، وابنة منادى منصوب. "عما" مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفا. منع من ظهورها فتحة مناسبة الألف، والألف المنقلبة عن الياء مضاف إليه. "لا تلومي" لا ناهية وتلومي فعل مضارع مجزوم بلا بحذف النون، "واهجعي" فعل أمر معطوف عليه.
والمعنى: دعي واتركي لومي وعتابي يا بنة عمي، وخذي نفسك بالراحة، ونامي؛ فإن لومك هذا لا يصل إلى سمعي ولا أستمع له، وكانت -كثيرة اللوم له لكبره وضعفه ولا سيما وقت النوم والراحة.
والشاهد: في "يا بنة عما"؛ حيث أثبت الألف المنقلبة عن ياء المتكلم للضرورة.
باب في ذكر أسماء لازمت النداء
1 أي لا تستعمل إلا منادى؛ فلا تقع فاعله، ولا مفعولة، ولا مبتدأ، ولا خبرا، ولا اسما، أو خبرا لناسخ، ولا مضافا إليها، ولا شيئاً آخر غير المنادى.
ومن الأسماء ما لا يصح أن يكون منادى على الصحيح؛ كالاسم المضاف إلى ضمير المخاطب؛ نحو: يا أخاك، وكضمائر غير المخاطب، واسم الإشارة المتصل بكاف الخطاب؛ نحو: يا ذاك، والاسم المبدوء "بأل"، في غير المواضع المستثناة التي سبق ذكرها.
2 أي فهما كنايتان عن نكرتين من جنس الإنسان، مستقلتان عن فلان وفلانة. وأصل "فل"(3/277)
وهند، ونحوهما1، وهو وهم2؛ وإنما ذلك بمعنى: فلان، وفلانة3.
وأما قوله:
في لجة أمسك فلاناً عن فل4
فقال ابن مالك:
__________
1 أي من أعلام الأناسي، فهما كنايتان عن علم شخصي لمن يعقل.
2 أي غلط.
3 أي أن الذي بمعنى زيد، ونحوهما من كناية الأعلام، هو: "فلان" و"فلانة"، لا "فل"، و"فلة". ويمكن دفع وهم ابن مالك؛ بأن أصل "فل" و"فلة" عنده وفلانة، فحذفت الألف والنون تخفيفا، وهو مذهب الكوفيين. ومهما يكن؛ فكل من "فل، فلة"، مبني على الضم دائماً في محل نصب سواء اعتبرا من المفرد العلم، أو النكرة المقصودة. واستعمالها في غير النداء، أو منادى منصوبًا، لا يكون إلا لضرورة شعرية.
4 عجز بيت من الرجز، أو بيت من مشطور الرجز، لأبي العجلي، يصف إبلا قد أقبلت متزاحمة واثارت غبارا، وقبله:
تضل منه إبلي بالهوجل
وهذا البيت من أرجوزة طويلة مشهورة، مطلعها:
الحمد لله العلي الأجلل ... الواسع الفضل الوهوب المجزل
اللغة والإعراب: الهوجل: المراد هنا: المفازة الواسعة التي لا أعلام بها، ويطلق على الرجل الأهوج، لجة: هي الجلبة واختلاط الأصوات في الحروب. "منه" جار ومجرور متعلق بتضل. والهاء عائدة على الغبار في البيت قبله. "إبلي" فاعل تضم. "بالهوجل" متعلق به. "في لجة" متعلق بتضل أيضا، أو بتدافع الواقع مفعولا مطلقا لفعل محذوف؛ أي تدافعت الإبل تدافع، وذلك في قوله قبل:
تدافع الشيب ولم تقتل
"أمسك فلانا عن فل" الجملة في محل نصب مقولة لقول محذوف، صفة للجة، أي في لجة مقول فيها: أمسك ... إلخ.
والمعنى: يصف الشاعر إبلا اقبلت متزاحمة متدافعة تثير الغبار، فشبهها في هذه الحالة، وقد ارتفعت أصواتها في الفلاة، يقوم شيوخ في لجة يدافع بعضهم بعضا، فيقال فيهم: أمسك فلانا عن فلان، أي أحجز بينهما. وقيل: إن صدر البيت هو: تدافع الشيب ... إلخ؛ لأن العجز يتلاءم معه بدون هذا التكلف.
والشاهد: استعمال "فل" في غير النداء، وجرها بحرف الجر للضرورة. وهذا رأي ابن مالك؛ إذ يقول: "وجر في الشعر فل".(3/278)
هو "فل" الخاص بالنداء، استعمل مجروراً للضرورة1، والصواب: أن أصل هذا "فلان"، وأنه حذف منه الألف والنون للضرورة؛ كقوله:
درس المنا بمتالع فأبان2
أي: درس المنازل.
ومنها: "لؤمان"، بضم أوله وهمزة ساكنة ثانية؛ بمعنى كثير اللؤم3.
__________
1 وقد صرح بذلك في النظم فقال: "وجر في الشعر فل". وقيل إن "فل" هنا أصله "فلان"، فرخم بحذف النون والألف.
2 صدر بيت من الكامل، للبيد بن ربيعة العامري. وعجزه:
فتقادمت بالحبس فالسوبان
اللغة والإعراب: درس: عفا وزال أثره. المنا: أي المنازل. متالع، وأبان، والحبس، والسوبان: أسماء أماكن معينة. "المنا" فاعل درس مرفوع بصمة مقدرة على الألف للتعذر، أو بضمة ظاهرة على الحرف المحذوف للترخيم. "بمتالع" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من المنازل. "فأبان" معطوف على متالع.
والمعنى: أن جميع المنازل التي كانت بهذه الأماكن درست وزالت آثارها.
والشاهد: أن أصل المنا "المنازل" فرخم في غير النداء بحذف حرفين منه للضرورة. وهذا يقوي رأي من يقول: إن اصل "فل" -في البيت السابق- "فلان" وحذفت منه الألف والنون للضرورة. وقيل: إن المنا بمعنى المحاذي، ولا ترخيم فيه، وكأن الشاعر قال: عفا المكان المحاذي لهذه الأماكن.
3 ومثله في المعنى والحكم: "ملأم"، وكذلك "ملأمان"، و"مخبثان"، وصفان بمعنى: لئيم وخبيث. ومثلهما: كل وصف على وزن "مفعلان" مما يدل على أمر مذموم، وقد يدل على أمر محمود؛ مثل: مكرمان، ومطيبان، وصفان بمعنى: عزيز مكرم، وطيب.(3/279)
و"نومان" -بفتح أوله وواو ساكنة ثانية- بمعنى كثير النوم1.
و"فعل" كغدر وفسق -سبا للمذكر. واختار ابن عصفور كونه قياسياً2، وابن مالك كونه سماعيا3.
و"فعال"؛ كفساق وخباث؛ سبا للمؤنث4، وأما قوله:
إلى بيت قعيدته لكاع5، فاستعمله خبراً ضرورة، وينقاس هذا، و"فعال" بمعنى
__________
1 لا يقاس على ما كان على وزن: "لؤمان"، و"ملأم"، و"نومان"؛ بل يقتصر فيه على السماع. أما ما كان على وزن "مفعلان" ففيه رأيان، ولعل الأنسب الأخذ بالرأي الذي يبيح القياس في هذه الصيغة؛ لكثرة ما ورد فيها.
2 أي في كل وصف جاء على وزن "فعل" بمعنى فاعل؛ لذم المذكر وسبه، بشرط دلالة أصله على السب.
3 وقد أشار إلى ذلك في النظم كما سيأتي. ومما سمع: فسق، وغدر، وخبث، ولكع، وسفه، بمعنى سافه، وشتم؛ بمعنى شاتم. وورد: "يا سفه مقتل الرجل بين فكيه"، وقد يستعمل هذا الومن في غير النداء؛ كحديث: "لا تقوم الساحة حتى يكون أسعد الناس في الدنيا لكع ابن لكع.
4 وهو معدول عن "فاعلة" أو "فعلية"، ومبني على الكسر أصالة.
5 عجز بيت من الوافر، اشتهر بأنه للحطيئة، في هجاء امرأته، ونسبه ابن السكيت لأبي الغريب النصري، وصدره:
أطوف ما أطوف ثم آوي
اللغة والإعراب: أطوف: من التطويف؛ أي أكثر الطواف والجولان في البلاد. آوي: أرجع وأعود. قعيدته. التي تلازم القعود فيه، ويطلق على المرأة "قعيدة البيت" لذلك. لكاع لئيمة خبيثة. "ما" مصدرية ظرفية. "أطوف" فعل مضارع، وقثد وصلت به "ما" وهو مضارع مثبت، وذلك قليل. "قعيدته" مبتدأ ومضاف إليه. "لكاع" خبر مبني على الكسر في محر رفع، والجملة صفة لبيت.
والمعنى: يهجو امرأته ويقول: أسير في الأرض، وأكثر من الطواف والجولان والتنقل في نواحيها؛ لتحصيل القوت، والبحث عن العيش لي ولأسرتي، ثم أعود إلى منزلي فأجد فيه امرأة خبيثة لئيمة، لم تهيء لي أسباب الراحة بعد هذا العناء.
والشاهد: استعمال "لكاع" -وهو على وزن "فعال"- في غير النداء للضرورة؛ فهي خبر المبتدأ. وقيل: إن الخبر قول محذوف؛ أي قعيدته يقال لها: يا لكاع، وحينئذ لا يكون قد خرج عن النداء.(3/280)
الأمر1؛ كنزال، من كل فعل ثلاثي2 تام متصرف3. فخرج نحو: دحرج، وكا، ونعم وبئس"4. والمبرد لا يقيس فيهما.
__________
1 ذكر المصنف ذلك هنا من باب الاستطراد لموافقته؛ نحو: خباث؛ في الوزن، والبناء على الكسر، وشروطه، لا في النداء. وسيجيء الكلام على هذه الصيغة في باب "أسماء الأفعال".
2 إلا ما سمع من نحو: دراك، من أدرك.
3 أي تصرفا كاملا؛ فلا يبنى من نحو: يذر ويدع؛ لأن كلا منهما ناقص التصرف.
4"دحرج" غير ثلاثي، و"كان" غير تام، و"نعم" و"بئس" جامدان.
ويستخلص مما تقدم: أن الألفاظ التي لا تستعمل إلا منادى ثلاثة أنواع:
أ- نوع مقصور على السماع، وأشهر ألفاظه: أبت، وأمت الملازمتين لتاء التأنيث، اللهم، فل، فلة، لؤمان، ملأم، نومان. وألفاظ هذا النوع مبنية على الضم، إلا أبت وأمت، وقد تقدم حكمهما.
ب- نوع قياسي وهو: ما كان على وزن "فعال" لسب الأنثى وذمها؛ كيا خباث، ويا فساق، وله شروط سبق بيانها ويقال في إعراب هذا النوع: منادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره كسرة البناء الأصلي في محل نصب.
جـ- نوع في قياسته خلاف، والأحسن الأخذ بقول من يقول بقياسيت؛ لكثرة ما ورد منه عن العرب، وهو: ما كان على وزن "مفعلان" للذم غالباً، أو للمدح؛ كملأمان، ومكرمان، وما كان على وزن "فعل" لذم المذكر؛ نحو: غُدر، ولُكَع، وهذا النوع مبني على الضم في محل نصب.
وإلى ما تقدم في هذا الباب يشير الناظم بقوله:(3/281)
....................................................................................................................
__________
و"فل" بعض ما يخص بالندا ... "لؤمان" "نومان" كذا واطردا
في سب الأنثى وزن "يا خباث" ... والأمر هكذا من الثلاثي
وشاع في سب الذكور "فعل" ... ولا تقس وجر في الشعر "فل"
أي أن "فل" و"فلة" من الأسماء التي تختص بالنداء، وكذلك "لؤمان" و"نومان" واطرد في سب الأنثى "يا خباث" وما كان على وزنها، وهذا الوزن مطرد أيضاً في كل اسم فعل ثلاثي دال على الأمر، وشاع في النداء ما كان على وزن "فُعَل" خاصا بسب الذكور، ومع شيوعه، فلا تقس عليه، ويجوز جر "فل" في الشعر للضرورة، مع أنها مختصة بالنداء.
نداء المجهول: اختار العرب لنداء المجهول كلمات منها: "هَن" لنداء المذكر المجهول، و"هِنت" لنداء المؤنثة المجهولة؛ تقول: "يا هن لا تدخل فيما لا يعنيك"، و"يا هنت قلبي"، وتقول في التثنية: "يا هنان" و"هنتان"، وفي جمعي السلامة: "يا هنون" و"يا هنات". وقد تلحقها في الآخر "ها" كما في الندبة؛ فيقولون في الإفراد: "يا هناه" و"يا هنتاه"، وفي التثنية: "يا هنتانيهن" و"يا هِنتانيه"، وفي الجمع: "يا هنوناه"، و"يا هناتوه". وتسكن الهاء الأخير في كل ذلك عند الوقف. وتحذف وصلا، وقد تثبت وصلا للضرورة الشعرية، فتتحرك بالضم أو بالكسر، ومن الخير عدم استعمال هذه الكلمات اليوم؛ لثقلها ولتعدد معانيها اللغوية، ومن معانيها: المحمود والمذموم.
__________
*"وفل" مبتدأ. "بعض" خبر. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "يخص" فعل مضارع للمجهول. ونائب الفاعل يعود على "ما" والجملة صلة، "بالندا" متعلق بيخص؟ "لؤمان" مبتدأ. "نومان" معطوف عليه بتقدير عاطف. "كذا" متعلق بمحذوف خبر. "واطردا" فعل ماض، والألف للإطلاق.
** "في سب" متعلق باطراد، و"الأنثى" مضاف إليه. "وزن" فاعل اطرد. "يا خباث" مضاف إليه على الحكاية "والأمر" مبتدأ. "هكذا" متعلق بمحذوف خبر. "من الثلاثي" جار ومجرور متعلق بمحذوف، حال من الضمير المستكن في الخبر.
*** "فعل" فاعل شاع. "جر" فعل ماض للمجهول. "في الشعر" متعلق بجر. "فل" نائب فاعل جر.(3/282)
باب: الاستغاثة 1
إذا استغيث اسم منادى2، وجب كون الحرف "يا"، وكونها مذكورة3، وغلب جره بلام واجبة الفتح4؛ كقول عمر -رضي الله تعالى عنه: "يا الله"5،
وقول الشاعر:
يا لقومي ويا لأمثال قومي6
__________
باب الاستغاثة:
يعرفها النحويون بأنها: نداء من يخلص من شدة واقعة، أو يعين على دفع مشقة قبل وقوعها، ولا يستلزم أن يفعل المستغاث وفق ما يطلب المستغيث؛ قال تعالى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} ، وأسلوب الاستغاثة أحد أساليب النداء، ولا يتحقق إلا بثلاثة أشياء: حرف النداء "يا" لا غير، وبعده غالباً المستغاث به، وهو الذي يطلب منه العون والمساعدة، وقد يسمى المستغاث؛ ثم المستغاث له وهو الذي يطلب العون بسببه، ولكل من هذه الثلاثة شروط وأحكام، تتضح مما يأتي.
2 أي إذا نوي مدلول اسم للاستغاثة به.
3 هذان شرطان في حرف النداء.
4 هذا حكم من أحكام المستغاث، ووجود اللام ليس واجبا؛ وإنما الواجب فتحها حين تذكر؛ لأنه واقع موقع كاف الخطاب في مثل: أدعوك، ولام الجر تفتح معها؛ وليحصل الفرق بينها وبين لام المستغاث من أجله، قال الناظم مشيرا إلى ذلك:
إذا استغيث اسم منادى خفضًا ... باللام مفتوحا كيا للمرتضى
أي: إذا نودي واستغيث اسم، وجب جر المنادى بلام مبنية على الفتح؛ نحو: يا للمرتضى.
5 قال رضي الله عنه لما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي: يا لله للمسلمين.
6 صدر بيت من الخفيف - لم ينسب لقائل، وعجزه:
__________
*"إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "استغيث" فعل ماض للمجهول، فعل الشرط. و"اسم" نائب فاعله. "منادى" نعت لاسم. "خفضا" الجملة جواب الشرط والألف للإطلاق. "باللام" متعلق به. "مفتوحا" حال من اللام "كيا" الكاف جارة لقول محذوف، و"يا" حرف نداء. "للمرتضى" اللام جارة عند البصريين، وفي متعلقها خلاف كما سيأتي.(3/283)
إلا أن كان معطوفاً ولم تعد معه "يا" فتكسر1.
__________
لأناس عتوهم في ازدياد
اللغة والإعراب: عتوهم: العتو: الاستكبار والطغيان. في ازدياد: أي يزيد يوما بعد يوم. "يا" حرف نداء واستغاثة. "لقومي" اللام حرف جر أصلي، وهي مفتوحة، وقومي مجرور بها، والجار والمجرور في محل نصب متعلق بأدعو؛ بتضمينه معنى فعل يتعدى باللام، كألتجئ مثلا، أو متعلق بحرف النداء؛ لنيابته عن الفعل "أدعو" كما بينا سابقا. وقيل: اللا زائدة لا تتعلق بشيء والمستغاث منصوب بفتحة مقدرة منع منها حرف الجر الزائد. وذهب الكوفيون إلى أن اللام اسم مضاف لما بعده، وأن الأصل: "يا آل" فحذفت الهمزة للتخفيف، وإحدى الألفين لالتقاء الساكنين. "ويالأمثال" إعرابه كذلك. "قومي" مضاف إليه، وياء المتكلم مضاف إليه. "لأناس" جار ومجرور متعلق بمحذوف؛ أي أدعوكم لأناس، أو متعلق بيا نفسها؛ لأن فيها معنى الفعل. "عتوهم" مبتدأ ومضاف إليه. "في ازدياد" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، والجملة في محل جر صفة لأناس.
والمعنى: أستغيث بقومي وبأمثالهم في النجدة والشجاعة، ليمنعوني من قوم يزدادون علوا واستكبارا علي، ويظلموني بغير سبب.
والشاهد: جر المستغاث به في "يا لقومي، ويا لأمثال"، بلام واجبة الفتح.
1 هذا استنثاء من وجوب بناء لأم المستغاث على الفتح؛ وهو وجوب الكسر، إذا كان المستغاث غير مسبوقـ"يا"؛ ولكنه معطوف على آخر مسبوق بها.
وكذلك يجب الكسر إذا كان المستغاث ياء المتكلم؛ نحو: يا لي للغرباء، على رأي ابن جني؛ من جواز كونه قد استغاث بنفسه، وكسرت اللام لمناسبة الياء. ويرى غيره أن "يا لي" لا يكون إلا مستغاثا لأجله، والمستغاث به محذوف. وإلى ما تقدم يشير الناظم بقوله:
وافتح مع المعطوف إن كررت "يا" ... وفي سوى ذلك بالكسر ائتيا
أي إذا كررت "يا" مع المعطوف وجب فتح لام الجر الداخلة عليه. وفي غير هذه الصورة
__________
"وافتح" فعل أمر، ومفعوله محذوف؛ أي اللام. "مع" ظرف متعلق بمحذوف، حال من ذلك المحذوف "المعطوف" مضاف إليه. "يا" مفعول "كررت" الواقع فعلا للشرط، والجواب محذوف يدل عليه ما قبله، "وفي سوى جار ومجرور متعلق بائتيا. "ذلك" مضاف إليه، والإشارة إلى المذكور في البيتين. "بالكسر" متعلق بائتيا أيضا. "ائتيا" فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا للوقف، والفاعل أنت.(3/284)
ولام المستغاث له مكسورة دائماً كقوله: يا لله للمسلمين1،
وقول الشاعر:
يا للكهول وللشبان للعجب2
__________
يجب كسر اللام معه، وهذا يشمل: عدم ذكر "يا" مع المعطوف، كما يشمل اللام الداخلة على المستغاث له.
هذا: والمستغاث المجرور باللام المسبوق بـ"يا" معرب منصوب؛ فهو مجرور لفظا منصوب محلا، حتى المفرد العلم والنكرة المقصودة؛ لأن اللام جعلتهما من قسم المضاف تأويلا. ويقال في إعرابه: اللام حرف جر أصلي، وما بعدها منادى منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها الكسرة التي جلبها حرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بيا؛ وإنما يعرب بشرط ألا يكون مبنيا في الأصل؛ نحو: يا لهذا للمستجير، وأن تكون اللام مذكورة وقبلها "يا" ويجوز في تابعه: الجر مراعاة للفظ، والنصب مراعاة للمحل.
1 إنما يجب كسر لام المستغاث له؛ إذا لم يكن ضميرا غير ياء المتكلم، وإلا فتحت لامه؛ نحو: يا للمخلص لنا، ويا لمحمد لك، بخلاف يا للزائر لي؛ لأن الضمير ياء المتكلم. وهذا حكم من أحكام المستغاث له. ويجب كذلك تأخيره عن المستغاث، كما أنه يجوز حذفه إذا علم وأمن اللبس؛ نحو: يا لقومي من للندى والسماح؟
2 عجز بيت من البسيط، لم ينسب لقائل، وصدره:
يبكيك ناء بعيد الدار مغترب
اللغة والإعراب: ناء: بعيد، وهو اسم فاعل من نأى ينأى؛ بمعنى بعد. مغترب: غريب؟ الكهول: جمع كهل؛ وهو من جاوز الثلاثين ووخطه الشيب، وقيل: الأربعين. والشبان: جمع شاب؛ وهو من كانت سنه دون سن الكهل.
"ناء" فاعل يبكي. "بعيد الدار" صفة لناء، ومضاف إليه، وإضافته للدار غير محضة؛ ولذلك وقع صفة للنكرة. "مغترب" صفة ثانية. "يا للكهول" "يا" حرف نداء واستغاثة، واللام حرف جر، و"الكهول" مجرور بها، والجار والمجرور في محل نصب متعلق بأدعو، أو بيا، كما سبق بيانه. "وللشباب" إعرابه كذلك. "للعجب" جار ومجرور متعلق بمحذوف كما سبق. وهو مستغاث له.
والمعنى: يبكيك ويحزن لفقدك وموتك الأباعد الغرباء؛ لما كنت تسدي إليهم من(3/285)
ويجوز ألا يبتدأ المستغاث باللام؛ فالأكثر حينئذ أن يختم بالألف1؛
كقوله:
يا يزيدا لآمل نيل عز2
__________
معروف وعون، وقد يسر الأقارب لما يرثونه منك بعد فقدك؛ فهيا معشر الكهول والشباب لمشاركتنا في العجب من ذلك!
والشاهد: كسر لام المستغاث له في "للعجب" وفيه شاهد آخر؛ وهو: كسر لام المستغاث به في "للشبان"؛ لأنه معطوف لم تكرر معه "يا".
1 وتكون هذه الألف عوضا عن اللام، ومن ثم لا يجتمعان، ويبقى المنادى دالا على الاستغاثة بالقرينة، ولكنه لا يكون في هذه الصورة ملحقا بالمنادى المضاف؛ بل يكون مبنيا على الضم المقدر في محل نصب، منع من ظهورها الفتحة الطارئة لمناسبة الألف، ويجوز في تابعه الرفع مراعاة للفظه، والنصب مراعاة لمحله، ولا يجوز مراعاة الفتحة الطارئة لمناسبة الألف، وإذا وقف على المستغاث المختوم بالألف فالأحسن مجيء "ها" السكت الساكنة؛ تقول: يا شاعراه، وتحذف عند الوصل.
2 صدر بيت من الخفيف، لم يعين قائله، وعجزه:
وغنى بعد وفاقه وهوان
اللغة والإعراب: آمل: اسم فاعل من الأمل؛ وهو الرجاء والتوقع: نيل: حصول. فاقة: فقر وحاجة. هوان: مذلة واحتقار. "يا" حرف نداء واستغاثة، "يزيدا" منادى مستغاث به مبني على ضم مقدر منع منه حركة مناسبة ألف الاستغاثة في محل نصب، والألف عوض عن لام الاستغاثة. "لآمل" متعلق بيا، أو بالفعل المحذوف كما تقدم. "نيل عز" نيل مفعول لآمل، وعز مضاف إليه، وفيه ضمير هو فاعله؛ لأنه اسم فاعل. "وغنى" معطوف على عز منصوب بفتحة مقدرة على الألف المحذوفة للساكنين. "بعد" ظرف زمان متعلق بنيل أو بآمل. "فاقة" مضاف إليه. "وهوان" معطوف على فاقة.
والمعنى: أستغيث بك يا يزيد، وأدعوك لمن يطلب القوة والعزة، بعد الضعف والمذلة، ويرجو الغنى والثراء بعد الفقر والحاجة.
والشاهد: في "يزيد"؛ فإنه مستغاث به اختتم بالآلف، ولم يؤت معه باللام المفتوحة، التي تدخل على المستغاث به.(3/286)
وقد يخلو منهما1؛ كقوله: ألا يا قوم للعجب العجيب2
ويجوز نداء المتعجب منه؛ فيعامل معاملة المستغاث3؛ كقولهم: يا للماء، ويا للدواهي، إذا تعجبوا من كثرتهما.
__________
1 أي من اللام والألف، وحينئذ يكون حكمه المنادى الذي ليس للاستغاثة.
2 صدر بيت من الوافر، لم ينسب لقائل، وعجزه:
وللغفلات تعرض للأريب
اللغة والإعراب: الغفلات: جمع غفلة، مصدر غفل عن الشيء، لم يلتفت إليه ولم يلق إليه باله. تعرض له: تنزل به. الأريب: العالم بالأمور البصير بالعواقب. "ألا" أداة تنبيه. "قوم" مستغاث به منادى، منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة اجتزاء بكسرة الميم. ويجوز أن يكون مبنيًا على الضم إذا قدر قطعه عن الإضافة. "للعجب" جار ومجرور مستغاث لأجله، متعلق بيا، أو بالفعل المحذوف. "العجيب" صفة للعجب. "وللغفلات" معطوف عليه. "تعرض" الجملة حال من الغفلات.
والمعنى: أستغيث وأدعو قومي ليعجبوا العجب كله، وينظروا كيفل تحدث الغفلة وعدم الانتباه للبصير بالأمور الخبير بالعواقب؟
والشاهد: في "يا قوم" حيث جاء مستغاثًا به خاليًا من اللام المفتوحة في أوله، ومن الألف في آخره، وذلك نادر، وقد مر التنبيه على ذلك.
3 قد يراد بأسلوب النداء: التعجب من شيء عظيم يتميز بذاته أو بكثرته، أو شدته أو غرابته، فينادى جنس ما رآه، نحو: يا للماء، أو من له به صلة أو معرفة؛ نحو: يا للعلماء ويأتي على صورة الاستغاثة مشتملا على حرف النداء "يا"، وعلى منادى مجرور باللام المفتوحة، ولكن ليس هنالك مستغاث؛ وذلك كأن ترى البدر فيبهرك جماله؛ فتقول: يا للبدر! أو ترى الماء الكثير فتعجب من كثرته؛ فتقول: يا للماء! مثل هذا الأسلوب يقال فيه إنه أسلوب نداء أو استغاثة أريد به التعجب، فكأنك تنادي البدر والماء، وتقول: احضر ليتعجب منك، وعلى هذا ينبغي أن يعامل معاملة المستغاث؛ فيجر باللام المفتوحة، وإذا حذفت جيء بالألف في آخره عوضاً عنها، وتلحقه هاء السكت عن الوقف، وقد يأتي على صورة أخرى؛ فلا يبدأ باللام ولا يختم بالألف؛ تقولك يا عجب. وإلى ذلك وما(3/287)
باب الندبة 1:
حكم المندوب -وهو المتفجع عليه أو المتوجع منه- حكم المنادى؛ فيضم في نحو: وأزيد وينصب في نحو: وا أمير المؤمنين، إلا أنه لا يكون نكرة؛
__________
قبله، يشير الناظم بقوله:
ولام ما استغيث عاقبت ألف ... ومثله اسم ذو تعجب ألف
اي: أن لا المستغاث قد تحذف فتعقبها، ويؤتى بألف بدلها في آخره عوضًا عنها، ومثل: المستغاث الاسم المتعجب منه في أسلوب التعجب الآتي.
تنبيه:
قد يجري المستغاث له بـ"من" بدلا من اللام؛ إذا كان مستنصرًا عليه؛ كقوله:
يا للرجال ذوي الألباب من نفر ... لا يبرح السفه المردي لهم دينا
فإن كان مستنصراً له، تعين جره باللام؛ نحو: يا لله للمجاهدين، ويجوز الجمع بين "يا" و"أل" التي في صدر المستغاث إذا كان مجرورا باللام كما مثلنا.
باب الندبة:
1 الندبة لغة: مصدر ندب الميت، إذا ناح عليه، وذكر خلاله الكريمة، ومآثره الحميدة،
واصطلاحاً: نداء موجه للمتفجع عليه أو المتوجع منه، بلفظ "وا"، أو "يا" عند أمن اللبس، والتفجع: إظهار الحزن وقلة الصبر عند نزول المصيبة، وأكثر ما يكون عند النساء؛ لضعفهن عن الاحتمال والصبر.
والمتفجع عليه: من نزلت به الفجيعة، أو أصابته نازلة حقيقة، أو نزل منزلة ذلك؛ كقول عمر -رضي الله عنه- وقد أخبر بجدب أصاب بعض العرب: واعمراه واعمراه. والمتوجع منه: الموضع والمكان الذي فيه الألم؛ كقولك: وارأساه، أو السبب الذي أدى إلى الألم؛ كقولك: وامصيبتاه؛ لأن المصيبة هي سبب الألم، وقد يسمى هذا متوجعا له، والمنادى في ذلك كله يسمى: مندوبًا.
__________
* "ولام" مبتدأ. "ما" اسم موصول مضاف إليه. "استغيث" الجملة صلة. "ألف" مفعول عاقب، وسكن على لغة ربيعة، والجملة خبر المبتدأ. "ومثله" خبر مقدم ومضاف إليه، والضمير يعود إلى المستغاث. "اسم" مبتدأ مؤخر. "ذو تعجب" ذو نعت لاسم، وتعجب مضاف إليه. "ألف" الجملة صفة لتعجب.(3/288)
كرجل1، ولا مبهما؛ كأي، واسم الإشارة والموصول؛ إلا ما صلته مشهورة2؛ فيندب؛ نحو: "وامن من حفر بئر زمزماه3؛ فإنه بمنزلة: "وا عبد المطلباه"4، إلا أن الغالب أن
__________
1 هذا في المتفجع عليه، أما المتوجع منه فيجوز أن يكون نكرة؛ نحو: وامصيبتاه، في مصيبة غير معينة.
وإنما لم تندب النكرة ولا المبهم لأن القصد من الندبة الإعلام بعظمه المندوب وإظهار أهميته أو شدته؛ وذلك يستدعي أن يكون معروفًا معينًا.
2 أي معروفة الارتباط بالموصوف بين المتخاطبين؛ بحيث يتعين بها الموصول. وهذا إذا كان الموصول غير مبدوء بأل، وإلا امتنعت ندبته مطلقا. ومثل الموصول في الإبهام المضمر.
3 "وا" حرف نداء وندبة. "من" منادى مندوب مبني على ضم مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون البناء الأصلي في محل نصب، وجملة "حفر" صلة.
"بئر" مفعول حفر. "زمزماه" مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة منع منها حركة مناسبة ألف الندبة، وهذا إذا اعتبر متصرفا فإن اعتبر ممنوعا من الصرف؛ فهو منصوب بفتحة مقدرة نيابة عن الكسرة والهاء للسكت.
4 أي في الشهرة. وإلى ما سبق من حكم المندوب، وبيان ما لا يندب، أشار الناظم بقوله:
ما للمنادى اجعل لمندوب وما ... نكر لم يندب ولا ما أبهما
ويندب الموصول بالذي اشتهر ... كـ" بئر زمزم" يلي "وا من حفر"
أي: أجعل للمندوب من الأحكام ما للمنادى، ولا تندب النكرة ولا المبهم من الأسماء؛
__________
* "ما" اسم موصول مفعول أول لاجعل. "للمنادى" متعلق بمحذوف، صلة. "لمندوب" في موضع المفعول الثاني لاجعل. "وما" اسم موصول مبتدأ. "نكر" فعل ماض للمجهول، والجملة صلة. "لم يندب" الجملة خبر المبتدأ. "ولا" الواو عاطفة، و"لا" نافية. "ما" موصولة معطوفة على الضمير في يندب؛ لوجود الفصل بلا. "أبهما" فعل ماض للمجهول، والجملة صلة.
"بالذي" متعلق بالموصول لا بيندب. "اشتهر" الجملة صلة والعائد محذوف؛ أي به. "كبئر" جار ومجرور، خبر لمبتدأ محذوف، وبئر بالنصب على الحكاية لأنه مفعول به لحفر. "زمزم" مضاف إليه. "يلي" فعل مضارع، وفاعله يعود إلى بئر زمزم، والجملة حال من "وامن حفر" الواقع مفعولا ليلي على الحكاية، وجملة "حفر" صلة من، والأصل: وامن حفر بئر زمزم.
كأي، والمضمر، واسم الإشارة والموصول المحلي بأل، ويندب الموصول الخالي من أل إذا اشتهر بالصلة؛ نحو: "وا من حفر بئر زمزماه"، والذي حفرها: عبد المطلب جد النبي -عليه السلام- وقد شاع ذلك وعرف بين الناس؛ فكأنك قلت: واعبد الملطب، وقوله: "يلي وامن حفر" أي: يقع بعد هذه القولة.(3/289)
يختم بالألف1؛ كقوله:
وقمت فيه بأمر الله يا عمرا2
ويحذف لهذه الألف ما قبلها، من ألف؛ نحو: واموساه3، أو تنوين في صلة؛ نحو: وامن حفر بئر زمزماه4، أو في مضاف إليه،؛ نحو: وا غلام زيداه، أو في محكي؛ نحو: وا قام زيداه5، فيمن اسمه "قام زيد"،........................................................................
__________
1 أي الزائدة، وذلك لمد الصوت؛ حتى يكون أقوى بنبراته على إعلان ما في النفس من حزن وأسى.
2 تقدم هذا الشاهد في أول "باب الندا".
والشاهد: فيه هنا في قوله: "يا عمرا"؛ حيث ختم بألف الندبة، وثبوت هذه الألف دليل على أنه مندوب، ولو كان منادى لبني على الضم؛ لأنه علم مفرد، وهو مبني على ضم مقدر منع منه فتحة مناسبة الألف. واستعمال "يا" للندبة لأمن اللبس؛ لأن وجود الألف بين أنه مندوب، لا منادى.
3 أي في "موسى" وعند إعرابه يقال: "موسى" منادى مبني على ضم مقدر للتعذر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين؛ والألف الموجودة زائدة للندبة، والهاء للسكت.
4 بحذف التنوين الظاهر من "زمزم" على أنه مصروف، والتنوين المقدر، على أنه ممنوع من الصرف.
5 فـ"قام زيداه" مبني على مقدر منع منه فتحة المناسبة، وقيل: ضمة الحكاية المحذوفة لأجل الألف.
وفي زيادة ألف الندبة، وحذف ما يكون في آخر المندوب من ألف التنوين لأجلها، يقول الناظم:(3/290)
ومن ضمة1؛ نحو: وازيداه، أو كسرة2؛ نحو: واعبد الملكاه، واحذاماه. فإن أوقع حذف الكسرة أو الضمة في لبس أبقيتا، وجعلت الألف ياء بعد الكسرة؛ نحو: واغلامكي3، وواواً بعد الضمة؛ نحو: واغلامهو، أو واغلامكمو4، ولك في الوقف
__________
ومنتهى المندوب صلة بالألف ... متلوها إن كان مثلها حذف
كذاك تنوين الذي به كمل ... من صلة أو غيرها نلت الأمل
يعني أن آخر المندوب تلحقه ألف للندبة، فإن وقعت هذه الألف بعد مثيل لها -أي بعد ألف- حذف المثيل دون ألف الندبة؛ لأنها جاءت لغرض، وقوله: متلوها، أي الذي تليه وتقع بعده.
وكذلك يحذف التنوين مما جاء بعد المندوب ليكمله؛ كالصلة بعد الموصلو، والمضاف إليه بعد المضاف. وقوله: نلت الأمل، دعاء للمخاطب، سيق لتكملة البيت.
1 أي في المبني.
2 أي في المعرب كالمثال الأول، أو في المبني كالمثال الثاني.
3 ولا يصح مجيء الألف؛ لأنه لو قيل: واغلامكا، التبس خطاب المؤنث بالمذكر.
4 لأنه لو قيل: واغلامها، التبس المذكر بالمؤنث في الأولى، أو غلامكا، التبس الجمع بالمثنى في الثانية.
والخلاصة:
أنه ينبغي أن يفتح ما قبل الألف إن كان غير مفتوح؛ لأن الفتحة هي التي تناسبها، فإن أوقعت الفتحة في لبس تركت، وبقيت الحركة الموجودة على حالها، مع زيادة حرف وفي شكل المندوب وضبطه يقول الناظم:
__________
* "ومنتهى المندوب" منتهى مفعول لفعل محذوف يفسره المذكور بعده، والمندوب مضاف إليه. "متلوها" مبتدأ مضاف إلى الهاء. "إن كان" شرط وفعله، واسم كان مستتر فيها. "مثلها" خبرها مضاف إلى الهاء. "حذف" فعل ماض للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى متلوها، والجملة خبر المبتدأ، وجواب الشرط محذوف تدل عليه جملة الخبر.
"كذاك" خبر مقدم. "تنوين" مبتدأ مؤخر. "الذي" مضاف إليه. "به" متعلق بكمل الواقع صلة الذي "من صلة" بيان للذي، أو حال من المضاف. "أو غيرها" معطوف على صلة، مضاف للهاء.(3/291)
زيادة "هاء السكت" بعد أحرف المد1.
__________
والشكل حتماً أوله مجانساً ... إن يكن الفتح بوهم لابسا
أي: إذا شكل آخر المندوب بضم أو كسر؛ فأوله مجانسًا له، من واو، أو ياء، إذا كان الفتح قبل ألف الندبة يوقع في لبس توهم غير المراد.
1 فتقول: واعمراه، وامصيبتاه، وارأساه. وتحذف في الوصل، إلا في الضرورة الشعرية، فتبقى وتحرك بالكسر أو بالضم؛ كقول المتنبي:
واحر قلباه ممن قلبه شبم ... ومن بجسمي وحالي عنده سقم
وفي هذه الهاء يقول الناظم:
وواقفاً زد هاء سكت إن ترد ... وإن تشأ فالمد والها لا تزد
أي: إذا وقفت على المندوب، فزد بعد الألف هاء سكت إذا أردت، وإن شئت ألا تزيد حرف المد ولا الهاء، فافعل.
تنبيه:
إذا كان المندوب مثنى أو جمع مذكر سالما، فلا تحذف نونهما عند ألف الندبة، فيقال: وازيدانا، وازيدونا، ويبنيان على الألف والواو كالمجرد. وإذا كان للمندوب تابع، فإن كان نعتا لفظة كلمة "ابن" المضافة لعلم، فإن الألف تدخل على المضاف إليه، تقول: وا إسماعيل بن إبراهيماه، وإن كان لفظاً آخر، فالأحسن دخولها على المنعوت.
أما البدل، وعطف البيان، والتوكيد المعنوي، فالأحسن الاكتفاء بدخولها على المتبوع، وفي عطف النسق تدخل على المعطوف؛ تقول: واعلي واعمراه، ويجوز دخولها على المعطوف والمعطوف عليه، وتدخل في التوكيد اللفظي عليهما؛ تقول: وامحمداه وامحمداه.
__________
* "والشكل" مفعول لمحذوف يفسره أوله. "حتما" مفعول مطلق لمحذوف، أو حال من هاء أوله. "مجانسا" مفعول ثان لأوله، والهاء مفعوله الأول. "إن يكن" شرط وفعله. "بوهم" متعلق بلابسا الواقع خبرا ليكن، ولا بسا: من لبست الأمر عليه: خلطته، وجواب الشرط محذوف.
**"وواقفا" حال من فاعل زد. "هاء" مفعول أول لزد، ومفعوله الثاني محذوف. "فالمد" الفاء واقعة في جواب الشرط، و"المد" مبتدأ. وخبره محذوف؛ أي واجب، والجملة جواب الشرط، "والهاء -بالقصر للضرورة- مفعول مقدم لتزد المجزوم بلا الناهية.(3/292)
فصل:
وإذا ندب المضاف للياء1، فعلى لغة من قال: "يا عبد" بالكسر، أو "يا عبد" بالضم، أو "يا عبدا" بالألف، أو "يا عبد" بالإسكان؛ يقال: واعبدا2.
وعلى لغة من قال: "يا عبدي" بالفتح أو "يا عبدي" بالإسكان؛ يقال: "واعبديا"3، بإبقاء الفتح على الأول، وباجتلابه على الثاني.
وقد تبين أن لمن سكن الياء: أن يحذفها، أو يفتحها، والفتح رأي سيبويه، والحذف رأي المبرد. وإذا قيل يا غلام غلامي، لم يجز في الندبة حذف الياء؛ لأن المضاف إليها غير منادى4.
__________
1 أي: لياء المتكلم الجائزة فيها اللغات الست المتقدمة.
2 أي قال في هذه اللغات الخمس: "يا عبدا" بزيادة ألف الندبة في المحذوف الياء، وتحذف ياء المتكلم المنقلبة ألفا في "عبدا"، والياء الساكنة في "عبدي"، وتحل محلهما ألف أخرى للندبة، ويقال في إعرابه: منادى مضاف منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة, منع من ظهورها فتحة ألف الندبة، وليس مبنيًا لأنه مضاف.
3 أي: بزيادة ألف الندبة وفتح ما قبلها، ويكون منصوبًا بفتحة مقدرة على الدال منع من ظهورها الكسرة العارضة لمناسبة الياء في محل نصب، والياء مضاف إليه مبني على سكون مقدر منع من ظهوره الفتحة التي جاءت لمناسبة الألف.
4 فلا يسري عليه أحكام المنادى المضاف للياء، ولما لم تحذف في النداء لم تحذف في الندبة، ومع إثبات الياء يجوز زيادة ألف الندبة بعدها، وعدم زيادتها، وفي المندوب المضاف إلى ياء المتكلم يقول ابن مالك:
وقائل: واعبديا واعبدا ... من في الندا اليا ذا سكون أبدى
أي: يقول: "واعبديا" بتحريك الياء بالفتح، وزيادة ألف الندبة، أو: "واعبدا" بحذف الياء مع زيادة ألف الندبة وفتح ما قبلها، يقول ذلك: من أبدى في النداء حرف الياء ذا
__________
* "وقائل" خبر مقدم، وفيه ضمير هو فاعله، "واعبديا" مفعول به مقصود لفظه. "واعبدا" معطوف عليه. "من" اسم موصول مبتدأ مؤخر. "في الندا" متعلق بأبدى. "اليا" -بالقصر- مفعول مقدم لأبدى. "ذا" حال من الياء.
"سكون" مضاف إليه. "أبدى" فعل ماض وفاعله يعود إلى "من"، والجملة صلة لها. ومعنى أبدى: أظهر.(3/293)
.....................................................................................................................
__________
سكون؛ أي من كانت لغته في المنادى المضاف للياء إسكانها.
وكذلك يقول: "واعبدا" من يحذف الياء، أو يستغني بالكسرة؛ أو يقلب الياء ألفا، والكسرة فتحة، ويحذف الألف ويستغني بالفتحة، أو يقلبها ألفا ويبقيها.
تنبيه:
هل المندوب منادى أو لا؟ رأيان. وقد صرح الرضي بأن المندوب والمتعجب منه، مناديان مجازًا لا حقيقة؛ فإذا قلت: يا محمداه، أو يا للماء؛ فكأنك تنادي وتقول: تعال يا محمد؛ فإني إليك مشتاق، وات يا ماء؛ حتى يتعجب منك.(3/294)
.....................................................................................................................
__________
الأسئلة والتمرينات:
1 عرف النداء، واذكر أداة النداء التي ينادى بها القريب، والتي ينادى بها القريب والبعيد، ومثل بمثالين من إنشائك للكل.
2 تختص "يا" من بين أحرف النداء بمميزات، فما هي هذه المميزات؟ وضح بأمثلة.
3 لا يجمع بين "يا" و "أل" في النداء إلا في مواضع، أذكر هذه المواضع، ومثل لكل، ووضح علة استثنائها.
4 ما المراد بالمفرد في باب النداء؟ وما حكمه في الإعراب؟ هات أمثلة موضحة.
5 متى يبنى المنادى؟ ومتى يجب نصبه؟ ومتى يجوز فيه الضم والفتح؟ ووضح ما تقول بالأمثلة.
6 إذا وصف المنادى العلم بابن، فمتى يجب ضمه؟ ومتى يجوز الضم والفتح؟ مثل لما تذكر.
7 هنالك أشياء لا تقع إلا منادى، وأخرى لا تنادى، اذكر كلا، ووضح بأمثلة.
8 ما حكم آخر المنادى المعتل إذا أضيف لياء المتكلم؟ وما الذي يلحق بالمعتل؟ مثل لما تقول؟
9 فيم ينقاس "فعال" في النداء، وفيم يستعمل؟ وكذلك "فُعَل"؟ مثل.
10 عرف المندوب تعريفاً شاملًا، وبين ما يجوز ندبه وما يمتنع، ووضح بالأمثلة.
11 اشرح قول ابن مالك:
ولام ما استغيث عاقبت ألف ... ومثله اسم ذو تعجب ألف
وبين لم يجب فتح لام المستغاث؟ ومتى تفتح لام المستغاث لأجله؟ ومتى تحذف لام المستغاث به؟ ووضح بالأمثلة.
12 ما حكم إعراب تابع المنادى المبني إذا كان نعتا مفردا، أو مضافا مجردا من أل، أو منسوقا مقرونا بأل، أو مجردا منها؟ وضح ما تقول بالأمثلة.
13 فيما يأتي شواهد لبعض مسائل النداء، والندبة، والاستغاثة، بين موضع الشاهد، وحكمه: قال تعالى:(3/295)
.....................................................................................................................
__________
{يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} .
{يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} .
{ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ} .
{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} .
{يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ} .
{يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ} .
{يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} .
{قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ} .
{يَا أَيُّهَا المَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي} .
يا عظيما يدعى لكل عظيم
يا لله من أعداء الوطن.
فيا لك ليلاً بت فليه مسهداً
أي أبتي لا زلت فينا فإننا ... لنا أمل في الله ما دمت عائشا
يا أنت يا خير الدعاة للهدى ... لبيك دايعا لنا وهاديا
يا للرجال لقوم عز جانبهم ... واستلهموا المجد من أصل وأعراق
يا من يعز علينا أن نفارقهم ... وجداننا كل شيء بعدكم عدم
لاهم إن العبد يمنع رحله فامنع رحالك
ضيعت قيصر البرية أنثى ... يا لربي مما تجر النساء
14 أعرب ما تحته خط في الآبيات الآتية، واشرح الأخيرين شرحا أدبيا:
يا للغروب وما به من عبرة ... للمستهام وعبرة للرائي
يا أمة كان قبح الجور يسقطها ... حيناً فأصبح حسن العدل يرضيها
يا لقومي إن مصراً ترتجي ... من بينها عملاً يرفعها
فانهضوا للمجد واسموا للعلا ... إنما موضعكم موضعها(3/296)
.....................................................................................................................
__________
15 صغ العبارات الآتية في صور الاستغاثة التي مرت بك، وضعها في عبارات مناسبة: ظلم الاستعمار، الأحرار في العالم، الصهيونية، الفدائيون.
16 متى يجب وصف اسم الإشارة المنادى؟ ومتى يجوز؟ وما حكم التابع في الحالتين؟
17 ما حكم نعت "أي"؟ وما الأشياء التي توصف بها في النداء؟ مثل لما تقول.
18 ما الحروف التي يجر بها المستغاث لأجله؟ وما حكم البدل وعطف البيان إذا كان تابعين لمنادى؟ مثل.(3/297)
باب الترخيم 1:
يجوز ترخيم المنادى؛ أي: حذف آخره تخفيفاً، وذلك بشروط2: كونه معرفة3، غير مستغاث3، ولا مندوب، ولا ذي إضافة5، ولا ذي إسناد6، فلا يرخم نحو قول
__________
باب الترخيم:
1 الترخيم في اللغة: ترقيق الصوت وتليينه، يقال: صوت رخيم؛ أي رقيق لين، وكلام رخيم؛ لين سهل، قال الشاعر:
لها بشر مثل الحرير ومنطق ... رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر
وفي الاصطلاح: حذف آخر الكلمة في النداء بطريقة مخصوصة؛ للتخفيف غالبا، أو لداع آخر؛ كالتمليح، أو الاستهزاء.
وهو ثلاثة أقسام: ترخيم اللفظ للنداء، وترخيمه للضرورة الشعرية، وترخيمه للتصغير، والأولان هما موضوع هذا الباب، وفي ذلك يقول الناظم:
ترخيماً احذف آخر المنادى ... كيا سعاً فيمن دعا "سعادا"
أي: أحذف آخر المنادى حذف ترخيم؛ كقولك: يا سعا، إاذا أردت أن تنادي من اسمها "سعاد".
2 هذه شروط عامة، لا بد منها لترخيم المنادى؛ سواء أكان مختوماً بتاء التأنيث، أم مجردا منها.
3 إما بالعلمية؛ كالمفرد العلم، أو بالقصد والإقبال؛ كالنكرة المقصودة، وإنما اختصت المعرفة بالترخيم؛ لأنها هي التي يكثر نداؤها؛ فلا يصح تريخم النكرة غير المقصودة.
4 أي مجرور باللام، ويجوز ترخيم المحذوف اللام عند سيبويه، وكثير من النحاة؛ تقول: يا فاطما لأخيها، وبعضهم يمنعه أيضاً.
5 أي لا يكون مضافا، ولا شبيها به.
6 أي لا يكون مركبا تركيبا إسناد، ويزاد على هذه الشروط: ألا يكون من الألفاظ المختصة بالنداء؛ كـ"فل" و"فلة"، ولا مبنيًا قبل النداء؛ كحذام، وخمسة عشر.
__________
* "ترخيما" مفعول مطلق لاحذف؛ لأنه بمعناه؛ كقعدت جلوسا، أو مصدر نائب عن اللفظ بفعله في الطلب؛ أي رخم ترخيما. "آخر المنادى" آخر مفعول احذف، والمنادى مضاف إليه. "كيا سعا" جار ومجرور، خبر المبتدأ محذوف. "فيمن" متعلق بمحذوف حال منه. "دعا سعادا" دعا فعل ماض، وسعادا مفعول، والفاعل يعود على "من" الموصولة المجرورة محلا بفي، والجملة صلة.(3/298)
الأعمى: يا إنساناً خذ بيدي، وقولك: يا لجعفر، وواجعفراه، ويا أمير المؤمنين، ويا تأبط شراء، وعن الكوفيين إجازة تريخم ذي الإضافة بحذف عجز المضاف إليه، تمسكاً بنحو قوله:
أبا عرو لا تبعد فكل ابن حرة1
وزعم ابن مالك، أنه يرخم ذو الإسناد2، وأن "عمراً" نقل ذلك؛ وعمرو هذا: هو
__________
1 صدر بيت من الطويل، لم ينسب لقائل، وعجزه:
سيدعوه داعي ميتة فيجيب
اللغة والإعراب: لا تبعد: لا تهلك؛ من البعد، بمعنى الذهاب بالموت والهلاك. ابن حرة: يكنى بذلك عن الرجل الكريم، ويقال: ابن الأمة ما الأمه. ميتة: اسم هيئة من الموت. "أبا" منادى بحذف الياء منصوب بالألف نيابة عن الضمة. "عرو" مضاف إليه، وحذفت منه التاء للترخيم. "لا" حرف دعاء. "تبعد" فعل مضارع مجزوم به. "فكل" الفاء للتعليل، و"كل" مبتدأ. "ابن حرة" ابن مضاف إليه، وحرة مضاف إليه كذلك. "سيدعوهن" "ميتة" مضاف إليه. "فيجيب" معطوف على سيدعوه.
المعنى: لا تهلك نفسك أسى وحزنا على من مضى، فكل عظيم سصيبه الموت بسبب ما من أسبابه الكثيرة، ولا يستطيع أن ينجو منه؛ فتلك سنة الله في الخلق.
الشاهد: في قوله: "أبا عرو"؛ حيث رخم عجزه بحذف التاء وهو منادى مركب مضاف، وذلك جائز عند الكوفيين، ويمنعه البصريون؛ محتجين بأن المضاف إليه بمنزلة التنوين ما قبله، فليس بآخر المنادى حقيقة.
2 فتقول في تأبط شرا: يا تأبط، ونسب ذلك إلى سيبويه حيث يقول:
والعجز أحذف من مركب وقفل ... ترخيم جملة وذا عمرو نقل
أي أنه يجوز ترخيم المركب المزجي، وترخيمه يكون بحذف عجزه، أما مركب الجملة وهو المركب الإسنادي -فترخيمه قليل، وقد نقل ذلك عن العرب "عمرو".
المشهور بسيبويه. ولاشتهار المنع عند سيبويه في هذه المسألة، عني الناظم بالتنبيه على أنه هو الذي نقل الجواز عن العرب.
__________
* "والعجز" مفعول حذف مقدم. "من مركب" متعلق باحذف. "ترخيم جملة" ترخيم فاعل "قل"، وجملة مضاف إليه. "وذا" اسم إشارة مبتدأ، وهو إشارة إلى ترخيم الجملة. "عمرو" مبتدأ ثان. "نقل" فعل ماض، والجملة خبره، وجملة الثاني وخبره خبر الاول، والرابط محذوف، أي نقله.(3/299)
إمام النحويين -رحمه الله- وسيبويه لقبه، وكنيته: أبو بشر.
ثم إن كان المنادى مختوماً بتاء التأنيث، جاز ترخيمه مطلقاً1؛ فتقول في "هبة"، علماً: ياهب2، وفي "جارية"، لمعينة: يا جاري: قال:
جاري لا تستنكري عذيري3
__________
1 أي سواء كان علما، أو نكرة مقصودة، زائدة على الثلاثة، أم ثلاثيا غير التاء؛ لأن التاء في حكم الانفصال، أو أقل من ثلاثة كما مثل.
2 ومثله: قول العرب: "يا شا ادجني"؛ أي أقيمي في مكانك ولا تسرحي.
3 صدر بيت من الرجز؛ للعجاج بن رؤبة، يخاطب امرأته، وقد أنكرت عليه تأهبه للسفر، وعجزه:
سيري وإشفاقي على بعيري
اللغة والإعراب: لا تستنكري: لا تعديه أمرا منكرا. عذيري: العذير: ما يعذر الإنسان في عمله، فعلا كان أو تركا. والمراد هنا: الحال التي يزاولها، وعذير الرجل: من يعذره. "جاري" منادى بحذف الياء، وقد رخم بحذف التاء لأنه نكرة مقصودة، اي يا جارية، والجارية: الفتية من النساء. "لا" ناهية. "تستنكري" فعل مضارع مجزوم بها بحذف النون والياء فاعل. "عذيري". "وإشفاقي" معطوف عليه، أو الواو بمعنى "مع".
المعنى: لا تنكري علي يا جارية تأهبي للسفر، والذهاب في الأرض للبحث عن العيش، وعطفي وإشفاقي على بعيري؛ فالسعي واجب على كل إنسان، والعطف على الحيوان من الإيمان. قيل: إنه كان يعمل حلسا لبعيره استعددا للسفر فهزئت منه.
الشاهد: في "جاري"؛ فإنه منادى مرخم بحذف التاء من آخره، وهو نكرة مقصودة، وقد حذفت منه ياء النداء، ونداء اسم الجنس مع حذف حرف النداء مختلف في جوازه، فضلا عن ترخيمه.(3/300)
وإذا كان مجرداً من التاء، اشترط لجواز ترخيمه: كون علماً1؛ زائداً على ثلاثة2؛ كجعفر، وسعاد. ولا يجوز ذلك في نحو: "إنسان" لمعين3، ولا في نحو: زيد، ولا في نحو: حكم.
وقيل: يجوز في محرك الوسط دون ساكنه، وقيل: يجوز فيهما4.
__________
1 فلا يصح أن يكون نكرة مقصودة؛ لأن تعريفها بالقصد والإقبال.
2 فلا يصح ترخيم الثلاثي مطلقا؛ سواء كان ساكن الوسط أو متحركه، وقد أجازه بعض الكوفيين. وترخيم الأعلام الرباعية غير المختومة بالتاء حسن عند سيبويه.
3 لأن تعريفه بغير العلمية كما بينا.
4 القائل بجواز ترخيم محرك الوسط، الفراء، وبالجواز مطلقا بعض الكوفيين، وفي ترخيم المختوم بالتاء والمجرد منها، يقول الناظم:
وجوزنه مطلقا في كل ما ... أنث بالها والذي قد رخما
بحذفها وفره بعد واحظلا ... ترخيم ما من هذه الها قد خلا
إلا الرباعي فما فوق العلم ... دون إضافة وإسناد متم
أي: جوز الترخيم في المنادى المؤنث بالهاء -أي بتاء التأنيث- مطلقاً؛ علما كان أو غير علم، ثلاثياً أو زائدا على الثلاثة، وما يرخم بحذفها لا يحذف منه شيء بعد ذلك.
واحظلا: أي أمنع ترخيم الخالي من التاء؛ إلا إذا كان رباعيا فأكثر، وكان علما، غير مضاف، ولا مركبا تركيب إسناد، تاما كاملا.
__________
*"مطلقا" حال من الهاء في "جوزنه" العائد إلى الترخيم، "في كل" متعلق بجوزنه. "ما" اسم موصول، أو نكرة موصوفة، مضاف إليه. "أنث بالهاء" الجملة من الفعل ونائب الفاعل صلة أو صفة. "والذي" مفعول لمحذوف يفسره "وفره" الآتي. "قد رخما" الجملة صلة.
"بحذفها" متعلق برخما. "وفره" فعل أمر ومفعوله؛ أي لا تحذف منه شيئا. "بعد" ظرف متعلق بوفره. "ترخيم" مفعول احظلا المؤكد بالنون الخفيفة. "ما" اسم موصول مضاف إليه، "من هذه" متعلق بخلا. "الها" -بالقصر بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة. "قد خلا" الجملة صلة ما.
"الرباعي" منصوب على الاستثناء. "فما" معطوف على الرباعي، و"ما" اسم موصول. "فوق" ظرف متعلق بمحذوف صلة ما. "العلم" بدل من الرباعي. "دون إضافة" دون ظرف متعلق بمحذوف حال من الرباعي، وإضافة مضاف إليه. "وإسناده" معطوف على إضافة "متم" اسم مفعول نعت لإسناد؛ أي إسناد تام.(3/301)
فصل: والمحذوف للترخيم
إما حرف، وهو الغالب1؛ نحو: يا سعا، وقراءة بعضهم: {يَا مَالِ} 2، وإما حرفان؛ وذلك إذا كان الذي قبل الآخر من أحرف اللين، ساكناً3، زائداً، مكملاً أربعة فصاعدا، وقبله حركة من جنسه لفظاً أو تقديراً4؛ وذلك نحو: مروان، وسلمان، وأسماء، ومنصور، ومسكين، علماً؛ قال:
يا مرو إن مطيتي محبوسة5
__________
1 ولا يشترط فيه شيء غير ما تقدم.
2 من الآية 77 من سورة الزخرف.
3 الواو والألف والياء التي يجمعها لفظ "واي": إذا وقعت ساكنة بعد حركة تجانسها؛ وهي الفتحة قبل الألف، والضمة قبل الواو، والكسرة قبل الياء، سميت حروف علة ومد ولين؛ نحو: قام، يقوم، مقيم: فإن سكنت وقبلها حركة لا تناسبها، سميت حروف علة ولين؛ نحو: فرعون، خير، فإن تحركت سميت حروف علة فقط؛ فكل مد ولين، وكل لين علة، ولا عكس، وعلى ذلك فذكر المصنف السكون مع اللين، للكشف والإيضاح، وفي بعض النسخ: من أحرف العلة.
4 لفظا: كمروان، ومسكين، ومنصور، وتقديرا: كمصطفون، ومصطفين، علمين.
5 صدر بيت من الكامل للفرزدق، يستجدي به مروان بن الحكم، وكان واليًا على المدينة، وقد مدحه فأبطأت عليه جائزته. وقد استشهد به سيبويه، وعجزه.
ترجو الحباء وربها لم ييأس
اللغة والإعراب: مطيتي: المطية الراحلة؛ من المطو؛ وهو الإسراع، أو من المطا؛ وهو الظهر، لأن راكبها يقتعد ظهرها محبوسة: يريد ممنوعة من العودة إلى منزلها صاحبها. الحباء: العطاء بلا جزاء، ربها، صاحبها. لم ييأس: لم يقطع الأمل في العطاء. "يا" للنداء. "مرو" منادى مرخم بحذف الألف والنون. "ترجو الحباء" الجملة في محل نصب حال من ضمير مطية، وإسناد الرجاء إليها مجاز، والمراد صاحبها. "
وربها" الواو للحال،(3/302)
وقال:
يا أسم صبراً على ما كان من حدث1
__________
"ربها" مبتدأ ومضاف إليه، وجملة "لم ييأس" خبر، وييأس مجزوم بلم، وحرك بالكسر للروي، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب حال.
المعنى: يقول للمدوح: إنني باق هنا أنا ومطيتي، لم أبرح رحابك؛ انتظار لعطائك ولم أقطع الأمل في أن يصلها إلي، ولا يزال رجائي معقودا بك.
الشاهد: في قوله "يا مرو"؛ فقد رخم بحذف النون والألف قبلها، وأصله "يا مروان" وهو مستوف للشروط التي ذكرت.
1 صدر بيت من البسيط للبيد بن ربيعة، وهو من شواهد سيبويه، وعجزه:
إن الحوادث ملقي ومنتظر
وقبله:
ترى الكثير قليلاً حين تسأله ... ولا تخالجه المخلوجة الكثر
اللغة والإعراب: أسم: أصله أسماء. حدث: هو النازلة من نوازل الدهر. والجمع أحداث. ملقي: اسم مفعول من لقي. منتظر: مرتقب ومتوقع النزول. "يا" للنداء. "اسم" منادى مرخم بحذف الألف والهمزة. "صبرا" منصوب على المصدرية لفعل محذوف. "على" متعلق به. "ما" اسم موصول في محل جر. "كان" تامة بمعنى حدث ووقع، وفاعله يعود على "ما" الموصولة. "الحوادث" اسم "إن". "ملقي" خبر لمبتدأ محذوف، أو العكس؛ أي بعضها ملقي. "ومنتظر" معطوف عليه، والجملتان في موضوع رفع خبر إن، ويجوز أن يجعل "ملقي" خبر إن.
المعنى: اصبري يا أسماء على ما يطرأ من حوادث الدهر ونوازله؛ فإن حوادثه متتابعة محتومه، منها ما وقع وحصل، ومنها المنتظر وقوعه وحدوثه.
الشاهد: في "يا أسم"؛ فقد رخم بحذف الهمزة والألف قبلها، وأصله "يا أسماء"، ولا يصح في هذا النوع المستوفي للشروط، الاقتصار على حذف الآخر وحده، بل يجب أن يحذف معه الحرف الذي قبله، إلا المختوم بالتاء فتحذف وحدها، مع ملاحظة أن أصل الترخيم بحذف الآخر اختياري، ولكن إذا اختير الحذف في هذا النوع المستوفي الشروط، وجب التزام ما ذكرنا.(3/303)
بخلاف نحو: شمأل، علماً؛ فإن زائدة -وهو الهمزة- غير حرف لين، ونحو: هبيخ وقنور1، علمين؛ لتحرك حرف اللين، ونحو: مختار ومنقاد، علمين؛ لا صلة الألفين2، ونحو: سعيد وثمود وعماد؛ لأن السابق على حرف اللين اثنان3.
وبخلاف نحو: فرعون وغرنيق، علماً لعدم مجانسة الحركة4.
ولا خلاف في نحو: مصطفون ومصطفين، علمين؛ لأن أصلهما مصطفيون،
__________
1 فيقال في ترخيمهما: يا هبي ويا قنو، بحذف الأخير فقط. والهبيخ: الغلام السمين الممتلئ لحما، والأنثى هبيخة، والقنور: الضخم الرأس، أو الصعب اليابس من كل شيء.
2 فإنهما منقلبان عن أصل؛ فتقول في ترخيمهما: يا مختا، ويا منقا، بحذف الآخر لا غير.
3 فيقال في ترخيمهن: يا سعي، ويا ثمو، ويا عما، بحذف الدال فيها لا غير.
4 فتقول في ترخيمهما: يا فرعو، ويا غرني، بحذف الآخر فقط.
ولا يشترط الجرمي والفراء المجانسة؛ فيقولان: يا فرع، ويا غرن؛ لبقاء الاسم على ثلاثة أحرف. وغرنيق: اسم لطائر طويل العنق من طيور الماء معروف. وفي الترخيم بحذف الحرفين الأخيرين يقول الناظم:
ومع الآخر احذف الذي تلا ... إن زيد ليناً ساكناً مكملاً
أربعة فصاعداً والخلف في ... واو وياء بهما فتح قفي
أي: يجب أن يحذف مع الحرف الأخير ما قبله، إن كان حرف لين ساكنا رابعا فصاعدا، وما كان قبل واوه أو يائه فتحة فيه خلاف كما أوضحنا، وقوله: تلا؛ أي تلاه الآخر، ولينا ساكنا: هو حرف المد، ومعنى قفي: تبع وجاء بعده حرف.
__________
* "ومع الآخر" مع ظرف متعلق باحذف والآخر مضاف إليه. "الذي" مفعول به. "تلا" الجملة صلة. "زيد" بالبناء للمجهول، فعل الشرط، ونائب الفاعل يعود على الذي تلا، وجواب الشرط محذوف. "لينا" حال من نائب الفاعل. "ساكنا" نعت له. "مكملا" نعت ثان، وفيه ضمير مستتر هو فاعله؛ لأنه اسم فاعل.
"أربعة" مفعوله. "فصاعدا" معطوف على أربعة، أو حال من فاعل فعل محذوف؛ أي فذهب عدد الحروف صاعدا. "والخلف" مبتدأ. "في واو متعلق به. "وياء" معطوف على واو. "بهما" خبر مقدم، والباء بمعنى مع. "فتح" مبتدأ مؤخرز "قفي" -أي اتبع- فعل ماض للمجهول، ونائب فاعله يعود على الخلف، والجملة خبر المبتدأ.(3/304)
ومصطفين؛ فالحركة المجانسة مقدرة.
وإما كلمة برأسها؛ وذلك في المركب المزجي؛ تقول في معد يكرب: يا معدي1.
وإما كلمة وحرف، وذلك في "اثنا عشر"؛ تقول: يا أثن2؛ لأن "عشر" في موضع النون؛ فنزلت هي والألف منزلة الزيادة في "اثنان" علماً.
فصل:
الأكثر أن ينوي المحذوف؛ فلا يغير ما بقي3؛ تقول في جعفر: يا جعف
__________
1 وكذلك تفعل في "سيبويه"، و"خمسة عشر"، ونحوها، مسمى بهما؛ تقول يا سيب، ويا خمسة، ولا بد من وجود قرينة قوية تدل على الأصل. ومنع كثير من النحاة ترخيم المركب المزجي؛ لعدم سماعه عن العرب، ورأيهم أقرب إلى الصواب، ومنع الفراء ترخيم المركب العددي، ومنع أكثر الكوفيين ترخيم المختوم بويه.
وقد أشار الناظم إلى حذف عجز المركب المزجي بقوله: "والعجز احذف من مركب".
2 وتقول في اثنتا عشرة: يا اثنت، ولم يعرف الترخيم بحذف الآخر وحرف قبله في غاير هذين اللفظين من المركبات العددية، بشرط أن يسمى بهما؛ لئلا يلتبسا بنداء المثنى؛ وهو: اثنان، واثنتان.
3 بل يبقى على حاله قبل الحذف، من حركة، أو سكون، أو صحة، أو إعلال؛ لأن المحذوف في نية الملفوظ، ويستمر البناء على الضم واقعا على الحرف الأخير المحذوف، وتسمى هذه اللغة: لغة من ينتظر، وهي اللغة الفضلى؛ لأن المحذوف المنوي جدير بالمرعاة، وينبغي الاقتصار عليهما في ترخيم المنادى المختوم بتاء التأنيث عند خوف اللبس، كما سيأتي، وفي هذه اللغة يقول الناظم:
وإن نويت بعد حذف ما حذف ... فالباقي استعمل بما فيه ألف
أي: إن نويت ما حذف بعد حذفه، فاستعمل الباقي بعد الحذف بما ألف فيه وعرف عنه قبل الحذف؛ أي أتركه على حاله المألوف قبل الحذف.
__________
* "ما" اسم موصول مفعول نويت. "حذف" فعل ماض للمجهول، والجملة صلة. "فالباقي" الفاء واقعة في جواب الشرط، و"الباقي" مفعول استعمل مقدم. "بما" متعلق باستعمل، والباء بمعنى على. "فيه" متعلق بألف، وجملة"ألف" من الفعل ونائب الفاعل صلة "ما" المجرورة بالباء.(3/305)
بالفتح، وفي حارث، يا حار بالكسر، وفي منصور: يا منص بتلك الضمة، وفي هرقل: يا هرق بالسكون، وفي ثمود، وعلاوة1، وكروان: يا ثمود، ويا علاو، ويا كرو.
ويجوز: ألا ينوى فيجعل الباقي كأنه آخر الاسم في أصل الوضع2؛ فتقول: يا جعف، ويا حار، ويا هرق، بالضم فيهن، وكذلك تقول: يا منص، بضمة حادثة للبناء3.
وتقول: "يا ثمي"، بإبدال الضمة كسرة، والواو ياء؛ كما تقول في جمع جرو، ودلو:
__________
1 العلاوة بالكسر: ما يعلق على البعير بعد تمام الوقر، والكروان: طائر طويل العنق معروف.
2 وعليه يقع البناء؛ لأن -ما حذف اعتبر- كأنه انفصل نهائياً، وتسمى هذه اللغة: لغة من لا ينتظر، وفيها يقول ابن مالك:
واجعله إن لم تنو محذوفاً كما ... لو كان بالآخر وضعاً تمماً
فقل على الأول في ثمود "يا ... ثمو" "ويا ثمي" على الثاني بيا
أي: أجعل الباقي من المنادى المرخم -إن لم تنو المحذوف- كما لو كان قد تمم الآخر بالوضع، وكأنه لم يحذف شيء يليه؛ فقل على الأول الذي ينتظر المحذوف في "ثمود"، علمًا: يا ثمو، بحذف الدال وترك الباقي على حاله، وعلى الثاني الذي لا ينتظر. يا ثمي، بقلب الواو ياء، والضمة كسرة؛ لأنه يعامل حينئذ معاملة الاسم التام.
3 اختار الصبان: أنه مبني على ضم مقدر، ويكون رفع التابع إتباعاً للضم المقدر، لا للضمة الملفوظ بها؛ وذلك خير من تكلف ذهاب ضمة أصلية وحدوث ضمة أخرى للبناء.
__________
* "محذوفا" مفعول تنو. "كما" الكاف جارة، و"ما" زائدة"لو" مصدرية. "كان" اسمها يعود إلى الباقي. "بالآخر" متعلق بتمما. "وضعا" منصوب على نزع الخافض، أو تمييز. "تمما" فعل ماض للمجهول، ونائب الفاعل هو، والجملة خبر كان، و"لو" وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف، وهي ومجرورها في موضع نصب مفعول ثان لاجعله.
"فقل" الفاء للتفريغ "على الأول" متعلق بمحذوف حال من فاعل قل؛ أي جاريا على الوجه الأول. "يا ثمو" مفعول قل مقصود لفظه، و"يا ثمي" جملة النداء في محل نصب مقول قول محذوف، دل عليه الأول. "على الثاني" متعلق بمحذوف، حال كذلك من فاعل" قل" لمحذوف. "بيا" متعلق محذوف حال من "يا ثمي".(3/306)
الأجري، والأدلي1؛ لأنه ليس في العربية اسم معرب آخره واو لازمة مضموم ما قبلها.
وخرج بالاسم: الفعل؛ نحو: يدعو، وبالمعرب: المبني؛ نحو: هو، وبذكر الضم نحو: دلو، وغزو، وباللزوم نحو: هذا أبوك2، وتقول: يا علاء، بإبدال الواو همزة لتطرفها بعد ألف زائدة؛ كما في اكساء، وتقول: يا كرا3، بإبدال الواو ألفاً؛ لتحركها، وانفتاح ما قبلها كما في العصا.
فصل: يختص ما فيه تاء التأنيث بأحكام:
منها: أنه لا يشترط لترخيمه علمية، ولا زيادة على الثلاثة، كما مر وأنه إذا حذفت منه التاء توفر من الحذف، ولم يستتبع حذفها حذف حرف قبلها4؛ فتقول في عقنباة: يا عقنبا5.
__________
1 أصلها: الأجرو، والأدلو؛ قلبت الضمة كسرة، والواو ياء لعدم النظير، كما ذكر المصنف.
ويرى بعض المحدثين: أنه قد انتشرت الآن الأسماء المعربة المختومة بالواو اللازمة الساكنة، التي قبلها ضمة، للأشخاص والأماكن؛ مثل: نهرو، كليمنصو، أرسو، إدفو، طوكيو، كونغو، فيكون من الخير واليسر أن ترخم بإبقائها على حالها، إذا فهمت ولم يحدث لبس.
2 فإن الواو فيثه غير لازمة؛ لقلبها ألفا في النصب، وياء في الحر.
3 ومنه المثل العربي: "أطرق كرا إن النعام في القرى" أي يا كروان، وهو مثل يضرب لمن يخدع بكلام يلطف له ويراد به الغائلة.
4 أي ولو كان لينا، ساكنا، زائدا، مكملا أربعة فصاعدا؛ ذلك لأن التاء في حكم كلمة منفصلة عما قبلها، وقد أشار الناظم إلى ذلك قبل، حيث قال:
........... والذي قد رخما ... بحذفها وفره بعد.................
5 أي بالألف والاقتصار على حذف التاء. وعقنباة: صفة للعقاب؛ إحدى الطيور الجارحة؛ يقال: هذه عقاب عقنباة؛ أي ذات مخالب قوية.(3/307)
وأنه لا يرخم إلا على نية المحذوف؛ تقول في مسلمة؛ وحارثة، وحفصة: يا مسلم، ويا حارث، ويا حفص، بالفتح؛ لئلا يلتبس بنداء مذكر لا ترخيم فيه؛ فإن لم يخلف لبس جاز؛ كما في نحو: همزة ومسلمة1، وإن نداه مرخما أكثر من ندائه تاماً؛ كقوله:
أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل2
__________
1 الهمزة: علم على المغتاب، يستوي فيه المذكر والمؤنث، و"مسلمة": علم على قائد مشهور، واسم لكثيرين من الصحابة؛ ومن ذلك: مسلمة بن عبد الملك بن مروان، ومثل مسلمة: حمزة، وطلحة، من الأعلام المشهورة التي فيها التاء ليست للفرق بين المذكر والمؤنث؛ وفي ذلك يقول الناظم:
والتزم الأول في كـ"مسلمة" ... وجوز الوجهين في كـ"مسلمة"
أي التزم الترخيم على لغة من ينتظر الحرف المحذوف فيما فيه التاء للفرق بين المذكر والمؤنث؛ كمسلمة، وجوز الترخيم على اللغتين فيما فيه التاء ليست للفرق، كمسلمة، علما. ولعل من الخير أن يبتعد عن اللبس مطلقاً؛ سواء كان في المختوم بالتاء، أم في المجرد منها، أم في غيرهما، ولا معنى لقصره على المختوتم بالتاء. فإن لم يكن هنالك احتمال لبس، جاز اختيار إحدى الطريقتين، وأمر ذلك موكول إلى المتكلم، وإن كانت الطريقة الأولى أنسب؛ لبعدها عن اللبس غالباً؛ لأن عدم وجود الضمة يوحي بأن في اللفظ الحالي حذفا.
2 صدر بيت من الطويل لامرئ القيس، من معلقته المشهورة، وعجزه:
وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
اللغة والإعراب: مهلا: مصدر مهل فلي الشيء، عمله برفق ولم يعجل به. التدلل: أن يثق الشخص بحب غيره له فيجرؤ عليه ثقة به، وإظهار المرأة الغضب والتمنع ولست بغضبي. أزمعت: عزمت ووطنت النفس. صرمي: هجري وقطيعتي. فأجملي: فأحسني. "أفاطم" الهمزة للنداء، وفاطم منادى مرخم بحذف التاء. "مهلا" مفعول مطلق منصوب بمحذوف. "بعض" مفعول به لمحذوف أيضاً، أي دعي بعض. "هذا"
مضاف إليه. "التدلل"
__________
"الأول" مفعول التزم. "في كمسلمة" الفاء جارة، والكاف اسم لدخول حرف الجر عليها، بمعنى مثل مبني على الفتح في محل جر بفي، ومسلمة مضاف إليه وإعراب الشطر الثاني كذلك.(3/308)
المجلد الرابع
باب إعراب الفعل
نواصب الفعل المضارع
...
باب: إعراب الفعل 1
رافع المضارع تجرده من الناصب والجازم، وفاقًا للفراء2 لا حلوله محل الاسم3، خلافًا للبصريين؛ لانتقاضه بنحو: هلا تفعل4 وناصبه أربعة:
نواصب الفعل المضارع:
إحدها: "لن", وهي لنفي "سيفعل"5 ولا تقتضي تأبيد النفي6 ولا تأكيده,
__________
باب: إعراب الفعل
1 الأفعال ثلاثة: ماض وأمر، وهما مبنيان دائمًا، ومضارع، وهو معرب؛ إلا إذا اتصلت به اتصالا مباشرًا نون التوكيد فيبني على الفتح، أو نون النسوة فيبنى على السكون, وعلة إعرابه -كما يقول النحاة- وقوعه في مواقع كثيرة يقع فيها الاسم؛ كوقوعه خبرًا، وصفة، وصلة. ثم جريانه في الحركات والسكنات على لفظ اسم الفاعل. وقبوله لام الابتداء التي تتصل بخبر "إن" المكسورة، واحتماله الحال والاستقبال، وتخصيصه بأحدهما بالقرينة، وكذلك الاسم شائع بحسب وضعه ويتخصص بأل.
2 وعلى هذا جرى المعربون، فيقولون في مثل: يقوم محمد: "يقوم" فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم. ولا يقال: إن التجرد علامة عديمة فلا يكون علة للوجودي؛ لأن معنى التجرد: الإتيان بالمضارع على أول أحواله قبل أن يسبقه شيء. وعلى هذا جرى الناظم حيث يقول:
ارفع مضارعًا إذا يجرد ... من ناصب وجازم كتسعد*
أي: إن الفعل المضارع يرفع إذا تجرد عن عامل النصب أو الجزم، مثل: تسعد.
3 أي فيما إذا وقع خبرًا، أو صفة أو حالا، لأن الأصل في هذه الثلاثة الاسم.
4 لأن الاسم لا يقع بعد أداة التحضيض، ولا بعد "سوف" في مثل: سوف يقوم علي.
5 أي: لنفي الفعل في الزمن المسقبل غالبا، ولا يفصل الفعل منها إلا للضرورة الشعرية.
ويجوز تقديم معموله عليهان تقول: محمدًا لن أخاصم.
6 أي: دوامه واستمراره إلا بقرينة، بدليل قوله -تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} ؛ لأنها لو كانت تفيد تأبيد النفي لوقع التناقض بينها وبين كلمة "اليوم" في الآية، ولوقع التكرار بذكر "أبدا" في قوله -سبحانه وتعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} لأن "أبدا" تدل على التأبيد.
__________
*"إذا" ظرف فيه معنى الشرط. "يجرد" فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود على مضارع، والجملة فعل الشرط، وجوابه محذوف؛ أي: إذا يجرد فارفعه "من ناصب" متعلق بيجرد. "وجازم" معطوف عليه "كتسعد" متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، وقد تقدم مثله.(4/3)
خلافًا للزمخشري، ولا تقع دعائية1؛ خلافًا لابن السراج. وليس أصلها "لا" فأبدلت الألف نونًا2، خلافًا للفراء. ولا "لا أن" فحذفت الهمزة تخفيفًا والألف للساكنين3، خلافًا للخليل والكسائي.
الثاني: "كي" المصدرية4؛ فأما التعليلية فجارة والناصب بعدها "أن" مضمرة، وقد تظهر في الشعر.
وتتعين المصدرية إن سبقتها اللام5؛ نحو: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا} . والتعليلية إن تأخرت
__________
1 أي: بأن يكون الفعل بعدها معناه الدعاء. وخالف في ذلك: ابن عصفور وابن السراج وكثيرون، واختاره المصنف في المغني. واحتجوا بقول الشاعر:
لن تزالوا كذلكم، ثم لا زلـ ... ـت لكم خالدًا خلود الجبال
فقد تضمنت مع النفي الدعاء لهم بالاستمرار على ما هم عليه من الإنعام، والدليل على ذلك: عطف الدعاء عليه. ومنه قوله -تعالى: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} لأن أدب المتكلم مع ربه وجهله بالغيب؛ يقتضيان أن يكون الكلام متضمنا الدعاء، لا النفي القاطع لما يكون في المستقبل.
2 لأن المعهود إبدال النون ألفًا؛ نحو: {لَنَسْفَعًا} ، لا العكس.
3 لأن التركيب إنما يصح إذا كان الحرفان ظاهرين حالة التركيب، مثل "لولا"، والظاهر هنا جزء كل منهما، والخلاف في تركيب "لن" أو عدمه لا طائل تحته.
4 علامتها: وقوعها بعد لام الجر المعروفة بلام التعليل، لفظًا أو تقديرًا، وعدم وقوع "أن" المصدرية بعدها ظاهرة أو مضمرة. وهي تقتضي سببية ما قبلها فيما بعدها، إذا كان الكلام مثبتًا. فإن كان منفيا فقد تقتضي ذلك أو لا تقتضيه.
5 أي: ولم تقع بعدها "أن" كما بينا. ولا يصح اعتبارها تعليلية؛ لأن حرف الجر لا يدخل على مثله في الراجح.(4/4)
عنها اللام، أو "أن"1 نحو قوله:
كي لتقضيني رقية ما ... وعدتني غير مختلس2
وقوله:
كيما أن تغر وتخدعا3
ويجوز الأمران في نحو: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَة} 4.
وقوله:
__________
1 وكذلك إذا دخلت على "ما" الاستفهامية للسؤال عن العلة؛ نحو: كيمه يغيب الطلاب في آخر العام؟ أي: لِمه يغيبون؟ ولا يصح جعلها مصدرية لوجود فاصل قوي بينها وبين المضارع، وأيضًا لفساد المعنى مع المصدرية. أو دخلت على "ما" المصدرية؛ نحو: جئتك كيما تنصح وتوجه؛ أي: للنصح والتوجيه. ولا يصح اعتبارها مصدرية؛ لوجود الفاصل؛ ولأن حرف المصدر لا يدخل على مثله في الفصيح.
2 بيت من المدين، من قصيدة لعبد الله بن قيس الرقيات، وقبله:
ليتني ألقى رقية في ... خلوة من غير ما أنس
اللغة والإعراب: لتقضيني: لتوفي لي بما وعدت. رقية: اسم امرأة. مختلس: مصدر ميمي بمعنى الاختلاس، أو اسم مفعول. والاختلاس الآخذ بسرعة. "كي" تعليلية "لتقتضيني" اللام للتعليل مؤكدة لكي. وتقضيني فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعدها، وسكنت الياء للضرورة، والنون للوقاية والياء مفعول أول. "رقية" فاعل "ما" اسم موصول مفعوله الثاني. "وعدتني" الجملة صلة ما. "غير مختلس" غير صفة لمصدر محذوف، ومختلس مضاف إليه؛ أي: قضاء غير مختلس؛ أو حال من "ما".
الشاهد: أن "كي" تعليلية لوقوع اللام بعدها، في قوله "كي لتقضيني" والفعل بعد اللام منصوب بأن مضمرة بفتحة مقدرة على الياء.
3 تقدم شرح هذا البيت في باب حروف الجر, جزء ثان صفحة 265.
الشاهد فيه هنا: كون "كي" تعليلية لظهور أن المصدرية بعدها. ففي هذه الصور الأربعة "كي" بمنزلة لام الجر، معنى وعملا، فإذا وقعت بعدها اللام، كانت مؤكدة.
4 أي: إذا تجردت من لام الجر قبلها، ومن "أن" المصدرية بعدها؛ فإن قدرت اللام قبلها، فهي مصدرية تنصب الفعل بنفسها. وإن قدرت "أن" بعدها، فهي تعليلية بمعنى لام الجر، والفعل منصوب بأن.
ويلاحظ أنه إذا توسطت"كي" بين لام الجر، و"لا" النافية، وجب وصل الثلاثة في الكتابة, وإن لم توجد لام الجر، فصلت "كي" عن "لا".(4/5)
أردت لكيما أن تطير بقربتي1
الثالث: "أن"2 في نحو {وَأَنْ تَصُومُوا} ، {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي} .
__________
1 صدر بيت من الطويل، لم ينسب لقائل، وعجزه:
فتتركها شنا ببيداء بلقع
اللغة والإعراب: تطير: تذهب بسرعة. شنا: الشن: الجلد الذي بلي وتخرق. بيداء: صحراء؛ سميت بذلك لأنه صاحبها يبيد ويهلك فيها. بلقع: قفر خالية من كل شيء "لكيما" اللام حرف جر وتعليل. "كي" إما جارة تعليلية مؤكدة للام، وأن نصابة، أو مصدرية مؤكدة بأن، واللام جارة. "ما" زائدة. فتتركها: فتترك معطوفة على تطير و"ها" مفعول أول، "شنا" مفعول ثان لتترك، أو حال من المفعول على التأويل "ببيداء" متعلق بتترك. "بلقع" صفة لبيداء.
المعنى: يخاطب الشاعر طائرا جارحًا، أو سارقا ماهرًا؛ فيقول: رغبت أن تأخذ قربتي بسرعة، وتتركها قطعة ممزقة بصحراء لا يصل إليها إنسان.
الشاهد: في "لكيما أن"؛ كي يجوز أن تكون "كي" مصدرية، وأن مؤكدة لها، وأن تكون تعليلية مؤكدة للام، ولولا "أن" لوجب أن تكون "كي" مصدرية. ولولا وجود اللام لوجب أن تكون تعليلية. ويرجح النحويون الإعراب الثاني" لالتصاق "أن" بالمضارع ولأنها أقوى من نصبه وأكثر من استعمالا من "كي".
2 أي: المصدرية. وعلامتها: أن تقع في كلام يدل على الشك أو الرجاء والأمل ولم تسبق بما يدل على العلم أو الظن، وأن يقع بعدها فعل، وتدخل على الماضي والمضارع وتنصب المضارع لفظًا أو تقديرًا أو محلا، ولا تنصب الماضي مطلقًا ولا تغير زمنه. وتتصل بالفعل الذي تدخل عليه. ولا يفصل بينهما بغير "لا" النافي أو الزائدة. ويمتنع تقديم معمول فعلها عليها على الصحيح خلافا للفراء. وتسبك مع الجملة التي بعدها بمصدر مؤول يعرب على حسب ما قبلها. وتقع في أول الكلام فتؤول مع ما بعدها بمصدر يكون مبتدأ؛ نحو: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} وتقع في وسط الكلام فيكون المصدر فاعلًا؛ نحو: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} ، ومفعولا؛ نحو: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} ، ومجرورًا بالإضافة؛ نحو: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ} . وبحرف الجر؛ نحو: عجبت من أن كشفت عن اللص.(4/6)
وبعضهم يهملها حملًا على "ما" أختها؛ أي: المصدرية1، كقراءة ابن محيصن 2: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} ، وكقوله:
أن تقرآن على أسماء ويحكما3
وتأتي "أن" مفسرة وزائدة، ومخففة من أن، فلا تنصب المضارع فالمفسرة هي:
__________
1- وعلى ذلك لا ينصب بها المضارع برغم استيفائها شروط النصب, وهذا الرأي ضعيف لا يحسن العمل به الآن، وفيه يقول الناظم:
وبعضهم أهمل "أنْ" حملًا على ... "ما" أختها حيث استحقت عملا
2 هو محمد بن عبد الرحمن بن محيصن، أحد الأربعة أصحاب القراءات الشاذة بعد العشرة، كان مقرئ أهل مكة مع ابن كثير، وكان نحويا جليلا، قرأ القرآن على ابن مجاهد، وفي قراءته بعض مخالفة للمصحف. وتوفي بمكة سنة 123هـ.
3 صدر بيت من البسيط، لم نقف على قائله، وعجزه:
مني السلام وألا تشعرا أحدا
اللغة والإعراب: تقرآن، المراد: تبلغان وتقولان، من قولهم: اقرأ السلام على فلان, أي: بلغه كأنك تتلوه عليه، والمراد بالسلام هنا: مطلق التحية، ويحكما مصدر معناه: رحمة لكما."أن" مصدرية مهملة. "تقرآن" فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والألف فاعل، وهو في محل نصب، بدل من حاجة في قوله:
يا صاحبي فدت نفسي نفوسكما ... وحيثما كنتما لاقيتما رشدا
إن تقضيا حاجة لي خف محملها ... تستوجبا منة عندي لها ويدا
أو في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف عائد إلى حاجة؛ أي: هي أن تقرآن: "ويحكما" ويح=(4/7)
المسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه1 نحو: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنْ اصْنَعْ الْفُلْكَ} ، {وَانطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا} 2 ... ... ... ... ...
__________
= منصوب بفعل محذوف من معناه، وهو مصدر مضاف إلى ضمير المخاطبين. "مني" متعلق بتقرآن "السلام" مفعول تقرآن. "وألا" الواو عاطفة، وأن مصدرية ناصبة و"لا" نافية. "تشعرا" فعل مضارع منصوب بأن بحذف النون والألف فاعل. "أحدا" مفعول.
المعنى: أرجو يا صاحبي أن تبلغا محبوبتي أسماء تحيتي، وألا تخبرا بذلك أحدًا.
الشاهد: في: "تقرآن" حيث رفع الفعل مع وجود "أن" قبله، مما يدل على أنها مهملة وفي هذا نظر؛ فإن الشاعر أعمل "أن" في عجز البيت؛ فإذا كان الإهمال لغة الشاعر فكيف يوجه ذلك؟ إن هذا يقدح في صحة الشاهد، ولا سيما أن قائله مجهول.
1 ويشترط كذلك: أن تتأخر عنها جملة أخرى، تتضمن معنى الأولى وتوضح المراد منها. وألا تقرن "أن" بحرف جر ظاهر أو مقدر. من هذا يتبين أن التفسير إنما هو بالجملة المتأخرة، أما "أن" فمجرد أداة، وهي حرف مهمل مثل "أي" المفسرة.
فإن لم تسبقها جملة كاملة كانت في الغالب مخففه من الثقيلة؛ نحو قوله -تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وإن لم تتأخر عنها جملة، امتنع مجيء "أن"؛ فلا يقال: أخذت عسجدًا أن ذهبًا، بل يجب حذف "أن" أو الإتيان بكلمة "أي" المفسرة.
وإن اقترنت بحرف جر ظاهر أو مقدر، كانت مصدرية؛ نحو: كتبت إليه بأن اهجم على العدو؛ لأن حرف الجر لا يدخل إلا على اسم صريح أو مؤول.
تنبيه:
إذا جاء بعد "أن" الصالحة للتفسير مضارع مسبوق بكلمة "لا" نحو: أشرت إليه ألا يتكلم؛ جاز رفعه على اعتبار "لا" نافية، وجزمه على اعتبارها ناهية، و"أن" في الحالتين مفسرة، والجملة بعدها مفسرة لما قبلها، ولا محل لها من الإعراب. ويجوز نصب الفعل على تقدير "لا" نافية، و"أن" مصدرية حذفت الجملة قبلها قياسًا، فإن حذفت "لا" امتنع الجزم، وجاز الرفع أو النصب.
2 المفعول في الآية الأولى مقدر؛ أي: أوحينا إليه شيئًا هو: اصنع. ويصح أن تكون "أن" هنا زائدة: من الآية 27 من سورة المؤمنون.
المعنى: أوحينا إليه لفظ "اصنع". وليس المراد بالانطلاق في الآية الثانية المشي، وإنما المقصود انطلاق الألسنة بهذا الكلام؛ كما أن المراد بالمشي الاستمرار على الشيء، وليس المشي المعروف. الآية 6 من سورة ص.(4/8)
والزائدة هي: التالية لـ"لما"1 نحو: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} ، والواقعة بين الكاف ومجرورها كقوله:
كأن ظبية تَعْطُو إلى وارق السلَم2.
أو بين القسم و"لو" كقوله:
فأقسم أن لو انتقينا وأنتم3.
__________
1 أي: الحينية التي بمعنى حين ووقت، لا النافية.
2 تقدم هذا البيت وشرحه في باب إن وأخواتها في الجزء الأول صفحة 347.
الشاهد فيه هنا: زيادة "أن" بين الكاف ومجرورها؛ وهو "ظبية" على رواية الجر. أما على رواية النصب، فتكون "كأن" حرف تشبيه ونصب مخففة من الثقيلة، و"ظبية" اسمها، والخبر محذوف.
3 صدر بيت من الطويل؛ للمسيب بن علس يخاطب بني عامر بن ذهل، وهو من شواهد سيبويه وعجزه.
لكان لكم يوم من الشر مظلم
وقبله:
لعمري لئن جدت عداوة بيننا ... لينتحين مني على العَظْم مَيسم
اللغة والإعراب: أقسم: أحلف، وهو فعل مضارع فاعله أنا "أن" زائدة. "لو" شرطية غير جازمة "التقينا" فعل الشرط، "وأنتم" معطوف على "نا" من غير فاصل للضرورة "لكان" جواب القسم لتقدمه، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه "لكم" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر كان مقدم "يوم" اسمهما مؤخر. "مظلم" صفة ليوم، ويجوز أن تجعل "كان" تامة، و"يوم" فاعلا بها. وقيل: إن المحذوف جواب القسم؛ لأن جواب الشرط الامتناعي هو المذكور في الكلام سواء تقدم عليه القسم أو تأخر.
المعنى: يقسم أنه لو التقى بأعدائه لخذلهم، وكان يوم اللقاء شرا ووبالا عليهم.
الشاهد: وقوع "أن" زائدة بين فعل القسم و"لو". وفعل القسم مذكور هنا.(4/9)
والمخففة من "أنَّ" هي: الواقعة بعد "عِلْم"1 نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} ونحو: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ} أو بعد ظن2 نحو: "وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونُ". ويجوز في تالية الظن؛ أن تكون ناصبة وهو الأرجح3، ولذلك أجمعوا عليه في: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} ، واختلفوا في: "وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونُ فِتْنَةٌ"؛ فقرأه غير أبي عمرو والأخوين4 بالنصب5.
__________
1 أي: بعد كلام يدل على اليقين والتحقق والاعتقاد الثابت، مثل: علم، تحقق، تبين، تيقن، وغير ذلك مما يدل على اليقين والقطع، وإنما كانت في ذلك مخففة؛ لأن العلم يتعلق بالمحقق الثابت فيناسبه التوكيد الذي تفيده "أن" المخففة، وجعل سيبويه الحذر، والخوف كالعلم؛ إذا كان الشيء المحذور أو المخوف متيقنًا؛ نحو: خشيت أن تفعل كذا، وخفت أن تذهب وحدك.
2 أي: مؤول بالعلم ومستعمل فيه.
3 ذلك أن في هذا إجراء الظن على أصله من غير تأويل؛ ولأن الناصبة للمضارع أكثر استعمالا من المخففة، ومثل الظن: ما في معناه من أفعال الرجاء. ويفرق بين الناصبة والمخففة، بأن الناصبة، ينصب بعدها المضارع وتؤول بمصدر أما المخففة فيرفع بعده الفعل ولا تؤول بمصدر.
4 المراد بهما: حمزة، والكسائي.
5 أما هم فقد قرءوا بالرفع؛ لوجود الفصل بين "أن" والفعل "بلا" ولم يقرءوا بالرفع في يتركوا لعدم الفصل.
تنبيه:
يجب حذف النون من "أن" الناصبة المصدرية كتابة؛ إذا وقعت بعدها "لا" نافية أو زائدة، وإدغامها في "لا" نطقًا؛ نحو: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} ويجب إظهارها كتابة لا نطقا إن كانت غير ناصبة، سواء كان بعدها اسم أو فعل؛ نحو "أشهد أن لا إله إلا الله".=(4/10)
الرابع: "إذن". وهي حرف جواب وجزاء1.
وشرط إعمالها ثلاثة أمور:
أحدها: أن تتصدر2؛ فإن وقعت حشوًا أهملت3، كقوله:
__________
= وتدغم في "لا" عند النطق.
وفيما تقدم من "لن" و"كي" و"أن" يقول الناظم:
و"بلن" انصبه "وكي" كذا "بأنْ" ... لا بعد عِلم والتي من بعد ظن
فانصب بها، والرفع صحح واعتقد ... تخفيفها من "أنَّ" فهو مطَّرد*
أي: انصب المضارع بحرفي النصب: لن، وكي، وكذلك بالحرف "أن" بشرط ألا يكون واقعًا بعد ما يفيد العلم واليقين، وإن وقعت "أن" بعد ما يفيد الظن والرجحان فانصب بها المضارع إن شئت، وارفعه إن شئت. واعتقد في حالة الرفع أها مخففة من الثقيلة.
1 أي: حرف يقع في صدر الكلام يكون مترتبًا على كلام قبله ترتب الجواب على السؤال، وليس بلازم أن يكون الكلام السابق مشتملا على استفهام يتطلب جوابًا.
ومعنى كونها للجزاء: دلالتها على جملة بعدها تكون في الغالب مسببة عما قبلها، وتعتبر أثرًا من أثاره. والصحيح أنها بسيطة ثلاثية الحروف، ناصبة بنفسها، وتبدل نونها ألفًا في الوقف والجمهور يكتبونها بالنون، وبعضهم يكتبها بالألف. وفيل: تكتب العاملة بالنون، والمهملة بالألف؛ للتفرقة بين النوعين، وهو رأي حسن، وهذا كله في غير القرآن، أما فيه فيوقف عليها وتكتب بالألف إجماعًا، اتباعًا للرسم العثماني.
2 أي: تقع في صدر جملتها، فلا يرتبط ما بعدها بما قبلها في الإعراب على الرغم من ارتباطهما في المعنى.
3 يكثر وقوعها حشوًا؛ بين المبتدأ وخبره نحو: أنا إذا أساعدك، والخبر هنا جملة مضارعية.
وبين جملتي الشرط والجواب، سواء كانت أداة الشرط جازمة أو غير جازمة؛ نحو: إن تزرني، إذا أشكرك، ونحو: إذا أنصف الناس، إذا يسعدون، أو بين القسم وجوابه، سواء كان القسم مذكورًا أو مقدرًا؛ نحو: والله إذا أكافئك، ونحو: لئن قصرت في عملك، إذا لا تكافأ. وكذلك تهمل إذا تأخرت عن صدر جملتها إلى آخرها.
__________
* "وبلن" متعلق بانصبه. "وكي" معطوف على لن "كذا بأن"متعلقان بمحذوف يدل عليه "انصبه". "لا" عاطفة "بعد علم" بعد ظرف معطوف على محذوف حال من أن وعلم مضاف إليه؛ أي: حال كونها بعد غير علم لا بعد علم."والتي" اسم موصول مبتدأ. "من بعد ظن" متعلق بمحذوف صلة.
"فانصب بها" الجملة خير المبتدأ. "والرفع" مفعول مقدم لصحح. "تخفيفها" مفعول اعتقد ومضاف إليه. "من أن" متعلق بتخفيف فهو "الفاء للتعليل، و"هو" مبتدأ. "مطرد" خبر.(4/11)
وأمكنني منها إذن لا أقيلها1.
وأما قوله:
__________
1 عجز بيت من الطويل؛ لكثير عزة، من قصيدة مدح بها عبد العزيز بن مروان، والد الإمام العادل: عمر بن عبد العزيز، وكان واليًا على مصر، فأعجبته مدحته، فقال له: تمن علي؛ فطلب أن يكون كاتبه وصاحب أمره؛ فلحظ منه القبول، فأعرض الشاعر عن ذلك مكتفيا بما منحه من مال، ثم ندم بعد. وصدره.
لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها
اللغة والإعراب: عاد: رجع لا أقيلها: لا أتركها ولا أرده، والضمير فيه وفي "بمثلها"، يرجع إلى خطة الرشد في قوله قبل:
عجبت لتركي خطة الرشد بعد ما ... بدا لي من عبد العزيز قبولها
وقيل: الضمير في "بمثلها" يرجع إلى مقالة عبد العزيز له، وهي: "تمن علي"، وفي قوله: "لا أقيلها" إلى مقالته السابقة، وهي: تمنيه أن يكون كاتبه وصاحب أمره. "لئن" اللام موطئة للقسم، وإن شرطية جازمة "عاد" فعل الشرط "عبد العزيز" عبد فاعل عاد، والعزيز مضاف إليه، "بمثلها" متعلق بعاد، وجواب الشرط محذوف "وأمكنني" معطوف على عاد. "إذا" حرف جواب مهمل "لا" نافية "أقيلها" فعل مضارع والفاعل أنا، و"ها" مفعول، وهو جواب القسم في قوله قبل:
حلفت برب الراقصات إلى منى ... تغول الفيافي نصها وذميلها
الراقصات: الإبل، الرقص: الخبب لها. تغول: تقطع. النص: السير الشديد، الذميل: السير اللين.
المعنى: يقسم أنه إذا رجع الخليفة وعرض عليه مثل الخطة التي عرضها، وأمكنه من ذلك، لا يتركها ولا يردها.
الشاهد: إهمال "إذن" في قوله: "إذا لا أقيلها" لعدم تصدرها، ووقوعها حشوا بين القسم وجوابه، ولذلك رفع "أقيلها" ولم ينصبه بإذن.(4/12)
إني إذن أهلك أو أطيرا1
فضرورة، أو الخبر محذوف؛ أي: إني لا أستطيع ذلك. وإن كان السابق عليها واوا أو فاء، جاز النصب2، وقد قرئ: "وَإِذًا لَا يَلْبَثُوا"، "فَإِذًا لَا يُؤْتُوا" والغالب الرفع3 وبه قرأ السبعة.
__________
1 عجز بيت من الرجز، لم نقف على قائله، وصدره.
لا تتركني فهم شطيرا
اللغة والإعراب: شطيرًا: غريبًا أو بعيدًا، أطير، المراد: أذهب بعيدًا.
"لا" ناهية."تتركني" فعل مضارع مؤكد بالنون الثقيلة والنون للوقاية والياء مفعول أول. "شطيرا" مفعول ثان أو حال. "إني" إن واسمها، "أهلك" فعل مضارع منصوب بإذن والجملة خبر إن. "أو أطيرا" معطوف على أهلك، والألف للإطلاق.
والمعنى: لا تتركني وتصيرني مثل البعيد والغريب بين هؤلاء القوم الذين لا أستريح إليهم، فإني إذن أموت أو أرحل بعيدًا عنهم.
الشاهد: نصب المضارع؛ وهو "أهلك" بعد "إذن وهي غير واقعة في صدر الجملة؛ لأنها وقعت حشوا بين اسم إن وخبرها. وقد خرج -كما ذكر المصنف- على أنه ضرورة، أو على أن خبر "إن" محذوف، وعلى ذلك تكون "إذن" في صدر جملة مستأنفة.
2 أي: نصب المضارع على إعمال "إذن" واعتبار الواو أو الفاء للاستئناف؛ لتكون "إذن" في صدر الكلام، وظاهر عبارة ابن مالك: أن حروف العطف كلها سواء في ذلك الحكم.
3 أي: باعتبار الواو أو الفاء للعطف، فيكون ما بعد العاطف من تمام ما قبله لربطه به. والحق أنه إذا عطف فعل مضارع على مثله، وجب الإهمال؛ لأن المعطوف لا يستقل بنفسه، بل يتبع المعطوف عليه في إعرابه؛ فلا تكون "إذن" واقعة في صدر جملة مستقلة في إعرابها؛ تقول: لم يحضر الغائب, إذًا يسترح أهله، بجزم يسترح، عطفا على يحضر، عطف فعل على فعل. أما إذا عطفت جملة على جملة قبلها، مضارعية كانت أو ماضوية أو اسمية؛ فإن كان للجملة السابقة محل من الإعراب، وجب إهمال "إذن" لوقوعها في صدر جملة.=(4/13)
الثاني: أن يكون مستقبلًا؛ فيجب الرفع في نحو: إذن تصدق1 جوابًا لمن قال: أنا أحب زيدًا.
الثالث: أن يتصلا3، أو يفصل بينهما القسم3، كقوله:
إذن والله نرميهم بحرب4.
__________
= تابعة في إعرابها لما قبلها لا مستقلة؛ نحو: إن للتلاميذ رائدًا يرشدهم وإذا يبلغهم مرادهم، فجملة "يرشدهم" في محل نصب صفة لـ"رائدًا" وجملة "يبلغهم" معطوفة عليها في محل نصب، و"إذن" مهملة لا تنصب الفعل بعدها لعدم وقوعها في صدر الجملة، وإن لم يكن للجملة الأولى محل من الإعراب -كالجملة الشرطية مثلا- جاز الإعمال والإهمام؛ نحو: إن تزرني -وإذا أشكرك- أزرك؛ فجملة تزرني شرطية لا محل لها، وقد عطفت عليه جملة "أشكرك" ولا محل لها أيضًا، فيصح نصب الفعل "أشكر" باعتباره في صدر جملة لا محل لها فهي كالمستأنفة، ويصح الرفع باعتبار العطف وارتباطها بما قبلها في المعنى، فكأنها غير مستقلة.
1 لأنه يدل على الحال، والناصب يخلص زمن المضارع للاستقبال، فيقع التعارض بينهما.
2 أي: يكون المضارع متصلا بها؛ لضعفها مع الفصل عن العمل فيما بعدها، وتخطي الفاصل.
3 ذكر في المغني جواز الفصل بلا النافية، وقد وردت في النصوص أمثلة قليلة، وقع فيها الفصل -مع الإعمال- بالنداء، وبالدعاء، وبالظرف؛ فينبغي أن يقتصر على المسموع، ولا يقاس عليه.
4 صدر بيت من الوافر، ينسب لسيدنا حسان بن ثابت، وعجزه.
تشيب الطفل من قبل المشيب
وهو مثبت في ديوانه بيتا مفردا، من غير سابق ولا لاحق.
اللغة والإعراب: نرميهم، المراد: نصيبهم، وأصل الرمي: الطرح على الشيء وقذفه.
"بحرب" الحرب يذكر ويؤنث، والأكثر فيها التأنيث، المشيب: زمن الشيب "إذن حرف جواب وجزاء ونصب لا محل له "والله" الواو للقسم. "الله" مقسم به مجرور بالواو والجار والمجرور متعلق بفعل قسم محذوف "نرميهم" نرمي فعل مضارع منصوب بإذن، وضمير=(4/14)
فصل: ينصب المضارع "بأن" مضمرة وجوبًا في خمسة مواضع:
أحدها: بعد اللام؛ إن سبقت بكون ناقص1، ماض2، منفي3، نحو:
__________
= الغائبين مفعول به: "بحرب" متلعق بنرمي. "يشيب" فعل مضارع والفاعل يعود على الحرب. "الطفل" مفعول به والجملة في محل جر، صفة لحرب.
المعنى: إذن، والله نصيب هؤلاء القوم بقتال يشيب الولدان قبل أن يبلغوا سن الشيب، وذلك بسبب ما يحصل لهم من الفزع والرعب.
الشاهد: نصب المضارع وهو "نرميهم" بإذن، مع الفصل بينهما بالقسم.
وفي "إذن وأحكامها السابقة يقول الناظم:
ونصبوا بإذن المستقبلا ... إن صدرت والفعل بعد موصلا
أو قبله اليمين، وانصب وارفعا ... إذا "إذن" من بعد عطف وقعا*
أي: إن العرب نصبت الفعل المضارع بإذن، إذا كان مستقبل الزمن، وكانت "إذن" في صدر جملتها، والفعل متصل بها من غير فاصل بينهما، أو بفاصل هو القسم، ولم يذكر.
"لا" النافية. وانصب المضارع أو ارفعه إذا وقعت "إذن" بعد حرف عطف، وقد قيد النحاة العطف بالواو أو الفاء كما بين المصنف.
1 هو "كان" أو "يكون" دون غيرهما من سائر الأفعال الناسخة أو التامة، فلا يجب الإضمار بعد "كان" التامة؛ لأن اللام بعدها لام "كي".
2 أي: لفظًا ومعنى، أو معنى فقط، إذا وقع فعل الكون مضارعًا بعد "لم" الجازمة التي تقلب زمنه إلى الماضي.
3 هذا النافي هو: "ما"، وتختص بالدخول على "كان". و"لم" الجازمة، وتدخل على=
__________
* "بإذن" متعلق بنصبوا. "المستقبلا" مفعوله. "إن صدرت" شرط وفعله، والجواب محذوف، "والفعل" والواو للحال، و"الفعل" مبتدأ. "بعد" ظرف مبني على الضم في محل نصب متعلق بمحذوف خبر، والجملة حال من إذن "موصلا" حال من الضمير المستكن في الظرف.
"أو" عاطفة على بعد، أو موصلا. "قبله" قبل والهاء مضاف إليه، ظرف خبر مقدم. "اليمين" مبتدأ مؤخر ويجوز جعل اليمين فاعلا بالظرف، "وانصب وارفعا" فعل أمر والمفعول محذوف؛ أي: الفعل، "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "إذن" فاعل لمحذوف هو فعل الشرط يفسره وقعا. "من بعد عطف" جار ومجرور متعلق بوقعا ومضاف إليه وجواب إذا محذوف.(4/15)
{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم} ، {لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُم} 1وتسمى هذه اللام لام الجحود2.
الثاني: بعد "أو"3؛ إذا صلح في موضعها "حتى"4، نحو: لألزمنك أو تقضيني حقي، وكقوله:
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى5
__________
= المضارع. وينبغي أن يلي فعل الكون الناسخ اسمه مباشرة، وأن يكون اسمًا ظاهرا لا ضميرا، ثم يأتي مضارع منصوب مبدوء بلام مكسورة، وفاعله ضمير مستتر جوازًا في الغالب، يعود على اسم الناسخ السابق كما مثل المصنف، وإلى ذلك يشير الناظم بقوله:
... ... ... ... ... ... ... ... وبعد نفي "كان" حتما أضمرا*
أي: أضمر الحرف الناصب، وهو "أن" حتما، إذا وقع بعد كان المنفية، وقد أوضح المصنف ما في ذلك من أحكام.
1 "يعذب" و"يغفر" منصوبان بأن مضمرة وجوبًا بعد اللام، والخبر محذوف، وتتعلق به اللام الجارة للمصدر المنسبك من "أن" والفعل المجرور بها، والجار والمجرور في محل نصب خبر الناسخ، والتقدير: ما كان الله مريدًا لتعذيبهم.
2 أي: النفي؛ لأنها تقوي معنى النفي في الجملة كلها؛ فهي تقع بعد كون منفي، والمعنى بعدها منفي لتعلقها مع المجرور بالخبر المحذوف المنفي، وما ذكره المصنف من أن الناصب بعد لام الجحود؛ هو "أن" المضمرة، هو مذهب البصريين، ويري الكوفيون أن الناصب اللام، وهي حرف زائد عندهم فيسري النفي منه إلى المصدر المؤول المجرور بها.
3 أي: العاطفة.
4 أي: الدالة على الغاية، وتسمى الغائية، أو التي بمعنى "إلى"، أو الدالة على التعليل وتسمى التعليلية، أو التي بمعنى "كي" أو لام التعليل.
5 صدر بيت من الطويل، لم نقف على قائله؛ وعجزه:=
__________
"وبعد نفي" بعد ظرف متعلق بأضمرا، ونفي مضاف إليه. "كان مضاف إليه. "حتما" نعت لمصدر محذوف؛ أي: إضمارا حتما، "أضمرا" ماض للمجهول ونائب الفاعل يعدو إلى أن، والألف للإطلاق.(4/16)
أو "إلا"1 نحو: لأقتلنه أو يسلم، وقوله:
كسرت كعوبها أو تستقيما2
__________
=
فما انقادت الآمال إلا لصابر
اللغة والإعراب: لأستسهلن الصعب: لأعدنه وأصيرنه سهلا بالصبر، والصعب: الأمر العسير. أدرك: أبلغ. المني: ما يتمناه الإنسان ويرغب فيه, جمع منية. انقادت: سهلت وتيسرت الآمال: جمع أمل وهو ما يرجى من المطالب. "لأستسهلن" اللام موطئة لقسم محذوف، وجملة أستسهلن جوابه لا محل لها. "الصعب" مفعول أستسهلن، "أو" عاطفة بمعنى حتى أو إلى، "أدرك" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد "أو" وهو في تأويل مصدر بأن المحذوفة، معطوف على مصدر مأخوذ من الفعل المتقدم؛ أي: ليكونن مني استسهال أو إدراك، "فما" الفاء للتعليل وما نافية، "الآمال" فاعل انقادت. "إلا" أداة استثناء مفرغ. "لصابر" متعلق بانقادت.
المعنى: لأصيرن كل أمر عسير سهلا بالصبر والاحتمال، حتى أبلغ ما أتمناه وأرجوه فما ذللت الصعاب وتيسرت الأمور التي يرجى الحصول عليها إلا لمن يصبر على الشدائد ويحبس نفسه عن الجزع واليأس.
الشاهد: في قوله: "أو أدرك" حيث نصب المضارع بأن مضمرة وجوبًا بعد "أو" التي بمعنى حتى أو إلى.
1 أي: الاستثنائية, إذا كان الفعل الذي قبلها ينقضي دفعة واحدة كما مثل المصنف.
2 عجز بيت من الوافر؛ لزياد الأعجم، وهو من شواهد سيبويه، وصدره.
وكنت إذا غمزت قناة قوم
اللغة والإعراب: غمزت: هززت، من الغمز، وهو الهز والحبس باليد، قناة: المراد الرمح. كعوبها: جمع كعب، وهو من القصب ما بين كل عقدتين، ومن الرمح أطرافه. تستقيما: تعتدل بعد أعوجاج. "وكنت" كان واسمها. "إذا"ظرف مضمن معنى الشرط، "غمزت" فعل ماض فعل الشرط. "قناة قوم" قناة مفعول غمزت وقوم مضاف إليه.
"كسرت" جواب الشرط، وجملة الشرط وجوابه خبر كان الناقصة. "كعوبها" كعوب مفعول كسرت والهاء مضاف إليه. "أو" عاطفة بمعنى "إلا" الاستثنائية، وقد عطفت مصدرًا مؤولا على مصدر متصيد كما سبق، "تستقيما" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا.=(4/17)
الثالث: بعد "حتى"1؛ إن كان الفعل مستقبلًا باعتبار التكلم، نحو: {فَقَاتِلُوا
__________
= بعد أو، والألف للإطلاق، والفاعل يعود إلى قناة قوم.
المعنى: يقصد الشاعر: أنه إذا شرع في إصلاح قوم مفسدين، لا يرجع عن ذلك إلا إذا استقاموا وصلحوا, وإلا كسرهم وآذاهم، كما أنه إذا أراد إصلاح رمح معوج، لا يتركه إلا إذا استقام واعتدل، وإلا كسره.
الشاهد: في "أو تستقيما" حيث نصب المضارع بأن المضمرة وجوبًا بعد "أو "التي بمعنى إلا. وفي البيت استعارة تمثيلية، وإلى "أو" أشار الناظم بقوله:
كذاك بعد "أو" إذا يصلح في ... موضعها "حتى" أو "إلا" أنْ خفي*
أي: مثل ما وقع بعد لام الحجود، يجب إضمار أن بعد "أو" إذا صلح في موضعها "حتى" أو "إلا".
1 أي: الجارة للمصدر المؤول من "أن" المضمرة وجوبًا، وما دخلت عليه، وهي: إما أن تدل على الغاية، أو على التعليل، أو على الاستثناء فتدل على الغاية؛ إذا كان المعنى بعدها نهاية وغاية لما قبلها، وعلامتها: أن يصلح في موضعها "إلى" ولهذا تسمى: حتى الغائية، أو التي بمعنى "إلى" كما أسلفنا، ولا بد أن يكون المعنى السابق، من الأمور التي تنقضي تدريجيا -أي: شيئا فشيئا- لا دفعة واحدة، نحو يستمر الحر نهار الصيف حتى تغيب الشمس.
وتدل على التعليل؛ إذا كان ما قبلها علة وسببًا فيما بعدها، وعلامتها: أن يصلح في موضها "كي"، ونحو: تعنى مصر بالصناعة حتى تستعني عن الخارج.
وتدل على الاستثناء "كإلا" إذا لم تصلح للغاية أو التعليل, وعلامتها: أن يصلح مكانها "
إلا أن"؛ نحو: لا يعفى المدين من دينه حتى يؤديه، فليست في هذا غائية؛ لأن ما قبلها لا ينقضي تدريجيا، ولا تعليلية؛ لأن ما قبلها ليس سببًا لما بعدها، وقد تدل "حتى" على أكثر من معنى، إذا لم تكن هناك قرينة تعين المعنى المقصود.
__________
* "كذاك" متعلق بمحذوف مفعول مطلق لخفي، أو حال من فاعله "بعد أو" بعد ظرف متعلق بخفي، وأو مضاف إليه. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط منصوب المحل بجوابه. "حتى" فاعل يصلح. "أو إلا" معطوف على حتى "أن" مقصود لفظه مبتدأ. "خفي" فعل ماض فاعله يعود إلى أن، والجملة خبر المبتدأ والمعنى التقديري: "أن" خفي بعد "أو" خفاء مماثلا في الوجوب ذلك الخفاء الذي بعد نفي كان؛ إذا كان يصلح في موضع "أو" حتى، أو، إلا.(4/18)
الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ} 1 أو باعتبار ما قبلها، نحو: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} 2.
ويُرفع الفعل بعدها؛ إن كان حالا3 مسببا فضلة4؛ نحو: مرض زيد حتى لا يرجونه5 ومنه: "حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ" في قراءة نافع؛ لأنه مؤول بالحال؛ أي: حتى حالة الرسول والذين آمنوا معه أنهم يقولون ذلك6.
ويجب النصب في مثل: "لأسيرن حتى تطلع الشمس"، و"ما سرت حتى أدخلها"، "وأسرت حتى تدخلها؟ " لانتفاء السبيبة7، بخلاف: "أيهم سار حتى يدخلها".
__________
1 فإن "تفيء" مستقبل باعتار زمن التكلم بالأمر بالقتال وإلقائه إلى المخاطب.
2 فقول الرسول وإن كان ماضيًا بالنسبة لزمن الإخبار ونزول جبريل بالآية؛ إلا أنه مستقبل بالنسبة إلى زلزالهم. ويجب كذلك نصب الفعل بعد "حتى" إذا كان ما بعدها غير مسبب عما قبلها، نحو: تصوم حتى تغرب الشمس، أو كان ما بعدها غير فضلة, بأن كان جزءًا أساسيا من الجملة التي قبلها, نحو: أحب أن أعمل حتى أتم الواجب علي.
3 أي: بأن يكون زمنه زمن النطق بالكلام المشتمل على حتى.
4 أي: ليس جزءًا أساسيا في الجملة، كخبر المبتدأ، أو خبر الناسخ.
5 فقوله: لا يرجونه حال؛ لأنه في قوة: فهو الآن لا يرجى، ومسبب عما قبله؛ لأن عدم الرجاء مسبب عن المرض؛ وفضلة لأن الكلام تم بدونه، وإذًا فشروط الرفع بعد "حتى" ثلاثة.
6 فالرفع في قراءة نافع، على تقدير القول الماضي واقعًا في الحال؛ أي: في زمن التكلم، لاستحضار صورته العجيبة. 214، سورة البقرة.
7 لأن طلوع الشمس ليس مسببا عن السير والدخول لا يتسبب عن عدم السير، والسير لم يتحقق وجوده في المثال الثالث بدليل الاستفهام عنه، فلو رفع لزم تحقق وقوع المسبب مع نفي السبب أو الشك فيه، وذلك لا يصح.(4/19)
فإن السير ثابت، وإنما الشك في الفاعل، وفي نحو: سيري حتى أدخلها؛ لعدم الفضلية1، وكذلك: كان سيري أمس حتى أدخلها، إن قدرت "كان" ناقصة، ولم تقدر الظرف خبرًا2.
__________
1 ذلك لأن "سيري" مبتدأ و"حتى أدخلها" خبر، فلو رفع الفعل لصار المبتدأ بلا خبر.
2 بل قدر متعلقًا "بسيري" فإن قدرت "كان" تامة، أو قدر الظرف وهو "أمس خبرًا"، جاز الرفع؛ لأن ما بعد حتى حال فضلة.
والخلاصة:
أن الفعل بعد حتى؛ إن كان مستقبلا خالصًا بالنسبة للمتكلم وجب نصبه؛ نحو: {حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} وإن كان وقته حاضرًا وجب رفعه، نحو: سرت حتى أدخل المدينة، إذا قلته وقت الدخول، وإن كان ماضيًا جاز الأمران باعتبار جواز التأويل؛ فإن قدرته حاضرًا وقت التكلم بقصد حكاية الحال أو الحادثة الماضية، وجب رفعه، وتكون حتى ابتدائية.
وإن قدرته مستقبلا بتقدير العزم عليه وقت التكلم، وجب نصبه، وتكون حتى جارة للمصدر المنسبك من أن المضمر والفعل، وفي "حتى" يقول الناظم:
وبعد "حتى" هكذا إضمار "أنْ" ... حتم، كـ"جد حتى تسر ذا حزن"
وتلو حتى حالًا أو مؤولًَا ... به ارفعنَّ، وانصب المستقبلا*
أي: إن إضمار "أن" واجب بعد حتى كالإضمار السابق، والمثال الذي ذكره لحتى التعليلية، والمضارع التالي "حتى" -إن كان معناه حالا أو مؤولا بالحال- يرفع وإن كان مستقبل المعنى ينصب، وقد بينا وبين المصنف بقية الشروط.
__________
* "وبعد حتى" بعد ظرف متعلق بإضمار الواقع مبتدأ، وحتى مضاف إليه، "أن" مضاف إليه. "حتم" خبره، "هكذا" متعلق بمحذوف حال من الضمير في حتم "كجد" خبر لمبتدأ محذوف، "حتى" حرف جر بمعنى كي "تسر" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد حتى, "إذا" مفعول تسر. "حزن" مضاف إليه، و"تسر" في تأويل مصدر بأن المحذوفة مجرور بحتى, والجار والمجرور متعلق بجد.
"ونلو حتى" أي: تالي حتى، تلو مفعول لأرفعن وحتى مضاف إليه، "حالا أو مؤولا" حالان من تلو حتى. "به" متعلق بمؤولا. "المستقبلا" مفعول انصب.(4/20)
الرابع والخامس: بعد فاء السببية، وواو المعية1 مسبوقين بنفي2 أو طلب3 محضين4، نحو: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} 5، {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} ، {يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ} ، {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ} ، {فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} .
__________
1 فاء السببية هي: التي تدل على أن ما بعدها مسبب عما قبلها ومترتب عليه بقرينة العدول عن العطف على الفعل إلى النصب. وواو المعية هي: تدل على أن معنى ما قبلها وما بعدها متلازمان؛ يحصلان معًا في وقت واحد, فهي بمعنى "مع" في دلالتها على الجمع والمصاحبة.
2 سواء كانت أداة النفي حرفا مثل: لا, ما، لم، لن، أو فعلا مثل: ليس، زال، أو اسمًا مثل: غير؛ نحو: أنت غير آت فتحدثنا.
ويلحق بالنفي التشبيه المراد به النفي بالقرينة، نحو: كأنك المعلم فنطيعك ما أنت بالمعلم، وكذلك التقليل بقلما المقصود به النفي أحيانًا؛ نحو: قلما يشيع الظلم في أمة فتنهض؛ أي: لا يشيع الظلم.
3 المراد بالطلب: الأمر والنهي، والدعاء والاستفهام، والعرض، والتحضيض، والتمني والترجي على الصحيح. وقد جمع بعضهم أنواع الطلب والنفي في قوله:
مر وانه وادع وسل واعرض لحضهم ... تمن وراج كذاك النفي قد كملا
4 المراد بالنفي المحض: الخالص من معنى الإثبات، فلا ينتقض معناه، "بإلا" الاستثنائية التي تنقض النفي والنهي، ولا وبنفي آخر بعده يزيل آثره ويجعل الكلام مثبتا؛ لأن نفي النفي إثبات, وسيأتي إيضاح لذلك.
أما الطلب المحض فهو: ما يدل لفظه صراحة ونصا على الطلب، ويظهر ذلك في الأمر والنهي والدعاء, أما غيرها من أنواع الطلب, فيجيء معنى الطلب تابعًا لمعنى آخر يتضمنه, والطلب غير المحض هو: الذي يدل عليه باسم فعل أو بلفظ الخبر كما سيأتي.
5 الفاء عطفت المصدر المنسبك من أن المضمرة والفعل على المصدر المتصيد من الكلام؛ أي: لا يكن قضاء عليهم فموت لهم. من الآية 36 من سورة فاطر.
وقد سبقت الفاء بالنفي، والآية التالية مثال للواو بعد النفي، وما بعدها مثالان لهما بعد=(4/21)
وقوله:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله1.
__________
= التمني. وفيما تقدم يقول الناظم:
وبعد فا جواب نفي أو طلب ... محضين "أنْ" وسترها حتم نصب
والواو كالفا, إن تفد مفهوم "مع" ... كلا تكن جلدا وتظهر الجزع*
أي: إن "أنْ" تنصب المضارع بعد الفاء المجاب بها نفي محض أو طلب محض، وسترها؛ أي: حذفها واجب, والواو كالفاء في الحكم؛ إذا كانت بمعنى "مع"؛ أي: دالة على المعية والمصاحبة. ثم ساق الناظم مثلا لتقدم النهي بعد الواو.
1 صدر بيت من الكامل، لأبي الأسود الدؤلي، وقد استشهد به سيبويه ونسبه للأخطل، وعجزه:
عار عليك إذا فعلت عظيم
اللغة والإعراب: لا تنه: لا تطلب الكف والبعد عن الشيء. عار: عيب ونقص "لا" ناهية "تنه" فعل مضارع مجزوم بلا بحذف الألف، والفاعل أنت. "وتأتي" الواو للمعية، وتأتي فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الواو، "مثله" مثل مفعول تأتي والهاء مضاف إليه، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر معطوف بالواو على مصدر مأخوذ من الفعل قبلها؛ أي: لا يكن منك نهي وإتيان. "عار" خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: فذلك عار ويجوز العكس. "عليك" متعلق بمحذوف صفة لعار. "إذا: ظرف مضمن معنى الشرط.
"فعلت" فعل الشرط وفاعل، والجواب محذوف؛ أي: فذلك عار. "عظيم" صفة ثانية لعار، وجملة الشرط معترضة بينهما.
المعنى لا تطلب من غيرك الكف والبعد عن شيء قبيح وأنت تفعل مثله، فلذلك عار عظيم عليك، وأمر مشين يحط من قدرك.
الشاهد: نصب "تأتي" بأن المضمرة وجوبا بعد واو المعية، في جواب النهي بلا. والآية قبله مثل للفاء بعد النهي.
__________
* "وبعد" ظرف متعلق بنصب، "فا جواب نفي" مضافات إليه. "أو طلب" معطوف على نفي. "محضين" نعت لنفي وطلب. "أن" مبتدأ قصد لفظه "وسترها حتم" مبتدأ وخبر، والواو للحال والجملة حالية أو اعتراضية بين المبتدأ والخبر. "نصب" فعل ماض، والفاعل يعود إلى "أن" والجملة خبر المبتدأ الأول؛ وهو أن.
"والواو كالفا" مبتدأ وخبر. "مفهوم" مفعول تفد. "مع" مضاف إليه. "كلا" الكاف جارة لقول محذوف، و"لا" ناهية. "جلدًا" خبر تكن. "وتظهر" الواو للمعية، و"تظهر" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعدها، وهو محل الشاهد والفاعل أنت. "الجزع" مفعول تظهر منصوب بالفتحة، وسكن للوقف.(4/22)
وقوله:
يا ناق سيري عنقًا فسيحًا1 ... إلى سليمان فنستريحا
وقوله:
فَفُلت ادعي وأدعو إنَّ أندى2
__________
1 بيت من الرجز، لأبي النجم العجلي؛ "الفضل بن قدامة" من قصيدة يمدح فيها الخليفة سليمان بن عبد الملك. وهو من شواهد سيبويه.
اللغة والإعراب: عنقًا: العنق: ضرب من السير السريع. فسيحا: واسعًا، فهو وصف كاشف، "يا ناق" "يا" للنداء، وناق منادى مرخم. "ناقة" مبني على ضم القاف، أو التاء المحذوفة -على اللغتين المعروفتين- في محل نصب. "سيرى" فعل أمر مبني على حذف النون والياء فاعل "عنقا" صفة لمصدر محذوف؛ أي: سيرا عنقًا "فسيحا" صفة ثانية كاشفة "فنستريحا" الفاء للسببية، ونستريحا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء والألف للإطلاق، وهو في تأويل مصدر بأن، معطوف بالفاء على مصدر متصيد كما سلف. أي: ليكن منك يا ناقة سير واسع فاستراحة لنا.
المعنى: سيري يا ناقة سيرًا سريعًا إلى سليمان، وجدي في ذلك لنستريح معًا.
الشاهد: نصب نستريحا، بعد فاء السببية بأن مضمرة وجوبًا في جواب الأمر.
2 صدر بيت من الوافر، استشهد به سيبويه ونسبه للأعشى، وهو في زيادات ديوانه، ونسبه آخرورن إلى غير الأعشى، وعجزه.
لصوت أن ينادي داعيان
ويروى قبل هذا البيت:
تقول حليلتي لما استكينا ... سيدركنا بنو القرم الهجان
سيدركنا بنو القمر ابن بدر ... سراج الليل للشمس الحصان
اللغة والإعراب: ادعى: أمر من الدعاء، وهو هنا بمعنى النداء، أندى: أفعل تفضيل، من الندا مقصورًا، وهو بعد ذهاب الصوت. "ادعي" فعل أمر مبني على حذف النون، ويجوز في همزته -في غير الوصل- الضم والكسر "وأدعو" فعل مضارع منصوب بأن المضمرة وجوبًا بعد واو المعية الواقعة في جواب الأمر. إن حرف توكيد ونصب "أندى"=(4/23)
وقد اجتمع الطلب والنفي في قوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} الآية، لأن "فتطردهم" جواب النفي1، و"فتكون" جواب النهي2.
واحترز بتقييد النفي والطلب بمحضين من النفي التالي تقريرًا3 والمتلو بنفي، المنتقض بإلا4، نحو:
__________
= اسم إن منصوب بفتحة مقدرة على الألف، "لصوت" مضاف إليه على زيادة اللام. "أن ينادي" أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر إن، ويجوز العكس، داعيان فاعل ينادي.
المعنى: قلت لهذه المرأة التي خافت أن يلحق بنا العدو: نادي مع ندائي للاستغاثة، كي ننجو من العدو؛ فإن أرفع صوت نداء داعيين معًا.
الشاهد: نصب المضارع -وهو أدعو- بأن المضمرة وجوبًا بعد واو المعية في جواب الأمر ومن النحاة من يروي هذا البيت:
فقلت ادعي وأدع فإن أندى
على أن أدع مجزوم بلام أمر مقدرة للضرورة؛ أي: ولأدع، وسهل ذلك عطفه على الأمر الصريح.
1 أي: وهو وقوله تعالى: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [سورة الأنعام الآية: 25] .
2 وهو قوله سبحانه: {وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} ففي الكلام لف ونشر غير مرتب. وقد اقتصر المصنف في التمثيل على النفي والتمني والنهي والأمر؛ لأنه لم يسمع نصب الفعل بعد الواو في غيرها، وزاد الأشموني الاستفهام كقوله:
ألم أك جاركم ويكون بيني ... وبينكم المودة والإخاء
ثم قال: وقس الباقي. وقال أبو حيان: لا ينبغي أن يقدم على ذلك إلا بسماع.
3 أي: المسبوق باستفهام تقريري؛ نحو: ألم تشهد الورد متفتحًا فتسر به؟ فإنه يجوز رفع الفعل "تسر" مراعاة لمعنى الإثبات؛ لأن الاستفهام التقريري يتضمن ثبوت الفعل، ويجوز نصبه مراعاة لصورة النفي أو الاستفهام.
4 فإنه يجب رفع الفعل بعدهما عند ابن مالك ومن تبعه؛ لأن معناهما الإثبات، وأجاز سيبويه وآخرون: الرفع والنصب بعد المنتقض بإلا الاستثنائية.(4/24)
"ألم تأتني فأحسن إليك" إذا لم ترد الاستفهام الحقيقي1، ونحو: "ما تزال تأتينا فتحدثنا" و"ما تأتينا إلا وتحدثنا".
ومن الطلب باسم الفعل، وبما لفظه الخبر، وسيأتي2.
وبتقييد الفاء السببية والواو بالمعية: من العاطفتين على صريح الفعل ومن الاستئنافيتين، نحو: {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} ؛ فإنها للعطف3.
وقوله:
ألم تسأل الربع القواء فينطق4؛
__________
1 أي: بل أردت حمل مخاطبك على الإقرار والاعتراف بإتيانه وإحسانك إليه.
2 وكذلك بالمصدر الواقع بدلا من اللفظ بفعله؛ نحو: سكوتا فيتكلم الخطيب.
3 أي: عطف "يعتذرون" على لفظ "يؤذن"، ليدل على نفي الإذن والاعتذار عقبه مطلقا؛ أي: لا يؤذن لهم فلا يعتذرون.
4 صدر بيت من الطويل، وقد استشهد به سيبويه، وهو من كلام جميل بن عبد الله بن معمر العذري، صحاب بثينة، وعجزه.
وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق
اللغة والإعراب: الربع: المنزل، القواء: الخالي الذي لا أنيس به. بيداء: صحراء قفر. سملق: لا تنبت شيئا "ألم" الهمزة للاستفهام التقريري، "تسأل" فعل مضارع مجزوم بلم، وحرك الكسر للساكنين. "الربع" مفعوله "القواء" صفته "فينطق" الفاء للاستئناف، وينطق فعل مضارع مرفوع والفاعل يعود على الربع والجملة خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: فهو ينطق، ولا يضر الاقتران بالفاء. "وهل" الواو عاطفة؛ وهل حرف استفهام، تخبرنك مضارع مبني على الفتح لنون التوكيد الخفيفة. "بيداء" فاعل تخبر.
المعنى: ألم تسأل هذا المنزل الخالي الذي لا أحد به، فيخبرك عن الأحبة؟ ثم رجع إلى نفسه وقال: وهل تخبرنك صحراء جرداء لا نبات بها؟
الشاهد: في قوله: "فينطق" حيث رفع المضارع بعد الفاء مع أنه مسبوق باستفهام؛ ذلك لأن هذه الفاء عاطفة ولا للسببية، وإنما هي للاستئناف.(4/25)
فإنها للاستئناف؛ إذ العطف يقتضي الجزم1، والسببية تقتضي النصب2. وتقول لا تأكل السمك وتشرب اللبن, بالرفع إذا نهيته عن الأول فقط3، فإن قدرت النهي عن الجمع نصبت4 أو عن كل منهما جزمت5.
وإذا سقطت الفاء بعد الطلب وقصد معنى الجزاء6، جزم الفعل جوابًا لشرط مقدر7، لا للطلب، لتضمنه معنى الشرط، خلافًا لزاعمي ذلك، نحو: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ} 8، بخلاف نحو: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا, يَرِثُنِي} في قراءة الرفع؛
__________
1 لأنه معطوف على مجزوم وهو "يسأل".
2 لأنه في جواب استفهام وقيل: إن الفاء هنا للعطف، المعتبر في العطف الجملة لا الفعل وحدة.
3 فتكون الواو للاستئناف، وتشرب خبر لمبتدأ محذوف, أي: ولك شرب اللبن، ويحتمل أن تكون الواو للحال، و"تشرب" خبر لمبتدأ محذوف، ويكون النهي عن المصاحبة.
4 أي: على أن الواو للمعية، ويكون من عطف مصدر مؤول على مصدر متصيد من الفعل السابق كما مر؛ أي: لا تأكل السمك مع شرب اللبن.
5 أي: على العطف، ويكون من عطف الفعل على الفعل للتشريك في النهي لا كسابقه احترازًا من سقوطها بعد النفي، فإنه لا يصح جزم المضارع معه بل يجب رفعه وأحلق الكوفيون بالواو. "ثم" في الحديث: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه".
6 أي: قصد بالفعل الذي سقط منه الفاء أن يكون جوابًا وجزاءًا على الطلب المتقدم؛ أي: يكون مسببًا عنه كتسبب جزاء الشرط على فعل الشرط.
7 أي: وهو فعل الشرط، للدلالة الطلب عليهما، ويتعين أن تكون أداة الشرط المقدرة "إن" لأنه لا يحذف غيرها.
8 "أتل" فعل مضارع مجرد من الفاء وقد تقدمه طلب، وهو: "تعالوا" والمقصود به الجزاء، لأن التلاوة عليهم مسببة عن مجيئهم. فجزم بحرف شرط مقدر، والتقدير: إن تأتوا أتل؛ [الأنعام: 151] . ومثله قوله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ} فإن تساقط مجزوم بالاتفاق.(4/26)
فإنه قدره صفة لوليا1، لا جوابًا لهب؛ كما قدره من جزم.
وشرط غير الكسائي لصحة الجزم بعد النهي2 صحة وقوع "إن لا" في موضعه3؛ فمن ثم جاز: "لا تدن من الأسد تسلم" بالجزم، ووجب الرفع في نحو: لا تدن من الأسد يأكلك4، وأما قوله: $"فلا يقرب مسجدنا يؤذنا" فالجزم على الإبدال5، لا الجواب.
__________
1 أي: إن جملة "يرثني" في محل نصب صفة لوليا؛ لأنه نكرة، والمراد: بالإرث إرث النبوة والعلم، لا المال؛ لأن الأنبياء لا تورث. ومثله:
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} فتطهرهم في موضع نصب صفة لصدقة؛ أي: صدقة مطهرة لهم، ويصح أن يجزم في جواب الأمر أو يرفع مع الاستئناف. وإذا كان ما قبل الفعل معرفة أعربت الجملة حالا؛ نحو: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} ، {ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} .
وإن كان نكرة تصلح لمجئ الحال منها, احتمل الوصفية والحالية؛ نحو: أكرم رجلا من الغرباء يدين بالإسلام.
2 أي: فيما إذا سقطت الفاء وقصد الجزاء.
3 أي: صحة وضع "إن" الشرطية وبعدها "لا" النافية موضع "لا" الناهية المحذوفة، مع استقامة المعنى.
4 ذلك لعدم صحة حلول "إن لا" موضع "لا" الناهية المحذوفة؛ لأن الأكل لا يتسبب عن الانتهاء عن الدنو، وإنما على الدنو نفسه، ولهذا وجب الرفع في قوله تعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [سورة المدثر: 6] .
5 أي: جزم "يؤذنا" على أنه بدل اشتمال من يقرب، لا على أنه جواب النهي؛ لأنه لا يصح: أن لا يقرب يؤذنا؛ لأن الإيذاء إنما يتسبب عن القرب لا عن عدمه. وهذا جزء من حديث "من أكل من هذه الشجرة -يعنى الثوم- فلا يقرب مسجدنا يؤذنا" , وفي جواز جزم المضارع عند سقوط الفاء بعد غير النفي -أي: الطلب- يقول الناظم:
وبعد غير النفي جزمًا اعتمد ... إن تسقط الفا والجزاء قد قصد
=(4/27)
وألحق الكسائي في جواز النصب بالأمر؛ ما دل على معناه؛ من اسم فعل 1نحو: نزال فنكرمك، أو خبر نحو: "حسبك حديث فينام الناس"2. ولا خلاف في جواز
__________
=
وشرط جزم نهي أن تضع ... "إن" قبل "لا" دون تخالف يقع*
أي: إنه يجوز في جواب غير النفي -من أنواع الطلب المذكورة- أن تجزم إذا سقطت الفاء وقصد الجزاء، وشرط الجزم بعد النهي: أن تضع "إن" الشرطية قبل "لا" النافية، دون أن يحدث اختلاف في المعنى قبل مجيء "أن لا" أما شرط الجزم بعد غير النهي من أنواع الطلب -كالأمر، أو الدعاء أو غيرهما- فهو صحة المعنى مع الاستغناء عن أداة الطلب، وإحلال "إن" الشرطية وحدها، وتدخل "إن" على المضارع إن وجد مضارع مذكور، وإلا فعلى فعل آخر يتصيد في مكانه ويوافق المعنى المقصود، وهذا العمل مؤقت ليرشدنا إلى صحة الجزم أو عدم صحته، تبعًا لسلامة المعنى أو عدم سلامته.
هذا: ولم يشترط الكسائي وبعض الكوفيين: إحلال "إن لا" محل "لا" الناهية ولا إحلال "إن" قبل بقية أدوات الطلب، ولا ما يترتب على ذلك من صحة المعنى أو عدم صحته؛ بدعوى أن فهم المقصود من الجملة يرجع إلى القرائن وحدها, وأن كثيرًا من الأمثلة التي جاز فيها جزم المضارع, لا يستقيم معناها بوضع "إن لا" بدلا من "لا" الناهية.
1 سواء كان من لفظ الفعل كما مثل المصنف, أولا: نحو "صه" فيسمع الناس الخطيب. وكذلك ينبغي النصب؛ إذا كان الأمر بصيغة المصدر النائب عن فعله؛ نحو: سكوتًا فينام المتعبون.
2 "حسبك" اسم فاعل بمعنى كافيك، مبتدأ "حديث" خبر، ويجوز العكس. "فينام" الفعل منصوب على رأي الكسائي، والجملة متضمنة معنى اكفف. أو "حسب" اسم فعل مضارع=
__________
* "وبعد" ظرف متعلق باعتمد. "غير النفي" غير مضاف إليه والنفي كذلك. "جزما" مفعول اعتمد مقدم. "إن تسقط" شرط وفعله، وجوابه محذوف كما تقدم. "آنفا" بالقصد فاعل تسقط، والجزاء قد قصد "مبتدأ وخبر، والواو للحال والجملة موضع الحال من فاعل اعتمد.
"وشرط جزم" مبتدأ، ومضاف إليه، "بعد نهي" بعد ظرف متعلق بشرط أو بجزم ونهي مضاف إليه، "أن تضع" فعل مضارع منصوب بأن المصدرية وسكن للوقف، وهما في تأويل مصدر خبر المبتدأ. "إن" مفعول تضع مقصود لفظها. "قبل" ظرف متعلق بتضع. "لا" مضاف إليه. "دون" ظرف متعلق بمحذوف حال من إن "تخالف" مضاف إليه "يقع" فاعل يقع يعود على تخالف، والجملة صفة لتخالف.(4/28)
الجزم بعدهما إذا سقطت الفاء1 كقوله:
مكانك تحمدي أو تستريحي2
__________
= بمعنى يكفي مبني على الضم "حديث" فاعل.
ومن الجملة الخبرية الدالة على الأمر: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ, تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ, يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} . يجزم المضارعين: يغفر, ويدخل في جواب الجملة الخبرية المقصود بها الأمر وهي: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ} ؛ لأن المعنى: آمنوا وجاهدوا. وليس الجزم راجعًا لوقوعها جوابًا للاستفهام؛ وهو: {هَلْ أَدُلُّكُمْ} لفساد المعنى على ذلك. سورة الصف.
1 ذلك لأن امتناع النصب بعدهما عند الجمهور -سببه جمودها- فلا يمكن إضمار "أن"، وتأويل مصدر يعطف على ما قبلهما. أم الجزم فلا يستلزم سبك مصدر.
2 عجز بيت من الوافر، لعمرو بن الإطنابة الخررجي؛ والإطنابة: اسم أمه، واسم أبيه: زيد بن مناة، وصدره.
وقولي كلما جشأت وجاشت
اللغة والإعراب: جشأت: ثارت ونهضت من فزع أو حزن ونحوهما، والضمير للنفس جاشت: فزعت وغلت من حملها الأثقال كما تغلي القدر. تحمدي: يحمدك الناس: "وقولي": والواو عاطفة، وقولي مبتدأ معطوف على همتي قوله قبل:
أبت لي همتي وأبى بلائي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح
وإقحامي على المكروه نفسي ... وضربي هامة البطل المشيح
"كلما" ظرف زمان متعلق بقولي منصوب، و"ما" حرف مصدري، "جشأت" الجملة صلة "ما". "مكانك" اسم فعل أمر بمعنى اثبتي والفاعل أنت، والكاف حرف خطاب، أو اسم مضاف إليه باعتبار ما قبل النقل، والجملة مقول القول خبر المبتدأ، "تحمدي" فعل مضارع مجزوم في جواب الطلب "أو تستريحي" معطوف على تحمدي.
المعنى: أن همتي وشجاعتي جعلتني أقول لنفسي: كلما، فزعت وضجرت من مشقات الحرب اثبتي تحمدي بالصبر والشجاعة والاحتمال، أو تستريحي من عناء الدنيا بالقبل في موطن الشرف والفخار.
الشاهد: في "تحمدي"؛ حيث جزم بحذف النون لوقوعه في جواب اسم الفعل الأمر؛ لدلالته على الطلب.(4/29)
وقولهم: "اتقى الله امرؤ فعل خيرًا يثب عليه"؛ أي: ليتق الله وليفعل1.
وألحق الفراء الترجي بالتمني2 بدليل قراءة حفص: {فَأَطَّلِعَ} بالنصب3.
__________
1 جزم "يثب" لأن "اتقى" و"فعل" وإن كانا فعلين ظاهرهما الخبر، إلا أن المراد بهما الطلب.
وفي جزم المضارع في جواب الأمر يقول الناظم في تعبير مجمل غير واف:
والأمر إن كان بغير "افعل" فلا
تنصب جوابه وجزمه اقبلا*
أي: إن الأمر -وهو من أنواع الطلب- إن كان مدلولا عليه بغير صيغته الصريحة، وهي صيغة "افعل"؛ بأن كان مدلولا عليه باسم فعل، أو بلفظ الخبر -لم يجز نصبه بعد الفاء؛ لأنها لا تعتبر سببية, ويصح جزمه في جواب هذا الأمر عند سقوط الفاء.
2 أي: في نصب الفعل المقرون بالفاء بعده بأن مضمرة وجوبًا، وإذا سقطت هذه الفاء، صار المضارع -على هذا- جوابًا للترجي مجزوما؛ نحو: لعلك تحفظ حق النعمة يدمها الله عليك.
3 أي: في جواب قوله تعالى: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ, أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ} [سورة غافر الآية: 37] وإلى هذا يشير الناظم بقوله:
والفعل بعد الفاء في الرجا نصب ... كنصب ما إلى التمني ينتسب*
أي: إن الفعل المضارع الواقع بعد الفاء المسبوقة بالرجاء، ينصب كما ينصب المضارع الواقع بعد التمني؛ على اعتبار الفاء سببية في كل منهما، ولم يذكر الناظم حكم المضارع إذا سقطت الفاء، وقد بيناه.
هذا: والتمني الذي أداته "لو" كالنفي؛ لا يجزم المضارع في جوابه عند سقوط الفاء.
__________
* "والأمر" مبتدأ، والمقصود به الطلب، "إن كان" شرط وفعله، واسم كان مستتر فيها، "بغير افعل" بغير متعلق بمحذوف خبرها، وافعل مضاف إليه، "فلا تنصب" الفاء واقعة في جواب الشرط. تنصب "فعل مضارع مجزوم بلا الناهية. "جوابه" جواب مفعول تنصب والهاء مضاف إليه، وجملة الشرط وجوابه خبر المبتدأ.
"وجزمه" الواو عاطفة أو للاستئناف، وجزمه مفعول اقبلا مقدم "اقبلا" فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المنقلبة ألفا للوقف.
* "والفعل" مبتدأ. "بعد الفاء" بعد ظرف في موضع الحال من نائب فاعل نصب والفاء مضاف إليه. "في الرجا"=(4/30)
فصل: وينصب بـ"أن" مضمرة جوازًا بعد خمسة أيضًا1.
أحدها: اللام؛ إذا لم يسبقها كون، ناقص، ماضي، منفي، ولم يقترن الفعل بـ"لا"، نحو: {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ، {وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} 2، فإن سبقت بالكون المذكور،؛ وجب إضمار "أن" كما مر. وإن قرن الفعل بـ"لا" نافية أو مؤكدة وجب إظهارها3؛ نحو: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} ، {لأَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} 4.
__________
1 أي: بعد خمسة أحرف، ويمكن إجمال ذلك في موضعين:
أولهما: أن يسبقها لام الجر غير المسبوقة بكون منفي، ويقع بعدها المضارع مباشرة من غير أن تفصله "لا" النافية أو الزائدة. وهذا هو الذي بينه المصنف بقوله: أحدها.
2 أضمرت النون في {لِنُسْلِمَ} وأظهرت في {أَنْ أَكُونَ} ، وهذا الذي ذكره المصنف مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أن الناصب هو اللام؛ وجوزوا إظهار أن بعدها للتوكيد، [سورة الأنعام: 71] , [سورة الزمر: 12] .
3 أي: لئلا يتوالي مثلان من غير إدغام.
4 أدغمت النون في "لا" النافية في الآية الأولى: [سورة البقرة: 15] وفي "لا" المؤكدة في الآية الثانية: [سورة الحديد: 29] .
وفيما تقدم يقول الناظم:
وبين "لا" ولام جر التزم "لا" فأن ... إظهار "أنْ" ناصبة وإن عدم
=
__________
= -بالقصر- متعلق بنصب الواقع خبرًا للمبتدأ "كنصب" متعلق بمحذوف نعت لمصدر محذوف أي: نصب نصبًا كنصب، أو حال من مرفوع نصب. "ما" اسم موصول مضاف إليه واقع على الفعل بعد الفاء. "إلى التمني" متعلق بينتسب الواقع صلة لما.(4/31)
والأربعة الباقية: "أو"، و"الواو"، و"الفاء"، و"ثم"؛ إذا كان العطف على اسم ليس في تأويل الفعل1 نحو: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} في قراءة غير نافع بالنصب. عطفًا على {وَحْيًا} 2. وقوله:
ولبس عباءة وتقر عيني3.
__________
=
"لا" اعمل مظهرًا أو مضمرًا ... ... ... ... ... ... ... ...*
أي: يلزم إظهار "أن" الناصبة للمضارع؛ إذا وقعت متوسطة بين "لا" بنوعيها ولام الجر، وإن عدمت "لا" فأعمل "أن" مظهرة أو مضمرة.
1 هذا هو الموضع الثاني الذي ذكره المصنف بقوله: والأربعة الباقية وهو: أن تقع "أن" بعد حرف عطف من حروف أربعة؛ هي: الواو، والفاء، وثم، وأو؛ بشرط أن يكون المعطوف عليه اسما مذكورًا ليس في تأويل الفعل؛ أي: يكون جامدًا محضا، سواء كان مصدرًا صريحا أم غير مصدر. ويشترط أيضًا: ألا يدل حرف من هذه الحروف على معنى يوجب إضمار "أن"؛ كالسببية مع "الفاء"، والمعية مع "الواو"، "ثم"، والاستثناء مع "إلا".
2 "يرسل" مضارع منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد "أو"؛ وهو في تأويل مصدر منصوب معطوف على "وحيا" والتقدير: إلا وحيا أو إرسالا. والاستثناء منقطع؛ لأن الوحي والإرسال ليسا تكليما.
وقيل: هو استثناء مفرغ من الأحوال؛ أي: ما يوجد تكليم الله بشرًا في حال ما، إلا حال كونه موحى إليه، أي: ملهما له كأم موسى أو مسمعا له من وراء حجاب كموسى، أو مرسلا إليه كباقي الأنبياء، فهي أحوال من الفعول، ويجوز أن تكون من الفاعل؛ أي: موحيا؛ أو مكلما، أو مرسلا. و"كان" تامة "لبشر" متعلق بها، "أن يكلمه" المصدر المنسبك فاعل أو ناقصة و"وحيا" خبرها، أي: ما كان تكليم الله بشرًا إلا إيحاء.
3 صدر بيت من الوافر، وقد استشهد به سيبويه ولم ينسبه. ونسبه بعضهم إلى "ميسون".=
__________
* "وبين لا" بين ظرف متعلق بالتزم, أو بإظهار ولا مضاف إليه "ولام جر" معطوف على لا "إظهار أن" إظهار نائب فاعل التزم وأن مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله "ناصبة" حال من أن.
"لا" نائب فاعل عدم الواقع فعلا للشرط "فأن" الفاء واقعة في جواب الشرط، و"أن" مفعول مقدم لا عمل "مظهرًا أو مضمرًا" بصيغة اسم الفاعل, حالان من فاعل اعمل، بصيغة اسم المفعول, حالان من أن.(4/32)
وقوله:
لولا توقع معتر فأرضيه1
__________
= بنت بحدل الكلابية؛ وكانت امرأة من أهل البادية فتزوجها معاوية، ونقلها إلى الحاضرة, وهي أم ولده يزيد؛ ثم تسرى عليها فضاقت نفسها؛ فقال لها: أنت في ملك عظيم وكنت قبلا تلبسين العباءة. فأنشأت قصيدة تحن فيها إلى أهلها وإلى حالتها الأولى؛ ومنها هذا البيت. وعجزه:
أحب إلي من لبس الشفوف
اللغة والإعراب: عباءة: كساء معروف لا يلبسه أهل الحضر غالبا، تقر: تسر، يقال: قرت عينه، إذا بردت وانقطع بكاؤها، أو رأت ما كانت متشوقة إليه. الشفوف: جمع شف، وهو الثوب الرقيق الذي لا يحجب ما وراءه، "ولبس" الواو عاطفة، و"لبس" مبتدأ "عباءة" مضاف إليه، وهو معطوف على قوله قبله:
لبيت تخفق الأرواح فيه ... أحب إلي من قصر منيف
"وتقر" الواو للعطف "تقر" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة، جوازًا بعد الواو و"عيني" فاعل تقر "أحب" خبر المبتدأ.
المعنى: ولبس كساء غليظ من صوف مع سروري وفرحي، أحب إلى نفسي من لبس الثياب الرفيعة القيمة, مع استيلاء الهموم والأحزان علي.
الشاهد: نصب "تقر" بأن مضمرة جوازا بعد الواو، وهي مسبوقة باسم خالص من التقدير بالفعل, وهو "لبس" وأن والفعل في تأويل مصدر معطوف
على لبس.
1 صدر بيت من البسيط، لم أقف على قائله، وعجزه:
ما كنت أوثر إترابا على ترب
اللغة والإعراب: توقع: ترقب وانتظار. معتر: هو الفقير؛ أو الذي يتعرض للمعروف من غير أن يسأل بلسانه، إترابا: مصدر أترب الرجل, إذا كثرت أمواله وصارت كالتراب، أو قلت؛ فهو من الأضداد؛ والمراد
الأول. أما ترب، فمعناه افتقر. ترب: فقر. لولا حرف امتناع لوجود. "توقع" مبتدأ، محذوف وجوبا. "معتر" مضاف إليه "فأرضيه" الفاء عاطفة، وأرضى فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد الفاء، "ما" نافية. "كنت" كان واسمها. "أوثر إترابا" الجملة خبر. "كنت"، وجملة "ما كنت" جواب لولا.=(4/33)
وقوله:
إني وقتلي سليكا ثم أعقله1
وتقول: الطائر فيغضب زيد الذباب بالرفع وجوبًا؛ لأن الاسم في تأويل الفعل؛
__________
= المعنى: لولا انتظار السائلين وذي الحاجات لمساعدتهم وسد عوزهم، ما آثرت الغنى على الفقر. وقرأه البعض: أترابًا، جمع ترب، وهو المساوي في العمر والسن، ويكون المعنى ما كنت أوثر أحدا على أترابي بالعطاء والبذل، أو ذلك كناية عن تركه وطنه وأترابه، والضرب في الأرض ابتغاء الثراء، ليصير ملجأ للمحتاجين والسائلين.
الشاهد: نصب الفعل "أرضيه" بعد الفاء العاطفة بأن مضمرة جوازًا، على اسم خالص ليس في تأويل الفعل، وهو "توقع".
1 صدر بيت من البسيط، لأنس بن مدركة الخثعمي، وعجزه:
كالثور يضرب لما عافت البقر
اللغة والإعراب: سليك: اسم رجل، وأمه تسمى "سلكة"، وقد اشتهر بها فيقال: سليك بن سلكة. وهو عداء مشهور، يقال: إنه يسبق الخيل ويلحق الظباء. أعقله: أدفع ديته. وسميت الدية "عقل" لأنهم كانوا يعقلونها؛ أي: يربطونها بجوار القتيل، وكانت من الإبل. الثور: هو فحل البقر، وقيل: هو ما يعلو وجه الماء من طحلب ونحوه فتعافه الوراد: "إني" إن واسمها. "وقتلي" الواو للمعية، وقتلي مفعول معه وهو مصدر مضاف لفاعله "سليكا" مفعول "ثم" حرف عطف "كالثور" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر إن "يضرب" الجملة حال من الثور "لما" ظرف بمعنى حين، أو حرف ربط. وجملة عافت في محل جر بإضافة لما.
المعنى: كان سليك قد مر بامرأة من خثعم فوجدها وحدها فوقع عليها، فقتله الشاعر حمية ودفع ديته، فهو يقول: إني حين قتلت سليكًا ودفعت ديته، فألحقت بمالي الضرر لنفع غيري؛ كالثور الذي يضرب لتشرب البقر؛ وذلك أن البقر إذا امتنعت عن الشرب لا تضرب؛ لأنها ذات لبن فيخاف عليها، فيضرب الثور.
الشاهد: نصب "أعقله" بعد ثم العاطفة، بأن مضمرة جوازًا، وقد عطفت فعلا على اسم صريح في الاسمية ليس في تقدير الفعل, وهو "قتلي".(4/34)
أي: الذي يطير1.
ولا ينصب بـ"أن" مضمرة في غير هذه المواضع العشرة2؛ إلا شاذا، كقول بعضهم: "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه"3، وقول آخر: "خذ اللص قبل يأخذك"4.
__________
1 ذلك لأنه صلة "لأل" وصلتها في تأويل الفعل، و"أل" اسم موصول مرفوع بالابتداء، نقل إعرابها إلى ما بعدها؛ لأنها على صورة الحرف. "الذباب" خبر. "فيغضب" الفاء عاطفة، ويغضب فعل مضارع مرفوع، وزيد فاعل، والجملة معطوفة على صلة أل، ولا تحتاج لرابط لعطفها بالفاء.
وفي الموضع الثاني من مواضع إضمار "أن" جوازًا، يقول الناظم:
وإن على اسم خالص فعل عطف ... تنصبه "أن" ثابتًا أو منحذف*
أي: إذا عطف المضارع على اسم خالص من رائحة الفعل -بأن يكون جامدًا- فانصبه "بأن" ثابتة في الكلام أو محذوفة. وقد أوضح المصنف ما يتصل بهذا من تفصيل.
2 يزاد عليها ما سيأتي في الجوازم؛ من جواز نصب الفعل المقرون بالفاء، أو الواو بعد الشرط أو الجزاء، فإنه ينصب بأن مضمرة وجوبًا، وإذا دخلت الفاء على مضارع مسبوق بإنما للحصر، نحو: إنما أنت المسافر فتنتفع، جاز نصب المضارع، على اعتبار الفاء السببية وتزيل الحصر منزلة الطلب, وعدم نصبه على اعتبارها غير سببية، ومثله قوله تعالى: "فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونَ" في قراءة من نصب "فيكون".
3 "تسمع" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة شذوذًا؛ والمصدر المنسبك مبتدأ؛ أي: سماعك، "خير" خبر، ويروى برفع "تسمع"، وهو مثل عربي يضرب لمن اشتهر وذاع صيته، وتزدري مرآته. قيل: إن أول من قاله، المنذر بن ماء السماء.
4 ليس في هذا المثال ذكر "أن" المصدرية مع فعل آخر غير المنصوب بها مضمرة، وهو "يأخذك".
__________
* "وإن" شرطية. "على اسم" جار ومجرور متعلق بعطف الواقع فعلا للشرط. "خالص" نعت لاسم. "فعل" نائب فاعل لفعل محذوف يفسره عطف. "تنصبه" فعل مضارع جواب الشرط والهاء مفعوله. "أن" فاعله قصد لفظه. "ثابتا" حال من أن. "أو منحذف" معطوف على ثابتًا، وسكن على لغة ربيعة.(4/35)
وقراءة بعضهم: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ} 1.
فصل: وجازم الفعل نوعان: جازم لفعل واحد، وهو أربعة:
__________
1 أي: ينصب "يدمغه" بأن مضمرة شذوذًا، [سورة الأنبياء الآية: 18] ، وكذلك "يأخذك" قبله.
ومن الخير الاقتصار على السماع في هذا النوع، وإليه أشار الناظم بقوله:
وشذ حذف "أنْ" ونصب في سوى ... ما مر فاقبل منه ما عدل روى*
أي: إن حذف "أن" مع عملها النصب في المضارع بعد حذفها في غير المواضع السالفة.
أمر شاذ يحفظ ولا يقاس عليه. وما روي منه على لسان الراوي العدل يقبل منصوبًا كما روي.
__________
* "حذف" فاعل شذ. "أن" مضاف إليه مقصود لفظه. "ونصب" معطوف على حذف "سوى" متعلق بنصب. "ما" اسم موصول مضاف إليه "مر" الجملة صلة "ما" الثانية مفعول اقبل. "عدل" مبتدأ، وجملة "روى" خبره وجملة المبتدأ والخبر صلة ما والعائد محذوف؛ أي: رواه.(4/36)
الجوازم التي تجزم فعلا واحدا
...
فصل الجوازم التي تجرم فعلا واحدا:
"لا" الطلبية1؛ نهيا كانت؛ نحو: {لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} ، أو دعاء؛ نحو: {لَا تُؤَاخِذْنَا} . وجزمها فعلي المتكلم مبنيين للفاعل، نادر2 كقوله:
لا أعرفن ربربا حورًا مدامعها3،
__________
1 هي التي يطلب بها الكف عن شيء وعدم فعله؛ فإن كان الطلب من أعلى لأدني -سميت "لا" الناهية، وإن كان من أدنى لأعلى- سميت لا "الدعائية" كما مثل المصنف.
وإن كان من مساويك، سميت "لا" التي للالتماس؛ كأن تقول لمساويك: لا تفعل كذا. وخرجت "لا" النافية والزائدة.
2 لأن أمر الشخص ونهيه لنفسه، غير مألوف، ومخالف للواقع، أما جزمها فعلي المتكلم المبنيين للمفعول فكثير، وستأتي الإشارة إلى ذلك.
3 صدر بيت من البسيط -للنابغة الذبياني؛ يخوف بني فزارة من النعمان من الحارث الغساني ويحذرهم بأسهن؛ وكانوا قد نزلوا أرضا يحميها. وعجزه.
مردفات على أعقاب أكوار
=(4/36)
وقوله:
إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد1.
__________
= اللغة والإعراب: ربربا: اسم للقطيع من بقر الوحش أو الظباء؛ وقد شبه به الجماعة من النساء في حسن عيونهن وهدوئهن. حورًا: جمع حوراء, من الحور وهو: شدة سواد العين مع شدة بياضها. مدامعها: جمع مدمع اسم مكان، والمراد العيون؛ لأنه أماكن الدمع؛ من إطلاق الحال وإرادة المحل. مردفات: مركبات خلف الراكبين، كل واحدة رديف لرابك. أكوار: جمع كور، وهو الرحل بأداته، أعقاب: جمع عقب، وهو المؤخر من كل شيد. "لا" ناهية "أعرفن" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد في محل جزم بلا، والفاعل أنا. ويجوز جعل "لا" نافية "ربربا" مفعول أعرفن.
"حورا" صفة لها. "مدامعها" مرفوع بحورا والهاء مضاف إليه. "مردفات" حال من "ربربا" أو صفة ثانية "على أعقاب" جار ومجرور متعلق بمردفات. "أكوار" مضاف إليه.
المعنى: لا يكن نساء جميلات. تشبه الغزلان أو بقر الوحش في الرشاقة وخفة الحركة وحور العين فأعرفها، قد ركبن خلف الراكبيبن على مؤخر الرحل فأقيم المسبب مقام السبب، وكانت عادة العرب أن يجعلوا النساء المسبيات مردفات خلف من استباهن. وفي كتاب سيبويه: أن عجز البيت:
كأن أبكارها نعاج دوار
والأبكار: صفار بقر الوحش؛ وأراد بها الجواري من النساء، والنعاج: جمع نعجة وهي البقرة الوحشية، ودوار: ما استدار من الرمل يدور حوله الوحش. يريد: لا تقيموا بهذا المكان فأعرف نساءكم مسبيات.
الشاهد: في "لا أعرفن" فإن "لا" ناهية والمضارع المجزوم بها محلا للمتكلم، وهو مبني للمعلوم، وذلك شاذ.
1 صدر بيت من الطويل، للوليد بن عقبة يعرض بمعاوية. ونسبه ابن هشام في مغنى اللبيب إلى الفرزدق وعجزه:
لها أبدًا ما دام فيها الجراضم
اللغة والإعراب: الجراضم: الكبير البطن الكثير الأكل، وكان معاوية معروفًا بذلك. "إذا" شرطية و"ما" زائدة. "خرجنا" فعل الشرط. "فلا" الفاء واقعة في جواب الشرط. "لا" ناهية أو دعائية. "نعد" فعل مضارع مجزوم بلا. "لها" جار ومجرور متعلق بنعد. "أبدًا" ظرف زمان كذلك "ما" مصدرية ظرفية. "فيها" خبر دام مقدم. "الجراضم" اسمها مؤخر.
المعنى: واضح.
الشاهد: في قوله: "فلا نعد" حيث جزم فعل المتكلم المبني للمعلوم بلا الناهية أو الدعائية على قول، وذلك قليل.(4/37)
ويكثر: لا أخرج ولا تخرج؛ لأن المنهي غير المتكلم1.
و"اللام" الطلبية2؛ أمرًا كانت، نحو: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ} ، أو دعاء؛ نحو: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} .
وجزمها فعلي المتكلم مبنيين للفاعل قليل، نحو: "قوموا فلأصل لكم" 3.
و {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} . وأقل منه جزمها فعل الفاعل المخاطب4، نحو: {فَبِذَلِكَ
__________
1 هو الفاعل المحذوف النائب عنه ضمير المتكلم, والأصل: لا يخرجني، ولا يخرجنا أحد بالبناء للمعلوم، فلما حذف الفاعل بني الفعل للمجهول. ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمي.
يا حار لا أرمين منكم بداهية ... لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك
2 يقال فيها ما قيل في "لا" وحركتها الكسر، وفتحها لغة سليم. وتسكن بعد الفاء والواو كثيرًا، وتحريكها بعد "ثم" حسن. وقد تحذف ويبقي عملها، وكذلك يصح حذف مضارعها إذا دل على ذلك دليل، وإنما تجزم المضارع بشرط ألا يفصل بينهما فاصل؛ إلا في ضرورة الشعر.
3 أي: لأجلكم، وهو أمر لهم بالاهتمام به ولكنه أضافه إلى نفسه لارتباط فعلهم بفعله، والفاء لعطف جملة طلبية على مثلها، و"أصل" مجزوم بلام الأمر وعلامة جزمه حذف الياء "لكم" اللام للتعدية؛ لأن الصلاة بمعنى الدعاء. وهذا الحديث عن أنس بن مالك؛ فقد روي أن جدته مليكة دعت الرسول لطعام صنعته له، فأكل منه ثم قال: "قوموا فلأصل لكم"، وتقدم النبي وخلفه أنس واليتيم، وقامت العجوز من روائهما، فصلى ركعتين ثم انصرف.
4 أما جزمها المبني للمفعول -متكلما أو مخاطبا- فكثير، نحو لأكرم، ولتكرم يا محمد؛ لأن الأمر فيهما للغائب كما سبق.(4/38)
فَلْتفْرَحُوا} في قراءة.
ونحو: "لتأخذوا مصافكم" 1. والأكثر الاستغناء عن هذا بفعل الأمر2.
و"لم"، و"لمَّا"3 ويشتركان في الحرفية، والنفي، والجزم، والقلب للمضي4.
وتنفرد "لم" بمصاحبة الشرط5؛ نحو: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} وبجواز انقطاع نفي منفيها6؛ ومن ثمَّا جاز: لم يكن ثم كان،...... ... ...
__________
1 هذا حديث للرسول، وفي مسلم عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله يقول: "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم".
2 ذكر الزجاج: أن جزم الفعل المخاطب بلام الأمر لغة جيدة، وقد ورد في الحديث فيقبل قوله.
3 تختلف "لما" الجازمة عن "لما" الظرفية التي بمعنى "حين" أو "إذ" والتي كثيرًا ما تدخل على الماضي نحو قوله تعالى: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} وكذلك تختلف عن "لما" بمعنى إلا، التي لا تدخل غالبًا إلا على الجمل الاسمية؛ نحو: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} أو على الماضي لفظًا لا معنى؛ نحو: أنشدك الله لما فعلت كذا.
4 فيكون الفعل مضارعًا في صورته وإعرابه، ولكن زمنه ماض -ويختصان كذلك بالمضارع، وبجواز دخول همزة الاستفهام- ولا سيما التقريري. عليها، مع بقائهما على عملهما؛ نحو: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} ، ألما تترك للهو وقد شبت؟.
5 أي: يجوز دخول بعض أدوات الشرط عليها مثل: إن، إذا، لو، من.... إلخ, وإذا دخلت عليها أداة الشرط, تجرد المضارع بعدها للمستقبل, وبطل تأثيرها في قلب زمنه للماضي. ويكون عمل الجزم في هذه الحالة للشرط لسبقه. وتقتصر "لم" على إفادة النفي دون الجزم، وقيل: إن "لم" هي الجازمة لاتصالها بالفعل مباشرة وأدوات الشرط مهملة.
6 أي: جواز أن يكون معنى المضارع المنفي بها قد انتهى وانقطع قبل زمن التكلم، نحو: {لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} لأن معناه: ثم كان بعد ذلك. ويجوز أن يكون مستمرا متصلا بالحال ووقت التكلم ولا ينقطع، نحو قوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ, وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْوًا أَحَدٌ} .(4/39)
وامتنع في لمّا1.
وتنفرد "لمّا" بجواز حذف مجزومها2، كـ"قاربت المدينة ولمّا"؛ أي: ولما أدخلها. فأما قوله:
يوم الأعازب إن وصلت وإن لم3
فضرورة، وبتوقع ثبوته4؛ نحو: {لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} ، {وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ} .
__________
1 لأنه يجب اتصال نفي منفيها بحال النطق كما سيأتي. وزعم بعضهم: أن بعض العرب قد ينصب المضارع بـ"لم"، وبعضهم يهملها فلا تنصب ولا تجزم، والحق عدم الاعتداد بمثل ذلك، وتأويل ما سمع منه.
2 أي: اختيارًا في النثر والشعر لدليل، والوقوف عليها بعد حذفه.
3 عجز بيت من الكامل، لإبراهيم بن هرمة القرشي، وهو آخر الشعراء الذين يحتج بشعرهم، وقد مات في خلافة الرشيد، وهرمة، جده الأعلى، ولكنه اشتهر به. وصدره:
احفظ وديعتك التي استودعتها
اللغة والإعراب: يوم الأعارب، وقيل الأغارب: يوم معهود من أيام العرب، "وديعتك" وديعة مفعول احفظ، والكاف مضاف إليه "التي" اسم موصول نعت للوديعة "استودعتها" استودع فعل ماض مبني للمجهول، والتاء نائب فاعل وهي مفعوله الأول، "إن" شرطية "وصلت" فعل الشرط، روي بالبناء للمجهول والمعلوم. وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله، "وإن" الواو عاطفة، وإن حرف شرط جازم "لم" جازمة أو نافية لا غير على الخلاف المتقدم.
المعنى: واضح.
الشاهد: حذف المجزوم بـ"لم" لضرورة؛ لأن المعنى: وإن لم تصل.
4 أي: ثبوت منفيها ووقوعه في الغالب على الوجه الخالي من النفي ومن غير الغالب: ندم إبليس ولما ينفعه الندم، واستشفع المحكوم عليه بالقتل قصاصًا ولما تنفعه شفاعته، وتنفرد "لمّا" كذلك بوجوب امتداد الزمن المنفي بها إلى الزمن الحالي، امتدادًا يشملهما معًا، وبأن الزمن المنفي بها قصير غالبًا، أو أن أوله في الغالب ليس بعيدًا عن آخره المتصل بالحال؛ بخلاف الزمن الماضي المنفي بالحرف "لم" فإنه طويل في الغالب، والطول والقصر يرجعان إلى العرف.(4/40)
فِي قُلُوبِكُمْ} 1؛ ومن ثم امتنع: لمّا يجتمع الضدان2.
__________
1 أي: إلى الآن ما ذاقوه وسوف يذوقونه. [سورة ص الآية: 8] . وإلى الآن ما دخل الإيمان في قلوبكم وسوف يدخل، [الحجرات الآية: 14] .
2 لاستحالة دخولهما، وتوقع المستحيل محال، وإلى الجوازم الأربعة المتقدمة، يشير ابن مالك
بقوله:
"بلا ولام" طالبا ضع جزما ... في الفعل هكذا "بلم ولما"*
أي: اجزم الفعل المضارع بلا، واللام؛ إن كنت طالبا بهما؛ أي: إذا استعملتهما أداتي طلب. وكذلك اجزمه بلم ولما.
هذا: زعم بعضهم أن "لم" قد تنصب المضارع في لغة، واستشهد بقول الراجز:
في أي يومي من الموت أفر ... أيوم لم يقدر أم يوم قدر
الحق خلافه، وحمل البيت على أن الفعل مؤكد بالنون الخفيفة المحذوفة. أو أن فتحة الراء لاتباع الفتحة قبلها أو بعدها.
__________
* "بلا" جار مجرور متعلق بضع "ولام" عطف عليه "طالبا" حال من فاعل ضع المستتر "جزما" مفعول ضع في الفعل، متعلق بضع "هكذا بلم" جاران ومجروران متعلقان بمحذوف دل عليه ضع "ولما" عطف على لم..(4/41)
الجوازم التي تجزم فعلينـ، وأنواعها:
وجازم لفعلين وهو أربعة أنواع: حرف باتفاق، وهو: "إنْ" وحرف على الأصح، وهو: "إذ ما" واسم باتفاق، وهو "من، وما ومتى، وأي، وأين، وأيان، وأنى، وحيثما".
واسم على الأصح وهو: مهما1".
__________
1 أما "إذا" و"كيفما" و"لو" فالصحيح أنها أدوات غير جازمة، وإلى هذا القسم من الجوازم، أشار الناظم بقوله:
واجزم بإنْ، ومن، وما، ومهما ... أي، متى، أيان، أين، إذ ما
وحيثما أنى وحرف "إذ ما" ... كإن وباقي الأدوات أسما*
وكل الأدوات التي تجزم فعلين لا تدخل إلا على الفعل ظاهرًا أو مقدرًا، ولا تدخل على اسم، ولها الصدارة في جملتها، ولا يصح حذفها على القول الصحيح.
ومنها ما لا يجزم إلا مقترنا بما، وهو: حيث، وكيف. وما لا تلحقه "ما" وهو: من، ما، مهمها، أنى، وما يجوز فيه الأمران، وهو: إن، أي، متى، أين، أيان.
__________
* "بإن" متعلق باجزم، وما بعدها معطوف عليها باسقاط العاطف في بعضها.
"وحرف" خبر مقدم "إذ ما" مبتدأ مؤخر قصد لفظه "كإن" متعلق بمحذوف نعت لحرف "وباقي الأدوات" مبتدأ ومضاف إليه. "أسما" خبر المبتدأ وقصر للضرورة.(4/41)
وكل منهن يقتضي فعلين: يسمى أولهما شرطًا، وثانيهما جوابًا وجزاء1.
ويكونان مضارعين2، نحو: {وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ} وماضيين3؛ نحو: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} . وماضيا فمضارعًا؛ نحو: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ} .
__________
1 وجملة الشرط لا تكون إلا فعلية، أما جملة الجواب فتكون فعلية واسمية كما سيأتي وإنما علمت هذه الأدوات في شيئين، لإفادتها ربط الثاني بالأول، فكأنهما شيء واحد، وسمي الأول شرطًا؛ لأن المتكلم يعتبر تحقيق مدلوله شرطًا لتحقق مدلول الجواب الثاني جوابًا وجزاء، لترتبه على الأول ولزومه له، هذا: وبعض هذه الأدوات يأتي للاستفهام؛ كمتى في قوله تعالى: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} فقد أفادت مع الاستفهام التمني، ولا يقع بعدها الفعل، بل الاسم الذي يعرب مبتدأ، و"أيان" في قوله سبحانه: {يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} . و"أين" في قوله: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِي} و "أنى" في قوله: {ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} و"أي" في قوله: {فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ} .
2 ويجزم لفظ المعرب، أما المبني فيجزم محله.
3 يجزم الماضي محلا؛ لأن لفظه لا يجزم، وإنما يكون في محل جزم، ومعناه ينقلب إلى الاستقبال؛ لأن أدوات الشرط الجازمة تجعل زمن شرطها وجوابها مستقبلا خالصًا، وما ورد مما فيه معنى الشرط الجازمة تجعل زمن شرطها وجوابها مستقبلا خالصًا، وما ورد مما فيه معنى الشرط أو الجواب، أو هما معًا، واقعًا في الماضي فمؤول؛ نحو قوله تعالى: {إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} ، {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ} ، {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ} ، أي: إن يتبين في المستقبل أن قتله في الماضي، فأنا أعلم أنك قد علمته ... وهكذا.(4/42)
وعكسه وهو قليل؛ نحو: "من يقم ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له" 1، ومنه: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ} ؛ لأن تابع الجواب جواب2. ورد الناظم بهذين البيتين ونحوهما على الأكثرين؛ إذ خصوا هذا النوع بالضرورة3، ورفع الجواب المسبوق بماض أو بمضارع منفي بلم قوي4 كقوله:
__________
1 حديث نبوي، ومعنى إيمانًا: تصديقا بأنها حق وطاعة. واحتسابًا: أي طلبًا لرضاء الله وثوابه، لا للرياء ونحوه، ومثل هذا: قول عائشة عن أبيها؛ وهي تحدث الرسول حين قال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس": إن أبا بكر أسيف وإنه متى يقم مقامك رق قلبه. "الأسيف: السريع الحزن الرقيق القلب".
2 "فظلت" ماض، وهو معطوف على الجواب وهو "تنزل" فيكون جوابًا، وفي عمل تلك الأدوات وما يليها يقول الناظم:
فعلين يقتضين: شرط قدما ... يتلو الجزاء، وجوابًا وسما
وماضيين أو مضارعين ... تلفيهما أو متخالفين*
أي: إن هذه الأدوات المذكورة قبل، تقتضين فعلين؛ المقدم منهما يسمى شرطًا، ويتلوه الجزاء، ويسمى الجواب, وهذان الفعلان يكونان ماضيين أو مضارعين، أو مختلفين على النحو الذي بينه المصنف.
3 حجتهم، أننا إذا أعملنا الأداة في لفظ الشرط ثم جئنا بالجواب ماضيًا كنا قد هيأنا العامل للعمل ثم قطعناه عنه، وذلك غير مستساغ، والحق ما ذهب إليه الناظم؛ لورود الأمثلة الكثيرة التي تؤيده.
4 لأن الأداة لما لم يظهر أثرها في الشرط لكونه ماضيًا، أو مجزومًا بغيرها وهو "لم"
ضعفت=
__________
* "فعلين" مفعول يقتضين مقدم، ونون النسوة في يقتضين فاعله، وهي عائدة على الأدوات السابقة. "شرط" مبتدأ وسوغ الابتداء به -وهو نكرة- وقوعه موقع التفصيل أو خبر محذوف؛ أي: أحدهما، "قدما" فعل ماض للمجهول، والجملة خبر أو صفة والألف للإطلاق، "الجزاء" فاعل يتلو، والجملة مستأنفة، أو خبر ثان لشرط. "جوابًا" مفعول وسما الثاني، ونائب فاعله العائد إلى الجزاء هو المفعول الأول.
* "وماضيين" مفعول ثان لتلفيهما مقدم. "أو مضارعين" معطوف عليه "تلفيهما" تلفي مضارع ألفى، والضمير البارز مفعوله الأول، "أو متخالفين" معطوف على مضارعين.(4/43)
وإن أتاه خليل يوم مسبغة ... يقول لا غائب مالي ولا حرم1
ونحو: إن لم تقم أقوم.
ورفع الجواب في غير ذلك ضعيف، كقوله:
__________
= عن العمل في الجزاء فحسن رفعه، كما قال الناظم:
وبعد ماض رفعك الجزاء حسن ... ورفعه بعد مضارع وهن*
أي: إذا كان الشرط ماضيًا والجزاء مضارعا، جاز جزم الجزاء ورفعه، وكلاهما حسن. والجزم أحسن. وإن كان الشرط مضارعًا والجزاء مثله وجب الجزم. ورفع الجزاء ضعيف.
والرفع عند الكوفيين والمبرد بتقدير الفاء؛ فيكون الفعل المرفوع وفاعله في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف مقترن بالفاء؛ أي: فهو يقول، والجملة الاسمية هي الجواب، وعند سيبويه: على تقدير حذف الجواب والمرفوع المذكور دليله.
1 بيت من البسيط. لزهير بن أبي سلمى، من قصيدة يمدح فيها هرم بن سنان، وهو من شواهد سيبويه.
اللغة والإعراب: خليل، المراد هنا: الفقير ذو الحاجة، من الخلة، وهي الفقر والحاجة مسبغة: مجاعة، من سغب فلان، إذا اشتد به الجوع، حرم: ممنوع وحرام.
"إن" شرطية. "أتاه خليل" الجملة فعل الشرط. "يوم" ظرف زمان متعلق بأتى. و"مسبغة" مضاف إليه، "يقول" فعل مضارع جواب الشرط مرفوع. "لا" نافية. "غائب" مبتدأ. "مالي" فاعل بغائب سد مسد الخبر، أو غائب خبر مقدم، و"مالي" مبتدأ مؤخر مضاف إلى ياء المتكلم.
المعنى: يصف هرمًا بالكرم والجود، وأنه لا يرد سائلا فيقول: إذا جاءه ذو حاجة قد أخذ منه الجوع لا يعتذر بضيق ماله وعدم استطاعته عن الحصول عليه، ولا يقول للسائل المحتاج: أنت ممنوع محروم.
الشاهد: في "يقول" حيث رفع وهو جواب الشرط؛ لأن فعل الشرط ماض.
__________
* "وبعد ماض" بعد ظرف بحسن وماض مضاف إليه "رفعك" رفع مبتدأ، وهو مصدر مضاف لفاعله.
"والجزا" مفعوله، وقصر للضرورة. "حسن" خبر المبتدأ. "ورفعه" مبتدأ مضاف إلى مفعوله. "بعد مضارع" بعد ظرف متعلق بوهن ومضارع مضاف إليه، وجملة "وهن" خبر المبتدأ.(4/44)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... من يأتها لا يضيرها1
وعليه قراءة طلحة بن سيمان: "أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ"2.
__________
1 هذا من شواهد سيبويه، وهو جزء من بيت من الطويل، لأبي ذؤيب الهذلي يخاطب بختيا من الإبل يحمل ميرة من قرية كثيرة الطعام، ويطلب منه التجلد والصبر على الحمل فوق الطاقة، والبيت بتمامه:
فقلت تحمل فوق طوقك إنها ... مطبعة من يأتها لا يضيرها
اللغة والإعراب: تحمل: أجهد نفسك وتكلف الحمل، طوقك: طاقتك وقدرتك مطبعة, أي: وضع عليها الطابع وهو الخاتم، والمراد: أنها مملوءة بالطعام؛ لأنه لا يختم على الشيء إلا إذا امتلأ وعاؤه. "من" شرطية مبتدأ. "يأيها" فعل الشرط مجزوم بحذف الياء، والفاعل يعود على من، و"ها" مفعول عائدة على القرية. "لا" نافية. "يضيرها" يضير فعل مضارع جواب الشرط مرفوع، وها مفعول، والجملة خبر المبتدأ.
المعنى: احمل فوق ما تستطيع حمله من طعام هذه القرية؛ فإنها كثيرة الطعام لا يؤثر فيها ما ينتقص منها.
الشاهد: في قوله: "لا يضيرها"؛ حيث رفع المضارع وهو جواب شرط غير ماض، ولا مضارع منفي بلم، وذلك ضعيف عند المؤلف تبعًا لجمهور النحاة، قال الناظم.
... ... ... ... ... ... ... ورفعه بعد مضارع وهن
2 أي: برفع "يدرككم"، وهي قراءة شاذة.
ومن المفيد أن نذكر هنا في إجمال كيفية إعراب أسماء الشرط والاستفهام فنقول:
1- إذا وقعت الأداة بعد حرف جر أو مضاف فهي في محل جر بالحرف أو بالإضافة نحو: عمن تتعلم أتعلم؛ وكتاب من تقرأ أقرأ، وصفحة ما تكتب أكتب، ولا تكاد الأداة تجر في غير هاتين الحالتين.
2- وإذا كان الأداة ظرفا للزمان أو المكان فهي في محل نصب على الظرفية لفعل الشرط إن كان تاما؛ نحو: متى يقبل الصيف يشتد الحر. وللخبر إن كان ناسخا. نحو: أينما تكن تجد تقديرًا لإخلاصك؛ فأينما ظرف متعلق بمحذوف خبر "تكن" وأدوات هذا النوع هي: متى، وأيان؛ للزمان. وأين، وأنى، وحيثما،؛ للمكان؛ وأي مضافة إلى الزمان أو المكان، كل حسب الحالة.(4/45)
فصل: وكل جواب يمتنع جعله شرطًا، فإن الفاء تجب فيه1.
__________
3 وإن دلت الأداة على حدث محض، فهي مفعول مطلق لفعل الشرط. وأداة هذا النوع؛ "أي" مضافة للمصدر؛ نحو: أي عمل تقدم للوطن تجز به خيرًا. أما إذا دلت على ذات؛ فإن كان فعل الشرط لازمًا، فهي مبتدأ خبره فعل الشرط على الأصح، وتوقف الفائدة على الجواب، إنما هو من حيث التعلق، لا من حيث الخبرية، وقيل: الجواب هو الخبر، وقيل: هما؛ نحو: من يسافر أسافر معه. وكذلك إن كان متعديًا ومفعوله أجنبي منها؛ نحو: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} وإن كان متعديًا مسلطًا عليها فهي مفعوله؛ نحو: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا} ؛ فإن سلط على ضميرها أو على ملابسه فاشتغال؛ نحو: من يكرمه محمد أكرمه، ومن يصاحب أخاه علي أصاحبه؛ فيجوز في "من" أن تكون مبتدأ، وأن تكون مفعولا لفعل محذوف يفسره فعل الشرط، وأدوات هذا النوع: من، وما، ومهما، وأي مضافة إلى اسم ذات.
ويتبين مما تقدم: أن متى وأيان، بدلان على الزمان؛ فكلاهما ظرف زمان جازم. وأين، وأنى، وحيثما، تدل على المكان، ومن، وما، ومهما غير ظروف، أما "أي" فبحسب ما تضاف إليه؛ فإن أضيفت إلى زمان فزمان أو إلى مكان فمكان أو إلى غيرهما فغير ظرف.
أما "إن" و"إذ ما" فلتعليق الجواب على الشرط تعليقًا مجردًا من غير دلالة على زمان أو مكان أو غيرهما، وتفيدان الشك والظن.
كما أن "إذ" الشرطية تفيد الأمر المتقين غالبًا، و"كيفما" تدل على الحال.
1 أي: ليحصل بها الربط بين الشرط والجزاء؛ إذ بدونها لا يكون ربط؛ لعدم صلاحية الجواب لمباشرة الأداة. وهذه الفاء زائدة محضة ليست للعطف ولا للسببية ولا لغيرهما.
ولا تفيد إلا مجرد الربط المعنوي بين جملة الحواب وجملة الشرط، وتعرب مع الجملة التي بعدها في محل جزم جواب الشرط، وخصت الفاء بذلك؛ لما فيها من معنى السببية والتعقيب، ولا شك أن الجزاء متسبب عن الشرط وعاقب له.
وفي ذلك يقول الناظم:(4/46)
وذلك: الجملة الاسمية1؛ نحو: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ، والطلبية2 نحو: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} .
وقد اجتمعا في قوله: {وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} 3.
والتي فعلها جام نحو: {إِنْ تُرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا, فَعَسَى رَبِّي} 4.
__________
واقرن بـ"فا" حتما جوابا لو جعل ... شرطًا لإنْ أو غيرها لم ينجعل
أي: أقرن بالفاء حتما كل جواب، لو جعلته فعل شرط للأداة "إن" أو غيرها من أخواتها، لم ينجعل؛ أي: لم يصلح فعلا للشرط؛ لعدم انطباق الشروط عليه.
1 فإن جملة الشرط لا بد أن تكون فعلية كما أسلفنا، وفعلها وحده هو الشرط.
2 وتشمل: الأمر، والنهي، والدعاء ولو بصفة الخبر، والنفي والاستفهام، وإذا كانت أداة الاستفهام هي الهمزة وجب تقديمها على الفاء؛ نحو قوله تعالى: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} فإن كانت الأداة غير الهمزة وجب تقديم الفاء؛ نحو: إن حضر محمد فهل تكرمه؟، أو فمن يكرمه؟ أو فأيكم يكرمه؟.
3 جملة: {فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} اسمية؛ لأن صدرها اسم وهو "من"، وطلبية لأن "من" استفهامية؛ وهي مبتدأ، و"ذا" اسم إشارة خبر، "والذي" نعت له أو بيان، "ينصركم" الجملة صلة، ويجوز أن تكون "ذا" ملغاة، و"الذي" هو الخبر والجملة في محل جزم جواب الشرط. [سورة آل عمران الآية: 160] .
4 "إن" شرطية. "ترني" فعل الشرط مجزوم بحذف الألف، والفاعل أنت، والنون للوقاية، والياء المحذوفة تخفيفًا مفعول أول. "أنا" توكيد لها. "أقل" مفعول ثان. "فعسى" الفاء واقعة في جواب الشرط؛ لأن الفعل جامد. [سورة الكهف الآية: 39] .
__________
* "وبقاء" متعلق باقرن وقصر للضرورة. "حتما" حال بتأويل اسم الفاعل؛ أي: حاتما أو نعت لمصدر محذوف, أي: قرنا حتما. جوابًا مفعول اقرن. "لو" حرف شرط غير جازم. "جعل" فعل الشرط، ونائب الفاعل يعود إلى جواب وهو المفعول الأول. "شرطا" مفعوله الثاني. "لإن"متعلق بمحذوف صفة لشرطًا. "أو غيرها" غير معطوف على إن وهو مضاف إلى هاء "لم ينجعل" جواب الشرط وفاعل ينجعل يعود إلى جواب، وجملة لو وشرطها وجوابها في محل نصب صفة لجوابًا.(4/47)
أو مقرون بقد1 نحو: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ} .
أو تنفيس؛ نحو: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ} .
أو "لن"؛ نحو: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوه} .
أو "ما"؛ نحو: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ} .
وقد تحذف في الضرورة كقوله:
من يفعل الحسنات الله يشكرها2
وقوله:
ومن لا يزل ينقاد للغي والصبا ... سيلفى على طول السلامة نادما3
__________
1 لأن "قد" تقتضي وقوع فعل الشرط وتقريبه من الحال، وذلك ينافي ما يقتضيه فعل الشرط من احتمال الوقوع وعدمه، وأن زمنه مستقبل. [سورة يوسف الآية: 77] .
2 صدر بيت من البسيط، لعبد الرحمن بن سيدنا حسان بن ثابت، وقيل: لكعب بن مالك.
وكلاهما أنصاري، وهو من شواهد سيبويه، وعجزه:
والشر بالشر عند الله مثلان
ويروى:
............ عند الله سيان.
اللغة والإعراب: "من" اسم شرط جازم مبتدأ. "يفعل" فعل الشرط مجزوم، وحرك بالكسر للتخلص من الساكنين وفاعله يعود على من. "الحسنات" مفعوله، منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، "الله يشكرها" مبتدأ وخبر، والجملة جواب الشرط, وجملة الشرط وجوابه خبر المبتدأ "من".
المعنى: من يفعل الخير والمعروف يحظى برضاء الله وشكره, والجزاء المضاعف على هذا الخير، ومن يفعل الشر يجازى بمثله.
الشاهد: في "الله يشكرها"؛ فإنها جملة اسمية وقد وقعت جوابا للشرط، وكان يجب أن تقرن بالفاء، ولكنها حذفت لضرورة الشعر.
3 بيت من الطويل لم نقف على قائله.
اللغة والإعراب: ينقاد: يتبع ويميل. للغي، الغي: ضد الرشيد، الصبا: الصبوة. سيلفى:=(4/48)
ويجوز أن تغني "إذا" الفجائية1 الفاء؛ إن كانت الأداة "إن"2 والجواب جملة
__________
= سيوجد. "من" شرطية مبتدأ. "لا" نافية. "يزل" فعل مضارع ناقص، فعل الشرط واسمها يعود على من. "ينقاد" الجملة خبرها. "سيلفى" فعل مضارع ناقص، فعل الشرط، واسمها يعود على من. "ينقاد" الجملة خبرها "سيلفى" فعل مضارع للمجهول جواب الشرط مجزوم، ونائب فاعله مفعوله الأول "نادما" مفعوله الثاني، أو حال.
المعنى: أن الشخص الذي يستسلم للشهوات والشرور ونزعات الصبوة؛ لا بد أن يندم على ذلك في يوم من الأيام، مهما طالت سلامته وسلم من عواقب فعله.
الشاهد: في قوله: "سيلفى"، فإنه جواب الشرط. وفيه حرف التنفيس وهو السين ولم يقترن بالفاء للضرورة، ومن النادر الذي لا يقاس عليه قوله -عليه السلام- لأبي بن كعب في شأن اللقطة: "..... فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها" وجواب الشرط الأول محذوف للعلم به. أي: فأدها إليه.
وقد نظم بعض الفضلاء المواضع التي تجب فيها الفاء في بيت مشهور هو:
اسمية طلبية وبجامد ... وبما ولن وبقد وبالتنفيس
ومثل النفي بما ولن النفي بإن؛ غير أنه إذا كانت أداة الشرط "إذا" والنافي هو "إن" جاز مجيء الفاء وعدم مجيئها، وجعل بعض النحاة "ما" و"لا" النافيتين، مثل "إن" النافية.
وزاد في المغني على المواضع المتقدمة: الجواب المقرون بحرف له الصدارة؛ كرب، وكأن: قال -تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} . المصدر بالقسم أو بأداة شرط نحو: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ} .
1 معناها: الدلالة على المفاجأة في الحال، ولا بد أن يسبقها كلام وهي بعد أداة الشرط لا تخلو من الدالة على تعقيب الجواب على الشرط.
2 مثلها "إذا" الشرطية عند بعض النحاة، مستدلين بقوله -تعالى- في المطر: {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} ، وقوله -سبحانه: {إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} .(4/49)
اسمية غير طلبية1 نحو: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} .
__________
1 وكذلك يشترط: أن تكون غير مسبوقة بنفي ولا بناسخ؛ فتتعين الفاء في نحو: إن يعص محمد والده فويل له، إن يعص فما له حظ في الآخرة؛ فإن خسرانه لا شك فيه، أما الجمع بين الفاء وإذا ففيه خلاف؛ فمنعه بعضهم، وأجازه آخرون مستدلين بقوله -تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} , {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} . والحق جوازه، وإن كان قليلا.
وتخالف "إذا" الفجائية "إذا" الشرطية في: أنها حرف، والشرطية اسم ظرف زمان، والفجائية خاصة بالجمل الاسمية ولا تحتاج إلى جواب، أما الظرفية فخاصة بالفعل ولا بد لها من جواب، ومعنى الفجائية: الحال، ولا يبتدأ بها، والشرطية تدل على الزمان المستقبل ولها حق الصدارة، وفي إغناء "إذا" الفجائية عن الفاء يقول الناظم:
ونخلف "الفاء" "إذا المفاجأةه" ... كـ"إنْ تجد" إذا لنا مكافأه*
أي: إن الفاء قد تختفي وتخلفها وتحل محلها "إذا" التي تدل على المفاجأة؛ وذلك إذا كان الجواب جملة اسمية، كما يفهم من المثال الذي ذكره.
تنبيه:
إذا صلح المضارع الواقع جوابًا لأن يكون فعلا للشرط، جاز اقترانه بالفاء، بشرط أن يكون مثبتًا، أو منفيًا "بلا" أو "لم" وحينئذ يرفع المضارع مع الفاء على أنه خبر لمبتدأ محذوف، والجملة الاسمية جواب الشرط؛ نحو قوله -تعالى: {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا} وقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ} ؛ أي: فهو لا يخاف. وإن كان الجواب فعلا ماضيا لفظا ومعنى وجب اقترانه بالفاء على تقدير "قد" إن لم تكن ظاهرة؛ نحو قوله تعالى: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} وإن كان ماضيا لفظا مستقبلا معنى، غير مقصود به وعد أو وعيد جاز اقترانه بالفاء على تقدير "قد"؛ نحو قوله -تعالى: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} . [سورة النمل الآية: 90] , وجاز عدم اقترانه مراعاة للواقع وأنه مستقبل حقيقة.
__________
* "الفاء" مفعول تخلف. "إذا" فاعله مقصود لفظه "المفاجأة" مصاف إليه من إضافة الدال إلى المدلول. "كان" الكاف جارة لقول محذوف، و"إن" شرطية "تجد" فعل الشرط. "إذا" حرف ربط للجواب بالشرط "لنا" جار ومجرور خبر مقدم، "مكافأة" مبتدأ مؤخر وسكن للشعر، والجملة في محل جزم جواب الشرط.(4/50)
فصل: وإذا انقضت الجملتان، ثم جئت بمضارع مقرون بالفاء أو الواو؛ فلك جزمه بالعطف1، ورفعه على الاستئناف2، ونصبه بأن مضمرة وجوبًا3 وهو قليل؛ قرأ عاصم وابن عامر: {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} بالرفع، وباقيهم بالجزم4، وابن عباس بالنصب. وقرئ بهن أيضًا في قوله تعالى: {مَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ} 5.
__________
1 أي: على لفظ الجواب، إن كان مضارعا مجزومًا، وعلى محله إن كان ماضيا أو جملة اسمية أو فعلية، وفي هذ الحالة تعتبر الفاء والواو حرفي عطف مجردين لا يفيدان سببية ولا معية.
2 فتكون الواو والفاء حرفي استئناف والمضارع مرفوع إن كان مجردًا من ناصب أو جازم، ومن نوني التوكيد، ويكون خبرًا لمبتدأ محذوف، والجملة معطوفة على جملتي الشرط والجواب.
3 أي: على ا