إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} 1. والأصل إنباتا وتبتلا، أو دال على نوع منه، كـ: "قعد القرفصاء" و: "رجع القهقري"، أو دال على عدده، كـ: "ضربته عشر ضربات" {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 2، أو على آلته3، كـ: "ضربته سوطا" أو: "عصا" أو: "كل" نحو: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} 4، وقوله5: [الطويل]
246- يظنان كل الظن أن لا تلاقيا6
__________
1 "73" سورة المزمل، الآية: 8.
موطن الشاهد: {تَبَتَّلْ ... تَبْتِيلًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "تبتيلا" وهو مصدر للفعل "بتل" نائبا عن "التبتل" الذي هو مصدر الفعل "بتل"؛ ولم نعد "التبتل" اسم مصدر للفعل بتل؛ لأن حروفه تزيد على حروف صمدر هذا الفعل؛ واسم المصدر يجب أن تقل حروفه عن حروف المصدر.
2 "24" سورة النور، الآية: 4.
موطن الشاهد: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} .
وجه الاستشهاد: "مجيء "ثمانين" نائبا عن المصدر؛ لأن الأصل: فاجلدوهم جلدا ثمانين جلدة؛ فحذف المصدر، وناب عنه عدده.
3 أي: الآلة التي تستخدم لإيجاد معنى المصدر وتحقيقه، فيحذف المصدر وتقام الآلة مقامه ويجب أن تكون الآلة معهودا استخدامها في إحداث معنى المصدر فلا يصح: ضربته شجرة.
4 "4" سورة النساء، الآية: 129.
موطن الشاهد: {تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} .
وجه الاستشهاد: "مجيء "كل" نائبا عن مصدر محذوف؛ والتقدير: لا تميلوا ميلا كل الميل.
5 ينسب البيت إلى قيس بن الملوح المعروف بمجنون ليلى. وقد مرت ترجمته.
تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما
وهو من قصيدته التي مطلعها قوله:
تذكرت ليلى والسنين الخواليا ... وأيام لا نخشى على اللهو ناهيا
=(2/185)
أو: "بعض": كـ: "ضربته بعض الضرب".
[لا يثنى المصدر المؤكد ولا يجمع باتفاق] :
مسألة: المصدر المؤكد لا يثنى ولا يجمع باتفاق، فلا يقال: ضربين ولا ضروبا؛ لأنه كماء وعسل1، والمختوم بتاء الوحدة كضربة بعكسه باتفاق، فيقال:
__________
= والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 328، والأشموني: "420/ 1/ 201"، وديوان قيس: 393.
المفردات الغريبة: الشتيتين: المتفرقين -مثنى شتيت؛ يريد المحبين المتباعدين اللذين لا يقدران على الاجتماع.
المعنى: يمني الشاعر نفسه بلقاء ليلى، وعدم اليأس من ذلك؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قادر على جمع شمل المتباعدين اللذين؛ لتباعدهما يقطعان الأمل في اللقاء، ويحسبان حسبانا أكيدا أن لا يلتقيا.
الإعراب: قد: حرف تحقيق. يجمع: فعل مضارع مرفوع. الله: فاعل مرفوع. الشتيتين: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى. بعدما: "بعد" متعلق بـ يجمع. و"ما": حرف مصدري مبني على السكون، لا محل له. يظنان: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والألف: فاعل. كلَّ: مفعول مطلق منصوب، وهو مضاف. الظن: مضاف إليه؛ والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": في محل جر بالإضافة بعد "بعد"؛ والتقدير: بعد ظنهما كل الظن. أن: مخففة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن المحذوف؛ وتقدير الكلام: أنه -أي الحال والشأن- لا: نافية للجنس تعمل عمل "إن". تلاقيا: اسم "لا" النافية للجنس مبني على الفتح في محل نصب، والألف للإطلاق، وخبر "لا" محذوف. والتقدير: لا تلاقي لهما؛ والجملة من "لا واسمها وخبرها": في محل رفع خبر "أن" المخففة و"أن المخففة وما دخلت عليه": سدت مسد مفعولي "يظنان".
موطن الشاهد: "يظنان كل الظن".
وجه الاستشهاد: انتصاب "كل" على أنه مفعول مطلق نائب عن المصدر، ومعلوم أنه ينصب كل من "كل وبعض" على المفعولية المطلقة؛ إذا أضيفا إلى المصدر، كما علمنا سابقا؛ والأصل في الشاهد: يظنان ظنا كل الظن؛ فحذف المصدر وأنيب عنه "كل"؛ لتوفر الشرط، وهو إضافة إلى مثل المصدر المحذوف.
1 أي مقصود به معنى الجنس، فهو يدل بنفسه على القليل والكثير، فيستغنى بهذه الدلالة عن الدلالة العددية في التثنية والجمع، وأيضا: فهو بمنزلة تكرار الفعل، والفعل لا يثنى ولا يجمع، ومثله في ذلك ما ينوب عنه. التصريح: 1/ 329.(2/186)
ضربتين وضربات؛ لأنه كتمرة وكلمة، واختلف في النوعين: فالمشهور الجواز1، وظاهر مذهب سيبويه المنع، واختاره الشلوبين.
[جواز حذف العامل في المصدر غير المؤكد] :
فصل: اتفقوا على أنه يجوز لدليل، مقالي2 أو حالي، حذف عامل المصدر غير المؤكد، كأن يقال: "ما جلست" فتقول: "بلى جلوسا طويلا"، أو: "بلى جلستين" وكقولك لمن قدم من سفر: "قدوما مباركا".
وأما المؤكد فزعم ابن مالك أنه لا يحذف عامله؛ لأنه إنما جيء به لتقويته وتقرير معناه، والحذف مُنافٍ لهما3، ورده ابنه بأنه قد حذف جوازا في نحو: "أنت سيرا"4 ووجوبا في: "أنت سيرا سيرا" وفي نحو: "سَقيًا ورَعْيًا"5.
__________
1 أي جواز تثنيته وجمعه، وذلك إذا اختلفت أنواعه. وقد جاء في القرآن الكريم: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} . ومثله المبين للعدد. ويجوز تقديمها على العامل ولا يعملان شيئا، فليس لهما فاعل ولا مفعول.
ويرى ابن مالك: أن المصدر المؤكد يجب إفراده، أما غيره فثنه إن شئت، واجمعه، أو اجعله مفردا.
2 الدليل المقالي: الذي يكون مرجعه إلى القول والكلام، أما الحالي فهو الذي يعتمد على المشاهدة أو نحوها، مما يحيط بالشخص ويجعله يفهم أمرا مستنبطا مما حوله، ولا شأن له بالقول أو الكلام.
3 ومن أجل ذلك لا يصح تثنيته ولا جمعه، ولا أن يرفع فاعلا، أو ينصب مفعولا، أو يتقدم على عامله، أو يحذف عامله؛ لأن الحذف منافٍ لتلك الحكمة. مناف للغرض من الإتيان بالمصدر المؤكد.
4 أي مما وقع فيه المصدر خبرا عن اسم عين، غير مكرر ولا محصور.
5 أي إذا كان مكررا نحو: أنت سيرا سيرا، أو محصورا نحو: ما أنت إلا سيرا، وإنما أنت سيرا، أو غير ذلك نحو: سقيا ورعيا، وحمدا وشكرا.
وإنما وجب الحذف في ذلك؛ لقيام التكرار والحصر مقام العامل.
ويجاب عن الناظم. بأن هذه المصادر ليست من المؤكد الآن؛ بل المصدر فيها نائب مناب الفعل وعوض منه؛ بدليل أنه يمتنع الجمع بينهما، ولا شيء من المؤكدات يمتنع الجمع بينه وبين المؤكد. التصريح: 1/ 329.(2/187)
[قد يقام المصدر مقام فعله فيمتنع ذكره معه] :
وقد يقام المصدر مقام فعله فيمتنع ذكره معه، وهو نوعان:
1- ما لا فعل له، نحو: "ويل زيد" و: "ويحه". [الكامل]
247- و1 بله الأكف ... 2
فيقدر له عامل من معناه على حد "قعدت جلوسا".
__________
1 إشارة إلى قول كعب بن مالك الأنصاري الصحابي المعروف.
2 تخريج الشاهد: "هذا قطعة من بيت، من قصيدة لكعب يقولها في غزوة الخندق، يصف شدة فتك السيوف بالأعداء، وهو بتمامه:
تذر الجماجم ضاحيا هاماتها ... بله الأكف كأنها لم تخلق
وينشد قبله:
نصل السيوف إذا قصرن بخطونا ... قدما ونلحقها إذا لم تلحق
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 330، والأشموني: "427/ 1/ 215"، والهمع: 1/ 236، والدر: 1/ 200، والسيرة: 507، وشرح المفصل: 4/ 47، 48، والخزانة: 3/ 10، ومغني اللبيب: "182/ 156"، وشرح السيوطي: 122، وديوان كعب: 245.
المفردات الغريبة: تذر: تترك. الجاجم: جمع جمجمة، وهي عظم الرأس المشتمل على الدماغ، ضاحيا: بارزا للشمس. هاماتها: جمع هامة، وهي الرأس.
المعنى: إن هذه السيوف شديدة الفتك بالأعداء، تترك الرؤوس -بعد فصلها عن الأجسام- معرضة للشمس على أرض المعركة، أما الأكف - فليس لها أثر، كأنها لم تخلق.
الإعراب: تذر: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي. يعود إلى السيوف في بيت سابق. الجماجم: مفعول به منصوب، لفعل تذر. ضاحيا: حال من الجماجم منصوب. هاماتها: فاعل "لـ "ضاحيا"؛ لأنه اسم فاعل؛ و"ها" الضمير العائد إلى الغيبة في محل جر بالإضافة. بله: مفعول مطلق لفعل محذوف من معناه ناب عنه -وهذا الوجه الذي أراده المؤلف- ويمكن أن يكون "بله": اسم فعل أمر، والأكف: مفعول به، على رواية نصب "الأكف" وأما على الأول: فالتقدير: اترك بله الأكف؛ وعلى هذا الوجه؛ فـ "بله" مصدر لا فعل له من لفظه، وله فعل من معناه، وهو اترك؛ وكأنه قال: اترك تركا. وبله: مضاف والأكف: مضاف إليه. كأنها: حرف مشبه بالفعل، و"ها" اسمها: لم: نافية جازمة: تخلق: فعل مضارع مبني للمجهول، =(2/188)
2- وما له فعل، وهو نوعان: واقع في الطلب1، وهو الوراد دعاء، كـ: "سقيا ورعيا، وجدعا"، أو أمرا أو نهيا، نحو: "قياما لا قعودا" ونحو: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} 2، وقوله3: [الطويل]
248- فندلا زريق المال ندل الثعالبِ4
__________
= مجزوم بلم، وعلامة جزمه السكون وحُرِّك بالكسر؛ لضرورة الروي، ونائب الفاعل: هي؛ وجملة "الفعل ونائب فاعله": في محل رفع خبر "أن".
موطن الشاهد: "بله الأكف".
وجه الاستشهاد: مجيء "الأكف" في روايتين؛ إحداهما: منصوبة والثانية مكسورة. فعلى رواية النصب: تخرج على أن بله اسم فعل أمر، فاعله ضمير مستتر فيه وجوبا؛ تقديره: أنت. والأكف: مفعول به، وانتصابه كانتصاب الكتاب في قولك: "دونك الكتاب"، وانتصاب الاسم بعد اسم الفعل.
وعلى رواية الجر: فتخرج على أن "بله" مصدر ليس له فعل من لفظه، والأكف مجرور بإضافة هذا المصدر إليه -كما أسلفنا في الإعراب- نحو قوله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَاب} غير أن "ضرب" له فعل من لفظه، و"بله" ليس له فعل من لفظه. انظر شرح التصريح: 1/ 330، وحاشية الصبان: 2/ 121-122.
1 أي: في أسلوب إنشائي مقصود به الطلب، سواء كان طلب فعل أو ترك، أو إقرار للشيء؛ أو عدم إقراره.
2 "47" سورة محمد، الآية: 4.
موطن الشاهد: {ضَرْبَ الرِّقَابِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ضرب" مفعولا مطلقا مضافا إلى الرقاب؛ فهو مبين للنوع؛ والتقدير: فاضربوا ضرب الرقاب.
3 قيل هو أعشى همدان، وقيل جرير، وقيل الأحوص، ورجح العيني النسبة إلى أعشى همدان كما نسبه صاحب الحماسة البصرية. شرح العيني بذيل حاشية الصبان: 2/ 116,
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
على حين ألهى الناس جُلُّ أمورِهِمْ
والبيت يقوله الشاعر في هجاء لصوص، وينشد قبله:
يمرون بالدهنا خفافا عيابهم ... ويرجعن من دارين بُجْرَ الحقائب
والشاهد من شواهد: التصريح: / 331، والأشموني: 1/ 212 عرضا، وابن عقيل =(2/189)
.........................................................................
__________
= "162/ 2/ 178" والكتاب: 1/ 59، والخصائص: 1/ 120، والإنصاف: 1/ 293، والعيني: 3/ 46، 523، وملحقات ديوان الأحوص.
المفردات الغريبة: الدهنا: موضع بنجد، وهو ممدود، وقصر للشعر. عيابهم، جمع عيبة، وهي الوعاء يوضع فيه الزاد والثياب كالحقيبة. دارين: موضع بالبحرين مشهور بالمسك، ويقال: مسك داري. بجر: جمع أبجر، وهو العظيم البطن، وإضافته للحقائب من إضافة الصفة إلى الموصوف. الحقائب: جمع حقيبة؛ وهي العيبة. ألهى الناس: شغلهم؛ من الإلهاء؛ وهو شغلك عن الشيء. جل: معظم وأكثر. ندلا؛ الندل: التناول والاختطاف بسرعة وخفة. زريق: اسم قبيلة، أو رجل.
المعنى: يصف أولئك اللصوص بأنهم يخرجون للسرقة فيمرون بالدهناء، وحقائبهم فارغة، ثم يسرقون ويرجعون من دارين، وقد امتلأت حقائبهم بما سرقوا، وهم ينتهزون فرصة اشتغال الناس بأمورهم ومهامهم، ويوصي بعضهم بعضا بالسرعة في الخطف والحيلة؛ كما تفعل الثعالب التي يضرب بها المثل في ذلك، فيقال: أخطف من ثعلب.
الإعراب: "على حين": متعلق بـ "يمرون" في البيت السابق: ألهى: فعل ماضٍ. الناس: مفعول به. جل: فاعل مرفوع لـ "ألهى" وهو مضاف. أمورهم: مضاف إليه، و"هم" مضاف إليه ثانٍ. وجملة "ألهى الناس جل أمورهم": في محل جر بالإضافة. ندلا: مفعول مطلق بفعل محذوف؛ والتقدير: فاندل ندلا. زريق: منادى بحرف نداء محذوف؛ والتقدير: يا زريق. المال: مفعول به لـ "ندلا". ندل: مفعول مطلق مبين للنوع واقع بدلا من قوله: "ندلا" السابق، وهو مضاف. الثعالب: مضاف إليه. وذهب الدنوشري إلى أن قوله: "ندل الثعالب": صفة لـ "ندلا" السابق؛ وقال: لا يضر كونه معرفة و"ندلا" السابق نكرة؛ لأنه على حذف مضاف؛ والتقدير: مثل ندل الثعالب؛ و"مثل": لا تتعرف بالإضافة إلى معرفة؛ وقال بعضهم؛ المعرف بـ "أل الجنسية" يقع صفة للنكرة؛ وهذا بعيد- وجعل الشاهد منه. انظر حاشية الشيخ يس على التصريح: 1/ 331.
موطن الشاهد: "ندلا".
وجه الاستشهاد: مجيء "ندلا" مصدرا نائبا عن فعله، وهو واقع في الطلب؛ لأن معناه: اندل -أي: اخطف- وهل ينوب هذا المصدر عن الفعل في الدلالة على معناه؟ وفي تحمل ضميره المستتر الذي كان فاعلا له، فيصير بعد الحذف فاعلا للمصدر؟ أو ينوب عن الفعل المحذوف. وفاعله معا؛ فلا يحتاج إلى فاعل؟ في المسألة قولان؛ والأول أحسن؛ لأنه مساير للقواعد، والثاني: أيسر وأخف. ضياء السالك: 2/ 124.(2/190)
كذا أطلق ابن مالك، وخص ابن عصفور1 الوجوب بالتكرار، كقوله2: [الوافر]
249- فصبرا في مجال الموت صبرا3
__________
1 مرت ترجمته.
2 القائل هو: قطري بن الفجاءة الخارجي التميمي، رأس الخوارج، وأحد الأبطال المذكورين، خرج في مدة ابن الزبير، له وقائع مشهورة في التغلُّب على بعض نواحي فارس، أرسل إليه الحجاج جيشا عظيما، فأصيب، وقتله الجند بعد ذلك وأرسل رأسه إلى الحجاج وذلك سنة: 77 هـ. خزانة الأدب: 10/ 163.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
فما نيل الخلود بمستطاع
وهو من قصيدته المشهورة التي مطلعها:
أقول لها وقد طارت شعاعا ... من الأبطال: ويحك لن تراعي
فإنك لو سألت بقاء يوم ... على الأجل المقدر لم تطاعي
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 331، والأشموني: "423/ 1/ 212"، والمرتضى: 1/ 236 والعيني: 3/ 51، وحاشية يس: 1/ 330، وشرح التبريزي على الحماسة: 1/ 96.
المفردات الغريبة: مجال الموت: مكان المعركة الذي يجول فيه الفرسان، الخلود: البقاء المستمر.
المعنى: اصبري أيتها النفس، ولا تيأسي، واثبتي في موطن القتال حتى تحققي النصر أو تموتي موتا شريفا؛ فالفرار من القتال لا ينجي، والبقاء في هذه الدنيا غير ممكن، فلم الخوف والفزع؟!
الإعراب: صبرا: مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبا؛ والتقدير: اصبري صبرا. "في مجال": متعلق بـ "صبرا". الموت: مضاف إليه. صبرا: توكيد للمصدر الأول. فما: الفاء تفريعية، و"ما" نافية. نيل: مبتدأ مرفوع؛ أو اسم "ما" العاملة عمل "ليس"، وهو مضاف. الخلود: مضاف إليه. بمستطاع: الباء حرف جر زائد. مستطاع: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر "ما" الحجازية؛ أو خبر المبتدأ على إهمال "ما"، والأفضل الإعمال.
موطن الشاهد: "صبرا في مجال الموت صبرا".
وجه الاستشهاد: مجيء المصدر "صبرا" مكررا في البيت، وهو قائم مقام فعل الأمر، ولذا وجب حذف عامله هنا إجماعا؛ لأن ابن مالك وغيره من النحاة يرون وجوب الحذف متى كان المصدر واقعا موقع فعل الأمر من غير قيد؛ وابن عصفور ومن تبعه من النحاة يرون أن تكرار المصدر القائم مقام فعل الأمر، يوجب حذف المصدر، وفي هذا الشاهد تحقق الشرطان، فلا خلاف في وجوب حذف العامل.(2/191)
أو مقرونا باستفهام توبيخي، نحو: أتوانيًا وقد جد قرناؤك؟ " وقوله1: [الوافر]
250- ألؤمًا لا أبا لك واغترابا؟
__________
1 القائل، هو: جرير بن عطية الخطفي، وقد مرت ترجمته.
تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
أعبدا حَلَّ في شُعَبَى غريبا
والبيت من كلمة لجرير في هجاء خالد بن يزيد الكندي، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 331، 2/ 171، 189، والأشموني: "424/ 1/ 212"، والكتاب لسيبويه: 1/ 17، 173، والجمل للزجاجي: 168، والخزانة: 1/ 308، والعيني: 3/ 49، 4/ 215، 506، وديوان جرير: 62.
المفردات الغريبة: حل: نزل واستقر. شعبى "بألف مقصورة": موضع، أو المراد جبال متشعبة. غريبا: وصف من الغربة وهي البعد عن الأهل والوطن. ألؤما: اللؤم الخسة والدناءة. لا أبا لك: المقصود بهذا الأسلوب هنا الذم -أي أنه مجهول النسب. اغترابا: بعدا عن الوطن.
المعنى: يهجو الشاعر رجلا، فيقول له: أيها الذليل الحقير الذي حل بهذا المكان -وهو عنه غريب- لا أهل له بهذا المكان ولا عشيرة؛ ثم تفخر؟ بعد أن جمعت ما بين الدناءة والاغتراب.
الإعراب: أعبدا: الهمزة حرف نداء. عبدا: منادى منصوب. ويجوز أن تكون الهمزة حرف استفهام داخلة على فعل محذوف، والتقدير: أتفخر -مثلا- والفاعل: أنت. وعبدا: حال من الفاعل. حل: فعل ماضٍ، والفاعل: هو، يعود إلى "عبدا"؛ وجملة "حل": في محل نصب صفة لـ "عبدا". غريبا: حال من الفاعل. ألؤما: الهمزة للاستفهام التوبيخي، و"لؤما": مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبا؛ والتقدير: أتلؤم لؤما؟. لا: نافية للجنس. أبا: اسم لا منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة. لك: اللام زائدة لتأكيد الإضافة، والكاف: في محل جر بالإضافة؛ والتقدير: لا أباك. واغترابا: الواو عاطفة، اغترابا: مفعول مطلق لعامل محذوف؛ والتقدير: وتغترب اغترابا؟؛ و"جملة الفعل المحذوف" معطوف على جملة "أتلؤم لؤما"؟.
موطن الشاهد: "ألؤما واغترابا".
وجه الاستشهاد: وقوع كل من "لؤما" و"اغترابا" مصدرا نائبا عن فعله بعد الاستفهام التوبيخي، فعامله محذوف وجوبا باتفاق.(2/192)
وواقع في الخبر1، وذلك في مسائل:
إحداها: مصادر مسموعة كثر استعمالها، ودلت القرائن على عاملها، كقولهم عند تذكر نعمة وشدة: "حمدا وشكرا لا كفرا" و: "صبرا لا جزعا" وعند ظهور أمر معجب "عجبا" وعند خطاب مرضي عنه أو مغضوب عليه "أفعله وكرامة ومسرة" و: "لا أفعله ولا كيدا ولا هما".
الثانية: أن يكون تفصيلا لعاقبة ما قبله2، نحو: {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} 3.
الثالثة: أن يكون مكررا، أو محصورا، أو مستفهما عنه، وعامله خبر عن اسم عين، نحو: "أنت سيرا سيرا" و: "ما أنت إلا سيرا" و: "إنما أنت سير البريد" و: "أأنت سيرا؟ ".
الرابعة: أن يكون مؤكدا لنفسه أو لغيره؛ فالأول الواقع بعد جملة هي نص في
__________
1 هذا هو النوع الثاني المقابل لقوله سابقا "واقع في الطلب"، والمراد بالخبر هنا: ما ليس بطلب، فيشمل الإنشاء، غير الطلبي كصيغة التعجب، والمدح والذم، وجملة القسم، لا جملة الجواب. ومثل حمدا وشكرا. وقد جعل النحاة ذلك من قسم الخبر، نظرا لصورة العامل ولفظه. وقيل: إنها أساليب خبرية لفظا ومعنى.
2 أي أن يكون المصدر في موضع يوضح ويفصل عاقبة جملة قبله؛ أي يبين الغاية والغرض من مضمون الجملة قبله، وذلك يكون بوقوعه بعد أداة تفيد التفصيل.
3 "47" سورة محمد، الآية: 4.
موطن الشاهد: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} .
وجه الاستشهاد: مجيء "منا وفداء" تفصيلا وتوضيحا لعاقبة الأمر بشد الوثاق؛ والتقدير: فإما أن تمنوا مَنًّا بإطلاق الأسرى من دون فداء، وإما أن تفدوا فداء. "والفداء: العوض الحالي" وقد ناب كل منهما عن فعله في بيان معناه؛ وحذف العامل في هذه الحال الوجوب.(2/193)
معناه، نحو: "له علي ألف عرفا"1 أي: اعترافا، والثاني: الواقع بعد جملة تحتمل معناه وغيره، نحو: "زيد ابني حقا"2 و: "هذا زيد الحقَّ لا الباطل" و: "لا أفعل كذا البتة"3.
الخامسة: أن يكون فعلا علاجيا تشبيهيًّا، بعد جملة مشتملة عليه وعلى صاحبه، كـ: "مررت [بزيد] فإذا له صوتٌ صوتَ حمار، وبكاءٌ بكاءَ ذات داهية"4.
[متى يجب الرفع] :
ويجب الرفع في نحو: "له ذكاءٌ ذكاءُ الحكماء" لأنه معنوي لا علاجي، وفي نحو: "صوتُه صوتُ حمار" لعدم تقدم جملة، وفي نحو: "فإذا في الدار صوتٌ صوتُ حمار" ونحو: "فإذا عليه نوحٌ نوحُ الحمام" لعدم تقدم صاحبه، وربما نصب نحو هذين، لكن على الحال.
تنبيه: مِثلُ: "له صوتٌ صوتَ حمار" قولُه5: [البسيط]
__________
1 جملة "له علي ألف" نص في الاعتراف لا تحتمل غيره، فمدلول الجملة هو مدلول المصدر، وسمي مؤكدا لنفسه؛ لأنه بمنزلة إعادة الجملة التي قبله.
2 هذه الجملة تحتمل الحقيقة، وتحتمل المجاز على معنى: "أنت مثل ابني في الحنو والعطف"، وقد صارت نصا بالمصدر وهو "حقا" لأنه أزال الشك ورفع المجاز وأثبت الحقيقة، ولذلك سمي مؤكدا لغيره؛ لأنه جعل ما قبله نصا بعد أن كان محتملا، وأثر فيه فكأنه غيره؛ لأن المؤثِّر غير المؤثَّر. التصريح: 1/ 333.
3 جملة "لا أفعل كذا" تحتمل استمرار النفي وانقطاعه، وكلمة "ألبتة" رفعت احتمال الانقطاع، وحققت استمرار النفي.
4 يجوز في هذين المثالين -مع استيفاء كل الشروط التي ذكرها المؤلف كغيره من النحاة- الرفع، على أن المصدر الثاني بدل من المصدر الأول، أو على أن الثاني نعت للأول؛ لأنه تخصص بإضافته إلى ما بعده.
5 القائل هو: أبو كبير الهذلي؛ عامر بن الحليس، شاعر فحل من شعراء الحماسة، من هذيل، أدرك الإسلام، وأسلم، له خبر مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وله ديوان شعر مطبوع. الأعلام "ط: 3": 4/ 16، وسمط اللآلي: 387.(2/194)
251- ما إن يمس الأرض إلا منكب ... منه وحرف السابق، طي المحمل1
لأن ما قبله بمنزلة "له طيء"2، قاله سيبويه.
__________
1 تخريج الشاهد: هذا البيت في وصف أبي كبير الهذلي لتأبط شرا؛ ابن امرأته، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 334، والأشموني: "426/ 1/ 214"، والكتاب لسيبويه: 1/ 180، والمقتضب: 3/ 203، 232، والخصائص: 2/ 309، والإنصاف: 1/ 230، والعيني: 3/ 54، وديوان الهذليين: 2/ 93.
المفردات الغريبة: المنكب: مجمع عظم العضد والكتف. المحمل: علاقة السيف.
المعنى: يصف تأبط شرا بأنه ضامر مدمج الخلق كطي المحمل، إذا اضطجع، لا يصل بطنه إلى الأرض، وإنما يمس الأرض من منكبه، وحرف ساقه، وإن له تجافيا كتجافي حمالة السيف.
الإعراب: ما: نافية مهملة. "إن: زائدة لتأكيد النفي. يمس: فعل مضارع مرفوع. الأرض: مفعول به لـ "يمس" تقدم على الفاعل. إلا: أداة حصر. منكب: فاعل مرفوع. "منه": متعلق بمحذوف صفة لـ "منكب". وحرف: الواو عاطفة. حرف: معطوف على منكب، وحرف: مضاف، والساق: مضاف إليه. طي المحمل: مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف وجوبا، والمحمل: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "طي المحمل".
وجه الاستشهاد: نصب المصدر بفعل محذوف وجوبا، كما في قولهم: له صوت صوت حمار؛ وهو وإن لم تسبقه جملة مستكملة للشروط التي ذكرت، غير أن الكلام السابق على المصدر، يدل على ما تدل عليه الجملة، كما ذكر المؤلف؛ فكلام الشاعر، معناه: "إن هذا الغلام إذا نام على الأرض، تجافى جسمه كل عنها إلا منكبه وحرف ساقه" فكأنه قال: "له طي"؛ فهي جملة مشتملة على المصدر وعلى صاحبه. انظر شرح التصريح: 1/ 334.
2 أي: وهذه جملة مشتملة على المصدر وصاحبه.
فائدتان:
أ- إذا أضيف المصدر مثل: ويلك، ويحك، بعدك، يكثر نصبه على المصدرية، ويجوز فهي على قلة الرفع على الابتداء. وإذا أفرد، جاز الأمران على السواء. وإذا كان معرفا بأل فرفعه أحسن من نصبه نحو: الويل له، ويرفع مبتدأ أو خبر ما يفيد الطلب نحو: صبر جميل، أي صبر جميل أجمل، أو أمري صبر جميل وخبر المكرر والمحصور، والمؤكد، وما يفيد الخبر؛ نحو: عجب لتلك قضية أي: أمري عجب. وقيل: عجب مبتدأ، ولتلك خبر. ضياء السالك: 2/ 131. =(2/195)
.........................................................................
__________
= ب- هنالك مصادر مسموعة بالنصب بصيغة التثنية مع الإضافة، مثل: لبيك وسعديك، وحنانيك ... ، ونصبها بفعل محذوف وجوبا، وهي نائبة عنه، والأصل: ألبى لبيك، وأسعد سعديك، وحن حنانيك. ومن المصادر ما هو مفرد منصوب ملازم للإضافة إلا في الضرورة. مثل: سبحان الله -أي براءة له من النقص، ومعاذ الله، أي عياذا واستعانة به. ضياء السالك: 2/ 131.(2/196)
[باب المفعول له] :
هذا باب المفعول له1:
ويسمى المفعول لأجله، ومن أجله، ومثاله: "جئت؛ رغبة فيك".
[شروط انتصاب المصدر على أنه مفعول لأجله] :
وجميع ما اشترطوا له خمسة أمور:
1- كونه مصدرا2، فلا يجوز: "جئتك السمن والعسل" قاله الجمهور، وأجاز يونس: "أما العبيدَ فذو عبيد"3 بمعنى مهما يذكر شخص لأجل العبيد فالمذكور ذو عبيد، وأنكره سيبويه.
2- وكونه4 قلبيا كالرغبة، فلا يجوز: "جئتك قراءة للعلم" ولا "قتلا للكافر" قاله ابن الخباز5 وغيره، وأجاز الفارسي: "جئتك ضربَ
__________
1 هو المصدر الذي يدل على سبب وعلة ما قبله، ويشارك عامله في وقته وفاعله.
2 لأن المصدر يشعر بالعلية، أما الذوات فلا تكون في الغالب عللا للأفعال.
3 أي ينصب "العبيد" على أنه مفعول لأجله مع أنه غير مصدر، وزعم أن هذا قول بعض العرب، "ويقولونه إذا وصف شخص آخر بعبيد وغيرهم، كالمنكرين عليه وصفه بغير العبيد. وقال البعض: إنه مفعول لأجله بتقدير مضاف، أي أما تملك العبيد فالمفعول هو المصدر المحذوف وهو تملك. التصريح: 1/ 334.
4 أي من أفعال النفس الباطنة. وقيل في سبب اشتراط ذلك: إن العلة هي السبب في إيجاز الفعل وسبب الشيء متقدم عليه، وأفعال الجوارح، كالقتل والضرب ... ، ليست كذلك، ولم يشترط بعضهم ذلك، وأجاز: جئتك إكراما لي، وجئتك اليوم إكراما لك.
5 هو: شمس الدين أحمد بن الحسين بن أحمد بن أبي المعالي، النحوي الضرير؛ لم ير في زمانه أسرع منه حفظا، كان يحفظ المجمل لابن فارس، والإيضاح والتكملة لأبي علي الفارسي، والمفصل للزمخشري، وله مصنفات عديدة منها: النهاية في النحو: وشرح ألفية ابن معطي، مات بالموصل سنة 637 هـ. البلغة: 19، إنباه الرواة: 1/ 304، شذرات الذهب: 5/ 202، الأعلام: 1/ 114.(2/197)
زيدا"1 أي: لتضرب زيدا.
3- وكونه علة: عرضا كان كرغبة، أو غير عرض، كـ: "قعد عن الحرب جبنا".
4- واتحاده بالمعلل به وقتا، فلا يجوز: "تأهبت السفر"2، قاله الأعلم3 والمتأخرون.
5- واتحاده بالمعلل به فاعلا4، فلا يجوز: "جئتك محبتك إياي"، قاله المتأخرون أيضا، وخالفهم ابن خروف5.
[متى فقد المعلل شرطا وجب أن يجر بحرف التعليل] :
ومتى فقد المعلل شرطا منها وجب عند من اعتبر ذلك الشرط، أن يجر بحرف التعليل، ففاقد الأول، نحو: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَام} 6، والثاني نحو:
__________
1 مع أن المصدر ليس قلبيا، وليس مشتركا مع العامل في الفاعل؛ لأن فاعل المجيء غير فاعل الضرب، فكأن الفارسي لا يشرتط هذين الشرطين. التصريح: 1/ 335.
2 بأن يتحد وقت الفعل المعلل والمصدر المعلل، وفي هذا المثال زمن التأهب غير زمن السفر.
3 هو: يوسف الشنتمري، وقد مرت ترجمته.
4 أي: بأن يكون فاعل الفعل وفاعل المصدر واحدا.
5 فقال لا يشترط ذلك؛ لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} إذ أن فاعل الإراءة هو الله، وفاعل الخوف والطمع العباد، وقد يقال: إن معنى يريكم: يجعلكم ترون، فيكون فاعل الرؤية والخوف واحدا. التصريح: 1/ 335.
6 "55" سورة الرحمن: 10.
موطن الشاهد: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَام} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الأنام" علة الوضع، ولكنها ليست مصدرا، فجُرَّ باللام.(2/198)
{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} 1 بخلاف: {خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} 2، والرابع3 نحو4: [الطويل]
252- فجئت وقد نضَّت لنوم ثيابها5
__________
1 "6" سورة الأنعام، الآية: 151.
موطن الشاهد: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الإملاق" علة القتل؛ ولكنه ليس قلبيا فجر بـ "من" التعليلية؛ لافتقاده الشرط الثاني وهو القلبية.
2 سورة الإسراء، الآية: 31.
موطن الشاهد: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} .
وجه الاستشهاد: "مجيء "خشية" مصدرا قلبيا علة للقتل فنصب على أنه مفعول لأجله.
3 لم يذكر المؤلف الشرط الثالث؛ وهو كونه علة؛ لإخراجه بقوله: ومتى فقد المعلل، فلما ليس بعلة نحو: قتلته صبرا، لا يجوز جره باللام؛ لأن الجر بحرف التعليل يفيد العلة، والفرض عدمها.
4 القائل: هو: امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
لدى الستر إلا لبسة المتفضل
والبيت من معلقته المشهورة، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 336، والأشموني: 428/ 1/ 216"، والهمع: 1/ 194، 247، والدرر: 1/ 66، والمقرب: 33. والعيني: 3/ 66، 225، وشذور الذهب "109/ 301"، وقطر الندى "101/ 306.
المفردات الغريبة: نضت: خلعت "بتشديد الضاد وتخفيفها"، لدى الستر: عند الستار: لبسة المتفضل: ما تلبسه وقت النوم من قميص ونحوه، والمتفضل: المتوشح بثوبه، أو لابس الثوب الواحد.
المعنى: أتيت إلى محبوبتي.. وقد خلعت ثيابها استعدادا للنوم -ولم يبق عليها إلا الثوب الذي تلبسه قبيل النوم لتنام فيه؛ كناية عن أنها مترفة ووليدة نعمة.
الإعراب: جئت: فعل ماضٍ وفاعل: وقد: الواو حالية. قد حرف تحقيق. نضت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث، والفاعل: هي. "لنوم": متعلق بـ "نض". ثيابها: مفعول به منصوب، و"ها": مضاف إليه. وجملة "نضت لنوم ثيابها": في محل نصب على الحال. "لدى": متعلق بـ "نض" وهو ظرف مكان منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر، وهو مضاف. الستر: مضاف إليه. إلا: حرف استثناء لا محل له من الإعراب. لبسة: منصوب على الاستثناء، وهو مضاف، المتفضل: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "لنوم".
وجه الاستشهاد: مجيء "نوم" علة لخلع الثياب، غير أنه -أي زمن النوم- متأخر عن زمن خلع الثياب، فجرَّ بلام التعليل؛ لعدم اتحاد الوقت.(2/199)
والخامس نحو1: [الطويل]
253- وإني لتعروني لذكراك هزة2
__________
1 القائل: هو: أبو صخر الهذلي؛ عبد الله بن سلم "سلمة" السهمي الهذلي، شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية، كان متعصبا لبني مروان، له في عبد الملك بن مروان وأخيه عبد العزيز مدائح كثيرة، وكان قد تحول عن عبد الله بن الزبير بعد أن حبسه، مات سنة 3/ 261، وسمط اللآلي: 399.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
كما انتفض العصفور بلله القطرُ
والبيت من قصيدته المشهورة والتي مطلعها:
عجبت لسعي الدهر بيني وبينها ... فلما انقضى ما بيننا سكن الدهرُ
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 336، 2/ 11، والأشموني: "429/ 1/ 216" والإنصاف: 1/ 253، وشرح المفصل: 2/ 67، وأمالي القالي: 1/ 149، والهمع: 1/ 194، والدرر: 1/ 166، والأغاني: 21/ 97، والمقرب: 33، والعيني: 3/ 67، 278، والخزانة: 1/ 552، وشرح السكري: 957، وشذور الذهب: "102/ 169".
المفردات الغريبة: تعروني: تنزل بي. لذاكراك: لتذكري إياك. هزة: رعدة وانتفاضة. انتفض العصفور: ارتعد وارتعش. القطر: المطر.
المعنى: إني لاضطرب وتنتابني -عندك تذكرك- رعدة ورعشة، كما يضطرب العصفور، ويرتعش وينتفض، إذا ما نزل عليه المطر وبلله.
الإعراب: إني: حرف مشبه بالفعل، والياء: اسمه. لتعروني: اللام لام المزحلقة، تعرو: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو منع من ظهورها الثقل، والنون: للوقاية، وياء المتكلم مفعول به. "لذكراك": متعلق بـ "تعرو"، والكاف: مضاف إليه. هزة: فاعل مرفوع؛ وجملة "تعروني لذكراك هزة": في محل رفع خبر "إن". كما: الكاف حرف جر، و"ما" حرف مصدري. انتفض: فعل ماضٍٍ مبني على الفتح. العصفور: فاعل مرفوع؛ و"ما، وما دخلت عليه": في تأويل مصدر مجرور بالكاف؛ و"الجار والمجرور": متعلق بمحذوف صفة لـ "هزة"؛ والتقدير: تعروني هزة كائنة كانتفاض العصفور ... بلله: فعل ماضٍ، والهاء: مفعول به؛ والضمير عائد إلى العصفور. القطر: فاعل مرفوع؛ وجملة "ببله القطر": في محل نصب على الحال من العصفور؛ أو في محل رفع صفة للعصفور؛ لأنه محلى بأل الجنسية.
موطن الشاهد: "لذكراك".
وجه الاستشهاد: مجيء "ذكرى" علة لعروِّ الهزة، غير أن فاعل "العرو" الهزة، وفاعل "الذكرى" هو المتكلم؛ فلما اختلف الفاعل؛ جر الاسم الدال على العلة.(2/200)
وقد انتفى الاتحادان في: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} 1.
[جواز جر المستوفي للشروط بكثرة إن كان بأل] :
ويجوز جر المستوفي للشروط بكثرة إن كان بـ "أل"، وبقلة إن كان مجردا، وشاهد القليل فيهما قوله2: [الرجز]
254- لا أقعد الجبن عن الهيجاء3
__________
1 "17" سورة الإسراء، الآية: 78.
موطن الشاهد: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} .
وجه الاستشهاد: التقى مانعان للنصب على المفعول له في الآية الكريمة؛ الأول: فاعل الإقامة "المخاطب" وفاعل الدلوك "وهو الميل عن وسط السماء" الشمس؛ وزمنهما مختلف؛ لأن زمن الإقامة متأخر عن زمن الدلوك. والثاني: "الدلوك" ليس مصدرا قلبيا؛ فجرَّ المصدر باللام؛ لانتفاء الاتحادين.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
ولو توالت زمر الأعداء
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 336، والأشموني: "431/ 1/ 217".
المفردات الغريبة: الجبن: الخوف والفزع. الهيجاء: الحرب -تقصر وتمد، توالت: تتابعت وتكاثرت. زمر: جماعات؛ جمع "زمرة" وهي الجماعة.
المعنى: لا أتكاسل ولا أتوانى عن اقتحام الحرب ومنازلة الأبطال خوفا وفزعا، ولو تكاثرت جماعات الأعداء علي، وأتى بعضها تلو بعض.
الإعراب: لا: نافية. أقعد: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. الجبن: مفعول به لـ "أقعد" "عن الهيجاء": متعلق بـ "أقعد". ولو: الواو عاطفة، والمعطوف عليه محذوف؛ والتقدير: لو لم تتوالَ زمر الأعداء. ولو توالت: لو: شرطية غير جازمة: أو حرف امتناع لامتناع. توالت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث، وهو فعل الشرط. زمر: فاعل مرفوع، وهو مضاف. الأعداء: مضاف إليه؛ وجواب "لو" محذوف دل عليه ما قبله؛ لأن التقدير: ولو توالت علي زمر الأعداء فإني لا أقعد عن الهيجاء.
موطن الشاهد: "الجبن".
وجه الاستشهاد: مجيء "الجبن" مصدرا منصوبا على المفعول لأجله؛ وحكم نصبه في هذه الحالة قليل؛ لأنه مقرون بأل؛ والأكثر فيه أن يأتي مجرورا بحرفٍ دالٍّ على التعليل.(2/201)
وقوله1: [مشطور الرجز]
255- من أمكم لرغبة فيكم جبر2
__________
1 لم ينسب إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من الرجز، وعجزه قوله:
ومن تكونوا ناصريه يَنْتَصِرْ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 336، والأشموني: "430/ 1/ 217"، والعيني: 3/ 170، وفيه "ظفر".
المفردات الغريبة: أمكم: قصدكم. لرغبة: رغب فيه: أراده وأحبه، ورغب عنه كرهه ولم يرده. جبر: اغتنى وظفر بما يريد. ناصريه: جمع ناصر وهو المعين.
المعنى: إن من يقصدكم يريد فضلكم ومعروفكم؛ يظفر بما يريد. والذي تتولون إعانته ونصره على أعدائه ينتصر لا محالة.
الإعراب: من: اسم شرط جازم، في محل رفع مبتدأ. أمكم: فعل ماضٍٍ، والفاعل: هو، و"كم": مفعول به؛ وجملة "أمكم" في محل جزم فعل الشرط. "لرغبة": متعلق بـ "أم". "فيكم": متعلق بـ "رغبة" أو بمحذوف صفة لـ "رغبة". جبر: فعل ماضٍٍ مبني للمجهول؛ وهو مبني على الفتح، وسكن لضرورة الوقف في محل جزم جواب الشرط. ومن: الواو عاطفة. من: اسم شرط جازم، في محل رفع مبتدأ. تكونوا: فعل مضارع ناقص، وهو فعل الشرط مجزوم بحذف النون، وواو الجماعة في محل رفع اسمه. ناصريه: خبر "تكونوا" منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم، و"الهاء": في محل جر بالإضافة. ينتصر: فعل مضارع مجزوم؛ لأنه جواب الشرط؛ وجملتا الشرط والجزاء في العبارتين في محل رفع خبر المبتدأ "اسم الشرط الجازم".
موطن الشاهد: "لرغبة".
وجه الاستشهاد: مجيء "رغبة" مصدرا قلبيا واقعا مفعولا لأجله، غير أنه جر بحرف التعليل "اللام" مع كونه مجردا من "أل" ومن الإضافة؛ وحكم جره وهو على هذه الحال قليل والكثير فيه النصب.(2/202)
[استواء النصب والجر في المضاف] :
ويستويان في المضاف، نحو: {يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} 1، ونحو: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} 2، قيل: ومثله: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} 3، أي: فليعبدوا رب هذا البيت لإيلافهم الرحلتين، والحرف في هذه الآية واجب عند من اشترط اتحاد الزمان.
__________
1 "2" سورة البقرة، الآية: 265.
موطن الشاهد: {يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ابتغاء" مصدرا منصوبا على أنه مفعول لأجله وهو مضاف؛ وحكم نصبه في هذا الحال الجواز.
2 "2" سورة البقرة، الآية: 74.
موطن الشاهد: {يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "خشية" مصدرا مفعولا له، غير أنه جر بمن التعليلية؛ لأن التقدير: لم يهبط لأجل خشية الله؛ وهو مضاف إلى لفظ الجلالة؛ وحكم جره في هذه الحالة الجواز.
3 "106" سورة قريش، الآية: 1.
موطن الشاهد: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "إيلاف" مصدرا مفعولا له، وهو مضاف مجرور باللام المتعلقة بـ "يعبدوا" وقيل: متعلقة بـ "أعجبوا" مقدرا؛ وقيل غير ذلك؛ وحكم جره الجواز؛ لما ذكرنا في الآيتين السابقتين. انظر شرح التصريح: 1/ 337.
فائدة: يجوز حذف المفعول لأجله لدليل، تقول: اعبد الله شكرا وأطعه، أي شكرا. كما يجوز حذف عامله لقرينة تدل عليه، فتقول: طلبا للراحة. في جواب: لم سافرت بالأمس؟.(2/203)
[باب المفعول فيه] :
هذا باب المفعول فيه، وهو المسمى ظرفا1:
[تعريف الظرف وأنواع ما ينتصب على الظرفية] :
الظرف: ما ضُمِّنَ معنى "في" باطِّراد: من اسم وقت، أو اسم مكان، أو اسم عرضت دلالته على أحدهما، أو جار مجراه.
فالمكان والزمان، كـ: "امكث هنا أزمُنًا".
والذي عرضت دلالته على أحدهما أربعة: أسماء العدد المميزة بهما، كـ: "سرت عشرين يوما، ثلاثين فرسخا"، وما أفيد به كلية أحدهما أو جزئيته، كـ: "سرت جميع اليوم، جميع الفرسخ" أو: "كل اليوم كل الفرسخ"، أو: بعض اليوم، بعض الفرسخ"، أو: "نصف اليوم، نصف الفرسخ".
وما كان صفة لأحدهما، كـ: "جلست طويلا من الدهر شرقيَّ الدار".
وما كان محفوضا بإضافة أحدهما ثم أنيب عنه بعد حذفه.
والغالب في هذا النائب أن يكون مصدرا، وفي المنوب عنه أن يكون زمانا، ولا بد من كونه معينا لوقت أو لمقدار، نحو: "جئتك صلاة العصر" أو: "قدوم الحاج"، و: "أنتظرك حلب ناقة" أو: "نحر جزور".
وقد يكون النائب اسم عين، نحو: "لا أكلمه القارِظَيْن"2، والأصل "مدة غيبة القارظين".
__________
1 المفعول فيه. تسمية الكوفيين، أما الظرف فتسمية البصريين، ويعترض الكوفيون على تسمية البصريين، بأن الظرف في اللغة هو: الوعاء المتناهي الأقطار، وليس اسم الزمان والمكان كذلك. حاشية الصبان: 2/ 125، وشرح التصريح: 1/ 337.
2 "القارظين" منصوب على الزمان؛ لنيابته عنه بعد حذفه وهو ليس بمصدر، "والقارظين" =(2/204)
وقد يكون المنوب عنه مكانا، نحو: "جلست قرب زيد" أي: مكان قربه.
[الجاري مجرى أحدهما] :
والجاري مجرى أحدهما: ألفاظ مسموعة توسعوا فيها، فنصبوها على تضمين معنى "في" كقولهم: "أحقا أنك ذاهب"1 والأصل أفي حق، وقد نطقوا بذلك، قال2: [الطويل]
256- أفي الحق أني مغرم بك هائم3
__________
= مثنى قارظ، وهو جاني القرظ الذي يدبغ به، وهما رجلان من عنزة خرجا يجنيان القرظ، فطالت مدة غيابهما ولم يرجعا، فضرب برجوعهما المثل؛ للأمر الميئوس منه الذي لا يكون أبدا ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي:
فتلك التي لا يبرح القلب حبها ... ولا ذكرها ما أرزمت أم حائل
وحتى يؤوب القارظان كلاهما ... وينشر في القتلى كليب لوائل
وقد أورد الميداني هذا المثل، ونصبه: "حتى يؤوب القارظان" انظر أمثال الميداني "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 1/ 211، برقم: 1125، وانظر شرح التصريح: 1/ 338.
1 أحقا: منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بمحذوف خبر مقدم. أنك ذاهب: في تأويل مصدر مبتدأ مؤخر.
2 القائل هو: فائد بن المنذر القشيري.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وأنك لا خَلٌّ هواك ولا خمرُ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 339، والخزانة: 1/ 193 عرضا، والعيني: 3/ 81، ومغني اللبيب: "81/ 79" وشرح السيوطي: 63.
المفردات الغريبة: مغرم: مولع، من أغرم بالشيء، أولع به. هائم: متحير.
المعنى: ليس غرامي بك، وعشقي لك حقا؛ لأنك لا تستقرين على حال؛ وهواك غير ثابت، كماء العنب المتردد بين الخلية والخمرية؛ فلا هو خل صرف، ولا خمر خالص؛ ومن كان هواه بهذه المثابة، فكيف يكون غرام من أغرم بها حقا؟!.
الإعراب: "أفي الحق": الهمزة حرف استفهام يفيد الإنكار. "في الحق": متعلق بمحذوف خبر مقدم. أني: حرف مشبه بالفعل، والياء: اسمه. مغرم: خبره مرفوع؛ والمصدر المؤول من "أنَّ وما بعدها": في محل رفع مبتدأ مؤخر؛ ويجوز أن يكون =(2/205)
وهي جارية مجرى ظرف الزمان دون ظرف المكان، ولهذا تقع خبرا عن المصادر دون الجثث.
ومثله: "غير شك" أو: "جهد رأيي" أو: "ظنا مني أنك قائم"1.
[ما خرج عن الحد] :
وخرج عن الحد ثلاثة أمور:
__________
= في محل رفع فاعل بالظرف أو "بالجار والمجرور؛ لاعتماده على الاستفهام -على رأي من يجيزون ذلك. "بك": متعلق بـ "مغرم". هائم: خبر ثان لـ "أن". لا خل: لا عاملة عمل ليس و"خل": اسمها. هواك: خبرها، والكاف مضاف إليه؛ وجملة "لا خَلٌّّ هواك": في محل رفع خبر لـ "أن". ولا خمر: الواو عاطفة، لا: عاملة عمل ليس. خمر: معطوف على خل، وخبره محذوف؛ لدلالة ما قبله عليه؛ والتقدير: ولا خمر هواك.
موطن الشاهد: "أفي الحق".
وجه الاستشهاد: "مجيء "الحق" مصرحا معه بالجار؛ وفي هذا دليل على أن "حقا" ظرف زمان؛ لتضمنه معنى "في" وليس منصوبا على المفعولية المطلقة باعتبار أصله، كما يقول بعضهم؛ حيث اتفق العلماء على أن أصل "حقا" مصدر، ثم اختلفوا: هل هو باقٍ على مصدريته أو لا؟. فذهب سيبويه والجمهور من النحاة في قولهم: "أحقا أنك ذاهب" إلى أن "حقا" منصوبة على الظرفية متعلقة بالاستقرار، على أنها خبر مقدم. و"أنك ذاهب": في تأويل مصدر مرفوع بالابتداء، كما في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً} ؛ والتقدير: ومن آياته رؤيتك. والأصل: أفي حق ذهابك؛ فحذفت "في" وانتصب "حقا" على الظرفية.
وذهب المبرد، وتبعه ابن مالك إلى أن "حقا" مصدر بدل من اللفظ بفعله و"أن وما بعدها": في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية، كما في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} والتقدير: أو لم يكفهم إنزالنا، ورده، أبو حيان.
انظر شرح التصريح: 1/ 338-339، ومغني اللبيب: 79.
1 "غير شك"، و"جهد رأيي". و"ظنا مني"، كلمات منصوبة على الظرفية الزمانية توسعا بإسقاط حرف الجر "في"، والظرف فيها جميعا خبر مقدم، والمصدر المؤول بعدها من "أنك قائم" مبتدأ مؤخر.
التصريح: 1/ 339.(2/206)
أحدهما: نحو: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} 1 إذا قدر بفي؛ فإن النكاح ليس بواحد مما ذكرنا.
والثاني: نحو: {يَخَافُونَ يَوْمًا} 2، ونحو: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} 3، فإنهما ليسا على معنى: "في" فانتصابهما على المفعول به، وناصب "حيث" يعلم محذوفا؛ لأن اسم التفضيل لا ينصب المفعول به إجماعا4.
__________
1 "4" سورة النساء، الآية: 127.
موطن الشاهد: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} .
وحه الاستشهاد: عدم مجيء المصدر المؤول من "أن وما بعدها" ظرفا؛ وإن كان المصدر على تقدير في ويصدق عليه التعريف، غير أنه ليس بظرف؛ لأن المعنى: ترغبون في نكاحهن.
2 "76" سورة الإنسان، الآية: 7.
موطن الشاهد: {يَخَافُونَ يَوْمًا} .
وجه الاستشهاد: عدم مجيء "يوما" ظرفا -وإن كان من أسماء الزمان- لأنه ليس على معنى "في"؛ لأنه ليس المراد أن الخوف واقع في ذلك اليوم؛ وإنما المراد: أنهم يخافون نفس اليوم لا ما يقع فيه.
3 "6" سورة الأنعام، الآية: 124.
موطن الشاهد: {أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ} .
وجه الاستشهاد: عدم مجيء "حيث" ظرفا -وإن كان من أسماء الزمان- لأنه ليس على تقدير "في"؛ لأنه ليس المراد أن العلم واقع في ذلك المكان؛ وإنما المراد: أن الله -تعالى- يعلم نفس المكان المستحق لوضع رسالته؛ وقال بعضهم: إن قولهم: "حيث": مفعول به لا ظرف فيه إخراج "حيث" عن طبيعتها؛ لأنها لا تتصرف، وجعلها مفعولا به نوع من التصرف، ولماذا لا يقال: إن المراد أن الله -سبحانه وتعالى- يعلم الفضل والطهارة والصلاحية التي في مكان الرسالة؛ فتبقى "حيث" ظرفا على أصلها. انظر شرح التصريح: 1/ 339.
4 ذكر صاحب التصريح عن صاحب كتاب "البديع" قوله: "غلط من قال: إن اسم التفضيل لا يعمل في المفعول به؛ لورود السماع بذلك، كقوله تعالى: {هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا} ؛ لأن "سبيلا" ليس تمييزا؛ لكونه غير فاعل في المعنى، كما هو الحال في قولهم: "زيد أحسن وجها" وفي الارتشاف لأبي حيان، وقال محمد بن مسعود الغزني: أفعل التفضيل ينصب المفعول به، قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} انظر شرح التصريح: 1/ 339.(2/207)
والثالث: نحو: "دخلت الدار"، و: "سكنت البيت" فانتصابهما إنما هو على التوسع بإسقاط الخافض، لا على الظرفية، فإنه لا يطرد تعدي الأفعال إلى الدار والبيت على معنى "في" لا تقول: "صليت الدار" ولا "نمت البيت"1.
[حكم الظرف النصب وناصبه اللفظ الدال على المعنى الواقع فيه] :
فصل: وحكمه النصب، وناصبه اللفظ الدال على المعنى الواقع فيه2، ولهذا اللفظ ثلاث حالات:
[حالات اللفظ] :
إحداها: أن يكون مذكورا، كـ: "امكث هنا أزمنا"، وهذا هو الأصل.
والثانية: أن يكون محذوفا جوازا، وذلك كقولك: "فرسخين" أو "يوم الجمعة" جوابا لمن قال: "كم سرت"؟ أو "متى صمت"؟
والثالثة: أن يكون محذوفا وجوبا، وذلك في ست مسائل، وهي: أن يقع صفة كـ: "مررت بطائر فوق غصن" أو صلة كـ: "رأيت الذي عندك" أو حالا كـ: "رأيت الهلال بين السحاب" أو خبرا كـ: "زيد عندك" أو مشتغلا عنه كـ: "يوم الخميس صمت فيه" أو مسموعا بالحذف لا غير3 كقولهم: "حينئذ الآن"4، أي: كان ذلك حينئذ، واسمع الآن.
__________
1 لأنهما من أسماء المكان المختصة؛ بها صورة وحدود محصورة، لا يقبل النصب على الظرفية من المكان إلا المبهم الصالح لكل بقعة، كمكان وناحية وجهة ... إلخ، أو الذي اتحدت مادته ومادة عاملة.
2 سواء كان هذا اللفظ فعلا مطلقا تامًا أو ناقصا، متعديا، أو لازما، أم مصدرا أم اسم فعل، أم وصفًا.
3 أنكر المؤلف في المغني قولهم: "لا غير" وأوجب أن يقال: ليس غير. مغني اللبيب: 209.
4 هذا مثل يقال لمن ذكر أمرا قد تقادم عهده؛ أي كان ما تقوله واقعا حين إذا كان كذا وكذا واسمع الآن ما أقول لك، جملتان: اقتطعت "حينئذ" من جملة واقتطعت "الآن" من أخرى، والمقصود نهي المتكلم عن ذكر ما يقوله؛ وأمره بسماع ما يقال له فـ "حين" منصوبة لفظا بفعل محذوف وهي مضافة إلى "إذ"؛ و"الآن" مبني على الفتح في محل نصب، وناصبه محذوف.(2/208)
[أسماء الزمان كلها صالحة للانتصاب على الظرفية] :
فصل: أسماء الزمان كلها صالحة للانتصاب على الظرفية، سواء في ذلك مبهمها كحين ومدة، ومختصها كيوم الخميس، ومعدودها كيومين وأسبوعين1.
والصالح لذلك من أسماء المكان نوعان:
[ما يصلح من أسماء المكان نوعان] :
أحدهما المبهم2، وهو: ما افتقر إلى غيره في بيان صورة مسماه: كأسماء الجهات نحو أمام ووراء ويمين وشمال وفوق وتحت، وشبهها في الشياع كناحية واجبن3 ومكان، وكأسماء المقادير كميل وفرسخ وبريد4.
__________
1 الظرف المبهم: ما دل على زمن غير مقدر، ولا يقع جوابا لمتى وكم نحو حين، ومدة، ووقت. والمختص: ما دل على مقدر ويقع جوابا لمتى نحو: يوم الخميس، جوابا لمن قال: متى جئت؟ والمعدود: ما يقع جوابا لكم نحو: يومين وأسبوع. ومن الظروف المبهمة ما له اختصاص من بعض الوجوه؛ كغداة، وعشية، وليلة، وصباح، ومساء. وبـ "في" مما ينتصب من اسم الزمان على الظرفية ما اشتق من المصدر كمجلس زيد ومقعده، بمعنى زمان جلوسه وزمان قعوده. التصريح: 1/ 341.
2 يحصل الإبهام في المكان من وجهين؛ أحدهما: ألا يلزم مسماه؛ لأن "خلفك قدام لغيرك، وأنك بتحولك عن تلك الجهة، يصير ما كان خلفك قدام أو يمينك أو يسارك على حسب تحولك؛ لأن الجهات تختلف باختلاف الكائن فيها؛ فهي جهات له -وهو في وقع خاص- وليس لكل واحدة منها حقيقة منفردة بنفسها؛ وثانيهما: أن هذه الجهات ليس لها أمد معلوم تنتهي إليه؛ فخلفك: اسم لما وراء ظهرك إلى آخر الدنيا، وأمامك: اسم لما قدام وجهك إلى آخر الدنيا وهكذا". شرح التصريح: 1/ 341.
3 استثنى بعضهم من المبهم: جانب وما في معناه، كـ: "جهة، ووجه وكنف، وخارج، وداخل وجوف، وظاهر، وباطن"، فلا ينصب منها شيء على الظرفية، بل يجب التصريح معها بالحرف. التصريح: 1/ 341.
4 الميل: ألف باع، والفرسخ: ثلاثة أميال، والبريد: أربعة فراسخ. وقيل إن هذه من المختص؛ لأنها معلومة المقدار، وقيل: هي شبيهة بالمبهم.(2/209)
والثاني: ما اتحدت مادته ومادة عامله، كـ: "ذهبت مذهب زيد"، و: "رميت مرمى عمرو"، وقوله: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} 1.
وأما قولهم: "هو مني مقعد القابلة" و: "مزجر الكلب" و: "مناط الثريا" فشاذ؛ إذ التقدير: هو مني مستقر في مقعد القابلة، فعامله الاستقرار، ولو أعمل في المقعد قعد، وفي المزجر زجر، وفي المناط ناط؛ لم يكن شاذا2.
[الظرف نوعان] :
فصل: الظرف نوعان:
متصرف، وهو: ما يفارق الظرفية إلى حالة لا تشبهها، كأن يستعمل مبتدأ أو خبرا أو فاعلا أو مفعولا أو مضافا إليه، كـ "اليوم"، تقول: "اليوم يوم مبارك" و: "أعجبني اليوم" و: "أحببت يوم قدومك" و: "سرت نصف اليوم".
وغير متصرف، وهو نوعان: ما لا يفارق الظرفية أصلا، كـ: "سقط وعوض"3، تقول: "ما فعلته قَطُّ" و: "لا أفعله عَوْضُ"4 وما لا يخرج عنها إلا
__________
1 "72" سورة الجن، الآية: 9.
موطن الشاهد: {نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ} .
وجه الاستشهاد: انتصاب "مقاعد" على الظرفية؛ لاتحاد مادتها ومادة الفعل "نقعد"؛ ولو اختلفت مادتهما؛ لم يجز في القياس نصب "مقاعد" على الظرفية.
2 لأن المدار على اتحاد الظرف والعامل في المادة. وإنما استأثرت أسماء الزمان بصلاحية المبهم منها والمختص للظرفية دون أسماء المكان؛ لأن أصل العوامل الفعل، ودلالته على الزمان أقوى من دلالته على المكان. ولم ينصب المختص من الأمكنة على الظرفية؛ لأنه يلتبس بالمفعول به كثيرا. التصريح: 1/ 342.
3 ومثلهما: بين أو بينما، والظروف المركبة: كصباح مساء، وبين بين.
4 قط وعوض، لا يستعملان إلا بعد نفي كما مثل، وقط لاستغراق الماضي من الزمان كما أن عوض لاستغراق المستقبل مثل أبدا، فالمعنى: ما فعلته فيما انقطع ومضى من عمري، ولا أفعله في المستقبل. و"قط" مشتقة من قططت الشيء إذا قطعته، و"عوض" مشتقة من العوض، سمي الزمان: "عوض" لأن كل جزء منه يخلف ما قبله، فكأنه عوض عنه، و"قط" مبنية على الضم، أما عوض فتبنى على الحركات الثلاث إذا لم تضف. التصريح: 1/ 342، ومغني اللبيب: 200، 233.(2/210)
بدخول الجار عليه، نحو قبل وبعد ولدن وعند، فيحكم عليهن بعدم التصرف مع أن "من" تدخل عليهن؛ إذ لم يخرجن عن الظرفية إلا إلى حالة شبيهة بها؛ لأن الظرف والجار والمجرور أخوان.(2/211)
[باب المفعول معه] :
هذا باب المفعول معه:
[تعريف المفعول معه وما يخرج بكل قيد] :
وهو: اسم، فضلة، تالٍ لواو بمعنى مع، تالية لجملة ذات فعل أو اسم فيه معناه وحروفه، كـ: "سرت والطريق" و: "أنا سائر والنيل".
فخرج باللفظ الأول نحو: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن" ونحو: "سرت والشمس طالعة" فإن الواو داخلة في الأول على فعل، وفي الثاني على جملة، وبالثاني نحو: "اشترك زيد وعمرو"، وبالثالث نحو: "جئت مع زيد"، وبالرابع نحو: "جاء زيد وعمرو قبله، أو بعده"، وبالخامس نحو: كل رجل وضيعته"1 فلا يجوز فيه النصب، خلافا للصيمري2، وبالسادس نحو: "هذا لك وأباك" فلا يتكلم به، خلافا لأبي علي3.
__________
1 هذا: إذا قدر الخبر مثنى، كأنه قيل: كل رجل وضيعته مقترنان، أما إذا قدر الخبر مفردا، فيجوز النصب على المعية عطفا على ضمير الخبر، كأنه قيل أكل رجل موجود وضيعته.
2 هو: أبو محمد؛ عبد الله بن علي بن إسحاق الصيمري النحوي، نسبة إلى الصيمرة وهي بلد بالبصرة، كان عالما فاضلا، قدم مصر، ونقل عنه أبو حيان كثيرا. له كتاب جليل في النحو يسمى: "التبصرة" يشتغل به أهل المغرب، وقد أحسن فيه التعليل لمذهب البصريين.
البلغة: 112، بغية الوعاة: 2/ 49، إنباه الرواة: 2/ 123، معجم المؤلفين: 6/ 87.
3 هو أبو علي الفارسي، وقد مرت ترجمته. فقد أجاز مثل ذلك بناء على مذهبه من الاكتفاء بما فيه معنى الفعل، كالإشارة، والتنبيه، والظرف، ولهذا أجاز في قول الشاعر:
لا تحبسنك أثوابي فقد جمعت ... هذا ردائي مطويا وسربالا
أن ينصب "سربالا" على المعية. والجمهور على أنه منصوب بـ "مطويا" ليس غير.(2/212)
فإن قلت: فقد قالوا: "ما أنت وزيدا" و: "كيف أنت وزيدا"1.
قلت: أكثرهم يرفع بالعطف، والذين نصبوا قدروا الضمير فاعلا لمحذوف لا مبتدأ، والأصل: ما تكون؟ وكيف تصنع2؟ فلما حذف الفعل وحده برز ضميره وانفصل.
__________
1 أي ينصب "زيدا" فيها، بعد "ما" و"كيف" الاستفهاميتين؛ مع أنه لم يتقدم فعل، ولا اسم فيه معنى الفعل وحروفه.
2 أي: لتعذر الاتصال. وقدر سيبويه الفعل المحذوف من لفظ الكون، وجعله ماضٍيا مع "ما" ومضارعا مع "كيف" فقال: إن الأصل: ما كنت وزيدا؟ وكيف تكون وزيدا؟.
وقيل: إن هذا غير مقصود من سيبويه، و"كان" في المثالين: إما ناقصة وأداة الاستفهام قبلها خبر مقدم، واسمها ضمير المخاطب الذي كان مستترا؛ فلما حذفت برز وانفصل -وهذا هو الأصح- وإما تامة وفاعلها الضمير المستتر، وما الاستفهامية مفعول مطلق متقدم، وكيف: حال مقدم؛ والتقدير: أي وجود توجد مع زيد -وهذا رأي ضعيف- وقد أشار الناظم إلى ذلك بقوله:
وبعد "ما" استفهام أو "كيف" نصب ... بفعل كون مضمر بعض العرب
أي: نصب بعض العرب المفعول معه بعد "ما" و"كيف" الاستفهاميتين، وجعل النحاة النصب بفعل مقدر من لفظ الكون كما بين المؤلف.
انظر في تفصيل هذه المسألة: شرح التصريح: 1/ 343، والأشموني: 1/ 225، والمفصل، للزمخشري: 58.
فائدة: ورد في كلام العرب الاسم الواقع بعد الواو المسبوقة بـ "ما أنت" و"كيف أنت" مرفوعا ومنصوبا؛ والأكثر وروده مرفوعا كما في قول الشاعر:
وكنت هناك أنت كريم قيس ... فما القيسي بعدك والفخار
وكقول الآخر:
وكنت امرأ من أهل نجد وأهلنا ... تهام، فما النجدي والمتغورُ
وفي حالة الرفع؛ تكون الواو للعطف، ويكون الاسم المرفوع معطوفا على الضمير "أنت" وأما مجيئه منصوبا؛ فنحو قول أسامة بن حبيب الهذلي:
ما أنت والسير في متلفٍ ... يبرِّح بالذَّكَرِ الضَّابِطِ
ونحو الآخر:
أتوعدني بقومك يابن حجلِ ... أشابات يخالون العبادا
بما جمَّعت من حضن وعمرو ... وما حضن وعمرو والجيادا
والشاهد هنا قوله: "والجيادا"؛ لأن قوله: "وعمرو" فالواو فيها واو العطف. أوضح المسالك: 2/ 240، حا: 1.(2/213)
[الناصب للمفعول معه] :
والناصب للمفعول معه ما سبقه من فعل أو شبهه1، لا الواو، خلافا للجرجاني2، ولا الخلاف، خلافا للكوفيين، ولا محذوف، والتقدير: سرت ولابست النيل، فيكون حينئذ مفعولا به، خلافا للزجاج3.
[للاسم بعد الواو خمس حالات] :
فصل: للاسم بعد الواو خمس حالات:
1- وجوب العطف، كما في: "كل رجل وضيعته" ونحو: "اشترك زيد وعمرو" ونحو: "جاء زيد وعمرو قبله أو بعده" لما بينا4.
__________
1 أي: ما يشبهه في العمل من كل ما ينصب المفعول به من المشتقات؛ وذلك يشمل: اسم الفاعل، واسم المفعول، والمصدر، واسم الفعل، ولكن لا يشمل الصفة المشبهة، ولا أفعل التفضيل، ولا ما يعمل.
وأما قوله "ما سبقه من فعل أو شبهه" فهو تابع فيه لابن مالك في قوله:
بما من الفعل وشبهه سبق ... ذا النصب، لا بالواو في القول الأحق
وفي هذا إشارة إلى أنه لا يجوز تقديم المفعول معه على العامل فيه؛ فلا يقال: والنيل سرت، ولا يقال: والنيل أنا سائر؛ وهذا مما لا خلاف فيه، وكذلك لا يجوز أن يتوسط المفعول معه بين العامل ومصاحبه، فلا يقال: سار والنيل زيد. وخالف ابن جني هنا، وأجاز التوسط بين العامل ومصاحبه؛ أي: أن يتقدم المفعول معه مصاحبه، واستدل بقول الحماسي:
أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقيه والسوأة اللقبا
فأصل الكلام: ولا ألقبه اللقب والسوأة على مذهب ابن جني.
والصواب -فيما استدل به- أن تالي الواو في هذين البيتين ليس مفعولا معه، بل هو معطوف، تقدم على المعطوف عليه ضرورة، والضرورة تحفظ ولا يقاس عليها. وانظر شرح التصريح: 1/ 334، وحاشية الصبان: 2/ 137.
2 مرت ترجمته.
3 مرت ترجمته.
4 أي من فقد شروط النصب، وهو عدم تقدم جملة في الأول، وعدم الفضلة في الثاني وعدم المصاحبة في الثالث.(2/214)
2- ورجحانه1، كـ: "جاء زيد وعمرو" لأنه الأصل، وقد أمكن بلا ضعف.
3- ووجوب المفعول معه، وذلك في نحو: "ما لك وزيدا"، و: "مات زيد وطلوع الشمس" لامتناع العطف في الأول من جهة الصناعة2، وفي الثاني من جهة المعنى.
4- ورجحانه، وذلك في نحو قوله3: [الوافر]
257- فكونوا أنتم وبني أبيكم4
__________
1 أي رجحان العطف، ويجوز النصب على ضعف.
2 لأنه لا يجوز العطف على الضمير المجرور إلا بعد إعادة الجار، قال تعالى: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} .
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
مكان الكليتين من الطحال
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 345، والأشموني: "441/ 1/ 225" والهمع: 1/ 220، 221، والدرر: 1/ 190، والعيني: 3/ 102، وشرح المفصل: 2/ 48، 50، والكتاب لسيبويه: 1/ 150، وقطر الندى "103/ 315"، ومجالس ثعلب: 125.
المفردات الغريبة: الكليتان: معروفتان، والمفرد، كلية وكلوة، والجمع: كليات وكلى. الطحال: معروف أيضا وهو دم متجمد، وجمعه: طحل، ككتب.
المعنى: يأمر الشاعر مخاطبيه ويوصيهم بأن يكونوا مع أخوانهم على وفاق واتصال تام، كاتصال الكليتين بالطحال.
الإعراب: كونوا: فعل أمر ناقص مبني على حذف النون؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو في محل رفع اسم "كن" الناقصة. أنتم: ضمير منفصل مؤكد للضمير المتصل "واو الجماعة". وبني: الواو واو المعية، بني: مفعول معه منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وهو مضاف، أبيكم: "أبي" مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف و"كم": مضاف إليه. "مكان": متعلق بمحذوف خبر "كونوا" الناقصة، وهو مضاف. الكليتين: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى. "من الطحال": متعلق بـ "مكان"؛ لأن فيه رائحة الفعل.
موطن الشاهد: "وبني أبيكم".
وجه الاستشهاد: نصب "بني" على أنه مفعول معه، وحكم نصبه على أنه مفعول معه -هنا- الجواز مع الرجحان؛ لأنه يجوز أن يرفع عطفا على الضمير الواقع اسما في "كونوا"؛ لوجود التأكيد بالضمير المنفصل، غير أنه ضعيف من جهة المعنى؛ لأنه يقتضي -حينئذ- أن يكون أبناء الأب مأمورين بذلك أيضا، وهو غير مراد؛ لأن المراد؛ توجيه الأمر للمخاطبين -وحدهم- بأن يكونوا مع بني أبيهم متحابين كالكليتين من الطحال؛ ولهذا، قلنا: حكم النصب هنا الجواز مع الترجيح. وانظر شرح التصريح: 1/ 345.(2/215)
ونحو: "قمت وزيدا"؛ لضعف العطف في الأول من جهة المعنى، وفي الثاني من جهة الصناعية1.
5- وامتناعهما، كقوله2: [الكامل]
258- علفتها تبنا وماء باردا3
__________
1 لأنه لا يحسن العطف على الضمير المرفوع المتصل، إلا بعد توكيده بضمير منفصل أو بأي فاصل كان، ونحو: أكرمتك ومحمدا، يجوز كون "محمدا" معطوفا على الكاف، وأن يعرب مفعولا معه. التصريح 1/ 345.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
حتى شتت همالة عيناها
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 346، والأشموني: "442/ 1/ 226"، وابن عقيل: "166/ 2/ 207"، والهمع: 2/ 130، والدرر: 2/ 169، والمقتضب: 4/ 223، والخصائص: 2/ 431، وأمالي ابن الشجري: 2/ 321، والإنصاف: 613، وشرح المفصل: 2/ 8، والخزانة: 1/ 499، والعيني: 3/ 101، 4/ 181، والمغني: "1070/ 828"، وشرح السيوطي: 314، واللسان "قلد"، والشذور: "115/ 316".
المفردات الغريبة: علفتها: قدمت لها العلف، وهو ما يقدم للدواب من الأكل وجمعه علاف. كجبل وجبال. شتت: بدت. همالة: صيغة مبالغة من هملت العين إذا فاض دمعها وكثر نزوله منها.
المعنى: علفت هذه الدابة تبنا، وأشبعتها، وسقيتها ماء باردا حتى فاضت عيناها بالدموع من الشبع.
الإعراب: علفتها: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل، و"ها": مفعول به أول. تبنا: مفعول به ثانٍ. وماء: الواو حرف عطف، ماء: مفعول به لفعل محذوف؛ والتقدير: وسقيتها =(2/216)
وقوله: [الوافر]
259- وزججن الحواجب والعيونا1
__________
= ماء. باردا: صفة لـ "ماء" منصوبة؛ ونلحظ هنا -أن "الواو" عطفت جملة على جملة.
موطن الشاهد: "وماء".
وجه الاستشهاد: استشهد بهذا البيت على عدم صحة مجيء "ماء" مفعولا معه -كما زعم ابن عقيل- لانتفاء المصاحبة؛ حيث إن الماء لا يصاحب التبن في العلف، أو إن الدابة لا تشرب الماء في أثناء تناولها العلف، فلا يتحد الزمان، وبالتالي فلا ينتصب على المفعولية "المفعول معه"؛ لأن من شرط انتصاب الاسم على أنه مفعول معه أن يكون مشاركا لما قبله في زمان تسلط العامل عليه؛ لاشتراطهم أن تكون الواو السابقة عليه دالة على المصاحبة.
وذهب بعضهم كالجرمي والمازني والمبرد وأبي عبيدة والأصمعي واليزيدي وغيرهم من العلماء إلى أن "ماء" معطوف على قوله "تبنا" بعد التأويل في العامل؛ أي: لا يبقى معنى علفتها: "أطعمتها" وقدمت لها ما تأكله -كما هو معناه الوضعي- بل يضمن معنى أعم منه؛ كأن يراد به: "قدمت لها" أو: "أنلتها" أو: أعطيتها ونحو ذلك؛ والأفضل من هذا، وذاك ما ذهبنا إليه في الإعراب، وهو تخريج أبي علي الفارسي، والمبرد، والزوني. انظر شرح التصريح: 1/ 346، وحاشية الصبان: 2/ 140-141، وابن عقيل: 4681.
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
إذا ما الغانيات برزن يوما
وينشد قبل الشاهد قوله:
وأظعان طلبت بذات لوث ... يزيد رسيمها سرعا ولينا
وينشد بعد الشاهد قوله:
أَنَخْنَ جِمالهن بذات غسل ... سراة اليوم بمهدن الكدونا
والشاهد من شواهد التصريح: 1/ 346، والأشموني: "443/ 1/ 266"، والخصائص: 2/ 432، والإنصاف: 610، والعيني: 3/ 91، 4/ 193، والهمع: 1/ 122، 2/ 130، والدرر: 1/ 191، 2/ 169، وحاشية يس: 1/ 432، وتأويل مشكل القرآن: 165، ومغني اللبيب: "662/ 466" وشرح السيوطي: 263، والخزانة: 2/ 73، وشذور الذهب: "116/ 317.
المفردات الغريبة: الغانيات: جمع غانية، وهي المرأة التي استغنت بجمالها عن الحلي والزينة. برزن: ظهرن. زججن الحواجب: دققنها ورققنها في طول. =(2/217)
أما امتناع العطف؛ فلانتفاء المشاركة، وأما امتناع المفعول معه؛ فلانتفاء المعية في الأول وانتفاء فائدة الإعلام بها في الثاني.
ويجب في ذلك إضمار فعل ناصب للاسم على أنه مفعول به، أي: وسقيتها ماء، وكحلن العيونا، هذا قول الفارسي والفراء1 ومن تبعهما.
وذهب الجرمي والمازني والمبرد وأبو عبيدة3 والأصمعي3
__________
= المعنى: إذا ما برزت تلك النساء الجميلات من خدورهن متزينات -وقد رققن حواجبهن، وكحلن عيونهن- أنخن جمالهن التي يركبنها -بهذا الموضع- وسط النهار؛ ليصلحن خدورهن، أو هوادجهن.
الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية، ما: زائدة. الغانيات: فاعل لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده؛ وجملة "الفعل المحذوف وفاعله": في محل جر بالإضافة. برزن: فعل ماضٍٍ مبني على السكون، ونون النسوة: فاعل؛ وجملة "برزن": تفسيرية، لا محل لها. "يوما": متعلق بـ "برز". وزججن: الواو عاطفة، زجج: فعل ماضٍٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة، والنون: فاعل. الحواجب: مفعول به منصوب. والعيونا: الواو عاطفة، العيونا: مفعول به لفعل محذوف، وتقدير الكلام: وزججن الحواجب وكحلن العيون؛ وجملة "كحلن العيون": معطوفة على جملة "زججن الحواجب"؛ وهذا الوجه هو الأفضل.
موطن الشاهد: "زججن الحواجب والعيونا".
وجه الاستشهاد: لا تصح المعية في قوله: "والعيونا"؛ لانتفاء فائدة الإعلام بها؛ أي: بمصاحبة العيون للحواجب؛ إذ من المعلوم أن العيون مصاحبة للحواجب. كما لا يجوز أن نعطف "العيون" على "الحواجب" عطف مفرد على مفرد؛ لأن فعل زجج، لا يصح أن يتعدى إلى ما قبل الواو وما بعدها مع بقائه على معناه الحقيقي؛ لأن العيون لا تزجج؛ ولذا فلا بد من أن يضمَّن فعل زجج معنى أعم وأشمل من معناه الأصلي؛ حتى يصح أن يتناول ما بعد الواو وما قبلها؛ نحو ما ذهب إليه المؤلف في المتن، من تأويل: "زججن" بـ "حسن"؛ ويجوز -في هذه الحال- أن تكون الواو عاطفة مفردا على مفرد؛ والأفضل ما ذهبنا إليه في الإعراب، وهو أن "الواو" عاطفة جملة على جملة.
1 مرت ترجمة كل منهما في محلها.
2 مرت ترجمة كل منهم.
3 الأصمعي: هو أبو سعيد؛ عبد الملك بن قريب؛ البصري، والأصمعي نسبة إلى جده أصمع، وهو أحد أئمة اللغة والنحو والغريب والملح والنوادر. روى عن أبي عمرو بن العلاء، وكان يتمتع بحافظة جيدة. حتى أنه كان يحفظ 16 ألف أرجوزة غير دواوين العرب، قال عنه الشافعي: ما عَبَّرَ أحد من العرب بمثل عبارة الأصمعي له كتب قيمة منها: كتاب الأصول، والنوادر، والقلب والإبدال، وغريب القرآن وخلق الإنسان، واللغات ... وغيرها ولد سنة 125 ومات سنة 210 هـ. البلغة 129، إنباه الرواة: 2/ 197، بغية الوعاة: 2/ 112، طبقات القراء: 1/ 470، والأعلام: 4/ 307.(2/218)
واليزيدي1 إلى أنه لا حذف، وأن ما بعد الواو معطوف، وذلك على تأويل العامل المذكور بعامل يصح انصبابه عليهما؛ فيؤول زججن بحسنَّ2 وعلفتها بأنلتها3.
__________
1 اليزيدي: هو أبو محمد، يحيى بن المبارك -مولى بني عدي، أخذ العربية عن أبي عمرو بن العلاء، واللغة والعروض عن الخليل، وكان أحد أكابر القراء، وكان ثقة صدوقا، وجعله الرشيد مؤدبا للمأمون، له: مختصر في النحو، المقصور والممدود، النقط والشكل ... وغيرها وله الكثير من الشعر، مات بخراسان سنة 202 هـ. البلغة: 284، بغية الوعاة: 2/ 340، طبقات القراء: 2/ 375، وفيات الأعيان: 2/ 304، الأعلام: 9/ 205.
توجيه: الفرق بين العطف والمعية: أن العطف يقتضي المشاركة بين المعطوف والمعطوف عليه في معنى الفعل، سواء حصلت المشاركة في الزمن أو لا؛ فإذا قلت: قابلت محمدا وعليا في الحج، فيجب أن تتناولهما المقابلة، وليس بلازم أن تكون شملتهما مع المتكلم في وقت واحد. أما المعية فبالعكس؛ أي: إنه تتحتم المشاركة الزمنية. أما المشاركة المعنوية؛ فقد تكون أو لا تكون؛ فإذا قلت: سار محمد والنيل -تعينت المشاركة الزمنية. أما المعنوية؛ فلا يمكن؛ لأن النيل لا يشارك في السير. ضياء السالك: 2/ 160.
فائدة: قال الصبان: قال الفارضي: إذا اجتمعت المفاعيل؛ قدم المفعول المطلق. ثم المفعول به الذي تعدى إليه الفاعل بنفسه، ثم الذي تعدى إليه بواسطة الحرف، ثم المفعول فيه الزماني، ثم المكاني، ثم المفعول له، ثم المفعول معه؛ نحو: ضربت ضربا محمدا بسوط نهارا هنا تأديبا وطلوع الشمس؛ والظاهر أن هذا الترتيب أولى؛ لا واجب، ومن الخير أن يراعى تقديم -الأهم والمقصود- مهما كان. حاشية الصبان: على شرح الأشموني: 2/ 141.
2 لأن "حَسَّنَّ" يصح تسلطه على كل من العيون والحواجب.
3 لأن "أنلتها" يصح تسلطه على التبن والماء؛ والتوسع في معنى الأفعال من باب التضمين؛ وهو سائغ ووارد في لغة العرب.(2/219)
[باب المستثنى] :
هذا باب المستثنى:
[أدوات الاستثناء] :
للاستثناء1 أدوات ثمانٍ:
حرفان وهما: "إلا" عند الجميع، و: "حاشا"2 عند سيبويه، ويقال فيها: حاش وحشا.
__________
1 الاستثناء: اسم يذكر بعد إلا، أو إحدى أخواتها، يخالف ما قبلها في الحكم نفيا أو إثباتا، ويقول صاحب التسهيل في تعريفه: "هو المخرج تحقيقا أو تقديرا من مذكور، أو متروك بإلا أو ما في معناها" فالمخرج: جنس يشمل المخرج بالبدل، وبالصفة، وبالشرط، وبالاستثناء، وغير ذلك؛ وقوله: "تحقيقا أو تقديرا": إشارة إلى قسمي الاستثناء، المتصل والمنقطع. وقوله: "من مذكور أو متروك": إشارة إلى قسمي الاستثناء، التام والمفرَّغ؛ وقوله: "بإلا أو ما في معناها": يشمل أدوات الاستثناء جميعا. وانظر شرح التصريح: 1/ 346-347، وحاشية الصبان: 2/ 141-142.
2 للنحاة في "حاشا" ثلاثة مذاهب:
الأول: ما ذهب إليه سيبويه وجماعة من البصريين، وحاصله: أن "حاشا" حرف جر دائما، ولا تأتي فعلا؛ لأنهم لم يحفظوا إلا الجر بها، والجر: لا يكون إلا بالحرف؛ واختلف أصحاب هذا الرأي حول قضية التعليق؛ ألها تعلق كبقية حروف الجر أو إنها كالحروف الزائدة، فلا متعلق لها؟ فذهب بعضهم إلى أن لها متعلقا كسائر حروف الجر؛ ومتعلقها ما يكون قبلها من فعل أو شبهه؛ وعلى هذا، يكون محلها مع المجرور نصبا. وذهب آخرون -ومنهم ابن هشام- إلى أنها لا تتعلق بشيء كالحروف الزائدة؛ لِأنها ليست على نمط حروف الجر الأصلية، التي توصل معاني الأفعال التي قبلها إلى الاسم المجرور بها؛ وهي -أي حاشا- لا توصل المعنى إلى ما بعدها؛ بل تزيل معنى الفعل، ولما اختلف حال هذا الحرف "حاشا" عن حال بقية حروف الجر الأصلية، لم يجعل منها؛ وفي هذا الكلام نظر. =(2/220)
وفعلان وهما: "ليس"1، و: "لا يكون".
ومترددان بين الفعلية والحرفية2، وهما: "خلا" عند الجميع، و: "عدا" عند غير سيبويه.
واسمان وهما: "غير" و: "سوى" بلغاتها، فإنه يقال: سِوىً كـ "رِضىً"، وسُوىً كـ "هُدىً"، وسَواء كـ "سماء"، وسِواء كـ "بناء"، وهي أغربها3.
__________
= الثاني: ما ذهب إليه المازني والجرمي، والمبرد، والزجاج، والأخفش، وأبو زيد، والفراء، وأبو عمرو الشيباني، وكثير من المتأخرين، وهو عدها حرف جر -كثيرا- وما بعدها يكون مجرورا بها، واستعمالها -قليلا- فعلا متعديا جامدا فتنصب ما بعدها؛ فإذا استعملت حرفا، قيل: حاشاي من دون نون الوقاية، وإذا استعملت فعلا، قيل: حاشاني، ويعد هذا الفعل جامدا؛ لتضمنه معنى إلا؛ ولما جاء عمن يحتج بكلامهم نصب ما بعدها؛ وجره؛ ذهب أصحاب هذا المذهب إلى أنها حين تجر ما بعدها تكون حرف جر، وحين تنصب ما بعدها تكون فعلا.
الثالث: ما ذهب إليه الكوفيون، وهو أنها فعل دائما، تنصب ما بعدها، ولا تكون حرفا جارا، وحجتهم على ما ذهبوا إليه وكونها تتصرف، فتأتي حاشى وأحيانا: حاش؛ ومعلوم أن الحروف لا تتصرف؛ وإذا جاء بعدها اسم مجرور؛ فهو مجرور بحرف جر حذف، وبقي عمله؛ وفي كلامهم نظر؛ والأرجح، والأصح: ما ذهب إليه أصحاب المذهب الثاني؛ لعدم التأويل والتقدير: وانظر في تفصيل هذه المسألة: شرح التصريح: 1/ 346، والمغني: 164-166، والجني الداني، 558-568، وحاشية الصبان: 2/ 165-167، وابن عقيل: 1/ 491-493.
1 هذا مذهب الجمهور، وذهب أبو علي الفارسي، وتبعه في ذلك أبو بكر بن شقير، إلى أن ليس حرفا دائما، وظهر بطلان هذا الرأي باقترانها بتاء التأنيث الساكنة في نحو "ليست هذه بمفلحة"، وتاء الفاعل في نحو "لست، ولستما، ولستم، ولستن" وهذا من علامات الأفعال. و"ليس" في الاستثناء حرف ناصب للمثنى بمنزلة إلا، وهي في غير الاستثناء فعل. مغني اللبيب: 386-390، والتصريح: 1/ 347، والجنى الداني: 493-500.
2 أي ما لم تتقدم عليهما "ما" المصدرية، وإلا تعينتا للفعلية ويلزمان المضي.
3 قلَّ من ذكرها، وممن نص عليها الفارسي في كتابه الحجة، وتبعه ابن الخباز في كتابه النهاية.
وقال في المغني: إنها تمد مع الفتح وتقصر مع الضم ويجوز الوجهان مع الكسر. التصريح: 1/ 347، ومغني اللبيب: 187.(2/221)
[أحوال الاسم الواقع بعد إلا وحكمه] :
فإذا استثنى بـ "إلا" وكان الكلام غير تام، وهو الذي لم يذكر فيه المستثنى منه، فلا عمل لـ "إلا"، بل يكون الحكم عند وجودها مثله عند فقدها، ويسمى استثناء مفرغا، وشرطه: كون الكلام غير إيجاب1، وهو: النفي نحو: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} 2، والنهي نحو: {وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} 3، {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 4، والاستفهام الإنكاري نحو: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ
__________
1 لأن التفريغ في الإيجاب، يدعو إلى الاستبعاد والوهم؛ فنحو: قام إلا زاهر، يفهم منه قيام جميع الناس إلا زاهرا -وهذا بعيدا ومحال- وليس هناك قرينة تدل على أن المراد جماعة مخصوصة.
وجوَّز ابن الحاجب التفريغ في الموجب، شرط أن يكون فضلة، وحصلت فائدة؛ نحو: قرأت إلا يوم الخميس؛ فإنه يجوز أن تقرأ في الأيام جميعها إلا يوم الخميس.
وأجيب بأن هذا قليل فيمنع طردا للباب، كما اتفق على الجواز في المنفي، وإن لم يستقم المعنى أحيانا؛ نحو: ما مات إلا زاهر؛ لِهذا السبب.
وخلاصة القول: أن الاستثناء المفرغ يقتضي أن يكون الكلام غير تام، وغير موجب معًا. انظر ضياء السالك: 2/ 163، حا: 4، وشرح التصريح: 1/ 348.
2 "3" سورة آل عمران، الآية: 144.
موطن الشاهد: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} .
وجه الاستشهاد: تقدم على الاستثناء ما يخرجه عن الإيجاب وهو "ما" النافية، فيعرب "محمد" مبتدأ، و"رسول" خبرا؛ لكون الاستثناء مفرغا، حيث جاء الكلام غير إيجاب.
3 "4" سورة النساء، الآية: 171.
موطن الشاهد: {وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الاستثناء مفرَّغا؛ لِكون الكلام غير إيجاب؛ لِسبقه بلا الناهية؛ و"تقولوا" يطلب مفعولا صريحا، فنصب ما بعد إلا على المفعولية؛ وتقدير المستثنى منه: ولا تقولوا على الله شيئا إلا الحق.
4 "29" سورة العنكبوت، الآية: 46.
موطن الشاهد: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الاستثناء مفرغا؛ لكون الكلام غير إيجاب؛ لِسبقه بلا الناهية. وما قبل "إلا" وهو "تجادلوا" يطلب مجرورا بالباء؛ فجر بها ما بعد إلا وهو "التي"؛ وتقدير المستثنى منه: ولا تجادلوا أهل الكتاب بشيء إلا بالتي هي أحسن.(2/222)
الْفَاسِقُونَ} 1، فأما قوله تعالى: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} 2، فحمل "يأبى" على "لا يريد" لأنهما بمعنى.
وإن كان الكلام تاما: فإن كان موجبا3 وجب نصب المستثنى4، نحو:
__________
1 "46" سورة الأحقاف، الآية: 35.
موطن الشاهد: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الاستثناء مفرغا؛ حيث جاء الكلام غير إيجاب؛ لأن الاستفهام الإنكاري يحمل معنى النفي؛ وما قبل إلا؛ وهو "يهلك" يتطلب نائب فاعل مرفوع ما بعد "إلا" وهو "القوم" وتقدير المستثنى منه: فهل يهلك أحد إلا القوم الفاسقون.
2 "9" سورة التوبة، الآية: 32.
موطن الشاهد: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} .
وجه الاستشهاد: حمل "يأبى" في إفادة النفي على "لا يريد"؛ لأنهما بمعنى واحد؛ والمعنى: لا يريد الله إلا أن يتم نوره "إتمام نوره" فلا فرق في النفي بين أن يكون في اللفظ أو في المعنى؛ ولذا عد من باب الاستثناء المفرغ.
3 الموجب هو: الجملة التي ليس فيها نفي أو شبهه؛ وهو النهي، والاستفهام المتضمن معنى النفي، كالإنكاري والتوبيخي.
4 يجب نصب المستثنى سواء أكان متأخرا عن المستثنى منه، أم متقدما عليه؛ ومتصلا كان الاستثناء أم منقطعا. ويقال في الإعراب: "إلا": حرف استثناء، والمستثنى: منصوب على الاستثناء.
فائدة: اختلف النحاة في العامل في الاسم المنصوب بعد إلا؛ ولهم في هذه المسألة ثمانية أقوال:
أ- إن الناصب لهذا الاسم هو "إلا" نفسها -وحدها" وإلى هذا ذهب ابن مالك، ونسبه إلى سيبويه والمبرد.
ب- إن الناصب هو تمام الكلام، ومثل هذا انتصاب التمييز، نحو قولك: أعطيته عشرين درهما.
ج- إن الناصب هو الفعل المتقدم على "إلا" لكن بوساطة "إلا" وينسب هذا القول إلى السيرافي، والفارسي، وابن الباذش، وضعف العلماء هذا الرأي؛ لأنه قد لا يكون في الكلام فعل أصلا؛ كما في قولك: "القوم إخوتك إلا زيدا".
د- إن الناصب هو الفعل السابق بغير وساطة "إلا" وإلى هذا، ذهب ابن خروف، وضعفوه بمثل ما ضعفوا رأي الفارسي ومن معه. =(2/223)
{فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} 1، وأما قوله2: [البسيط]
260- عافٍ تَغَيَّرَ إلا النؤْيُ والوَتَدُ3
فحمل "تغير" على "لم يبق على حاله" لأنهما بمعنى.
__________
= هـ- إن الناصب فعل محذوف يقدر من معنى "إلا" مثل "أستثني"، وإلى هذا، ذهب الزجاج.
و إن الناصب هو مخالفة ما بعد إلا لما قبلها، ويحكى هذا عن الكسائي.
ز- إن الاسم المنصوب يقع اسما لـ "أن" -بتشديد النون- مؤكدة محذوفة وخبرها محذوف أيضا؛ وتقدير الكلام في "قام القوم إلا زيدا": قام القوم إلا أن زيدا لم يقم، وقد حكي هذا القول عن الكسائي؛ وهو تكلف ظاهر.
ح- إن "إلا" مركبة من "إن" المؤكدة ولا العاطفة، ثم خففت "إن" بحذف أحد نونيها، ثم أدغمت في "لا" فإذا انتصب ما بعدها، فذلك من أجل تغليب حكم "إن"، وإذا لم ينتصب فمن أجل تغليب حكم "لا" العاطفة؛ ونسب هذا القول إلى الفراء؛ وهو أشد تكلفا من سابقه. انظر شرح التصريح: 1/ 349.
1 "2" سورة البقرة، الآية: 249.
موطن الشاهد: {شَرِبُوا مِنْهُ إِِلَّا قَلِيلًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء ما قبل "إلا" وهو شربوا كلاما تاما موجبا؛ لأن المستثنى منه موجود؛ وهو "الواو" في شربوا؛ ولم يتقدم عليه نفي ولا شبهه؛ فجاء ما بعد إلا "قليلا" منصوبا على الاستثناء؛ وحكم نصبه على الاستثناء -في هذه الحال- الوجوب؛ لتوفر الشروط اللازمة.
2 القائل: هو: الأخطل؛ غياث بن غوث التغلبي النصراني، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد:
هذا عجز بيت وصدره قوله:
وبالصريمة منهم منزل خَلَقٌ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 349، والأشموني: "444/ 1/ 228"، والعيني: 3/ 103 ومغني اللبيب: "496/ 363"، وديوان الأخطل: 168.
المفردات الغريبة: الصريمة: اسم موضع، وأصله: المنقطع من الرمل. خلق: بالٍ. عافٍ: دارس مندثر. النؤي: جدول صغير يحفر حول الخباء لمنع السيل عنه.
المعنى: إن بهذا الموضع منزلا باليا خلفه القوم، تغيرت حاله، ودرست معالمه، ولم يبق منه إلا الحفرة التي كانت حوله، والوتد الذي يربط به الخباء أو الدواب.
الإعراب: "بالصريمة": متعلق بمحذوف خبر مقدم. "منهم": متعلق بمحذوف حال =(2/224)
وإن كان الكلام غير موجب: فإن كان الاستثناء متصلا1 فالأرجح إتْباع المستثنى للمستثنى منه2: بَدَلَ بعضٍ عند البصريين، وعَطْفَ نَسَقٍ عند الكوفيين3
__________
= من "منزل" الآتي؛ لأن الصفة إذا تقدمت على الموصوف؛ تنصب على الحال؛ ويجوز تقدم الحال على صاحبه؛ أو "منهم": متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر في "بالصريمة"؛ وهذا الضمير عائد على منزل -وهذا متعين على مذهب الجمهور الذين لا يجوزون مجيء الحال من المبتدأ. منزل: مبتدأ مؤخر. خلق صفة لـ "منزل" مرفوع. عافٍ: صفة ثانية مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة؛ للتخلص من التقاء الساكنين. تغير: فعل ماضٍ، والفاعل: هو، يعود إلى المنزل؛ وجملة "تغير": في محل رفع صفة ثالثة لـ "منزل" إلا: حرف استثناء النؤي: بدل من الضمير المستتر في تغير؛ وبدل المرفوع مرفوع مثله. والوتد: الواو عاطفة، الوتد: اسم معطوف على النؤي مرفوع مثله.
موطن الشاهد: "إلا النؤي والوتد".
وجه الاستشهاد: ارتفاع "النؤي" على البدلية؛ لأن الكلام ليس تاما موجبا كما خرجه النحاة؛ بل هو منفي في المعنى؛ لكون "تغير"؛ وهو العامل في ضمير المستثنى منه؛ وهو المنزل في معنى عامل منفي؛ تقديره: "لم يبق حاله" كما بعدها مبتدأ محذوف الخبر؛ ومثله حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل أمتي معافىً إلا المجاهرون"؛ والتقدير: ولكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون؛ وذهب العلماء إلى أن جملة "المبتدأ والخبر" الواقعة بعد "إلا" في محل نصب على الاستثناء؛ وقال ابن هشام: قد فات العلماء عد هذه الجملة في الجمل التي لها محل من الإعراب. انظر في هذه المسألة: شرح التصريح: 1/ 349، وضياء السالك: 2/ 165.
1 هو ما يكون فيه المستثنى بعض المستثنى منه، ويحكم على أحدهما بضد ما يحكم به على الآخر، سواء كان المستثنى منه متعدد الأفراد، والمستثنى أحد تلك الأفراد؛ نحو: زرت الزملاء إلا محمدا؛ أو كان المستثنى منه فردا ذا أجزاء، والمستثنى جزءًا؛ نحو: زرت الزملاء إلا محمدا؛ أو كان المستثنى منه فردا ذا أجزاء، والمستثنى جزءا من تلك الأجزاء نحو: نظفت الحجرة إلا نافذة؛ وفي الحالتين يكون ما بعد إلا مخالفا في الحكم لما قبلها.
2 أي: في إعرابه، فيكون مثله: مرفوعا، أو منصوبا، أو مجرورا.
3 ذلك لأن "إلا" عندهم من حروف العطف في باب الاستثناء خاصة، وهي بمنزلة "لا" العاطفة؛ من حيث كون ما بعدها يخالف ما قبلها؛ واعترض أبو العباس، أحمد بن يحيى ثعلب وهو من شيوخ نحاة الكوفة -على مذهب البصريين، في هذه المسألة، وقال: كيف يكون ما بعد "إلا" بدلا؛ وهو موجب ومتبوعه منفي؛ فكأنه ينكر أن يخالف البدل المبدل منه في الإيجاب والنفي؛ ورد عليه أبو سعيد السيرافي: بأنا إنما جعلناه بدلا مما قبله في عمل العامل فيه، وتخالف البدل من المبدل منه في النفي والإيجاب، لا يمنع البدلية؛ لأن سبيل البدل، أن يجعل المبدل منه، كأنه لم يذكر، ويجعل البدل في موضعه؛ لأنه هو المقصود بالحكم، ثم إنا رأينا التوابع تختلف مع متبوعها في النفي، والإثبات، كما في: "رأيت رجلا كريما لا بخيلا" فما يمنع أن يكون البدل مثل الصفة والعطف؟!. وانظر شرح التصريح: 1/ 349-350.(2/225)
نحو: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُم} 1، {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} 2،
__________
1 "4" سورة النساء، الآية: 66.
أوجه القراءات: قرأ برفع "قليل" السبعة غير ابن عامر؛ وقرأ بنصب "قليلا" ابن عامر، وعيسى بن عمرو، وإسحاق، وأبي، وأنس. انظر الإتحاف: 192، وإعراب القرآن، للنحاس: 1/ 431، وحجة القراءات، لأبي زرعة: 206.
توجيه القراءات: على قراءة الرفع، يكون "قليل" بدلا من الضمير المتصل بالفعل "فعلوه" ومحل الواو الرفع؛ لأنه فاعل؛ وعلى قراءة النصب، يكون "قليلا" منصوبا على الاستثناء؛ لأن التقدير: أستثني قليلا منهم.
موطن الشاهد: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء ما قبل "إلا" مسبوقا بـ "ما" النافية "ما فعلوه" فيعرب ما بعد "إلا" بدلا من الضمير المتصل بالفعل؛ بدل بعض من كل -عند البصريين- وذكر الشيخ خالد الأزهي أنه على نية تكرار العامل؛ إذ التقدير: ما فعلوه إلا فعله قليل منهم؛ وهو عطف نسق عند الكوفيين كما أسلفنا. انظر شرح التصريح: 1/ 350.
2 "11" سورة هود، الآية: 81.
أوجه القراءات: قرأ بالرفع ابن كثير، وأبو عمرو، وابن محيصن، واليزيدي، والحسن؛ وقرأ الباقون بالنصب. الإتحاف: 259، وإعراب القرآن: 2/ 5، والبحر المحيط: 5/ 248.
توجيه القراءات: على قراءة الرفع في "امرأتك" على أنها بدل بعض من كل في قوله "أحد"؛ وعلى قراءة النصب على تقدير: أستثني امرأتك؛ فيكون "امرأتك" منصوبا على الاستثناء.
موطن الشاهد: {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء ما قبل إلا مسبوقا بالنهي؛ وهو شبيه النفي، ولذا يعرب ما بعد إلا بدلا من "أحد" الواقعة فاعلا والكوفيون يعربون "امرأتك" هنا عطف نسق كما أوضحنا.(2/226)
{وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} 1، والنصب عربي جيد، وقد قرئ به في السبع في: {قَلِيلٌ} و: {امْرَأَتَكَ} .
وإذا تعذر البدل على اللفظ أبدل على الموضع2، نحو: "لا إله إلا الله"،
__________
1 "15" سورة الحجر، الآية: 56.
موطن الشاهد: {وَمَنْ يَقْنَطُ.... إِلَّا الضَّالُّونَ} .
وجه الاستشهاد: سبق ما قبل "إلا" بالاستفهام الإنكاري؛ وهو شبيه بالنفي، ولذا يعرب الاسم بعد "إلا" بدلا من الضمير المستتر في "يقنط" بدل بعض من كل؛ ولم يصرح معه بضمير؛ لأن قوة تعلق المستثنى بالمستثنى منه يغني عن الضمير غالبا، وكذا الحال في الآية السابقة.
2 ذكر المؤلف مما يتعذر إبداله على لفظ المبدل منه لسبب صناعي ثلاثة أمثلة؛ هي: "لا إله إلا الله"، و: "ما فيها أحد إلا زيد" و"ليس زيد بشيء إلا شيئا لا يعبأ به" وفي المثالين؛ الأول والثاني، ارتفع ما بعد "إلا"، وفي الثالث: نصب ما بعد إلا، وتوجيه ذلك:
أ- "لا إله إلا الله".
جاءت "لا" في أول الجملة نافية للجنس و"إله" اسمها، وخبرها محذوف؛ والتقدير: لا إله موجود، أو كائن، أو لنا؛ ومعلوم أن اسم لا وخبرها المقدر نكرتان على ما هو ضروري في إعمال "لا" عمل "إن"؛ ومعلوم أن ما بعد إلا الاستثنائية، يكون حكمه -من جهة النفي والإثبات- ضد حكم ما قبلها، فإذا كان ما قبلها منفيا، كان ما بعدها مثبتا، والعكس صحيح؛ وعلى هذا فلو أبدلنا لفظ الجلالة "الله" من اسم "لا" وهو إله -على اللفظ- أي: نصبنا لفظ الجلالة، كنا قد أعملنا "لا" في معرفة؛ بل في أعرف المعارف، وفي هذه مخالفة لشرط إعماله؛ لأنه يجب أن يكون اسمها نكرة باتفاق، وكذلك، فإن ما بعد "إلا" هنا مثبت؛ ومعلوم أن "لا" لا تعمل في مثبت؛ فإتباعنا ما بعد إلا على لفظ المتبوع الذي هو أثر عمل "لا" يجرنا إلى مخالفة هذا الأصل فضلا عن المخالفة الأولى؛ ومن أجل هذا وذاك؛ منعنا من أن نبدل لفظ الجلالة على لفظ المبدل منه؛ وهو اسم لا، وجوزنا أن نبدل على الموضع؛ لأنه ليس أثرا من آثار "لا"؛ وذلك لأن اسم "لا" أصله مبتدأ والمبتدأ مرفوع بالابتداء؛ فلو أبدلنا لفظ الجلالة بالرفع، لم نكن جعلنا لـ "لا" فيه عملا؛ وسبق أن عرفنا أن سيبويه يعد "لا" واسمها جميعا في قوة المبتدأ؛ فالموضع ههنا رفع بالابتداء؛ على أحد الوجهين، وليس لـ "لا" أثر فيه؛ فأبدل بالرفع على الموضع وأنكر بعض النحاة الإبدال بالرفع -على اعتبار الابتداء على كلا الاحتمالين، وجعلوا المبدل منه؛ هو =(2/227)
ونحو: "ما فيها من أحد إلا زيد" برفعهما، و: "ليس زيد بشيء إلا شيئا لا يعبأ به" بالنصب؛ لأن "لا" الجنسية لا تعمل في معرفة، ولا في موجب، ومن والباء الزائدتين كذلك، فإن قلت: "لا إله إلا الله واحد" فارفع أيضا؛ لِأنها لا تعمل في موجب.
ولا يترجح النصب على الإتباع لتأخر صفة المستثنى منه على المستثنى، نحو: "ما فيها رجل إلا أخوك صالح" خلافا للمازني1:
__________
= الضمير المستتر في خبر "لا"؛ والتقدير: لا إله لنا إلا الله؛ أو لا إله موجود إلا الله، ونحو ذلك؛ ويكون المعنى: "أن "لا" واسمها وخبرها" نفت جنس الآلهة، وأثبت "البدل" الله وحده؛ فظل الكلام دالا على التوحيد.
ب- "ما فيها أحد إلا زيد".
جاء المستثنى منه في هذا المثال "أحد" وهو نكرة منفية مجرورة بمن الزائدة لفظا؛ غير أنها مرفوعة المحل؛ لكونها مبتدأ خبره الجار والمجرور المتقدم عليها؛ فلو أننا أبدلنا "زيد" المعرفة بالعلمية، من أحد على لفظه -وهو الجر بمن- لكنا جعلنا زيدا "المعرفة" معمولا لـ "من" الزائدة العاملة في "أحد" "المبدل منه"؛ ومعلوم أن "من" الزائدة، لا تدخل إلا على النكرة، وكذلك جاء ما بعد إلا مثبتا؛ لأن ما قبلها منفي؛ ومعلوم أن "من" الزائدة لا تدخل إلا على المنفي؛ ولهذا، وذاك؛ امتنع الإتباع على اللفظ -لفظ المبدل منه- الذي هو أثر لـ "من" الزائدة، وجاز الإتباع على الموضع؛ وهو الرفع على الابتداء؛ لأن الابتداء، ليس أثرا لـ "من" الزائدة.
ج- "ليس زيد بشيء إلا شيئا لا بعبأ به".
جاء المستثنى منه "شيء" مجرورا بـ "من" الزائدة؛ لوقوعه خبرا لـ "ليس" فوقع نكرة منفية، و"شيئا" الذي نريد أن نبدله نكرة مثبتة؛ ولوقوعه بعد إلا المسبوقة بالنفي؛ فلو أبدلنا هنا على اللفظ؛ لجعلنا البدل معمولا للباء الزائدة؛ وهي لا تدخل إلا على النكرة المنفية؛ ولذا وجب البدل على الموضع -وهو النصب- الذي هو أثر ليس. شرح التصريح: 1/ 351.
1 حيث اختار المازني النصب في هذه الحالة؛ ففي قولهم: "ما فيها رجل إلا أخاك صالح"؛ فرجل: مبتدأ، و"الجار والمجرور": خبر تقدم عليه؛ وصالح: صفة لـ "رجل"، وأخاك: منصوب على الاستثناء مقدم على صفة المستثنى منه؛ وهذا الرأي، يجعل حكم تقديم المستثنى على وصف المستثنى منه، كتقديم المستثنى على نفس المستثنى منه؛ وهذا الرأي نسبه ابن الخباز إلى المازني، غير أن المحققين أنكروا تلك النسبة؛ وفي هذه المسألة رأيان آخران؛ أحدهما: أن يكون نصب المستثنى في =(2/228)
وإن كان الاستثناء منقطعا1: فإن لم يمكن تسليط العامل على المستثنى وجب النصب اتفاقا، نحو: "ما زاد هذا المال إلا ما نقص" إذ لا يقال زاد النقص، ومثله: "ما نفع زيد إلا ما ضر" إذ لا يقال نفع الضر.
وإن أمكن تسليطه فالحجازيون يوجبون النصب، وعليه قراءة السبعة: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} 2، وتميم ترجحه وتجيز الإتباع، كقوله3: [الراجز]
__________
= هذه الحالة راجعا على إتباع المستثنى للمستثنى منه، فلم يعط المستثنى في هذه الحالة حكم المستثنى المتقدم على المستثنى منه نفسه، ولم يعطَ حكم المستثنى المتأخر على المستثنى منه، وهذا الرأي هو ما حكاه الأثبات -ومنهم ابن هشام- عن المازني، وهو ما اختاره المبرد أيضا فيما ذكره ابن مالك في شرح كافيته؛ وثانيهما: أن لا يترجح نصب المستثنى في هذه الحالة، ولا يترجح إتباعه للمستثنى منه؛ بل يستوي الأمران؛ وأصحاب هذا الرأي، نظروا إلى الأمرين معا؛ أن المستثنى منه متقدم على المستثنى، وأن صفة المستثنى منه متأخرة عن المستثنى، فأعطوا كل واحد من الأمرين لمحة من النظر؛ فلما وجدوا كل واحد من هذين الأمرين يقتضي حكما يخالف الحكم الذي يقتضيه الآخر، أعطوا هذه الصورة حكما متوسطا، قال ابن مالك: "وعندي أن النصب والبدل عند ذلك مستويان؛ لأن لكل واحد منهما مرجحا". شرح التصريح: 1/ 351-352.
1 وهو ما فقد أحد ركني المتصل؛ نحو: قام القوم إلا حمارا لفاقد البعضية، وقوله تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} لفاقد المخالفة في الحكم لما قبله ويشترط في المنقطع أن يناسب المستثنى منه، فلا يجوز: "قام القوم إلا ثعبانا"، وألا يتقدم ما هو نص في خروجه؛ فلا يصح: "صهلت الخيل إلا الإبل"، بخلاف صوتت مثلا.
2 "4" سورة النساء، الآية: 157.
موطن الشاهد: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} .
وجه الاستشهاد: نصب "اتباع" على الاستثناء؛ وحكم نصبه على الاستثناء الوجوب على مذهب البصريين؛ لأنه لا يصح فيه الإبدال حقيقة من جهة إن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه؛ وأما التميميون؛ فيرجحون النصب على الاستثناء؛ ويجيزون الإتباع؛ فيقرأون: "إِلَّا اتِّبَاعُ" بالرفع على أنه بدل من العلم باعتبار الموضع، ولا يجوز أن يقرأ بالخفض على الإبدال منه باعتبار اللفظ؛ لما تقدم من أنه معرفة موجبة و"من" زائدة، لا تعمل فيها. شرح التصريح: 1/ 353.
3 القائل: عامر بن الحارث، المعروف بجران العود، وهو أحد بني كلفة -بضم الكاف وفتحها- أو كلدة النميري، شاعر جاهلي أدرك الإسلام، لقب بجران العود لبيت قاله وهو:
خذا حذرا يا ضرتي فإنني ... رأيت جران العود قد كان يصلح
وذلك أنه كان له زوجتان، فاتخذ سوطا يهددهما به.
الشعر والشعراء: 2/ 718، والخزانة 41/ 197، والمقاصد: 1/ 492.(2/229)
261- وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس1
__________
1 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 353، والأشموني: "445/ 1/ 229" والشذور: "25/ 265" والهمع: 1/ 225، والدرر: 1/ 192، والكتاب: 1/ 133، 365، ومعاني الفراء: 1/ 479، والمقتضب: 2/ 319، 347، 4/ 414، والإنصاف: 271، وشرح المفصل: 2/ 80، 117، 7/ 21، 8/ 52، والخزانة: 4/ 197، والعيني: 31/ 107، وديوان جران العود: 53.
المفردات الغريبة: أنيس: مؤنس. اليعافير: جمع يعفور، وهو ولد البقرة الوحشية. العيس: هي الإبل التي يخالط بياضها شيء من الشقرة، واحدها: أعيس، والأنثى: عيساء.
المعنى: كثير من البلدان والأماكن الموحشة؛ التي لا مؤنس فيها ولا رفيق، وليس فيها إلا أولاد البقر الوحشي والإبل؛ زرتها ولم أخشَ شيئا.
الإعراب: وبلدة: الواو واو "رب". بلدة: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ. ليس: فعل ماضٍٍ ناقص. "بها" متعلق بمحذوف خبر ليس المتقدم على اسمه. أنيس: اسم "ليس" مؤخر مرفوع. إلا: حرف استثناء، لا محل له من الإعراب. اليعافير: بدل من "أنيس" مرفوع مثله. وإلا: الواو عاطفة. إلا حرف زائد يفيد التأكيد. العيس: اسم معطوف على "اليعافير" مرفوع مثله.
موطن الشاهد: "إلا اليعافير".
وجه الاستشهاد: رفع "اليعافير" على الإبدال -على لغة تميم- مع أنه استثناء منقطع تقدم فيه المستثنى منه، فكان ينبغي انتصابه على المشهور؛ وقد حملهم على ذلك أن المقصود هو المستثنى؛ فكأنه قال: ليس بها إلا اليعافير -وهذا رأي سيبويه- وأما المستثنى منه، فكأنه غير مذكور، فصار كالاستثناء المفرغ؛ أو أنه توسع في معنى المستثنى، حتى جعله نوعا من المستثنى منه، فقدر اليعافير والعيس نوعا من الأنيس، أو توسع في المستثنى، حتى جعله نوعا من المستثنى منه، فقدر اليعافير والعيس نوعا من الأنيس، أو توسع في المستثنى منه، فكأن الاستثناء في الحالتين متصل. وانظر: همع الهوامع: 1/ 225، وكتاب سيبويه: 1/ 262، وشرح التصريح: 1/ 354.(2/230)
وحمل عليه الزمخشري1: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} 2.
[وجوب نصب المستثنى إذا تقدم على المستثنى منه] :
فصل: وإذا تقدم المستثنى على المستثنى منه وجب نصبه مطلقا3، كقوله4:
262- وما لِيَ إلا آل أحمد شيعةٌ ... وما لِيَ إلا مذهبَ الحق مذهبُ5
__________
1 هو: أبو القاسم؛ محمود بن عمر بن محمد الزمخشري الخوارزمي، جار الله، والزمخشري نسبة إلى زمخشر من أعمال خوارزم، إمام في اللغة والنحو والبيان، أخذ عن النيسابوري والأصبهاني، له مصنفات قيمة منها: الكشاف في التفسير، والمفصل في النحو، وأطواق الذهب، والأحاجي النحوية، وغيرها كثير. مات يوم عرفة سنة: 538 هـ.
البلغة: 256، إنباه الرواة: 3/ 265، بغية الوعاة: 2/ 279، معجم المؤلفين: 12/ 186.
2 "27" سورة النمل، الآية: 65.
موطن الشاهد: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} .
وجه الاستشهاد: جعل الزمخشري "من" الاسم الموصول في محل رفع فاعل لـ "يعلم" والغيب: مفعولا به ليعلم أيضا، ولفظ الجلالة بدلا من "من" الموصولة؛ وعلى هذا؛ فهو استثناء منقطع؛ لأن المستثنى -لفظ الجلالة- ليس من جنس المستثنى منه؛ لأن الله تعالى لا يحويه مكان. و"من في السموات" يدل على أن المقصودين مستقرون في السموات والأرض؛ غير أن ابن مالك، جعل الاستثناء متصلا، وقدر متعلق الظرف: من يذكر في السموات والأرض؛ لا استقر ونحوه؛ ورأى ابن هشام في المغني: أنه يجوز أن تعرب "من" مفعولا به لـ "يعلم" لا فاعلا، و"الغيب" بدل اشتمال منه، و"لفظ" الجلالة فاعل، ويكون الاستثناء مفرغا، وكأنه: لا يعلم الغيب إلا الله: وهذا الرأي أفضل مما قبله. انظر مغني اللبيب: 576، وشرح التصريح: 1/ 354.
3 أي: سواء أكان متصلا أم منقطعا؛ ولا يجوز أن يعرب بدلا؛ لأنه يكون تابعًا، والتابع لا يتقدم على المتبوع؛ كما هو معلوم.
4 القائل: هو الكميت بن زيد الأسدي، وقد مرت ترجمته.
5 هذا بيت للكميت من قصيدة له هاشمية، يمدح فيها بني هاشم آل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومطلعها: =(2/231)
بعضهم يجيز غير النصب في المسبوق بنفي] :
وبعضهم يجيز غير النصب1 في المسبوق بالنفي، فيقول: "ما قام إلا زيد أحد" سمع يونس: "مالي إلا أبوك ناصر"، وقال2: [الطويل]
__________
=
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب ... ولا لعبا مني وذو الشوق يلعب
ولم يلهني دار ولا رسم منزل ... ولم يتطربني بنان مخضب
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 355، وابن عقيل: "167/ 2/ 216"، والأشموني: "449/ 1/ 230" وهمع الهوامع: 1/ 225، والدرر اللوامع: 1/ 192، ومجالس ثعلب: 60، والأغاني: 5/ 119، والعيني: 3/ 111، والمقتضب: 4/ 398، والإنصاف: 275، والجمل: 238، وشرح المفصل: 2/ 79، والخزانة: 2/ 207 عرضا، وشذور الذهب: "124/ 345، 356" وقطر الندى: "109/ 335".
المفردات الغريبة: طربت: من الطرب، وهو خفة تعتري القلب من لهو أو حزن أو نحوهما. البيض: جمع بيضاء، وهي المرأة النقية اللون. بنان، البنان: الأصابع أو أطرافها، والمفرد بنانة. مخضب: مزين بالخضاب، وهو ما يختضب به كالحناء ونحوه. شيعة: أنصار وأعوان. مذهب الحق: طريقة وشرعة.
المعنى: ليس لي أعوان وأنصار -أعتمدهم في الملمات إلا آل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليس لي طريق ومذهب أسلكه وأهتدي به إلا طريق الحق.
الإعراب: ما: نافية. "لي": متعلق بمحذوف خبر مقدم. إلا: حرف استثناء، لا محل له من الإعراب. آل: مستثنى تقدم على المستثنى منه، منصوب، وهو مضاف. أحمد: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل. شيعة: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وهو المستثنى منه. وما لي: الواو عاطفة، ما: نافية، "لي": متعلق بخبر مقدم محذوف. إلا: حرف استثناء. مذهب: مستثنى منصوب، تقدم على المستثنى منه، وهو مضاف. الحق: مضاف إليه. مذهب: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وهو المستثنى منه.
موطن الشاهد: "ما لي إلا آل أحمد، ما لي إلا مذهب الحق".
وجه الاستشهاد: تقدم المستثنى في الموضعين "آل، ومذهب" على المستثنى منه -كما بينا في الإعراب- ونصب المستثنى وجوبا؛ لأنه لو لم ينصب على الاستثناء؛ لأعرب بدلا؛ والبدل تابع، والتابع لا يجوز أن يتقدم على المتبوع، كما هو معلوم.
1 أي على الاستثناء، فيجيز النصب والرفع والجر على البدل للإتباع.
2 القائل: هو حسان بن ثابت الأنصاري، وقد مرت ترجمته.(2/232)
263- إذا لم يكن إلا النبيون شافع1
ووجهه أن العامل فُرِّغَ لما بعد "إلا" وأن المؤخر عام أريد به خاص؛ فَصَحَّ إبداله من المستثنى، لكنه بدل كُلٍّ، ونظيره في أن المتبوع أخر وصار تابعا "ما مررت بمثلك أحدٍ"2.
__________
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
لأنهم يرجون منه شفاعة
والبيت من قصيدة للشاعر مطلعها:
ألا يا لقومي هل لما حُمَّ دافعُ؟ ... وهل ما مضى من صالح العيش راجعُ؟
تذكرت عصرا قد مضى فتهافتتْ ... بنات الحشا وانهلَّ مني المدامعُ
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 355، والأشموني: "448/ 1/ 229"، وابن عقيل: "168/ 2/ 217" والهمع: 1/ 225، والدرر: 1/ 192، والعيني: 3/ 114، وديوان حسان بن ثابت: 254.
المفردات الغريبة: يرجون: يأملون.
المعنى: إن أهل بدر أطاعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووفوا بعهدهم له؛ لأنهم يرجون أن يشفع لهم يوم القيامة، حين لا تنفع شفاعة أحد إلا الأنبياء.
الإعراب: لأنهم: اللام حرف جر، يفيد التعليل. أن: حرف مشبه بالفعل، و"هم": في محل نصب اسمه. يرجون: فعل مضارع مرفوع، والواو: فاعل؛ وجملة "يرجون": في محل رفع خبر "أن"؛ والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل جر باللام؛ و"الجار والمجرور": متعلق بفعل "بدَّلوا" في بيت سابق. "منه": متعلق بـ "يرجون". شفاعة: مفعول به لـ "يرجون". إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، في محل نصب على الظرفية الزمانية. لم: جازمة نافية. يكن: فعل مضارع تام مجزوم. إلا: أداة استثناء ملغاة. النبيون: فاعل "يكن" مرفوع، وعلامة رفعه الواو. شافع: بدل كل من كل من فاعل يكن.
موطن الشاهد: "إلا النبيون شافع".
وجه الاستشهاد: ارتفع المستثنى المتقدم المسبوق بالنفي -وهو النبيون- على مذهب الكوفيين؛ وخرج العلماء هذا الشاهد وأمثاله على أنه استثناء مفرغ؛ حيث عدو المستثنى معمولا لما قبل "إلا" فهو فاعل لـ "يكن" التامة، وما بعدها بدل منه؛ بدل كل من كل -كما بينا في الإعراب- وانظر شرح التصريح: 1/ 355.
2 قول ورد عن العرب، أصله: مررت بأحد مثلك، مثلك: تابع في الأصل لأحد على أنه نعت له، فلما قدم النعت على المنعوت أعرب النعت بحسب العوامل، وأعرب "أحد" وهو المنعوت في الأصل بدلا. التصريح: 1/ 355.(2/233)
[تتكرر "إلا" لتوكيد ولغير توكيد] :
[حكم تكررها لتوكيد] :
فصل: وإذا تكررت "إلا" فإن كان التكرار للتوكيد، وذلك إذا تلت عاطفا1، أو تلاها اسم مماثل لما قبلها2، ألغيت؛ فالأول نحو: "ما جاء إلا زيد وإلا عمرو" فما بعد "إلا" الثانية معطوف بالواو على ما قبلها، و"إلا" زائدة للتوكيد3، والثاني كقوله:
.................... لا ... تمرر بهم إلا الفتى إلا العَلَا4
فـ: "الفتى" مستثنى من الضمير المجرور بالباء، والأرجح كونه تابعا له في جره5، ويجوز كونه منصوبا على الاستثناء، و: "العلا" بدل من الفتى بدل كل من كل؛ لِأنهما لمُسَمّىً واحد، و: "إلا" الثانية مؤكدة.
وقد اجتمع العطف والبدل في قوله6: [الرجز]
264- ما لك من شيخك إلا عملُهْ ... إلا رسيمُهُ وإلا رَمَلُهْ7
__________
1 المقصود بالعاطف هنا الواو من دون غيرها من حروف العطف.
2 المقصود: أنه متفق مع ما قبلها في معناه ومدلوله ومقصود بالحكم، بالرغم من اختلاف الألفاظ؛ كأن يكون بدل كل من كل، أو عطف بيان، وكذا الحال في بقية أنواع البدل، نحو: ما أعجبني إلا زيد إلا وجهه إلا علمه. انظر شرح التصريح: 1/ 356، وضياء السالك: 2/ 171.
3 أي: التوكيد اللفظي، ولا أثر لها في الحكم الإعرابي مطلقا.
4 هذا عجز بيت من كلام الناظم في الألفية، يبين فيه حكم "إلا" المكررة للتوكيد؛ وهو بتمامه:
"وألغ "إلا" ذات توكيد؛ كلا ... تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا"
5 يترتب على هذا الأرجح حذف حرف الجر وبقاء الاسم الذي كان مجرورا به على جره في غير الموضع القياسي.
6 لم ينسب إلى قائل معين.
7 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 356، والأشموني =(2/234)
فـ: "رسيمه" بدل، و: "رمله" معطوف، و: "إلا" المقترنة بكل منهما مؤكدة.
[حكم تكرارها لغير توكيد] :
وإن كان التكرار لغير توكيد، وذلك في غير بابي العطف والبدل، فإن كان العامل الذي قبل "إلا" مفرغا تركته يؤثر في واحد من المستثنيات، ونصبت ما عدا ذلك الواحد، نحو: "ما قام إلا زيدٌ إلا عمرًا إلا بكرًا" رفعت الأول بالفعل على أنه فاعل، ونصبت الباقي، ولا يتعين الأول لتأثير العامل، بل يترجح، وتقول: "ما
__________
= "451/ 1/ 232"، وابن عقيل: "170/ 2/ 221"، والهمع: 1/ 227، والدرر: 1/ 193، والكتاب: 1/ 374، والمقرب: 35، والعيني: 3/ 117.
المفردات الغريبة: "شيخك": المشهور في هذه الكلمة أنها بالياء، وقيل هي "شنجك": الجمل؛ وأصلها التحريك وسكنت للضرورة. الرسم: ضرب من سير الإبل البطيء. الرمل: السير السريع، وفسر الأعلم "الرسيم": بالسعي بين الصفا والمروة، وفسر الرمل: بالطواف بالبيت.
المعنى: ليس لك من جملك مأرب إلا رسيمه ورمله؛ وكلاهما أنت في حاجة إليه؛ والرواية المشهورة "شيخك": والشيخ: الرجل المسن، وعلى هذه الرواية، يكون المراد: ليس لك مطمع في شيخك إلا الانتفاع منه بهذين العملين الجليلين؛ وهما السعي والهرولة بين الصفا والمروة. وفي الطواف.
الإعراب: ما: نافية. "لك": متعلق بخبر مقدم محذوف. "من شنجك": متعلق بما تعلق به الأول، وهو مضاف، والكاف: مضاف إليه. إلا: أداة استثناء ملغاة. عمله: مبتدأ مؤخر، وهو مضاف، و"الهاء": مضاف إليه. إلا: حرف زائد يفيد التوكيد. رسيمه: بدل من "عمله" بدل بعض من كل، وهو مضاف، و"الهاء": مضاف إليه. وإلا: الواو عاطفة، إلا: حرف زائد يفيد التوكيد. رمله: معطوف على "رسيم" مرفوع مثله، وهو مضاف، و"الهاء" مضاف إليه.
موطن الشاهد: "إلا عمله إلا رسيمه وإلا رمله".
وجه الاستشهاد: تكرار "إلا" مرتين في قوله: "إلا رسيمه" و"إلا رمله"؛ وفي الموضع الأول؛ كان ما بعدها بدلا مما قبلها، وفي الموضع الثاني؛ كان ما بعدها معطوفا على ما قبلها، وهما الموضعان اللذان تزاد فيهما "إلا"؛ وهي في هذين الموضعين ملغاة لا تفيد غير التوكيد.(2/235)
رأيت إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا" فتنصب واحد منها بالفعل على أنه مفعول به، وتنصب البواقي بإلا على الاستثناء.
وإن كان العامل غير مفرغ، فإن تقدمت المستثنيات على المستثنى منه نصبت كلها1، نحو: "ما قام إلا زيدًا إلا عمرًا إلا بكرًا أحدٌ" وإن تأخرت، فإن كان الكلام إيجابا نصبت أيضا كلها، نحو: "قاموا إلا زيدًا إلا عمرًا إلا بكرًا".
وإن كان غير إيجاب أعطي واحد منها ما يعطاه لو انفرد، ونصب ما عداه، نحو: "ما قاموا إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا" لك في واحد منها الرفع راجحا والنصب مرجوحا ويتعين في الباقي النصب2، ولا يتعين الأول لجواز الوجهين، بل يترجح.
هذا حكم المستثنيات المكررة بالنظر إلى اللفظ3.
[حكم المستثنيات المتكررة بالنظر إلى المعنى] :
وأما بالنظر إلى المعنى فهو نوعان: ما لا يمكن استثناء بعضه من بعض، كـ: "زيد وعمرو وبكر"4 وما يمكن، نحو: "له عندي عشرة إلا أربعة إلا اثنين إلا واحدا".
ففي النوع الأول: إن كان المستثنى الأول داخلا، وذلك إذا كان مستثنى من غير موجب، فما بعده داخل5، وإن كان خارجا، وذلك إن كان مستثنى من موجب، فما بعده خارج6.
__________
1 وجوبا سواء كان الكلام تاما موجبا، أم غير موجب، ولا يجوز الإبدال في شيء منها لأنه يكون تابعا، والتابع لا يتقدم على المتبوع.
2 أجاز الأبدي في هذه الصورة رفع الجميع على الإبدال.
3 أي: من حيث الإعراب اللفظي.
4 فإن كل واحد منها، لا يدخل فيه غيره، فلا يستثنى منه شيء.
5 أي: في الحكم الذي دخل فيه الأول؛ نحو: ما قام أحد إلا محمدا إلا عليا إلا محمودا. و"محمدا" هو المستثنى الأول، وهو داخل في إثبات القيام له؛ لأنه مستثنى من النفي، فيكون كل من "علي" و"محمود" داخلا أيضا.
6 أي: أن حكم المستثنيات الأخيرة حكم الأول؛ دخولا وخروجا؛ وفي حكم المستثنيات المكررة المتأخرة، يقول ابن مالك: =(2/236)
وفي النوع الثاني1 اختلفوا، فقيل: الحكم كذلك، وإن الجميع مستثنى من أصل العدد2، وقال البصريون والكسائي: كل من الأعداد مستثنى مما يليه3، وهو الصحيح لأن الحمل على الأقرب متعين عند التردد، وقيل: المذهبان محتملان.
وعلى هذا فالمقر به في المثال ثلاثة على القول الأول، وسبعة على القول الثاني، ومحتمل لهما على الثالث، ولك في معرفة المتحصل على القول الثاني طريقتان، إحداهما: أن تسقط الأول وتجبر الباقي بالثاني وتسقط الثالث، وإن كان معك رابع فإنك تجبر به، وهكذا إلى الأخير4. والثانية: أن تحط الآخر مما يليه، ثم باقيه مما يليه، وهكذا إلى الأول5.
__________
=
وانصب لتأخير، وجئْ بواحدِ ... منها كما لو كان دون زائدِ
كلم يفوا إلا امرؤ إلا علي ... وحكمها في القصد حكم الأولِ
والمعنى: انصب المستثنيات كلها في حالة التأخير، إن كان الكلام موجبا؛ فإن كان تاما غير موجب؛ عوامل واحد منها بما كان يستحقه لو لم تتكرر "لا" فيبدل مما قبله؛ وهو المختار، أو ينصب -على قلة- نحو المثال الذي ذكره؛ فيجوز في "علي" الرفع على البدلية من امرؤ، والنصب على الاستثناء؛ وما يتكرر من المستثنيات، حكمه في المعنى حكم الأول، فيثبت له ما يثبت للأول من الدخول إن كان الكلام منفيا والخروج؛ إن كان موجبا كما أوضح المؤلف. انظر شرح التصريح: 1/ 357، وضياء السالك: 2/ 175.
1 هو ما يمكن استثناء بعضه من بعض.
2 أي: من العدد الأول.
3 أي: من الذي قبله، والذي قبله مستثنى من الذي قبله وهكذا ... إلى الأول.
4 فالمستثنى الأول في المثال الأول: "4" تسقط من "10"؛ فيكون الباقي: "6"، ويجبر بالثاني، وهو: "2" فتصير: "8"، ثم يسقط منها الثالث، وهو: "1"؛ فيكون الباقي: "7".
5 وهناك طريقة ثالثة ذكرها صاحب "ضياء السالك" وهي: جمع الأعداد الفردية -ومنها المستثنى منه الأول- ثم الأعداد الزوجية، وتطرح الثانية من الأولى، فباقي الطرح هو المطلوب؛ ففي المثال المذكور: "10 + 2" - "4 + 1" = 7.
انظر شرح التصريح: 1/ 359-360، وضياء السالك: 1/ 176.(2/237)
["غير" أصلها - والاستثناء بها] :
فصل: وأصل1 "غير" أن يوصف بها إما نكرة، نحو: {صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} 2، أو معرفة كالنكرة3، نحو: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} 4، فإن موصوفها {الَّذِينَ} وهم جنس لا قوم بأعيانهم.
وقد تخرج عن الصفة وتضمن معنى: "إلا" فيستثنى بها اسم مجرور بإضافتها إليه، وتعرب هي بما يستحقه المستثنى بإلا في ذلك الكلام، فيجب نصبها5 في نحو: "قاموا غير زيد" و: "ما نفع هذا المال غير الضرر" عند الجميع، وفي نحو: "ما
__________
1 يوصف بها -على الرغم من جمودها- لما فيها من معنى اسم الفاعل؛ لأن معناها إفادة المغايرة، والدلالة على أن مجرورها مغاير ومخالف للموصوف في الحكم الذي ثبت له إيجابا أو نفيا؛ إما في ذاته؛ نحو: قابلت رجلا غير علي؛ أو في وصف طارئ على الذات؛ نحو: قابلني بوجه غير الذي عهدته منه، فوصف الوجه مختلف في الحالتين. وانظر مغني اللبيب: 209، وشرح التصريح: 360.
2 "7" سورة الأعراف، الآية: 53.
موطن الشاهد: {صَالِحًا غَيْرَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "غير" صفة لـ "صالحا" على الرغم من إضافتها إلى الذي؛ لكونها لا تتعرف بالإضافة؛ لتوغلها في الإبهام.
3 أي: المعرفة المراد منها الجنس.
4 "1" سورة الفاتحة، الآية: 7.
موطن الشاهد: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "غير" صفة لـ "الذين" وهم جنس مبهم لا قوم بأعيانهم، كما ذكر المؤلف في المتن؛ ومعلوم أن المعرف الذي يراد به الجنس قريب من النكرة؛ وهي في الحالتين مؤولة بالمشتق -كما أسلفنا- بمعنى مغاير؛ لأن النعت لا يكون إلا مشتقا أو مؤولا به.
5 خلاصة القول: أنه يجب نصب "غير" بالإجماع في صورتين: إذا كان الكلام تاما موجبا نحو: قام القوم غير زيد، أو كان الاستثناء منقطعا ولا يمكن تسليط العامل على المستثنى؛ نحو: ما نفع هذا المال غير الضرر. ويجب النصب عند الحجازيين إذا كان الاستثناء منقطعا وأمكن تسليط العامل على المستثنى؛ نحو: ما في الدار أحد غير حمار، وبنو تميم يجيزون الإتباع في ذلك، وإذا تقدم المستثنى على المستثنى منه، نحو: ما في الدار غير زيد أحد، وجب النصب عند الأكثرين.
شرح التصريح: 1/ 360، 361.(2/238)
فيها أحد غير حمار" عند الحجازيين، وعند الأكثر في نحو: "ما فيها غير زيد أحد"، ويترجح عند قوم في نحو هذا المثال، وعند تميم في نحو: "ما فيها أحد غير حمار"، ويضعف في نحو: "ما قاموا غير زيد" ويمتنع في نحو: "ما قام غير زيد".
[الاستثناء بـ "سوى"] :
فصل: والمستثنى1 بـ: "سوى" كالمستثنى بـ: "غير" في وجوب الخفض.
__________
1 للنحاة في "سوى" ثلاثة آراء:
الأول: أن "سوى" ظرف مكان، وأنها لا تخرج عن الظرفية، فإن جاء من كلام العرب شيء، استعملت فيه اسما غير ظرف؛ فهو مؤول أو ضرورة من ضرورات الشعر؛ وهذا رأي الخليل، وسيبويه، وجمهرة البصريين.
الثاني: أن "سوى" تستعمل ظرفا منصوبا على الظرفية، وتستعمل اسما غير ظرف؛ إلا أن استعمالها ظرفا أكثر من استعمالها غير ظرف؛ وارتضى المؤلف هذا الرأي، فهو يقول: "وإلى مذهبهما أميل" ويعني بهما: الرماني، والعكبري.
الثالث: أن "سوى" تستعمل ظرفا، وتستعمل اسما غير ظرف، وأن الاستعمالين سواء، ليس أحدهما أكثر من الثاني، وليس أحدهما ضرورة ولا خاصا بالشعر؛ وهذا رأي الكوفيين، وتبعهما ابن مالك، واستدلوا بالآتي:
أ- أجمع أهل اللغة على أن قول القائل: "قاموا سواك" وقوله: "قاموا غيرك" بمعنى واحد.
ب- لم يقل واحد من أهل اللغة: إن "سوى" عبارة عن مكان أو زمان؛ حتى تكون ظرفا؛ وإنما تأولها البصريون بمعنى بَدَلَك، ثم جعلوا "بدلك" بمعنى "مكانك"، فحكموا بمقتضى ذلك التأويل بأنها ظرف.
ج- وقوع العدد الكثير من الشواهد الشعرية والنثرية التي تخالف ملازمتها للنصب على الظرفية؛ حيث جاءت مجرورة بحرف الجر، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام: "ما أنتم في سواكم من الأمم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود"، وكما في قول المرار العقيلي:
ولا ينطق الفحشاء من كان منهم ... إذا جلسوا منا ولا من سوائنا
وجاءت مجرورة بالإضافة، كما في قول الشاعر:
فإنني والذي يحج له النـ ... ـاس بجدوى سواك لم أَثِقٍ
وجاءت مرفوعة بالابتداء كما في قول الشاعر:
وإذا تباع كريمة أو تشترى ... فسواك بائعها وأنت المشتري
=(2/239)
ثم قال الزجاجي1 وابن مالك. سوى كغير معنى وإعرابا، ويؤيدهما حكاية الفراء: "أتاني سواك". وقال سيبويه والجمهور: هي ظرف، بدليل وصل الموصول بها، كـ: "جاء الذي سواك" قالوا: ولا تخرج عن النصب على الظرفية إلا في الشعر، كقوله2: [الهزج]
265- ولم يبقَ سوى العدوا ... ن دِنَّاهُمْ كما دانوا3
__________
= وجاءت مرفوعة على الفاعلية، كما في قول الآخر:
ولم يبق سوى العدوا ... ن دناهم كما دانوا
وجاءت اسما لـ "إن" في قول أحدهم:
لديك كفيل بالمنى لمؤمِّلِ ... وإن سواك من يؤمِّلُهُ يشقَى
وبعد هذا كله، يتضح لنا بطلان قولهم بعد تصرفها، ولزومها للظرفية وبناءً عليه يكون ما ذهب إليه الكوفيون، وارتضاه ابن مالك في هذه المسألة هو القول الأصوب لما بينا. وانظر في هذه المسألة:
ابن عقيل: 2/ 226، وحاشية الصبان: 2/ 158-159-160-161، وحاشية، يس على التصريح: 1/ 362، وهمع الهوامع: 1/ 201-202.
1 الزجاجي: هو أبو القاسم؛ عبد الرحمن بن إسحاق، أصله من نهاوند، انتقل إلى بغداد ولزم أبا إسحاق: إبراهيم الزجاج، فنسب إليه، وأخذ أيضا عن الطبري، وابن كيسان وابن السراج والأخفش وابن الأنباري، له كتب قيمة منها: الجمل في النحو، والإيضاح في علل النحو، والكافي، وشرح خطبة أدب الكتاب، وشرح أسماء الله الحسنى وكتاب الأماني ... وغيرها مات بطبرية سنة 340 هـ.
البلغة: 121، بغية الوعاة 2/ 77، وفيات الأعيان: 1/ 288، إنباه الرواة: 2/ 161، الأعلام: 4/ 69.
2 القائل: هو الفند الزِمَّاني -بكسر الزاي وتشديد الميم المفتوحة- واسمه شهل بن شيبان، أحد شعراء الحماسة وأحد فرسان ربيعة المشهورين المعدودين، شهد حرب بكر وتغلب وقد قارب المائة سنة، فأبلى فيها بلاء حسنا، ولقب بالفند؛ لأن بكرا بعثوا إلى بني حنيفة يستنصرونهم، فأمدوهم به وكتبوا إليهم: قد بعثنا إليكم بثلاثمائة فارس، فلما أتى بكرا وهو مسن قالوا: وما يغني هذا العشبة؟ قال: أوما ترضون أن أكون لكم فندا تأوون إليه.
الخزانة: 3/ 434-435.
3 تخريج الشاهد: من قصيدة قالها الشاعر في حرب البسوس، رواها أبو تمام في حماسته ومطلعها قوله: =(2/240)
وقال الرماني1 والعكبري2: تستعمل ظرفا غالبا، وكغير قليلا، وإلى هذا أذهب.
__________
=
صفحنا عن بني ذهل ... وقلنا القوم إخوان
عسى الأيام أن يرجعـ ... ـن قوما كالذي كانوا
فلما صرح الشر ... وأمسى وهو عريان
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 362، وابن عقيل: "173/ 2/ 228" والهمع: 1/ 202، والدرر: 1/ 170، وأمالي القالي: 1/ 260، والخزانة: 2/ 57، والعيني: 3/ 122، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 35.
المفردات الغريبة: العدوان: الظلم الصريح. دناهم: جازيناهم وفعلنا بهم مثل ما فعلوا بنا.
المعنى: لما ظهر الشر، وانكشف كل شيء كان مستورا، ولم يبقَ من بني ذهل إلا العدوان الظاهر؛ جازيناهم، وفعلنا بهم مثلما فعلوا بنا، وكما تدين تدان.
الإعراب: لم: حرف جزم ونفي وقلب. يبق: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة. سوى: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف، وهو مضاف. العدوان: مضاف إليه. دنَّاهم: فعل ماضٍ، مبني على السكون؛ لاتصاله بـ "نا" الدالة على الفاعلين، و"نا": فاعل، و"هم": مفعول به. كما: الكاف حرف جر، و"ما" حرف مصدري. دانوا: فعل ماضٍ، والواو: فاعل؛ والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": في محل جر بالكاف؛ و"الجار والمجرور": متعلق بمحذوف صفة لمصدر، يقع مفعولا مطلقا؛ عامله "دناهم"؛ والتقدير: دنَّاهم دينًا مماثلا لدينهم إيانا؛ وجملة "دانوا": صلة للمصولو الحرفي، لا محل لها؛ وجملة "دناهم": جواب "لما" في بيت سابق، لا محل لها.
موطن الشاهد: "ولم يبق سوى العدوان".
وجه الاستشهاد: وقوع "سوى" فاعلا لـ "يبق"؛ وحكم مجيئها فاعلا الجواز لضرورة الشعر عند البصريين؛ وأما عند الكوفيين فجائز في سعة الكلام، ولم يخصوه بالشعر فقط كالبصريين؛ ومذهبهم في هذه المسألة أرجح؛ لورود الشواهد الكثيرة من الشعر والنثر معا عمن يحتج بكلامهم. وانظر شرح التصريح: 1/ 362.
1 مرت ترجمته.
2 هو: أبو البقاء عبد الله بن الحسين، محب الدين العكبري البغدادي النحوي الضرير، قرأ على ابن الخشاب وغيره، له مصنفات كثيرة منها: إعراب القرآن، تفسير القرآن، إعراب الشواذ من القرآن، شرح الإيضاح، شرح اللمع، شرح المقامات، شرح الكتاب ... وغيرها ولد سنة 538، ومات سنة 616 هـ.
البلغة: 108، إنباه الرواة: 2/ 116، بغية الوعاة: 2/ 38، معجم المؤلفين: 6/ 46، الأعلام 4/ 208.(2/241)
[الاستثناء بـ "ليس" و"لا يكون"] :
فصل: والمستثنى بـ: "ليس"، و: لا يكون" واجب النصب؛ لِأنه خبرهما، وفي الحديث: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السنَّ والظفرَ" 1 وتقول: "أتوني لا يكون زيدا".
واسمهما2 ضمير مستتر عائد على اسم الفاعل المفهوم من الفعل السابق، أو
__________
1 هذا حديث شريف في حكم الذبائح.
وأخرجه بلفظ: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكلوا ليس السنَّ والظفرَ".
المعجم الكبير للطبراني "ط. العراق": 4/ 320، وإتحاف السادة المتقين للزبيدي "تصوير بيروت": 6/ 76 وكنز العمال "مطبعة التراث الإسلامي": 1767. وأخرجه بلفظ: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السنَّ والظفرَ" مسلم، الأضاحي "مطبعة عيسى الحلبي": برقم: 40، وسنن النسائي "تصوير بيروت": 7/ 228، ومسند الإمام أحمد "مطبعة الميمنية": 4/ 142، ومعجم الطبراني: 4/ 321. وشرح السنة للبغوي "مطبعة المكتب الإسلامي": 11/ 214، وفتح الباري "دار الفكر": 9/ 623، 631.
2 للنحاة في مرجع الضمير المستتر وجوبا في "ليس" و"لا يكون" ثلاثة أقوال؛ هي:
الأول: أن هذا الضمير عائد إلى اسم فاعل الفعل العامل في المستثنى منه؛ أو إلى اسم المفعول -وهذا الرأي لسيبويه- وبيانه: أننا إذا قلنا: "جاء القوم ليس زيدا" يكون تقدير الكلام: جاء القوم ليس هو -أي الجائي- زيدا؛ واعترض على هذا القول باعتراضات؛ أوضحها: أنه قد لا يكون في الكلام السابق على المستثنى فعل، كما لو قلت: "القوم إخوتك ليس زيدًا" فمن أين لنا أن نشتق اسم الفاعل الذي يعود الضمير إليه؟
وأجاب بعض من ينتصر لسيبويه: بأننا نتصيد من معنى الكلام السابق فعل، ونجعل اسم فاعل هذا الفعل المتصيد مرجع الضمير؛ ففي المثال المذكور نقدر أن الكلام: القوم يتصفون بأخوتك ليس زيدا، ونقدر مرع الضمير: ليس هو -أي المتصف بهذه الأخوة- زيدا.
والثاني: أن هذا الضمير عائد على البعض المدلول عليه بكله السابق -وهذا رأي البصريين ففي قولنا: "جاء القوم ليس زيدا"؛ التقدير: ليس هو -أي بعض القوم- زيدا؛ ومعنى هذا، أن نكون نفينا أن يكون بعض القوم زيدا؛ أي بعض القوم من =(2/242)
البعض المدلول عليه بكله السابق، فتقدير: "قاموا ليس زيدا": ليس القائم، أو ليس بعضهم، وعلى الثاني فهو نظير: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً} 1 بعد تقدم ذكر الأولاد2.
وجملتا الاستثناء3 في موضع نصب على الحال4، أو مستأنفتان فلا موضع لهما5.
[المستثنى بـ "خلا" و"عدا" وحكمه] :
فصل: وفي المستثنى بـ "خلا" و"عدا" وجهان:
__________
= عدا زيدا، وبالتالي: نكون قد أطلقنا لفظ البعض على الجميع إلا واحدا، وليس من المعهود هذا الإطلاق.
الثالث: أن الضمير يعود إلى مصدر الفعل السابق، بعد أن نقدر أن المستثنى، كان مضافا إلى مصدر مثله -وهذا رأي الكوفيين- ففي قولنا: "جاء القوم ليس زيدا"؛ التقدير: ليس المجيء مجيء زيد؛ واعترض على هذا الرأي باعتراضين؛ أولهما: أنه قد لا يكون في الكلام السابق فعل، ومر جوابه في الكلام على قول سيبويه، وثانيهما: أن فيه هذا التقدير مضافا محذوفا، لم يلفظ به في كلام قط. وانظر في هذا المسألة: شرح التصريح: 1/ 362-363، والجني الداني: 495.
1 "4" سورة النساء، الآية: 11.
موطن الشاهد: {كُنَّ نِسَاءً} .
وجه الاستشهاد: عودة الضمير في "كن" على البعض المدلول عليه بالكل بعد تقدم ذكر الأولاد في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} فإن الأولاد تشمل الذكور والإناث؛ فعادت النون في "كن" على الإناث اللاتي هن البعض المفهوم من الأولاد؛ ومعلوم أن "النون": اسم "كن" و"نساء": خبرها.
2 أي في قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} فإن قيل: لا فائدة من قول القائل: فإن كن الإناث نساء. فالجواب: أن الفائدة تمت بما ذكره بعده من الظرف وهو قوله جل جلاله {فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} شرح التصريح: 1/ 363.
3 أي: جملة "ليس زيدا"، "ولا يكون زيدا".
4 ولا تحتاج لوجود "قد" المشروطة في الجملة الماضوية الواقعة حالا؛ لأن هذا في غير الجمل التي أفعالها جامدة كما هنا.
5 أي: لا علاقة لهما بما قبلهما من جهة الإعراب. أما من الناحية المعنوية فبينهما ارتباط كما أسلفنا، وهذا رأي جمهور البصريين. شرح التصريح: 1/ 363.(2/243)
أحدهما: الجر على أنهما حرفا جر، وهو قليل، ولم يحفظه سيبويه في "عدا"، ومن شواهده قوله1: [الوافر]
266- أَبَحْنَا حيَّهُم قتلًا وأسرًا ... عدا الشمطاء والطفل الصغير2
وموضعهما نصب، فقيل: هو نصب عن تمام الكلام3، وقيل: لأنهما متعلقان بالفعل المذكور4.
__________
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: ويروى قبل الشاهد -وهو دليل على أن القوافي مجرورة- قوله:
تركنا في الحضيض بنات عوج ... عواكف قد خضعن إلى النسور
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 232، والدر: 1/ 197، والعيني: 3/ 123.
المفردات الغريبة: أبحنا، أحللنا، من أباح الشيء إذا أحله، والمراد: استأصلنا حيهم، الحي: القبيلة. الشمطاء: العجوز التي خالط البياض سواد شعرها، والرجل أشمط.
المعنى: استبحنا القتل والأسر، واستأصلنا تلك القبيلة، ولم نترك إلا العجائز من النساء، والصغار من الأطفال.
الإعراب: أبحنا: فعل ماضٍٍ مبني على السكون؛ لِاتصاله بـ "نا"؛ و"نا" في محل رفع فاعل. حيهم: مفعول به، وهو مضاف. و"هم": مضاف إليه. قتلا: تمييز منصوب؛ ويجوز أن يكون "حيهم" مفعولا به على نزع الخافض؛ أي في حيهم، وقتلا: مفعولا به. وأسرا: الواو عاطفة؛ أسرا: معطوف على "قتلا" منصوب مثله. عدا: حرف جر دالٍّ على الاستثناء، لا محل له من الإعراب. الشمطاء: مجرور بـ "عدا" وعلامة جره الكسرة الظاهرة. والطفل: الواو عاطفة، الطفل: اسم معطوف على الشمطاء، والمعطوف على المجرور مجرور مثله. الصغير: صفة للطفل مجرورة.
موطن الشاهد: "عدا الشمطاء".
وجه الاستشهاد: مجيء "عدا" في الشاهد حرف جر و"الشمطاء" مجرورا به.
3 أي: تمام الجملة قبلهما، فتكون هي الناصبة لمحلهما على الاستثناء؛ كما قيل في تمييز النسبة: إن العامل فيه النصب، هو الجملة قبله، ولا يحتاجان إلى متعلق على اعتبارهما من أحرف الجر الشبيهة بالزائد. وانظر شرح التصريح: 1/ 363، وحاشية الصبان: 2/ 163.
4 أي: قبلهما، فيكونان -حينئذ- في موضع نصب على المفعول به، والأول: أرجح.(2/244)
والثاني: النصب على أنهما فعلان جامدان لوقوعهما موقع1 "إلا" وفاعلهما ضمير مستتر"، وفي مفسره وفي موضع الجملة البحث السابق.
وتدخل علهيما "ما" المصدرية2 فيتعين النصب؛ لِتعين الفعلية حينئذ، كقوله3: [الطويل]
267- ألا كلُّ شيء ما خلا الله باطل4
__________
1 فعلان لتقدم ما المصدرية عليهما، التي لا توصل إلا بالأفعال، والفعل إذا وقع موقع الحرف يصير جامدا، كما أن الاسم إذا وقع موقعه يصير مبنيا، ونصب ما بعدهما على أنه مفعول واضح بالنسبة لعدا؛ متعدٍّ قبل الاستثناء، أما "خلا" فقد ضمنت عند الاستثناء معنى "جاوز"؛ فصارت متعدية. التصريح: 1/ 364.
2 أي: استثناء؛ لِأنها لا تدخل على فعل جامد. وقيل: لأنهما في الأصل متصرفان. والمنع إنما هو في الجامد أصالة.
3 القائل: هو لبيد بن ربيعة العامري، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
وكل نعيم لا محالة زائلُ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 364، والهمع: 1/ 3، 266، 333، والدرر: 1/ 2، 93، 197، وشرح المفصل: 2/ 78، والعيني: 1/ 15، 3/ 134، وحاشية يس: 1/ 355، ومغني اللبيب: "219/ 179" "352/ 259" وشرح السيوطي: 134، 180، والشذور: "122/ 341" وديوان لبيد: 256.
المفردات الغريبة: ما خلا الله: ما عداه سبحانه؛ باطل، المراد: فانٍ وهالك. زائل: ذاهب.
المعنى: كل شيء في هذه الحياة صائر إلى زوال، ولا يبقى إلا الواحد الديان، وكل نعيم في هذه الدنيا سيغدو أثرا بعد عين، فليعتبر بهذا الغافلون والمنحرفون.
الإعراب: ألا: أداة استفتاح وتنبيه: كل: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. شيء: مضاف إليه مجرور. ما: مصدرية، لا محل لها. خلا: فعل ماضٍٍ مبني على الفتح المقدر، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا، تقديره هو: يعود إلى البعض المفهوم من الكل السابق. الله: "لفظ الجلالة" منصوب على التعظيم. باطل: خبر المبتدأ "كل" مرفوع. وكل: الواو عاطفة، كل: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. نعيم: مضاف إليه مجرور. لا محالة: لا نافية للجنس، لا محل لها من الإعراب. محالة: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب؛ وخبر "لا" محذوف؛ والتقدير: لا محالة موجودة؛ وجملة "لا محالة موجودة": اعتراضية، لا محل لها. زائل: خبر "كل" مرفوع.
موطن الشاهد: "ما خلا الله".
وجه الاستشهاد: استعمال "خلا" فعلا؛ لسبقها بـ "ما" المصدرية، ونصب لفظ الجلالة بعدها؛ والذي يدلنا على استعمالها فعلا سبقها بما المصدرية؛ لأن "ما" المصدرية، لا تدخل على الأفعال، ولا تدخل على الحروف.(2/245)
وقوله1: [الطويل]
268- تملُّ الندامى ما عداني فإنني2
ولهذا دخلت نون الوقاية، وموضع الموصول وصلته نصب: إما على الظرفية على حذف مضاف، أو على الحالية على التأويل باسم الفاعل3، فمعنى: "قاموا ما
__________
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
بكل الذي يهوَى نديمي مولعُ
وقد مر تخريج الشاهد والتعليق عليه.
موطن الشاهد: "ما عداني".
وجه الاستشهاد: استعمال "عدا" فعلا؛ لأنها سبقت بما المصدرية؛ ومعلوم أن "عدا" عندما تسبق بما المصدرية، تتمحَّض للفعلية -كما سبق- وما يؤكد استعمال الشاعر لـ "عدا" فعلية؛ إلحاقه بها نون الوقاية لما وصل بها ياء المتكلم، ونحن نعلم أن نون الوقاية تلزم الأفعال من دون الحروف.
3 عندما تأتي "عدا وخلا" مقرونتين بـ "ما" فلمحلهما ثلاثة أوجه من الإعراب:
الأول: أن "ما" المصدرية ومدخولها في تأويل مصدر منصوب على الظرفية الزمانية؛ وأصله: مضاف إليه للفظ "وقت" فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه؛ ففي قولهم: "قام القوم عدا زيدا"، يكون التقدير: قام القوم وقت مجاوزتهم زيدا.
الثاني: أن "ما" وما دخلت عليه في تأويل مصدر، يراد به اسم الفاعل، وهو حال من المستثنى منه؛ ويكون تقدير المثال السابق: قام القوم مجاوزتهم زيدا، أي: مجاوزين زيدا؛ وهذا، كما قدر المصدر الصريح -حين وقع حالا- باسم الفاعل؛ نحو قولك: جاء زيد ركضا؛ أي: راكضا.
الثالث: أن "ما عدا زيدا" منصوب على الاستثناء، مثل انتصاب "غير" في قولهم: قام القوم غير زيد؛ والتقدير الثاني للسيرافي، والثالث لابن خروف، والرأي الأرجح، هو الأول؛ لأن "ما عدا" في تأويل المصدر عند الجميع، والمصدر ينوب مناب ظرف الزمان بكثرة، كما في قولهم: أزورك طلوع الشمس، وأحبك مجيء الحاج؛ فأما مجيء الحال مصدرا، فيحتاج إلى التأويل -على أن بعض النحاة ذكر أن مجيء المصدر حالا؛ إنما يكون في المصدر الصريح لا المؤول؛ وأما النصب على الاستثناء، ففيه من التكلف ما لا يخفى. وانظر شرح التصريح: 1/ 365، والمغني: 178-179.(2/246)
عدا زيدا" قاموا وقت مجاوزتهم زيدا، أو مجاوزين زيدا، وقد يجران على تقدير "ما" زائدة1.
[المستثنى بـ "حاشا"] :
فصل: والمستثنى بـ: "حاشا" عند سيبويه مجرور لا غير، وسمع غيره النصب2، كقوله: "اللهم اغفر لي ولمن يسمع، حاشا الشيطانَ وأبا الأصبغ"3.
والكلام في موضعها جارة وناصبة وفي فاعلها كالكلام في أختيها.
ولا يجوز دخول "ما" عليها، خلافا لبعضهم4، ولا دخول "إلا" خلافا
__________
1 وإلى هذا ذهب الجرمي والربعي والكسائي والفارسي وابن جني، ولم يرتضه ابن هشام في المغني لأن "ما" تزاد بعد حرف الجر، نحو: {عَمَّا قَلِيلٍ} ، و: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} ، أما هنا فلا، وإن كان سمع ذلك فهو شذوذ لا يقاس عليه. التصريح: 1/ 365، مغني اللبيب: 179، همع الهوامع: 1/ 233.
2 الذين رووا النصب بعد "حاشا" هم أبو زيد والفراء، والأخفش، والشيباني، وابن خروف، وأجازه الجرمي والمازني والمبرد والزجاج وابن مالك. مغني اللبيب: 165، والجنى الداني: 558، والتصريح: 1/ 365.
3 هذا كلام منثور، وليس بنظم، وأبو الأصبغ: اسم رجل رمي بالخسة والدناءة وجعل قرينا للشيطان لالتحاقه في قبح الأفعال.
"الشيطان" منصوب بحاشا على أنها فعل ماضٍ، و"أبا" معطوف عليه. "الأصبغ" مضاف إليه. وجيء بحاشا هنا للتهكم؛ لأنها إنما يستثنى بها في مقام تنزيه المستثنى عن نقص ما، والمغفرة أمر حسن لا يتنزه أحد عنه، ولكنه بالغ في تقبيح فعل الشيطان وأبي الأصبغ وخستهما ودمهما حتى كأن المغفرة تنقص بهما، فيجب أن تتنزه عنهما وألا تتعلق بأمثالهما.
4 فقد أجاز دخول "ما" عليها مستدلا بقوله عليه الصلاة والسلام: "أسامة أَحَبُّ الناسِ إلي ما حاشا فاطمة". ورد بأن جملة "ما حاشا فاطمة" مدرجة من كلام الراوي وليست من الحديث، أي أنه عليه الصلاة والسلام، لم يستثنِ فاطمة، فتكون "ما" نافية لا مصدرية، و"حاشا" فعل متعدٍّ متصرف بمعنى أستثني. وكذلك استدل بقول الأخطل:
رأيت الناس ما حاشا قريشًا ... فإنا نحن أفضلهم فعالا(2/247)
للكسائي1.
__________
1 فقد أجاز دخول "إلا" عليهما إذا جرت، ومنعه إذا نصبت، تقول: قام القوم إلا حاشا محمد -بالجر. التصريح: 1/ 365.
تنبيه: الصحيح أن ناصب المستثنى هو "إلا" لا ما قبلها، ولا كلمة أستثني مضمرا؛ لأنها مختصة بالأسماء غير منزلة منها منزلة الجزء، يجب أن تعمل ما لم تتوسط بين عامل مفرغ ومعموله فتلغى؛ لأن العامل أقوى منها.
تكملة: تأتي "حاشا" على ثلاثة أحوال:
أ- استثنائية: وهي فعل جامد، وقد تأتي حرفا وقد سبق الكلام عليها.
ب- تنزيهية: تدل على التنزيه الخالص وتبرئة ما بعدها من سوء. والصحيح أنها اسم مرادف لكلمة "تنزيه" التي هي مصدر "نزه" بدليل إضافتها وتنوينها في قوله تعالى: {حَاشَ لِلَّهِ} فقد قرأ ابن مسعود: "حاش الله"، بالإضافة على زيادة اللام؛ كسبحان الله، ومعاذ الله. وقرأ أبو السمال: حاشا لله. بالتنوين والإضافة، والتنوين من خواص الأسماء، وهي منصوبة على أنها مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبا من معناها؛ لِأنها مصدر قائم قام الفعل. وقال بعض النحاة: إنها اسم فعل ماضٍٍ بمعنى: تنزه أو برئ، واللام بعدها زائدة، و"الله" مجرور باللام الزائدة في محل رفع فاعل باسم الفعل. وقال الكوفيون والمبرد: إنها فعل.
ج- أن تكون فعلا متعديا متصرفا بمعنى أستثني. تقول: حاشيت مال اليتيم. أن تمتد إليه يدي، أي أستثنيه، وتكتب ألفها الأخيرة ياء في هذه الحالة ومنه الحديث السابق: "أسامة أحب الناس إلي ما حاشي فاطمة". وقول الشاعر:
ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه ... ولا أحاشي من الأقوام من أحد
ويجوز في نحو: قام الناس حاشاك وحاشاه. كون الضمير منصوبا، وكونه مجرورا.
فإذا قلت: حاشاي -تعين الجر، وإن قلت: حاشاني- تعين النصب، وكذا الشأن في: خلا، وعدا، ضياء السالك: 2/ 186.
فائدة: تأتي "لما" للاستثناء بمعنى إلا، نحو: ناشدتك الله لما فعلت كذا -عمرك الله لما تركت كذا. وهذا مقصور على السماع على الصحيح. التصريح: 1/ 365، مغني اللبيب: 164-1654، ومشكل إعراب القرآن: 1/ 428، همع اللوامع: 1/ 232-233، الجنى الداني: 561.(2/248)
[باب الحال] :
هذا باب الحال1:
[الحال نوعان] :
الحال نوعان: موكد2، وستأتي.
تعريف الحال المؤسسة:
ومؤسسة3، وهي: وصف4، فضلة5، مذكور لبيان الهيئة، كـ: "جئت
__________
1 يطلق الحال لغة: على الوقت الذي فيه الإنسان، وعلى ما هو عليه من خير أو شر.
واصطلاحا: ما ذكره المصنف. ولفظ الحال -من غير تاء- صالح للتذكير والتأنيث، نقول: الحال حسن، أو حسنة. والكثير والأفصح في لفظه التذكير، وفي وصفه وفي ضميره التأنيث ومن شواهد تذكير لفظ الحال قول الشاعر:
إذا أعجبتك الدهر حال من امرئ ... فدعه وواكل أمره واللياليا
ومن شواهد تأنيث لفظها قول الفرزدق:
على حالة لو أن في القوم حاتما ... على جوده ضنت به نفس حاتم
2 وهي التي لا تفيد معنى جديدا، ويفهم معناها بدون ذكرها، ويدل عليها عاملها كقولك: تعث في الأرض مفسدا. أو يدل عليها صاحبها كقوله تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} أو تدل على معناها جملة سابقة نحو قولك: "زيد أبوك عطوفا".
3 وهي التي تفيد معنى لا يستفاد إلا بذكرها، وتسمى كذلك المبينة. لأنها تبين وتوضح هيئة صاحبها، وهذا القسم هو الغالب في الحال، حتى قال المبرد والفراء: إن الحال لا تكون مؤكدة. التصريح: 1/ 365، همع الهوامع: 1/ 237.
4 صريح أو مؤول؛ لتدخل الحال الجامدة، والجملة وشبهها الظرف والجار والمجرور -لتأول كل بالوصف المشتق. والمراد بالوصف: الاسم المشتق الذي يدل على معنى وذات متصفة به وهو اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، وأمثلة المبالغة، وأفعال التفضيل.
5 المراد بالفضلة هنا: ما ليس ركنا في الإسناد، وإن كان لازمة لصحة المعنى، نحو قوله تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} ، فإنه لا يكون معنى إذا حذفت كلمة "كسالى"، أو يجب ذكرها لعارض كونها سادة مسد العمدة، كالحال التي تسد مسد الخبر في نحو: ضربي العبد مسيئا.(2/249)
راكبا" و: "ضربته مكتوفا" و: "لقيته راكبين"1.
وخرج بذكر الوصف نحو: "القهقرى" في: "رجعت القهقرى"2.
وبذكر الفضلة الخبر في نحو: "زيد ضاحك" وبالباقي التمييز في نحو: "لله دره فارسا" والنعت في نحو: "جاءني رجل راكب" فإن ذكر التمييز لبيان جنس المتعجب منه، وذكر النعت لتخصيص المنعوت، وإنما وقع بيان الهيئة بهما ضمنا لا قصدا.
وقال الناظم:
الحال وصف فضلة منتصب ... مُفهَمُ في حال كذا ...
فالوصف: جنس يشمل الخبر والنعت والحال، وفضلة: مخرج للخبر، ومنتصب. مخرج لنعتي المرفوع والمخفوض، كـ: "جاءني رجل راكب" و: "مررت برجل راكب" ومفهم في حال كذا: مخرج لنعت المنصوب كـ: "رأيت رجلا راكبا" فإنه إنما سيق لتقييد المنعوت؛ فهو لا يفهم في حال كذا بطريق القصد، وإنما أفهمه بطريق اللزوم.
وفي هذا الحد نظر؛ لأن النصب حكم، والحكم فرع التصور، والتصور متوقف على الحد، فجاء الدور.
[أوصاف الحال] :
فصل: للحال3 أربعة أوصاف:
__________
1 راكبا: حال مبنية لهيئة الفاعل، ومكتوفا: حال مبنية لهيئة المفعول، وراكبين: حال مبنية لهما. قيل: ومجيء الحال من غير ذلك، كالمجرور بالحرف والمضاف إليه، والمبتدأ والخبر، واسم الناسخ ينبغي أن يؤول بالفاعل أو المفعول.
وقيل: يجوز ذلك بدون تأويل، ولوروده في الفصيح من كلام العرب، كقوله تعالى: {مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} ببناء "نتخذ" للمجهول، فإن أولياء حال، وهي مجرور بمن الزائدة، والتقدير: أن نتخذ من دونك.
2 فإنه وإن كان مبنيا لهيئة الفاعل، إلا أنه اسم للرجوع إلى الخلف لا وصف وتثنى على القهقرين بحذف الألف، والقياس قلبها ياء.
3 أي من حيث هي، بقطع النظر عن كونها مؤكدة أو مؤسسة.(2/250)
أحدهما: أن تكون منتقلة1 لا ثابتة، وذلك غالب، لا لازم، كـ: "جاء زيد ضاحكا".
وتقع وصفا ثابتا2 في ثلاث مسائل:
إحداها: أن تكون مؤكدة3، نحو: "زيد أبوك عطوفا" و: {يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} 4.
الثانية: أن يدل عاملها على تجدد صاحبها5، نحو: خلق الله الزرافة يديها
__________
1 هذا الوصف باعتبار ثبات معناها ودوامه، أو عدم ذلك، والمراد بالمنتقلة: التي ليست ملازمة للمتصف بها، بل تبين هيئة صاحبها مدة مؤقتة. وبالثابتة: الملازمة لصاحبها لا تفارقه.
2 المراد بالثبات اللزوم وعدم المفارقة، بدليل مقابلتها بالمنتقلة وتفسيرهم الانتقال بكونها تفارق صاحبها، ثم إن اللزوم يكون بسبب وجود علاقة بين الحال وبين صاحبها أو عاملها، عقلا. أو عادة. أو طبعا. وإن لم تكن في نفسها دائمة.
3 أي لمضمون الجملة التي قبلها، بحيث يتفق معنى الحال ومضمون الجملة، فتلازم صاحبها تبعا لذلك. ويشترط في هذه الجملة: أن تكون اسمية، وأن يكون طرفاها -وهما المبتدأ والخبر- معرفتين جامدتين، ولا بد أن يتأخر الحال عنهما وعن العامل. كالمثال الأول فإن "عطوفا" حال من الأب والعطف ملازم للأبوة؛ لأن الأبوة من شأنها العطف وقد تكون مؤكدة لعاملها، إما في اللفظ والمعنى، نحو: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} أو في المعنى فقط كمثال المصنف، فإن "حيا" حال من ضمير أبعث، والبعث هو الحياة بعد الموت. وهذه مؤكدة لمعنى العامل، وهو "أبعث" لأن البعث من لازمه الحياة، وهو مستفاد بدون ذكر الحال.
وبقي عليه نوع ثالث، وهي الحال المؤكدة لمعنى صاحبها؛ نحو قوله تعالى: {لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} فجميعا حال مؤكدة معنى صاحبها، وهو "من"، ومعنى الجمعية هو معنى العموم المستفاد من "من" بدون ذكر الحال. التصريح: 1/ 367.
4 "19" سورة مريم، الآية: 33.
موطن الشاهد: {أُبْعَثُ حَيًّا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "حيا" حالا مؤكدة لعاملها في المعنى فقط؛ لأن البعث هو الحياة بعد الموت، فأكدت معنى "أبعث"؛ لأن البعث من لازمه الحياة، وهو مستفاد من دون ذكر الحال.
5 الدال على التجدد في هذا المثال هو قولهم "خلق" فإنه يدل على تجدد المخلوق =(2/251)
أطول من رجليها" فـ: "يديها": بدل بعض، و: "أطول": حال ملازمة.
الثالثة: نحو: {قَائِمًا بِالْقِسْط} 1، ونحو: {أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} 2، ولا ضابط لذلك، بل هو موقوف على السماع، ووهم ابن الناظم فمثل بمفصلا في الآية للحال التي تجدد صاحبها.
الثاني: أن تكون مشتقة لا جامدة3، وذلك أيضا غالب، لا لازم.
وتقع جامدة مؤولة بالمشتق في ثلاث مسائل:
إحداها: أن تدل على تشبيه، نحو: "كر زيد أسدا" و: "بدت الجارية قمرا، وتثنت غصنا" أي: شجاعا ومضيئة ومعتدلة4، وقالوا: "وقع المصطرعان عِدْلَي
__________
= وحدوثه. وخلق هو العامل في الحال وفي صاحبها، وجعل ابن الناظم من هذا النوع، ما كان الدال على التجدد هو العامل أيضا، لكن المتجدد والمحدث وصف من أوصاف صاحبها، ومثاله قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} وذلك بأنه أراد بالكتاب اللفظ المقروء، لا الصفة النفسية، ولا مانع من القول بتجدده؛ بدليل وصفه بالإنزال، ولا يتجه الوهم إلا إذا أريد أن الإنزال يدل على تجدد المنزل وحدوثه وقت الإنزال والمصنف لم يعتبره هنا منه؛ وحجته: أن "الكتاب" الذي هو صاحب الحال قديم فلا يمكن أن يكون متجددا حادثا. التصريح: 1/ 368، ومعنى اللبيب: 605.
1 "3" سورة آل عمران، الآية: 18.
موطن الشاهد: {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "قائما" وصفا ثابتا"؛ لأن صفات الله تعالى مطلقة؛ ومجيء الحال هنا مرجعه إلى السماع.
2 "6" سورة الأنعام، الآية: 114.
موطن الشاهد: {أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "مفصلا" منصوبا على الحال، ولا ضابط له، بل هو موقوف على السماع -كما بَيَّنَ المؤلف- فلا يقاس عليه؛ ومعنى مفصلا: مبينا فيه الحق والباطل بحيث ينفي التخليط والإلباس.
3 لأنها صفة لصاحبها في المعنى والصفة لا تكون إلا مشتقة. ويؤخذ من ذلك أنه لا بد من مطابقتها لصاحب الحال تذكيرا وتأنيثا وإفرادا وتثنية وجمعا؛ لأن اشتقاقها يقتضي تحملها ضميره.
4 على هذا يكون كل من الأسد والقمر والغصن مستعملا في غير حقيقته، والمعنى فيها على التشبيه. وقيل إنها مستعملة في حقيقتها والكلام على حذف مضاف، أي مثل أسد وقمر وغصن، وذلك أصرح في الدلالة على التشبيه. ومثل ذلك قول المتنبي:
بدت قمرا، ومالت غصن بان ... وفاحت عنبرا، ورنت غزالا(2/252)
عير"1 أي: مصطحبين اصطحاب عدلي حمار حين سقوطهما.
الثانية: أن تدل على مفاعلة2، نحو: "بعته يدا بيد"3 أي: متقابضين، و: "كلمته فاه إلى في" أي: متشافهين4.
الثالثة: أن تدل على ترتيب، كـ: "ادخلوا رجلا رجلا" أي: مترتبين5.
__________
1 هذا مثل قالته العرب، للأمر يتساوى فيه الخصمان، ومعناه: وقعا معا ولم يصرع أحدهما الآخر، والمصطرعان تثنية مصطرع. عدلي، تثنية عدل، وهو نصف الحمل يكون على جنبي الدابة: العير الحمار، ويغلب على الوحشي.
عدلي: حال جامدة من "المصطرعان" وهي مؤولة بالمشتق كما بين المصنف. وقيل إن "عدلي" مفعول مطلق، أي وقوعا مثل وقوع عدلي عير؛ لأن النيابة تكون بين متضايفين أو موصوف وصفته. لم أجده في أمثال الميداني.
2 سواء كان ذلك بلفظها أو بمعناها، والمفاعلة: هي صيغة تقتضي المشاركة من جانبين.
3 يجوز في قولك: "يدا بيد" رفع يد الأولى ونصبها، فأما إذا قلتها بالرفع فهي مبتدأ والجار والمجرور بعدها متعلق بمحذوف خبر، ولكل من يد المرفوع ويد المجرور بالباء وصف محذوف، أي: يد منه مصاحبة ليد مني، وهذه الصفة المقدرة، هي التي سوغت الابتداء بالنكرة، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب حال، وإذا قلت "يدا" بالنصب فهي حال، واختلفت عبارة النحاة في الجار والمجرور بعده فقد نقل صاحب التصريح عن ابن هشام أن سيبويه يجعله للبيان، يعني أنه متعلق بمحذوف مقصود به البيان، وفيه معنى المفاعلة، ويذكر الصبان أنه متعلق بمحذوف صفة للحال، أي يدا مع يد. التصريح: 1/ 370، حاشية الصبان على شرح الأشموني.
4 يقال في إعرابه ما قيل في سابقه. ولا يقاس على هذا المثال لخروجه عن القياس بالتعريف والجمود؛ خلافا لهشام فإنه أجاز: جاورته منزله إلى منزلي، وناضلته قوسه عن قوسي، قياسا عليه. التصريح: 1/ 370، وهمع الهوامع: 1/ 237.
5 ومثله: رجلين رجلين، أو رجالا رجالا.
وضابطه: أن يذكر المجموع ثم يفصل ببعضه مكررا، وكلاهما منصوب بالعامل. والمجموع حال وهو المختار. وقيل الثاني صفة للأول بتقدير مضاف: أي ذا رجل، أو مفارق رجل، بمعنى متميزا عنه، أو معطوف عليه بتقدير الفاء. التصريح: 1/ 370، الهمع: 1/ 238.(2/253)
وتقع جامدة غير مؤولة بالمشتق في سبع مسائل، وهي:
أن تكون موصوفة1، نحو: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} 2، {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} 3، وتسمى حالا موطئة4.
أو دالة على سعر، نحو: "بعته مُدًّا بكذا"5.
أو عدد، نحو: {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} 6.
أو طور واقع فيه تفضيل، نحو: "هذا بسرا أطيب منه رطبا"7.
__________
1 أي بمشتق أو شبهه، فالأول كمثال المصنف والثاني نحو: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} .
2 "12" سورة يوسف، الآية: 2.
موطن الشاهد: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} .
وجه الاستشهاد: وقوع "قرآنا" منصوبا على الحال من "القرآن" في قوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} ؛ والذي جوز وقوع "قرآنا" حالا اعتمادها على الصفة "عربيا".
3 "19" سورة مريم، الآية: 17.
موطن الشاهد: {تَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} .
وجه الاستشهاد: وقوع "بشرا" حالا من فاعل تمثل "الملك"؛ والذي جوز مجيء "بشرا" حالا اعتمادها على الصفة "سويا".
4 أي: ممهدة لما بعدها؛ لأنه هو المقصود. أما هي فغير مقصودة بذاتها، وإنما تمد الذهن وتهيئه لما يجيء بعدها من الصفة، فهي مجرد وسيلة إلى النعت.
5 يقال فيها ما قيل في بعته يدا بيد، والضمير في بعته عائد على الشيء المبيع.
6 "7" سورة الأعراف، الآية: 142.
موطن الشاهد: {أَرْبَعِينَ} .
وجه الاستشهاد: "مجيء "أربعين" حالا من "ميقات" وليلة تمييز؛ وهي -هنا- وقعت جامدة غير مؤولة بمشتق، وحكم مجيئها على هذا النحو -الجواز.
7 أي أن تدل الحال على أن صاحبها في طور وحال من أحواله -مفضل وزائد على نفسه أو غيره- في حالة أخرى، فبسرا حال من فاعل أطيب المستتر فيه، ورطبا: حال من الهاء في منه، والمراد أن للبلح أطوارا مختلفة، وهو في طور البسر مفضل على نفسه في طور الرطب. انظر شرح التصريح.(2/254)
أو تكون نوعا لصاحبها، نحو: "هذا مالك ذهبا".
أو فرعا، نحو: "هذا حديدك خاتما" و: {تَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} 1.
أو أصلا له، نحو: "هذا خاتمك حديدا"، و: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} 2.
تنبيه: أكثر هذه الأنواع وقوعا مسألة التسعير، والمسائل الثلاث الأول، وإلى ذلك يشير قوله3:
ويكثر الجمود في سعر، وفي ... مُبدِي تأوُّلٍ بلا تكلف
ويفهم منه أنها تقع جامدة في مواضع أخر بقلة، وأنها لا تؤول بالمشتق كما لا تؤول الواقعة في التسعر، وقد بينتها كلها.
وزعم ابنه أن الجميع مؤول بالمشتق4، وهو تكلف، وإنما قلنا به في الثلاث الأول؛ لأن اللفظ فيها مراد به غير معناه الحقيقي؛ فالتأويل فيها واجب.
الثالث: أن تكون نكرة لا معرفة5، وذلك لازم6؛ فإن وردت بلفظ المعرفة
__________
1 "7" سورة الإعراف، الآية: 74.
موطن الشاهد: {تَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "بيوتا" حالا من الجبال؛ وهي فرع منها؛ وحكم مجيئها -في هذه الحالة.
2 "17" سورة الإسراء، الآية: 61.
موطن الشاهد: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "طينا" حالا من منصوب "خلقت" المحذوف؛ والتقدير: أأسجد لمن خلقته طينا، أو على نزع الخافض -أي: من طين- والطين: أصل للمخلوق. ومعنى قوله: أو أصلا له: أي كون الحال النوع والأصل، وصاحبها هو الفرع كما سبق.
3 أي قول ابن مالك في الألفية.
4 تأويلها في السبع الباقية على معنى: متصفا بصفات البشر؛ من استواء الخلقة ونحوها، ومسعرا، ومعدودا، ومطورا بطور البسر أو الرطب، ومنوعا، ومصوغا، ومتأصلا أو مصنوعا.
5 هذا الوصف من ناحية التنكير والتعريف.
6 لأن الغالب فيها أن تكون مشتقة، وأن يكون صاحبها معرفة، فلو عرفت وهي مشتقة، بالتوهم أنها نعت عند انتصاب صاحبها، وحمل غيره عليه. التصريح: 1/ 372-373.(2/255)
ولت بنكرة، قالوا: "جاء وحده"1 أي: منفردا و: "رجع عوده على بدئه"2، أي:
__________
1 "وحده" حال من فاعل جاء المستتر، وهي معرفة بسبب إضافتها إلى الضمير الواقع مفعولا؛ لأنها مصدر "وحد" وجامدة بمشتق، كما ذكر المؤلف. وكلمة "وحد" اسم يدل على التوحد والانفراد، وأغلب استعمالاته منصوبا؛ إما لفظا؛ نحو: جاء وحده، واجتهد وحدك، وكما في قوله عز شأنه: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [سورة غافر، الآية: 84] . وإما منصوبا تقديرا، وذلك إذا أضيف إلى ياء المتكلم، كما في قول الشاعر:
والذئب أخشاه إن مررت به ... وحدي وأخشى الرياح والمطرا
وجاءت هذه الكلمة مجرورة بالإضاة في خمس كلمات؛ وقعت في معرض المدح أو الذم؛ ففي معرض المدح، قالوا: "فلان نسيج وحده" و"فلان قريع وحده".
وقالوا في الدلالة على الإعجاب بالنفس: "فلان رجيل وحده"؛ ومن الأول قول عائشة -رضي الله عنها- واصفة عمر بن الخطاب: "كان والله أحوذيا نسيج وحده".
وقالوا عند إرادة الذم "فلان عيير وحده" و"فلان جحيش وحده"؛ والعيير: تصغير "عير"؛ وهو الحمار؛ والجحيش: تصغير "جحش"؛ وهو لد الحمار.
وأما بالنسبة إلى إعرابه: فقال سيبويه والخليل بن أحمد: هو اسم موضوع موضع المصدر الموضوع موضع المشتق؛ فهو منصوب على الحال؛ وكأنك، حين تقول: "جاء زيد وحده" قد قلت: جاء زيدا إيحادا؛ أي انفرادا؛ وأنت تريد: جاء زيد متوحدا؛ أي منفردا.
وذهب يونس بن حبيب وهشام والكوفيون: إلى أنه منصوب على الظرفية، والتقدير في قولك: "جاء محمد وحده": جاء محمد لا مع غيره؛ وهؤلاء قاسوا "وحده" على مقابله؛ وهو قولهم: "قد جاء محمد وعلي معا".
واختلفوا أيضا في صاحب الحال لـ "وحده" ففي قولهم: "رأيت زيدا وحده" يرى سيبويه أن صاحب الحال هو الفاعل؛ وقال ابن طلحة: هو حال من المفعول، وأجاز المبرد كلا الوجهين؛ والأرجح أن صاحب الحال في المثال المذكور المفعول؛ لأنه لو أراد نفسه؛ لقال: رأيت زيدا وحدي. انظر في هذه المسألة: شرح ابن عقيل: 2/ 249-252، وهمع الهوامع: 1/ 239-240، وشرح الأشموني: 1/ 244.
2 عوده: حال من الفاعل المستتر في رجع، وهو معرفة بإضافته إلى الضمير، ومؤول بالمشتق ومعناه: رجع عائدا في الحال، أو رجع على الطريق نفسه. ويروى برفع "عوده" على أنه مبتدأ والجار والمجرور بعده خبر، والجملة حال من الضمير في جاء. ويقال هذا: "الإنسان" عهد منه عدم الاستقرار على ما ينقل إليه، بل يرجع إلى ما كان عليه واختلف في رواية النصب اختلافا كثيرا. التصريح: 1/ 373، الكتاب لسيبويه: 1/ 391.(2/256)
عائدا، و: "ادخلوا الأول فالأول"1، أي: مترتبين، و: "جاؤوا الجماء الغفير"2، أي: جميعا، و: "أرسلها العراك"3، أي: معتركة.
__________
1 "الأول" حال من الواو في "ادخلوا" و"الأول" الثاني معطوف بالفاء على سابقه، وهما معرفتان بـ "أل". الكتاب، لسيبويه: 1/ 398.
2 "الجماء" حال من الواو في جاءوا. والجماء: مؤنث الأجم بمعنى الكثير، وأنث باعتبار الموصوف المحذوف؛ أي: الجماعة الجماء؛ والغفير: من الغفر وهو الستر؛ أي الذي يستر ويغطي وجه الأرض؛ لكثرته؛ وهو صفة للجماء ولم يطابق -وإن كان بمعنى الفاعل حملا على فعيل بمعنى المفعول- أو باعتبار معنى الجمع. انظر شرح التصريح: 1/ 373.
3 أرسلها العراك: أي مزدحمة؛ وقد جاءت هذه الجملة في بيت للبيد العامري، يصف حمارا وحشيا أورد أتنه الماء لتشرب، وتمام البيت:
فأوردها العراك ولم يذدها ... ولم يشفق على نغص الدخال
والضمير في أوردها عائد إلى حمار الوحش، و"ها" عائد إلى أتنه؛ وأصل العراك: مصدر بمعنى ازدحام الإبل أو غيرها حين ورود الماء. لم يذدها: لم يمنعها ولم يطردها والنغص: -بفتح النون والغين- مصدر نغص الرجل: إذا لم يتم مراده؛ ونغص البعير؛ إذا لم يتم شربه؛ وموطن الشاهد هنا "العراك" فإنه جاء معرفا، وقد خرجه النحاة كما يلي:
أ- إن هذا المصدر حال -مع مخالفة لفظه للأصل في الحال، من وجهين؛ كونه مصدرا؛ وكونه معرفة -وهو في التأويل وصف منكر- لأن المعنى: أرسلها معاركة. وهذا مذهب سيبويه.
ب- إن "العراك" مفعول ثانٍ لـ "أرسل" بعد أن ضمن أرسل معنى "أورد"؛ وفعل أورد يتعدى إلى مفعولين؛ كما في قوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} فكأنه يريد: أوردها العراك: أي الازدحام، وأراد مكانه؛ وفي هذا التخريج تكلف ظاهر، وهو مذهب الكوفيين.
ج- إن العراك "مصدر باق" على مصدريته، وهو مفعول مطلق مؤكد لعامله ومبين لنوعه معا؛ وذلك العامل يقدر وصفا منكرا، واقعا حالا من الضمير البارز المتصل العائد إلى الأتن، وكأنه قال: فأرسلها معتركة العراك، أي مزدحمة الازدحام المعهود. وانظر تفصيل هذه المسألة في حاشية الشيخ يس على التصريح: 1/ 373-374، وكتاب سيبويه: 1/ 372.(2/257)
الرابع: أن تكون نفس صاحبها في المعنى1، فلذلك جاز: "جاء زيد ضاحكا" وامتنع: "جاء زيد ضحكا"2.
وقد جاءت مصادر أحوالا، بقلة في المعارف، كـ: "جاء وحده"، و: "أرسلها العراك"3.
وبكثرة في النكرات4، كـ: "طلع بغتة"، و: "جاء ركضا"، و: "قتلته صبرا"، وذلك على التأويل بالوصف5، أي: مباغتا، وراكضا، ومصبورا، أي: محبوسا.
__________
1 هذا الوصف معناه: أن تكون الحال وصفا لصاحبها؛ وخبرا عنه؛ والوصف نفس الموصوف، والخبر نفس المخبر عنه؛ ولهذا، جاز القول: جاء زيدا ضاحكا؛ لأن الضاحك هو زيد في المعنى.
2 لأن الضحك مصدر، وزيد ذات؛ والمصدر مباين للذات.
3 لكونه تنطوي على شذوذين؛ المصدرية والتعريف.
4 بغتة وركضا: حال من الفاعل؛ وصبرا: حال من المفعول؛ وهي مصادر؛ ونكرات في الوقت نفسه؛ ومعنى بغتة: فجأة، وركضا: عدوا، وقتل صبرا: أن يحبسه حيا، ثم يرمى حتى يقتل؛ وصبرا حال من مفعول قتلته.
5 وهذا على مذهب سيبويه والجمهور من النحاة؛ وحجتهم في ذلك: أن الحال كالخبر والصفة، وقد وقع كل منهما مصدرا منكرا كثيرا؛ فكذلك الحال.
وذهب الأخفش والمبرد إلى أن مثل هذه المصادر منصوبة على المصدرية، والعامل فيها محذوف؛ أي: يبغت بغتة؛ ويركض ركضا؛ ويصبر صبرا؛ فالجملة من الفعل المحذوف مع المصدر الظاهر؛ هي الحال؛ لا المصدر؛ وكذلك الحال عند الكوفيين؛ غير أن الناصب له -عندهم- الفعل المذكور مؤولا من لفظ المصدر؛ أي بغت بغتة، وركض ركضا، وصبرا صبرا.
وذهب بعضهم إلى أنها مصادر على حذف مضاف غير مصدر -هو الحال في الأصل- فلما حذف المضاف؛ ناب عنه المضاف إليه في الحالية؛ أي ذا بغتة؛ وذا ركض؛ وذا صبر.
وقال بعضهم: هي مصادر على حذف مصادر؛ والتقدير: طلوع بغتة؛ ومجيء ركض، وقتل صبر. =(2/258)
ومع كثرة ذلك فقال الجمهور: لا ينقاس مطلقا، وقاسه المبرد فيما كان نوعا من العامل1، فأجاز: "جاء زيد سرعة" ومنع: "جاء زيد ضحكا"، وقاسه الناظم وابنه بعد "أما" نحو2: "أما علما فعالم" أي: مهما يذكر شخص في حال علم فالمذكور عالم3، وبعد خبر شبه به مبتدؤه، كـ: "زيد زهير شعرا" أو قرن هو بأل الدال على الكمال، نحو: "أنت الرجل علما".
[أصل صاحب الحال أن يكون معرفة ويأتي نكرة بمسوغ] :
فصل: وأصل صاحب الحال التعريف ويقع نكرة بمسوغ4، كأن يتقدم
__________
= وما ذهب إليه سيبويه والجمهور أفضل من ذلك كله؛ وإلى هذا أشار الناظم:
ومصدر منكَّر حالا يقعْ ... بكثرة كبغتةً زيدٌ طلعْ
والمعنى يقع المصدر النكرة حالا بكثرة؛ وذلك على خلاف الأصل؛ لأن الحال وصف، يدل على معنى صاحبه؛ والمصدر لا دلالة له على صاحب المعنى؛ وذلك مثل: زيد طلع بغتة؛ فبغتة مصدر نكرة؛ وهو منصوب على الحال، على النحو الذي فصل؛ وأما الذي سهل هذه المخالفة، فحمله على الإخبارية في مثل محمد عدل، والصفة في مثل: هذا ماء غور، وقد أشرنا إلى ذلك سابقا وانظر في هذه المسألة:
همع الهوامع: 1/ 238، والأشموني: 1/ 245-246، وشرح التصريح: 1/ 374-375.
1 أي: مما يدل عليه عامله؛ فالسرعة في المثال نوع من المجيء.
2 أي: من كل تركيب وقع الحال فيه بعد "أما" الشرطية، في مقام قصد فيه الرد على من وصف شخصا بوصفين؛ وأنت تعتقد اتصافه بأحدهما دون الآخر.
3 ناصب الحال في هذا: فعل الشرط المحذوف؛ وهو "يذكر" وصاحبها" نائب الفاعل المرفوع، ويجوز أن يكون ناصبها ما بعد الفاء، وصاحبها الضمير المستكن فيه، وهي على هذا مؤكدة؛ والتقدير: مهما يكن من شيء فالمذكور عالم في حال علم؛ ويتعين الوجه الأول؛ إن كان ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها. ضياء السالك: 2/ 199-200.
4 من المسوغات: أن تكون الحال جملة مقرونة بالواو؛ وذلك لأن وجود الواو في صدر جملة الحال يمنع توهم كون الجملة صفة؛ لأن النعت لا يفصل بينه وبين منعوته بالواو، نحو قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} وقيل: إن مجيء الحال من النكرة غير الموصوفة موقوف على السماع، ولا يجاوزه لا فيما ذكر من المسوغات ولا في غيره.(2/259)
عليه الحال1، نحو: "في الدار جالسا رجل"، وقوله2: [مجزوء الوافر]
269- لِمَيَّة موحِشًا طَلَلُ3
__________
1 أي وتتأخر النكرة، وذلك قياسا على المبتدأ إذا تأخر.
2 القائل: هو كثير بن عبد الرحمن المعروف بكثير عزة، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
يلوحُ كَأَنَّهُ خِلَلُ
وقد روي البيت برواية أخرى هي:
لمية موحشا طلل قديم ... عفاه كل أسحم مستديم
وهو بالرواية الأولى من شواهد: التصريح: 1/ 375، 2/ 120، والأشموني: "473/ 1/ 247" والكتاب لسيبويه: 1/ 276، ومجالس العلماء للزجاجي: 174، والخصائص: 2/ 492، وأمالي ابن الشجري: 1/ 26، وشرح المفصل: 2/ 50، والخزانة: 1/ 533 عرضا، والعيني: 3/ 163، والمغني: "132/ 118" "802/ 571" "119/ 568" وشرح السيوطي 85، 88، والشذور: "7/ 43".
المفردات الغريبة: مية: اسم محبوبة الشاعر. موحشا: اسم فاعل من أوحش المنزل إذا خلا من أهله، والمراد: القفر الذي لا أنيس فيه. طلل: هو ما بقي شاخصا من آثار الديار. يلوح: يظهر ويلمع. خلل: جمع خلة: وهي بطانة منقوشة بالمعادن تغشى بها أجفان السيوف.
المعنى: لقد أقفرت دار مية من أهلها، ودرست معالمها، ولم يبق منها إلا آثار بسيطة، تظهر للرأي وكأنه نقوش في البطائن التي تغشى بها أجفان السيوف.
الإعراب: "لمية": متعلق بمحذوف خبر مقدم؛ ومية: اسم ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. موحشا: حال متقدم من "طلل" الواقع مبتدأ مؤخرا. "على مذهب سيبويه؛ الذي يجيز مجيء الحال من المبتدأ" والجمهور يرون أن صاحب الحال، هو الضمير المستكن في "الجار والمجرور" الواقع خبرا. طلل: مبتدأ مؤخر مرفوع، والفاعل: هو؛ وجملة "يلوح": في محل رفع صفة لـ "طلل". كأنه: حرف مشبه بالفعل، و"الهاء": في محل نصب اسمه. خلل: خبر، كأن، مرفوع، وجملة "كأنه خلل": في محل نصب من الضمير المستتر في "يلوح"؛ أي من الفاعل.
موطن الشاهد: "موحشا".
وجه الاستشهاد: وقوع "موحشا" حالا من "طلل" وهو نكرة، وسوغ ذلك تقدم الحال عليها؛ وهذا على رأي سيبويه -كما أسلفنا- وأما الجمهور: فيرون أن "موحشا" حال من الضمير المستكن في الخبر؛ وهذا الضمير معرفة -وإن كان مرجعه- المبتدأ؛ وهو نكرة، وعلى هذا، فلا شاهد فيه.
ويرى بعضهم: أن النكرة "طلل" موصوفة بجملة "يلوح" فيكون المسوغ هنا وصف النكرة، لا تقدم الحال عليها. انظر شرح التصريح، وحاشية الشيخ يس: 1/ 375-376، وحاشية الصبان: 2/ 174-175.(2/260)
أو يكون مخصوصا إما بوصف، كقراءة بعضهم: "وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقًا"1، وقول الشاعر2: [البسيط]
270- نَجَّيت يا رب نوحا واستجبت له ... في فُلُكٍ ماخِرٍ في اليم مشحونا3
__________
1 "2" سورة البقرة، الآية: 101.
أوجه القراءات: القراءة المذكورة قراءة إبراهيم بن أبي عبلة.
موطن الشاهد: "مصدقا".
وجه الاستشهاد: مجيء "مصدقا" حالا من "كتاب"؛ لتخصصه بالوصف "الجار والمجرور" بعده؛ وفي هذا دلالة على جواز كون "مصدقا" حالا من الضمير المستكن في الجار والمجرور الذي انتقل إليه بعد حذف الاستقرار على ما صححه في باب المبتدأ. شرح التصريح: 1/ 376.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: يروى بعد الشاهد قوله:
وعاش يدعو بآيات مبينة ... في قومه ألف عام غير خمسينا
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 376، والأشموني: "475/ 1/ 247" وابن عقيل: "183/ 2/ 259"، والعيني: 3/ 149.
المفردات الغريبة: نجيت: أنقذت وخلصت من الغرق. نوحا: هو أبو البشر الثاني بعد آدم. فلك: السفينة، للمفرد والجمع. ماخر: شاق عباب الماء، وهو اسم فاعل من مخرت السفينة، إذا شقت الماء فسمع لها صوت. اليم: البحر. مشحونا: مملوءا.
الإعراب: يا رب: "يا" حرف نداء، رب: منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة تخفيفا، اكتفاء بالكسرة؛ والياء: ضمير متصل في محل جر بالإضافة؛ وجملة "النداء": معترضة بين فعل نجيت وبين المفعول نوحا. "في فلك": متعلق بمحذوف حال من "نوح"؛ أو بـ "نجى". ماخر: صفة لـ "فلك". "في اليم": متعلق بـ "ماخر". مشحونا: حال من "فلك" منصوب.
موطن الشاهد: "مشحونا".
وجه الاستشهاد: مجيء "مشحونا" حالا من النكرة "فلك" والذي سوغ مجيئها من النكرة؛ أنها -أي النكرة- وصفت قبل مجيء الحال منها بـ "ماخر" كما أوضحنا في الإعراب؛ وحكم مجيء الحال -على هذا النحو- جائز باتفاق؛ لأن النكرة متى وصفت تخصصت ولم تعد مبهمة أو مجهولة كما كانت عليه قبل الوصف.(2/261)
وليس منه: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} 1، خلافا للناظم وابنه، أو بإضافة، نحو: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً} 2، أو بمعمول، نحو: "عجبت من ضرب أخوك شديد"3 أو مسبوقا بنفي، نحو: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} 4، أو نهي نحو:
__________
1 "44" سورة الدخان، الآية: 4.
موطن الشاهد: "أمرا".
وجه الاستشهاد: أعرب ابن مالك وابنه "أمرا" حالا من "أمر" الأول؛ لوصفه بـ "حكيم" مع أنه مضاف إليه؛ وهما يقولان بعدم جواز مجيء الحال من المضاف إليه، إلا بشروط لم تتوافر هنا؛ كأن يكون المضاف بعض المضاف إليه، أو كبعضه؛ أو عاملا في الحال. وفي إعراب "أمرا" أقوال أخرى؛ منها:
أ- أنه منصوب على الاختصاص بـ "أخص" محذوفا.
ب- أنه مفعول لأجله.
ج- أنه حال من كل؛ أو من فاعل "أنزلنا"؛ أو مفعوله؛ أي: آمرين به -أو مأمورا به. انظر شرح التصريح: 1/ 376-377.
2 "41" سورة فصلت، الآية: 10.
موطن الشاهد: "سواء".
وجه الاستشهاد: مجيء "سواء" حالا من أربعة؛ وهي نكرة؛ غير أنها مختصة بإضافتها إلى "أيام".
3 "شديدا" حال من "ضرب" النكرة؛ لاختصاصه بالعمل في الفاعل، وهو "أخوك".
4 "15" سورة الحجر، الآية: 4.
موطن الشاهد: {وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} .
وجه الاستشهاد: مجيء جملة "لها كتاب معلوم" حالا من "قرية" النكرة؛ لأنها مسبوقة بالنفي؛ وفيها مسوغ آخر؛ وهو اقتران الجملة الحالية بالواو -وإن خص بعضهم ذلك بالإيجاب- ومسوغ ثالث؛ وهو: وقوع "إلا" الاستثنائية قبلها؛ لأن الاستثناء المفرغ، لا يقع في النعوت.(2/262)
لا يبغ امرؤ على امرئ مستسهلا1
وقوله1: [الكامل]
271- لا يركنَنْ أحد إلى الإحجامِ ... يوم الوغى متخوفا لحمام2
__________
1 هذا من كلام ابن مالك في الألفية؛ و"مستسهلا" حال من "امرؤ" الأول؛ مسبوق بنهي.
2 القائل: هو: أبو نعامة، قطري بن الفجاءة المازني الخارجي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا أول أبيات أربعة رواها أبو علي القالي، ورواها أبو تمام، حبيب بن أوس، وهي:
فلقد أراني للرماح دريئة ... من عن يمين مرة وأمامي
حتى خضبت بما تحدر من دمي ... أكتاف سرجي أو عنان لجامي
ثم انصرفت وقد أصبت ولم أُصَبْ ... جَذَعَ البصيرة قارع الإقدام
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 377، والأشموني: "477/ 1/ 247"، وابن عقيل: "186/ 2/ 262"، وهمع الهوامع: 1/ 240، والدرر اللوامع: 1/ 200، والعيني: 3/ 150، وأمالي القالي: 2/ 190، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 136.
المفردات الغريبة: الركون: الميل. الإحجام: النكوص والتأخر، وهو مصدر أحجم عن الشيء، إذا نكص عنه ولم يقدم عليه. الوغى: الحرب، وأصله الجلبة والصياح، وأطلق على الحرب لما فيها من ذلك. الحمام: الموت.
المعنى: لا يسوغ لأحد أن يفكر في التأخر والتخلف وعدم الإقدام وقت الحرب خوفا من الموت؛ فإن ذلك عار، لا يليق بالرجال، ومعلوم أنه لكل أجل كتاب.
الإعراب: لا: ناهية جازمة. يركنن: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، في محل جزم بـ "لا" الناهية، ونون التوكيد الخفيفة: حرف مبني على السكون: لا محل له من الإعراب. أحد: فاعل مرفوع. "إلى الإحجام": متعلق بـ "يركن". "يوم": متعلق بـ "يركن" أيضا، وهو مضاف. الوغى: مضاف إليه. متخوفا: حال منصوب من قوله "أحد"؛ أي من الفاعل. "لحمام": متعلق بـ "متخوفا" الواقع حالا.
موطن الشاهد: "متخوفا".
وجه الاستشهاد: مجيء "متخوفا" حالا من قوله "أحد"؛ وهو نكرة؛ والذي سوغ مجيء الحال من النكرة، وقوع هذه النكرة بعد النهي، الذي هو شبيه بالنفي، وحكم وقوع الحال -هنا- الجواز باتفاق.(2/263)
أو استفهام، كقوله1: [البسيط]
272- يا صاح هل حم عيش باقيا فترى2
__________
1 القائل: رجل من طيء لم يسمه ابن مالك.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
لنفسك العذر في إبعادها الأملا؟
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 377، والأشموني: "478/ 1/ 247"، وابن عقيل: "185/ 2/ 261"، والهمع: 1/ 240، والدرر: 1/ 201، والعيني: 3/ 153.
المفردات الغريبة: يا صاح: يا صاحبي، فرخم بحذف الباء، واكتفي بالكسرة للدلالة على ياء المتكلم. حم: قدر وقُضِي. عيش "المراد هنا": الحياة. باقيا: دائما لا يفنى ولا يزول.
المعنى: يخاطب الشاعر صاحبا له مستنكرا: أخبرني هل قدر للإنسان حياة دائمة في هذه الدنيا، فيكون لك العذر في تلك الآمال البعيدة، والتكالب على جمع حطام الدنيا الغادرة الفانية؟!
الإعراب: يا: حرف نداء، لا محل له من الإعراب. صاح: منادى مرخم، وأصله: يا صاحب، فإن قدر منقطعا عن الإضافة؛ فهو مبني على ضم الحرف المحذوف؛ للترخيم، في محل نصب؛ وصاح: مرخم صاحب على غير قياس لأنه غير علم. هل: حرف استفهام، لا محل له من الإعراب؛ وهو -هنا- يفيد الإنكار. حم: فعل ماضٍٍ مبني للمجهول، مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب. عيش: نائب فاعل مرفوع. باقيا: حال منصوب من "عيش" الواقع نائب فاعل، لفعل "حم" المسبوق بالاستفهام الإنكار. فترى: الفاء فاء السببية، لا محل لها من الإعراب، ترى: فعل مضارع منصوب بـ "أن" المضمرة وجوبا بعد فاء السببية، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف، والفاعل: أنت. "لنفسك": متعلق بـ "ترى"، والكاف: مضاف إليه، وهو في موضع المفعول الثاني. العذر: مفعول به أول منصوب لـ "ترى". "في إبعادها": متعلق بـ "العذر"، و"ها": في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر إلى فاعله؛ فلهذا الضمير محلان من الإعراب؛ الجر بالإضافة، والرفع على الفاعلية. الأملا: مفعول به منصوب للمصدر، والألف: للإطلاق.
موطن الشاهد: "باقيا".
وجه الاستشهاد: وقوع "باقيا" حالا من "عيش" وهو نكرة، وسوغ ذلك وقوع النكرة بعد الاستفهام، وهو شبيه بالنفي، ومن المسوغات لمجيء الحال؛ أن تكون الحال جملة مقرونة بالواو؛ لأن وجود الواو في صدر الجملة يمنع توهم كونها صفة؛ نحو قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} ؛ ومن المسوغات أيضا؛ أن تشترك النكرة مع معرفة في الحال؛ نحو: هؤلاء صبية ومحمد مسافرين.
ضياء السالك: 2/ 203، وحاشية الصبان: 2/ 176.(2/264)
[قد يقع نكرة بغير مسوغ] :
وقد يقع1 نكرة بغير مسوغ، كقولهم: "عليه مائة بيضا"2، وفي الحديث: "وصلى وراءه رجال قياما"3.
[للحال مع صاحبها ثلاث حالات] :
فصل: وللحال مع صاحبها ثلاث حالات:
إحداها: وهي الأصل: أن يجوز فيها أن تتأخر عنه وأن تتقدم عليه، كـ: "جاء زيد ضاحكا"، و: "ضربت اللص مكتوفا" فلك في: "ضاحكا" و: "مكتوفا" أن تقدمها على المرفوع والمنصوب.
__________
1 ذهب أبو حيان إلى أن مجيء الحال من النكرة كثير مقيس، ونقل ذلك عن سيبويه، والعلماء ينقلون القول بعدم جواز القياس على ذلك عن الخليل ويونس. همع الهوامع: 1/ 240.
2 "بيضا" جمع أبيض، حال من مائة، ولا يصح أن يكون تمييزا لأن تمييز المائة لا يكون جمعا، وهذا المثال رواه سيبويه عن العرب، والمراد أن المائة دراهم لا دنانير ولا غيرها؛ لأن الدراهم من الفضة وهي بيضاء. الكتاب لسيبويه: 2/ 112/ 159.
3 تخريج الحديث: الحديث رواه الإمام مالك بن أنس في الموطأ على النحو التالي: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -قاعدا، وصلى وراءه رجال قياما"؛ وربما كان اللفظ المروي من كلام راوي الحديث، كما لم يحتجوا بالحديث عامة؛ لأن الرواة قد أجازوا الرواية بالمعنى؛ وفي رأيهم مغالاة؛ لأن رواة الحديث أوثق من رواة الشعر؛ فالأولى الاحتجاج بالحديث.
موطن الشاهد: "قياما".
وجه الاستشهاد: مجيء الحال "قياما" من النكرة "رجال" بلا مسوغ، وقد اختلف النحاة، في مجيء الحال من النكرة، بلا مسوغ، أمقيس؟ أو مقصور على السماع؟، فذهب سيبويه إلى الأول، وذهب إلى الثاني الخليل ويونس.(2/265)
الثانية: أن تتأخر عنه1 وجوبا، وذلك كأن تكون محصورة، نحو: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} 2، أو يكون صاحبها مجرورا3: إما بحرف جر غير زائد، كـ: "مررت بهند جالسة"، وخالف في هذه الفارسي وابن جني وابن
__________
1 من المواضع التي يجب فيها تأخير الحال عن صاحبها أن تكون الحال جملة مقترنة بالواو، نحو "جاء زيد والشمس طالعة"؛ فلا يجوز أن نقول في هذا المثال: جاء والشمس طالعة زيد؛ وذلك لأن الأصل في الواو أن تكون للعطف، ولا يجوز عندما تكون عاطفة تقديمها على المعطوف عليه، فراعوا في واو الحال ما راعوه في واو العطف.
حاشية يس على التصريح: 1/ 378.
2 "6" سورة الأنعام، الآية: 8.
موطن الشاهد: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "مبشرين" و"منذرين" حالين من "المرسلين"، ولا يجوز تقديمها على "المرسلين"؛ لأنهما محصوران، ويجب تأخير المحصور؛ لأن تقديمه يؤدي إلى عكس المعنى البلاغي المراد من الحصر.
3 للنحاة في جواز تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف جر أصلي:
أ- ذهب ابن مالك، وأبو علي الفارسي، وابن برهان، وابن كيسان، وابن جني، وابن ملكون وبعض المغاربة إلى أن تقدم الحال على صاحبها المجرور بحرف جر أصلي جائز مطلقا.
ب- وذهب جمهور البصريين إلى أن ذلك لا يجوز مطلقا.
ج- وأجاز الكوفيون تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف جر أصلي في ثلاث مسائل:
الأولى: أن يكون المجرور ضميرا؛ نحو: مررت بك ضاحكة، فإنه يجوز لك القول. مررت ضاحكة بك.
الثانية: أن يكون المجرور أحد اسمين، عطف ثانيهما على المجرور؛ نحو قولك: "مررت بزيد وعمرو مسرعين"؛ فإنه يجوز القول: "مررت مسرعين بزيد وعمرو".
الثالثة: أن يكون الحال جملة فعلية؛ نحو: "مررت بهند تضحك"، فإنه يجوز القول: "مررت تضحك بهند"، ومنعوه فيما سوى ذلك.
وأما بالنسبة إلى المجرور بحرف جر زائد، فإن النحاة -جميعا- متفقون على جواز تقديم الحال على صاحبها المجرور به؛ نحو: "ما جاءني من أحد مبشرا" فإنه يجوز لك في هذا المثال أن تقول: ما جاءني مبشرا من أحد؛ وجاز ذلك؛ لأن المجرور بحرف الجر الزائد -عند التحقيق- فاعل أو مفعول. وانظر في تفصيل هذه المسألة: همع الهوامع: 1/ 241، وشرح التصريح: 1/ 378-379، وحاشية الصبان: 2/ 176-178.(2/266)
كيسان1؛ فأجازوا التقديم، قال الناظم: وهو الصحيح؛ لوروده كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} 2، وقول الشاعر3: [الطويل]
273- تسليت طرا عنكم بعد بينكم4
__________
1 مرت ترجمة لكل منهم؛ وحجتهم: أن المجرور بالحرف مفعول به في المعنى، وتقديم حال المفعول به عليه غير ممنوع، وكذلك الحال هنا.
2 "34" سورة سبأ، الآية: 38.
موطن الشاهد: {كَافَّةً لِلنَّاسِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "كافة" بمعنى جميعا -حالا من المجرور "الناس"؛ وقد تقدم عليه؛ وحكم تقدمه -في هذه الحالة- الجواز، كما أسلفنا.
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
بذكراكم حتى كأنكم عندي
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 379، والأشموني: "479/ 1/ 248"، والعيني: 3/ 160.
المفردات الغريبة: تسليت: تصبرت وتكلفت السلوان. طرا: أي جميعا. بينكم: فراقكم وبعدكم.
المعنى: تسليت، وشغلت نفسي عنكم جيمعا -بعد بعدكم عني- بذكراكم الطيبة التي لا تنسى، وكنتم بذلك كأنكم ماثلون أمامي، ولم تفارقوني.
الإعراب: تسليت: فعل ماضٍ، والتاء فاعل. طرا: حال منصوب من الضمير المجرور بـ "عن"، وقد تقدم عليه؛ ولا تأتي "طرا" إلا حالا. "عنكم": متعلق بـ "تسليت". "بعد": متعلق بـ "تسليت" أيضا، هو مضاف. بينكم: مضاف إليه، وهو مضاف، والكاف: مضاف إليه، والميم: حرف عماد؛ أو و"كم": مضاف إليه. "بذكراكم": متعلق بـ "تسلى"، وذكرى: مضاف، و"كم" مضاف إليه. حتى: حرف ابتداء، لا محل له من الإعراب. كأنكم: حرف مشبه بالفعل، و"كم" ضمير متصل في محل نصب اسم "كأن". "عندي": متعلق بمحذوف خبر "كأن"، وعند مضاف، و"الياء": مضاف إليه.
موطن الشاهد: "طرًا".
وجه الاستشهاد: مجيء "طرا" حالا من كاف المخاطب في "عنكم" المجرور محلا =(2/267)
والحق أن البيت ضرورة، وأن {كَافةً} حال من الكاف1، والتاء للمبالغة، لا للتأنيث2، ويلزمه تقديم الحال المحصورة، وتعدي "أرسل" باللام، والأول
__________
= بـ "عن"؛ وقد تقدم الحال على صاحبه المجرور؛ وحكم تقدمه الجواز كما أسلفنا -على رأي الفارسي ومن تبعه- وأما الجمهور، فلا يجيزون ذلك، ورد عليه ابن مالك في ألفيته:
وسبق حال ما بحرف جر قد ... أبوا، ولا أمنعه؛ فقد ورد
وقد بينا القول في ذلك من قبل، وأثبت ابن مالك في شرح التسهيل التقديم، بقوله: "وجواز التقديم هو الصحيح؛ لِوروده في الفصيح؛ لِقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} فـ "كافة" -على هذا- حال من "الناس"، المجرور باللام، وقد تقدم الحال على صاحبه "المجرور"؛ وأما الأمثلة الشعر العربي فكثيرة؛ منها قول عبد الرحمن بن حسان:
إذا المرء أعيته المروءة ناشئا ... فمطلبها كهلًا عليه شديدُ
فـ "كهلا" حال من "الهاء" المجرور محلا بـ "على" في قوله: "عليه" وقد تقدم الحال على صاحبه المجرور. بحرف جر أصلي.
ومنها قول عروة بن حزام، أو كثير، ونسب إلى المجنون:
لئن كان برد الماء هيمان صاديا ... إلي حبيبا إنها لحبيب
فـ "هيمان، وصاديا" حالان من "الياء" المجرور محلا بـ "إلى" في قوله: "إلي"؛ وقد تقدم الحال على صاحبه المجرور بحرف جر أصلي، كما هو واضح.
وحملوا على ذلك، قوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} فأعربوا "على قميصه": جارا ومجرورا متعلقا بمحذوف حال من دم" المجرور بالباء؛ وفي هذا تقدم للحال؛ كما هو واضح؛ وأما الزمخشري فأعرب "على قميصه" في محل نصب على الظرفية، وكأنه قيل: وجاءوا فوق قميصه بدم كذب، وأعرب هذا الإعراب فرارا من تقديم الحال على صاحبها المجرور، وخالفه العلماء في ذلك. حاشية يس على التصريح: 1/ 379 وحاشية الصبان: 2/ 177-178.
1 ذكر هذا التخريج الزجاج، ولم يرتضه ابن مالك، وعلل رده بأن مجيء التاء للمبالغة سماعي في أمثلة المبالغة مثل علامة، وإن جاءت في بعض أمثلة اسم الفاعل مثل راوية فهو شاذ لا يقاس عليه، والمعروف أنه لا يجوز حمل الفصيح على الشاذ خصوصا إذا وجد له محمل آخر لا شذوذ فيه. التصريح: 1/ 379.
2 جعل الزمخشري "كافة" صفة لموصوف محذوف، وتقدير الكلام: وما أرسلناك إلا إرسالة كافة، ورد هذا التخريج بوجهين، الأول: أن كلمة "كافة" لا تستعمل في الكلام العربي إلا حالا، فجعلها صفة ينافي ما ثبت لها من ذلك. والوجه الثاني: أن حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه إنما عهد في صفة اعتيد استعمالها مع هذا الموصوف، و"كافة مع إرسالة ليس من هذا الباب. مغني اللبيب: 733، والتصريح: 1/ 379.(2/268)
ممتنع، والثاني خلاف الأكثر1.
وإما بإضافته2، كـ: "أعجبني وجهها مسفرة".
وإنما تجيء الحال من المضاف إليه إذا كان المضاف بعضه كهذا المثال، وكقوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} 3، {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} 4، أو كبعضه نحو: {مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} 5، أو عاملا في الحال، نحو: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} 6، و: "أعجبني انطلاقك منفردا" و: "هذا
__________
1 هذا الادعاء غير مسلَّم به، فقد صرح البصريون والكسائي والفراء وابن الأنباري بجواز تقديم المفعول المحصور، ولا فرق بينه وبين الحال، وأما تعدي "أرسل" باللام، فقد ورد في قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} . التصريح: 1/ 379-380.
2 إذا كانت الإضافة محضة لزم تأخير الحال باتفاق. وإن كانت غير محضة، نحو: "هذا شارب السويق ملتوتا الآن أو غدا"، جاز التقديم عند الناظم، وأنكره ابنه. التصريح: 1/ 380.
3 "15" سورة الحجر، الآية: 47.
موطن الشاهد: {إِخْوَانًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "إخوانا" حالا من المضاف إليه "هم"؛ والصدور بعضه؛ وحكم مجيئه -على هذه الحالة- الجواز، كما أسلفنا.
4 "49" سورة الحجرات، الآية: 12.
موطن الشاهد: {مَيْتًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ميتا" حالا من "الأخ" المضاف إليه "اللحم" واللحم بعض الأخ؛ فحكم مجيئه هنا الجواز أيضا، كما في الآية السابقة.
5 "16" سورة النحل، الآية: 123.
موطن الشاهد: {حَنِيفًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "حنيفا" حالا من "إبراهيم" المضاف إلى الملة؛ والملة كبعضه في صحة حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه.
6 "10" سورة يونس، الآية: 4.
موطن الشاهد: {جَمِيعًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "جميعا" حالا من "كم" المضاف إليه، ومرجع: مصدر ميمي بمعنى الرجوع؛ وهو عامل النصب في الحال؛ ومثله: أعجبني انطلاقك منفردا.(2/269)
شارب السويق ملتوتا"1.
الثالثة: أن تتقدم عليه وجوبا، كما إذا كان صاحبها محصورا2، نحو: "ما جاء راكبا إلا زيد".
__________
1 موطن الشاهد: "ملتوتا".
وجه الاستشهاد: مجيء "ملتوتا" حالا من السويق المضاف إليه، وشارب: اسم فاعل، عامل النصب في الحال. والسويق: ما يتخذ من القمح والشعير، والملتوت: من لت السويق؛ سحقه وبله وبسه بالماء.
فائدة: لم يجز تقدم الحال على صاحبها المجرور بالإضافة؛ لأنها لو تقدمت على صاحبها؛ لوقعت إما بين المضاف والمضاف إليه؛ ومعلوم أن المضاف والمضاف إليه كالكلمة الواحدة؛ فلا يجوز الفصل بينهما؛ وإما أن تقع قبل المضاف، فيتقدم ما يتعلق بالمضاف إليه على المضاف؛ ومعلوم أن منزلة المضاف يتعرف بالمضاف إليه؛ فلما تشابهت منزلتاهما، أخذ المضاف والمضاف إليه حكم الصلة والموصول؛ وواضح أن حكم الصلة مع الموصول ألا يتقدم بعض معمولاتها على الموصول؛ فكذلك الحال هنا؛ فلا يتقدم ما يتعلق بالمضاف إليه على المضاف. شرح التصريح: 1/ 380-381.
فائدة: اختلف النحاة في مجيء الحال من المضاف إليه في غير المسائل الثلاث السابقة؛ فذهب أبو علي الفارسي إلى الجواز -نقله عنه ابن الشجري في أماليه- وادعى ابن مالك الإجماع على أنه لا يجوز مجيء الحال من المضاف إليه في غير المسائل الثلاث المذكورة. انظر شرح الأشموني: 1/ 250-251.
توجيه: ذكر بعض النحاة من المواضع التي يجب فيها تأخير الحال عن صاحبها: أن يكون الصاحب منصوبا بكأن أو ليت، أو لعل، أو بفعل تعجب، أو بصلة حرف مصدري نحو: سرني أن أكرمت الفقير محتاجا أو يكون ضميرا متصلا بصلة "أل" نحو: الود أنت المستحقه خالصا. أو يكون الحال جملة مقترنة بالواو نحو: جاء محمد والقوم مستعدون للرحيل.
همع الهوامع: 1/ 240-241.
2 وبعض النحاة يجيز تقديم المحصور بإلا كما سبق في الفاعل. ومن مواضع وجوب التقديم أيضا: أن يكون صاحبها مضافا إلى ضمير يعود على شيء وله صلة وعلاقة بالحال نحو: جاء زائرا فاطمة أبوها. همع الهوامع: 1/ 241.(2/270)
[للحال مع عاملها ثلاث حالات] :
فصل: وللحال مع عاملها ثلاث حالات أيضا1:
إحداها: وهي الأصل: أن يجوز فيها أن تتأخر عنه وأن تتقدم عليه، وإنما يكون ذلك إذا كان العامل: فعلا متصرفا2، كـ: "جاء زيدٌ راكبا"، أو صفة تشبه الفعل المتصرف3، كـ: "زيد منطلق مسرعا"، فلك في: "راكبا" و: "مسرعا" أن تقدمها على: "جاء" وعلى: "منطلق"، كما قال الله تعالى: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ} 4، وقالت العرب: "شتى تؤوب الحلبة"5، أي: متفرقين يرجع الحالبون، وقال الشاعر:
__________
1 عامل النصب في الحال: إما لفظي كالمصدر، والفعل المشتق، والوصف العامل كاسم الفاعل ونحوه، وإما معنوي؛ كأسماء الإشارة، وألفاظ الاستفهام، وبعض الحروف والأدوات التي سيأتي ذكرها. وما ذكره المؤلف من جواز تقديم الحال على عاملها في الحالات التي ذكرها، وبالأدلة التي استشهد بها؛ هو مذهب البصريين. وذهب الجرمي إلى أنه لا يجوز تقديم الحال على عاملها مطلقا، وذهب الأخفش إلى أنه لا يجوز تقدم الحال على عاملها إذا فصل بين العامل والحال بفاصل نحو: زيد جاء راكبا، ويجوز عندهما أن نقول في هذا المثال: راكبا زيد جاء، ومن هنا يظهر السر في استدلال المؤلف بالآية الكريمة التي ترد على الأخفش، وأما المثل والبيت فيردان على الجرمي.
التصريح: 1/ 381، همع الهوامع: 241/ 242.
2 بأن يقع ماضيا ومستقبلا وحالا، شرط ألا يعرض له ما يمنع تقديم الحا لعليه: كاقترانه بلام الابتداء أو القسم؛ نحو: إن محمدا ليقوم طائعا ولأصبرن محتسبا. أو وقوعه صلة لحرف مصدري، أو لـ "أل" نحو: لك أن تنتقل متريضا، وأنت المصلي فذًّا.
3 هي اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، ووجه الشبه تضمن معنى الفعل وحروفه، وقبول العلامات الدالة على الفرعية مطلقا؛ كالتثنية والجمع والتأنيث.
4 "54" سورة القمر، الآية: 7.
موطن الشاهد: {خُشَّعًا} .
وجه الاستشهاد: وقوع "خشعا" حالا من الواو في "يخرجون"؛ وقد تقدم على عامله الفعل، كما هو واضح؛ ويجوز أن يكون "خشعا" صفة لمفعول محذوف لـ "يكون"؛ والتقدير: يدعو الداعي قوما خشعا أبصارهم.
5 هذا مثل من أمثال العرب ذكره الميداني في مجمعه: 1/ 358 "برقم: 1914"، =(2/271)
نجوت وهذا تحملين طليق1
فـ: "تحملين" في موضع نصب على الحال، وعاملها: "طليق" وهو صفة مشبهة.
الثانية: أن تتقدم عليه وجوبا، كما إذا كان لها صدر الكلام، نحو: "كيف جاء زيد"؟
الثالثة: أن تتأخر عنه وجوبا، وذلك في ست مسائل2: وهي أن يكون العامل فعلا جامدا، نحو: "ما أحسنه مقبلا"3، أو صفة تشبه الفعل الجامد، وهو اسم التفضيل، نحو: "هذا أفصح الناس خطيبا"4، أو مصدرا مقدرا بالفعل وحرف مصدري، نحو: "أعجبني اعتكاف أخيك صائما"5، أو اسم فعل، نحو: "نزال
__________
= يقولونه عندما يريدون أن يعبروا عن اختلاف الناس في الأخلاق مع أن أصلهم واحد. فشتى: جمع "شتيت"؛ أي: متفرق، تؤوب: ترجع، الحلبة: جمع حالب، وأصله: أن أصحاب الإبل والبقر وسائر النعم عندما يريدون أن يردوا الماء ليسقوا نعمهم، يردون مجتمعين وعندما يريدون أن يحلبوا ماشيتهم يحلبونها متفرقين، فيحلب كل واحد منهم ماشيته على حدة. انظر شرح التصريح: 1/ 381.
موطن الشاهد: "شتى تؤوب الحلبة".
وجه الاستشهاد: وقوع "شتى" حالا من "الحلبة" وقد تقدمت على عاملها "تؤوب؛ وهو فعل متصرف؛ وحكم تقدم الحال -هنا- الجواز".
1 تقدم ذكر الشاهد والتعليق عليه.
موطن الشاهد: "تحملين".
وجه الاستشهاد: مجيء جملة "تحملين" في محل نصب على الحال من فاعل "طليق" المستتر فيه؛ وعامل الحال: "طليق" وهو صفة مشبهة؛ وقد قدمت عليه؛ والتقدير: أي هذا طليق حال كونه محمولا لك؛ وحكم تقديم الحال هنا الجواز، كما أشار ابن مالك بقوله:
فجائزٌ تقديمُه كـ "مسرعا" ... ذا راحل، ومخلصا زيد دعا
2 مر ذكر هذه المسائل الست، ووجه ذكرها هنا؛ أنها تجمع أمرين: التأخر عن صاحبها، والتأخر عن عاملها.
3 "مقبلا": حال من الهاء في أحسنه. وهو واجب التأخير عن العامل لأنه غير متصرف في نفسه، فلا يتصرف في معموله بالتقدم عليه.
4 "خطيبا" حال من فاعل "أفصح" المستتر فيه.
5 "صائما" حال من أخيك، والفاعل فيه المصدر الذي يمكن تقديره بأن والفعل، ومعمول هذا المصدر لا يتقدم عليه كمعمول اسم الفعل. أما إذا كان العامل مصدرا نائبا عن فعله المحذوف وجوبا، فيجوز تقدم الحال، نحو: إكراما فاطمة مجدة.(2/272)
مسرعا"، أو لفظا مضمَّنا معنى الفعل دون حروفه، نحو: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} 1، وقوله2: [الطويل]
274- كأن قلوب الطير رطبا ويابسا3
__________
1 "27" سورة النمل، الآية: 52.
موطن الشاهد: {خَاوِيَةً} .
وجه الاستشهاد: وقوع "خاوية" حالا من "بيوتهم"، والعامل فيه اسم الإشارة "تلك" وفيه معنى الفعل؛ شرح التصريح: 1/ 382.
فائدة: ذهب السهيلي إلى أن الاسم الإشارة لا يعمل، وإنما العامل فعل محذوف تقديره: انظر إليها خاوية.
2 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
لدى وكرها العناب والحشف البالي
وهذا البيت من قصيدته المشهورة والتي مطلعها:
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 382، والمصون لأبي أحمد العسكري: 66، والمنصف لابن جني: 2/ 117، ودلائل الإعجاز للجرجاني: 66، 339، وأسرار البلاغة: 220، 227، والعيني: 3/ 216، ومعاهد التنصيص: 1/ 161، والمغني: "399/ 288" "730/ 513" "807/ 573" وشرح السيوطي: 203، 277، وديوان امرئ القيس: 38.
المفردات الغريبة: وكرها: الوكر عش الطائر حيث كان، في شجر أو جبل. العناب: نوع من الفاكهة تشبه به أنامل الحسان المخضوبة بالحناء. الحشف: أراد التمر.
المعنى: يصف الشاعر تلك العقاب بأنها كثيرة الاصطياد للطير، ويرى عند عشها من قلوب الطير؛ بعضها لا يزال رطبا؛ فهو كالعناب، وبعضها قد جف؛ فأضحى كأردأ التمر.
الإعراب: كأن: حرف مشبه بالفعل. قلوب: اسم "كأن" منصوب، وهو مضاف. الطير: مضاف إليه مجرور. رطبا: حال من اسم "كأن" منصوب، ويابسا: الواو عاطفة. يابسا: اسم معطوف على اسم "كأن" منصوب مثله. "لدى": متعلق بمحذوف حال من "قلوب الطير"، وهو مضاف. وكرها: "وكر" مضاف إليه، و"ها" مضاف إليه ثانٍ. العناب: خبر "كأن" مرفوع. والحشف: الواو عاطفة، الحشف: اسم معطوف =(2/273)
وقولك: "ليت هندا مقيمة عندنا" أو عاملا آخر عرض له مانع، نحو: "لأصبر محتسبا" و: "لأعتكفن صائما" فإن ما في حيز لام الابتداء ولام القسم لا يتقدم عليهما1.
ويستثنى من أفعل التفضيل ما كان عاملا في حالين لاسمين متحدي المعنى أو مختلفين، وأحدهما مفضل على الآخر؛ فإنه يجب تقديم حال الفاضل، كـ: "هذا بسرا أطيب منه رطبا"، وقولك: "زيد مفردا أنفع من عمرو مُعَانًا"2.
ويستثنى من المضمن معنى الفعل دون حروفه: أن يكون ظرفا أو مجرورا مخبرا بهما، فيجوز بقلة توسط الحال بين المخبر عنه والمخبر به، كقوله3: [الطويل]
__________
= على "العناب": مرفوع مثله. البالي: صفة للحشف مرفوع بضمة مقدرة على الياء؛ منع من ظهورها الثقل.
موطن الشاهد: "رطبا ويابسا".
وجه الاستشهاد: وقوع "رطبا ويابسا" حالين من "قلوب الطير" والعامل في الحالين، وصاحبهما "كأن" ومعناه أشبه؛ فهو متضمن معنى الفعل من دون حروفه؛ ولا يجوز تقديم الحال على عاملها في مثل هذا.
فائدة: يجوز في الضمير العائد إلى جمع التكسير التذكير والتأنيث؛ ولهذا جاز مجيء "ربطا ويابسا" بالتذكير.
1 لأن لهما الصدارة؛ فلا يعمل ما بعدهما في شيء قبلهما، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك. واللام في "لأصبر" للابتداء، وفي "لأعتكفن" للقسم.
2 "مفردا" حال من الضمير المستتر في "أنفع" الراجح إلى زيد، ومُعانًا حال من "عمرو" والعامل في الحالين "أنفع"، وكان القياس في هذا وما قبله وجوب تأخر الحالين عن "أفعل" لكنهم اغتفروا تقدم الحال الفاضلة، فرقا بين المفضل والمفضل عليه إذ لو أخرا لحصل لبس. وصاحبا الحالين في المثال الأول متحدان في المعنى، وفي الثاني مختلفان. وهذا التقدير الذي ذكره المصنف، هو تقدير سيبويه وارتضاه المازني وأبو علي الفارسي في التذكرة وابن كيسان وابن جني. ويرى المبرد والزجاج والفارسي في الحلبيات، والسيرافي؛ أن الناصب لهذين الحالين "كان" محذوفة، وصاحب الحال هو الضمير المستتر في "كان". التصريح: 1/ 383-382، وهمع الهوامع: 1/ 242-243.
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.(2/274)
275- بنا عاذ عوف وهو بادي ذلة ... لديكم.....................1
وكقراءة بعضهم: "مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةً لِذُكُورِنَا"2، وكقراءة
__________
1 تخريج الشاهد: هذا جزء من بيت، وهو بتمامه:
بنا عاذ عوف وهو بادي ذلة ... لديكم، فلم يعدم ولاء ولا نصرا
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 385، والأشموني: "488/ 1/ 252" والعيني: 3/ 172.
المفردات الغريبة: عاذ: اعتصم والتجأ. عوف: اسم رجل. بادي ذلة: ظاهر المهانة. يعدم: يفقد. ولاء: موالاة ومناصرة. نصرا: إعانة.
المعنى: التجأ إلينا عوف، واستعان بنا، وقد ظهر عليه الهوان والمذلة وهو مقيم عندكم، فأقلنا عثرته، ونصرناه، وقدمنا له العون والمساعدة.
الإعراب: "بنا": متعلق بـ "عاذ". عاذ: فعل ماضٍ: فاعل مرفوع. وهو: الواو حالية، هو: ضمير منفصل، في محل رفع مبتدأ. بادي: حال من الضمير المستقر في خبر المبتدأ "لديكم" الآتي؛ وبادي: مضاف. ذلة: مضاف إليه مجرور. "لديكم" ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر المبتدأ "هو"، ولدى: منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف المنقلبة ياء، منع من ظهورها التعذر، ولدى: مضاف، و"كم": مضاف إليه. فلم: الفاء عاطفة، لم: نافية جازمة. يعدم: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه السكون، والفاعل: هو، يعود إلى عوف. ولاء: مفعول به لِيعدم منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. ولاء: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي. نصرا: معطوف على قوله "ولاء" منصوب مثله.
موطن الشاهد: "بادي ذلة".
وجه الاستشهاد: مجيء "بادي" حالا من ضمير الظرف "لديكم" المنتقل إليه من متعلقه كما هو معلوم؛ وقد تقدم الحال على عامله "الظرف" مع توسطه بين المخبر عنه والخبر، ولو جعل "بادي" حالا من "هو" على رأي سيبويه الذي يجيز مجيء الحال من المبتدأ لم يكن في البيت الشاهد المطلوب؛ وما ذكره المؤلف والناظم تبعا فيه قول الأخفش والفراء، بينما يرى الجمهور -مجيئه- على هذه الحال - ضرورة من ضرورات الشعر. انظر شرح التصريح: 1/ 384، وحاشية الصبان: 2/ 182.
2 "6" سورة الأنعام، الآية: 139.
أوجه القراءات: قرأ "خالص" بالرفع عبد الله، وابن جبير، وأبو العالية، والضحاك، وابن أبي عبلة، والأعمش؛ وقرأ "خالصا" -بالنصب- ابن جبير. وقرأ "خالصة" -بالتأنيث والنصب- ابن عباس والأعرج، وقتادة. وقرأ "خالصة" -بالتأنيث والرفع =(2/275)
الحسن1: "وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٍ بِيَمِينِهِ"2، وهو قول الأخفش، وتبعه الناظم.
والحق أن البيت ضرورة، وأن: "خالصة"3 و: "مطويات" معمولان لصلة: "ما"، ولـ: "قبضته"، وأن "السموات" عطف على ضمير مستتر في: "قبضته" لأنها
__________
= أبو رزين، وعكرمة، وابن يعمر، وأبو حيوة وغيرهم. انظر: معاني القرآن: 1/ 358، والقرطبي: 7/ 96، ومجمع البيان: 2/ 372، والبحر المحيط: 4/ 231.
موطن الشاهد: "خالصةً".
وجه الاستشهاد: مجيء "خالصة" -على هذه القراءة- حالا من الضمير المنتقل إلى الجار والمجرور؛ وهو "لذكورنا" وقد تقدمت على عاملها، وتوسطت بين المخبر عنه؛ وهو "ما" الموصولة، والخبر؛ وهو "لذكورنا" و"ما" واقعة على الأجنة؛ وحكم مجيء الحال هنا الجواز بقلة.
1 هو الإمام الجليل؛ أبو سعيد الحسن بن يسار البصري، أحد علماء التابعين وكبرائهم، كان إمامًا في القراءة، وكان أكثر كلامه حكما وبلاغة، وقد جمع مع العلم العمل والعبادة. وقد روي عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: لو أشاء أن أقول إن القرآن نزل بلغة الحسن لقلت؛ لفصاحته، وهو أحد الأربعة الذين لهم قراءات شاذة مع القراءات العشر، توفي بالبصرة سنة: 116 هـ.
وفيات الأعيان: 2/ 69/ 73، طبقات ابن سعد: 7/ 156، تهذيب التهذيب: 2/ 263، حلية الأولياء: 2/ 131.
2 "39" سورة الزمر، الآية: 67.
أوجه القراءات: هذه القراءة منسوبة إلى عيسى والجحدري، وقرأ الباقون برفع "مطويات" على أنها خبر للمبتدأ "السموات".
موطن الشاهد: "مطوياتٍ".
وجه الاستشهاد: مجيء "مطويات" حالا متوسطة بين المبتدأ "السموات" وعاملها الظرفي الواقع خبرا؛ وهو "بيمينه" وصاحب الحال الضمير المنتقل إلى الخبر "الجار والمجرور"؛ وهذه الحالة -جواز تقديم الحال على عاملها الظرف، والجار والمجرور- هي التي أشار إليها ابن مالك بقوله:
................ وندر ... نحو سعيد مستقرا في هجر
3 فتكون "خالصة" معمولة للجار والمجرور على أنها حال من الضمير المستتر في "بطون" الواقعة صلة لـ "ما"؛ وهي العاملة في الحال؛ والتاء في "خالصة": للتأنيث باعتبار معنى "ما"؛ لأنها واقعة على الأجنة كما أوضحنا. وتكون "مطويات" معمولة لـ "قبضته" على أنها حال من السموات، و"بين ظرف لغو متعلق بـ "مطويات". وانظر شرح التصريح: 1/ 385.(2/276)
بمعنى مقبوضتِهِ، لا مبتدأ، و: "بيمينه" معمول الحال، لا عاملها1.
[جواز تعدد الحال لمفرد وغيره] :
فصل: ولشبه الحال بالخبر2 والنعت3 جاز أن تتعدد، لمفرد، وغيره4، فالأول كقوله5: [الطويل]
276- عليَّ إذا ما جئت ليلى بخفيةٍ ... زيارة بيت الله رَجلانَ حافِيا6
__________
1 وعلى هذا تكون الحال غير متقدمة على عاملها الظرف والجار والمجرور في الآيتين؛ وذهب الجمهور من نحاة البصرة في إعراب الآية الكريمة كالآتي: الأرض: مبتدأ. وقبضته: خبر المبتدأ؛ وفي قبضته: ضمير مستتر على أنه نائب فاعل؛ لأن "قبضته" بمعنى مقبوضته؛ فهو اسم مفعول؛ واسم المفعول يرفع نائب فاعل. وقوله: {وَالسَّمَوَاتُ} معطوف على هذا الضمير المستتر، وساغ العطف على الضمير المرفوع من دون توكيد؛ لأنه قد فصل بين متحمل الضمير، والاسم المعطوف بقوله: {يَومَ الْقِيَامَةِ} ، وقوله تعالى: "مطويات" حال من السموات، و"بيمينه": متعلق بـ "مطويات"، وليس خبرا -كما زعم الفراء والأخفش. انظر شرح التصريح: 1/ 385.
2 أي في كونه محكوما به في المعنى على صاحبه كما يحكم بالخبر على المبتدأ، وهذا من باب أنه إذا أشبه الشيء الشيء أخذ حكمه.
3 أي في أنه يدل على الاتصاف بالصفة، وإن كان ذلك مقصودا في النعت وتبعيا في الحال.
4 المراد بالجواز عدم الامتناع، وهذا يصدق بالواجب؛ فإنه يجب تكرير الحال وتعددها بعد "إما"؛ لوجوب تكرير "إما" فقول: اضرب اللص إما قائما، وإما مطروحا على الأرض، وكذلك بعد "لا" النافية؛ لتكريرها في الغالب، تقول: جاء علي لا فرحًا ولا أسوان.
5 أنشد هذا البيت ابن الأعرابي، ولم ينسبه، وبعضهم نسبه إلى مجنون ليلى.
6 تخريج الشاهد: ينشد بعد الشاهد قوله:
شَكُورًا لربي حين أبصرت وجهها ... ورؤيتها قد تسقني السم صافيا
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 385، والأشموني: "489/ 1/ 254" ومغني اللبيب: "832/ 601"، وشرح السيوطي: 290، واللسان "رجل"، وديوان المجنون: 301، 306.
المفردات الغريبة: بخفية: أي في خفاء وستر وبعد عن الأنظار. رجلان: ماشيا. حافيا: غير منتعل. =(2/277)
وليس منه نحو: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} 1.
والثاني: إن اتَّحَد لفظه ومعناه ثني أو جمع2، نحو: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} 3، الأصل دائبة ودائبا، ونحو: "وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ
__________
= المعنى: ينذر الشاعر ويوجب على نفسه، إذا ما وصل إلى محبوبته ليلى، ولم يشعر به أحد من الناس، أن يزور بيت الله ماشيا غير منتعل.
الإعراب: "علي": متعلق بمحذوف خبر مقدم. إذا: ظرف متضمن معنى الشرط، مبني على السكون، في محل نصب على الظرفية الزمانية. ما: زائدة: زرت: فعل ماضٍ، وفاعل. ليلى: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره؛ للتعذر. "بخفية": متعلق بـ "زرت"؛ وجواب إذا محذوف يدل عليه سياق الكلام؛ وجملة "إذا وشرطها وجوابها": اعتراضية، لا محل لها؛ اعترضت بين الخبر المقدم ومبتدئه المؤخر. زيارة: مبتدأ مؤخر، وهو مضاف. بيت: مضاف إليه، وهو مضاف. الله: "لفظ الجلالة" مضاف إليه. رجلان: حال من "ياء المتكلم" في قوله: "علي"، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. حافيا: حال ثانية من "ياء المتكلم" أيضا.
موطن الشاهد: "رجلان حافيا".
وجه الاستشهاد: تعدد الحال "رجلان" و"حافيا" وصاحبهما واحد؛ وهو "ياء المتكلم" المجرورة محلا بـ "على"؛ ويجوز أن يكون صاحبهما فاعل الزيارة المحذوف؛ والتقدير: زيارتي بيت الله.
1 "3" سورة آل عمران، الآية: 39.
موطن الشاهد: {مُصَدِّقًا ... وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} .
وجه الاستشهاد: استشهد بالآية على عدم تعدد الحال فيها؛ لأن الحالين الثاني والثالث، قد عطفا بالواو على الأول، ومن شرط اعتبار التعدد ألا يكون بطريق العطف.
2 من باب الاختصار، وذلك أولى لا واجب كما يقول الرضي: "وأما الحالان من الفاعل والمفعول معا؛ فإن كان متفقين فالأولى الجمع بينهما؛ لِأنه أخصر، نحو لقيت زيدا راكبا راكبا". ا. هـ.
وهذا من غير نظر للعوامل: أهي متحدة في ألفاظها ومعانيها وعملها، أم غير متحدة في شيء من ذلك.
حاشية يس على التصريح: 1/ 386.
3 "14" سورة إبراهيم، الآية: 33.
موطن الشاهد: {دَائِبَيْنِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "دائبين" مثنى؛ وهي حال مؤسسة من الشمس والقمر، ولا يضر الاختلاف في التذكير والتأنيث ما دام الحالان متفقين لفظا ومعنى.(2/278)
وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ"1، وإن اختلف فُرِّقَ بغير عطف2، كـ: "لقيته مُصْعِدًا منحدرا"، ويقدر الأول للثاني وبالعكس، قال3: [الوافر]
277- عهدت سعاد ذات هوى معنى4
__________
1 "16" سورة النحل، الآية: 12.
موطن الشاهد: "مُسَخَّرَاتٍ".
وجه الاستشهاد: مجيء "مسخرات" حالا مؤكدة لعاملها لفظا ومعنى صرح بذلك ابن مالك في شرح العمدة وولده في شرح النظم؛ والأصل: مسخرا ومسخرا ومسخرة ومسخرا ومسخرة؛ فلما اتحدت لفظا ومعنى جمعت؛ ولا يضر الاختلاف في التذكير والتأنيث.
2 قال الرضي: إن كان هناك قرينة يعرف بها صاحب كل منهما جاز وقوعهما كيفما كان؛ نحو: لقيت هندا مصعدا منحدرة"؛ والأولى: أن يجعل كل حال بجنب صاحبها، وقوله: "وقدمت حال المفعول إذ لا أقل من أن يكون ... " بيان لما تفعله إذا اخترت الصورة التي ليست أولى من غيرها، وهذا الترتيب واجب إذا لم يؤمن اللبس، وإذا أمن اللبس كان جائزا. انظر شرح التصريح مع حاشية الشيخ يس: 1/ 386.
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
فزِدْتُ وعاد سلوانا هواها
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 386، والعيني: 3/ 180، ومغني اللبيب: "967/ 734" وشرح السيوطي: 304.
المفردات الغريبة: عهدت: عرفت وعلمت. سعاد: اسم محبوبته. ذات هوى: صاحبة عشق وحب. معنَّى: اسم مفعول من عناه الأمر، شق عليه حتى أورثه العناء والجهد. سلوانا: سلوا ونسيانا.
المعنى: لقد كنت أنا وسعاد شديدي المحبة والهيام؛ فأما أنا فازددت حبا لها وشغفا بها؛ وأما هي فانقلب هواها وحبها هجرا وانصرافا عني.
الإعراب: عهدت: فعل ماضٍ، والتاء: فاعله. سعاد: مفعول به منصوب. ذات: حال من "سعاد" منصوب، وهو مضاف. هوى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره =(2/279)
وقد تأتي على الترتيب إن أمن اللبس1، كقوله2: [الطويل]
278- خرجت بها أمشي تجر وراءنا3
__________
= الكسرة المقدرة على الألف المحذوفة؛ للتخلص من التقاء الساكنين، منع من ظهورها التعذر. معنى: حال من "تاء المتكلم" في قوله: "عهدت" السابق. فزدت: الفاء عاطفة، زدت: فعل ماضٍٍ وفاعل. وعاد: الواو عاطفة. عاد: فعل ماضٍٍ بمعنى "صار" مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب. سلوانا: خبر "عاد" الذي بمعنى صار تقدم على اسمه؛ وهو منصوب. هواها: اسم "عاد" الذي بمعنى "صار" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر؛ وهوى: مضاف، وضمير الغائبة العائد إلى سعاد مضاف إليه؛ ويجوز أن نعرب عاد: فعل ماضٍٍ تام، وسلونا: حال تقدمت على الفاعل، وهواها: فاعل مرفوع مضاف إليه؛ وهو الأفضل.
موطن الشاهد: "ذات هوى معنَّى".
وجه الاستشهاد: مجيء الحالين "ذات" و"معنى" على عكس ترتيب صاحبيهما؛ فقد جعل أول الحالين -وهو ذات- لثاني الاسمين، وهو سعاد؛ ليتصل بصاحبه؛ وأما قول "معنى" فصاحبه تاء المتكلم في قوله: "عهدت"؛ وحكم مجيء الحالين على عكس ترتيب صاحبيهما هو الأكثر؛ بخلاف ما لو أتى بهما على ترتيب صاحبيها؛ فإنه يلزم عليه الفصل بين كل حال وصاحبها بأجنبي.
1 اتفق النحاة على أنه إذا تعدد الحال، وتعدد صاحبها، ولم تأت بكل حال منهما بجنب صاحبها، بل أخرت الحالين، فإنك تجعل أول الحالين لثاني الصاحبين، وثاني الحالين لأول الصاحبين، ولا تجعل أول الحالين لأول الصاحبين، وثانيهما لثانيهما إلا حين تقوم قرينة، ترشد السامع إلى رد كل حال إلى صاحبه.
ومعلوم أن النحاة يفضلون رد أول الحالين لثاني الصاحبين عند انعدام القرينة التي ترد كل حال إلى صاحبها؛ لأن هذا يقلل الفصل بين الحال وصاحبها بأجنبي؛ فإنه يترتب عليه أن يفصل بين حال واحد وصاحبه؛ فأما الوجه الآخر؛ فيترتب عليه الفصل بين حالين وصاحبيهما؛ ولا شك في أن فصلا واحدا أخف من فصلين.
وعلمنا -سابقا- أنه إذا قامت قرينة تعين على رد كل حال إلى صاحبها، فأنت بالخيار بين أن تجعل الحالين على ترتيب الصاحبين أو على عكس ترتيبهما.
حاشية الشيخ يس: 1/ 386.
2 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
على أثرينا ذيل مرط مرحل
=(2/280)
ومنع الفارسي وجماعة1 النوع الأول، فقدروا نحو قوله: "حافيا" صفة أو حالا من ضمير "رجلان" وسلموا الجواز إذا كان العامل اسم التفضيل2، نحو: "هذا بسرا أطيب منه رطبا"3.
__________
= وهو من معلقة امرئ القيس المشهورة والتي كثر الاستشهاد بأبياتها، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 378، والهمع: 1/ 244، والدرر: 1/ 201، والمغني: "966/ 734" وشرح شواهد الشافية للبغدادي: 286.
المفردات الغريبة: مرط: كساء من صوف أو خز. مرحل: معلم فيه خطوط.
المعنى: خرجت بمحبوبتي من خدرها ماشيا -وهي تجر على أثر أقدامنا- ذيل كسائها؛ لتخفي أثرينا عن الناس، فلا يعلم بنا أحد.
الإعراب: خرجت: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل. "بها": متعلق بـ "خرج". أمشي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره للثقل، والفاعل: أنا؛ وجملة "تمشي": في محل نصب على الحال من الفاعل؛ الذي هو تاء المتكلم. تجر: فعل مضارع مرفوع؛ لتجرده من الناصب والجازم، والفاعل: هي؛ وجملة "تجر": في محل نصب على الحال من ضمير الغائبة في قوله "بها". "على أثرينا": متعلق بـ "تجر"؛ وأَثَرَيْ: مجرور وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى، و"نا": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. ذيل: مفعول به منصوب، وهو مضاف. مرط: مضاف إليه مجرور. مرحل: صفة لـ "مرط" مجرورة.
موطن الشاهد: "أمشي تجر".
وجه الاستشهاد: وقوع الجملتين "أمشي" و"تجر" في محل نصب على الحال، غير أن صاحب كل واحد غير الآخر؛ فجاء الحالان على ترتيب الصاحبين؛ الأول للأول، والثاني للثاني؛ لأمن اللبس؛ لأن "أمشي" مذكر، و"تجر" مؤنث؛ ومعلوم أن الحال يطابق صاحبه في التذكير والتأنيث.
1 وهو تعدد الحال المفرد، وحجتهم: أن صاحب الحال إذا كان واحدا، فلا يقتضي العامل إلا حالا واحدة، قياسا على الظرف، وهو قياس مع الفارق الواضح؛ لأن الشيء الواحد يمتنع وقوعه في زمانين أو مكانين، لكن لا يمتنع تقييده بقيدين ولا بأكثر، ذكر هذا ابن الناظم مبررا مخالفته لرأي الفارسي وابن عصفور وكثير من المحققين كما ذكر أبو حيان. همع الهوامع: 1/ 244.
2 لأن صاحب الحال، وإن كان واحد في المعنى، فهو متعدد في اللفظ.
هذا: ويؤخذ من المثال الذي ذكره المصنف، أنه ينبغي أن يكون اسم التفضيل متوسطا بين الحالين؛ لِيخرج نحو: محمد أحسن من زملائه متكلما فصيحا.
3 لم يتطرق المؤلف إلى مبحث تعدد الحال. وقد ذكره السيوطي فقال: "ويجب للحال =(2/281)
[الحال مؤسسة ومؤكدة] :
فصل: الحال ضربان:
مؤسِّسَة، وهي: التي لا يستفاد معناها بدونها، كـ "جاء زيد راكبا" وقد مضت.
ومؤكدة1: إما لعاملها لفظا ومعنى، نحو: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} 2، وقوله3: [البسيط]
279- أصخ مصيخا لمن أبدى نصيحته4
__________
= إذا وقعت بعد "إما" أن تردف بأخرى معادا معها "إما" أو "أو" كقوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} وقول الشاعر:
وقد شفني ألا يزال يروعني ... خيالك إما طارقا أو مغاديا
وإفرادها بعد إما ممنوع في النثر والنظم وبعد "لا" نادر، تقول: لا راغبا ولا راهبا فتكرر، وقد تفرد كقوله:
قهرت العدى لا مستعينا بعصبة ... ولكنْ بأنواع الخدائع والمكرِ
همع الهوامع: 1/ 245.
1 تقسيم الحال إلى مؤسسة ومؤكدة هو مذهب الجمهور، وذهب الفراء والمبرد والسهيلي إلى أن الحال لا تكون إلا مؤسسة، وأنكروا ما ظنه الجمهور مؤكدة لعاملها، وتأولوا الأمثلة حتى جعلوها من أمثلة المؤسسة، ولم يتعرضوا لإنكار المؤكدة لصاحبها؛ لأن المتقدمين من النحاة لم يعرفوها، فلهذا لم يتعرضوا لها.
همع الهوامع: 1/ 245، والتصريح: 1/ 387، مغني اللبيب: 606.
2 "4" سورة النساء، الآية: 79.
موطن الشاهد: {أَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "رسولا" حالا من "الكاف" الواقعة في محل نصب مفعول به، وهي مؤكدة لـ "أرسلناك"، وموافقة لها لفظا ومعنى.
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
والزم توقِّيَ خلطِ الجدِّ باللعبِ
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 387، والأشموني: "491/ 1/ 255"، والعيني: 3/ 185. =(2/282)
أو معنى فقط نحو: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} 1، {وَلَّى مُدْبِرًا} 2.
__________
= المفردات الغريبة: أصخ: استمع، وهو أمر من الإصاخة، بمعنى الاستماع. أبدى: أظهر وأعلن نصيحته. النصيحة: الإرشاد إلى الخير. توقي: مصدر توقى الأمر، إذا تحفظ من الوقوع فيه وتحرز عن إتيانه.
المعنى: استمع وأحسن الاستماع والإنصات لمن ينصحك بإخلاص، ولا تهمل النصيحة، والتزم وقاية نفسك وحفظها من خلط الجد والاجتهاد، باللهو والعبث.
الإعراب: أصخ: فعل أمر، والفاعل: أنت. مصيخا: حال من الضمير المستتر في "أصخ". "لمن": متعلق بـ "أصخ"؛ و"من": اسم موصول في محل جر بحرف الجر. أبدى: فعل ماضٍٍ مبني على الفتح المقدر على الألف، منع من ظهوره التعذر، وفاعله: هو. نصيحته: مفعول به لـ "أبدى" منصوب، وهو مضاف، و"الهاء": في محل جر بالإضافة؛ وجملة "أبدى نصيحته": صلة للموصول، لا محل لها. والزم: الواو عاطفة، الزم: فعل أمر مبني على السكون، والفاعل: أنت. توقي: مفعول به لـ "الزم"، وهو مضاف. خلط: مضاف إليه مجرور؛ من إضافة المصدر إلى مفعوله، وخلط مضاف. الجد: مضاف إليه؛ من إضافة المصدر إلى مفعوله كسابقه. "باللعب": متعلق بـ "خلط".
موطن الشاهد: "مصيخا".
وجه الاستشهاد: مجيء "مصيخا" حالا مؤكدة من ضمير "أصخ"؛ وهي موافقة لهذا العامل لفظا ومعنى؛ مع كون مادة الحال وعامله واحدة؛ ومعلوم أن الفراء والمبرد والسهيلي ينكرون مجيء الحال مؤكدة لعاملها ويزعمون أنها لا تكون إلا مؤسِّسة؛ أي دالة على معنى لم يستفد من عاملها، ويؤولون كل ما ظنه الجمهور مؤكدة، ويردونه إلى المؤسسة، وقد أولوا -هنا- أصخ بمعنى استمع، ومصيخا بمعنى مستمعا في انتباه وحرص، وفي قولهم تكلف ظاهر، والصواب ما ذهب إليه الجمهور.
1 "27" سورة النمل، الآية: 19.
موطن الشاهد: {ضَاحِكًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ضاحكا" حالا من فاعل "تبسم" مؤكدا للعامل في المعنى؛ لأن التبسم نوع من الضحك.
2 "27" سورة النمل، الآية: 10.
موطن الشاهد: {مُدْبِرًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "مدبرا" حالا من فاعل "ولى" مؤكدا للعامل في المعنى؛ لأن الإدبار نوع من التولي.(2/283)
وإما لصاحبها1، نحو: {لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} 2.
وإما لمضمون3 جملة معقودة من اسمين معرفتين جامدتين، كـ: "زيد أبوك عطوفا" وهذه الحال واجبة التأخير عن الجملة المذكورة، وهي معمولة لمحذوف وجوبا تقديره أحقه4 ونحوه.
__________
1 هذا القسم من زيادات المصنف ولم يذكره الناظم، ولم يشمله إنكار الفراء والمبرد والسهيلي.
2 "10" سورة يونس، الآية: 99.
موطن الشاهد: {جَمِيعًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "جميعا" حالا من فاعل "آمن" وهو "من" الموصولة؛ وهي مؤكدة لها؛ لأن كلا منهما تدل على الإحاطة والشمول؛ وهذا القسم لم يذكره ابن مالك، وإنما زاده ابن هشام الأنصاري رحمه الله تعالى.
3 فسر الصبان مضمون الجملة في هذا الموضع بأنه "مصدر الخبر مضافا إلى المبتدأ إذا كان الخبر مشتقا، والكون العام مضافا إلى المبتدأ ومخبرا عنه بالخبر إذا كان الخبر في الجملة جامدا.
وقد سبقه الزمخشري في "مفصله" بقوله: "والحال المؤكدة هي التي تجيء على أثر جملة عقدها من اسمين، لا عمل لهما "يريد أنهما جامدان" لتوكيد خبرها وتقرير مؤاده، ونفي الشك عنه، وذلك قولك: زيد أبوك عطوفا، وهو زيد معروفا، وهو الحق بينا، ألا ترى كيف حققت بالعطوف الأبوة، وبالمعروف، والبين أن الرجل زيد، وأن الأمر حق، وفي التنزيل: {هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} ، وكذلك: أنا عبد الله آكلا كما يأكل العبيد؛ وفيه تقرير للعبودية، وتحقيق لها، وتقول: أنا فلان بطلا شجاعا وكريما جوادا؛ فتحقق ما أنت متسم به، وما هو ثابت في نفسك". ولمزيد من الإيضاح، انظر المفصل، للزمخشري: 63-64.
وحاشية الصبان: 2/ 185.
وشرح التصريح: 1/ 387-388.
4 من شواهد هذا النوع قول سالم بن دارة:
أنا ابن دارة معروفا بها نسبي ... وهل بدارة يا للناس من عارِ
وقد مثل بهذا البيت الزمخشري، وحمل عليه قوله تعالى: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} كما حمل غيره عليه قوله تعالى: {هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} . انظر حاشية الصبان: 2/ 185.(2/284)
[وقوع الحال مفردا وشبه جملة] :
فصل: تقع الحال اسما مفردا كما مضى.
وظرفا كـ: "رأيت الهلال بين السحاب" وجارا ومجرورا نحو: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} 1، ويتعلقان بمستقر أو استقر محذوفين وجوبا2. وجملة بثلاثة شروط:
[وقوع الحال جملة بثلاثة شروط] :
أحدها: كونها خبرية، وغلط من قال في قوله3: [السريع]
280- اطلبْ ولا تَضْجَرَ مِنْ مَطْلَبِ4
__________
1 "28" سورة القصص، الآية: 79.
موطن الشاهد: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "الجار والمجرور" في موضع الحال من فاعل خرج المستتر؛ العائد إلى "قارون"؛ وحكم مجيء الجار والمجرور في موضع الحال الجواز.
2 لكونهما "كونا" مطلقا، ويشترط في كل من الظرف والجار والمجرور: أن يكون تاما، أي مفيدا، وإفادته تكون بالإضافة، أو بالنعت، أو بالعدد، أو بغير ذلك من أنواع الإفادة.
3 نسبه صاحب التصريح إلى أحد المولدين ولم يعيِّنْهُ.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
فآفة الطالب أن يضجرا
ويروى بعده قوله:
أما ترى الحبل، بتكراره ... في الصخرة الصماء قد أثرا
والبيت لم يؤتَ به كشاهد، وإنما لبيان خطأ الذين أعربوه. انظر: التصريح: 1/ 389، والأشموني: "493/ 1/ 256"، والعيني: 3/ 217، والهمع: 1/ 246، 202، والمغني: "74/ 529" "999/ 763".
المفردات الغريبة: لا تضجر: لا تسأم ولا تقلق. آفة: عاهة، وهي عرض يفسد ما يصيبه.
المعنى: ثابر، وداوم على طلب معالي الأمور، ولا تسأم إذا لم تظفر بما تطلب؛ فإن السأم والملل علة كل طالب، ومن يصبر، ينل ما يريد.
الإعراب: اطلب: فعل أمر، والفاعل: أنت. ولا: الواو واو المعية، لا: نافية. =(2/285)
إن "لا" ناهية والواو للحال، والصواب أنها عاطفة مثل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} 1.
__________
= تضجر: فعل مضارع منصوب بأن المصدرية المضمرة بعد واو المعية، وعلامة نصبه الفتحة الظهرة. "من مطلب": متعلق بـ "لا تضجر". فآفة: الفاء تفريعية، آفة: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. الطالب: مضاف إليه. أن: حرف مصدري ونصب. يضجرا: فعل مضارع منصوب بـ "أن" المصدرية، والفاعل: هو، والألف للإطلاق؛ والمصدر المؤول من "أن المصدرية وما دخلت عليه": في محل رفع خبر المبتدأ "آفة"؛ والتقدير: فآفة الطالب الضجر.
موطن الشاهد: "ولا تضجرا".
وجه الاستشهاد: بيان خطأ من أعرب الواو في قوله: "ولا تضجرا" حالية؛ لأنه يشترط في جملة الحال أن تكون خبرية، وهذه إنشائية؛ والذي ذهب إلى أنها حالية الأمين المحلي -كما ذكره ابن هشام في المغني؛ حيث عد "لا": ناهية، والواو التي قبلها للحال، وتضجرا: فعل مضارع مجزوم بـ "لا" الناهية؛ وأصله ولا تضجرن بنون التوكيد الخفيفة، فحذفت نون التوكيد الخفيفة، وبقيت الفتحة قبلها؛ لتدل عليها؛ وعلى هذا تكون الجملة في محل نصب على الحال؛ غير أن الصواب ما ذهبنا إليه في الإعراب.
انظر في هذه المسألة، وفي أوجه إعراب الشاهد: مغني اللبيب: 763، وشرح التصريح: 1/ 389، وهمع الهوامع: 1/ 245.
فائدة: الجملة الشرطية في قولهم: "لأمدحن المخلص إن أصاب أو أخطأ" واقعة في محل نصب على الحال -مع أنها إنشائية، مشتملة على علامة استقبال؛ حرف الشرط "إن" فالمسوغ -عند النحاة- أنها شرطية لفظا لا معنى؛ لأن التقدير: لأمدحنه على أي حال.
فائدة: على تقدير الواو عاطفة -على رأي ابن هشام- في الشاهد السابق؛ فلها تخريجان: الأول: أن تكون عاطفة مصدرا يسبك من أن والفعل على مصدر متوهم من الأمر السابق؛ أي: ليكن منك طلب وعدم ضجر. الثاني: أن تكون عاطفة جملة على جملة؛ وعلى الوجه الأول: فالفتحة في "تضجر" فتحة إعراب، ولا: نافية وعلى الثاني: فالفتحة فتحة بناء للتركيب؛ والأصل: ولا تضجرن بنون التوكيد الخفيفة؛ فحذفت للضرورة، ولا: ناهية.
1 "4" سورة النساء، الآية: 36.
موطن الشاهد: {وَلَا تُشْرِكُوا} .
وجه الاستشهاد: مجيء الواو عاطفة في الآية الكريمة؛ والواو عطفت جملة على جملة، كما هو واضح.(2/286)
الثاني: أن تكون غير مصدرة بدليل استقبال، وغلط من أعرب {سَيَهْدِينِ} من قوله تعالى: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} 1 حالا.
الثالث: أن تكون مرتبطة، إما بالواو والضمير، نحو: {خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ} 2، أو بالضمير فقط، نحو: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} 3، أي: متعادين، أو بالواو فقط، نحو: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} 4.
[وجوب الواو قبل "قد" داخلة على المضارع] :
وتجب الواو قبل "قد"5 داخلة على المضارع، نحو: {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد
__________
1 "37" سورة الصافات، الآية: 99.
موطن الشاهد: {سَيَهْدِينِ} .
وجه الاستشهاد: استشهد بها؛ ليدل على كونها غير حالية بسبب اقترانها بالسين ومتى اقترنت بالسين صارت مستقبلة بالنسبة إلى عاملها؛ وهناك تنافٍ بين الحال والاستقبال من حيث اللفظ.
2 "2" سورة البقرة، الآية: 243.
موطن الشاهد: {وَهُمْ أُلُوفٌ} .
وجه الاستشهاد: مجيء جملة "وهم ألوف" حالا من الواو في خرجوا؛ وهي مرتبطة بالواو والضمير.
3 "2" سورة البقرة، الآية: 36.
موطن الشاهد: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌ} .
وجه الاستشهاد: مجيء جملة "بعضكم لبعض عدو" حالا من الواو في "اهبطوا" والرابط الضمير في "بعضكم"؛ والخطاب لسيدنا آدم وحواء عليهما السلا م.
4 "12" سورة يوسف، الآية: 14.
موطن الشاهد: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} .
وجه الاستشهاد: مجيء جملة "نحن عصبة" حالا من "الذئب" أو من ضمير يوسف عليه السلام؛ والرابط الواو فقط، ولا علاقة للضمير نحن؛ لأنه لم يرجع إلى صاحب الحال.
5 هذا أحد موضعين، يجب في كل منهما ربط الجملة الواقعة حالا بالواو؛ والمقصود بالمضارع هنا أن يكون مثبتا؛ فمتى كان مثبتا ومقرونا بقد، وجب أن يكون الرابط =(2/287)
تَعْلَمُونَ} 1.
[امتناع الواو في سبع صور] :
وتمتنع في سبع صور:
إحداها: الواقعة بعد عاطف2، نحو: {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} 3.
__________
= لها بصاحب الحال، هو الواو، كما في الآية الكريمة {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ} ولكن لا يشترط في الجملة المضارعية أن تقترن بقد وأن تسبقها الواو، فقد وردت الجملة المضارعية المثبتة حالا من غير "قد" و"الواو" معا في أفصح الكلام؛ حيث قال جل شأنه: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} ؛ وهنا لا بد من ربطها بصاحب الحال بضمير يرجع منها إليه.
وأما الموضع الثاني الذي يجب فيه "الواو" جملة الحال التي ليس فيها ضمير يعود منها على صاحب الحال؛ نحو: "أقبل الأمير والشمس طالعة"، وكقوله تبارك وتعالى: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} .
وأما بالنسبة إلى الفعل الماضي المثبت الواقعة جملته حالا، فقد اختلف النحاة في حكم اقترانه بـ "قد"؛ فذهب الكوفيون والأخفش من البصريين إلى الجواز؛ متى كان معه ضمير يعود على صاحب الحال -سواء أكان مع الضمير واو أم لم يكن- فإن لم يكن معه ضمير، يعود إلى صاحب الحال -بأن كان الرابط هو الواو وحدها- وجب اقترانه بقد وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز مجيء الماضي المثبت حالا إلا إذا اقترن بـ "قد" سواء أكان الرابط، هو الضمير وحده، أم كان الرابط هو الواو وحدها، أم كان الرابط هو الواو والضمير معا؛ فإن وجدت "قد" في اللفظ، فالأمر ظاهر، وإن لم توجد وجب تقديرها واختار ابن مالك وأبو حيان مذهب الكوفيين في هذه المسألة، وهو الأرجح. وانظر في هذه المسألة: همع الهوامع: 1/ 246، والمغني: 229-833، ورصف المباني: 417-418، والتصريح: 1/ 391.
1 "61" سورة الصف، الآية: 5.
موطن الشاهد: {وقد تعلمون} .
وجه الاستشهاد: مجيء "تعلمون" حالا من الواو في "تؤذونني" والرابط الواو؛ وحكم وجود الرابط -هنا- الوجب.
2 أي يعطفها على حال قبلها.
3 "7" سورة الأعراف، الآية: 4.
موطن الشاهد: {هم قائلون} .
وجه الاستشهاد: مجيء جملة "هم قائلون" حالا معطوفة على "بياتا" وهو مصدر في محل نصب على الحال؛ والرابط الضمير، ولا يقال: "أو" "وهم" كراهة اجتماع حرفي عطف صورة.(2/288)
الثانية: المؤكدة لمضمون الجملة، نحو: "هو الحق لا شك فيه" و: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} 1.
الثالثة: الماضي التالي إلا، نحو: {إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} 2.
الرابعة: الماضي المتلوُّ بأو3، نحو: "لأضْرِبَنَّهُ ذَهَبَ أو مَكَثَ"4.
الخامسة: المضارع المنفي بلا، نحو: {وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ} 5.
__________
1 "2" سورة البقرة، الآية: 2.
موطن الشاهد: "لا شك فيه"، {لا رَيْبَ فِيهِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء كل من الجملتين حالا مؤكدة لمضمون الجملة قبلها؛ وتمتنع الواو -هنا- لأن المؤكد عين المؤكد؛ فلو قرن بالواو، كان في صورة عطف الشيء على نفسه؛ وأما المؤكدة لعاملها فقد تقترن؛ نحو: "ثم توليتم وأنتم تعلمون".
2 "15" سورة الحجر، الآية: 11.
موطن الشاهد: {كانوا به يستهزئون} .
وجه الاستشهاد: مجيء جملة "كانوا به يستهزئون" حالا من "الهاء" في "يأيتهم" وامتنعت الواو هنا؛ لأن ما بعد "إلا" مفرد حكما، ويرى بعض النحاة جواز اقترانه بالواو في هذه الحالة، تمسكا بقول زهير:
نعم امرأ هرمٌ لم تعرُ نائبَةً ... إلا وكان لمرتاعٍ بها وزرا
وذلك قياسا على الجملة الاسمية الواقعة بعد "إلا" نحو قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} انظر شرح التصريح: 1/ 392.
3 أي الجملة الماضوية الحالية المعطوفة عليها جملة أخرى بأو.
4 جملة "ذهب" في محل نصب حال من الهاء وبعدها "أو" وتمتنع الواو؛ لأنها في تقدير فعل الشرط؛ إذ المعنى: إن ذهب وإن مكث، وفعل الشرط لا يقترن بالواو، فكذلك المقدر به. والحق أن العلة عدم وجود الواو في مثل هذا الأسلوب من الكلام العربي.
5 "5" سورة المائدة، الآية: 8.
موطن الشاهد: {وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء جملة "نؤمن بالله" حالا من الضمير المجرور باللازم، ولم تقترن بالواو؛ لأن المضارع المنفي بـ "لا" أو "بما" بمنزلة اسم الفاعل المجرور بإضافة "غير" المنصوبة على الحال، وهو لا تدخل عليه الواو؛ والتقدير: "وما لنا غير مؤمنين"؛ واختص المنفي بـ "لا" و"ما" من دون المنفي بـ "لم" و"لما"؛ لأن مضي المنفي بهما في المعنى، قربه من الماضي الجائز الاقتران بالواو، وأبعده من الشبه باسم الفاعل، وذهب محمد ابن صاحب الألفية إلى جواز اقتران المضارع المنفي بـ "لا" بالواو، وإن كان عدم الاقتران أكثر، واستشهد بقول أحدهم: "وكنت لا ينهنهني الوعيد". شرح التصريح: 1/ 392.(2/289)
السادسة: المضارع المنفي بما، كقوله1: [الطويل]
281- عهدتك ما تصبو وفيك شبيبة2
__________
= تقترن بالواو؛ لأن المضارع المنفي بـ "لا" أو "بما" بمنزلة اسم الفاعل المجرور بإضافة "غير" المنصوبة على الحال، وهو لا تدخل عليه الواو؛ والتقدير: "وما لنا غير مؤمنين"؛ واختص المنفي بـ "لا" و"ما" من دون المنفي بـ "لم" و"لما"؛ لأن مضي المنفي بهما في المعنى، قربه من الماضي الجائز الاقتران بالواو، وأبعده من الشبه باسم الفاعل، وذهب محمد ابن صاحب الألفية إلى جواز اقتران المضارع المنفي بـ "لا" بالواو، وإن كان عدم الاقتران أكثر، واستشهد بقول أحدهم: "وكنت لا ينهنهني الوعيد". شرح التصريح: 1/ 392.
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه وقوله:
فلما لك بعد الشيب صبا متيما
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 392، والأشموني: "500/ 1/ 257" والهمع: 1/ 246، والدرر: 1/ 203.
المفردات الغريبة: عهدتك: عرفتك. تصبو: تميل إلى اللهو والعبث، من الصبوة، وهي الميل إلى الجهل والفتوة. شبيبة: شباب وفتوة ونشاط جسماني. صبا: عاشقا، من الصبابة، وهي العشق ورقة الهوى. متيما: مذللا مستعبدا بالحب.
المعنى: عرفتك وأنت شابٌّ موفور القوة جم النشاط -مستقيما بعيدا عن اللهو والميل للنساء، فما لك بعد الشيخوخة والكبر والضعف، صرت عاشقا متيما؟.
الإعراب: عهدتك: فعل ماضٍ، وفاعل، ومفعول به. ما: نافية، لا محل لها من الإعراب. تصبو: فعل مضارع مرفوع؛ لتجرده من الناصب والجازم، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو، منع من ظهورها الثقل، والفاعل: أنت؛ وجملة "تصبو" في محل نصب على الحال، وصاحبه كاف الخطاب الواقعة مفعولا به في "عهدتك". وفيك: الواو حالية، و"فيك": متعلق بخبر مقدم محذوف. شبيبة: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "المبتدأ والخبر": في محل نصب على الحال؛ وصاحب الحال الضمير المستتر في "تصبو". فما: الفاء عاطفة، "ما": اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. "لك": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ؛ والتقدير: أي شيء ثابت لك؛ أو حاصل لك. "بعد": متعلق بقوله: "صبا" الآتي، وهو مضاف. الشيب: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة. صبا: حال منصوب، وصاحبه ضمير المخاطب المجرور باللام في قوله: "لك" السابق. متيما: صفة لقوله "صبا" منصوبة مثله.
موطن الشاهد: "ما تصبو".
وجه الاستشهاد: مجيء جملة "تصبو" منفية بـ "ما" وقد وقعت في محل نصب على الحال؛ ولم تقترن بالواو اكتفاء بالربط بالضمير؛ وهو الفاعل المستتر؛ لما بيناه في المنفية بـ "لا" ومثل المنفي بـ "ما" المنفي بـ "إن" النافية. ضياء السالك: 2/ 222.(2/290)
السابعة: المضارع المثبت1، كقوله تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} 2.
وأما نحو قوله3: [الكامل]
282- علقتها عرضا وأقتل قومها4
__________
1 أي المجرد من "قد"، فإن اقترن بقد لزمته الواو.
2 "74" سورة المدثر، الآية: 6.
موطن الشاهد: "تستكثر".
وجه الاستشهاد: مجيء جملة "تستكثر" حالا من فاعل "تمنن" المستتر فيه؛ وقد امتنعت الواو هنا؛ لشبهه باسم الفاعل في الزنة والمعنى، والواو لا تدخل على اسم الفاعل، فكذلك ما أشبهه.
3 القائل: عنترة بن شداد العبسي، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
زعما لعمر أبيك ليس بمزعمِ
والبيت من معلقته المشهورة؛ التي مطلعها قوله:
هل غادر الشعراء من متردم؟ ... أم هل عرفت الدار بعد توهم؟
والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 392، والأشموني: "495/ 1/ 256"، والعيني: 3/ 188.
المفردات الغريبة: علقتها: تعلقت بها وأحببتها. عرضا: من غير قصد: زعما: طمعا، وهو مصدر زعم، بمعنى طمع.
المعنى: أحببتها، وشغفت بها بمجرد النظر إليها من غير قصد، وأنا أحارب قومها وأقتلهم، فكيف هذا التناقض؟!، ثم قال مخاطبا نفسه: إن هذا طمع لا موضع له، وفعل لا يليق بمثلى.
الإعراب: علقتها: فعل ماضٍٍ مبني للمجهول، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع نائب فاعل؛ و"ها" مفعول به ثانٍ. عرضا: مفعول مطلق منصوب؛ وهو الأفضل. وأقتل: الواو عاطفة، أقتل فعل مضارع -بمعنى الماضي- مرفوع، والفاعل: أنا. قومها: مفعول به =(2/291)
فقيل: ضرورة وقيل: الواو عاطفة والمضارع مؤول بالماضي1، وقيل: واو الحال والمضارع خبر لمبتدأ محذوف، أي: وأنا أقتل2.
[حذف عامل الحال جوازا أو وجوبا] :
[حذف العامل جوازا] :
فصل: وقد يحذف عامل الحال: جوازا3؛ لِدليل حالي، كقولك لقاصد
__________
= منصوب، وهو مضاف، و"ها": مضاف إليه؛ وجملة "أقتل قومها": لا محل لها؛ لكونها معطوفة على جملة "علقتها" الاستئنافية؛ والتقدير: علقتها تعلقا عارضا وقتلت قومها؛ ويجوز -وهو الأفضل- أن تكون الواو حالية، وجملة "أقتل قومها": في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: وأنا أقتل قومها؛ وجملة "المبتدأ والخبر": في محل نصب على الحال؛ وصاحبه تاء المتكلم في قوله: "علقتها" السابق. زعما: على رواية النصب؛ مفعول مطلق لفعل محذوف؛ والتقدير: زعم زعما، وعلى رواية الرفع؛ يكون إما خبرا لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هذا زعم؛ أو يكون مبتدأ؛ وخبره جملة ليس بمزعم"؛ والأول أفضل. لَعَمْر: اللام لام الابتداء، لا محل لها من الإعراب. عَمْرُ: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. أبيك: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف، والكاف: مضاف إليه؛ وخبر المبتدأ محذوف وجوبا؛ والتقدير: لعمر أبيك قسمي، أو ما أقسم به؛ وجملة "المبتدأ والخبر": لا محل لها؛ لأنها اعتراضية، اعترضت بين الصفة والموصوف؛ أو بين المبتدأ والخبر على رواية رفع "زعم" كما بينا. ليس: فعل ماضٍٍ ناقص؛ واسمه "هو" يعود إلى الزعم. بمزعم: الباء حرف جر زائد، مزعم: خبر "ليس" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد؛ والجملة في محل نصب أو رفع صلة لـ "زعم".
موطن الشاهد: "وأقتل قومها".
وجه الاستشهاد: مجيء جملة: "أقتل قومها" حالية مضارعية مثبتة، وقد اقترنت بالواو مع امتناع الواو في ذلك، وقد خرجه المؤلف في المتن.
1 والتقدير: وقتلت قومها؛ وذلك ليتناسب المتعاطفان، فذلك أولى من عدم التناسب.
2 خلاصة البحث: إن اقتران جملة الحال بالواو على ثلاثة أنواع: واجب، وذلك في موضعين. وممتنع، وذلك في سبعة مواضع، وجائز، وذلك فيما عدا ذلك.
3 الأصل في عامل الحال وغيرها، أن يكون مذكورا؛ ليحقق الغرض منه، وهو إفادة معنى جديد، أو تقوية المعنى الموجود، وقد يحذف جوازا أو وجوبا لدواع تقتضي الحذف، ويستثنى من الحذف جوازا: ما إذا كان العامل معنويًّا، كالظرف والجار والمجرور، واسم الإشارة، وحرف التمني والتنبيه إلخ، فلا يجوز حذف العامل فيها؛ لضعفه سواء فهم أم لم يفهم.(2/292)
السفر: "راشدا" وللقادم من الحج: "مأجورا" أو مقالي1، {بَلَى قَادِرِين} 2 {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} 3 بإضمار: تسافر، ورجعت، ونجمعها، وصلوا.
[حذف العامل وجوبا] :
ووجوبا قياسا في أربع صور: نحو: "ضربي زيدا قائما"4، ونحو: "زيد أبوك عطوفا"5 وقد مضتا، والتي يبين بها ازدياد أو نقص بتدريج، كـ: "تصدق بدينار فصاعدا"، و: "اشتره بدينار فسافلا"6، وما ذكر لتوبيخ، نحو: "أقائما وقد قعد
__________
1 الدليل المقالي: هو ما يعتمد على كلام مذكور صريح، وهو في مثال المصنف جواب نفي وشرط، وقد يكون جوابا لاستفهام نحو: راكبا، لمن قال: كيف جئت؟ أو منهيا عنه نحو: {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} ، أو مقصودا لحصر فيه، نحو: ما جاءني محمد إلا راكبا ومنه قوله تعالى: {وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} . أما الدليل الحالي فتدل عليه المناسبات المحيطة بالمتكلم، من غير استعانة بكلام أو قول.
التصريح: 1/ 393.
2 "75" سورة القيامة، الآية: 4.
موطن الشاهد: {بَلَى قَادِرِين} .
وجه الاستشهاد: مجيء "قادرين" حالا بعامل محذوف جوازا؛ والتقدير: نجمعها قادرين؛ فأضمر العامل "نجمعها" في جواب النفي؛ وحكم الإضمار -هنا- الجواز؛ غير أن القراءة سنة متبعة، لا تجوز مخالفتها.
3 "2" سورة البقرة، الآية: 239.
موطن الشاهد: {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "رجالا وركبانا" حالين؛ والعامل فيهما محذوف، وتقديره: صلوا؛ وحكم الحذف هنا الجواز، غير أن القراءة سنة مؤكدة، فلا تجوز مخالفتها.
4 أي مما فيه الحال سادة مسد الخبر، وقد سبق إيضاحها، فلا يجوز ذكر الخبر لئلا يلزم الجمع بين العوض والمعوض.
5 أي: من الحال المؤكدة لمضمون جملة قبلها، والعلة في وجوب حذف العامل: أن الجملة قبله بمنزلة البدل من اللفظ.
6 "صاعدا" و"سافلا" حالان عاملهما محذوف وجوبا؛ والتقدير: فذهب المتصدق به صاعدا، وانحط المشتري به سافلا؛ ولا بد في هذه الحالة من اقتران الحال بالفاء العاطفة، أو "ثم" العاطفة؛ وهي تعطف جملة خبرية على جملة إنشائية، ويجب حذف العامل والصاحب معا في هذه الحال. شرح التصريح: 1/ 393.(2/293)
الناس"، و: "أتميميا مرة وقيسيا أخرى"1 أي: أتوجد، وأتتحول2.
وسماعا في غير ذلك، نحو: "هنيئا لك" أي: ثبت لك الخير هنيئا، أو أَهْنَأَكَ هنيئا.
__________
1 "قائما" و"تميميا" و"قيسيا" أحوال منصوبة بفعل محذوف وجوبا؛ لأنها بدل من اللفظ بالفعل، ولا يجمع بين البدل والمبدل منه.
2 "أتوجد" راجع إلى المثال الأول، و"أتتحول" راجع إلى الثاني، وليس المراد أن يتحول في حالة كونه تميميا ... بل إنه يتخلق تارة بأخلاق التميمي وأخرى بأخلاق القيسي؛ والأولى: تقدير عامل الحال "توجد" كسابقه، وقيل "تميميا وقيسيا": مفعول مطلق على حذف مضاف: أي أتتخلق تخلق تميمي مرة؟ ... وما ذكره المؤلف محظور ذكر العامل فيه رأي ممنوع ذكره -وهناك عوامل تحذف سماعا؛ نحو: هنيئا لك. انظر شرح التصريح: 1/ 393.
فائدة أولى: عندما تتعدد الحال لواحد، تسمى "مترادفة" أي متوالية، تتلو الواحدة الأخرى؛ ويمكن أن تعرب الحال الثانية حالا من الضمير المستتر في الحال التي قبلها، وتسمى الثانية "متداخلة".
فائدة ثانية: هنالك ألفاظ مسموعة، وقعت أحوالا مع أنها معرفة بالإضافة؛ نحو: تفرق القوم أيدي سبأ، وقد أولت على معنى: متبددين؛ أو مثل أيدي سبأ؛ فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه. ومنها قولهم: فعلت هذا الأمر جهدي أو طاقتي، وأول بمعنى: جاهدا أو مطيقا.
فائدة ثالثة: تنقسم الحال باعتبار الزمان إلى مقارنة لعاملها، وهو الغالب فيها، ومقدرة وهي المستقبلة؛ نحو: مررت برجل معه سيف مقاتلا به غدا؛ أي: مقدرا ذلك. انظر حاشية الصبان: 2/ 193، وضياء السالك: 2/ 226.(2/294)
[باب التمييز] :
هذا باب التمييز1:
[تعريف التمييز وبيان محترزات القيود] :
التمييز: اسم2 نكرة، بمعنى من3، مبين لإبهام اسم أو نسبة.
فخرج بالفصل الأول4 نحوه5: "زيد حسن وجهه".
وقد مضى أن قوله:
صددتَ وطبتَ النفس يا قيسُ عن عمرو6
__________
1 هو في الأصل: مصدر ميَّز الشيءَ؛ إذ خلصه من شيء آخر، فمعناه لغة: تخليص شيء من شيء، ثم أطلق على الاسم المميز مجازا، ويسمى أحيانا: التفسير أو التبيين، أو المفسر، أو المميز. ومعناه اصطلاحا: ما ذكره المؤلف.
2 أي صريح؛ لأن التمييز، لا يكون جملة ولا ظرفا، ولا جارا ومجرورا. بخلاف الحال في هذه الثلاثة.
3 أي أن يفيد معنى "من" البيانية، أي التي تبين جنس ما قبلها أو نوعه؛ وذلك لأن الاسم المميز جيء به لبيان الجنس، كما يجاء بمن مميزة له، وليس المراد أنه يمكن تقدير "من" قبله، فقد لا يصلح الكلام أحيانا لتقدير "من". انظر شرح التصريح: 1/ 393-395.
4 أي: قوله نكرة.
5 أي: من كل ما هو مشبه بالمفعول به.
6 مر تخريجه.
موطن الشاهد: "النفس".
وجه الاستشهاد: تقدم هذا البيت في "باب المعرف" بالأداة. وقد ذكر هنالك أن اللام في النفس زائدة للضرورة، فهو نكرة، وقد احتج الكوفيون بهذا البيت على مجيء التمييز معرفا، كما أسلفنا.(2/295)
محمول على زيادة: "أل".
وبالثاني الحال فإنه بمعنى في حال كذا، لا بمعنى من.
وبالثالث نحو1: "لا رجل" ونحو2: [البسيط]
283- أستغفر الله ذنبا لست محصيه3
__________
1 وهو قوله: "مبين لإبهام اسم أو نسبة" يخرج اسم "لا" التي للتبرئة.
2 لم ينسب هذا البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
رب العباد إليه الوجه والعمل
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 394، والهمع: 2/ 82، والدرر: 2/ 106، والكتاب لسيبويه: 1/ 17، والمقتضب: 2/ 321، 431، والخصائص: 3/ 247، وشرح المفصل: 7/ 63، 8/ 51، والخزانة: 1/ 486، والعيني: 3/ 226، وشذور الذهب: "190/ 489".
المفردات الغريبة: أستغفر: أطلب المغفرة. محصيه: ضابطا عدده. الوجه: القصد والتوجيه.
المعنى: أطلب المغفرة والعفو من الله على ذنوبي الكثيرة، التي لا أحصيها، فهو رب الخلق جميعا، وإليه الالتجاء في كل شيء، وله يكون العمل والسعي.
الإعراب: أستغفر: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. الله: "لفظ الجلالة" اسم منصوب على التعظيم. ذنبا: مفعول ثانٍ لـ "أستغفر". لست: فعل ماضٍٍ ناقص، والتاء: اسمه. محصيه: خبر "ليس" منصوب، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه. رب: بدل من لفظ الجلالة، منصوب مثله، وهو مضاف. العباد: مضاف إليه. "إليه": متعلق بمحذوف خبر مقدم. الوجه: مبتدأ مؤخر مرفوع. والعمل: الواو عاطفة، العمل: اسم معطوف على "الوجه" مرفوع مثله.
موطن الشاهد: "أستغفر الله ذنبا".
وجه الاستشهاد: ذكر المؤلف وجماعة من النحاة، أن قوله "ذنبا" منصوب على نزع الخافض، الذي هو "من" ومع أن انتصابه على معنى "من" فإنه ليس تمييزا؛ لأنه غير مبين لإبهام اسم مجمل قبله، ولا هو مبين لنسبة في جملة مذكورة قبله أيضا؛ ولذا فهو ليس تمييزا.
وإذا عددنا "ذنبا" منصوبا على نزع الخافض؛ فإنما هو على تضمين قوله "أستغفر" معنى "أستتيب"؛ على نحو: "اخترت الرجال محمدا"؛ أي: اخترت من الرجال هذا الرجل؛ ومثله، قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} . غير أن الذي رجحه كثير من العلماء، "أستغفر" يتعدى بنفسه إلى مفعولين، فيكون انتصاب قوله: "ذنبا" على أنه مفعول به حقيقة، لا على نزع الخافض. انظر مغني اللبيب: 679.(2/296)
فإنهما وإن كانا على معنى "من" لكنها ليست للبيان، بل هي في الأول للاستغراق، وفي الثاني للابتداء1.
[حكم التمييز وبيان العامل فيه] :
وحكم التمييز النصب، والناصب لمبين الاسم هو ذلك الاسم المبهم2،
__________
1 كأنه أراد استغفارا يبتدئ من أول الذنوب إلى ما لا نهاية. وقيل: "من" هنا للتعليل، وهو أظهر.
2 اتفق النحاة في أن ناصب التمييز المبين لإبهام اسم غير جملة، هو ذلك الاسم المبين الذي فسره التمييز؛ غير أنهم اختلفوا في توجيه كون هذا الاسم الجامد قد عمل النصب، فذهب جمهورهم إلى أن هذا الاسم الجامد في نحو قولك: "اشتريت رطلا زيتا" قد أشبه اسم الفاعل المفرد في نحو: "زيد ضارب عمرا" وفي نحو قولك: "اشتريت عشرين ثوبا" أشبه اسم الفاعل المجموع، في نحو: "هؤلاء الضاربون عمرا". شرح التصريح: 1/ 395.
فائدة أولى: أشبه الاسم الجامد اسم الفاعل المذكور في أمرين هما:
أ- كون كل واحد منهما اسما مشتملا على ما به تمام الاسم، وهو التنوين إذا كان مفردا، أو النون التي تشبه التنوين، وهي نون التثنية والجمع.
ب- كون كل واحد من الاسم الجامد واسم الفاعل طالبا لما بعده، ومعلوم أن الشيء إذا أشبه الشيء جاز أن يأخذ بعض أحكامه. المصدر نفسه.
فائدة ثانية: رتب الشيخ خالد العوامل في التصريح -حسب قوتها- فجاءت كالآتي:
أ- الفعل؛ لأنه يعمل أصالة؛ وهو لا يعمل إلا معتمدا وغير معتمد.
ب- اسم الفاعل؛ لأنه يعمل بالحمل على الفعل؛ وهو لا يعمل إلا معتمدا على نفي أو شبهه؛ وهو يعمل في السببي نحو: زيد ضارب ابنه، وفي غير السببي؛ نحو: زيد ضارب عمرا.
ج- الصفة المشبهة؛ لأنها لا تعمل إلا في السببي؛ نحو: زيد حسن وجهه وهي ترفع الظاهر، نحو: زيد حسن وجهه، وترفع الضمير؛ نحو: زيد حسن وجهه وهي ترفع الظاهر، التفضيل؛ لأنه يرفع الضمير باطراد، ولا يرفع الظاهر إلا في مسألة الكحل.
هـ- الاسم الجامد؛ لِأنه لا يعمل إلا في التمييز؛ لكونه لا يتحمل ضميرا مستترا، في حين أن "أفعل التفضيل" يتحمله. شرح التصريح: 1/ 395.(2/297)
كـ: "عشرين درهما" والناصب لمبين النسبة المسند من فعل أو شبهه1، كـ: "طاب نفسا"، و: "هو طيب أُبُوَّةً"، وعلم بذلك بطلان عموم قوله2:
ينصب تمييزا بما قد فسره3
[أنواع الاسم المبهم] :
فصل: والاسم المبهم أربعة أنواع:
أحدها: العدد4، كـ: {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} 5.
__________
1 ذهب سيبويه والمزاني والمبرد إلى أن الناصب لتمييز النسبة، هو المسند في الجملة سواء أكان هذا المسند فعلا، كما في قولك: "طاب محمد نفسا" أم كان وصفا -أي مشتقا- نحو: زيد كريم خلقا. وذهب بعضهم إلى أن الناصب له هو الجملة التي تنصب التمييز، التي يوضح التمييز النسبة فيها؛ وليس الفعل وما أشبهه؛ لأنه قد لا يكون في الجملة فعل أو وصف، نحو: هذا أخوك إخلاصا، أو أبوك عطفا. فالقول بأن ناصبه الجملة مطرد، وهو ما اختاره ابن عصفور. المصدر السابق: 1/ 395.
2 أي ابن مالك.
3 يرى ابن مالك في هذا البيت والذي تمامه:
"اسم بمعنى "من" مبين نكره ... ينصب تمييزا بما قد فسره
أن ناصب تمييز النسبة، هو الجملة "بما قد فسره" وعليه، فيكون يرى أن ناصب تمييز المفرد، هو الاسم الجامد المميز، وهو في هذا موافق لابن عصفور، غير أنه يفهم من كلامه في الألفية أن عباراته في النظم، تدل على أنه يرى في هذه المسألة رأي سيبويه وأصحابه، وأن الناصب لتمييز النسبة، هو الفعل أو الوصف "والفاعل المعني انصبن بأفعلا"؛ فواضح من كلامه أن الناصب للتمييز في نحو: "أنت أعلى منزلا" هو أفعل التفضيل الذي اشتملت عليه الجملة.
ورأى الأشموني أن كلا من الجملة والفعل، يوصف بالإبهام من حيث نسبته، فيصح كون التمييز مفسرا لهما باعتبار نسبتهما؛ فيصدق أنه نصب بمفسره؛ وعلى هذا يكون قول الناظم على عمومه. وقيل: إن ذلك خاص بتمييز المفرد، وخصه بالذكر؛ لأنه جامد غالبا؛ فربما توهم أنه لا يعمل. انظر شرح التصريح: 1/ 395، وهمع الهوامع: 1/ 251، وشرح الأشموني: 2/ 195، وضياء السالك: 2/ 231.
4 سواء كان صريحا كمثال المصنف ونحوه، أو كناية، ككم الاستفهامية نحو: كم رطلا اشتريت؟.
5 "12" سورة يوسف، الآية: 4.
موطن الشاهد: {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "كوكبا" تمييزا مبينا إبهام العدد "أحد عشرا"، وهو اسم صريح، كما هو معلوم.(2/298)
والثاني: المقدار، وهو إما مساحة، كـ: "شبر أرضا" أو كيل، كـ: "قفيز برا" أو وزن، كـ: "منوين عسلا" وهو تثنية مَنا، كعصا، ويقال فيه: من، بالتشديد، وتثنيته منان,
والثالث: ما يشبه المقدار، نحو: {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا} 1، و: "نحي سمنا" {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} 2، وحمل على هذا: "إن لنا غيرها إبلا"3.
والرابع: ما كان فرعًا للتمييز4، نحو: "خاتم حديدا"، فإن الخاتم فرع الحديد، ومثله: "باب ساجا" و: "جبة خزا" وقيل: إنه حال5.
__________
1 "99" سورة الزلزلة، الآية: 7.
موطن الشاهد: {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "خيرا" تمييزا مبينا لـ "مثقال ذرة" الشبيه بما يوزن به، وهو ليس اسما لشيء يوزن به عرفا.
2 "18" سورة الكهف، الآية: 109.
موطن الشاهد: {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "مددا" تمييزا مبينا لـ "مثله" الشبيه بالمساحة؛ وليس هو مساحة حقيقية، وإنما هو دال على المماثلة من غير ضبط بحد.
3 "إبلا" منصوب على التمييز من غير؛ لِأنها اسم مبهم يدل على المغايرة، وهم يحملون المغايرة. على المماثلة.
4 ضابطه: كل فرع أصبح له بسبب التفريع اسم خاص يليه أصله، بحيث يصح إطلاق الأصل عليه.
5 ذهب المبرد وابن مالك والمؤلف إلى أن "حديدا" إذا نصبت، تكون تمييزا وذلك راجح على كونه حالا من قبل أن الاسم المنصوب جامد ملازم، والأصل في الحال أن يكون مشتقا، ومنتقلا على ما عرفت، ومن قبل أن الاسم المبين نكرة، فلو جعلته حالا؛ للزم مخالفة الأصل من ثلاثة أوجه؛
الأول: جعل الحال جامدا، والثاني: جعله لازما، والثالث: جعل صاحبه نكرة من غير مسوغ؛ ومذهب سيبويه: أن هذا الاسم المنصوب متعين للحالية لا يجوز جعله تمييزا؛ لأن الاسم الذي ينتصب تمييزا إنما يقع بعد مقدار أو ما يشبه المقدار، وليس هذا الاسم واحدا منها. حاشية يس على التصريح: 1/ 396.(2/299)
والنسبة المبهمة نوعان1: نسبة الفعل للفاعل، نحو: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} 2 ونسبته للمفعول، نحو: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} 3.
ولك في تمييز الاسم أن تجره بإضافة الاسم، كـ: "شبر أرض" و: "قفيز بر" و: "منوي عسل"، إلا إذا كان الاسم عددا4، كـ: "عشرين درهما" أو مضافا5، نحو: {بِمِثْلِهِ مَدَدًا} 6، و: {مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} 7.
__________
1 تمييز النسبة ويسمى تمييز الجملة؛ وهو الذي يزيل الإبهام والغموض عن المعنى المنسوب فيها لشيء من الأشياء.
2 "19" سورة مريم، الآية: 4.
موطن الشاهد: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "شيبا" تمييز محولا عن الفاعل؛ والأصل: واشتعل شيب الرأس، فحوِّل الإسناد من المضاف، وهو شيب إلى المضاف إليه، وهو الرأس، فارتفع. ثم جيء بذلك المضاف الذي حول عنه الإسناد فضلة تمييزا. انظر شرح التصريح: 1/ 397.
3 "54" سورة القمر، الآية: 12.
موطن الشاهد: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "عيونا" تمييزا محوَّلا عن المفعول؛ لأن نسبة فجرنا إلى الأرض مبهمة. و"عيونا" مبين لذلك الإبهام. والأصل: فجرنا عيون الأرض؛ فحول المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه.
4 إذا كان العدد من ثلاثة إلى عشرة، وجب جر تمييزه بإضافة العدد إليه، والغالب في هذا التمييز المجرور: أن يكون جمعا. والعدد من أحد عشر إلى تسع وتسعين يجب نصب تمييزه، وأن يكون مفردا. والمائة والمائتان والمئات والألف والألوف يجب أن يكون التمييز فيها مفردا مجرورا. همع الهوامع: 1/ 253.
5 أي: إذا أضيف العدد إلى غير التمييز ولو تقديرا وجب نصب تمييزه أيضا؛ لامتناع إضافته مرة أخرى.
6 "18" سورة الكهف، الآية: 109.
موطن الشاهد: {بِمِثْلِهِ مَدَدًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "مددا" تمييزا لـ "مثل" ولا يجوز جره بالإضافة؛ لأن "مثل" مضاف مرة؛ فيمتنع إضافته مرة أخرى.
7 "3" سورة آل عمران، الآية: 19.
موطن الشاهد: {مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ذهبا" تمييزا لملء، ولا يجوز جره بالإضافة؛ لأن "ملء" مضاف مرة، فامتنع إضافته مرة أخرى -كما في الآية السابقة- وإلى ذلك أشار ابن مالك في الألفية:
والنصب بعدما أضيف وجبا ... إن كان مثل ملء الَارْض ذهبا
انظر شرح التصريح: 1/ 397.(2/300)
فصل: من مميز النسبة الواقع بعد ما يفيد التعجب1، نحو: "أكرم به أبا"، و: "ما أشجعه رجلا"، و: "لله دره فارسا"، والواقع بعد اسم التفضيل، وشرط نصب هذا كونه فاعلا معنى، نحو: "زيد أكثر مالا" بخلاف: "مال زيد أكثر مال"2، وإنما جاز: "هو أكرم الناس رجلا" لتعذر إضافة أفعل مرتين3.
[جواز جر التمييز بـ "من" إلا من ثلاث مسائل] :
فصل: ويجوز جر التمييز بمن4، كـ: "رطل من زيت" إلا في ثلاث مسائل:
إحداها: تمييز العدد، كـ: "عشرين درهما".
الثانية: التمييز المحوَّل عن المفعول5، كـ: "غرست الأرض شجرا"، ومنه: "ما أحسن زيدا أدبا" بخلاف: "ما أحسنه رجلا"6.
الثالثة: ما كان فاعلا في المعنى إن كان محوَّلا عن الفاعل صناعة، كـ: "طاب زيد نفسا"، أو عن مضاف غيره، نحو: "زيد أكثر مالا" إذ أصله: "مال زيد أكثر" بخلاف: "لله دره فارسا".
__________
1 سواء كان التعجب بصيغتيه المعروفتين، أو بغيرهما من الصيغ السماعية. ويجب نصب التمييز الواقع بعده.
2 ضابط هذا النوع: أن تمييز أفعل التفضيل إن كان من جنس ما قبله جر؛ نحو: محمد أفضل رجل، وإلا نصب نحو: أنت أرقى من علي فكرا.
3 فإنه مضاف إلى الناس، فلو أضيف أيضا إلى رجل لزم ذلك، ونصب التمييز هنا واجب.
4 أي ظاهرة، واختلف في معناها حينئذ، فقيل زائدة، وقيل للتبعيض والأظهر أنها لبيان الجنس.
5 لأن التمييز فيه مفسر للنسبة لا للفظ المذكور، فما بعد "من" من مطلق التمييز مبين لما قبلها، فلا يصح حمله عليه، وكذلك الشأن في المحول عن الفاعل.
6 فإنه وإن كان مفعولا في المعنى إلا أنه ليس محولا عن المفعول لأنه عين ما قبله. فلا يصح أن يقال: ما أحسن رجل زيد.(2/301)
284- و1....... أبرحت جارا2
__________
1 قائل هذا البيت: هو الأعشى ميمون بن قيس، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة يمدح فيها قيس بن معد يكرب الكندي وهو بتمامه:
أقول لها حين جد الرحيـ ... ـل أبرحت ربا وأبرحت جار
ويرى بعض النحاة أن رواية البيت هي:
تقول ابنتي حين جد الرحيـ ... ـل أبرحت ربا وأبرحت جارا
وهو بالرواية الأولى من الشواهد: التصريح: 1/ 399، والكتاب لسيبويه: 1/ 299 والأشموني: "510/ 265" وفيه بالرواية الثانية، ونوادر أبي زيد الأنصاري: 55، وديوان الأعشى: 37.
المفردات الغريبة: أبرحت: خطاب للمؤنث: أي أعجبت، أو عظمت، ربا: المراد به الممدوح الذي يقصده الشاعر بشعره، إذا فسر "أبرحت" بعظمت: أي عظمت ملكا. والمراد بالرب: صاحب الناقة؛ وعلى هذا يكون "أبرحت" فعلا متعديا، و"ربا" مفعولا ثانيا. يتخيل الشاعر أن ناقته شكت إليه طول سفرها، وما احتملته من مشاق ومتاعب، فيقول لها: لا تستعظمي ما تلاقينه من الجهد والتعب؛ فإنك تذهبين إلى ملك عظيم، يجزل العطاء الذي ينسى معه كل جهد وعناء.
الإعراب: أقول: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. "لها": متعلق بـ "أقول". "حين": متعلق بـ "أقول". جد: فعل ماضٍٍ مبني على الفتح. الرحيل: فاعل مرفوع؛ وجملة "جد الرحيل": في محل جر بالإضافة. أبرحت: فعل ماضٍٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل رفع فاعل. ربا: تمييز منصوب على تفسير "أبرحت" بـ "عظمت" على رأي المؤلف؛ وأما إذا فسر "أبرحت" بـ "اخترت" فـ "ربا". مفعول به منصوب؛ وعلى كلا الإعرابين، فجملة "أبرحت ربا": مفعول القول في محل نصب. وأبرحت: الواو عاطفة، أبرحت: فعل ماضٍٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: فاعل. جارا: تمييز منصوب أو مفعول به منصوب كما في "ربا"؛ وجملة "أبرحت جارا" معطوفة على جملة "أبرحت ربا": في محل نصب.
موطن الشاهد: "ربا، جارا".
وجه الاستشهاد: مجيء "ربا" و"جارا" تمييزين، وإن كانا فاعلين في المعنى؛ إذ المعنى عظمت فارسا وعظمت جارا، غير أنهما غير محولين عن الفاعل صناعة؛ ولهذا، فيجوز دخول "من" عليهما؛ إذ يجوز القول: من فارس ومن جار؛ نحو قوله:
يا سيدا ما أنت من سيد ... موطأ الأكناف رحب الذراع
انظر شرح التصريح: 1/ 399.(2/302)
فإنهما وإن كانا فاعلين معنى؛ إذ المعنى عظمت فارسا وعظمت جارا، إلا أنهما غير محولين، فيجوز دخول "من" عليهما، ومن ذلك "نعم رجلا زيد" يجوز "نعم من رجل" قال1: [الوافر]
285- فنعم المرء من رجل تهام2
__________
1 القائل: هو: أبو بكر بن الأسود الليثي.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
تخيره فلم يعدل سواه
ويروى على شكل آخر:
تعمده ولم يعظم عليه
وهو في رثاء هشام بن المغيرة أحد أشراف مكة، ويروى قبله قوله:
فذرني أصطبح يا بكر إني ... رأيت الموت نقب عن هشامِ
وهو من شواهد التصريح: 1/ 399، والإنصاف: 225، وشرح المفصل: 7/ 133 والمقرب: 9، وشرح شواهد الألفية للبغدادي: 464، والعيني: 3/ 227، 4/ 14.
المفردات الغريبة: تَخَيَّره: اختاره واصطفاه. لم يعدل: لم يمل. تهامي: منسوب إلى تهامة، وتطلق على مكة، وعلى أرض معروفة ببلاد العرب.
المعنى: يبين الشاعر أن الموت اختار هشاما، ولم يعدل به سواه، ولم يمل إلى غيره من الناس، فهو نعم الرجل من تهامة.
الإعراب: تخيره: فعل ماضٍ، والفاعل: هو، يعود إلى الموت؛ و"الهاء": ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعولٍ به. فلم: الفاء: عاطفة، لم: نافية جازمة. يعدل: فعل مضارع مجزوم بـ "لم" والفاعل: هو. سواه: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف، و"الهاء": ضمير متصل مبني على الضم، في محل جر مضاف إليه. فنعم: الفاء عاطفة، نعم: فعل ماضٍٍ دال على إنشاء المدح. المرء: فاعل مرفوع. من: حرف جر زائد. رجل: اسم مجرور لفظا، منصوب محلا على أنه تمييز لفاعل "نعم"؛ أو نقول: "رجل": تمييز لفاعل "نعم" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة، منع من ظهورها، اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. تهامي: صفة لـ "رجل" مجرورة، وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الياء.
موطن الشاهد: "من رجل".
وجه الاستشهاد: جر التمييز "رجل" بـ "من"؛ لأنه -وإن كان فاعلا في المعنى- غير أنه غير محول عن الفاعل الصناعي؛ وحكم جره بـ "من" الجواز.(2/303)
[حكم تقدم التمييز على عامله] :
فصل: لا يتقدم التمييز على عامله إذا كان اسما1، كـ: "رطل زيتا" أو فعلا جامدا2، نحو: "ما أحسنه رجلا" وندر تقدمه على المتصرف كقوله3: [المتقارب] :
286- أنفسا تطيب بنيل المنى4
__________
1 يجوز أن يتقدم التمييز ويتوسط بين العامل ومعموله؛ نحو: "طاب نفسا محمد" والأصل: طاب محمد نفسا؛ وجواز التقدم والتوسط هذا باتفاق.
وأما بالنسبة إلى تقدم التمييز على العامل والمعمول معا؛ فذهب سيبويه والفراء، وأكثر البصريين والكوفيين إلى أنه لا يجوز تقدم التمييز على عامله، سواء أكان العامل اسما، كما في تمييز المفرد أم كان فعلا، كما في تمييز النسبة، وسواء أكان الفعل جامدا كفعل التعجب، في نحو: "ما أحسنه رجلا! " أم كان متصرفا، نحو: طاب محمد نفسا؛ وعلة امتناع تقدمه على العامل، إذا كان اسما أو فعلا جامدا فظاهرة؛ لأن معمول هذين، لا يتقدم عليهما في غير هذا الباب؛ فعدم جواز تقدمه هنا هو من طرد الحكم على وتيرة واحدة. وأما عدم تقدم التمييز على العامل إذا كان فعلا متصرفا؛ لأن أكثر ما ورد من تمييز النسبة محول عن فاعل؛ ومعلوم أن الفاعل لا يجوز تقدمه على فعله؛ وما كان أصله الفاعل خليق بأن يأخذ ما استقر له؛ غير أن المازني والكسائي والمبرد والجرمي، ذهبوا إلى جواز تقديم التمييز على عامله؛ إذا كان فعلا متصرفا، وارتضى هذا القول ابن مالك في بعض كتبه، واستدلوا على ذلك بالسماع وبالقياس.. أما السماع، فقوله: أنفسا تطيب ... الآتي؛ وأما القياس: فالتمييز -وهو منصوب- كالمفعول به وسائر الفضلات، وكلهن يجوز تقديمهن على العامل: إن كان متصرفا -ولم يعبؤوا بأصل، ولم يبالوا به. وانظر في هذه المسألة: همع الهوامع: 1/ 252، وشرح التصريح: 1/ 400، وحاشية الصبان: 2/ 200-201.
2 وكذلك، إذا كان فعلا متصرفا، يؤدي معنى الجامد، نحو: "كفى بالله شهيدا" فـ "كفى" فعل متصرف، غير أنه بمعنى فعل التعجب، وهو غير متصرف؛ لأن معناه: ما أكفاه!
3 القائل: هو رجل من طيء لم يسمه النحاة.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وداعي المنون ينادي جهارا
=(2/304)
وقاس على ذلك المازني والمبرد والكسائي1.
__________
= وهو من شواهد: التصريح: 1/ 400، والأشموني: "514/ 1/ 266"، والعيني: 3/ 241، ومغني اللبيب: "838/ 603"، وشرح شواهد المغني: 291.
المفردات الغريبة: تطيب: تطمئن. نيل المنى: إدراك المأمول، والمنى: جمع منية، وهي ما يتمناه الإنسان ويأمله. المنون: الموت.
المعنى: يعجب الشاعر كيف أن نفس الإنسان، تستلذ وتطمئن، بما تظفر به من الأماني والآمال، ورسول الموت يطلبها طلبا شديدا. لا شك فيه.
الإعراب: أنفسا: الهمزة للاستفهام التوبيخي، لا محل لها من الإعراب، نفسا: تمييز منصوب متقدم على عامله "تطيب". تطيب: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنت. "بنيل": متعلق بـ "تطيب"، ونيل: مضاف. المنى: مضاف إليه. وداعي: الواو حالية، داعي: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء؛ منع من ظهورها الثقل، وداعي مضاف. المنون: مضاف إليه مجرور. ينادي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره؛ لِلثقل؛ والفاعل؛ هو، يعود إلى "داعي المنون"؛ وجملة "ينادي جهارا": في محل رفع خبر المبتدأ "داعي" وجملة "داعي المنون ينادي": في محل نصب على الحال. جهارا: مفعول مطلق لعامله: "ينادي"؛ والأصل فيه أنه صفة لمصدر محذوف؛ والتقدير: ينادي نداء جهارا؛ فلما حذف المصدر حل محله؛ وأعرب إعرابه؛ وهذا شائع وكثير في اللغة.
موطن الشاهد: "أنفسا تطيب".
وجه الاستشهاد: مجيء "نفسا" تمييزا منصوبا متقدما على العامل فيه؛ وهو "تطيب"؛ مع أنه فعل متصرف؛ وحكم تقدم التمييز في هذه الحال الجواز بندرة عند سيبويه والجمهور، وهو جائز بالقياس عند الكسائي والمبرد ومن معهما كما بيَّنَّا سابقا.
ومثل هذا الشاهد قول الآخر:
أتهجر ليلى بالفراق حبيبها ... وما كان نفسا بالفراق تطيب؟!
وقول الآخر:
ضيعت حزمي في إبعادي الأملا ... وما اروعيت وشيبا رأسي اشتعلا
انظر حاشية الصبان: 2/ 201.
1 مرت ترجمته لكل منهم.
فائدتان:
فائدة أ: العدد غير الصريح مثل "كم" يجوز جر تمييزه بمن، تقول: كم من كتاب عندك؟.
فائدة ب: يتفق الحال والتمييز في أن كلا منهما: اسم، نكرة، منصوب، فضلة رافع للإبهام. ويختلفان في الأمور الآتية: =(2/305)
..........................................................................
__________
= أ: التمييز لا يكون إلا اسما مفردا. أما الحال فيجيء جملة، وشبه جملة "ظرفا وجارا ومجرورا".
ب: التمييز يكون مبينا للذوات أو للنسبة، أو الحال، فلا يكون إلا مبينا للهيئات.
ج: التمييز لا يتعدد إلا بالعطف. أما الحال فتتعدد بعطف وبغير عطف.
د: التمييز في الغالب يكون جامدا. أما الحال فتكون مشتقة وجامدة، وقد يأتي التمييز مشتقا.
هـ: الراجح عدم تقديم التمييز على عامله إذا كان فعلا مشتقا أو وصفا يشبهه، أما الحال فيجوز فيه ذلك.
ح: التمييز لا يكون مؤكدا لعامله على الصحيح. أما الحال فقد تكون مؤكدة. وأما قول الشاعر:
تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا
فالصحيح أن "زاد" معمول لتزود، إما مفعولا مطلقا إن أريد به التزويد أو مفعولا به إن أريد الشيء الذي يتزود به من أفعال البر، وعليهما فـ "مثل" نعت له تقدم فصار حالا.
وأما قول الآخر:
نعم الفتاةُ فتاةً هندُ لو بذلت ... رد التحية نطقًا أو بإيماءِ
ففتاة حال مؤكدة. انظر حاشية الصبان: 2/ 202-203.(2/306)
فهرس أوضح المسالك الجزء الثاني:
الموضوع ... الصفحة
باب لا العاملة عمل إن ... 3
باب ظن وأخواتها ... 28
باب الأفعال التي تنصب ثلاثة مفاعيل ... 72
باب الفاعل ... 77
باب النائب عن الفاعل ... 119
باب الاشتغال ... 139
باب اللازم والمتعدي ... 156
باب التنازع في العمل ... 167
باب المفعول المطلق ... 181
باب المفعول له ... 197
باب المفعول فيه ... 204
باب المفعول معه ... 212
باب المستثنى ... 220
باب الحال
... 249
باب التمييز ... 295(2/307)
المجلد الثالث
باب حروف الجر
...
[باب حروف الجر1] :
هذا باب حروف الجر.
[عدد حروف الجر] .
وهي عشرون حرفا2؛ ثلاثة مضت في الاستثناء، وهي: خلا، وعدا، وحاشا، وثلاثة شاذة:
__________
1 هذه تسمية البصريين، وعللوا ذلك بأنها تعمل الجر فيما بعدها ظاهرا أو مقدرا أو محليا كما قيل: حروف النصب، والجرم لذلك. أو لأنها تجر معاني الأفعال وشبهها وتوصلها إلى ما تجره، ومن أجل هذا سماها الكوفيون: حروف الإضافة؛ لأنها تضيف معاني الأفعال وتربطها بما بعدها. حاشية يس على التصريح: 2/ 2.
2 عشرون حرفا على المشهور، غير أنه في بعضها خلاف، وقد أشار الناظم إليها بقوله:
هاك حروف الجر وهي: من، إلى
حتى، خلا، حاشا، عدا، في، عن، على
مذ، منذ، رب، اللام، كي، واو، وتا
والكاف، والبا، ولعل، ومتى
وحروف الجر تقع كلها أصلية إلا "من، والباء، واللام، والكاف" فتستعمل زائدة أحيانا و"رب ولعل" حرفا جر شبيهان بالزائد؛ وترك المؤلف ذكر "لولا" حيث يعدها بعض النحاة من حروف الجر، في بعض استعمالاتها؛ فهي تدخل على الاسم الصريح، والمؤول، وعلى الضمير المنفصل، والمتصل؛ فتقول: لولاي، ولولاه، ولولاك؛ واختلف النحاة في هذا الاستعمال، ولهم في ذلك ثلاثة مذاهب:
الأول: أن الضمير المتصل "الياء، الكاف، الهاء" موضوع موضع الضمير المنفصل؛ ومحله من الإعراب الرفع، وليس له إلا هذا الإعراب؛ ليجري استعمالها في الأحوال كلها مجرى واحدا. وهذا مذهب الكوفيين، والأخفش من البصريين، ونسبة العيني إلى الخليل ويونس.
الثاني: أن "لولا" في هذه الحالة حرف زائد، لا يتعلق بشيء؛ والضمير الذي بعدها؛ له محلان من الإعراب؛ أحدهما: الجر، والثاني: الرفع بالابتداء، كالمجرور بـ"من" الزائدة، كما في قولهم: "ما في الدار من أحد"؛ فأحد: مجرور لفظا ومحله الرفع؛ لأنه مبتدأ؛ وهذا مذهب سيبويه، وجمهور البصريين. =(3/3)
[الأحرف الشاذة] :
أحدها: "متى" في لغة هذيل1؛ وهي بمعنى "من" الابتدائية2، سمع من بعضهم: "أخرجها متى كمه"، وقال3: [الطويل]
__________
= الثالث: أن هذا الاستعمال خطأ، لم يرد عن العرب، غير أن هذا المذهب زعم خلاف الحقيقة، حين ورد عمن يحتج بكلامهم هذا الاستعمال، كما في قول العرجي:
ولولاك في ذا العالم لم أحجج
وكقول عمرو بن العاص يخاطب معاوية بن أبي سفيان في شأن الحسن بن علي رضي الله عنهما:
أتطمع فينا من أراق دماءنا ... ولولاك لم يعرض لأحسابنا حسن
وهذا المذهب المحجوج مذهب أبي العباس المبرد.
انظر حاشية يس على التصريح: 2/ 2، ورصف المباني: 292، والجنى الداني: 597 ومغني البيب: 361، والمقتضب للمبرد: 3/ 73، وابن عقيل: 3/ 7.
فائدة: حرف الجر الأصلي؛ ما له معنى خاص، وهو يحتاج إلى متعلق مذكور أو محذوف. وحرف الجر الزائد؛ ما ليس له معنى خاص، وإنما يؤتى به لمجرد التوكيد، وليس له متعلق مذكور أو محذوف في الكلام؛ نحو قولهم: ما زارني من أحد؛ وعملنا أن المجرور به له محلان من الإعراب، فأحد: مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه فاعل زارني. وأما حرف الجر الشبيه بالزائد؛ فله معنى خاص كالحرف الأصلي، غير أنه لا متعلق له كالزائد؛ ففيه شبه من الأصلي، وشبه من الزائد؛ ومثاله: "لولا، ورب، ولعل"؛ فـ"لولا" تدل على امتناع لوجود، و"رب" تدل على التقليل أو التكثير، و"لعل" تدل على الترجي؛ وهذه تجر كالحروف الأصلية، غير أنها لا تحتاج إلى متعلق، فأشبهت الحرف الزائد؛ ولذا سميت أحرف جر شبيهة بالزائدة.
1 من القبائل العربية القحطانية التي أسهمت في الوضع اللغوي، وعنها أخذ اللسان العربي، وكان فيها أكثر من سبعين شاعرا مشهورا، منهم أبو ذؤيب الهذلي.
2 قال في الهمع: وتأتي اسما بمعنى "وسط" حكي: وضعها متى كمه، أي وسطه، وهي حينئذ مبنية لمشابهتها الحرفي. همع الهوامع: 2/ 34.
3 القائل: هو أبو ذؤيب الهذلي؛ خويلد بن خالد بن محرك، أحد بني هذيل بن مدركه من مضر، شاعر فحل، مخضرم، أسلم وحسن وإسلامه، كان فصيحا كثير الغريب له العينية المشهورة، عاش إلى أيام عثمان بن عفان، واشترك في فتح إفريقيا. مات سنة 27هـ.(3/4)
287- متى لجج خضر لهن نئيج1
__________
تجريد الأغاني 786، والشعر والشعراء: 2/ 653، الجمحي: 1/ 131، والأعلام: 2/ 325، والخزانة: 1/ 203.
تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
شربن بماء البحر ثم ترفعت
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 2، وهمع الهوامع: 2/ 34، والدرر اللوامع: 2/ 34، وابن عقيل: 3/ 6، والأشموني: 524/ 2/ 284، والخصائص: 2/ 85، والمحتسب: 2/ 114، وأمالي ابن الشجري: 2/ 27، والخزانة: 3/ 193، والعيني: 3/ 249، 272، 4/ 422، والمغني: 157/ 142، 175/ 151، 628/ 441، والسيوطي: 109، وديوان الهذليين: 1/ 51.
المفردات الغريبة: شربن: المراد حملن الماء، والضمير للسحاب. ترفعت: ارتفعت وتصعدت. لجج: جمع لجة وهي معظم الماء، ونئيج: مر سريع بصوت.
المعنى: هذا البيت يعبر عما كان العرب يعتقدون، من أن للسحب شبه خراطيم تدنو من البحر المالح في بعض الأماكن فتأخذ من مائه ما شاءت ثم تصعد إلى الجو سريعا ولها دوي؛ فيعذب هذا الماء ويتنقل ثم ينزل إلى حيث يشاء الله مطرا. ونستطيع أن نفسر هذا الاعتقاد الساذج بما يتفق مع ما قرره العلم اليوم، وهو أنه كناية عن تصعد ماء البحار بوساطة حرارة الشمس وتنقله من جهة إلى أخرى بالهواء، حتى يرتفع إلى حيث يشاء الله، ويكون سحبا تنزل بعد مطرا.
الإعراب: شربن: فعل ماض مبني على السكون، ونون النسوة في محل رفع فاعل. "بماء": متفلق بـ"شرب"، وماء: مضاف. البحر: مضاف إليه. ثم: حرف عطف. ترفعت: فعل ماض مبني عل الفتح، والتاء: حرف دال على التأنيث، لا محل له من الإعراب، والفاعل: هي، يعود إلى السحائب المذكورة في بيت سابق. متى: حرف جر -على لغة هذيل- بمعنى "من" الابتدائية. لجج: مجرورة بـ"متى" وعلامة جره الكسرة. و"متى لجج": متعلق بـ"شرب". خضر: صفة لـ"لجج" مجرورة. "لهن": متعلق بمحذوف خبر مقدم. نئيج: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "لهن نئيج": في محل جر صفة ثانية لـ"لجج"؛ ويمكن أن تكون في محل نصب حالا من لجج؛ لأنها وصفت؛ فتخصصت بالوصف.
موطن الشاهد: "متى لجج".
وجع الاستشهاد: استعمال "متى" حرف جر بمعنى "من" على لغة هذيل، وجره لـ "لجج".(3/5)
والثاني: "لعل" في لغة عقيل1، قال2: [الوافر]
288- لعل الله فضلكم علينا3
__________
1 بالتصفير؛ قبيلة عربية أبوها عقيل بن كعب بن ربيعة من قيس عيلان بن مضر.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
بشيء أن أمكم شريم
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 2، والأشموني: 523/ 2/ 284، والعيني: 3/ 247، والمقرب: 41، والخزانة: 368.
المفردات الغريبة: لعل: حرف جر شبيه بالزائد ومعناه الترجي، وقيل: هو هنا بمعنى الإشفاق، ولا يتعلق بشيء. فضلكم: زادكم. شريم: هي المرأة المفضاة التي اختلط مسلكاها، ويقال فيها: شرماء وشروم.
المعنى: آمل أن يكون الله -سبحانة وتعالى- فضلكم علينا وأكرمكم؛ لأن أمكم -أو بكون أمكم- بهذه الحالة؛ قد اختلط قبلها بدبرها، وهذا الشاعر تهكم واستهزاء.
الإعراب: لعل: حرف جر شبيه بالزائد، يفيد معنى الترجي. الله: "لفظ الجلالة" مجرور لفظا مرفوع محلا، على أنه مبتدأ. فضلكم: فعل ماض، والفاعل: هو، و"كم": مفعول به؛ وجملة "فضلكم": في محل رفع خبر المبتدأ. "علينا": متعلق بـ"فضلكم"، أو بمحذوف حال من "شيء"؛ لأنه تقدم عليه. "بشيء": متعلق بـ"فضلكم". إن: حرف مشبة بالفعل. أمكم: اسم "إن" منصوب، وهو مضاف، و"كم": مضاف إليه. شريم: خبر مرفوع؛ وجملة "إن أمكم شريم": لا محل لها من الإعراب؛ لأنها تعليلية. ويجوز فتح همزة "إن"، ويكون المصدر المؤول من "أن وما بعدها": في محل جر بدل من "شيء".
موطن الشاهد: "لعل الله".
وجه الاستشهاد: استعمال "لعل" حرف جر -على لغة عقيل- فجر بها لفظ الجلالة؛ ومعلوم أن "لعل" ليس له متعلق كما سبق؛ لكونه حرفا شبيها بالزائد، ومثل هذا البيت قول كعب الغنوي:
فقلت: ادع أخرى وارفع الصوت جهرة ... لعل أبي المغوار منك قريب
انظر حاشية الصبان: 2/ 205.(3/6)
ولهم في لامها الأولى: الإثبات، والحذف1؛ وفي الثانية: الفتح والكسر. والثالث: "كي" وإنما تجر ثلاثة؛
أحدها: "ما" الاستفهامية2، يقولون إذا سألوا عن علة الشيء: "كيمه"3؛ والأكثر أن يقولوا: "لمه".
__________
1 إثبات اللام الأولى وحذفها في لغات العرب عامة، وليس في "لعل" التي يجر الاسم بعدها خاصة كما ظن بعضهم، والأمثلة على ذلك كثيرة؛ فمثال إثبات اللام الأولى، قول خالد بن جعفر:
لعل الله يمكنني عليها ... جهارا من زهير أو أسيد
ومثال حذف لامها الأولى قول نافع بن سعد الطائي:
ولست بلوام على الأمر بعدما ... يفوت، ولكن عل أن أتقدما
وقول العجير السلولي:
لك الخير، عللنا بها، عل ساعة ... تمر، وسهواء من الليل يذهب
شرح التصريح: 2/ 3.
2 أي التي يسأل بها عن سبب الشيء وعلته.
3 أصل "كيمه": كيما؟ أي: لما؛ ومعلوم أن "ما" الاستفهامية، إذا جرت؛ تحذف ألفها، ويحل محلها "هاء السكت" في الوقف؛ حفظا للفتحة الدالة على الألف؛ وإعرابها كالآتي: كي: حرف جر أصلي، يفيد التعليل، وما: استفهامية في محل جر بـ"كي" وحذفت ألفها لما ذكرنا؛ وذهب الكوفيون في هذه العبارة مذهبا بعيدا، حيث عدوا "كي" -هنا- مصدرية ناصبة للفعل المضارع، وهذا الفعل المضارع المنصوب بها محذوف، وأن "مه" التي بعدها مؤلفة من "ما" اسم الاستفهام، ومن "هاء" السكت، وأن "ما" الاستفهامية في محل نصب مفعولا به؛ لذاك الفعل المحذوف؛ والتقدير -عندهم- كأن قائلا، قد قال لك: جئت، فقلت له: كي تفعل ماذا؟.
ونلحظ في مذهب الكوفيين -فضلا عن التكلف الغريب الظاهر- أربعة أمور، لا يجيزها جمهور النحاة وهي:
أ- في تأويلهم تخريجهم حذف صلة الحرف المصدري مع بقاء معمولها، فالحرف المصدري "كي"، وصلته: المضارع الذي التزموا تقديره، ومعمول الصلة: ما الاستفهامية؛ وهذا غير جائز.
في نصب اسم الاستفهام بعامل تقدم عليه؛ ومعلوم أن الأسماء الاستفهام لها الصدارة؛ فلا يتقدم عليه العامل فيه. =(3/7)
الثاني: "ما" المصدرية وصلتها1؛ كقوله2: [الطويل]
289- يراد الفتى كيما يضر وينفع3
__________
= ج- في حذف ألف "ما" الاستفهامية، في غير الجر، وقد علم أن ألفها، لا تحذف إلا في حالة الجر.
د- في حذف المنصوب مع بقاء عامل النصب، وهذا لا نظير له في لغة العرب.
وانظر في هذه المسألة: الجنى الداني: 262، وصف المباني: 215، والمقتضب: 2/ 6.
3 أي المصدر المنسبك من "ما" وصلتها، فإن هذا هو المجرور محلا بالحرف.
4 القائل هو: قيس بن الخطيم بن عدي الأوسي، أبو يزيد: شاعر الأوس، وأحد صناديدها في الجاهلية، وأشهر بعد تتبعه قاتلي أبيه وجه حتى قتلهما، له شعر جيد في ذلك، وفي وقعة البعاث بين الأوس والخزرج. أدرك الإسلام ولم يسلم مات سنة 2ق. هـ.
تجريد الأغاني: 307-321، والجمحي: 228، الأعلام: 5/ 205، الأغاني: 2/ 154.
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
إذا أنت لم تنفع فضر فإنما
وقد اختلف في نسبته، فقد نسبه بعضهم للنابغة الذبياني، ونسبه البعض إلى النابغة الجعدي. وهو من شواهد التصريح: 2/ 3، والأشموني: 521/ 2/ 283، والخزانة: 3/ 591، والعيني: 3/ 345، 4/ 379، والمغني: 331/ 241، والسيوطي 133، وديون قيس بن الخطيم: 170.
المفردات الغريبة: يراد: يقصد.
المعنى: إذا لم يكن في مقدورك أن تنفع من يستحق النفع والعون، فضر من يستحق الضرر والإيذاء؛ فإن الإنسان لا يقصد من الحياة غير هذين العملين.
الإعراب: إذا: طرف لما يستقبل من الزمان، وخافض لشرطه منصوب بجوابه، مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. أنت: فاعل لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده؛ مبني على الفتح، في محل رفع؛ والجملة "من الفعل المحذوف وفاعله": في محل جر بالإضافة. لم: حرف جزم ونفي وقلب. تنفع: فعل مضارع مجزوم، والفاعل: أنت؛ وجملة "لم تنفع": تفسيرية، لا محل لها. فضر: الفاء واقعة في جواب شرط غير جازم. ضر: فعل أمر مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وحرك بالفتح؛ للتخلص من التقاء الساكنين، وللتخفيف، والفاعل: أنت؛ وجملة "ضر": جواب شرط غير جازم، لا محل لها. فإنما: الفاء تعليلية. إنما: كافة ومكفوفة، تفيد الحصر، لا محل لها. يراد فعل مضارع مبني للمجهول، مرفوع وعلامة رفعه الضمة =(3/8)
أي: للضر والنفع؛ قاله الأخفش1؛ وقيل: "ما" كافة.
الثالث: "أن" المصدرية وصلتها؛ نحو: "جئت كي تكرمني" إذا قدرت "أن" بعدها؛ بدليل ظهورها في الضرورة، كقوله2: [الطويل]
290- لسانك كيما أن تغر وتخدعا3
__________
= الظاهرة: الفتى: نائب فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر. كيما: "كي" حرف تعليل وجر، و"ما" حرف مصدري مبني على السكون، لا محل له. يضر: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو؛ والمصدر المؤول من "ما المصدرية وما دخلت عليه" في محل جر بـ"كي"؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ"يراد"؛ وتقدير الكلام: "يراد الفتى للضر والنفع"؛ وجملة "يضر": صلة الموصول الحرفي، لا محل لها. وينفع: الواو: عاطفة جملة على جملة، ينفع: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو، يعود إلى الفتى؛ وجملة "ينفع": معطوفة على جملة "يضر": لا محل لها.
موطن الشاهد: "كيما".
وجه الاستشهاد: دخول "كي" على "ما" المصدرية، وجرها للمصدر المؤول كما بينا في الإعراب -على تأويل الأخفش- وهي عند غيره كافة لـ"كي" عن عمل النصب في الفعل المضارع؛ والفعل المضارع مؤول بالمصدر على القولين. انظر حاشية الصبان: 2/ 204.
1 مرت ترجمته.
2 القائل: هو جميل بن معمر العذري، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
وقالت: أكل الناس أصبحت مانحا
والبيت من قصيدة مطلعها قوله:
عرفت مصيف الحي والمتربعا ... كما خطت الكف الكتاب المرجعا
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 3، والأشموني: 522/ 2/ 283، والعيني: 3/ 244، 4/ 379، وشرح المفصل: 9/ 14، والخزانة: 3/ 854، والهمع: 2/ 5، والدرر: 2/ 5، والمغني: 333/ 242، والسيوطي: 173، والتصريح: 2/ 230، 231، ديوان جميل: 25.
المفردات الغريبة: مانحا: اسم فاعل من المنح وهو الإعطاء، تغر: تخدع -يقال غره غرورا- خدعه. تخدعا: خدعه؛ ختله وأراد به المكروه من حيث لا يعلم.
المعنى: أصبحت مانحا جميع الناس حلاوة لسانك وحسن كلامك، لتغرهم وتوقعهم في المكروه من حيث لا يشعرون؛ أن هذا عمل لا يليق بالكملة من الرجال. =(3/9)
والأولى أن تقدر "كي" مصدرية1 فتقدر اللام قبلها؛ بدليل كثرة ظهورها معها؛ نحو: {لِكَيْلا تَأْسَوْا} 2.
__________
= الإعراب: فقالت: الفاء عاطفة، قالت: فعل ماض؛ والتاء: للتأنيث، والفاعل: هي. أكل: الهمزة حرف استفهام، كل: مفعول به ثان لـ"مانح" تقدم عليه وعلى المفعول الأول، وكل: مضاف، والناس: مضاف إليه مجرور. أصبحت: فعل ماض ناقص، والتاء: في محل رفع اسمه. مانحا: خبر "أصبح" منصوب؛ وفاعل اسم الفاعل "مانح" ضمير مستتر فيه؛ تقديره: أنت. لسانك: مفعول به أول، وهو مضاف، والكاف: مضاف إليه. كيما: "كي" حرف تعليل وجر، لا محل له من الإعراب، و"ما" حرف زائد. أن: حرف مصدري ونصب، لا محل له من الإعراب. تغر: فعل مضارع منصوب بـ"أن" المصدرية، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، الفاعل: أنت. وتخدع: الواو عاطفة، تخدع: فعل مضارع معطوف على فعل "تغر" منصوب مثله. والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل جر بـ"كي"؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ"مانح"؛ والتقدير: أصبحت مانحا لسانك كل الناس؛ للنفع والضر.
موطن الشاهد: "كيما أن تضر".
وجه الاستشهاد: ظهور "أن" المصدرية بعد "كي" وفي ظهورها دلالة على أن "كي" للتعليل، وليست حرفا مصدريا؛ وكذلك يستفاد -هنا- أن "كي" التعليلية، تقدر بعدها "أن" إذا لم تكن موجودة؛ لأن ظهور الشيء في بعض الأوقات دليل على أن هذا الموضع محل له؛ ومثل هذا الشاهد قول الآخر:
أردت كيما أن تطير بقربتي ... فتتركها شنا ببيداء بلقع
وكذا:
أردت لكيما أن ترى إلي عثرة ... ومن ذا الذي يعطي الكمال فيكمل
1 ومتى قدرت مصدرية، كانت هي الناصبة للمضارع، وذلك إذا لم تذكر "أن" بعدها؛ فإذا ذكرت "أن" المصدرية بعدها، ولم تسبقها لام الجر؛ كانت حرف جر؛ شبيهة بلام التعليل من حيث المعنى والعمل؛ فإن ذكرت قبلها اللام؛ كانت حرفا مصدريا ناصبا بنفسه، كأن المصدرية؛ من حيث المعنى والعمل؛ وإن توسطت بينهما؛ فالأحسن اعتبارها جارة للمصدر المنسبك بعدها، مؤكدة للام الجر قبلها؛ ويجوز أن تكون مصدرية مؤكدة بـ"أن" بعدها، والمصدر المنسبك مجرور باللام قبلها. وإن لم توجد "لام الجر" قبلها، ولا "أن" بعدها؛ جاز اعتبارها مصدرية بتقدير اللام قبلها، أو حرف جر بتقدير "أن" بعدها.
فائدة: تختص "متى، ولعل، وكي" بالدخول على الاسم الظاهر، وهي لا تستعمل في الجر إلا قليلا.
2 57 سورة الحديد، الآية: 23. =(3/10)
...............................................................................
__________
= موطن الاستشهاد: {لِكَيْلا تَأْسَوْا} .
وجه الاستشهاد: اقتران اللام بـ"كي" في الآية الكريمة، يرجع تقديرها عند عدم ظهورها في الكلام.
فائدة: ورد في الكلام الفصيح انتصاب الفعل المضارع بعد "كي" التي لم تسبق بلام التعليل، ولا المتبوعة بـ"أن" المصدرية من غير شذوذ ولا علة، في نحو فوله تعالى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ} ، وكقول النابغة الذبياني:
وقفت فيها طويلا كي أسائلها ... عيت جوابا وما بالربع من أحد
وأما مذهب النحاة في الناصب للمضارع في مختلف الأحوال فهي:
أ- ذهب الأخفش إلى أن الناصب للمضارع في الأوجه كلها "أن" المصدرية ظاهرة أو مقدرة؛ لأن الأخفش يرى أن "كي" لا تكون إلا حرف جر دالا على التعليل؛ فإذا ذكرت اللام قبلها، كما في قوله تعالى: {لِكَيْ لا يَعْلَمَ} ؛ فهو يرى أن "اللام" للتعليل، و"كي" بدل منها، وكانت "أن" مضمرة بعدهما.
وإذا ذكرت اللام بعد كي، كما في قول ابن قيس الرقيات: "كي لتقضيني رقية" كانت اللام بدلا من "كي" التعليلية، و"أن" مقدرة بعدها.
ب- وذهب الخليل إلى أن الناصب للمضارع في الوجوه كلها "أن" المصدرية ظاهرة أو مقدرة -كما رأى الأخفش- غير أنه ذهب هذا المذهب؛ لكونه لا يرى ناصبا للمضارع غير "أن" المصدرية مظهرة أو مضمرة.
ج- وذهب الكوفيون إلى أن الناصب في تلك الوجود كلها "كي" نفسها؛ وذلك؛ لكونهم يرون أن "كي" لا تكون إلا حرفا مصدريا ناصبا للمضارع؛ مذكورا أو مقدرا؛ فإن ذكرت "أن" بعد كي؛ كانت مصدرية أيضا وهي بدل من كي؛ وإن ذكرت اللام بعد؛ كانت اللام زائدة.
د- وذهب جمهور البصريين إلى أن "كي" -أحيانا- حرف جر دالا على التعليل، وتكون أحيانا أخرى حرفا مصدريا ناصبا؛ فهم يلتزمون الوجه "الثاني" كما التزمه الكوفيون، ولا يلتزمون الوجه الأول الذي التزمه الأخفش.
- وهم يرون أن "كي" تأتي حرفا مصدريا ناصبا للمضارع، ولا تحتمل وجها آخر في إلا حالة واحدة؛ وهي أن تذكر اللام قبلها، ولا تذكر "أن" بعدها، كقول عمر بن أبي ربيعة:
"لكي يعلموا أن الهوى حيث تنظر"
وهي -عندهم- حرف تعليل وجر ولا تحتمل غير ذلك في حالتين:
1- أن تذكر اللام بعدها، كقول ابن الرقيات: "كي لتقضيني رقية".
2- أن تذكر "أن" بعدها، ولا تذكر قبلها اللام، كما في قول جميل: "كيما أن تغر وتخدعا". =(3/11)
والأربعة عشر الباقية قسمان:
[ما يجر الظاهر والمضمر] :
سبعة تجر الظاهر والمضمر؛ وهي: من، إلى، وعن، وعلى، وفي، والباء، واللام؛ نحو: {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} 1، {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ} 2، {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} 3، {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} 4، {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} 5، {وَعَلَيْهَا وَعَلَى
__________
= وهي -عندهم- محتملة للوجهين في حالتين: 1- أن تذكر -وحدها- من دون أن تتقدما اللام ولا تذكر بعدها "أن". 2- أن تقع "كي" بين اللام وأن، في نحو: "لكيما أن تطير" فإذا عدت كي تعليلية كانت مؤكدة للام، وإن عدت "كي" مصدرية؛ كانت "أن" مؤكدة لها؛ والأول أفضل. انظر في هذه المسألة: مغني اللبيب: 241-234، التصريح: 2/ 230-231.
1 33 سورة الأحزاب الآية: 7.
موطن الشاهد: {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} .
وجه الاستشهاد: جر "من" للضمير في الموضع الأول، واللاسم الظاهر في الموضع الثاني.
2 5 سورة المائدة، الآية: 48.
موطن الشاهد: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ} .
وجه الاستشهاد: جر "إلى" للاسم الظاهر؛ وهو اسم الجلالة.
3 10 سورة يونس، الآية: 4.
موطن الشاهد: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} .
وجه الاستشهاد: جر "إلى" للضمير المتصل الهاء.
4 84 سورة الانشقاق، الآية: 19.
موطن الشاهد: {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} .
وجه الاستشهاد: جر "عن" للاسم الظاهر "طبق".
5 98 سورة البينة، الآية: 8.
موطن الشاهد: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} .
وجه الاستشهاد: جر "عن" للضمير المتصل "هم".(3/12)
الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} 1، {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ} 2؛ {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ} 3، {آمِنُوا بِاللَّهِ} 4، {وَآمِنُوا بِهِ} 5، {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} 6، {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} 7.
[ما يختص بالظاهر] :
وسبعة تختص بالظاهر، وتنقسم أربعة أقسام8:
__________
1 23 سورة المؤمنون، الآية: 22.
موطن الشاهد: {عَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} .
وجه الاستشهاد: جر "على" في الموضع الأول للهاء، والاسم الظاهر "الفلك" في الموضع الثاني.
2 51 سورة الذاريات، الآية: 20.
موطن الشاهد: {فِي الْأَرْضِ آيَاتٌ} .
وجه الاستشهاد: جر "في" للاسم الظاهر "الأرض".
3 43 سورة الزخرف، الآية: 71.
موطن الشاهد: {فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ} .
وجه الاستشهاد: جر "في" للضمير الهاء.
4 57 سورة الحديد، الآية: 7.
موطن الشاهد: {آمِنُوا بِاللَّهِ} .
وجه الاستشهاد: جر "الباء" للاسم الظاهر "لفظ الجلالة".
5 46 سورة الأحقاف، الآية: 31.
موطن الشاهد: {آمَنُوا بِهِ} .
وجه الاستشهاد: جر "الباء" للضمير المتصل "الهاء".
6 2 سورة البقرة، الآية: 284.
موطن الشاهد: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} .
وجه الاستشهاد: جر "اللام" للاسم الظاهر "لفظ الجلالة"؛ وجر "في" للاسم الظاهر السموات.
7 2 سورة البقرة، الآية: 255.
موطن الشاهد: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} .
وجه الاستشهاد: جر "اللام" للضمير المتصل "الهاء"؛ وجر "في" للاسم الظاهر "السموات".
8 هذا التقسيم بالنسبة لعملها في الظاهر.(3/13)
أ- ما لا يختص بظاهر بعينة؛ وهو: حتى، والكاف، والواو، وقد تدخل الكاف في الضرورة على الضمير؛ كقول العجاج1: [مشطور الرجز]
291- وأم أو عال كها أو أقربا2
__________
1 العجاج بن رؤية وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من مشطور الزجز وقبله قوله:
خلى الذنابات شمالا كثبا
وفيه يصف العجاج حمارا وحشيا وأتنه.
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 3، والأشموني: 528/ 2/ 286، وابن عقيل: 203/ 3/ 13، وشرح المفضل: 8/ 44، والعيني: 3/ 253، وديوان العجاج: 74.
المفردات الغريبة: خلى: ترك الذنابات: موضع معين شمالا: أي ناحية الشمال. كثبا: قريبا، والكثب: القرب. أم أوعال: هضبة معروفة. كها: أي مثل الدنابات في البعد.
المعنى: أن هذا الحمار ترك الذنابات عن شماله قريبا منه، وترك أم أوعال مثل الذنابات أو أقرب منها إليه.
الإعراب: خلى: فعل ماض، وفاعله: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى حمار الوحش. الذنابات: مفعول به لفعل "خلى" منصوب، وعلامة نصبه الكسرة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. شمالا: ظرف مكان متعلق بـ"خلى". كثبا: صفة لـ"شمالا" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة. وأم: الواو عاطفة، أم: اسم معطوف على الذنابات، وهو مضاف. أوعال: مضاف إليه مجرور. كها: "الكاف" حرف تشبيه وجر، و"ها" ضمير متل يعود إلى الذنابات، في محل جر بحرف الجر؛ و"كها": متعلق بحال محذوفة من أم أوعال؛ وعلى رواية رفع "أم أوعال" فـ"أم": مبتدأ مرفوع. و"كها": متعلق بالخبر المحذوف. أو: حرف عطف. أقربا: اسم معطوف علي الضمير المجرور محلا بالكاف -على رواية رفع أم أوعال- حيث يكون الجار والمجرور خبرا؛ وهو مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه لا ينصرف للوصفية ووزن الفعل؛ وهو معطوف على محل الجار والمجرور، إن رويت "أم أوعال" بالنصب، ويكون الجار والمجرور حالا؛ وهو منصوب -على هذه الرواية- وعلامة نصبة الفتحة الظاهرة.
موطن الشاهد: "كها".
وجه الاستشهاد: جر "الكاف" الضمير المتصل "ها" ومن حق "الكاف" أن تجر الاسم الظاهر، والضمير المنفصل -عند بعض النحاة- وجرها الضمير المتصل ضرورة من =(3/14)
وقول الآخر1: [الزجز]
292- كه ولا كهن إلا حاظلا2292- كه ولا كهن إلا حاظلا2
__________
= ضرورات الشعر؛ وقال الأعلم: إدخال الكاف -أي في الشاهد- على المضمير تشبيها لها بـ"مثل"؛ لأنها في معناها، واستعمل ذلك عند الضرورة؛ وسيبوية يرى ذلك قبيحا؛ والعلة له: أن الإضمار يرد الشيء إلى أصله؛ فالكاف بمعنى "مثل". ومثل الشاهد السابق قول أبي محمد اليزيدي اللغوي:
شكوتم إلينا مجانيكم ... ونشكو إليكم مجانيننا
فلولا المعافاة كناكهم ... ولولا البلاء لكانوا كنا
وقول الآخر:
لا تملني فإنني كك فيها ... إننا في الملام مشتركان
انظر همع الهوامع: 2/ 30-31.
1 القائل: هو رؤبة بن العجاج وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت في وصف حمار وحشي وأتن وحشيات وصدره قوله:
فلا ترى بعلا ولا حلائلا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 4، والأشموني: 529/ 2/ 286، وابن عقيل: 204/ 3/ 14، وسيبويه 1/ 392، والمقرب: 41، والعيني: 3/ 256، والهمع: 2/ 30، والدرر: 2/ 27، وديوان رؤبة بن العجاج: 128.
المفردات الغريبة: بعلا: زوجا، والجمع البعولة، ويقال للمرأة أيضا: بعل وبعلة؛ كزوج وزوجة. حلائل: جمع حليلة وهي الزوجة. حاظلا: مانعا من التزوج.
المعنى: لا ترى من الأزواج والزوجات مثل حمار الوحش وأتنه، كل يقصر نفسه على صاحبه، ولا يتطلع إلى غيره إلا من منع أنثاه قهرا عن التزوج، وذلك أن الحمار يمنع أتنه من حمار آخر يريدها. وكانت عادة العرب في الجاهلية إذا طلقوا امرأة، منعوها من التزوج إلا بإذنهم، فجعل الأتن كالحلائل، وجعل الحمار بعلهن.
الإعراب: لا: نافية، لا محل لها من الإعراب. ترى: فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر، والفاعل: أنت، بعلا: مفعول به منصوب. ولا: الواو عاطفة، لا: زائدة للتأكيد النفي. حلائلا: معطوف على قوله: "بعلا" منصوب مثله؛ والألف: للإطلاق. كه: "الكاف" حرف تشبيه وجر، و"الهاء": ضمير متصل يعود إلى الحمار الوحشي في محل جر بحرف الجر، و"كه": متعلق بمحذوف صفة لـ"بعل". ولا: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي. "كهن": جار ومجرور معطوف على "كه" السابق. إلا: أداة حصر. حاظلا: حال من "بعلا" الموصوف بالجار والمجرور الأول "كه"؛ و"الجار والمجرور" الواقع صفة لـ"بعلا" سوغ مجيء =(3/15)
ب- وما يختص بالزمان؛ وهو: مذ، ومنذ؛ فأما قولهم: "ما رأيته مذ أن الله خلقه"؛ فتقديره: مذ زمن أن الله خلقه؛ أي مذ زمن1 خلق الله إياه.
وما يختص بالنكرات؛ وهو: رب، وقد تدخل في الكلام على ضمير غيبة ملازم للإفراد، والتذكير، والتفسير بتمييز بعده مطابق للمعنى2؛ قال3: [الخفيف]
293- ربه فتية دعوت إلى ما4
__________
= "حاظلا" حالا من "بعلا" الواقع نكرة؛ وإما إذا عدت "ترى" علمية فـ"حاظلا" مفعول به ثان؛ والأول -هنا- أرجع.
موطن الشاهد: "كه، كهن".
وجه الاستشهاد: جر "الكاف" الضمير المتصل؛ وحكم جرها له الجواز للضرورة الشعرية.
1 فمذ في الحقيقة إنما جرت زمانا محذوفا مضافا إلى المصدر. ويشترط في الزمان المجرور بهما: أن يكون معينا لا مبهما، كمنذ زمن. وماضيا أو حالا لا مستقبلا، كمنذ غد. ومتصرفا لا غيره، كمنذ سحر، تريد سحر يوم بعينه، فإن لم ترده من يوم بعينه فهو متصرف كقوله تعالى: {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} .
وشرط عاملهما أن يكون فعلا ماضيا: إما منفيا متكررا نحو: ما رأيته منذ يوم الجمعة. أو مثبتا متطاولا -فيه معنى الاستمرار- كسرت منذ يوم الخميس، ولا يجوز قتله مذ يوم الخميس.
2 في الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث، وقد استغنى بمطابقة التمييز للمعنى عن مطابقة الضمير. والكوفيون يجيزون مطابقة الضمير لفظا تقول: ربها امرأة، وربهما رجلين ... وهكذا.
التصريح: 2/ 4، والأشموني: 1/ 286، والدرر اللوامع: 2/ 21.
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجز قوله:
يورث المجد دائبا فأجابوا
وهو من الشواهد: التصريح: 2/ 4، والأشموني: 2/ 286 عرضا، والهمع: 2/ 27، والدرر: 2/ 20، والشذور: 180/ 65، والعيني: 3/ 259، والمغني: 877/ 638، والسيوطي: 296. =(3/16)
د- ما يختص بالله ورب مضافا للكعبة أو لياء المتكلم؛ وهو التاء؛ نحو: {تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ} 1، و"ترب الكعبة"، و"تربي لأفعلن"، وندر: "تالرحمن" "وتحياتك"2.
__________
= المفردات الغريبة: فتية: جمع فتى. دعوت ناديت. يورث: يكسب المجد: الكرم والشرف. دائبا: مداوما مجتهدا فيه.
المعنى: كثير من الشباب دعوتهم إلى ما يكسبهم المجد والشرف والكرم، وثابرت على دعائهم فاستجابوا لما دعوتهم إليه، ولبوا ندائي.
الإعراب: ربه: "رب" حرف جر شبيه بالزائد، يفيد التقليل، و"الهاء" ضمير غيبة يعود إلى فتية المميز له؛ والمتاخر عنه، وهو مبني على الضم؛ وله محلان من الإعراب؛ الجر بـ"رب"؛ والرفع على الابتداء. فتية: تمييز لـ"ضمير الغيبة المجرور محلا بـ"رب".
دعوت: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: فاعل؛ وجملة "دعوت": في محل نصب صفة لـ"فتية". "إلى ما": متعلق بـ"دعوت". يورث: فعل مضارع مرفوع؛ لتجرده من الناصب والجازم، والفاعل: هو؛ يعود إلى الاسم الموصول. المجد: مفعول به منصوب؛ وجملة "يورث": صلة للموصول، لا محل لها. دائبا: حال من التاء في "دعوت" منصوب. فأجابوا: الفاء عاطفة، أجاب: فعل ماض مبني على الضم، لاتصاله بالواو؛ والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل؛
موطن الشاهد: "ربه فتيه".
وجه الاستشهاد: جر "رب" الشبيه بالزائد ضمير مفردا مذكورا، مع أنه مفسر بتمييز مجموع "فتية"؛ فدل ذلك، على أنه يجب إفراد الضمير وتذكيره مهما يكن مفسره؛ وذلك لأن هذا التمييز لازم، لا يجوز تركه؛ فتركوا بيان المراد من الضمير للتمييز؛ واختلف في الضمير المجرور بـ"رب" فقيل: معرفة، وقيل: نكرة؛ لأنه عائد على واجب التنكير. انظر شرح التصريح: 2/ 4.
1 21 سورة الأنبياء، الآية: 57.
موطن الشاهد: "تالله لأكيدن".
وجه الاستشهاد: مجيء "التاء" حرف جر وقسم داخله على لفظ الجلالة؛ وهي تدخل على لفظ الجلالة كما في المتن، وعلى "رب" مضافا إلى الكعبة أو إلى ياء المتكلم، على رأي الأخفش؛ وندر دخولها على "الرحمن" و"حياتك"؛ فتقول: "تالرحمن، وتحياتك" على رأي سيبويه.
شرح التصريح: 2/ 4.
2 معناه: وحياتك، فالتاء بدل من واو القسم.(3/17)
[معاني الحروف] .
فصل: في ذكر معاني الحروف1.
لـ"من" سبعة معان؛
أحدها: التبعيض؛ نحو: {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} 2، ولهذا قرئ: "بعض ما تحبون".
والثاني: بيان الجنس3................................................................
__________
1 مذهب البصريين أن لكل حرف من حروف الجر معنى واحدا يؤديه على سبيل الحقيقة، فمعنى "في" الظرفية، و"على" الاستعلاء ... إلخ. فإذا أدى الحرف معنى آخر غير المعنى الخاض به كانت تأديته لهذا المعنى بطريق المجاز، أو بتضمين العامل الذي يتعلق به الحرف معنى عامل آخر يتعدى بهذا الحرف. ولا بد لصحة استعمال المجاز من علاقة بين المعنى المنقول منه والمعنى المنقول إليه، وقرينة تصرف الذهن عن المعنى الأصلي إلى المعنى المجازي. ومذهب الكوفيين: أن قصر الحرف على معنى واحد تعسف لا مبرر له، وأنه إذا اشتهر استعمال الحرف في معنى، شاعت دلالته عليه؛ بحيث يفهمها السامع بلا لبس ولا غموض كان هذا المعنى حقيقيا بالنسبة للحرف، ولا مجاز ولا تضمين، وفي هذا المذهب تيسير، وقد رجحه كثير من المحققين، على أن الباحثين متفقون على أن المجاز إذا اشتهر وشاع أصبح حقيقة عرفية.
التصريح: التصريح: 2/ 4-5.
2 3 سورة آل عمران، الآية: 92.
أوجه القراءات: ذكر صاحب التصريح أن قراءة "بعض ما تحبون" لعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه. انظر شرح التصريح: 2/ 8.
موطن الشاهد: "مما تحبون".
وجه الاستشهاد: مجيء "من" بمعنى "بعض"؛ لأن المراد: حتى تنفقوا بعض ما تحبون؛ ولذا، كلما جاز حذف "من" ووضع بعض مكانها؛ كانت دالة على التبعيض، كما في المتن.
3 أي بيان أن ما بعدها جنس يشمل ما قبلها، وأكثر ما تقع بعد "ما" و"مهما" لشدة إبهامهما، نحو {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} ، و {مَا نَنسَخ من آيَةٍ} وعلامتها: صحة الإخبار بما بعدها عما قبلها، وهنالك علامة أخرى وهي صحة حذف "من" ووضع اسم موصول مكانها؛ مع ضمير يعود على ما قبلها إن كان معرفة. فإن كان نكرة فالعلامة أن يخلفها الضمير وحده؛ فنحو: {أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} تقول فيه: هي ذهب. و"من" البيانية =(3/18)
نحو: {مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} 1.
والثالث: ابتداء الغاية2 المكانية باتفاق؛ نحو: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} 3، والزمانية، خلاف لأكثر البصريين4، ولنا قوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} 5،
__________
= مع مجرورها ظرف في محل نصب على الحال إن كان ما قبلها معرفة, ونعت تابع لما قبلها إن كان نكرة.
مغني اللبيب: 420، الجنى الداني: 309-310، وصف المباني: 323.
1 18 سورة الكهف، الآية: 31.
موطن الشاهد: {مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ}
وجه الاستشهاد: مجيء "من" الثاينة دال على بيان الجنس، وأما "من" الأولى فزائدة؛ وأنكر بعض النحاة مجيء "من" لبيان الجنس، وقالوا: إن قوله تعالى {مِنْ ذَهَبٍ} ، و {مِنْ سُنْدُسٍ} للتبعيض، وليست لبيان الجنس.
2 المراد بالغاية هنا: المقدار والمسافة لا آخر الشيء، وعلامتها: أن يصلح في مكانها "إلى" أو ما يفيد فائدتها.
3 17 سورة الإسراء، الآية: 1.
موطن الشاهد: {مِنَ الْمَسْجِدِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "من" مفيدة ابتداء الغاية المكانية؛ وحكم مجيئها مفيد هذا المعنى الجواز باتفاق.
4 يرى البصريون أن "من" لا تأتي لابتداء الغاية الزمانية، وأما الكوفيون، فيرون أنها تكون الغاية الزمانية، بقوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} ؛ ومعلوم أن "أول يوم" من الزمان؛ بينما زعم البصريون أن "من" في الآية لابتداء الغاية في الأحداث، وأن التقدير: من تأسيس أول يوم؛ وابن هشام في "مغني اللبيب" مال إلى رأي البصريين؛ فرأيه -هناك- خلاف رأيه هنا. انظر مغني اللبيب: 419، وشرح التصريح: 2/ 8.
5 9 سورة التوبة، الآية: 108.
موطن الشاهد: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} .
وجه الاستشهاد: احتج الكوفيون بهذه الآية على مجيء "من" مفيدة ابتداء الغاية في الزمان -كما أسلفنا- بينما رأى البصريون أن "من" لابتداء الغاية في الأحداث -هنا- والتقدير: من تأسيس أول يوم.(3/19)
والحديث: "فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة"1، وقول الشاعل2: [الطويل]
294- تخيرن من أزمان يوم حليمة3
__________
1 حديث رواه البخاري في باب الاستسقاء: 2/ 508؛ وفيه: جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "هلكت المواشي، وتقطعت السبل"، فدعا -أي رسول الله صلى اله عليه وسلم- فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة. ومثله في الموطأ: 1/ 191.
2 هو: النابغة الذبياني، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت يمدح فيه الشاعر عمرو بن الحارث الأعرج، أحد ملوك الغسانيين وعجزه قوله:
إلى اليوم قد جربن كل التجارب
وقبل الشاهد البيت المشهور:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
بهن فلول من قراع الكتائب
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 8، والأشموني: 533/ 2/ 287 وابن عقيل: 205/ 3/ 16 ومغني اللبيب: 598/ 420 والخزانة: 3/ 303، وشرح المفصل: 5/ 128، والعيني: 3/ 270، وديوان النابغة: 6.
المفردات الغريبة: تخيرن: وقع الاختيار عليهن، واصطفين، وضمير الإناث للسيوف في البيت الأول. يوم حليمة: يوم من أيام العرب المشهورة. وكان سنة 61ق. هـ وحليمة هي: بنت الحارث بن أبي شمر ملك غسان، وكان أبوها قد وجه جيشا إلى المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة بالعراق، فشجعت الجيش ومنحت أفراده جزءا من طيبها فانتصر وقتل المنذر. وقد ضرب بذلك المثل فقيل: "وما يوم حليمة بسر" وهو يضرب لكل أمر مشهور. جربن: اختبرن وامتحن. التجارب: جمع تجربة وهي اختبار الشيء، مرة بعد أخرى.
المعنى: أن هذه السيوف، جربت واختبرب مرات كثيرة من هذا الوقت، وأظهرت التجارب مضاءها وصفاء جوهرها، وجودة صقلها وشدة فتكها بالأعداء.
الإعراب: تخيرن: فعل ماض مبني للمجهول، مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة؛ والنون: في محل رفع نائب فاعل. من: حرف جر دال على ابتداء الغاية الزمانية. أزمان: اسم مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، وهو مضاف. ويوم: مضاف إليه وهو مضاف. حليمة: مضاف إليه؛ وقد صرفه الشاعر لاضطراره إلى تنوينه -لإقامة الوزن- ومن ثم، جره بالكسرة الظاهرة. "إلى اليوم": متعلق بـ"تخير". قد: حرف تحقيق، لا محل له من الإعراب. جربن: فعل ماض، مبني للمجهول، مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة؛ و"النون" في محل رفع نائب فاعل. كل: معفول مطلق منصوب، وهو مضاف. التجارب: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة. =(3/20)
والرابع: التنصيص على العموم1؛ أو تأكيد التنصيص عليه2؛ وهي الزائدة3؛ ولها ثلاثة شروط: ان يسبقها نفي، أو............................................................
__________
= موطن الشاهد: "من أزمان".
وجه الاستشهاد: استشهد الكوفيون بهذا البيت على مجيء "من" دالة على ابتداء الغاية الزمانية، ورد عليهم البصريون بأن الكلام على تقدير مضاف؛ أي: من استمرار يوم حليمة؛ كما قدروا مضافا في الحديث الشريف السابق؛ لتكون "من" لابتداء الغاية في الأحداث؛ أي: من صلاة يوم الجمعة؛ وربما جاء الابتداء في غير الزمان والمكان، نحو قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} . ضياء السالك: 2/ 252.
1 أي: عموم المعنى وشمول كل فرد من أفراد الجنس، وهي الداخلة على نكرة ليست ملازمة للوقوع بعد النفي، ولا تدل على العموم بنفسها؛ نحو: ما جاءني من رجل؛ ذلك أن كلمة "رجل" من النكرات التي قد تقع بعد النفي أو لا تقع؛ فوقوعها بعد النفي لا يفيد العموم والشمول لكل فرد، بل يحتمل خروج بعض الأفراد من دائرة النفي؛ فإذا أريد النص في الشمول على سبيل اليقين جيء بالحرف الزائد "من"، ووضع قبل النكرة مباشرة، ومن ثم لا يصح أن يقال: ما غاب من رجل وإنما غاب رجلان أو أكثر منعا للتناقض.
مغني اللبيب: 425، والتصريح: 2/ 8.
2 هي الداخلة على نكرة لا تستعمل إلا بعد نفي أو شبهه، فتدل بنفسها على العموم مثل: أحد -عريب- ديار، تقول: ما جاءني من أحد، فيدل ذلك دلالة قاطعة على العموم والشمول، وإنما كانت الأولى للتنصيص، وهذه للتأكيد؛ لأن النكرة الملازمة للنفي تدل على العموم بنفسها، فزيادة "من" تأكيد لذلك العموم. أما الأولى فإن النكرة قبل دخول "من" تحتمل نفي الواحدة ونفي الجنس على سبيل العموم؛ فدخولها نص على الثاني.
ضياء المسالك: 2/ 253.
3 المواضع التي تزاد فيها "من" على وجه التفصيل تسعة:
1- قبل الفاعل، كقوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} ، فذكر: فاعل يأتي، وقبل "من" ما النافية.
2- قبل النائب عن الفاعل، كقولك: ما اتهم من أحد بهذه التهمة، فأحد: نائب فاعل اتهم المبني للمجهول، وقبل "من" ما النافية.
3- قبل المبتدأ، كقوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ} فخالق مبتدأ، وقبل "من" هل الاستفهامية.
4- قبل اسم كان، كقوله تعالى: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ} فخرج: اسم كان، وقبل "من" ما النافية.(3/21)
.................................. نهي1، أو استفهام بهل2، وأن يكون مجرورها نكرة، وأن
__________
= 5- قبل المفعول به، كقوله تعالى: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} فأحد: مفعول به لتحس، وقبل "من" هل الاستفهامية.
6- قبل المفعول الأول من مفعولي ظن وأخواتها، نحو: ما ظننت من أحد يذهب إلى مثل ما ذهبت إليه.
7- قبل المفعول الأول من مفعولات أعلم وأخواتها نحو: ما أعلمت من أحد أنك مسافر.
8- قبل المفعول الأول من مفعولي أعطى، نحو: ما أعطيت من أحد مثل ما أعطيتك.
9- قبل المفعول الثاني من مفعولي أعطى نحو: ما منحت أحدا من دينار.
وكل هذه المواضع يصدق عليها أنها فاعل أو مفعول أو مبتدأ.
وزيادتها يعني وقوعها في موضع يطلبه العامل بدونها فتكون مقحمة بين طالب ومطلوب، وإن كان سقوطها مخلا بالمعنى المراد.
الجنى الداني: 319، وحاشية يس على التصريح: 2/ 9.
1 فلا تزاد في الإثبات إلا في تمييز "كم" الخبرية؛ إذا كان مفصولا منها بفعل متعد، نحو قوله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} .
فائدة: ذهب الكوفيون إلى أنه لا يشترط في مجرور "من" الزائدة إلا شرط واحد، وهو أن يكون مجرورها فاعلا، أو مفعولا، أو مبتدأ، ولا يشترط أن يتقدم عليها نفي، أو استفهام، أو نهي؛ واستدلوا على ذلك بورودها زائدة في الكلام الموجب الذي لم يتقدمه نفي أو نهي أو استفهام، كما في قولهم: "قد كان من مطر" وقولهم: "وقد كان من حديث فخل عني"؛ فكان -هنا- تامة محتاجة إلى فاعل، و"من" زائدة، و"مطر" و"حديث" فاعل؛ وكلاهما مجرور لفظا مرفوع محلا؛ وأول بعض العلماء هذين الشاهدين بأن الفاعل فيهما ضمير مستتر؛ تقديره: هو، يعود إلى اسم الفاعل كان؛ والتقدير: قد كان هو -أي الكائن- من مطر؛ وفي الثاني: قد كان هو -أي الكائن- من حديث؛ وقالوا: لو سلمنا بأن الاسم الذي دخلت عليه "من" هو الفاعل، فلا نسلم بأنه لم يتقدم عليه نفي أو استفهام بهل؛ بل ندعي أنه قد سبقه استفهام بـ"هل"، وندعي أن هذا الكلام واقع في جواب كلام، وأنه وارد على سبيل حكاية ما تكلم به المستفهم. وكأن قائلا يقول: هل كان من مطر؟، فقيل له: قد كان من مطر؛ وهل كان من حديث؟، فقيل له: قد كان من حديث؛ وهذا تكلف، لا نرى له مسوغا.
وذهب الأخفش والكسائي وهشام إلى أنه تجوز زيادة "من" بغير شرط؛ فتزاد بعد الإيجاب، وبعد النفي؛ ويجوز أن يكون مدخولها معرفة، وأن يكون نكرة؛ ويجوز أن يكون واقعا في أحد مواقع الإعراب المذكورة، أو في غيرها.
وانظر شرح التصريح: 2/ 9-10، ومغني اللبيب: 428، والجنى الداني: 318.
2 أو بالهمزة كذلك على الراجح، نحو: هل جاءك، أو أجاءك من بشير؟. هذا وقد زاد =(3/22)
يكون إما فاعلا؛ نحو: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ} 1، أو مفعولا؛ نحو: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} 2، أو مبتدأ؛ نحو: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} 3.
والخامس: معنى البدل4، نحو: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} 5.
__________
= الفارسي، الشرط، واستشهد لذلك بقول زهير بن أبي سلمى:
ومهما تكن عند امرئ من خلقية
وإن خالها تخفى على الناس تعلم
مغني اللبيب: 425-426.
1 21 سورة الأنبياء، الآية: 2.
موطن الشاهد: {مِنْ ذَكَرٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "من" حرف جر زائد في الآية الكريمة، بعد النفي ومجيء المجرور بها -لفظا- فاعلا لـ"تأتيهم" المنفي بـ"ما" وهو نكرة؛ وحكم مجيئها حرف جر زائد -في هذه الحال- الجواز باتفاق.
2 19 سورة مريم، الآية: 98.
موطن الشاهد: "من أحد".
وجه الاستشهاد: مجيء "من" حرف جر زائد في الآية الكريمة؛ حيث جاءت بعد الاستفهام بـ"هل" وجاء المجرور بها -لفظا- مفعولا به لفعل "تحس" المسبوق بـ"هل"؛ وحكم مجيء "من" حرف جر زائد -في هذه الحال- الجواز باتفاق.
فائدة: قد تزاد "من" مع المفعول المطلق، كما في قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} ، وقوله -جل جلاله: {وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ} ، فجعل أبو البقاء "شيء" بمعنى تفريط في الآية الأولى، وبمعنى "ضرر" في الآية الثانية.
شرح التصريح: 2/ 9، ومغني اللبيب: 426.
3 35 سورة فاطر، الآية: 3.
موطن الشاهد: "هل من خالق".
وجه الاستشهاد: مجيء "من" حرف جر زائد بعد الاستفهام، ومجيء المجرور به -لفظا- نكرة، وهو مبتدأ.
4 أي: أن تكون بمعنى كلمة "بدل" بحيث يصح أن تحل هذه الكلمة محلها؛ وقد أنكر قوم مجيء "من" للبدل، فقالوا: التقدير في هذه الآية، أي بدلا من الآخرة، وعلى هذا يكون المفيد للبدل هو متعلق "من"، لا "من" نفسها و"من" هنا للابتداء. مغني اللبيب: 423، التصريح: 2/ 10.
5 9 سورة التوبة، الآية: 38.(3/23)
والسادس: الظرفية1، نحو: {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} 2، {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} 3.
والسابع4: التعليل؛ كقوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ.............................................
__________
= موطن الشاهد: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "من" في الآية الكريمة بمعنى "بدل" أي بدل الآخرة، وأنكر قوم مجيئها للبدل كما أوضحنا.
1 مكانية أو زمانية، وهذا هو قول الكوفيين، وقال البصريون: هي في الآيتين؛ لبيان الجنس كما في قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} مغني اللبيب: 420.
2 35 سورة فاطر، الآية: 40.
موطن الشاهد: "من الأرض".
وجه الاستشهاد: مجيء "من" بمعنى "في" تفيد الظرفية المكانية على مذهب الكوفيين، والبصريون رأوا أنها -هنا- لبيان الجنس، وليست للظرفية، كما بينا.
3 62 سورة الجمعة، الآية: 9.
موطن الشاهد: "من يوم".
وجه الاستشهاد: مجيء "من" بمعنى "في" أي: في يوم الجمعة؛ فهي في هذه الآية بمعنى الظرفية الزمانية -على مذهب الكوفيين- والبصريون يرون أنها لبيان الجنس.
4 وقد ذكر في المغني إضافة إلى هذه المعاني:
ثامنا: المجاوزة كـ"عن" نحو قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} أي عن ذكر الله.
تاسعا: وهو الانتهاء، نحو قولك: قربت منه، أي إليه.
عاشرا: وهو الاستعلاء، نحو قوله تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} أي عليهم وخرجها المانعون على التضمين؛ أي: منعناه بالنصر من القوم.
حادي عشر: وهو الفصل؛ كقوله تعالى: {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} ونحو: لا تعرف زيدا من عمرو. فقد دخلت "من" على متضادين أو نحوهما.
ثاني عشر: بمعنى الباء، وهذا عند بعض البصريين، وبعض الكوفيين؛ نحو: {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} أي بطرف.
ثالث عشر: موافقة "عند" كقوله تعالى: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} قاله أبو عبيدة.
رابع عشر: مرادفة "ربما" وذلك إذا اتصلت بما كقوله: إنا لمما نضرب الكبش ضربة.
خامس عشر: للغاية، تقول: رأيته من ذلك الموضع، فجعلته غاية لرؤيتك. وقد أسقط المصنف ذكر هذه المعاني لما في بعضها من الرد. =(3/24)
أُغْرِقُوا} 1، وقال الفرزذق: [الطويل]
يغضي حياء ويغضَى من مهابته3
[معاني اللام] :
وللام اثنا عشر معنى:
أحدها: الملك3، نحو: {لَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} 4.
والثاني: شبه الملك، ويعبر عنه بالاختصاص5؛ نحو: "السرج للدابة".
__________
= التصريح: 2/ 10، ومغني اللبيب: 419 وما بعدها.
1 71 سورة نوح، والآية: 25.
موطن الشاهد: "مما خطيئاتهم".
وجه الاستشهاد: مجيء "من" مفيدة التعليل -على رأي جماعة من النحاة- لأن التقدير: أغرقوا لأجل خطاياهم؛ فقدمت العلة على المعلول للاختصاص. شرح التصريح: 2/ 10.
2 هذا صدر بيت، من كلمة يقولها الفرزدق في مدح زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم. وعجز هذا البيت قوله:
فما يكلم إلا حين يبتسم
وقد مر تخريج هذا الشاهد والتعليق عليه.
موطن الشاهد: "من مهابته".
موطن الاستشهاد: مجيء "من" مفيدة التعليل -على رأي بعض النحاة- لأن التقدير: يغضى منه لأجل مهابته؛ والإغضاء: إرخاء الجفون.
فائدة: إذا ولي "من" اسم مبدوء بـ"أل" فالأحسن فتح نونها؛ نحو: قدم المدينة؛ وإذا وليها ساكن آخر، فالأغلب كسر نونها؛ نحو: سررت من اجتهادك. ضياء السالك: 2/ 254.
3 هي التي تقع بين ذاتين، الثانية منهما هي التي تملك حقيقة، وهذا المعنى أكثر استعمالاتها؛ نحو: القلم للتلميذ.
4 31 سورة لقمان، الآية: 26.
موطن الشاهد: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" مفيدة معنى الملك؛ لأن ما في السموات وما في الأرض ملك لله تعالى.
5 وتقع بين ذاتين؛ ثانيتهما لا تملك حقيقة، وإنما تختص بالأولى دون تملك من أحداهما =(3/25)
والثالث: التعدية؛ نحو: "ما أضرب زيدا لعمرو"1.
والرابع: التعليل؛ كقوله: [الطويل]
وإني لتعروني لذكراك هزة2
والخامس: التوكيد؛ وهي الزائدة3؛ نحو قوله4: [الكامل]
295- ملكا أجار لمسلم ومعاهد5
__________
= للأخرى، كمثال المصنف. أو أولاهما لا تملك؛ كأنت لي، وأنا لك، وقد تقع اللام قبل الذاتين، نحو: لأخي ابن ذكي. فإن وقعت بين معنى وذات، نحو الحمد لله، والويل للكافرين، كانت للاستحقاق، وقد يعبر عن الجميع بلام الاختصاص.
مغني اللبيب: 275.
1 "ضرب" متعد في الأصل، فلما بني للتعجب؛ نقل إلى "فعل" فصار قاصرا فعدي بالهمزة إلى زيد وباللام إلى عمرو؛ هذا مذهب البصريين؛ وذهب الكوفيون إلى أن الفعل باقٍ على تعديته، ولم ينقل، واللام هنا لتقوية العامل لضعفه باستعماله في التعجب.
2 تقدم تخريج هذا الشاهد والتعليق عليه في "باب إن وأخواتها".
موطن الشاهد: "لذكراك".
وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" مفيدة التعليل؛ والتقدير: تعروني -لأجل تذكري إياك- هزة.
3 وتقع بين الفعل ومعموله المؤخر عنه كمثال المؤلف، وبين المتضايفين نحو: يا بؤس للحرب. وفائدتها، تقوية المعنى دون العامل ولا تتعلق بشيء وهناك رأيان في ما بعدها، أهو مجرور بها، أم بالمضاف؟.
4 القائل: هو الرماح بن أبرد المعروف بابن ميادة، وقد مرت ترجمته.
5 تخريج الشاهد:
هذا عجز بيت، وصدره وقوله:
ومكلت ما بين العرق ويثرب
والبيت من كلمة للشاعر في مدح أمير المدينة؛ عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان ومطلع هذه القصيدة قوله:
من كان أخطأه الربيع فإنما ... نضر الحجاز بغيث عبد الواحد
إن المدينة أصبحت معمورة ... بموج حلو الشمائل ماجد
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 11، والأشموني: 540/ 2/ 90 مغني اللبيب: =(3/26)
وأما {رَدِفَ لَكُمْ} 1؛ فالظاهر: أنه ضمن معنى اقترب؛ فهو مثل {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} 2.
__________
= 392/ 285، والأغاني "بولاق": 2/ 115، والعيني: 3/ 278، والهمع: 2/ 33، 157، والسيوطي: 197.
المفردات الغريبة: يثرب: الاسم القديم للمدينة المنورة، سميت باسم رجل من العمالقة بناها، وتسمى كذلك "طيبة" سماها بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم. أجار: حفظ وحمى. معاهد: هو من يدخل بلاد الإسلام بعهد من الإمام.
المعنى: لقد امتد سلطانك وانبسط نفوذك، حتى شمل ما بين العراق والمدينة المنورة، وشملت الجميع بعدلك وحمايتك، سواء في ذلك المسلم والمعاهد.
الإعراب: ملكت: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: فاعل. ما: اسم موصول بمعنى الذي، مفعول به لـ"ملكت" مبني على السكون في محل نصب. "بين": متعلق بمحذوف صلة الموصول، وهو مضاف. العراق: مضاف إليه مجرور. ويثرب: الواو عاطفة، يثرب: اسم معطوف على العراق مجرور مثله؛ وصرف الشاعر "يثرب" اضطرارا لإقامة الوزن؛ فنونه، وجره بالكسرة. ملكا: مفعول مطلق منصوب. أجار: فعل ماض، والفاعل: هو؛ وجملة "أجار": في محل نصب صفة لـ"ملكا" لمسلم: اللام حرف جز زائد، لا محل له من الإعراب، مسلم: اسم مجرور لفظا منصوب محلا، على أنه مفعول به لـ"أجار". ومعاهد: الواو عاطفة، معاهد: اسم معطوف على مسلم -على لفظه- مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
موطن الشاهد: "لمسلم".
وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" زائدة لمجرد التوكيد؛ لأن فعل "أجار" يتعدى بنفسه، وقد تقدم على معموله؛ فهو ليس بحاجة إلى اللام.
1 27 سورة النمل، الآية: 72.
موطن الشاهد: {رَدِفَ لَكُمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" في الآية الكريمة زائدة على رأي المبرد؛ بينما يرى ابن هشام أن فعل "ردف" ضمن معنى اقترب؛ وعليه فاللام صلة له، لا زائدة، وبه جزم في المغني، وهو الأرجح، والصواب. انظر شرح التصريح: 2/ 11، والمقتضب: 2/ 37، والمغني: 285.
2 21 سورة الأنبياء، الآية: 1.
موطن الشاهد: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" صلة لفعل "اقترب" فهي ليست زائدة في الآية الكريمة.(3/27)
والسادس: تقوية العامل الذي ضعف: إما بكونه فرعا في العمل1؛ نحو: {مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} 2، {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 3، وإما بتأخره عن المعمول؛ نحو: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} 4، وليست المقوية زائدة محضة5، ولا معدية محضة6؛ بل هي بينهما.
والسابع: انتهاء الغاية؛ نحو: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً} 7.
والثامن: القسم؛ نحو: "لله لا يؤخر الأجل"8.
__________
1 أي مأخوذا من غيره كالفروع، وذلك كالمصدر، ومثاله قوله: ساءني ضرب علي لخالد واسم الفاعل، ومنه الآية الأولى في أمثله المؤلف، واسم المفعول؛ نحو: زيد معطى للدراهم. وأمثلة المبالغة، ومن أمثلته الآية الثانية من أمثلة المؤلف.
2 2 سورة البقرة، الآية 91.
موطن الشاهد: {مُصَدِّقًا لِمَا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" زائدة لتقوية العامل "مصدقا"؛ لأنه اسم فاعل؛ فهو فرع في العمل؛ فقوي باللام.
3 85 سورة البروج، الآية: 16.
موطن الشاهد: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" زائدة لتقوية العامل "فعال"؛ لأنه صيغة مبالغة؛ فهو فرع في العمل؛ فقوي باللام.
4 12 سورة يوسف، الآية: 43.
موطن الشاهد: {لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} .
وجه الاستشهاد: الأصل -والله أعلم- إن كنتم تعبرون الرؤيا؛ فلما أخر الفعل، وقدم معموله عليه؛ ضعف عمله فقوي باللام.
5 لأنها تفيد التقوية وتتعلق بالعامل الذي قوته؛ بخلاف الزائدة المحضة؛ فإنها لا تتعلق بشيء.
6 وذلك لاطراد صحة إسقاطها.
7 35 سورة فاطر، الآية: 13.
موطن الشاهد: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً} .
وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" مفيدة لانتهاء الغاية؛ لأن المعنى: كل يجري إلى أجل مسمى المعنى.
8 القسم والتعجب معا، ويشترط أن تكون جملة القسم محذوفة، وأن يكون المقسم به لفظ =(3/28)
والتاسع: التعجب؛ نحو: "لله درك! "1.
والعاشر: الصيرورة2؛ نحو: [الوافر]
296- لدوا للموت وابنوا للخراب3
__________
= الجلالة؛ لأنها خلف عن التاء، والتاء أكثر ما تستعمل مع لفظ الجلالة، كقوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} . مغني اللبيب: 282.
1 أي: المجرد عن القسم، بشرط القرينة، ويغلب أن يكون بعد النداء؛ نحو: يا للغروب وما فيه من روعة، وكون اللام للتعجب -هنا- يخالف ما قاله النحاة من أن الصيغة كلها للتعجب، ويجاب بالتزام ما قالوه في باب التعجب، وإن ما قيل -هنا- من باب نسبة ما للكل إلى ما للجزء؛ فهو مجاز مرسل علاقته الكلية والجزئية. حاشية يس على التصريح: 2/ 11-12.
2 أي: لبيان ما يصير إليه الأمر، وتسمى كذلك "لام العاقبة"؛ لأنها توضح عاقبة الشيء وما يؤول إليه.
همع الهوامع: 2/ 32، ومغني اللبيب: 282.
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
فكلكم يصير إلى الذهاب
وهو من شواهد التصريح: 2/ 12، والهمع: 2/ 32، والدرر: 2/ 31.
المفردات الغريبة: لدوا: فعل أمر من الولادة.
المعنى: لدوا وتكاثروا وابنوا وشيدوا كما تشاءون ليكون المآل والمصير والعاقبة إلى ما ذكر؛ فكل إنسان مصيره الموت والفناء.
الإعراب: لدوا: فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: فاعل، والألف: للتفريق. للموت: متعلق بـ"لدوا". وابنوا: الواو عاطفة، ابنوا: فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: في محل رفع فاعل، والألف: للتفريق؛ وجملة "ابنوا": معطوفة على جملة "لدوا" لا محل لها. "للخراب": متعلق بـ"ابنوا". فكلكم: الفاء تعليلية، لا محل لها من الإعراب، كل: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، و"كم": مضاف إليه. يصير: فعل مضارع ناقص مرفوع، وفاعله: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى "كل". "إلى زوال": متعلق بخبر "يصير" المحذوف؛ وجملة "يصير إلى زوال": في محل رفع خبر "كل"؛ وجملة "كلكم يصير إلى زوال": تعليلية، لا محل لها.
موطن الشاهد: "للموت، للخراب".
وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" في الموضعين للصيرورة، وليست للتعليل؛ لأن =(3/29)
والحادي عشر: البعدية، نحو: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} 1، أي: بعده.
والثاني عشر: الاستعلاء2، نحو: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} 3؛ أي: عليها4.
__________
= الموت، ليس علة للولد، ولأن الخراب ليس علة للبناء؛ فالموت والخراب أمران يصير المآل إليهما، من غير أن يكون أحدهما باعثا أو حافزا؛ ومثل هذا، قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} فالباعث الذي بعث فرعون على التقاط موسى وتربيته؛ ليكون لهم قرة عين، وأن يتخذ ولدا، لكن صادف أن كانت عاقبته ومآله أن كان لهم عدوا. وقد منع البصريون أن تجيء اللام للصيرورة، وزعم الزمخشري أنها لا تنفك عن التعليل؛ وهؤلاء يجعلون اللام في البيت وفي الآية الكريمة داخلة على محذوف؛ هو العلة الباعثة. انظر مغني اللبيب: 283.
1 17 سورة الإسراء: الآية: 78.
موطن الشاهد: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" بمعنى "بعد"؛ لأن المراد: بعد دلوك الشمس، وهذه الآية، ذكرت في "باب المفعول له" وذكر المؤلف -هناك- أن اللام للتعليل، وفسر الدلوك بميل الشمس عن وسط السماء.
2 أي: الدلالة على أن شيئا حسيا أو معنويا وقع فوق الاسم الذي بعدها؛ فتكون بمعنى "على".
3 17 سورة الإسراء، الآية: 109.
موطن الشاهد: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "اللام" مفيدة معنى الاستعلاء حقيقة؛ لأن المعنى: يخرون عليها؛ وتأتي بمعنى الاستعلاء المعنوي؛ ومثاله، قوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} أي: عليها؛ ومن شواهد مجيء اللام بمعنى "على" قول النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة، حين اشترت بريرة: "اشترطي لهم الولاء" أي: عليهم، وعليه خرج قوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} ، وتله: كبه وصرعه.
4 وتأتي "اللام" في النسب؛ نحو: لزيد عم هو لعمرو خال.
وللتبليغ؛ نحو؛ {قُلْ لِعِبَادِيَ} ، وللتبيين؛ نحو: سقيا لك. وللظرفية نحو {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} أي: فيه. وبمعنى "عند"، كقراءة الجحدري {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} -بكسر اللام وتخفيف الميم- أي: عند مجيئه إياهم. وبمعنى "من"؛ نحو قول جرير: "ونحن لكم يوم القيامة أفضل" أي: نحن أفضل منكم يوم القيامة وبمعنى "عن" إذا استعملت مع القول؛ نحو: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا} أي: عن الذين آمنوا. وللتمليك وشبهه؛ نحو: وهبت لزيد دينارا، ونحو {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} . مغني اللبيب: 280، والهمع: 2/ 32، والتصريح: 2/ 12.(3/30)
[معاني الباء] :
وللباء اثنا عشر معنى أيضا:
أحدها: الاستعانة؛ نحو: "كتبت بالقالم"1.
والثاني: التعدية2؛ نحو: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} 3؛ أي: أذهبه.
والثالث: التعويض؛ كـ"بعتك هذا بهذا"4.
__________
1 "الباء" دالة على آلة الفعل وأداته التي يحصل بها معناه، فهي الواسطة بين الفاعل ومفعوله المعنوي؛ ولذلك تسمى "باء الآلة"؛ ومثلها؛ نجرت بالقدوم. وذكر الزمخشري قولين في باء البسملة؛ أحدهما: أن الباء فيها للآلة مجازا؛ لأن الفعل لا يتأتى على أتم وجه وأكمله إلا بالاستعانة بالله. والثاني: أن الباء فيها للمصاحبة، وذلك تحاشيا من سوء الأدب مع الله -عز وجل- أن يجعل آلة ولو مجازا.
التصريح: 2/ 12.
2 أي: يستعان بها غالبا في تعدية الفعل إلى مفعوله كما تعديه همزة النقل؛ ولذلك تسمى "باء النقل"، وأكثر ما تعدي الفعل القاصر، كمثال المصنف، ومن ورودها مع الفعل المتعدي قوله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} والأصل: دفع بعض الناس بعضا.
3 2 سورة البقرة، الآية: 17.
أوجه القراءات: قرئت: أذهب الله نورهم.
موطن الشاهد: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" مفيدة معنى التعدية.
رد العلماء بهذه الآية على المبرد والسهيلي اللذين زعما أن بين التعدية بالهمزة والتعدية بالباء فرقا، شرح التصريح: 2/ 12.
4 هي الداخلة على الأعواض والأثمان، حسا أو معنى، والعوض: دفع شيء في مقابلة شيء آخر؛ ولذلك تسمى باء المقابلة، ومثل المؤلف للعوض الحسي، أما المعنوي؛ فنحو: قابلت إحسانه بالشكر والدعاء، وجعل من هذا النوع قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} خلاف للمعتزلة؛ لأن دخول الجنة، قد يكون بالعوض، وقد يكون فضلا من الله وإحسانا. وحملت الباء في قوله صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل أحدكم الجنة بعمله" على أنها للسببية؛ ليدل على أن العمل ليس سببا موجبا لدخول الجنة. وهذا ينفي التعارض بين الحديث والآية.
مغني اللبيب: 141، والتصريح: 2/ 12.(3/31)
والرابع الإلصاق1؛ نحو: "أمسكت بزيد"2.
والخامس: التبعيض3؛ نحو: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} 4؛ أي: منها.
والسادس: المصاحبة5؛ نحو: {وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ} 6؛ أي: معه.
والسابع: المجاوزة7؛ نحو: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} 8؛ أي: عنه.
__________
1 الإلصاق هو: مطلق التعليق، وهذا المعنى أصل معانيها لا يفارقها، يؤيد هذا قول سيبويه: "وإنما هي للإلصاق والاختلاط ... وما اتسع من هذا في الكلام فهذا أصله".
وهو إما حقيقي، كمثال المصنف، أو مجازي؛ نحو: مررت بمحمد، أي: جعلت مروري بمكان يقرب من مكانه.
المغني: 137-138.
2 معناه: قبضت على شيء من جسمه، أو مما يتصل به من ثوب أو نحوه، وهذا أبلغ من أمسكت زيدا؛ لأنه يفيد منعه من الانصراف بأي وجه كان.
3 أثبت مجيء الباء للتبعيض الأصمعي، والفارسي، والقتبي، وابن مالك والكوفيون، واستدلوا بالآية التي تلاها المؤلف، وبقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} وعلى هذا بنى الشافعي مذهبه في أن الواجب في الوضوء مسح بعض الرأس. انظر شرح التصريح: 2/ 13.
4 76 سورة الإنسان، الآية: 6.
موطن الشاهد: {يَشْرَبُ بِهَا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" مفيدة معنى التبعيض في الآية الكريمة؛ لأن المعنى: يشرب منها، كما بين المؤلف في المتن.
5 المصاحبة: انضمام شيء إلى آخر انضماما يقتضي تلازمهما فيما يقع عليهما أو منهما، وعلامتها: أن يصلح في موضعها "مع"، ويغني عنها وعن مصحوبها الحال.
6 5 سورة المائدة، الآية: 61.
موطن الشاهد: {دَخَلُوا بِالْكُفْرِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" مفيدة معنى المصاحبة؛ لأن معنى وقد دخلوا بالكفر؛ أي: معه؛ أو كافرين المعنى.
7 أي: التي يصلح في مكانها "من". قيل: ويختص هذا المعنى بالسؤال، كما مثل المصنف، وبدليل {يَسْأَلونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} وقيل: لا يختص بذلك بدليل قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} ، أي: عنه شرح التصريح: 2/ 13.
8 25 سورة الفرقان، الآية: 59. =(3/32)
والثامن: الظرفية1؛ نحو: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} 2؛ أي: فيه، ونحو: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} 3.
والتاسع: البدل؛ كقول بعضهم4: "ما يسرني أني شهدت بدرا بالعقبة"؛ أي: بدلها.
والعاشر: الاستعلاء؛ نحو: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} 5؛ أي: على قنطار.
والحادي عشر: السببية؛ نحو: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} 6.
__________
= موطن الشاهد {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" مفيدة معنى المجاوزة؛ لأن المعنى: فاسأل عنه خبيرا.
1 هي التي يصلح في مكانها "في"، والظرفية مكانية وزمانية.
2 28 سورة القصص، الآية: 44.
موطن الشاهد: {بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" مفيدة معنى الظرفية المكانية؛ والتقدير: وما كنت فيه، كما في المتن.
3 54 سورة القمر، الآية: 34.
موطن الشاهد: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" مفيدة معنى الظرفية الزمانية؛ والتقدير: نجيناهم فيه.
4 القول للصحابي الجليل، رافع بن خديج، وفي الحديث: "ما يسرني بها حمر النعم" أي: بدلها.
5 3 سورة آل عمران، الآية: 75.
موطن الشاهد: {تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" مفيدة معنى الاستعلاء؛ لأن المعنى -كما جاء في المتن: على قنطار. ومن أدلة أنه يحسن في موضعها "على" قوله تعالى: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ} شرح التصريح: 2/ 13.
6 5 سورة المائدة، الآية: 13.
موطن الشاهد: {بِمَا نَقْضِهِمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الباء"مفيدة معنى السببية؛ لأن المعنى: لعناهم بسبب نقضهم ميثاقهم؛ وهي غير الداخلة على آلة الفعل "باء الاستعانة" خلافا لابن مالك الذي أدرجهما في بعضهما.(3/33)
والثاني عشر: التأكيد؛ وهي الزائدة1؛ نحو: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} 2، ونحو: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} 3، ونحو: "بحسبك درهم"، ونحو: "زيد ليس بقائم"4.
[معاني "في"] :
ولـ"في" سنة معان:
1- الظرفية؛ حقيقة مكانية أو زمانية؛ نحو: {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} 5، ونحو: {فِي بِضْعِ سِنِينَ} 6.
__________
1 وتزاد الباء في الحال المنفي عاملها، وفي التوكيد بالنفس والعين كقوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} وفي هاتين الحالتين خلاف.
مغني اللبيب: 144 وما بعدها.
2 4 سورة النساء، الآية: 79.
موطن الشاهد: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" زائدة مفيدة معنى التوكيد؛ وزيدت -هنا- مع الفاعل؛ لأن المعنى: كفى الله شهيدا.
3 2 سورة البقرة، الآية: 195.
موطن الشاهد: {لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الباء" زائدة مفيدة معنى التوكيد؛ وقد زيدت -هنا- مع المفعول؛ لأن المعنى: لا تلقوا أيديكم.
4 زيادة الباء في المثال الأول مع المبتدأ مع لفظ حسب، وفي المثال الثاني مع خبر "ليس". توجيه: تأتي الباء للقسم وهي أصل أحرفه، وتستعمل في القسم الاستعطافي، وهو المؤكد بجملة طلبية؛ نحو: بالله هل قام زيد، أي أسألك بالله مستحلفا، وغير الاستعطافي، وهو المؤكد بجملة خبرية؛ نحو: بالله لتفعلن، وللغاية؛ نحو: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} أي: إلي. وقيل: ضمن "أحسن" معنى لطف؛ وللتعدية؛ نحو: بأبي أنت وأمي، أي فداك أبي وأمي.
مغني اللبيب: 137، همع الهوامع: 2/ 21، التصريح: 2/ 13.
5 30 سورة الروم، الآية: 3.
موطن الشاهد: {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "في" مفيدة معنى الظرفية المكانية حقيقة؛ وقد اكتسبت معنى الظرفية من المضاف إليها "أدنى"؛ وأدنى: اسم تفضيل من الدنو.
6 30 سورة الروم، الآية: 4.(3/34)
أو مجانية؛ نحو: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ} 1.
2- والسببية؛ نحو: {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 2.
3- والمصاحبة؛ نحو: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} 3.
4- والاستعلاء؛ نحو: {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} 4.
__________
= موطن الشاهد: {فِي بِضْعِ سِنِينَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "في" مفيدة معنى الظرفية الزمانية حقيقة؛ وبضع: اسم لما بين الثلاث إلى التسع.
فائدة: الظرفية الحقيقية، هي التي يكون الظرف والمظروف فيها من الذوات، فإن كانا جميعا من أسماء المعاني؛ نحو قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} أو كان الظرف من أسماء المعاني، والمظروف من أسماء الذات؛ نحو قولك: المتقون في رحمة الله، أو كان الظرف ذاتا، والمظروف معنى؛ كانت الظرفية مجازية وقد اجتمعت الظرفية الحقيقية والمجازية في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} . شرح التصريح: 2/ 13-14.
1 33 سورة الأحزاب، الآية: 21.
موطن الشاهد: {كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "في" مفيدة الظرفية المجازية؛ لاختلال شرط الظرفية الحقيقية؛ حيث أتى الظرف ذاتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمظروف معنى "أسوة".
2 24 سورة النور، الآية: 14.
موطن الشاهد: {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "في" مفيدة معنى السببية؛ لأن المعنى: لمسكم عذاب عظيم بسبب ما أفضتم -أي: خضتم فيه من حديث الإفك، وما اتهمتم به السيدة عائشة رضي الله عنها- وجاء في الحديث الشريف: "دخلت امرأة النار في هرة حبستها ... " أي: بسبب؛ أو لأجل هرة حبستها.
3 7 سورة الأعراف، الآية: 38.
موطن الشاهد: {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "في" مفيدة معنى المصاحبة؛ لأن المعنى: ادخلوا مع أمم؛ و"في" التي تفيد المصاحبة؛ هي التي نستطيع أن نضع مكانها "مع".
4 20 سورة طه، الآية: 71.
موطن الشاهد: {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ} .(3/35)
5- والمقايسة1؛ نحو: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} 2.
6 وبمعنى الباء؛ نحو3: [الطويل]
297- بصيرون في طعن الأباهر والكلى4
__________
= وجه الاستشهاد: مجيء "في" مفيدة معنى الاستعلاء؛ لأن المعنى: لأصلبنكم على جذوع النخل -على رأي الكوفيين والقتبي- وقيل: ليست -هنا- للاستعلاء، ولكن شبه المصلوب لتمكنه من الجذع بالحال في الشيء.
1 أو الموازنة، وهي أن يكون ما قبلها ملاحظا بالقياس إلى ما بعدها، ويحكم عليه بعد هذا القياس بأمر ما؛ فهي واقعة بين مفضول سابق وفاضل لاحق، ولا مانع من العكس أحيانا.
2 9 سورة التوبة، الآية: 38.
موطن الشاهد: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "في" مفيدة معنى المقايسة؛ لأن المعنى: فما متاع الحياة الدنيا بالقياس إلى الآخرة.
3 قائل هذا البيت، هو الصحابي زيد الخير، والذي كان يعرف في الجاهلية بزيد الخيل؛ وذلك؛ لكثرة خيله، يكنى أبا مكنف، كان طويلا جسيما وشاعرا محسنا، أدرك الإسلام ووفد مع قومه طيئ على الرسول صلى الله عليه وسلم وقد فرح بإسلامه، وقال: ما وصف لي أحد في الجاهلية فرأيته في الإسلام إلا رأيته دون ما وصف لي، غيرك. الشعر والشعراء: 1/ 286، تجريد الأغاني: 1867، الأعلام: 3/ 61، الإصابة: ت: 2935، الخزانة: 21/ 448.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
ويركب يوم الروع منا فوارس.
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 14، والأشموني: 550/ 2/ 292، والخزانة: 4/ 165، وأمالي ابن الشجري: 2/ 268، والهمع: 2/ 30، والدرر: 2/ 26، والمغني: 305/ 224.
المفردات الغريبة: الروع: الفزع والخوف. فوارس: جمع فارس على غير قياس. بصيرون: عارفون وخبيرون. الأباهر: جمع أبهر، وهو عرق متصل بالقلب، إذا انقطع مات صاحبه، الكلى: جمع كلوة أو كلية.
المعنى: في اليوم الذي يفزع فيه الناس ويرهبون -وهو يوم الحرب- يركب منا فرسان شجعان مدربون على الحرب، خبيرون بطعن المقاتل التي تقضي على الأعداء.
الإعراب: ويركب: الواو عاطفة، يركب: فعل مضارع مرفوع. "يوم": متعلق =(3/36)
[معاني "على"] :
ولـ"على" أربع معان:
أحدها: الاستعلاء1، نحو: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} 2.
__________
= بـ"يركب"، وهو مضاف. الروع: مضاف إليه مجرور. "منا": متعلق بمحذوف حال من فوارس؛ والأصل بمحذوف صفة لفوارس؛ فلما تقدم عليه، صار حالا؛ لأن الصفة، لا تتقدم على الموصوف. فوارس: فاعل مرفوع، وقد صرفه الشاعر -للضرورة- ونونه؛ ومعلوم أن "فوارس" ممنوع من الصرف؛ لكونه على زنة منتهى الجموع. بصيرون: صفة لـ"فوارس" مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه جمع مذكر سالم. "في طعن": متعلق بـ"بصيرون"، وهو مضاف. الأباهر: مضاف إليه مجرور؛ من إضافة المصدر إلى مفعوله. والكلى: الواو عاطفة، الكلى: اسم معطوف على الأباهر، مجرور مثله، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف؛ منع من ظهروها التعذر.
موطن الشاهد: "في طعن".
وجه الاستشهاد: مجيء "في" بمعنى "الباء"؛ لأن "بصير" يتعدى بها، ولا يتعدى بـ"في" عادة.
فائدة: تأتي "في" بمعنى "إلى" الغائية؛ ومنه قوله تعالى: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} كناية عن عدم الرد، وعن ترك الكلام؛ وتأتي بمعنى "من"؛ نحو قوله تعالى: {فِي تِسْعِ آيَاتٍ} ؛ وتأتي بمعنى "الباء" التي للإلصاق؛ نحو: وقف الحارس في الباب، اي: ملاصقا له؛ وللتعويض؛ وهي الزائدة عوضا من أخرى محذوفة كقولك: ضربت فيمن رغبت، أصله: ضربت من رغبت فيه. وللتوكيد وهي الزائدة لغير تعويض وجعل منه الفارسي {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} أي اركبوها.
مغني اللبيب: 225، التصريح: 2/ 14، وضياء السالك: 2/ 261.
1 أي العلو؛ وهو أكثر معانيها استتعمالا، والاستعلاء، قد يكون حقيقة إن كان على نفس المجرور وهو الغالب؛ حسا كمثال المصنف، أو معنى؛ نحو: {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} . ومجازا؛ إن كان العلو على ما يقرب من المجرور. نحو: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً} {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} فقد شبه التمكن من الهدى والأخلاق العظيمة الشريفة والثبوت عليها بمن علا دابة يصرفها كيف شاء. وليس من الاستعلاء المجازي قولهم: توكلت على الله، واعتمدت عليه؛ لأن الله لا يعلو عليه شيء لا حقيقة ولا مجازا، وإنما ذلك من باب الإضافة والإسناد، أي أضفت توكلي واعتمادي إلى الله، وأسندتهما إليه سبحانه وتعالى.
2 23 سورة المؤمنون، الآية: 22.
موطن الشاهد: {عَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ} . =(3/37)
والثاني: الظرفية؛ نحو: {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} 1؛ أي: في حين غفلة.
والثالث: المجاوزة؛ كقوله2: [الوافر]
289- إذا رضيت علي بنو قشير3
أي: عني.
__________
= وجه الاستشهاد: مجيء "على" مفيدة معنى الاستعلاء في الموضعين؛ أي الاستعلاء على مجرورها، وحكم مجيئها مفيدة الاستعلاء الجواز مع التغليب.
1 28 سورة القصص، الآية: 15.
موطن الشاهد: {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "على" مفيدة معنى الظرفية؛ لأن التقدير: في حين غفلة.
2 القائل: هو قحيف العامري: لم أجد ترجمة بهذا الاسم؛ ولعله قحيف العقيلي؛ قحيف بن ضمير، أحد بني قشير بن مالك بن عقيل بن كعب من ربيعة؛ وهو شاعر مقل، من شعراء الإسلام؛ كان يشبب بخرقاء التي كان يشبب بها ذو الرمة.
الأغاني "ط. دار الشعب": 28/ 9516.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
لعمر الله أعجبني رضاها
والبيت في مدح حكيم بن المسيب القشيري، وهو من شواهد: التصريح: 2/ 14، والأشموني: 554/ 2/ 294، وابن عقيل: 209/ 3/ 25، والنوادر: 176، والمقتضب: 2/ 320، والخصائص: 2/ 311، 389، والمحتسب: 1/ 52، 348 وأمالي ابن الشجري: 2/ 269، والإنصاف: 630، وشرح المفصل: 1/ 120، والهمع: 2/ 28، والدرر: 2/ 22.
المفردات الغريبة: بنو قشير: قبيلة تنسب إلى كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. لعمر الله: المراد: الحلف بإقراره لله تعالى بالبقاء بعد فناء الخلق.
المعنى: يريد الشاعر القول: إذا ما حظيت برضا بني قشير؛ فيكفيني فخرا وشرفا، ووالله إنني لأسر، وأفرح برضاها؛ الذي يبعث الأمل والتفاؤل في نفسي.
الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه، منصوب بجوابه، مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. رضيت: فعل ماض مبني على الفتح، لاتصاله بتاء التأنيث الساكنة، والتاء: لا محل لها من الإعراب. "علي": متعلق بـ"رضي". بنو: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وبنوا: مضاف. قشير: مضاف إليه مجرور. لعمر: اللام لام الابتداء، عمر: مبتدأ مرفوع، =(3/38)
والرابع المصاحبة؛ نحو: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} 1؛ أي: مع ظلمهم2.
__________
= وهو مضاف. الله "لفظ الجلالة" مضاف إليه، وخبر المبتدأ محذوف؛ والتقدير: لعمر الله يميني؛ أو قسمي؛ أو ما أحلف به. أعجبني: فعل ماض مبني على الفتح، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعولا به. رضاها: فاعل "أعجب" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر، وهو مضاف، و"ها": مضاف إليه؛ وجمل "أعجبني رضاها" جواب شرط غير جازم، لا محل لها.
موطن الشاهد: "رضيت علي".
وجه الاستشهاد: مجيء "على" بمعنى "عن"؛ لأن الأصل في "رضي" أن يتعدى بـ"عن" لا بـ"على"؛ وقال بعضهم: إن "رضي" مضمن معنى عطف.
1 13 سورة الرعد، الآية: 6.
موطن الشاهد: {لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "على" بمعنى "مع" كما جاء في المتن.
2 بقي من معاني "على":
1- أنها تأتي بمعنى اللام، نحو قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} أي لهدايته إياكم.
2- تأتي بمعنى "عند" نحو قوله سبحانه وتعالى: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} أي عندي.
3- تأتي بمعنى "من" نحو قوله -جلت قدرته: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} أي من الناس.
4- تأتي بمعنى الباء، نحو قوله -جل شأنه: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} أي حقيق بألا أقول.
5- أن تكون زائدة، كما في قول حميد بن ثور:
أبى الله إلا أن سرحة مالك
على كل أفنان العضاه تروق
فتروق فعل يتعدى بنفسه، فزاد الشاعر معه "على". ونص سيبويه على أن "على" لا تقع زائدة، وعلى رأيه يخرج ما في البيت بأن "يروق" قد ضمن معنى تشرق.
6- تأتي بمعنى "لكن" الدالة على الاستدراك؛ نحو قولك: فلان يرتكب الآثام على أنه لا يقنط من رحمة الله.
التصريح: 2/ 15، مغني اللبيب: 189-195.(3/39)
[معاني "عن"] :
ولـ"عن" أربعة معان أيضا:
أحدها: المجاوزة1؛ نحو: "سرت عن البلد"، و"رميت عن القوس".
والثاني: البعدية، نحو: {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} 2؛ أي: حالا بعد حال.
والثالث: الاستعلاء؛ كقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} 3؛ أي: على نفسه؛ وكقول الشاعر4: [البسيط]
__________
1 المجاوزة: هي ابتعاد شيء مذكور أو غير مذكور عما بعد حرف الجر بسبب شيء قبله؛ فالأول؛ نحو: رميت السهم عن القوس، والثاني: نحو رضي الله عنك، أي جاوزتك المؤاخذة بسبب الرضا. والمجاوزة قد تكون حقيقية كهذين المثالين، وقد تكون مجازية، إذا كانت في المعاني؛ نحو: أخذت الفقه عن عالم متمكن، أي أن الفقه جاوزه بسبب الأخذ منه؛ والمجاوزة أظهر معاني "عن" وأكثرها استعمالا. ولم يذكر البصريون سواه.
2 84 سورة الانشقاق؛ الآية: 19.
موطن الشاهد: {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "عن" مفيدة معنى "البعدية"؛ والمعنى -كما في المتن- حالا بعد حال؛ أي: من البعث والسؤال والموت؛ أو من النطفة إلى ما بعدها.
وقال الدماميني: يحتمل أن تكون" عن" على بابها، والتقدير طبقا تباعدا عن طبق آخر دونه، فيكون كل طبق أعظم في الشدة مما قبله. انظر شرح التصريح: 2/ 15.
3 48 سورة محمد، الآية: 38.
موطن الشاهد: {يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "عن" بمعنى" على" كما جاء في المتن.
وخرج الدماميني الآية على أن "يبخل" قد ضمن معنى يبعد، أي ومن يبخل فإنما يبعد الخير عن نفسه.
4 الشاعر: هو: ذو الإصبع العدواني؛ واسمه الحارث بن محرث؛ وقيل "الحرثان" ينتهي نسبه إلى مضر، شاعر حكيم شجاع جاهلي لقب بذي الإصبع؛ لأن حية نهشت إصبع رجله، وقيل: لأنه كانت له إصبع زائدة، عاش طويلا، وشعره مملوء بالحكمة والفخر. مات حوالي 22ق. هـ. الشعر والشعراء: 2/ 708، تجريد الأغاني: 353، الأغاني: 3/ 2، الاشتقاق: 163، الأعلام: 2/ 173.(3/40)
299- لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب ... عني1.........
أي: علي.
__________
1 تخريج الشاهد: هذا جزء من بيت للشاعر يقوله في مزين بن جابر؛ وتمام عجزه قوله:
عني ولا أنت دياني فتخزوني
والبيت من قصيدة له مشهورة؛ مطلعها قوله:
يا من لقلب شديد الهم محزون
... أمسى تذكر ريا أم هارون
وبعد الشاهد قوله:
ولا تقوت عيالي يوم مسغبة ... ولا بنفسك في الضراء تكفيني
فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي ... فإن ذلك مما ليس يشجيني
ومنها:
إن الذي يقبض الدنيا ويبسطها ... إن كان أغناك عني سوف يغنيني
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 15، والأشموني: 558/ 2/ 295، وابن عقيل: 208/ 3/ 23، ومجالس العلماء: 71، والخصائص: 2/ 288، وأمالي ابن الشجري: 2/ 13، 169، والإنصاف: 394، وشرح المفصل: 8/ 53، 9/ 104، والمقرب: 42، والخزانة: 3/ 222، والعيني: 3/ 286، والمفضليات: 160.
المفردات الغريبة: لاه: أصله: لله، حذفت لام الجر، واللام الأولى من لفظ الجلالة شذوذا. أفضلت: زدت وصرت صاحب فضل. حسب: هو كل ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه ومآثرهم. دياني: مالك أمري، وهو صيغة مبالغة من دان فلان فلانا، أخضعه وملك أمره. تخزوني: تسوسني وتقهرني.
المعنى: لله در ابن عمك -يعني نفسه- فقد حاز من الصفات السامية ما يتعجب منه، وأنت لم تفضلني في المفاخر ولست القائم على أمري وبيدك مصيري، حتى تسوسني وتقهرني وتذلني.
الإعراب: لاه: مجرور بحرف جر محذوف -على مذهب سيبويه- و"الجار والمجرور": متعلق بمحذوف خبر مقدم. ابن: مبتدأ مؤخر، وهو مضاف. عمك: "عم" مضاف إليه، وهو مضاف؛ و"الكاف": مضاف إليه. لا: نافيه. أفضلت: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك؛ والتاء: في محل رفع فاعل. "في حسب": متعلق بـ"أفضل". "عني": متعلق بـ"أفضل" أيضا. ولا: الواو عاطفة، لا: نافية. أنت: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. دياني: خبر المبتدأ، وهو مضاف، والياء: مضاف إليه. فتخزوني: الفاء عاطفة، تخزو؛ فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو، منع من ظهروها الثقل؛ والفاعل: أنت؛ والنون: للوقاية؛ والياء: مفعول به لـ"تخزو". =(3/41)
والرابع: التعليل؛ نحو: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} 1 أي: لأجله2.
[معاني الكاف] :
وللكاف أربع معان أيضا:
أحدها: التشبيه؛ نحو {وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} 3.
__________
= موطن الشاهد: "لا أفضلت في حسب عني".
وجه الاستشهاد: مجيء "عن" في الشاهد بمعنى "على" مفيدة الاستعلاء؛ لأن السائغ في اللغة أن يقال: أفضلت عليه؛ وجوز الرضي أن تكون "عن" باقية على أصلها؛ وضمن الشاعر "أفضلت" معنى تجاوزت في الفضل؛ والأول أفضل، وقد سبق ابن هشام إليه ابن السكيت في "إصلاح المنطق"، وابن قتيبة في "أدب الكاتب"؛ وفي البيت شاهد آخر على حذف حرف الجر وبقاء عمله -على مذهب سيبويه- كما أسلفنا وعلى حذف اللام الأولى من لفظ الجلالة شذوذا، كما بينا في لغة البيت. انظر التصريح: 1/ 15، ومغني اللبيب: 196.
1 11 سورة هود، الآية: 53.
موطن الشاهد: "عن قولك".
وجه الاستشهاد: مجيء "عن" بمعنى التعليل؛ أي: لأجل قولك؛ وجوز الزمخشري أن يكون حالا من ضمير تاركي؛ والتقدير: ما نتركها صادرين عن قولك. شرح التصريح: 1/ 16.
2 من معاني "عن" أيضا:
1- تأتي بمعنى "من"؛ نحو قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} أي منهم.
2- تأتي بمعنى "الباء"؛ نحو قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} أي به.
3- تأتي بمعنى البدل؛ نحو قوله تعالى: {لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} أي بدل نفس.
وفي الحديث الشريف "صومي عن أمك" أي: بدلها.
4- تأتي دالة على الاستعانة؛ نحو قولك: رميت عن القوس.
5- تكون للظرفية؛ نحو قول الأعشى:
وأس سراة الحي حيث لقيتهم ... ولا تك عن حمل الرباعة وانيا
التصريح: 2/ 16، ومغني اللبيب: 196.
3 55 سورة الرحمن، الآية: 37.
موطن الشاهد {كَالدِّهَانِ} . =(3/42)
والثاني: التعليل؛ نحو: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} 1؛ أي: لهدايته إياكم.
والثالث: الاستعلاء؛ قيل لبعضهم: كيف أصبحت؟ فقال: كخير؛ أي: عليه2؛ وجعل منه الأخفش قولهم: "كن كما أنت"؛ أي: على ما أنت عليه3.
والرابع: التوكيد؛ وهي الزائدة؛ نحو: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 4؛ أي: ليس شيء مثله5.
__________
= وجه الاستشهاد: وقوع الكاف مفيدة التشبيه في الآية الكريمة؛ وهو -التشبيه- أشهر معاني "الكاف".
1 2 سورة البقرة، الآية: 198.
موطن الشاهد: {كَمَا هَدَاكُمْ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "الكاف" مفيدة التعليل، وما مصدرية؛ والتقدير: لهدايته إياكم؛ غير أن أكثر النحاة، قالوا: إنه من وضع الخاص موضع العام، إذ الذكر والهداية، يشتركان في أمر، وهو الإحسان؛ فهذا في الأصل، بمنزلة {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} والكاف للتشبيه ثم عدل عن ذلك للإعلام بخصوصية المطلوب: شرح التصريح: 1/ 16.
2 استدل المصنف بهذا؛ لأن المقول به، والمجيب هو رؤبة بن العجاج الراجز المشهور؛ وقيل: الكاف للتشبيه على حذف مضاف، أي كصاحب خير.
3 الكاف بمعنى "على"، وما موصولة في محل جر بالكاف. أنت: مبتدأ حذف خبره، والجملة من المبتدأ وخبره، لا محل لها من الإعراب صلة، والتقدير: كن على الحال الذي أنت عليه، وقيل: "ما" زائدة ملغاة، وأنت: ضمير مرفوع أقيم مقام الضمير المجرور، وهو في محل جر بالكاف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر كن، وكأنه قال: كن كأنت، أي كن فيما يستقبل من الزمان مماثلا لنفسك فيما مضى منه. وفيه أعاريب أخرى. انظر شرح التصريح: 1/ 16.
4 42 سورة الشورى، الآية: 11.
موطن الشاهد: {كَمِثْلِهِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الكاف" زائدة -في الآية الكريمة- مفيدة التوكيد؛ والمعنى: ليس شيءٌ مثلَه؛ هكذا قدره الأكثرون؛ فرارا من إثبات المثل وهو محال عليه سبحانه، وقد زيدت الكاف لتوكيد نفي المثل؛ لأن زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة.
وقيل: إن الكاف ليست بزائدة، و"مثل" بمعنى الذات أو الصفة، وقيل غير ذلك.
5 زاد في المغني من معاني الكاف المبادرة، وذلك إذا اتصلت بما في نحو: سلم كما تدخل =(3/43)
[معاني إلى وحتى] :
ومعنى إلى وحتى: انتهاء الغاية، مكانية أو زمانية نحو: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} 1؛ ونحو: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} 2؛ ونحو: "أكلت السمكة حتى رأسها"؛ ونحو: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} 3.
وإنما يحر بحتى في الغالب آخر أو متصل بآخر؛ كما مثلنا؛ فلا يقال: "سهرت البارحة حتى نصفها"4.
__________
= وقولهم: صل كما يدخل الوقت، وذكر هذا النوع على غرابته السيرافي، وابن الخباز في النهاية.
انظر مغني اللبيب: 237، والتصريح: 2/ 17.
1 17 سورة الإسراء، الآية: 1.
موطن الشاهد: {إِلَى الْمَسْجِدِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "إلى" مفيدة معنى انتهاء الغاية المكانية.
2 2 سورة البقرة، الآية: 187.
موطن الشاهد: {إِلَى اللَّيْلِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "إلى" مفيدة معنى انتهاء الغاية الزمانية.
3 97 سورة القدر، الآية: 5.
موطن الشاهد: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "حتى" مفيدة معنى انتهاء الغاية الزمانية.
4 لأن النصف، ليس آخرا، ولا متصلا به؛ والغالب: أن يكون مجرور "حتى" اسما ظاهرا، لا مضمرا.
فوائد:
فائدة "1": تأتي "إلى" للمصاحبة؛ نحو: من غش في المعاملة أساء قومه إلى نفسه؛ أي: مع نفسه؛ وتأتي للاختصاص؛ نحو: أمر الأمة إلى رئيسها، وأمر الأسرة إلى راعيها؛ وتأتي للظرفية؛ نحو: سيجمع الله الناس إلى يوم تشيب في الولدان؛ أي: في يوم.
فائدة "2": تأتي حتى للتعليل، والدلالة على أن ما قبلها علة وسبب لما بعدها؛ بعكس اللام، فإن ما بعدها، هو علة لما قبلها؛ وفي هذه الحالة لا تجر إلا المصدر المنسبك من أن الناصبة وصلتها؛ نحو: أحسن عملك حتى تكافأ.
فائدة "3": ذكر النحاة فروقا بين "إلى وحتى" منها:
أ- أن "إلى" تجر الاسم الظاهر والمضمر، و"حتى" لا تجر إلا الظاهر على الأرجح. =(3/44)
ومعنى كي: التعليل؛ ومعنى الواو والتاء: القسم؛ ومعنى مذ ومنذ: ابتداء الغاية؛ إن كان الزمان ماضيا؛ كقوله1: [الكامل]
300- أقوين مذ حجج ومذ دهر2
__________
= ب- أن "إلى" تقتضي انقضاء ما قبلها بغير تمهل، بخلاف "حتى".
ج- أن "إلى" لا تدخل على المضارع؛ بخلاف "حتى".
د- أن "إلى" تدل على النهاية إذا وجدت قبلها "من" الدالة على البداية. ضياء السالك: 2/ 267.
1 القائل: هو زهير بن أبي سلمى المزني، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
لمن الديار بقنة الحجر
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 17، الأشموني"568/ 2/ 297، والعيني: 3/ 312، والجمل: 150، والإنصاف: 371، وشرح المفصل: 4/ 93، 8/ 11، والخزانة: 4/ 126. والهمع: 1/ 217، والدرر: 1/ 186 والمغني: 30/ 441 والسيوطي، وديوان زهير: 86.
المفردات الغريبة: قنة: هي أعلى الجبل. الحجر: منازل قوم ثمود بالشام عند وادي القرى. أقوين: خلون من السكان. حجج: سنين، جمع حجة وهي السنة. وهو اسم زمان كالدهر.
المعنى: لمن هذه الديار التي بأعلى هذا المكان؟ وقد خلت من ساكنيها من سنوات وأزمان طويلة.
الإعراب: لمن: اللام حرف جر، من: اسم استفهام في محل جر بحرف الجر، و"لمن": متعلق بمحذوف خبر مقدم. الديار: مبتدأ مؤخر مرفوع. "بقنة": متعلق بمحذوف حال من "الديار"؛ أو متعلق بمحذوف صفة من "الديار" إذا عددناه محلى بـ"أل" الجنسية؛ لأنه كالنكرة، وقنة: مضاف. الحجر: مضاف إليه مجرور. أقوين: أقوى فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة، والنون: في محل رفع فاعل. مذ: حرف جر بمعنى "من". حجج: اسم مجرور، و"الجار والمجرور": متعلق بـ"أقوى". ومذ: الواو عاطفة، مذ: حرف جر. دهر: اسم مجرور بـ"مذ" و"الجار والمجرور": معطوف بالواو على الجار والمجرور السابق.
موطن الشاهد: "مذ حجج، ومذ دهر".
وجه الاستشهاد: مجيء "مذ" في كلا الموضعين حرف جر لابتداء الغاية الزمانية؛ لأن الحجج جمع حجة؛ وهي السنة؛ ومعلوم أن السنة اسم زمان، وكذلك الدهر؛ وعدت =(3/45)
وقوله1: [الطويل]
301- وربع عفت آثاره منذ أزمان2
__________
= "مذ" لابتداء الغاية الزمانية؛ لكون الزمن المجرور بهما ماضيا؛ وقد روى الكوفيون هذا البيت "من حجج ومن دهر" واستدلوا بهذه الرواية على أن "من" تأتي لابتداء الغاية الزمانية، وأنكر البصريون تلك الرواية، واعتمدوا الرواية التي ذكرها المؤلف في المتن.
1 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 17، والأشموني: 567/ 2/ 297 والعيني: 3/ 319، والهمع: 1/ 217، والدرر: 1/ 186، والدمنهوري: 41، 74، والمغني: 629/ 441، والسيوطي: 254، وديوان امرئ القيس: 89.
المفردات الغريبة: قفا: أمر للواحد بلفظ الاثنين على عادة العرب مثل: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} . ذكرى: تذكر. عرفان: معرفة. ربع: منزل ودار. عفت آثاره: درست وانمحت علاماته.
المعنى: قف يا صاحبي نندب حظنا ونذرف الدمع من تذكر الأحبة والأصدقاء الذين فقدناهم، وتلك المنازل التي درست بعد أن كانت عامرة بأهلها، وذهبت آثارها ومعالمها من أزمان طويلة.
الإعراب: قفا: فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بألف الاثنين؛ أو لأن مضارعه من الأفعال الخمسة؛ والألف: ضمير متصل في محل رفع فاعل؛ ويجوز أن يكون الفعل للمخاطب المفرد؛ وأصله: قفن "بنون التوكيد الخفيفة" ثم انقلبت النون ألفا، كما تنقلب في الوقف. نبك: فعل مضارع مجزوم؛ لوقوعه في جواب الطلب، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، والفاعل: نحن. "من ذكرى": متعلق بـ"نبك"، وذكرى: مضاف. حبيب: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. وعرفان: الواو عاطفة، عرفان: اسم معطوف على حبيب. وربع: الواو عاطفة، ربع: اسم معطوف على حبيب أيضا. عفت: فعل ماض، والتاء: للتأنيث. آثاره: فاعل مرفوع، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه. منذ: حرف جر. أزمان: اسم مجرور.
موطن الشاهد: "منذ أزمان".
وجه الاستشهاد: مجيء "منذ" حرف جر، دخل على لفظ دال على الزمان؛ والمراد به -هنا- الزمان الماضي؛ فدلت "منذ" على ابتداء الغاية الزمانية؛ وبهذا الشاهد وأمثاله، استدل الكوفيون على أن "منذ" قد تكون لابتداء الغاية الزمانية، كما أسلفنا.(3/46)
والظرفية: إن كان حاضرا؛ نحو: "منذ يومنا"، وبمعنى "من" و"إلى" معا؛ إن كان معدودا؛ نحو: "مذ يومين".
[معنى "رب"] :
و"رب": للتكثير كثيرا، وللتقليل قليلا1؛ فالأول؛ كقوله عليه الصلاة2 والسلام: "يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة" 3، وقول بعض العرب، عند انقضاء رمضان: "يا رب صائمه لن يصومه، وقائمه لن يقومه"4 والثاني كقوله5:
[الطويل]
302- ألا رب مولود وليس له أب ... وذي ولد لم يلده أبوان6
__________
1 يرى فريق من النحاة أنها للتقليل دائما، وزعم ابن درستويه وجماعة أنها للتكثير دائما. مغني اللبيب: 179، والتصريح: 2/ 18.
2 حمل على هذا المعنى قوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} ، فوجه الدلالة من الآية الكريمة ومن الحديث أن "رب" فيهما للتكثير وليست للتقليل؛ لأن كلا منهما مسوق للتخويف، ولا يناسب التخويف أن يكون القليل هو ودادتهم أن يكونوا مسلمين، ولا أن يكون القليل هو أن يعرى في الآخرة من كان كاسيا في الدنيا.
ومن مجيئها للتكثير -أيضا- قول جذيمة الأبرش:
ربما أوفيت في علم ... ترفعن ثوبي شمالات
فالبيت مسوق للافتخار، ولا يناسبه التقليل.
مغني اللبيب: 180.
3 حديث شريف أخرجه البخاري في باب التهجد: 1/ 201 و3/ 10 و10/ 302-598. والترمذي: 2196.
موطن الشاهد: "رب كاسية".
وجه الاستشهاد: مجيء "رب" حرف جر شبيه بالزائد، مفيدا للتكثير؛ لما أوضحنا.
4 استدل الكسائي على إعمال اسم الفاعل المجرد بمعنى الماضي من هذا القول.
5 ينسب هذا البيت إلى رجل من أزد السراة ولم يعين اسمه؛ وذكر الفارسي: أنه لرجل اسمه عمرو الجنبي، كان من حديثه أنه لقي امرأ القيس في إحدى الفلوات فخاطبه بهذا البيت.
6 تخريج الشاهد: ينشد بعد هذا البيت، قوله:
وذي شامة غراء في حر وجهه ...
مجللة لا تنقضي لأوان =(3/47)
يريد بذلك آدم وعيسى عليهما الصلاة والسلام.
__________
=
ويكمل في خمس وتسع شبابه ... ويهرم في سبع معا وثمان
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 18، والأشموني: 569/ 2/ 298، والعيني: 3/ 354 وسيبويه: 1/ 341، 2/ 258، والخصائص: 2/ 233، وشرح المفصل: 4/ 48، والمقرب: 42 والخزانة: 1/ 397، والهمع: 1/ 54، 2/ 26، والدرر: 1/ 31، 2/ 17، والمغني: 224/ 181، والسيوطي: 126.
المفردات الغريبة: مولود ليس له أب: هو عيسى عليه السلام. ولد ليس له أبوان: هو آدم عليه السلام فقد خلق من تراب، وأراد بالبيتين التاليين القمر.
المعنى: المعنى واضح في بيان المفردات السابقة.
الإعراب: ألا: حرب تنبيه. رب: حرب جر شبيه بالزائد، يفيد -هنا- التقليل. مولود: اسم مجرور لفظا، مرفوع محلا على أنه مبتدأ. وليس: الواو حرف زائد؛ لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف؛ ويجوز أن تكون حالية و"ليس": فعل ماض ناقص. "له": متعلق بمحذوف خبر ليس المتقدم على اسمها. أب: اسم "ليس" مؤخر مرفوع؛ وجملة "ليس له أب": في محل رفع، أو جر صفة لـ"مولود" -على الوجه الأول- وفي محل نصب على الحال على الوجه الثاني، وخبر المبتدأ "مولود" محذوف؛ والتقدير: ألا رب مولود موصوف بكونه لا أب له موجود. وذي: الواو عاطفة، ذي: اسم معطوف على مولود -على لفظ- مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. ولد: مضاف إليه مجرور. لم: جازمة نافية، لا محل لها من الإعراب. يلده: فعل مضارع مجزوم بـ"لم" وعلامة جزمه السكون المقدر؛ منع من ظهوره حركة التخلص من التقاء الساكنين؛ حيث سكنت اللام تشبيها بـ"كتف" و"فخذ" ونحوهما، من كل كلمة ثانيها مكسور؛ فإنه يجوز إسكانه للتخفيف، وسكنت الدال للجازم، فحركت الدال بالفتح اتباعا للياء، ويجوز ضمها اتباعا للهاء؛ و"الهاء": في محل نصب مفعولا به. أبوان: فاعل لـ"يلد" مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى؛ وجملة "لم يلده أبوان": في محل جر صفة لـ"ذي ولد".
موطن الشاهد: "رب مولود".
وجه الاستشهاد: مجيء "رب" حرف جر شبيه بالزائد، وقد أفادت التقليل؛ لأن المولود الذي ليس له أب قليل جدا، ولا يعرف منه إلا عيسى عليه السلام، وكذا ذو الولد الذي لم يولد من أبوين؛ حيث لم يوجد منه إلا آدم عليه السلام؛ ولا تجر "رب" -غالبا- إلا الاسم الظاهر النكرة، وتحتاج هذه النكرة إلى صفة من مفرد، أو جملة، أو شبهها؛ وقد تجر -على قلة- ضميرا للتنبيه، يفسره اسم منصوب بعده، يعرب تمييزا. ضياء السالك: 2/ 270.(3/48)
[ما لفظه مشترك بين الحرفية والاسمية] :
فصل: من هذه الحروف ما لفظه مشترك بين الحرفية والاسمية، وهو خمسة:
أحدها: الكاف؛ والأصح أن اسميتها مخصوصة بالشعر1؛ كقوله2: [الرجز]
303- يضحكن عن كالبرد المنهم3
__________
1 يرى الأخفش والفارسي وابن مالك: أن استعمالها اسما قياسي في سعة الكلام، ولا يختص بضرورة الشعر، وقد كثر في كلام الفحول من الشعراء. وإذا صارت اسما كانت بمعنى "مثل" وتقع فاعلا، فتكون مبنية على الفتح في محل رفع، كقول الشاعر:
ما عاتب الحر الكريم كنفسه ... ............
ومفعولا، كقول الآخر:
ولم أر كالمعروف إما مذاقه ... فحلو وإما وجهه فجميل
وفي محل جر؛ تبتسم عن كاللؤلؤ، وشاهد المؤلف في المتن.
مغني اللبيب 238-239. التصريح: 2/ 18.
1 القائل هو الراجز المشهور، العجاج بن رؤبة، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز في وصف نسوة بالحسن والجمال، وقبله قوله:
بيض ثلاث كنعاج جم
ويروى قبل الشاهد قوله:
عند أبي الصهباء أقصى همي ... ولا تلمني اليوم يابن عمي
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 18، والأشموني: 562/ 2/ 296، والعيني: 3/ 294. المخصص: 9/ 119، وشرح المفصل: 8/ 42، 44، والخزانة: 4/ 262، والهمع: 2/ 31، الدرر: 2/ 28، والمغني: 325/ 239، والسيوطي: 71، وملحقات ديوان العجاج: 83.
المفردات الغريبة: بيض: جمع بيضاء. نعاج: جمع نعجة، والمراد بها هنا البقرة الوحشية، شبهت بها المرأة الحسناء، ولا يقال نعاج لغيرها. جم: جمع جماء، وهي التي لا قرن لها. البرد: مطر ينعقد كرات صغيرة. المنهم: الذائب منه بعضه حتى يصير كرات صغيرة جدا.
المعنى: أن هؤلاء النسوة البيض اللاتي كبقر الوحش خفة ورشاقة يضحكن عن أسنان كالبرد الصغير صفاء ولطافة.
الإعراب: يضحكن: فعل مضارع مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة، والنون: =(3/49)
والثاني والثالث: "عن" و"على"؛ وذلك1، إذا دخلت عليهما "من"؛ كقوله2: [الكامل]
304- من عن يميني مرة وأمامي3
__________
= ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل؛ وجملة "يضحكن": في محل رفع صفة ثانية لـ"بيض ثلاث" والصفة الأولى هي متعلق الجار والمجرور في قوله "كنعاج جم". عن: حرف جر. كالبرد: الكاف اسم بمعنى مثل، مبني على الفتح في محل جر بـ"عن"؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ"يضحك"، والكاف الاسمية مضاف. البرد: مضاف إليه مجرور. المنهم: صفة للبرد مجرورة.
موطن الشاهد: "عن كالبرد".
وجه الاستشهاد: مجيء "الكاف" اسما بمعنى "مثل"، ودليل ذلك، دخول حرف الجر عليها؛ لأن حرف الجر لا يدخل إلى على الاسم.
فائدة: اتفق العلماء على مجيء "الكاف" اسما بمعنى "مثل"، واختلفوا: هل يختص ذلك في ضرورة الشعر أو لا؟، فذهب الأخفش والفارسي وابن مالك إلى أنه لا يختص بضرورة الشعر؛ وجوزوا في نحو قولك: "زيد كالأسد" أن تكون الكاف حرف جر، وأن تكون اسما بمعنى "مثل" أضيف إلى الأسد.
انظر مغني اللبيب: 238-239.
1 ليس ذلك بقيد لاسميتهما وإنما الغالب وقوعهما مجرورتين بمن، وإذا استعملا اسمين، كانت "عن" بمعنى جانب، وعلى بمعنى فوق، وهذا الاستعمال قياسي فيهما.
2 القائل: هو قطري بن الفجاءة التميمي الخارجي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
فلقد أراني للرماح دريئة
وهو من شواهد التصريح: 2/ 19، والأشموني: 564/ 2/ 296، وابن عقيل: 213/ 3/ 29" وسيبويه: 2/ 229، 254، شرح المفصل: 8/ 40، الخزانة: 4/ 258، العيني: 3/ 500، الهمع: 1/ 156، 2/ 36، وشرح الحماسة للمرزوقي: 136، والمغني: 933/ 690، والسيوطي: 150.
المفردات الغريبة: دريئة: هي الحلقة التي يتعلم عليها الطعن والرمي.
المعنى: يصف نفسه بالشجاعة والصبر على الجلاد في معمعة الحرب حين يفر الأبطال، فتتقاذف عليه رماح الأعداء ونبالهم وتأتيه من كل جانب وهو ثابت. أو يريد: أن المحاربين معه يتخذونه وقاية يتقون بها ضربات الأعداء؛ لشجاعته ورباطة جأشه.
الإعراب: ولقد: الواو حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف؛ والتقدير: والله لقد =(3/50)
وقوله1: [الطويل]
305- غدت من عليه بعدما تم ظمؤها2
__________
= أراني؛ واللام واقعة في جواب القسم المقدر، و"قد": حرف تحقيق، لا محل له من الإعراب. أراني: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف؛ للتعذر؛ والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبا؛ تقديره: أنا؛ والنون: للوقاية، وياء المتكلم في محل نصب مفعولا به أول لـ"أرى". "للرماح": متعلق بمحذوف حال من "دريئة" الآتي. وكان أصله وصفا؛ فلما تقدم أعرب حالا. دريئة: مفعول به ثان لـ"أرى". من: حرف جر. عن: اسم بمعنى جهة أو جانب مبني على السكون في محل جر بـ"من" و"الجار والمجرور": متعلق بفعل دل عليه قوله: "أراني للرماح دريئة"؛ والتقدير: تجيئني هذه الرماح من جهة يميني تارة، و"عن": مضاف. يميني: يمين: مضاف إليه، وهو مضاف، والياء: مضاف إليه. "تارة": متعلق بالفعل المحذوف المدلول عليه، كما بينا. وأمامي: الواو حرف عطف، أمامي: معطوف على يميني؛ والمعطوف على المجرور مجرور مثله، وهو مضاف، وياء المتكلم: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "من عن يميني".
وجه الاستشهاد: مجيء "عن" في الشاهد اسما بمعنى جانب أو جهة؛ ودليل ذلك دخول حرف الجر عليه؛ لأن حروف الجر، لا تدخل إلا على الأسماء.
1 القائل: هو مزاحم بن الحارث العقيلي، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت للشاعر في وصف قطاة، وعجزه قوله:
تصل وعن قيض بزيزاء مجهل
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 19، والأشموني: 565/ 2/ 296، وابن عقيل: 212/ 3/ 28. وسيبويه: 2/ 310، والنوادر 1631، والمقتضب: 3/ 53، الكامل: 488، الجمل: 73، المقرب: 42، والخزانة: 4/ 251، وشرح المفصل: 8/ 37، والعيني: 2/ 36، الدرر: 2/ 36، الهمع: 2/ 36، السيوطي: 145.
المفردات الغريبة: غدت: صارت، والضمير فيه عائد على القطاة. تم: كمل. ظمؤها: مدة صبرها عن الماء، والظمء: ما بين الشرب والشرب. تصل: تصوت أحشاؤها من العطش. قيض: هو القشر الأعلى للبيض. زيزاء: بيداء، وهي الأرض القفر التي لا ماء فيها. مجهل: قفز ليس فيها أعلام يهتدى بها.
المعنى: أن هذه القطاة، صارت من فوق فرخها -وقد مضت المدة التي تصبر فيها عن الماء- تصوت من شدة الظمأ، وهي على قشور البيض والأفراخ في تلك الأرض الغليظة القفر الخالية مما يهتدي به السائرون.(3/51)
والرابع والخامس: "مذ" و"منذ"؛ وذلك في موضعين:
أحدهما: أن يدخلا على اسم مرفوع؛ نحو: "ما رأيته مذ يومان"، أو "منذ يوم الجمعة"؛ وهما حينئذ مبتدآن، وما بعدهما خبر؛ وقيل بالعكس؛ وقيل: ظرفان، وما بعدهما فاعل بكان تامة محذوفة1.
__________
= الإعراب: غدت: فعل ماض ناقص بمعنى "صار" مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة؛ للتخلص من التقاء الساكنين، والتاء: للتأنيث، لا محل لها من الإعراب؛ واسم "غدت": ضمير مستتر جوازا تقديره: هي، يعود إلى القطاة الموصوفة بهذا البيت، وما قبله من الأبيات. من: حرف جر "عليه": على: اسم بمعنى فوق أو عند مبني على السكون في محل جر بـ"من". و"من على": متعلق بخبر "غدا" المحذوف؛ و"على" -هنا- مضاف، والهاء: مضاف إليه. "بعد": متعلق: بـ"غدا". ما: حرف مصدري، لا محل له من الإعراب. تم: فعل ماض. ظمؤها: فاعل مرفوع، وهو مضاف، وضمير "ها" -العائد على القطاة- في محل جر بالإضافة؛ و"ما المصدرية وما دخلت عليه" في تأويل مصدر مجرور بإضافة "بعد" إليه؛ والتقدير: بعد تمام ظمئها. تصل: فعل مضارع مرفوع؛ لتجرده من الناصب والجازم؛ والفاعل: هو، يعود إلى القطاة؛ وجملة "تصل": في محل نصب على الحال من "قطاة". وعن: الواو عاطفة، عن: حرف جر. قيض: اسم مجرور بـ"عن". و"الجار والمجرور": معطوف بالواو على قوله "من عليه" السابق. "بزيزاء": متعلق بمحذوف صفة لـ"قيض"؛ وزيزاء: اسم ممنوع من الصرف؛ لاختتامه بألف التأنيث الممدودة؛ فعلامة جره الفتحة. مجهل: صفة لـ"زيزاء" مجرورة، وعلامة جرها الكسرة.
موطن الشاهد: "من عليه".
وجه الاستشهاد: مجيء "على" اسما بمعنى "مثل"؛ ودليل ذلك، دخول حرف الجر عليها؛ وقيل: إن معنى "على" -هنا- فوق؛ وهو قول الأصمعي؛ وقيل: معناه عند؛ وهو قول أبي عبيدة، وجماعة النحويين. انظر شرح التصريح: 2/ 19.
1 بيان ما أورده المؤلف: أن في قولك: ما رأيته منذ يومان. أربعة مذاهب:
الأول: مذهب المبرد والفارسي وابن السراج وبعض الكوفيين واختاره ابن الحاجب؛ وحاصله أن معنى "مذ ومنذ" الأمد إذا كان الزمان حاضرا أو معدودا، فإن كان الزمان ماضيا فمعناهما أول المدة، وهما على كل حال مبتدآن، وما بعدهما خبر عنهما واجب التأخير وهو أولى المذاهب بالاتباع.
الثاني: مذهب الأخفش والزجاج والزجاجي، أنهما ظرفان متعلقان بمحذوف، هو الخبر، وما بعدهما مبتدأ مؤخر؛ ويكون معنى: ما لقيته مذ يومان: بيني وبين لقائه يومان، وهذا تكلف. =(3/52)
والثاني: أن يدخلا على الجملة؛ فعلة كانت؛ وهو الغالب؛ كقوله1: [الكامل]
306- ما زال مذ عقدت يداه إزاره2
__________
= الثالث: مذهب جمهور الكوفيين، واختاره ابن مالك وابن مضاء والسهيلي، وهو أنهما ظرفان والاسم المرفوع بعد كل منهما فاعل لكان تامة محذوف. والتقدير: مذ كان أو قد مضى يومان.
والرابع: مذهب بعض الكوفيين؛ وحاصله أن مذ ومنذ أصلهما "من" حرف الجر، و"ذو" الموصولة التي بمعنى الذي في لغة طيئ، والاسم المرفوع بعد كل منهما خبر مبتدأ محذوف؛ وجملة "المبتدأ والخبر": لا محل لها من الإعراب؛ لأنها صلة الموصول؛ والتقدير: ما رأيته من ابتداء الوقت الذي هو يومان.
مغني اللبيب: "44-443"، والتصريح: 2/ 20.
1 القائل: هو الفرزدق، وقد مر ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من كلمة للشاعر يرثي فيها يزيد بن المهلب، وعجزه قوله:
فسما فأدرك خمسة الأشبار
وبعد الشاهد قوله:
يدني كتائب من كتائب تلتقي ... في ظل معترك العجاج مثار
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 21، والمقتضب: 2/ 176، والجمل: 142، وشرح المفصل: 2/ 121، 6/ 33، والعيني: 3/ 321، والهمع: 1/ 216، 2/ 150، الدرر: 1/ 185، 2/ 206، والمغني: 631/ 442، والسيوطي: 256، وديوان الفرزدق: 378.
المفردات الغريبة: عقدت يداه إزاره: كناية عن مجاوزته حد الطفولة وبلوغه سن التمييز، والإزار: ما يلبسه الإنسان في نصفه الأسفل. فسما: شب وارتفع. أدرك: بلغ ووصل. خمسة الأشبار: المراد: ارتفعت قامته وبلغ مبلغ الرجال.
المعنى: أن يزيد منذ بلغ سن التمييز واستطاع أن يقضي حوائجه بنفسه، ظهرت عليه مخايل الرجولة، وأخذ يتدرج في مدارج الرفعة والشجاعة، ويظهر منه ما لا يرى إلا من الأبطال العظماء.
الإعراب: ما زال: ما نافية، لا عمل لها. زال: فعل ماض ناقص؛ واسمه: هو؛ يعود إلى يزيد. مذ: ظرف زمان، مبني على السكون في محل نصب، متعلق بـ"زال"؛ وهو مضاف إلى جملة "عقدت يداه إزاره"؛ وهو الأفضل -هنا-. عقدت فعل ماض مبني على =(3/53)
أو اسمية؛ كقوله1: [الطويل]
307- وما زلت أبغي المال مذ أنا يافع2
__________
= الفتح، والتاء للتأنيث. يداه: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى، والهاء: في محل جر بالإضافة. إزاره: مفعول به منصوب، والهاء: مضاف إليه. فسما: الفاء عاطفة، سما: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف، منع من ظهوره التعذر؛ والفاعل: هو: يعود إلى يزيد. فأدرك: الفاء عاطفة، أدرك: فعل ماض، والفاعل: هو؛ يعود إلى يزيد. خمسة: مفعول به منصوب، وهو مضاف. الأشبار: مضاف إليه مجرور؛ وخبر "زال" جملة "يدني" في البيت الذي يليه؛ وهو:
يدني كتائب من كتائب تلتقي
... في ظل معترك العجاج مثار
موطن الشاهد: "مذ عقدت".
وجه الاستشهاد: دخول "مذ" على جملة فعلية؛ وهو الغالب في استعمالها، وينبغي أن يكون فعلها ماضيا.
1 القائل: هو الأعشى ميمون بن قيس، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وليدا وكهلا حين شبت وأمردا
وهو من قصيدته المشهورة والتي مطلعها قوله:
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ...
وبت كما بات السليم مسهدا
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 21، والأشموني: 566/ 2/ 297، والعيني: 3/ 326، الهمع: 1/ 216، الدرر: 1/ 185، المغني: 632/ 442، السيوطي: 257، وديوان الأعشى: 102.
المفردات الغريبة: أبغي: أطلب. يافع: هو الغلام الذي بلغ الحلم أو ناهز العشرين، يقال: أيفع الغلام ويفع فهو يافع، ولا يقال موفع، وكأنهم استغنوا باسم الفاعل من الثلاثي. وليدا: صبيا. كهلا: هو من جاوز الثلاثين أو الأربعين إلى الخمسين أو الستين. أمردا: هو الشاب الذي طر شاربه ولم تنبت لحيته؛ لأنه لم يبلغ سن الالتحاء، فإذا بلغه -ولم تنبت لحيته- فهو ثط.
المعنى: أنني أطلب المال وأسعى للحصول عليه منذ كنت ناشئا، ثم صبيا، إلى أن بلغت سن الكهولة.
الإعراب: ما زلت: ما نافية، زلت: فعل ماض ناقص، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم "زال". أبغي: فعل مضارع مرفوع؛ لتجرده من الناصب والجازم، وعلامة رفعه الضمة المقدرة =(3/54)
وهما، حينئذ، ظرفان باتفاق1.
[زيادة "ما" بعد "من" و"عن" و"الباء"] :
فصل: تزاد كلمة "ما" بعد "من" و"عن" والباء؛ فلا تكفهن عن عمل الجر2،
__________
= على الياء للثقل؛ والفاعل: أنا. المال: مفعول به منصوب؛ وجملة "أبغي المال": في محل نصب خبر "زال". مذ: ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بـ"أبغي". أنا: ضمير رفع منفصل، في محل رفع مبتدأ. يافع: خبر مرفوع؛ وجملة "أنا يافع": في محل جر بالإضافة؛ وهو الأفضل.
موطن الشاهد: "مذ أنا يافع".
وجه الاستشهاد: دخول "مذ" على الجملة الاسمية؛ وبعض العلماء يرون أن "مذ" داخلة على زمن مضاف إلى الجملة؛ والتقدير: مذ زمن كوني يافعا؛ وبعضهم أعرب "مذ" مبتدأ، وجعل جملة "أنا يافع" في محل جر بإضافة اسم زمان، يقع خبرا للمبتدأ "مذ". والتقدير: أول أمد بغائي الخير وقت أنا يافع؛ والوجه الذي اعتمدناه أفضل من هذا كله.
1 ذهب بعض النحاة، وتبعهم المؤلف في "مغني اللبيب" إلى أن "مذ ومنذ" إذا وقعت بعدهما جملة فعلية أو اسمية، فهما اسمان غير ظرفين؛ ويكون كل منهما مبتدأ محذوف الخبر؛ غير أن عبارة ابن هشام في المغني تشير إلى الخلاف بوضوح، هل هما ظرفان أو اسمان؟ فهو يقول: "والحالة الثانية أن يليهما الجمل الفعلية أو الاسمية ... والمشهور أنهما حينئذ ظرفان مضافان، فقيل: إلى الجملة، وقيل: إلى زمن مضاف إلى الجمل؛ وقيل: مبتدآن، فيجب تقدير زمان مضاف إلى الجملة، يكون هو الخبر؛ فما كان -عنده- متفقا عليه في "أوضح المسالك" جعله المشهور في "مغني اللبيب" وعلى كل، فالقول باسميتهما ضعيف. انظر شرح التصريح: 2/ 21، والمغني: 441-442.
فائدة: اختلف النحاة في "مذ ومنذ" أهما أصلان أم أن أحدهما أصل للآخر؟ فقال الجمهور: "منذ" أصل، و"مذ" فرع عنه بحذف النون؛ وقال ابن ملكون: كل منهما أصل برأسه؛ وقال المالقي: إذا كانا اسمين، فإن "مذ" فرع عن "منذ"؛ وإذ كانا حرفين؛ فكل منهما أصل، ووجه ذلك أن ادعاءه زيادة النون أو حذفها، تصرف؛ والمقرر أن الحرف، لا يتصرف. أوضح المسالك: 3/ 64.
2 لأنها لا تزيل اختصاصهن بالأسماء، ويرى الجمهور: أن "ما" إذا دخلت على واحد من الحروف الثلاثة: الباء، ومن، وعن، لم تكفه أصلا، وهو يؤولون قول الشاعر:
فلئن صرت لا تحير جوابا ... فبما قد ترى وأنت خطيب
حيث استشهد به ابن مالك على أن "ما" قد تدخل على الباء، فتكفها.
وما ذكره ابن الشجري أن "ما" قد تدخل على "من" فتكفها كقول أبي حية النميري:
وإنا لمما نضرب الكبش ضربة ... على رأسه تلقي اللسان من الفم
=(3/55)
نحو: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} 1، {عَمَّا قَلِيلٍ} 2، {فَبِمَا نَقْضِهِمْ} 3.
[زيادة "ما" بعد "رب" و"الكاف"] :
وبعد "رب" و"الكاف"؛ فيبقى العمل قليلا؛ كقوله4: [الخفيف]
308- ربما ضربة بسيف صقيل5
__________
= يؤولون هذا الشاهد ونحوه على أن "ما" مصدرية، والفعل بعدها في تأويل مصدر مجرور بالباء أو من، فتقدير البيت الأول: فبرؤيتنا إياك، وتقدير الثاني: وإنا لمن ضربنا الكبش. هذا وقد زاد جماعة أن "ما" تزاد بعد اللام أيضا فلا تكفها عن عمل الجزء واستدلوا بقول الأعشى:
إلى ملك خير أربابه ... فإن لما كل شيء قرارا
مغني اللبيب: 408-409.
1 71 سورة نوح، الآية: 25.
موطن الشاهد: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ما" زائدة بعد "من" الجارة، ولم تمنعها عن العمل في الاسم الذي بعدها، فخطيئات مجرورة بـ"من"، و"هم": في محل جر بالإضافة.
2 23 سورة المؤمنين، الآية: 40.
وجه الاستشهاد: مجيء "ما" زائدة بعد "عن" الجارة، ولم تكفها عن العمل في الاسم الذي بعدها، كما في الآية السابقة.
3 4 سورة النساء، الآية: 155،
5 سورة المائدة، الآية: 13.
موطن الشاهد: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ما" زائدة بعد الباء الجارة، ولم تكفها عن العمل في الاسم الذي بعدها؛ و"نقضهم": اسم مجرور بالباء، و"هم": في محل جر بالإضافة.
4 القائل: هو عدي بن الرعلاء الغساني، شاعر جاهلي، اشتهر بنسبته إلى أمه، وضاع اسم أبيه، وهو صاحب القصيدة التي منها البيت المشهور:
ليس من مات فاستراح بميت
إنما الميت ميت الأحياء
الخزانة: 4/ 187، الأصمعيات: 170، المرزباني: 252، الأعلام: 4/ 220.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
بين بصرى وطعنة نجلاء
=(3/56)
وقوله1: [الطويل]
309- كما الناس مجروم عليه وجارم2
__________
= وهو من شواهد: التصريح: 2/ 21، والأشموني: 572/ 2/ 299، أمالي ابن الشجري: 2/ 243، والهمع: 2/ 38، الدرر: 2/ 41، المغني: 233/ 183، 588/ 411، السيوطي: 138-247، الخزانة: 4/ 187.
المفردات الغريبة: صقيل: مجلو أملس. بصرى: بلد بالشام. كان بها سوق في الجاهلية، وذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه للتجارة، ورآه فيها بحيرا الراهب. نجلاء: واسعة ظاهرة الاتساع.
المعنى: كثيرا ما استعملت سيفي للضرب، ورمحي للطعن في هذه الجهة استعمالا مشرفا.
الإعراب: ربما: رب حرف جر شبيه بالزائد، و"ما" زائدة لا عمل لها. ضرب: اسم مجرور لفظا بـ"رب" مرفوع محلا، على أنه مبتدأ مرفوع. بسيف: متعلق بمحذوف صفة لـ"ضربة". صقيل: صفة مجرورة لـ"سيف". "بين": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، و"بين" مضاف. بصرى: مضاف إليه. وطعنة: الواو عاطفة، و"طعنة": اسم معطوف على ضربة مجرور مثله. نجلاء: صفة لـ"طعنة" مجرورة.
فائدة: أضاف الشاعر "بين" إلى "بصرى"؛ وهو اسم مفرد، ولم يعطف عليه مثله -ومعلوم أن "بين" لا تضاف إلا إلى متعدد- لأحد احتمالين؛ الأول: كون "بصرى" في قولة المتعدد؛ لأنها ذات أجزاء، ومحلات كثيرة؛ والتقدير: بين أجزائها وأماكنها؛ والثاني: أن هناك مضافا محذوفا؛ والتقدير: بين أماكن بصرى.
موطن الشاهد: "ربما".
وجه الاستشهاد: زيادة "ما" بعد "رب" من دون أن تمنعها من العمل؛ وحكم ذلك الجواز مع القلة.
1 القائل: هو عمرو بن براقة الهمداني، وبراقة اسم أمه واسم أبيه منبه، شاعر همداني قبيل الإسلام؛ له أخبار في الجاهلية، عاش إلى خلافة عمر بن الخطاب، ووفد مع من وفد من قومه، ودخل عليه، وكان شيخا كبيرا يعرج، مات بعد سنة 11هـ.
الأعلام: 5/ 76، الإصابة: ت: 6477، سمط اللآلي: 748 و749، الأغاني: 21/ 175 "ط. ليدن".
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
وننصر مولانا ونعلم أنه
وهو من كلمة قالها عمرو في رجل اسمه حريم من مراد، كان قد أغار على إبل عمرو =(3/57)
............................
__________
= فاستاقها، فأغار عمرو على حريم، واستاق كل شيء عنده، فأتى حريم بعد ذلك عمرا، وطلب إليه أن يرد عليه بعض ما أخذه منه، فأبى عمرو، ورجع حريم. وأول هذه الكلمة قوله:
تقول سليمى لا تعرض لتلفة ...
وليلك عن ليل الصعاليك نائم
والشاهد من شواهد: "التصريح: 2/ 21، الأشموني: 573/ 2/ 299، ابن عقيل: 217/ 3/ 35، وأمالي القالي "بولاق": 2/ 123، المؤتلف: 67، العيني: 3/ 332، الهمع: 2/ 38، 130، الدرر: 2/ 42، 170، المغني عدة مرات منها: 101/ 92، 321/ 326، والسيوطي: 73، 247، 263.
المفردات الغريبة: ننصر: نعين ونؤازر. مولانا: المراد هنا: حليفنا أو سيدنا. مجروم: مظلوم واقع عليه الجرم والتعدي. جارم: ظالم معتد.
المعنى: يفتخر الشاعر بقومه قائلا: إن من أخلاقنا وشيمتنا، أن نساعد حليفنا، ونعينه على عدوه، ونحن نعلم أنه كغيره من الناس يظلم ويَظلم غيره.
الإعراب: وننصر: الواو بحسب ما قبلها، ننصر: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: نحن. مولانا: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر، وهو مضاف، و"نا": مضاف إليه. ونعلم: الواو عاطفة، نعلم: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: نحن، وجملة "نعلم": معطوفة على جملة ننصر. أنه: أن حرف مشبه بالفعل، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم "أن". كما: الكاف حرف تشبيه وجر، و"ما": زائدة لا محل لها من الإعراب. الناس: اسم مجرور بالكاف، وعلامة جره الكسرة؛ و"الجار والمجرور": متعلق بمحذوف خبر "أن"؛ والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": سد مسد مفعولي نعلم. مجروم: خبر ثان لـ"أن"مرفوع. "عليه": في محل رفع نائب فاعل لاسم المفعول "مجروم". وجارم: الواو عاطفة، جارم: اسم معطوف على "مجروم" مرفوع مثله؛ وفي "جارم" ضمير مستتر فاعل لاسم الفاعل.
موطن الشاهد: "كما الناس".
وجه الاستشهاد: اقتران الكاف بـ"ما" الزائدة، من دون أن تكفها عن العمل في الاسم الذي بعدها؛ وحكم اقترانها بـ"ما" الزائدة مع بقاء عملها الجواز مع القلة، كما جاء في المتن.
فائدة: أولى: قد تزاد "ما" -على قلة أيضا- بعد "اللام"، كما في قول الأعشى:
إلى ملك خير أربابه ... فإن لما كل شيء قرارا
أي: فإن لكل شيء.
ثانية: تزاد "ما" بعد أدوات الشرط الجازمة في نحو قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} ، وبعد أدوات الشرط غير الجازمة في نحو قوله -جل شأنه: {حَتَّى =(3/58)
والغالب أن تكفهما عن العمل؛ فيدخلان -حينئذ- على الجمل؛ كقوله1: [الطويل]
310- كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه2
__________
= إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ} ؛ وهي في الموضعين لم تغير من وضع الأداة شيئا، وإنما زيدت في أحوالها كلها لمجرد التأكيد.
1 القائل: هو نهشل بن حرى بن ضمرة الدارمي، شاعر مخضرم، عاش في الجاهلية، وأدرك الإسلام وأسلم ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم صحب عليا في حروبه؛ أثنى عليه الجمحي وعلى آبائه وذلك بتواليهم بالشعر والشرف، وقال: لا أعلم في تميم رهطا يتوالون تواليهم. مات نحو سنة 45هـ. الشعر والشعراء: 2/ 637، الجمحي: 2/ 583، الاشتقاق: 150، الأغاني: 8/ 153، الأعلام: 8/ 49.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، يرثي فيه الشاعر أخاه مالكا، وكان قد قتل في جيش علي يوم صفين، وصدره قوله:
أخ ماجد لم يخزني يوم مشهد
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 22، والعيني: 3/ 334، والهمع: 2/ 38، والدرر: 2/ 42.
المفردات الغريبة: ماجد: ذو مجد، والمجد: الرفعة والشرف والكرم. يخزني: يوقعني في الخزاية، وهي الإهانة والفضيحة، والمراد: يخذلني. يوم مشهد: اليوم الذي يشهده الناس ويحضرونه، والمراد يوم صفين، وهو الذي قتل فيه أخوه مالك. سيف عمرو: المراد: عمرو بن معديكرب الزبيدي، وسيفه: الصمصامة. مضاربه: جمع مضرب، وهو نحو شبر من طرفه.
المعنى: يمدح الشاعر أخاه بالشجاعة والإقدام والكرم، وأنه لم يتخل عنه ولم يخذله، ولم يحجم عن لقاء الأعداء معه يوم صفين؛ كما أن سيف عمرو بن معديكرب لم يخذله، ولم ينب في يده.
الإعراب: أخ: خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هو أخ. ماجد: صفة لـ"أخ" مرفوع. لم: نافية جازمة. يخزني: فعل مضار مجزوم بـ"لم" وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعولا به؛ والفاعل: هو؛ وجملة "لم يخزني": في محل رفع صفة ثانية لـ"أخ". "يوم": متعلق بـ"يخزي"، وهو مضاف. مشهد: مضاف إليه مجرور. كما: الكاف حرف تشبيه وجر، و"ما" حرف كاف مبني على السكون لا محل له من الإعراب. سيف: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. عمرو: مضاف إليه مجرور. لم: جازمة نافية. تخنه: فعل مضارع مجزوم بـ"لم" وعلامة جزمه =(3/59)
وقوله1: [المديد]
311- ربما أوفيت في علم2
__________
= السكون، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعولا به. مضاربه: فاعل مرفوع، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه؛ وجملة "لم تخنه مضاربه": في محل رفع خبر المبتدأ "سيف".
موطن الشاهد: "كما سيف عمرو".
وجه الاستشهاد: مجيء الكاف الجارة مقترنة بـ"ما" الكافة؛ فكفتها عن عمل الجر، ودخلت على الجملة الاسمية -كما بينا في الإعراب- حيث تلاها "سيف" الواقع مبتدأ، وخبره جملة "لم تخنه مضاربه"؛ وحكم اقتران "ما" الكافة بالكاف ومنعها من العمل -أي من جر الاسم بعدها- الجواز مع الرجحان.
ومثل الشاهد السابق قول عمرو بن حكيم بن معية:
ولو جاورتنا العام سمراء لم نبل
... على جدبنا ألا يصوب ربيع
لقد علمت سمراء أن حديثها ... نجيع كما ماء السماء نجيع
والشاهد في قوله: "كما ماء السماء نجيع" حيث جاءت الكاف الجارة، واقترنت بها "ما" الكافة فمنعتها من عمل الجر، وتلاها جملة اسمية؛ فـ"ماء" مبتدأ، والسماء: مضاف إليه. نجيع: خبر المبتدأ مرفوع.
1 القائل: هو جذيمة الأبرش، ويعرف بالوضاح، ثالث ملوك الدولة التنوخية في العراق، جاهلي عاش عمرا طويلا، وملك أرضا واسعة بفضل تنظيمه للجيوش واستعماله للمجانيق. من حديثه أنه قتل عمرو بن الظرف، أبا الزباء واستولى على أرضه، ثم ثأرت الزباء لأبيها فقتلته وذلك نحو: 366ق. هـ. خزانة الأدب: 4/ 569، الأعلام: 2/ 114.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
ترفعن ثوبي شمالات
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 22، والأشموني: 574/ 2/ 299، سيبويه: 1/ 154، والنوادر: 210، والمقتضب: 3/ 15، والمؤتلف: 340، أمالي ابن الشجري: 2/ 243، شرح المفصل: 9/ 40، المقرب: 86، العيني: 3/ 234، 3/ 328، الهمع: 2/ 38، 78، الدرر: 2/ 41، 99، المغني: 222/ 180، 232/ 183، 576/ 407، والسيوطي: 134، 245.
المفردات الغريبة: أوفيت: نزلت. علم: جبل. شمالات: جمع شمال، وهي ريح تهب من ناحية القطب الشمالي، =(3/60)
والغالب على "رب" المكفوفة" أن تدخل على فعل ماض، كهذا البيت1.
وقد تدخل على مضارع منزل الماضي؛ لتحقق وقوعه؛ نحو: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} 2.
__________
= المعنى: كثيرا ما أنزل على الجبال العالية في مهب الرياح العاتية، متحملا المصاعب لأرقب الأعداء؛ فهو يفتخر بأنه يرقب الطليعة بنفسه متحملا المشاق ولا يعتمد على غيره في المراقبة.
الإعراب ربما: رب حرب جر شبيه بالزائد، يفيد التقليل، و"ما": حرف كاف لـ"رب" عن عمل الجر لفظا في الاسم الذي يليه؛ وهو مهيئ لهذا الحرف أن يدخل على الجمل. أوفيت: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك؛ والتاء: في محل رفع فاعل. "في علم": متعلق بـ"أوفى". ترفعن: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة؛ ونون التوكيد لا محل لها من الإعراب. ثوبي: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء، منع من ظهروها اشتغال المحل بالحركة المناسبة لياء المتكلم؛ والياء: ضمير متصل في محل جر بالإضافة. شمالات: فاعل مرفوع مؤخر.
موطن الشاهد: "ربما أوفيت".
وجه الاستشهاد: اقتران "ما" الكافة بـ"رب" ومنعها إياها من عمل الجر؛ ودليل ذلك دخول "رب" على الجملة الفعلية؛ ولو بقي عمل "رب"؛ لدخل على الاسم.
1 لأن معناها التكثير أو التقليل، وهما إنما يكونان فيما عرف حده، والمستقبل مجهول، وإذا كانت "ما" كافة، و"رب" غير عاملة وجب وصلهما كتابة؛ فإن كانت "رب" عاملة وجب فصلهما.
2 15 سورة الحجر، الآية: 2.
موطن الشاهد: "ربما يود".
وجه الاستشهاد: دخول "رب" المكفوفة على فعل مضارع متحقق الوقوع؛ وحكم دخولها على الفعل المضارع الجواز مع القلة، كما في الآية الكريمة؛ وذكر ابن هشام في "المغني": إنما جاز دخول "ربما" على "يود"؛ "لأن المستقبل معلوم -عند الله تعالى- كالماضي، وقيل: هو على حكاية حال ماضية مجازا، مثل قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} ؛ وقيل: التقدير ربما كان يود، وليس حذف كان من دون "إن" و"لو" الشرطيتين سهلا، ثم الخبر حينئذ -وهو "يود"- مخرج على حكاية الحال الماضية؛ فلا حاجة إلى تقدير كان، ولا يمتنع دخولها على الاسمية، خلافا للفارسي". انظر مغني اللبيب: 408، وشرح التصريح: 2/ 22.(3/61)
وندر دخولها على الجملة الاسمية؛ كقوله1: [الخفيف]
312- ربما الجامل المؤبل فيهم2
حتى قال الفارسي3: يجب أن تقدر "ما" اسما مجرورا بـ"رب" بمعنى
__________
1 القائل: هو أبو دؤاد الإيادي؛ جارية بن الحجاج، شاعر جاهلي، وأحد وصاف الخيل المشهورين شهد له بذلك الأصمعي. وله شعر في المدح والهجاء وقد كانت تفخر إياد به فتقول: فينا أشعر العرب، تجريد الأغاني، 1778، الشعر والشعراء: 1/ 237، الأعلام: 1/ 106، السمط: 879.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وعناجيج بينهن المهار
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 22، والأشموني: 570/ 2/ 298، وابن عقيل: 215/ 3/ 33، والعيني: 3/ 328، وأمالي ابن الشجري: 2/ 243، وشرح المفصل: 8/ 29، الخزانة: 4/ 188، الهمع: 2/ 26، 38، الدرر: 2/ 41، المغني: 234/ 183، السيوطي: 139، ديوان أبي دؤاد: 316.
المفردات الغريبة: الجامل: اسم جمع للإبل لا واحد له، وقيل القطيع من الإبل مع رعاتها. المؤبل: المعد للقنية. عناجيج: جمع عنجوج كعصفور، وهي الخيل الجياد الطويلة الأعناق. المها: جمع مهر، وهو ولد الفرس، والأنثى مهرة.
المعنى: يفتخر الشاعر بنفسه ويصفها بالجود والكرم، وأنه لا يبخل على من يتصل به بأحسن ما عنده؛ من الإبل المتخذة للقنية، والخيل الجياد التي معها أولادها.
الإعراب: ربما: حرف جر شبيه بالزائد، يفيد التقليل، وما: كافة لـ"رب" عن العمل، الجامل: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، المؤبل: صفة لـ"الجامل" مرفوع. "فيهم": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ. وعناجيج: الواو عاطفة، عناجيج: اسم معطوف على الجامل مرفوع مثله. بينهن: "بين" متعلق بمحذوف خبر مقدم، و"هن": في محل جر بالإضافة. المهار: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "المبتدأ والخبر": في محل رفع صفة لـ"عناجيج".
موطن الشاهد: "ربما الجامل فيهم".
وجه الاستشهاد: دخول "رب" المكفوفة بـ"ما" على الجملة الاسمية؛ وحكم دخولها على الجمل الاسمية الجواز مع الندرة.
3 جعل الفارسي "ما" في هذا البيت نكرة بمعنى شيء مجرور المحل برب؛ وذلك لأنه لا يجوز دخول "رب" المكفوفة على الجملة الاسمية، وجعل "الجامل": خبر مبتدأ محذوف، أي: رب شيء هو الجامل، وفيهم: جار ومجرور متعلق بمحذوف حال؛ =(3/62)
شيء؛ و"الجامل"؛ خبرا لضمير محذوف؛ والجملة صفة لما؛ أي: رب شيء هو الجامل المؤبل.
[حذف "رب" وبقاء عملها] :
فصل: تحذف "رب" ويبقى عملها، بعد الفاء كثيرا؛ كقوله1: [الطويل]
313- فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع2
__________
= فيكون مدخول رب مفردا، وإنما قدر الفارسي ضميرا محذوفا، ولم يجعل الجملة على حالها صفة لما؛ ليحصل الربط بين الصفة والموصوف؛ وفي هذه الحالة، تكتب "ما" مفصولة من "رب"، بخلاف "ما" الكافة فإنها تكتب موصولة؛ كما بينا من قبل.
انظر مغني اللبيب: 408، والتصريح: 2/ 22.
1 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
فألهيتها عن ذي تمائم محول
والبيت من معلقته المشهورة، وهو من شواهد: التصريح: 2/ 22، والشذور 161/ 425، والهمع: 2/ 36، والدرر: 2/ 38، والمغني: 227/ 181، 290/ 213، والسيوطي: 137-158، وابن عقيل: 218/ 3/ 36، والأشموني: 577/ 2/ 399، وديوان امرئ القيس: 147.
المفردات الغريبة: طرقت: أتيتها ليلا، والطروق: الإتيان في الليل. ألهيتها: شغلتها. تمائم: جمع تميمة وهي التعاويذ التي تعلق على الصبي لتقيه من العين والسحر ونحوهما على عقيدة العرب. محول: اسم فاعل، من أحول الصبي إذا مر من عمره حول.
المعنى: رب امرأة مثلك حبلى ومرضع قد أتيتها ليلا فشغلتها عن طفلها الصغير الذي تولع به. وخص الحبلى والمرضع؛ لأنهما أزهد النساء في الرجال، ومع ذلك تعلقتا به ومالتا إليه.
الإعراب: فمثلك: الفاء عاطفة، مثل: اسم مجرور لفظا بـ"رب" المقدرة، منصوب محلا على أنه مفعول به لـ"طرقت" الآتي، والكاف: في محل جر بالإضافة؛ والتقدير: فـ"رب مثلك طرقت". حبلى: بدل من "مثل" مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة إن راعينا اللفظ. ومنصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة إن راعينا المحل. قد: حرف تحقيق. طرقت: فعل ماض، والتاء: في محل رفع فاعل. ومرضع: الواو عاطفة، مرضع: اسم معطوف على "حبلى"؛ والراجح في روايته الجر؛ غير أنه يجوز مراعاة =(3/63)
وبعد الواو أكثر1؛ كقوله2: [الطويل]
__________
= المحل، فيجوز نصبه عطفا على محل "حبلى". فألهيتها: الفاء عاطفة، ألهى: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، و"ها": ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعولا به. "عن ذي": متعلق بـ"ألهيتها"؛ و"ذي" من الأسماء الستة؛ فعلامة جره الياء بدل الكسرة، وهو مضاف. تمائم: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف؛ لأنه على صيغة منتهى الجموع. محول: صفة لـ"ذي تمائم" مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
موطن الشاهد: "فمثلك".
وجه الاستشهاد: جر "مثل" بـ"رب" المحذوفة بعد الفاء؛ وحكم الجر بـ"رب" المحذوفة بعد الفاء الجواز مع الكثرة؛ ومثل هذا الشاهد قول المتنخل الهذلي:
فحور قد لهوت بهن عين
نواعم في المروط وفي الرياط
1 ذهب الكوفيون وأبو العباس المبرد من البصريين إلى أن الواو تعمل بنفسها الجر في النكرة، وقالوا في تعليل ذلك: لأن الواو نابت عن "رب" التي تعمل الجر؛ فلما نابت عنها؛ عملت عملها، ولا يمكن أن نعد هذه الواو واو العطف؛ لأنها تقع في أول الكلام؛ وذهب البصريون إلى أن الواو، ليست هي التي تعمل الجر، وإنما عامل الجر "رب" مقدرة، وقالوا في تعليل رأيهم: "لأن الواو حرف غير مختص، والحرف غير المختص أصله ألا يعمل شيئا، وإذا كانت الواو، ليست هي عامل الجر، لزم أن نقدر عاملا يكون جر ما بعد الواو به، وإنما قدرنا الجر بـ"رب" لأنا رأينا "رب" يجوز ظهورها مع الواو، فيقال: ورب ليل ورب بلد، ومن ذلك قول الشاعر:
"ورب أسيلة الخدين بكر"
والذي ينقض قول الكوفيين والمبرد: "إن العامل هو الواو نفسها في نحو: وليل، ونحول: وبلد" أنا رأينا العرب تجر بـ"رب" محذوفة، وليس في الكلام عوض منها: كما في قول الشاعر:
مثلك أو خير تركت رذية ... تقلب عينيها إذا طار طائر
ورأينا العرب -أيضا- تجر الاسم النكرة بعد بل وبعد الفاء، ولم يقل أحد منا ومنكم: إن بل أو الفاء تجر، وهذان الحرفان، يحسن ظهورهما في الكلام مع "رب" كما قلنا في شأن الواو، ولو كان حرف منها نائبا عن رب وعوضا عنها، لم يجز أن يظهر في الكلام معها؛ لأن العوض لا يذكر مع المعوض. انظر مغني اللبيب: 477، وهمع الهوامع: 2/ 36-37.
2 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.(3/64)
314- وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله1
وبعد "بل" قليلا؛ كقوله2: [الرجز]
315- بل مَهمَهٍ قطعت بعد مهمه3
__________
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
علي بأنواع الهموم ليبتلي
والبيت من معلقته المشهورة التي كثر الاستشهاد بأبياتها.
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 22، وشذور الذهب: 160/ 424، شرح الزوزني: 106، والمغني: 672/ 473، والأشموني: 579/ 2/ 300، وديوان امرئ القيس: 151.
المفردات الغريبة: كموج البحر: أي مثله في شدة هوله وظلمته. سدوله: ستوره، والمفرد: سدل. ليبتلي: ليختبر ويمتحن.
المعنى: رب ليل عظيم الهول والخوف أسدل علي ستور ظلامه مع أنواع الهموم والأحزان؛ ليختبر ما عندي من الشجاعة والاحتمال والصبر، أو الجزع والفزع قطعته ولم أبال به.
الإعراب: وليل: الواو: واو رب، لا محل لها من الإعراب، ليل: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ. "كموج": متعلق بمحذوف صفة لـ"ليل"، وموج: مضاف. البحر: مضاف إليه مجرور. أرخى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف، منع من ظهروه التعذر؛ والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره هو. سدوله: مفعول به منصوب، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه؛ وجملة "أرخى سدوله": في محل رفع خبر المبتدأ المجرور لفظا بـ"رب" المقدرة. "علي": متعلق بـ"أرخى". بأنواع: متعلق بـ"أرخى" أيضا، وأنواع مضاف. الهموم: مضاف إليه مجرور. ليبتلي: اللام للتعليل، يبتلي: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل؛ والمصدر المؤول من "أن المصدرية المضمرة مع يبتلي": في محل جر بلام التعليل؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ"أرخى".
موطن الشاهد: "وليل".
وجه الاستشهاد: جر "ليل" بـ"رب" المقدرة بعد الواو؛ وحكم عمل رب محذوف بعد الواو الجواز وهو شائع بكثرة؛ وعملها محذوفة بعد الواو من عملها محذوفة بعد الفاء.
2 القائل: هو رؤبة بن العجاج، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا بيت من مشطور الرجز استشهد به: التصريح: 2/ 23، والعيني 3/ 345، وشرح شواهد الشافية: 202، واللسان "بلل"، وديوان رؤبة: 166. =(3/65)
وبدونهن أقل؛ كقوله1: [الخفيف]
316- رسم دارٍ وقفت في طلله2
__________
= المفردات الغريبة: مهمه: مفازة بعيدة الأطراف. قيل سميت بذلك؛ لأن سالكها يقول لصاحبه من الخوف والذعر: مه مه، أي كف عن الحديث.
الإعراب: بل: حرف عطف يفيد الإضراب، لا محل له من الإعراب. مهمه: اسم مجرور لفظا بـ"رب" المقدرة المحذوفة، منصوب محلا، على أنه مفعول به لـ"قطعت" الآتي. "بعد": متعلق بـ"قطع"، وهو مضاف. مهمه: مضاف إليه مجرور.
موطن الشاهد: "بل مهمه".
وجه الاستشهاد: جر "مهمه" بـ"رب" المحذوفة المقدرة بعد "بل"؛ وحكم حذف "رب" مع بقاء عملها بعد "بل" الجواز مع القلة؛ ومثل هذا الشاهد قول رؤبة بن العجاج:
بل بلد ذي صعد وأصباب
... قطعت أخشاه بعسف جواب
فجاءت "رب" مقدرة بعد "بل"، وبقي عملها، بعد حذفها.
1 القائل: هو جميل بن معمر العذري، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
كدت أقضي الحياة من جلله
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 23، وابن عقيل "220/ 3/ 38"، وأمالي القالي: 1/ 246، واللسان "جلل"، وديوان جميل بن معمر العذري: 187.
المفردات الغريبة: رسم دار: هو ما بقي من آثارها لاصقا بالأرض، كالرماد ونحوه. طلله، الطلل: ما شخص أي ما ارتفع من آثارها، كالوتد والأثافي. من جلله: من أجله، أو من عظم شأنه في نفسي.
المعنى: رب أثر باق من آثار ديار الأحبة وقفت عنده، فكدت أموت أسى وحزنا على تلك الديار، التي كانت عامرة ولها أعظم شأن في نفسي، فاصبحت خرابا خاوية من أهلها.
الإعراب: رسم: اسم مجرور لفظا بـ"رب" المقدرة، مرفوع محلا على أنه مبتدأ؛ وهو مضاف. دار: مضاف إليه مجرور. وقفت: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل رفع فاعل. "في طلله": متعلق بـ"وقف"، وطلل: مضاف، والهاء مضاف إليه؛ وجملة "وقفت في طلله": في محل رفع صفة لـ"رسم"؛ أو في محل جر صفة له؛ تبعا للفظ الموصوف. كدت: فعل ماض من أفعال المقاربة مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك؛ والتاء: في محل رفع اسم "كاد". أقضي: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. الحياة: مفعول به منصوب. "من جلله": متعلق بـ"أقضي"، وجلل: مضاف، و"الهاء": في محل جر بالإضافة؛ وجملة "أقضي =(3/66)
[حذف غير رب وبقاء عمله] :
وقد يحذف غير "رب" ويبقى عمله؛ وهو ضربان:
1- سماعي؛ كقول رؤبة: "خيرٍ والحمد لله"؛ جوابا لمن قال له كيف أصبحت1؟
2- وقياسي، كقولك2: "بكم درهم اشتريت ثوبك"؛ أي: بكم من درهم؟؛
__________
= الحياة..": في محل نصب خبر "كاد"؛ وجملة "كاد واسمها وخبرها": في محل رفع خبر المبتدأ.
موطن الشاهد: "رسم دار".
وجه الاستشهاد: جر "رسم" بـ"رب"؛ وهي محذوفة من غير أن يتقدم هذا المجرور حرف من الأحرف السابق ذكرها؛ وحكم هذا قليل ونادر.
1 الأصل: بخير، أو على خير، فحذف الجار وأبقى عمله، ورؤبة هذا من فصحاء العرب الذين يستشهد بقولهم.
2 بقي مما يطرد فيه الحذف غير ما ذكره المصنف:
1- أن يكون الجار أحد حروف القسم والمجرور لفظ الجلالة دون عوض من حرف القسم المحذوف: الله لأفعلن.
2- في جواب سؤال اشتمل على حرف مثل الحرف المحذوف، نحو "زيد"، في جواب من قال: بمن اهتديت؟
3- في العطف على ما تضمن مثل الحرف المحذوف إذا كان العطف بحرف منفصل بـ"لو" كقول الشاعر:
"متى عدتم بنا ولو فئة منا".
4- أن يكون المجرور معطوفا على آخر؛ بحرف منفصل بلا، كقول الشاعر:
ما لمحب جلد أن يهجرا ... ولا حبيب رأفة فيجبرا
5- أن يكون المجرور مقرونا بهمزة استفهام بعد كلام تضمن مثل الحرف المحذوف، نحو قولك: "أزيد بن عمرو" جوابا لمن قال: "اهتديت بزيد".
6- أن يكون المجرور مسبوقا بهلا بعد كلام اشتمل على مثل الحرف المحذوف؛ نحو: "هلا رجل يعتمد عليه". بعد قول القائل "تمسكت بخالد".
7- أن يكون المجرور مسبوقا بإن، وفي الكلام السابق عليه مثل الحرف المحذوف؛ نحو: لا تمسك بأحسنهما خلقا، إن علي وإن عمرو".
8- لام التعليل إن جرت كي المصدرية وصلتها؛ نحو: جئت كي أتعلم. =(3/67)
خلافا للزجاج، في تقديره1. الجر بالإضافة؛ وكقولهم: "إن في الدار زيدا والحجرة عمرا" أي: وفي الحجرة؛ خلافا للأخفش، إذ قدر العطف، على معمولي عاملين2؛ وقولهم: "مررت برجل صالح إلا صالحٍ فطالحٍ" حكاه يونس3؛ وتقديره: إلا أمر بصالح، فقد مررت بطالح4.
__________
= 9- بعد أن المصدرية وأن المؤكدة؛ نحو: "رغبت أن أتنسك" و"عجبت أنك مستمر في ضلالك".
10- أن يكون المجرور بالحرف معطوفا على خبر "ليس" أو "ما" الحجازية بشرط أن يكون صالحا لدخول حرف الجر عليه، بأن يكون الخبر اسما لم ينتقض نفيه بإلا؛ نحو: لست مدركا القطار، ولا قادر على العودة بجر "قادر" بالعطف على مدركا، الذي يجوز جره بالباء، فيقال: لست بمدرك. فعلى الجواز الموهوم عطف عليه بالجر؛ وهذا هو الذي يسميه النحاة: العطف على التوهم.
انظر: همع الهوامع: 2/ 37، والنحو الوافي: 2/ 532، والأشموني مع حاشية الصبان: 2/ 233-235.
1 وذلك من وجهين: أحدهما: أن كم الاستفهامية، لا يصلح أن تعمل الجر؛ لأنها قائمة مقام عدد مركب؛ والعدد المركب، لا يعمل الجر، فكذا ما قام مقامه. والثاني: أن الجر بعد "كم" الاستفهامية، لو كان بالإضافة، لم يشترط دخول حرف الجر على كم، فاشتراط ذلك دليل على أن الجر بمن مضمرة؛ لكون حرف الجر الداخل على كم عوضا عن اللفظ بمن بخلاف كم الخبرية؛ فإنه لما لم يشترط دخول حرف الجر عليها، كان تمييزها مجرورا بالإضافة لا بمن مضمرة خلافا للفراء.
شرح التصريح: 2/ 23.
2 فجعل "الحجرة" معطوفة على الدار، و"عمرا" معطوفا على "زيدا" والدار وزيد معمولان لعاملين مختلفين؛ لأن العامل في الدار حرف الجر، والعامل في "زيد" إن. والعطف بحرف واحد على معمولين لعاملين مختلفين، مما لا يجيزه. سيبويه وأنصاره؛ لضعف حرف العطف عن أن يقوم مقام عاملين مختلفين. انظر حاشية الصبان. 2/ 235، وشرح التصريح: 2/ 23.
3 وحكاه سيبويه "إلا صالحا فطالحا" بنصبهما على تقدير إلا يكن صالحا يكن طالحا، وحكاه أيضا "إلا صالحا فطالح" بنصب الأول ورفع الثاني على تقدير إلا يكن صالحا فهو طالح.
4 هذا تقدير ابن مالك، وقدره سيبويه: إلا أكن مررت بصالح فبطالح.
قيل: وهو الصواب؛ لئلا يتنقض إخبارك أولا بالمرور فيما مضى؛ لأن إلا أمر معناه في =(3/68)
...........................................
__________
= المستقبل؛ ويمكن حمل تقدير ابن مالك عليه، بأن يجعل معنى إلا أمر إن لا أكن مررت. شرح التصريح: 2/ 23. حاشية الصبان: 2/ 235.
فائدتان: 1- لا يجوز الفصل بين حرف الجر ومجروره اختيارا، ويجوز الفصل بينهما اضطرارا بظرف أو جار ومجرور.
2- ذكرنا: أن الظرف والجار والمجرور لا بد لهما من متعلق يرتبطان به، وهذا المتعلق قد يكون فعلا أو شبهه كاسم الفعل، او مؤولا بما يشبه ذلك، أو ما يشير إلى معناه، نحو: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} أي وهو المسمى بهذا الاسم، {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} أي: انتفى الكون مجنونا بنعمة ربك، فإن لم يكن شيء من ذلك، قدر الكون المطلق متعلقا. ويستثنى من ذلك:
أ- الحروف الزائدة؛ لأنه أتى بها للتأكيد لا للربط.
ب- "لعل" في لغة عقيل؛ لأنها شبيهة بالزائد.
ج- "رب" في مثل: رب رجل محسن قابلت؛ لأن مجرورها مفعول.
د- "لولا" عند من جر بها؛ لأنها بمنزلة "لعل" في رفع ما بعدها محلا.
هـ- حروف الاستثناء وهي: خلا، وعدا، وحاشا، إذا خفضن.
انظر الأشموني مع حاشية الصبان: 2/ 236.(3/69)
[باب الإضافة1]
هذا باب الإضافة
[ما يحذف من الاسم المراد إضافته] :
تحذف من الاسم2 الذي تريد إضافته ما فيه من تنوين؛ ظاهر، أو مقدر؛
__________
1 الإضافة في اللغة: مطلق الإسناد، قال امرؤ القيس بن حجر الكندي:
فلما دخلناه أضفنا ظهورنا ... إلى كل حاري جديد مشطب
يريد: لما دخلنا هذا البيت، أسندنا ظهرونا إلى كل رحل منسوب إلى الحيرة؛ لأن جلب منها أو صنع بها. والإضافة في اصطلاح النحاة: إسناد اسم إلى غيره، على تنزيل الثاني من الأول منزلة التنوين أو ما يقوم مقامه.
وإن شئت قلت: هي نسبة تقييدية بين اسمين تقتضي أن يكون ثانيهما مجرورا دائما والمراد بالنسب: الإسناد والحكم. ومعنى كونها تقييدية: أنها نسبة جزئية؛ الغرض منها تقييد المضاف بالمضاف إليه، وإيجاد نوع من القصر والتحديد له بعد أن كان عاما مطلقا. هذا، ولا يكون المصاف إلا اسما؛ لأن الإضافة تعاقب التنوين أو النون القائمة مقام التنوين والذي -أي التنوين- هو من صفات الأسماء، ولأن الغرض من الإضافة تعريف المضاف. والفعل لا يتعرف، فلا يكون مضافا؛ وكذلك المضاف إليه، لا يكون إلا اسما؛ لأنه محكوم عليه، ولا يحكم إلا على الأسماء.
انظر شرح التصريح: 2/ 23-24، وهمع الهوامع: 2/ 46.
2 يحذف من الاسم المراد إضافته ثلاثة أشياء:
1- التنوين الظاهر من الاسم المنصرف؛ نحو: "ثوب خالد"، والتنوين المقدر في الاسم الممنوع من الصرف؛ نحو: دراهم زيد.
2- النون المعوض بها عن التنوين، وذلك في المثنى، تقول في عصوان: عصواك. وجمع المذكر السالم، فتقول في "مستوطنون" مستوطنو مصر.
3- "أل" المعرفة، وذلك في الإضافة المحضة مطلقا فتقول في إضافة الدرهم: درهمك، ولا تقول: الدرهمك. وأما الإضافة غير المحضة، فإن كان المضاف مثنى أو جمع مذكر سالما أو لم يكن واحدا منهما لكن كان المضاف إليه مقترنا بأل صح أن تبقى أل في المضاف نحو: المستوطنا عدن، والضاربو زيد، والضارب الرجل، فأما إذا كان المضاف =(3/70)
كقولك في "ثوب ودراهم": "ثوب زيد" و"دراهمه" ومن نون تلي علامة الإعراب؛ وهو نون التثنية وشبهها؛ نحو: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} 1، و"هذان اثنا زيد"، ونون جمع المذكر السالم وشبهه؛ نحو: {وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ} 2، و"عشرو عمرو"3، ولا تحذف النون التي تليها علامة الإعراب؛ نحو: "بساتين زيد"، و {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ} 4.
ويجر المضاف إليه بالمضاف، وفاقا لسيبويه5، لا بمعنى اللام؛ خلافا للزجاج6.
__________
= مفردا والمضاف إليه غير مقترن بأل فيجب حذف أل من المضاف، فتقول في إضافة "الساكن": ساكن مصر، ولا تقول: الساكن مصر.
ويجوز حذف تاء التأنيث بشرط ألا يوقع حذفها في لبس؛ نحو: عدة وإقامة، يجوز أن تقول: عدتك وإقامتك -بذكر التاء- وقد حذفت التاء في قوله تعالى: {وَأَقَامَ الصَّلاةَ} .
انظر حاشية يس على التصريح: 2/ 24، وحاشية الصبان: 2/ 237.
1 111 سورة المسد، الآية: 1.
موطن الشاهد: {يَدَا أَبِي لَهَبٍ} .
وجه الاستشهاد: حذف نون التثنية في "يدا" لإضافتها إلى أبي لهب.
2 22 سورة الحج، الآية: 35.
موطن الشاهد: {الْمُقِيمِي الصَّلاةِ} .
وجه الاستشهاد: حذف نون جمع المذكر السالم في "المقيمي" لإضافتها إلى الصلاة؛ ولو أعمل اسم الفاعل؛ لثبتت النون في "المقيمين" وانتصبت الصلاة على المفعولية.
3 عشرو: شبيه بجمع المذكر في إعرابه بالحروف، وليس بجمع؛ لأنه لا مفرد له.
4 6 سورة الأنعام، الآية: 112.
موطن الشاهد: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ} .
وجه الاستشهاد: ثبوت النون في "شياطين" على الرغم من إضافتها؛ فكونها لا تشبه التنوين فيما ذكر؛ لأن النون -هنا- تليها علامة الإعراب، وهي حركة الضمة.
5 ووافقه الجمهور وهو الصحيح؛ بدليل اتصال الضمير به، والضمير لا يتصل إلا بعامله.
6 حيث ذهب إلى أن الجار هو ما تتضمنه الإضافة من معنى اللام.
هذا وقد ذهب السهيلي، وأبو حيان إلى أن الجار، هو الإضافة، وذهب ابن الباذش إلى أن الجار للمضاف حرف جر مقدر، ويرده أنا لا نجد لهذا الحرف الذي سنقدره متعلقا يتعلق به.
انظر التصريح: 2/ 35، وحاشية الصبان: 2/ 238، والإنصاف: 2/ 427.(3/71)
[معاني الإضافة] :
فصل: وتكون الإضافة على معنى "اللام" بأكثرية؛ وعلى معنى "من" بكثرة، وعلى معنى "في" بقلة1.
وضابط التي بمعنى "في": أن يكون الثاني ظرفا للأول؛ نحو: {مَكْرُ اللَّيْلِ} 2، و {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ} 3.
والتي بمعنى "من": أن يكون المضاف بعض المضاف إليه وصالحا للإخبار به عنه4؛ كـ"خاتم فضة"؛ ألا ترى أن الخاتم، بعض جنس الفضة، وأنه يقال: هذا الخاتم فضة.
__________
1 للنحاة في معنى الإضافة عدة مذاهب منها:
أ- ذهب أبو حيان إلى أن الإضافة، ليست على معنى حرف أصلا، ولا هي على نية حرف.
ب- وذهب أبو إسحاق الزجاج وأبو الحسن بن الصائغ إلى أن الإضافة، تكون على معنى اللام فقط.
ج- وذهب الجمهور إلى أن الإضافة، تكون على معنى اللام أو على معنى من، ولا تكون على معنى في.
د- ورأى ابن مالك -تبعا لطائفة من النحاة- وتبعه شارحو كلامه؛ ومنهم ابن هشام الأنصاري أن الإضافة، تجيء على معنى أحد حروف ثلاثة؛ وهي اللام، ومن، وفي.
انظر شرح التصريح: 2/ 25-26.
2 34 سورة سبأ، الآية: 33.
موطن الشاهد: {مَكْرُ اللَّيْلِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الإضافة بمعنى في؛ حيث وقع المكر مضافا والليل مضافا إليه؛ والليل ظرف للمكر؛ والتقدير: مكر في الليل.
3 12 سورة يوسف، الآية: 39، 41.
موطن الشاهد: {صَاحِبَيِ السِّجْنِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الإضافة بمعنى في؛ حيث وقع "صاحبي" مضافا، والسجن مضافا إليه؛ ومعلوم أن السجن ظرف مكان لـ"صاحبي"؛ والتقدير: يا صاحبان في السجن.
4 أي: يصح الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف.(3/72)
فإن انتفى الشرطان معا، نحو "ثوب زيد" و"غلامه"، و"حصير المسجد"، و"قنديله"1؛ أو الأول فقط، نحو: "يوم الخميس"2، أو الثاني فقط؛ نحو: "يد زيد"3؛ فالإضافة بمعنى لام الملك والاختصاص4.
[أنواع الإضافة] :
فصل: والإضافة على ثلاثة أنواع:
1- نوع يفيد تعرف المضاف والمضاف إليه إن كان معرفة، كـ"غلام زيد"، وتخصصه به إن كان نكرة5؛ كـ"غلام امرأة"؛ وهذا النوع، هو الغالب6.
__________
1 فالثوب والغلام، ليسا بعض زيد، وكذلك الحصير والقنديل، ليسا بعض المسجد، ولا يصح الإخبار بزيد، ولا بالمسجد عما قبلهما؛ والإضافة في الأولين للملك، وفي الآخرين للاختصاص؛ وفي الحالات الأربع، لا يصح الإخبار فيها بالمضاف إليه عن المضاف، ولا المضاف إليه فيها ظرف للمضاف. شرح التصريح: 2/ 25.
2 فإن اليوم، ليس بعض الخميس، وإن كان يصح الإخبار عنه بالخميس؛ فالإضافة -هنا- من إضافة المسمى إلى الاسم.
3 فاليد -وإن كانت بعض يد- غير أنه لا يصح الإخبار عنها به، والإضافة فيه من إضافة الجزء إلى كله.
4 المقصود بلام الملك، كما في ثوب زيد وغلامه؛ ولام الاختصاص، كما في بقية الأمثلة، وعلى هذا، تكون الإضافة التي على معنى اللام، هي التي يتحقق معناها من دون معنى "من" أو "في".
فائدتان:
فائدة "أ": لا يشترط في الإضافة التي بمعنى اللام صحة التصريح بها؛ بل يكفي إفادة معناها؛ نحو: يوم الاثنين، وعلم البلاغة، وشجرة التفاح؛ فإنها بمعنى لام الاختصاص، ولا يصح إظهار اللام فيها.
فائدة "ب": من الإضافة التي على معنى "من": إضافة الأعداد إلى المعدودات؛ نحو: خمسة طلاب. وإضافة العدد إلى مثله؛ نحو: خمسمائة، ولا يضر -هنا- عدم صحة الإخبار في الظاهر؛ لأن المضاف إليه يشمل المضاف.
وإضافة المقادير إلى الأشياء المقدرة؛ نحو: اشتريت صاع بر. ضياء السالك: 2/ 288.
5 المراد بالتخصص: تقليل الشيوع والاشتراك في النكرة، بحيث تصبح في درجة بين المعرفة والنكرة؛ من ناحية التعيين والتحديد.
6 وذلك؛ لأن كلا من المتضايفين، يؤثر في الآخر؛ فالمضاف يؤثر الجر في المضاف إليه؛ =(3/73)
2- ونوع يفيد تخصص المضاف دون تعرفه1؛ وضابطه: أن يكون المضاف متوغلا في الإبهام2؛ كـ"غير" و"مثل"؛ إذا أريد بهما مطلق المماثلة والمغايرة3، لا كمالهما4؛ ولذلك صح وصف النكرة بهما في نحو: "مررت برجل مثلك"، أو "غيرك"5.
وتسمى الإضافة -في هذين النوعين- معنوية؛ لأنها، أفادت أمرا معنويا6،
__________
= وهذا يؤثر في الأول التعريف أو التخصيص؛ وضابطه: انتفاء ضابطي القسمين الآتيين. شرح التصريح: 2/ 26.
1 ينقسم هذا النوع إلى قسمين؛ الأول: ملازم للتنكير، ولا يقبل التعريف أصلا، ولو أضيف إلى معرفة؛ لشدة توغله في الإبهام، وقد ذكر المؤلف ضابطه.
والقسم الثاني: يقبل التعريف، ولكن يجب تأويله بنكرة؛ لأنه حل محل ما لا يكون إلا نكرة؛ ومن ذلك: المعطوف على مجرور رب، وعلى التمييز المجرور بعد "كم"؛ نحو: رب رجل وصديقه، كم ناقة وفصيلها؛ لأن مجرور "رب" و"كم" لا يكون إلا نكرة، فالمعطوف عليهما نكرة كذلك؛ وكذا كلمة "وحد" و"جهد" و"طاقة" ونحوها؛ نحو: فعل ذلك وحده؛ أو جهده؛ أو طاقته؛ لأن هذه الكلمات أحوال غالبا -والحال لا يكون إلا نكرة- ولهذا، يجب تأويلها بـ"منفردا وجاهدا ومطيقا"؛ والإضافة في هذه الأمثلة ونحوها، تفيد التخصيص دون التعريف. شرح التصريح: 2/ 26.
2 أي: متعمقا ومتغلغلا وشديد الدخول فيه.
3 نحو: مررت برجل غيرك؛ أو مثلك؛ لأن المغايرة أو المماثل العامة بين شيئين، لا تخص وجها بعينه.
4 لأن صفات المخاطب معلومة، فثبوتها كلها لشخص، أو ثبوت أضدادها جميعها لشخص؛ يستلزم تعيينه؛ وإذا أريد بـ"غير" و"مثل" مغايرة خاصة ومماثلة خاصة؛ حكم بتعريفهما، وأكثر ما يكون ذلك في "غير" إذا وقعت بين ضدين معرفتين؛ نحو: رأيت العلم غير الجهل، ومررت بالكريم غير الشحيح؛ ويكون في "مثل": إذا أضيفت إلى معرفة، وقارنها ما يشعر بمماثلة خاصة؛ نحو: محمد مثل عنترة؛ أي: في الشجاعة.
فائدة: من الألفاظ المتوغلة في الإبهام: تربك، نحوك، ندك، شبهك؛ ومعناها: نظيرك، وشرعك، قطك، وقدك؛ وهي بمعنى: حسبك، وكافيك، وخدنك -بمعنى صاحبك- ولا يقاس على هذه، بل يقتصر على السماع. انظر شرح التصريح: 2/ 27.
5 وفي هذا دلالة على أنها تتعرف بالإضافة؛ لأن النكرة، لا توصف بمعرفة.
6 وهو استفادة المضاف من المضاف إليه التعريف أو التخصيص؛ ولأنها تتضمن معنى حرف من حروف الجر الثلاثة: من، في، اللام.(3/74)
ومحضة؛ أي: خالصة من تقدير الانفصال1.
3- ونوع لا يفيد شيئا من ذلك؛ وضابطه: أن يكون المضاف صفة تشبه المضارع في كونها مرادا بها الحال أو الاستقبال2؛ وهذه الصفة ثلاثة أنواع: اسم فاعل3؛ كـ"ضارب زيد"، و"راجينا"، واسم مفعول كـ"مضروب العبد"، و"مروع القلب"4، والصفة المشبهة كـ"حسن الوجه"، و"عظيم الأمل"، و"قليل الحيل".
والدليل على أن هذه الإضافة لا تفيد المضاف تعريفا: وصف النكرة به في
__________
1 فنحو: "والد محمد مثلك" ليس في تقدير: والد لمحمد مثلك؛ بل بين المضاف والمضاف إليه قوة ارتباط واتصال. وأكثر ما يكون المضاف في الإضافة المحضة اسما جامدا غير مؤول بالمشتق؛ كالمصادر وأسمائها، والمشتقات الشبيهة بالجوامد التي لا تعمل مطلقا، كأسماء المكان، والزمان، والآلة، وأفعل التفضيل على المشهور. ضياء السالك: 2/ 290.
2 وإذا كانت الصفة بمعنى الماضي، أو مطلق الزمن، فالإضافة فيها محضة، نحو: قارئ الدرس أمس كان نشيطا، وقارئ الدرس نشيط. واختلف في الصفة التي بمعنى الاستمرار؛ فقيل: هي الحال، وقيل: الاستمرار يحتوي الأزمنة الثلاثة؛ فإذا اعتبر جانب الماضي؛ كانت الإضافة حقيقية، فلا يعمل، ويتعرف بالإضافة، كما في قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} بدليل وصف المعرفة به؛ وإن اعتبر جانب الحال أو الاستقبال؛ كانت الإضافة غير حقيقية، فيعمل، ولا يتعرف كما في قوله تعالى: "وجاعل الليل سكنا".
وإذا كان المضاف إليه جملة في هذا النوع من الإضافة؛ فإن الجملة تعتبر في حكم المفرد المضاف إليه؛ لأنها تؤول بمصدر مضاف إلى فاعله -إن كانت فعلية- وبمصدر مضاف إلى مبتدئه -إن كانت اسمية- نحو: أزورك حين تكون في المنزل -أي حين وجودك- وأزورك حين والدك موجود -أي حين وجود والدك- وهذا المصدر يكون معرفة إن أضيف إلى معرفة، ونكرة متخصصة إن أضيف إلى نكرة.
3 سواء أكان مضافا إلى معمولة الظاهر أم المضمر، وقد مثل لهما المؤلف؛ ومثل اسم الفاعل صيغ المبالغة.
4 سواء كان من الثلاثي أم من غيره كمثالي المتن؛ ومروع: من روعه الشيء بمعنى أفزعه.(3/75)
نحو: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} 1، ووقوعه حالا في نحو: {ثَانِيَ عِطْفِهِ} 2، وقوله3: [الكامل]
317- فأتت به حوش الفؤاد مبطنا4
__________
1 5 سورة المائدة الآية: 95.
موطن الشاهد: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "هديا" نكرة منصوبة على الحال، و"بالغ الكعبة" صفتها ومضاف إليه؛ ومعلوم أن الإضافة -هنا- لم تفد المضاف تعريفا؛ لأنه لا توصف النكرة بالمعرفة.
2 22 سورة الحج، الآية: 9.
موطن الشاهد: "ثاني عطفه".
وجه الاستشهاد: مجيء "ثاني" حالا من فاعل "يجادل" في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} ؛ ومعلوم أن الحال واجب التنكير، والأصل عدم التأويل.
3 القائل: هو أبو كبير الهذلي، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
سهدا إذا ما نام ليل الهوجل
والبيت من كلام أبي كبير في وصف ابن زوجته؛ تأبط شرا، أحد فتاك العرب وذؤبانهم.
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 28، والأشموني: 593/ 2/ 305، والعيني: 3/ 361، والمغني: 895/ 664، والسيوطي: 298، وديوان الهذليين: 2/ 92.
المفردات الغريبة: أتت به: فاعل أتت يعود إلى أم تأبط شرا، وكان أبو كبير قد تزوجها.
حوش الفوائد: حديد القلبي، جريء الجنان. مبطنا: ضامر البطن. سهدا: قليل النوم. الهوجل: الثقيل الكسلان، أو الأحمق.
المعنى: أن هذه المرأة جاءت بمولود ذكي جريء ضامر البطن يقظ، قليل النوم في الليل حين ينام غيره من الكسالى الحمقى.
الإعراب: فأتت: الفاء عاطفة، أتت: فعل ماض، مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة؛ للتخلص من التقاء الساكنين، منع من ظهوره التعذر؛ والتاء للتأنيث، لا محل لها من الإعراب، والفاعل: هي. "به": متعلق بـ"أتى". حوش: حال من الضمير المجرور محلا بالباء، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف. الفؤاد: مضاف إليه مجرور. مبطنا: حال ثانية من الضمير المجرور محلا بالباء. شهدا: حال ثالثة، إذا: ظرف زمان متعلق بـ"سهدا" مبني على السكون في محل نصب. ما: زائدة. نام: فعل ماض مبني على الفتح. ليل: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو =(3/76)
ودخول "رب" عليه في قوله1: [البسيط]
318- يا رب غابطنا لو كان يطلبكم2
__________
= مضاف. الهوجل: مضاف إليه مجرور؛ وجملة "نام ليل الهوجل": في محل جر بالإضافة.
موطن الشاهد: "حوش الفؤاد".
وجه الاستشهاد: إضافة الصفة المشبهة "حوش" إلى فاعلها المحلى بأل، ولم يفدها ذلك تعريفا؛ ودليل ذلك وقوعها حالا، ومعلوم أن الحال، لا تكون إلا نكرة.
فائدة: إسناد النوم إلى الليل في -الشاهد المذكور- مجاز عقلي، من إسناد الفعل إلى زمنه؛ أي: نام الهوجل في الليل.
1 القائل: هو جرير بن عطية؛ وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت لجرير في هجاء الأخطل النصراني، وعجزه قوله:
لاقى مباعدة منكم وحرمانا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 28، والأشموني: 592/ 2/ 305، والعيني: 3/ 364، وسيبويه: 1/ 212، والمقتضب: 3/ 227، 4/ 150، 289، والجمل: 103، وشرح المفصل: 3/ 51، والهمع: 2/ 47، والدرر: 2/ 56، والمغني: 896/ 664، والسيوطي: 298، وديوان جرير: 595.
المفردات الغريبة: غابطنا: اسم فاعل من الغبطة، وهي أن يتمنى الإنسان مثل حال من يغبطه، من غير أن يتمنى زوال ما عنده. مباعدة، بعدا وانصرافا. حرمانا: منعا وعدم استجابة.
المعنى: كثير من الناس يغبطوننا على اتصالنا بكم، ويتمنون أن يكونوا مثلنا؛ لأنهم يظنون أننا ننعم بهذا الاتصال، ولو قصدوكم، وطلبوا شيئا مما عندكم لأبعدتموهم وحرمتموهم العطاء، ولعرفوا حقيقة ما يناله المتصل بكم.
الإعراب: يا: حرف تنبيه؛ أو حرف نداء، والمنادى محذوف؛ والتقدير: يا هؤلاء رب ... رب: حرف جر شبيه بالزائد. غابطنا: "غابط" اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ، وهو مضاف، و"نا" في محل جر بالإضافة. لو: حرف امتناع لامتناع؛ أو أداة شرط غير جازمة. كان: فعل ماض ناقص، مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب؛ واسمه ضمير مستتر جوازا تقديره: هو: يطلبكم: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو؛ يعود إلى اسم كان، و"كم": في محل نصب مفعولا به. وجملة "يطلبكم": في محل نصب خبر كان؛ وجملة "كان واسمها وخبرها": شرط "لو". لاقى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف؛ للتعذر؛ والفاعل: هو؛ يعود إلى =(3/77)
والدليل على أنها لا تفيد تخصيصا: أن أصل قولك: "ضارب زيد": ضارب زيدا؛ فالاختصاص موجود1 قبل الإضافة؛ وإنما تفيد هذه الإضافة التخفيف2، أو رفع القبح.
أما التخفيف، فبحذف التنوين الظاهر؛ كما في "ضارب زيد"، و"ضاربات عمرو" و"حسن وجهه"، أو المقدر؛ كما في: "ضوارب زيد"، و"حواج بيت الله"3، أو نون التثنية؛ كما في "ضاربا زيد"، أو الجمع؛ كما في: "ضاربو زيد".
وأما رفع القبح؛ ففي نحو: "مررت بالرجل الحسن الوجه"؛ فإن في رفع "الوجه"4 قبح خلو الصفة من ضمير، يعود على الموصوف5؛ وفي نصبه6 قبح إجراء وصف القاصر، مجرى وصف المتعدي7؛ وفي الجر تخلص منهما. ومن
__________
= "غابطنا". مباعدة: مفعول به لـ"لاقى". "منكم": متعلق بمحذوف صفة لمباعدة. وحرمانا: الواو عاطفة، حرمانا: اسم معطوف على "مباعدة" منصوب مثله؛ وجملة "لاقى منكم ... ": جواب لو، لا محل لها؛ وجملة "لو وشرطها وجوابها": في محل رفع خبر المبتدأ المجرور لفظا بـ"رب".
موطن الشاهد: "رب غابطنا".
وجه الاستشهاد: دخول "رب" على "غابطنا"؛ وهو اسم فاعل مضاف إلى ضمير المتكلم؛ ومعلوم أن "رب" لا تدخل إلا على النكرات؛ وفي ذلك دلالة على أن المضاف "اسم الفاعل" لم يستفد من إضافته إلى الضمير تعريفا.
1 أي بمعمول اسم الفاعل.
2 لأن الأصل في الصفة، أن تعمل النصب، والمختص أخف؛ لأنه لا تنوين معه ولا نون كما بين المصنف.
3 في "ضوارب" و"حواج" تنوين مقدر، حذف للإضافة، بدليل نصبهما المفعول.
4 أي: على الفاعلية بالصفة المشبهة.
5 لأن الصفة، لا ترفع ظاهرا وضميرا معا، والغالب في الصفة المشبهة أن تشتمل على ضمير، يكون بمنزلة رابط بينهما، وبين ما تجري عليه، ويدل على معناها.
6 أي على التشبيه بالمفعول به -إن كان معرفة، وعليه أو على التمييز- إن كان نكرة.
7 أي في نصب الشبيه بالمفعول به؛ لأن الصفة المشبهة، لا تصاغ إلا من اللازم، فهي كفعلها، لا تنصب المفعول به.(3/78)
ثم1 امتنع "الحسن وجهه"؛ لانتفاء قبح الرفع2؛ ونحو: "الحسن وجه" لانتفاء؛ قبح النصب؛ لأن النكرة تنصب على التمييز3.
وتسمى الإضافة في هذا النوع لفظية؛ لأنها أفادت أمرا لفظيا4، وغير محضة؛ لأنها في تقدير الانفصال5.
[اختصاص الإضافة اللفظية بجواز دخول "أل" على المضاف] :
فصل: تختص الإضافة اللفظية بجواز دخول "أل" على المضاف في خمس مسائل6.
إحداها: أن يكون المضاف إليه بأل7؛ كـ"الجعد الشعر"، وقوله8: [الطويل]
__________
1 أي: ومن أجل أن الإضافة، فيما ذكر إنما هي لرفع قبح الرفع والنصب على النحو الذي بسط.
2 لأن في المرفوع ضميرا مضافا إليه، يعود على الموصوف.
3 أي: والتمييز ينصبه المتعدي والقاصر.
4 وهو التخفيف بحذف التنوين ونوني المثنى والجمع من آخر المضاف، والتحسين المترتب على إزالة القبح.
5 فإن المضاف فيها، لا بد من أن يكون وصفا عاملا، وكثيرا ما يرفع ضميرا مستترا، وهذا الضمير يكون فاضلا تقديرا بين الوصف المضاف ومعموله على الرغم من استتاره، ويجعل الإضافة غير خالصة الاتصال.
6 أما المحضة: فلا تدخل "أل" فيها على المضاف؛ لئلا يلزم اجتماع معرفين على شيء واحد أو إضافة المعرفة إلى النكرة. وأجاز الكوفيون دخول "أل" على المضاف إذا كان اسم عدد مضاف إلى معدود فيه "أل" نحو: قرأت الثلاثة الكتب في الأربعة الأيام. وحجتهم في ذلك السماع. وكان القياس في اللفظية كذلك، لكن لما كانت الإضافة فيها على نية الانفصال؛ اغتفر ذلك فيها.
7 لأن رفع القبح عن نصب ما بعد الصفة المشبهة بالإضافة، لا يكون إلا بذلك الشرط كما بينا قريبا. وحمل عليها اسم الفاعل. والجعد: صفة مشبهة، من جعد شعره جعودة -ضد بسط.
8 القائل: الفرزدق الشاعر الأموي، وقد مرت ترجمته.(3/79)
319- شفاء وهن الشافيات الحوائم1
الثانية: أن يكون مضافا لما فيه "أل"2؛ كـ"الضارب رأس الجاني"، وقوله3: [الطويل]
__________
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
أبأنا بهم قتلى وما في دمائهم
البيت من كلمة، يقولها الشاعر حين خرج قتيبة بن مسلم الباهلي على سليمان بن عبد الملك، وخلع طاعته، فقتله وكيع بن حسان بن قيس، وبعث برأسه إلى سليمان.
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 29، والأشموني: 599/ 2/ 308 والعيني: 3/ 389، والهمع: 2/ 31، والدرر: 2/ 29، وفيه اختلاف في الرواية ولم ينسبه.
المفردات الغريبة: أبأنا: قتلنا وعوضنا، يقال أبأت فلانا بفلان؛ قتلته به وجعلته بواء، أي عوضا به. والضمير في "بهم" و"هن" للسيوف، وفي "دمائهم" للقتلى. الشافيات: جمع شافية اسم فاعل من الشفاء. الحوائم: العطاش، جمع حائمة، وهي التي تحوم حول الماء من العطش، والمراد: المتشوقة للقتل.
المعنى: قتلنا بهذه السيوف قتلى منهم، وعوضنا بها قتلانا، ولكن ما سفك من دماء القتلى لم يشف ما في صدورنا من غيظ ورغبة في الانتقام؛ لأن من قتلنا غير أكفاء لنا، ولا وفاء في دمائهم لقتلانا، وإنما يشفي غيظ الصدور، وتهدأ حرارة الألم إذا قتلنا مثل من فقدنا؛ والسيوف هي الشافيات التي بها تنال الثارات.
الإعراب: أبأنا: فعل ماض، و"نا": فاعله. "بهم": متعلق بـ"أبأنا". قتلى: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف، منع من ظهورها التعذر. وما: الواو حالية، "ما": نافية. "في دمائهم": متعلق بمحذوف خبر مقدم، ودماء: مضاف، وضمير الغائبين مضاف إليه. شفاء: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "ما في دمائهم شفاء" في محل نصب على الحال. وهن: الواو حالية أيضا، و"هن" ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. الشافيات: خبر مرفوع. الحوائم: مضاف إليه؛ وجملة "هن الشافيات الحوائم": في محل نصب على الحال.
موطن الشاهد: "الشافيات الحوائم".
وجه الاستشهاد: إضافة الوصف المقترن بأل "الشافيات" إلى الحوائم؛ لأن المضاف إليه "الحوائم" مقترن بها أيضا؛ ومعلوم أن الإضافة -هنا- لفظية.
2 فإن وجودها فيه كوجودها في الثاني؛ لأن المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد، ولهذا لا يسوغ أن يكون بين الوصف وما فيه "أل" أكثر من مضاف واحد، فلا يصح: الضارب رأس صديق الجاني.
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.(3/80)
320- لقد ظفر الزوار أقفية العدى1
الثالثة: أن يكون مضافا إلى ضمير ما فيه "أل"؛ كقوله2: [الكامل]
321- الود أنت المستحقة صفوه3
__________
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
بما جاوز الآمال ملأسر والقتل
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 29، والأشموني: 600/ 2/ 308، والتصريح: 2/ 245.
المفردات الغريبة: ظفر: نال. الزوار: جمع زائر. أقفية: جمع قفا وهو مؤخرالعنق. ملأسر: أصله من الأسر؛ فحذفت النون على لغة وهو كثير في كلام العرب، وكذلك همزة الوصل وذلك كثير أيضا في كلامهم.
المعنى: أن الإعداء فروا أما هؤلاء الأبطال حين رأوهم، ولم يثبتوا، وأعطوهم ظهورهم وأقفيتهم؛ فظفروا منهم بأكثر مما كانوا يأملون من أسرهم وقتلهم.
الإعراب: لقد: اللام واقعة في جواب قسم مقدر، قد: حرف تحقيق، لا محل له من الإعراب. ظفر: فعل ماض مبني على الفتح، الزوار: فاعل ظفر مرفوع، وهو مضاف. أقفية: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. العدى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر. "بما": متعلق بـ"ظفر"؛ وما اسم موصول بمعنى الذي في محل جر بحرف الجر. جاوز: فعل ماض، والفاعل: هو، يعود إلى "ما" الموصولة. الآمال: مفعول به منصوب؛ وجملة "جاوز الآمال": صلة للموصول، لا محل لها. "ملأسر": متعلق بـ"جاوز". والقتل: الواو عاطفة، القتل: اسم معطوف على الأسر مجرور مثله.
موطن الشاهد: "الزوار أقفية العدى".
وجه الاستشهاد: إضافة "الزوار" وهو صفة مقترنة بأل، إلى اسم خال منها؛ وهو "أقفية" وإنما سوغ ذلك كون المضاف إليه -أقفية- مضافا إلى اسم مقترن بأل؛ وهو "العدى".
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
مني وإن لم أرج منك نوالا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 29، والأشموني: 601/ 2/ 308، والعيني: 3/ 392، والهمع: 2/ 48، والدرر: 2/ 57، وحاشية يس على التصريح: 2/ 28. =(3/81)
ومنع ذلك المبرد1.
الرابعة: أن يكون المضاف مثنى؛ كقوله2: [البسيط]
322- إن يغنيا عني المستوطنا عدن3
__________
= المفردات الغريبة: الود: الحب والمودة. صفوة: خالصة. أرج: آمل وأطمع. نوالا: عطاء.
المعنى: يخاطب الشاعر محبوبته قائلا: أنت -من دون سائر الناس- التي تستحق وتستوجب مني خالص الحب والمودة، ولست أرجو من وراء ذلك منك عطاء، ولا أطلب جزاء؛ أي: أمنحك هذه المحبة الخالصة وأنا على يقين من أنك لا تمنين علي بما يكافئ ذلك كله؛ فلا مطمع لي في شيء مما يطمع فيه المحبون.
الإعراب: الود: مبتدأ أول مرفوع. أنت: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ ثان. المستحقة: خبر المبتدأ الثاني مرفوع، وهو مضاف. صفوة: "صفو" مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة؛ وجملة "أنت المستحقة صفوه": في محل رفع خبر المبتدأ الأول. "مني": متعلق بـ"المستحقة". وإن: الواو عاطفة، والمعطوف عليه محذوف. إن: حرف شرط جازم. لم: نافية جازمة. أرج: فعل مضارع مجزوم بـ"إن" -وهو فعل الشرط- وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره؛ والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقدير: أنا. "منك": متعلق بـ"أرجو". نوالا: مفعول به منصوب؛ وجواب الشرط محذوف، دل عليه سابق الكلام؛ وجملة "إن لم أرج منك نوالا": معطوفة على جملة أخرى محذوفة، هي أولى بالحكم الذي هو استحقاقها للود من هذه الجملة المذكورة، وتقدير الكلام: إن رجوت منك نوالا، وإن لم أرج منك نوالا.
موطن الشاهد: "المستحقة صفوه".
وجه الاستشهاد: إضافة الوصف المقترن بأل -المستحقة- إلى مضاف فيه ضمير يعود إلى ما فيه "أل"؛ وهو "صفوه"؛ حيث إن "الهاء" فيه ضمير عائد إلى الود؛ وحكم هذه الإضافة جائزة عند الجمهور؛ خلاف للمبرد.
1 سقطت العبارة في أوضح المسالك "ط. دار الفكر"؛ وأوجب المبرد النصب -هنا- ولم يعتبر الضمير العائد إلى ما فيه "أل" بمنزلة الاسم المقرون بها، وهو محجوج بالسماع؛ والأفصح في المسائل الثلاث: النصب بالوصف.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
فإنني لست يوما عنهما بغني
وهو من شواهد: التصريحك 2/ 29، والأشموني: 602/ 2/ 309، والعيني: 3/ 393، والهمع: 2/ 48، الدرر: 2/ 57(3/82)
الخامسة: أن يكون جمعا اتبع سبيل المثنى؛ وهو جمع المذكر السالم؛ فإنه يعرب بحرفين، ويسلم فيه بناء الواحد، ويختم بنون زائدة، تحذف للإضافة، كما أن المثنى كذلك؛ كقوله1: [البسيط]
323- ليس الأخلاء بالمصغي مسامعهم2
__________
= المفردات الغريبة: يغنيا: يستغنيا، مضارع غني بمعنى استغنى. المستوطنا عدن: اللذان اتخذا "عدن" وطنا وموضع إقامة.
المعنى: أن يستغن هذان الشخصان المقيمان بعدن، ويريا أنهما في غير حاجة إلي، فإني لا أستغني عنهما يوما، وأراني محتاجا إليهما دائما.
الإعراب: إن: حرف شرط جازم. يغنيا: فعل مضارع مجزوم -وهو فعل الشرط- وعلامة جزمه حذف النون، والألف: ضمير متصل في محل رفع فاعل. "عني": متعلق بـ"يغنيا". المستوطنا: بدل من ألف الاثنين -على اللغة الفصحى- مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى، وهو مضاف. عدن: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة. فإنني: الفاء رابطة لجواب الشرط. إن: حرف مشبه بالفعل، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل في محل نصب اسم "إن". لست: فعل ماض ناقص، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم "ليس". "يوما": متعلقا بقوله "غني" الآتي. "عنهما": متعلق بـ"غني" أيضا. بغني: الباء حرف جر زائد، مجرور لفظا، منصوب محلا على أنه خبر "ليس"؛ وجملة "ليس مع اسمها وخبرها": في محل رفع خبر "إن"؛ وجملة "إن واسمها وخبرها": في محل جزم جواب الشرط.
موطن الشاهد: "المستوطنا عدن".
وجه الاستشهاد: إضافة الاسم المقترن بـ"أل" إلى اسم ليس مقترنا بها؛ وهو "عدن" وسوغ ذلك كون المضاف وصفا دالا على مثنى؛ وعلل النحويون هذا بأن الوصف، لما طال بالتثنية والجمع؛ ناسبه التخفيف، فلم يحتج لاتصالها بالمضاف إليه.
فائدة: في قوله: "يغنيا المستوطنا" شاهد على إلحاق علامة التثنية بالفعل مع كونه رافعا لاسم ظاهر مثنى؛ وذلك على لغة "أكلوني البراغيث"؛ ولهذا أعربنا "المستوطنا" بدلا؛ لكيلا يأتي فاعلان لفعل واحد، كما هو معلوم.
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
إلى الوشاة ولو كانوا ذوي رحم
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 30، والعيني: 3/ 394، والهمع: 2/ 48، والدرر: 2/ 57. =(3/83)
وجوز الفراء إضافة الوصف المحلى بأل إلى المعارف كلها1، كـ"الضارب زيد"، و"الضارب هذا"، بخلاف "الضارب رجل"2. وقال المبرد والرماني3 في "الضاربك" و"ضاربك": موضع الضمير خفض4، وقال الأخفش:............
__________
= المفردات الغريبة: الأخلاء: جمع خليل؛ وهو الصديق المخلص. بالمصغي: جمع مصغ؛ وهو اسم فاعل من أصغى إليه إذا أنصت له وأمال أذنه إليه. مسامعهم: جمع مسمع وهو مكان السمع أي الأذن. الوشاة: جمع واش، وهو النمام الذي يسعى بين المتصافين لإفساد قلوبهم. رحم: قرابة.
المعنى: أن الأصدقاء المخلصين في صداقتهم، لا يستمعون، ولا يلتفتون إلى كلام النمامين الذين يسعون للإفساد بين الأصدقاء، ولو كان هؤلاء الساعون من الأقرباء.
الإعراب: ليس: فعل ماض ناقص. الأخلاء: اسم ليس مرفوع. بالمصغي: الباء حرف جر زائد. المصغي: اسم مجرور لفظا، منصوب محلا على أنه خبر "ليس"؛ وهو مضاف، مسامعهم: "مسامع" مضاف إليه مجرور؛ وهو مضاف، و"هم" مضاف إليه. "إلى الوشاة": متعلق بقوله: "المصغي". ولو: الواو عاطفة، والمعطوف عليه محذوف؛ وسنبين ذلك لاحقا. لو: حرف امتناع لامتناع؛ أو حرف شرط غير جازم. كانوا: فعل ماض ناقص، مبني على الضم؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: ضمير متصل في محل رفع اسم "كان". ذوي: خبر "كان" منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم؛ وهو مضاف. رحم: مضاف إليه مجرور؛ وجملة "كان واسمها وخبرها": معطوفة بالواو على محذوف هو أولى بالحكم -الذي هو انتفاء الخلة عمن يصغي مسامعه إلى الوشاة من الأخلاء- من المذكور؛ والتقدير: إن لم يكن الوشاة ذوي رحم، وإن كانوا ...
موطن الشاهد: "المصغي مسامعهم".
وجه الاستشهاد: إضافة الاسم المقترن بـ"أل" إلى اسم، ليس مقترنا بها؛ وهو مسامعهم؛ لكون المضاف وصفا مجموعا جمع مذكر سالما.
1 أي سواء كان تعريفها بالعلمية، أم بالإشارة، أم بالضمير، أم بغيرها، حملا على المعرف بأل وإذا أضيف المحلى بأل إلى الضمير، نحو: الضاربك، والضاربه جاز كون الضمير في محل جر بالإضافة، أو في محل نصب على المفعولية خلافا للمبرد.
2 فلا يجوز؛ لامتناع إضافة المعرفة إلى النكرة.
3 مرت ترجمته.
4 حجتهما: أن الضمير نائب عن الظاهر، وعند حذف التنوين من الوصف بكون الظاهر مخفوضا؛ فكذلك نائبه.
التصريح: 2/ 30.(3/84)
.......... نصب1، وقال سيبويه: الضمير كالظاهر؛ فهو منصوب في "الضاربك"2 مخفوض في "ضارك"3، ويجوز في "الضارباك" و"الضاربوك" الوجهان4.
[اكتساب المضاف المذكر التأنيث من المضاف إليه] :
مسألة5: قد يكتسب المضاف المذكر من المضاف إليه المؤنث تأنيثه،
__________
1 وذهب معه إلى هذا هشام، وحجتهما: أن موجب النصب المفعولية وهي محققة، وموجب الخفض الإضافة وهي غير محققة؛ لأن دليلها حذف التنوين، وهو قد يحذف بسبب آخر غير الإضافة، كصون الضمير المتصل من وقوعه منفصلا، واستدلوا بقوله تعالى: {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} .
2 لانتفاء شروط إضافة الوصف المحلى بأل المتقدمة.
3 أي على المحل؛ لأن عدم تنوين الوصف دليل على الإضافة، ولا مانع منها لأنه مجرد من أل.
4 أما الخفض فعلى أن النون حذفت للإضافة، والضمير في محل خفض.
وأما النصب فعلى أن النون حذفت للتخفيف وتقصير الصلة، ويكون الضمير في محل نصب. وقال الجرمي والمازني والمبرد وجماعة: إن الضمير في موضع جر فقط؛ لأن الأصل حذف التنوين للإضافة؛ فلا يعدل عنه إلا إذا تعين غيره.
التصريح: 2/ 30-31.
5 ذكر المصنف من الأمور التي يكتسبها المضاف من المضاف إليه: التعريف؛ إن كان المضاف إليه معرفة، والتخصيص إن كان نكرة، والتخفيف إذا كان المضاف اسم فاعل مضافا إلى معموله، ورفع القبح إن كان صفة مشبهة. وذكر -هنا- التذكير والتأنيث، وأتى بأمثلة موضحة لذلك.
وهناك أشياء أخرى يستفيدها المضاف من المضاف إليه لم يأت المصنف على ذكرها، منها:
1- الظرفية؛ بشرط أن يكون المضاف دالا على الكلية أو الجزئية، كلفظ "كل" و"بعض"، والمضاف إليه ظرفا، مثل قوله تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} .
2- المصدرية أحيانا؛ إذا كان المضاف إليه مصدرا والمضاف ليس بمصدر كقوله تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} فكلمة "أي" مفعول مطلق منصوب بقوله "ينقلبون".
وكقول مجنون بني عامر:
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما ... يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
3- وجوب التصدير؛ إذا كان المضاف إليه لفظا من الألفاظ التي يجب تصديرها في =(3/85)
وبالعكس؛ وشرط ذلك في الصورتين: صلاحة المضاف للاستغناء عنه بالمضاف إليه1.
__________
= جملتها، كألفاظ الاستفهام؛ فإن وجوب التصدير ينتقل إلى المضاف الذي ليس من ألفاظ الصدارة، ولهذا وجب تقديم المبتدأ في نحو: كتاب من معك؟ والخبر في مثل: صبيحة أي يوم سفرك؟ والمفعول في مثل: غلام أيهم أكرمت؟ والجار والمجرور في مثل: من صديق أيهم أنت أشعر.
4- الإعراب؛ نحو: هذه خمسة عشر زيد فيمن أعربه.
5- البناء وذلك في مواضع.
أحدها: أن يكون المضاف مبهما كـ"غير، مثل، ودون"، وكان المضاف إليه مبنيا؛ وذلك؛ نحو قوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} في قراءة من فتح بين، وهي فاعل تقطع؛ بدليل قراءة الرفع؛ وكقول الفرزدق في بعض التخريجات التي مر ذكرها:
إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر
بفتح مثل على أنه خبر مقدم، وبشر مبتدأ مؤخر؛ لأن "ما" الحجازية، لا يتقدم خبرها على اسمها، وكذلك قوله تعالى: {أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ} فيمن فتح مثل.
الثاني: أن يكون المضاف زمانا مبهما، والمضاف إليه لفظ "إذ" نحو قوله تعالى: {مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ} ، {مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} بفتح يوم فيهما.
الثالث: أن يكون المضاف زمانا مبهما، والمضاف إليه فعل مبني، سواء أكان بناؤه أصليا كالماضي، في نحو قول النابغة:
على حين عاتبت المشيب على الصبا ... فقلت ألما تصح والشيب وازع
أم كان بناؤه عارضا كالمضارع المقترن بنون النسوة في نحو قوله:
لأجتذبن منهن قلبي تحلما ... على حين يستصبين كل حليم
مغني اللبيب: 663-674.
1 أي مع صحة المعنى ولو مجازا، وعدم تغييره في الجملة. ويشترط أن يكون المضاف جزءا من المضاف إليه، أو مثل جزئه؛ وذلك بأن تجمعه بكله صلة قوية غير صلة الجزيئة، تدل على اتصاله به؛ كاللون، أو الثوب، أو الخلق، أو الحب ... إلخ. أو أن يكون المضاف كلا للمضاف إليه؛ نحو قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} . أو يكون المضاف وصفا في المعنى للمضاف إليه؛ كإضافة المصدر في البيت الآتي؛ فإن تحقق الشرطان؛ كان اكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه -على قلته- قياسيا، وإلا فلا اكتساب، وإن صح الحذف، فلا يجوز أعجبتني يوم العروبة؛ لأن المضاف -وهو "يوم"- ليس جزءا، ولا كالجزء، ولا كلا، ولا وصفا.
مغني اللبيب: 665-666، التصريح، وحاشية يس: 2/ 31-32.(3/86)
[اكتساب المذكر التأنيث] :
فمن الأول قولهم: "قطعت بعض أصابعه"1، وقراءة بعضهم2: "تلتقطه بعض السيارة"3؛ وقوله4: [مشطور الرجز]
324- طول الليالي أسرعت في نقضي5
__________
1 "بعض" نائب فاعل قطعت، وأنث الفعل؛ لأن "بعض" اكتسب التأنيث من المضاف إليه، وهو الأصابع، ويصح الاستغناء عنه بالأصابع، فيقال: قطعت أصابعه، والمضاف بعض المضاف إليه.
2 هو الحسن البصري، رضي الله عنه.
3 12 سورة يوسف، الآية: 10.
أوجه القراءات: قرأ "تلتقطه" الحسن البصري.
وقرأ الجمهور "يلتقطه" التصريح: 2/ 31.
موطن الشاهد: "تلتقطه بعض السيارة".
وجه الاستشهاد: تأنيث فعل "تلتقطه"؛ لكونه مسندا إلى اسم اكتسب التأنيث من المضاف إليه "السيارة"؛ لصلاحية الاستغناء عن المضاف "بعض" إذ يجوز في غير القرآن الكريم القول: تلتقطه السيارة.
4 القائل: هو الأغلب العجلي، أحد بني ربيعة، شاعر راجز معمر، أدرك الجاهلية والإسلام، توجه مع سعد بن أبي وقاص، واستشهد في نهاوند، فضله الكثير على غيره من الرجاز؛ لرصانة كلامه، ودقة معانيه. مات سنة 21هـ. الخزانة: 1/ 333، المؤتلف: 22، والسمط: 801، والأعلام: 1/ 335.
5 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز، يقوله الأغلب من كلمة يتحسر فيها على ذهاب شبابه وضعف قوته، بسبب الكبر والشيخوخة، وبعده قوله:
نقضن كلي ونقضن بعضي
ويروى:
أخذن بعضي وتركن بعضي.
ويروى قبل الشاهد قوله:
أصبحت لا يحمل بعضي بعضي ... منفها أروح مثل النقض
والشاهد من شواهد: سيبويه: 1/ 26، وقد نسبه إلى العجاج، والتصريح 2/ 31، والأشموني: 607/ 2/ 310، والبيان للجاحظ: 4/ 60 ورواه: أرى الليالي أسرعت ... ، ولا شاهد فيه، والمقتضب: 4/ 99، والأغاني: 18/ 164، والخزانة: 2/ 168، ومغني اللبيب: 898/ 666، والسيوطي: 298، والعيني: 3/ 395، والخصائص: 2/ 418، وملحقات ديوان العجاج: 80. =(3/87)
[اكتساب المؤنث التذكير] :
ومن الثاني قوله1: [البسيط]
325- إنارة العقل مكسوف بطوع هوى2
__________
= المفردات الغريبة: نقضين النقض: الهدم والكسر، وهو -هنا- كناية عن ضعف قواه، المعنى: أن طول الليالي، أسرعت في ضعفي، وذهبت بقوتي شيئا فشيئا، ولم تبق لي شيئا من تلك القوة التي أحتاجها في شيخوختي.
الإعراب: طول: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. الليالي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء، منع من ظهورها الثقل. أسرعت: فعل ماض مبني على الفتح؛ لاتصاله بتاء التأنيث الساكنة، والفاعل: هي، يعود إلى طول الليالي؛ وجملة "أسرعت": في محل رفع خبر المبتدأ. "في نقضي": متعلق بـ"أسرعت"؛ ونقض مضاف، والياء: في محل جر بالإضافة. نقضن: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة؛ والنون: ضمير متصل مبني على الفتح، في محل رفع فاعل. كلي: "كل" مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء، والياء: ضمير متصل، مبني على السكون في محل جر بالإضافة. ونقضن: الواو عاطفة جملة على جملة، نقضن: فعل ماض، وفاعل. بعضي: مفعول به، ومضاف إليه؛ وجملة "نقضن بعضي": معطوف على جملة "نقضن كلي".
موطن الشاهد: "طول الليالي أسرعت".
وجه الاستشهاد: تأنيث الضمير في "أسرعت" مع إعادته إلى "طول" المذكر؛ وإنما سوغ ذلك إضافة "طول" إلى مؤنث؛ وهو الليالي؛ فاكتسب منه التأنيث؛ ومعلوم أن المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد، فكأن المضاف مؤنث؛ ولا يجوز أن يقال: إن الضمير عائد إلى المضاف إليه وحده؛ لأن ذلك خلاف الأصل.
ومثل هذا الشاهد قول ابن أحمر:
ولهت عليه كل معصفة ... هيفاء ليس للبها زبر
اللسان مادة "زبر".
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا.
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 32، والأشموني: 611/ 2/ 310، والخزانة: 2/ 169 =(3/88)
ويحتمله {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} 1، ولا يجوز "قامت غلام
__________
= عرضا. والعيني: 3/ 396؛ وقال: إن قائله من المولدين، والمغني: 897/ 665، والسيوطي: 298.
المفردات الغريبة: إنارة العقل: إضاءته، والمراد: الغريزة التي بها يدرك العقل الأشياء. مكسوف: مظلم، من قولهم: كسفت الشمس؛ إذا ذهب نورها وزال ضوءها. بطوع هوى: بالطاعة والانقياد لشهوة النفس.
المعنى: أن مطاوعة الإنسان هواه، وانطلاقه وراء شهوات نفسه، يغطي نور العقل، ووضاءة البصيرة؛ وعصيانه لهواه، يزيد العقل نورا، والبصيرة تبصرة، وحسن نظر إلى الأشياء، وتقدير لها.
الإعراب: إنارة: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. العقل: مضاف إليه مجرور. مكسوف: خبر مرفوع. "بطوع": متعلق بـ"مكسوف"، وطوع: مضاف. هوى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. وعقل: الواو عاطفة، عقل: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. عاصي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء، منع من ظهورها الثقل، وعاصي: مضاف. الهوى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف، منع من ظهورها التعذر. يزداد: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: ضمير مستتر جوازا تقديره: هو؛ وجملة "يزداد": في محل رفع خبر المبتدأ "عقل عاصي". تنويرا: تمييز منصوب، ووعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
موطن الشاهد: "إنارة العقل مكسوف".
وجه الاستشهاد: إعادة الضمير في "مكسوف" مذكرا على "إنارة"؛ وهو مؤنث؛ والذي سوغ ذلك كون المرجع "إنارة" مضافا إلى مذكر؛ وهو العقل؛ فاكتسب التذكير منه؛ لما أسلفنا.
ومثل هذا الشاهد، قول الآخر:
رؤية الفكر ما يؤول به الأمر ... معين على اجتناب التواني
حيث أعاد الضمير في معين -مذكرا- على "رؤية" الواقع مبتدأ؛ وهو مؤنث؛ لإضافة المؤنث إلى "الفكر"؛ وهو مذكر؛ فاكتسب التذكير منه.
1 7 سورة الأعراف، الآية: 56.
موطن الشاهد: "قريب".
وجه الاستشهاد: عودة الضمير في قريب -مذكرا- على "رحمة"؛ لأنها اكتسبت التذكير من إضافتها إلى لفظ الجلالة؛ وحكم هذا سائغ شائع في اللغة، وكذا في الأمثلة السابقة. قال الصبان: عبر المصنف بالاحتمال، لما في إطلاق المذكر على الله تعالى من سوء =(3/89)
هند"، ولا "قام امرأة زيد"؛ لعدم صلاحية المضاف فيهما للاستغناء عنه بالمضاف إليه.
[بامتناع إضافة اسم إلى مرادفه] :
مسألة: لا يضاف اسم لمرادفه1؛ كـ"ليث أسد"، ولا موصوف إلى
__________
= الأدب، ولكن التذكير وصف للفظ الجلالة؛ لأنه المضاف إليه، لا لذاته سبحانه وتعالى، وقيل: "قريب" فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ وهذا تخريج الفراء، وقيل: إن تذكير "قريب" بسبب المعنى، وذلك أن المقصود من رحمة الله غفرانه؛ وهو مذكر؛ وهذا تخريج الزجاج والأخفش.
وقيل: إن تذكير "قريب" حاصل بسبب أن الرحمة مؤنث مجازي؛ وهذا تخريج الجوهري؛ وهو فاسد؛ لأن التأنيث المجازي يبيح تذكير الفعل المسند إلى المؤنث المجازي؛ فأما الذي يسند إلى ضميره؛ فلا يجوز تأنيثه، والوصف -هنا- مسند إلى ضمير الرحمة.
هذا ولم يجعل المصنف منه قوله تعالى: {لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} . واعلم أن للمصنف رسالة في هذه الآية الشريفة نفيسة ضمنها أقوال الأئمة، أوصلها إلى ستة عشر قولا؛ وهي مذكورة في الأشباه والنظائر للسيوطي.
مغني اللبيب: 666، والتصريح: 2/ 32، وحاشية الصبان: 2/ 249.
1 ذلك؛ لأن المضاف يتعرف، أو يتخصص بالمضاف إليه، فلا بد من أن يكون غيره في المعنى: لأن الشيء لا يتعرف أو يتخصص بنفسه.
وذهب الكوفيون إلى أنه يجوز أن يضاف الشيء إلى نفسه، متى اختلف اللفظان، وجعلوا اختلاف اللفظين بمنزلة اختلاف المعنيين، احتجوا على ما منعه البصريون من إضافة الاسم إلى اللقب وإضافة الصفة إلى الموصوف، وإضافة الموصوف إلى الصفة، ومتى ورد عن العرب في الكلام المنثور لم يكن بد من قبوله، وسلكوا -مع هذا السماع- طريقا عن القياس، وذلك بعطف الشيء على مرادفه؛ كقول الشاعر:
وقددت الأديم لراهشيه ... وألفى قولها كذبا ومينا
والأصل في العطف أن يكون المعطوف عليه.
هذا وقد اختار ابن مالك في كتاب "التسهيل" مذهب الكوفيين، وجوز ما منعه هنا، فجعل الإضافة ثلاثة أقسام: محضة، وغير محضة، وشبيهة بالمحضة؛ وهي سبعة أنواع، منها إضافة الموصوف إلى الصفة وبالعكس، والمسمى إلى الاسم. حاشية يس على التصريح: 2/ 34.(3/90)
صفته1؛ كـ"رجل فاضل"، ولا صفة إلى موصوفها2؛ كـ"فاضل رجل" فإن سمع ما يوهم شيئا من ذلك، يؤول.
فمن الأول قولهم: "جاءني سعيد كرز"3؛ وتأويله: أن يراد بالأول المسمى وبالثاني الاسم؛ جاءني مسمى هذا الاسم4.
ومن الثاني5 قولهم: "حبة الحمقاء"6، و"الصلاة الأولى"، و"مسجد
__________
1 لأن الصفة تابعة لموصوفها في الإعراب؛ فلو أضيف إليها الموصوف لكانت مجرورة دائما.
2 لأن الصفة، يجب أن تكون تابعة ومتأخرة عن الموصوف، ولا يمكن ذلك في الإضافة.
3 فإن "سعيد" و"كرز" اسمان مترادفان مسماهما واحد، وأضيف أحدهما إلى الآخر. والكرز في الأصل: الخرج الذي يضع فيه الراعي زاده ومتاعه.
وجمعه: كرزة؛ والكراز: الكبش الذي يحمله ويسير به أمام القوم. ومثل قولهم "سعيد كرز"؛ جئت ذا صباح: تريد وقتا صاحب اسم هو صباح. وسرت ذات يوم؛ تريد مدة صاحبة اسم هو يوم.
4 هذا إذا كان الحكم مناسبا للمسمى، فإن ناسب الاسم، عكس التأويل؛ نحو: كتبت سعيد كرز؛ أي كتبت اسم هذا المسمى، والإضافة بهذا التأويل على معنى لام الاختصاص.
التصريح: 2/ 33.
5 الثاني: هو إضافة الموصوف إلى الصفة؛ فالأصل: حبة حمقاء، وصلاة أولى، ومسجد جامع، واللفظ الثاني، من هذه الأمثلة، صفة للفظ الأول؛ فلما أضافوا الأول إلى الثاني -وهما دالان على ذات واحدة- كانوا قد أضافوا اللفظ الدال على معنى إلى لفظ آخر، يدل على نفس معنى اللفظ الأول؛ وهذه هي إضاف المترادفين.
وتأويل كل مثال غير تأويل غيره. لكن الضابط العام، أن يقدر قبل اللفظ الثاني -وهو المضاف إليه- اسم عام يصلح لأن يكون موصوفا بالمضاف إليه، فيكون تقدير المثال الأول: حبة البقلة الحمقاء، بتقدير اسم من أسماء الأعيان عام يشمل الاسم الأول وغيره؛ ويكون تقدير الثاني: صلاة الساعة الأولى، بتقدير اسم زمان يصلح أن يكون وقتا للاسم الأول وغيره؛ ويكون تقدير الثالث: مسجد المكان الجامع، بتقدير اسم مكان يصلح أن يكون محلا للاسم الأول وغيره.
انظر شرح التصريح: 2/ 33.
6 الحمقاء: هي المسماة بـ"الرجلة" ووصفت بالحمق مجازا؛ لأنها تنبت في مجاري السيول، فيمر السيل بها فيقطعها فتطؤها الأقدام. =(3/91)
الجامع"؛ وتأويله: أن يقدر موصوف؛ أي: حبة البقلة الحمقاء، وصلاة الساعة الأولى، ومسجد المكان الجامع.
ومن الثالث1 قولهم: "جرد قطيفة"، و"سحق عمامة"2؛ وتأويله: أن يقدر موصوف أيضا، وإضافة الصفة إلى جنسها3؛ أي: شيء جرد من جنس القطيفة، وشيء سحق من جنس العمامة4.
[الغالب في الأسماء أن تكون صالحة للإضافة والإفراد] :
فصل: الغالب على الأسماء أن تكون صالحة للإضافة والإفراد، كـ"غلام" و"ثوب".
ومنها ما يمتنع إضافته كالمضمرات، والإشارات، وكغير أي من الموصولات وأسماء الشرط، والاستفهام5.
__________
= وقال الصبان: وهذا يظهر لو كانت الحبة تطلق على "الرجلة" ونحوها من البقول. أما إذا كانت واحدة الحب؛ كالبر وبذر الرجلة، وسائر الحبوب؛ فلا.
التصريح: 2/ 33، وحاشية الصبان: 2/ 250.
1 وهو إضافة الصفة إلى موصوفها.
2 جرد: بمعنى مجردة. وسحق بمعنى بالية، أي: قطيفة مجرودة، وعمامة بالية، قيل ومنه قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ} ، إذا قدر أنه من إضافة الصفة إلى الموصوف، ومعناه: الأعين الخائنة.
ونظيره قول شاعر الحماسة:
إنا محيوك يا سلمى فحيينا
... وإن سقيت كرام الناس فاسقينا
وإن دعوت إلى جلي ومكرمة ... يوما سراة كرام القوم فادعينا
فأصل: كرام الناس؛ الناس الكرام، وأصل: سراة كرام القوم؛ سراة القوم الكرام.
3 أي جنس موصوفها، وتكون الإضافة معنوية؛ من إضافة الشيء إلى جنسه، ويجر الجنس بمن؛ لأن الإضافة على معناها؛ لأن المضاف إليه جنس للمضاف لا موصوف به إذ الموصوف محذوف، كما أوضح في المتن. شرح التصريح: 2/ 34.
4 ذهب الكوفيون: إلى جواز الإضافة في جميع ذلك، إذا اختلف اللفظان من غير تأويل محتجين بنحو قوله تعالى: {حَقُّ الْيَقِينِ} ، {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} ، {بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} وغيره.
التصريح: 2/ 34.
5 إنما امتنعت إضافة هذه الأنواع من الأسماء؛ لأنها أشبهت الحرف، والحرف لا يضاف؛ فلهذا بنيت، وأخذ ما أشبه الحرف حكم الحرف. =(3/92)
ومنها: ما هو واجب الإضافة إلى المفرد؛ وهو نوعان: ما يجوز قطعه عن الإضافة في اللفظ1؛ نحو: "كل"، و"بعض"، و"أي"؛ قال الله تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} 2، و {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} 3، و {أَيًّا مَا تَدْعُوا} 4، وما
__________
= وإنما جازت إضافة "أي" الموصولة والاستفهامية والشرطية؛ لضعف شبه الحرب بسبب شدة افتقارها إلى مفرد يبين المراد منها، وتضاف هي إليه.
شرح التصريح: 2/ 34.
1 حيث يحذف المضاف إليه لفظا، وينوي معناه، ويستغنى عنه بالتنوين الذي يدل عليه -والذي يسمى تنوين العوض- ويبقى للمضاف حكمه في التعريف أو التنكير.
2 36 سورة يس، الآية: 4.
موطن الشاهد: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء التنوين في "كل" عوضا عن المضاف إليه المحذوف -أي: كلهم- والضمير المحذوف عائد إلى الشموس والأقمار؛ وأفرد "فلك" مراعاة للفظ "كل" وجمع "يسبحون" مراعاة للمضاف إليه المحذوف.
3 2 سورة البقرة، الآية: 253.
موطن الشاهد: {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء التنوين في "بعض" الثانية عوضا عن المضاف إليه المحذوف -أي: على بعضهم.
فائدة: ... اختلف عند قطع "كل" و"بعض" عن الإضافة لفظا؛ هل هما معرفتنا بنية الإضافة؟ فذهب سيبويه والجمهور إلى عدهما معرفتين؛ وعليه، فتأتي الحال منهما متأخرة، فتقول: مررت بكل ساجدًا وببعضٍ جالسًا؛ وهو الصحيح؛ وذهب الفارسي، إلى أنهما نكرتان، وهذا الخلاف، حين يكون المضاف إليه معرفة؛ فإن كان نكرة، فلا خلاف في تنكيرهما، وحجة الفارسي في كونهما نكرتين؛ نظرا لحالتهما الراهنة؛ لأن نية الإضافة، لا تكون سببا في التعريف؛ ورأيه محجوج كما أسلفنا. انظر شرح التصريح: 2/ 35.
يشترط في "كل" و"بعض" و"أي" عندما تقطع عن الإضافة لفظا ما يلي:
أ- أن لا تكون "كل" للتوكيد، ولا للنعت؛ فإن كانت كذلك، وجب إضافتها لفظا كما ذكرنا.
ب- ويشترط في "أي" ألا تقع صفة أو حالا، وإلا تعينت إضافتها لفظا.
4 17 سورة الإسراء، الآية: 110.
موطن الشاهد: {أَيًّا مَا تَدْعُوا} =(3/93)
يلزم الإضافة لفظا؛ وهو ثلاثة أنواع: ما يضاف للظاهر والمضمر؛ نحو: "كلا" و"كلتا" و"عند" و"لدى" و"قصارى"1 و"سوى"، وما يختص بالظاهر كـ"أولى" و"أولات" و"ذي" و"ذات"2؛ قال الله تعالى: {نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ} 3، {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ} 4 {وَذَا النُّونِ} 5، و {ذَاتَ بَهْجَةٍ} 6، وما يختص بالمضمر؛ وهو نوعان: ما يضاف لكل مضمر؛ وهو "وحد"؛ نحو: {إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ} 7،
__________
= وجه الاستشهاد: مجيء "أيا" اسم شرط جازم، وقع في محل نصب مفعولا به مقدما لـ"تدعوا"، و"ما" زائدة.
1 قصارى الشيء وقصاراه: غايته ونهايته. يقال: قصاراك أن تفعل كذا؛ أي جهدك، وغايتك وآخر أمرك؛ ومثله: حمادى، تقول: حماداك وحمادي؛ أي: غايتك وغايتي ... إلخ.
2 وفروعها؛ كذوا، وذواتا، وذووا، وذوات؛ والكل بمعنى صاحب.
3 27 سورة النمل، الآية: 33.
موطن الشاهد: {أُولُو قُوَّةٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أولو" بمعنى أصحاب؛ وهو مضاف إلى اسم ظاهر، ولا يجوز إضافته إلى المضمر إطلاقا.
4 65 سورة الطلاق، الآية: 4.
موطن الشاهد: {أُولاتُ الْأَحْمَالِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أولات" بمعنى صاحبات؛ وهو مضاف إلى اسم ظاهر، ولا يجوز إضافته -كسابقه- إلى المضمر.
5 21 سورة الأنبياء، الآية: 87.
موطن الشاهد: {ذَا النُّونِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ذا" بمعنى صاحب؛ وهو مضاف إلى اسم ظاهر، ولا يجوز إضافته -كسابقيه- إلى المضمر.
6 27 سورة النمل، الآية: 60.
موطن الشاهد: {ذَاتَ بَهْجَةٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ذات" بمعنى صاحبة؛ وهو مضاف إلى اسم ظاهر، ولا يجوز إضافته إطلاقا إلى المضمر كما سبق.
7 40 سورة غافر، الآية: 12.
موطن الشاهد: {وَحْدَهُ} . =(3/94)
وقوله1: [الرجز]
326- وكنت إذ كنت إلهي وحدكا2
__________
= وجه الاستشهاد: مجيء "وحد" مضافا إلى الضمير الهاء؛ وحكم إضافته إلى الضمير من دون الظاهر الوجوب؛ وهو يضاف إلى ضمير الغائب، والمخاطب، والمتكلم -كما مثل المؤلف- من دون تمييز بين مفرد وغيره، ولا مؤنث ومذكر؛ وهو -وحد- مصدر يدل على التوحيد والانفراد ملازم للإفراد والتنكير، وربما ثني شذوذا؛ وهو منصوب على الحال غالبا؛ لتأويله بموحد، أي: منفردا؛ وقيل: على أنه مفعول مطلق؛ فعل من لفظه؛ يقال: وحد الرجل يحد؛ إذا انفرد؛ أو مصدر لا فعل من لفظه؛ وقد يجر بعلى أو بالإضافة.
1 القائل: هو: عبد الله بن عبد الأعلى القرشي.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت، من الرجز، وبعده قوله:
لم يك شيء يا إلهي قبلكا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 32، وسيبويه: 1/ 316، والمقتضب: 4/ 247، والمنصف: 2/ 232، وشرح المفصل: 2/ 11، والعيني: 3/ 397، والهمع: 2/ 50، والدرر: 2/ 60، والمغني: 509/ 368، والسيوطي: 233.
المفردات الغريبة: قبلك، قيل: إن معنى القبلية: المعية، بدليل مقابلتها بقوله وحدك؛ لأن القبلية محالة في حقه تعالى. وقيل: إن الظرف ليس قيدا في الفعل المنفي بلم.
المعنى: وجدت -يا إلهي- مذ وجدت وحدك، لم يك معك شيء قبل خلق هذا العالم، ثم أوجدته؛ ولم يكن شيء قبلك؛ لأن الله واجب الوجود؛ وهو قديم بالذات والعالم موجود بإراد الله وفعله.
الإعراب: كنت: فعل ماض تام، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك؛ والتاء: في محل رفع فاعل؛ وكان تامة -هنا- لأنها بمعنى الوجود. إذ: ظرف للزمن الماضي، مبني على السكون في محل نصب؛ وهو متعلق بـ"كان". كنت: فعل ماض تام، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك؛ والتاء: في محل رفع فاعل؛ ويمكن عده ناقصا، ويكون خبره محذوفا والتقدير: كنت موجودا؛ والأول: أفضل؛ وجملة "كان وفاعلها" أو "كان واسمها": في محل جر بالإضافة بعد إذ. إلهي: منادى مضاف، بحرف نداء محذوف، والتقدير: يا إلهي؛ وهو منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء؛ والياء: ضمير متصل مبني على السكون، في محل جر بالإضافة. وحدكا: "وحد" حال من ضمير المخاطب في كان الأولى -وهذا هو الأرجح- لأن الغالب في "وحد" أن تأتي =(3/95)
وقوله1: [المنسرح]
327- والذئب أخشاه إن مررت به ... وحدي2.........
__________
= منصوبة على الحال و"وحد" مضاف، والكاف: في محل جر بالإضافة؛ والألف للإطلاق. لم: جازمة نافية. يك: فعل مضارع تام مجزوم، وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة تخفيفا. شيء: فاعل "يك" مرفوع. يا: حرف نداء، لا محل له من الإعراب. إلهي: منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء؛ والياء: ضمير متصل مبني على السكون، في محل جر بالإضافة؛ وجملة النداء: اعتراضية، لا محل لها. قبلكا: "قبل": متعلق بـ"يك" التامة؛ فإن عددناها ناقصة؛ يكون "شيء" اسمها، و"قبل": متعلقا بخبره المحذوف؛ والأول أفضل، و"قبل" مضاف، وضمير المخاطب: في محل جر بالإضافة، والألف: للإطلاق.
موطن الشاهد: "وحدكا".
وجه الاستشهاد: إضافة لفظ "وحد" إلى كاف الخطاب؛ وسبق أن "وحد" تضاف إلى المضمر وجوبا؛ لأنها لا تضاف إلى الاسم الظاهر.
1 القائل: هو الربيع بن ضبيع الفزاري الذبياني، شاعر جاهلي معمر من الفرسان، كان أحكم العرب في زمانه، ومن أشعرهم وأخطبهم، شهد يوم الهباءة، وهو ابن مائة عام وقاتل في حرب داحس، وأدرك الإسلام، وقد كبر وخرف؛ فقيل: أسلم وقيل: منعه قومه. الأعلام: 3/ 15، الأغاني: 14/ 118، الخزانة: 3/ 38، السمط: 802.
2 تخريج الشاهد: هذه قطعة من بيت؛ قاله الربيع -حين تقدمت سنه وأصابه ضعف الكبر- والبيت بتمامه:
والذئب أخشاه إن مررت به ... وحدي، وأخشى الرياح والمطرا
ويروى قبله:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 36، والهمع: 2/ 50، والدرر: 2/ 60، ونوادر أبي زيد: 159، والجمل: 52، العيني: 3/ 397.
المعنى: صرت -لكبر سني وضعفي وعدم قدرتي على مقاومة أي شيء يعتريني- أخاف من الذئب إن مررت به وليس معي أحد، ولا أحتمل هبوب الريح، وسقوط المطر؛ فإن ذلك يؤذيني؛ لشدة ضعفي وقلة حيلتي.
الإعراب: الذئب -على رواية النصب- مفعول به لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده؛ والتقدير: وأخشى الذئب أخشاه. أخشاه: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف؛ منع من ظهورها التعذر، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: =(3/96)
وما يختص بضمير المخاطب؛ وهو مصادر مثناة لفظا؛ ومعناها التكرار1؛ وهي: "لبيك" بمعنى إقامة على إجابتك بعد إقامة2، و"سعديك" بمعنى: إسعادا لك بعد إسعاد؛ ولا تستعمل إلا بعد لبيك3، و"حنانيك" بمعنى: تحننا عليك بعد تحنن، و"دواليك" بمعنى: تداولا بعد تداول4، و"هذاذيك" -بذالين معجمتين- بمعنى: إسراعا لك بعد إسراع، قال5: [مشطور الرجز]
__________
= أنا، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم، في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "أخشاه": تفسيرية، لا محل لها. إن: حرف شرط جازم، لا محل له من الإعراب. مررت: فعل ماض، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك؛ والتاء: في محل رفع فاعل. وهو فعل الشرط في محل جزم. "به": متعلق بـ"مر". وحدي: حال من ضمير المتكلم في "مررت" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء؛ والياء: في محل جر بالإضافة. وأخشى: الواو عاطفة، أخشى: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. الرياح: مفعول به لـ"أخشى" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. المطرا: الواو عاطفة، المطر: اسم معطوف على الرياح منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والألف: للإطلاق.
موطن الشاهد: "وحدي".
وجه الاستشهاد: إضافة لفظ "وحد" إلى ضمير المتكلم؛ وتبين لنا من هذا الشاهد وما قبله أن لفظ "وحد" يضاف إلى الضمائر كلها على السواء؛ لأنه أضيف في الآية إلى ضمير الغائب؛ وفي البيت السابق، أضيف إلى ضمير المخاطب؛ وفي هذا البيت، أضيف إلى ضمير المتكلم؛ وسبق أن قلنا: إنه لا فرق في هذه الأنواع الثلاثة بين المذكر والمؤنث، ولا بين ضمير المفرد، وضمير المثنى، وضمير الجمع.
1 المراد بالتكرار التكثير الذي يزيد على اثنين، وهي ملحقة بالمثنى في إعرابه؛ مراعاة لمظهرها، وليست مثنى حقيقيا من حيث معناها، وتعرب مفعولا مطلقا لفعل من لفظها -إلا هذاذيك، فيقدر فعلها من معناها، وهو: أسرع على الصحيح.
2 أصل لبيك: ألب لك إلبابين؛ أي: أقيم على طاعتك وإجابتك إقامة كثيرة؛ فحذف الفعل، وأقيم المصدر مقامه، ثم حذفت الزوائد، وحذف الجار من الضمير المفعول، وأضيف المصدر إليه؛ وقيل: إنه من لب بمعنى ألب؛ أي: أقام، وكذا الباقي؛ ومثلها: حجازيك: أي: محاجزة بعد محاجزة، وحذاريك: أي: حذرا بعد حذر.
3 لأن "لبيك" هي الأصل في الإجابة، و"سعديك" بمنزلة التوكيد لها.
4 أي: تواليا وتناوبا في طاعتك بعد توال وتناوب.
5 القائل: هو العجاج الراجز المشهور، وقد مرت ترجمته.(3/97)
328- ضربا هذاذيك وطعنا وخضا1
وعامله وعامل لبيك: من معناهما، والبواقي من لفظها2.
__________
1 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز المشطور، وبعده قوله:
يمضي إلى عاصي العروق النحضا
وهو من أرجوزة للعجاج يمدح فيها الحجاج بن يوسف الثقفي.
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 37، والأشموني: 615/ 2/ 313، وسيبويه: 1/ 175 ومجالس ثعلب: 175، والجمل للزجاجي: 296، وأمالي الزجاجي: 132، والمحتسب: 2/ 279، والمخصص: 6/ 88، 103، 13/ 273، وشرح المفصل: 1/ 119، والخزانة: 1/ 274، والعيني: 3/ 399، والهمع: 1/ 189، والدرر: 1/ 162، وديوان العجاج: 54.
المفردات الغريبة: ضربا هذاذيك: أي ضربا يهذ هذا بعد هذ، والهذ: الإسراع في القطع وغيره. وخضا، الوخض: الطعن الذي يصل إلى الجوف، وقيل: العكس، والمراد: الطعن الذي يسرع إلى الموت. عاصي العروق: هو العرق الذي يسيل ولا يرقأ دمه، وجمعه عواص. النحضا؛ النحض: اللحم المكتنز كلحم الفخذ.
المعنى: أضرب ضربا كثيرا مسرعا في القطع، وأطعن طعنا جائفا في اللحم حتى يمزق الأجسام، فتصل أجزاؤها إلى العروق العاصية التي يسيل دمها بلا انقطاع.
الإعراب: ضربا: مفعول مطلق لفعل محذوف؛ أو مفعول به لفعل محذوف؛ والتقدير: نجزيهم ضربا. هذاذيك: مفعول مطلق لفعل محذوف، يقدر من معناه؛ أي: أسرع إسراعا؛ أو أقطع قطعا، وهو مضاف إلى الكاف؛ وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى. وطعنا: الواو عاطفة، طعنا: معطوف على "ضربا" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. وخضا: صفة لـ"طعنا" منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
موطن الشاهد: "هذاذيك".
وجه الاستشهاد: إضافة "هذاذي" إلى ضمير المخاطب؛ وهو مفعول مطلق؛ لفعل من معناه -كما بينا في الإعراب- ولا يصح مجيئه حالا، خلافا لسيبويه.
2 فيقدر: أسرع، وأجيب، وأسعد، وأتحنن، وأتداول، وقد علمت أن للبيك فعلا من لفظها. قال الصبان: والمتجه عندي: أن لبيك منصوب بفعل من لفظه. وذكر بعضهم فعلا لهداذيك، وهو: هذ يهذ هذا، أي أسرع.
حاشية الصبان: 2/ 252-253.(3/98)
وتجويز سيبويه في "هذاذيك" في البيت، وفي "دواليك" من قوله1: [الطويل]
329- دواليك حتى لكنا غير لابس2
__________
1 القائل: هو سحيم الأسود؛ عبد بني الحسحاس، شاعر رقيق الشعر، أعجمي الأصل، اشتراه بنو الحسحاس -وهم بطن من بني أسد- فنشأ فيهم، رآه النبي صلى الله عليه وسلم وأعجب بشعره، وعاش إلى أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه، شبب بنساء بني الحسحاس، فقتلوه، وأحرقوه، وذلك نحو 40هـ.
الجمحي: 1/ 36، فوات الوفيات: 1/ 166، والسمط: 721، الأعلام: 3/ 79.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
إذا شق برد شق بالبرد مثله
وينشد قبله:
كأن الصبيريات وسط بيوتنا
...
ظباء تبدت من خلال المكانس
فكم قد شققنا من رداء منير
...
على طفلة ممكورة غير عانس
وهن بنات القوم إن يظفروا بنا
...
يكن في ثبات القوم إحدى الدهارس
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 37، والأشموني: 616/ 2/ 313، وسيبويه: 1/ 175؛ وروى عجزه: دواليك حتى ليس للبرد لابس، وأمالي الزجاجي: 131، والجمل: 297، والخصائص: 3/ 45، والأغاني: 20/ 4، والمخصص: 13/ 232، والهمع: 1/ 189، والدرر: 1/ 162؛ وقال إن الرواية الصحيحة: "إذا شق برد شق بالجيب برقع"، وصبح الأعشى: 1/ 407، ونهاية الأرب: 3/ 126، وديوان سحيم: 16.
المفردات الغريبة: برد: هو الكساء الموشى؛ أي المخطط المزخرف. دواليك: من المداولة، وهي المناوبة بينك وبين غيرك.
المعنى: إذا شق واحد منا برد صاحبه ومزقه؛ شق الآخر برده كذلك بالتناوب؛ حتى نرى ولكنا ليس عليه برد. قيل في سبب ذلك؛ إن الرجل كان إذا أراد تأكيد المودة بينه وبين من يحب، واستدامة صحبته شق كل واحد منهما برد الآخر؛ لاعتقادهم أن ذلك، أبقى للمودة بينهما.
الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه منصوب بجوابه مبني على السكون، في محل نصب على الظرفية الزمانية. شق: فعل ماض مبني للمجهول. برد: نائب فاعل مرفوع. شق: فعل ماض مبني للمجهول أيضا. "بالبرد": متعلق بـ"شق" الثاني. مثله: نائب فاعل مرفوع، وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة. دواليك: مفعول مطلق -لفعل محذوف- منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى، وهو مضاف، =(3/99)
الحالية بتقدير نفعله متداولين؛ وهاذين، أي مسرعين، ضعيف1 للتعريف2؛ ولأن المصدر الموضوع للتكثير، لم يثبت فيه غير كونه مفعولا مطلقا.
وتجويز الأعلم3 في "هذاذيك" في البيت الوصفية مردود لذلك.
__________
= وكاف المخاطب: في محل جر بالإضافة. حتى: حرف ابتداء، لا محل له من الإعراب. كلنا: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، و"نا": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. غير: خبر مرفوع، وهو مضاف. لابس: مضاف إليه مجرور.
موطن الشاهد: "دواليك".
وجه الاستشهاد: إضافة "دوالي" إلى ضمير المخاطب؛ وهو مفعول مطلق؛ لفعل من معناه، ولا يصح مجيئه حالا، خلافا لسيبويه.
1 خلاصة ما ذكره المؤلف في هذه المسألة، أن جمهور النحاة ذهبوا إلى أن "دواليك" مفعول مطلق دال على التكرار، ولم يجيزوا في هذا اللفظ غير هذا الوجه من الإعراب؛ ومثله: "هذاذيك" فمعنى "دواليك": تداولا بعد تداول؛ ومعنى "هذاذيك": هذا لك بعد هذ. وذهب سيبويه إلى تجويز وجهين من الإعراب في كل من هاتين الكلمتين؛ الوجه الأول: أن تكون مفعولا مطلقا -كما قال الجمهور- والوجه الثاني: أن تكون حالا على التأويل بالمشتق؛ وتقدير دواليك -على الوجه الثاني: متداولين، وتأويل هذاذيك -عليه- هاذين؛ وقد رد المؤلف على سيبويه، بأنه يلزم على القول بأن كل واحدة من هاتين الكلمتين حال أمران؛ كل واحد منهما خلاف الأصل؛ الأول: أن يقع الحال معرفة؛ لأنا علمنا أن هذا اللفظ مصدر مضاف إلى ضمير المخاطب؛ ومعلوم أن إضافة المصدر، تفيد التعريف.
الثاني: أنه يلزم وقوع المصدر الدال على تكرار الحدث حالا، ولم يرد في كلام العرب وقوع هذا المصدر حالا، ولكنا حفظنا من كلامهم وقوعه مفعولا مطلقا؛ بدليل مجيئه في القرآن الكريم؛ نحو قوله تعالى: {ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} وما دام وقع المصدر الدال على التكرار مفعولا مطلقا بدليل ظاهر في ذلك، ولم يرد وقوعه حالا، بدليل ظاهر في الحالية؛ لزمنا أن نذهب إلى ما ثبت بدليل ظاهر.
انظر حاشية يس على التصريح: 2/ 37.
2 لأنه معرفة بإضافته للضمير، والحال واجب التنكير، وقوله: "ولأن المصدر ... إلخ" دفع به ما قد يقال: إن هذه الحال مما جاء معرفا لفظا، وإن كان منكرا معنى.
3 أي: صفة لـ"ضربا"؛ والمعنى: اضرب ضربا مسرعا أو مكررا؛ غير أن هذا الإعراب مردود بأن "ضربا" نكرة، و"هذاذيك" معرفة -عند الجمهور- ومعلوم أنه لا توصف =(3/100)
وقوله فيه وفي أخواته: إن الكاف لمجرد الخطاب؛ مثلها في "ذلك" مردود أيضا؛ لقولهم: "حنانيه"، و"لبي زيد" ولحذفهم النون؛ لأجلها، ولم يحذفوها في "ذانك" وبأنها، لا تلحق الأسماء التي لا تشبه الحرف.
وشذت إضافة "لبي" إلى ضمير الغائب؛ في نحو قولك1: [مشطور الرجز]
__________
= النكرة بمعرفة؛ وليبرر ما ذهب إليه، ادعى أن هذه الكاف في "هذاذيك" وأخواتها حرف خطاب، مثل الكاف في أسماء الإشارة؛ نحو: ذلك، وتلك، وهذا فاسد لما يأتي:
أ- لأنهم أضافوا بعض هذه الألفاظ إلى ضمير الغيبة -وإن كان ذلك شذوذا-؛ نحو: لبيه، وإلى الاسم الظاهر؛ نحو: "لبي يدي ميسور"، ومعلوم أن اسم الإشارة، لا يتصل به إلا كاف الخطاب؛ ولما اختلف حال هذه الألفاظ وحال اسم الإشارة، لم يكن لنا حمل هذه الألفاظ عليه.
ب- معلوم أن هذه الألفاظ مثناة لفظا، ولما تتصل بها كاف الخطاب، تحذف نونها للإضافة؛ نحو: حنانيك، ودواليك، كما تحذف من كل مثنى عند الإضافة؛ نحو قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} ؛ ومعلوم أنهم لم يحذفوا النون من اسم الإشارة المراد به المثنى، في نحو: "ذانك" و"تانك" فعلم أن اسم الإشارة غير مضاف إلى هذه الكاف الملحقة به؛ ونستنتج أن: الكاف حرف مع اسم الإشارة؛ ولحذفها مع دواليك وأخواته، أنه مضاف إلى الكاف؛ وعلى هذا، فهي اسم مع هذه الألفاظ.
ج- علم باستقراء كلام العرب أنهم يلحقون الكاف الحرفية بالأسماء التي تشبه الحروف مثل أسماء الإشارة، في نحو: ذلك، وتلك، وذانك، وتانك، ومثل الضمائر، في نحو: "إياك" ولم نجدهم ألحقوا هذه الكاف باسم غير مشبه للحرف، ولا شك في أن "دواليك" وأخواته أسماء، لا تشبه الحرف، فلم يكن لنا أن نقر شيئا خارج عن مجرى كلامهم. انظر شرح التصريح: 2/ 38.
فائدة: للكاف في دواليك محلان من الإعراب؛ فهي محل جر بإضافة المصدر المثنى إليها؛ ولها محل آخر، هو الرفع أو النصب؛ لأن المصدر، يضاف إلى فاعله، ويضاف إلى مفعوله؛ فإذا عدت الكاف فاعل المصدر؛ كانت في محل رفع، وإذا عدت مفعول المصدر؛ كانت في محل نصب.
والنحاة يرون أنها مفعول المصدر -من دون اطراد في الكافات كلها- لأن المعنى المقصود بالكلام، هو الذي يحدد ذلك؛ فهي في لبيك وسعديك -مثلا- تكون للمفعول؛ لأن التقدير: أجيبك إجابة متكررة، وأسعدك إسعادا متكررا؛ وهي في حنانيك -مثلا- تكون فاعلا للحنان؛ لأن التقدير: تحنن علي وارفق بي.
1 لم ينسب إلى قائل معين.(3/101)
330- لقلت لبيه لمن يدعوني1
وإلى الظاهر في نحو قوله2: [المتقارب]
__________
1 تخريج الشاهد: ينشد قبل الشاهد قوله:
إنك لو دعوتني ودوني
...
زوراء ذات مترع بيون
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 38، والأشموني: 614/ 2/ 313، وابن عقيل: 224/ 3/ 52، والعيني: 3/ 383، والهمع: 1/ 190، والدرر: 1/ 163 ومغني اللبيب: 981/ 753، واللسان: "لبب" "بين" وفيه "منزع بدل مترع".
المفردات الغريبة: زوراء: هي الأرض البعيدة الأطراف. مترع: مملوء أو ممتد، من قولهم: حوض مترع؛ أي ممتلئ. والذي في اللسان: منزع: وهو الفراغ الذي في البئر حتى الماء. بيون: هي البئر الواسعة الرأس الضيقة الأسفل، أو البعيدة القاع.
المعنى: أنك لو طلبتني، وناديتني لأمر من الأمور -وبيننا أرض نائية صعبة المسالك ذات مياه بعيدة الغور- لأجبتك سريعا، ولما تأخرت عن تلبية طلبك.
الإعراب: إنك: حرف مشبه بالفعل، والكاف: في محل نصب اسمه. لو: حرف امتناع لامتناع؛ أو حرف شرط غير جازم، لا محل له من الإعراب. دعوتني: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل رفع فاعل، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعولا به. ودوني: الواو حالية، دون: ظرف مكان -متعلق بمحذوف خبر مقدم- منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء؛ والياء: في محل جر بالإضافة. زوراء: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "دوني زوراء": في محل نصب على الحال. ذات: صفة لـ"زوراء" مرفوعة، وذات مضاف. مترع: مضاف إليه مجرور. بيون: صفة لـ"مترع" مجرورة، وعلامة جرها الكسرة الظاهرة. لقلت: اللام واقعة في جواب "لو"، قلت: فعل ماض وفاعل. لبيه: "لبي" مفعول مطلق بفعل محذوف؛ والتقدير: أجيبك إجابة بعد إجابة، والهاء: في محل جر بالإضافة "لمن: متعلق بـ"قلت". يدعوني: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو؛ للثقل، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى الاسم الموصول المجرور محلا باللام، والنون: للوقاية، وياء المتكلم: في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "يدعوني": صلة للموصول الاسمي، لا محل لها؛ وجملة "لو وشرطه وجوابه": في محل رفع خبر "إن".
موطن الشاهد: "لبيه".
وجه الاستشهاد: إضافة "لبي" إلى ضمير الغائب "الهاء"؛ وحكم إضافته إلى ضمير الغائب أنه شاذ؛ لأنه مختص بضمير المتكلم.
2 القائل: هو أعرابي، من بني أسد.(3/102)
331- فلبى قلبي يدي مسور1
وفيه رد على يونس في زعمه أنه مفرد2؛ وأصله لبا؛ فقلبت ألفه ياء؛ لأجل الضمير، كما في لديك وعليك، وقول ابن الناظم: إن خلاف يونس في "لبيك"
__________
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
دعوت لما نابني مسورا
وكان هذا الرجل، قد استعان برجل اسمه مسور في دفع غرامة مالية؛ فأعانه. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 38، والأشموني: 613/ 2/ 312، وابن عقيل: 225/ 3/ 53، وسيبويه: 1/ 176، والمحتسب: 1/ 78، 2/ 23، وشرح المفصل: 1/ 119، والخزانة: 1/ 268، 578، والعيني: 3/ 381. والهمع: 1/ 190، والدرر: 1/ 165، واللسان "لبب".
المفردات الغريبة: دعوت: استعنت. نابني: أصابني ونزل بي. مسور: اسم رجل. فلبى: أجاب دعائي بقوله لبيك.
المعنى: دعوت مسورا، واستغثت به؛ لدفع ما نابني، وحل بي؛ فأجابني إلى ما دعوته إليه؛ فتلبية تلو تلبية ليدي مسور، أبادر إليه، إذا ناداني وسألتني في أمر ينوبه؛ كما بادر إلي؛ ومعلوم أنه خص يديه بالذكر؛ لأنهما اللتان قدمتا المال له.
الإعراب: دعوت: فعل ماض وفاعل. "لما": متعلق بـ"دعوت". نابني: فعل ماض والفاعل: هو، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "نابني": صلة للموصول المجرور محلا باللام، لا محل لها. مسورا: مفعول به منصوب لـ"دعوت". فلبى: الفاء عاطفة، لبى: فعل ماض، والفاعل: هو؛ يعود إلى مسور. فلبي: الفاء عاطفة، لبي: مفعول مطلق منصوب، بفعل محذوف، وهو مضاف. يدي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى، وهو مضاف. مسور: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
موطن الشاهد: "فلبي يدي".
وجه الاستشهاد: إضافة "لبي" إلى الاسم الظاهر "يدي"؛ وحكم هذه الإضافة شاذة؛ لأن لبي مختصة بالإضافة إلى ضمير المتكلم، كما أسلفنا.
2 وجده الرد -كما قال سيبويه: أنه لو كان مفردا مقصورا -كما يرى يونس- لما قلبت ألفه ياء مع الظاهر في قوله: "فلبي يدي مسور" كما لا تقلب ألف "لدى" و"على" عند ذلك كما في قوله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} وقوله جل شأنه: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ} وذلك ببقاء الألف؛ فكان ينبغي أن يقال: لبى زيد، ولبى يدي. فدل ذلك على أنه مثنى وليس بمقصور.
شرح التصريح: 2/ 38.(3/103)
وأخواته وهم1.
[ما هو واجب الإضافة] :
ومنها ما هو واجب الإضافة إلى الجمل؛ اسمية كانت، أو فعلية؛ وهو: "إذ"، و"حيث". فأما "إذ"؛ فنحو: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} 2 {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا} 3، وقد يحذف ما أضيفت إليه للعلم به4؛ فيجاء بالتنوين عوضا منه؛ كقوله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} 5، وأما "حيث"؛ فنحو: "جلست حيث جلس زيد" و"حيث زيد جالس"6 وربما أضيفت إلى المفرد7؛ كقوله8. [الطويل]
__________
1 يعني أن ابن الناظم وهم في نسبة الخلاف في هذه الألفاظ كلها إلى يونس؛ لأن خلافه فيلبيك وحده.
2 8 سورة الأنفال، الآية: 26.
موطن الشاهد: "إذا أنتم".
وجه الاستشهاد: إضافة إذ إلى الجملة الاسمية، وحكم هذه الإضافة الوجوب.
3 7 سورة الأعراف، الآية: 86.
موطن الشاهد: {إِذْ كُنْتُمْ} .
وجه الاستشهاد: إضافة إذ إلى الجملة الفعلية؛ وهي كسابقتها تماما من حيث التقدير.
4 وأكثر ما يكون ذلك؛ إذا كان المضاف اسم زمان، كيومئذ، وحينئذ، وساعتئذ؛ فيحذف المضاف ويؤتى بالتنوين عوضا عن الجملة المحذوفة، وتحرك الذال عند التنوين بالكسر للتخلص من الساكنين.
5 30 سورة الروم، الآية: 4.
موطن الشاهد: {يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ} .
وجه الاستشهاد: حذف الجملة بعد إذ -كما أسلفنا- للعلم بها؛ وجيء بالتنوين عوضا منها، وكسرت الذال لالتقاء الساكنين، وإذ باقية على بنائها على الأرجح، والتقدير: يوم إذ غلبت الروم ...
6 الغالب في الجملة الاسمية بعد "حيث" إلا يكون خبرها فعلا. وإضافتها إلى الجملة الفعلية أكثر؛ سواء كانت مثبتة أم منفية.
7 يجيز بعض النحاة إضافتها إلى المفرد مع بقائها مبنية؛ نحو: أنا مسافر حيث الهدوء. ويؤيده جواز فتح همزة "إن" بعدها، فتكون مضافة إلى المصدر المنسبك من أن ومعموليها، وهو مفرد؛ وبعضهم يعربها، ويندر أن تقع ظرف زمان أو غيره ولا يقاس على ما يسمع من ذلك.
حاشية يس على التصريح: 2/ 39، وهمع الهوامع: 1/ 212.
8 قيل: هو الفرزدق، وقيل: هو عملس بن عقيل، والأرجح أنه غير معين.(3/104)
332- ببيض المواضي حيث لي العمائم1
ولا يقاس عليه، خلافا للكسائي.
__________
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 39، والأشموني: 618/ 2/ 314، والهمع: 1/ 212، والدرر: 1/ 180، والأغاني: 11/ 83، وأمالي ابن الشجري: 1/ 136، وشرح المفصل: 4/ 90، والخزانة: 3/ 152، والعيني: 3/ 387، والمغني: 215/ 177، والسيوطي: 133، وليس في ديوان الفرزدق.
المفردات الغريبة: نطعنهم -بضم العين وفتحها: نضربهم، يقال: طعنه بالرمح، كمنعه ونصره؛ ضربه ووخزه. الحبا: جمع حبوة؛ وهي الثوب الذي يحتبى به، والاحتباء: أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره، ويشده عليهما، وقد يكون الاحتباء باليدين. والمراد هنا: أواسطهم. بيض: جمع أبيض، والمراد: السيف. المواضي: جمع ماضٍ؛ وهو النافذ القاطع، أي السيوف القواطع. لي العمائم: لفها وشدها طاقة بعد طاقة على الرءوس.
المعنى: نضربهم برماحنا في أواسطهم، حيث لا يبرءون من الطعن بعد ضربهم بالسيوف القواطع على رءوسهم.
الإعراب: ونطعنهم: الواو عاطفة، نطعن: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: مستتر وجوبا؛ تقديره: نحن؛ وضمير الغائبين "هم": في محل نصب مفعولا به. حيث: ظرف مكان مبني على الضم في محل نصب؛ وهو متعلق بـ"نطعن"، وهو مضاف. الكلى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف؛ منع من ظهورها التعذر؛ وهذا الوجه الذي أراده المؤلف. "بعد": متعلق بـ"نطعن" وهو مضاف. ضربهم: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، و"هم": في محل جر بالإضافة. "ببيض": متعلق بـ"ضربهم"، و"بيض" مضاف. المواضي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء؛ منع من ظهورها الثقل. "حيث": متعلق بـ"ضرب" وهو مبني على الضم في محل نصب، و"حيث" مضاف. لي: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. العمائم: مضاف إليه مجرور.
موطن الشاهد: "حيث لي العمائم".
وجه الاستشهاد: مجيء "حيث" مضافة إلى اسم مفرد "لي" -على رواية جر "لي"- غير أن بعض العلماء عدوا "حيث" مضافة إلى الجملة -على رواية رفع "لي"- فتكون "لي" مبتدأ محذوف الخبر، ولا شاهد في البيت حينئذ على إضافة "حيث" إلى الاسم المفرد؛ =(3/105)
[ما يختص بالجمل الفعلية] :
ومنها: ما يختص بالجمل الفعلية، وهو "لما"، عند من قال باسميتها1؛ نحو: "لما جاءني أكرمته"، و"إذا"2، عند غير الأخفش والكوفيين3؛ نحو: {إِذَا
__________
= وما قلناه -هنا- أحرى به أن يكون في صدر البيت "حيث الكلى ... " فإن "الكلى" يصح كونها مبتدأ، وخبره محذوف؛ والتقدير: حيث الكلى موجودة؛ وعلى هذا، فلا شاهد في البيت في الموضوعين. والذي يرجح ما ذهبنا إليه من عدم وجود ما يؤكد إضافة "حيث" إلى المفرد أمران؛
أحدهما: الرواية الثانية للبيت برفع "لي" وإنشاء بعضهم صدر البيت: "ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم" فلا شيء فيه على هذه الرواية أيضا.
وثانيهما: ما قاله ابن هشام نفسه -في المعنى- نقلا عن كتاب التمام لابن جني: "من أضاف حيث إلى المفرد أعربها؛ واستشهد بما رآه بخط الضابطين:
أما ترى حيث سهيل، طالعا
بفتح الثاء من "حيث"؛ وخفض سهيل؛ وحيث بالضم وسهيل بالرفع، أي موجود؛ فحذف الخبر. وفي الشاهد الذي نحن في صدده لم تعرب حيث؛ بل بقيت مبنية؛ وهذا ما يرجح إضافتها إلى الجملة لا إلى الاسم. انظر مغني اللبيب: 178.
1 القائل باسميتها: الفارسي وابن جني وابن السراج والجرجاني وآخرون، وقالوا: هي ظرف بمعنى "حين"؛ ولذا تسمى "لما الحينية"؛ وقيل: بمعنى "إذا" ورجحه ابن مالك في المغني؛ لأنها مختصة بالماضي، وفيها معنى الشرط. ويجب أن يكون شرطها وجوبها ماضيين عند الأكثرين، وتضاف إلى شرطها، وتنصب بجوابها. وعند سيبويه؛ هي حرف وجود لوجود لا محل لها.
مغني اللبيب: 369، والتصريح: 2/ 39-40.
2 "إذا" ظرف غير جازم مبني دائما متضمن معنى الشرط غالبا، وتكون للزمان المستقبل كثيرا وللماضي قليلا، ووقوع الماضي، في جملة شرطها، أو جزائها؛ لا يخرجها عن الدلالة على المستقبل. ويقع شرطها وجوابها ماضيين، أو مضارعين أو مختلفين وناصبها: إما شرطها، فلا تضاف إلى ما بعدها؛ لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف، وهذا رأي المحققين. وإما جوابها؛ فتكون مضافة إلى جملة الشرط، وهو المشهور. ويجوز أن يحذف المضاف إليه ويجيء التنوين عوضا عنه. تقول: من ينكر المعروف فليس إذًا يستحقه؛ أي: فليس إذا يجحده يستحقه. وتأتي "إذا" للمفاجأة فتختص بالجملة الاسمية؛ وهي حينئذ حرف على الأصح، نحو: خرجت فإذا محمد ينتظرني؛ وقيل: هي ظرف.
3 أما عندهما؛ فيجوز إضافتها إلى الجمل الاسمية تمسكا بظاهر قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ =(3/106)
طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} 1؛ وأما نحو: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} 2، فمثل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} 3؛ وأما قوله4: [الطويل]
333- إذا باهلي تحته حنظلية5
__________
= انْشَقَّتِ} ، قوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وهاتان الآيتان مؤولتان بتقدير فعل مماثل للفعل المتأخر مفسر به، كما ذكر المصنف.
مغني اللبيب: 127، والتصريح: 2/ 40، همع الهوامع: 1/ 206-207.
1 65 سورة الطلاق، الآية: 1.
موطن الشاهد: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} .
وجه الاستشهاد: دخول إذا على الجملة الفعلية، ومجيء فعل الشرط ماضيا، وجواب الشرط أمرا؛ وهذا الاختلاف في الصيغة بين فعل الشرط وجوابه جائز باتفاق، وشائع في اللغة.
2 84 سورة الانشقاق، الآية: 1.
موطن الشاهد: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} .
وجه الاستشهاد: استدل الأخفش والكوفيون بهذه الآية على جواز دخول إذا على الجملة الاسمية؛ والجمهور يعدونها داخلة على الجملة الفعلية -هنا- لأن "السماء" فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده، وما ذهب إليه الجمهور، هو الصواب؛ والذي سوغ للكوفيين والأخفش ما ذهبوا إليه كونهم لا يعدون إذا، وإن مختصتين بالجمل الفعلية.
3 9 سورة التوبة، الآية: 6.
موطن الشاهد: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أحد" فاعلا لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده؛ والتقدير: وإن استجارك أحد استجارك ... وفي ذلك دلالة على دخول إن على الجملة الفعلية؛ وحكم دخولها على الجملة الفعلية الوجوب عند الجمهور، والجواز عند الكوفيين والأخفش.
4 القائل: هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
له ولد منها فذاك المذرع
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 40، والأشموني: 62/ 2/ 316، والعيني: 3/ 413، وهمع الهوامع: 1/ 207، والدرر اللوامع: 1/ 174، ومغني اللبيب: 118/ 127، والسيوطي: 94، وديوان الفرزدق: 514. =(3/107)
فعلى إضمار "كان" كما أضمرت هي، وضمير الشأن في قوله1: [الطويل]
__________
= المفردات الغريبة: باهلي: منسوب إلى باهلة؛ وهي قبيلة، من قيس عيلان، ويكثر الشعراء من ذمها، ومن ذلك:
إذا قيل للكلب يا باهلي
...
عوى الكلب من لؤم هذا النسب
ومن ذلك قول الآخر:
وما سأل الله عبد له
... فخاب ولو كان من باهله
حنظلية: نسبة إلى حنظلة؛ وهي أكرم قبائل تميم، حتى ليقال: "حنظلة الأكرمون" المذرع: الذي أمه أشرف من أبيه.
المعنى: إذا تزوج رجل من باهلة امرأة من حنظلة، وأتى منها بولد؛ فهو المذرع؛ أي الذي أمه أشرف من أبيه.
الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، مبني على السكون، في محل نصب على الظرفية الزمانية. باهلي: اسم "كان" محذوفة وحدها. "تحته": متعلق بمحذوف خبر مقدم، والهاء: في محل جر بالإضافة. حنظلية: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "تحته حنظلية": في محل نصب خبر "كان" المحذوفة وحدها. ويجوز أن تكون كان محذوفة مع اسمها -ضمير الشأن- وعليه فباهلي: مبتدأ أول، وحنظلية: مبتدأ ثاني؛ وجملة "تحته حنظلية": في محل رفع خبر المبتدأ الأول؛ وجملة "باهلي تحته حنظلية": في محل نصب خبر كان المحذوفة مع اسمها؛ والأول أفضل. "له": متعلق بمحذوف خبر مقدم. "ولد": مبتدأ مؤخر؛ وجملة "له ولد": في محل رفع صفة لـ"باهلي". "منها": متعلق بمحذوف صفة لـ"ولد". "فذاك": الفاء واقعة في جواب الشرط، ذا: اسم إشارة مبني على السكون، في محل رفع مبتدأ، والكاف: للخطاب، لا محل لها من الإعراب. المذرع: خبر مرفوع؛ وجملة "ذاك المذرع": لا محل لها؛ لأنها جواب شرط غير جازم.
موطن الشاهد: "إذا باهلي".
وجه الاستشهاد: مجيء "باهلي" اسما لكان المحذوفة بعد "إذا"؛ لأن إذا لا يليها إلا الفعل لفظا أو تقديرا؛ ولم يعرب "باهلي" فاعلا لفعل محذوف؛ لأنه لم يأت بعده ما يفسره. واحتج الأخفش بهذا البيت على دخول إذا على الجملة الاسمية؛ والصواب ما ذهب إليه الجمهور؛ لما بينا.
1 القائل: هو قيس بن الملوح؛ والمعروف بمجنون ليلى، وقد مرت ترجمته.
وقيل: هو عبد الله بن الدمينة؛ وقيل: هو عبد الله بن الصمة القشيري؛ وقيل: هو إبراهيم بن العباس الصولي.(3/108)
334- ... فهلا نفس ليل شفيعها1
__________
1 تخريج الشاهد: هذا جزء من بيت، وهو بتمامه:
ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة
...
إلي فهلا نفس ليلى شفيعها
وينشد بعده قوله:
أأكرم من ليلى علي فتبتغي
...
به الجاه أم كنت امرأ لا أطيعها
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 4، والأشموني: 624/ 2/ 316، والخزانة: 1/ 463، 3/ 597، 4/ 498، 524، والعيني: 3/ 416، 4/ 457-478، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 1220، والهمع: 2/ 67، والدرر: 2/ 83، والمغني: 117/ 103، 477/ 354، 572/ 404، 990/ 759، والسيوطي: 79، وديوان قيس: 195.
المفردات الغريبة: نبئت: أخبرت. بشفاعة؛ الشفاعة: التوسل ابتغاء الخير. الشفيع: الذي يكون منه التوسل.
المعنى: أخبرت أن ليلى أرسلت إلي شفيعا، يطلب مني العودة إلى الوصل والمودة؛ فهلا تقدمت بنفسها؛ لطلب ذلك، فإن هذا كان أجدى وأحق بالقبول.
الإعراب: نبئت: فعل ماض مبني للمجهول، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل؛ وهو المفعول الأول في الأصل. ليلى: مفعول به ثان منصوب؛ وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر. أرسلت: فعل ماض مبني على الفتح، والتاء. للتأنيث؛ والفاعل: هي؛ وجملة "أرسلت": في محل نصب مفعولا به ثالثا لـ"نبئت"؛ لأنه يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل. بشفاعة: الباء حرف جر زائد، شفاعة: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه مفعول به منصوب؛ وهو الأفضل. "إلي": متعلق بـ"أرسلت". فهلا: الفاء سببية، لا محل لها، هلا: حرف تحضيض، لا محل له من الإعراب. نفس: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. ليلى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف، منع من ظهورها التعذر. شفيعها: خبر مرفوع، وهو مضاف، و"ها": في محل جر بالإضافة؛ ويجوز أن يكون "نفس ليلى" خبرا مقدما، و"شفيعها" مبتدأ مؤخرا؛ والأول أفضل؛ وعلى كل فجملة "نفس ليلى شفيعها": في محل نصب خبر كان المحذوفة مع اسمها ضمير الشأن؛ والتقدير: فهلا كان هو -أي الحال والشأن- نفس ليلى شفيعها. ويجوز أن نعرب -هنا- "نفس ليلى" فاعلا لفعل محذوف؛ والتقدير: فهلا شفعت نفس ليلى؛ وعلى هذا الوجه، من الإعراب، يكون قوله: "شفيعها" خبرا لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هو شفيعها؛ والوجه الأول أفضل وأسهل.
موطن الشاهد: "فهلا نفس ليلى".
وجه الاستشهاد: حذف كان واسمها ضمير الشأن بعد "هلا"، ولم نعرب "نفس ليلى" =(3/109)
[ما كان بمنزلة إذ وإذا فهو بمنزلتهما فيما يضافان إليه] :
فصل: وما كان بمنزلة "إذ" أو "إذا"، في كونه اسم زمان مبهم لما مضى أو لما يأتي1، فإنه بمنزلتهما فيما يضافان إليه2؛ فلذلك تقول: "جئتك زمن الحجاج أمير"، أو "زمن كان الحجاج أميرا"؛ لأنه بمنزلة "إذ"3، و"آتيك زمن يقدم الحاج"؛ ويمتنع "زمن الحاج قادم" لأنه بمنزلة إذا4؛ هذا قول سيبويه، ووافقه الناظم في مشبه إذ دون مشبه إذا؛ محتجا بقوله تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} 5، وقوله:
__________
= اسما لـ"كان المحذوفة" -كما في الشاهد السابق- لأن "شفيعها" اسم مفرد مرفوع، لا يصلح أن يكون خبرا لها إلا على وجه شاذ -رفع الجزأين بكان- وإذا لم يصلح قوله: "نفس ليلى" أن يكون اسم كان؛ لزم تقدير اسمها ضمير الشأن؛ والجملة بعد ذلك في محل نصب خبرها؛ وهلا من الأدوات التي لا يليها إلا الفعل؛ ولا يجوزو حذف كان -وحدها- كما في البيت السابق؛ لما ذكرنا.
1 قول المصنف: "لما مضى" راجع لوجه الشبه بإذ. وقوله: "أو لما يأتي" راجع لوجه الشبه بإذا. والمراد بالمبهم من الزمان: ما ليس محدودا؛ بألا يكون له أي اختصاص، كحين، ومدة، ووقت، وزمن، ولحظة، وبرهة، أو يكون له اختصاص من بعض النواحي؛ كغداة وعشية، وليل ونهار، وصباح ومساء. أما المحدود فهو: ما دل على عدد معين؛ كيومين، وأسبوع، وشهر، وسنة، أو وقت محدود؛ كأمس، وغد، وهذا لا يضاف إلى جملة.
2 فما يكون بمعنى "إذ" يجوز إضافته إلى الجملة بنوعيها بالشرط الذي ذكرناه وهو أن يكون معنى الجملة ماضيا أو مستقبلا محتم الوقوع، كما يجوز أن يضاف إلى المفرد، أو لا يضاف. وما يكون بمنزلة "إذا" يضاف إلى الجملة الفعلية؛ غير أن الإضافة في "إذ" و"إذا" واجبة، وفيما يكون بمنزلتهما جائزة.
التصريح: 2/ 41.
3 فـ"زمن" في المثال الأول مضاف إلى جملة اسمية. وفي الثاني مضاف إلى فعلية.
4 أي: و"إذا" لا تضاف إلى الجمل الاسمية، فكذلك ما كان بمعناها.
5 51 سورة الذاريات الآية: 13.
موطن الشاهد: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} .
وجه الاستشهاد: إضافة "يوم" إلى الجملة الاسمية؛ ويوم مشبه إذا في الاستقبال، وإذا لا تضاف إلى الجملة الاسمية.(3/110)
وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة1
وهذا ونحوه، مما نزل في المستقبل، لتحقق وقوعه، منزلة ما قد وقع ومضى2.
[يجوز في الزمان المحمول على "إذا" أو "إذ" الإعراب على الأصل] :
فصل: ويجوز في الزمان المحمول على "إذا" أو "إذ" الإعراب على الأصل، والبناء حملا عليهما3؛ فإن كان ما وليه فعلا مبنيا؛ فالبناء أرجح للتناسب؛
__________
1 هذا صدر بيت لسواد بن قارب الدوسي الصحابي، وعجزه قوله:
بمغن فتيلا عن سواد بن قارب
مر تخريج هذا البيت والتعليق عليه في باب "كان وأخواتها".
موطن الشاهد: "يوم لا ذو شفاعة بمغن".
وجه الاستشهاد: إضافة "يوم" إلى الجملة الاسمية -على رأي ابن مالك- مع أنه بمنزلة "إذا" في دلالته على المستقبل؛ ومعلوم أن إذا لا تضاف إلى الجملة الاسمية؛ وظاهر البيت رد على سيبويه الذي لا يجيز ذلك؛ والمذكور من الآية، وهذا البيت ونحوه -عند سيبويه- مما نزل في المستقبل؛ لتحقق وقوعه منزلة ما قد وقع ومضى؛ فيوم -فيه- مشبه إذ لا مشبه إذا؛ فلذلك أضيف إلى الجملة الاسمية؛ ولو كان الزمان محدودا كأسبوع، ويومين، وشهر؛ لم يضف إلى الجمل خلافا لبعض المغاربة. انظر شرح التصريح: 2/ 42.
2 أي فيكون "يوم" مشبها لإذ لا لإذا؛ لأن المراد من الماضي ما كان متحقق الوقوع، سواء عبر عنه بالماضي، أو بالمضارع. وهذا توجيه سيبويه، وهو رد على رأي الناظم.
3 "إذ" و"إذا" مبنيان دائما؛ لكونهما أشبها الحرف في الافتقار المتأصل إلى جملة؛ فإذا أضيف الظرف المبهم إلى جملة، وكان غير مستحق للبناء في ذاته؛ جاز فيه وجهان:
الأول: الإعراب بحسب العوامل؛ نظرا إلى ما هو الأصل في الأسماء.
الثاني: البناء على الفتح حملا على إذ وإذا؛ وقد اختلف النحاة في تعليل البناء؛ فمنهم من قال: علة بناء الظرف المبهم المضاف إلى جملة، هي الحمل على إذ أو إذا؛ ومنهم من قال: سبب بناء الظرف المبهم المضاف إلى جملة الاعتداد بالافتقار العارض لهذا الظرف، وتنزيل الافتقار العارض منزلة الافتقار المتأصل الذي أوجب البناء لـ"إذ" و"إذا" وللموصولات؛ ولما كان الافتقار عارضا وليس أصليا؛ فإنه لم يوجب البناء، ولكن جوزه؛ فجواز الإعراب منظور فيه إلى ما هو الأصل في الأسماء؛ ومنها هذا الظرف؛ =(3/111)
كقوله1: [الطويل]
335- على حين عاتبت المشيب على الصبا2
__________
= وجواز البناء منظور فيه إلى الشبه بين إذ أو إذا وهذا الظرف؛ وأن الجملة المضاف إليها، إن كان صدرها مبنيا قوي الشبه فلهذا كان البناء في هذه الحالة أرجح. حاشية يس على التصريح: 2/ 42.
1 القائل: هو النابغة الذبياني، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وقلت ألما أصح والشيب وازع
وهو من قصيدة يعتذر فيها للنعمان بن المنذر، وقبل الشاهد قوله:
فكفكفت مني عبرة فرددتها ... على النحر منها مستهل ودامع
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 42، وسيبويه: 1/ 369، والمنصف: 1/ 58، وأمالي ابن الشجري: 1/ 46، 2/ 132، 164، وشرح المفصل: 3/ 16، 81، 4/ 91، 8/ 146. والإنصاف: 292، والمقرب: 63، والخزانة: 3/ 151، والعيني: 2/ 406، 4/ 357، والهمع: 1/ 218، والدرر: 1/ 187، والمغني: 910/ 672، والسيوطي: 298، وابن عقيل: 227/ 3/ 59، وديوان النابغة: 51.
المفردات الغريبة: "على" الأولى بمعنى "في" والثانية للتعليل. عاتبت، العتاب: اللوم مع السخط وعدم الرضا. الصبا: الصبوة والميل إلى الهوى. أصح: أتنبه. وازع: زاجر، من وزع، أي زجر ونهى.
المعنى: سال مني الدمع وانهمل وقت معاتبتي للشيب وقد حل بي بعد ذهاب زمان الصبوة والفتوة والانغماس في الشهوات، وقلت لنفسي موبخا إياها: كيف لا أصحو وأفيق من غفلتي واسترسالي في الشهوات، والشيب أكبر زاجر وواعظ!!
الإعراب: "على حين": متعلق بـ"كفكفت" أو "بأسبل" أو بـ"رددتها" في بيت سابق؛ وحين: ظرف زمان مبني على الفتح في محل جر. عاتبت: فعل ماض، والتاء: في محل رفع فاعل؛ وجملة "عاتبت": في محل جر بالإضافة. المشيب: مفعول به منصوب.
على الصبا": متعلق بـ"عاتبت". وقلت: الواو عاطفة، قلت: فعل ماض وفاعل. ألما: الهمزة حرف للاستفاهم الإنكاري، لما: نافية جازمة، لا محل لها من الإعراب. أصح: فعل مضارع مجزوم بـ"لما" وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، والفاعل: أنا. والشيب: الواو حالية، الشيب: مبتدأ مرفوع. وازع: خبر مرفوع؛ وجملة "الشيب وازع": في محل نصب على الحال.
موطن الشاهد: "حين عاتبت". =(3/112)
وقوله1: [الطويل]
336- على حين يستصبين كل حليم2
وإن كان فعلا معربا أو جملة اسمية؛ فالإعراب أرجح عند الكوفيين3،
__________
= وجه الاستشهاد: ورود "حين" مبنيا على الفتح؛ لإضافته إلى مبني؛ هو الفعل الماضي المبني أصالة؛ فاكتسب البناء مما أضيف إليه. وورد بالخفض -على رواية- فيكون مجرورا بعلى معربا.
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
لأجتذبن منهن قلبي تحلما
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 42، والأشموني: 620/ 2/ 315، والعيني: 3/ 41، والهمع: 1/ 218، والدرر: 1/ 187، والمغني: 911/ 672، والسيوطي: 298.
المفردات الغريبة: تحلما: التحلم: تكلف الحلم وتصنعه. يستصبين: يستملن ويجتذبن. حليم: عاقل رزين.
المعنى: والله لأجتذبن قلبي وأشده إلى نفسي، من هؤلاء الفاتنات، متكلفا الحلم والكف عن الميل إلى الهوى؛ لأنهن يستملن إلى اللهو والصبوة كل عاقل.
الإعراب: لأجتذبن: اللام واقعة في جواب قسم مقدر، تفيد التوكيد، أجتذبن: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، في محل رفع، والفاعل: أنا، والنون: لا محل لها من الإعراب. "منهن": متعلق بـ"أجتذب". قلبي: مفعول به لـ"أجتذب" والياء: في محل جر بالإضافة. تحلما: مفعول لأجله منصوب. "على حين": على: حرف جر، وحين: مفعول فيه ظرف زمان مبني على الفتح، في محل جر بعلى و"على حين": متعلق بأجتذب. يستصبين: فعل مضارع مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة؛ والنون في محل رفع فاعل، كل: مفعول به منصوب، وهو مضاف.
حليم: مضاف إليه مجرور؛ وجملة "يستصبين كل حليم": في محل جر بالإضافة.
موطن الشاهد: "على حين يستصبين".
وجه الاستشهاد: مجيء "حين" مبنية على الفتح -على هذه الرواية- بسبب إضافتها إلى الفعل المضارع المبني؛ لاتصاله بنون النسوة؛ ومعلوم أن "حين" اكتسبت البناء من المضاف إليه المبني لا بالأصالة، وإنما بسبب اتصاله بنون النسوة، كما أسلفنا.
3 ووافق الأخفش الكوفيين في هذا؛ ومال إلى الأخذ برأيهم أبو علي الفارسي، وابن مالك، وهو يقول في هذا الصدد في الألفية:
وقبل فعل معرب أو مبتدا
أعرب ومن بنى فلن يفندا =(3/113)
وواجب عند البصريين، واعترض عليهم بقراءة نافع1: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ} 2 بالفتح؛ وقوله3: [الوافر]
337- على حين التواصل غير دان4
__________
= لن يفندا: لن يغلط بنائه الظرف الواقع قبل فعل مضارع أو جملة اسمية مؤلفة من مبتدأ وخبر.
التصريح: 2/ 42.
2 5 سورة المائدة، الآية: 119.
أوجه القراءات: قرأ نافع وابن محيصن: "يومَ" بالنصب، وقرأ الباقون: "يوم" بالرفع.
توجيه القراءات: من رفع "يوم" جعله خبرا لـ"هذا"؛ وهذا إشارة إلى يوم القيامة؛ والجملة في محل نصب بالقول؛ فأما على قراءة النصب فـ"يومَ" ظرف للقول، وهذا: إشارة إلى القصص والخبر الذي تقدم. انظر المشكل: 1/ 254، والنشر: 2/ 247، والإتحاف: 204.
موطن الشاهد: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "يومَ" مبنيا على الفتح -على قراءة نافع- فالفتح -هنا- فتح بناء؛ لا فتحة إعراب؛ لأن الإشارة إلى اليوم -كما في قراءة نافع- فلا يكون ظرفا؛ والتوفيق بين القراءتين أليق؛ وأجاب جمهور البصريين بأن الفتحة فيه فتحة إعراب؛ مثلها مثل: صمت يوم الخميس؛ والتزموا لأجل ذلك أن تكون الإشارة، ليست لليوم، وإلا لزم كون الشيء ظرفا لنفسه؛ وإنما هي للمذكور من قبل؛ من كلامه مع عيسى وكلام عيسى معه -أي هذا المذكور كائن في هذا اليوم.
انظر شرح التصريح: 2/ 442 وضياء السالك: 2/ 319.
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
تذكر ما تذكر من سليمى
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 42، والشذور: 26/ 119، والأشموني: 622/ 2/ 315، والعيني: 3/ 411، والهمع: 1/ 218، والدرر: 1/ 187.
المفردات الغريبة: التواصل: المواصلة وترك القطيعة والهجر. دان قريب.
المعنى: تذكر، وأعاد إلى مخيلته، وذاكرته، ما كان بينه، وبين سليمى؛ وأبهم المذكور تعظيما له وتفخيما في وقت لا ينتظر فيه قرب الوصال، والتقرب بينهما.
الإعراب: تذكر: فعل ماض، والفاعل: هو. ما: اسم موصول بمعنى "الذي" في محل =(3/114)
[شروط إضافة "كلا" و"كلتا"] :
فصل: مما يلزم الإضافة "كلا" و"كلتا"1، ولا يضافان إلا لما استكمل ثلاثة شروط:
أحدها: التعريف2؛ فلا يجوز "كلا رجلين"، ولا "كلتا امرأتين" خلافا للكوفيين.
__________
= نصب مفعولا به. تذكر: فعل ماض، والفاعل: هو؛ وجملة "تذكر": صلة للموصول، لا محل لها؛ وعائد الاسم الموصول محذوف؛ والتقدير: تذكره. "من سليمى": متعلق بمحذوف حال من "ما" الموصولة؛ والتقدير: تذكر الذي تذكره حال كونه من شئون سليمى. "على حين": متعلق بـ"تذكر" الأول؛ وحين: اسم مجرور بعلى؛ وعلامة جره الكسرة الظاهرة؛ ويروى بالفتح؛ فيكون مبنيا على الفتح، في محل جر بعلى. التواصل: مبتدأ مرفوع. غير: خبر مرفوع، وهو مضاف. دان: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء المحذوفة؛ للتخلص من التقاء الساكنين، منع من ظهورها الثقل؛ وجملة "التواصل غير دان": في محل جر بالإضافة.
موطن الشاهد: "على حين التواصل ... ".
وجه الاستشهاد: مجيء "حين" مبنيا على الفتح -على هذه الرواية- في محل جر بـ"على" مع إضافته إلى الجملة الاسمية "التواصل غير دان"؛ وفي هذا رد على البصريين الذين يمنعون البناء في هذه الحالة؛ وإن كان الإعراب -هنا- أكثر. ومثل هذا الشاهد قول مبشر بن الهذيل الفزاري:
ألم تعلمي يا عمرك الله أنني ... كريم على حين الكرام قليل
الفتح في "حين". انظر شرح التصريح: 2/ 42، والأشموني: 621/ 2/ 315.
1 أي: الإضافة لفظا ومعنى؛ وكلا، وكلتا؛ لفظان مثنيان معنى، يدلان على اثنين واثنتين، ويجوز في خبرهما، وفي كل ما يحتاج إلى المطابقة بينه وبينهما مراعاة اللفظ؛ وهو الأفصح، ومراعاة المعنى.
2 لأنهما عند التحقيق، يدلان على توكيد ما يضافان إليه، والبصريون من النحاة، لا يجيزون توكيد النكرة سواء أفاد توكيدها، أم لم يفد، فأما الكوفيون فإنهم يجيزون ذلك؛ ولهذا لم يشترطوا هذا الشرط، وأجازوا إضافتهما إلى نكرة مختصة؛ وذلك، لجواز توكيدها، تقول: حضر كلا رجلين عالمين، وكلتا امرأتين شاعرتين، والأحسن الأخذ بهذا الرأي. مغني اللبيب: 269، والتصريح: 2/ 42.(3/115)
والثاني: الدلالة على اثنين1؛ إما بالنص؛ نحو: "كلاهما" و"كلتا الجنتين"2، أو بالاشتراك؛ نحو قوله3: [الطويل]
338- كلانا غني عن أخيه حياته4
__________
1 أي: شيئين مذكرين، أو مؤنثين. واشترط ذلك؛ لأن الفرض منهما تقوية التثنية في المضاف إليه، وتأكيدها، ولا بد من أن يطابق التأكيد المؤكد.
2 18 سورة الكهف، الآية: 33.
موطن الشاهد: "كلتا الجنتين".
وجه الاستشهاد: دلالة "كلتا" على اثنتين بالنص المظهر "الجنتين"؛ ومعلوم أن "الجنتين" مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى.
3 هو: عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب؛ أحد شجعان الطالبيين وأجوادهم وشعرائهم، طلب الخلافة في أواخر دولة بني أمية، وبايعه الكثير من أهل المدائن، قاتله أبو مسلم الخراساني، وقبض عليه، وقيل: قتله، وقيل: مات في سجنه، وذلك سنة 131هـ، الأعلام: 4/ 139، الطبري "ط. المكتبة التجارية": 5/ 599، سرح العيون: 193.
تخريج الشاهد: هذا صدر بيت يخاطب فيه الشاعر الحسين بن عبد الله أحد أصدقائه، بعد أن تهاجرا، وعجزه قوله:
ونحن إذا متنا أشد تغانيا
وقد نسبه ابن الأعرابي إلى الأبيرد الرياحي، ونسبه القالي إلى سيار بن هبيرة بن ربيعة. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 43، والأشموني: 226/ 2/ 316 والمغني: 370/ 270، والسيوطي: 189، واللسان "غنا" ونسبه لمغيرة بن حبناء.
المعنى: كل منا مستغنٍ بنفسه عن الآخر في هذه الحياة؛ وإذا ما متنا يكون كل واحد منا أكثر استغناء عن صديقه.
الإعراب: كلانا: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه ملحق بالمثنى، ونا: في محل جر بالإضافة. غني: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. "عن أخيه": متعلق بـ"غني" والهاء: في محل جر بالإضافة. "حياته": متعلق بـ"غني" والهاء: في محل جر بالإضافة. ونحن: الواو عاطفة، نحن: في محل رفع مبتدأ. إذا: ظرف متضمن معنى الشرط، مبني على السكون، في محل نصب على الظرفية الزمانية. متنا: فعل ماض، ونا: في محل رفع فاعل؛ وجملة "متنا": في محل جر بالإضافة؛ وجواب الشرط محذوف؛ و"جملة الشرط": اعتراضية، لا محل لها. أشد: خبر مرفوع. تفانيا: تمييز منصوب. =(3/116)
فإن كلمة "نا" مشتركة بين الاثنين والجماعة. وإنما صح قوله1: [الرمل
339- إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل2
__________
= موطن الشاهد: "كلانا".
وجه الاستشهاد: إضافة "كلا" إلى الضمير المتصل "نا"؛ وهو لفظ مشترك، يدل على الاثنين والجماعة؛ فصحت إضافة "كلا" إليه؛ ومعلوم أن دلالة "نا" على الاثنين، من دلالة المشترك على أحد معانيه.
1 القائل: هو عبد الله بن الزبعرى بن قيس السهمي القرشي، أبو سعد، شاعر قريش في الجاهلية. كان شديدا على المسلمين، إلى أن فتحت مكة؛ فهرب إلى نجران، فقال فيه "حسان" أبياتا، فلما بلغته، عاد إلى مكة، فأسلم، واعتذر، ومدح النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر له بحلة.
الجمحي: 1/ 235، والأغاني: 1/ 4/ 14، سمط اللآلي: 387.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من كلمة، قالها بعد غزوة أحد يتشفى بالمسلمين، وكان وقتئذ، لا يزال على جاهليته. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 43، والأشموني: 627/ 2/ 317، وابن عقيل: 228/ 3/ 62، والهمع: 2/ 50، والدرر: 2/ 61، والسيرة: 616، وشرح المفصل: 3/ 2، والمقرب: 45، والمغني: 366/ 268، والسيوطي: 187.
المفردات الغريبة: مدى، المدى: غاية الشيء ونهايته. وجه: جهة، ومستقبل كل شيء وجهه. قبل، القبل: المحجة الواضحة. وضبطه بعضهم "قبَل" بكسر القاف وفتح الباء: جمع قبله.
المعنى: إن للخير، وللشر غاية ونهاية ينتهيان إليها، ويقفان عندها؛ وكلاهما أمر معروف، يستقبله الإنسان، ويعرفه كما يستقبل الوجه؛ أو إن كليهما بمثابة القبلة التي يتوجه إليها المصلي.
الإعراب: إن: حرف مشبه بالفعل. "للخير": متعلق بمحذوف خبر مقدم لـ"إن". وللشر: الواو عاطفة، "للشر": معطوف على "للخير" السابق. مدى: اسم "إن" مؤخر، منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين، منع من ظهورها التعذر. وكلا: الواو عاطفة، كلا: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف؛ منع من ظهورها التعذر، وهو مضاف. ذلك: ذا اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالإضافة، واللام للبعد، والكاف للخطاب، لا محل لها من الإعراب. وجه: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. وقبل: الواو عاطفة، قبل: اسم معطوف على "وجه" مرفوع مثله، وسكن لضرورة القافية.
موطن الشاهد: "كلا ذلك".
وجه الاستشهاد: إضافة "كلا" إلى مفرد لفظا، مثنى معنى؛ وهو ذلك؛ لكونه عائدا على اثنين هما: الخير والشر.(3/117)
لأن "ذا" مثناة في المعنى؛ مثلها في قوله تعالى: {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} 1؛ أي: وكلا ما ذكر، وبين ما ذكر.
والثالث: أن يكون كلمة واحدة2؛ فلا يجوز "كلا زيد وعمرو" فأما قوله3: [البسيط]
340- كلا أخي وخليلي واجدي عضدا4
فمن نوادر الضرورات
__________
1 2 سورة البقرة، الآية: 68.
موطن الشاهد: "بين ذلك".
وجه الاستشهاد: دلالة "ذلك" على ما ذكر؛ أي: بين الفارض والبكر؛ والفارض: المسنة، والبكر: الفتية، والعوان: ما كانت وسطا، فليست بالبكر ولا بالفارض.
2 فلا يضافان إلى كلمتين متفرقتين؛ لأنهما موضوعان لتأكيد المثنى.
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد:
هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
في النائبات وإلمام الملمات
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 43، والأشموني: 628/ 2/ 317، وابن عقيل: 229/ 3/ 63، والعيني: 3/ 319، والهمع: 2/ 50، والدرر: 2/ 61، والمغني: 367/ 269، والسيوطي: 188.
المفردات الغريبة: الخليل: الصديق. عضدا: سندا يعتمد عليه ويركن إليه عند الشدائد.
النائبات: المصائب التي تنوب الإنسان؛ جمع نائبة. إلمام: نزول مصدر ألم؛ أي نزل. الملمات: نوازل الدهر وحوادثه، جمع ملمة.
المعنى: كل من أخي وصديقي، يجدني عند حلول المصائب والشدائد، ونزول حوادث الدهر ونوائبه، معينا وركنا قويا، يستند إليه؛ ويجدني ناصرا ومساعدا له في الملمات.
الإعراب: كلا: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف؛ منع من ظهورها التعذر، وهو مضاف. أخي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على ما قبل الياء، وهو مضاف، والياء: في محل جر بالإضافة. وخليلي: الواو عاطفة، خليل: معطوف على "أخي" وهو مضاف، والياء: مضاف إليه. واجدي: خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل الياء؛ منع من ظهورها اشتغال المحل، بحركة المناسبة، وهو مضاف، والياء: مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله؛ وهي في =(3/118)
["أي" وإضافتها إلى النكرة مطلقا] :
ومنها "أي": وتضاف للنكرة مطلقا؛ نحو: "أي رجل"، و"أي رجلين"، و"أي رجال"؛ وللمعرفة، إذا كانت مثناة، نحو: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ} 1، أو مجموعة؛ نحو {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} 2 ولا تضاف إليها مفردة إلا إن كان بينهما3 جمع مقدر4؛ نحو "أي زيد أحسن"؛ إذ المعنى أي أجزاء زيد أحسن؛ أو عطف عليها مثلها بالواو5.
__________
= محل نصب مفعوله الأول. عضدا: مفعول به ثان لاسم الفاعل "واجد"؛ وهو الأفضل؛ ويجوز إعرابه حالا على تأويله بمساعد أو معين. "في النائبات": متعلق بواجدي. وإلمام: الواو عاطفة، إلمام: اسم معطوف على النائبات مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، وهو مضاف. "الملمات" مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
موطن الشاهد: "كلا أخي وخليلي".
وجه الاستشهاد: إضافة "كلا" إلى متعدد مع التفريق بالعطف "أخي وخليلي" وحكم هذه الإضافة الشذوذ مع الندرة.
فائدة: "أ" لا تضاف "كلا وكلتا" إلى شيء من الضمائر سوى "نا" و"الكاف" المتصلة بالميم والألف، والهاء كذلك؛ نحو: كلانا، وكلاكما، وكلاهما؛ وكذلك كلتا.
فائدة: "ب" أجاز ابن الأنباري إضافة "كلا" إلى المفرد بشرط تكررها؛ نحو: كلاي، وكلاك فحسنان، شرح التصريح: 2/ 43.
1 6 سورة الأنعام، الآية: 81.
موطن الشاهد: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ} .
وجه الاستشهاد: إضافة "أي" إلى المعرفة؛ لأنها مثناة؛ وحكم هذه الإضافة الجواز.
2 67 سورة الملك، الآية: 2.
موطن الشاهد: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ} .
وجه الاستشهاد: إضافة "أي" إلى "كم" ضمير الجمع؛ وهو معرفة؛ وحكم هذه الإضافة الجواز.
3 أي: بين "أي" وبين المعرفة المفردة.
4 أي: لفظ يدل على جمع؛ وهو أجزاء في المثال المذكور في المتن، أو قصد الجنس بالمضاف إليه؛ نحو: أي الدينار دينارك؛ وأي الكسب كسبك.
5 أي: تكررت بعطف معرفة مفردة على الأولى بالواو خاصة، ولا يشترط إضافة الأولى منهما إلى ضمير المتكلم خلافا لبعضهم؛ فيصح أن يقال: أيك وأي محمد أفقه؟ وأي علي وأي محمد أفضل؟
انظر حاشية يس على التصريح: 2/ 44، وضياء السالك: 2/ 324.(3/119)
كقوله1: [الكامل]
341- أيي وأيك فارس الأحزاب2
إذ المعنى: أينا.
__________
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
فلئن لقيتك خاليين لتعلمن
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 44، والأشموني: 630/ 2/ 317، واللسان "سوا" وقال هو تحريف وصوابه: الأجراف.
المفردات الغريبة: خاليين: منفردين ليس معنا أحد. الأحزاب: جمع حزب وهو الجماعة من الناس أمرهم واحد.
المعنى: يتوعد الشاعر محدثه قائلا: إذا تقابلنا منفردين ليس معنا أحد، ونزل كل منها إلى صاحبه، فستعلم أينا الفارس المغوار الذي لا ينازعه أحد.
الإعراب: لئن: اللام موطئة القسم، إن: حرف شرط جازم. لقيتك: فعل ماض مبني على لاسكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: فاعل، والكاف: في محل نصب مفعولا به؛ ولقي في محل جزم فعل الشرط. خاليين: حال منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى، والنون: عوض عن التنوين في الاسم المفرد. لتعلمن: اللام واقعة في جواب القسم، تعلم: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، والفاعل: أنت؛ وجملة "تعلمن": جواب القسم، لا محل لها؛ وجواب الشرط محذوف؛ لدلالة جواب القسم عليه. أيي: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وهو مضاف، والياء: في محل جر بالإضافة. وأيك: الواو عاطفة، أي: اسم معطوف على "أي" مروفع مثله، وهو مضاف، والكاف: في محل جر بالإضافة. فارس: خبر مرفوع، وهو مضاف. الأحزاب: مضاف إليه مجرور؛ وجملة "أيي وأيك فارس الأحزاب": سدت مسد مفعولي "تعلم".
موطن الشاهد: "أيي وأيك".
وجه الاستشهاد: إضافة "أي" إلى مفرد معرفة "ياء المتكلم" والذي سوغ هذه الإضافة تكرارها بعطف مثلها عليها بالواو؛ ولولا هذا التكرار، لم تجز إضافة "أي" إلى المعرفة المفردة. =(3/120)
[لا تضاف "أي" الموصولة إلا إلى معرفة] :
ولا تضاف "أي"1 الموصولة إلا إلى معرفة؛ نحو: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} 2؛ خلافا لابن عصفور3، ولا "أي" المنعوت بها والواقعة حالا إلا لنكرة4؛ كـ"مررت بفارس أي فارس"، و"بزيد أي فارس".
["أي" الاستفهامية والشرطية تضافان إلى المعرفة والنكرة] :
وأما الاستفهامية والشرطية، فيضافان إليهما؛ نحو: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} 5 {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} 6، {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ} 7؛ وقولك "أي رجل جاءك
__________
= فائدة: ثني الحال "خاليين"؛ لأن أصل الكلام: لقيتك خاليا وخاليا؛ فلما تعدد الحال، وكان لفظ الحالين واحدا، ومعناهما واحدا، والعامل المسلط عليهما واحدا؛ ثني الحال.
1 لأنه يراد بها معين، والصلة لا تستقل بذلك مع أي؛ لتوغلها في الإبهام؛ فلا بد من إضافتها إلى معرفة، ولا بد من أن تدل المعرفة على متعدد أو يعطف مثلها بالواو.
2 19 سورة مريم، الآية: 69.
موطن الشاهد: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} .
وجه الاستشهاد: إضافة "أي" التي بمعنى الذي إلى "هم"؛ وهو معرفة؛ لأن الضمير من أعرف المعارف؛ ولا تجوز إضافة "أي" إلى غير المعرفة عند الجمهور.
3 مرت ترجمته؛ وابن عصفور؛ أجاز إضافة "أي" الموصولة إلى نكرة.
4 أي: في الغالب؛ لأن صفة النكرة، والحال ينبغي أن يكونا نكرتين؛ وينبغي أن تكون هذه النكرة مماثلة للموصوف لفظا ومعنى، أو معنى فقط؛ كما مثل المؤلف. شرح التصريح: 2/ 44.
5 27 سورة النمل، الآية: 38.
موطن الشاهد: {أَيُّكُمْ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أي" اسم استفهام مضافا إلى معرفة؛ "ضمير المخاطب الجمع" وحكم إضافة "أي" الاستفهامية إلى المعرفة الجواز.
6 28 سورة القصص، الآية: 28.
موطن الشاهد: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أي" الشرطية مضافة إلى معرفة؛ وحكم إضافتها إلى المعرفة الجواز.
7 7 سورة الأعراف، الآية: 185.
موطن الشاهد: {بِأَيِّ حَدِيثٍ} . =(3/121)
فأكرمه1.
[خصوصيات "لدن"] :
ومنها "لدن"2 بمعنى عند؛ إلا أنها تختص بستة أمور:
أحدها: أنها ملازمة لمبدأ الغايات3، فمن ثم يتعاقبان4 في نحو: "جئت من
__________
= وجه الاستشهاد: مجيء "أي" الاستفهامية مضافة إلى حديث؛ وهو نكرة؛ وحكم إضافة "أي" الاستفهامية إلى النكرة الجواز.
1 لأي ثلاثة أحوال، هي:
أ- الإضافة إلى النكرة والمعرفة -إن كانت أي شرطية أو استفهامية- وتضاف إلى النكرة مطلقا؛ سواء أكانت لمتعدد أم لغير متعدد، وهي في هاتين الحالتين بمعنى المضاف إليه كاملا؛ ولذا تكون بمعنى "كل"؛ ويشترط في المعرفة أن تكون لمتعدد، وتكون معها بمعنى "بعض"، ويجوز قطعها عن الإضافة؛ فمثال الشرطية، قوله تعالى: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ، ومثال الاستفهامية قولك: أكرمت رجلا، فيقال لك: أيا يا فتى؟.
ب- الإضافة إلى النكرة في "أي" الوصفية والحالية، ومعنى الوصفية؛ الدلالة على بلوغ الموصوف الغاية مدحا أو ذما. ويشترط أن تكون النكرة مماثلة للموصوف لفظا ومعنى، أو معنى فقط. والوصفية لا تكرر، ولا تنوى بها الأجزاء. وتدل الحالية على ما تدل عليه الحال؛ من بيان هيئة صاحبها المعرفة.
ج- الإضافة إلى المعرفة في "أي" الموصولة؛ التي بمعنى الذي؛ ويشترط في المعرفة أن تدل على متعدد بالإضافة، أو بالعطف بالواو على مثل المتقدم، كما سبق بيانه، ويراعى لفظها في المطابقة، وقد تقطع عن الإضافة لفظا؛ نحو: أكرم أيا هو أفضل. ضياء السالك: 2/ 325-326، وشرح التصريح: 2/ 45، ومغني اللبيب: 107.
2 هي ظرف مبهم، يدل على بدء الغاية الزمانية، أو المكانية. والمراد بالغاية: ما يدل عليه الكلام بعدها من المقدار الزمني، أو المسافة المكانية، من حيث يكون البدء بها، وتجر ما بعدها بالإضافة لفظا إن كان معربا، ومحلا إن كان مبنيا أو جملة.
3 أي: أول المسافات المكانية، أو المقادير الزمانية، فمسماها نقطة البداية ودخول "من" التي للابتداء عليها؛ لتدل على هذا المعنى المراد منها؛ لأنه غير مألوف في الأسماء.
أما "عند" فتكون لمبدأ الغايات كثيرا، وللدلالة على الحضور المجرد؛ نحو: جلست عندك. ويندر أن يقال: جلست لدنك. وإنما تكون "عند" لابتداء الغاية كثيرا إذا دخلت عليها "من" الابتدائية؛ فإن لم تدخل عليها "من" كانت للدلالة على مجرد الحضور.
المغني: 208، والتصريح: 2/ 45، والهمع: 1/ 214-215.
4 أي: يتداولان على شيء واحد.(3/122)
عنده" و"من لدنه" وفي التنزيل: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} 1، بخلاف نحو: "جلست عنده"؛ فلا يجوز فيه "جلست لدنه" لعدم معنى الابتداء هنا2.
الثاني: أن الغالب استعمالها مجرورة بمن3.
الثالث: أنها مبنية4 إلا في لغة قيس5؛ وبلغتهم قرئ: {مِنْ لَدُنْهُ} 6.
الرابع: جواز إضافتها إلى الجمل7؛ كقوله8: [الطويل]
__________
1 18 سورة الكهف، الآية: 65.
موطن الشاهد: "من عندنا، من لدنا".
وجه الاستشهاد: مجيء "لدنا" دالة على مبدأ الغاية في الآية الكريمة.
مجيء "عندنا" دالة على مبدأ الغاية في الآية الكريمة.
2 لأن المقصود: جلست في مكان قريب منه.
3 فتكون مبنية على السكون في محل جر، ولم ترد في القرآن الكريم إلا كذلك. ومن القليل تجردها للظرفية، وحينئذ تكون مبنية على السكون في محل نصب أما "عند" فتنصب كثيرا على الظرفية، أو تجر بمن. وجرها بمن -على كثرته- قليل بالنسبة لجر "لدن" بها.
4 بخلاف "عند" فإنها معربة، عند أكثر العرب.
5 فإنها معربة عندهم تشبيها بعند، وإعرابها عندهم مخصوص بالمشهور فيها وهو "لدن" وقد سكنت الدال للتخفيف مع الإشمام بالضمة، والأصل ضمها.
6 18 سورة الكهف، الآية: 65.
أوجه القراءات: قرأ أبو بكر عن عاصم: لينذر بأسا شديدا من "لدنه" بإسكان الدال وإشمامها الضم، وكسر النون والهاء، ووصلها بياء في الوصل.
موطن الشاهد: {مِنْ لَدُنْهُ} .
وجه الاستشهاد: جر "لدن" بمن تشبيها لها بـ"عند" على قراءة أبي بكر عن عاصم؛ غير أنه ورد في أمالي ابن الشجري: "وزعم الفارسي: أن "لدن" في الآية على هذه القراءة مبنية، والكسرة للتخلص من الساكنين؛ سكون الدال، والنون؛ لأجل بناء "لدن"؛ فظهر بذلك أن "لدن" مبنية دائما بخلاف عند.
انظر شرح التصريح: 2/ 46.
7 وإذا أضيفت إلى الجملة، تمحضت للدلالة على بداية الغاية الزمانية دون المكانية؛ لأن الأرجح أنه لا يضاف إلى الجملة من ظروف المكان غير "حيث" كما تقدم.
8 القائل: هو القطامي؛ عمير بن شييم بن عمرو التغلبي، يكنى أبا سعيد. وهو ابن أخت =(3/123)
342- لدن شب حتى شاب سود الذوائب1
__________
= الأخطل النصراني، شاعر فحل من شعراء الغزل، كان حسن التشبيب رقيقه حتى سمي صريع الغواني، أسره زفر بن الحارث ثم من عليه وفداه من قيس، حين أراد قتله؛ فأكثر لذلك، من مدحه، ثم أسلم القطامي، وترك النصرانية، ومات سنة 130هـ.
الشعر والشعراء: 2/ 723، والجمحي: 2/ 535، والأغاني: 20/ 118، والخزانة 1/ 391.
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
صريع غوان شاقهن وشقنه
ويروى قبل الشاهد قوله:
لمستهلك قد كاد من شدة الهوى ... يموت ومن طول العدات الكواذب
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 46، والأشموني: 634/ 2/ 318، والعيني: 3/ 427، والهمع: 1/ 215، والدرر: 1/ 184، وأمالي ابن الشجري: 1/ 233، ومغني اللبيب: 283/ 208، والسيوطي: 156، والخزانة: 3/ 188، 189، وديوان القطامي: 50.
المفردات الغريبة: صريع: مصروع، وهو المطروح على الأرض. غوان: جمع غانية؛ وهي المرأة الحسناء التي استغنت بجمالها عن التزين. راقهن: أعجبهن، ويروى: شاقهن؛ أي: بعث الشوق في أنفسهن. الذوائب: جمع ذؤابة؛ وهي الضفيرة من الشعر. المعنى: أن هذا المخاطب مصروع ومغلوب على أمره، بسبب هؤلاء الغانيات الفاتنات اللاتي تعلقن به، وقد أعجب وتعلق بهن منذ نشأ، حتى شابت ذوائبه.
الإعراب: صريع: فيه روايتان؛ الجر على أنه بدل من "مستهلك" في البيت السابق، ويجوز فيه الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، وهو مضاف. الغواني: مضاف إليه مجرور. شاقهن: فعل ماض، مبني على الفتح، والفاعل: هو، و"هن": في محل نصب مفعولا به. وشقنه: الواو عاطفة، شاق: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة، والنون: في محل رفع فاعل، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعولا به. "لدن": ظرف زمان مبني على السكون، في محل نصب، وهو متعلق بشاقهن؛ أو شقنه؛ لتنازعهما العمل فيه. شب: فعل ماض، والفاعل: هو، يعود على صريح الغواني؛ وجملة "شب": في محل جر بالإضافة؛ لإضافة "لدن" إليها. حتى: حرف غاية وجر، لا محل له من الإعراب. شاب: فعل ماض مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب. سود: فاعل "شاب" مرفوع، وهو مضاف. الذوائب: مضاف إليه؛ من =(3/124)
الخامس: جواز إفرادها قبل "غدوة"1 فتنصبها: إما على التمييز2؛ أو على التشبيه بالمفعول به3؛ أو على إضمار "كان" واسمها4، وحكى الكوفيون رفعها على إضمار "كان" تامة5؛ والجر القياس والغالب في الاستعمال6.
__________
= إضافة الصفة إلى موصوفها؛ "والمصدر المؤول من أن المصدرية -المقدرة بعد حتى- وما دخلت عليه": في محل جر بـ"حتى"؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ"شاقهن"؛ أو شقنه، وتقدير الكلام: شاقهن وشقنه من وقت شبابه إلى وقت شيب ذوائبه.
موطن الشاهد: "لدن شب".
وجه الاستشهاد: إضافة "لدن" إلى جملة "شب"؛ وقد دلت -هنا- على بداية الغاية الزمانية؛ وحكم إضافتها إلى الجمل الجواز.
1 أي: قطعها عن الإضافة لفظا ومعنى، من غير أن يفصل بينهما فاصل؛ ومن ذلك قول أبي سفيان بن الحارث يوم أحد:
وما زال مهري مزجر الكلب منهم ... لدن غدوة حتى دنت لغروب
الهمع: 1/ 215، والدرر اللوامع: 1/ 184-185، وشرح التصريح: 2/ 46.
2 أي: لـ"لدن"؛ لأن نونها تشبه التنوين، ويكون من تمييز المفرد سماعا؛ لأنها اسم لأول زمن مبهم، ففسر بـ"غدوة". وانظر شرح التصريح: 2/ 47.
3 لأن "لدن" تشبه اسم الفاعل؛ لكون نونها، تثبت تارة، وتحذف أخرى مثله.
4 فتكون "غدوة" خبرا؛ وأصل الكلام -على هذا: لدن كان الوقت غدوة؛ وهذا الوجه حسن؛ لبعده عن التكلف، ولأن فيه إبقاء "لدن" على ما ثبت لها من الإضافة إلى الجملة.
شرح التصريح: 2/ 47.
5 فتكون "غدوة" فاعلا لـ"كان" التامة المضمرة؛ والتقدير -على هذا: لدن كانت غدوة؛ أي: وجدت وظهرت؛ وعليه، تكون "لدن" ظرفا مضافا إلى الجملة تقديرا؛ وقال بعضهم: "غدوة" مرفوع بـ"لدن" لشبهها بالفاعل، كما عملت "يا" في المنادى؛ لنيابتها عن "أدعو"؛ ونسب هذا القول إلى ابن جني، وقال المرادي: فظاهره أنها مرفوعة بـ"لدن"، وقال الزرقاني: "ولا مانع من ذلك؛ لأنها كما تنصب على التشبيه بالمفعول، ترفع عليه". انظر حاشية يس على التصريح: 2/ 47.
6 أي: بإضافة "لدن" إليها، كما تجر سائر الظروف. أما "عند" فلا ينقطع عن الإضافة، إلا إذا كان اسما محضا، وبَعد عن الظرفية؛ هذا فلا ينصب بعد "لدن" من الأسماء إلا غدوة، ولا تكون إلا منونة؛ أما "عند" فلا ينصب بعدها شيء من المفردات. شرح التصريح: 2/ 47.(3/125)
السادس: أنها لا تقع إلى فضلة1؛ تقول "السفر من عند البصرة"2 ولا تقول "من لدن البصرة".
[مع وحالاتها] :
ومنها "مع": وهو اسم لمكان الاجتماع3، معرف، إلا في لغة ربيعة وغنم4 فتبنى على السكون؛ كقوله5: [الوافر]
343- فريشي منكم وهواي معكم6
__________
1 لأنها ظرف غير متصرف؛ فهي مقصورة على النصب على الظرفية، أو الجر بمن. أما "عند" فلا.
2 فالجار والمجرور خبر عن السفر.
هذا، وتأتي "عند" ظرفا للأعيان والمعاني؛ تقول: هذا القول عندي صواب، وعند فلان علم به؛ ويندر ذلك في "لدى". قيل: ومنه قوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} . وتقول: عندي مال؛ وإن كان غائبا عنك. ولا تقول: لدي مال إلا إذا كان حاضرا.
3 هي ظرف مكان أو ظرف زمان، يدل على اجتماع والتقاء بين اثنين في مكان واحد، أو زمان واحد، وإرادة المكان أو الزمان توضحه القرائن. مثال دلالته على المكان: التواضع مع الغنى كرم نفس؛ ومثال الزمان، يذهب الفلاح إلى الحقل مع الصباح الباكر؛ وهي حينئذ ظرف غير متصرف، ملازم في الغالب، للإضافة لفظا ومعنى، معرب منصوب على الظرفية. ولأنها اسم؛ يخبر بها عن الذوات، تقول: محمد معك. وتأتي بمعنى "عند فتفيد الحضور المجرد، ولا تدل على اجتماع ومصاحبة، وتكون حينئذ معربة مضافة. واجبة الجر بمن الابتدائية؛ نحو: من أراد البذل، فلينفق من معه، لا من مع غيره.
4 ربيعة: إحدى قبيلتين عظيمتين تفرعت إليهما العرب العدنانية، والثانية مضر؛ وربيعة أو القبيلة. وغنم: قبيلة؛ أبوها ورئيسها غنم بن تغلب بن وائل.
5 القائل: هو جرير بن عطية الشاعر الأموي، وقد مرت ترجمته. انظر شرح التصريح: 2/ 47-48.
6 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من قصيدة يمدح فيها هشام بن عبد الملك بن مروان، وعجزه قوله:
وإن كانت مودتكم لماما
وقد نسب الأعلم، هذا البيت إلى الراعي النميري؛ وهو من شواهد: التصريح: 2/ 48، 190، والأشموني: 636/ 2/ 320، وابن عقيل: 234/ 3/ 70، وسيبويه: 2/ 45، =(3/126)
.............................................
__________
= وأمالي ابن الشجري: 1/ 245، 2/ 234، وشرح المفصل: 1/ 128، 5/ 138، والعيني: 3/ 432، وديوان جرير: 506.
المفردات الغريبة: الريش: اللباس الفاخر؛ ومثله الرياش، أو المال والخصب ونحوهما، هواي، الهوى: الميل القلبي. لماما: أي في بعض الأحايين وقتا بعد وقت.
المعنى: كل ما عندي من لباس فاخر، أو مال وفير، أو عيش خصب؛ هو من تفضلكم علي، وأنا محب لكم، وقلبي متعلق بكم، وإن كانت زياراتكم لي قليلة، لا تدل على موالاتكم لي؛ أو: وإن كانت زياراتي لكم متفرقة وقليلة؛ لأنني لا ألتفت إلى المظاهرة.
الإعراب: ريشي: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء؛ وياء المتكلم: ضمير متصل مبني على السكون، في محل جر بالإضافة. "منكم": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ؛ والتقدير: ريشي كائن منكم؛ أو حاصل ... وهواي: الواو عاطفة، هواي: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف، منع من ظهورها التعذر، وهو مضاف، والياء: مضاف إليه. "معكم": "مع": ظرف متعلق بخبر محذوف للمبتدأ "هواي"، و"مع" مضاف، و"كم": في محل جر بالإضافة. وإن: الواو عاطفة، والمعطوف عليه محذوف، إن؛ حرف شرط جازم. كانت: فعل ماض ناقص -في محل جزم فعل الشرط- مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث. زيارتكم: اسم "كان" مرفوع، وهو مضاف، و"كم": مضاف إليه. لماما: خبر "كان" منصوب؛ وجواب الشرط محذوف؛ لدلالة الكلام السابق عليه، والتقدير: إن كانت زيارتي لماما فريشي منكم وهواي معكم؛ وأما المعطوف عليه -بالواو- المحذوف؛ فتقديره: إن لم تكن زيارتكم لماما وإن كانت زيارتكم لماما؛ لأنه يريد أن يوضح لهم أنه متعلق بهم في مختلف الأحوال.
موطن الشاهد: "معكم".
وجه الاستشهاد: بناء "مع" على السكون -على لغة ربيعة- والمشهور فتحها على أنها معربة؛ والفتحة للإعراب.
فوائد:
فائدة أولى: اختلف النحاة في "مع" أهي ثنائية الوضع، أم ثلاثية حذفت لامها؛ وأصلها معي؟
فذهب فريق الخليل بن أحمد، ومن وافقه إلى أنها ثنائية الوضع.
وذهب يونس والأخفش، ومن وافقهما إلى أنها ثلاثية الوضع.
والراجح: أن الظرفية ثنائية الوضع، معربة، يحذف تنوينها عند الإضافة. وتقع حالا، أو خبرا على حسب السياق، وهي متعلقة بمحذوف. =(3/127)
وإذا لقي الساكنة ساكن؛ جاز كسرها وفتحها1؛ نحو: "مع القوم"، وقد تفرد بمعنى جميعا2،.......................................................
__________
= أما المنونة التي تجردت عن الظرفية؛ فإن أعربت حالا، كانت منصوبة وعلامة نصبها الفتحة الظاهرة إن عدت ثنائية، أو الفتحة المقدرة على الألف المحذوفة -لالتقائها ساكنة مع التنوين- إن عدت ثلاثية. وإن أعربت خبرا، فلا بد من عدها ثلاثية مرفوعة، وعلامة رفعها الضمة المقدرة على الألف المحذوفة لفظا لا خطا.
وأما من يعربها خبرا -وهي ثنائية- فيحتم بناءها على الظرفية، وتعليقها بمحذوف هو الخبر.
انظر شرح التصريح؛ 2/ 48، والمغني: 439.
فائدة ثانية: اختلف النحاة في "معا" هل ألفها منونة بدل التنوين أم هي من أصول الكلمة؟
للنحاة في هذه المسألة قولان؛ أحدهما: أن الألف بدل من التنوين، كما في "بدا، أخا، غدا" فتعرب بالحركات الظاهرة على الدال والخاء، وهذا رأي الخليل، بناء على قوله إنها ثنائية الوضع.
وثانيهما: أن الألف لام الكلمة، كما في "رحى وعصا"؛ وهذا قول يونس والأخفش، بناء على قولهما إنها ثلاثية الوضع.
شرح التصريح: 2/ 48.
فائدة ثالثة: ذهب سيبويه إلى أن "مع" معربة في أحوالها كلها، وفي مختلف لغاتها؛ فإن جاءت منصوبة؛ فهي منصوبة على الظرفية، وإن جاءت ساكنة، كما في الشاهد السابق، فذاك ضرورة.
وذهب الكسائي إلى أنها معربة إذا انتصبت، مبنية إذا سكنت -على لغة ربيعة وغنم- واختار المتأخرون هذا الرأي.
انظر شرح ابن عقيل: 2/ 32، وحاشية الصبان: 2/ 265.
مرفوعة، وعلامة رفعها الضمة المقدرة على الألف المحذوفة لفظا لا خطا.
1 فتبنى على الكسر؛ للتخلص من الساكنين، أو على الفتح للخفة.
2 ويكون معناها في هذه الحال الدلالة على مجرد اصطحاب اثنين، أو أكثر، واجتماعهما، ولا تدل على اتحاد في الزمان أو المكان إلا بقرينة، وتكون حينئذ معربة منصوبة منونة، ولا حظ لها في الإضافة.(3/128)
فتنصب على الحال1؛ نحو: "جاءوا معا"2.
[غير وحالاتها] :
ومنها "غير": وهو اسم دال على مخالفة ما قبله لحقيقة ما بعده3، وإذا وقع بعد "ليس"، وعلم المضاف إليه؛ جاز ذكره كـ"قبضت عشرة ليس غيرها"4، وجاز حذفه لفظا5؛ فيضم بغير تنوين6 ثم اختلف؛ فقال المبرد: ضمة بناء؛ لأنها كقبل في الإبهام، فهي اسم أو خبر7، وقال الأخفش8: إعراب؛ لأنها اسم ككل وبعض، لا ظرف كقبل وبعد؛ فهي اسم لا خبر، وجوزهما ابن خروف9، ويجوز
__________
1 وقد تعرب ظرفا مخبرا به عن المبتدأ؛ نحو: الطالبان معا؛ وهي تستعمل للجمع مطلقا، كما تستعمل للاثنين، كقولك: الطلاب معا؛ أي: هم مجتمعون، وموجودون معا. حاشية الصبان: 2/ 265.
2 ومن ذلك قول متمم بن نويرة:
فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
ومنه قول الخنساء:
وأفنى رجالي فبادوا معا ... فأصبح قلبي بهم مستفزا
3 إما في ذاته وحقيقته؛ كمررت برجل غيرك؛ أو في وصف من الأوصاف العرضية التي تطرأ على الذات؛ نحو: خرج الطالب من الامتحان بوجه غير الذي دخل به، وهو اسم محض لا ظرفية فيه. شرح التصريح: 2/ 49.
4 برفع "غير" على أنها اسم "ليس" وخبرها محذوف، والتقدير: ليس غيرها مقبوضا، وبنصبها على أنها خبر "ليس" واسمها محذوف؛ والتقدير: ليس المقبوض غيرها. مغني اللبيب: 209.
5 أي: إذا نوي معناه بأي لفظ آخر، يؤدي المعنى المقصود من دون لفظه.
6 حيث يحذف التنوين لنية معنى المضاف إليه.
7 أي: اسم لـ"ليس" في محل رفع، أو خبر لها في محل نصب، والاسم محذوف.
8 مرت ترجمته.
9 مرت ترجمته؛ وبالنسبة إلى "غير" فهي على البناء اسم "ليس" أو خبرها؛ وعلى الإعراب؛ هي اسم وليست خبرا.(3/129)
الفتح قليلا مع التنوين ودونه1، فهي خبر، والحركة إعراب باتفاق، كالضم مع التنوين2.
[قبل وبعد وحالاتهما] :
ومنها "قبل" و"بعد"3 ويجب إعرابهما في ثلاث صور:
إحداها: أن يصرح بالمضاف إليه؛ كـ"جئتك بعد الظهر" و"قبل العصر" و"من قبله" و"من بعده"4.
__________
1 فمع التنوين؛ لقطعها عن الإضافة لفظا ومعنى، وأما مع عدمه؛ فلنية لفظ المضاف إليه.
2 وتكون "غير" اسم ليس. وصفوة القول: أن غير تعرب بالحركات كلها من دون تنوين على حسب الجملة قبلها؛ إذا أضيفت لفظا ومعنى. وكذلك الحال إذا حذف المضاف، ونوي لفظه، وسبقتها "ليس" أو "لا" النافيتان.
وأما إذا قطعت عن الإضافة نهائيا، ولم ينو لفظ المضاف، ولا معناه؛ أعربت كذلك بالحركات كلها، ولكنها تكون منونة.
وأما إذا حذف المضاف إليه، ونوي معناه، من دون لفظ فتبنى على الضم من غير تنوين، وتبنى على الفتح، إذا كان المضاف إليه المحذوف المنوي لفظه مبنيا.
وإذا لم تسبق "غير" بـ"ليس" ولا بـ"لا" النافيتين؛ استعملت صفة، أو نصبت على الاستثناء على حسب الحالة. وذهب بعض النحاة إلى جواز إعراب "غير" وبنائها عند حذف المضاف إليه مطلقا؛ سواء نوي لفظه أو نوي معناه، وحسنه الكثيرون.
3 هما اسمان ظرفان؛ يدل أولهما على سبق شيء على آخر، وتقدمه عليه في الزمان، أو المكان الحسي، أو المعنوي. ويدل الثاني على تأخر شيء على آخر كذلك، وهما ملازمان للإضافة غالبا.
4 في المثال الأول نصبا على الظرفية الزمانية، وفي الثاني جرا بمن.(3/130)
الثانية: أن يحذف المضاف إليه وينوى ثبوت لفظه، فيبقى الإعراب وترك التنوين، كما لو ذكر المضاف إليه؛ كقوله1: [الطويل]
344- ومن قبل نادى كل مولى قرابة2
__________
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
فما عطفت مولى عليه العواطف
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 50، والأشموني: 643/ 2/ 322، وابن عقيل: 235/ 3/ 72، والعيني: 3/ 443، والهمع: 1/ 210، والدرر: 1/ 177.
المفردات الغريبة: من قبل: أي من قبل ما حدث. مولى: للمولى معانٍ كثيرة منها: ابن العم، والسيد، والناصر، والقريب؛ والأول أو الأخير، هو المراد هنا. عطفت: أمالت ورققت. العواطف: الصلات والروابط التي تستلزم العطف، وميل بعض الناس لبعض؛ كالصداقة، والمروءة، والنجدة، ونحوها: وهي جمع عاطفة.
المعنى: يبين الشاعر في معرض وصفه لشدة نزلت به: كيف نادى كل ابن عم أو عصبة قرابته؛ ومن بينهم وبينه صلات مودة وعطف؛ ليساعدوه، ويأخذوا بناصره؛ ولهول الموقف، لم يجب أحد مستجيرا، ولم يعطف قريب على قريب، أو يساعد صديق صديقا.
الإعراب: ومن: الواو بحسب ما قبلها، من: حرف جر. قبل: اسم مجرور بمن، وعلامة جره الكسرة؛ و"من قبل": متعلق بقوله: "نادى" الآتي. نادى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف؛ منع من ظهروه التعذر. كل: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف. مولى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين، منع من ظهورها التعذر على رواية التنوين في "مولى"؛ وعليها تكون قرابة: مفعول به منصوب؛ والتقدير: نادى كل ابن عم قرابته؛ وعلى الرواية التي في المتن فـ"مولى" -من غير تنوين- مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف؛ للتعذر، وهو مضاف؛ وعليها تكون. قرابة: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة؛ وعلى هذه الرواية فالمفعول به لـ"نادى" محذوف، والتقدير: نادى كل مولى قرابة قرابته. فما: الفاء =(3/131)
أي: ومن قبل ذلك، وقرئ {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} 1، بالجر من غير تنوين؛ أي: من قبل الغلب ومن بعده.
الثالثة: أن يحذف ولا ينوَى شيء؛ فيبقى الإعراب2، ولكن يرجع التنوين لزوال ما يعارضه في اللفظ والتقدير؛ كقراءة بعضهم: "من قبلٍ ومن بعدٍ"1 بالجر
__________
= عاطفة، ما: نافية، لا محل لها من الإعراب. عطفت: فعل ماض مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث، لا محل لها. مولى: إما أن يكون مفعولا به لـ"عطف" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين، منع من ظهورها التعذر؛ أو بدلا من الضمير المجرور بـ"على" بعده بدل كل من كل، قدم عليه لضرورة الشعر؛ أو حالا من الضمير المجرور محلا بـ"على"؛ والتقدير: فما عطفت العواطف عليه حال كونه مولى؛ أي: قريبا "عليه": متعلق بـ"عطف".
العواطف: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
موطن الشاهد: "ومن قبل".
وجه الاستشهاد: مجيء "قبل" مجرورة؛ لمجيئها مضافة إلى مضاف إليه، محذوف لفظه، منوي ثبوته؛ وترك التنوين للإضافة المذكورة؛ لأن المنوي ثبوت لفظه كالثابت؛ والتقدير: من قبل ذلك؛ وحكم إعراب "قبل" في هذه الحال الوجوب، كما جاء في المتن.
1 30 سورة الروم، الآية: 4.
أوجه القراءات: قرأ الجحدري والعقيلي: "من قبل ومن بعد" بالخفض من غير تنوين؛ وقرأ الجمهور: "من قبل ومن بعد"؛ وقرأ بعضهم: "من قبلٍ ومن بعدٍ" بالخفض والتنوين. التصريح: 2/ 50.
توجيه القراءات: قراءة الخفض من غير تنوين على نية لفظ المضاف إليه؛ أي من قبل القلب، ومن بعده؛ وقراءة الخفض مع التنوين؛ على نية حذف المضاف إليه وعدم نية لفظه أو معناه.
موطن الشاهد: "من قبل ومن بعد".
وجه الاستشهاد: مجيء كل من "قبل" و"بعد" مجرورا بمن مع التنوين؛ الذي كان حذف للإضافة؛ فلما حذف المضاف إليه، ولم ينوَ لفظه، ولا معناه، عاد التنوين إلى ما كان عليه قبل الإضافة.
2 أي بالنصب على الظرفية أو بالجر بمن إن وجدت. ويكون معنى "قبل" و"بعد" في هذه الحالة، القبلية المطلقة والبعدية المطلقة، من غير تقييد بشيء ما، أي أن معناهما هو المعنى الاشتقاقي العام.(3/132)
والتنوين؛ وقوله1: [الوافر]
345- فساغ لي الشراب وكنت قبلا2
__________
1 القائل: هو يزيد بن الصعق؛ ونسبه العيني إلى عبد الله بن يعرب، حيث كان له ثأر فأدركه. انظر شرح الشواهد للعيني، حاشية الصبان: 2/ 269.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، يقول الشاعر وقد أدرك ثأره من الربيع بن زياد العبسي وكان قد أغار عليه وعلى قومه. ولعجز البيت روايتان؛ الأولى:
أكاد أغص بالماء الفرات
وبهذه الرواية استشهد: العيني: 3/ 354، والهمع: 1/ 210، والدرر: 1/ 76، والثعالبي، ونسبوا البيت إلى عبد الله بن يعرب.
والرواية الثانية:
أكاد أغص بالماء الحميم
وهو من وشاهد: التصريح: 2/ 50، والأشموني: 644/ 2/ 322، وابن عقيل: 236/ 3/ 73، والشذور: 47/ 147، والقطر: 5/ 34.
هذا ويروى ليزيد بن الصعق قطعة رويها على حرف الميم؛ منها:
ألا أبلغ لديك أبا حريث ... وعاقبة الملامة للمليم
فكيف ترى معاقبتي وسعيي ... بأذواد القصيمة والقصيم
المفردات الغريبة: ساغ: سهل وحلا. أغص: أشرق -بفتح الهمزة والغين- مضارع غص من باب فرح، وروي أغص بضم الهمزة وفتح الغين مبنيا للمجهول. الحميم: هو الماء الحار، والمراد هنا: الماء البارد الذي تشتهيه النفس كما جاء في اللسان عن ابن الاعرابي؛ فهو من أسماء الأضداد. والرواية الثانية: الفرات: العذب.
المعنى: هدأت نفسي، حين أدركت ثأري، وساغ لي الشراب، وكنت قبل أن أدركه، أكاد أشرق بالماء البارد الشهي إلى النفوس.
الإعراب: فساغ: الفاء بحسب ما قبلها، ساغ: فعل ماضٍ مبني على الفتح. "لي". متعلق بـ"ساغ". الشراب: فاعل مرفوع. وكنت: الواو حالية، كنت: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل رفع اسم "كان". قبلا: ظرف زمان منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، و"قبلا": متعلق بـ"كان". أكاد: فعل مضارع ناقص مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، واسمه: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا. أغص: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والفاعل: أنا؛ وجملة "أغص": في محل نصب خبر "أكاد"؛ وجملة "أكاد =(3/133)
وقوله1: [الطويل]
346- فما شربوا بعدا على لذة خمرا2
__________
= أغص": في محل نصب خبر "كان". "بالماء": متعلق بـ"أغص". الحميم: صفة للماء، وصفة المجرور مجرورة مثله، وعلامة جرها الكسرة الظاهرة.
موطن الشاهد: "قبلا".
وجه الاستشهاد: مجيء "قبلا" مقطوعا عن الإضافة لفظا ومعنى؛ ولهذا، جاء معربا منونا -وهو منصوب على الظرفية كما أسلفنا- وهذا التنوين، يسمى تنوين التمكين الذي يلحق الأسماء المعربة، وقبلا -عند جمهور النحاة- نكرة؛ لأنه لما قال: "كنت قبلا" يريد مطلق التقدم؛ فهو لا ينوي تقدما على شيء بعينه؛ بخلاف الحال في أثناء الإضافة أو نيتها؛ حيث يكون التقدم على شيء معين.
1 القائل: هو رجل من بني عقيل لم يعين.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
ونحن قتلنا الأسد أسد شنوءة
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 50 وفيه " ... أسد خفية"، والأشموني: 645/ 2/ 322، والشذور: 48/ 148، والخزانة: 3/ 131، والعيني: 436 "وفيه ... أسد خفية"، والهمع: 1/ 210، والدرر: 1/ 176، وفيه " ... أسد خفية".
المفردات الغريبة: أسد شنوءة، ويقال "أزد" حي من اليمن أبوهم الأزد بن الغوث؛ ويقال له: الأسد بن الغوث؛ وهم فرق؛ منهم: أزد شنوءة، وأزد السراة، وأزد عمان.
المعنى: أنا قتلنا أولئك القوم، ومزقناهم شر ممزق، وشتتنا شملهم، فما عرفوا بعد ذلك الهوان لذة للشراب. والمراد: أنهم بهزيمتهم حرموا ملاذ الحياة ونعيمها.
الإعراب: ونحن: الواو بحسب ما قبلها، نحن: ضمير رفع منفصل، في محل رفع مبتدأ. قتلنا: فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، و"نا": فاعل؛ وجملة "قتلنا": في محل رفع خبر "نحن". الأسد: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، أسد: بدل من "الأسد منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف. شنوءة: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. فما: الفاء عاطفة، ما: نافية، لا محل لها من الإعراب. شربوا: فعل ماض مبني على الضم، والواو: فاعل، والألف: للتفريق. "بعدا": متعلق بـ"شربوا" منصوب. "على لذة": متعلق بـ"شربوا". خمرا: مفعول به منصوب. =(3/134)
وهما نكرتان في هذا الوجه؛ لعدم الإضافة لفظا وتقديرا؛ ولذلك نونا1، ومعرفتان في الوجهين قبله.
فإن نوي معنى المضاف إليه دون لفظه2؛ بنيا على الضم3؛ نحو: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} 4، في قراءة الجماعة.
[أول ودون وأسماء الجهات] :
ومنها "أول"5................................................
__________
= موطن الشاهد: "بعدا".
وجه الاستشهاد: مجيء "بعدا" منونة منصوبة على الظرفية؛ لقطعها عن الإضافة لفظا وتقديرا؛ وهي -على هذا الحال- نكرة عند جمهور النحاة. وقال بعضهم: إن التنوين في هذا البيت والذي قبله؛ لضرورة الشعر، وجوز الرضي تنوين الظروف المقطوعة عن الإضافة في حالة البناء لذلك. انظر شرح التصريح: 2/ 50-51.
1 هذا على أن تنوينهما تنوين تمكين للتنكير، وقيل: إن التنوين فيهما للعوض، وهما معرفتان بنية المضاف إليه، واستحسن ذلك ابن مالك في الكافية.
2 نية المعنى: أي أن يلاحظ المعنى من غير نظر إلى عبارة مخصوصة، أو لفظ معين يدل عليه، بل يقصد المسمى معبرا عنه بأي لفظ كان. أما نية اللفظ، فيلاحظ لفظ المضاف إليه المعروف من المقام.
3 في محل نصب على الظرفية، أو في محل جر إن سبقا بمن. وإنما لم تقتض الإضافة بنية المعنى الإعراب؛ لضعفها بخلافها مع نية اللفظ؛ ففيها قوة. وهنالك حالة أخرى يبنيان فيها على الفتح جوازا؛ وهي: إذا أضيفا إلى مبني، وكذلك الشأن في جميع الأسماء المبهمة، وأسماء الزمان المبهمة.
همع الهوامع: 1/ 209-210.
4 30 سورة الروم، الآية: 4.
موطن الشاهد: {مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "قبل" و"بعد" مبنيين على الضم؛ لانقطاعهما عن الإضافة مع نية معنى المضاف إليه من دون لفظه؛ وهما مبنيان على الضم في محل جر بحرف الجر.
5 الصحيح أن أصله "أوأل" بدليل جمعه على أوائل، قلبت الهمة الثانية واوا وأدغمتا. ويستعمل اسما بمعنى مبدأ الشيء، ووصفا بمعنى سابق فيصرف، نحو: لقيته عاما أولا. ووصفا بمعنى أسبق فيمنع من الصرف للوصفية ووزن الفعل. وينصب على =(3/135)
............... و"دون"1 وأسماء الجهات كـ"يمين"، و"شمال" و"وراء"، و"أمام"، و"فوق"، و"تحت"2؛ وهي على التفصيل المذكور في قبل وبعد؛ تقول: "جاء القوم وأخوك خلف" أو "أمام" 3 تريد خلفهم أو أمامهم؛ قال4: [الكامل]
347- لعنا يشن عليه من قدام5
__________
= الحال أو غيره، ومعناه "متقدم" كجئتك أول الناس، أو أولا، أي متقدمهم ومتقدما، وتليه "من"، تقول: هذا أول من هذين، وهل هو حينئذ أفعل تفضيل لا فعل له من لفظه، أو جاز ومجرور؟ خلاف. وظرفا نحو رأيت الهلال أول الناس، أي: قبلهم، وهذا هو الذي يبنى على الضم إذا قطع عن الإضافة.
حاشية يس على التصريح: 2/ 51.
1 أصله: اسم المكان الأدنى، أي: الأقرب من مكان المضاف إليه، كجلست دون محمد؛ أي قريبا من مكانه، ثم توسع فيه فاستعمل في المكان المفضول، ثم في الرتبة المفضولة كعلي دون محمد فضلا، ثم في مطلق تجاوز شيء لشيء، كأكرمت محمدا دون علي.
2 يمين وشمال، كثيرا التصرف، وفوق وتحت يتصرفان أحيانا إذا تجردا عن الظرفية، وباقي الظروف متوسطة التصرف: والظرف بنوعيه: المتصرف وغير المتصرف؛ حين يكون ظرفا معربا ينصب على الظرفية أو يجر بمن، وحين يكون مبنيا على الضم يكون في محل نصب أو في محل جر بمن، إن وجدت قبله. وإذا جرد من الظرفية لا ينصب على الظرفية، بل يعرب على حسب الجملة.
3 أي: بالبناء على الضم؛ لحذف المضاف إليه ونية معناه.
4 هو رجل من بني تميم لم يعين اسمه.
5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره:
لعن الإله تعلة بن مسافر
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 51، والأشموني: 641/ 2/ 322، والكامل للمبرد: 37، والعيني: 3/ 437، والهمع: 210، والدرر: 1/ 177.
المفردات الغريبة: لعن؛ اللعن: الطرد والإبعاد. تعلة: اسم رجل. يشن: يصب، من شن الماء يشنه إذا صبه متفرقا. من قدام: من أمامه.
المعنى: يلعن الشاعر رجلا؛ اسمه تعلة بن مسافر سائلا الله تعالى أن يطرده من رحمته ويصب عليه البلاء صبا من أمامه؛ ليكون الطرد أبلغ والبلاء أفظع.
الإعراب: لعن: فعل ماض مبني على الفتح. الإله: فاعل مرفوع، وعلامة
رفعه =(3/136)
وقوله1: [الطويل]
348- على أينا تعدو المنية أول2
__________
= الضمة الظاهرة على آخره. تعلة: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. ابن: صفة لتعلة منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف. مسافر: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. لعنا: مفعول مطلق منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. يشن: فعل مضارع مبني للمجهول، مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو؛ وجملة "يشن": في محل نصب صفة لـ"لعنا". "عليه": متعلق بـ"يشن". من: حرف جر. قدام: ظرف مكان، مبني على الضم في محل جر بـ"من"، و"من قدام": متعلق بـ"يشن".
موطن الشاهد: "من قدام".
وجه الاستشهاد: مجيء قدام مبنيا على الضم؛ لحذف المضاف إليه، ونية معناه وشبيه بهذا البيت قول الشاعر:
إذا أنا لم أومن عليك ولم يكن ... لقاؤك إلا من وراء وراء
1 هو: معن بن أبوس بن نصر المزني، شاعر، مجيد، متين الكلام، حسن الديباجة، فخم المعاني، من مخضرمي الجاهلية والإسلام؛ له مدائح كثيرة في الصحابة الكرام. مات سنة 64هـ.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل
وهو مطلع قصيدة مشهورة يستعطف بها الشاعر صديقا له، وقد أنشد أبو تمام في حماسته أكثرها، وأنشدها أبو علي القالي في أماليه، وبعد الشاهد قوله:
وإني أخوك الدائم العهد لم أحل ... إن ابزاك خصم أو نبا بك منزل
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 51، والمقتضب: 3/ 346، والمصنف: 3/ 35، وأمالي ابن الشجري: 1/ 328، 2/ 263، وشرح المفصل: 4/ 87، 6/ 98، والخزانة: 3/ 505، والأشموني: 640/ 2/ 322، والعيني: 3/ 439، والشذور: 45/ 145، وديوان معن: 57.
المفردات الغريبة: أوجل: من الوجل، وهو الخوف، وهذا يحتمل أن يكون وصفا، أو فعلا مضارعا مبدوءا بهمزة المتكلم. تعدو: تسطو، من عدا عليه، اجترأ وسطا. وروي: تغدو، أي تصبح. المنية: الموت.
المعنى: أقسم بحياتك لست أدري، ولا أعلم -وإني لخائف- على أينا ينقض الموت قبل صاحبه؛ فلا تقطع حبل المودة والصلة، فالموت آتٍ لا بد منه.
الإعراب: لعمرك: اللام للابتداء. عمر: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة =(3/137)
وحكى أبو علي1: "ابدأ بذا من أول" بالضم على نية معنى المضاف إليه2؛ وبالخفض على نية لفظه؛ وبالفتح على نية تركها؛ ومنعه من الصرف للوزن والوصف3.
[حسب واستعمالاتها] :
ومنها "حسب"؛ ولها استعمالان:
أحدهما: أن تكون بمعنى كافٍ4؛ فتستعمل استعمال الصفات5، فتكون
__________
= على آخره، وهو مضاف، وضمير المخاطب مبني على الفتح في محل جر بالإضافة وخبر المبتدأ محذوف وجوبا؛ والتقدير: لعمرك قسمي. ما أدري: ما: نافية لا عمل لها. أدري: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنا. وإني: الواو: حالية، إني: إن: حرف مشبه بالفعل، مبني على الفتح المقدر على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهوره اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء، والياء: ضمير متصل في محل نصب اسم إن. لأوجل: اللام لام المزحلقة، أوجل: خبر إن مرفوع؛ وجملة "إني لأوجل": في محل نصب على الحال. "على أينا": متعلق بـ"تعدو" و"نا" في محل جر بالإضافة. تعدو: فعل مضارع. المنية: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. أول: ظرف زمان متعلق بـ"تعدو" مبني على الضم في محل نصب.
موطن الشاهد: "أول".
وجه الاستشهاد: مجيء "أول" مبنيا على الضم؛ لحذف المضاف إليه ونية معناه؛ لأن المراد: أول الوقتين، لأن لكل وقتا يموت فيه؛ ويقدر أحدهما أسبق من الآخر.
1 هو أبو علي الفارسي، وقد مرت ترجمته.
2 أي من أول الأمر.
3 لأنه اسم تفضيل بمعنى الأسبق، أي المتقدم. ويستفاد من حكاية أبي علي الفارسي: أن "أول" له استعمالان؛ أحدهما: أن يكون اسما كقبل، والثاني: أن يكون صفة، كالأسبق، وقد تقدم ما فيه.
تنبيه: إذا قلت: سافر محمد منذ عام أول، جاز أن تعرب "عام" خبرا مرفوعا عن "منذ"، و"أول" بالرفع صفة لها، ويكون المعنى: سافر منذ عام سابق على عامنا الحالي. وجاز في "أول" النصب على أنه ظرف زمان بمعنى قبل، ويكون المعنى: منذ عام قبل العام الحالي.
4 أي اسم فاعل، وهي حينئذ معربة مضافة لفظا، لا تتعرف بالإضافة نظرا للفظها.
5 أي المشتقة، وذلك من افتقارها إلى موصوف تجري عليه، وهذا الاستعمال بالنظر لمعناها.(3/138)
نعتا لنكرة؛ كـ"مررت برجل حسبك من رجل"؛ أي: كافٍ لك عن غيره؛ وحالا لمعرفة، كـ"هذا عبد الله حسبك من رجل"، واستعمال الأسماء؛ نحو: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ} 1 {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} 2 "بحسبك درهم"3 وبهذا4، يرد على من زعم أنها اسم فعل، فإن العوامل اللفظية، لا تدخل على أسماء الأفعال باتفاق.
والثاني: أن تكون بمنزلة "لا غير" في المعنى: فتستعمل مفردة5؛ وهذه هي
__________
1 58 سورة المجادلة، الآية: 8.
موطن الشاهد: {حَسْبُهُمْ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "حسب" موقع الاسم الجامد؛ وحسب: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، "وهم" مضاف إليه. و"جهنم": خبر مرفوع، ويجوز أن يكون "جهنم": مبتدأ مؤخرا؛ و"حسبهم" خبرا مقدما.
2 8 سورة الأنفال، الآية: 62.
موطن الشاهد: {حَسْبَكَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "حسب"، موقع الاسم الجامد؛ وهي في محل نصب اسم "إن"، والكاف: في محل جر بالإضافة، ولفظ الجلالة: في محل رفع خبر "إن".
3 الباء من "بحسبك" حرف جر زائدة. وحسب: مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وضمير المخاطب مضاف إليه، ودرهم: خبر المبتدأ، ولا يجوز العكس؛ لأن "درهم" نكرة لا مسوغ للابتداء بها إذ الخبر مفرد لا جملة ولا شبه جملة.
4 المراد: أن دخول "إن" على حسبك، ودخول الباء الزائدة عليها في: "بحسبك درهم"، وتأثر "حسب" بـ"إن"؛ حتى نصبت، وبـ"الباء" حتى جرت؛ يدل دلالة واضحة على أنها ليست اسم فعل؛ لأن اسم الفعل ناب عن الفعل؛ والفعل لا تدخل عليه هذه العوامل؛ فيجب أن يكون نائبه مثله في عدم دخول هذه العوامل عليه؛ فدخول العوامل على حسب دليل على أنه ليس اسم فعل.
5 أي مقطوعة عن الإضافة لفظا، وإن نوي معنى المضاف إليه المحذوف. وفي هذا الاستعمال تبنى "حسب" على الضم، وتقع صفة للنكرة، أو حالا من المعرفة، أو مبتدأ بشرط اقترانها بالفاء الزائدة لتزيين اللفظ. تقول: إن لكل قربة جمعية تعاونية حسب، فحسب صفة لجمعية مبني على الضم في محل نصب وتقول: انصرف المنافقون حسب، أي لا غير، فحسب حال مبني على الضم في محل نصب. وتقول قرأت ثلاثة أجزاء من القرآن فحسب، فالفاء زائدة وحسب: مبتدأ مبني على الضم في محل رفع، والخبر محذوف، أي: فحسب الثلاثة مقروء، ويجوز العكس في هذا؛ =(3/139)
حسب المتقدمة؛ ولكنها عند قطعها عن الإضافة، تجدد لها إشرابها هذا المعنى، وملازمتها للوصفية، أو الحالية، أو الابتدائية، وبناؤها على الضم1؛ تقول: "رايت رجلا حسب" و"رأيت زيدا حسب"2.
قال الجوهري3: كأنك قلت: "حسبي" أو "حسبك"، فأضمرت ذلك4، ولم تنون، ا. هـ. وتقول: "قبضت عشرة فحسب" أي فحسبي ذلك.
واقتضى كلام ابن مالك، أنها تعرف نصبًا -إذا نكرت- كقبل وبعد.
قال أبو حيان5: ولا وجه لنصبها؛ لأنها غير ظرف إلا أن نقل عنهم نصبها حالا إذا كانت نكرة، ا. هـ.
فإن أراد بكونها نكرة قطعها عن الإضافة اقتضى أن استعمالها حينئذ منصوبة شائع. وأنها كانت مع الإضافة معرفة، وكلاهما ممنوع6، وإن أراد تنكيرها مع الإضافة فلا وجه لاشتراطه التنكير حينئذ؛ لأنها لم ترد إلا كذلك7، وأيضا فلا وجه لتوقفه في تجويز انتصابها على الحال حينئذ؛ فإنه مشهور، حتى إنه مذكور في كتاب الصحاح8؛ قال: تقول: "هذا رجل حسبك من رجل" وتقول في المعرفة: "هذا
__________
= بشرط حذف الفاء، فيكون المبتدأ هو المحذوف، تقول: المقروء حسب، أي كافيني مثلا.
1 لقطعها عن الإضافة لفظا، وقد كانت في الاستعمال الأول معربة بحسب العوامل.
2 حسب: حال من زيد مبني على الضم في محل نصب، وفيما قبله وصف لرجل كذلك، وقد حذف المضاف إليه، ونوي معناه.
3 مرت ترجمته.
4 أي حذفت المضاف إليه منهما، وأضمرته في نفسك، ولم تنون؛ لأنك نويت معناه فبنيت على الضم، كقبل وبعد.
5 مرت ترجمته.
6 أما الأول، فلأنها إذا قطعت عن الإضافة، وجب بناؤها على الضم. وأما الثاني؛ فلأنها نكرة دائما أضيفت، أو لم تضف.
7 أي إلا نكرة؛ لأن إضافتها لا تفيد التعريف، وإنما هي في تقدير الانفصال، كما يقول ابن مالك في شرح العمدة.
التصريح: 2/ 53.
8 كتاب مشهور متداول للجوهري.(3/140)
عبد الله حسبك من رجل"، فتنصب حسبك على الحال1، ا. هـ. وأيضا، فلا وجه للاعتذار عن ابن مالك بذلك؛ لأن مراده التنكير الذي ذكره قبل وبعد، وهو: أن تقطع عن الإضافة لفظا وتقديرا2.
["عل" موافقتها "فوق" ومخالفتها لها] :
وأما "عل" فإنها توافق "فوق" في معناها، وفي بنائها على الضم، إذا كانت معرفة، كقوله3: [الكامل]
349- وأتيت نحو بني كليب من عل4
__________
1 فحسبك من الأول: وقعت بعد نكرة مرفوعة، فرفعت على أنها نعت لها. وفي الثاني وقعت بعد معرفة، فنصبت على أنها حال منها، وهي في الموضعين نكرة؛ لأن إضافتها لا تفيد التعريف.
2 أي: وتنصب على الظرفية، وليس المراد مطلق التنكير كما توهمه أبو حيان، وما ذكره الموضح دفاعا عن ابن مالك لا يمنع النقد، فالصواب أن يحمل قول الناظم:
وما من بعده قد ذكرا
على المجموع لا على كل فرد؛ حتى لا يرد عليه "حسب" و"عل".
التصريح: 1/ 54.
3 القائل: هو الفرزدق؛ همام بن غالب وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت يهجو فيه جريرا وعجزه قوله:
ولقد سددت عليك كل ثنية
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 54، وشذور الذهب "49/ 151"، وشرح المفصل: 4/ 89، والعيني: 3/ 447، وهمع الهوامع: 1/ 210، والدرر اللوامع: 1/ 177، وديوان الفرزدق: 723.
المفردات الغريبة: ثنية: هي العقبة، أو الجبل، أو الطريق إليهما، والجمع ثنايا. بني كليب: رهط جرير.
المعنى: لقد سددت عليك با جرير كل طريق ومنجى تسلكه؛ للمفاخرة وأتيتكم من أعلى، فألحقت بأصولكم عارا لا تستطيعون دفعه، والخلاص منه.
الإعراب: لقد: اللام موطئة للقسم، قد: حرف تحقيق. سددت: فعل ماض، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في =(3/141)
أي: من فوقهم، وفي إعرابها إذا كانت نكرة؛ كقوله1: [الطويل]
350- كجلمود صخر حطه السيل من عل2
أي: من شيء عال.
__________
= محل رفع فاعل. "عليك": متعلق بـ"سد". كل: مفعول به "لسد" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف. ثنية: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. وأتيت: الواو حرف عطف، أتى: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء ضمير متصل في محل رفع فاعل. نحو: ظرف، بني: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وهو مضاف. كليب: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. من: حرف جر. عل: ظرف مبني على الضم في محل جر بـ"من".
موطن الشاهد: "من عل".
وجه الاستشهاد: مجيء "عل" مبنيا على الضم؛ لكونه معرفة، حيث حذف المضاف إليه مع نية معناه؛ والتقدير: من علهم، أي: من فوقهم.
1 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
مكر مفر مقبل مدبر معا
والبيت من معلقته المشهورة ومن أبيات يصف فيها فرسه، وقبله قوله:
وقد أغتدي والطير في وكناتها
...
بمنجرد قيد الأوابد هيكل
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 54، والأشموني: 646/ 2/ 323، وسيبويه: 2/ 309، والمحتسب: 2/ 342، وشرح المفصل: 4/ 89، والمقرب: 46، والعيني: 3/ 449، والهمع: 1/ 210، والدرر: 1/ 177، وحاشية الدمنهوري: 81، والمغني: 278/ 205، والسيوطي: 155. وديوان امرئ القيس: 154.
المفردات الغريبة: مكر: عظيم الكر والهجوم، لا يسبقه غيره. مفر: سريع الفرار من الأعداء. كجلمود، الجلمود: الصخرة العظيمة الصلبة. حطه السيل: حدره وألقاه من أعلى إلى أسفل. من عل: من فوق. و"مكر" وما بعده صفة لمنجرد في البيت قبله.
المعنى: يصف الشاعر فرسه بسرعة كره على الأعداء، وشدته وسرعته بالفرار عند النجاة؛ فهو لسرعته كأنه يقبل ويدبر في وقت واحد، وهو في ذلك كصخر حدره السيل من مكان عالٍ فلا يقف في طريقه شيء.
الإعراب: مكر: صفة لـ"منجرد" في البيت السابق مجرورة، وعلامة جرها الكسرة الظاهرة. مفر: صفة ثانية لـ"منجرد" مجرورة. مقبل: صفة ثالثة لـ"منجرد" =(3/142)
وتخالفها في أمرين: أنها لا تستعمل إلا مجرورة بمن، وأنها لا تستعمل مضافة1؛ كذا قال جماعة؛ منهم ابن أبي الربيع2؛ وهو الحق، وظاهر ذكر ابن مالك لها في عداد هذه الألفاظ: أنها يجوز إضافتها، وقد صرح الجوهري3 بذلك؛ فقال: يقال "أتيته من علِ الدارِ" بكسر اللام، أي: من عالٍ، ومقتضى قوله4:
وأعربوا نصبا إذا ما نكرا
...
قبلا وما من بعده قد ذكرا
أنها يجوز انتصابها على الظرفية، أو غيرها، وما أظن شيئا من الأمرين5 موجودا.
__________
= مجرورة. مدبر: صفة رابعة لـ"منجرد" مجرورة. "معا" متعلق بـ"مقبل مدبر". "كجلمود": متعلق بمحذوف صفة لـ"منجرد"؛ أو متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف؛ والتقدير هو كجلمود، وجلمود مضاف. صخر: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. حطه: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والهاء: ضمير متصل مبني على لاضم في محل نصب مفعولا به. السيل: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. "من عل": متعلق بـ"حط".
موطن الشاهد: "من عل".
وجه الاستشهاد: مجيء "عل" مجرورا بـ"من"؛ لأن الشاعر قطعه عن الإضافة، ولم ينوِ لفظ المضاف إليه، ولا معناه، ولهذا أعربه، حيث لم يرد الشاعر أن الصخر ينحط من أعلى شيء خاص، وكان حقه التنوين؛ لأنه نكرة، ولكنه حذف للشعر.
1 أي لفظا، بل تستعمل مبنية على الضم لنية معنى المضاف إليه، أو منونة لقطعها عن الإضافة رأسا.
2 أبو الحسن؛ عبيد الله بن أحمد بن أبي الربيع القرشي الأموي الإشبيلي، إمام أهل النحو في زمانه، قرأ على الدباج والشلوبين، وأذن له في التصدر للقراءة، ولما استولى الفرنجة على إشبيلية جاء إلى سبتة، وقرأ بها النحو، وصنف فيه الإفصاح في شرح مسائل الإيضاح، كما شرح كتاب سيبويه، وشرح الجمل شرحا وافقا في عشر مجلدات، لم يشذ عنه مسألة في العربية، توفي سنة: 688هـ. بغية الوعاة: 1/ 319. غاية النهاية: 1/ 484، الأعلام: 4/ 191.
3 مرت ترجمته.
4 هذا من كلام ابن مالك في الألفية.
5 أي: جواز إضافتها، وجواز نصبها على الظرفية أو غيرها كالحالية، وأما قول الجوهري: يقال: "أتيته من على الدار" بالإضافة، فهو سهو كما في الشذور.
التصريح: 2/ 54.(3/143)
وإنما بسطت القول قليلا في شرح هاتين الكلمتين، لأني لم أر أحدا وفاهما حقهما من الشرح، وفيما ذكرته كفاية والحمد لله.
[جواز حذف ما علم من مضاف أو مضاف إليه] :
فصل: يجوز أن يحذف ما علم من مضاف ومضاف إليه.
[حكم ما إذا كان المضاف هو المحذوف] :
فإن كان المحذوف المضاف1؛ فالغالب أن يخلفه في إعرابه2 المضاف إليه؛ نحو: {وَجَاءَ رَبُّكَ} 3؛ أي: أمر ربك، ونحو: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} 4؛ أي: أهل القرية.
__________
1 يشترط لجواز حذف المضاف شرطان، أحدهما أن يقوم دليل على المحذوف، لئلا يقع اللبس، فلو قلت: جلست زيدا. تريد جلست جلوس زيد، لم يصح ذلك؛ لأنه ليس في الكلام ما يدل على الجلوس المقدر، والكلام يحتمل ما زعمت أنك تريده، ويحتمل أن يكون التقدير: جلست إلى زيد، فحذف حرف الجر، فانتصب الاسم الذي كان مجرورا، والشرط الثاني: أن يكون المضاف إليه مفردا لا جملة؛ لأنه لو كان المضاف إليه جملة لم يستدل على المحذوف، ولم تصح إقامة المضاف إليه مقام المضاف المحذوف.
حاشية يس على التصريح: 2/ 55، والهمع: 2/ 51.
2 فيكون فاعلا في مكانه، ومفعولا، ومبتدأ وخبرا، وظرفا، وحالا ... إلخ، وكذلك في باقي أحكامه، كالتذكير والتأنيث والإفراد والتنكير ... إلخ.
3 89 سورة الفجر، الآية: 22.
موطن الشاهد: {وَجَاءَ رَبُّكَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء المضاف محذوفا؛ للعلم به، ونيابة المضاف إليه منابه في إعرابه؛ لأن التقدير: وجاء أمر ربك؛ فلما حذف المضاف؛ وهو فاعل، حل محله المضاف إليه، وأعرب إعرابه على الفاعلية؛ وحكم هذا الحذف جائز باتفاق.
4 12 سورة يوسف، الآية: 82.
موطن الشاهد: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء المضاف محذوفا؛ للعلم به، ونيابة المضاف إليه منابه في إعرابه؛ لأن التقدير: واسأل أهل القرية؛ فلما حذف المضاف؛ وهو مفعول به؛ حل محله المضاف إليه، وأعرب إعرابه على المفعولية؛ وحكم هذا الحذف جائز باتفاق.(3/144)
وقد يبقى على جره؛ وشرط ذلك في الغالب: أن يكون المحذوف معطوفا، على مضاف بمعناه1؛ كقولهم: "ما مثل عبد الله ولا أخيه يقولان ذلك"2 أي: ولا مثل أخيه؛ بدليل قولهم: "يقولان" بالتثنية3؛ وقوله4: [المتقارب]
351- أكل امرئ تحسبين امرأ
...
ونار توقد بالليل نارا5
__________
1 أي: يماثله لفظا ومعنى فقط، أو يقابله بأن يكون ضده أو نقيضه، ليكون المعطوف عليه دليلا على المحذوف. ويشترط كذلك أن يكون حرف العطف متصلا بالمضاف إليه، أو منفصلا منه "بلا" النافية.
2 فـ"أخيه" مجرور بإضافة "مثل" المحذوفة إليه، وهي معطوفة على "مثل" المذكورة.
3 أي: نظرا إلى المذكور والمحذوف، ولو كان "أخيه" معطوفا على "عبد الله" لكان العامل فيهما واحدا وهو "مثل"، وكان يجب أن يقال: يقول بالإفراد؛ لأنه خبر لاسم "ما" وهو مفرد.
4 القائل: هو أبو دؤاد الإيادي؛ حارثة بن الحجاج. وقد مرت ترجمته.
5 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 2/ 56، والأشموني: 651/ 2/ 325، وابن عقيل: 238/ 3/ 77، وسيبويه: 2/ 33، والكامل: 163، 498، وأمالي ابن الشجري: 1/ 296، والإنصاف: 743، وشرح المفصل: 3/ 26، 79، 5/ 142، 8/ 52، 9/ 105، والمقرب: 51، والخزانة: 2/ 253 عرضا، والهمع: 2/ 52، والدرر: 2/ 65، والمغني: 537/ 382، والسيوطي: 239. وديوان أبي دؤاد: 353.
المفردات الغريبة: تحسبين: تظنين. توقد: تتوقد وتشتعل.
المعنى: أتظنين كل شخص جديرا بأن يسمى رجلا؟ وكل نار تشتعل تسمى نارا، إنما الخليق باسم الرجل هو من اكتملت فيه صفات الرجولة الكريمة، والنار الجديرة بهذا الاسم، هي النار التي توقد للخير والقرى.
الإعراب: أكل: الهمزة حرف استفهام، لا محل له من الإعراب، كل: مفعول به أول لفعل "تحسبين" الآتي تقدم عليه، وهو مضاف. امرئ: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. تحسبين: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والياء ضمير متصل في محل رفع فاعل. امرأ: مفعول به ثان لـ"تحسبين" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. ونار: الواو عاطفة، نار مجرور بإضافة اسم يقع معطوفا بالواو على المفعول الأول؛ وتقدير الكلام: وتحسبين كل نار. يوقد: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هي؛ وجملة "توقد": في محل جر صفة لـ"نار". "بالليل": متعلق =(3/145)
أي: وكل نار؛ لئلا يلزم العطف على معمولي عاملين1.
ومن غير الغالب قراءة ابن جماز2: {وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} 3؛ أي: عمل الآخرة، فإن المضاف ليس معطوفا؛ بل المعطوف جملة فيها المضاف4.
__________
= بـ"توقد". نارا: اسم معطوف على "امرأ" المنصوب الواقع مفعولا ثانيا لـ"تحسبين"، والمعطوف على المنصوب منصوب مثله.
موطن الشاهد: "ونار".
وجه الاستشهاد: مجيء الواو عاطفة، و"نار" مجرورة على أنها مضاف إليه لـ"كل" محذوفة، معطوفة بالواو على كل المذكورة، وهذا هو الوجه الأقرب. ويمكن أن تكون مجرورة بإضافة مفعول أول محذوف لفعل محذوف؛ والتقدير: وتحسبين كل نار.
1 أي: إنما جعل المعطوف محذوفا، ولم يعطف "نار" الأولى على امرئ المعمول لكل، و"نار" الثانية على امرأ المعمول لتحسبين؛ لئلا يلزم عطف معمولين وهما "نار" المجرورة والمنصوبة على معمولين، وهما: امرئ وامرأ، لعاملين مختلفين وهما: "كل" و"تحسبين" بعاطف واحد وهو الواو، وذلك لا يجوز عند سيبويه والمبرد وابن السراد وهشام؛ لأن العاطف نائب عن العامل، والعامل الواحد لا يعمل جرا ونصبا، ولا يقوى أن ينوب عن عاملين. أما على حذف "كل" فيكون العطف على معمولي عامل واحد، وهو تحسبين، وذلك جائز.
هذا وقد خالفهم في ذلك: الأخفش والكسائي والفراء والزجاج، وذهبوا إلى جوازه. مغني اللبيب: 632-633، والتصريح: 256.
2 هو أبو الربيع، سليمان بن مسلم بن جماز الزهري المدني، كان مقرئا جليلا وضابطا محسنا من أفاضل رواة أبي جعفر أحد القراء العشرة المشهورين توفي سنة: 70هـ.
3 8 سورة الأنفال، الآية: 67.
أوجه القراءات: قرأ ابن جماز الزهري: والله يريد "الآخرة" بجر الآخرة على تقدير حذف مضاف؛ أي: يريد عمل الآخرة؛ وعلى هذا؛ فعمل المحذوف، ليس معطوفا وحده؛ بل المعطوف جملة من مبتدأ وخبر فيها المضاف "وعمل" على جملة فعلية؛ فيها مضاف غير مماثل للمحذوف؛ والأصل -على هذه القراءة- تريدون عرض الدنيا والله يريد عمل الآخرة. التصريح: 2/ 56.
موطن الشاهد: {يُرِيدُ الْآخِرَةَ} .
وجه الاستشهاد: بقاء المضاف إليه مجروروا على أصله بعد حذف المضاف "عمل"؛ وهذا قليل.
4 هذا: وقد يحذف أكثر من مضاف، فيقوم الأخير مقام الأول، فمثال حذف مضافين =(3/146)
[حكم ما إذا كان المحذوف المضاف إليه] :
وإن كان المحذوف المضاف إليه؛ فهو على ثلاثة أقسام؛ لأنه تارة يزول من المضاف ما يستحقه من إعراب وتنوين ويبنى على الضم؛ نحو: "ليس غير"، ونحو: {مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} 1، كما مر؛ وتارة يبقى إعرابه، ويرد إليه تنوينه؛ وهو الغالب؛ نحو: {وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ} 2، {أَيًّا مَا تَدْعُوا} 3؛ وتارة يبقى إعرابه، ويترك
__________
= قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} ، فإن الأصل: وتجعلون، بدل "شكر رزقكم" تكذيبكم، فحذف: "بدل، وشكر"، وكلاهما مضاف، وقام "رزق" مقام الأول. ومثال حذف ثلاثة قوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} . أصله: فكان الرسول صلى الله عليه وسلم من جبريل قدر مسافة قرب قاب قوسين. فحل المضاف إليه الأخير: وهو "قاب" محل الأول وهو "قدر".
وإذا حذف المضاف -بعد استيفاء شروط حذفه- جاز عدم الالتفات إليه عند عود الضمائر ونحوها، مما يقتضي المطابقة، كالتعريف والتنكير والإفراد وغير ذلك. وجاز مراعاته كأنه موجود. وقد اجتمع الأمران في قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} ، الأصل: وكم من أهل قرية، فرجع الضمير "ها" مؤنثا إلى القرية، ورجع الضمير "هم" مذكرا إلى "أهل" المحذوف. الأشموني: 2/ 324.
1 30 سورة الروم، الآية: 4.
موطن الشاهد: {مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} .
وجه الاستشهاد: بناء كل من "قبل" و"بعد" على الضم؛ لانقطاعه عن الإضافة، بعد حذف المضاف إليه؛ وكلاهما في محل جر بمن، كما أسلفنا.
2 25 سورة الفرقان، الآية: 39.
موطن الشاهد: "كلا".
وجه الاستشهاد: انتصاب "كلا" وتنوينه؛ لأنه حذف المضاف إليه، ولم يُنْوَ لفظه، ولا معناه، ورد إليه التنوين؛ الذي حذف للإضافة؛ لأنه رجع إلى حالته الإعرابية قبلها.
3 17 سورة الإسراء الآية: 110.
موطن الشاهد: {أيًّا} .
وجه الاستشهاد: انتصاب "أيا" -وهو من أسماء الشرط-؛ لانقطاعه عن الإضافة؛ ولم ينو لفظ المضاف إليه، ولا معناه، ورد إليه التنوين: الذي حذف للإضافة، كما في الآية السابقة.(3/147)
تنوينه1، كما كان في الإضافة، وشرط ذلك في الغالب أن يعطف عليه اسم عامل في مثل المحذوف؛ وهذا العامل إما مضاف؛ كقولهم: "خذ ربع ونصف ما حصل"2، أو غيره؛ كقوله3: [الرجز]
352- بمثل أو أنفع من وبل الديم4
__________
1 وذلك إذا حذف المضاف إليه، ونوي ثبوت لفظه، فلا يتغير إعراب المضاف، ولا يرد إليه ما حذف للإضافة، كالتنوين والنون إن كان مثنى أو مجموعا.
2 ذهب النحاة في تخريج هذا المثال مذهبين:
الأول: أن هذا المثال من باب حذف المضاف إليه، وإبقاء المضاف على حاله الذي كان يستحقه حين الإضافة؛ وأصل الكلام على هذا المذهب: خذ ربع ما حصل ونصف ما حصل؛ بإضافة ربع إلى اسم موصول، وإضافة نصف إلى اسم موصول مشبه للاسم الموصول الأول، فحذفوا الاسم الموصول الأول الذي أضيف إليه ربع وصلته؛ لدلالة الاسم الموصول الثاني وصلته عليه، وأبقوا المضاف على إعرابه وترك تنوينه؛ لأن المضاف إليه المحذوف منوي الثبوت، وهذا مذهب المبرد واختاره ابن مالك وابن هشام تبعا له.
الثاني: أن هذا المثال ونحوه من باب الفصل بين المضاف والمضاف إليه؛ وأصل الكلام على هذا خذ ربع ما حصل ونصفه، ثم أقحم ونصفه بين المضاف "ربع"؛ والمضاف إليه "ما حصل" فصار الكلام خذ ربع ونصفه ما حصل، ثم حذف الضمير فصار: خذ ربع ونصف ما حصل. وإنما حذفوا الضمير إصلاحا للفظ، وهذا مذهب سيبويه والجمهور، والمذهب الأول أقرب مأخذا من هذا، ومثل هذا المثال قولهم: قطع الله يد ورجل من قالها، وقول الفرزدق:
يا من رأى عارضا أسر به
...
بين ذراعي وجبهة الأسد
انظر التصريح: 2/ 56-57، الأشموني: 2/ 326، سيبويه: 1/ 92.
3 لم ينسب إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت من الرجز وصدره قوله:
علقت آمالي فعمت النعم
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 57، والعيني: 3/ 451.
المفردات الغريبة: علقت: وصلت. آمالي: جمع أمل، وهو ما يطمع فيه المرء =(3/148)
ومن غير الغالب؛ قولهم: "ابدأ بذا من أول"، بالخفض من غير تنوين1، وقراءة بعضهم: {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} 2؛ أي: فلا خوف شيء عليهم3.
__________
= ويرجوه. وبل، الوبل: المطر الغزير كالوابل. الديم: جمع ديمة، وهي المطر الدائم لا رعد فيه ولا برق.
المعنى: وصلت آمالي وما أرجوه في الحياة، ووضعتها بين يدي رجل أسبغ علي نعمه وعمني بفضله، فكان مثل الغيث العميم، أو أكثر منه نفعا.
الإعراب: علقت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. آمالي: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم؛ والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. فعمت: الفاء عاطفة، عم: فعل ماض، والتاء: للتأنيث. النعم: فاعل مرفوع، وسكن لضرورة الشعر. "بمثل": متعلق بـ"علق"، و"مثل" مضاف إلى محذوف يدل عليه المذكور بعده، والتقدير: بمثل وابل الديم. أو: حرف عطف. أنفع: اسم معطوف على مثل، مجرور وعلامة جره الفتحة بدل الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف. "من وابل": متعلق بـ"أنفع"، ووابل مضاف. الديم: مضاف إليه مجرور، وسكن لضرورة الشعر.
موطن الشاهد: "بمثل".
وجه الاستشهاد: حذف المضاف إليه بعد مثل؛ لدلالة "وابل الديم" عليه؛ والتقدير: بمثل وابل الديم، أو أنفع من وابل الديم.
1 أي: على نية لفظ المضاف إليه، والتقدير: من أول الأمر. حكى ذلك أبو علي الفارسي.
2 5 سورة المائدة، الآية: 69.
أوجه القراءات: قرأ ابن محيصن: "فلا خوف" بالرفع من غير تنوين، وقرأ ابن يعقوب: "فلا خوف" بالفتح من غير تنوين على الإعمال؛ وقرأ الجمهور: "فلا خوف عليهم" بالرفع والتنوين.
أوجه القراءات: قراءة الرفع -من غير تنوين- على أن "لا" مهملة، أو عاملة عمل ليس؛ وقراءة الفتح: على أن "لا" عاملة عمل "إن".
موطن الشاهد: {فَلا خَوْفٌ} .
وجه الاستشهاد: حذف المضاف إليه -على هذه القراءة- مع نية لفظ المضاف إليه؛ والتقدير: فلا خوف شيء عليهم؛ وذلك على تقدير الفتحة إعرابا، وأما إن قدرت بناء فلا شاهد في الآية على هذه القراءة.
3 "خوف" بالضم بلا تنوين على أن "لا" مهملة، أو عاملة عمل ليس، وبالفتح على أن =(3/149)
.................................................
__________
= "لا" عاملة عمل "إن"، فإن قدرت الفتحة إعرابا ففيه الشاهد، وإن قدرت بناء فلا. وقد يحذف المضاف إليه ويبقى المضاف على حاله؛ إذا كان معطوفا على مضاف إلى مثل المحذوف، عكس الصورة المذكورة. ومنه الحديث: عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -سبع غزوات، أو ثمانيَ- بفتح الياء بلا تنوين، أي ثماني غزوات. ويقتصر في هذا على السماع. الأشموني: 2/ 326.
فائدة: اعلم أن حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه قد يكون قياسيا، وقد يكون سماعيا، فأما السماعي فضابطه أن يكون المضاف إليه الباقي صالحا لأن ينسب إليه ما كان منسوبا للمضاف المحذوف قبل الحذف كما في قول عمر بن أبي ربيعة:
لا تلمني عتيق حسبي الذي بي
...
إن بي يا عتيق ما قد كفاني
فأراد عمر أن يقول: لا تلمني يابن أبي عتيق غير أن وزن الشعر لم يمكنه من أن يقول ذلك, وعتيق الذي كان مضافا إليه قبل الحذف صالح لأن ينادى، وينهى عن ترك اللوم.
وأما القياسي، فضابطه العام أن يكون المضاف إليه الباقي غير صالح في نفسه لأن يُنسب إليه العامل الذي كان منسوبا قبل الحذف إلى المضاف، وهذا الجنس يقع في كثير من مواقع الإعراب منها:
أ- أن يكون المضاف قبل الحذف فاعلا كما في قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} ، والتقدير: وجاء أمر ربك؛ لأن نسبة المجيء إلى الله تعالى لما تقتضيه من المكانية والانتقال مستحيلا.
ب- أن يكون المضاف قبل حذفه مبتدأ في الحال، أو في الأصل، كما في قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} ، والتقدير: ولكن أهل البر من آمن. وكقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} ، والتقدير: زمن الحج أشهر.
ح- أن يكون المضاف قبل حذفه خبر مبتدأ، كقول الشاعر:
وشر المنايا ميت وسط أهله
والتقدير: وشر المنايا منية ميت وسط أهله، وقد تحتمل الآيتان في الموضع الثاني هذا الوجه فيكون تقدير الأولى: ولكن البر بر من آمن. ويكون تقدير الثانية: الحج حج أشهر معلومات.
د- أن يكون المضاف مفعولا به قبل الحذف، كقوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} ، والتقدير: وأشربوا في قلوبهم حب العجل.
هـ- أن يكون المضاف قبل حذفه مفعولا مطلقا، كقول الأعشى:
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا
...
وبت كما بات السليم مسهدا
=(3/150)
[الفصل بين المتضايفين] :
فصل: زعم كثير من النحويين: أنه لا يفصل بين المتضايفين إلا في الشعر1؛ والحق أن مسائل الفصل سبع؛ منها ثلاث جائزة في السعة2:
__________
= والتقدير: ألم تغتمض عيناك اغتماض ليلة أرمدا.
و أن يكون المضاف قبل حذفه مفعولا فيه، كقولهم: "جاءنا طلوع الشمس" والتقدير: جاءنا وقت طلوع الشمس. وكقولهم: "حدث هذا إمارة الحجاج" والتقدير: حدث هذا زمن إمارة الحجاج.
ز- أن يكون المضاف قبل حذفه مفعولا معه، كقولك: "جاء زيد والشمس" والتقدير: جاء زيد وطلوع الشمس.
ح- أن يكون المضاف قبل حذفه حالا، كما في المثل: "تفرقوا أيدي سبأ" والتقدير: تفرقوا مثل أيدي سبأ.
ط- أن يكون المصاف قبل حذفه مجرورا بحرف جر، كقوله تعالى: {تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} ، والتقدير: تدور أعينهم كدوران عين من يغشى عليه.
ي- أن يكون المضاف قبل الحذف مجرورا بإضافة شيء إليه، كقول النابغة: ولا يحول عطاء اليوم دون غد.
ك- أن يكون المضاف قبل حذفه مفعولا لأجله، كقولك: "زرنا الشيخ فضله" والمراد: زرنا الشيخ ابتغاء فضله وهذا الموضع ذكره ابن الخباز.
انظر المغني: 811، أوضح المسالك: 3/ 174-176.
1 ذلك لأن المضاف إليه بمنزلة الجزء من المضاف، فكما لا يفصل بين أجزاء الاسم، لا يفصل بينه وبين ما نزل منزلة الجزء منه؛ وهذا رأي البصريين، وهو رأي حسن؛ لأن الفصل بين المتضايفين يُبعد المعنى عن الذهن، ويحتاج إلى تفكير لفهمه، ولا بد من قرينة تدل على ذلك، ومما جاء من الفصل بين المتضايفين في الشعر قول عمرو بن قميئة:
لما رأت ساتيذما استعبرت
...
لله در اليوم من لامها
فـ"در" -في البيت- مضاف إلى "من لامها"، وقد فصل بينهما بالظرف اليوم و"ساتيذما" اسم جبل، استعبرت: بكت.
انظر التصريح: 2/ 57، سيبويه: 1/ 90.
2 وضابطها أن يكون المضاف؛ إما اسما يشبه الفعل والفاصل بينهما معمول للمضاف منصوب، أو اسما لا يشبه الفعل والفاصل القسم.(3/151)
[المسائل التي يجوز الفصل فيها في سعة الكلام] :
إحداها: أن يكون المضاف مصدرا والمضاف إليه فاعله، والفاصل إما مفعوله؛ كقراءة ابن عامر1: "قتلُ أولادَهم شركائِهم"2، وقول الشاعر3: [الطويل]
353- فسقناهم سوق البغاث الأجادل4
__________
1 مرت ترجمته.
2 6 سورة الأنعام، الآية: 137.
أوجه القراءات: قرأ ابن عامر: "زُين لكثيٍر قتلُ أولادَهم شركائهم"، وقرأ الجمهور: {زَيَّنَ} بفتح الزاي والياء؛ وروي -أيضا- عن ابن عامر أنه قرأ: "زُين" بضم الزاي، ورفع "قتل"، وخفض "الأولاد"؛ فيصير الشركاء اسما للأولاد؛ لمشاركتهم الآباء في النسب والميراث والدين. انظر البحر المحيط: 4/ 229، وإعراب القرآن، للنحاس، وتفسير القرطبي: 7/ 91-92.
أوجه القراءات: من قرأ "زُين" بالبناء للمجهول، ورفع "قتل" على أنه نائب فاعل، ورفع "شركاء" حملا على المعنى، كأنه قيل: من زينه لهم؟ قيل: شركاؤهم؛ وأضيفت "الشركاء" إليهم؛ لأنهم هم استخرقوها وجعلوها شركاء الله؛ تعالى الله عن ذلك؛ فباستخراقهم لها أضيفت إليهم.
ومن قرأ هذه القراءة، ونصب "الأولاد" وخفض الشركاء بإضافة القتل إليهم؛ فهي قراءة بعيدة لما سيأتي.
موطن الشاهد: "قتلُ أولادَهم شركائِهم".
وجه الاستشهاد: رفع "قتلُ" على أنه نائب فاعل، لـ"زُين" وجر "شركائهم" على إضافة "قتل" إليه، من إضافة المصدر إلى فاعله، باعتبار أمرهم به، ونصب "أولادهم" على أنه مفعول به؛ وقد فصل بين المتضايفين؛ وقال بعضهم: والفصل في هذا حسن. التصريح: 2/ 57.
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
عتوا إذ أجبناهم إلى السلم رأفة.
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 57، والأشموني: 655/ 2/ 327، والعيني: 3/ 465.
المفردات الغريبة: عتوا: من العتو، وهو مجاوزة الحد. السلم "بكسر السين =(3/152)
وإما ظرفه؛ كقول بعضهم: "ترك يوما نفسك وهواها"1.
__________
= وفتحها": الصلح: البغاث "بفتح الباء بزنة السحاب وبكسرها بزنة الكتاب وبضمها بزنة الغراب": طائر ضعيف يصاد ولا يصيد ولا نفع له. الأجادل: جمع أجدل، وهو الصقر.
المعنى: أن أعداءنا تكبروا، وطغوا، وأفسدوا، لما رحمناهم وسالمناهم وصالحناهم رأفة بهم، ولما بدر منهم ذلك لم نر بدا من أن نطاردهم ونأخذهم بالقسوة والشدة، فسقناهم أمامنا كما تسوق كواسر الطير -الأجادل- الطيور الضعيفة كالبغاث منها.
الإعراب: عتوا: عتا: فعل ماض، مبني على الضم المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، والألف للتفريق. "إذ": متعلق بـ"عتوا"، ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل نصب. أجبناهم: فعل ماضٍ مبني على السكون، و"نا" ضمير متصل في محل رفع فاعل، و"هم": ضمير متصل في محل نصب مفعول به؛ وجملة "أجبناهم": في محل جر بالإضافة: "إلى السلم": متعلق بـ"أجاب". رأفة: مفعول لأجله منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. فسقناهم: الفاء عاطفة، ساقه: فعل ماض، و"نا" فاعله، و"هم" مفعوله. سوق: مفعول مطلق، مبين للنوع منصوب بـ"ساق"، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف. الأجادل: مضاف إليه مجرور من إضافة المصدر إلى فاعله. البغاث: مفعول به للمصدر سوق؛ وقد فصل بهذا المفعول بين المصدر "سوق"، وفاعله "الأجادل".
موطن الشاهد: "سوق البغاث الأجادل".
وجه الاستشهاد: الفصل بين المضاف "سوق"، والمضاف إليه "الأجادل" فاعل المصدر بالمفعول "البغاث" لأن التقدير: سوق الأجادل البغاث، ومثل هذا البيت قول الشاعر:
"ترك يوما نفسك وهواها سعي لها في رداها"
فقوله: "زد" مصدر أضيف على فاعله "أبي مزاده"، وقد فصل بين المضاف والمضاف إليه بمفعول المصدر "القلوص".
1 نصيحة نثرية، وهي بتمامها:
"ترك يوما نفسك وهواها سعي لها في رداها"
ترك: مصدر مبتدأ. يوما: ظرف منصوب به، وقد فصله من المضاف إليه، وهو نفسك الواقع فاعلا للمصدر، ومفعوله محذوف. وهواها: مفعول معه، أي: ترك نفسك شأنها يوما مع هواها. سعي: خبر المبتدأ. ويجوز أن يكون المصدر مضافا إلى مفعوله والفاعل محذوف، أي: تركك نفسك.(3/153)
الثانية: أن يكون المضاف وصفا1، والمضاف إليه إما مفعوله2 الأول، والفاصل مفعوله الثاني؛ كقراءة بعضهم: "فلا تحسبن الله مخلف وعدَه رسلِه"3، وقول الشاعر4: [الكامل]
354- وسواك مانع فضله المحتاج5
__________
1 اسم فاعل بمعنى الحال، أو الاستقبال.
2 لم يأت المصنف لـ"إما" هذه بمقابل، والصواب تأخيرها بعد كلمة "الفاصل"؛ لأن التنويع فيه، وأن يقول: والفاصل إما مفعوله الثاني؛ لأنه قد عادل ذلك؛ بقوله: أو ظرفه.
3 14 سورة إبراهيم، الآية: 47.
موطن الشاهد: "مخلف وعدَه رسلِه".
وجه الاستشهاد: وقوع "مخلف" اسم فاعل متعدٍّ لاثنين، وهو مضاف، و"رسله" مضاف إليه، من إضافة الوصف إلى مفعوله الأول، و"وعده" مفعوله الثاني؛ وفصل به بين المضاف والمضاف إليه؛ والأصل: فلا تحسبن الله مخلف رسله وعده.
انظر التصريح: 2/ 58.
4 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
ما زال يوقن من يؤمك بالغنى
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 58، والأشموني: 658/ 2/ 327، والعيني: 3/ 469.
المفردات الغريبة: يوقن: يعلم علما لا شك فيه. يؤمك: يقصدك. المحتاج: الذي به حاجة إلى غيره.
المعنى: أن من يقصدك طالبا معروفك ونداك يعلم علما لا يخالطه شك أنك ستغنيه وتجيب سؤله، وأما غيرك فيمنع المحتاجين فضله ووفرة ماله.
الإعراب: ما زال: ما: نافية، زال: فعل ماضٍ ناقص. يوقن: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو يعود إلى اسم زال المتأخر، وجملة "يوقن": في محل نصب خبر "زال" تقدم على اسمه. من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع اسم "زال" تأخر عن الخبر. يؤمك: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو، والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعولا به، وجملة "يؤمك": صلة للموصول لا محل لها من الإعراب. بالغنى: متعلق بـ"يوقن". وسواك: الواو عاطفة، سوى: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة =(3/154)
أو ظرفه؛ كقوله عليه الصلاة والسلام: "هل أنتم تاركو لي صاحبي" 1، وقول الشاعر2: [الطويل]
355- كناحت يوما صخرة بعسيل3
__________
= المقدرة على الألف للتعذر، وهو مضاف، والكاف في محل جر مضاف إليه. مانع: خبر مرفوع، وهو مضاف. المحتاج: مضاف إليه. فضله: مفعول به لمانع، وهو مضاف، والهاء: في محل جر مضاف إليه.
موطن الشاهد: "مانع فضله المحتاج".
وجه الاستشهاد: مجيء مانع اسم فاعل من فعل "منع" الذي يتعدى إلى مفعولين، وقد اضاف الشاعر هذا العامل إلى مفعوله الأول "المحتاج"؛ وفصل بينهما بالمفعول الثاني "فضله"؛ لأن الأصل: وسواك مانع المحتاج فضله.
1 هذا جزء من حديث شريف رواه أبو الدرداء، قاله الرسول صلى الله عليه وسلم حين وقع خلاف بين أبي بكر وبعض الصحابة؛ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "فهل أنتم تاركو لي صاحبي".
والحديث أخرجه البخاري: 7/ 18، وجامع الأصول: 8/ 592 برواية "تاركون".
موطن الشاهد: "تاركو لي صاحبي".
وجه الاستشهاد: وقوع "تاركو" -جمع تارك- اسم فاعل من "ترك"، وهو مضاف إلى مفعوله "صاحبي"؛ بدليل حذف النون من "تاركو"، و"لي": جار ومجرور متعلق بـ"تاركو"، وقد فصل به بين المضاف والمضاف إليه؛ لأن الأصل: هل أنتم تاركون صاحبي لي.
انظر التصريح: 2/ 58.
2 لو يُنسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
فرشني بخير لا أكونن ومدحتي
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 58، والأشموني: 659/ 2/ 328، والعيني: 3/ 481، والهمع: 2/ 52، والدرر: 2/ 66، واللسان "عسل".
المفردات الغريبة: رشني: فعل أمر: من راش السهم، ألزق عليه الريش لتقويته، والمراد: قوني وأصلح شأني. بعسيل، العسيل: مكنسة العطار التي يجمع بها العطر.
المعنى: يخاطب الشاعر من يستجديه، ويطلب عونه قائلا: قوني وأصلح لي شأني، ولا تبخل علي وتخيب آمالي فيك، حتى لا أكون في مدحي لك، وثنائي عليك كمن ينحت الصخر بمكنسة العطار؛ والمراد أن جودة شعره في مدحه لم تؤثر فيه.
الإعراب: فرشني: الفاء استئنافية، رش: فعل أمر مبني على السكون، والفاعل ضمير =(3/155)
الثالثة: أن يكون الفاصل قسما؛ كقولك: "هذا غلام والله زيد"1.
[المسائل التي تختص بالشعر] :
والأربع الباقية تختص بالشعر:
إحداها: الفصل بالأجنبي، ونعني به معمول غيره المضاف؛ فاعلا كان؛ كقوله2: [المنسرح]
__________
= مستتر وجوبا تقديره: أنت، والنون للوقاية، والياء: مفعول به. "بخير": متعلق بـ"رش". لا أكونن: لا: نافية، أكونن: فعل مضارع ناقص، مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، والنون: لا محل لها من الإعراب، واسم أكون ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره "أنا". ومدحتي: الواو واو المعية، مدحة: مفعول معه منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، و"مدحة" مضاف و"ياء المتكلم" مضاف إليه.
"كناحت": متعلق بمحذوف خبر أكون، و"ناحت" مضاف، و"صخرة" مضاف إليه مجرور من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله. "يوما" متعلق بـ"ناحت"، وقد فصل بالظرف بين المضاف "ناحت" والمضاف إليه "صخرة". "بعسيل": متعلق بـ"ناحت".
موطن الشاهد: "كناحت يوما صخرة".
وجه الاستشهاد: مجيء "ناحت" اسم فاعل مضاف إلى مفعوله "صخرة"، وقد فصل بينما بالظرف "يوما" كما بينا في الإعراب.
1 بجر "زيد" بإضافة "غلام" إليه. وقد ذكر الكسائي عن العرب أنهم يقولون ذلك. وحكى أبو عبيده عن العرب قولهم: إن الشاة لتجتر فتسمع صوت والله ربها.
ومن مواضع الفصل اختيارا، وزاده ابن مالك في الكفاية؛ الفصل بـ"إما" كقول تأبط شرا:
هما خطتا إما إسار ومنة ... وإما دم والقتل بالحر أجدر
أي: هما خطتا إسار. وقد حذفت نون المثنى المضاف وفصل بينهما بإما. والخطة: الحالة والطريقة. وإسار: أي: أسر ووقوع في يد العدو. ومنة: أي: امتنان وعفو بإطلاق السراح. أي: أن الخطتين المعلومتين من السياق، هما: خطتا أسر وامتنان إن رأيتم العفو، أو قتل وهو أولى بالحر، وهذا تهكم واستهزاء.
وقد حكى ابن الأنباري: هذا غلام إن شاء الله أخيك، ففصل بإن شاء الله. هذا: ويشترط في الفصل مطلقا: ألا يكون المضاف إليه ضميرا؛ لأنه لا يفصل من عامله. الأشموني: 2/ 328-329، والتصريح: 2/ 58، والإنصاف.
2 القائل: هو الأعشى ميمون بن قيس، وقد مرت ترجمته.(3/156)
356- أنجب أيام والده به ... إذ نجلاه فنعم ما نجلا1
أو مفعولا؛ كقوله1: [البسيط]
357- تسقي امتياحا ندى المسواك ريقتها2
أي: تسقي ندى ريقتها المسواك.
__________
1 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة في مدح سلامة ذا فائش الحميري، هو من شواهد: التصريح: 2/ 58، والأشموني: 661/ 2/ 328، والمحتسب: 1/ 152، وأسرار البلاغة: 380، ومعاهد التنصيص: 1/ 253، وديوان الأعشى: 157.
المفردات الغريبة: أنجب: من أنجب الرجل -ولد ولدا نجيبا. نجلاه: ولداه.
المعنى: أن والدي هذا المولود أتيا بولد نجيب حين ولداه، فنعم المولود الذي أنجباه.
الإعراب: أنجب: فعل ماضٍ مبني على الفتح. "أيام": متعلق بـ"أنجب" منصوب. والداه: فاعل مرفوع، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه. "به": متعلق بـ"أنجب". إذ: ظرف زمان مضاف إليه لأيام؛ من إضافة العام إلى الخاص وقد فصل بينهما بأجنبي من المضاف، وهو "والداه" الواقع فاعلا لأنجب. نجلاه: فعل ماضٍ مبني على الفتح، وألف الاثنين في محل رفع فاعل والهاء في محل نصب مفعولا به، وجملة "نجلاه" في محل جر بالإضافة بعد "إذ". فنعم: نعم: فعل ماضٍ لإنشاء المدح، ما: اسم موصول في محل رفع فاعل نعم. نجلا: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والألف في محل رفع فاعل، وجملة "نجلا": صلة للموصول لا محل لها من الإعراب، والعائد إلى الاسم الموصول ضمير منصور بـ"نجلا" محذوف، وتقدير الكلام: فنعم الذي نجلا؛ وهذا هو الوجه الأرجح.
موطن الشاهد: "أنجب أيام والداه به إذ نجلا".
وجه الاستشهاد: الفصل بين المضاف "أيام"، والمضاف إليه "إذ نجلا"؛ حيث إن "إذ" ظرف زمان أضيف إلى أيام، والفاصل بينهما أجنبي ليس معمولا للمضاف، وهذا الفاصل "والداه" فاعل أنجب، ولا علاقة له بالمضاف؛ لأن أصل البيت أنجب والده به أيام إذ نجلاه فنعم ما نجلا؛ وفي البيت أيضا فصل بالجار والمجرور "به"؛ وهذا يدل على جواز الفصل بأكثر من معمول أجنبي للضرورة.
1 القائل هو: جرير بن عطية، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
كما تضمن ماء المزنة الرصف
=(3/157)
أو ظرفا؛ كقوله1: [الوافر]
__________
= والبيت من قصيدة يمدح فيها يزيد بن عبد الملك بن مروان ويذم آل المهلب، وقبله قوله:
ما ستوصف الناس عن شيء يروقهم ... إلا أرى أم عمرو فوق ما وصفوا
كأنهم مزنة غراء واضحة ... أو درة لا يواري ضوءها الصدف
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 58، والأشموني: 662/ 2/ 328، والعيني: 3/ 374، والهمع: 2/ 52، والدرر: 2/ 66، وديوان جرير: 386.
المفردات الغريبة: امتياحا: مصدر امتاح، أي غرف الماء، والمراد هنا الاستياك. الندى: البلل. المسواك: العود الذي يستاك به. ريقتها؛ الريقة: الرضاب، وهو ماء الفم. المزنة: السحابة البيضاء. الرصف: الحجارة المرصوفة، والمفرد رصفة.
المعنى: أن أم عمرو تسقي من رضاب فمها المسواك الذي تستاك به فيشتمل على ريقها العذب الصافي كما تشتمل الحجارة المرصوفة على ماء المطر الصافي، ذلك أن الماء المتراكم فوق هذه الحجارة أصفى وأنقى ما يعرف العرب من الماء.
الإعراب: تسقي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء؛ للثقل، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هي يعود إلى أم عمرو. امتياحا: مصدر نائب عن ظرف الزمان؛ أي: وقت امتياحها، أو حال مؤولة بمشتق؛ أي: ممتاحة، والتقدير: حال كونها ممتاحة: أي: مستاكة. ندى: مفعول به ثان لـ"تستقي" تقدم على المفعول الأول منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر، وهو مضاف. ريقتها: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، وهو مضاف، و"ها" في محل جر بالإضافة. المسواك: مفعول به أول لـ"تسقي"، وقد فصل به بين المضاف "ندى"، والمضاف إليه "ريقتها"؛ لأن أصل الكلام تسقي أم عمرو المسواك ندى ريقها. كما: الكاف حرف جر، ما: مصدرية. تضمن: فعل ماضٍ مبني على الفتح. ماء: مفعول به منصوب وهو مضاف. المزنة: مضاف إليه مجرور. الرصف: فاعل مرفوع؛ والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": في محل جر بحرف الجر؛ والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمصدر محذوف يقع مفعولا مطلقا لـ"تسقي"، وتقدير الكلام تسقي أم عمرو المسواك ندى ريقتها سقيا مشابها لتضمن الرصف ماء المزنة.
موطن الشاهد: "ندى المسواك ريقتها".
وجه الاستشهاد: فصل الشاعر بين المضاف "ندى"، والمضاف إليه "ريقتها" بـ"المسواك"، وهو مفعول "تسقي"، ومعلوم أنه أجنبي غير معمول للمضاف.
1 القائل: هو أبو حية النميري، واسمه: الهيثم بن الربيع بن زرارة: شاعر مجيد وراجز =(3/158)
358- كما خط الكتاب بكف يوما ... يهودي يقارب أو يزيل1
الثانية: الفصل بفاعل المضاف؛ كقوله2: [الرجز]
359- ولا عدمنا فهر وجد صب3
__________
= فصيح من أهل البصرة، ومن مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، كان أهوج جبانا كذابا، توفي سنة: 183هـ.
تجريد الأغاني: 4/ 1758، الشعر والشعراء: 2/ 774، والأغاني: 15/ 61، والخزانة: 4/ 283.
1 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 2/ 59، والأشموني: 663/ 2/ 328، وابن عقيل: 24/ 3/ 83، وسيبويه: 1/ 91، والمقتضب: 1/ 237، 4/ 377، والإنصاف: 1/ 432، وشرح المفصل: 1/ 103، 2/ 250. والعيني: 3/ 470، والهمع: 2/ 52، والدرر: 2/ 66.
المفردات الغريبة: يقارب: يجعل بعض الكتابة قريبا من بعض. يزيل: يفرق ويباعد بينها.
المعنى: أن رسم هذه الدار محكم منسق على حسب المواقع، كخط الكتاب الذي يكتبه يهودي ماهر، فيدني بعض الكتابة من بعضها أحيانا، ويباعد بينها أحيانا أخرى تبعا لما يتطلبه الرونق والجمال؛ وخص اليهودي؛ لأنه من أهل الكتاب فيما يعرف العرب.
الإعراب: كما: الكاف حرف تشبيه وجر، وما: مصدرية لا محل لها من الإعراب. خط: فعل ماضٍ مبني للمجهول. الكتاب: نائب فاعل مرفوع. "بكف": متعلق بـ"خط". "يوما": متعلق بـ"خط"؛ وكف مضاف. يهودي: مضاف إليه مجرور. يقارب: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو. وجملة "يقارب": في محل جر صفة لـ"يهودي"، أو: حرف عطف مبني على السكون، لا محل له من الإعراب. يزيل: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو؛ وجملة "يزيل": معطوفة على جملة "يقارب": في محل جر.
موطن الشاهد: "بكف يوما يهودي".
وجه الاستشهاد: الفصل بالظرف يوما بين المضاف "بكف"، والمضاف إليه "يهودي"؛ ومعلوم أن هذا الظرف أجنبي من المضاف؛ لأنه لم يتعلق به، وهو ظرف لقوله "خط"؛ وأصل الكلام: كما خط الكتاب يوما بكف يهودي.
2 لم ينسب هذا الرجز إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
ما إن رأينا للهوى من طب
=(3/159)
ويحتمل أن يكون منه أو من الفصل بالمفعول قوله1: [الوافر]
__________
= وهو من شواهد: التصريح: 2/ 59، والأشموني: 668/ 2/ 329، والعيني: 3/ 482، والهمع: 2/ 53، والدرر: 2/ 67.
المفردات الغريبة: الهوى: العشق، أو محبة الإنسان الزائدة للشيء. طب: علاج الجسم والنفس. عدمنا: فقدنا. قهر: غلبة. وجد: شدة الشوق والحب. صب: من الصبابة؛ وهي رقة الشوق وجراءته.
المعنى: لم يجد من برح به العشق علاجا ينفع ويشفي؛ إذ كثيرا ما يغلب الحب والشوق على لعاشق، فيملك عليه نفسه وقلبه، ويقوده إلى حتفه.
الإعراب: ما إن: ما نافية مهملة، إن: حرف زائد، لا محل له من الإعراب. راينا: فعل ماضٍ مبني على السكون، و"نا": ضمير متصل في محل رفع فاعل. "للهوى": متعلق بمحذوف واقع مفعولا ثانيا لـ"رأى"، تقدم على مفعوله الأول، والتقدير: ما رأينا علاجا نافعا للهوى. من: حرف جر زائد. طب: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه مفعول به أول لـ"رأى". ولا: الواو: عاطفة، لا: حرف زائد لتأكيد النفي. عدمنا: فعل ماضي مبني على السكون، و"نا": ضمير متصل في محل رفع فاعل. قهر: مفعول به منصوب، وهو مضاف. صب: مضاف إليه مجرور؛ من إضافة المصدر لمفعوله؛ وقوله: "وجد": فاعل لـ"قهر"؛ وقد فصل به بين المضاف، والمضاف إليه كما سنرى في وجه الاستشهاد.
موطن الشاهد: "قهر وجد صب".
وجه الاستشهاد: الفصل بين المضاف "قهر"، والمضاف إليه "صب" بفاعل المضاف "وجد"؛ لأنه فاعل المصدر "قهر".
فائدة: يلاحظ في المسألة الأولى من مسائل الجواز في السعة جواز الفصل بين المصدر المضاف، وفاعله بالمفعول، كما في قوله تعالى: "قتل أولادهم شركائهم"، ونلحظ -هنا- امتناع إضافة المصدر إلى مفعوله، والفصل بالفاعل في السعة فما الفرق مع أنه معلوم جواز إضافة المصدر إلى فاعله، ومفعوله على حد سواء؟ ولعل السبب في ذلك هو أن إضافة المصدر إلى المفعول مع ذكر الفاعل فيه خلاف بين النحاة، حتى منعه بعضهم، على أن المعول عليه هو السماع.
1 هو: الأحوص؛ محمد بن عبد بن عاصم بن ثابت الأوسي، وعاصم من الأنصار وهو حمي الدبر، والأحوص شاعر هجاء، وصاحب نسب من طبقة جميل بن معمر، سمي الأحوص؛ لضيق في مؤخر عينه، توفي سنة 105هـ.
الشعر والشعراء: 1/ 518، والجمحي: 1/ 137، والأغاني: 4/ 40، والخزانة: 1/ 231.(3/160)
360- فإن نكاحها مطر حرام1
__________
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
فإن يكن النكاح أحل شيء
والبيت: من قصيدة للشاعر. وكان قد هوي امرأة وشبب بها، ثم زوجها أهلها رجلا اسمه مطرن وبعد الشاهد قوله:
فلا غفر الإله لمنكحيها ... ذنوبهم وإن صلوا وصاموا
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 59، والأشموني: 669/ 2/ 329، والعيني: 3/ 466، والمغني: 1132/ 881، والسيوطي: 322.
المفردات الغريبة: النكاح: الزواج. مطر: اسم رجل من أقبح الرجال، وزوجته من أجمل النساء، وكانت تريد فراقه وهو يأبى ذلك. وقيل: إن الأحوص كان يهواها ولكن أهلها زوجوها مطرا هذا.
المعنى: والله لئن كان الزواج أحل شيء؛ فإن زواج مطر من تلك المرأة، يعد حراما؛ لأنه غير كفء لها؛ لقباحته مع جمالها.
الإعراب: إن: حرف شرط جازم. يكن: فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر؛ لالتقاء الساكنين، وهو فعل مضارع ناقص. النكاح: اسم "يكن" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. أحل: خبر "يكن" منصوب، وهو مضاف. شيء: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة. فإن: الفاء واقعة في جواب الشرط، إن حرف مشبه بالفعل. نكاحها: اسم "إن" منصوب، وهو مضاف، و"ها": مضاف إليه؛ من إضافة المصدر إلى معموله؛ فإن رويت مطر بالرفع كان من إضافته المصدر إلى مفعوله؛ وإن رويت مطر بالنصب كانت من إضافة المصدر إلى فاعله؛ وأما إن رويت مطر بالجر، فإن "نكاح" لا يكون مضافا إلى الضمير، بل يكون مضافا إلى مطر، وتحتمل إضافته إلى مطر حينئذ الوجهين؛ فيحتمل أن يكون الضمير فاعل المصدر، إن اعتبرت "مطر" المجرور مفعول المصدر، ويحتمل أن تكون إضافته من إضافة المصدر إلى مفعوله، إذا عددت "مطر" المجرور فاعلا للمصدر: حرام: خبر إن مرفوع؛ وجملة "إن واسمها وخبرها": في محل جزم جواب الشرط.
موطن الشاهد: "نكاحها مطر".
وجه الاستشهاد: رُوي البيت برفع "مطر"، ونصبه وجره؛ فرواية الرفع على أن نكاحها مصدر أضيف إلى مفعوله ومطر فاعله؛ والتقدير: فإن نكاح مطر إياها. ورواية النصب على أن نكاحها مصدر مضاف إلى فاعله ومطر مفعوله؛ وأما رواية الجر -المرادة هنا- فعلى أن نكاح مصدر مضاف إلى مطر.(3/161)
بدليل أنه يروى بنصب مطر وبرفعه؛ فالتقدير فإن نكاح مطر إياها أو هي.
والثالثة: الفصل بنعت المضاف؛ كقوله1: [الطويل]
361- من ابن أبي شيخ الأباطح طالب2
__________
1 القائل: هو معاية بن أبي سفيان، مؤسس الدولة الأموية، وأحد دهاة العرب المشهورين فصيح اللسان عظيم الجسم حتى سماه عمر بن الخطاب كسرى العرب، أسلم يوم الفتح، وكان أحد كتاب النبي صلى الله عليه وسلم كانت بينه وبين علي بن أبي طالب معارك وخلاف. مات سنة 60هـ وقد بلغ الثمانين.
الأعلام: 7/ 261، ابن الأثير: 4/ 2، الطبري: 2/ 180.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
نجوت وقد بل المرادي سيفه
البيت قاله معاوية بعد أن نجا من ضربة الخارجي الذي أراد قتله، وكان قد قتل عبد الرحمن بن ملجم -لعنه الله- عليا بن أبي طالب، وقتل نائب عمرو بن العاص الذي شاء الله أن لا يخرج للصلاة تلك الليلة، والقصة مشهورة.
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 59، والأشموني: 664/ 2/ 328، وابن عقيل: 241/ 3/ 84، والعيني: 3/ 478، والهمع: 2/ 52، والدرر: 67.
المفردات الغريبة: المرادي: نسبة إلى قبيلة مراد باليمن، والمراد ابن ملجم. الأباطح: جمع أبطح، وهو المكان الواسع ومسيل الماء فيه دقاق الحصى، والمراد مكة. وأراد بشيخها: أبا طالب؛ لأنه كان عظيما فيها.
المعنى: تخلصت من القتل، وقد لطخ ابن ملجم -لعنه الله- سيفه بدم علي بن أبي طالب شيخ مكة وعظيمها.
الإعراب: نجوت: فعل ماض، والتاء فاعله. وقد: الواو: حالية، قد: حرف تحقيق. بل: فعل ماضٍ مبني على الفتح. المرادي: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. سيفه: مفعول به منصوب، وهو مضاف، والهاء مضاف إليه. من: حرف جر مبني على السكون وحرك بالفتح؛ لالتقاء الساكنين. ابن: اسم مجرور، و"من ابن": متعلق بـ"بل"، وابن مضاف، وأبي: مصاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه من الأسماء الستة، وأبي: مضاف. طالب: مضاف إليه مجرور. شيخ الأباطح: شيخ: صفة لأبي طالب، وهو مضاف. والأباطح: مضاف إليه؛ ويمكن أن نعد "شيخ الأباطح" مركبا إضافيا، واقعا صفة لأبي طالب وتقدير الكلام؛ من ابن أبي طالب شيخ الأباطح. =(3/162)
الرابعة: الفصل بالنداء1؛ كقوله2: [الرجز]
362- كأن برذون أبا عصام ... زيد حمار دق باللجام3
أي: كأن برذون زيد يا أبا عصام.
__________
= موطن الشاهد: "أبي شيخ الأباطح طالب".
وجه الاستشهاد: الفصل بين المضاف "أبي"، والمضاف إليه "طالب" بصفة المضاف "شيخ الأباطح"؛ لأن أصل الكلام: من ابن أبي طالب شيخ الأباطح كما أسلفنا.
1 من هذا القبيل قول بجير بن زهير بن أبي سلمى المزني لأخيه كعب:
وفاق كعب بجير منقذ لك من ... تعجيل تهلكة والخلد في سفر
فإن قوله: "وفاق" مضاف إلى "بجير"، وقد فصل بينهما بالمنادى، وأصل نظم الكلام: وفاق بجير يا كعب منقذ لك من تعجيل تهلكة.
هذا: والنداء مما يكثر دوره في الكلام كالقسم، وقد فصلوا به بين الموصول وصلته كما في قول الفرزدق:
تعش فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
فقد فصل بين الموصول "من"، وصلته "يصطحبان" بالنداء "يا ذئب".
وقد أجاز جماعة من النحاة الفصل بين إذن الناصبة، والفعل المضارع بالنداء، فكان من حق الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالنداء أن يكون جائزا في سعة الكلام كالفصل بالقسم؛ لأنهما بمنزلة واحدة، ولكن النحاة جعلوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالقسم جائزا في السعة، والفصل بالنداء مقصورا على ضرورة الشعر، وذلك لأنهم وجدوا في كلام العرب المنثور الفصل بالقسم كعبارة الكسائي، وعبارة أبي عبيدة، ولم يجدوا مثل هذا في الفصل بالنداء، فوقفوا عند السماع؛ لأنه هو الأساس في كل ما أصلوه من قواعد. حاشية الصبان على شرح الأشموني: 3/ 279.
2 لم يُنسب إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز أو بيتان من مشطوره، وهو من شواهد: التصريح: 2/ 60، والأشموني: 665/ 2/ 329، وابن عقيل: 244/ 3/ 86، والخصائص: 2/ 404، والعيني: 3/ 580، والهمع: 2/ 53، والدرر: 2/ 67.
المفردات الغريبة: برذون: البرذون من الخيل: ما ليس بعربي. أبا عصام: كنية رجل. دق: من الدقة، ضد غلظ.
المعنى: أن برذون زيد -يا أبا عصام- غير أصيل، وهو هزيل مثل حمار ضعف وهزل بسبب اللجام.
الإعراب: كأن: حرف مشبه بالفعل. برذون: اسم كأن منصوب. أبا: منادى مضاف =(3/163)
[أحكام المضاف إلى ياء المتكلم] :
فصل: في أحكام المضاف للياء.
يجب كسر آخره1 كغلامي، ويجوز فتح الياء وإسكانها2.
[ما يستثنى من كسر الآخر] :
ويستثنى من هذين الحكمين أربع مسائل؛ وهي: المقصور كفتى وقذى، والمنقوص كرامٍ وقاضٍ، والمثنى كابنين وغلامين، وجمع المذكر السالم كزيدِينَ ومسلمِينَ3.
فهذه الأربعة: آخرها واجب السكون؛ والياء معها واجبة الفتح4، وندر
__________
= بحرف نداء محذوف منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة، وأبا مضاف. عصام: مضاف إليه مجرور. برذون: مضاف، وزيد: مضاف إليه. حمار: خبر كأن مرفوع. دق: فعل ماضٍ مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو. "باللجام": متعلق بـ"دق"؛ وجملة "دق": في محل رفع صفة لـ"حمار".
موطن الشاهد: "برذون أبا عصام زيد".
وجه الاستشهاد: الفصل بين المضاف "برذون"، والمضاف إليه "زيد" بالنداء "أبا عصام"؛ ويجوز أن يكون "أبا عصام" هو زيد، وعلى هذا يكون برذون مضافا إلى "أبا عصام" على لغة القصر، ويكون زيد بالجر بدلا منه، ولا شاهد في البيت حينئذ.
1 أي آخر المضاف، وذلك لمناسبة الياء؛ سواء كان صحيحا كما مثل المصنف أو شبيها به وهو: ما آخره واو أو ياء قبلها ساكن، كدلوي وظبي.
2 والإسكان هو الأصل، وتكون مبنية على السكون أو الفتح في محل جر، وقد تحذف الياء اكتفاء بالكسرة قبلها، وقد تقلب الياء مع فتح ما قبلها كغلاما، وقد تحذف الألف اكتفاء بالفتحة، وتختص هذه الأوجه بالإضافة المحضة لا بالنداء كما في التسهيل، أما في غريها فلا حذف ولا قلب. كمكرمي؛ لأنها في نية الانفصال فليست الياء كجزء من الكلمة.
التصريح: 2/ 60.
3 لأن آخر المقصور والمثنى المرفوع ألف، وآخر المنقوص والمثنى المجرور والمنصوب، وجمع المذكر مطلقا ياء مدغمة في ياء المتكلم، والألف والحرف المدغم لا يقبلان التحريك.
4 وذلك للتخلص من التقاء الساكنين.(3/164)
إسكانها بعد الألف في قراءة نافع1: "ومحيايْ"2، وكسرها بعدها في قراءة الأعمش3 والحسن4: "هي عصايِ"5؛ وهو مطرد في لغة بني يربوع6 في الياء المضاف إليها جمع المذكر السالم؛ وعليه قراءة حمزة7 "بمصرخيِّ إني"8.
__________
1 مرت ترجمته.
2 6 سورة الأنعام، الآية: 162.
أوجه القراءات قرأ نافع وورش وقالون وأبو جعفر: "محيايْ" بإسكان الياء؛ وقرأ عيسى بن عمر والجحدري: محييَّ"؛ وقرأ الجمهور: "محيايَ" بالفتح بعد الألف. البحر المحيط: 4/ 262، والحجة: 279.
موطن الشاهد: "محيايْ".
وجه الاستشهاد: وقوع "الياء" ساكنة -على هذه القراءة- وذلك نادر؛ لأنه يلزم -عليها- التقاء ساكنين على غير حده الجائز.
3 هو: أبو محمد؛ سليمان بن مهران بن الأعمش، الأسدي الكوفي، أحد أصحاب القراءات الشاذة بعد العشرة، أخذ القراءة عن عاصم ومجاهد وغيرهما، وكان حافظا ثبتا واسع العلم بالقراءة، ورعا ناسكا يتجنب الاتصال بأصحاب السلطان، وكان يسمى "المصحف" لشدة إتقانه وضبطه. قال عنه هشام: ما رأيت بالكوفة أحدا أقرأ منه لكتاب الله، وكان مع هذا صاحب نوادر وملح، توفي سنة 148هـ.
طبقات القراء: 1/ 315، تذكرة الحفاظ: 1/ 154، وفيات الأعيان: 2/ 400.
4 هو الحسن البصري، وقد مرت ترجمته.
5 20 سورة طه، الآية: 18.
أوجه القراءات: قرأ الأعمش والحسن البصري: "هي عصايِ" بكسر الياء بعد الألف على أصل التقاء الساكنين، وقرأ الجمهور: {هِيَ عَصَايَ} بفتح الياء.
موطن الشاهد: "عصايِ".
وجه الاستشهاد: كسر الياء بعد الألف؛ وحكم هذا الكسر نادر.
6 حي من تميم، رأسه يربوع بن حنظلة بن مالك، وشاعرهم الأغلب العجلي، ومنهم متمم بن نويرة الصحابي.
7 مرت ترجمته في الجزء الأول.
8 14 سورة إبراهيم، الآية: 22.
أوجه القراءات: قرأ حمزة والأعمش ويحيى بن وثاب: "ما أنتم بمصرخيِّ إني" بكسر الياء في الوصل؛ ولذا، أعقبه بـ"إني"؛ وقرأ الجمهور: {مَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} بفتح الياء في الوصل. =(3/165)
وتدغم ياء المنقوص، والمثنى، والمجموع في ياء الإضافة؛ كقاضيَّ1، ورأيت ابنيَّ، وزيديَّ2، وتقلب واو الجمع ياء، ثم تدغم3، كقوله4: [الكامل]
363- أودى بني وأعقبوني حسرة5
__________
= موطن الشاهد: "بمصرخيِّ".
وجه الاستشهاد: كسر الياء المضافة إلى جمع المذكر السالم في الوصل؛ وهذه اللغة حكاها الفراء وقطرب، وأجازها أبو عمرو بن العلاء؛ وبذلك يسقط كلام المعري في رسالته: "أجمع أصحاب العربية على كراهة قراءة حمزة "وما أنتم بمصرخيِّ" بالكسر. انظر شرح التصريح: 2/ 60.
1 رفعا ونصبا وجرا، ويعرب بحركات مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها سكون الإدغام.
2 أصلهما: ابنين لي وزيدين لي، حذفت النون واللام للإضافة، ثم أدغمت الياء الساكنة في الياء الثانية التي هي المضاف إليه، وفتحت ياء المتكلم.
3 أي تطبيقا للقاعدة الصرفية وهي: أنه إذا اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، وكسر ما قبلها إن لم يكن هنالك مانع، تقول: أنتم معاوني ضد العدو. وأصله معاونون لي. حذفت النون واللام للإضافة كما سبق. فصار معاونوي قلبت الواو ياء على القاعدة، وأدغمتا وكسر ما قبلهما للمناسبة، فهو مرفوع بالواو المنقلبة ياء.
التصريح: 2/ 60-61.
4 القائل هو: أبو ذؤيب الهذلي؛ خويلد بن خالد بن محرث، وقد مرت ترجمته.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
عند الرقاد وعبرة لا تقلع
والبيت من قصيدة يرثي فيها أبناء له خمسة هلكوا جميعا في عام واحد، وتعد هذه المرثية في الذروة من شعر الرثاء ومطلع هذه القصيدة:
أمن المنون وريبه نتوجع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 61، والأشموني: 673/ 2/ 331، والعيني: 3/ 498، والمفضليات للضبي: 421، وديوان الهذليين: 1/ 2.
المفردات الغريبة: أودي: هلك. أعقبوني: أورثوني وخلفوا لي. حسرة: حزنا مع ألم. عبرة: دمعا. الرقاد: النوم. لا تقلع: لا تذهب ولا تنقضي. =(3/166)
وإن كان قبلها ضمة؛ قلبت كسرة، كما في بنيَّ ومسلميَّ، أو فتحة؛ أبقيت كمصطفى، وتسلم ألف التثنية؛ كمسلماي، وأجازت هذيل1 في ألف المقصور قلبها ياء2؛ كقوله3: [الكامل]
364- سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم4
__________
= المعنى: هلك بني وتركوا لي حزنا مضنيا، وألما ممضا، ودموعا لا تنقطع؛ وخص الرقاد؛ لأنه مثار الهموم والأشجان.
الإعراب: أودى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف. بني: فاعل مرفوع، وعلامة رفع الواو المنقلبة ياء المدغمة في يا المتكلم نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، وياء المتكلم في محل جر بالإضافة. وأعقبوني: الواو حرف عطف، أعقب فعل ماضٍ مبني على الضم؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو في محل رفع فاعل، والنون للوقاية، والياء في محل نصب مفعول به أول. حسرة: مفعول به ثانٍ. "عند": متعلق بـ"أعقب"، وهو مضاف. الرقاد: مضاف إليه مجرور. وعبرة: الواو: حرف عطف، عبرة: اسم معطوف على حسرة منصوب مثله. لا تقلع: لا: نافية، تقلع: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هي؛ يعود إلى عبرة، وجملة "لا تقلع": في محل نصب صفة لـ"عبرة".
موطن الشاهد: "بنيَّ".
وجه الاستشهاد: قلب واو الجمع ياء عند إضافته إلى ياء المتكلم وإدغامهما. وحكم هذا الإدغام جائز.
1 هذيل: بالتصغير؛ حي من مضر، وهو هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر أخو خزيمة بن مدركة؛ أمهما هند بنت وبرة أخت كلب بن وبرة.
2 أي: لتكون عوضا عن الكسرة قبل الياء ثم يدغمونها في ياء المتكلم فيقولون: في هدى: هدي. وتكون في هذه الحالة معربة بالياء التي أصلها الألف بدلا من الحركات المقدرة على الألف، فهو مما ناب فيه حرف عن حركة.
التصريح: 2/ 61.
3 القائل: هو أبو ذؤيب الهذلي أيضا وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
فتخرموا ولكل جنب مصرع
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 61، والأشموني: 674/ 2/ 331، والعيني: 3/ 493، والمحتسب: 1/ 76، وأمالي ابن الشجري: 1/ 281، وشرح المفصل: =(3/167)
واتفق الجميع على ذلك1 في علي ولدي2، ولا يختص بياء المتكلم، بل
__________
= 3/ 33، والمقرب: 46، والهمع: 2/ 53، والدرر: 2/ 68، والمفضليات للضبي: 421، وديوان الهذليين: 1/ 2.
المفردات الغريبة: هوي: ما أهواه وأشتهيه. أعنقوا: أسرعوا؛ من العنق وهو السير السريع، والمراد: تبع بعضهم بعضا. فتخرموا: اخترمهم الموت واستأصلهم. مصرع: مكان يصرع ويطرح فيه.
المعنى: مات أبنائي وسبقوني إلى ما كنت أحب وأشتهي، واستأصلهم الموت واحدا بعد واحد، ولكل إنسان أجله، ومكانه الي يوارى فيه جثمانه.
الإعراب: سبقوا: فعل ماض، والواو في محل رفع فاعل. هوي: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف المنقلبة ياء؛ لإدغامها في ياء المتكلم -على لغة هذيل- منع من ظهورها التعذر، وياء المتكلم: في محل جر بالإضافة. وأعنقوا: الواو: حرف عطف، أعنق: فعل ماض، والواو فاعله، "لهواهم": متعلق بـ"أعنق"، و"هم": في محل جر بالإضافة فتخرموا: الفاء: عاطفة، تخرموا: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والواو: في محل رفع نائب فاعل. ولكل: الواو: حالية "لكل": متعلق بخبر مقدم محذوف، و"كل" مضاف. جنب: مضاف إليه مجرور. مصرع: مبتدأ مؤخر مرفوع، وجملة "لكل جنب مصرع": في محل نصب إلى الحال.
موطن الشاهد: "هوي".
وجه الاستشهاد: قلب ألف المقصور في "هوى" ياء، على لغة هذيل، وإدغامها في ياء المتكلم؛ والأصل: هواي، ومعلوم أن العرب كافة يبقون ألف المقصور على حالها عند إضافته إلى الياء كما في قول الشاعر:
هواي مع الركب اليمانين مصعد ... جنيب وجثماني بمكة موثق
غير أن هذيلا -كما أسلفنا- يقلبون الألف ياء، ويدغمونها في ياء المتكلم فيقولون في "فتاي"، و"عصاي": فتيَّ وعصيَّ، كما في رواية البيت، وحكى قوم هذه اللغة عن طيئ، وحكاها آخرون عن قريش، وبها قرأ الجحدري قوله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} ، وهذا القلب جائز عند من ذكر.
انظر شرح التصريح؛ 2/ 61.
1 أي: على قلب الألف ياء مع ياء المتكلم.
2 المراد "علا" الظرف، وهو لغة في "عل" بمعنى فوق، وكذلك "لدى" الظرف بمعنى عند. أما الحرفية لا تضاف. تنبيه: إذا أضيف "ابنم" لياء المتكلم جاز إبقاء ميمه الزائدة، وحذفها مع إسكان الياء وكسر ما قبلها في الحالتين تقول: ابنمي أو ابني. هذا: ويجوز زيادة هاء السكت الساكنة غالبا عند الوقوف على ياء المتكلم مع بناء الياء على الفتح كقوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} ، وقول السيدة عائشة: "أَبِيَهْ وما أَبِيَهْ".(3/168)
هو عام في كل ضمير؛ نحو: عليه ولديه، وعلينا ولدينا، وكذا الحكم في إليَّ.
__________(3/169)
[باب إعمال المصدر واسم المصدر]
هذا باب إعمال المصدر، واسمه:
[تعريف المصدر واسم المصدر] :
الاسم الدال على مجرد الحدث إن كان علما، كـ"فجار" و"حماد" للفجرة والمحمدة، أو مبدوءا بميم زائدة لغير المفاعلة؛ كـ"مضرب" و"مقتل"، أو متجاوزا فعله الثلاثة؛ وهو بزنة اسم حدث الثلاثي؛ كـ"غسل" و"وضوء" في قولك: "اغتسل غسلا"، "توضأ وضوءا" فإنهما بزنة القرب والدخول في "قرب قربا" و"دخل دخولا"؛ فهو اسم مصدر، وإلا فالمصدر1.
[عمل المصدر عمل فعله وشروطه] :
ويعمل المصدر عمل فعله2؛ إن كان يحل محله فعل؛ إما مع "أن"،
__________
1 المصدر: هو الاسم الذي يدل -غالبا- على الحدث المجرد من غير ارتباط بزمان، أو مكان، أو بذات، أو بعلمية. ومدلوله الحقيقي: أمر معنوي محض، يدل عليه اللفظ المعروف، وتسميته مصدرا مجاز. ولا بد من ناحيته اللفظية أن يشتمل على جميع الحروف الأصلية والزائدة في فعله لفظا؛ أو تقديرا، وقد يزيد عنها كأكرمه إكراما، ولا يمكن أن ينقص. أما اسم المصدر فهو كالمصدر في معناه؛ من حيث دلالته على الحدث المجرد، ويكون علم جنس كما ذكر الموضح ويخالفه في لفظه بنقص حروفه عن حروف فعله. وما ذكره المصنف من اعتباره المبدوء بميم زائدة لغير المفاعلة -اسم مصدر- مجانب لما عليه جمهور النحاة: من أن هذا يسمى مصدرا ميميا لا اسم مصدر.
التصريح: 2/ 62.
2 سواء كان متعديا أو لازما. ويخالف المصدر فعله في أمور؛ أهمها: أن المصدر لا يعمل إلا بشروط سنمر عليها، وأن فاعله يكثر حذفه جوازا، وعند حذفه لا يتحمل المصدر ضميره إلا إذا كان مصدرا نائبا عن فعله؛ وفي رفعه نائب الفاعل خلاف، =(3/170)
كـ"عجبت من ضربك زيدا أمس" و"يعجبني ضربك زيدا غدا"؛ أي: أن ضربته وأن تضربه، وإما مع "ما" كـ"يعجبني ضربك زيدا الآن"؛ أي: ما تضربه، ولا يجوز في نحو: "ضربت ضربا زيدا" كون "زيدا" منصوبا بالمصدر؛ لانتفاء هذا الشرط1.
__________
= والمختار جوازه عند أمن اللبس بخلاف الفعل فإنه يعمل وجوبا بلا شرط، ويحتمل ضمير مرفوعه المحذوف فاعلا كان أو نائب فاعل.
فائدة: أولى: إذا أردت بالمصدر الدلالة على ثبوت ما يدل عليه من الحدث؛ فإنه حينئذ لا يصلح لأن حيل محله فعل، لا مع "ما" ولا مع "أن"؛ لأن طبيعة الفعل دالة على الحدوث وأنت لا ترده، وإن أردت بالمصدر الدلالة على حدوث ما يدل عليه من الحدث في الزمن الحاضر، كان عليك أن تقدره بـ"ما" المصدرية، وتقدر معها الفعل المضارع، أما تقديره: بـ"ما" المصدرية -حينئذ- فلأن "أن" المصدرية لا تصلح لهذا الموضع؛ لأنها مع الفعل الماضي تبقيه على حاله وهو الدلالة على حدوث الحدث في الزمن الماضي، ومع الفعل المضارع تخلصه للدلالة على الاستقبال، فلما لم يمكنك أن تقدر المصدر بـ"أن" في هذه الحالة لزمك أن تقدره بـ"ما"؛ لأنها صالحة للاستعمال في الأحوال كلها.
وإن أردت بالمصدر الدلالة على حدوث الحدث في الزمن الماضي، أو في الزمن المستقبل فإنه يلزمك أن تقدره: بـ"أن" المصدرية، وتقدر مع "أن" حين تريد الزمن الماضي الفعل الماضي؛ لأنه هو الذي يدل على هذا الزمن، وعندما تريد الزمن المستقبل تقدر معها الفعل المضارع.
فائدة ثانية: أن اشتراط صلاحية المصدر بأن يحل محله الفعل مع "أن"، أو مع "ما" المصدرية هو شرط في عمله في غير الظرف، أو الجار والمجرور، أما عمله فيهما فلا يشترط فيه شيء؛ لأنهما يكتفيان برائحة الفعل.
فائدة ثالثة: اعلم أن المصدر المؤكد لفعله كما في قولك: "ضربت ضربا" لا يعمل؛ لأنه لا يحل محله فعل لا مع "ما" ولا مع "أن"؛ وقد اختلفوا في المصدر النائب عن فعله، فذهب ابن مالك في "التسهيل" إلى أنه يعمل، وذكر ابن هشام في "قطر الندى" أنه لا يعمل، فقولك: "ضربا زيدا"، "زيدا" منصوب بالمصدر عند ابن مالك، ومنصوب بالفعل المقدر عند ابن هشام.
انظر التصريح: 2/ 62.
1 لأنه لا يصلح أن يحل محله فعل مع "أن" أو "ما"؛ وإنما نصب زيد بـ"ضربت"؛ لأن المصدر المؤكد لعامله المذكور لا يعمل كما سلف، وما ذكره المؤلف لعمل المصدر شرط الإيجاب لا بد من وجوده، وهناك شروط سلبية منها: =(3/171)
[عمل المصدر المضاف] :
وعمل المصدر مصافا أكثر؛ نحو: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} 1، ومنونا أقيس؛ نحو: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا} 2، وبأل..........
__________
= أ- ألا يكون المصدر مصغرا؛ لأن التصغير من خصائص الأسماء، وتصغير المصدر يبعده عن مشابهة الفعل، فلا يجوز أن تقول: "أميرك مطاع"، تريد أمرك.
ب- ألا يكون المصدر مضمرا خلافا للكوفيين، حيث زعموا أن ضمير المصدر كالمصدر فلا يجوز أن تقول: "حبي والدي عظيم وهو أمي أعظم"، فلا يجوز أن تنصب "أمي" بـ"هو" وإن كان هذا الضمير عائدا على "حبي".
ح- أن لا يكون المصدر مختوما بالتاء الدالة على الوحدة أي: المرة، فلا يجوز "سررت بضربتك الفائزة"، وأما إذا كانت التاء من بنية الكلمة فلا تمنع، فتقول: "رحمتك الفقراء دليل على حسن خلقلك".
د- أن يكون مفردا لا مثنى ولا مجموعا، وشذ إعمال غير المفرد في قول الشاعر:
قد جربوه فما زادت تجاربهم ... أبا قدامة إلا المجد والفنعا
حيث نصب بـ"تجاربهم" -جمع تجربة؛ وهي مصدر جرب الرباعي- أبا غير أن بعض العلماء أجاز عمل المصدر المجموع؛ وهو رأي لا بأس في الأخذ به.
هـ- ألا يكون المصدر مفصولا عن معموله بأجنبي، لا بتابع، فلا يجوز القول: "إني أسرع إلى إجابة صارخا المستجير".
و ألا يكون المصدر موصوفا قبل العمل، فلا يصح القول: "ساءني عتابك الأليم خالدا".
ز- ألا يكون المصدر مؤخرا عن معموله، فلا يجوز القول: "أعجبني زيدا ضربك".
ج- ألا يكون المصدر محذوفا، ومعنى هذا أنك إذا احتجت إلى تقدير عامل لا يجوز لك أن تقدره مصدرا؛ ولهذا أنكر المحققون على من زعم أن الباء في البسملة متعلقة بمحذوف تقديره: ابتدائي.
انظر شرح قطر الندى "عمل اسم المصدر"، والتصريح: 2/ 62-63. والمغني: 700.
1 2 سورة البقرة، الآية: 152.
موطن الشاهد: {دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع المصدر "دفع" مضافا إلى لفظ الجلالة، وقد عمل عمل فعله؛ فنصب مفعولا به؛ هو "الناس"؛ وحكم إعماله في هذه الحالة كثير شائع.
2 90 سورة البلد، الآية: 14.
موطن الشاهد: {إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا} . =(3/172)
فليل1 ضعيف؛ كقوله: [المتقارب]
365- ضعيفُ النكايةِ أعداءَه2
__________
= وجه الاستشهاد: وقوع "إطعام" مصدرا فاعله محذوف، وقد نصب مفعولا به، هو: "يتيما"؛ والتقدير: إطعامه يتيما. وذي مسغبة: أي: ذي مجاعة؛ وحكم إعمال المصدر المنون أوفق بالقياس على الفعل من المضاف؛ لأنه يشبه الفعل بالتنكير، وهو يلي المصدر المضاف في الكثرة والفصاحة.
1 أي: قليل في السماع، ضعيف في القياس؛ لبعده عن مشابهة الفعل بدخول "أل" عليه.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
يخال الفرار يراخي الأجل
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 63، والأشموني: 679/ 2/ 337، والشذور: 1/؟؟؟ / 506"، وابن عقيل: 247/ 3/ 95، وسيبويه: 1/ 99، وهو من الخمسين التي لا يعرف لها قائل. والمصنف: 3/ 71، والمقرب: 25، والخزانة: 3/ 439، والهمع: 2/ 93، والدرر: 2/ 124.
المفردات الغريبة: النكاية: الإضرار والأذى -من نكيت العدو- أثرت فيه ونلت منه. يخال: يظن. يراخي: يباعد ويؤخر.
المعنى: أن هذا الرجل ضعيف لا يستطيع أن يؤثر في أعدائه، أو يقهرهم، أو ينازلهم القتال. يظن أن الهرب والفرار من الحرب يبعد عنه الموت، ويفسح له في العمر.
الإعراب: ضعيف: خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هو ضعيف، وضعيف: مضاف. النكاية مضاف إليه. أعدائه: مفعول به للنكاية، والهاء مضاف إليه. يخال: فعل مضارع مرفوع، والفاعل هو. الفرار: مفعول به أول "يخال" منصوب. يراخي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو. الأجل: مفعول به لـ"يراخي" منصوب، وسكن لضرورة الشعر؛ وجملة "يراخي الأجل": في محل نصب مفعولا ثانيا لـ"يخال".
موطن الشاهد: "النكاية أعداءه".
وجه الاستشهاد: إعمال المصدر المقترن بأل "النكاية"، ونصبه المفعول "أعداءه".
فائدة: ذهب سيبويه والخليل إلى أن ناصب المفعول هو المصدر المقترن بأل كما بينا؛ وذهب أبو العباس المبرد إلى أن ناصب المفعول في هذه الحالة مصدر آخر محذوف يدل عليه المصدر المذكور، وهذا المصدر المحذوف منكر؛ فالتقدير عنده: ضعيف النكاية نكاية أعداءه، وذهب أبو سعيد السيرافي إلى أن أعداءه في هذه الحالة =(3/173)
[عمل اسم المصدر] :
واسم المصدر إن كان علما لم يعمل1 اتفاقا؛ وإن كان ميميا فكالمصدر2 اتفاقا؛ كقوله3: [الكامل]
366- أظلوم إن مصابكم رجلا4
__________
= منصوب على نزع الخافض؛ فالأصل عنده: ضعيف النكاية في أعدائه، ثم حذف حرف الجر فانتصب الاسم.
انظر الدرر اللوامع: 2/ 125.
1 لأن الأعلام لا تعمل؛ إذ لا دلالة لها على الحدث الذي يقتضي معمولا، وذلك نحو: "يسار" علم لليسر، و"فجار" علم جنس للفجور، وفعله: أفجر لا فجر، و"برة" علم جنس على البر، وفعله: أبر لا بر. واسم المصدر العلم لا يضاف، ولا يقبل "أل" ولا يقع موقع الفعل، ولا يوصف، كما ذكر ذلك السيوطي في الهمع. وإن كان غير علم عمل بالشرط الذي يعمل به المصدر غير النائب عن فعله، وإعمال اسم المصدر مع قياسيته قليل. ومنه قول الشاعر:
بعشرتك الكرام تعد منهم
ولم يحتفظ له شاهد إلا في حالة الإضافي؛ لأن النصب من خواص الأسماء، فهو يبعد شبه المصدر من الفعل، ويقدر الفعل الماضي عند إرادة الزمن الماضي والمضارع عند إرادة الزمن المستقبل.
همع الهوامع: 2/ 94.
2 ذكرنا أن الحق أنه مصدر ميمي لا اسم مصدر.
3 القائل: هو الحارث بن خالد المخزومي: أحد شعراء قريس المعدودين الغزليين؛ يذهب مذهب عمر بن أبي ربيعة، ولاه عبد الملك بن مروان مكة، قيل: إن العرب تفضل قريشا في كل شيء إلا في الشعر، فلما جاء عمر بن أبي ربيعة وخالد بن الحارث وغيرهما أقرت لها العرب بالشعر، توفي سنة: 80هـ. تجريد الأغاني: 1/ 429-435.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
أهدى السلام تحية ظلم
وبعد الشاهد قوله:
أقصيته وأراد سلمكم ... فليهنه إذ جاءك السلم
=(3/174)
وإن كان غيرهما1، لم يعمل عند البصريين، ويعمل عند الكوفيين والبغدايين؛ وعليه قوله2: [الوافر]
__________
= والشاهد من شواهد: التصريح: 2 64، والأشموني: 684/ 2/ 336، والشذور: 218/ 534، ومجالس ثعلب: 270، والاشتقاق: 99، 151، وأمالي ابن الشجري: 1/ 107، والمغني: 937/ 697، والسيوطي: 301، والعيني: 3/ 502، والهمع: 2/ 94، والدرر: 2/ 126، وقد نسبه الحريري في درة الغواص إلى العرجي، وديوان العرجي: 193.
المفردات الغريبة: ظلوم: وصف من الظلم، لقب به الشاعر حبيبته. مصابكم: مصدر ميمي بمعنى الإصابة.
المعنى: يقول الشاعر لمحبوبته -وقد لقبها بظلوم لمعاملتها له: إن إصابتكم رجلا يتقدم بالتحية تقربا إليكم- ظلم منكم له؛ لأنه يبغي الوصل وتجيبونه بالصد والإعراض.
الإعراب: أظلوم: الهمزة: حرف لنداء القريب، لا محل له من الإعراب، ظلوم: منادى مبني على الضم في محل نصب على النداء. إن: حرف مشبه بالفعل. مصابكم: مصاب: اسم إن منصوب، وهو مضاف، و"كم": في محل جر مضاف إليه؛ من إضافة المصدر الميمي إلى فاعله. رجلا: مفعول به منصوب للمصدر الميمي. أهدى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو. السلام: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة وجملة "أهدى السلام": في محل نصب صفة لرجل. تحية: مفعول لأجله؛ والعامل فيه "أهدى". ظلم: خبر إن مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
موطن الشاهد: "مصابكم رجلا".
وجه الاستشهاد: إعمال المصدر الميمي "مصاب" عمل الفعل؛ حيث أضيف إلى فاعله "كاف الخطاب"، ونصب المفعول به "رجلا".
فائدة: زعم اليزيدي أن "مصابكم" اسم مفعول من الإصابة، وهو اسم إن، وخبرها "رجل"، وزعم أن قوله: "ظلم" خبر مبتدأ محذوف، والتقدير عنده: إن الذي أصبتموه رجل موصوف بأنه أهدى التحية، وذلك ظلم منكم؛ وما قاله اليزيدي تكلف ظاهر غير مرضي المبنى ولا المعنى. وللبيت الشاهد قصة عند أهل الأدب.
انظر الدرر اللوامع: 2/ 126-127.
1 أي غير العلم، وذي الميم المزيدة لغير المفاعلة.
2 القائل: هو عمير بن شييم المعروف بالقطامي، وقد مرت ترجمته.(3/175)
367- وبعد عطائك المائة الرتاعا1
__________
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
أكفرا بعد رد الموت عني؟
البيت من قصيدة قالها الشاعر في مدح زفر بن الحارث الكلابي الذي أطلقه بعد أن كان أسيرا ووهبه مائة من الإبل، ورد عليه ماله.
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 64، وابن عقيل: 250/ 3/ 99، والأشموني: 685/ 2/ 336، والعيني: 3/ 505، والشذور: 219/ 536، والخصائص: 2/ 220، وأمالي ابن الشجري: 2/ 142، وشرح المفصل: 1/ 20، والهمع: 1/ 188، 2/ 95، والدرر: 1/ 161، 2/ 127، وديوان القطامي: 41.
المفردات الغريبة: أكفرا: الكفر هنا: جحد النعمة. الرتاعا: جمع راتعة وهي الإبل التي ترتع وترعى كيف شاءت لا يمنعها أحد.
المعنى: كيف أجحد نعمتك وأنكر فضلك علي وإحسانك إلي، بعد أن أطلقت سراحي من أسري، وخلصتني من يد أعدائي، فحلت بيني وبين الموت المحقق، ولم تكتف بذلك بل أعطيتني مائة من الإبل الراتعة السمينة؛ تفضلا منك وكرما؟.
الإعراب: أكفرا: الهمزة: حرف للاستفهام الإنكاري، كفرا؛ مفعول مطلق لفعل محذوف؛ والتقدير: أأكفر كفرا. "بعد": متعلق بالفعل المحذوف العامل في المصدر، و"بعد" مضاف. رد: مضاف إليه، وهو مضاف. الموت: مضاف إليه؛ من إضافة المصدر إلى مفعوله. "عني": متعلق بـ"رد". وبعد: الواو: عاطفة، بعد: معطوف على ظرف الزمان السابق، وهو مضاف. عطائك: عطاء: مضاف إليه، والكاف: في محل جر مضاف إليه؛ من إضافة اسم المصدر إلى فاعله. المائة: مفعول به لـ"عطاء" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. الرتاع: صفة لـ"المائة" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة والألف للإطلاق.
موطن الشاهد: "عطائك المائة".
وجه الاستشهاد: إعمال اسم المصدر عطاء عمل الفعل؛ فأضيف اسم المصدر إلى فاعله كاف الخطاب، ونصب المفعول به المائة؛ وحكم إعمال اسم المصدر في هذه الحال قليل، ونظيره قول الشاعر:
قالوا: كلامك هندا وهي مصغية ... يشفيك قلت: صحيح ذاك لو كانا
فقوله: "كلام" اسم مصدر من فعل "كلم"، والمصدر هو التكليم. وقد أعمل الشاعر اسم المصدر عمل المصدر؛ فأضافه إلى فاعله "كاف الخطاب"، ونصب به المفعول به "هندا".(3/176)
[إضافة المصدر إلى فاعله ومفعوله] :
ويكثر أن يضاف المصدر إلى فاعله، ثم يأتي مفعوله1؛ نحو: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} 2، ويقل عكسه، كقوله3: [البسيط]
368- قرع القواقيز أفواه الأباريق4
__________
1 أي إن وجد له مفعول، ويكون الفاعل مجرورا في اللفظ مرفوعا في المحل.
2 2 سورة البقرة، الآية: 251. 22 وسورة الحج، الآية: 40.
موطن الشاهد: {دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء المصدر مضافا إلى فاعله "لفظ الجلالة" ثم تبعه مفعوله "الناس"، وحكم إضافة المصدر إلى فاعله، ومن ثم يعقبه مفعوله كثير شائع.
3 القائل: هو المغيرة بن عبد الله، والمعروف بالأقيشر الأسدي، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
أفنى تلادي وما جمعت من نشب
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 64، والأشموني: 689/ 2/ 337، والشذور: 200/ 504، والمقتضب: 1/ 21، والجمل: 134، والمؤتلف: 56، والإنصاف: 233، والمقرب: 25، والعيني: 3/ 508، والمغني: 936/ 694، والسيوطي: 301، واللسان "قفز".
المفردات الغريبة: التلاد: المال القديم، كالتالد والتليد، وضده الطريف. النشب: المال الثابت الذي لا يستطاع نقله؛ كالدور والضياع. القواقيز: جمع قاقوزه: وهي القدح الذي يشرب فيه الخمر. والقرع: ضرب شيء صلب بمثله.
المعنى: يبين الشاعر حاله التي آل إليها قائلا: إن معاقرتي للخمر، ومعاشرة إخوان السوء ذهب بجميع أموالي التي ورثتها من آبائي، وما جمعته بجهدي وعملي؛ سواء في ذلك المنقول منها والثابت.
الإعراب: أفنى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف، للتعذر. تلادي: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، وياء المتكلم في محل جر بالإضافة. وما: الواو: عاطفة، ما: اسم موصول معطوف على "تلادي" مبني على السكون في محل نصب. جمعت: فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء فاعله، وجملة "جمعت": صلة للموصول، لا محل لها من الإعراب، والعائد إلى الاسم الموصول محذوف والتقدير: جمعته. "من نشب": متعلق بحال محذوفة من ما الموصولة. قرع: فاعل =(3/177)
وقيل: يختص بالشعر، ورد بالحديث: "وحج البيت من استطاع إليه سبيلا" 1؛ أي: وأن يحج البيت المستطيع، وأما إضافته إلى الفاعل ثم لا يذكر المفعول وبالعكس فكثير؛ نحو: {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} 2 ونحو: {لا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} 3 ولو ذكر لقيل: دعائي إياك، ومن دعائه الخير.
__________
= "أفنى" مرفوع، وهو مضاف. القواقيز: مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله. أفواه: فاعل للمصدر مرفوع، وهو مضاف. الأباريق: مضاف إليه مجرور.
موطن الشاهد: "قرع القواقيز أفواه".
وجه الاستشهاد: إضافة المصدر "قرع" إلى مفعوله "القواقيز"، ثم الإتيان بالفاعل "أفواه" وهذا قليل في اللغة؛ ومثل هذا البيت قول الفرزدق يصف ناقة بالقوة والسرعة:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة ... نفي الدراهيم تنقاد الصياريف
1 الحديث: هذا جزء من حديث طويل ومشهور في بيان أركان الإسلام، وهو في صحيح مسلم: 1/ 42، والنسائي: 4/ 125. و"حج" مصدر مضاف إلى مفعوله وهو "البيت"، "من": اسم موصول فاعله.
وقد عدل المصنف عن الاستدلال بالآية: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} ؛ لاحتمال كون "من" بدلا من الناس، بدل بعض من كل، وقد حذف الرابط للعلم به، أي: من استطاع منهم؛ كما يحتمل أن تكون مبتدأ خبره محذوف، أي فعليه أن يحج. وجعلها فاعلا للمصدر يفسد معه المعنى؛ لأن المعنى يكون حينئذ، ولله على الناس، مستطيعهم وغير متسطيعهم أن يحج البيت المستطيع، فيلزم تأثيم جميع الناس بتخلف المستطيع.
مغني اللبيب: 694-695، حاشية الصبان: 2/ 289.
2 14 سورة إبراهيم، الآية: 40.
موطن الشاهد: {تَقَبَّلْ دُعَاءِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "دعاء" مصدرا مضافا إلى الفاعل؛ وهو ياء المتكلم المحذوفة تخفيفا؛ ومجيء مفعوله محذوفا؛ والتقدير: تقبل دعائي إياك؛ وهذا كثير شائع.
3 41 سورة فصلت، الآية: 49.
موطن الشاهد: {دُعَاءِ الْخَيْرِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "دعاء" مصدرا مضافا إلى مفعوله "الخير" مع حذف فاعله؛ والتقدير: من دعائه الخير؛ وهذا كثير شائع.(3/178)
[حكم تابع المصدر] :
وتابع المجرور يجر على اللفظ، أو يحمل على المحل1؛ فيرفع كقوله2:
[الكامل]
396- طلب المعقب حقه المظلوم3
__________
1 أي: إذا كان المجرور فاعلا، أو نائب فاعل، وهذا مذهب الكوفيين. وذهب سيبويه، وجمهور البصريين: إلى عدم جواز الاتباع على المحل، وما ورد مما ظاهره الاتباع على المحل يؤول بتقدير رافع للمرفوع وناصب للمنصوب. ورأي الكوفيين أوضح وأولى بالسير عليه.
التصريح: 2/ 65، الأشموني مع الصبان: 2/ 291.
2 القائل: هو لبيد بن ربيعة العامري، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
حتى تهجر في الرواح وهاجها
وفي البيت يصف حمارا وحشيا وأتنه، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 278، 2/ 65، وابن عقيل: 254/ 3/ 104، والأشموني: 691/ 2/ 337، والعيني: 3/ 315، وأمالي ابن الشجري: 1/ 228، 2/ 32، والإنصاف: 232، 331، وشرح المفصل: 2/ 24، 46، 6/ 66، والخزانة: 1/ 334، 441، والهمع: 2/ 145 والدرر: 2/ 202، وديوان لبيد: 128.
المفردات الغريبة: تهجر: سار في الهاجرة، وهي نصف النهار وقد اشتداد الحر. الرواح: الوقت من زوال الشمس إلى الليل. هاجها: أزعجها وأثارها. المعقب: الغريم الذي يطلب حقه بإلحاح.
المعنى: حتى سار ذلك الحمار الوحشي عند شدة الحر بعد الزوال، وأزعج أتانه، وطلبها طلبا متواصلا، كما يطلب الغريم المظلوم حقه ودينه من غريمه بشدة وإلحاح.
الإعراب: حتى: حرف غاية وجر. تهجر: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو. "في الرواح": متعلق بـ"تهجر". وهاجها: الواو: عاطفة، هاج: فعل ماضٍ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو، و"ها": في محل نصب مفعول به. طلب: مفعول مطلق منصوب، وهو مضاف. المعقب: مضاف إليه؛ من إضافة المصدر إلى فاعله. حقه: مفعول به للمصدر "طلب"، وهو مضاف، والهاء: في محل جر مضاف إليه. المظلوم: صفة لـ"المعقب" باعتبار محله؛ لأن محله الرفع على أنه فاعل للمصدر. =(3/179)
أو ينصب؛ كقوله1: [الرجز]
370- مخافة الإفلاس والليانا2
__________
= موطن الشاهد: "المظلوم".
وجه الاستشهاد: رفع المظلوم الواقع صفة لـ"المعقب" المجرور لفظا بإضافة المصدر "طلب"، ولكنه مرفوع محلا؛ لأنه فاعل للمصدر؛ فتبعته الصفة بالرفع نظرا إلى المحل.
1 القائل: هو زيادة العنبري.
لم أعثر له على ترجمة وافية.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز وقبله قوله:
قد كنت داينت بها حسانا
وبعده قوله:
يحسن بيع الأصل والقيانا
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 65، والأشموني: 693/ 2/ 338، وابن عقيل: 255/ 3/ 105، والكتاب لسيبويه: 1/ 98، ونسب إلى رؤبة بن العجاج، وأمالي ابن الشجري: 1/ 228، 2/ 31، وشرح المفصل: 6/ 65، والعيني: 3/ 520، والهمع: 2/ 145، والدرر: 2/ 203، والمغني: 856/ 619، والسيوطي: 282، ومحلقات ديوان رؤبة بن العجاج: 187.
المفردات الغريبة: داينت بها: أخذتها بدلا من دين لي عليه، والهاء عائدة على جارية معروفة الليان: المماطلة.
المعنى: كنت قد أخذت هذه الجارية من حسان بدلا من دين لي عليه؛ لخوفي من إفلاسه ومماطلته في دفع الدين.
الإعراب: قد حرف تحقيق، لا محل له من الإعراب. كنت: فعل ماضٍ ناقص، مبني على السكون، والتاء: في محل رفع اسمه. داينت: فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء فاعله؛ وجملة "داينت": في محل نصب خبر كنت. "بها": متعلق بـ"داين". حسانا: مفعول به منصوب. مخافة: مفعول لأجله منصوب، وهو مضاف. الإفلاس: مضاف إليه؛ من إضافة المصدر إلى مفعوله. والليانا: الواو: عاطفة، الليانا: معطوف على الإفلاس باعتبار محله الذي هو نصب؛ لكونه مفعولا للمصدر "مخافة"، والمعطوف على المنصوب منصوب مثله.
موطن الشاهد: "والليانا".
وجه الاستشهاد: عطف "الليانا" بالنصب على الإفلاس المجرور لفظا بإضافة المصدر "مخافة"؛ لكونه أي -المعطوف عليه- منصوب محلا؛ لأنه مفعول للمصدر؛ ويجوز أن نعرب "الليانا": مفعولا معه، ويكون معطوفا على "مخافة" على حذف مضاف.(3/180)
[باب إعمال اسم الفاعل]
هذا باب إعمال اسم الفاعل:
[تعريف اسم الفاعل] :
وهو: ما دل على الحدث والحدوث وفاعله.
فخرج بالحدوث؛ نحو: "أفضل" و"حسن" فإنهما إنما يدلان على الثبوت، وخرج يذكر فاعله؛ نحو "مضروب" و"قام"1.
[شروط عمل اسم الفاعل] :
فإن كان صلة لأل عمل مطلقا2، وإن لم يكن عمل بشرطين3؛
أحدهما: كونه للحال أو الاستقبال4، لا الماضي، خلافا للكسائي5، ولا
__________
1 مضروب: اسم مفعول، وهو يدل على المفعول لا على الفاعل، ودلالته على الفاعل بطريق الالتزام. والفعل الذي أشار إليه بنحو قام يدل دلالة وضعية على الحدث والزمان، ولا يدل بالوضع على الفاعل، وإنما يدل على الفاعل باللزوم العقلي، ضرورة علم كل أحد بأنه ما من فعل إلا له فاعل، فالمراد بنفي دلالته على الفاعل نفي الدلالة الوضعية.
التصريح: 2/ 65.
2 أي: أنه يعمل، سواء أكان بمعنى الماضي أم بمعنى غيره، وسواء أكان معتمدا على شيء مما سيذكره في النوع الثاني، أم لم يكن معتمدا على شيء منها.
3 بقي شرطان آخران؛ وهما: ألا يكون موصوفا، وألا يكون مصغرا خلافا للكسائي فيهما.
4 وكذلك إذا كان بمعنى الاستمرار المتجدد، أي: الذي يحدث ثم ينقطع ثم يعود ... إلخ وقيل: في اشتراط هذا: أنه إنما يعمل حملا على مضارعه، وهو بمعنى الحال، أو الاستقبال؛ فإن كان بمعنى الماضي فقد زال شبهه بالمضارع فلا وجه لعمله.
التصريح: 2/ 65.
5 مرت ترجمته.(3/181)
حجة له في: {بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} 1؛ لأنه على حكاية الحال؛ والمعنى: يبسط ذراعيه؛ بدليل: {وَنُقَلِّبُهُمْ} ، ولم يقل وقلبناهم.
والثاني: اعتماده2 على استفهام أو نفي أو مخبر عنه أو موصوف؛ نحو: "أضارب زيد عمرا"، و"ما ضارب زيد عمرا"، و"زيد ضارب أبوه عمرا"، و"مررت برجل ضارب أبوه عمرا".
والاعتماد على المقدر، كالاعتماد على الملفوظ به؛ نحو: "مهين زيد عمرا أم مكرمة؟ " أي: أمهين3؛ ونحو: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} 4؛ أي: صنف مختلف ألوانه؛
__________
1 18 سورة الكهف، الآية: 18.
موطن الشاهد: "باسط ذراعيه".
وجه الاستشهاد: احتج الكسائي بإعمال "اسم الفاعل" في هذه الآية مع كونه للماضي، ونصبه المفعول به "ذراعيه"، ورد عليه بما هو ظاهر وواضح في المتن.
وقد احتج الكسائي ومن وافقه كهشام وأبي جعفر: أن باسطا اسم فاعل بمعنى الماضي، وقد عمل النصب في ذراعيه، ولكن الجمهور ردوا ذلك وقالوا: إن هذه القصة حكاية حال، ومعنى ذلك أن يفرض المتكلم حين كلامه أن القصة واقعة الآن فهو يصفها، وعلى هذا لا يكون "باسط" ماضيا، ولكنه حاضر.
"ونقلبهم" أتى بالمضارع الدال على الحال، وكذلك الواو في "كلبهم" فإنها للحال. والذي يحسن وقوعه بعدها المضارع لا الماضي، فإنه يقال: سافر محمد وأبوه يبكي، ولا يحسن أن يقال: وأبوه بكى.
2 لأن ذلك يقربه من الفعل، وهذا شرط لعمله النصب في المفعول، وفي الفاعل الظاهر، أما عدم المضي فشرط لعمله في المفعول فقط.
3 بدليل وجود "أم" المعادلة، فمهين: اسم فاعل، وقد رفع "زيد" ونصف "عمرا" اعتمادا على الاستفهام المقدر.
4 16 سورة النحل، الآية: 69.
موطن الشاهد: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} .
وجه الاستشهاد: عمل اسم الفاعل "مختلف" عمل فعله، ورفع الفاعل "ألوانه"؛ لأنه اعتمد على موصوف محذوف؛ لأن التقدير -كما في المتن- وصنف مختلف ألوانه والتمثيل بهذه الآية، إما سهو، أو مبني على أن الاعتماد شرط للعمل حتى في المرفوع، وهو رأي ضعيف. والصحيح عند النحاة: أن رفعه الفاعل لا يشترط فيه شيء. أما الأعتماد فشرط لنصبه المفعول به وليس في الآية مفعول به.(3/182)
وقوله1: [البسط]
371- كناطح صخرة يوما ليوهنها2
__________
1 القائل: هو الأعشى ميمون بن قيس، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل..
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 66، والأشموني: 698/ 2/ 341، وابن عقيل: 257/ 3/ 109، والشذور: 205/ 511، والعيني: 3/ 529، وديوان الأعشى: 46.
المفردات الغريبة: ليوهنها: ليضعفها. يضرها: يؤثر فيها. أوهى: أضعف. الوعل: التيس الجبلي، وجمعه أوعال ووعول.
المعنى: أن الذي يطلب ويرجو من الأشياء ما لا يستطيع الوصول إليه يتعب نفسه، ويخيب أمله، ولا يظفر بشيء؛ كالتيس الذي ينطح بقرنه صخرة صلبة ليضعفها ويفتتها، فلا يؤثر ذلك فيها شيئا، ويرجع وقد أتعب نفسه وآذى قرنه.
الإعراب: كناطح: متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: أنت كناطح؛ وفي ناطح ضمير مستتر في محل رفع فاعل لاسم الفاعل؛ لأن اسم الفاعل يعمل عمل فعله فيرفع الفاعل دائما، وينصب المفعول إن استكمل الشروط، وكان فعله متعديا. صخرة: مفعول به لـ"ناطح". "يوما": متعلق بـ"ناطح". ليوهنها: اللام: لام كي لا محل لها من الإعراب، يوهن: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو، و"ها": ضمير متصل في محل نصب مفعولا به؛ والمصدر المؤول من أن المصدرية، وما دخلت عليه مجرور باللام، والجار والمجرور متعلق بـ"ناطح". فلم: الفاء: عاطفة، لم: نافية جازمة. يضرها: فعل مضارع مجزوم بـ"لم". وعلامة جزمه السكون الظاهر، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو، و"ها" في محل نصب مفعول به؛ وجملة "لم يضرها": معطوفة على جملة "يوهنها": لا محل لها. وأوهى: الواو: عاطفة، أوهى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. قرنه: مفعول به لـ"أوهى"، وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة. الوعل: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة؛ وجملة "أوهى قرنه ... ": معطوفة على "لم يضرها": لا محل لها.
موطن الشاهد: "ناطح صخرة".
وجه الاستشهاد: إعمال اسم الفاعل "ناطح" عمل فعله، فينصب المفعول به "صخرة" مع أنه غير معتمد في الظاهر على شيء، إلا أنه من حيث المعنى معتمد على =(3/183)
أي: كوعل ناطح، ومنه "يا طالعا جبلا" أي: يا رجلا طالعا، وقول ابن مالك: "إنه اعتمد على حرف النداء" سهو؛ لأنه مختص بالاسم؛ فكيف يكون مقربا من الفعل1.
[تحول صيغة فاعل إلى صيغة المبالغة] :
[شروط عمل صيغ المبالغة] :
فصل: تحول صيغة فاعل للمبالغة والتكثير2 إلى: فعال، أو فعول، أو مفعال؛ بكثرة، وإلى فعيل أو فعل؛ بقلة، فيعمل عمله بشروطه؛ قال3: [الطويل]
372- أخا الحرب لباسا إليها جلالها4
__________
= موصوف محذوف؛ لأن الأصل "كوعل ناطح"، فراعى الشاعر ذلك المعنى، واعتبره معتمدا عليه، فأعمله عمل فعله.
1 أجيب عن الناظم بأن المصنف لم يدع أن حرف النداء مسوغ، بل إن الوصف إذا ولي حرف النداء عمل، وهذا لا ينافي كون المسوغ الاعتماد على الموصوف المحذوف، وإنما صرح بذلك مع دخوله في قوله بعد:
وقد يكون نعت محذوف عرف ... ...............
لدفع توهم أن اسم الفاعل لا يعمل إذا ولي حرف الندا؛ لأن النداء يبعده عن الفعل.
انظر حاشية الصبان على شرح الأشموني: 2/ 293.
2 أي المبالغة والكثرة في معنى الفعل الثلاثي الأصلي، ولذلك تسمى: صيغة المبالغة. ولا تصاغ في الغالب إلا من مصدر فعل ثلاثي متصرف، متعد، ما عدا صيغة "فعال" فتصاغ من مصدر الثلاثي اللازم والمتعدي، وقد اجتمعا في قول الشاعر:
وإني لصبار على ما ينوبني ... وحسبك أن الله أثنى على الصبر
ولست بنظار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقر
ويندر أن تصاغ من غير الثلاثي "كأفعل" لأن اسم فاعل غير الثلاثي لا يكون على فاعل، نحو: دراك وسار؛ من أدراك، وأسأر "أي أبقى في الكأس بقية"، ومعطاء ومعوان، من أعطى وأعان، وسميع ونذير من أسمع وأنذر، وزهوق من أزهق.
انظر حاشية يس على التصريح: 2/ 67، والأشموني: 2/ 343.
3 القائل: هو: القلاخ بن حزن بن جناب المنقري.
ولم أعثر له على ترجمة وافية.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
وليس بولاج الخوالف أعقلا
=(3/184)
...............................................
__________
= وينشد قبله:
فإن تك فاتتك السماء فإنني ... بأرفع ما حولي من الأرض أطولا
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 68، وابن عقيل: 258/ 3/ 112، والأشموني: 699/ 2/ 342، والشذور: 207/ 514، والقطر: 129/ 367، وسيبويه: 1/ 57، والمقتضب: 2/ 113، وشرح المفصل: 6/ 7، والعيني: 3/ 535، والهمع: 2/ 96، والدرر: 2/ 129.
المفردات الغريبة: أخا الحرب: أي مؤاخيها وملازمها. إليها: إلى بمعنى اللام، أي: لها. جلالها: جمع جل، والمراد: ما يلبس في الحرب من الدروع ونحوها. ولاج: كثير الولوج؛ أي: الدخول. الخوالف: جمع خالفة وهي عمود البيت أو الخيمة، والمراد هنا: الخيمة نفسها أو البيت. أعقلا؛ الأعقل: الذي تصطك ركبتاه من الفزع.
المعنى: يمتدح الشاعر نفسه بالشجاعة والإقدام ويقول: إنه رجل حرب، يلبس لها لباسها ويقتحمها إذا شبت نيرانها، ولا يختبئ في البيوت أو الخيام خوفا وفزعا؛ أي: أنه مقدام جريء غير جبان.
الإعرابك أخا: حال منصوب من الضمير المتكلم في البيت السابق على الشاهد وهو قوله:
فإن تك فاتتك السماء فإنني ... بأرفع ما حولي من الأرض أطولا
وهو منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. الحرب: مضاف إليه مجرور. لباسا: حال ثانية من ضمير المتكلم المذكور؛ وفيه ضمير مستتر هو فاعله. "إليها": متعلق بـ"لباس". جلالها: مفعول به لـ"لباس" منصوب، وهو مضاف، و"ها" مضاف إليه. وليس: الواو: عاطفة، ليس: فعل ماضٍ ناقص واسمه ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو. بولاج: الباء: حرف جر زائد، ولاج: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ليس، وهو مضاف. الخوالف: مضاف إليه مجرور. أعقلا: إما أن يكون حالا من اسم ليس، ويجوز أن يكون خبرا ثانيا لـ"ليس"؛ وفي كلا الحالتين فهو منصوب، وعلامه نصبه الفتحة؛ ويمكن أن يكون صفة لـ"ولاج"، أو معطوفا عليه بحرف عطف مقدر، وهو في هذه الحالة مجرور، وعلامة جره الفتحة بدل الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف؛ أو منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة؛ لأن تابع خبر ليس المجرور بالباء الزائدة يجوز فيه الجر تبعا للفظ الخبر، ويجوز فيه النصب تبعا لموضعه كما في قول الشاعر:
فلسنا بالجبال ولا الحديدا
موطن الشاهد: "لباسا جلالها". =(3/185)
وقال1: [الطويل]
373- ضروب بنصل السيف سوق سمانها2
__________
= وجه الاستشهاد: إعمال صيغة المبالغة "لباس" عمل الفعل واسم الفاعل فنصبت المفعول "جلالها"، وقد اعتمدت على موصوف مذكور "أخا الحرب".
1 القائل: هو: أبو طالب بن عبد المطلب؛ واسمه عبد مناف وقيل شيبة، سيد قريش، وأحد أبطالهم وخطبائهم العقلاء وشعرائهم، مربي النبي صلى الله عليه وسلم وكافله، ووالد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب له ديوان صغير يسمى ديوان شيخ الأباطح، مات وله بضع وثمانون سنة وذلك سنة 3ق. هـ. الجمحي: 243، الأعلام: 4/ 166، طبقات ابن سعد: 1/ 75 وغيرها.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
إذا عدموا زادا فإنك عاقر
والبيت من كلمة يرثي فيها أبا أمية بن المغيرة المخزومي، وهو زوج أخته عاتكة بنت عبد المطلب وهو من شواهد: التصريح: 2/ 68، والأشموني: 700/ 2/ 342، والشذور: 208/ 515، والقطر: 130/ 367، وسيبويه: 1/ 57، والمقتضب: 2/ 14، والجمل: 104، وأمالي بن الشجري: 2/ 106، وشرح المفصل: 6/ 69، والخزانة: 2/ 175، 3/ 446، والعيني: 3/ 539، والهمع: 2/ 97، والدرر: 2/ 130، وديوان أبي طالب: 11.
المفردات الغريبة: ضروب: صيغة مبالغة لضارب. نصل السيف: حده وشفرته. سوق: جمع ساق. سمانها: جمع سمينة ضد الهزيلة، وهي الممتلئة الجسم. عاقر: اسم فاعل من العقر، وهو الذبح.
المعنى: يصف ابو طالب أبا أمية بالكرم وقت العسرة، ويقول: إنه كان جوادا واسع الكرم؛ يعقر الإبل السمان للضيفان، إذا أعسر الناس، ولم يجدوا زادا، وقد كانوا يضربون قوائم الإبل بالسيوف قبل الذبح؛ لإضعافها، فيتمكنوا من ذبحها.
الإعراب: ضروب: خبر مبتدأ محذوف؛ والتقدير: هو ضروب. "بنصل": متعلق بـ"ضروب"، و"نصل" مضاف. السيف: مضاف إليه مجرور. سوق: مفعول به لـ"ضروب"، وهو مضاف. سمانها: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، و"ها" مضاف إليه. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه، مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. عدموا: فعل ماضٍ مبني على الضم: لاتصاله بواو الجماعة، والواو في محل رفع فاعل. زادا: مفعول به منصوب؛ وجملة "عدموا زادا": في محل جر بالإضافة. فإنك: الفاء: واقعة في جواب الشرط =(3/186)
وحكى سيبويه: "إنه لمنحار بوائكها"1، وقال2: [الطويل]
374- فتاتان أما منهما فشبيهة ... هلالا3...........
__________
= غير الجازم، إن: حرف مشبه بالفعل، والكاف: في محل نصب اسم إن. عاقر: خبر إن مرفوع؛ وجملة "إن واسمها وخبرها": لا محل لها من الإعراب؛ لأنها جواب شرط غير جازم.
موطن الشاهد: "ضروب سوق سمانها".
وجه الاستشهاد: إعمال صيغة المبالغة ضروب عمل الفعل، فنصب بها المفعول سوق، وقد اعتمدت على مخبر عنه محذوف -كما بينا في الإعراب- والتقدير: هو ضروب.
1 بوائكها: جمع بائكة، وهي السمينة الحسناء من النوق، وهي منصوبة بمنحار صيغة مبالغة من ناحر، وقد اعتمدت على مخبر عنه وهو اسم "إن". الكتاب لسيبويه: 1/ 112. شرح الأشموني مع الصبان: 2/ 297.
2 القائل: هو عبد الله بن قيس الرقيات، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: البيت بتمامه:
فتاتان أما منهما فشبيهة ... هلالا وأخرى منهما تشبه البدرا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 68، والأشموني: 702/ 2/ 342، والعيني: 3/ 542.
المفردات الغريبة: فتاتان: تثنية فتاة، وهي الجارية الحديثة السن: هلالا؛ الهلال: القمر لليلتين أو ثلاث من أول الشهر. البدر: القمر عند تمامه وكماله.
المعنى: أن هاتين الفتاتين جميلتان؛ غير أن إحداهما تشبه الهلال في نحافتها، والأخرى تشبه البدر في سمنها وإشراقتها.
الإعراب: فتاتان: خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هما فتاتان مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. أما: حرف شرط وتفصيل، لا محل له من الإعراب. "منهما": متعلق بمحذوف واقع صفة لموصوف محذوف يقع مبتدأ، والتقدير: أما واحدة كائنة منهما. فشبيهة: الفاء: زائدة وجوبا في خبر المبتدأ، شبيهة: خبر المبتدأ مرفوع فيه ضمير مستتر تقديره: هي في محل رفع فاعل. هلالا: مفعول به لـ"شبيهة" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. وأخرى: الواو: عاطفة، أخرى: صفة لموصوف محذوف يقع مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الصمة المقدرة على الألف للتعذر. "منهما": متعلق بمحذوف صفة لـ"أخرى"؛ والتقدير: وواحدة أخرى منهما تشبه البدر.
موطن الشاهد: "فشبيهة هلالا".(3/187)
وقال1: [الوافر]
375- أتاني أنهم مزقون عرضي2
__________
= وجه الاستشهاد: إعمال صفة المبالغة "شبيهة" عمل الفعل واسم الفاعل، حيث نصب بها المفعول به "هلالا"؛ واسم المبالغة هنا؛ معتمد على مخبر عنه محذوف؛ لأن التقدير: أما فتاة منهما فهي شبيهة هلالا.
انظر في هذه المسألة حاشية يس على التصريح 2/ 68.
1 القائل: هو الصحابي؛ زيد الخير الذي كان يسمى بزيد الخيل الطائي، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
جحاش الكرملين لها فديد.
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 68، وابن عقيل: 261/ 3/ 115، والأشموني: 703/ 2/ 342، والشذور: 209/ 516، والقطر: 131/ 368، والمقرب: 24.
المفردات الغريبة: مزقون: جمع مزق مبالغة في مازق، من المزق وهو شق الثياب ونحوها، ويستعمل في شق العرض مجازا، عرض الإنسان: ما يحميه ويصونه ويدافع عنه من حسبه ونسبه. جحاش: جمع جحش؛ وهو الصغير من الحمير. الكرملين: ماء في جبل طيئ، كانت ترده الجحوش. فديد: صياح وتصويت.
المعنى: بلغني أن هؤلاء القوم يتطاولون علي، وينالون عرضي بالقدح والذم، ولست أعبأ بهؤلاء، ولا أصفي لترهاتهم، فهم عندي كالجحوش التي ترد هذا الماء وتتزاحم عليه، وهي تنهق وتصيح وتحدث جلبة كاذبة.
الإعراب أتاني: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعولا به. أنهم: حرف مشبه بالفعل، و"هم": ضمير متصل في محل نصب اسم "أن". مزقون: خبر "أن" مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه جمع مذكر سالم. عرضي: مفعول به لـ"مزقون" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحرك المناسبة، وهو مضاف، والياء: في محل جر بالإضافة؛ والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل رفع فاعل لـ"أتى". جحاش: خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هم جحاش، وهو مضاف. الكرملين: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى. "لها": متعلق بمحذوف خبر مقدم. فديد: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "المبتدأ أو خبره": في محل نصب على الحال من جحاش الكرملني. =(3/188)
[تثنية اسم الفاعل وصبغ المبالغة وجمعهما] :
فصل: تثنية اسم الفاعل وجمعه وتثنية أمثلة المبالغة وجمعها كمفردهن في العمل والشروط؛ قال الله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا} 1، وقال تعالى: {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} 2، وقال: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} 3، وقال الشاعر4: [الكامل]
__________
= موطن الشاهد: "مزقون عرضي".
وجه الاستشهاد: إعمال صيغة المبالغة "مزقون" -جمع مزق- عمل الفعل واسم الفاعل، وهي معتمدة على مخبر عنه، وهو اسم "إن"؛ فنصب بها المفعول به "عرضي".
هذا ويذكر هنا أن إعمال أمثلة المبالغة رأي سيبويه وأصحابه، وحجتهم السماع والحمل على أصلها، وهو اسم الفاعل؛ لأنها محولة عنه لقصد المبالغة. ويمنع الكوفيون إعمال شيء منها، وحملوا المنصوب بعدها على تقدير فعل، كما منعوا تقديمه عليها، ويرده قول العرب: "أما العسل فأنا شراب"، ولم يجز بعض البصريين إعمال "فعيل" و"فعل". وأجاز الجرمي إعمال فعل دون فعيل؛ لأنه على وزن الفعل كعلم وفهم وفطن.
التصريح: 2/ 68، الدرر اللوامع: 2/ 130.
1 33 سورة الأحزاب، الآية: 35.
موطن الشاهد: {الذَّاكِرِينَ اللَّهَ} .
وجه الاستشهاد: إعمال جمع اسم الفاعل "الذاكرين" عمل اسم الفاعل المفرد، والفعل، فنصب به لفظ الجلالة؛ وحكم هذا الإعمال الجواز باتفاق؛ إذا توفرت الشروط المطلوبة.
2 39 سورة الزمر، الآية: 38.
موطن الشاهد: "كاشفات ضره".
وجه الاستشهاد: إعمال جمع اسم الفاعل "كاشفة" عمل اسم الفاعل المفرد، والفعل، فنصب به المفعول "ضره"؛ وحكم هذا الإعمال الجواز باتفاق؛ إذا توفرت الشروط المطلوبة.
3 54 سورة القمر، الآية: 7.
موطن الشاهد: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} .
وجه الاستشهاد: إعمال جمع اسم الفاعل "خاشع" عمل اسم الفاعل المفرد، والفعل، فرفع به الفاعل "أبصارهم"؛ لاعتماده على صاحب الحال؛ وحكم هذا الإعمال الجواز باتفاق، كما سبق.
4 هو: عنترة بن شداد العبسي، وقد مرت ترجمته.(3/189)
376- والناذرين إذا لم القهما دمي1
__________
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما
وهو من معلقته المشهورة بقوله في حضين ومرة ابني ضمضم المذكورين في قوله قبل:
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للحرب داسرة على ابني ضمضم
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 69، والأشموني: 603/ 2/ 309، والعيني: 3/ 551.
المفردات الغريبة: الشاتمي: مثنى شاتم من الشتم وهو الرمي بالمكروه من القول. الناذرين: تثنية ناذر، وهو الذي يوجب على نفسه ما ليس بواجب عليه.
المعنى: أخشى أن أموت ولم أنتقم من ابني ضمضم، اللذين يشتماني، ويقدحان في عرضي، ولم أسئ إليهما، وينذران أنفسهما -حين أكون غائبا عنهما- سفك دمي وقتلي، فإذا حضرت أو لقياني أمسكا عن كل ذلك، هيبة مني، وجبنا منهما وفزعا.
الإعراب: الشاتمي: صفة لابني ضمضم المذكورين في بيت سابق، مجرور وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى، والشاتمي مضاف. عرضي: مضاف إليه، وهو مضاف، والياء: مضاف إليه. ولم: الواو: حالية، لم؛ نافية جازمة. أشتمهما: فعل مضارع مجزوم بـ"لم"؛ وعلامة جزمه السكون، والفاعل: أنا، و"هما": في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "لم أشتمهما": في محل نصب على الحال. والناذرين: الواو عاطفة، الناذرين: اسم معطوف على الشاتمين مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان متضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه، مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. لم: حرف جزم ونفي وقلب. ألقهما: فعل مضارع مجزوم بـ"لم"، وعلامة جزمه حذف الألف، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا؛ و"هما": في محل نصب مفعولا به؛ وجواب "إذا" محذوف؛ والأفضل اعتبار "إذا" -هنا- ظرفية وحسب. دمي: مفعول به لـ"الناذرين" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "الناذرين دمي".
وجه الاستشهاد: إعمال مثنى اسم الفاعل المقترن بـ"أل"، وهو "الناذرين" عمل المفرد؛ حيث نصب به المفعول "دمي" من دون أن يعتمد على شيء.(3/190)
وقال1: [الرمل]
377- غفر ذنبهم غير فخر2
__________
1 القائل: هو طرفة بن العبد البكري، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
ثم زادوا أنهم في قومهم
والبيت من قصيدته المشهورة والتي مطلعها قوله:
أصحوت اليوم أم شاقتك هر ... ومن الحب جنون مستقر
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 69، والأشموني: 706/ 2/ 343، وابن عقيل: 263/ 2/ 117، وسيبويه: 1/ 58، برواية "فجر"، ونوادر أبي زيد الأنصاري: 10، والجمل: 106، وشرح المفصل: 6/ 74، الخزانة: 3/ 364، والعيني: 3/ 458، والهمع: 2/ 97، والدرر: 2/ 131، وديوان طرفة بن العبد: 68.
المفردات الغريبة: هر: مرخم هرة: اسم محبوبته. غفر: جمع غفور؛ مبالغة في غافر. فخر: جمع فخور، مبالغة في فاخر.
المعنى: أن هؤلاء القوم زادوا على غيرهم -فوق ما هم عليه من الإقدام والشجاعة- بأنهم كثيرو العفو عن الزلات، والصفح عن الإساءات، وأنهم -مع ما لهم من الخصال الكريمة- لا يفخرون ولا يتباهون بشيء.
الإعراب: ثم: حرف عطف مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب. زادوا: فعل ماضٍ مبني على الضم، والواو: في محل رفع فاعل. أنهم: حرف مشبه بالفعل، و"هم": في محل نصب اسمه. "في قومهم": متعلق بمحذوف حال من اسم "إن" و"هم" في محل جر بالإضافة؛ وذهب ابن هشام إلى أن الجار والمجرور متعلق بـ"زادوا" معتبرا أن" في" بمعنى "عند" في الشاهد. غفر: خبر "أن" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. ذنبهم: مفعول به منصوب لـ"غفر"، وهو مضاف، و"هم" مضاف إليه. غير: خبر ثان لـ"أن" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، وهو مضاف. فخر: مضاف إليه مجرور، وسكن لضرورة الشعر.
موطن الشاهد: "غُفُرٌ ذنبَهم".
وجه الاستشهاد: إعمال جمع صيغة المبالغة "غفر" عمل المفرد، وقد اعتمد على مخبر عنه مذكور؛ وهو اسم "أن"؛ وعمل جمع صيغة المبالغة جائز باتفاق.
فائدة أولى: لا فرق في الجمع -أي جمع اسم الفاعل- أن يكون جمعَ مذكرٍ سالمًا، أو جمعَ مؤنثٍ سالمًا، أو جمع تكسير؛ فمثاله في المجموع جمع مذكر سالما، قوله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا} ، ومثاله في المجموع جمع مؤنث سالما، قوله تعالى: =(3/192)
وأن يخفض بإضافته؛ وقد قرئ: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} 1، و {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} 2؛ بالوجهين، وأما ما عدا التالي3 فيجب نصبه؛ نحو: {خَلِيفَةً} من قوله
__________
1 65 سورة الطلاق، الآية: 3.
أوجه القراءات: قرأ عاصم وحفص والمفضل وأبان وجبلة وجماعة عن أبي عمرو: {بَالِغُ أَمْرِهِ} ، وقرأ العامة: بتنوين "بالغ" ونصب "أمره".
توجيه القراءات: قراءة العامة على انتصاب أمره ببالغ؛ لأنه بمعنى الاستقبال، فعمل عمل الفعل، وأما قراءة عاصم وحفص ومن معهما، فعلى إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله. انظر البحر المحيط: 8/ 283، القرطبي: 18/ 161. المشكل: 2/ 384.
موطن الشاهد: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ}
وجه الاستشهاد: إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله "أمره"؛ وحكم إضافته إلى ما بعده الجواز -كما في هذه القراءة- ويجوز إعماله -كما في القراءة الأخرى- إن الله بالغ أمره؛ بتنوين اسم الفاعل، ونصب "أمره".
2 39 سورة الزمر، الآية: 38.
أوجه القراءات: قرأ أبو عمرو: "كاشفات ضره" بالنصب، وقرأ الباقون: "كاشفات ضره" بالخفض.
توجيه القراءات: قراءة أبي عمرو على إعمال اسم الفاعل؛ لأنه بمعنى الاستقبال، وجاء منونا، والقراءة الأخرى جاءت بالرفع من دون تنوين فأضيف اسم الفاعل إلى مفعوله؛ و"كاشفات" جمع كاشفة.
موطن الشاهد: {كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} .
وجه الاستشهاد: إضافة اسم الفاعل "كاشفات" إلى ما بعده؛ وحكم إضافته إلى ما بعده الجواز؛ لأنه يجوز أن ينصب ما بعده على أنه مفعوله؛ إذا كان منونا كما أسلفنا.
3 يشمل ذلك:
1- المعمول المفصول من اسم الفاعل بالظرف أو الجار والمجرور؛ فالظرف نحو "زيد ضارب اليوم بكرا" والجار والمجرور نحو قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} .
2- المفعول الثاني والمفعول الثالث إذا كان فعل اسم الفاعل ينصب مفعولين أو ثلاثة وأضفته إلى الأول منهما نحو: "هو ظان زيد قائما"، و"هذا معطي زد درهما". وقد ذهب الجمهور إلى أن ناصب هذا المنصوب فعل مضمر يفسره اسم الفاعل، وذهب السيرافي إلى أن ناصبه اسم الفاعل نفسه، وهو ما يدل عليه قول ابن مالك في الألفية: "وهو لنصب ما نواه مقتضي"، هذا وقد ذهب سيبويه إلى أن النصب أعلى =(3/193)
تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} 1.
وإذا أتبع المجرور2؛ فالوجه جر التابع على اللفظ؛ فتقول: "هذا ضارب زيد وعمرو" ويجوز نصبه بإضمار وصف منون، أو فعل اتفاقها، وبالعطف على المحل عند بعضهم3؛ ويتعين إضمار الفعل إن كان الوصف غير عامل؛ فنصب: "الشمس" في: "وجاعل الليل سكنا والشمس"4، بإضمار جعل لا غير؛ إلا إن قدر: "جاعل" على حكاية الحال.
__________
= بالنسبة للمعمول التالي للعامل، وذهب الكسائي إلى أن النصب والجر سواء، وقيل: الجر أولى لأنه أخف.
حاشية يس على التصريح: 2/ 69، الأشموني وحاشية الصبان: 2/ 300-301.
1 2 سورة البقرة، الآية: 30.
موطن الشاهد: {جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}
وجه الاستشهاد: عمل اسم الفاعل "جاعل" عمل فعله، فنصب المفعول "خليفة"، وحكم هذا الإعمال النصب؛ لتعذر الإضافة بالفصل بالجار والمجرور.
2 أي بالوصف بأحد التوابع: أما المنصوب فلا يجوز جر تابعه؛ لأن شرط الاتباع على المحل كونه أصليا، والأصل في الوصف المستوفي للشروط العمل، لا الإضافة لالتحاقه بالفعل.
3 من مجيء التابع منصوبا قول أحد بني قيس، واستشهد به سيبويه:
فبينا نحن نرقبه أتانا ... معلق وفضة وزناد راعي
فقد نصب "زناد راع" وهو معطوف على "وفضة" المجرور بإضافة "معلق" إليه.
4 6 سورة الأنعام، الآية: 96.
أوجه القراءات: قرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف: "وجعل"، وقرأ الباقون: "جاعل" بالألف وكسر العين.
توجيه القراءات: من قرأ: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ} فهو عطف على اللفظ والمعنى، ومن قرأ: "وجاعل الليل" فقد نصب "الشمس والقمر" بالعطف على موضع "الليل"؛ لأنه في موضع نصب، وقيل: بل على تقدير: "وجعل".
انظر: النشر 2/ 251، الإتحاف: 214، المشكل: 1/ 280.
موطن الشاهد: "جاعل الليل سكنا والشمس".
وجه الاستشهاد: انتصاب "الشمس" بإضمار فعل "جعل"، ولا يجوز النصب بإضمار وصف منون، ولا بالعطف على المحل؛ لأن الوصف المذكور غير عامل؛ لكونه =(3/194)
..................................................
__________
= بمعنى الماضي، وأما إن قدر "جاعل" على حكاية الحال فحينئذ يجوز النصب على الوجهين السابقين؛ أي بإضمار وصف منون، أو بالعطف على محل الليل؛ لأن الوصف على هذا يكون عاملا؛ لكونه بمعنى يجعل.
فائدتان: أ- إذا كان اسم الفاعل بمعنى الاستمرار جاز اعتبار إضافته محضة بالنظر إلى معنى المضي فيه، وبذلك يقع صفة للمعرفة، ولا يعمل، واعتبارها غير محضة بالنظر إلى الحال والاستقبال، وبذلك يقع صفة للنكرة، ويعمل فيما أضيف إليه.
ب- يجوز تقديم معموله عليه نحو: عليا أنا مصاحب، إلا إذا كان مقترنا بأل نحو: المخترع الطيارات، أو مجرورا بإضاف نحو: هذا كتاب معلم الأدب، أو بحرف غير زائد نحو: ذهب محمد بمؤدب أحمد، فإن كان الحرف زائدا جاز، نحو ليس محمد خليلا بمكرم.
حاشية الصبان: 2/ 300.(3/195)
[باب إعمال اسم المفعول]
هذا باب إعمال اسم المفعول:
[تعريف اسم المفعول وشروط عمله] :
وهو: ما دل على حدث ومفعوله1، كـ"مضروب" و"مكرم".
ويعمل عمل فعل المفعول2، وهو كاسم الفاعل؛ في أنه إن كان بأل عمل مطلقا3، وإن كان مجردا عمل بشرط الاعتماد4، وكونه للحال أو الاستقبال.
تقول: "زيد مُعْطًى أبوه درهما، الآن أو غدا"، كما تقول: "زيد يُعْطَى أبوه درهما"، وتقول: "المعطى كفافا يكتفي"5، كما تقول: "الذي يُعْطَى أو أُعْطِيَ"؛ فالمعطى: مبتدأ، ومفعوله الأول مستتر عائد إلى "أل"، وكفافا: مفعول ثان، ويكتفي: خبر.
ما ينفرد به اسم المفعول عن اسم الفاعل:
وينفرد اسم المفعول6 عن اسم الفاعل بجواز إضافته إلى ما هو مرفوع به في
__________
1 أي على معنى مجرد، وعلى الذات التي وقع عليها هذا الحدث، ولا فرق بين أن يكون مأخوذا من الثلاثي على زنة مفعول، وأن يكون مأخوذا من غير الثلاثي المجرد على زنة مضارعه بإبدال أوله ميما مضمومة، وفتح ما قبل آخره، كما مثل المصنف.
2 أي الفعل المبني للمفعول -أي المجهول. فإن كان متعديا لواحد رفعه بالنيابة، وإن كان متعديا لاثنين أو ثلاثة رفع واحدا بالنيابة ونصب غيره.
3 بينا في مطلع باب إعمال اسم الفاعل المراد بالإطلاق.
4 على استفهام، أو نفي، أو مخبر عنه، أو موصوف، أو ذي حال.
5 مثال للمقرون بأل وهو يعمل بلا شرط، وهو من أمثلة الناظم في الألفية.
6 اعلم أن اسم الفاعل يمكن أن يكون مأخوذا من مصدر فعل لازم، كقائم وقاعد =(3/196)
المعنى، وذلك بعد تحويل الإسناد عنه إلى ضمير راجع للموصوف، ونصب الاسم على التشبيه.
تقول: "الورع محمودةٌ مقاصدُه"، ثم تقول: "الورع محمودٌ المقاصدَ" بالنصب، ثم تقول: "الورع محمودُ المقاصدِ" بالجر1.
__________
= وجالس وناقد، وفي هذه الحالة يجوز أن يضاف إلى مرفوعه بغير خلاف، تقول: "محمد قائم الأب، ونافذ القول". ويمكن أن يكون مأخوذا من مصدر فعل متعد لأكثر من مفعول واحد، وفي هذه الحالة تمتنع إضافته إلى مرفوعه، وقد قيل: إن هذا المنع أجمع عليه النحاة، وقال الشاطبي: فيه خلاف. ويمكن أن يكون اسم الفاعل مأخوذا من مصدر فعل يتعدى لمفعول واحد، كضارب وظالم، وفي هذه الحالة منع الجمهور إضافته إلى مرفوعه. سواء أحذف مفعوله أم ذكر، وسواء أمن اللبس أم لم يؤمن. واختار ابن مالك ما ذهب إليه الفارسي من أنه تجوز إضافته لمرفوعه بشرط أمن اللبس، سواء أذكر منصوبه بعد الإضافة أم حذف. وجوز ابن عصفور وابن أبي الربيع إضافته إلى مرفوعه بشرط ان يحذف منصوبه، ولا يذكر في الكلام، ويدل لصحته إضافته إلى مرفوعه، وهو مأخوذ من مصدر فعل يتعدى لواحد قول الشاعر:
ما الراحم القلب ظلاما وإن ظلما ... ولا الكريم بمناع وإن حرما
وهذا البيت يصلح دليلا لمذهب ابن مالك ولمذهب ابن عصفور.
التصريح: 2/ 70-71، الأشموني مع الصبان: 2/ 303.
1 قد وردت صيغ سماعية بمعنى اسم المفعول المصوغ من مصدر الثلاثي، في الدلالة على الذات والمعنى، ولكنها ليست على زنته. ومن ذلك: "فعيل" نحو: "كحيل بمعنى مكحول، و"فُعْل" كذبح بمعنى مذبوح، و"فعَل" كقنص بمعنى مقنوص، و"فعلة" كمضغة بمعنى ممضوغة، ويقتصر في ذلك على المسموع. ومن الخير والتسامح أن تعمل عمل اسم المفعول بشروطه، فترفع نائب فاعل حتما.
وقد تنصب مفعولا به أو أكثر إن كان فعلها المبني للمجهول كذلك.
هذا وقد ذكر الأشموني: أن جواز إلحاق اسم المفعول بالصفة المشبهة، وقياسه عليها في جواز إضافته إلى المرفوع إنما يكون إذا كان على وزنه الأصلي، وهو وزن "مفعول" من الثلاثي، ووزن المضارع المبني للمجهول من غيره، فإن حول عن ذلك إلى "فعيل" ونحوه لم يجز؛ لكراهة كثرة التغييرات، فلا يقال: مررت برجل كحيل عينه، ولا قتيل أبيه، ويجوز، مكحول عينه ومقتول أبيه. الأشموني: 2/ 346، والأشموني مع الصبان: 2/ 305-306.(3/197)
[باب أبنية مصادر الثلاثي]
[أوزان الثلاثي المجرد] :
اعلم أن اللفعل الثلاثي1 ثلاثة أوزان: فَعَلَ، بالفتح، ويكون متعديا،
__________
1 أي: المجرد، وذلك باعتبار ماضيه فقط. أما باعتبار الماضي مع المضارع، فيأتي على ستة أوجه يسميها الصرفيون أبوابا؛ لأن "فَعَلَ" بالفتح يأتي مضارعه مثلث العين، و"فَعِلَ" بالكسر يأتي مضارعه مفتوح العين، أو مكسورها، و"فَعُلَ" بالضم لا يكون مضارعه إلا مضموم العين، وإليك مجمل الأبواب المذكورة الباب الأول: "فَعَلَ" "يَفْعِلُ"؛ نحو: ضرب، يضرب، جلس، يجلس، وهو مقيس مطرد في المثال الواوي؛ نحو: وعد، يعد بشرط أن لا تكون لامه حرف حلق؛ ومعلوم أن حروف الحلق هي: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء. وهو مقيس مطرد في الأجوف اليائي أيضا؛ نحو: جاء، يجيء، فاء، يفيء وفي الناقص اليائي، نحو؛ أتى يأتي؛ بشرط أن لا تكون عينه حرف حلق كسعى وهو مقيس كذلك في المصنف اللازم؛ نحو: فر، يفر وما عدا ذلك فمقصور على السماع.
الباب الثاني: "فَعَلَ" "يَفْعُلُ"؛ نحو" نصر ينصر، أخذ يأخذ، وهو مقيس في الأجوف الواوي؛ نحو: جال يجول، قال يقول. والناقص الواوي؛ نحو: صفا يصفو، وسما يسمو والمضعف المتعدي؛ نحو: مد يمد، صب يصب، وفي كل فعل تقصد فيه المفاخرة والغلبة؛ نحو: ناصرته فأنا أنصره وسابقته فأنا أسبقه ويشترط أن لا يكون من الأنواع التي يجب فيها كسر العين في الباب السابق.
الباب الثالث: "فَعَلَ" "يَفْعَلُ"؛ نحو: بدأ يبدأ، ويكثر فيما كانت عين ماضيه، أو لامه حرف حلق؛ نحو: ذهب يذهب، فتح يفتح، ويشترط أن لا يكون مضعفا، وإلا فهو على ما سبق من كسر اللازم وضم المتعدي، وما جاء من هذا الباب غير حلقي فشاذ؛ نحو: أبى يأبى، وقد اشتهر الكسر في مضارع رجع ونزع ونضج، واشتهر الضم فيه في مضارع دخل وصرخ ونفخ وقعد وأخذ، وطلع وبزغ وبلغ ونخل، فينبغي الاقتصار على ما اشتهر.
الباب الرابع: "فَعِلَ" "يَفْعَلُ"؛ نحو: علم يعلم، فهم يفهم، ولا ضابط لهذا الباب. =(3/198)
كـ"ضربه" وقاصرا كـ"قعد"، وفعل، بالكسر، ويكون قاصرا، كـ"سلم" ومتعديا، كـ"علمه"، وفعل، بالضم، ولا يكون إلا قاصرا، كـ"ظرف".
فأما فَعَلَ وفَعِلَ المتعديان فقياس مصدرهما1 الفعل؛ فالأول: كالأكل والضرب والرد، والثاني: كالفهم واللثم والأمن.
وأما فعل القاصر؛ فقياس مصدره "الفعل"؛ كالفرح، والأشر، والجوى، والشلل2؛ إلا إن دل على حرفة، أو ولاية؛ فقياسه: الفعالة؛ كولي عليهم ولاية3.
__________
= وإنما يكثر فيه الأفعال الدالة على الفرح وتوابعه، والامتلاء والخلو والألوان والعيوب؛ نحو فرح طرب غضب حزن شبع وعطش وحمر وعور وعمش وهيف.
الباب الخامس: "فَعِلَ" "يَفْعِلُ"؛ نحو: حسب يحسب، وولي يلي وهو نادر في الصحيح كثير في المعتل هي: ورث، وولي، ورم، ورع، ومق "أي أحب"، وفق، وجد أي: حزن، ورك أي: اضطجع، وكم أي: اغتم، وقه، وهم وعم الدار أي: قال لها: انعمي.
وورد أحد عشر فعلا تكسر عينها في الماضي ويجوز الفتح والكسر في المضارع منها: حسب، يئس، يبس، ولغ، وغر، وبق أي: هلك.
الباب السادس: "فَعُلَ" "يَفْعُلُ"؛ نحو: عظم يعظم، كرم يكرم، ولا يكون إلا لازما، وأفعال هذا الباب تدل على الأوصاف الخلقية أي: التي لها مكث، ولم يرد فعل يائي العين إلا هيؤ الرجل، أي: حسنت هيئته، هذا: ولك أن تنقل وتحول إلى هذا البناء كل فعل ثلاثي تريد به الدلالة على أن معناه صار كالغريزة. أو أردت التعجب منه، أو القدح فيه كما سيأتي في باب التعجب انظر ضياء السالك 3/ 28-29.
1 إلا إن دل على صناعة فمصدره في الغالب "فِعالة"؛ نحو: حاك حياكة، صاغ صياغة، خاط خياطة؛ والمراد بالقياس أنه إذا ورد فعل لم يُعلم مصدره يُقاس على ذلك، ولا يقاس مع السماع.
انظر التصريح: 2/ 73.
2 يقال؛ جَوِيَ المحب جَوًي: اشتدت به حرقة الحب، شَلِلَ المريض شللًا: أصابه مرض الشلل.
3 ومثله ساس البلاد سياسة، وراض الخيل رياضة، وهذا المصدر يأتي في "فَعَل" المتعدي الدال على صناعة كما سلف، واللازم كما سيأتي، ويستثنى منه ما دل على =(3/199)
وأما فَعَل القاصر؛ فقياس مصدره الفُعُول1، كالقعود، والجلوس، والخروج، إلا إن دل على امتناع؛ فقياس مصدره: الفِعَال كالإباء2، والنفار، والجماح، الإباق، أو على تقلب3؛ فقياس مصدره: الفَعَلان؛ كالجولان، والغليان، أو على داء؛ فقياسه: الفُعَال؛ كمشى بطنه مشاء، أو على سير؛ فقياسه: الفَعِيل كالرحيل، والذميل4، أو على صوت؛ فقياسه: الفُعَال أو الفَعِيل5؛ كالصراخ والعواء، والصهيل، والنهيق والزئير6، أو على حرفة أو ولاية؛ فقياسه: الفِعَالة كتجر تجارة، وخاط خياطة، وسفر بينهم سفارة إذا أصلح.
وأما فَعُلَ، بالضم؛ فقياس مصدره: الفُعُولة؛ كالصعوبة، والسهولة، والعذوبة، والملوحة؛ والفَعَالَة: كالبلاغة، والفصاحة، والصراحة7.
__________
= لون، فإن الغالب في مصدره "فُعْلَة"؛ نحو: حمرة وسمرة. وما دل على معنى ثابت فقياسه "فَعُولة"؛ نحو: يبوسة. وما دل على معالجة -أي محاولة حسية- فمصدره "فُعُول"؛ نحو: صعد صعودا، قدم قدوما.
انظر ضياء السالك 3/ 30.
1 هذا إذا كان صحيح العين؛ فإن كان معتلها فالغالب في مصدره أن يكون على وزن "فَعْل"؛ نحو: نام نوما، صام صوما. أو على "فِعَال"؛ نحو: صام صياما وقام قياما.
2 الإباء: مصدر أبى بمعنى امتنع، أما أبى بمعنى كره، فهو متعدٍّ، تقول: أبيت الشيء إذا كرهته.
3 أي: تنقل وحركة متقلبة فيها اهتزاز واضطراب لا مطلق تحرك؛ فلا يراد قام قياما، ومشى مشيا.
4 الذميل: ضرب من سير الإبل، فيه رفق ولين، وهو دون الرسيم.
5 يجتمع الفعال والفعيل في نحو: صرخ الطفل، ونعب الغراب، ونعق الراعي؛ ويكون "فُعَال" مصدرا، لما يدل على مرض كما تقدم، أو صوت؛ نحو: بغم الظبي بغاما؛ ويكون "فَعِيل" لما يدل على سير -كما سلف- أو على صوت؛ نحو: صهل الفرس صهيلا.
6 الزئير: صوت الأسد؛ وهو مصدر زأر، والنهيق: صوت الحمار؛ وهو مصدر نهق.
7 يكون المصدر على وزن "فُعولة" -غالبا- إذا جاءت الصفة المشبهة منه على وزن "فَعْل"؛ نحو: سهل فهو سهل، وعذب فهو عذب؛ فالمصدر: سهولة وعذوبة؛ وعلى وزن "فِعالة" إذا كانت الصفة منه على وزن "فعيل"؛ نحو: ملح فهو مليح، وظرف فهو ظريف؛ فالمصدر: ملاحة، وظرافة. وقد يتخلف ذلك نحو: ضَخُم فهو ضَخْم، =(3/200)
وما جاء مخالفا لما ذكرناه؛ فبابه: النقل1.
كقولهم في "فَعَل"، المتعدي: جحده جحودا، وشكره شكورا وشكرانا2؛ وقالوا "جحدا" على القياس.
وفي "فَعَل" القاصر: مات موتا، وفاز فوزا، وحكم حكما، وشاخ شيخوخة، ونم نميمة، وذهب ذهابا3.
وفي "فَعِل" القاصر: رغب رغوبة4، ورضي رضا، وبخل بُخْلًا، وسخط سُخْطًا، بضم أولهما وسكون ثانيهما، وأما البَخَل والسَّخَط، بفتحتين، فعلى القياس؛ كالرغب5.
وفي "فَعُلَ" نحو: حسن حسنا، وقبح قبحا6.
وذكر الزجاجي وابن عصفور: أن الفعل7 قياس في مصدر "فعل"؛ وهو خلاف ما قاله سيبويه.
__________
= وملح الطعام؛ أي صار ملحا؛ فمصدرها الشائع: الضخامة، والملوحة، مع أن الصفة المشبهة، ليست على فعل ولا فعيل.
1 أي: السماع عن العرب، ولا يقاس عليه.
2 والقياس: جحدا وشكرا.
3 والقياس في الجميع: "فُعول".
4 والقياس: رغبا.
5 وعلى ذلك، يكون لـ"رغب" و"بخل" و"سخط" مصادر قياسية، وأخرى سماعية، ويلاحظ أن المؤلف عد كلا من "رضي" و"سخط" لازما، مع ورود قولهم: رضيه، وسخطه.
6 والقياس: "الفعُولة" أو "الفَعَالة".
7 وقع في نسخة المتن وفي نسخ التصريح المطبوعة كلها أن "الفُعْلَة" بدل "الفُعْل" وهو تحريف كما ذكر الشيخ عبد الحميد في تعليقه، وقد نقل الأشموني هذه العبارة في تنبيهاته فقال: "ذكر الزجاج وابن عصفور أن "الفُعْل" كالحسن، قياس في مصدر "فَعُل" -بضم العين- كـ"حسن" و"قبح" وهو خلاف ما قاله سيبويه.
انظر حاشية الصبان: 2/ 306.(3/201)
[باب مصدر غير الثلاثي]
هذا باب مصادر غير الثلاثي:
لا بد لكل فعل غير ثلاثي1 من مصدر مقيس.
__________
1 ويشمل غير الثلاثي ما يأتي:
أ- الرباعي المجرد وله بناء واحد هو "فعلل" ويكون لازما كـ"حشرج" أي: غرغر عند الموت، ومتعديا كـ"دحرج". ومنه ما اشتق من أسماع الأعيان كـ"فلفلت الطعام"، و"زعفرت الثوب"، والمنحوت كـ"بسمل" و"حوقل". ويلحق به ثمانية أوزان أصلها من الثلاثي فزيد حرف الإلحاق وهذه الأوزان هي: "فَعْلَل" كـ: جلبب، يقال: جلببه أي: ألبسه الجلباب، و"فَوْعَل" كـ"جورب" أي: ألبسه الجورب، و"فَعْوَل" كـ: هرول، و"فَيْعَل" كـ: هيمن، و"فَعْيَل" كـ: شريف، يقال: شريف الزرع أي: قطع شريانه؛ وهو ورقه الطويل، و"فَنْعَل" كـ: سنبل، و"فَعْنَل" كـ: قلنس، يقال: قلنسه أي: ألبسه القلنسوة، و"فَعْلَى" كـ: سلقى أي؛ استلقى على ظهره.
ب- مزيد الثلاثي بحرف واحد؛ له ثلاثة أبنية:
"أَفْعَل" نحو؛ أحسن وأكرم؛ والغالب فيه أن يكون للتعدية؛ نحو: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} . و"فَعَّل"؛ نحو: قدم وقطع؛ ويغلب أن يكون للتكثير؛ نحو: {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} . و"فَاعَل"، نحو: قاتل وخاصم؛ ويدل على المشاركة كثيرا.
ج- مزيد الثلاثي بحرفين؛ وله أبنية خمسة؛ هي:
"انفعل"؛ نحو: انكسر، وانصرف. و"افتعل"؛ نحو: اجتمع، واتصل. و"تَفَعَّل"؛ نحو: تقدم، وتصدع. و"تفاعل"؛ نحو: تقاتل، وتخاصم. ومنه: ادَّارك، واثَّاقل. و"افعل"؛ نحو: احمر؛ ومنه: ارعوى.
د- مزيد الثلاثي بثلاثة أحرف، وأبنيته أربعة هي:
"استفعل"؛ نحو: استغفر، استقام. و"افعوعل"؛ نحو: احدودب، واعشوشب. و"افعول"؛ نحو: اجلوذ؛ أي: أسرع في السير، واعلوط البعير؛ ركبه بغير خطام. و"افعالّ"؛ نحو: احمارّ، واعوارّ.(3/202)
[قياس "فعّل"] :
فقياس "فَعَّل"، بالتشديد، إذا كان صحيح اللام: "التفعيل"؛ كالتسليم والتكليم، والتطهير1؛ ومعتلها كذلك، ولكن تحذف ياء التفعيل، وتعوض منها
__________
= هـ- مزيد الرباعي بحرف واحد؛ وله بناء واحد هو:
"تفعلل"؛ نحو؛ تدحرج، وتبعثر. ويلحق به سبعة أوزان؛ أصلها من الثلاثي، فزيد حرف للإلحاق، ثم زيدت عليه التاء؛ وهي: "تفعلل"؛ نحو؛ تجلبب، و"تمفعل"؛ نحو: تمندل؛ أي: تمسح بالمنديل. و"تفوعل"؛ نحو: تجورب. و"تَفَعْوَل"؛ ونحو: تسرول. و"تَفَيْعَل"؛ نحو: تسيطر. و"تَفَعْيَل"؛ نحو: ترهيأ؛ يقال: ترهيأ في الأمر؛ اضطرب؛ أو هم ثم أمسك عنه. و"تَفَعْلَى"؛ نحو؛ تقلسى؛ أي: لبس القلنسوة.
و مزيد الرباعي بحرفين؛ وله بناءان هما:
"افعنْلَل"؛ نحو: احرنجم، وافرنقع؛ يقال: احرنجم الرجل؛ أي: أراد الأمر، ثم رجع عنه؛ وافرنقع القومك تنحوا وانصرفوا.
ويلحق به ثلاثة أبينة؛ أصلها من الثلاثي، فزيد حرف للإلحاق، ثم حرفان، وهي: "افعنلل"؛ نحو: اقعنس؛ أي: تأخر ورجع. و"افعنلى"؛ نحو: اسلنقى: نام على ظهره. و"افتعلى"؛ نحو؛ استلقى. ويلاحظ أن زيادة الإلحاق، تكون بتكرير اللام، وهو الكثير؛ أو بزيادة الواو، أو الياء ثانية وثالثة؛ أو النون وسطا؛ أو الألف آخرا.
فائدة: الإلحاق: زيادة في أصول الكلمة؛ لتكون على وزن أخرى أزيد منها في الحروف؛ لتعامل معاملتها في التصريف كالجمع، والتكسير، والنسب وغير ذلك، وهو يكون في الأفعال؛ وضابطه فيها اتحاد المصادر، ويكاد يكون محصورا في الأوزان السالفة. أما في الأسماء، فيمكن أن يقال في تحديده: كل كلمة فيها زيادة -غير حرف المد- لا تطرد في إفادة معنى، وتكون موافقة لوزن من أوزان الاسم الرباعي، أو الخماسي المجردين من الحركات والسكنات تكون ملحقة به.
فائدة: الزيادة التي للإلحاق لا تطرد في إفادة معنى -كم أسلفنا- ليخرج مثل الميم في "مفعل" فإنها للزمان أو المكان أو المصادر؛ وكذلك الهمزة في "أفعل" فإنها -فيه- للتفضيل؛ وكذلك؛ نحو: أكرم وقاتل وقدم، فذلك ونحوه، ليس من اللإلحاق في شيء.
فائدة: كانت عدة دواع، تدعو العرب للإلحاق؛ منها:
ضرورة الشعر، والتمليح، والتهكم ... ، وليس من حقنا اليوم، وليس من حق أحد أن يزيد شيئا؛ للإلحاق، فأصبح مقصورا على ما سمع من ذلك.
1 هي مصادر: سلم وكلم وطهر.(3/203)
التاء1؛ فيصير وزنه: تفعلة؛ كالتوصية والتسمية والتزكية2.
[قياس "أفعل"] :
وقياس "أفعل" إذا كان صحيح العين: الإفعال؛ كالإكرام والإحسان؛ ومعتلها كذلك، ولكن تنقل حركتها3 إلى الفاء، فتقلب ألفا4، ثم تحذف الألف الثانية5 وتعوض عنها التاء؛ كأقام إقامة، وأعان إعانة، وقد تحذف التاء؛ نحو: {وَأَقَامَ الصَّلاةَ} 6.
[قياس ما أوله همزة وصل] :
وقياس ما أوله همزة وصل7: أن تكسر ثالثه، وتزيد قبل آخره ألفا، فينقلب مصدرا؛ نحو: اقتدر اقتدارا، واصطفى اصطفاء، انطلق انطلاقا، واستخرج استخراجا؛ فإن كان استفعل معتل العين، عمل فيه ما عمل في مصدر أفعل المعتل العين8؛ فتقول: استقام استقامة، واستعاذ استعاذة.
__________
1 أي: الدلالة على التأنيث؛ لأنها أقوى على قبول الحركات من حروف العلة.
2 وقد يأتي صحيح اللام كذلك على قلة نحو: جرب تجربة، ذكر تذكرة، ويغلب في مهموز اللام؛ نحو جزأ تجزئة، هنأ تهنئة، ولم يجز سيبويه من هذا إلا ما سمع.
3 أي: حركة العين.
4 أي: تقلب العين ألفا؛ لتحركها بحسب الأصل، وانفتاح ما قبلها الآن.
5 وهي ألف المصدر؛ لالتقائها ساكنة مع الألف المنقلبة عن العين، وهذا هو الصحيح وهو مذهب سيبويه، وعليه فوزن إقامة "إفعل". ويرى الأخفش والفراء: أن المحذوف هو الألف الأولى وهي عين الكلمة؛ فوزنها -عندهما- "إفالة".
6 أي: للإضافة كمثال المؤلف؛ لأن الأصل إقامة الصلاة. وقد تحذف مطلقا فقد حكى الأخفش: إجابة إجابا. انظر التصريح: 2/ 75.
7 هو ماضي الخماسي على وزن "افتعل"؛ نحو: انشرح، اجتمع. وماضي السداسي على وزن "استفعل" غير معتل العين؛ نحو: استغفر واحلولى، ويشترط أن تكون الهمز أصلية؛ فيخرج ما أصله "تفاعل" أو "تفعل"؛ نحو؛ تطاير وتطير؛ فلا يكسر ثالث مصدره، ولا تزاد قبل آخره ألف بل يضم ما قبل الآخر نظرا للأصل.
8 أي: من نقل حركة العين إلى الفاء، وقلب العين ألفا، ثم حذفها للساكن، وتعويض تاء التأنيث عنها، وجاء بالتصحيح؛ نحو: استحوذ استحواذا، واغيمت السماء إغياما.(3/204)
[قياس "تفعلل"] :
وقياس "تفعلل" وما كان على وزنه1: أن يضم رابعه؛ فيصير مصدرا؛ كتدحرج تدحرجا، وتجمل تجملا، وتشيطن تشيطنا، وتمسكن تمسكنا، ويجب إبدال الضمة كسرة -إن كانت اللام ياء-؛ نحو: التواني والتداني2.
[قياس "فعلل"] :
وقياس "فعلل" وما ألحق به: فعللة؛ كدحرج دحرجة، وزلزل زلزلة، وبيطر بيطرة، وحوقل حوقلة3؛ وفعلال: بالكسر، إن كان مضافعا4 كزلزال ووسواس5؛ وهو في غير المضاعف: سماعي، كسرهف سرهافا6؛ ويجوز فتح أول المضاعف، والأكثر أن يعني بالمفتوح اسم الفاعل7؛ نحو: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ} 8؛ أي: الموسوس.
[قياس "فاعل"] :
وقياس "فاعل"9، كضارب وخاصم وقاتل: الفعال والمفاعلة؛ ويمتنع
__________
1 أي: في الحركات والسكنات وعدد الأحرف وبدئ بتاء زائدة، وإن لم يكن من بابه، كما مثل المصنف.
2 أصلها: بضم ما قبل الياء؛ فقلبت الضمة كسرة؛ لتسلم الياء من قبلها واوا؛ لأن ذلك يؤدي إلى وجود ما لا نظير له في كلام العرب، وهو وجود واو مضموم ما قبلها في آخر الاسم المعرب. انظر التصريح: 2/ 76.
3 ذكر من الملحق ما كان على وزن "فعلل" و"فيعل" و"فوعل"، والباقي سبق بيانه؛ ومعنى بيطر: عالج الدواب وحوقل: ضعف عن الجماع للكبر.
4 المضاعف من الرباعي هو ما كانت فاؤه ولامه الأولى من جنس، وعينه ولامه الثانية من جنس آخر.
5 أي: وزن "فعلال".
6 يقال: سرهفت الصبي: إذا أحسنت غذاءه. ضياء السالك: 3/ 38.
7 أي: معنى اسم الفاعل، لا المصدر.
8 114 سورة الناس، الآية: 4.
9 أي: غير معتل الفاء بالياء؛ سواء دل على المشاركة -كما مثل المؤلف- أو لا؛ نحو: نادى نداء ومناداة.(3/205)
الفعال فيما فاؤه ياء1؛ نحو ياسر ويامن، وشذ ياومه يواما2.
وما خرج عما ذكرناه فشاذ3؛ كقولهم: كذب كذابا؛ وقوله4: [مشطور الرجز]
378- فهي تنزي دلوها تنزيا5
__________
1 وذلك لثقل الابتداء بالياء المكسورة.
2 المياومة: المعاملة بالأيام؛ كالمشاهرة.
3 فيكون مقصورا على السماع، ولا يقاس عليه، وإلى ذلك يشير ابن مالك بقوله:
"الفاعل الفعال والمفاعله
وغير ما مر السماع عادله"
أي أن مصدر "فاعل"؛ هو الفعال والمفاعلة. وما جاء مخالفا للمقيس من المصادر السالفة كلها فمقصور على السماع، لا يقاس عليه؛ ومعنى عادله: أي ساواه.
4 لم ينسب إلى قائل معين.
5 تخريج الشاهد: هذا بيت من مشطور الرجز، وبعده قوله:
كما تنزي شهلة صبيا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 76، وابن عقيل: 266/ 3/ 128، والأشموني: 711/ 2/ 349، والخصائص: 2/ 32، والمصنف: 2/ 195، المخصص: 3/ 104، 14/ 189. وشرح المفصل: 6/ 58، والمقرب: 101، والعيني: 3/ 571، اللسان: مادة "نزا"، و"شهل".
معنى الشاهد: أن هذه المرأة باتت تحرك دلوها بيدها حين تخرجه من البئر برفق ولين، كما تحرك العجوز الصبي حين ترقصه برفق ولين كذلك.
الإعراب: هي: ضمير رفع منفصل مبني على الفتح، في محل رفع مبتدأ. تنزي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل: هي. دلوها: مفعول به منصوب، وهو مضاف، و"ها": مضاف إليه؛ وجملة "تنزي دلوها": في محل رفع خبر المبتدأ. تنزيا: مفعول مطلق منصوب. كما: الكاف حرف تشبيه وجر، و"ما" مصدرية. تنزي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل. شهلة: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. صبيا: مفعول به منصوب؛ والمصدر المؤول من "ما المصدرية وما دخلت عليه": مجرور بالكاف؛ و"الجار والمجرور": متعلق بصفة محذوفة لـ"تنزيا" المصدر؛ والتقدير: تنزي دلوها تنزيا مشابها لتنزية شهلة صبيا.
موطن الشاهد: "تنزيا".
وجه الاستشهاد: مجيء "تنزيا" مصدرا للفعل "نزى" المعتل اللام والقياس: "تنزية" =(3/206)
وقولهم: تحمل تحمالا، وترامى القوم رميا، وحوقل حيقالا، واقشعر قشعريرة، والقياس: تكذيبا، وتنزية، وتحملا، وتراميا، وحوقلة، واقشعرارا.
[مصدر المرة والهيئة من الثلاثي] :
[مصدر المرة] :
فصل: ويدل على المرة1 من مصدر الفعل الثلاثي "بفَعْلَة"2، بالفتح،
__________
= نحو: توصية، وتزكية، وتعمية؛ لأن "التفعيل" مصدر "فعل" الصحيح اللام؛ فحكم مجيئه على هذا الومن شاذ، لا يقاس عليه.
فائدة: لخص بعض العلماء الحديثين مصادر الرباعي فيما يأتي:
أ- ما كان على وزن "أفعل" فمصدره "إفعال".
ب- ما كان على وزن "فَعَّل" فمصدره "تفعيل".
ج- ما كان على وزن "فَاعَل" فمصدره "فِعَال" أو "مُفَاعَلَة"؛ نحو؛ قاتل قتالا ومقاتلة.
د- ما كان على ومن "فعلل" فمصدره "فعللة"؛ نحو: دحرج دحرجة، وعلى "فعلال"؛ إن كان مضاعفا.
وأما الخماسي والسداسي؛ فالمصدر منهما يكون على وزن الماضي مع كسر ثالثه، وزيادة ألف قبل الآخر؛ إن كان مبدوءا بهمزة وصل؛ نحو: انطلق انطلاقا، واستخرج استخراجا. ومع ضم ما قبل آخره فقط؛ إن كان مبدوءا بتاء زائدة؛ نحو: تقدم تقدما، وتدحرج تدحرجا.
وإذا كانت عين الفعل ألفا؛ تحذف منه ألف الإفعال والاستفعال، ويعوض عنها التاء في الآخر؛ نحو: أقام إقامة، واستقام استقامة. وإذا كانت لامه ألفا؛ ففي "فَعَّل" تحذف ياء التفعيل، ويعوض عنها التاء؛ نحو: زكى تزكية. وفي "تفعل" "وتفاعل"؛ تقلب الألف ياء ويكسر ما قبلها؛ نحو: تأنى تأنيا. وفي غير ذلك، تقلب همزة إن سبقتها ألف؛ نحو: ألقى إلقاء، ووالى ولاء، واقتدى اقتداء، وارعوى ارعواء، واستولى استيلاء.
ضياء السالك: 3/ 40.
1 أي: على حصول الشيء مرة واحدة.
2 أي: إذا أريد الدلالة على المرة الواحدة، من مصدر الفعل الثلاثي -علاوة على معناه- أُتي بمصدره -مهما كانت صيغته -وجُعل على وزن "فَعْل" وزيدت عليه تاء التأنيث، فيصير "فعلة"، وشذ ما حكاه سيبويه من قولهم: أتيته إتيانا، ولقيته لقاءة؛ ويشترط أن يكون الفعل الثلاثي الذي تصاغ من مصدره المرة تاما متصرفا؛ فلا يصاغ من نحو: كاد وعسى. وأن يكون المصدر لأفعال صادرة عن الجوارح المدركة =(3/207)
كجلس جلسة، ولبس لبسة، إلا إن كان بناء المصدر العام عليها1؛ فيدل على المرة منه بالوصف2، كرحم رحمة واحدة.
[مصدر الهيئة من الثلاثي] :
ويدل على الهيئة3 "بفِعْلَة"، بالكسر، كالجلسة والركبة والقتلة4، إلا إن كان بناء المصدر العام عليها؛ فيدل على الهيئة بالصفة، ونحوها5؛ كنشد الضالة نشدة عظيمة.
[مصدر المرة من غير الثلاثي] :
والمرة من غير الثلاثي بزيادة التاء على مصدره القياسي6، كانطلاقة واستخراجة، فإن كان بناء المصدر العام على التاء؛ دل على المرة منه بالوصف7؛ كإقامة واحدة واستقامة واحدة.
__________
= بالحس؛ نحو: الضرب، والمشي، والجلوس، والقيام ... ؛ نحو: ضربة، وقعدة، وقومة. لا عن الأفعال الباطنة، نحو: العلم، والفهم، الجهل، والجبن، والبخل، فلا يقال: علمته علمة، ولا فهمته فهمة. وإلا يدل على صفة ثابتة ملازمة؛ فلا يصاغ من مثل: حسن، وجبن، وظرف، وقبح.
انظر ضياء السالك: 3/ 41، والتصريح: 2/ 77.
1 أي: على "فعلة" بالفتح. أما نحو: كدرة بالضم، ونشدة بالكسر؛ فيفتحان للمرة، ويكسران للهيئة، ولا يؤتى بالوصف معهما.
2 أي: بلفظ واحدة؛ أو ما يشابهها، أو بقرينة، تدل على الواحدة؛ نحو: أهلك الله ثمود بصيحة. ويتبين من هذا: أن للفعل الثلاثي الصالح للمرة مصدرين؛ أحدهما: مشهور على النحو السابق، والثاني: للدلالة على المرة؛ وهذا لا يعمل.
3 أي: هيئة الحدث وكيفيته عند وقوعه.
4 يعمل -هنا- ما سبق إيضاحه في "فعلة".
5 أي: بالصفة التي تدل على ما يراد من الهيئة؛ من حسن أو قبح أو زيادة أو نقص، أو غير ذلك من الأوصاف. ومثل الصفة: الإضافة؛ نحو؛ نشدة الملهوف.
التصريح: 2/ 77، وضياء السالك: 3/ 41-42.
6 أي: بدون زيادة أو نقص، أو أي تغيير.
7 أو بقيام قرينة تدل عليها.(3/208)
[لا يبنى من غير الثلاثي مصدر للهيئة] :
ولا يبنى من غير الثلاثي مصدر للهيئة1، إلا ما شذ من قولهم: اختمرت خمرة2، وانتقبت نقبة3، وتعمم عمة، وتقمص قمصة4.
__________
1 لأن بناء مصدر الهيئة منه، يهدم بنية الكلمة؛ ذلك؛ لأنه يستتبع حذف ما قصد إثباته فيها؛ لغرض من الأغراض؛ فاجتنب ذلك، واكتفي بالمصدر الأصلي مع وصفه، عندما تدعو الحال إلى ذلك. التصريح: 2/ 77.
2 أي: غطت رأسها بالخمار.
3 أي: سترت وجهها بالنقاب؛ أي: البرقع.
4 أي: غطى جسمه بالقميص.
وفيما تقدم يقول ابن مالك:
"في غير ذي الثلاث بالتا المره
وشذ فيه هيئة كالخمره"
والمعنى: تكون الدلالة على المرة من مصدر غير الثلاثي بزيادة التاء في آخره. أما الهيئة: فلا تجيء منه مباشرة، وشذ مجئيها منه؛ كالخمرة من اختمر.
التصريح: 2/ 77، وضياء السالك؛ 3/ 42.
ملحقات:
الملحق الأول: المصدر الميمي:
هو مصدر مبدوء زائدة لغير المفاعلة مصوغ من المصدر الأصلي للفعل، يعمل عمله، ويفيد معناه، مع قوة الدلالة وتأكيدها. وهو يصاغ من مصدر الفعل الثلاثي مطلقا غير المضعف -ما كانت عينه ولامه من جنس واحد- نحو: مد، وفر، وعد. مهما كانت صيغته على وزن "مفعل" بفتح العين؛ نحو؛ ملعب، ومسقط، ومصعد؛ إلا في حالة واحدة، فإنه يكون -فيها- على وزن "مَفْعِل" بكسر العين، وهي: أن يكون الثلاثي معتل الفاء بالواو، صحيح الآخر، فتحذف فاؤه في المضارع عند كسر عينه؛ نحو؛ موصل، وموعد، وموضع؛ فإن كان صحيح الفاء، أو معتلها بالياء، أو معتل الفاء واللام، أو غير مكسور العين في المضارع؛ نحو: وجل، فصيغته: "مَفْعَل" بالفتح، وشذ "المرجِع والمصير، والمعرفة، والمغفرة، وقد ورد فيها الفتح على القياس.
ويصاغ المصدر الميمي من غير الثلاثي على وزن اسم المفعول؛ أي: علم وزن المضارع مع إبدال أوله ميما مضمومة، وفتح ما قبل الآخر، إن لم يكن مفتوحا؛ نحو؛ معرف، ومتعاون، ومكرم؛ من عرف، وتعاون، وأكرم.
والمصدر الميمي: يلازم الإفراد، ولا تلحقه تاء التأنيث إلا سماعا؛ نحو: المحبة، =(3/209)
..................................................
__________
= والمودة، والمسرة، والموعظة. وقد ترد صيغة "مفعلة" لبيان سبب الفعل؛ ومن ذلك قوله عليه السلام: "الولد مبخلة مجبنة محزنة" وذلك مقصور على السماع كما ترد هذه الصيغة؛ للدلالة على مكان كثرة مسماها؛ نحو؛ مأسدة، ومسبعة، مفعاة؛ أي مكان تكثر فيه الأسود، والسباع، والأفاعي.
وقد أجاز المجمع اللغوي أن تصاغ "مفعلة" قياسا من أسماء الأعيان الثلاثية الأصول للمكان الذي تكثر فيه هذه الأعيان؛ سواء أكانت من الحيوان، أم من النبات، أم من الجماد.
الملحق الثاني: أسماء الزمان والمكان:
هما اسمان مصوغان من المصدر الأصلي للفعل؛ للدلالة على زمان الفعل أو مكانه؛ زيادة على المعنى المجرد الذي يدل عليه ذلك المصدر؛ وهما يصاغان من الثلاثي على وزن "مَفْعَل" -بفتح العين- إن كان معتل اللام مطلقا، أو صحيحها، ولم تكسر عين مضارعه؛ نحو: مرمى، ومسعى، ومدعى، ومنظر، ومذهب. ويصاغان على وزن "مَفْعِل" -بكسر العين- إن كان مثالا واويا صحيح اللام مطلقا، أو كانت عين مضارعه مكسورة؛ نحو؛ موعد، وميسر، ومجلس، ومبيع، وشذ مما تقدم: المنسك، والمطلع، والمشرق، والمغرب، والمفرق، والمنبت، والمسقط، والمسكن، والمسجد، والمجزر، وسمع الفتح في بعضها على القياس؛ وقيل: لا شذوذ في ذلك؛ لأنها أسماء لأمكنة وأزمنة مخصوصة معينة؛ ولم يذهب بها النحاة مذهب الفعل.
ويُصاغان من غير الثلاثي على زنة اسم المفعول؛ نحو؛ مكرم، ومستخرج، ومستعان به، من أكرم، واستخرج، واستعان.
واسما الزمان والمكان مشتقان؛ ولكنهما لا يعملان عمل الفعل؛ وتعيين المراد من الزمان أو المكان خاضع للقرائن.
ويتبين مما تقدم: أن صيغة الزمان والمكان، والمصدر الميمي واحدة في غير الثلاثي، وكذلك في الثلاثي، إلا فيما يأتي:
1- في المثال الصحيح اللام الذي لا تحذف فاؤه في المضارع.
2- وفي السالم المكسور العين في المضارع؛ فإن المصدر الميمي فيهما على ومن "مَفْعَل" بفتح العين؛ نحو؛ موجل، ومنزل. واسم الزمان والمكان على وزن "مفعل" -فيهما- وعند الاتفاق في الصيغة؛ يكون التمييز بينها بالقرائن.
الملحق الثالث: المصدر الصناعي:
هو كل لفظ جامد أو مشتق، اسم أو غيره، زيد في آخره ياء مشددة، بعدها تاء تأنيث مربوطة، ليدل على معنى مجرد، هو مجموع الصفات الخاصة بذلك اللفظ، نحو: =(3/210)
..................................................
__________
= الحرية، والإنسانية، والوطنية، والوحشية ... ؛ وهو قياسي في هذا، وليس له صيغ أخرى؛ والحاجة إليه ماسة وبخاصة في علم الكيمياء، وغيره من العلوم الطبيعية؛ وهو من المولد المقيس على كلام العرب. وقد قرره المجمع اللغوي بالقاهرة، فقال: "إذا أريد صنع مصدر من كلمة يزاد عليها ياء النسب والتاء".
المحلق الرابع: اسم الآلة.
اسم يدل على الأداة التي تعين الفاعل في عمل ما يفعل؛ وهو يصاغ قياسا من الفعل الثلاثي المتعدي -غالبا- وينقسم إلى قسمين؛ مشتق وجامد.
فالمشتق أوزانه ثلاثة هي: "مفعال"؛ نحو: مفتاح، ومنشار، ومصباح، ومقراض.
و"مِفْعَل"؛ نحو: مبرد، ومقص، ومخلب، ومخيط، ومنجل.
و"مِفْعَلة"؛ نحو؛ مكنسة، ومصفاة، ومسرجة.
والجامد: ليس له وزن مخصوص، وإنما يأتي على أوزان شتى، لا يحدها ضابط؛ نحو: الفأس، والقدوم، والسكين ... ؛ وأما نحو: المدهن، والمنخل، والمسقط، والمكحلة؛ فالصحيح: أنها أسماء أوعية مخصوصة، وليست جارية على فعلها. انظر هذه الملحقات في ضياء السالك: 3/ 42-44.
فائدة: أوصى المجمع اللغوي بالقاهرة، باتباع صيغ المسموع من أسماء الآلات، فإذا لم يسمع وزن منها لفعل؛ جاز أن يصاغ من أي وزن من الأوزان الثلاثة المتقدمة.(3/211)
هذا باب أبنية أسماء الفاعلين والصفات المشبهات بها:
[الوصف القياسي من "فعل" مثلث العين] :
يأتي وصف الفاعل من الفعل الثلاثي المجرد1 على فاعل2 بكثرة في فَعَل، بالفتح، متعديا كان كضربه وقتله، أو لازما كذهب وغذا، بالغين والذال المعجمتين، بمعنى سال3، وفي فعل بالكسر متعديا كأمنه وشربه وركبه، ويقل في القاصر؛ كسلم، وفي فَعُل بالضم؛ كفَرُهَ4.
[أوزان الصفة المشبهة من باب فرح] :
وإنما قياس الوصف من فَعِلَ اللازم5: "فَعِل" في الأعراض5؛ كفرح
__________
1 بشرط أن يكون متصرفا، سواء أكان متعديا، أو لازما.
2 وإن كانت عين الماضي ألفا؛ نحو؛ قال، وباع؛ قلبت همزة، تقول: قائل، وبائع؛ وإن كان ماضيه ناقصا؛ نحو: دعا، ورمى، وسعى؛ تحذف لامه في حالتي الرفع والجر؛ تقول: داعٍ، ورامٍ، وساعٍ.
التصريح: 2/ 77.
3 غذا الماء: إذا سال، وغذا العرق: إذا سال دمه؛ وهو يستعمل متعديا بمعنى: "ربى"، تقول: غذوت الصبي باللبن؛ إذا ربيته به؛ واسم الفاعل في الحالتين: "غاذ".
4 الفاره من الناس: الحاذق بالشيء، والمليح الحسن؛ ومن الدواب: الجيد السير؛ يقال: رجل فاره؛ أي: حاذق. وجارية فرهاء؛ أي: حسناء؛ وفره الفرس يفره -بالضم: نشط وخف في السير.
التصريح: 2/ 77.
5 يسمى هذا الباب "باب فرح"، وتأتي الصفةالمشبهة -منه- على ثلاثة أوزان قياسية، ذكرها المؤلف، ومثل لها؛ وتعرف الصفة المشبهة باسم الفاعل، بأنها: اسم مشتق مصوغ من مصدر الفعل الثلاثي اللازم؛ للدلالة على ثبوت صفة لصاحبها ثبوتها عاما مستمرا.
6 المراد بالأعراض: الأمور والمعاني التي تطرأ على الذات، وتزول سريعا، وتتجدد =(3/212)
وأشر1، و"أفعل" في الألوان والخلق2؛ كأخضر، وأسود، وأكحل3، وألمى4، وأعور وأعمى؛ و"فعلان" فيما دل على الامتلاء، وحرارة الباطن5؛ كشبعان، وريان، وعطشان6.
[أوزان الصفة المشبهة من باب "فَعُل"] :
وقياس الوصف من "فَعُل" -بالضم- فعيل كظريف وشريف، ودونه "فَعْل"؛ كشهم وضخم، ودونهما "أفْعَل"؛ كأخطب7 إذا كان أحمر إلى الكدرة، و"فَعَل" كبطل8 وحسن، و"فَعَال"، بالفتح، كجبان9، و"فُعَال" بالضم؛ كشجاع،
__________
= وتتردد على صاحبها؛ نحو؛ الفرح، والحزن، والألم؛ فخرجت الألوان والأشياء الخلقية، تقول: فرح فهو فرح، وأشر فهو أشر، وتعب فهو تعب، وحذر فهو حذر؛ ومؤنث "فَعِل" -هذا- "فَعِلة". وشذ من هذا الباب: مريض، وكهل؛ لأنهما عرضان.
انظر التصريح: 2/ 77-78.
1 الأشر: الذي لا يحمد النعمة والعافية.
2 الخلق: جمع خلقة؛ وهي الحالة الظاهرة الدائمة في البدن؛ من عيب، أو لون، أو حلية. ومؤنث -أفعل- هذا "فعلاء"؛ تقول: عور فهو أعور، ومؤنثه: عوراء.
3 الأكحل: أسود العينين من غير اكتحال؛ والأنثى: كحلاء.
4 الألمى: أسود حمرة الشفتين؛ والأنثى: لمياء.
5 الواو بمعنى "أو"؛ لأن المقصود: أنه ينقاس فيما يدل على امتلاء، أو خلو، أو نحو ذلك، مما يطرأ، ويتكرر، ولكنه يزول ببطء، ومؤنثه: "فعلى"؛ نحو: ظمآن وظمأى.
انظر التصريح: 2/ 88.
6 شبعان وريان: يدلان على الامتلاء، وعطشان: يدل على حرارة الباطن؛ ومثله ظمآن، وصديان؛ بمعنى عطشان.
التصريح: 2/ 88.
7 ذكر في التصريح: أنه بالخاء والظاء المعجمتين؛ وليس لهذه المادة أثر في كتب اللغة؛ والذي فيها: خطب، غير أن فعله من باب "فرح"، وخطُب بالضم؛ صار خطيبا. فلعل التمثيل بهذا اللفظ سهو من المؤلف. انظر التصريح: 2/ 78، وضياء السالك: 3/ 49.
8 يقال: بطل الرجل؛ إذا صار بطلا.
9 يكثر هذا الوزن في المؤنث. يقال: حصنت المرأة فهي حصان، ورزنت فهي رزان؛ والرزان: المتوقرة غير الطائشة.(3/213)
و"فُعُل"؛ كجنب، و"فِعْل"؛ كعفر؛ أي شجاع ماكر1.
وقد يستغنون عن صيغة "فاعل" من فعل، بالفتح، بغيرها2، كشيخ وأشيب وطيب وعفيف3.
[لا يكون "فاعل" صفة مشبهة إلا إذا أضيف إلى مرفوعه] :
تنبيه: جميع هذه الصفات صفات مشبهة4؛ إلا "فاعلا"؛ كضارب وقائم، فإنه اسم فاعل، إلا إذا أضيف إلى مرفوعه5؛ وذلك فيما دل على الثبوت كـ"طاهر القلب"، و"شاحط الدار"؛ أي: بعيدها؛ فصفة مشبهة أيضا6.
__________
1 العفر: -بالكسر- الخبيث الماكر؛ ومنه العفريت؛ وبالضم: الشجاع الجلد.
انظر التصريح: 2/ 78.
2 محل الاستغناء: ما لم يكن له وزن قياسي من المسموع. أما ما استعمل له قياس وسمع غيره؛ فليس موضع الاستغناء؛ نحو: مال فهو مائل وأميل؛ قاله الشاطبي.
الترصيح: 2/ 78.
3 ذكر المؤلف لباب "فعل" عشرة أوزان قياسية؛ بعضها كثير الاستعمال، وبعضها قليل، والبعض أقل؛ وهي موزعة بين البابين، كما سيأتي؛ منها ما هو خاص بباب كرم، وهو "فعَل وفعُل وفعال وفعال". أما، أفعل وفعلان: فيختصان بباب "فرح". ويشترك بين البابين: "فَعْل وفعل وفعيل وفَعِل".
ضياء السالك: 3/ 50.
4 أي: إذا قصد بها الدلالة على الثبوت والاستمرار كانت صفات مشبهة باسم الفاعل؛ وأما إذا قصد بها الحدوث فهي أسماء فاعلين؛ ولكن هل يجب -حينئذ- أن تحول إلى صيغة "فاعل"؛ فتقول: ضائق، وسائد، وفارح؛ في ضيق وسيد وفرح؟، أم يجوز بقاء زنتها، مع هذا القصد؟.
والجواب: لعل الأقرب إلى الصواب: أنه لا يجب التحويل إلا إذا قصد التنصيص على إرادة الحدوث؛ ولا يختص وزن "فاعل" بجواز قصد الثبوت والاستمرار، بل يجري ذلك في أسماء الفاعلين من غير الثلاثي. وقد مثل المؤلف للصفة المشبهة، بمستقيم الرأي، ومعتدل القامة؛ وهذا يدل على أن زنة اسم الفاعل من غير الثلاثي، تكون أحيانا صفة مشبهة.
انظر التصريح: 2/ 78-79.
5 أي: في المعنى، وكذلك إذا نصبه.
6 يلاحظ في هذا: أن موازن "فاعل"، لا يكون صفة مشبهة إلا إذا قصد به الدوام =(3/214)
[مجيء اسم الفاعل من غير الثلاثي المجرد] :
فصل: ويأتي وصف الفاعل من غير الثلاثي المجرد بلفظ مضارعه1، بشرط الإتيان بميم مضمومة مكان حرف المضارعة، وكسر ما قبل الآخر2 مطلقا؛ سواء كان مكسورا في المضارع؛ كـ"منطلق" و"مستخرج" أو مفتوحا كـ"متعلم" و"متدحرج".
__________
= والاستمرار، وأضيف إلى مرفوعه، أو نصبه. وكذلك اسم الفاعل من غير الثلاثي -كما بينا- وكما سيمثل به المؤلف في باب الصفة المشبهة من قوله: "مستقيم الرأي"، ومعتدل القامة؛ مما يدل صراحة على أن الوصف من غير الثلاثي، يكون صفة مشبهة.
1 وشذ من ذلك ألفاظ؛ منها: أيفع الغلام -إذا شب- فهو يافع؛ وأورس النبت -إذا اصفرّ لونه- فهو وارس؛ وأحصرت الناقة -إذا ضاق مجرى لبنها- فهي حصور؛ وأعقت الفرس -إذا حملت- فهي عقوق. وقيل: إنه سمع: يفع، وورس، فيكون يافع ووارس -حينئذ- مما استغنى فيه باسم الفاعل الثلاثي عن اسم فاعل غيره، وجاء "مورس" قليلا.
2 أي: ولو تقديرا؛ نحو: مختار ومعتل؛ اسمي فاعل من اختار، واعتل؛ فإن الكسر فيهما مقدر. وشذ فتح ما قبل الآخر في "مسهب" من "أسهب"؛ إذا تكلم كثيرا؛ و"محصن" من "أحصن"، إذا تزوج؛ و"ملقح" من "ألقح الفحل الناقة".
التصريح: 2/ 79.(3/215)
[باب أبنية أسماء المفعولين]
هذا باب أبنية أسماء المفعولين1:
[مجيء اسم المفعول من الثلاثي] :
يأتي وصف المفعول من الثلاثي المجرد2 على زنة "مفعول"؛ كـ"مضروب" و"مقصود"، و"ممرور به"3 ومنه: مبيع، ومقول، ومرمي، إلا أنها غيرت4.
[مجيء اسم المفعول من غير الثلاثي] :
ومن غيره بلفظ مضارعه، بشرط الإتيان بميم مضمومة مكان حرف
__________
1 اسم المفعول هو: اسم مشتق يصاغ من مصدر الفعل المبني للمجهول؛ للدلالة على معنى مجرد حادث، وعلى من وقع عليه هذا المعنى.
2 بشرط أن يكون تاما متصرفا؛ لأن الجامد، لا يبنى منه اسم مفعول، ولا اسم فاعل، ولا صفة مشبهة؛ ما لا يأتي منه مصدر ولا غيره من المشتقات.
3 هذا مثال لبناء اسم المفعول من اللازم بالصلة؛ لأن اسم المفعول، لا يصاغ من اللازم إلا مع الظرف، أو الجار والمجرور، أو المصدر.
التصريح: 2/ 80.
4 أي: غيرت لفظا عن زنة "مفعول"، والأصل: مبيوع، ومقوول، ومرموي، فنقلت حركة الياء والواو في الأولين إلى الساكن قبلهما؛ ثم قلبت الضمة كسرة في الأول؛ لتسلم الياء. وحذفت الواو من الثاني؛ لالتقاء الساكنين. أما الثالث: فقد قلبت الواو ياء، وأدغمتا؛ لاجتماعهما؛ وسبقت إحداهما بالسكون، ثم قلبت الضمة كسرة لمناسبة الياء.
وإذا كان اسم المفعول مؤنثا، وجب زيادة تاء التأنيث في آخره، فتقول: فاطمة منزهة عن فحش القول.
التصريح: 2/ 80.(3/216)
المضارعة، وإن شئت فقل: بلفظ اسم فاعله؛ بشرط فتح ما قبل الآخر1؛ نحو: المال مستخرج، وزيد منطلق به.
[إنابة فعيل عن مفعول] :
وقد ينوب "فعيل" عن "مفعول"2؛ كـ"دهين"، و"كحيل"، و"جريج"، و"طريح"، ومرجعه إلى السماع3؛ وقيل: ينقاس فيما ليس له "فعيل" بمعنى "فاعل"4؛ نحو: قدر ورحم؛ لقولهم: قدير ورحيم5.
__________
1 أي: في اسم الفاعل.
2 أي: أن اسم المفعول من الثلاثي، قد يأتي على وزن "فعيل"، بدلا من "مفعول"؛ فيدل على معناه، ولكن لا يعمل عمله عند كثير من النحاة؛ فلا يقال: مررت برجل كحيل عينه؛ أو قتيل أبوه؛ أو ذبيح كبشه، وأجاز ذلك ابن عصفور في "المقرب"، واستحسنه بعضهم.
وكذلك ينوب عن "مفعول" -على قلة- "فِعْل"؛ نحو: ذبح، وطحن بمعنى: مذبوح ومطحون. وينوب عن "مفعول" أيضا: "فَعَل"؛ نحو: "عدد" بمعنى: معدود. و"فُعْلَة"؛ نحو: مضغة بمعنى: ممضوغ؛ وغرفة بمعنى مغروف، وأكلة بمعنى مأكول. ضياء السالك: 3/ 53.
3 أي: يقتصر في ذلك على المسموع والمنقول عن العرب؛ وفي هذا يقول ابن مالك:
"وناب نقلا عنه ذو "فعيل" ... نحو فتاة أو فتى كحيل"
والمعنى: ينوب "فعيل" عن اسم المفعول من الثلاثي؛ وهذا منقول عن العرب ومسموع منهم. تقول: فتاة كحيل؛ بمعنى مكحول العين، وفتى كحيل كذلك؛ مع ملاحظة أن صيغة "فعيل" -بمعنى مفعول- يستوي فيها المذكر والمؤنث غالبا.
4 أي: كقتيل وجريح؛ وذلك لعدم اللبس فيه، بخلاف ما له ذلك، فإنه ليتبس بالفاعل.
5 أي: بمعنى "قادر" و"راحم"، وهذا تمثيل للمنفي، والتعليل لمحذوف؛ أي؛ إنما كان الفعلان لهما "فعيل" بمعنى "فاعل". وأما ما ليس له "فعيل" بمعنى "فاعل"، فنحو: جريح وقتيل.
التصريح: 2/ 80.(3/217)
هذا باب إعمال الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي إلى واحد1
[تعريف الصفة المشبهة العاملة] :
وهي: الصفة التي استحسن فيها أن تضاف؛ لما هو فاعل في المعنى2، كـ"حسن الوجه"، و"نقي الثغر"، و"طاهر العرض".
فخرج نحو: "زيد ضارب أبوه" فإن إضافة الوصف فيه، إلى الفاعل ممتنعة3؛ لئلا توهم الإضافة إلى المفعول؛ ونحو: "زيد كاتب أبوه"؛ فإن إضافة الوصف فيه، وإن كانت لا تمتنع4 لعدم اللبس؛ لكنها لا تحسن؛ لأن الصفة لا تضاف لمرفوعها؛ حتى يقدر تحويل إسنادها عنه، إلى ضمير موصوفها؛ بدليلين؛
__________
1 حق الصفة المشبهة أن تكتفي بمرفوعها، ولا تعمل النصب، لمباينتها الفعل بدلالتها على الثبوت؛ ولأنها مشتقة من مصدر الفعل الثلاثي اللازم وهو لا ينصب، ولكنها لما أشبهت اسم الفاعل المتعدي لواحد نصب مفعولها مثله، على التشبيه بالمفعول به، ووجده الشبه بينها وبين اسم الفاعل: أنها تدل على الحدث وصاحبه مثله، وأنها تقبل التثنية والجمع والتذكير والتأنيث غالبا، ويشترط في عملها النصب على التشبيه بالمفعول به: الاعتماد، كاسم الفاعل. ومن هذا كله: سميت بذلك الاسم.
2 قيد الفاعل بالمعنى؛ لأن الصف لا تضاف للفاعل إلا بعد تحويل الإسناد عنه إلى ضمير الموصوف، فلم يبق فاعلا إلا من جهة وقوعه بعدها واتصافه بمعناها والمراد: استحسان الجر بنوعها لا بشخصها؛ لئلا يرد صور امتناع الجر، وضعفه كما سيأتي. الأشموني مع الصبان: 3/ 2/ 3.
3 أي: وإن قصد به الثبوت والدوام كما بينه المصنف. وأجازهما بعض النحاة إذا قصد الثبوت، وأمن اللبس عند الإضافة للمفعول. وآخرون أجازوا إذا قصد الثبوت، ويحذف المفعول اقتصارا، ويكون من باب الصفة المشبهة.
التصريح: 2/ 81.
4 وذلك إذا قصد به الدوام، والثبوت؛ لأنه حينئذ يكون صفة مشبهة. أما إذا قصد به الحدوث والتجدد فإن إضافته ممتنعة.(3/218)
أحدهما: أنه لو لم يقدر كذلك لزم إضافة الشيء إلى نفسه1.
والثاني: أنهم يؤنثون الصفة في نحو: "هند حسنة الوجه"2؛ فلهذا حسن أن يقال: "زيد حسن الوجه"؛ لأنه من حسن وجهه حسن أن يسند "الحسن" إلى جملته مجازا3، وقبح أن يقال: "زيد كاتب الأب"؛ لأن من كتب أبوه لا يحسن أن تسند الكتابة إليه4، إلا بمجاز بعيد5.
وقد تبين أن العلم بحسن الإضافة، موقوف على النظر في معناها؛ لا على معرفة كونها صفة مشبهة؛ وحينئذ فلا دور في التعريف المذكور؛ كما توهمه ابن الناظم6.
[ما تختص به الصفة المشبهة عن اسم الفاعل] :
فصل: وتختص هذه الصفة عن اسم الفاعل بخمسة أمور:
أحدها: أنها تصاغ من اللازم دون المتعدي7؛ كـ"حسن" و"جميل"؛ وهو يصاغ منهما، كقائم وضارب.
__________
1 لأن الصفة نفس مرفوعها في المعنى، واللازم باطل فالملزوم مثله.
2 فلو لم تكن الصفة مسندة إلى ضمير الموصوف؛ وهو هند، لذكرت كما تذكر مع المرفوع.
3 أي: في الإسناد إلى الجزء، وإرادة الكل، والباعث عليه قصد التخفيف.
4 لأن الأب ليس جزءا من الابن، فلا يسوغ أن يطلق أحدهما ويراد الآخر.
5 وهو الإسناد إلى المضاف إليه وإرادة المضاف.
6 حيث قال: إن هذه الخاصة -وهي الإضافة إلى الفاعل- لا تصلح للتعريف بالصفة المشبهة وتمييزها؛ لأن العلم بالصفة المشبهة متوقف على استحسان إضافتها للفاعل، واستحسان الإضافة متوقف على العلم بكونها صفة مشبهة، فجاء الدور. وقد دفع المصنف ذلك بما حاصله: أن العلم باستحسان الإضافة موقوف على النظر في المعنى الثابت للفاعل، لا على العلم بكونها صفة مشبهة.
التصريح: 2/ 81.
7 ما لم ينزل منزلة اللازم، أو يحول إلى "فعل" بالضم، كما في رحمن ورحيم فإنهما صفتان من رحم، وهو متعدٍّ.(3/219)
الثاني: أنها للزمن الحاضر الدائم1، دون الماضي المنقطع والمستقبل؛ وهو يكون لأحد الأزمنة الثلاثة2.
الثالث: أنها تكون مجارية للمضارع في حركه وسكونه؛ كـ"طاهر القلب" و"ضامر البطن"، و"مستقيم الرأي" و"معتدل القامة" وغير مجارية له؛ وهو الغالب في المبنية من الثلاثي3 كـ"حسن"، و"جميل"، و"ضخم"، و"ملآن"؛ ولا يكون اسم الفاعل إلا مجاريا له.
الرابع: أن منصوبها لا يتقدم عليها4؛ بخلاف منصوبه5، ومن ثم صح النصب في نحو "زيدا أنا ضاربه"6، وامتنع في نحو: "زيد أبوه حسن وجهه"7.
الخامس: أنه يلزم كون معمولها سببيا8؛ أي: متصلا بضمير موصوفها؛ إما
__________
1 أي: الثابت في الأزمن الثلاثة لا خصوص الحال. ودلالة الصفة المشبهة على الدوام عقلية لا وضعية. لأنه لما انتفى عنها الحدوث والتجدد ثبت الدوام عقلا؛ لأن الأصل في كل ثابت دوامه.
2 فلا يقال حسن الوجه أمس، أو غدا.
3 أما المبنية من مصدر غير الثلاثي، فلا بد من مجاراتها لمضارعها، والمجارة: تساوي عدد الحروف المتحركة والساكنة في كل منهما، وأن يكون ترتيب المتحرك والساكن فيهما متماثلا.
4 لأنه كان فاعلا في الأصل، أو لأنه فرع اسم الفاعل.
5 فإنه يجوز تقديمه، إذا كان غير مقرون بأل نحو: العواصف شجرا مقتلعة. أما المقترن بأل؛ أو المجرور بإضافة، أو حرف جر أصلي فيمتنع تقديم منصوبه. ففي مثل، هذا غلام قاتل زيدا، ومررت بضارب زيدا، يمتنع تقدم "زيدا". أما نحو: لست بضارب زيدا، فلا يمتنع لزيادة الجار. أما المرفوع والمجرور فلا يتقدمان فيهما؛ لأن المرفوع فاعل، والمجرور مضاف إليه وكلاهما لا يتقدم.
6 أي: بنصب زيد على الاشتغال، لصحة عمل ضارب المذكور فيه لو ترفع من الضمير، وما يعمل في المتقدم يفسر عاملا فيه.
7 فلا يصح نصب الأب بصفة محذوفة معتمدة على زيد، تفسرها الصفة المذكورة المشتغلة بنصب سببيه وهو "وجهه"؛ لأن الصفة المشبهة لا تعمل في متقدم وما لا يعمل لا يفسر عاملا، فوجب رفعه على أنه مبتدأ ثان، و"حسن" خبره والجملة خبر "زيد".
8 أي: إذا كان مجرورا أو منصوبا على التشبيه بالمفعول به، وكذلك إذا كان معمولها =(3/220)
لفظا؛ نحو: "زيد حسن وجهه"، وإما معنى؛ نحو: "زيد حسن الوجه"، أي: منه1؛ وقيل: إن "أل" خلف عن المضاف إليه2؛ وقول ابن الناظم: إن جواز نحو: "زيد بك فرح"3 مبطل لعموم قوله إن المعمول لا يكون إلا سببيا مؤخرا. مردود؛ لأن المراد بالمعمول ما عملها فيه لحق الشبه، وإنما عملها في الظرف بما فيها من معنى الفعل؛ وكذا عملها في الحال، وفي التمييز4، ونحو ذلك؛ بخلاف اسم الفاعل5.
__________
= مرفوعا، والصفة جارية على الموصوف. والمراد بالسببي: ما ليس أجنبيا من الموصوف، فيشمل الضمير البارز المتصل. نحو: حسن الوجه طلقه أنت، فيجوز في الهاء أن تكون في محل نصب أو جر "لطلق"، و"حسن الوجه طلقه" خبران مقدمان، و"أنت" مبتدأ مؤخر.
1 "فالوجه" معمول لحسن، وهو سببي؛ لأنه متصل بضمير الموصوف معنى، وهو "زيد"، وقد حذف الضمير مع حرف الجر، ولكنه ملحوظ كأنه موجود، وهذا رأي البصريين.
2 وهو الضمير، وعلى ذلك فلا حذف، وهذا رأي الكوفيين. واعترض عليه بأنه قد يصرح بالضمير مع أل، كما في قول طرفة بن العببد في معلقته:
رحيب قطاب الجيب منها رقيقة ... بجس الندامى بضة المتجرد
والشاهد في "الجيب منها". رحيب: متسع. قطاب الجيب: مخرج الرأس منه. والجس: اللمس. البضة: البيضاء الرخصة. المتجرد: جسدها المتجرد من ثيابها. وعلى الرغم من هذا الاعتراض يستحسن بعض العلماء رأي الكوفيين؛ لخلوه من الحذف والتقدير. وعليه يكون السببي هو: المتصل بضمير صاحب الصفة، أو بما يغني عن الضمير.
التصريح: 2/ 83.
3 أي: مما تقدم فيه المعمول -وهو هنا "بك"- على الصفة، وهي "فرح" مع أنه غير سببي؛ لأنه ليس اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير يعود إلى الموصوف وهو "زيد".
4 مثال الحال: محمد حسن وجهه طلقه، ومثال التمييز: علي فصيح قولا.
5 فإنه لقوة شبهه بالفعل يعمل في متأخر ومتقدم، وفي سببي، وأجنبي. هذا؛ ومما تختص به الصفة المشبهة أيضا:
أ- أنها لا تعمل محذوفة، فلا يجوز: هذا حسن القول والفعل، بنصب "الفعل" على تقدير: وحسن الفعل. أما اسم الفاعل فيجوز: أنت ضارب اللص والخائن. =(3/221)
[أحوال معمول الصفة المشبه في الإعراب] :
فصل: لمعمول هذه الصفة ثلاث حالات: الرفع على الفاعلية، وقال الفارسي: أو على الإبدال من ضمير مستتر في الصفة1؛ والخفض بالإضافة والنصب على التشبيه بالمفعول به؛ إن كان معرفة، وعلى التمييز إن كان نكرة2، والصفة مع كل من الثلاثة؛ إما نكرة، أو معرفة، وكل من هذه الستة3 للمعمول معه ست حالات؛ لأنه إما بأل؛ كـ"ـالوجه"، أو مضاف لما فيه أل كـ"ـوجه الأب"، أو مضاف للضمير كـ"وجهه"، أو مضاف لمضاف للضمير كـ"وجه أبيه"، أو مجرد كـ"ـوجه"، أو مضاف إلى المجرد كـ"ـوجه"، أو مضاف إلى المجرد كـ"وجه أب"؛ فالصور ست وثلاثون، والممتنع منها أربعة4؛ وهي: أن تكون الصفة بأل والمعمول مجردا منها ومن الإضافة إلى
__________
= ب- ولا يجوز أن يفصل بينها وبين معمولها المرفوع، أو المنصوب بظرف، أو جاو ومجرور عند الجمهور.
ج- وأنه لا يراعي لمعمولها المجرور مجل بالعطف أو غيره، بخلاف اسم الفاعل في ذلك كله.
د- ولا تتعرف بالإضافة مطلقا بخلاف اسم الفاعل؛ فإنه يتعرف بها إذا كان بمعنى الماضي فقط، وأريد به الاستمرار؛ فيلحظ في هذا الاستمرار جانب المضي وحده.
هـ- وأن "أل" الداخلة عليها حرف تعريف، أما الداخلة عليه فاسم موصول ومعرفة معا، على الأصح فيهما.
انظر ضياء السالك؛ 3/ 60.
1 أي: بدل بعض من كل إذا أمكن ذلك لا مطلقا. قال الصبان: ويتعين الرفع على الفاعلية في نحو: مررت بامرأة حسن الوجه؛ لأن الصفة لو تحملت الضمير لوجب تأنيث الوصف بالتاء. ويتعين عدم في نحو: مررت بامرأة حسنة الوجه؛ لأن الوجه لوكان فاعلا لوجب تذكير الوصف. ويجوز الأمران في نحو:
مررت برجل حسن الوجه.
حاشية الصبان على شرح الأشموني: 3/ 8.
2 ويجوز أيضا في النكرة أن تنصب على التشبيه بالمفعول به.
3 أي: الحاصلة من ضرب وجوه الإعراب الثلاثة في حالتي تنكير الصفة وتعريفها.
4 لا يصح فيها إضافة الصفة المشبهة إلى معمولها وجره.(3/222)
تاليها؛ وهو مخفوض1، كـ"ـالحسن وجهه"2 أو "وجه أبيه" أو "وجه" أو "وجه أب".
__________
1 لأنه يلزم عليه إضافة ما فيه أل إلى المجرد منها، ومن الإضافة لتاليها، أو لضمير تاليها، وذلك ممنوع كما تقدم إيضاحه في باب الإضافة.
وهذا في الصفة المفردة. أما المثناة والمجموعة جمع مذكر سالم فتجوز إضافتها مطلقا.
2 محل الامتناع في هذا، وفي الأمثلة الثلاثة بعده، إذا كان الموصوف غير محلى بأل كزيد مثلا، وإلا جاز الجر، تقول: مررت بالرجل الحسن وجهه ... إلخ؛ لأن معمول الصفة حينئذ مضاف لضمير ما فيه أل.
هذا: وتنقسم الصور الجائزة إلى ثلاثة أقسام: قبيح، وضعيف، وحسن. فالقبيح: رفع الصفة مجردة، أو مع أل نكرة، ويشمل ذلك أربع صور. ووجه القبح خلو الصفة لفظا من ضمير الموصوف.
والضعيف: نصب الصفة المنكرة -المعارف مطلقا- وجرها المضاف إلى ضمير الموصوف، أو إلى المضاف إلى ضميره، وذلك ست صور. ووجه الضعف إجراء وصف القاصر مجرى وصف المتعدي في حالة النصب، وشبه إضافة الشيء إلى نفسه في حالة الجر.
والحسن ما عدا ذلك وهو اثنتنان وعشرون صورة.
التصريح؛ 2/ 84-86. الأشموني: 2/ 360، والأشموني مع الصبان: 3/ 9.(3/223)
[باب التعجب] :
هذا باب التعجب1:
[صيغ التعجب] :
وله عبارات كثيرة، نحو: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} 2،
__________
1 هو انفعال وتأثر داخلي يحدث في النفس عند استعظام أمر له مزية ظاهرة بسبب زيادة فيه. جعلته نادرا ولا نظير له، وقد خفي سببها. قيل: ولعل هذا معناه اللغوي. أما عند النحاة فهو: استعظام زيادة في وصف الفاعل خفي سببها، وخرج بها المتعجب به عن أمثاله، أو قل نظيره فيها. وهذا يفسر اشتراط أن يكون الفعل الذي تؤخذ من مصدره صيغة التعجب مبنيا للمعلوم؛ فلا يتعجب مما لا زيادة فيه، ولا مما ظهر سببه، ولهذا يقال: إذا ظهر السبب بطل العجب. وأيضا، لا يوصف المولى سبحانه بأنه متعجب؛ لأنه لا يخفى عليه سبحانه شيء. وما ورد في كلامه، أو في الحديث الشريف، أو غيرهما مما يدل على التعجب، فالمراد منه: إما توجيه المخاطبين إلى إظهار العجب نحو: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} أي: أن حالهم تستدعي أن يتعجب منها. أو المراد لازمه وهو الرضا والتعظيم، ونحو ذلك من الأغراض البلاغية، كحديث: "عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل": أي: وهم أسارى المشركين يسلمون فيدخلون الجنة. وكان القياس عدم التعجب من صفاته تعالى؛؟؟؟ لا تقبل الزيادة، نحو: ما أعظم الله، وما أقدره، وما أجله، وما أعلمه، ولكنهم أجازوا ذلك بقصد الثناء عليه على أن المعنى: أنه تعالى في غاية العظمة، وأن عظمته مما تحار فيها العقول.
التصريح، وحاشية يس: 2/ 86- حاشية الصبان: 1/ 16-17.
2 2 سورة البقرة، الآية: 28.
موطن الشاهد: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} .
وجه الاستشهاد: استعمال "كيف" للتعجب مجازا عما وصفت له عن الاستفهام عن الأحوال، والمعنى: أتعجب من كفركم بالله.(3/224)
"سبحان الله إن المؤمن لا ينجس" 1 لله دره فارسا2!.
والمبوب له منها في النحو اثنتان:
[ما أفعله وإعرابها] :
إحداهما: ما أفعله، نحو "ما أحسن زيدا".
فأما "ما" فأجمعوا على اسميتها3؛ لأن في "أحسن" ضميرا يعود4 عليها، وأجمعوا على أنها مبتدأ؛ لأنها مجردة للإسناد إليها5، ثم قال سيبويه: هي نكرة تامة6 بمعنى شيء، وابتدئ بها؛ لتضمنها معنى التعجب، وما بعدها خبر؛
__________
1 حديث شريف قاله عليه الصلاة والسلام لأبي هريرة حين رآه في بعض طرق المدينة وكان جنبا، فأبى أن يقابله حتى اغتسل.
والحديث أخرجه: البخاري: 1/ 390، ومسلم: الحيض ب 29: 115، والنسائي: 1/ 146، مسند الإمام أحمد: 2/ 235-382، وفتح الباري لابن حجر: 10/ 599، شرح السنة للبغوي: 2/ 29.
موطن الشاهد: "سبحان الله".
وجه الاستشهاد: وقوع "سبحان" اللفظ الموضوع للتنزيه مفيدا للتعجب؛ لأن الإنسان يسبح الله عند رؤية مخلوقاته العجيبة.
2 قول لبعض العرب. ومن الصيغ التعجبية غير ما ذكر: "يا لك"، و"يا له، وقولهم: عجبت من كذا ... " غير ذلك.
3 وهي علامة التعجب، ولذا تسمى "ما التعجبية". ويجب تقديمها على الفعل.
4 وهذا الضمير بينه وبين غيره من الضمائر المستترة المرفوعة فرقا من ثلاثة أوجه، الأول: أن الضمير المرفوع المستتر في الفعل مثلا يجوز العطف عليه بعد الفصل بالضمير المرفوع البارز أو فاصل ما، وهنا لا يجوز في الضمير المستتر في أحسن ذلك. والثاني: أنه لا يجوز أن يبدل من الضمير المستتر في أحسن، والثالث: أنه لا يجوز في باب التدريب أن يخبر عن هذا الضمير المستتر في أحسن.
هذا: وقد قال البصريون بصراحة عن هذا الضمير، ولم يقله الكوفيون كما يعلم من كلامهم الآتي في أحسن.
حاشية يس على التصريح: 2/ 87.
5 روي عن الكسائي: أنه يقول: إن "ما" لا موضع لها من الإعراب، فهو على هذا لا يكون مع النحاة في أنها مبتدأ، وهذا قول شاذ لا يقدح فيه الإجماع.
6 يراد بالنكرة: أنها بمعنى شيء أي شيء، وبالتمام: أنها غير موصوفة بشيء بعدها، وقد أفادها التنكير الإبهام، وهو يناسب التعجب؛ لانه يكون فيما خفي سببه. =(3/225)
فموضعه رفع؛ وقال الأخفش: هي معرفة ناقصة بمعنى الذي، وما بعدها: صلة فلا موضع له، أو نكرة ناقصة، وما بعدها صفة فمحله رفع؛ وعليهما: فالخبر محذوف وجوبا، أي: شيء عظيم1.
وأما "أفعل" كأحسن فقال البصريون والكسائي: فعل؛ للزومه مع ياء المتكلم نون الوقاية؛ نحو: "ما أفقرني إلى رحمة الله تعالى"، ففتحته بناء كالفتحة في ضرب من "زيد ضرب عمرا"، وما بعده مفعول به2، وقال بقية الكوفيين: اسم؛ لقولهم: "ما أحيسنه"3؛ ففتحته إعراب؛ كالفتحة في "زيد عندك"؛ وذلك لأن مخالفة الخبر
__________
= يؤخذ على قول الأخفش: أن فيه حذف الخبر من غير أن يسد مسده شيء، وفيه أيضا: تقديم الإبهام بالصلة أو الصفة، وتأخير الإبهام بالتزام حذف الخبر، والمألوف في الكلام الذي يتضمن إفهاما وإبهاما تقديم الإبهام، فالراجح ما ذهب إليه سيبويه من أنها نكرة تامة، وينبغي الأخذ به؛ لأنه خال من التعسف والحذف والتأويل من غير داعٍ. هذا ويروى للأخفش قول وافق فيه سيبويه والجمهور: وهو أن "ما" نكرة تامة لا تحتاج إلى وصف. ويذكر النحاة قولا آخر للفراء وابن درستويه، ونسب هذا القول إلى الكوفيين. أيضا، وحاصله أن "ما" اسم استفهام مشرب بمعنى التعجب مبتدأ مبني على السكون في محل رفع، فأما الكوفيون فعندهم أن "أحسن" اسم مرفوع خبر المبتدأ، وأما الفراء وابن درستويه فإن قالا إن "أحسن" اسم، ووافقا الكوفيين استفهام لهما القول على ما فيه، وإن قالا إن "أحسن" فعل ماضٍ تقع جملته خبرا كما يقول البصريون في "أحسن". ورد عليهما أنهما جعلا خبر اسم الاستفهام المشرب بالتعجب جملة فعلية وهو خلاف الأصل. فإن الأصل أن يكون خبره اسما مفردا نحو قوله تعالى: {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ} ، {الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ} ، {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} .
التصريح: 2/ 87، الهمع: 2/ 90، الأشموني: 2/ 363.
والأشموني مع الصبان: 3/ 18.
2 وهو في المعنى فاعل. ولهذا المفعول أحكام خاصة، منها: أنه لا يحذف إلا إذا دل عليه دليل، ولا يكون إلا معرفة أو نكرة مختصة، ولا يتقدم على عامله، ولا يحال بينهما إلا بالظرف على الصحيح.
3 واستدلوا لذلك بقول الشاعر:
يا ما أميلح غزلانا شدن لنا ... من هؤليائكن الضال والسمر
وزعموا أن التصغير من خصائص الأسماء فيكون تصغير أملح دالا على أنه اسم، =(3/226)
للمبتدأ، تقتضي -عندهم- نصبه1، و"أحسن" إنما هو في المعنى وصف لزيد؛ لا لضمير "ما"2، و"زيد" -عندهم- مشبه بالمفعول به3.
["أفعل به" وإعرابها] :
الصيغة الثانية: أفعل به؛ نحو: "أحسن بزيد".
وأجمعوا على فعلية أفعل4، ثم قال البصريون: لفظه لفظ الأمر5، ومعناه: الخبر6؛ وهو في الأصل: فعل ماضٍ على صيغة أفعل بمعنى صار ذا كذا كـ"أغد
__________
= ويجيب البصريون، ومعهم الكسائي من الكوفيين: بأن هذا شاذ فلا ينهض دليلا على الاسمية. وقيل: بأن التصغير راجع إلى المصدر المدلول عليه بالفعل، وقيل: إنما صغر فعل التعجب حملا له على أفعل التفضيل لاتفاقهما لفظا، وقيل: إنما صغر؛ لأنه لزم طريقة واحدة فاشبه بذلك الأسماء فدخله بعض أحكامها، وحمل الشيء على الشيء في بعض أحكامه لا يخرجه عن أصله.
الدرر اللوامع: 1/ 49، 2/ 119، حاشية الصبان: 3/ 18.
1 اي نصب الخبر، فعامل النصب عندهم في الخبر هو المخالفة للمبتدأ، أي: كونه ليس وصفا له. أما إذا كان الخبر هو المبتدأ في المعنى، كالله ربنا، أو مشبها به، نحو: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} ؛ فإنه يرتفع ارتفاعه.
2 هذا بيان للمخالفة هنا، وهي أن الخبر ليس وصفا للمبتدأ في المعنى. وفيه إشارة إلى أن معنى "أحسن" عندهم: فائق في الحسن، لا صير زيدا حسنا، كما هو مذهب البصريين؛ إذ التصيير صفة لضمير "ما" لا لزيد.
التصريح: 2/ 88.
3 وذلك لوقوعه بد ما يشبه الفعل في الصورة.
4 قال باسمية "أفعل" ابن الأنباري ورده المرادي، وإجماع النحاة على فعلية أفعل أنه جاء على صيغة لا يكون عليها إلا الفعل، وأما أصبع، فنادر ولا يجعل أصلا.
التصريح: 2/ 88، وانظر: الإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري: 1/ 126-148.
5 أي: أنه جاء على صورة الأمر، فيبنى على السكون إن كان صحيح الآخر، وعلى حذف حرف العلة إن كان معتلا كالأمر؛ نظرا لصورته، أو يبنى على فتح مقدر منع من ظهوره مجيئه على صورة الأمر؛ نظرا لمعناه.
6 وذلك في الأصل، أما الآن فالجملة كلها لإنشاء التعجب، ولا تدل على زمن مطلقا أو أن المصنف أراد بالخبر: ما قابل الطلب، فيشمل الإنشاء غير الطلب كما هنا.(3/227)
البعير"؛ أي: صار ذا غدة1، ثم غيرت الصيغة2، فقبح إسناد صيغة الأمر، إلى الاسم الظاهر3، فزيدت الباء في الفاعل؛ ليصير على صورة المفعول به4، كـ"امْرُرْ بزيد" ولذلك التزمت5، بخلافها في {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} 6، فيجوز تركها؛ كقوله7: [الطويل]
379- كف الشيب والإسلام للمرء ناهيا8
__________
1 الغدة: طاعون الإبل، ولا تكون الفدة إلا في البطن.
2 أي: إلى الأمر، وذلك عن قصد التعجب؛ ليوافق اللفظ في التغيير؛ تغيير المعنى عن الإخبار إلى الإنشاء.
3 لأن الأمر لا يرفع الاسم الظاهر.
4 وزيادتها في هذا الموضع لازمة إذا كان المجرور بها اسما صريحا لا مصدرا مؤولا.
5 أي: زيادتها صونا للفظ عن القبح، إلا إذا كان المجرور بها مصدرا مؤولا من "أن"، أو "أن" وصلتهما؛ لاطراد حذف الجار في ذلك، كقول العباس بن مرداس. وأجبب إلينا أن تكون المقدما.
أي: بأن تكون.
6 48 سورة الفتح، الآية: 28.
موطن الشاهد: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء "الياء" زائدة في فاعل "كفى" وحكم زيادتها -هنا- الجواز؛ لأنه يجوز في اللغة القول: "كفى الله شهيدا".
7 القائل: هو سحيم بن وثيل؛ عبد بني الحسحاس، وقد مرت ترجمته.
8 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
عميرة ودع إن تجهزت غاديا
وهو مطلع قصيدة مشهورة له، وبعده قوله:
جنونا بها فيما اعترتنا علاقة ... علاقة حب مسترا وباديا
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 88، والأشموني: 730/ 2/ 364، والعيني: 3/ 665، والكتاب لسيبويه: 1/ 230، 2/ 308، والخصائص: 2/ 488، والإنصاف: 1/ 168، وشرح المفصل: 2/ 115، 7/ 84، 148، 8/ 24، 93، 138، والمغني: 160/ 145، والسيوطي: 112، وديوان سحيم: 16.
المفردات الغريبة: عميرة: اسم محبوبته، وهو تصغير عمرة. تجهزت: تهيأت وأعددت ما يلزمك في سفرك. غاديا: اسم فاعل من غدا، أي: ذهب وقت الغداة، وهي ما بين الفجر وطلوع الشمس. =(3/228)
وقال الفراء، والزجاج، والزمخشري، وابن كيسان، وابن خروف1: لفظه ومعناه الأمر؛ وفيه ضمير2، والباء للتعدية3، ثم قال ابن كيسان: الضمير للحسن4، وقال غيره: للمخاطب، وإنما التزم إفراده5؛ لأنه كلام جرى مجرى المثل.
__________
= المعنى: يجرد الشاعر من نفسه شخصا يخاطبه ويقول له: اترك عمير وودعها وداع شخص أعد عدته لترك نوازع الصبا، متعظا بما حل به من الشيب، واعتصم به من حرمة الإسلام، وكفى بذلك واعظا. روي: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سمعه ينشد هذا البيت قال: لو قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك.
الإعراب: عميرة مفعول به مقدم لفعل "ودع". ودع: فعل أمر مبني على السكون، لا محل لها من الإعراب، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره أنت. إن: شرطية جازمة، لا محل لها من الإعراب. تجهزت: فعل ماض، وهو فعل الشرط، مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء: ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل. غاديا: حال منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. كفى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف؛ للتعذر. الشيب: فاعل "كفى" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. والإسلام: الواو عاطفة، الإسلام؛ اسم معطوف على الشيب مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. "للمرء": متعلق بقوله "ناهيا" الآتي. ناهيا: حال من الشيب، ويمكن أن يعرب تمييزا مبينا لنسبة الكفاية إليه؛ والأول أفضل.
موطن الشاهد: "كفى الشيب".
وجه الاستشهاد: إسقاط الباء من فاعل "كفى"؛ وفي هذا دلالة على أن هذه الباء، ليست واجبة الدخول على فاعل هذا الفعل؛ بخلاف دخولها على فاعل فعل التعجب الذي على صورة الأمر؛ فاقترانه بالباء واجب، ولا يجوز تجرده منها.
1 مرت ترجمة وافية لكل واحد منهم.
2 أي: مستتر تقديره: أنت، وهو الفاعل.
3 فهي حرف أصلي، وهي ومجرورها في محل نصب على المفعولية. وقيل: الهمزة على قول الفراء ومن وافقه للنقل والباء زائدة.
4 أي: المصدر المفهوم من أحسن، والتقدير: أحسن يا حسن بزيد أي: دم به والزمه؛ ولذلك أفرد الضمير؛ لأن ضمير المصدر كالمصدر لا يثنى ولا يجمع.
5 أي: الذي يراد منه أن يتعجب. وعليه يكون معنى أحسن بزيد: اجعل يا مخاطب زيدا حسنا، أي: صفه بالحسن كيف شئت. وعلى كل فالضمير المذكور مفرد مذكر دائما، فلا يقال في التأنيث: أحسني، ولا في التثنية والجمع أحسنا وأحسنوا وأحسن.
انظر التصريح؛ 2/ 88-89.(3/229)
[جواز حذف المتعجب منه] :
مسألة: ويجوز حذف المتعجب منه1؛ في مثل "ما أحسنه"، إن دل عليه دليل2؛ كقوله3: [الطويل]
380- ربيعة خيرا ما أعف وأكرما4
__________
1 المراد بالمتعجب منه: المعمول الذي له صلة بالأمر الذي يدعو للتعجب من صفة أو فعل؛ فإذا قلت: ما أحسن الإخلاص في العمل!، فإن التعجب من حسن الإخلاص، لا من الإخلاص ذاته؛ لأن التعجب من الأحوال لا من الذوات.
2 ويشترط أن يكون ضميرا، سواء أكان منصوبا بـ"أفعل" أم مجرورا بالباء بعد "أفعل".
انظر في هذه المسألة ابن عقيل: 3/ 151، والدرر اللوامع: 2/ 120، والتصريح: 2/ 89-90.
3 القائل: هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، أبو الحسن رابع الخلفاء الراشدين وابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره، وأحد المبشرين بالجنة، وأحد الأبطال الشجعان والخطباء العلماء، وأول الناس إسلاما، كان بينه وبين معاوية خلاف ومعارك. ينسب إليه ديوان شعر، وجمعت خطبه وأقواله ورسائله في كتاب، قتله ابن ملجم لعنه الله، وذلك سنة 40هـ، وله 63 سنة.
صفة الصفوة: 1/ 118، الإصابة: ت: 5690، الأعلام: 4/ 295، الطبري: 6/ 83. وغيره كثير.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
جزى الله عني والجزاء بفضله
وهو من كلمة يمدح فيها ربيعة على ما أبلت معه يوم صفين وقبله قوله:
لمن راية سوداء يخفق ظلها ... إذا قيل قدمها صفين تقدما
يقدمها في الموت حتى يزيرها ... حياض المنايا تقطر الموت والدما
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 89، والأشموني: 732/ 2/ 364، والعيني: 3/ 649، والهمع: 2/ 91، والدرر: 2/ 121.
المفردات الغريبة: جزى: كافأ؛ من المجازاة وهي المكافأة. بفضله: بإحسانه.
المعنى: يدعو الإمام علي كرم الله وجهه الله جل جلاله أن يجزي بفضله العميم ربيعة على ما بذلته، وما بدر منها من الكرم بالنفس والمال، ثم يعجب رضي الله عنه من شأن ربيعة فيقول: ما أعفها وما أكرمها!.
الإعراب: جزى: فعل ماض، مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. الله: "لفظ =(3/230)
وفي "أفعل به" إن كان أفعل معطوفا على آخر مذكور معه مثل ذلك المحذوف؛ نحو: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} 1، وأما قوله2: [الطويل]
381- حميدا، وإن يستغن يوما بأجدر3
__________
= الجلالة" فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. "عني" متعلق بـ"جزى". والجزاء: الواو: حالية، الجزاء: مبتدأ مرفوع. "بفضله": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، والهاء: "مضاف إليه؛ وجملة "الجزاء بفضله": في محل نصب حال. ربيعة: مفعول به أول لـ"جزى". ما: تعجبية في محل رفع متبدأ. أعف: فعل ماضٍ، مبني على الفتح لإنشاء التعجب، وفاعله ضمير مستتر يعود إلى ما، وجملة "أعف": في محل رفع خبر المبتدأ. وأكرم: الواو حرف عطف، أكرم معطوف على أعف السابق والألف للإطلاق.
موطن الشاهد: "ما أعف وأكرم".
وجه الاستشهاد: حذف المتعجب منه وهو مفعول فعل التعجب؛ لأنه ضمير يدل عليه سياق الكلام؛ لأن التقدير: ما أغفها وأكرمها.
1 19 سورة مريم، الآية: 38.
موطن الشاهد: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} .
وجه الاستشهاد: حذف الفاعل المجرور بعد "أفعل"؛ للدليل مع كونه فاعلا؛ لأن لزومه للجر كساه صورة الفضلة، فجاز فيه ما يجوز فيها. وقيل: لم تحذف، وإنما استتر بالفعل بعد حذف الباء.
2 القائل: هو عروة بن الورد العبسي؛ المعروف بعروة الصعاليك، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
فذلك إن يلق المنية يلقها
وقبله قوله:
فإن بعدوا لا يأمنون اقترابه ... تشوف أهل الغائب المتنظر
وهما من قصيدة عدتها سبعة وعشرون بيتا موجودة في ديوانه "مط. جول كربوتل": 63-87 واختار أبو تمام بعض أبياتها في حماسته، يصف فيها صعلوكا ومنها قوله:
ولله صعلوك صحيفة خده ... كضوء شهاب المائس المتنور
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 90، والأشموني: 733/ 2/ 365، وابن عقيل: 270/ 3/ 152، والعيني: 3/ 650، والخزانة: 1/ 196.
المفردات الغريبة: المنية: الموت. حميدا: محمودا، فهو فعيل بمعنى مفعول. فأجدر: أي: ما أجدره وما أحقه. =(3/231)
أي: به؛ فشاذ1.
[عدم تصرف فعلي التعجب] :
مسألة: وكل من هذين الفعلين ممنوع التصرف2؛ فالأول: نظير تبارك،
__________
= المعنى: هذا الصعلوك الموصوف بالصفات المذكورة إن مات في سبيل مطلبه يموت وهو محمود الفعال عند الناس؛ لما كان عليه من عفة وعزة نفس، وما له من صفات كريمة، وإن عاش واستغنى فما أحقه، وما أخلقه بالغنى؛ لأنه وصل إليه بسعيه وجده.
الإعراب: فذلك: ذا: اسم إشارة في محل رفع مبتدأ، واللام: للبعد، والكاف: للخطاب، لا محل لها من الإعراب. إن: حرف شرط جازم. يلق: فعل مضارع مجزوم، وهو فعل الشرط، وعلامة جزمه حذف الألف، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو. المنية: مفعول به منصوب. يلقها: فعل مضارع جواب الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف الألف، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو، و"ها": ضمير متصل في محل نصب مفعولا به. حميدا: حال من فاعل "يلق"، الذي هو جواب الشرط؛ وجملة "الشرط وجوابه": في محل رفع خبر المبتدأ. وإن: الواو عاطفة، إن: حرف شرط جازم. يستغن: فعل مضارع -فعل الشرط- مجزوم، وعلامة جزمه حذف الياء، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو. "يوما": متعلق بـ"يستغن". فأجدر: الفاء واقعة في جواب الشرط، أجدر: فعل ماضٍ لإنشاء التعجب جاء على صورة الأمر وحرك للروي، وفاعله محذوف هو والباء الجارة له؛ لأن الأصل فأجدر به؛ وجملة "أجدر به": في محل جزم جواب الشرط؛ وجملة "الشرط وجوابه": في محل رفع عطف بالواو على جملتي الشرط والجواب السابقتين.
موطن الشاهد: "فأجدر".
وجه الاستشهاد: حذف المتعجب منه مع حرف الجر من غير أن تكون صيغة التعجب المحذوف معمولها، معطوفة على أخرى معها معمولها المشابه للمحذوف على حد {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} .
1 أي: لعدم العطف المذكور. وقال الصبان: والأوجه عندي أنه ليس بشاذ، وأنه لا يشترط هذا الشرط، بل المدار على وجود دليل يدل على المحذوف.
حاشية الصبان على شرح الأشموني: 3/ 20.
2 فكل من الصيغتين يلزم حالة واحدة، مع أن فعلهما الأصلي ثلاثي متصرف، ولكنهما يفقدان التصرف بسبب استعمالهما في التعجب، ولا يدلان على حدث، ولا زمن؛ لأن الجملة التعجبية متجردة لمحض الإنشاء المقصود منه التعجب. اللهم إلا إذا =(3/232)
وعسى، وليس1؛ والثاني: نظير هب بمعنى اعتقد، وتعلم بمعنى اعلم2؛ وعلة جمودهما: تضمنهما معنى حرف التعجب الذي كان يستحق الوضع3.
[امتناع تقدم معمولي فعلي التعجب عليهما] :
مسألة: ولعدم تصرف هذين الفعلين؛ امتنع أن يتقدم عليهما معمولهما، وأن يفصل بينهما، بغير ظرف ومجرور؛ لا تقول: "ما زيدا أحسن"، ولا "بزيد أحسن"، وإن قيل إن "بزيد" مفعول4، وكذلك لا تقول: "ما أحسن يا عبد الله زيدا"5 ولا "أحسن لولا بخله بزيد"6.
واختلفوا في الفصل بظرف أو مجرور متعلقين بالفعل، والصحيح الجواز، كقولهم: "ما أحسن بالرجل أن يصدق، وما أقبح به أن يكذب"، وقوله7: [الطويل]
__________
= اشتملت على لفظة "كان" أو "يكون" أو غيرهما من الألفاظ التي تدل على زمن معين.
1 أي: في الجمود وملازمة المضي.
2 أي: في الجمود وملازمة صيغة الأمر.
4 وأيضا فإن لزومهما حالة واحدة أدل على التعجب؛ لأن التصرف والانتقال من حالة إلى أخرى ربما يشعر بزوال المعنى الأول.
وأجاز هشام الإتيان بمضارع "ما أفعله" فتقول: ما يحسن محمدا؛ وهو قياس ولم يسمع.
التصريح: 2/ 90.
4 كما هو رأي الفراء، ومن وافقه، وقد تقدم.
5 أي: بالفصل بالمنادى بين أحسن ومعموله. وقد ورد في الفصيح ما يدل على جوازه، كقول: علي كرم الله وجهه في عمار بن ياسر وقد مر به، وهو مقتول، فمسح التراب عن وجهه: "أعزز علي أبا اليقظان أن أراك صريعا مجدلا" أي: مرميا على الجدالة، وهي الأرض. وأبو اليقظان: كنية عمار بن ياسر رضي الله عنه.
6 أي: بالفصل بلولا الامتناعية ومصحوبها. وأجاز ذلك ابن كيسان. انظر الأشموني مع الصبان: 3/ 25,
7 القائل: هو أوس بن حجر، وقد مرت ترجمته.(3/233)
382- وأحر إذا حالت بأن أتحولا1
ولو تعلق الظرف والجار والمجرور بمعمول فعل التعجب، لم يجز الفصل به
__________
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
أقيم بدار الحزم ما دام حزمها
وهو من شواهد التصريح: 2/ 90، والأشموني: 735/ 2/ 369، والعيني: 3/ 659، وديوان أوس بن حجر: 83.
المفردات الغريبة: دار الحزم: المكان الذي تعتبر الإقامة فيه حزما. أحر: أخلق. حالت: تغيرت. أتحول: أنتقل عنها إلى غيرها.
المعنى: أقيم بالمكان الذي تعتبر الإقامة فيه من الحزم وحسن التصرف، وذلك حيث يكون الإنسان فيه عزيزا مكرما، فإذا تغيرت الحال، ولاقى الإنسان مهانة فأخلق به أن يتحول عنه إلى مكان آخر، يلقى فيه العزة والكرامة.
الإعراب: أقيم: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. "بدار": متعلق بأقيم، ودار مضاف. الحزم: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة. ما دام: ما: مصدرية ظرفية، لا محل لها من الإعراب، دام: فعل ماضٍ تام، مبني على الفتح. حزمها: فاعل دام التامة مرفوع، وهو مضاف، و"ها" ضمير متصل في محل جر بالإضافة؛ والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه" مجرور بإضافة اسم زمان مقدر ينتصب بأقيم والتقدير: أقيم بدار الحزم مدة دوام حزمها، ويمكن أن تكون دام ناقصة، ويكون "حزمها" اسمها، ومضافا إليه، ويكون خبرها محذوفا والتقدير: ما دام حزمها موجودا. وأحر: الواو: عاطفة، أحر: فعل ماضٍ لإنشاء التعجب جاء على صورة الأمر. "إذا": متعلق بـ"أحر". حالت: فعل ماضٍ، مبني على الفتح، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هي؛ وجملة "حالت": في محل جر بإضافة إذا إليها. بأن: الباء حرف جر زائد، أن حرف مصدري ونصب. أتحولا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة والألف للإطلاق، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا؛ والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه" مجرور لفظا بالباء مرفوع محلا على أنه فاعل لفعل التعجب "أحر".
موطن الشاهد: "أحر إذا حالت بأن أتحولا".
وجه الاستشهاد: الفصل بالظرف "إذا حالت" بين فعل التعجب "أحر" وبين معموله "بأن أتحولا".(3/234)
اتفاقا؛ نحو: "ما أحسن معتكفا في المسجد"، و"أحسن بجالس عندك"1.
[شروط ما يُبنى منه فعلا التعجب] :
فصل: وإنما يبنى هذان الفعلان مما اجتمعت فيه ثمانية شروط:
أحدها: أي يكون فعلا2؛ فلا يبنيان من الجلف والحمار، فلا يقال "ما أجلفه"، ولا "ما أحمره"3؛ وشذ "ما أذرع المرأة"؛ أي: ما أخف يدها في الغزل، بنوه من قولهم: امرأة ذراع4؛ ومثله "ما أقمنه"، و"ما أجدره بكذا"5.
الثاني: أن يكون ثلاثيا؛ فلا يبنيان من دحرج وضارب واستخرج6 إلا "أفعل"؛ فقيل: يجوز مطلقا، وقيل: يمتنع مطلقا، وقيل: يجوز إن كانت الهمزة لغير النقل؛ نحو: "ما أظلم الليل" و"ما أقفر هذا المكان"؛ وشذ على هذين القولين: "ما أعطاه
__________
1 فلا يقال فيهما: ما أحسن في المسجد معتكفا، ولا أحسن عندك بجالس، لئلا يلزم الفصل بين الفعل ومعموله بمعمول معموله.
التصريح: 2/ 90 الأشموني مع الصبان: 3/ 24.
2 أي: ماضيا، وإن كان يفقد الدلالة على الزمن بدخوله في صيغة التعجب.
3 لبنائه من الاسم لا من الفعل، وقد أثبت له القاموس فعلا؛ فقد جاء فيه، الجلف: الرجل الغليظ الجافي، وجلف كفرح، جلفا وجلافة، وعلى ذلك يصح ما أجلفه. وكذلك ما أحمره، فإنه من الحمار، وهو الحيوان المعروف. ويضرب به المثل في البلادة.
التصريح: 2/ 90-91. الأشموني مع الصبان: 3/ 24.
4 في القاموس: الذراع كسحاب: الخفيفة اليدين بالغزل. قيل: وقد ذكر ابن القطاع في كتاب الأفعال: ذرعت المرأة إذا خفت يدها في العمل فهي ذراع. وعلى هذا يكون الشذوذ من حيث البناء من فعل المجهول.
5 فقد بنوا الأول من قولهم: هو قمن بكذا، والثاني من قولهم: هو جدير بكذا، وهنا هما: ما أحقه وما أخلقه، ولا فعل لهما.
6 قال الصبان نقلا عن المصرح: لأنه يلزم على ذلك حذف بعض الأصول في الرباعي المجرد. وحذف الزيادة الدالة على معنى مقصود في غيره؛ كالمشاركة والمطاوعة والطلب في نحو: ضارب؛ وانطلق، واستخرج مما تدل عليه حروف الزيادة.
حاشية الصبان: 3/ 21، التصريح: 2/ 91. =(3/235)
للدراهم" و"ما أولاه للمعروف"، وعلى كل قول "ما أتقاه"، و"ما أملا القربة"؛ لأنهما من اتقى وامتلأت، و"ما أخصره"؛ لأنه من اختصر، وفيه شذوذ آخر، وسيأتي1.
الثالث: أن يكون متصرفا؛ فلا يبنيان من نحو: نعم وبئس2.
الرابع: أن يكون معناه قابلا للتفاضل؛ فلا يبنيان من نحو: فني ومات3.
الخامس: أن لا يكون مبنيا للمفعول4؛ فلا يبنيان من نحو: "ضرب"، وشذ
__________
= اختار ابن مالك في "التسهيل"، وشرحه ما ذهب إليه سيبويه والمحققون من أصحابه وذلك بجواز بناء فعل التعجب من أفعل سواء كانت الهمزة فيه للنقل أم لا. وذهب المازني، والأخفش والمبرد وابن السراج والفارسي إلى عدم الجواز مطلقا. أما ابن عصفور فقد فصل في ذلك، وقال بعدم الجواز إن كانت الهمزة للنقل نحو: أذهب فلا يقال "ما أذهب نور الليل"، ويجوز إن كانت الهمزة لغير النقل نحو أظلم الليل، وأقفر المكان، فنقول: ما أظلم الليل، وما أقفر هذا المكان، وقد أنكر الشاطبي هذا القول وأطال في الرد عليه. هذا: وقد اختلف في بناء فعل التعجب من الثلاثي المزيد إذا جرى مجرى الثلاثي نحو: اتقى وامتلأ وافتقر واستغنى، وذهب ابن السراج وطائفة إلى الجواز؛ لأنهم أجروه مجرى الثلاثي المجرد من الزوائد لا مجرى المزيد؛ بدليل قولهم في الوصف منه: تقي وملي وفقير وغني، وذهب ابن خروف وجماعة إلى المنع؛ لأن العلة التي من أجلها امتنع بناؤهما من المزيد غير الجاري مجرى المجرد موجودة -هنا- وهي عدم البنية، وحذف زوائدها لغير موجب مع وجود الغنى عن ذلك بأشد وأشدد ونحوهما.
التصريح: 2/ 91.
2 لأن التصرف فيما لا يتصرف نقص لوضعه، وعدم التصرف على وجهين؛ الأول: أن يكون الفعل قد خرج عن طريقة الأفعال، وذلك كنعم وبئس وعسى وليس، والثاني: أن تترك بعض صيغ الفعل استغناء عنها بأخرى من معناه؛ نحو: يدع ويذر، فإنهم لم يجيئوا لهذين الفعلين بصيغة الماضي استغناء "بترك"، وهما باقيان على دلالتهما على الحدث والزمان.
التصريح: 2/ 92.
3 لأنه لا تفاوت في الفناء والموت، ولا مزية لبعض فاعليه على بعض حتى يتعجب منه.
4 وذلك، لئلا يلتبس المبني من فعل المفعول، بالمبني من فعل الفاعل.(3/236)
"ما أخصره! " من وجهين1؛ وبعضهم يستثنى ما كان ملازما لصيغة "فعل" نحو: "عنيت بحاجتك" و"زهي علينا" فيجيز: "ما أعناه بحاجتك" و"ما أزهاه علينا"2.
السادس: أن يكون تاما؛ فلا يبنيان من نحو: كان، وظل، وبات، وصار، وكاد3.
السابع: أن يكون مثبتا؛ فلا يبنيان من منفي4؛ سواء كان ملازما للنفي؛ نحو: "ما عاج بالدواء"؛ أي: ما انتفع به5، أم غير ملازم كـ"ما قام زيد"6.
الثامن: أن لا يكون اسم فاعله على أفعل7 فعلاء؛ فلا يبنيان من نحو:
__________
1 هما: كونه من غير الثلاثي، وكونه من المبني للمجهول.
2 إنما استثني ذلك؛ لأمن اللبس، ولوروده في الأمثال، فقد قيل: هو أزهى من ديك، وأزهي من طاوس. والتفضيل أخو التعجب. قال ابن مالك في التسهيل: "وقد يبنيان من فعل المفعول إن أمن اللبس".
3 فلا يقال: ما أكون محمدا مسافرا مثلا؛ لأنه يستلزم نصب "أفعل" لشيئين، وهذا غير سائغ. ولا يجوز حذف "مسافرا" لامتناع حذف خبر كان. ولا جره باللام؛ لامتناع ذلك. وحكي عن الكوفيين: ما أكون زيدا قائما؛ بناء على أصلهم من أن المنصوب بعد "كان" حال.
التصريح: 2/ 92. الأشموني مع الصبان: 3/ 22.
4 لأنه يؤدي إلى اللبس بين التعجب من المثبت، ومن المنفي، لأن صيغة التعجب إثبات وليس فيها أداة نفي.
5 مضارعه يعيج أي: ينتفع، وهو ملازم للنفي أيضا. وندر مجيئه للإثبات. أما عاج يعوج بمعنى: مال يميل، فيستعمل في النفي والإثبات، ومن وروده منفيا قول جرير:
تمرون الديار ولم تعوجوا ... كلامكم علي إذًا حرام
التصريح، وحاشية يس: 2/ 92.
6 فلا يقال: ما أقومه. ومثله: ما عاج، أي مال، فلا يقال: ما أعوجه وذلك لئلا يلتبس المنفي بالمثبت.
7 قيل في سبب المنع: إن من حق صيغة التعجب أن تبنى من الثلاثي المحض؛ وأكثر أفعال الألوان والخلق إنما تجيء على أفعل -بتسكين الفاء- وزيادة مثل اللام نحو أخضر فلم يبن فعلا التعجب في الغالب مما كان منها ثلاثيا إجراء للأقل مجرى الأكثر، وقيل: لأن الألوان والعيوب الظاهرة جرت مجرى الخلق الثابتة التي لا تزيد ولا تنقص كاليد والرجل. وغيرها في عدم التعجب منها. وقيل: لأن بناء الوصف من =(3/237)
"عرج، وشهل، وخضر الزرع"1.
[كيف يتعجب من فاقد الشروط؟] :
فصل: ويتوصل إلى التعجب من الزائد على ثلاثة، ومما وصفه على أفعل فعلاء بـ"ما أشد" ونحوه، وينصب مصدرهما بعده، أو بـ"أشدد" ونحوه، ويجر مصدرهما بعده بالباء؛ فتقول "ما أشد، أو أعظم، دحرجته، أو انطلاقه أو حمرته" و"أشدد، أو أعظم، بها".
وكذا المنفي والمبني للمفعول؛ إلا أن مصدرهما يكون مؤولا، لا صريحا، نحو "ما أكثر أن لا يقوم" و"ما أعظم ما ضرب" و"أشدد بهما".
وأما الفعل الناقص؛ فإن قلنا: له مصدر؛ فمن النوع الأول، وإلا فمن الثاني، تقول: "ما أشد كونه جميلا"، أو "ما أكثر ما كان محسنا! "، و"أشدد، أو أكثر، بذلك! ".
وأما الجامد والذي لا يتفاوت معناه؛ فلا يتعجب منهما البتة2.
__________
= هذا النوع على أفعل، ولم يبن منه أفعل تفضيل لئلا يلتبس أحدهما بالآخر، ولما امتنع صوغ أفعل التفضيل منه امتنع صوغ فعلي التعجب منه لجريانها مجرى واحدا في أمور كثيرة وتساويها في الوزن والمعنى.
التصريح: 2/ 92-93.
1 بقي شرط تاسع لم يذكراه؛ وهو أن لا يستغنى عنه بالمصوغ من غيره، نحو: قال من القائلة، فإنهم لا يقولون ما أقيله استغناء بقولهم: ما أكثر قائلته، ذكره سيبويه. ونحو سكر وجلس ضد أقام؛ فإنهم لا يقولون ما أسكره وأقعده وأجلسه استغناء بقولهم: ما أشد سكره، وأكثر قعوده وجلوسه، ذكره ابن برهان. وزاد ابن عصفور: قام وغضب ونام، وفي عد "نام" منها نظر، فقد حكى سيبويه: ما أنومه، وقالت العرب: هو أنوم من فهد.
الأشموني: 2/ 367، والتصريح: 2/ 93، والأشموني مع الصبان: 3/ 22.
2 ذلك؛ لأن الجامد لا مصدر له حتى يمكن نصبه، أو جره بالباء، والذي لا يتفاوت متناه غير قابل للتفضيل.(3/238)
هذا باب نعم وبئس1
[معناهما وشروط مرفوعهما] :
وهما فعلان عند البصريين والكسائي؛ بدليل "فبها ونعمت"2، واسمان عند باقي الكوفيين3؛ بدليل "ما هي بنعم الولد"4؛.......................
__________
1 اعلم أنهما يستعملان تارة للإخبار بالنعمة والبؤس فيتصرفان كسائر الأفعال، تقول: نعم محمد بكذا ينعم به فهو ناعم، وبئس كذلك. وتارة لإنشاء المدح والذم فلا يتصرفان لما سيأتي، وهذا الاستعمال هو المراد هنا.
2 هذا جزء من حديث؛ وتمامه: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل".
والحديث أخرجه: أبو داود في سننه: 354، والنسائي: 3/ 94، والترمذي: 497. والسنن الكبرى للبيهقي: 1091، ومسند أحمد بن حنبل: 5/ 15-16، 22، وفي شرح السنة للبغوي: 2/ 67، ومشكاة المصابيح للتبريزي: 540، وتفسير القرطبي: 18/ 106.
موطن الشاهد: "نعمت".
وجه الاستشهاد: مجيء "نعم" فعلا؛ بدليل اتصاله بتاء التأنيث الساكنة؛ وهي لا تدخل إلا على الفعل؛ وحكى الكسائي: نعما رجلين، ونعموا رجالا؛ وضمائر الرفع البارزة المتصلة؛ من خصائص الأفعال أيضا؛ فهذا دليل "ثان" على الفعلية. ضياء السالك: 3/ 81؛ والتصريح: 2/ 94.
3 وقد بنيا على الفتح لتضمنهما معنى الإنشاء، ويعربان مبتدأين، ومعناهما: الممدوح والمذموم، وما هو فاعل على المشهور يعرب بدلا أو عطف بيان. والخبر هو المخصوص بالمدح أو الذم، ويجوز العكس. وفي مثل: نعم رجلا محمد؛ يعرب "رجلا" تمييزا أو حالا.
4 قول لبعض العرب حين بشر بأنثى، وتمامه: "نصرها بكاء، وبرها سرقة". ووجه الدلالة فيه دخول حرف الجر على "نعم"، والولد ونحوه فيما استدلوا به مجرور؛ لأنه تابع للمجرور، أي: ما هي بالممدوح الولد، فإن كان مرويا بالرفع فلعله مقطوع عما =(3/239)
.......................... جامدان1، رافعان لفاعلين معرفين بأل الجنسية2؛ نحو: {نِعْمَ الْعَبْدُ} 3، و {بِئْسَ الشَّرَابُ} 4؛ أو بالإضافة إلى ما قارنها؛ نحو: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} 5 {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} 6؛ أو
__________
= قبله. ومثال بئس: قول بعضهم: وقد سار إلى محبوبته على حمار بطيء السير: نعم السير على بئس العير. والصحيح مذهب البصريين، وإليه ذهب المصنف وابن مالك، وما استدل به الكوفيون مؤول.
التصريح: 2/ 94. الأشموني وحاشية الصبان: 3/ 26.
1 لخروجهما عن الأصل في الأفعال: من إفادة الحدث والزمان، ولزومها إنشاء المدح والذم على سبيل المبالغة، والإنشاء من معاني الحروف.
2 المراد "أل" المعرفة؛ جنسية كانت أو عهدية، فلا يقال: نعم زيد ولا بئس رجل على الراجح. والمراد الجنس حقيقة؛ إن قصد بمدخول "أل" جميع الأفراد ثم نص على الممدوح، أو المذموم بعد، أو مجازا إن أريد بمدخولها الفرد المعين كأنه جميع الجنس مبالغة في المدح أو الذم. أما العهد فقد يكون لشيء معهود في الذهن وتكون للعهد الذهني، وقد تكون للعهد الذكري، والمعهود هو المخصوص. و"أل" الجنيسة أقوى في تأدية المقصود، وإن كانت العهدية أظهر.
3 38 سورة ص، الآية: 30.
موطن الشاهد: "نعم العبد".
وجه الاستشهاد: مجيء "نعم" رافعا لفاعله "العبد" المعرف بـ"أل". الجنسية؛ وحكم مجيئه على هذه الصورة الجواز باتفاق.
4 18 سورة الكهف، الآية: 29.
موطن الشاهد: {بِئْسَ الشَّرَابُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "بئس" رافعا لفاعله "الشراب" المعرف بـ"أل" الجنسية، كما في الآية السابقة.
5 16 سورة النحل، الآية: 30.
موطن الشاهد: {لَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "دار" فاعلا لـ"نعم"، وقد أضيف إلى معرف بأل الجنسية، وحكم مجيئه على هذه الصورة الجواز باتفاق.
6 16 سورة النحل، الآية: 29:
موطن الشاهد: {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "مثوى" فاعلا لـ"بئس"، وقد أضيف إلى معرف بأل الجنسية؛ وحكم مجيئه على هذه الصورة الجواز باتفاق.(3/240)
إلى مضاف لما قارنها؛ كقوله1: [الطويل]
383- فنعم ابن أخت القوم غير مكذب2
__________
1 القائل: هو أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: البيت من كلمة يمدح فيها أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم، ويعاتب قريشا على ما كان منها، وهذا البيت يذكر فيه زهير بن أبي أمية -وهو ابن أخته عاتكة- يذكره بالخير؛ لأنه كان أحد الذين نقضوا الصحيفة التي كتبتها قريش لتقاطع آل النبي في حديث معروف.
وما ذكره المصنف صدر بيت وعجزه قوله:
زهير حساما مفردا من حمائل
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 95، والأشموني: 739/ 2/ 371، والسيرة: 176، وتاريخ ابن كثير: 3/ 56، والعيني: 4/ 15، والهمع: 2/ 85، والدرر: 2/ 109، وديوان أبي طالب: الورقة: 3.
المفردات الغريبة: حسام، الحسام: السيف القاطع سمي بذلك؛ لأنه يحسم الخلاف بين الناس، حمائل: جمع حمالة، وهي علاقة السيف.
المعنى: يمدح أبو طالب زهيرًا ابن أخته بأنه صادق المودة، مخلص لرحمه، لا ينسب إلى الكذب، وهو ماضي العزيمة نسيج وحده، كالسيف الذي يفرد عن حمائله؛ وزهير هذا هو ابن أمية بن عاتكة بنت عبد المطلب؛ أخت أبي طالب، وعمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زهير أحد الرجال الذين اتفقوا على نقض الصحيفة التي تعاهدت فيها قريش على مقاطعة بني هاشم، وعلقوها في الكعبة؛ ليلجئوهم إلى حمل النبي على ترك دعوته.
الإعراب: نعم: فعل ماضٍ جامد، دال على إنشاء المدح مبني على الفتح. ابن: فاعل نعم مرفوع، وهو مضاف. أخت: مضاف إليه، وهو مضاف. القوم: مضاف إليه. غير: حال من فاعل نعم، وهو مضاف. مكذب: مضاف إليه؛ وجملة "نعم وفاعله": في محل رفع خبر مقدم. زهير: مخصوص بالمدح مبتدأ مؤخر، ويجوز أن نعرب "زهير": خبرًا لمبتدأ محذوف وجوبا والتقدير: هو زهير. حساما -بالنصب- حال من زهير منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة؛ خلافا لرواية العيني بالرفع حيث أعربها صفة لزهير، وإن صحت هذه الرواية -بالرفع- لم يصح الإعراب؛ لأن زهيرا علم، فهو معرفة وحساما نكرة، ومعلوم أن المعرفة لا توصف بالنكرة، ولهذا تخرج رواية الرفع على أن "حسام": خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: هو حسام. مفردا: صفة لـ"حسام" منصوب. من: حرف جر. حمائل: اسم مجرور، وجره =(3/241)
أو مضمرين مستترين1 مفسرين بتمييز2؛ نحو: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ}
__________
= بالكسرة ضرورة، وكان ينبغي جره بالفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف. و"من حمائل": متعلق بـ"مفرد".
موطن الشاهد: "فنعم ابن أخت القوم".
وجه الاستشهاد: الإتيان بفاعل نعم اسما مضافا إلى مقترن بأل، وهو القوم، وقد جاءت إضافة الفاعل إلى ضمير ما فيه أل في قول الشاعر: فنعم أخو الهيجا ونعم شبابها
وهو نادر لا يقاس عليه.
وأجاز الفراء، ومن تبعه من الكوفيين إضافة الفاعل إلى النكرة كما في قول الشاعر:
فنعم صاحب قوم لا سلاح له ... وصاحب الركب عثمان بن عفان
وخص الجمهور ذلك بالضرورة.
وورد مجيء الفاعل علما، أو مضافا إلى علم كقول بعض العبادلة: بئس عبد الله أنا إن كان كذا. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم عبد الله هذا" وأول على أن الفاعل ضمير مستتر حذف تمييزه، والعلم مخصوص بالمدح، وما بعده بدل أو عطف بيان.
انظر ضياء السالك: 3/ 82-83.
1 أي: رافعان لمضمرين مستترين وجوبا غالبا. ويلتزم هذا الضمير الإفراد والتذكير، كقول الشاعر:
نعم امرأين حاتم وكعب ... كلاهما غيث وسيف عضب
ومن غير الغالب: نعما رجلين، نعموا رجالا كما سبق، وشذ إبراز الضمير مع الباء الزائدة، حيث سمع قولهم: "نعم بهم قوما".
انظر التصريح: 2/ 95.
2 أي: بعدهما. وهذا من المواضع التي يجوز عود الضمير فيها على متأخر لفظا ورتبة، ولا بد من مطابقة هذا التمييز لمعناهما؛ أي: للمخصوص بالمدح أو الذم، إفرادا وغير إفراد، وتذكيرا وتأنيثا.
خلاصة: "نعم" و"بئس" فعلا جامدان: وهما يرفعان فاعلين مقترنين بـ"أل"، أو مضافين إلى المقترن بها، ومثل هذا، بقوله: "نعم عقبى الكرما"، أو يرفعان ضميرا، يفسره تمييز؛ نحو: "نعم قوما معشره". ويشترط في هذا التمييز علاوة على مطابلقة المخصوص التي ذكرناها: أن يكون نكرة عامة متكثرة الأفراد؛ فلا يجوز: "نعم شمسا هذا الشمس"؛ لأنه لا ثاني لها. أما قولهم: نعم شمسا شمس هذا اليوم، =(3/242)
بَدَلًا} 1، وقوله2: [البسيط]
384- نعم امرأ هرم لم تعر نائبة3
__________
= فسائغ؛ لتعددها بتعدد الأيام؛ وأن يكون مؤخرا عن العامل؛ فلا يصح تقديمه على نعم وبئس. وأن يتقدم على المخصوص بالمدح أو الذم، وشذ قولهم: نعم محمد رجلا. ولا يجوز حذفه؛ لئلا يبقى الفاعل المستتر مبهما، ليس له ما يفسره، إلا إذا وجدت قرينة تدل عيه، كالتاء في قولك: "إن زرت محمدا، فبها ونعمت، أي: ونعمت زيارة زيارتك، ومنه الحديث المتقدم: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت" ويجب أن يكون صالحا لقبول "أل" المعرفة، فلا يكون من الكلمات المتوغلة في الإبهام، ككلمة "غير"، و"مثل"، و"شبه"، و"أي".
انظرالتصريح: 2/ 95، وضياء السالك: 3/ 83-84.
1 18 سورة الكهف: الآية: 50.
موطن الشاهد: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء فاعل "بئس" مضمرا فيها، و"بدلا": تمييز منصوب مفسر له؛ والتقدير: بئس هو -أي البدل-؛ وحكم إضماره في هذه الحالة الوجوب؛ خلافا للمبرد، وابن السراج والفارسي. التصريح: 2/ 95.
2 القائل هو: زهير بن أبي سلمى المزني، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت في مدح هرم بن سنان، وعجزه قوله:
إلا وكان لمرتاع لها وزرا
والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 392، 2/ 95، والأشموني: 746/ 2/ 374، وليس في ديوان زهير بن أبي سلمى.
المفردات الغريبة: لم تعر: لم تنزل ولم تعرض. نائبة: كارثة وحادثة من حوادث الدهر. لمرتاع: أي فزع وخائف، وهو اسم فاعل من ارتاع. وزرا: ملجأ ومعينا.
المعنى: يمدح هرما بأنه رجل كريم ذو مروءة، وشجاع لا تنزل بأحد نازلة، أو تحل به كارثة من كوارث الزمان تتطلب النجدة والعون، إلا أخذ بيده، وكان له معينا وناصرا ومساعدا.
الإعراب: نعم: فعل ماض، دال على إنشاء المدح، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: هو. امرأ: تمييز منصوب، من فاعل "نعم"، وجملة "نعم وفاعله": في محل رفع خبر مقدم. هرم: مبتدأ مؤخر مرفوع. لم: حرف نفي وجزم وقلب. تعر: فعل مضارع مجزوم بـ"لم"، وعلامة جزمه حذف الواو. نائبة: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. إلا: أداة استثناء. وكان: الواو: حالية، كان: فعل ماضٍ ناقص، =(3/243)
[حكم الجمع بين الفاعل الظاهر والتمييز] :
وأجاز المبرد وابن السراج والفارسي1: أن يجمع بين التمييز والفاعل الظاهر، كقوله2: [البسيط] .
385- نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت3
__________
= واسمه ضمير مستتر تقديره: هو. "لمرتاع": متعلق بـ"وزر" الآتي: "بها": متعلق بـ"مرتاع". وزر: خبر كان الناقصة، وجملة "كان واسمها وخبرها": في محل نصب على الحال؛ وهذه الحال مستثناة من عموم الأحوال، والتقدير: لم تعر نائبة في حال من الأحوال إلا من الحال التي يكون فيها هرم وزرا لمن يرتاع به.
موطن الشاهد: "نعم امرأ هرم".
وجه الاستشهاد: مجيء فاعل "نعم" ضميرا مستترا، وقد فسر لإبهامه بالتمييز بعده "امرأ"، وفي البيت شاهد آخر في قوله: "إلا وكان" حيث جيء بواو الحال قبل الفعل الماضي الواقع بعد إلا، وحكم هذا الإتيان نادر، والفصيح تجرده من الواو كما في قوله تعالى: {إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} .
ونظير الشاهد المذكور قول الشاعر:
نعم امرأين حاكم وكعب ... كلاهما غيث وسيف عضب
انظر الأشموني: 2/ 376.
انظر ضياء السالك 3/ 84.
1 مرت ترجمة وافية لكل منهم.
2 لم يُنسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
رد التحية نطقا أو بإيماء
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 95، والعيني: 4/ 32، والهمع: 2/ 86، والدرر: 2/ 112، والمغني: 841/ 604، والسيوطي: 292.
المفردات الغريبة: الفتاة: المرأة الشابة الحديثة السن، وهي مؤنث الفتى. بذلت: أعطت. بإيماء؛ الإيماء: الإشارة، مصدر أومأ إلى الشيء، إذا أشار إليه.
المعنى: أن هندا تستحق الثناء، والتقدير، لو تفضلت برد التحية بالنطق، أو بالإشارة وبعد ذلك منها بذلا ومنحة.
الإعراب: نعم: فعل ماض، دال على إنشاء المدح، مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب. الفتاة: فاعل نعم مرفوع. فتاة: تمييز مؤكد للفاعل منصوب، وعلامة نصبه =(3/244)
ومنعه سيبويه والسيرافي1 مطلقا2، وقيل: إن أفاد معنى زائدا جاز، وإلا فلا؛ كقوله:
فنعم المرء من رجل تهامي3
__________
= الفتحة الظاهرة على رأي المبرد والفارسي وابن السراج وجماعة من المتأخرين، وحال مؤكدة لصاحبها على رأي أنصار سيبويه؛ وجملة "نعم وفاعلها": في محل رفع خبر مقدم. هند: مخصوص بالمدح، مبتدأ مؤخر مرفوع. لو: شرطية أو حرف تمن، لا محل له من الإعراب. بذلت: فعل ماضٍ، مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هي. رد: مفعول به منصوب، وهو مضاف. التحية: مضاف إليه؛ إن عددنا "لو" حرف تمن، فلا جواب لها، وإن عددناها حرف شرط غير جازم فجملة "بذلت": فعل الشرط لا محل لها، ويكون جوابها محذوفا، والتقدير: لو بذلت رد التحية لنعمنا بردها. نطقا: منصوب على نزع الخافض؛ لأن الأصل: بنطق. أو بإيماء: معطوف على نطقا بأو.
موطن الشاهد: "نعم الفتاة فتاة".
وجه الاستشهاد: الجمع بين فاعل نعم الظاهر "الفتاة"، وبين تمييزها "فتاة"، وليس في التمييز معنى زائد على ما يدل عليه الفاعل غير أن الغرض منه مجرد التوكيد لا رفع إبهام شيء، ومثله قول الشاعر:
تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا
وهذا الرأي مؤيد بما ورد كثيرا نظما ونثرا في الفصيح من كلام العرب، وهو الصحيح، وقد ورد في النثر قول الحارث بن عباد حين بلغه أن ابنه بجيرا قتل في حرب البسوس: "نعم القتيل قتيلا أصلح بين بكر وتغلب". وهو من النثر الذي لا ضرورة فيه.
1 مرت ترجمة لكل منهما.
2 أي سواء أفاد التمييز معنى زائدا عما يفيده الفاعل أم لا؛ لأن التمييز لرفع الإبهام، ولا إبهام مع ظهور الفاعل. وقد أولا ما ورد من ذلك بجعل المنصوب حالا مؤكدا. التصريح: 2/ 96.
3 البيت لأبي بكر الأسود بن شعوب الليثي، وقيل: لبجير بن عبد الله بن سلمة بن قشير. وما ذكره المؤلف عجز بيت وصدره قوله:
تخيره فلم يعدل سواه
وقد مر تخريج هذا الشاهد والتعليق عليه برقم: 285.
موطن الشاهد: "فنعم المرء من رجل". =(3/245)
[ما المتصلة بنعم وبئس وإعرابها] :
واختلف في كلمة "ما" بعد نعم وبئس؛ فقيل: فاعل1؛ فهي معرفة ناقصة،
__________
= وجه الاستشهاد: الجمع بين فاعل "نعم" الظاهر وهو "المرء"، وبين التمييز "من رجل"؛ وقد أفاد التمييز معنى زائدا عما أفاده الفاعل بسبب نعته بكونه تهاميا؛ أي: منسوبا إلى تهامة؛ وتهامة: اسم لما انخفض عن نجد من بلاد الحجاز.
1 وعلى ذلك فهي مستثناة من شرط الفاعل المتقدم. ومثل "ما"، "من"، وتكون موصولة، أو نكرة تامة أو موصوفة، ولا تكون معرفة. و"ما" الواقعة بعد "نعم" أو "بئس" على ثلاثة أضرب؛ وذلك لأنها إما أن لا يقع بعدها شيء أصلا، وإما أن يقع بعدها اسم مفرد: أي: ليس جملة ولا شبه جملة، وإما أن يقع بعدها جملة فعلية.
أ- فإن كانت لم يقع بعدها شيء؛ نحو: صادقت زيدا فنعما، أو تقول: اختبرت زاهرا فبئسما، فللنحاة فيها قولان:
أحدهما: أن "ما" معرفة تامة فهي فاعل، والتقدير: صادقت زيدا فنعم الصديق، واختبرت زاهرا فبئس المختبر.
وثانيهما: أن "ما" نكرة تامة فهي تمييز، والتقدير: صادقت زيدا فنعم صديقا، واختبرت زاهرا فبئس مختبرا.
ب- وإن وقع بعدها اسم مفرد؛ نحو: قولك: "صادقت عليا فنعما هو"؛ ونحو قولك: بئسما عمل بغير نية، فللنحاة ثلاثة أقوال في هذه الحالة:
الأول: أنها معرف تامة فهي فاعل.
الثاني: أنها نكرة تامة فهي تمييز، والاسم الذي بعدها -على هذين القولين- هو المخصوص بالمدح أوبالذم.
الثالث: أن "ما" قد ركبت مع نعم أو بئس، فصار الجميع كله واحدة، وهي فعل ماضٍ لإنشاء المدح أو الذم، والاسم الذي يليها فاعل، وهذا القول ينسب للفراء.
ج- وإن وقع بعد "ما" جملة فعلية؛ نحو قوله تعالى: {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} ، وقوله جل شأنه: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} ، فللنحاة فيها أربعة أقوال:
الأول: أنها موصولة معرفة في محل رفع فاعل، والجملة بعدها صلة لا محل لها.
الثاني: أنها نكرة في موضع نصب على التمييز، والجملة بعدها في محل نصب صفة لها، وهذا رأي الأخفش والزجاج والفارسي؛ أو الجملة بعدها صفة لمخصوص بالمدح أو بالذم محذوف.
الثالث: أن "ما" هي المخصوص بالمدح أو بالذم، وهي اسم موصول، والفاعل ضمير مستتر فيه، وهذا قول الكسائي، ونقل عن الفراء أيضا. =(3/246)
أي: موصولة، في نحو: {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} 1؛ أي: نعم الذي يعظكم به، ومعرفة تامة في نحو: {فَنِعِمَّا هِيَ} 2؛ أي: فنعم الشيء هي، وقيل: تمييز؛ فهي نكرة موصوفة في الأول وتامة في الثاني3.
[حكم المخصوص بالمدح والذم بعدهما] :
فصل: ويذكر المخصوص بالمدح، أو الذم بعد فاعل نعم وبئس4؛ فيقال:
__________
= الرابع: أن "ما" كافة لنعم أو بئس عن العمل.
انظر التصريح: 2/ 96-97، همع الهوامع: 2/ 86.
1 4 سورة النساء، الآية: 58.
موطن الشاهد: {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ما" في محل رفع فاعل؛ وجملة {يَعِظُكُمْ بِهِ} : صلة للموصول، والمخصوص بالمدح محذوف؛ والتقدير: نعم الذي يعظكم به؛ وهذا منقول عن الفارسي؛ وقيل: هي نكرة. موصوفة بالجملة الفعلية، في محل نصب تمييز.
التصريح: 2/ 96.
2 2 سورة البقرة، الآية: 271.
موطن الشاهد: {فَنِعِمَّا هِيَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "ما" معرفة تامة؛ لأنه تلاه المفرد "هي"؛ وهو المخصوص؛ وهو منقول على سيبويه؛ والأصل: فنعم الشيء إبداؤها؛ لأن الكلام في الإبداء لها في الصدقات؛ وقيل: هي نكرة تامة -لعدم وجود الجملة- واقعة في محل نصب تمييز.
التصريح؛ 2/ 96.
3 يذكر هنا أنه إذا كان فاعل "نعم وبئس" ضميرا مستترا، فلا يجوز أن يكون له تابع؛ من نعت أو عطف أو توكيد أو بدل، وإذا كان فاعلهما مفردا ظاهرا امتنع توكيده توكيدا معنويا؛ فإن كان مثنى أو جمعا جاز، نقول: نعم الصديقان كلاهما محمد وعلي، ونعم الأصدقاء كلهم محمد وعلي وعمر. والمؤنث كالمذكر. أما التوكيد اللفظي فجائز، وكذلك العطف والبدل، أما النعت فيجوز إذا أريد به الإيضاح لا التخصيص؛ لأن التخصيص منافٍ للتعميم المفهوم من أل الجنسية.
4 يشترط في المخصوص: أن يكون معرفة، أو نكرة مختصة بوصف أو إضافة أو غيرهما من وسائل التخصيص. وأن يكون أخص من الفاعل لا مساويا له ولا أعم؛ وذلك ليحصل التفصيل بعد الإجمال، فيكون أوقع في النفس. وأن يكون مطابقا له =(3/247)
"نعم الرجل أبو بكر"، و"بئس الرجل أبو لهب"، وهو: مبتدأ، والجملة قبله: خبره1؛ ويجوز أن يكون خبرا لمبتدأ واجب الحذف؛ أي: الممدوح أبو بكر، والمذموم أبو لهب2.
وقد يتقدم المخصوص؛ فيتعين كونه مبتدأ، نحو: "زيد نعم الرجل".
وقد يتقدم ما يشعر به فيحذف؛ نحو: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ} 3 أي: هون وليس منه "العلم نعم المقتنى"4؛ وإنما ذلك من التقدم5.
[بناء "فعل" الثلاثي وإجراؤه مجرى "نعم" و"بئس"] :
فصل: وكل فعل ثلاثي صالح للتعجب منه؛ فإنه يجوز استعماله على فَعُل بضم
__________
= في المعنى: تذكيرا وتأنيثا، وإفرادا وتثنية وجمعا. وأن يكون متأخرا عنه ليكون أدعى للتشويق. وكذلك يجب تأخيره عن التمييز إذا كان الفاعل ضميرا مستترا له تمييز، نحو: نعم رجلا المجاهد؛ فإن كان الفاعل اسما ظاهرا جاز تقديم المخصوص على التمييز وتأخيره، تقول: نعم المجد تلميذا محمد، ونعم المجد محمد تلميذا. وإذا كان المخصوص مؤنثا، جاز تذكير الفعل وتأنيثه، وإن كان الفاعل مذكرا.
1 والرابط عموم الفاعل، أو إعادة المبتدأ بمعناه، وهذا مذهب سيبويه ومن تبعه، وهو الراجح.
التصريح: 2/ 97. الأشموني مع الصبان: 3/ 37.
2 وهذا مذهب الجمهور.
3 38 سورة ص، الآية: 44.
موطن الشاهد: {نِعْمَ الْعَبْدُ} .
وجه الاستشهاد: حذف المخصوص بالمدح، وهو ضمير "أيوب"؛ لدلالة ما قبله عليه، وهو يصلح أن يكون مخصوصا؛ والتقدير: نعم العبد هو.
4 هذا من أمثلة ابن مالك في الألفية.
5 هذا إذا أعرب "العلم" مبتدأ، أما إذا أعرب "العلم" خبرا لمبتدأ محذوف، أي: الممدوح العلم، أو عكسه، أو أعرب مفعولا لمحذوف أي: الزم العلم، وجملة "نعم المقتنى": مستأنفة فيكون من تقديم المشعر لا المخصوص؛ لعدم صلاحيته للتأخير؛ لأنه من جملة أخرى، وعلى هذا يحمل كلام الناظم.
التصريح: 2/ 97. الأشموني مع الصبان: 3/ 37.(3/248)
العين؛ إما بالأصالة: كـ"ظرف وشرف" أو بالتحويل1: كـ"ضرب" و"فهم"، ثم يجري، حينئذ، مجرى نعم وبئس: في إفادة المدح والذم، وفي حكم الفاعل، وحكم المخصوص؛ تقول في المدح: "فهم الرجل زيد"، وفي الذم: "خبث الرجل عمرو".
[حكم ساء] :
ومن أمثلته "ساء"2 فإنه في الأصل سوأ بالفتح؛ فحول إلى فعل، بالضم، فصار قاصرا، ثم ضمن معنى "بئس" فصار جامدا، قاصرا، محكوما له ولفاعله بما ذكرنا؛ تقول: "ساء الرجل أبو جهل"، و"ساء حطب النار أبو لهب" وفي التنزيل: {وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} 3، و {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} 4.
__________
1 أي: إذا كان في الأصل مفتوح العين أو مكسروها كمثالي المصنف. ثم إن كان الفعل معتل العين بقي قلبها ألفا مع تقدير تحويله إلى "فعل"؛ نحو: طال الرجل محمد، وباع رجلا علي، أي: ما أطوله وأبيعه، وإن كان معتل اللام ظهرت الواو وقلبت الياء واوا: تقول: غزو، ورمو، وقيل: يقر على حاله، والحكمة في التحويل لحاقه بأفعال الغرائز ليصير قاصرا.
التصريح: 2/ 98. الهمع: 2/ 87-88.
2 خصها المصنف والناظم بالذكر؛ لأنها للذم العام فهي أشبه ببئس، ولكثرة استعمالها وللخلاف فيها، أهي مثل بئس في المعنى والحكم؟ أم هي مثلها في المعنى، أما في الأحكام فكالأفعال المحولة؟.
3 18 سورة الكهف، الآية: 29.
موطن الشاهد: {سَاءَتْ مُرْتَفَقًا} .
وجه الاستشهاد: وقوع فاعل "ساء" ضميرا مستترا، يعود على النار. ومرتفقا: تمييز على حذف مضاف؛ أي: نار مرتفق؛ لأن التمييز، ينبغي أن يكون عير المميز في المعنى. والمرتفق: المتكأ.
انظر التصريح: 2/ 98.
4 29 سورة العنكبوت، الآية: 4.
موطن الشاهد: {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} .
وجه الاستشهاد: جواز كون "ما" فاعلا لـ"ساء"، أو تمييزا؛ فعلى الأول: هي اسم موصول "والجملة": صلة لها؛ والتقدير: ساء الذي يحكمونه؛ وعلى الثاني: هي =(3/249)
ولك في فاعل فعل المذكور أن تأتي به اسما ظاهرا مجردا من "أل"، وأن تجره بالباء، وأن تأتي به ضميرا مطابقا؛ نحو: "فهم زيد"1، وسمع "مررت بأبيات جاد بهن أبياتا" و"جدن أبياتا"2؛ وقال3: [المديد]
386- حب بالزور الذي لا يرى4
__________
= نكرة موصوفة؛ والتقدير: ساء شيئا يحكمونه؛ وعلى الوجهين، فالمخصوص بالذم محذوف.
انظر شرح التصريح: 2/ 98.
1 بهذا خالف الفعل المحول إلى فعُل -بضم العين- نعم وبئس، فقد علمت أن فاعل نعم وبئس لا يكون إلا مقترنا بأل، أو مضافا لما قارنها أو إلى مضاف إلى ما قارنها، ومن المحول إلى فعل بالضم "حب" إذا لم يكن معها "ذا" وهذا الذي ذكره المؤلف من حكم هذه الأفعال هو في أصله رأي الأخفش والمبرد، وهو المشهور عن العلماء، ولكن الدماميني قد بحث أنه يلتزم في فاعل ساء ما التزم في فاعل بئس، وجزم الشاطبي بأن فاعل "حب" إذا لم يكن معه "ذا" يلتزم فيه ما لزم في فاعل نعم.
حاشية يس على التصريح: 2/ 98، الأشموني: 2/ 380. والأشموني مع الصبان: 3/ 40.
2 حكى ذلك الكسائي، بزيادة الباء في الفاعل أولا، وتجرده منها ثانيا، وهو سبب تمثيل المصنف به. وجاد بهن؛ من جاء الشيء إذا صار جيدا، وأصله: جود، فحول إلى "فعُل"؛ لقصد المبالغة والتعجب، وزيدت الباء في الفاعل، وعوض من ضمير الرفع ضمير الجر، فقيل: بهن، و"أبياتا" تمييز، و"جدن" فعل وفاعل، و"أبياتا" تمييز أيضا. وقد جمع فيهما بين الفاعل والتمييز.
3 القائل: هو الطرماح بن حكيم، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
منه إلا صفحة أو لمام
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 99، والأشموني: 55/ 2/ 380، والعيني: 4/ 15، والمقرب: 11، والهمع: 2/ 89، والدرر: 2/ 119، وديون الطرماح: 79.
المفردات الغريبة: الزور: الزائر، وهو مصدر يراد به اسم الفاعل، ويطلق على الواحد والجمع مذكرا ومؤنثا. صفحة: المراد صفحة الوجه، وهي جانبه. لمام: جمع لمة، وهي الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن، فإذا بلغ المنكب سمي: جمة.
المعنى: ما أحب الضيف الذي لا يثقل على مضيفه بالمكث عنده ومضايقته، حتى لا =(3/250)
أصله "حبب الزور"، فزاد الباء، وضم الحاء؛ لأن فعل المذكور، يجوز فيه أن تسكن عينه، وأن تنقل حركتها إلى فائه؛ فتقول: "ضرب الرجل" و"ضرب".
["حبذا" و"لا حبذا" وإعرابهما] :
فصل: ويقال في المدح: "حبذا" وفي الذم: "لا حبذا" قال1: [المتقارب]
387- ألا حبذا عاذري في الهوى ... ولا حبذا الجاهل العاذل2
__________
= يكاد يتحقق من ملامحه لسرعة انصرافه وتركه المضيف.
الإعراب: حب: فعل ماضٍ، دال على إنشاء المدح. بالزور: الباء: حرف جر زائد، الزور: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه فاعل "حب". الذي: اسم موصول في محل رفع صفة لـ"الزور". لا: نافية لا عمل لها. يرى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر. "منه": متعلق بـ"يرى". إلا: أداة حصر، لا عمل لها. صفحة: نائب فاعل مرفوع. أو: حرف عطف. لمام: اسم معطوف على صفحة مرفوع، وسكن لضرورة الروي؛ وجملة "لا يرى": صلة للموصول، لا محل لها من الإعراب.
موطن الشاهد: "حب بالزور".
وجه الاستشهاد: مجيء فاعل حب التي تفيد معنى نعم مقترنا بالباء الزائدة؛ لأن المعنى قريب من معنى صيغة التعجب، وقد علمنا سابقا أن الباء تزاد باطراد في فاعل فعل التعجب فحمل ما في البيت على تلك الزيادة، غير أن الباء ليست واجبة الزيادة مع الفاعل في "حب"، فيجوز أن نقول: حب زيد، وحب بزيد: حيث استعمله مجنون ليلى من دون أن يقرن فاعله بالباء، وأتى بالتمييز بعده حيث قال:
نسائلكم هل سال نعمان بعدنا ... وحب إلينا بطن نعمان واديا
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد:
البيت من شواهد: التصريح: 2/ 00، والعيني: 4/ 16، والهمع: 2/ 89، والدرر: 2/ 117.
المفردات الغريبة: العاذر: الذي يقبل العذر، ولا يلوم، من عذره يعذره؛ والاسم: المعذرة. العاذل: اللائم، من عذله يعذله، والاسم: العذل.
المعنى: نعم من يعذرني في الهوى، ويكف عن لومي وعذلي، وبئس الجاهل الغبي الذي يلومني، ولا يلتمس لي عذرا.
الإعراب: ألا: حرف استفتاح وتنبيه، لا محل له من الإعراب. حبذا: حب: فعل =(3/251)
ومذهب سيبويه أن "حب" فعل، و"ذا" فاعل، وأنهما باقيان على أصلهما1، وقيل: ركبا وغلبت الفعلية؛ لتقدم الفعل، فصار الجميع فعلا وما بعده فاعل2، وقيل: ركبا وغلبت الاسمية لشرف الاسم، فصار الجميع اسما مبتدأ وما بعده خبرا3.
__________
= ماضٍ لإنشاء المدح مبني على الفتح، و"ذا" اسم إشارة في محل رفع فاعل، وجملة "حبذا": في محل رفع خبر مقدم. عاذري: مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وياء المتكلم: في محل جر بالإضافة. "في الهوى": متعلق بـ"عاذر". ولا: الواو: عاطفة، لا: نافية، لا محل لها من الإعراب. حبذا: حب: فعل ماضٍ مبني على الفتح، و"ذا": اسم الإشارة فاعله، والجملة في محل رفع خبر مقدم. الجاهل: مبتدأ مؤخر مرفوع. العاذل: صفة للجاهل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
موطن الشاهد: "حبذا عاذري"، و"لا حبذا صحبة الجاهل".
وجه الاستشهاد: استعمال حبذا للمدح في الشطر الأول من البيت، و"لا حبذا" للذم في الشطر الثاني.
ومثل هذا البيت قول الشاعر:
ألا حبذا أهل الملا غير أنه ... إذا ذكرت مي فلا حبذا هيا
انظر شرح التصريح: 2/ 99.
1 أي: أنهما جملة فعلية ماضوية؛ لإنشاء المدح، و"ذا" كفاعل "نعم" لا يجوز إتباعه. وإذا وقع بعده اسم؛ نحو: حبذا الرجل، فهو المخصوص لا تابع لاسم الإشارة.
2 هذا رأي ضعيف؛ لأنه لم يعهد تركيب فعل من فعل واسم على أنه قد يحذف المخصوص، والفاعل لا يحذف.
3 وأجاز بعضهم كون "حبذا" خبرا مقدما، والاسم بعده مبتدأ مؤخر، وينسب هذا إلى المبرد وابن السراج، وضعف بأن "حبذا" لو كان اسما لوجب تكرار "لا" عند إهمالها في نحو: لا حبذا زيد ولا عمرو، وأيضا: عمل "لا" في معرفة، إن أعملت عمل "إن" أو ليس، وبقي وجه آخر، وهو: أن يكون "حب" فعلا، و"ذا" ملغاة، والاسم بعده فاعل.
مغني اللبيب: 725، والتصريح: 2/ 99. حاشية الصبان: 3/ 40، ابن عقيل "طبعة دار الفكر": 3/ 138.
فائدة: أجاز بعض النحاة أن يكون "حبذا" خبرا مقدما، والاسم بعده مبتدأ مؤخرا، وهناك وجه آخر، وهو أن يكون "حب" فعلا و"ذا" ملغاة، والاسم بعده فاعلا؛ وهذا الوجه في العمل كالوجه الأول من وجوه التركيب المذكورة في المتن، ولكنه غيره في =(3/252)
ولا يتغير "ذا" عن الإفراد والتذكير؛ بل يقال: "حبذا الزيدان والهندان"، أو "الزيدون والهندات"؛ لأن ذلك كلام جرى مجرى المثل؛ كما في قولهم: "الصيف ضيعت اللبن"، يقال لكل أحد بكسر التاء وإفرادها1، وقال ابن كيسان: لأن المشار إليه مضاف محذوف، أي: حبذا حسن هند2.
[لا يتقدم المخصوص على حبذا] :
ولا يتقدم المخصوص على "حبذا" لما ذكرنا من أنه كلام جرى مجرى المثل، وقال ابن بابشاذ3: لئلا يتوهم أن في "حب" ضميرا4، وأن "ذا" مفعول5.
__________
= التقدير: وخلاصة القول في "حبذا زيد": أن لها خمسة أوجه من الإعراب: الأول: أن يكون "حب" فعلا ماضيا، و"ذا" فاعله، والجملة خبر مقدم وزيد مبتدأ مؤخر. الثاني: أن يكون "حبذا" برمته فعلا، و"زيد" فاعل. الثالث: أن يكون "حبذا" برمته مبتدأ، وزيد خبره. الرابع: أن يكون "حبذا" فعلا وفاعلا، وزيد مبتدأ خبره محذوف.
الخامس: أن يكون "حبذا" فعلا وفاعلا، وزيد خبر لمبتدأ محذوف.
انظر التصريح: 2/ 99، مغني اللبيب: 725.
1 ذلك؛ لأنه في الأصل خطاب لامرأة طلقت زوجا غنيا؛ لكبره، وأخذت شابا فقيرا، وكان ذلك في زمن الصيف، فلما جاء الشتاء أرسلت للأول تطلب منه لبنا، فقال لها ذلك، وصار مثلا يضرب لمن يطلب الشيء بعد تفريطه فيه، و"الصيف" منصوب على الظرفية لضيعت.
وهو من أمثال الميداني "تحق عبد الحميد": 2/ 68 رقم: 2725.
2 رد ابن العلج على ابن كيسان؛ بأنه لو كان كما ذكره لظهر هذا المبتدأ المقدر في بعض التراكيب العربية، ولم يثبت إطلاقا، فهو قول لا دليل عليه.
التصريح: 2/ 100، حاشية الصبان: 3/ 41.
3 مرت ترجمته.
4 أي مرفوعا على الفاعلية عائدا على المخصوص. وهذا التوهم بعيد؛ لأن معنى هذا التركيب قد اشتهر في غير ذلك المعنى المتوهم؛ على أن هذا التوهم الذي يفر منه، لا يمتنع وروده على الذهب بسبب التأخير؛ لأنه يفهم أن "ذا" مفعول مقدم "وزيد" فاعل مؤخر.
التصريح: 2/ 100.
5 بقي أن نقول: إن مخصوص "حبذا" يخالف مخصوص "نعم" في أمور: =(3/253)
تنبيه: إذا قلت "حب الرجل زيد" فحب هذه من باب فعل المتقدم ذكره، ويجوز في حائه الفتح والضم، كما تقدم؛ فإن قلت "حبذا" ففتح الجاء واجب إن جعلتهما كالكلمة الواحدة.
__________
= الأول: مخصوص "نعم" يجوز تقدمه عليها؛ نحو: زيد نعم الرجل، بخلاف مخصوص "حبذا"، وقد ذكر ذلك المصنف.
الثاني: يجوز إعمال النواسخ في مخصوص "نعم"؛ نحو؛ نعم رجلا كان زيد، بخلاف مخصوص "حبذا"، فإن النواسخ لا تعمل فيه.
الثالث: أن تقديم التمييز على المخصوص بعد "حبذا" وتأخير التمييز عن المخصوص سواء في القياس كثير في الاستعمال، وإن كان تقديم التمييز أولى وأكثر، بخلاف المخصوص، بنعم؛ فإن تأخير التمييز عنه -عند البصريين- شاذ في غاية الندرة.
الرابع: أنه مع اشتراكهما في جواز إعرابهما مبتدأ خبره الجملة قبله، أو خبرا مبتدؤه محذوف وجوبا، إلا أن الوجه الثاني في "حبذا" أسهل منه في "نعم"، من جهة أن النواسخ تدخل عليه مع نعم، وهي لا تدخل إلا على المبتدأ، فيترجح فيه الوجه.
الأشموني: 2/ 383-383، والأشموني مع حاشية الصبان: 3/ 42-43.(3/254)
[باب أفعل التفضيل] 1
[ما يصاغ منه أفعل التفضيل] :
إنما يصاغ أفعل التفضيل مما يصاغ منه فعلا التعجب؛ فيقال: "هو أضرب" و"أعلم" و"أفضل"، كما يقال: "ما أضربه" و"أعلمه" و"أفضله" وشذ بناؤه من وصف لا فعل له؛ كـ"هو أقمن به" أي: أحق، و"ألص من شظاظ"2، ومما زاد على ثلاثة كـ"هذا الكلام أخصر من غيره"3، وفي أفعل المذاهب الثلاثة4، وسمع "هو أعطاهم للدراهم، وأولاهم للمعروف"5، و"هذا المكان أقفر من
__________
1 هو اسم مشتق مصوغ؛ للدلالة على شيئين اشتركا في صفة، وزاد أحدهما على الآخر فيها. وقياسه "أفعل" للمذكر ممنوع من الصرف للوصفية ووزن الفعل، و"فعلى" للمؤنث. أما خير وشر وحب، فقد حذفت همزتها؛ لكثرة الاستعمال، وجاء على الأصل قول رؤبة: بلال خير الناس وابن الأخير، وقراءة بعضهم: {مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} ، وفي الحديث: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل".
الأشموني: 2/ 383، حاشية الصبان: 3/ 43.
2 بنوه من لص. وقد حكى ابن القطاع لصص -بالفتح- إذا استتر، وحكي أيضا: لصصه إذا أخذه خفية. وعلى ذلك لا شذوذ فيه. وشظاظ -بكسر الشين- اسم لص من بني ضبة معروف بالذكاء في اللصوصية، ويضرب به المثل، يقال: "أسرق من شظاظ"، و"ألص من شظاظ"، ويقال أيضا: "ألص من سرحان" وهو الذئب، و"ألص من فأرة".
انظر مجمع الأمثال للميداني "تحقيق: محيي الدين عبد الحميد": 2/ 257، برقم: 3745.
3 بنوه من: "اختصر". وفيه شذوذ آخر، وهو بناؤه من المبني للمجهول.
4 أي: في بناء "أفعل" التفضيل من الرباعي الذي على وزن "أفعل" الخلاف السابق في التعجب؛ فقيل: يجوز مطلقا، وقيل: يمتنع مطلقا، وقيل: يجوز إن كانت الهمزة لغير النقل وإلا فلا.
5 هذان شاذان عند من يمنع ذلك مطلقا، وعند من يمنع إذا كانت الهمزة للنقل؛ لأن همزتها كذلك.(3/255)
غيره"1، ومن فعل المفعول كـ"هو أزهى من ديك"2 و"أشغل من ذات النحيين"3 و"أعنى بحاجتك".
[ما يتوصل به إلى ما عدم الشروط] :
وما توصل به إلى التعجب مما لا يتعجب منه بلفظه يتوصل به إلى التفضيل، ويجاء بعده بمصدر ذلك الفعل تمييزا؛ فيقال: "هو أشد استخراجا" و"حمرة".
[حالات اسم التفصيل] :
فصل: ولاسم التفضيل ثلاثة حالات4.
إحداها: أن يكون مجردا من أل والإضافة، فيجب له حكمان:
__________
1 هذا شاذ على القول بالمنع مطلقا؛ لأن همزته ليست للنقل.
2 بنوه من قولهم: زهي، بمعنى تكبر، وحكى ابن دريد: زها يزهو، أي: تكبر، وعليه فلا شذوذ؛ لأنه من المبني للفاعل، وهو من أمثال الميداني.
أمثال الميداني: 1/ 327، برقم: 1761.
3 بنوه من "شغل"؛ لأن المراد أنها أكثر مشغولة. والنحيين: تثنية نحي وهو زق السمن؛ أمثال الميداني: 1/ 376، برقمك 2029. الأشموني وحاشية الصبان: 3/ 43-44.
4 هذا باعتبار لفظه، وله باعتبار معناه ثلاثة استعمالات.
أ- ما تقدم في تعريفه.
ب- أن يراد به؛ أن شيئا زاد في صفة نفسه على آخر في صفته، كقولهم: الصيف أحر من الشتاء؛ أي: الصيف أبلغ في حره من الشتاء في برده، ومثل: العسل أحلى من الخل ونحو ذلك: وليس في هذه الحالة وصف مشترك وإنما الاشتراك في الزيادة.
ج- أن يتجرد عن معنى التفضيل، ويراد به ثبوت الوصف لمحله فيؤول باسم فاعل، أو صفة مشبهة. فإن أضيف لمعرفة تعينت المطابقة كما سيأتي: نحو الناقص والأشج أعدلا بني مروان، أي: عادلاهم، ونصيب أشعر الحبشة، أي: شاعرهم. وإن لم يضف، ولم يقترن بأل ولا بمن، فالأكثر فيه عدم المطابقة؛ نحو: قوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} ، أي: هين، {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} ، أي: عالم، وقد يطابق وعليه يخرج قول أبي نواس الآتي: كأن صغرى ... البيت.
حاشية يس على التصريح: 2/ 102.(3/256)
أحدهما: أن يكون مفردا مذكرا دائما؛ نحو: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ} 1؛ ونحو: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} الآية2، ومن ثم قيل في "أُخَر" إنه معدول عن آخر3، وفي قول ابن هانئ4: [البسيط]
388- كأن صغرى وكبرى من فقاقعها5
__________
1 12 سورة يوسف، الآية: 8.
موطن الشاهد: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أحب" اسم تفضيل مجردا من "أل" والإضافة؛ فجاء مفردا مذكرا؛ وحكم مجيئه على هذه الحالة -بالتذكير- الوجوب؛ وقد أفرد -هنا- مع المثنى.
2 9 سورة التوبة، الآية: 24.
موطن الشاهد: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ} .
وجه الاستشهاد: إفراد اسم التفضيل مع الجماعة.
3 أي: وليس من باب التفضيل؛ لأنه ليست فيه مشاركة وزيادة؛ لأن معناه الأصلي: أشد تأخرا، و"أخر": جمع أخرى، أنثى آخر على وزن "أفعل".
4 هو: أبو نواس؛ الحسن بن هانئ، شاعر العراق في عصره، وأحد الشعراء المكثرين، كان له علم باللغة حتى شهد له بذلك الشافعي رضي الله عنه اشتهر بمجونه وخمرياته، بالإضافة لنظمه في كل أنواع الشعر، له ديوان مطبوع ومشهور. اختلف في ولادته وموته، والمشهور أنه ولد سنة 146هـ، وتوفي سنة: 198هـ.
خزانة الأدب: 1/ 168، وفيات الأعيان: 1/ 135، الأعلام: 2/ 225، الشعر والشعراء: 2/ 796
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت في وصف الخمر، وعجزه قوله:
حصباء در على أرض من الذهب
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 102، والأشموني: 767/ 2/ 386، والعيني: 4/ 50، والمغني: 706/ 498، وشرح المفصل: 6/ 100، 102، وديوان أبي نواس: 243.
المفردات الغريبة: فقاقعها: جمع فقاعة، وهي النفاخات التي على وجه الماء أو الخمر، شبه حبات صغيرة من الحصباء وهي: دقاق الحصى. در: لآلئ، جمع درة، وهي اللؤلؤة.
المعنى: كأن النفاخات الصغيرة البيضاء التي تعلو الخمر، وهي في الكأس في لونها الذهبي حبات من اللؤلؤ على أرض من ذهب. =(3/257)
إنه لحن.
والثاني: أن يؤتى بعده بمن1 جارة للمفضول2؛ وقد تحذفان3 نحو:
__________
= الإعراب: كأن: حرف مشبه بالفعل. صغرى: اسم كأن منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف؛ للتعذر. وكبرى: الواو: عاطفة، كبرى: اسم معطوف على صغرى، منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف؛ للتعذر. من: حرف جر. فقاقعها: اسم مجرور، و"ها": مضاف إليه، و"من فقاقع": متعلق بمحذوف صفة لـ"صغرى" و"كبرى". حصباء: خبر كأن مرفوع، وهو مضاف. در: مضاف غليه مجرور. "على أرض": متعلق بمحذوف صفة لـ"حصباء در". "من الذهب": متعلق بمحذوف صفة لـ"أرض".
موطن التمثيل به: "صغرى وكبرى".
وجه الاستشهاد: مجيء أفعل التفضيل "صغرى" و"كبرى" مؤنثا مع أنه مجرد من أل والإضافة، وكان حقه أن يأتي مفردا مذكرا فيقال: أصغر وأكبر؛ ولهذا قال بعضهم: إنه لحن.
غير أن آخرين قالوا: إنه لم يقصد التفضيل وإنما أراد معنى الوصف المجرد عن الزيادة، فـ"صغرى" و"كبرى" -هنا- صفة مشبهة لا أفعال تفضيل.
1 ولا يجر المفضول غيرها من الحروف، وهي واجبة في هذه الحالة، واختلف في معناها، فقال المبرد: هي للابتداء، وتكون لابتداء الارتفاع إذا كان السياق للمدح؛ نحو: النشيط أفضل من الخامل، ولابتداء الانحطاط إذا كان السياق للذم؛ نحو: المنافق أضر من العدو. وقال ابن مالك: هي للمجاوزة؛ أي: أن المفضل جاوز المفضول في الوصف الممدوح أو المذموم، وزاد عليه.
التصريح: 2/ 102. والأشموني: 2/ 384. والأشموني مع الصبان: 3/ 45.
2 يجوز الفصل بين أفعل التفضيل و"من" الداخلة على المفضول بأحد شيئين: الأول: معمول أفعل التفضيل؛ نحو: على أحفظ للآداب من عمرو، والثاني: "لو" ومدخولها؛ نحو قول الشاعر:
ولفوك أطيب لو بذلت لنا ... من ماء موهبة على خمر
الأشموني: 2/ 385.
3 اختلف النحاة عند حذف "من" ومجرورها -وهو المفضل عليه في صيغة أفعل- أيلزم كونها دالة على التفضيل، أم يجوز خلوها من هذه الدلالة؟
ذهب الكسائي والفراء وهشام، وتبعهم المحقق الرضي إلى أن هذه الصيغة لا تخلو قط من الدلالة على التفضيل، وبيان ذلك في مختلف الأحوال أنك إن ذكرت الصيغة، وبعدها "من" جارة للمفضول؛ فدلالتها على التفضيل ظاهرة، وإن أضيفت الصيغة، =(3/258)
{وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} 1، وقد جاء الإثبات والحذف في {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} 2، أي: منك.
وأكثر ما تحذف "من" إذا كان أفعل خبرا3، ويقل إذا كان حالا، كقوله4: [الطويل]
__________
= فإن المضاف إليه هو المفضل عليه، وإن اقترنت بأل، فإن أل عوض من المضاف إليه، وإن لم تضف ولم تقترن بأل، ولم يذكر معها "من" جارة للمفضول؛ كان الكلام على أحد تقديرين؛
الأول: تقدير "من" ومجرورها.
الثاني: تقدير الصيغة مضافة، وقد حذف المضاف إليه وهو منوي الثبوت؛ كقول معن بن أوس:
ولا بلغ المهدون نحوك مدحة ... ولا صدقوا إلا الذي فيك أفضل
فالمراد: إلا الذي فيك أفضل مما قالوه فيك ووصفوك به.
وكقول الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعز وأطول
فالمراد: دعائمه أعز الدعائم وأطولها، أو أعز من كل عزيز، وأطول من كل طويل، والأمثلة على ذلك كثيرة.
انظر الأشموني: 2/ 388، أوضح المسالك: 3/ 289-290.
1 87 سورة الأعلى، الآية: 18.
موطن الشاهد: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} .
وجه الاستشهاد: حذف الجار "من" والمجرور "المفضول" بعد اسم التفضيل؛ وحكم هذا الحذف الجواز؛ لوجود الدليل؛ والتقدير: والآخرة خير وأبقى من الحياة الدنيا.
2 18 سورة الكهف، الآية: 34.
موطن الشاهد: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} .
وجه الاستشهاد: مجيء من والمجرور بها -المفضول- بعد اسم التفضيل "أكثر"، وحذفها مع مجرورها -المفضول- بعد اسم التفضيل "أعز"؛ والتقدير: أعز منك؛ وجاز الحذف -هنا- لوجود الدليل.
3 سواء كان خبرا لمبتدأ، أو خبر ناسخ، أو أصله الخبر، كثاني مفعولي "ظن" وأخواتها. وثالث مفاعيل "أعلم وأرى" إلخ؛ نحو: محمد أكرم، كان محمد أفضل، ظننت محمدا أعلم، أعلمت عليا محمدا أقدر على تحمل المسئولية.
4 لم ينسب البيت إلى قائل معين.(3/259)
389- دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا1
اي: دنوت أجمل من البدر، أو صفة كقوله2: [مشطور الرجز]
__________
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
فظل فؤادي في هواك مضللا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 103، والأشموني: 762/ 2/ 385، وابن عقيل: 279/ 3/ 77، والعيني: 4/ 50، والخزانة: 1/ 387.
المفردات الغريبة: دنوت: قربت. خلناك: ظنناك وحسبناك. ظل: استمر. مضللا: حيران غير مهتد إلى الصواب؛ وهو من الضلال وهو عدم الرشد.
المعنى: قربت منا أيتها المحبوبة، وأنت أكثر جمالا وبهاء من البدر، وقد كنا نظنك مثله في الجمال وحسن المنظر، فصار قلبي حائرا في هواك وحبك، لا يعرف سبيل الرشد ووجه الصواب.
الإعراب: دنوت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل رفع فاعل. وقد: الواو: حالية، قد: حرف تحقيق. خلناك: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، و"نا": ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، والكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به أول. "كالبدر": متعلق بمحذوف مفعول ثانٍ لـ"خال"؛ وجملة "خال ومفعوليه": في محل نصب حال. أجملا: حال من تاء المخاطبة الواقعة فاعلا لـ"دنا"، والألف: للإطلاق، والتقدير: قربت منا حال كونك أجمل من البدر، وقد ظنناك كالبدر. فظل: الفاء: حرف عطف، ظل: فعل ماضٍ ناقص. فؤادي: اسم ظل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل الياء، والياء: في محل جر مضاف إليه. "في هواك": متعلق بـ"مضلل" الآتي، و"هوا": مضاف والكاف: في محل جر مضاف إليه. مضللا: خبر ظل منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
موطن الشاهد: "دنوت كالبدر أجملا".
وجه الاستشهاد: حذف "من" التي تجر المفضول عليه مع مجرورها؛ لأن الأصل دنوت -وقد خلناك كالبدر- أجمل منه، وأفعل التفضيل -هنا- حال من الفاعل في دنوت، وجملة "وقد خلناك كالبدر": اعتراضية، وهذا على قلته قياسي.
2 القائل: هو أحيحة بن الجلاح الأوسي الصحابي، شاعر جاهلي من دهاة العرب وشجعانهم، قيل: إنه كان سيد يثرب وسيد الأوس، وكان كثير المال، له شعر بقي منه القليل مات نحو 130ق. هـ. =(3/260)
390- تروحي أجدر أن تقيلي1
أي: تروحي وائتي مكانا أجدر من غيره بأن تقيلي فيه.
__________
= تجريد الأغاني: 1612، الأغاني: 13/ 115، خزانة الأدب: 2/ 23، الأعلام: 1/ 277.
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت من الرجز، أو بيت من مشطوره، وبعده قوله:
غدا بجنبي بارد ظليل ... ومشرب يشربها رسيل
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 103، والأشموني: 763/ 2/ 385، والمحتسب: 1/ 212، وأمالي ابن الشجري: 1/ 343، والعيني: 4/ 36.
المفردات الغريبة: تروحي: ارتفعي وطولي، من قولهم: تروح النبت إذا طال. أجدر: أحق وأحرى. تقيلي: من القيلولة؛ وهي الوقت الذي يشتد فيه الحر في منتصف النهار. هذا: وقد ظن بعضهم أن الشاعر يخاطب بهذا ناقته، وأنه يطلب منها الصبر على مشاق السير، وأن تقبل في وقت الظهيرة، لكن هذا لا يتناسب مع ما قبل البيت وبعده، فقبله قوله:
تأبري يا خيرة الفسيل ... تأبري من حنذ فشولي
إذا ضن أهل النخل بالفحول ... تروحي.......... البيت
المعنى: ارتفعي أيتها النخلة الصغيرة وطولي، وخذي مكانا أحرى من غيره بأن يزداد فيه نموك وازدهارك، بجنبي ماء بارد ومكان ظليل.
الإعراب: تروحي: فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بياء المؤنثة المخاطبة، والياء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. أجدر: أفعل تفضيل صفة لمحذوف هو، وعامله المعطوف على تروحي؛ والتقدير: وخذي مكانا أجدر من غيره. أن: حرف مصدري ونصب. تقيلي: فعل مضارع منصوب بأن المصدرية، وعلامة نصبه حذف النون، والياء: في محل رفع فاعل، والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": مجرور بحرف جر محذوف، والتقدير: أجدر بقيلولتك، و"بقيلولتك": متعلق بـ"أجدر". غدا: متعلق بـ"تقيلي". "بجنبي": متعلق بـ"تقيلي" أيضا، وجنبي: مضاف. بارد: مضاف إليه، والأصل في بارد: أنها صفة لمحذوف؛ لأن التقدير: بمكان بارد فحذف الموصوف، وأقيمت مقامه. ظليل: صفة لـ"بارد" مجرورة.
موطن الشاهد: "أجدر أن تقيلي".
وجه الاستشهاد: حذف من الجارة للمفضول عليه مع مجرورها، فأصل الكلام: تروحي وأتي مكانا أجدر من غيره بأن تقيلي فيه كما ذكر المؤلف؛ واسم التفضيل -هنا- صفة لموصوف محذوف، وحكم هذا أنه قليل.(3/261)
ويجب تقديم "من" ومجرورها عليه إن كان المجرور استفهاما1؛ نحو: "أنت ممن أفضل"2 أو مضافا إلى الاستفهام "أنت من غلام من أفضل"، وقد تتقدم في غير الاستفهام؛ كقوله3: [الطويل]
391- فأسماء من تلك الظعينة أملح4
وهو ضرورة.
__________
1 أي: تقديم "من" ومجرورها على "أفعل" وحده، دون الجملة كلها؛ وذلك لأن الاستفهام له الصدراة في الكلام.
2 الأصل: أنت أفضل ممن؟.
3 القائل هو: جرير بن عطية الشاعر الأموي؛ وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
إذا سايرت أسماء يوما ظعينة
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 103، والأشموني: 773/ 2/ 389، وابن عقيل: 284/ 3/ 186، والعيني: 4/ 52، وديوان جرير: 107.
المفردات الغريبة: سايرت: سارت وصاحبت. ظعينة، الظعينة: الهودج كانت فيه امرأة أو لا، والجمع: ظعن وظعائن، وهي أيضا: المرأة ما دامت في الهودج، والمراد هنا: المرأة مطلقا. أملح: أحسن؛ من ملح كظرف.
المعنى: أن أسماء كلما سارت مع نسوة ظهر حسنها، وتفوقت على من يسايرنها في الحسن والملاحة.
الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه منصوب بجوابه مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. سايرت: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث. أسماء: فاعل مرفوع. "يوما": متعلق بـ"ساير". ظعينة: مفعول به لـ"سايرت"؛ وجملة "سايرت": في محل جر بالإضافة بعد "إذ". فأسماء: الفاء: واقعة في جواب الشرط، أسماء: مبتدأ مرفوع. من: حرف جر. تلك: تي: اسم إشارة في محل جر بـ"من"، واللام: للبعد والكاف: للخطاب، و"من تلك": متعلق بـ"أملح" الآتي. الظعينة: بدل من اسم الإشارة مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. أملح: خبر المبتدأ "أسماء" مرفوع، وجملة "المبتدأ وخبره": جواب شرط غير جازم، لا محل لها من الإعراب.
موطن الشاهد: "من تلك الظعينة أملح".
وجه الاستشهاد: تقدم من ومجرورها "من تلك الظعينة" على أفعل التفضيل "أملح" =(3/262)
الحالة الثانية: أن يكون بأل؛ فيجب له حكمان؛
أحدهما: أن يكون مطابقا لموصوفه1؛ نحو: "زيد الأفضل"، و"هند الفضلى"، و"الزيدان الأفضلان"، و"الزيدون الأفضلون"، و"الهندات الفضليات"، أو "الفضل"2.
والثاني: ألا يؤتى معه بمن3؛ فأما قول الأعشى4: [السريع]
392- ولست بالأكثر منهم حصى5
__________
= في غير الاستفهام: وحكم هذا التقديم أنه شاذ أتى لضرورة الشعر. ومثل البيت الشاهد قول ذي الرمة:
ولا عيب فيها غير أن سريعها ... قطوف وأن لا شيء منهن أكسل
وكذا قول أعرابي من طيئ:
وأشنب براق الثنايا غروبه ... من البرد الوسمي أصفى وأبرد
انظر زهر الآداب "تحقيق محيي الدين عبد الحميد": 718.
1 أي: في التذكير والتأنيث، والإفراد وفروعه؛ وذلك لأن اقترانه بأل أضعف شبهه بأفعل في التعجب.
2 الفضل: جمع تكسير لفضلى. ويرجع في تأنيث اسم التفضيل وتكسيره إلى السماع. فقد لا يسمع ذلك كأظرف وأشرف، وعلى هذا فالمطابقة مقيدة بالسماع عن العرب.
3 لأن المفضل عليه غير مذكور؛ إذ تغني عنه "أل". و"من" و"أل" يتعاقبان ولا يجتمعان، فلا يقال: على الأفضل من محمد.
4 ميمون بن قيس، وقد مرت ترجمته.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
وإنما العزة للكاثر
وهو من قصيدة يهجو فيها علقمة بن علاثة الصحابي، ويفضل عليه ابن عمه عامر بن الطفيل في المنافرة التي وقعت بينهما، وهي مشهورة.
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 104، والأشموني: 766/ 2/ 386، وابن عقيل: 280/ 3/ 180، ونوادر أبي زيد: 25، والخصائص: 1/ 185، 3/ 234, وشرح المفصل: 3/ 6، 6/ 100، 103، والخزانة: 3/ 489، والمغني: 974/ 744، والسيوطي: 305، وديوان الأعشى: 106.
المفردات الغريبة: حصى؛ المراد: العدد من الأعوان والأنصار. العزة: القوة والغلبة. الكاثر: اسم فاعل، من كثرته أكثره من باب نصر، غلبته في الكثرة. =(3/263)
فخرج على زيادة "أل" أو على أنها متعلقة بـ"أكثر" نكرة محذوفا مبدلا من "أكثر" المذكور.
الثالثة: أن يكون مضافا1، فإن كانت إضافته إلى نكرة؛ لزمه أمران؛ التذكير،
__________
= المعنى: لست يا علقمة أكثر من عامر عددا وأعوانا وأنصارا، وإنما تكون الغلبة ويتم النصر لمن عنده جنود وأعوان ونصراء أكثر.
الإعراب: لست: فعل ماضٍ ناقص مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل رفع اسم "ليس". بالأكثر: الباء: حرف جر زائد، لا محل له من الإعراب، الأكثر: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ليس. "منهم": متعلق بـ"الأكثر"؛ وعليه يكون قد جمع بين "أل" و"من" الداخلة على المفعول، خلافا لجماعة من النحاة. حصى: تمييز منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين. وإنما: الواو: عاطفة، إنما: أداة حصر. العزة: مبتدأ مرفوع. "للكاثر": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ.
موطن الشاهد: "بالأكثر منهم".
وجه الاستشهاد: يدل ظاهره على أن "من" لحقت أفعل التفضيل المحلى بأل، حيث دخلت على المفضول عليه علما أن اسم التفضيل معرف بأل، وهذا ممنوع، وقد خرجه المصنف، وذكر بعضهم أنه ضرورة، ومعلوم أن "من" تأتي مع أفعل التفضيل المنكر، وخرج الشاهد على واحد من ثلاثة أوجه:
الأول: أن "من" هذه ليست متعلقة بأفعل التفضيل المذكور، وإنما هي متعلقة بأفعل آخر منكر محذوف؛ والتقدير: ولست بالأكثر أكثر منه.
الثاني: أن "أل" هذه زائدة زيادتها في التمييز والحال ونحوهما، وعليه يكون أفعل التفضيل نكرة.
الثالث: أن "من" في البيت ليست متعلقة بالأكثر الذي هو أفعل التفضيل، وذهب أصحاب هذا المذهب إلى أحد قولين؛ أحدهما: أنها مع مجرورها متعلقان بـ"ليس" لما فيه من معنى الفعل "انتفى". ثانيهما: أنهما متعلقان بمحذوف يقع حالا من اسم ليس.
انظر المغني: 744.
1 الراجح أن تكون إضافته غير محضة، وقيل: محضة. ويشترط في هذه الحالة مطلقا، سواء أضيف لنكرة أو لمعرفة: ألا يقع بعد أفعل "من" الجارة للمفضول؛ فلا يصح: على أفضل المتسابقين من محمد. أما الجارة لغيره فتقع، تقول: محمد أقرب الناس مني. كما يشترط أن يكون المضاف بعضا من المضاف إليه عند إرادة التفضيل، فلا يصح محمد أفضل امرأة. فإن لم يقصد التفضيل جاز، نحو: يوسف أحسن إخوته، =(3/264)
والتوحيد، كما يلزمان المجرد؛ لاستوائهما في التنكير1، ويلزم في المضاف إليه أن يطابق؛ نحو: "الزيدان أفضل رجلين" و"الزيدون أفضل رجال"، و"هند أفضل امرأة"، فأما {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} 2 فالتقدير: أول فريق كافر.
وإن كانت الإضافة إلى معرفة؛ فإن أول أفعل بما لا تفضيل فيه وجبت المطابقة؛ كقولهم: "الناقص والأشج أعدلا بني مروان"3؛ أي: عادلاهم، وإن كان على أصله من إفادة المفاضلة؛ جازت المطابقة؛ كقوله تعالى: {أَكَابِرَ
__________
= والمراد بكونه بعضا من المضاف إليه: أن يكون "أفعل" جزءا والمضاف إليه كلا، نحو: الرأس أنفع الجسم. أو يكون "أفعل" فردا من أفراد كثيرة يشملها المضاف إليه، وينبغي حينئذ أن يكون المضاف إليه جنسا يندرج تحته أفراد كثيرة، نحو: الفرات أكبر الأنهار في سوريا.
1 ولكونهما على معنى "من". وإذا عطفت على المضاف النكرة مضافا إلى ضميرها؛ فقيل: يذكر الضمير أيضا، ويفرد على التوهم، تقول: محمد أفضل رجل وأعقله، وهند أكرم امرأة وأعقله، والمحمدان أكرم رجلين وأعقله ... وهكذا.
وقيل: تجوز المطابقة، إن لم تكن واجبة، أو أولى. أما. إذا أضفت "أفعل" إلى معرفة فإنك تؤنث وتثني وتجمع وهو القياس. وأجاز سيبويه الإفراد تمسكا بقول الشاعر:
ومية أحسن الثقلين جيدا ... وسالفة وأحسنه قذالا
أي أحسن من ذكر.
حاشية يس على التصريح: 2/ 104. الأشموني مع الصبان: 3/ 47.
2 2 سورة البقرة، الآية: 41.
موطن الشاهد: {لا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} .
وجه الاستشهاد: إفراد "كافر" ومقتضى القاعدة: كافرين بالجمع؛ ليطابق الوانو في "تكونوا"؛ وتخريج ذلك: على حذف موصوف مطابق في المعنى، وهو فريق؛ لأنه جمع في المعنى، وقد أفرد "كافر" باعتبار لفظ فريق.
3 الناقص: هو يزيد بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان؛ لقب بذلك لأنه نقص أرزاق الجند. والأشج: عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، ولقب بذلك لشجة كانت برأسه من ضرب دابة. وهذا مثال لما لا تفضيل فيه؛ لأنه لم يشاركهما أحد في بني مروان في العدل. ومثال ما يقصد به التفضيل المطلق على المضاف إليه وعلى غيره: محمد أفضل قريش.(3/265)
مُجْرِمِيهَا} 1، {هُمْ أَرَاذِلُنَا} 2، وتركها كقوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} 3، وهذا هو الغالب، وابن السراج4 يوجبه5، فإن قدر "أكابر": مفعولا ثانيا و"مجرميها": مفعولا أول؛ فيلزمه المطابقة في المجرد.
[ما يرفعه أفعل التفضيل] :
مسألة: يرفع أفعل التفضيل الضمير المستتر في كل لغة؛ نحو: "زيد أفضل"، والضمير المنفصل، والاسم الظاهر، في لغة قليلة؛ كـ"مررت برجل أفضل منه أبوه"، أو "أنت"6، ويطرد ذلك إذا حل محل الفعل، وذلك إذا سبقه نفي، وكان
__________
1 6 سورة الأنعام، الآية: 123.
موطن الشاهد: {أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} .
وجه الاستشهاد: إضافة "أكابر" إلى مجرميها مع مطابقته لموصوفه المقدر؛ أي: قوما أكابر؛ ولو لم يطابق؛ لقيل: أكبر مجرميها.
التصريح: 2/ 105.
2 11 سورة هود، الآية: 27.
موطن الشاهد: {هُمْ أَرَاذِلُنَا} .
وجه الاستشهاد: إضافة "أراذل" إلى "نا" مع مطابقته لموصوفه المقدر؛ كما في الآية السابقة؛ ولو لم يطابق؛ لقيل: أرذلنا.
التصريح: 2/ 105. في إعراب الآية الأولى أعاريب؛ أولاها: ما قاله الصبان: تفسير "جعلنا" بمكنا، "في كل قرية" ظرف لغو متعلق به "أكابر" مفعوله.
حاشية الصبان: 3/ 49.
3 2 سورة البقرة، الآية: 96.
موطن الشاهد: {لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ} .
وجه الاستشهاد: ترك المطابقة بين المفعول الأول "هم"، واسم التفضيل "أحرص" المفعول الثاني؛ ولو طابق؛ لقيل: لتجدنهم أحرصي؛ وترك المطابقة، هو الغالب في الاستعمال، وابن السراج يوجبه، ويرده قوله تعالى: {أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} .
4 مرت ترجمته.
5 أي: يوجب ترك المطابقة، ويجعل "أفعل" فيه كالمجرد، ويلتزم فيه الإفراد والتذكير. ويرده: {أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} المتقدم.
6 لم يرفع اسم التفضيل الاسم الظاهر والضمير البارز باضطراد كاسم الفاعل؛ لأن شبه اسم التفضيل باسم الفاعل ضعيف، فهو في حال تجرده من "أل" والإضافة، أو في =(3/266)
مرفوعه أجنبيا، مفضلا على نفسه باعتبارين؛ نحو: "ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد"، فإنه يجوز أن يقال: "ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد"؛ والأصل: أن يقع هذا الظاهر بين ضميرين؛ أولهما للموصوف، وثانيهما للظاهر، كما مثلنا، وقد يحذف الضمير الثاني، وتدخل "من" إما على الاسم الظاهر، أو على محله، أو على ذي المحل؛ فتقول: "من كحل عين زيد"، أو "من عين زيد"، أو "من زيد"؛ فتحذف مضافا، أو مضافين، وقد لا يؤتى بعد المرفوع بشيء؛ فتقول: "ما رأيت كعين زيد أحسن فيها الكحل"، وقالوا: "ما أحد أحسن به الجميل من زيد"، والأصل: "ما أحد أحسن به الجميل من حسن الجميل بزيد"، ثم إنهم أضافوا الجميل إلى زيد لملابسته إياه، ثم حذفوا المضاف؛ ومثله في المعنى:
لن ترى في الناس من رفيق ... أولى به الفضل من الصديق1
__________
= حال إضافته إلى النكرة يلزم الإفراد والتذكير، ولا يجوز تأنيثه، ولا تثنيته، ولا جمعه؛ فلما ضعفت منزلته عن منزلة اسم الفاعل بسبب ذلك، ولم يوجد ما يجبر هذا النقص -كأن يسوغ حلول فعل بمعناه في محله- فقد وجب ألا يعمل في كل ما يعمل فيه اسم الفاعل؛ ولو وجد جابر كما في مسألة الكحل عمل فيها.
انظر أوضح المسالك: 3/ 298.
1 هذا بيت من ألفية ابن مالك.
فوائد: 1- ينصب "أفعل" التفضيل: المفعول لأجله، والظرف، والحال وبقية المنصوبات ما عدا: المفعول المطلق، والمفعول معه. وفي المفعول به خلاف والرأي جوازه؛ لوروده، كقوله تعالى: {هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا} . أما التمييز، فإن كان فاعلا في المعنى نصب بأفعل؛ نحو: الطبيب أكثر نفعا من المهندس. وإن لم يكن فاعلا، وكان "أفعل" مضافا صح نصبه؛ نحو: الحطيئة أكثر الشعراء هجاء.
2- إذا كان "أفعل" التفضيل مصوغا من مصدر فعل متعدٍّ بحرف جر معين، عدي "أفعل" بذلك الحرف؛ نحو: كان عمر أشفق الناس على الرعية، وأزهدهم في الدنيا، وأسرع إلى إغاثة الملهوف. وإن كان من متعدٍّ بنفسه، فإن دل على علم تعدى بالباء؛ نحو: أنا أعلم بصديقي، وأدرى الناس بحالته. وإن دل على حب أبو بغض، أو ما في معناهما عدي باللام؛ إن كان مجرورها مفعولا به في المعنى، وما قبل "أفعل" هو الفاعل؛ نحو: المسلم أحب للخير من غيره، وأبغض لمخالفة دينه. وعدي بإلى؛ إن كان المجرور هو الفاعل في المعنى؛ نحو: المال أحب إلى البخيل من كل شيء. وإن دل على غير ذلك عدي باللام؛ نحو: محمد أنفع للجار، وإن كان فعله متعديا لاثنين عدي لأحدهما باللام، ونصب الآخر مفعولا به؛ نحو: محمد أعطى للمحتاجين الكثير من المال.
الأشموني مع حاشية الصبان: 3/ 56.(3/267)
والأصل: "من ولاية الفضل بالصديق"، ثم "من فضل الصديق" ثم "من الصديق".
__________(3/268)
هذا باب النعت1:
[أنواع التوابع] :
الأشياء التي تتبع ما قبلها في الإعراب2 خمسة3: النعت، والتوكيد، وعطف البيان، والنسق، والبدل4.
__________
1 ويسمى النعت أيضا: الصفة، والوصف.
2 سواء كان الإعراب لفظيا، أو تقديريا أو محليا. ومثل الإعراب: ما يشبهه من حركة عارصة لغير الإعراب؛ نحو: يا زيد الفاضل -بضم الفاضل على أنه تابع للمنادى على اللفظ.
3 دليل الحصر في الخمسة؛ أن التابع: إما أن يكون بواسطة حرف، وإما لا؛ فالذي يكون بواسطة حرف هو عطف النسق، والذي لا يكون بواسطة حرف؛ إما أن يكون له ألفاظ محصورة معروفة، وإما لا؛ فالذي لا يكون بواسطة حرف؛ وله ألفاظ محصورة معروفة، هو التوكيد؛ والذي لا يكون بواسطة حرف، وليس له ألفاظ محصورة؛ إما أن يكون بالمشق، أو ما في قوته؛ وهو النعت؛ وإما أن يكون بالجامد؛ وهو عطف البيان.
التصريح: 2/ 108.
4 اختلف في عامل التابع؛ فأما النعت، والتوكيد، وعطف البيان؛ فمذهب الجمهور: أن العامل في كل واحد منهما؛ هو نفس العامل في متبوعه، وينسب هذا القول إلى سيبويه؛ وهذا هو الرأي الراجح؛ وذهب الخليل، والأخفش: إلى أن العامل، في كل منها هو تبعيته لما قبله؛ وهي أمر معنوي. وأما البدل؛ فمذهب الجمهور أن العامل فيه محذوف مماثل للعامل في المبدل منه.
وذهب المبرد: إلى أن عامل البدل؛ هو العامل في المبدل منه، وينسب هذا القول إلى سيبويه؛ واختاره ابن مالك، وابن خروف؛ وذهب ابن عصفور: إلى أن العامل في البدل؛ هو العامل في المبدل منه؛ لكن على أنه نائب عن آخر محذوف، لا على استقلاله بذلك؛ فهو عامل في المبدل منه استقلالا، وفي البدل على سبيل النيابة؛ وأما عطف النسق؛ فمذهب الجمهور: أن العمل فيه؛ هو العامل في المعطوف عليه =(3/269)
[تعريف النعت] :
فالنعت، عند الناظم، هو "التابع1 الذي يكمل متبوعه، بدلالته على معنى فيه2، أو فيما يتعلق به"3.
فخرج بقيد التكميل: النسق والبدل4، وبقيد الدلالة المذكورة: البيان
__________
= لكنه عمل في المعطوف، بواسطة الحرف العاطف؛ وقال قوم: العامل في عطف النسق؛ هو حرف العطف؛ وقال قوم: العامل فيه محذوف.
التصريح: 2/ 108.
1 التابع: هو الاسم المشارك لما قبله، في إعرابه الحاصل والمتجدد، وليس خبرا. ومعنى قولنا: "الحاصل والمتجدد": أنه كلما تغير إعراب الاسم السابق، بسبب تغير التراكيب يتغير الاسم اللاحق بنفس التغير؛ فخرج بذلك: خبر المبتدأ؛ لأنه لو تغير المبتدأ بأن دخلت عليه إن أو إحدى أخواتها، لم يتغير الخبر بنفس تغيره، وخرج منه المفعول الثاني؛ لأنه لو تغير إعراب المفعول الأول، بأن صار نائب فاعل؛ لبناء الفعل للمجهول، لم يتغير المفعول الثاني كذلك؛ وخرج منه الحال المنصوب؛ لأنه لو تغير إعراب ذلك الاسم المنصوب؛ الذي هو صاحب الحال، إلى الرفع أو الجر لم يتغير معه إعراب الحال.
وقولنا: "وليس خبرا": مخرج للخبر الثاني، فيما إذا تعددت الأخبار؛ نحو: "الرمان حلو حامض" هذا، ولا يفصل بين التابع والمتبوع بأجنبي محض عنه ويجوز بمعمول الوصف؛ نحو قوله تعالى: {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} ؛ وبمعمول الموصوف؛ نحو: يعجبني ضربك زيدًا الشديدُ؛ وبعامل المتبوع؛ نحو: المريض -أكرمت- الجريح؛ وبمعمول العامل؛ كقوله تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ} ؛ وبمفسر العامل؛ نحو؛ {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} وبالاستثناء؛ وبالقسم؛ وبجوابه؛ كقوله تعالى: {بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ} ؛ وبالاعتراض؛ كقوله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} ... إلخ. ولا يحوز تقديم التابع على المتبوع.
الأشموني وحاشية الصبان: 2/ 57.
2 هذا، إذا كان نعتا حقيقيا؛ وهو: ما يدل على معنى في نفس منعوته؛ أو ما هو في حكمه.
3 وذلك؛ إذا كان نعتا سببيا؛ وهو ما يدل على معنى في شيء بعده؛ له صلة وارتباط بالمتبوع.
4 لأنهما لم يقصد بهما أصلا تكميل متبوعهما، لا بإيضاح، ولا تخصيص.(3/270)
والتوكيد1.
والمراد بالمكمل الموضح للمعرفة؛ كـ"جاء زيد التاجر" أو "التاجر أبوه"، والمخصص للنكرة؛ كـ"جاءني رجل تاجر" أو "تاجر أبوه"2.
__________
1 لأنهما لا يدلان على صفة ومعنى في متبوعهما، ولا فيما يتعلق به؛ فإنهما عين متبوعهما فهما يكملان بالإيضاح ورفع الاحتمال.
2 الأصل في النعت: أن يكون للإيضاح، أو التخصيص؛ فالإيضاح: "هو رفع الاشتراك اللفظي الواقع في المعارف على سبيل الاتفاق"؛ ومعنى هذا: أنه قد يكون لك عدة أصدقاء؛ كل منهم يسمى خالدا؛ فإذا قيل لك: حضر خالد لم تدر أي الخالدين حضر؛ ولذا يلزمه أن يضيف إلى اسمه صفة توضحه لك، كأن يقول: حضر خالد الشاعر، وفسر بعضهم الإيضاح؛ بأنه: رفع الاحتمال في المعارف.
والتخصيص: "هو رفع الاشتراك المعنوي الواقع في النكرات بحسب الوضع"؛ ومعنى هذا: أن النكرة موضوعة للدلالة على فرد مبهم، من أفراد، يصدق لفظ النكرة، على كل واحد منهم؛ فرجل: يدل على واحد من أفراد الذكور البالغين، من بني آدم؛ فإذا قلت: زارنا رجل، لم يدر السامع أي أفراد هذا الجنس، قد زارك؛ لأن اللفظ بحسب وضعه، صالح للإطلاق على كل واحد منهم؛ وإذا قلت: جائني رجل عالم لم يتضح المراد اتضاحا كاملا؛ لكنه تخصص بالعالم.
وقد لا يكون للإيضاح والتخصيص؛ بل لأغراض أخرى؛ منها:
مجرد المدح؛ نحو: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
مجرد الذم؛ نحو: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".
التعميم؛ نحو: "إن الله يرزق عباده الطائعين والعاصين".
الترحم؛ نحو: "اللهم إني عبدك المسكين".
الإبهام؛ نحو: "تصدق بصدقة قليلة أو كثيرة".
التوكيد؛ نحو قوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} .
انظر التصريح: 2/ 108-109، وهمع الهوامع: 2/ 116-117.
فائدة: يفسر النحاة قولهم في تعريف النعت: "المتمم لمتبوعه"؛ بأحد تفسيرين؛
الأول: أن معناه: المفيد لما يطلبه المتبوع بحسب المقام، واختار هذا التفسير الأشموني، هو شامل لكل المعاني التي يرد لها النعت من التخصيص، والتوضيح، والمدح، والذم، والترحم، والتعميم، والإبهام، والتوكيد، والتفصيل؛ فلا يرد عليه الاعتراض بأنه غير جامع.
وأما التفسير الثاني؛ فحاصله: أن معنى المتمم لمتبوعه: الموضح له في المعارف =(3/271)
وهذا الحد غير شامل لأنواع النعت؛ فإن النعت قد يكون لمجرد المدح، كـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1، أو لمجرد الذم؛ نحو: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"2، أو للترحم؛ نحو: "اللهم أنا عبدك المسكين"؛ أو للتوكيد، نحو: {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} .
[وجوب اتباع النعت الحقيقي متبوعه في الإعراب وغيره] :
فصل: وتجب موافقة النعت لما قبله فيما هو موجود فيه من أوجه الإعراب الثلاثة، ومن التعريف والتنكير3.
__________
= والمخصص له في النكرات؛ وهذا تفسير قاصر؛ لأنه لا يشمل ما يكون النعت فيه لغير التوضيح والتخصيص؛ من المدح، والذم، والترحم ... إلخ؛ وهذا يعني أن تعريف النعت بهذه الصورة غير جامع؛ وكل تعريف غير جامع، يكون فاسدا؛ لخروج بعض أفراد المعرف عنه؛ وبهذا، اعترض المؤلف بعد ذكر هذا التفسير.
انظر الأشموني: 2/ 293، التصريح: 2/ 108-109.
1 1 سورة الفاتحة، الآية: 2.
موطن الشاهد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "رب" صفة لـ"الله"؛ وقد أفادت الصفة مجرد المدح.
2 موطن الشاهد: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".
وجه الاستشهاد: وقوع "الرجيم" صفة لـ"الشيطان" وقد أفادت الصفة مجرد الذم.
3 لأن المخالفة في ذلك تجعل الشيء معينا، وغير معين في وقت واحد، ويشترك في الموافقة فيما تقدم النعت مطلقا؛ حقيقيا، أو سببيا. وقد أجاز الأخفش نعت النكرة بالمعرفة؛ بشرط أن تكون النكرة مخصصة بوصف؛ ومثل بقوله تعالى: {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} ؛ فجعل "الأوليان" المعرف بـ"أل" صفة لـ"آخران" مع أنه نكرة، وسوغ ذلك -عنده- كونه موصوفا بالجار والمجرور.
وأجاز ابن الطراوة نعت المعرفة بالنكرة، بشرط أن تكون النكرة، مما لا ينعت بها غير هذه المعرفة؛ كقول النابغة الذبياني:
فبت كأني ساورتني ضئيلة ... من الرقش في أنيابها السم ناقع
فجعل "ناقع" صفة لـ"السم" مع أن السم معرفة، وناقع نكرة؛ وسوغ ذلك كون السم، لا يوصف إلا بناقع؛ فيقال: سم ناقع.
غير أن ما ذهب إليه الأخفش، وابن الطراوة غير مسلم لهما، وما مثلا به لا يلزم =(3/272)
تقول: "جاءني زيد الفاضل" و"رأيت زيدا الفاضل" و"مررت بزيد الفاضل" و"جاءني رجل فاضل"، كذلك.
وأما الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث؛ فإن رفع الوصف ضمير الموصوف المستتر وافقه فيها1، كـ"جاءتني امرأة كريمة، ورجلان كريمان، ورجال كرام"، وكذلك "جاءتني امرأةٌ كريمةُ الأبِ" أو "كريمةٌ أبًا"2، و"جاءني رجلان كريما الأب"، أو "كريمان أبا"، و"جاءني رجالٌ كرامُ الأبِ" أو "كرامٌ أبًا"؛ لأن الوصف في ذلك كله رافع ضمير الموصوف المستتر3.
وإن رفع الظاهر أو الضمير البارز أُعطي حكم الفعل4؛ ولم يعتبر حال الموصوف.
__________
= إعرابه كما زعما؛ لأنه يجوز إعراب "الأوليان" بدلا من "آخران"، أو خبرا لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هما الأوليان؛ كما يجوز أن يعرب "ناقع" بدلا من "السم"؛ أو خبرا ثانيا له؛ والجار والمجرور خبرًا أول مقدما عليه؛ وقد استثنى كثير من النحاة الاسم المحلى بـ"أل" الجنسية؛ فإنه لقربه من النكرة، يجوز نعته بالنكرة؛ كما قالوا: إن جملة الفعل المضارع في محل جر صفة للمحلى بـ"أل" في قول الشاعر:
ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فمضيت ثمة قلت لا يعنيني
ومعلوم: أن الجملة نكرة؛ ومن لا يقر ذلك، يجعل جملة "يسبني": حالا من اللئيم المحلى بـ"أل" الجنسية، غير أن المعنى يأباه إلا بتكلف ظاهر.
انظر حاشية الصبان: 3/ 60-61.
1 وحينئذ، تكمل له الموافقة في أربعة من عشرة؛ وهذا هو النعت الحقيقي.
2 الوصف في هذا المثال، وما بعده، جار على غير من هو له؛ وقد حول الإسناد عن الظاهر إلى ضمير الموصوف، ويجر الظاهر؛ بالإضافة، إن كان معرفة، وينصب على التمييز، إن كان نكرة.
3 أي: أصالة، أو تحويلا، ولم يرفع السببي؛ وإذا كان النعت مما يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ كالمصدر غير الميمي، وصيغني "فعيل" و"فعول"، أو كان أفعل تفضيل -مجردا-، أو مضافا لنكرة، لم يطابق المنعوت في التأنيث، والتثنية، والجمع: بل يلزم الإفراد، والتذكير. وإذا كان صفة لجمع ما لا يعقل؛ عومل معاملة المؤنثة المفردة، أو الجمع؛ نحو: {أَيَّامًا مَعْدُودَةً} ، و {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} .
4 فيجرد من علامة التثنية، والجمع، على اللغة الفصحى، ويعتبر حالا مرفوعة في =(3/273)
تقول: "مررت برجلٍ قائمةٍ أمهُ"، و"بامرأةٍ قائمٍ أبوها"، كما تقول: "قامت أمه"، و"قام أبوها"، و"مررت برجلين قائمٍ أبواهما"، كما تقول: "قام أبواهما"، ومن قال: "قاما أبواهما"1؛ قال: "قائمين أبواهما"2، وتقول: مررت برجالٍ قائمٍ آباؤهم"، كما تقول: "قامَ آباؤهم"، ومن قال: "قاموا آباؤهم"؛ قال "قائمين آباؤهم" وجمع التكسير أفصح من الإفراد3، كـ"قيامٍ آباؤهم".
[الأشياء التي ينعت بها أربعة] :
فصل: والأشياء التي ينعت بها أربعة:
أحدها: المشتق4، والمراد به ما دل على حدث وصاحبه؛ كـ"ضارب" و"مضروب"، و"حسن"، و"أفضل".
__________
= التأنيث والتذكير؛ سواء أكان المنعوت كذلك، أم لا؛ وهذا هو النعت السببي، ولا يطابق منعوته إلا في اثنتين من خمسة؛ هما:
حركات الإعراب، والتعريف والتنكير.
1 أي: بلحاق علامة التثنية بالفعل المسند إلى المثنى؛ وهي لغة طيئ، وأزد شنوءة.
2 أي: بتثنية الوصف الرافع للسببي.
3 أي: إذا كان الوصف مسندا إلى سببي مجموع؛ جاز فيه الإفراد والتكسير على اللغة الفصحى؛ والتكسير أفصح، عند سيبويه. وقيل: إن كان النعت تابعا لجمع؛ فالتكسير أفصح للمشاكلة، وإن كان تابعا لمفرد، أو مثنى؛ فالإفراد أفصح.
التصريح: 2/ 110.
فائدة: قال الصبان -نقلا عن المغني ... : يجوز مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين؛ وإن لزم استتار الضمير، في قاعدين، مع جريان الصفة، على غير من هي له؛ لأنه يفتقر في الثواني، ما لا يفتقر في الأوائل، ويمتنع: قائمين لا قاعد أبواه، على إعمال الثاني، للزوم ما ذكر في الأوائل.
حاشية الصبان: 3/ 61-62.
4 المراد بالمشتق: ما دل على حدث وصاحبه ممن اتصف به الفعل، أو قام به، أو وقع منه أو عليه، أو ما هو بمعنى أحدهما؛ فالذي اتصف بالفعل، أو قام به؛ هو اسم الفاعل، من اللازم؛ والذي وقع منه الفعل؛ هو اسم الفاعل من المتعدي؛ والذي وقع عليه الفعل: هو اسم المفعول. وما كان بمعنى اسم الفاعل: أمثلة المبالغة، والصفة المشبهة، وأفعل التفضيل. وما كان بمعنى اسم المفعول: هو صيغة "فعيل" بمعنى: =(3/274)
الثاني: الجامد المشبه للمشتق في المعنى1، كاسم الإشارة2، و"ذي"3 بمعنى صاحب، وأسماء النسب، تقول: "مررت بزيد هذا" و"برجل ذي مال" و"برجل دمشقي" لأن معناها الحاضر، وصاحب مال، ومنسوب إلى دمشق4.
الثالث: الجملة؛ وللنعت بها ثلاثة شروط؛ شرط في المنعوت؛ وهو أن يكون
__________
= "مفعول" وأفعل التفضيل، إذا كان فعله مبنيا للمجهول؛ وقلنا بجواز اشتقاقه منه؛ وعلى هذا، لا يشمل المشتق -هنا- ما أخذ من المصدر؛ للدلالة على زمان الفعل، أو مكانه، أو آلته -اسم الزمان واسم المكان واسم الآلة-؛ فهذه الثلاثة، لا ينعت بها. حاشية الصبان: 3/ 62.
1 بأن يفيد ما يفيده المشتق من المعنى؛ وهو المسمى بالمشتق تأويلا.
2 أي: الزمانية؛ مثل "هذا" وفروعه؛ وهي معارف، فلا تقع صفة إلا للمعرفة. أما اسم الإشارة المكانية؛ نحو: "هنا"، و"ثم" فلا تقع صفة بنفسها؛ ولكنها تتعلق بمحذوف، يكون هو الصفة؛ فيجوز القول: مررت برجل هنا؛ أي: كائن أو موجود هنا؛ ويقال من باب الاختصار: الظرف صفة.
انظر حاشية الصبان: 3/ 62.
3 ومثلها: فروعها؛ وهي: "ذوا، ذوي" للمثنى المذكر، و"ذوو، وذوي"؛ لجمع المذكر، و"ذات"؛ للمفردة المؤنثة، و"ذاتا، وذاتي"؛ للمثنى المؤنث، و"ذوات"؛ الجمع المؤنث، ولا تكون نعتا إلا لنكرة. ويوصف كذلك؛ للمثنى المؤنث، و"ذوات"؛ الجمع المؤنث، ولا تكون نعتا إلا لنكرة. ويوصف كذلك بـ"ذو" الموصولة وفروعها وسائر الموصولات الاسمية المبدوءة بـ"أل" كالذي والتي، و"أل" نفسها. أما "من" و"ما" ففي النعت بهما خلاف؛ والصواب جوازه.
ولما كانت الموصولات معرفة؛ وجب أن يكون منعوتها معرفة. ومن الجامد المشبه للمشتق: أسماء الأعداد؛ نحو: اشتريت الكتب الخمسة، ولفظ "أي": إذا أضيفت إلى نكرة تماثل المنعوت في المعنى؛ نحو: اتخذت صديقا أي صديق. ولفظ "كل أو جد أو حق"؛ إذا أضيف كل إلى اسم جنس يكمل معنى الموصوف؛ تقول: أنت الرجل كل الرجل، وهذا صديق جد وفيّ، وأنت الزميل حق الزميل. انظر التصريح: 2/ 111، وحاشية الصبان: 3/ 62
أي: فقد أفادت ما يفيده المشتق من المعنى، ولا يقتصر في النسب على المنسوب بالياء، بل يشمل على صيغة "فعال" أو "فاعل" أو غيرهما، كما سنرى في باب النسب. وينبغي أن يكون النسب مقصودا، وإلا بقي الاسم على جموده، فلا يقع نعتا؛ كمن اسمه: بدوي؛ أو مكي. ويصلح المنسوب نعتا للنكرة، والمعرفة بشرط المطابقة في ذلك؛ ومثل المنسوب المصغر.
التصريح: 2/ 111، وحاشية الصبان: 3/ 62-63.(3/275)
نكرة إما لفظا ومعنى1 نحو: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} 2، أو معنى لا لفظا؛ وهو المعرف بأل الجنسية؛ كقوله3: [الكامل]
393- ولقد أمر على اللئيم يسبني4
__________
1 لأن الجملة -كما يقول الرضي: مؤولة بالنكرة، وإن كان يجري على الألسنة أنها نكرة؛ لأن التعريف والتنكير من خواص الأسماء. ويقول صاحب المفصل: "إنها نكرة بدليل وقوعها نعتا للنكرة"؛ والخلاف شكلي لا أثر له على الجوهر.
انظر التصريح: 2/ 111، والمفصل للزمخشري: 115.
2 2 سورة البقرة، الآية: 281.
موطن الشاهد: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "يوما" مفعولا به لـ"اتقوا" وهو نكرة لفظا؛ فوصف بجملة {تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} ؛ والتقدير: واتقوا يوما مرجوعا فيه إلى الله.
3 القائل: رجل من بني سلول.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
فمضيت ثمت قلت لا يعنيني
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 111، وابن عقيل: 286/ 3/ 196، وسيبويه: 1/ 416، والخصائص: 3/ 330، 332، ودلائل الإعجاز: 136، وأمالي ابن الشجري: 2/ 203، والخزانة: 1/ 173، 528، 2/ 161، والعيني: 4/ 58، والمغني: 151/ 138، 792/ 561، 1103/ 845، والسيوطي: 107، والهمع: 1/ 9، 2/ 140، والدرر: 1/ 4، 2/ 192.
المفردات الغريبة: اللئيم: الدنيء النفس، الخبيث الطباع. لا يعنيني: لا يقصدني، وهذا الرجل يصف نفسه بالحلم والوقار، وقبله قوله:
غضبان ممتلئا علي أهابه ... إني وحقك سخطه يرضيني
المعنى: لقد أمر على اللئيم الذي ديدنه وطبعه الشتم والسب من غير مبرر، فأمضي ولا أهتم به ولا أجيبه بالمثل، أو أردعه احتقارا له؛ ولكن أقول في نفسي: إنه لا يقصدني بسبه وشتمه.
الإعراب: لقد: اللام موطئة للقسم، لا محل لها من الإعراب، قد: حرف تحقيق. أمر: فعل مضارع مرفوع، والفاعل أنا. "على اللئيم": متعلق بـ"أمر". يسبني: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل، في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "يسبني": في محل جر صفة لـ"لئيم". فمضيت: الفاء حرف عطف، مضى فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله =(3/276)
وشرطان في الجملة1:
أحدهما: أن تكون مشتملة على ضمير يربطها بالموصوف، إما ملفوظ به كما تقدم؛ أو مقدر؛ كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} 2؛ أي:
__________
= بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل، في محل رفع فاعل. ثمت: ثم حرف عطف، والتاء: لتأنيث اللفظ. قلت: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل. لا يعنيني: لا نافية، لا محل لها من الإعراب، يعني: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء؛ للثقل، والنون: للوقاية، وياء المتكلم: في محل نصب مفعولا به؛ وجملة: "لا يعنيني": مقول القول في محل نصب مفعولا به.
موطن الشاهد: "اللئيم يسبني".
وجه الاستشهاد: وقوع جملة "يسبني": صفة للمعرفة "اللئيم"، وساغ ذلك؛ لكون "أل" جنسية؛ فمدخولها معرفة لفظا، نكرة معنى.
وزعم ابن عقيل: أنه يجوز في هذا البيت؛ أن تكون الجملة حالا، كما تأتي بعد المعرفة، غير أن معنى البيت، لا يوافق ذلك؛ وهذه المسألة خلافية، واختار ابن مالك في شرح التسهيل جواز كون الجملة صفة للاسم المقترن بأل الجنسية نظرا إلى معناه؛ لأن لفظه معرفة بسبب دخول "أل" عليه؛ ومعناه كمعنى النكرة؛ لأنه لا يقصد به فرد معين.
وذهب أبو حيان في "الارتشاف": إلى أنه لا يجوز أن تكون الجملة صفة للاسم المقترن بأل وعنده أن "أل" الجنسية كأل العهدية في كون مدخول كل منهما معرفة؛ وخلاصة القول: إن ابن مالك، نظر فيما اختاره إلى المعنى المراد بمصحوب "أل" الجنسية؛ وأن أبا حيان، نظر فيما اختاره إلى اللفظ.
انظر شرح التصريح: 2/ 111، وابن عقيل "ط. دار الفكر": مج 2/ 168-169.
1 بقي شرط للنكرة التي توصف بالجملة -لم يذكره المؤلف- وهو كون النكرة الموصوفة مذكورة في الكلام، ولا يجوز حذفها؛ إلا في الحالة التي سيذكرها المؤلف في حذف الموصوف؛ وهي أن تكون النكرة بعض اسم متقدم مجرور بمن أو بفي، وزعم قوم: أنه لا يشترط ذلك، بل يجوز أن تكون النكرة محذوفة.
انظر التصريح: 2/ 112.
2 2 سورة البقرة، الآية: 123.
موطن الشاهد: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} .
وجه الاستشهاد: وقوع جملة {لا تَجْزِي نَفْسٌ} : في محل نصب صفة لـ"يوما"، وقد اشتملت هذه الجملة على ضمير مقدر يربطها بالموصوف؛ والتقدير: "لا تجزي =(3/277)
لا تجزي فيه1.
والثاني: أن تكون خبرية؛ أي: محتملة للصدق والكذب؛ فلا يجوز "مررت برجل اضربْهُ"؛ ولا "بعبد بعتكه" قاصدا لإنشاء البيع2، فإن جاء ما ظاهره ذلك؛ يؤول على إضمار القول؛ كقوله3: [الرجز]
__________
= فيه عن نفس شيئا"؛ كما أوضح المؤلف في "المتن". وانظر ابن عقيل "ط. دار الفكر": مج2: 170.
1 من الجمل التي تحتاج إلى رابط، يربطها بما تتصل به: جملة الصلة، وجملة الخبر، وجملة النعت؛ فأما جملة الخبر، فقد ذكر المؤلف في موضعه ما يربطها بالمبتدأ، كما ذكر أنه يجوز كون الضمير الرابط للمبتدأ بجملة الخبر محذوفا مقدرا، وذكر في باب الموصول ما يربط الصلة بالموصول؛ كما فصل القول في حذف هذا العائد مرفوعا، أو منصوبا، أو مجرورا؛ ولم يفصل هذا التفصيل في رابط جملة الصفة بالموصوف؛ ولذا لا بد من معرفة الآتي:
أ- أن حذف الرابط من جملة الصلة أكثر من حذف الرابط من جملة الصفة، ومن جملة الخبر.
ب- وأن حذف الرابط من جملة الصفة كثير في ذاته، وحذفه من جملة الخبر قليل.
ج- وأن رابط جملة الصفة بالموصوف، قد يكون أصله -قبل الحذف- مرفوعا، أو منصوبا، أو مجرورا بواحد من حرفين؛ وهما: "في" و"من".
فأما الذي أصله مجرور بـ"في"؛ فإنما يكون إذا كان الموصوف اسم زمان؛ ومن أمثلته؛ الآية الكريمة التي تلاها المؤلف: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} ، أي: لا تجزي فيه؛ فإن كان الموصوف غير ظرف الزمان؛ لم يجز حذف الرابط المجرور بـ"في"؛ نحو: رأيت رجلا رغبت فيه.
وأما الرابط المجرور بـ"من"؛ فقد يحذف والموصوف اسم زمان؛ نحو: هذا شهر صمت يوما مبارك؛ والتقدير: صمت يوما منه.
وقد يحذف، والموصوف غير اسم الزمان؛ نحو: "عندي بر إردب بدينارين"؛ أي: إردب منه بدينارين.
وانظر التصريح: 2/ 112.
2 أي: لا الإخبار به، وذلك؛ لأن النعت يقصد به توضيح المنعوت، أو تخصيصه؛ فلا بد من أن يكون معلوما عند السامع قبل، والإنشاء بنوعيه؛ الطلبي، وغير الطلبي ليس كذلك؛ لأنه لا خارج لمدلولهما إلا عند التلفظ بهما.
3 يُنسب البيت إلى العجاج، وينسب إلى غيره.(3/278)
394- جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط1
__________
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت من الرجز -أو بيت من مشطوره- وصدره قوله: حتى إذا جن الظلام واختلط
وكان هذا الراجز قد نزل بقوم فانتظروا عليه طويلا حتى جاء الليل بظلامه ثم جاءوه بلبن قليل، قد خلطوا به ماء كثيرا؛ حتى أصبح لونه يحاكي لون الذئب.
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 112، والأشموني: 778/ 2/ 396، وابن عقيل: 288/ 3/ 199، والكامل: 518، والمحتسب: 2/ 165، وأسرار البلاغة: 381، وأمالي ابن الشجري: 2/ 149، والمعاني الكبير: 204-399، وشرح المفصل: 3/ 53، والخزانة: 1/ 275، والمغني: 447/ 325، 994/ 761، والسيوطي: 214، والهمع: 2/ 117، والدرر: 2/ 148، وملحقات ديوان العجاج: 81.
المفردات الغريبة: جن: دخل وستر. اختلط: امتزج ظلامه بالضياء. بمذق: هو مصدر بمعنى الممذوق؛ أي: المخلوط، من مذقت اللبن، إذا خلطته بالماء. قط: اسم للزمان الماضي.
المعنى: يذكر العجاج أن قوما أضافوه، وأطالوا عليه، حتى دخل الليل، ثم جاءوا بلبن مخلوط بالماء؛ حتى صار لونه في العشية، يشبه لون الذئب.
الإعراب: جاءوا: فعل ماضٍ مبني على الضم؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل، والألف: للتفريق. "بمذق": متعلق بـ"جاء". هل: حرف استفهام، لا محل له من الإعراب. رأيت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. الذئب: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. قط: ظرف لما مضى من الزمان، مبني على الضم، في محل نصب بـ"رأى" وسكن لضرورة الوقف.
موطن الشاهد: "بمذق هل رأيت الذئب".
وجه الاستشهاد: ظاهر الكلام، يفيد وقوع الجملة الاستفهامية "هل رأيت ... " صفة للنكرة: "مذق"، غير أن هذا الظاهر غير مراد؛ لأن جملة الاستفهام معمولة لقول محذوف؛ وهذا العامل المحذوف؛ هو الواقع صفة؛ لأن التقدير: جاءوا بمذق مقول عند رؤيته: هل رأيت الذئب قط؟ وقدر ابن عمرون الصفة المحذوفة، بقوله: "جاءوا بمذق مثل الذئب؛ هل رأيت الذئب قط؟؛ وزعم أن هذا أحسن من تقدير القول؛ لأن هذا المقدر، ورد مصرحا به نحو قولهم: "مررت برجل مثل الأسد؛ هل رأيت الأسد قط؟؛ وفي الحديث: "كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: نعم، يا رسول الله؛ قال: "فإنها مثل شوك السعدان".
وانظر في هذه المسألة حاشية الصبان: 3/ 64. =(3/279)
أي: جاءوا بلبن مخلوط بالماء مقول عنه رؤيته هذا الكلام.
الرابع: المصدر1، قالوا "هذا رجل عدل، ورضا، وزور، وفطر" وذلك، عند الكوفيين، على التأويل بالمشتق2؛ أي: عادل، ومرضي، وزائر، ومفطر، وعند البصريين على تقدير مضاف؛ أي: ذو كذا؛ ولهذا التزم إفراده وتذكيره3؛ كما يلتزمان لو صرح بذو3.
__________
= وابن عقيل "ط. دار الفكر": مج2: 171-172.
والتصريح: 2/ 112-113.
1 شريطة أن يكون منكرا، وصريحا مؤولا، وأن يكون مصدر فعل ثلاثي، أو بزنته، وألا يبدأ بميم زائدة، وأن يلتزم صيغة واحدة؛ وهي الإفراد والتذكير غالبا؛ فلا يثنى، ولا يجمع، ولا يؤنث -إلا ما سمع من ذلك- وهو في هذا كله مقصور على السماع؛ وإلى هذا أشار ابن مالك:
ونعتوا بمصدر كثيرا ... فالتزموا الإفراد والتذكيرا
والمعنى: وصف العرب بالمصدر كثيرا، في أساليبهم، ولم يخرجوه عن صيغته الملازمة للإفراد والتذكير، ولو كان الموصوف غير مفرد وغير مذكر.
انظر التصريح: 2/ 113.
2 ذلك؛ لأنه لا يصح أن يكون اسم المعنى وصفا للذات. ويؤيد قولهم: ورود أساليب وقع فيها المصدر نعتا مع إضافته إلى معرفة؛ كقولهم: مررت برجل -حسبك من رجل، أو شرعك من رجل- أي: كافيك، وهمك من رجل؛ أي: مهمك، ونحوك من رجل؛ أي: مشابهك ومماثلك؛ وهذه المصادر، لم تكتسب التعريف من المضاف إليه؛ لأنها مؤولة بالمشق. ومن أمثلة المشتق -الذي لا يكتسب التعريف- قوله تعالى: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} ؛ فقد وصف "عارض" النكرة، بـ"ممطرنا" المضاف إلى الضمير؛ وخلاصة القول: أن الأصل في الوصف؛ هو الوصف بالمشتق؛ وأما الوصف بالمصدر؛ فهو خلاف الأصل؛ وهو مؤول بما يلي:
أ- أن المصدر الدال على الحدث أطلق، وأريد منه المشتق الدال على الذات؛ وهذا من باب إطلاق المعنى وإرادة محله؛ أو من باب إطلاق اللازم وإرادة الملزوم.
ب- أنه على تقدير مضاف؛ وهو -على هذا- مجاز بالحذف.
ج- أنه على المبالغة. انظر تفصيل ذلك في التصريح: 2/ 113، وابن عقيل: مج2: 173، حا: "1".، وحاشية الصبان: 3/ 64-65.
3 لأن المصدر من حيث هو مصدر، لا يثنى، ولا يجمع، فأجروه على الأصل؛ للتنبيه على أن حقه ألا ينعت به؛ لجموده، وأنهم توسعوا فيه بالتأويل والحذف. التصريح: 2/ 113، ضياء السالك: 3/ 124.(3/280)
[حكم تعدد النعوت والمنعوت] :
فصل: وإذا تعددت النعوت1: فإن اتحد معنى النعت؛ استُغني بالتثنية، والجمع عن تفريقه؛ نحو: "جاءني رجلان فاضلان" و"رجال فضلاء" وإن اختلف؛ وجب التفريق فيها بالعطف بالواو2؛ كقوله3: [الوافر]
395- على ربعين مسلوب وبال4
__________
1 وكان المنعوت دالا على متعدد، بأن كان مثنى أو مجموعا من غير تفريق.
2 أي: لا غير؛ لأن العطف بغيرها لا يفيد الترتيب في الفعل بل في حصول الوصفين أو الأوصاف للمنعوت، والترتيب في هذا غير وارد.
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
بكيت وما بكا رجل حزين
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 114، وسيبويه: 1/ 214، والمقتضب: 2/ 291، والمقرب: 48، والمغني: 658/ 465، والسيوطي: 262.
المفردات الغريبة: ربعين: مثنى ربع؛ وهو المنزل. مسلوب: ذاهب لم يبق له أي أثر. بال: ذهبت عينه، وبقيت آثاره ورسومه.
المعنى: بكيت من ألم الفراق والحزن على منزلين للأحبة؛ أحدهما ذهب ولم يبق له أثر ما، والثاني بلي، ولم يبق منه إلا الأطلال والرسوم؛ ولكن ماذا يفيد البكاء والحزن، على الآثار والأطلال؟!.
الإعراب: بكيت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. وما: الواو اعتراضية، لا محل لها من الإعراب. ما: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. بكا: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة، على الألف للتعذر، وهو مضاف. رجل: مضاف إليه مجرور. حزين: صفة لـ"رجل" مجرور، وعلامة جره الكسرة؛ وجملة "ما بكا رجل حزين": اعتراضية، لا محل لها. "على ربعين": متعلق بـ"بكيت". مسلوب: صفة لـ"ربعين" مجرور وعلامة جره الكسرة. وبال: الواو عاطفة، بال: اسم معطوف على مسلوب، مجرور مثله، وعلامة جره الكسرة المقدرة، على الياء المحذوفة -للتخلص من التقاء الساكنين- منع من ظهورها الثقل.
موطن الشاهد: "ربعين مسلوب "وبال". =(3/281)
وقولك: "مررت برجال شاعر، وكاتب، وفقيه".
وإذا تعددت النعوت1، واتحد لفظ النعت؛ فإن اتحد معنى العامل وعمله؛ جاز الإتباع مطلقا2؛ كـ"جاء زيد وأتى عمرو الظريفان"، و"هذا زيد وذاك عمرو العاقلان"، و"رأيت زيدا وأبصرت خالدا الشاعرين"3، وخص بعضهم جواز الإتباع بكون المتبوعين فاعلي فعلين، أو خبري مبتدأين4.
وإن اختلفا في المعنى والعمل؛ كـ"جاء زيد ورأيت عمرا الفاضلين"؛ أو اختلف المعنى فقط؛ كـ"جاء زيد ومضى عمرو الكاتبان"، أو العمل فقط كـ"هذا مؤلم زيد وموجع عمرا الشاعران" وجب القطع5.
__________
= وجه الاستشهاد: عطف "بال" على "مسلوب"؛ وهما صفتان، ولم يثنهما؛ لاختلافهما في المعنى.
1 أي: وكان المنعوت متعددا متفرقا.
2 سواء كان المتبوعان مرفوعين بفعلين؛ أو خبري مبتدأين؛ أو منصوبين؛ أو مجرورين. وبعضهم، يشترط -في هذه الحالة: اتفاق المنعوتين تعريفا وتنكيرا؛ لئلا تتبع المعرفة بالنكرة، أو العكس: كما يشترط: ألا يكون أول المنعوتين اسم إشارة؛ فلا يجوز: جاء هذا، وجاء محمد الشاعران: لأن نعت الإشارة، لا يفصل منه.
التصريح: 2/ 14.
3 ومثال المجرور: مررت بعلي، وجزت على خالد الكريمين.
4 ليس هنالك من سبب إلا أن سيبويه نص على هذين في كتابه؛ فتوهم الاختصاص بهما، والصحيح تعميم الحكم.
5 إما بالرفع على إضمار مبتدأ، أو بالنصب على إضمار فعل. ويمتنع الإتباع؛ لأنه يؤدي إلى تسليط عاملين مختلفي المعنى والعمل، على معمول واحد؛ لأن العامل في التابع؛ هو العامل في المتبوع؛ كما تقدم. وإن كان العامل واحدا؛ فإن اتحد عمله ونسبته؛ إلى المعمولين في المعنى "بأن تكون على جهة الفاعلية أو المفعولية مثلا" جاز الإتباع، والقطع بشرطه؛ نحو: حضر محمد وعلي الخطيبان. وإن اختلفا؛ نحو: ضرب محمد عليا الكريمان، أو اختلفت النسبة من دون العمل؛ نحو: أعطيت محمدا أباه الفاضلان، وجب القطع.
التصريح: 2/ 114.(3/282)
[حكم تعدد النعوت لمنعوت واحد] :
فصل: وإذا تكررت النعوت لواحد؛ فإن تعين مسماه بدونها؛ جاز إتباعها، وقطعها، والجمع بينهما بشرط تقديم المتبع، وذلك؛ كقول خرنق1: [الكامل]
396- لا يبعدن قومي الذين هم ... سم العداة وآفة الجزر2
النازلون بكل معترك ... والطيبون معاقد الأزر
__________
1 هي: الخرنق بنت بدر بن مالك، من بني قيس بن ثعلبة؛ وهي أخت طرفة بن العبد لأمه، وزوج بشر بن عمرو بن مرثد سيد بني أسد؛ شاعرة جاهلية؛ لها في رثاء زوجها، ورثاء من قتل معه يوم قلاب شعر حسن؛ ولها في رثاء أخيها طرفة رثاء أيضا. ماتت نحو: 50ق. هـ. الخزانة: 2/ 306، سمط اللآلي: 780، أعلام النساء: 1/ 294، الأعلام: 2/ 303.
2 تخريج الشاهد: البيتان من قول الخزنق في رثاء زوجها، ومن قتل معه في يوم قلاب؛ أحد أيام العرب، وهو نسبة لجبل بديار بني أسد.
والبيتان من شواهد: التصريح: 2/ 114، والكتاب لسيبويه: 1/ 140، 246، 249، 288. والجمل للزجاجي: 82، والمحتسب: 2/ 198، وأمالي ابن الشجري: 1/ 244، والإنصاف: 1/ 468، 2/ 743، والخزانة: 1/ 301، والعيني: 3/ 602، 4/ 72، والهمع: 2/ 119، والدرر: 2/ 150.
المفردات الغريبة: لا يبعدن: دعاء خرج مخرج النهي؛ أي: لا يهلكن؛ من البعد بمعنى: الذهاب بالموت، أو الهلاك. ومن عادة العرب؛ إذا أرادوا الدعاء لشخص؛ يقولون له: لا تبعد، أو لا يبعد. وإذا أرادوا الدعاء عليه؛ قالوا: بعدت، أو بعدا لك؛ وفي التنزيل: {أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} العداة: جمع عاد -بمعنى العدو- أي: أنهم بمنزلة السم للأعداء، يقتلونهم بلا رحمة. آفة الجزر: الآفة "اسم لكل ما يؤذي، أو يهلك. والجزر: جمع جزور؛ وهي الإبل، يريد أنهم كرماء. معترك: موضع الاعتراك والقتال. معاقد: جمع معقد؛ وهو موضع عقد الإزار؛ والإزار: ما يشده الإنسان على وسطه، وكني بذلك، عن طهارتهم، وعفتهم عن الفحشاء.
المعنى: تدعو الشاعرة لقومها بالسلامة والنجاة، وتصفهم بالشجاعة وأنهم للأعداء بمنزلة السم، لا يبقون عليهم؛ وبالكرم فهم يفنون الإبل ذبحا للضيفان، وبالإقدام؛ فهم لا يجبنون عن القتل في كل معركة؛ وهم مع هذا شرفاء بعيدون عن الخنا والفحشاء.
الإعراب: لا يبعدن: لا حرف دعاء، لا محل له من الإعراب. يبعدن: فعل مضارع =(3/283)
ويجوز فيه رفع "النازلين" و"الطيبين" على الإتباع لـ"قومي"، أو على القطع بإضمار "هم"، ونصبهما بإضمار "أمدح" أو "أذكر"، ورفع الأول ونصب الثاني على ما ذكرنا، وعكسه على القطع فيهما.
وإن لم يعرف إلا بمجموعها؛ وجب إتباعها كلها، لتنزيلها منه منزلة الشيء الواحد؛ وذلك، كقولك: "مررت بزيد التاجر الفقيه الكاتب"، إذا كان هذا الموصوف يشاركه في اسمه ثلاثة: أحدهم تاجر كاتب، والآخر تاجر فقيه، والآخر فقيه كاتب1.
__________
= مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، في محل جزم بـ"لا" الدعائية، ونون التوكيد حرف مبني على السكون، لا محل له من الإعراب. قومي: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء: في محل جر بالإضافة الذين: اسم موصول في محل رفع صفة لـ"قومي". هم: ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ. سم: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف. العداة: مصاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة؛ وجملة "هم سم العداة": صلة للموصول، لا محل لها. وآفة: الواو عاطفة، آفة: اسم معطوف على سم، وهو مضاف. الجزر: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. النازلون: صفة لـ"قومي" أو خبر لمبتدأ محذوف وجوبا؛ تقديره: هم النازلون؛ وعلى رواية "النازلين"، فهو: مفعول به لفعل محذوف وجوبا؛ تقديره: أمدح، أو: أعني النازلين. "بكل": متعلق بـ"النازلون"، وكل مضاف. معترك: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. والطيبون: الواو عاطفة، الطيبون: صفة لـ"قومي"؛ أو: خبر لمبتدأ محذوف وجوبا؛ كما في "النازلون"، وعلى رواية: "النازلين"؛ فهو: إما مفعول به لفعل محذوف وحوبا، أو معطوفا على "النازلين"؛ على رواية النصب. معاقد: منصوب على التشبيه بالمفعول به؛ لأن "الطيبون" صفة مشبهة، وهو مضاف. الأزر: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
موطن الشاهد: "النازلون، الطيبون".
وجه الاستشهاد: مجيء كل من "النازلون" و"الطيبون": صفة لا يتوقف عليها تعيين الموصوف؛ ولهذا، يجوز فيهما الإتباع والقطع؛ كما بينا في الإعراب، وأوضحه المؤلف في المتن.
1 "فزيد" المقصود لا يتعين إلا بالنعوت الثلاثة؛ فيجب -حينئذ- إتباعها كلها.(3/284)
وإن تعين ببعضها؛ جاز فيما عدا ذلك البعض الأوجه الثلاثة1.
وإن كان المنعوت نكرة تعين في الأول من نعوته الإتباع؛ وجاز في الباقي القطع؛ كقوله2: [المتقارب]
397- ويأوي إلى نسوة عطل ... وشعثا مراضيع مثل السعالي3
__________
1 أي: الإتباع، والقطع، والجمع بينهما؛ بشرط تقديم المتبع، ووجب إتباع المفتقر إليه في التعيين.
2 القائل: هو أمية بن أبي عائذ الهذلي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: البيت في وصف صياد، يسعى لتحصيل قوت عياله؛ وهو من شواهد: التصريح: 2/ 117، والأشموني: 782/ 2/ 400، والعيني: 4/ 63، ومعاني الفراء: 1/ 108، وشرح المفصل: 2/ 18، والمقرب: 48، والخزانة: / 1/ 417، 2/ 301، وحاشية الدمنهوري على متن الكافي: 66، وشرح السكري: 507، وديوان الهذليين: 2/ 148.
المفردات الغريبة: يأوي، المراد: يرجع ويئوب، وأصله من أوى فلان إلى فلان؛ أي نزل عنده وسكن إليه، وفلان مأوى المساكين؛ أي: أنهم ينزلون عليه ويجدون -عنده- راحتهم. عطل: جمع عاطل؛ وهي المرأة التي خلا جيدها من الحلي. شعثا: جمع شعثاء، وهي المرأة السيئة الحال، الملبدة الشعر. مراضيع: جمع مرضع، وزيدت الياء للإشباع، أو جمع مرضاع، والياء منقلبة عن الألف، في المفرد: السعالي: جمع سعلاة؛ وهي أخبث الغيلان.
المعنى: أن هذا الصائد، يغيب عن منزله ونسائه، مدة للصيد، وسعيا وراء رزقه، ثم يعود إليه، فيجد نسوة بائسات، قد خلت أعناقهن، من الحلي، وتلبدت واغبرت شعورهن؛ وهن يرضعن أبناءهن، وتراهن في هذا المنظر القبيح، كأخبث الغيلان.
الإعراب: ويأوي: الواو عاطفة، يأوي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره هو. "إلى نسوة": متعلق بـ"يأوي". عطل: صفة لـ"نسوة" مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة. وشعثا: الواو عاطفة، شعثا: مفعول به لفعل محذوف؛ والتقدير: أعني شعثا، أو أصف، أو أذكر، أو نحو ذلك. مراضيع: صفة لـ"شعثا" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. مثل: صفة ثانية لـ"شعثا"، وهو مضاف. السعالي: مضاف إليه مجرور.
موطن الشاهد: "نسوة عطل وشعثا".
وجه الاستشهاد: جر "عطل" على الإتباع وجوبا؛ لأنه صفة للنكرة؛ وجواز الإتباع =(3/285)
[ما يقصد بالقطع] :
وحقيقة القطع: أن يجعل النعت خبرا لمبتدأ؛ أو مفعولا لفعل.
فإن كان النعت المقطوع لمجرد مدح، أو ذم، أو ترحم، وجب حذف المبتدأ والفعل1؛ كقولهم: "الحمد لله الحميد" بالرفع بإضمار "هو"، وقوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} 2 بالنصب بإضمار "أذم".
وإن كان لغير ذلك3 جاز ذكره، تقول: "مررت بزيد التاجر" بالأوجه الثلاثة، ولك أن تقول: "هو التاجر" و"أعني التاجر".
[جواز حذف المنعوت إن علم] :
فصل: ويجوز بكثرة حذف المنعوت إن علم، وكان النعت إما صالحا لمباشرة العامل؛ نحو: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} 4؛ دروعا سابغات، أو بعض اسم مقدم
__________
= والقطع في "شعثا"؛ لأنه روي مجرورا ومنصوبا؛ وفي هذا دلالة على أن نعوت النكرة يجب في أولها الإتباع، ويجوز في ما عداه الإتباع والقطع.
1 ليكون وجوب الحذف دليلا على قصد إنشاء المدح أو الذم أو الترحم.
2 111 سورة المسد، الآية: 3.
موطن الشاهد: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "حمالة" مفعولا به لفعل محذوف وجوبا؛ تقديره: أذم حمالة الحطب؛ وجملة "أذم حمالة الحطب": اعتراضية، لا محل لها.
3 بأن كان للتوضيح، أو التخصيص، أو التعميم، أو التفصيل. واعلم أن النعت -إذا قطع-؛ خرج عن كونه نعتا، وتكون جملته مستنأنفة، لا محل لها؛ وجوز بعضهم كونها في محل نصب على الحال؛ والقاعدة فيما تقدم: أنك إذا أتبعت الأول؛ جاز لك في التالي الإتباع، والقطع بالرفع، أو بالنصب. وإن قطعت الأول بالرفع، أو بالنصب؛ وجب في التالي القطع كذلك، فإن قطعت الجميع؛ لم يلزم جعل التالي: كالأول؛ بل يجوز التوافق والتخالف.
التصريح: 2/ 117.
4 34 سورة سبأ، الآية: 11.
موطن الشاهد: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} .
وجه الاستشهاد: حذف الموصوف "دروعا"؛ لأن الأصل: اعمل دروعا سابغات؛(3/286)
مخفوض بمن أو في1.
فالأول؛ كقولهم: "منا ظعن ومنا أقام"؛ أي: منا فريق ظعن، ومنا فريق أقام2.
__________
= فحذف الموصوف للعلم به، مع أن الصفة لا تختص بالموصوف؛ ولكن تقدم ذكر الحديد فأشعر به؛ وحكم حذف الموصوف -هنا- الجواز باتفاق.
1 أي: يحذف الموصوف جوازا أيا؛ إذا كانت الصفة جملة أو شبهها، وكان الموصوف مرفوعا -كما قال الفارسي- أو كان الموصوف بعضا -من اسم متقدم عليه- مجرورا بمن أو في.
التصريح: 2/ 118.
تنبيه: روى النحاة أبياتا من الشعر، وخرجوها على حذف الموصوف، وبقاء الصفة، وليس فيها أحد الشرطين اللذين ذكرهما المؤلف -تعبا لهم- غير أنهم حكموا بشذوذها؛ فمن ذلك قول الراجز:
مالك عندي غير سهم وحجر ... وغير كبداء شديدة الوتر
ترمي بكفي كان من أرمى البشر ...
فالتقدير: ترمي بكفي رجل كان من أرمى البشر، إذا عدت "كان" زائدة؛ غير أن هذا الحذف للضرورة، كما ذكر الأشموني.
انظر حاشية الصبان: 3/ 70.
ومن الضرورة -أيضا- ما جاء في قول النابغة الذبياني:
كأنك من جمال بني أقيش ... يقعقع بين رجليه بشن
كأنك جمل من جمال بني أقيش؛ فحذف الموصوف "جمل"، وأبقى الصفة "الجار والمجرور"؛ ويمكن تخريج هذا البيت على المطرد الشائع؛ ويكون تقدير الكلام: كأنك من جمال بني أقيش جمل يقعقع بين رجليه بشن؛ ليكون الموصوف بعض اسم مجرور بمن متقدم؛ ويكون "الجار والمجرور": حالا من الضمير، في "يقعقع"؛ وجملة "يقعقع": صفة لـ"جمل".
انظر حاشية الصبان: 3/ 71.
2 "فظعن وأقام" -جملتان في موضع رفع: نعتان لمنعوتين محذوفين: والمنعوتان: مرفوعان على الابتداء؛ وهما بعض اسم مقدم؛ وهو الضمير المجرور بمن. وهذا تقدير البصريين؛ ويقدر الكوفيون المحذوف اسما موصولا؛ أي: منا الذي ظعن، والذي أقام؛ وتقدير البصريين: أحسن وأقيس؛ لأن اتصال الموصول بالصلة أشد من اتصال الموصوف بصفته.
التصريح: 2/ 118.(3/287)
والثاني؛ كقوله1: [الرجز]
398- لو قلت ما في قومها لم تيثم ... يفضلها في حسب وميسم2
أصله: "لو قلت ما في قومها أحد يفضلها لم تأثم"، فحذف الموصوف وهو "أحد"، وكسر حرف المضارعة من تأثم، وأبدل الهمزة ياء، وقدم جواب لو فاصلا بين الخبر المقدم؛ وهو الجار والمجرور، والمبتدأ المؤخر؛ وهو "أحد" المحذوف.
__________
1 ينسب هذا البيت إلى الأسود الحماني، ويُنسب إلى حكيم الربعي -راجز إسلامي كان معاصرا للحجاج- والأسود الحماني نسبة إلى حمان بن عبد العزى من تميم، شاعر مقل.
الخزانة: 5/ 64، والجمهرة: 220.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت يصف فيه الراجز امرأة.
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 118، والأشموني: 783/ 2/ 400، وسيبويه: 1/ 375، والخصائص: 2/ 370، وشرح المفصل: 3/ 59، 61، والخزانة: 3/ 311، والعيني: 4/ 71، والهمع: 2/ 120، والدرر: 2/ 151.
المفردات الغريبة: لم تيثم: لم تأثم؛ أي: لم تقع في الإثم، وكسرت التاء على لغة، وقلبت الهمزة ياء؛ لسكونها إثر كسرة. يفضلها: يزيد عليها. حسب: كل ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه. ميسم: وسامة وحسن.
المعنى: لو قلت: إنه ليس في قوم هذه المرأة، أحد يفضلها، ويزيد عليها، في عراقة النسب والجمال؛ لم تكن كاذبا، في قولك.
الإعراب: لو: حرف شرط غير جازم، لا محل له من الإعراب. قلت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل رفع فاعل. ما: نافية، لا محل لها من الإعراب. "في قومها": متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف؛ والتقدير: ما في قومها أحد، وقوم مضاف، و"ها": مضاف إليه. يفضلها: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هو، و"ها" في محل نصب مفعولا به. "في حسب": متعلق بقوله: "يفضل". وميسم: الواو عاطفة، ميسم: اسم معطوف على "حسب" مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة؛ وجملة "يفضلها في حسب وميسم": في محل رفع صفة لـ"المبتدأ" المحذوف.
موطن الشاهد: "ما في قومها يفضلها".
وجه الاستشهاد: حذف الموصوف "أحد" وبقيت الصفة؛ وهي جملة يفضلها؛ والأصل: لو قلت ما في قومها أحد يفضلها؛ وقد أوضح المصنف ذلك.(3/288)
[جواز حذف النعت إن علم] :
ويجوز حذف النعت إن علم، كقوله تعالى: {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} 1 أي: كل سفينة صالحة، وقول الشاعر2: [المتقارب]
399- فلم أعط شيئا ولم أمنع3
__________
1 18 سورة الكهف، الآية: 79.
موطن الشاهد: {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} .
وجه الاستشهاد: حذف الصفة للعلم بها؛ بقرينة قوله تعالى: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} ، وبقرينة أخرى؛ وهي أن الملك الغاصب، لا يأخذ ما لا نفع فيه؛ وتقدير الآية: يأخذ كل سفينة صالحة غصبا؛ وحكم حذف الصفة -هنا- الجواز.
2 الشاعر: هو العباس بن مرداس السلمي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
وقد كنت في الحرب ذا تدرأ
والبيت من كلام العباس، يخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم حين وزع غنائم حنين؛ فأعطى قوما من أشراف العرب من المؤلفة قلوبهم؛ منهم أبو سفيان، ومعاوية ابنه، والأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن الفزاري. وأعطى العباس دون ما أعطى الواحد منهم؛ ففي ذلك يقول العباس:
أتجعل نهبي ونهب العبـ ... ـيد بين عيينة والأقرع
وما كان حصن ولا قابس ... يفوقان مرداس في مجمع
وما كنت دون امرئ منهم ... ومن تضع اليوم لا يرفع
العبيد: اسم فرسه. والنهب: الغنيمة.
والشاهد من شواهد التصريح: 2/ 119، والأشموني: 787/ 2/ 401، والعيني: 4/ 69، والهمع: 120، والدرر: 2/ 153، والمغني: 1062/ 818، والسيوطي: 313.
المفردات الغريبة: ذا تدرأ: صاحب عدة وقوة في القتال ومحاربة الأعداء، والدرء: الدفع، والمدارأة: المدافعة.
المعنى: كنت في الحرب مجاهدا شجاعا، صاحب عدة وقوة لقهر الأعداء، وهزيمتهم؛ فلما وزعت الغنائم، لم أعط شيئا مناسبا لعملي؛ كما أعطي غيري، ولم أمنع نهائيا.
الإعراب: وقد: الواو عاطفة، قد حرف تحقيق. كنت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء في =(3/289)
أي: شيئا طائلا، وقوله1: [الوافر]
400- مهفهفة لها فرع وجيد2
__________
= محل رفع اسمه. "في الحرب": متعلق بـ"كان". ذا: خبر كان منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. تدرأ: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. فلم: الفاء عاطفة، لم: حرف نفي وجزم وقلب. أعط: فعل مضارع مجزوم مبني للمجهول، وعلامة جزمه الألف؛ ونائب الفاعل ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا؛ وهو المفعول الأول، لـ"أعط". شيئا: مفعول به ثانٍ منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة؛ وله صفة محذوفة يدل عليها الكلام، كما سنرى في موطن الشاهد ووجه الاستشهاد. ولم: الواو عاطفة، لم: حرف نفي وجزم وقلب. أمنع: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بـ"لم" وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر؛ لضرورة الروي، ونائب الفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره أنا.
موطن الشاهد: "فلم أعط شيئا".
وجه الاستشهاد: ذكر الموصوف "شيئا" وحذفت الصفة للعلم بها؛ لأن أصل الكلام: فلم أعط شيئا عظيما، أو نحو ذلك؛ لأن الكلام لا يستقيم من دون تقدير المحذوف؛ لأنه يكون مخالفا للواقع؛ فهو قد أُعطي بالفعل عطاء؛ غير أنه كان أقل مما كان يتوقع؛ وما يؤكد ذلك قوله: "ولم أمنع"؛ فلو كان لم يُعط شيئا مطلقا؛ لكان مُنع، وهو ينفي المنع، ويجوز أن يكون في قوله: "ولم أمنع" حذف للصفة والموصوف معا؛ لأن تقدير الكلام: فلم أعط شيئا عظيما ولم أمنع الشيء الحقير.
انظر هذه المسألة في حاشية الصبان: 3/ 71-72. والتصريح: 2/ 119.
1 القائل: هو المرقش الأكبر؛ واسمه: عمرو بن سعد بن مالك أحد بني بكر بن وائل، وقيل: "عوف" شاعر جاهلي، من المتيمين؛ له شعر جيد في أسماء بنت عمه، وكان يحسن الكتابة؛ اتصل بالحارث أبي شمر الغساني؛ فجعله كاتبه. مات نحو: 75ق. هـ.
الشعر والشعراء: 1/ 210، وتجريد الأغاني: 752، الأغاني: 5/ 179، الخزانة: 3/ 515، الأعلام: 5/ 95.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
ورب أسيلة الخدين بكر
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 119، والأشموني: 788/ 2/ 401، والعيني: 4/ 72، والمفضليات للضبي: 224. =(3/290)
أي: فرع فاحم وجيد طويل.
__________
= المفردات الغريبة: أسيلة الخدين: ناعمتهما مع طول واسترسال. مهفهفة: ضامرة البطن خفيفة اللحم. فرع: شعر نام. جيد: عنق.
المعنى: يصف الشاعر هذه الفتاة بأن لها خدا ناعما طويلا، وجسما فيه ضمور بطن ودقة خصر، وشعر مسترسل فاحم، وعنق طويل.
الإعراب: رب: حرف جر شبيه بالزائد، يفيد التقليل. أسيلة: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا، على أنه مبتدأ، وهو مضاف. الخدين: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى. بكر: بدل أو عطف بيان من أسيلة الخدين. مهفهفة: صيغة لـ"أسيلة". "لها": متعلق بمحذوف خبر مقدم. فرع: مبتدأ مؤخر مرفوع. وجيد: الواو عاطفة، جيد: اسم معطوف على فرع مرفوع مثله. وجملة "المبتدأ وخبره": في محل رفع، أو جر صفة أخرى لـ"أسيلة".
موطن الشاهد: "لها فرع وجيد".
وجه الاستشهاد: حذف الوصفين للموصوفين: "فرع" و"جيد"؛ للدلالة مقام المجح على ذلك؛ لأن من غير المعقول أن يمدح الشاعر تلك الفتاة بأن لها شعرا وعنقا مطلقين؛ فكل إنسان له ذلك، وإنما أراد وصف الشعر بالطول والسواد والعنق بالطول على عادة العرب؛ فالتقدير -على الأغلب- لها فرع فاحم وجيد طويل؛ وما يؤكد هذا قول امرئ القيس واصفا الفرع بشدة السواد:
وفرع يزيد المتن أسود فاحم ... أثيث كقنو النخلة المتعثكل
وقوله واصفا الجيد بالطول:
وجيد كجيد الرئم ليس بفاحم ... إذا هي نصته ولا بمعطل
تعقيبات وتوجيهات:
1- قد يحذف النعت والمنعوت معا؛ إذا دلت القرينة عليهما، وهذا قليل؛ ومنه قوله تعالى في الأشقى: {ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} أي لا يحيى حياة نافعة؛ لأنه ليست هنالك واسطة بين الحياة والموت.
2- هناك نعت يسمى: النعت الموطئ أو "الممهد"؛ وهو: أن يكون النعت جامدا، وغير مقصود لذاته، والمقصود ما بعده، وقد ذكر؛ ليكون توطئة وتمهيدا، للمشتق التالي له المقصود حقيقة؛ نحو: قابلت أخًا أخًا مخلصا حقا؛ فأخًا الثانية نعت موطئ غير مقصود، والمقصود ما بعده وهو مخلص.
3- يجوز أن ينعت النعت؛ فتقول: هذا ورق أبيض ناصع البياض. وقد يقع قبل النعت المفرد: "لا" النافية أو "ما"، فيجب تكرار هذين الحرفين مع اقترانهما بالواو العاطفة؛ لما بعدهما على ما قبلهما؛ تقول: صاحب صديقا، لا بخيلا ولا مسرفا، واختر زميلا، إما شاعرا، وإما خطيبا.(3/291)
............................................
__________
4- إذا تعددت النعوت واتحدت أنواعها -بأن كانت مفردة- فيجوز تقديم بعضها على بعض، وكذلك إذا كانت جملا. أما إذا اختلفت؛ فالغالب تقديم المفرد على شبه الجملة؛ وهذا على الجملة؛ تقول: هذا طائر أليف على غصن يغرد بصوت حسن؛ ومنه قوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} ومن غير الغالب؛ قوله سبحانه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} ، وهو فصيح، يجوز القياس عليه.
5- إذا تكررت النعوت لمنعوت واحد؛ وكانت مفردة متحدة المعنى، لم يجز عطف أحدها على الآخر؛ نحو: هذا محمد الشجاع الفاتك؛ لأن العطف يقتضي المغايرة. وإن كانت مختلفة المعنى؛ جاز العطف في المفردات. بجميع حروف العطف ما عدا: "أم"، و"حتى". وفي الجمل خلاف؛ نحو: هذا طالب يعرف العربية ويتقن الإنجليزية، ويتعثر في الفرنسية.
6- من الأسماء ما ينعت، وينعت به لاستيفائه شروط ذلك؛ كاسم الإشارة؛ تقول: مررت بمحمد هذا، وبهذا الشاعر، ولا يكون نعتا إلا لمعرفة؛ لأنه معرفة. وإذا وقع منعوتا؛ وجب أن يكون النعت مقرونا بأل. وإذا كان جامدا فالأحسن: اعتباره عطف بيان؛ ويجب أن يطابق منعوته، في الإفراد، والتذكير وفروعهما، والموصول، والإشارة. ومنها ما لا ينعت، ولا ينعت به، وذلك؛ كالمضمر، والمصدر الدال على الطلب، وكثير من الأسماء المتوغلة في الإبهام؛ كأسماء الشرط والاستفهام، و"كم" و"ما" التعجبية، وبعض الظروف المبهمة؛ كقبل وبعد؛ ويستثنى من ذلك "غير"، و"سوى"، و"من"، و"ما" النكرتان التامتان. ومنها ما ينعت، ولا ينعت به؛ كالأعلام: ومنها ما يقع نعتا، ولا يقع منعوتا، ومن ذلك "أي"؛ بشرط أن يكون المنعوت بها نكرة، و"كل" نحو: أنت الأمين كل الأمين؛ أي المتناهي في الأمالنة، و"جد" تقول؛ سمعت خطابا بليغا جد بليغ. وإذا صلح النعت لمباشرة العامل؛ جاز تقديمه، ويكون المنعوت بدلا منه؛ نحو قوله تعالى: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} .
حاشية الصبان: 2/ 72-73، النحو الوافي: 3/ 482-500.(3/292)
هذا باب التوكيد1
[التوكيد المعنوي وألفاظه] :
وهو ضربان: لفظي وسيأتي، ومعنوي2؛ وله سبعة ألفاظ3.
[حكم التوكيد بالنفس والعين] :
الأول والثاني: النفس والعين4، ويؤكد بهما؛ لرفع المجاز عن الذات، تقول: "جاء الخليفة" فيحتمل أن الجائي خبره أو ثقله5، فإذا أكدت بالنفس أو بالعين أو بهما6؛ ارتفع ذلك الاحتمال.
ويجب اتصالهما بضمير مطابق للمؤكد، وأن يكون لفظهما طبقه في الإفراد
__________
1 هو في الأصل: مصدر وكد، ثم استعمل في التابع المذكور؛ ويقال فيه: التأكيد، بقلب الواو همزة؛ والأول أشهر في استعمال النحاة.
2 هو التابع الذي يزيل عن متبوعه الشك، واحتمال إرادة غير معناه الحقيقي الظاهر، وعدم إرادة العموم والشمول.
3 لفظ سبعة غير دقيق؛ لأن المؤلف، ذكر ألفاظ التوكيد المعنوي المشهور استعمالها؛ ومعلوم أنه يوجد ألفاظ غيرها، تستعمل في التوكيد المعنوي، غير أنها ليست مشهورة. انظر حاشية يس على التصريح: 2/ 120.
4 المراد بهما -النفس والعين: ذات الشيء، وحقيقته التي يتكون منها -ولو لم يكن في تركيبه نفس ولا عين-؛ ويختصان عن بقية ألفاظ التوكيد المعنوي، بجواز جرهما بالباء الزائدة؛ تقول: رأيت الرجل نفسه، أو بنفسه؛ وقابلت الموظف عينه، أو بعينه؛ والمجرور يكون في محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب المتبوع. وإذا أكد معهما بكلمة "كل"، يحسن تأخير "كل" عنهما، كما سيتضح لاحقا.
انظر حاشية الصبان: 3/ 73-74. والتصريح: 2/ 120.
5 الثقل: واحد الأثقال، وبفتح الثاء والقاف: متاع المسافر وحشمه.
6 أي: معا من دون عطف. ويشترط تقديم النفس على العين.(3/293)
والجمع1؛ وأما في التثنية: فالأصح جمعهما على أفعل2، ويترجح إفرادهما على تثنيتهما، عند الناظم، وغيره بعكس ذلك.
والألفاظ الباقية: كلا وكلتا للمثنى3، وكل وجميع وعامة لغيره4.
ويجب اتصالهن بضمير المؤكد؛ فليس منه: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} 5؛ خلافا لمن وهم6، ولا قراءة بعضهم: "إنا كلا فيها"7؛ خلافا
__________
1 ينبغي أن يجمع النفس والعين جمع تكسير للقلة على "أفعل" لا غير؛ حين يكون المؤكد جمعا؛ مع إضافتهما لضمير الجمع. ولا يجوز أن يؤكد بهما مجموعين على نفوس وعيون على المختار.
2 فيقال: جاء المحمدان أنفسهما أو أعينهما؛ ويجوز إفرادهما وتثنيتهما؛ فيقال: نفسهما وعينهما، أو: نفساهما، وعيناهما، ولا بد من إضافتهما إلى ضمير المثنى؛ ليطابق المؤكد.
3 أي: ولو على سبيل التفريق؛ نحو: فاز محمد وعلي كلاهما؛ بشرط اتحاد العامل. ويقصد بهما: إزالة الاحتمال والمجاز عن التثنية، وإثبات أنها هي المقصودة.
4 أي: لغير المثنى؛ وهو الجمع مطلقا، والمفرد بشرط أن يتجزأ بنفسه، أبو بعامله؛ نحو: نجح الطلبة كلهم أو جميعهم أو عامتهم، واشتريت الدابة كلها، أو جميعها، أو عامتها.
5 2 سورة البقرة، الآية: 29.
موطن الشاهد: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} .
وجه الاستشهاد: عدم وقوع "جميعا" توكيدا في هذه الآية؛ لعدم اتصاله بالضمير؛ لأنه لو كان توكيدا؛ لجاء "جميعه" على أن التوكيد بجميع غريب -كما سيأتي- فلا يحمل التنزيل عليه. التصريح: 2/ 122.
6 هو ابن عقيل؛ أحد شراح الألفية؛ فإنه أعرب "جميعا": توكيدا لـ"ما" الموصولة الواقعة مفعولا "لخلق"، ولو كان كذلك لقيل جميعه، ثم التوكيد بجميع قليل فلا يحمل عليه التنزيل. مغني اللبيب: 662، التصريح: 2/ 122.
7 أوجه القراءات: قرأ الجمهور: {إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} ، برفع "كل"، وقرأ بعض القراء: "إنا كلا" بنصب "كلا" على أنها بدل من اسم "إن" على الصحيح. انظر التصريح: 2/ 123.
موطن الشاهد: "إنا كلا فيها".
وجه الاستشهاد: عدم مجيء "كلا" توكيدا لـ"نا" الواقع اسما لـ"إن"؛ لأنه لم يتصل بها الضمير، وإنما هي بدل من اسم "إن" على الصحيح؛ و"جميعا" في الآية السابقة: في محل نصب على الحال من "ما" الموصولة.(3/294)
للفراء والزمخشري1؛ بل "جميعا" حال2، و"كلا" بدل3، ويجوز كونه حالا من ضمير الظرف4
ويؤكد بهن؛ لرفع احتمال تقدير بعض مضاف إلى متبوعهن؛ فمن ثم جاز "جاءني الزيدان كلاهما" و"المرأتان كلتاهما"؛ لجواز أن يكون الأصل: جاء أحد الزيدين أو إحدى المرأتين؛ كما قال تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} 5، بتقدير يخرج من أحدهما6، وامتنع على الأصح: "اختصم الزيدان كلاهما"، و"الهندان كلتاهما"؛ لامتناع التقدير المذكور7، وجاز "جاء القوم كلهم"،
__________
1 مرت ترجمة لكل منهما.
2 أي: من "ما" الموصولة، ومعناها: مجتمعا، وخلق: بمعنى قدر خلق ذلك في علمه، فلا يرد أن الحالية، تقتضي وقوع الخلق، على ما في الأرض، في حالة الاجتماع، وليس كذلك.
حاشية يس على التصريح: 2/ 123.
3 أي: بدل "كل" من اسم "إن"؛ وهو لا يحتاج إلى ضمير.
4 أي: من ضمير الاستقرار المرفوع في "فيها"؛ وفيه ضعفان؛ تقدم الحال على عامله الظرفي، وتنكير "كل"، بقطعها عن الإضافة لفظا ومعنى؛ والحال واجبة التنكير. قيل: وقد يُستغنى عن الإضافة إلى الضمير بالإضافة إلى مثل ظاهر المؤكد بكل؛ ومنه قول كثير:
كم قد ذكرتك لو أجزى بذكركمو ... يا أشبه الناس كل الناس بالقمر
مغني اللبيب: 256.
5 55 سورة الرحمن، الآية: 22.
موطن الشاهد: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} .
وجه الاستشهاد: وقوع المثنى "منهما"؛ وإرادة الواحد به؛ وهو البحر الملح.
6 أي: وهو البحر الملح؛ لأن العذب، ليس فيه ذلك. واللؤلؤ: كبار الدر. والمرجان: صغاره. التصريح: 2/ 123.
7 لأن التخاصم، لا يتحقق معناه إلا بوقوعه من اثنين حتما؛ فلا فائدة من التوكيد هنا؛ ومثله: كل ما يدل على المفاعلة، والمشاركة؛ نحو: تقاتل، وتحارب؛ وهذا رأي الأخفش، ومن تبعه. وأجاز الجمهور مثل ذلك -على ما فيه من ضعف بلاغي-؛ لأن التوكيد، قد يكون للتقوية؛ لا لرفع الاحتمال.
التصريح: 2/ 123، وحاشية الصبان: 3/ 75.(3/295)
و"اشتريت العبد كله"، وامتنع "جاء زيد كله"1.
[التوكيد بـ"جميع"] :
والتوكيد بجميع غريب، ومنه قول امرأة: [مجزوء الرجز]
401- فداك حي خولان ... جميعهم وهمدان2
__________
1 لعدم الفائدة من التوكيد؛ لأنه يستحيل نسبة المجيء إلى جزئه.
2 تخريج الشاهد: البيت: قالته امرأة أعرابية ترقص به ولدها وبعده:
وكل آل قحطان ... والأكرمون عدنان
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 123، والعيني: 4/ 91، والهمع: 2/ 123، والدرر: 2/ 155.
المفردات الغريبة: فداك؛ الفداء بالمد والقصر: ما يُعطى من مال ونحوه عوضا عن المفدى؛ والمراد هنا: الدعاء والثناء. خولان وهمدان: قبيلتان من قبائل اليمن. قحطان: أبو العرب اليمانية. عدنان: أبو عرب الحجاز.
المعنى: تخاطب تلك المرأة طفلها -وهي تداعبه- قائلة: تفديك قبيلتا خولان وهمدان جميعهما؛ وهذا كقول القائل: فداك أبي وأمي؛ ونحو ذلك.
الإعراب: فداك: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر، وهو مضاف، والكاف: في محل جر بالإضافة. حي: خبر المبتدأ مرفوع، وهو مضاف. خولان: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف، وسكن لضرورة الوقف. جميعهم: توكيد لـ"حي خولان"، و"هم" في محل جر مضاف إليه. وهمدان: الواو حرف عطف، همدان: اسم معطوف على حي خولان.
موطن الشاهد: "جميعهم".
وجه الاستشهاد: مجيء هذا اللفظ توكيدا للخبر، أو للفاعل إن حركنا الفاء بالفتح؛ وهو بمنزلة كل في المعنى والاستعمال، ويقصد به رفع احتمال التجوز بإرادة البعض، وإطلاق اسم الكل عليه.
فائدة: قد يأتي لفظ "جميع" بمعنى: مجتمع؛ أي: ضد متفرق، فلا يفيد توكيدا، كقول الشاعر:
نهيتك عن هذا وأنت جميع
انظر ضياء السالك 3/ 141.(3/296)
[التوكيد بـ"عامة"] :
وكذلك التوكيد بعامة، والتاء فيها بمنزلتها في النافلة؛ فتصلح مع المؤنث والمذكر1؛ فتقول "اشتريت العبد عامته"، كما قال الله تعالى: {وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} 2.
[جواز تقوية التوكيد بـ"أجمع وجمعاء"] :
فصل: ويجوز، إذا أريد تقوية التوكيد، أن تتبع كله بأجمع، وكلها بجمعاء، وكلهم بأجمعين، وكلهن بجمع؛ قال الله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} 3.
__________
1 قال ابن مالك في الألفية:
واستعملوا أيضا ككل فاعله
من "عم" في التوكيد مثل النافله
فقد ذكر ابن هشام -هنا- أن المراد بهذا التشبيه، أن التاء في "عامة" مثل التاء في لفظ "نافلة" يؤتى بها مع المذكر، ومع المؤنث، وليس ذكره استدراكا على النحاة. فقد ذكر ابن الناظم في شرحه على الألفية؛ أن قوله: "مثل النافلة؛ معناه: أن ذكر هذا اللفظ -في هذا الباب- زائدة على ما ذكره النحاة؛ فإن أكثرهم أغفل ذكره؛ فكما أن النافلة زيادة على ما فرضه الله تعالى على عباده، يكون ذكر لفظ "عامة" في ألفاظ التوكيد، زيادة، على ما ذكره النحاة، من ألفاظه.
هذا، واعتبار لفظ "عامة"؛ بمعنى: جميع، ومجيئه توكيدا؛ هو مذهب سيبويه؛ وذهب المبرد إلى أن معنى "عامتهم" في مثل: جاء القوم عامتهم؛ أكثرهم لا جميعهم؛ وعلى هذا يكون بدل بعض من كل لا للتعميم؛ كما يرى سيبويه.
التصريح: 2/ 124. كتاب سيبويه: 1/ 376-377.
2 21 سورة الأنبياء، الآية: 72.
موطن الشاهد: {وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} .
وجه الاستشهاد: استشهد بالآية الكريمة على أن "عامة" لفظ يشبه "نافلة" في الوزن، ولزوم التاء في الأحوال كلها؛ تذكيرا، وتأنيثا، وإفرادا ...
3 15 سورة الحجر، الآية: 30.
موطن الشاهد: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "كلهم" توكيدا، و"أجمعون" توكيدا ثانيا؛ جيء به؛ لتقوية التوكيد الأول.(3/297)
وقد يؤكد بهن وإن لم يتقدم كل1؛ نحو: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} 2، {لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} 3، ولا يجوز تثنية أجمع ولا جمعاء استغناء بكلام وكلتا4، كما استغنوا بتثنية سي عن تثنية سواء5؛ وأجاز الكوفيون والأخفش ذلك؛ فتقول "جاءني الزيدان أجمعان" و"الهندان جمعاوان".
وإذا لم يفد توكيد النكرة لم يجز باتفاق6، وإن أفاد جاز، عند الكوفيين، وهو الصحيح، وتحصل الفائدة بأن يكون المؤكد محدودا والتوكيد من ألفاظ
__________
1 وفي هذه الحالة؛ يجوز إعراب "أجمعين" وأخواتها: حالا؛ ولكن المعنى يختلف عن إعرابها توكيدا؛ فإن معناها -على الحال- يكون: مجتمعين؛ أي: في حال اجتماعهم، وعدم تفرقهم. وعلى التوكيد؛ يكون معناها: الشمول، والإحاطة، وينبغي ملاحظة ذلك عند الإعراب.
2 38 سورة ص، الآية: 82.
موطن الشاهد: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أجمعين" توكيدا لـ"هم" الواقع مفعولا به؛ وحكم وقوع "أجمعين" توكيدا من دون أن يسبق بـ"كل" الجواز باتفاق.
3 15 سورة الحجر، الآية: 43.
موطن الشاهد: {لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أجمعون" توكيدا لـ"هم" الواقع في محل جر بالإضافة؛ وحكم وقوع "أجمعين" توكيدا من دون أن يسبق بـ"كل" الجواز، كما في الآية السابقة.
4 قيل: إنما يصح الاستغناء بذلك؛ إذا قصد شمول الأفراد؛ أما إذا قصد شمول أجزاء الأفراد -كما في اشتريت المنزلين أو الحديقتين- فإن "كلا" و"كلتا" لا تفيده.
5 فقالوا: سيان، ولم يقولوا: سواءان؛ وهذا رأي جمهور البصريين.
هذا، وإذا تكررت ألفاظ التوكيد؛ فهي للمتبوع، وليس الثاني توكيدا للتوكيد. ولا يجوز فيها القطع، ولا عطف بعضها على بعض؛ وهي كلها معارف إما بالإضافة، إلى الضمير؛ نحو: كلهم، وإما بالعلمية؛ نحو: أجمعون، ومن ثم امتنع نصب شيء منها على الحال.
6 لأن الغرض من التوكيد إزالة اللبس؛ وألفاظه معارف، والنكرة تدل، على الإبهام والشيوع؛ فهما متعارضان تعريفا وتنكيرا.(3/298)
الإحاطة؛ كـ"اعتكفت أسبوعا كله"، وقوله1: [البسيط]
402- يا ليت عدة حول كله رجب2
__________
1 القائل: هو عبد الله بن مسلم بن جندب الهذلي، أحد بني خزيمة بن صاهلة وأحد شعراء العصر الأموي.
له ترجمة في شرح أشعار الهذليين للسكري: 909.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
لكنه شاقه أن قيل ذا رجب
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 125، وشذور الذهب: 228/ 556، والقطر: 138/ 397، والأشموني: 793/ 2/ 407، والعيني: 4/ 96، والإنصاف: 1/ 451، وشرح المفصل: 3/ 35، وأشعار الهذليين: 91.
المفردات الغريبة: شاقه: أعجبه وهاجه، أو بعث الشوق في نفسه. والشوق: تموع النفس إلى الشيء. الحول: العام.
المعنى: يقول الشاعر: إنه أعجبه وبعث الشوق في نفسه حين قيل: هذا الشهر رجب، وتمنى أن تكون شهور العام كلها "رجب" لما يجد فيه من الخير والأنس.
الإعراب: لكنه: حرف مشبه بالفعل، والهاء ضمير متصل مبني على الضم، في محل نصب اسمه. شاقه: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والهاء ضمير متصل، مبني على الضم، في محل نصب مفعولا به. أن: حرف مصدري. قيل: فعل ماضٍ مبني للمجهول. ذا: اسم إشارة مبني على السكون، في محل رفع مبتدأ. رجب: خبر مرفوع. وجملة "شاقه رجب": في محل رفع خبر "لكن". وجملة "ذا رجب": في محل رفع نائب فاعل لـ"قيل"؛ والمصدر المؤول من "أن المصدرية وما دخلت عليه": في محل رفع فاعل "شاق". يا: حرف تنبيه. ليت: حرف مشبه بالفعل. عدة: اسم "ليت" منصوب، وهو مضاف. حول: مضاف إليه. كله: توكيد لـ"حول" مجرور، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه. رجب: خبر ليت مرفوع -على رواية الرفع في رجب.
ورأى بعضهم أن "رجبا" -بالنصب وليس بالرفع- وعليها فإما أن يكون الشاهد، قد جرى على اللغة الضعيفة التي تنصب بـ"ليت" وأخواتها الجزأين؛ وإما أن يكون "رجبا" مفعولا به لفعل محذوف تقع جملته خبرا لـ"ليت"؛ والتقدير: يا ليت عدة حول كله تشبه رجبا؛ والأول أفضل؛ غير أن البيت من قصيدة منصوبة الروي؛ ومطلعها:
يا للرجال ليوم الأربعاء أما ... ينفك يحدث لي بعد النهى طربا
موطن الشاهد: "حول كله".
وجه الاستشهاد: توكيد النكرة "حول" على رأي الكوفيين؛ لكونها محدودة؛ لأن العامة معلوم الأول والآخر؛ ولفظ التوكيد "كله" من الألفاظ الدالة على الإحاطة؛ وهذا مذهب الكوفيين، وهو ما ارتضاه ابن مالك.(3/299)
ومن أنشد "شهر" مكان حول فقد حرفه1، ولا يجوز "صمت زمنا كله"2، ولا "شهرا نفسه"3.
[توكيد الضمير بالنفس أو بالعين] :
فصل: وإذا أكد ضمير مرفوع متصل4، بالنفس أو بالعين؛ وجب توكيده أولا بالضمير المنفصل5؛ نحو "قوموا أنتم أنفسكم"، بخلاف "قام الزيدون أنفسهم" فيمتنع الضمير6، وبخلاف "ضربتهم أنفسهم"، و"مررت بهم أنفسهم"، و"قاموا كلهم"، فالضمير جائز لا واجب7.
__________
1 لأنه يفسد المعنى؛ إذ لا يتصور أن يتمنى أن يكون الشهر كله رجبا؛ فإن الشهر، لا يكون بعضه رجبا، وبعضه غير رجب؛ حتى يتمنى أن يكون كله رجبا.
2 لأن النكرة غير محدودة الوقت، ولا معلومة المقدار.
3 لأن لفظ التوكيد، ليس من ألفاظ الإحاطة والشمول.
4 سواء أكان بارزا؛ كما مثل المصنف، أم مستترا؛ نحو: محمد حضر هو نفسه.
5 لوقوع اللبس -أحيانا- في مثل: هند خرجت نفسها، أو ذهبت عينها؛ إذ يحتمل أن المراد: هو خروج نفسها؛ التي بها حياتها، وذهاب عينها؛ التي تبصر بها؛ فإذا جاء الفاصل، منع هذا الاحتمال؛ ويعرب الضمير المنفصل توكيدا لفظيا للضمير السالف؛ وقيل: إن الشرط مطلق فاصل، ولو غير ضمير؛ نحو؛ قوموا في الدار أنفسكم، ولكن الفصل بالضمير المنفصل أحسن وأفصح.
التصريح: 2/ 126، وكتاب سيبويه: 2/ 379.
6 لأن المؤكد؛ وهو: "الزيدون" ليس ضميرا متصلا، وإنما هو اسم ظاهر، والضمير لا يؤكد الظاهر؛ فإن الظاهر أقوى منه؛ لأنه لا يحتاج إلى مرجع يفسره.
7 لأن الضمير المؤكد في الأولين، ليس مرفوعا، فهو منصوب المحل على المفعولية في الأول، ومجرور المحل بالباء، في الثاني؛ فلا يلزم توكيده بالضمير المنفصل، قبل توكيده بالنفس أو بالعين؛ ومع هذا يجوز توكيده بالضمير. تقول: ضربتهم هم أنفسهم، ومررت بهم هم أنفسهم، ويجوز بغير توكيد بالضمير. والتوكيد في الثالث بغير النفس والعين. أما توكيد الضمير المرفوع المنفصل بالنفس أو بالعين؛ فحكمه حكم توكيد الاسم الظاهر بهما؛ لا يحتاج إلى فاصل. تقول: أنت نفسك حضرت، وأنتما أنفسكما سافرتما، وأنتم أنفسكم امتنعتم عن الإجابة ... إلخ.
التصريح: 2/ 125-126، وضياء السالك: 3/ 146.(3/300)
[التوكيد اللفظي وأحكامه] :
[معنى التوكيد اللفظي] :
وأما التوكيد اللفظي فهو: اللفظ المكرر به ما قبله1.
فإن كان جملة فالأكثر اقترانها بالعاطف2، نحو: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} 3، ونحو: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى، ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} 4، وتأتي بدونه، نحو
__________
1 إما بعينه ولا يضر فيه بعض تغيير؛ نحو: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ} ، أو بمرادفه؛ كقوله الشاعر:
"أنت بالخير حقيق قمن"
أي: جدير، ويكون المرادف فعلا واسما. ولا يزيد التكرير عن ثلاث؛ لأنه لم يقع أكثر منها في كلام العرب، وأما ما في سورة الرحمن والمرسلات؛ فليس بتأكيد؛ لأنها لم تتعدد على معنى واحد؛ بل كل آية قيل فيها ذلك؛ فالمراد التكذيب بما ذكر فيها.
2 وهو "ثم" خاصة. وجعل الرضي "الفاء" كثم، ويؤيده قوله تعالى: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} ، والعطف -هنا- صوري؛ لأن بين الجملتين تمام الاتصال؛ فلا تعطف الثانية، على الأولى، عطفا حقيقيا، وإلا كانت التبعية بالعطف، لا بالتوكيد.
حاشية يس على التصريح: 2/ 127.
3 78 سورة النبأ، الآية: 4، والآية: 5.
موطن الشاهد: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع جملة {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} الثانية توكيدا لفظيا للجملة الأولى، وقد اقترنت بحرف العطف "ثم"؛ وحكم هذا الاقتران جائز بكثرة.
4 75 سورة القيامة، الآية: 34، والآية: 35.
موطن الشاهد: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} .
وجه الاستشهاد: وقوع جملة {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} الثانية توكيدا لفظيا، للجملة الأولى، مع اقترانها بحرف العطف، كما في الآية السابقة.
ومن أمثلته -أيضا- قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ، ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} ؛ لأنه لو عطف بثم، أو بالفاء؛ لتوهم تكرار الضرب.(3/301)
قوله عليه الصلاة والسلام: "والله لأغزون قريشا" ثلاث مرات، ويجب الترك عند إيهام التعدد، نحو "ضربت زيدا ضربت زيدا"1.
[أحكام التوكيد اللفظي] :
وإن كان اسما ظاهرا أو ضميرا منفصلا منصوبا فواضح2؛ نحو: "فنكاحها باطل باطل باطل"3 وقوله4: [الطويل]
403- فإياك إياك المراء فإنه5
__________
1 أي: وتأتي الجملة توكيدا لفظيا، لجملة سبقتها، من دون أن تقترن بحرف العطف، ولو كررت عدة مرات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: كرر الجملة عينها ثلاث مرات.
2 أي أن توكيده، يكون بمجرد التكرار، من غير شرط، ويتبع الثاني الأول في الضبط، ولا محل له من الإعراب. ويجب في الأسماء الموصولة، عند توكيدها توكيدا لفظيا، إعادة لفظها وصلتها معه، ولا يجوز تكرار الموصول -وحده- دون صلته.
3 هذا جزء من حديث شريف؛ وهو: "أيما امرأة نكحت نفسها بغير وليها فنكاحها باطل باطل باطل".
والحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده: 6/ 66-166، وشرح معاني الآثار: 3/ 7، وإرواء الغليل: 6/ 243.
موطن الشاهد: "نكاحها باطل باطل باطل".
وجه الاستشهاد: وقوع "باطل" توكيدا لفظيا مكررا؛ كما هو واضح.
4 القائل: هو الفضل بن عبد الرحمن القرشي، شاعر بني هاشم وعالمهم في وقته، أول من لبس السواد على زيد بن علي بن الحسين، ورثاه بقصيدة طويلة حسنة، تخفى عند بني تميم، من هارون الرشيد الذي طلبه، فدلوا عليه؛ فهجاهم بأببات مشهورة. توفي سنة: 173هـ.
الأعلام: 5/ 150، المرزباني: 310، نسب قريش: 89.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
إلى الشر دعاء وللشر جالب
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 128، والأشموني: 796/ 2/ 409، وسيبويه: 1/ 141، والمقتضب: 3/ 213، والخصائص: 3/ 102، وشرح المفصل: 2/ 25، والعيني: 4/ 113، 308، والخزانة: 1/ 465، ومعجم الشعراء للمرزباني: 310.
المفردات الغريبة: المراء: الجدال والمعارضة بالباطل. دعاء: صيغة مبالغة من دعا فلان فلانا؛ إذا طلب حضوره. جالب: مسبب له؛ من جلبه إذا ساقه وجاء به. =(3/302)
وإن كان ضميرا منفصلا مرفوعا؛ جاز أن يؤكد به كل ضمير متصل1، نحو "قمت أنت"، و"أكرمتك أنت"، و"مررت بك أنت".
__________
= المعنى: أحذرك الجدال والمعارضة، مع الناس، من غير وجه حق، فإن ذلك كثيرا ما يجر إلى الشرور والخصومات، ويسبب للإنسان متاعب ومصاعب.
الإعراب: إياك: مفعول به منصوب على التحذير، بفعل محذوف وجوبا. إياك: توكيد للأول مبني على السكون في محل نصب، والكاف للخطاب. المراء: مفعول ثان؛ لفعل التحذير المحذوف؛ والتقدير: أحذرك المراء؛ وأعربه الجمهور: منصوبا على نزع الخافض؛ والتقدير: باعد نفسك من المراء. فإنه: الفاء تعليلية، إن حرف مشبه بالفعل، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم "إن". "إلى الشر": متعلق بـ"دعاء" الواقع خبرا لـ"إن". دعاء: خبر "إن" مرفوع. وللشر: الواو عاطفة، "للشر": متعلق بـ"جالب" الآتي. جالب: معطوف على "دعاء" مرفوع مثله.
موطن الشاهد: "إياك إياك".
وجه الاستشهاد: توكيد الضمير المنفصل "إياك" بإعادة اللفظ نفسه؛ وهو من التوكيد اللفظي؛ وخالف بعضهم محتجا، بأن الضمير المنصوب، يحتاج إلى عامل ينصبه؛ وهذا لا بد له من فاعل؛ فهو يريد جعله من توكيد الجملة بالجملة؛ وهو غير لازم؛ لأننا نستطيع أن نؤكد الجملة بأكملها: فنقول: جاء زيد، جاء زيد، وقد نؤكد الفعل وحده؛ فنقول: جاء جاء زيد وقد نؤكد الفاعل وحده؛ فنقول: جاء زيد زيد.
وإن كان في الجملة مفعول فقد نؤكده وحده؛ فنقول: ضرب علي خالدا خالدا.
انظر أوضح المسالك 3/ 337.
1 أي: مرفوع، أو منصوب، أو مجرور، ويكون على وجه الاستعارة في توكيده ضمير النصب والجر، وليس له محل إعرابي. ويؤكد به كذلك المنفصل المرفوع، لا المنصوب، فلا يقال: إياك أنت أكرمت. وليس هناك ضمير منفصل مختص بالجر؛ وإلى ما تقدم يشير ابن مالك بقوله:
ومضمر الرفع الذي قد انفصل ... أكد به كل ضمير اتصل
والمعنى: أن الضمير المنفصل المرفوع، يجوز أن يؤكد به كل ضمير متصل؛ ولكن على وجه الاستعارة، في توكيده ضمير النصب والجر، كما سبق.
حاشية الصبان: 2/ 84. والتصريح: 2/ 128.
فائدة: إذا أتبعت المتصل المنصوب بمنفصل منصوب؛ نحو: رايتك إياك، فمذهب البصريين: أنه بدل، ومذهب الكوفيين: أنه توكيد. قال المصنف: وقولهم -عندي- أصح؛ لأن نسبة المنصوب المنفصل من المنصوب المتصل؛ كنسبة المرفوع المنفصل =(3/303)
وإن كان ضميرا متصلا؛ وصل بما وصل به المؤكد؛ نحو: "عجبت منك منك".
وإن كان فعلا أو حرفا جوابيا فواضح؛ كقولك: "قام قام زيد" وقوله1: [الكامل]
404- لا لا أبوح بحب بثنة إنها2
__________
= من المرفوع المتصل؛ في نحو: فعلت أنت، والمرفوع تأكيد بإجماع. حاشية الصبان: 3/ 84.
توجيه: لا يجوز حذف المؤكَّد وقيام المؤكِّد مقامه على الأصل؛ وأجاز الخليل ذلك؛ في نحو: مررت بزيد، وأتاني أخوه أنفسهما؛ على تقدير: هما صاحباي أنفسهما. حاشية الصبان: 3/ 84.
1 القائل هو: جميل بن معمر العذري، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
أخذت علي مواثقا وعهودا
وهو من شواهد التصريح: 2/ 129، والأشموني: 808/ 2/ 411، والخزانة: 2/ 353، والعيني: 4/ 114، والهمع: 2/ 125، والدرر: 2/ 159، وحاشية يس: 2/ 130 وديوان جميل: 79.
المفردات الغريبة: لا أبوح: لا أفشي ولا أظهر، من باح بسره، إذا أفشاه، وتكلم به، وأخبر عنه. بثنة: محبوبته، واسمها بثينة، وقد تصرف في اسمها تمليحا. مواثقا: جمع موثق؛ وهو العهد والميثاق.
المعنى: لا أفشي، ولا أخبر أحدا بالحب الذي بيني وبين بثينة؛ لأنها أخذت علي عهدا مؤكدا ألا أبوح بحبها، ولا أظهره، ويجب أن أفي بعهدي لها.
الإعراب: لا: حرف نفي، لا محل له من الإعراب. لا: توكيد للأول. أبوح: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا. "بحب": متعلق بـ"أبوح"، وهو مضاف. بثنة: مضاف إليه مجرور وعلمة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف. إنها: حرف مشبه بالفعل، و"ها" في محل نصب اسمها. أخذت: فعل ماضٍ، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي. علي: متعلق بـ"أخذ". مواثقا: مفعول به لـ"أخذ" منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وقد صرفه الشاعر ونونه -وهو ممنوع من الصرف- لضرورة الشعر. وعهودا: الواو عاطفة، عهودا: اسم معطوف على قوله: "مواثق" منصوب مثله. =(3/304)
وإن كان غير جوابي؛ وجب أمران: أن يفصل بينهما، وأن يعاد مع التوكيد ما اتصل بالمؤكد إن كان مضمرا، نحو: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} 1، وأن يعاد هو أو ضميره إن كان ظاهرا2؛ نحو: "إن زيدا إن زيدا فاضل" أو "إن زيدا إنه فاضل"؛ وهو الأولى3، وشذ اتصال الحرفين؛ كقوله4: [الخفيف]
__________
= موطن الشاهد: "لا لا".
وجه الاستشهاد: توكيد "لا" توكيدا لفظيا؛ وهي حرف جواب، لا تحتاج إلى الفصل بين المؤكَّد والمؤكِّد، ولا إلى شيء آخر؛ كالحروف غير الجوابية؛ فنستطيع أن نقول: لا لا، نعم نعم، نعم جير. فنعيد حرف الجواب بنفسه، أو بمرادفه، كما قال المضرس بن ربعي.
وقلن على الفردوس أول مشرب ... أجل جير إن كانت أبيحت دعاثره
أوضح المسالك 3/ 339.
1 23 سورة المؤمنون، الآية: 35.
وجه الاستشهاد: وقوع "أنكم" الثانية مؤكدة لـ"أنكم" الأولى الواقعة مفعولا ثانيا لـ"يعد"؛ وفصل بينهما بالظرف وما بعده -إذا متم وكنتم ترابا وعظاما- وأعيد مع الثانية ما اتصل بالأولى؛ وهو الكاف والميم؛ لأنه مضمر؛ وحكم الفصل، وإعادة ما اتصل بالمؤكد الوجوب. التصريح: 2/ 129.
2 أي: يعاد لفظ المتصل بالحرف، أو ضميره؛ إن كان ما اتصل به الحرف اسما ظاهرا.
3 أي: إعادة الضمير أولى وأفصح، من إعادة اللفظ؛ لأنه الأصل، ويلزم من إعادة اللفظ التكرار، وإيهام أن الثاني غير الأول، وبه جاء التنزيل، قال تعالى: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} . أما إعادة الظاهر، فمن وضعه موضع المضمر. وفي توكيد الحرف، يقول ابن مالك:
كذا الحروف غير ما تحصلا
به جواب كنعم وكـ"بلى"
فالمعنى: أن توكيد الضمير المتصل، لا يكون إلا بإعادته، وإعادة ما اتصل به -كما سبق- وكذلك الحروف غير الجوابية، لا يعاد لفظها إلا مع الاسم الظاهر المتصل بها، أو ضميره. أما حروف الجواب كـ"نعم" و"بلى"؛ فتعاد وحدها.
حاشية الصبان: 3/ 82، والتصريح: 2/ 128، 129.
4 لم يُنسب البيت إلى قائل معين.(3/305)
405- إن إن الكريم يحلم ما لم1
__________
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
يرين من أجاره قد ضيما
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 130، والأشموني: 802/ 2/ 410، والعيني: 4/ 107 والهمع: 2/ 125، والدرر: 2/ 161 وفيه برواية: أضيما.
المفردات الغريبة: يحلم: من الحلم، وهو الأناة والتعقل. أجاره: جعله في جواره وحمايته. ضيم: مبني للمجهول، أي ظلم وبخس حقه.
المعنى: أن الرجل الكريم الخلق الأبي الطيب النفس؛ يتحلى بالحلم، والصبر، والتعقل في أحواله، وتصرفاته؛ ما لم ير أن من أجاره، وجعله في حماه، قد ظُلم واعتُدي عليه؛ فعند ذلك، يذهب عنه حلمه ويبطش بهذا الظالم، المعتدي على ما التجأ إليه.
الإعراب: إن: حرف مشبه بالفعل. إن: توكيد لـ"إن" الأولى. الكريم: اسم "إن" منصوب. يحلم: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، وجملة "يحلم": في محل رفع خبر "إن". ما لم: ما مصدرية ظرفية، لا محل لها من الإعراب، لم: حرف نفي وجزم وقلب. يرين: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، في محل جزم بـ"لم"، والنون: لا محل لها من الإعراب؛ والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": في محل جر بالإضافة، بإضافة اسم زمان مقدر منصوب بـ"يحلم"؛ والتقدير: يحلم مدة عدم رؤيته. من: اسم موصول، مبني على السكون، في محل نصب مفعولا به، لـ"يرى". أجاره: فعل ماضٍ والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم، في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "أجاره": صلة للموصول، لا محل لها. قد: حرف تحقيق. ضيما: فعل ماضٍ، مبني للمجهول، ونائب الفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو؛ والألف للإطلاق؛ وجملة "ضيما": في محل نصب حال، وأما إن عدت "يرى" قلبية علمية؛ كان الاسم الموصول مفعولا أول لها، وجملة "قد ضيما": في محل نصب مفعولا ثانيا.
موطن الشاهد: "إن إن".
وجه الاستشهاد: توكيد الحرف "إن" بإعادته من غير فاصل بينهما مع أنه ليس من حروف الجواب، وهذا التوكيد شاذ، ولا يقاس عليه.(3/306)
وأسهل منه قوله1: [الرجز]
406- حتى تراها وكأن وكأن2
لأن المؤكد حرفان؛ فلم يتصل لفظ بمثله، وأشد منه قوله3: [الوافر]
407- ولا للما بهم أبدا دواء4
__________
1 القائل: قيل هو الأغلب العجلي، وقيل هو: خطام المجاشعي.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز المشطور، في وصف إبل، وبعده قوله:
أعناقها مشددات بقرن
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 130، والأشموني: 803/ 2/ 410، والعيني: 4/ 100، والهمع: 2/ 125، والدرر: 2/ 160.
المفردات الغريب: أعناقها: جمع عنق -وهو الرقبة. قرن: حبل تربط به الإبل، ويقرن بعضها إلى بعض.
المعنى: يصف إبلا في سرعة سيرها وانتظامه فيقول: إن أصحاب هذه الإبل، يستحثونها على السير، بنظام واعتدال، حتى إن من يراها يظن أن أعناقها مربوط بعضها إلى بعض بحبال؛ لانتظامها على السير.
الإعراب: حتى: حرف غاية وجر. تراها: فعل مضارع -يقصد به هنا حكاية الحال- مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت و"ها" في حل نصب مفعولا به. وكأن: الواو واو الحال، كأن: حرف مشبه بالفعل. كأن: توكيد للأولى، وخففت لضرورة الشعر. أعناقها: اسم "كأن"، و"ها" في محل جر مضاف إليه. مشددات: خبر كأن مرفوع. "بقرن": متعلق بقوله: "مشددات"، وسكن "قرن"؛ لضرورة الشعر.
موطن الشاهد: "وكأن وكأن".
وجه الاستشهاد: تأكيد "كأن" بمثلها، مع عدم الفاصل، بمعمول الأولى، مع أنها ليست من أحرف الجواب؛ غير أن هذا الشذوذ أخف من سابقه؛ لأنه فصل بين اللفظين بواو العطف.
3 القائل: هو مسلم بن معبد الوالبي الأسدي، شاعر اشتهر في العصر الأموي؛ أورد له صاحب الخزانة قصيدة همزية في خبر إبل له.
خزانة الأدب: 1/ 364، الأعلام: 7/ 223.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
فلا والله لا يلفى لما بي
=(3/307)
لكون الحرف على حرف واحد.
وأسهل منه قوله1: [الطويل]
__________
= وهو من شواهد: التصريح: 2/ 230، والأشموني: 806/ 2/ 410، ومعاني الفراء: 1/ 68، والمحتسب: 2/ 256، والخصائص: 2/ 282، والإنصاف: 1/ 571، وشرح المفصل: 7/ 18، 8/ 43، 9/ 15، والمقرب: 51، والخزانة: 1/ 364، 2/ 35، 4/ 273، والعيني: 4/ 102، والهمع: 2/ 78، 125، 158، والدرر: 2/ 95، 161، 221، والمغني: 328/ 240، 334/ 242، 655/ 462، والسيوطي: 172، 262.
المفردات الغريبة: لا يلفى: لا يوجد، من ألفى، إذا وجد. لما بي؛ أي: للذي بي.
المعنى: يقسم أنه لا يوجد للذي به من الموجدة والألم، ولا للذي عند خصومه من الحقد والضغينة علاج، وليس هنالك أمل، في المودة، والمصالحة، وإزالة الأحقاد، والضغائن، بعد أن تفاقم الخطب وعظم الخلاف.
الإعراب: فلا: الفاء عاطفة، لا: نافية. والله: الواو حرف قسم وجر، و"اسم الجلالة": مقسم به مجرور؛ و"والله": متعلق بفعل قسم محذوف. لا: نافية. يلفى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر. "لما بي": متعلق بـ"يلفى". "بي": متعلق بمحذوف صلة الموصول. ولا: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي. للما: اللام الأولى حرف جر، واللام الثانية توكيد للأولى؛ و"ما" اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون في محل جر باللام الأولى؛ و"للما": معطوف بالواو على "لما بي". "بهم": متعلق بمحذوف صلة. "أبدا": متعلق بـ"يلفى". دواء: نائب فاعل مرفوع.
موطن الشاهد: "للما". وجه الاستشهاد: مجيء اللام الثانية توكيدا للأولى الجارة من دون أن يفصل بينهما فاصل؛ ومعلوم أن اللام، ليست من أحرف الجواب؛ وحكم هذا التأكيد: أنه بالغ الشذوذ؛ لأن الحرف المؤكد موضوع على حرف هجائي واحد، لا يكاد يقوم بنفسه؛ والصواب أن يقول: لما لما بهم.
1 القائل: هو: الأسود بن يعفر التميمي: أبو نهشل، شاعر جاهلي، من سادات تميم ومن أهل العراق، كان فصيحا جوادا، نادم النعمان بن المنذر، ولما أسن كف بصره. ويقال له: "أعشى بني نهشل". مات سنة 22ق. هـ.
الشعر والشعراء: 1/ 255، تجريد الأغاني: 1446، الجمحي: 147، الأعلام: 1/ 330. السمط: 248.(3/308)
408- فأصبح لا يسألنه عن بما به1
لأن المؤكد على حرفين؛ ولاختلاف اللفظين.
__________
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
أصعد في علو الهوى أم تصوبا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 130، والأشموني: 708/ 2/ 411، والمغني: 656/ 462.
المفردات الغريبة: أصعد: أرتفع وأرتقى. تصوبا: نزل وتسفل.
المعنى: أن هؤلاء الغواني أصبحن -بعد أن وخط المحب الشيب، وهذا الكبر ونالت منه الشيخوخة- لا يكترثن به ولا يملن إليه، ولا يسألن عما به من ضعف أو غيره؛ وهل لا يزال يحلق في الهوى والحب؟ أم نزل وهبط ونسي كل شيء؟.
الإعراب: فأصبح: الفاء عاطفة، أصبح: فعل ماضٍ ناقص، واسمه ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو. لا: نافية. يسألنه: فعل مضارع مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة، والنون في محل رفع فاعل، والهاء: في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "لا يسألنه": في محل نصب خبر "أصبح". عن: حرف جر. بما: الباء حرف جر بمعنى "عن" توكيد لفظي لـ"عن"، و"ما" اسم موصول مبني على السكون في محل جر بـ"عن"، و"بما": متعلق بـ"يسأل". "به": متعلق بمحذوف صلة الموصول.
موطن الشاهد: "عن بما".
وجه الاستشهاد: تأكيد "عن" الجارة بلفظ مرادف؛ هو الباء التي بمعنى "عن"؛ وهذا شاذ لعدم الفاصل، غير أنه أهون من سابقه؛ لأن الحرف المؤكد "عن" موضوع على حرفين؛ ولأن اللفظين مختلفان، وإن اتفقا في المعنى.
فوائد وتوجيهات: أ- يمتنع حذف المؤكد لفظيا؛ لأن حذفه منافٍ لتكراره.
ب- من الأساليب الصحيحة: جاء القوم بأجمعهم، وتعرب "أجمع" توكيدا مجرور اللفظ، بالباء الزائدة، في محل رفع، أو نصب، أو جر؛ على حسب حالة المؤكد "المتبوع"؛ وبعضهم يعربها: بدلا -وإن كانت تؤدي معنى التوكيد-؛ ولا بد من إضافتها إلى ضمير مطابق للمتبوع.
ج- لا يفصل بين المؤكَّد والمؤكِّد، "بإما" على الأصح؛ وأجاز الفراء: مررت بالقوم، إما أجمعين، وإما بعضهم.
د- لا يلي العامل شيء من ألفاظ التوكيد -وهو على حاله في التوكيد- إلا "جميعا"، و"عامة" مطلقا؛ فتقول: القوم، قام جميعهم، وعامتهم؛ ورأيت جميعهم، وعامتهم؛ ومررت بجميعهم، وعامتهم.
حاشية الصبان: 3/ 84.(3/309)
هذا باب العطف
[باب عطف البيان1]
[عطف البيان وتعريفه] :
وهو ضربان: عطف نسق، وسيأتي، وعطف بيان2؛ وهو "التابع3 المشبه للصفة في توضيح متبوعه4؛ إن كان معرفة؛ وتخصيصه إن كان نكرة".
والأول5: متفق عليه، كقوله: [مشطور الرجز]
409- أقسم بالله أبو حفص عمر6
والثاني7: أثبته الكوفيون وجماعة وجوزوا أن يكون منه: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ
__________
1 العطف -في الأصل- مصدر قولك: "عطفت" الشيء؛ إذا ثنيته، فجعلت أحد طرفيه على طرفه الآخر، وعطف الفارس على قرنه إذا التفت إليه.
وأطلق على التابع المذكور؛ لأن المتكلم رجع إلى الأول فأوضحه بالثاني، أو أشركه معه في الحكم.
2 إنما سمي بذلك؛ لأن اللفظ الثاني تكرار للفظ الأول، ويشبه أن يكون مرادفا؛ للأول؛ لأن الذات المدلول عليها باللفظين واحدة، وإنما يؤتى بالثاني لزيادة البيان.
3 يشترط فيه أن يكون جامدا، بخلاف النعت؛ فإنه لا يكون إلا مشتقا، أو مؤولا به.
4 النعت يوضح متبوعه ببيان صفة من صفاته، ومعنى فيه، أو في سببيه.
أما عطف البيان؛ فيوضح متبوعه ويزيل عنه شائبة الإبهام بنفسه.
ضياء السالك: 3/ 137.
5 وهو توضيح ذات متبوعه المعرفة، وإزالة ما قد يصيبها من الشيوع بسبب تعدد مدلولها.
6 هذا الرجز لأعرابي؛ اسمه عبد الله بن كيسبة، وبعد الشاهد قوله:
ما مسها من نقب ولا دبر ... فاغفر له اللهم إن كان فجر
وقد مر تخريج هذا البيت والتعليق عليه في باب العلم.
موطن الشاهد: "أبو حفص عمر".
وجه الاستشهاد: وقوع "عمر" عطف بيان -وهو معرفة- على "أبو حفص"، وهو علم معرفة؛ وقصد به الإيضاح؛ وفي البيت شاهد آخر على تقدم الكنية على الاسم.
7 وهو تخصيص النكرة، فقد نفاه البصريون، وأثبته الكوفيون، وبعض البصريين =(3/310)
مَسَاكِينَ} 1، فيمن نون كفارة، ونحو: {مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} 2، والباقون: يوجبون في ذلك البدلية3، ويخصون عطف البيان بالمعارف4.
[ما يوافق فيه متبوعه] :
ويوافق متبوعه في أربعة من عشرة أوجه الإعراب الثلاثة، والإفراد، والتذكير، والتنكير5، وفروعهن، وقول الزمخشري6: إن {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} 7
__________
= المتقدمين كالفارسي، وابن جني، وبعض المتأخرين كالزمخشري وابن عصفور، والناظم وابنه.
التصريح: 2/ 131، والأشموني: 2/ 413.
1 5 سورة المائدة، الآية: 95.
موطن الشاهد: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} .
وجه الاستشهاد: عطف "طعام" عطف بيان على "كفارة"؛ وكلاهما نكرة؛ على رأي الكوفيين ومن معهم من البصريين؛ كأبي علي الفارسي وابن جني، ومن المتأخرين كالزمخشري، وابن مالك وابنه؛ خلاف لبقية البصريين؛ الذي يعدون ذلك بدل كل من كل.
2 14 سورة إبراهيم، الآية: 16.
موطن الشاهد: {مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "صديد" عطف بيان على "ماء" كما في الآية السابقة، والبصريون يعدون ذلك بدل كل من كل، كما أسلفنا.
3 أي: بدل كل من كل، وقال ابن عصفور: إن هذا مذهب أكثر النحويين، ونسبه الشلوبين إلى البصريين.
4 حجتهم: أن عطف البيان -كاسمه- يقصد به البيان والإيضاح، والنكرة مجهولة؛ والمجهول لا يعين المجهول. ويقول المجيزون: إن بعض النكرات، قد يكون أخص من بعض. فلا مانع من أن يبين الأخص غيره، والتخصيص نوع من البيان والإيضاح. التصريح: 2/ 131.
5 هذا هو الغالب، ويصح تخالفهما تعريفا وتنكيرا؛ بشرط أن يكون التابع هو المعرفة؛ ليتحقق الغرض من عطف البيان. وقد يقع عطف البيان بعد "أي" المفسرة؛ نحو: هذا الخاتم لجين؛ أي فضة، ويجوز أن يعرب في هذه الصورة بدلا.
6 مرت ترجمته.
7 3 سورة آل عمران، الآية: 97. =(3/311)
عطف على {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} مخالف لإجماعهم1؛ وقوله وقول الجرجاني2: يشترط كونه أوضح من متبوعه مخالف لقول سيبويه في "يا هذا ذا الجمة": إن "ذا الجمة" عطف بيان مع أن الإشارة أوضح من المضاف إلى ذي الأداة3.
[جواز إعراب عطف البيان بدل كل وشروطه] :
ويصح في عطف البيان أن يعرب بدل كل4، إلا إن امتنع الاستغناء عنه5؛
__________
= موطن الشاهد: {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} .
وجه الاستشهاد: ذهب الزمخشري إلى أن "مقام إبراهيم": عطف بيان على "آيات بينات" مع أنه مخالف لآيات في التنكير والتأنيث والجمع؛ والمراد بالآيات: أثر القدم في الصخرة. وقد رد الجمهور على الزمخشري بالآتي: الحاشية رقم "1".
1 إن المانع من أن يكون قوله تعالى: {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} . بيانا لقوله: {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} ؛ وهو ما خالف به الزمخشري إجماع النحاة، يظهر في المخالفة بين البيان والمبين من ثلاثة أوجه؛ فقوله تعالى: {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} . معرفة بالإضافة إلى العلم، ومذكر، ومفرد. وقوله: {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} : نكرة؛ ومؤنث، وجمع.
ومن جهة أخرى، لا يجوز أن يكون {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} بدل كل من كل؛ لأن شرط هذا البدل: أنه إذا كان المبدل منه دالا على متعدد أن يكون البدل وافيا بالعدة. وقوله: {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} : جمع؛ وأقل ما يدل عليه الجمع ثلاثة، ولم يذكر في الآية إلا واحد فلم يتحقق شرط البدل.
وقيل: يجوز أن يكون بدل بعض من كل؛ كما صرح به البيضاوي، ولا يلزم في بدل البعض من كل شيء مما ذكر؛ وقيل: بدل كل من كل؛ وبه يتأول: {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} بأنه مفرد في اللفظ؛ ولكن له جهات متعددة، تجعله في حكم الجمع؛ فإن الآيات المتعددة فيه: أثر القدم في الصخرة الصماء. وغوصه فيها إلى الكعبين؛ وكونها قد خصت بذلك من بين الصخور، وبقاؤه دون آثار الأنبياء، وحفظه.
أي: أن قوله تعالى: {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} ، يجوز أن يكون بدلا على تأويل البيضاوي، فيتعين أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أو مبتدأ خبره محذوف؛ والتقدير: بعضها.
مقام إبراهيم؛ أو منها مقام إبراهيم.
التصريح، وحاشية يس على التصريح: 2/ 131-132.
2 مرت ترجمته.
3 لم يعرب سيبويه "ذا الجمة": نعتا؛ لأن نعت اسم الإشارة، لا يكون إلا محلى بأل.
4 وذلك، إذا قصد به ما يقصد بالبدل، وحينئذ، يتعين كونه بدلا.
5 أي: فيمتنع أن يكون بدلا؛ ومن ذلك -غير ما سيذكره الناظم- أن تفتقر جملة الخبر.(3/312)
نحو: "هند قام زيد أخوها"، أو إحلاله محل الأول؛ نحو: "يا زيد الحارث" وقوله1: [الطويل]
410- أيا أخوينا عبد شمس ونوفلا2
__________
= إلى رابط؛ وهو في التابع، كمثال المؤلف؛ فـ"أخوها": يتعين كونه عطف بيان؛ لأنه لو أعرب بدلا؛ لخلت جملة الخبر من الرابط؛ لأن البدل على نية تكرار العامل على الصحيح؛ فهو من جملة أخرى، وكذلك جملة الصلة، والصفة؛ نحو: حضر الذي -أو رجل- ضرب محمد أخوه؛ وجملة الحال؛ نحو: هذا محمد قام رجل أخوه. وانظر التصريح: 2/ 132. وحاشية الصبان: 3/ 85-86.
1 القائل: هو: طالب بن أبي طالب بن عبد المطلب، أخو أمير المؤمنين علي، وابن عم النبي عليه الصلاة والسلام.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من كلمة يمدح فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ويبكي أصحاب القليب من قريش، وعجزه:
أعيذكما بالله أن تحدثا حربا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 132، والأشموني: 811/ 2/ 414، والعيني: 4/ 119، والهمع: 2/ 121، والدرر: 2/ 153، والسيرة النبوية "بولاق": 2/ 62.
المفردات الغريبة: عبد شمس: فصيلة من قريش؛ منهم بنو أمية. نوفل: فصيلة أخرى من قريش أيضا أعيذكما بالله. يريد: ألجأ إلى الله من أجلكما، أو أحصنكما بالله وأجعلكما في رعايته، مخافة أن تشعلا نار الحرب بينكما.
المعنى: واضح.
الإعراب: أيا: حرف نداء، لا محل له من الإعراب. أخوينا: منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى، و"نا" في محل جر بالإضافة. عبد: عطف بيان على "أخوينا" منصوب مثله، وهو مضاف. شمس: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. ونوفلا: الواو عاطفة، نوفلا: اسم معطوف على عبد شمس، والمعطوف على المنصوب منصوب مثله، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. أعيذكما: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا، و"كما": ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعولا به. "بالله": متعلق بـ"أعيذ". أن: حرف مصدري ونصب، لا محل له من الإعراب. تحدثا: فعل مضارع منصوب بـ"أن" وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والألف: ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل؛ والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": في =(3/313)
وقوله1: [الوافر]
411- أنا ابن التارك البكري بشر2
__________
= محل جر بحرف جر محذوف؛ والتقدير: أعيذكما بالله من إحداثكما حربا؛ و"من إحداثكما": متعلق بـ"أعيذ"؛ وجملة "تحدثا حربا"؛ صلة للموصول الحرفي، لا محل لها.
موطن الشاهد: "عبد شمس ونوفلا".
وجه الاستشهاد: تعين كون "عبد شمس" عطف بيان على "أخوينا" و"نوفلا" معطوفا عطف نسف بالواو عليه؛ ولا يجوز أن يكون "عبد شمس" بدلا؛ لعدم صحة حلوله محل "أخوينا"؛ لأن ذلك يستلزم ضم "نوفل" المعطوف عليه؛ لأنه مفرد علم، يستحق البناء على الضم؛ كما لو أنه منادى مستقل؛ لأن أخوينا منادى و"عبد شمس" تابع للمنادى، ونوفل تابع لتابع المنادى؛ وحكم تابع المنادى، إذا كان عطف بيان أن يتبع بالنصب، إما على محل المنادى؛ أو لفظه، وإذا كان بدلا أن يعامل معاملة المنادى المستقل؛ بسبب كون البدل على نية تكرار العامل؛ فكأنه مسبوق بحرف نداء؛ ولهذا، كان يجب أن يضم "نوفل" والرواية بالنصب. ولهذا، لما لم يجز أن يجعل "نوفلا" بدلا؛ التزم في "عبد شمس" إلا يكون بدلا أيضا. الدرر اللوامع: 2/ 153.
1 القائل: هو المرار بن سعيد بن نضلة بن الأشتر الفقعسي، ويكنى أبا حسان، شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية؛ له شعر كثير منه ما كان يهاجي به مساور بن هند؛ وهو صاحب أكرم بيت قالته العرب، وكان قصير القامة مفرطا في القصر ضئيلا.
الشعر والشعراء: 2/ 699، والأغاني: 9/ 151، والخزانة: 2/ 193، والأعلام: 7/ 199.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
عليه الطير ترقبه وقوعا
البيت من كلمة يفتخر فيها الشاعر بأن جده خالد بن نضلة، قتل بشر بن عمرو بن مرثد زوج الخرنق، أخت طرفة بن العبد البكري الشاعر المشهور؛ وذلك في يوم القلاب.
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 133، وابن عقيل: 293/ 3/ 22، والأشموني: 811/ 2/ 414، والشذور: 230/ 566، والقطر: 139/ 400، وسيبويه: 1/ 93، وشرح المفصل: 3/ 72، والمقرب: 53، والخزانة: 2/ 193، و364، 383، والعيني: 4/ 121، والهمع: 122، والدرر: 2/ 153.
المفردات الغريبة: تارك: اسم فاعل من ترك. البكري: المنسوب إلى بكر بن وائل؛ =(3/314)
وتجوز البدلية في هذا عند الفراء؛ لإجازته "الضارب زيد"، وليس بمرضي1.
__________
= وهي قبيلة مشهورة، منها جساس بن مرة قاتل كليب بن وائل. ترقبه: تنتظره، ويروى بدله: "تركبه".
المعنى: يصف الشاعر نفسه بالشجاعة، وأنه ابن الذي ترك البكري بشرا مجندلا في العراء مثخنا بالجراح، في حالة يرثى لها، تنتظر الطير خروج روحه لتهبط عليه وتنهش من جسده؛ فهو شجاع من نسل شجعان.
الإعراب: أنا: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. ابن: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف. التارك: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، وهو مضاف. البكري: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة؛ وهو من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله. بشر: عطف بيان على البكري مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. "عليه": متعلق بمحذوف خبر مقدم. الطير: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة "عليه الطير": في محل نصب مفعولا ثانيا لـ"التارك". ترقبه: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "ترقبه": في محل نصب على الحال. وقوعا: حال منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره؛ ويجوز أن يكون مفعولا لأجله؛ حذف متعلقه؛ والتقدير: ترقبه لأجل وقوعها عليه.
موطن الشاهد: "البكري بشر".
وجه الاستشهاد: تعين كون "بشر" عطف بيان؛ لأنه لو أعرب بدلا؛ والبدل على نية تكرار العامل؛ لكان التقدير: أنا ابن التارك البكري، التارك بشر؛ وعلى هذا، فيضاف الوصف المقترن بـ"أل" إلى اسم مجرد منها، ومن الإضافة إلى المقترن بها، أو إلى ضميره؛ وذلك غير جائز، كما رأينا في باب الإضافة.
فائدة: جوز الفراء إضافة الوصف المقترن بـ"أل" إلى الاسم العلم -وعلى مذهبه- يجوز أن يكون "بشر" في البيت الشاهد بدلا؛ ولكنه رأي ضعيف خلاف الأولى.
1 على الرغم من المشابهة الكبيرة بين عطف البيان، وبدل الكل من الكل في المعنى والإعراب، فإن عطف البيان؛ يقصد به إيضاح الذات نفسها، أو تخصيصها لا أمرا عرضيا طارئا عليها؛ فهو بمنزلة التفسير للمتبوع؛ أما البدل؛ فيدل على ذات المتبوع بلفظ آخر يساويه في المعنى؛ بحيث يقع اللفظان على ذات واحدة وفرد معين واحد في حقيقته، ولا شأن له بالإيضاح والتخصيص. ويذكر النحاة فروقا آخر بينهما من جهة الصناعة؛ منها: أن عطف البيان، لا يكون ضميرا، ولا تابعا لضمير؛ ولهذا، =(3/315)
..............................................
__________
= امتنع إعراب "مخصوص حبذا" عطف بيان، ولا مخالفا لمتبوعه في التعريف والتنكير على الصحيح. ولا يقع جملة، ولا تابعا لجملة، ولا فعلا، ولا تابعا لفعل. وأنه لا يلحظ فيه إحلاله محل الأول؛ بخلاف البدل في ذلك كله، وفي بعض تلك الأمور خلاف بين العلماء؛ ولهذا يرى الإمام الرضي وفريق من النحاة: أنه لا فرق بين عطف البيان والبدل؛ فإن المشابهة بينهما تامة.
وما ذكر من الفروق مبني على دعوى أن البدل على نية تكرار العامل؛ وهي دعوى، لا تثبت عند التمحيص، على أنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل، أي يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع.
الأشموني: 2/ 414، والتصريح، وحاشية يس: 2/ 133-134.(3/316)
[باب عطف النسق]
هذا باب عطف النسق1:
[تعريف عطف النسق] :
وهو "تابع يتوسط بينه وبين متبوعه أحد الأحرف الآتي ذكرها"2.
[نوعا أحرف العطف] :
وهي نوعان: ما يقتضي التشريك في اللفظ والمعنى3؛ إما مطلقا؛ وهو الواو
__________
1 النسق، بالفتح: اسم مصدر، يقال: كلام نسق إذا جاء على نظام واحد.
أما النسق: بفتح النون وسكون السين؛ فهو مصدر قولك: "نسقت الكلام" إذا عطفت بعضه على بعض، ولم يقل أحد من النحاة إلا بفتح النون والسين وكأنهم أخذوه من قولهم: "كلام نسق"؛ أي: على نظام واحد، والنظام الواحد؛ هو علامات الإعراب التي يشترك فيها المعطوف والمعطوف عليه؛ ولهذا، المعنى سماه سيبويه: "باب الشركة".
التصريح، وحاشية يس: 2/ 134.
2 أخرج المصنف بقوله: "يتوسط" التوابع كلها ما عدا عطف النسق؛ بالقيد بالحروف المخصوصة ما بعد "أي" التفسيرية؛ فإنه عطف بيان، وهذا مذهب البصريين، وليس في العربية -عندهم- عطف بيان يتوسط بينه وبين متبوعه حرف إلا نحو "لقيت الغضنفر أي الأسد"؛ وقد ذهب الكوفيون: إلى أن "أي" حرف عطف كسائر الحروف؛ فمدخولها -عندهم- عطف نسق.
التصريح: 2/ 134.
3 أما في اللفظ فبوجوه الإعراب. وأما في المعنى؛ فباحتمال كل من المتعاطفين للمعنى المراد.(3/317)
والفاء و"ثم" و"حتى"1؛ وإما مقيدا؛ وهو "أو" و"أم"2؛ فشرطهما: أن لا يقتضيا إضرابا3، وما يقتضي التشريك في اللفظ دون المعنى؛ إما لكونه يثبت لما بعده ما انتفى عما قبله؛ وهو "بل" عند الجميع، و"لكن" عند سيبويه وموافقيه4؛ وإما لكونه بالعكس؛ وهو "لا" عند الجميع، و"ليس" عند البغداديين؛ كقوله5: [الرمل]
412- إنما يجزي الفتى ليس الجمل6
__________
1 خالف في "حتى" الكوفيون؛ فعندهم لا تكون حرف عطف؛ بل هي حرف ابتداء دائما، ويقدرون عاملا لما بعدها، تتم به الجملة؛ ففي مثل: قدم الحجاج حتى المشاة، يقدرون: حتى قدم المشاة.
التصريح: 2/ 134، ورصف المباني: 180، والجنى الداني: 542.
2 ذهب أبو عبيدة إلى أن "أم" حرف استفهام؛ كالهمزة، فإذا قلت: أقادم أبوك أم أخوك"؛ فأخوك -عنده- ليس معطوفا على السابق؛ بل هو مبتدأ، وخبره محذوف. وتقدير الكلام -عنده- أقادم أبوك أم أخوك قادم، وتقدر في النصب والجر عاملا مناسبا.
مغني اللبيب: 66، والجنى الداني: 204، ورصف المباني: 93.
3 فإن اقتضيا إضرابا؛ كانا مشركين في اللفظ فقط؛ مثل: "بل".
4 ذهب يونس بن حبيب؛ إلى أن "لكن": حرف استدراك، ولا تكون حرف عطف؛ وتأتي الواو قبلها عند إرادة العطف؛ فتكون هذه الواو عاطفة لمفرد على مفرد. وإلى هذا، ذهب ابن مالك؛ في التسهيل. واختلف القائلون بأنها حرف عطف؛ فذهب الفارسي وأكثر النحويين: إلى جواز ذلك بشرط؛ ألا تقدمها الواو. وما ذهب إليه ابن عصفور من أنها عاطفة لا تستعمل إلى بالواو الزائدة قبلها لزوما؛ وزعم أن كلام سيبويه والأخفش محمول عليه؛ وذهب ابن كيسان إلى أنها عاطفة تقدمتها الواو أم لم تتقدمها.
مغني اللبيب: 386، والتصريح: 2/ 135، الجنى الداني: 586، رصف المباني: 474.
5 القائل: هو لبيد بن ربيعة العامري، وقد مرت ترجمته.
6 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
وإذا أقرضت قرضا فاجزه
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 191، 2/ 135، وسيبويه: 1/ 370، والمقتضب: =(3/318)
[أحكام الواو] :
فصل: أما الواو فلمطلق الجمع1؛ فتعطف متأخرا في الحكم؛ نحو: {وَلَقَدْ
__________
= 4/ 410، ودلائل الإعجاز: 299، والخزانة: 4/ 68، 477، والعيني: 4/ 176، ومجالس ثعلب: 515، وديوان لبيد: 179.
المفردات الغريبة: أقرضت قرضا: أعطيت شيئا من المال على سبيل القرض لتؤديه بعد، والمراد: إذا قدمت إليك معونة ما، أو صنع معك معروف؛ فاجزه: كافئ صاحبه. الفتى: الإنسان. الجمل: الحيوان المعروف، وقد يراد بالفتى الشاب الذي في طراوة الشباب، وبالجمل: الرجل الذي تقدمت به السن. المعنى إذا أسدى إليك أحد يدا، أو صنع معك معروفا، فكافئه بمثله، أو بخير منه، فإن هذا شأن الشاب القادر الخير؛ أما من كان كالجمل في اللؤم والخداع، أو من ضعف وقعدت به السن، فلا يجازي على المعروف إلا مضطرا.
الإعراب: إذا ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية. أقرضت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الفتح، في محل رفع نائب فاعل. قرضا: مفعولا مطلق منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة؛ وجملة "أقرضت قرضا": في محل جر بالإضافة بعد إذا. فاجزه: الفاء واقعة في جواب الشرط غير الجازم، اجز: فعل أمر مبني على حذف الياء، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت؛ والهاء: ضمير متصل مبني على الكسر، في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "اجزه": جواب شرط غير جازم، لا محل لها. إنما: أداة حصر، لا محل لها. يجزي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل. الفتى: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر. ليس: حرف عطف بمعنى "لا" على مذهب البغداديين. الجمل: اسم معطوف على الفتى مرفوع مثله، وعلامة رفعه الضمة، وسكن لضرورة الروي.
موطن الشاهد: "ليس الجمل".
وجه الاستشهاد: استعمال "ليس" حرف عطف بمعنى "لا"؛ لتنفي صنع الخبر الذي ثبت لما قبلها؛ وهذا على رأي البغداديين، تبعا لابن عصفور؛ ونقله أبو جعفر النحاس، وابن بابشاذ عن الكوفيين، وجرى عليه الناظم في التسهيل. ويخرج المانعون الشاهد كما يلي: ليس: فعل ماضٍ ناقص، والجمل: اسمها، وخبرها: محذوف؛ والتقدير: ليس الجمل جازيا. انظر شرح التصريح: 2/ 135.
1 أي: الاجتماع والاشتراك بين المتعاطفين في المعنى والحكم، من غير دلالة على مصاحبة، أو ترتيب زمني، أو مهلة، أو نحو ذلك.
وقد خالف في ذلك بعض الكوفيين وقطرب وثعلب والربعي والفراء والكسائي وابن =(3/319)
أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} 1، ومتقدما؛ نحو: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} 2، ومصاحبا؛ نحو: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} 3.
[ما تنفرد به الواو]
وتنفرد الواو4 بأنها تعطف اسما على اسم لا يكتفي الكلام به كـ"اختصم
__________
= درستويه؛ فذهبوا جميا إلى أنها تفيد الترتيب؛ والتعبير بمطلق الجمع مساوٍ للتعبير بالجمع المطلق من حيث المعنى.
التصريح: 2/ 135.
1 57 سورة الحديد، الآية: 26.
موطن الشاهد: {نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الواو حرف عطف لمطلق الجمع، عطف المتأخر في الحكم "إبراهيم" على "نوحا" المتقدم.
2 42 سورة الشورى، الآية: 3.
موطن الشاهد: {إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الواو حرف عطف لمطلق الجمع، عطف متقدم في الحكم على متأخر؛ لأن "الذين" معطوف على "الكاف" في إليك مع إعادة الجار.
3 29 سورة العنكبوت، الآية: 15.
موطن الشاهد: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الواو حرف عطف لمطلق الجمع، عطف أصحاب السفينة على الهاء عطف مصاحب، والسفينة: مضاف إليه.
4 أي: من بين سائر حروف العطف؛ ومن المواضع التي انفردت بها الواو:
أ- عطف سببي على أجنبي -في باب الاشتغال-؛ نحو قولك: زيد ضربت عمرا وأخاه.
ب- عطف المرادف على مرادفه؛ نحو قوله تعالى: {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} .
ج- عطف عامل قد حذف وبقي معموله، نحو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} .
د- جواز الفصل بين المتعاطفين بها بالظرف أو "الجار والمجرور"؛ نحو قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} .
هـ- جواز العطف بها على الجواز في الجر خاصة؛ نحو قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} في قراءة جر "الأرجل". =(3/320)
.................................................................
__________
= و جواز حذفه عند أمن اللبس؛ نحو قول الشاعر:
كيف أصبحت كيف أمسيت مما ... يغرس الود في فؤاد الكريم
ز- وقوع "لا" بينها وبين المعطوف بها؛ وذلك إذا عطفت مفردا على مفرد، بعد النهي والنفي، أو ما هو في تأويل النفي؛ فالأول؛ كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ} ، والثاني: كقوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} ، والثالث: كقوله جل جلاله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} .
ح- وقوع "إما" بينها وبين معطوفها، إذا عطفت مفردا على مفرد، ويغلب أن تكون مسبوقة بـ"إما" أخرى -نحو قوله- تباركت أسماؤه: {إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ} ؛ ونحو قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} .
ط- عطف "لفظ العقد" على "النيف"؛ نحو قولك: أعطيته ثلاثة وعشرين قلما.
ي- عطف النعوت المتفرقة، نحو قول الشاعر:
بكيت وما بكا رجل حزين ... على ربعين مسلوب وبال
ك- عطف ما كان حقه أن يثنى أو يجمع؛ فالأول، كقول الفرزدق:
إن الرزية لا رزية بعدها ... فقدان مثل محمد ومحمد
فمن حقه أن يقول: فقدان مثل المحمدين -بالتثنية- ولكنه عطف أحدهما على الآخر. ومثال الثاني؛ كقول أبي نواس:
أقمنا بها يوما ويوما وثالثا ... ويوما له يوم الترحل خامس
فالأصل أن يقول: أقمنا بها ثمانية أيام.
ل- عطف العام على الخاص؛ كقوله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} فـ"المؤمنين" و"المؤمنات" أعم ممن دخل بيته مؤمنا.
وأما عطف الخاص على العام؛ أن يكون بالواو، كما في قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} ، ويجوز أن يكون بـ"حتى"؛ نحو قولك: مات الناس حتى الأنبياء.
م- امتناع الحكاية مع وجودها: فإن قيل: رأيت زيدا؛ جاز في الإجابة القول: من زيدا؟ بالحكاية من غير الواو؛ فإذا جئت بالواو؛ لم تجز الحكاية، ووجب أن ترفع زيدا، فتقول: ومن زيد؟ وفي هذا الموضع نقد؛ حاصله: أن الفاء، تشارك الواو فيه.
ن- العطف في بابي "التحذير والإغراء"؛ نحو قوله تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} . =(3/321)
زيد وعمرو" و"تضارب زيد وعمرو" و"اصطف زيد وعمرو" و"جلست بين زيد وعمرو"، إذ الاختصام والتضارب والاصطفاف والبينية من المعاني النسبية التي لا تقوم إلا باثنين فصاعدا، ومن هنا قال الأصمعي1: الصواب أن يقال2: [الطويل]
413- بين الدخول وحومل3
__________
= س- عطف "أي" على مثلها؛ نحو قول الشاعر:
فلئن لقيتك خاليين لتعلمن ... أيي وأيك فارس الأحزاب
انظر التصريح: 2/ 135-138.
1 مرت ترجمته.
2 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا جزء من مطلع معلقة امرئ القيس، وهو بتمامه:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 136، والأشموني: 813/ 2/ 417، ومجالس ثعلب: 127، ومجالسي العلماء للزجاجي: 273، والمنصف: 1/ 224، والمحتسب: 2/ 49، ودلائل الإعجاز: 265، وأمالي ابن الشجري: 2/ 39، والإنصاف: 656، وشرح المفصل: 4/ 15، 9/ 33، 78، 10/ 21، والخزانة: 4/ 379، وشرح شواهد الشافية: 242، والهمع: 2/ 129، والدرر: 2/ 166، وسيبويه: 2/ 298، والمغني: 291/ 214، 661/ 466، والسيوطي: 158.
المفردات الغريبة: قفا: فعل أمر من الوقوف، والألف فيه للاثنين؛ وقيل: منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة، والمخاطب واحد، وعوملت الكلمة في الوصل؛ كما تعامل في الوقف. ذكرى: مصدر بمعنى التذكر. سقط اللوى: السقط -بتثليث السين وسكون القاف: منقطع الرمل حيث يستدق طرفه. واللوى: رمل يتلوى وينحني. الدخول: اسم موضع، وكذلك: حومل.
المعنى: قفا يا صاحبي وشاركاني في البكاء وإرسال الدموع، من أجل تذكر حبيب، كان يقيم هنا، ومنزل كان عامرا به بين هذين الموضعين.
الإعراب: قفا: فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بألف الاثنين، والألف ضمير متصل في محل رفع فاعل. نبك: فعل مضارع مجزوم؛ لوقوعه في جواب الطلب، وعلامة جزمه حذف الياء، والفاعل ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: نحن. "من ذكرى": متعلق بـ"نبك"، وذكرى مضاف. حبيب: مضاف إليه مجرور. ومنزل: الواو حرف عطف، منزل: اسم معطوف على حبيب. "بسقط": متعلق بمحذوف صفة لـ"منزل"، وسقط مضاف. اللوى: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة =(3/322)
بالواو1؛ وجحة الجماعة أن التقدير: بين أماكن الدخول فأماكن حومل2؛ فهو بمنزلة "اختصم الزيدون فالعمرون"3.
[الفاء ومعناها] :
وأما الفاء فللترتيب4 والتعقيب5، نحو: {أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} 6، وكثيرا ما
__________
= على الألف؛ للتعذر. "بين": متعلق بمحذوف صفة ثانية لـ"منزل". الدخول: مضاف إليه مجرور. فحومل: الفاء حرف عطف، حومل: اسم معطوف على الدخول مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
موطن الشاهد: "بين الدخول فحومل".
وجه الاستشهاد: معلوم أن بين لا تضاف إلا إلى متعدد سواء أكان التعدد بسبب التثنية، أم الجمع أم العطف؛ ومعلوم أن الفاء العاطفة تدل على الترتيب من غير مهلة؛ فالبينية غير متحققة -هنا- وإنما تتحقق بالعطف بالواو التي تدل على اشتراك العاطف والمعطوف معا دفعة واحدة في مدلول العامل؛ ولهذا، خطأ الأصمعي امرأ القيس، وعُني العلماء بتصحيح عبارته كما بين المصنف.
1 لأن البينية، لا يتحقق معناها بواحد، ولا يعطف فيها بالفاء؛ لأن الفاء تدل على الترتيب.
2 أي: أن كلمتي "الدخول" و"حومل" -هنا- لا يراد بهما جزئي مشخص، وإنما يراد بهما أجزاء هذين المكانين؛ وهنالك مضاف محذوف، يفيد هذا التعدد مثل: أماكن، أو مواضع، أو أجزاء الدخول وحومل. وقد قدر يعقوب: بين أهل الدخول فحومل ... إلخ. انظرالتصريح: 2/ 136.
3 يقال هذا؛ إذا كان كل فرد، من كل فريق خصما لمن هو من فريقه؛ فيكون اختصام العمرين بعضهم مع بعض، عقب اختصام الزيدين؛ بعضهم مع بعض. ضياء السالك: 3/ 167-168.
4 بنوعيه: المعنوي، والذكري؛ والمعنوي: أن يكون زمن تحقق المعنى في المعطوف متأخرا عنه في المعطوف عليه؛ نحو: من الخير الإنصات؛ فالسماع؛ فمحاولة الفهم. وأما الترتيب الذكري؛ فهو: وقوع المعطوف بعد المعطوف عليه بحسب التحدث عنهما لا بحسب زمان وقوع المعنى على أحدهما؛ نحو: حدثنا المعلم عن أبي بكر، فعثمان، فعمر.
مغني اللبيب: 213، والتصريح: 2/ 138.
5 هو اتصال المعطوف بالمعطوف عليه بلا مهلة وقصر المدة التي بين وقوع المعنى عليهما، والتعقيب في كل شيء بحسبه.
6 80 سورة عبس، الآية: 21. =(3/323)
تقتضي أيضا التسبب1 إن كان المعطوف جملة؛ نحو: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} 2، واعترض على الأول بقوله تعالى: {أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} 3؛ ونحو: "توضأ فغسل وجهه ويديه" الحديث4؛ والجواب: أن المعنى أردنا إهلاكها، وأراد الوضوء، وعلى الثاني بقوله تعالى: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً} 5، والجواب: أن التقدير:
__________
= موطن الشاهد: {أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء الفاء حرف عطف مفيدا الترتيب والتعقيب؛ لأن دفن الإنسان في القبر، يعقب موته عادة.
1 أي الدلالة على السببية؛ بأن يكون المعطوف متسببا عن المعطوف عليه؛ ولكنها لا تسمى فاء السببية إلا إذا دخلت على مضارع منصوب بأن المصدرية المضمرة.
2 28 سورة القصص، الآية: 15.
موطن الشاهد: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} .
وجه الاستشهاد: وقوع الفاء حرف عطف يفيد التعقيب والترتيب ومقتضيا التسبب؛ لأن جملة {قَضَى عَلَيْهِ} متسببة عن الجملة الأولى: {وَكَزَهُ مُوسَى} ؛ فالمعطوف عليه سبب في حصول المعطوف.
3 7 سورة الأعراف، الآية: 4.
موطن الشاهد: {أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} .
وجه الاستشهاد: اعترض الفراء على كون الفاء للترتيب المعنوي بهذه الآية؛ لأن الهلاك متأخر عن مجيء الباس في المعنى، وهو متقدم في التلاوة، وذلك ينافي الترتيب الذي في الفاء، ورد عليه بما جاء في المتن؛ أو بأن الفاء للترتيب الذكري لا المعنوي.
4 حديث شريف.
موطن الشاهد: "توضأ فغسل وجهه ويديه".
وجه الاستشهاد: اعترض بهذا الحديث على كون الفاء للترتيب المعنوي كما في الآية الكريمة السابقة، ورد على هذا الاعتراض، بأحد وجهين؛ الأول: أن المعنى: على إضمار الإرادة؛ والتقدير: أراد الوضوء؛ فغسل وجهه وغسل الأعضاء الأربعة مترتب على إرادة الوضوء.
والثاني: أن الفاء للترتيب الذكري لا المعنوي. انظر شرح التصريح: 2/ 139.
5 87 سورة الأعلى، الآية: 5.
موطن الشاهد: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} .
وجه الاستشهاد: اعترض بهذه الآية على كون الفاء للتعقيب، في قوله تعالى: {الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} ؛ لأن إخراج المرعى، لا يعقبه جعله غثاء =(3/324)
فمضت مدة فجعله غثاء1، أو بأن الفاء نابت عن ثم كما جاء عكسه وسيأتي.
[ما تختص به الفاء] :
وتختص الفاء بأنها تعطف على الصلة ما لا يصح كونه صلة لخلوه من العائد2؛ نحو: "اللذان يقومان فيغضب زيد أخواك"3؛ وعكسه؛ نحو: "الذي يقوم أخواك فيغضب هو زيد"، ومثل ذلك جارٍ في الخبر والصفة والحال4؛ نحو: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} 5؛ وقوله6: [الطويل]
__________
= أحوى؛ أي: يابسا أسود؛ ورد على هذا الاعتراض بأن جملة "جعله ... " معطوفة على جملة محذوفة؛ والتقدير: فمضت مدة فجعله غثاء، أو: بأن الفاء نابت عن "ثم"؛ والمعنى: "ثم جعله غثاء". انظر التصريح: 2/ 139.
1 فيكون المعطوف عليه محذوفا. وقد قيل: إن هذا لا يدفع الاعتراض؛ لأن مضي المدة، لا يعقب الإخراج. وأجيب بأنه يكفي أن يكون أول أجزاء المضي متعقبا للإخراج، وإن لم يحصل بتمامه إلا في زمن طويل؛ نحو قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} ؛ فإن اخضرار الأرض يبتدئ بعد نزول المطر، لكن يتم في مدة ومهلة.
2 وذلك؛ لأن ما فيها من معنى السببية؛ التي تجعل ما قبلها وما بعدها في حكم جملة واحدة يغني عن الرابط.
3 "اللذان": مبتدأ. "يقومان": الجملة صلة "فيغضب زيد" الجملة معطوف بالفاء على جملة يقومان الواقعة صلة؛ وكان القياس عدم صحة العطف؛ لخلوها من ضمير يعود إلى الموصول؛ لأنها رفعت الظاهر، وهو "زيد" ولكن عطفها بالفاء سوغ ذلك؛ لما في الفاء من معنى السبب "أخوك" خبر المبتدأ.
4 أي: تعطف جملة تصلح لتلك الأشياء، على جملة لا تصلح.
5 22 سورة الحج، الآية: 63.
موطن الشاهد: {فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} .
وجه الاستشهاد: عطف جملة "فتصبح" على جملة "أنزل" الواقعة خبرا لـ"أن"، وكان القياس أن لا يصح العطف؛ لخلوها من ضمير يعود على اسم "أن"؛ لأن الجملة المعطوفة على الخبر خبر؛ ولكنها لما قرنت بالفاء ساغ ذلك.
التصريح: 2/ 139.
6 القائل: هو غيلان بن عقبة، المعروف بذي الرمة. وقد مرت ترجمته.(3/325)
414- وإنسان عيني يحسر الماء تارة ... فيبدو1.........
[ثم ومعناها] :
وأما "ثم" فللترتيب والتراخي2، نحو: {فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} 3، وقد
__________
1 تخريج الشاهد: البيت بتمامه:
وإنسان عيني يحسر الماء تارة ... فيبدو وتارات يجم فيغرق
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 139، والأشموني: 537/ 2/ 288، والعيني: 1/ 578، 4/ 178، ومجالس ثعلب: 612، والمحتسب: 1/ 150، والمقرب: 13، والهمع: 1/ 89، والدرر: 1/ 74، وديوان ذي الرمة: 395.
المفردات الغريبة: إنسان عيني: هو النقطة السوداء اللامعة وسط سواد العين. يحسر: ينكشف وينزاح. فيبدو: فيظهر. يجم: يكثر.
المعنى: أن إنسان العين ينكشف عنه الماء ويزول أحيانا، فيظهر الإنسان للرائي وأحيانا يكثر الماء في العين فيغرق إنسانها ويستتر، ولا يرى.
الإعراب: إنسان: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. عيني: مضاف إليه، وهو مضاف، والياء في محل جر بالإضافة. يحسر: فعل مضارع مرفوع. الماء: فاعل مرفوع.
تارة: مفعول مطلق منصوب. فيبدو: الفاء عاطفة، يبدو: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو للثقل، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. وتارات: الواو عاطفة، تارات: اسم معطوف على تارة منصوب وعلام نصبه الكسرة لأنه جمع مؤنث سالم. يجم: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو يعود إلى الماء. فيغرق: الفاء عاطفة، يغرق: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو يعود إلى إنسان عيني.
موطن الشاهد: "فيبدو".
وجه الاستشهاد: عطف جملة "يبدو" التي تصلح لأن تكون خبرا عن المبتدأ "إنسان"؛ لاشتمالها على ضمير يعود إليه على جملة لا تصلح لذلك لخلوها من ذلك الضمير؛ وهي جملة: "يحسر الماء".
2 التراضي هو "انقضاء مدة زمنية بين وقوع المعنى على المعطوف عليه، ووقوعه على المعطوف وتحديد هذه المدة متروك للعرف. و"ثم" تعطف المفردات والجمل، وقد تدخل عليها تاء التأنيث لتأنيث اللفظ. فتخص بعطف الجمل؛ نحو: من ظفر بمطلوبه ثمت أهمل في الحفاظ عليه فلا يلومن إلا نفسه. وتكتب بتاء غير مربوطة. مغني اللبيب: 160، والتصريح: 2/ 140، والجنى الداني: 426.
3 80 سورة عبس، الآية: 21، 22. =(3/326)
توضع موضع الفاء؛ كقوله1: [المتقارب]
415- جرى في الأنابيب ثم اضطرب2
__________
= موطن الشاهد: {فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "ثم" حرف عطف يفيد الترتيب والتراخي؛ لأن نشر الموتى يوم القيامة؛ وبين دفن الإنسان وبين نشره مدة طويلة لا يعلمها إلا الله.
القائل هو: أبو دؤاد الإيادي، واسمه حارثة بن الحجاج؛ وقد مرت ترجمته.
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
كهز الرديني تحت العجاج
والبيت من قصيدة يصف فيها فرسه، وينشد قبله قوله:
إذا قيد قحم من قاده ... وولت علابيبه واجلعب
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 140، والأشموني: 814/ 2/ 417، والمغني: 186/ 160، والسيوطي: 124، ومعاني ابن قتيبة: 1/ 58، والعيني: 4/ 131، والهمع: 2/ 131، والدرر: 2/ 174، وديوان أبي دؤاد الإيادي: 292.
المفردات الغريبة: الرديني: الرمح المنسوب إلى ردينة؛ وهي امرأة اشتهرت بصنع الرماح بهجر. العجاج: الغبار، والمراد: ما تثيره أقدام المتحاربين أو خيولهم. الأنابيب: جمع أنبوب؛ وهو ما بين كل عقدتين من القصب.
المعنى: أن اهتزاز هذا الفرس وسرعة عدوه ذهابا وجيئة في أثناء القتال، يشبه اهتزاز الرمح واضطرابه، في سرعة وخفة، في كل ناحية تحت غبار المعركة.
الإعراب: "كهز": متعلق بخبر لمبتدأ محذوف؛ وبعضهم علقه بمحذوف واقع صفة لمفعول مطلق محذوف عامله "اجعلب" في بيت "سابق، وهو مضاف. الرديني: مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله. "تحت": منصوب متعلق بـ"هز"، وهو مضاف. العجاج: مضاف إليه مجرور. جرى: فعل ماضٍ مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر؛ والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو. "في الأنابيب": متعلق بـ"جرى". ثم: حرف عطف. اضطرب: فعل ماضٍ مبني على الفتح، وسكن لضرورة الروي.
موطن الشاهد: "ثم اضطرب".
وجه الاستشهاد: مجيء ثم -هنا- بمعنى الفاء؛ لأن اضطراب الرمح يحدث عقب اهتزاز أنابيبه مباشرة، في لحظات من غير مهلة. وفي معنى الفاء وثم، يقول ابن مالك:
والفاء للترتيب باتصال ... وثم للترتيب بانفصال
=(3/327)
[حتى وشروطها] :
وأما "حتى" فالعطف بها قليل؛ والكوفيون ينكرونه1، وشروطه أربعة أمور: أحدها: كون المعطوف اسما2.
__________
= ومعنى باتصال؛ أي: من غير مهلة زمنية؛ وهو ما عبر عنه بالتعقيب.
ومعنى بانفصال؛ أي: بمهلة زمنية، وهي ما عبر عنها بالتراخي.
فائدة: قد ترد "ثم" للترتيب الذكري الإخباري؛ الذي يقصد به مجرد الإخبار وسرد المعطوفات من غير ملاحظة ترتيب كلامي سابق، ولا ترتيب زمني حقيقي؛ كقول الشاعر:
إن من ساد ثم ساد أبوه ... ثم قد ساد قبل ذلك جده
انظر ضياء السالك: 3/ 172-173.
توجيهان: أ- قد ترد "ثم" للترتيب الذكري الإخباري؛ أي الذي يقصد به مجرد الإخبار وسرد المعطوفات من غير ملاحظة ترتيب كلامي سابق، ولا ترتيب زمني حقيقي؛ كقول الشاعر:
إن من ساد ثم ساد أبوه ... ثم قد ساد قبل ذلك جده
الأشموني: 2/ 418.
ب- وقد تدخل همزة الاستفهام على "ثم"، و"الواو"، و"الفاء"، مثل: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} .
فقيل: إن الهمزة تقدمت على العاطف لأصالتها في التصدير؛ وقيل: إن هذا حروف استئناف داخلة على جمل مستأنف.
1 ويجعلونها ابتدائية في مثل: جاء القوم حتى محمد، وما بعدها على إضمار عامل. وحتى تفيد ترتيب أجزاء ما قبلها ذهنا.
مغني اللبيب: 173.
2 هذا مذهب جمهور النحاة، وحجتهم أنها منقولة من "حتى" الجارة، وحرف الجر لا يدخل إلا على الاسم؛ فبقي لحتى بعد نقلها ما كان لها قبل النقل. وخالف بذلك ابن السيد، وكأنه نظر إلى ما طرأ عليها من النقل للعطف، وقاسها على غيرها من حروف العطف، فإذا قلت: "أكرمت زيدا بكل ما أقدم عليه حتى جعلت نفسي له حارسا" أو قلت: "بخل علي زيد بكل شيء حتى منعني دانقا"؛ جاز في هذين المثالين اعتبار حتى عاطفة عند ابن السيد، والجمهور يمنعون ذلك؛ فالمثالان عندهم إما خطأ، وإما على تأويل الفعل التالي لحتى بمصدر مجرور بها. هذا ولا يصح أن يكون المعطوف =(3/328)
والثاني: كونه ظاهرا1؛ فلا يجوز "قام الناس حتى أنا" ذكره الخضراوي2.
والثالث: كونه بعضا من المعطوف عليه، إما بالتحقيق3؛ نحو: "أكلت السمكةَ حتى رأسَها"، أو بالتأويل؛ كقوله4: "الكامل"
416- ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ... والزاد حتى نعله ألقاها5
__________
= بحتى حرفا؛ لأن الحرف لا يدخل على نظيره غالبا إلا في التوكيد اللفظي أو الضرورة الشعرية، ولا يصح أن يكون جملة.
مغني اللبيب: 172، والتصريح: 2/ 141، ورصف المباني: 180، والجنى الداني: 542.
1 ذكر ابن هشام أنه لم يقف عليه لغيره، ووجه قول الخضراوي: أن أصل "حتى": أن تكون جارة، فاستصحبوا بعد نقلها إلى العطف حالها بعد النقل؛ ولهذا، لا يجوز أن تقول: "حضر الناس حتى أنا"؛ لأن حتى الجارة لا تجر إلا الأسماء الظاهرة؛ هذا، وقد حقق الصبان عدم اشتراط ذلك.
مغني اللبيب: 171، وحاشية الصبان: 3/ 67.
2 مرت ترجمته.
3 يعتبر بعضا من المعطوف عليه بالتحقيق ثلاثة أمور هي:
الأول: أن يكون جزءا من كل؛ نحو: أكلت السمكة حتى رأسها.
الثاني: أن يكون فردا من جمع؛ نحو قولهم: قدم الحجاج حتى المشاة.
الثالث: أن يكون نوعا من جنس؛ نحو: أعجبني التمر حتى البرين.
التصريح: 2/ 141.
4 القائل: هو أبو مروان النحوي، ولم أعثر له على ترجمة.
تخريج الشاهد: البيت من كلمة يحكي فيها قصة المتلمس، وفراره من عمرو بن هند، وبعده قوله:
ومضى يظن بريد عمرو خلفه خوفا، وفارق أرضه وقلاها.
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 141، 214، والأشموني: 538/ 2/ 289، والمغني: 199/ 167، 203/ 171، 262/ 175، وسيبويه: 1/ 50، والجمل: 81، والعيني: 4/ 134، والهمع: 2/ 24، 136، والدرر: 2/ 16، 188، وحاشية يس على التصريح: 1/ 302.
المفردات الغريبة: ألقى: رمى إلى الأرض. الصحيفة: ما يكتب فيه من ورق وغيره. =(3/329)
........................................................
__________
= رحله، الرحل: ما يستصحبه المرء من المتاع وهو أيضا: ما يوضع على ظهر الناقلة بمنزلة السرج للفرس. الزاد: كل ما يستصحبه المسافر ليبلغه مقصده.
المعنى: أن المتلمس رمى بالصحيفة؛ ليخفف ما معه من متاع، وألقى كذلك ما معه من زاد يتبلغ به، حتى نعله التي يلبسها رمى بها. وكان من أمر هذه الصحيفة: أنه وطرفة هجيا عمرو بن هند -الملك-؛ ثم مدحاه بعد ذلك، فكتب لكل منهما صحيفة إلى عامله بالحيرة وختمهما، وأمره فيهما بقتلهما، وأوهمهما، بأنه كتب لهما بصلة، فلما بلغا الحيرة، فتح المتلمس صحيفته، وعلم بما فيها؛ فألقاها في النهر، وفر إلى الشام، وأبى طرفة أن يفتح صحيفته ودفعها إلى العامل فقتله.
الإعراب: ألقى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر، والفاعل: هو. الصحيفة: مفعول به منصوب. كي: حرف تعليل. يخفف: فعل مضارع منصوب بـ"أن" المضمرة بعد "كي"؛ والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": مجرور بـ"كي"؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ"ألقى"؛ والتقدير: ألقى الصحيفة؛ لتخفيف رحله؛ وجملة "يخفف رحله": صلة للموصول الحرفي، لا محل لها. رحله: مفعول به منصوب، وهو مضاف، و"الهاء": في محل جر بالإضافة. والزاد: الواو عاطفة، الزاد: اسم معطوف على رحله، منصوب. حتى: حرف عطف، لا محل له من الإعراب. نعله: مفعول به منصوب لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده؛ والهاء: مضاف إليه. وتقدير الكلام: حتى ألقى نعله؛ وعلى هذا التقدير: "فحتى" عطفت جملة "ألقى فعله" على جملة "ألقى الصحيفة". ألقاها: فعل ماضٍ، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، و"ها": في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "ألقاها": تفسيرية، لا محل لها؛ ويجوز أن تكون "حتى": حرف عطف بمعنى الواو، ويكون "نعله" معطوفا على الزاد؛ عطف مفرد على مفرد، وجملة "ألقاها": توكيد لجملة "ألقى الصحيفة"؛ ويكون ضمير "ها" البارز في ألقاها عائدا إلى الصحيفة؛ وهذا الوجه والذي سبقه على رواية النصب في "نعله"؛ وقد وردت بالجر والرفع؛ وتخريجهما؛ كالآتي: تخرج رواية الجر على أن "حتى" حرف جر، و"نعله" مجرور بها، ومضاف إليه؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ"ألقى" السابق؛ وجملة "ألقاها": توكيدية. وتخرج رواية الرفع في "نعله" على أنها مبتدأ مرفوع، ومضاف إليه؛ وخبره: جملة "ألقاها"؛ وعليها فـ"حتى" ليست عاطفة، وإنما هي حرف ابتداء؛ وجملة "نعله ألقاها": ابتدائية لا محل لها.
موطن الشاهد: "حتى نعله".
وجه الاستشهاد: عطف "نعله" بـ"حتى" على ما قبله؛ لأنه بعض من المعطوف عليه -بالتأويل- كما بين المصنف؛ ويجوز أن يكون "نعله" منصوبا بفعل محذوف، يفسره =(3/330)
فيمن نصب "نعله"، فإن ما قبلها في تأويل ألقى ما يثقله، أو شبيها بالبعض؛ كقولك: "أعجبتني الجاريةُ حتى كلامُها"، ويمتنع "حتى ولدُها"1 وضابط ذلك أنه إن حسن الاستثناء حسن دخول حتى2.
والرابع: كونه غاية في زيادة حسية؛ نحو: "فلان يهب الأعدادَ الكثيرةَ حتى الألوفَ" أو معنوية؛ نحو: "مات الناسُ حتى الأنبياءُ، أو الملوكُ"، أو في نقص كذلك؛ نحو" المؤمن يجزى بالحسناتِ حتى مثقالِ الذرةِ"، ونحو: "غلبك الناس حتى الصبيان، أو النساء"3.
[أم المتصلة ومعناها] :
وأما "أم" فضربان: منقطعة وستأتي، ومتصلة: وهي المسبوقة إما بهمزة
__________
= المذكور -كما بينا في الإعراب- وهذا على رواية النصب؛ وعلى روايتي الرفع والجر، أوضحنا تخريجهما بما لا يستلزم الإعادة؛ والذي يهمنا -هنا- ما الذي سوغ العطف بـ"حتى" على رواية النصب؟ والجواب هو: لما كان النعل بعض ما يثقله، ويضعف حركته في الهرب؛ كان من ضمن ما يثقله؛ لأنه يشترط بالعطف بـ"حتى" أن يكون المعطوف بعض المعطوف عليه.
1 لأن الولد ليس جزءا منها ولا شبيها بالجزء؛ بخلاف كلامها، فإنه لشدة اتصاله بها؛ صار كجزئها.
2 المراد: الاستثناء المتصل؛ لأن شرط الاستثناء المتصل؛ أن يتناول ما قبل أداته ما بعدها نصا.
3 إذا لم يكن ما بعد "حتى" من جنس ما قبلها -إما تحقيقا وإما تأويلا وإما تشبيها- أو كان ما بعدها من جنس ما قبلها على أحد الوجوه الثلاثة؛ ولكنه لم يكن غاية لما قبلها، أو كان ما بعدها غاية وطرفا لما قبلها؛ لكنه ليس دالا على زيادة، أو نقص حسيين، أو معنويين؛ فإنه لا يجوز أن تجعلها عاطفة، ويتفرع على هذا، أنك لو قلت: صادقت العرب حتى "العجم"؛ لم يصح؛ لأن العجم ليس من جنس العرب؛ ولو قلت: "خرج الفرسان إلى القتال حتى بنو فلان"، وكان بنو فلان هؤلاء في وسط الفرسان؛ لم يصح؛ لأن ما بعد حتى -حينئذ- ليس غاية لما قبلها؛ إذ الغاية، ليست إلا في الأطراف -عاليها وسافلها- ولو قلت: "زارني القوم حتى زيد"، ولم يكن زيد متميزا بفضل، أو منفردا بخسيسة؛ لم يصح؛ لأن ما بعد حتى -حينئذ- ليس ذا زيادة ولا نقص.
انظر التصريح: 2/ 142.(3/331)
التسوية1؛ وهي الداخلة على جملة في محل المصدر2، وتكون هي والمعطوفة عليها فعليتين؛ نحو: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} 3، أو اسميتين؛ كقوله4: [الطويل]
417- أموتي ناءٍ أم هو الآن واقعُ5
__________
1 سميت بذلك؛ لوقوعها غالبا بعد لفظ "سواء" أو: لا أبالي، أو: لا أدري، أو ما يشبهها؛ في الدلالة على أن الجملتين بعدها متساويتان في الحكم عند المتكلم؛ كقول الشاعر:
ما أبالي أنب بالحزن تيس ... أم لحاني بظهر غيب لئيم
2 من علاماتها: أن تتوسط بين جملتين خبريتين؛ قبلهما همزة، وكلتا الجملتين يصلح أن يحل محلها هي والهمزة، مصدر مؤول منهما معا.
3 2 سورة البقرة، الآية: 6، 36 سورة يس، الآية: 10.
موطن الشاهد: {أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أم" حرف عطف؛ عطف جملة فعلية على جملة فعلية مثلها؛ والتقدير: إنذارك وعدم إنذارك سواء؛ بعد تأويل الجملة بمصدر؛ وهذا من مواضع سبك الجملة بلا سابك على تقدير "أن". انظرالتصريح: 2/ 142.
4 لم ينسب البيت إلى قائل معين، ويظهر أنه لمتمم بن نويرة في رثاء أخيه مالك.
5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
ولست أبالي بعد فقدي مالكا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 142، والأشموني: 821/ 2/ 421، والعيني: 4/ 136 والهمع: 2/ 132، والدرر: 2/ 175، والمغني: 55/ 61، والسيوطي: 49.
المفردات الغريبة: أبالي: أكترث وأعبأ. ناء: بعيد. وهو اسم فاعل من نأى ينأى: أي: بعد.
المعنى: لست مهتما ولا مكترثا بشيء في الحياة، بعد أن فقدت أخي مالكا، ولا يعنيني -وقد فقدته- أن يكون موتي بعيدا أو ينزل بي الآن.
الإعراب: لست: فعل ماضٍ ناقص مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم "ليس". أبالي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا؛ وجملة "أبالي": في محل نصب خبر "ليس". "بعد": متعلق بـ"أبالي"، وهو مضاف. فقدي: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، والياء: في محل جر بالإضافة؛ من إضافة المصدر إلى فاعله. مالكا: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه =(3/332)
أو مختلفتين؛ نحو: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} 1، وإما بهمزة يطلب بها وبأم التعيين2، وتقع بين مفردي متوسط بينهما ما لا يسأل عنه؛ نحو: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ} 3، أو متأخرا عنهما؛ نحو: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ
__________
= الفتحة الظاهرة. أموتي: الهمزة حرف استفهام، موتي: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل الياء، والياء: في محل جر بالإضافة. ناءٍ: خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين؛ وجملة "موتي ناءٍ": في محل نصب مفعولا به لـ"أبالي"؛ المعلق عن العمل في اللفظ بالاستفهام. أم: حرف عطف. هو؛ ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. الآن: مفعول فيه ظرف زمان منصوب بقوله: "واقع" الآتي. واقع: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة؛ وجملة "هو الآن واقع": معطوفة على الجملة السابقة "موتي ناءٍ": في محل نصب.
موطن الشاهد: "أموتي ناءٍ أم هو واقع".
وجه الاستشهاد: وقوع "أم" بين جملتين اسميتين؛ وقد عطفت إحداهما على الأخرى؛ والمعنى: لست أبالي؛ بعد موتي أو حصل الآن.
1 7 سورة الأعراف، الآية: 193.
موطن الشاهد: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} .
وجه الاستشهاد: عطفت "أم" جملة اسمية على جملة فعلية؛ والتقدير -بعد التأويل: سواء عليكم دعاؤكم إياهم -أي الأصنام- وصمتكم؛ ومن هذه الآية وما قبلها، يتضح لنا، أن "أم" المتصلة المسبوقة بهمزة التسوية، لا تعطف إلا جملة على جملة، وعطفها للمفرد نادر لا يقاس عليه.
2 همزة التعيين: هي الواقعة بعد ما أدري، ولا أعلم، وليت شعري ونحوها، وتسد، "أي" مسدها مع "أم" في طلب التعيين، وتخالف همزة التسوية؛ فتتطلب جواب بتعيين أحد الشيئين؛ لأنها لم تنسلخ عن الاستفهام.
3 79 سورة النازعات، الآية: 27.
موطن الشاهد: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أم" حرف عطف مسبوقا بهمزة يراد بها معها التعيين؛ لأن الاستفهام -هنا- توبيخي، والسؤال عن المبتدأ: "أنتم"، والمعادل: "السماء" المعطوفة على "أنتم"؛ وهما مفردان، وقد توسط بينهما غير المسئول عنه؛ وهو "أشد خلقا" الواقع خبرا تقديرا عن المتعاطفين.(3/333)
أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} 1، وبين فعليتين؛ كقوله2: [البسيط]
418- فقلت أهي سرت أم عادني حلم3
__________
1 21 سورة الأنبياء، الآية: 109.
موطن الشاهد: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} .
وجه الاستشهاد: السؤال في هذه الآية عن الخبر؛ وهو قريب وبعيد؛ والمسئول عنه متأخر؛ وهو ما توعدون؛ وذلك؛ لأن شرط الهمزة المعادلة لـ"أم" أن يليها أحد الأمرين المطلوب تعيين أحدهما، ويلي "أم" المعادل الآخر؛ ليفهم السامع من أول الأمر ما يطلب تعيينه؛ ويرى سيبويه: أن إيلاء المسئول عنه الهمزة أولى، لا واجب. انظر التصريح: 2/ 143.
2 قيل هو: زيادة بن حمل، وقيل: زياد بن منقذ العدوي؛ المعروف بالمرار الحنظلي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
فقمت للطيف مرتاعا فأرقني
وهو من كلمة يحن فيها الشاعر إلى وطنه؛ وقبله قوله:
زارت رقية شعثا بعد ما هجعوا ... لدى نواحل في أرساغها الخدم
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 143، والأشموني: 823/ 2/ 421، والخصائص: 1/ 305، 2/ 330، والخزانة: 2/ 391، وشرح المفصل: 7/ 179، والهمع: 1/ 61، 2/ 132، والدرر: 1/ 37، 2/ 175، ومجالس العلماء للزجاجي: 1396 وشرح شواهد الشافعية للبغدادي: 190، والمغني: 56/ 62، 705/ 495، والسيوطي: 49 وشرح التبريزي على ديوان الحماسة: 3/ 324.
المفردات الغريبة: الطيف: المراد به خيال المحبوبة الذي يراه في النوم. مرتاعا: خائفا، يقال: راعه فارتاع؛ أي: أفزعه ففزع، ولا ترع: أي لا تخف. أرقني: أسهرني. أهي "بسكون الهاء": إجراء لهمزة الاستفهام مجرى واو العطف وفائه. سرت: من السرى؛ وهو السير ليلا. عادني: زارني وأتاني بعد إعراض.
المعنى: استيقظت من النوم فزعا خائفا؛ لما رأيت في نومي خيال المحبوبة وقلت في نفسي -وقد أطار ذلك النوم من عيني: أهي المحبوبة جاءت إلي ليلا؟ أم ذلك حلم ومنام؟!
الإعراب: فقلت: الفاء عاطفة، قلت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. أهي: الهمزة حرف استفهام. هي: فاعل لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده "سرت". سرت: =(3/334)
لأن الأرجح كون "هي" فاعلا بفعل محذوف، واسميتين1؛ كقوله2: [الطويل]
419- شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر3
__________
= فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين، والتاء للتأنيث، لا محل لها من الإعراب، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي؛ وجملة "سرت": تفسيرية، لا محل لها؛ وجملة "الفعل المحذوف وفاعله": في محل نصب مفعولا به بعد القول. أم: حرف عطف، لا محل له من الإعراب. عادني: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعولا به. حلم: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة؛ وجملة "عادني حلم": معطوفة على جملة "الفعل المحذوف وفاعله" في محل نصب.
موطن الشاهد: "أهي سرت أم عادني حلم".
وجه الاستشهاد: وقوع "أم" المعادلة لهمزة الاستفهام بين جملتين فعليتين؛ لأن "هي" فاعل لفعل محذوف على الأرجح -كما بينا في الإعراب- لأن الأصل في الاستفهام أن يكون عن أحوال الذوات المتجددة؛ لأنها تتجدد وتحصل بعد أن لم تكن؛ والدال على هذه الأحوال، هو الفعل؛ وأما الاستفهام عن نفس الذوات التي تدل عليها الأسماء فقليل؛ والقليل لا يحمل عليه الكثير، ما دام الكثير صحيح المعنى.
1 وقد تكون الجملتان مختلفتين؛ أولاهما: اسمية، والثانية: فعلية؛ نحو: قوله تعالى: {قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا} ؛ ومن مجيء الأولى فعلية، والثانية اسمية قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} ؛ لأن "أنتم": فاعل بفعل محذوف يفسره المذكور لما علمت من أن همزة الاستفهام أولى بالفعل من حيث إن الأصل في الاستفهام؛ أن يكون عما من شأنه أن يكون محل شك أو تردد وذلك هو أحوال الذوات التي تعبر عنها الأفعال، فأما الذوات أنفسها فيقل أن تكون محل تردد أوشك.
مغني اللبيب: 61، حاشية يس على التصريح: 2/ 143.
2 ينسب البيت إلى الأسود بن يعفر التميمي، وينسب إلى اللعين المنقري، وقد مرت ترجمة كل منهما.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، في هجاء قبيلة شعيث بأنها لا تعزى إلى أب معين؛ وصدره قوله:
لعمرك ما أدري وإن كنت داريا
=(3/335)
...........................................
__________
= وهو من شواهد: التصريح: 2/ 143، والأشموني: 824/ 2/ 421، والمغني: 57/ 62، والسيوطي: 51، وسيبويه: 1/ 485، وفيه منسوب إلى الأسود بن يعفر، والكامل للمبرد: 1/ 357، 380، وفيه منسوب إلى: اللعين المنقري، والمحتسب: 1/ 50، والخزانة: 4/ 450، والعيني: 4/ 138، والهمع: 2/ 132، والدرر: 2/ 175.
المفردات الغريبة: ما أدري: ما أعلم. داريا: أي: من أهل الدراية والعلم بالأنساب. شعيث: اسم حي من بني تميم. سهم: اسم حي من قيس عيلان. منقر: حي ينتهي إلى زيد مناة بن تميم.
المعنى: يقسم الشاعر بأنه لا يعلم -وإن كان من أهل العلم والمعرفة بالأنساب- أي نسبي شعيث هو الصحيح والحق؛ أنسبتها إلى سهم؟ أم نسبتها إلى منقر؟.
الإعراب: لعمرك: اللام لام الابتداء، عمر: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف، والكاف: في محل جر بالإضافة؛ والخبر محذوف وجوبا؛ والتقدير: لعمرك قسمي. ما أدري: ما نفية، لا محل لها من الأعراب. أدري: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره أنا. وإن: الواو اعتراضية، إن: شرطية جازمة؛ ويجوز أن تكون الواو حالية، فتكون "إن" زائدة. كنت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: في محل رفع اسمه. داريا: خبر كان منصوب؛ وجملة "كنت داريا": في محل نصب على الحال؛ إن عدت الواو حالية؛ وإن عدت الواو اعتراضية؛ فالجملة معترضة، لا محل لها. شعيث: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. ابن: خبر مرفوع، وهو مضاف. سهم: مضاف إليه مجرور. أم: حرف عطف. شعيث: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. ابن: خبر المبتدأ وهو مضاف. منقر: مضاف إليه مجرور؛ وجملة "شعيث بن سهم": في محل نصب مفعولا به لـ"أدري" وقد علق فعل أدري عن العمل في اللفظ بالهمزة المحذوفة؛ وجملة "شعيث بن منقر": معطوفة على الجملة السابقة في محل نصب.
موطن الشاهد: "شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر".
وجه الاستشهاد: وقوع "أم" المعادلة للهمزة بين جملتين اسميتين؛ ولهذا، ثبتت همزة "ابن"؛ لأنها تحذف إذا كان "ابن" صفة لعلم، ومضافا إلى علم؛ والثاني أبو الأول؛ وهو -هنا- خبر.
فائدة: ذكر سيبويه: أنه إذا جاءت همزة التسوية بعد كلمة "سواء" فلا بد من ذكر "أم" العاطفة؛ فإن لم تأت الهمزة بعد "سواء" عطف الثاني على الأول بـ"أو"؛ نحو: سواء =(3/336)
الأصل: "أشعيث" فحذفت الهمزة والتنوين منهما1.
[أم المنقطعة ومعناها] :
والمنقطعة هي الخالية من ذلك2، ولا يفارقها معنى الإضراب3، وقد
__________
= علينا رضي العدو أو سخط. وجاء في المغني: أنه لا يصح العطف بـ"أو" بعد "سواء"؛ سواء ذكرت همزة التسوية أم حذفت.
انظر ضياء السالك: 3/ 179.
1 أما حذف التنوين فللضرورة؛ بناء على أن "شعيثا" مصروف نظرا إلى الحي، ويحتمل أنه ممنوع من الصرف نظرا إلى القبيلة، ولا ينافي ذلك الوصف بابن؛ لجواز رعاية التذكير والتأنيث باعتبارين. وأما حذف الهمزة؛ فجائز اختيارا. ونقل الدماميني اطراد حذفها اخيتارا قبل أم المتصلة؛ لكثرته نظما ونثرا، وذلك إن علم أمرها، ولم يوقع حذفها في لبس.
التصريح، وحاشية التصريح: 2/ 143.
هذا، وقد تحذف "أم" مع معطوفها على قلة؛ كقول الشاعر:
دعاني إليها القلب إني لأمره ... سميع فما أدري أرشد طلابها
يريد: أرشد أم غي؟
وقيل: إن الهمزة للتصديق؛ فلا تحتاج لمعادل.
2 يريد أنها هي التي لا تتقدم عليها همزة التسوية، ولا الهمزة التي يطلب بها وبأم التعيين: وإنما سميت منقطعة -والحالة هذه-؛ لوقوعها بين جملتين مستقلتين في معناهما؛ لكل منهما معنى خاص يخالف معنى الأخرى، ولا يتوقف أداء أحدهما وتمامه على الآخر، التصريح: 2/ 144.
3 الإضراب -هنا: إبطال الحكم السابق ونفي مضمونه والانصراف عنه إلى ما بعدها، ويسمى هذا: الإضراب الإبطالي. وقد يراد الانتقال من غرض إلى آخر يخالفه، وحينئذ؛ يسمى: الإضراب الانتقالي.
هذا، ويذهب البصريون إلى أن "أم" المنقطعة تدل على الإضراب والاستفهام معا، في كل مثال؛ فلا تكون في مثال ما للإضراب وحده، ولا تكون في مثال ما للاستفهام وحده. ويذهب الكوفيون: إلى أنها تدل على الإضراب في كل مثال، وقد تدل -مع دلالتها على الإضراب- على الاستفهام الحقيقي، أو الإنكاري، وقد لا تدل على الاستفهام أصلا، ولا تأتي للدلالة على الاستفهام وحده في مثال ما، وعلى هذا جرى المؤلف هنا. ويذهب أبو عبيدة إلى أن "أم" المنقطعة على ثلاثة أوجه: =(3/337)
تقتضي مع ذلك استفهاما؛ حقيقيا نحو: "إنها لإبلٌ أم شاءٌ"1؛ أي: بل أهي شاء، وإنما قدرنا بعدها مبتدأ؛ لأنها لا تدخل على المفرد2، أو إنكاريا؛ كقوله تعالى: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ} 3؛ أي: أله البنات، وقد لا تقضيه البتة؛ نحو: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} 4؛ أي: بل هل تستوي؛ إذ لا يدخل استفهام على استفهام5؛
__________
= 1- دالة على الإضراب وحده. 2- دالة على الاستفهام وحده. 3- دالة على الإضراب والاستفهام معا.
ويذكر بعض العلماء: أنه لا خلاف بين الكوفيين والبصريين في مجيء "أم"؛ للدلالة على الإضراب وحده، وإنما الخلاف في تسميتها؛ هل تسمى منقطعة أو لا؟.
مغني اللبيب: 66، التصريح: 2/ 144، ورصف المباني: 93، والمقتضب: 3/ 286.
1 أخبر أولا بأنها إبل، ثم تحقق غير ذلك، فاضرب عنه مستفهما عن كونها شاء.
2 لأنها غير عاطفة؛ بل هي بمعنى بل الابتدائية، وحرف الابتداء، لا يدخل إلا على جملة، فـ"شاء" خبر لمبتدأ محذوف، وقيل: لعطف المفرد بقلة.
التصريح: 2/ 144، ومغني اللبيب: 68.
3 52 سورة الطور، الآية: 39.
موطن الشاهد: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أم" مفيدة الاستفهام الإنكاري؛ ولا يصح أن تقدر هنا للإضراب المحض؛ لأن ذلك يجعل الكلام إخباريا بنسبة البنات إليه تعالى والله سبحانه منزه عن ذلك.
انظر شرح التصريح: 2/ 144.
4 13 سورة الرعد، الآية: 16.
موطن الشاهد: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}
غير مقتضية الاستفهام؛ لا الحقيقي، ولا الإنكاري؛ لأن التقدير: "بل هل تستوي الظلمات والنور؟ " ولا يقدر: بل أهل؛ لأنه لا يدخل استفهام على استفهام. التصريح: 2/ 144.
5 عرفنا سابقا أن مذهب البصريين في "أم" المنقطعة أنها تدل على الإضراب والاستفهام معا، وأن مذهب الكوفيين أنها تدل على الإضراب دائما، وقد تدل على الاستفهام مع دلالتها على الإضراب، وقد لا تدل على الاستفهام. وعلمنا أن ابن هشام، اختار مذهب الكوفيين؛ لأن الآية التي تلاها: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} ترجح مذهب الكوفيين وذلك؛ لأن "أم" خالية من الدلالة على الاستفهام؛ لوقوع حرف =(3/338)
هذا باب نعم وبئس1
[معناهما وشروط مرفوعهما] :
وهما فعلان عند البصريين والكسائي؛ بدليل "فبها ونعمت"2، واسمان عند باقي الكوفيين3؛ بدليل "ما هي بنعم الولد"4؛.......................
__________
1 اعلم أنهما يستعملان تارة للإخبار بالنعمة والبؤس فيتصرفان كسائر الأفعال، تقول: نعم محمد بكذا ينعم به فهو ناعم، وبئس كذلك. وتارة لإنشاء المدح والذم فلا يتصرفان لما سيأتي، وهذا الاستعمال هو المراد هنا.
2 هذا جزء من حديث؛ وتمامه: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل".
والحديث أخرجه: أبو داود في سننه: 354، والنسائي: 3/ 94، والترمذي: 497. والسنن الكبرى للبيهقي: 1091، ومسند أحمد بن حنبل: 5/ 15-16، 22، وفي شرح السنة للبغوي: 2/ 67، ومشكاة المصابيح للتبريزي: 540، وتفسير القرطبي: 18/ 106.
موطن الشاهد: "نعمت".
وجه الاستشهاد: مجيء "نعم" فعلا؛ بدليل اتصاله بتاء التأنيث الساكنة؛ وهي لا تدخل إلا على الفعل؛ وحكى الكسائي: نعما رجلين، ونعموا رجالا؛ وضمائر الرفع البارزة المتصلة؛ من خصائص الأفعال أيضا؛ فهذا دليل "ثان" على الفعلية. ضياء السالك: 3/ 81؛ والتصريح: 2/ 94.
3 وقد بنيا على الفتح لتضمنهما معنى الإنشاء، ويعربان مبتدأين، ومعناهما: الممدوح والمذموم، وما هو فاعل على المشهور يعرب بدلا أو عطف بيان. والخبر هو المخصوص بالمدح أو الذم، ويجوز العكس. وفي مثل: نعم رجلا محمد؛ يعرب "رجلا" تمييزا أو حالا.
4 قول لبعض العرب حين بشر بأنثى، وتمامه: "نصرها بكاء، وبرها سرقة". ووجه الدلالة فيه دخول حرف الجر على "نعم"، والولد ونحوه فيما استدلوا به مجرور؛ لأنه تابع للمجرور، أي: ما هي بالممدوح الولد، فإن كان مرويا بالرفع فلعله مقطوع عما =(3/339)
[العطف بـ"أو". معنى "أو" وأنواعها] :
وأما "أو" فإنها بعد الطلب1 للتخيير؛ نحو: "تزوج زينب أو أختها" أو للإباحة2؛ نحو: "جالس العلماء أو الزهاد"، والفرق بينهما: امتناع الجمع بين المتعاطفين في التخيير، وجوازه في الإباحة.
وبعد الخبر للشك3؛ نحو: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ
__________
= بـ"ضجيعتي"، واللام: للبعد، الكاف: للخطاب. أم: حرف دال على الإضراب بمعنى: "بل" لا محل له من الإعراب. "في جنة": متعلق بمحذوف واقع خبرا لـ"ليت" المحذوفة مع اسمها؛ والتقدير: بل ليت سليمى ضجيعتي في جنة. أم: حرف دال على الإضراب بمعنى: "بل" لا محل له من الإعراب. "في جنة": متعلق بمحذوف واقع خبرا لـ"ليت" المحذوفة مع اسمها؛ والتقدير: بل ليت سليمى ضجيعتي في جنة. أم: حرف عطف دال على الإضراب. "في جهنم": متعلق بمحذوف واقع خبرا لـ"ليت" المحذوفة مع اسمها كما سبق؛ والتقدير: بل ليت سليمى ضجيعتي في جهنم.
موطن الشاهد: "أم".
وجه الاستشهاد: مجيء "أم" في الشاهد منقطعة متمحضة للإضراب؛ بمعنى "بل"، فهي لا تدل على الاستفهام، ولا تقتضيه أصلا؛ لأن الشاعر، لا يريد الاستفهام، وإنما ساقه مساق التمني؛ ولهذا، قدر بعدها "جملة"؛ لأن "أم" التي بمعنى "بل" لا يقع بعدها إلا الجمل.
1 المراد بالطلب: الصيغة التي تدل على معنى الأمر؛ سواء كانت فعل الأمر، أو لام الأمر الداخلة على المضارع؛ لأن الإباحة والتخيير لا يتأتيان في الاستفهام، ولا في باقي الأنواع الطلبية على الصحيح، ولا فرق بين الأمر الملفوظ والملحوظ؛ كقوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} ؛ أي: فليفعل أي الثلاثة.
2 المراد: الإباحة بحسب العقل، أو العرف في أي وقت، وعند أي قوم لا الإباحة الشرعية.
3 المراد بالخبر: ما يحتمل الصدق والكذب لذاته. والشك: أن يكون المتكلم نفسه واقعا في الشك والتردد، وأما التشكيك؛ فهو أن يوقع المتكلم المخاطب في الشك والتردد. وأما الإبهام: فهو أن يكون المتكلم عالما بحقيقة الأمر غير شاك ولا متردد فيه؛ ولكنه يخرج كلامه في صورة الاحتمال؛ ليكون المخاطب أقبل لما يلقى إليه من الكلام؛ ولكنه يخرج كلامه في صورة الاحتمال؛ ليكون المخاطب أقبل لما يلقى إليه من الكلام, فإذا سمع الكلام وتفهمه؛ ظهر له الأمر؛ ومثال المؤلف يبين ذلك، فقد أورد الكلام في صورة الاحتمال؛ ليسترعي انتباه المخاطب، ويحمله على السماع والتفهم، ولم يورده في صورة الخبر القاطع مع أن المتكلم، يعلم علم اليقين أن من عبد الله، وأفرده بالألوهية والتوجه إليه؛ هو الذي يكون على هدى وأن من أشرك معه غيره؛ هو الذي يكون في ضلال مبين.
حاشية يس على التصريح: 2/ 145، وحاشية الصبان: 3/ 106.(3/340)
يَوْمٍ} 1، أو للإبهام؛ نحو: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 2، وللتفصيل، نحو: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} 3، أو للتقسيم؛ نحو: "الكلمة اسم أو فعل أو حرف"4،
__________
1 18 سورة الكهف، الآية: 19.
موطن الشاهد: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أو" مفيدة معنى الشك؛ لوقوعها بعد كلام خبري؛ وهو قوله تعالى: {لَبِثْنَا} و"أو" للشك من القائلين ذلك؛ في الآية الكريمة.
التصريح: 2/ 144.
2 34 سورة سبأ، الآية: 24.
موطن الشاهد: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أو" مفيدة معنى الإبهام على المخاطب؛ {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} . للإبهام؛ فيكون الشاهد في الثانية، وقال في "المغني": الشاهد في الأولى؛ وقال الدماميني: الشاهد في الأولى والثانية. انظر شرح التصريح: 2/ 145.
3 2 سورة البقرة، الآية: 135.
موطن الشاهد: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أو" مفيدة التفصيل؛ لأن "قالوا" كلام خبري، وهو مشتمل على الواو العائدة على اليهود والنصارى؛ فذكر الفريقين على الإجمال، بالضمير العائد إليهما، ثم فصل ما قاله كل فريق؛ أي: قالت اليهود: كونوا هودا، وقالت النصارى: كونوا نصارى "فأو" لتفصيل الإجمال في فاعل "قالوا" وهو الواو.
التصريح: 2/ 145.
4 قيل: الفرق بين التفصيل والتقسيم، أن الأول: تبيين للأمور المجتمعة بلفظ واحد؛ وأما التقسيم؛ فهو: تبيين لما دخل تحت حقيقة واحدة، وقد مثل المؤلف لكل منهما، ويرى المحققون: ألا فرق بينهما، ولا ضرر من توحيد معناهما وجعلهما مترادفين، والمسألة اصطلاحية محضة.(3/341)
وللإضراب، عند الكوفيين وأبي علي1؛ حكى الفراء2 "اذهب إلى زيد أو دع ذلك فلا تبرح اليوم"، وبمعنى الواو، عند الكوفيين3؛ وذلك عند أمن اللبس؛ كقوله4: [الكامل]
421- ما بين ملجم مهره أو سافع5
__________
1 ممن ذهب إلى أن "أو" تفيد الإضراب: ابن برهان، وابن جني ومن معهما؛ وهؤلاء ذهبوا إلى أنها تفيد الإضراب مطلقا؛ أي سواء كان المتقدم خبرا مثبتا، أو منفيا، أم كان المتقدم عليها أمرا، أو نهيا؛ وسواء أعيد معها العامل في الكلام المتقدم عليها أم لم يعد. تقول: "أنا مسافر اليوم" ثم يبدو لك، فتقول: "أو مقيم" تريد الإضراب عن الكلام الأول، وإثبات ما بعد أو؛ ومنه قول الشاعر:
كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية ... لولا رجاؤك قد قتلت أولادي
ونسب ابن عصفور القول بإفادة "أو" الإضراب إلى سيبويه؛ لكنه قرر أن سيبويه يشترط في إفادتها للإضراب؛ أن يتقدمها نفي أو نهي، وأن يعاد معها العامل ومثال ذلك: قولك: لا يقم بكر أو لا يقم خالد.
التصريح: 2/ 145-146، مغني اللبيب: 91، رصف المباني: 131، الجنى الداني: 227.
2 مرت ترجمته.
3 أي: تكون للدلالة على الاشتراك ومطابق الجمع بين المتعاطفين، ويصح أن يحل محلها الواو؛ ووافق الكوفيين على ذلك: الجرمي، والأخفش، بالشرط الذي ذكره المؤلف.
مغني اللبيب: 88-89، والتصريح: 2/ 146.
4 القائل: هو: حميد بن ثور الهلالي، وقد مرت ترجمته.
5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 146، والأشموني: 828/ 2/ 424، والعيني: 4/ 146، والسيرة: 200، والمغني: 99/ 90، والسيوطي: 72، وديوان حميد بن ثور: 111.
المفردات الغريبة: الصريخ: صوت المستصرخ المستغيث، ويطلق على المستغيث نفسه؛ وكلا المعنيين يصلح هنا، وقد يطلق الصريخ على المغيث، قال تعالى: {فَلا صَرِيخَ لَهُمْ} ؛ أي: لا مغيث. ملجم: جاعل اللجام في موضعه من الفرس. مهره: أصله الحصان الصغير، والمراد هنا: الحصان. سافع: قابض على ناصية فرسه. =(3/342)
وزعم أكثر النحويين1: أن "إما" الثانية في الطلب والخبر، نحو: "تزوج إما
__________
= المعنى: يصف القوم بالشجاعة والنجدة، فيقول: إنه إذا سمعوا استغاثة من أحد؛ أسرعوا لإجابته ونجدته؛ فترى من يلجم فرسه، ومن يأخذ بناصية فرسه حتى يحضر له غلامه اللجام للإسراع في نجدة المستغيث ... إلخ.
الإعراب: قوم: خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هم قوم. إذا: ظرف متضمن معنى الشرط. سمعوا: فعل ماضٍ مبني على الضم؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: فاعل، والألف: للتعريف. الصريخ: مفعول به منصوب؛ وجملة "سمعوا الصريخ": في محل جر بالإضافة. رأيتهم: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل، و"هم": مفعول به؛ وجملة "رأيتهم": جواب شرط غير جازم، لا محل لها. ما: زائدة، لا عمل لها. "بين": متعلق بـ"رأى"، وهو مضاف. ملجم: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. مهره: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة، أو: حرف عطف، لا محل له من الإعراب. سافع: اسم معطوف على ملجم مهره مجرور مثله.
موطن الشاهد: "بين ملجم مهره أو سافع".
وجه الاستشهاد: استعمال "أو" بمعنى الواو العاطفة؛ وذلك؛ لأن "بين" لا تضاف إلا لمتعدد لفظا ومعنى؛ ولو أبقيت "أو" على معناها -وهو أحد الشيئين أو الأشياء- لأضيفت "بين" إلى واحد، وهو غير سائغ في اللغة.
ونظير البيت الشاهد قول امرئ القيس:
فظل طهاة اللحم ما بين منضج ... صفيف شواء أو قدير معجل
فـ"أو" هنا بمعنى الواو أيضا.
فائدة: تكون "أو" للتخيير والإباحة بعد الأمر، وتكون للشك والإبهام بعد الجمل الخبرية. وتكون بمعنى التفصيل والإضراب، والواو بعد الطلب وبعد الخبر؛ والأفضل في الإضراب: أن يسبقه نفي أو نهي، وأن يتكرر العامل معه؛ ومعلوم أن هذه المعاني المسموعة خاضعة للسياق، والقرائن لتبين نوع كل منها.
ضياء السالك: 3/ 185.
1 فوائد وتوجيهات:
فائدة أولى: لغة أكثر العرب كسر همزة "إما"، ولغة تميم وقيس وأسد فتح همزتها.
فائدة ثانية: يغلب في "إما" تكرارها، وقد تحذف الثانية ويؤتى في الكلام ما يقوم مقامها؛ كما يقال: "إما أن تتكلم بخير وإلا فاسكت"، وقد تحذف الأولى ويُكتفى بالثانية؛ كقول الشاعر:
تلم بدار قد تقادم عهدها ... وإما بأموات ألم خيالها
فالمعنى تلم إما بدار قد تقادم عهدها وإما بأموات. =(3/343)
هندا وإما أختها" و"جاءني إما زيد وإما عمرو"، بمنزلة "أو" في العطف والمعنى، وقال أبو علي وابنا كيسان1 وبرهان2: هي مثلها في المعنى فقط، ويؤيده قولهم: إنها مجامعة للواو لزوما، والعاطف لا يدخل على العاطف؛ وأما قوله3: [البسيط]
422- أيما إلى جنة أيما نار4
__________
= فائدة ثالثة: اتفق النحاة على أن "إما، لا تأتي بمعنى الواو، ولا بمعنى "بل"، وإنما تأتي لما تأتي له "أو" من المعاني المشهورة المتفق عليها؛ وهي التخيير والإباحة بعد الطلب، والشك والإبهام بعد الخبر.
فائدة رابعة: اختلف النحاة في "إما" أمركبة هي أم بسيطة؟ فذهب سيبويه: إلى أنها مركبة من "إن" و"ما"، وذهب غيره من النحاة إلى أنها بسيطة، وضعت هكذا من أول الأمر؛ وهذا الرأي؛ هو الراجح؛ لأن البساطة -أي: عدم التركيب- هي الأصل.
فائدة خامسة: لا خلاف بين النحاة في أن "إما" الأولى غير عاطفة؛ لأنها تقع بين العامل ومعموله؛ نحو: تزوج إما هندا، وإما أختها، واختلفوا في "إما" الثانية؛ فذهب أكثر النحاة: إلى أنها عاطفة والواو قبلها زائدة؛ لكيلا يلزم دخول العاطفة على العاطف. وذهب أبو علي الفارسي وابن كيسان وابن برهان: إلى أن العاطف هو الواو و"إما": دالة على الإباحة، أو التخيير، أو الشك، أو الإبهام. فـ"إما" -عند هؤلاء- مثل "أو" في الدلالة على المعنى فقط؛ وليست مثلها في عطف ما قبلها على ما بعدها، وزعم ابن عصفور: أن النحاة مجمعون على أن "إما" غير عاطفة وزعمه مخالف لما ذهب إليه العلماء.
انظر التصريح: 2/ 146، والمغني: 84-87، وحاشية الصبان: 3/ 109-110.
1 ابن كيسان مرت ترجمته.
2 ابن برهان هو أبو القاسم، عبد الواحد بن علي بن برهان الأسدي العكبري، عالم في اللغة والتاريخ، وأيام العرب، تصدر للتدريس ببغداد، ويعرف بشراسة خلقه، على من يقرأ عليه ولا يلبس السراويل، ولا يغطي رأسه؛ له من المصنفات: الاختيار في الفقه، وأصول اللغة، واللمع في النحو، مات سنة: 456هـ.
البلغة: 133، إنباه الرواة: 2/ 213، وبغية الوعاة: 2/ 120، ومعجم المؤلفين: 6/ 210، والأعلام: 4/ 326.
3 القائل: هو سعد بن قرظ.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، يهجو فيه الشاعر أمه وكان عاقا شريرا؛ وصدره قوله:
يا ليتما أمنا شالت نعامتها =(3/344)
فشاذ، وكذلك فتح همزتها وإبدال ميمها الأولى.
[معنى لكن وشروط عطفها] :
وأما "لكن" فعاطفة خلافا ليونس1، وإنما تعطف بشروط: إفراد معطوفها، وأن تسبق بنفي أو نهي، وأن لا تقترن بالواو؛ نحو: "ما مررت برجل صالح، لكن
__________
= وهو من شواهد: التصريح: 2/ 146، والأشموني: 830/ 2/ 426، والعيني: 4/ 153، والمحتسب: 1/ 41، 284، وشرح المفصل: 6/ 75، والخزانة: 4/ 431، الهمع: 5/ 135، والدرر: 2/ 182، والمغني: 88/ 85، والسيوطي: 67.
المفردات الغريبة: شالت نعامتها: كناية من كنايات العرب، ومعناها: ماتت؛ وأصل شالت: ارتفعت، والنعامة: باطن القدم، ومن مات ترتفع رجلاه وينخفض رأسه فتظهر نعامته. وقيل النعامة هنا: النعش. أيما: لغة في "إما".
المعنى يتمنى هذا الشاعر العاق لأمه، أن تكون قد ماتت، وسيان -عنده- بعد ذلك، أن يكون مصيرها الذهاب إلى الجنة، أو إلى النار.
الإعراب: يا: حرف تنبيه؛ أو يا: حرف نداء والمنادى محذوف. ليتما: كافة ومكفوفة، لا عمل لها. أمنا: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، و"نا": مضاف إليه. شالت: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث. نعامتها: فاعل مرفوع، وهو مضاف، و"ها": في محل جر بالإضافة؛ وجملة "شالت نعامتها": في محل رفع خبر المبتدأ. ويجوز إعراب ليت: حرف مشبه بالفعل عاملة، و"ما" زائدة غير كافة وأمنا: اسم ليت ومضاف إليه؛ وجملة "شالت نعامتها": في محل رفع خبر "ليت". أيما: حرف دال على التقسيم، لا محل له من الإعراب؛ أو دال على التفصيل. "إلى الجنة": متعلق بـ"شالت". أيما: حرف عطف، لا محل له من الإعراب. "إلى نار": بـ"أيما" على "إلى الجنة".
موطن الشاهد: "أيما".
وجه الاستشهاد: مجيء "أيما" عاطفة غير مسبوقة بالواو؛ وهذا شاذ، وكذلك فتح همزتها مع قلب ميمها ياء -كما ذكر المصنف- وأما فتح همزتها وحده؛ فلا شذوذ فيه، وإنما هو لغة جماعة من العرب كـ"تميم وقيس وأسد"؛ كما ذكر المؤلف في المتن.
1 فإنها -عنده- مخففة من الثقيلة؛ ومعناها: الاستدراك، وما بعدها معمول بمحذوف يدل عليه المذكور قبلها، وإذا ذكرت معها الواو فالعطف بالواو لا بها.
انظر مغني اللبيب: 385-386، التصريح: 2/ 146-147.(3/345)
طالح" ونحو: "لا يقم زيد، لكن عمرو" وهي حرف ابتداء إن تلتها جملة؛ كقوله1: [البسيط]
423- إن ابن ورقاء لا تخشى بوادره ... لكن وقائعه في الحرب تنتظر2
أو تلت واوا؛ نحو: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} 3؛ أي: ولكن كان رسول الله،
__________
1 القائل: هو زهير بن أبي سلمى المزني، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة، يمدح فيها الشاعر الحارث بن ورقاء الصيداوي. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 147، والأشموني: 836/ 2/ 427، والعيني: 4/ 178، والهمع: 2/ 137، والدرر: 2/ 189، والمغني: 544/ 385، والسيوطي: 239، وديوان زهير: 306.
المفردات الغريبة: ورقاء: اسم رجل. بوادره: جمع بادرة؛ وهي ما يبدر من الإنسان عند الغضب. وقائعه: جمع وقيعة؛ وهي إنزال الشر بالأعداء. تنتظر: تخشى ويرتقب وقوعها.
المعنى: أن هذا الرجل، لا يخاف منه -عند غضبه وحدته-؛ لأنه يملك نفسه عند الغضب، فلا يغدر ولا يخون؛ ولكن فتكه بأعدائه في الحرب، يرتقب ويخشى منه.
الإعراب: أن: حرف مشبه بالفعل. ابن: اسم "إن" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف. ورقاء: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف. لا: نافية، لا محل له من الإعراب. تخشى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر. بوادره: نائب فاعل مرفوع، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه؛ وجملة "تخشى بوادره": في محل رفع خبر "إن". لكن: حرف ابتداء يفيد الاستدراك، لا محل له من الإعراب. وقائعه: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة. "في الحرب": متعلق بقوله "تنتظر" الآتي؛ أو بمحذوف حال من "وقائعه" أو من الضمير المستتر في "تنتظر"؛ العائد إلى "وقائعه". تنتظر: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى وقائعه؛ وجملة "تنتظر": في محل رفع خبر المبتدأ.
موطن الشاهد: "لكن".
وجه الاستشهاد: وقوع "لكن" حرف ابتداء، لا حرف عطف؛ لأن الواقع بعدها جملة لا مفرد.
3 33 سورة الأحزاب، الآية: 40.
موطن الشاهد: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} . =(3/346)
وليس المنصوب معطوفا بالواو1؛ لأن متعاطفي الواو المفردين لا يختلفان بالسلب والإيجاب2، أو سبقت بإيجاب؛ نحو: "قام زيد لكن عمرو لم يقم"، ولا يجوز "لكن عمرو" على أنه معطوف؛ خلافا للكوفيين.
["بل" معناها وشروط عطفها] :
وأما "بل" فيعطف بها بشرطين؛ إفراد معطوفها3، وأن تسبق بإيجاب أو أمر أو نفي أو نهي؛ ومعناها بعد الأولين: سلب الحكم عما قبلها وجعله لما بعدها؛ كـ"قام زيد بل عمرو"، و"ليقم زيد بل عمرو"؛ وبعد الأخيرين: تقرير حكم ما قبلها وجعل ضده لما بعدها4؛ كما أن لكن كذلك؛ كقولك: "ما كنت في منزل
__________
= وجه الاستشهاد: وقوع "لكن" حرف ابتداء، ورسول الله: خبر لكان المحذوفة، ومضاف إليه؛ والتقدير: ولكن كان رسول الله؛ وليس "رسول" معطوفا على "أبا" بالواو الداخلة على "لكن" عطف مفرد على مفرد، خلافا لـ"يونس"؛ الذي يعد "الواو" عاطفة، و"لكن" حرف استدراك. التصريح: 2/ 147.
1 أي: على أنه من عطف مفرد؛ وهو: "رسول الله"؛ علم مفرد؛ وهو: "أبا أحد".
2 فإن المعطوف عليه؛ وهو: "أبا أحد" منفي، والمعطوف؛ وهو: "رسول الله" مثبت. أما عطف الجملتين بالواو: فيجوز تخالفهما، نفيا وإيجابا؛ تقول: حضر محمد، ولم يحضر علي.
3 فإن وقع بعد "بل" جملة؛ لم تكن عاطفة، وكانت -حينئذ- حرف ابتداء دال على الإضراب؛ ويكون هذا الإضراب إبطاليا؛ أي: الدلالة على أن ما قيل قبلها كلام باطل، وذلك؛ نحو قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} ؛ ونحو قوله سبحانه: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} ؛ وقد يكون نحو قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} . وقد تزاد "لا" قبل "بل"، بعد الإيجاب؛ للدلالة على توكيد الإضراب؛ نحو قوله:
وجهك البدر لا بل الشمس لو لم ... يقض للشمس كشفة أو أفول
وقد تزاد "لا" قبل "بل" بعد النفي؛ لتقرير ما قبلها؛ نحو قول الشاعر:
وما هجرتك لا بل زادني شغفا ... هجر وبعد تراخى لا إلى أجل
وهذا البيت رد على ابن درستويه الذي ادعى أن "لا" لا تزاد قبل بل بعد النفي. مغني اللبيب: 151-153، ورصف المباني: 153، والجنى الداني: 235.
4 هذا مذهب جمهور النحاة؛ وأجاز المبرد هذا المعنى، كما أجاز أن تكون "بل" بعد =(3/347)
ربيع بل في أرض لا يهتدى بها"، و"لا يقم زيد بل عمرو"، وأجاز المبرد1 كونها ناقلة معنى النفي والنهي لما بعدها؛ فيجوز على قوله: "ما زيد قائما بل قاعدا"2؛ على معنى بل ما هو قاعدا، ومذهب الجمهور: أنها لا تفيد نقل حكم ما قبلها لما بعدها إلا بعد الإيجاب والأمر؛ نحو: "قام زيد بل عمرو"، و"اضرب زيدا بل عمرا".
[لا، معناها وشروط عطفها] :
وأما "لا" فيعطف بها بشروط: إفراد معطوفها3، وأن تسبق بإيجاب أو أمر اتفاقا؛ كـ"هذا زيد لا عمرو"، و"اضرب زيدا لا عمرا"، أو نداء؛ خلافا لابن سعدان4؛ نحو: "يابن أخي لا ابن عمي" وأن لا يصدق أحد متعاطفيها على
__________
= النفي والنهي ناقلة حكم ما قبلها لما بعدها؛ فقولك: "ما زيد قائم بل عمرو" معناه -عند الجمهور: انتفاء القيام عن زيد، والحكم بثبوت القيام لعمرو. ولا معنى للكلام سوى هذا عندهم؛ ويحتمل هذا الكلام عند المبرد معنيين؛ أحدهما: ما حكيناه عن الجمهور، والثاني: أن يكون زيد المذكور قبل "بل" غير محكوم عليه بشيء؛ لا بانتفاء القاسم، ولا بثبوته؛ وعمرو المذكور بعد "بل" محكوم عليه بانتفاء القيام عنه؛ الذي كان حكم ما قبل "بل"، وقد بين ذلك المؤلف.
مغني اللبيب: 152، والتصريح: 148، المقتضب: 1/ 12 و4/ 298.
1 مرت ترجمته.
2 قال بعضهم: إن مثل هذا الاستعمال، لم يسمع عن العرب؛ لأنه يلزم -عليه- أن "ما" لا تعمل في -قائما- شيئا؛ لأن شرط عملها بقاء النفي، في المعمول، وقد انتقل عنه؛ وقد رد نحاة آخرون: بأن الانتقاض، جاء بعد مضي العمل، فلا يضر.
انظر التصريح: 2/ 148، وحاشية الصبان: 3/ 112-113.
3 أي: ولو تأويلا؛ فيجوز أن يقال: قلت: محمد قائم لا قاعد. ولا يعطف بها جملة لا محل لها من الإعراب. ويشترط في المفرد؛ ألا يكون صالحا؛ لأن يكون صفة لموصوف مذكور، أو يكون خبرا، أو حالا؛ فإن صلح لشيء من ذلك؛ كانت "لا" للنفي المحض، وليست عاطفة، ووجب تكرارها؛ نحو قوله تعالى: {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} محمد لا كاتب، ولا شاعر؛ كما يشترط ألا تقترن بعاطف، وإلا كان العطف به؛ وهي لإفادة نفي ما قبلها؛ نحو: جاء محمد لا بل علي.
مغني اللبيب: 318، الجنى الداني: 294، ورصف المباني: 275.
4 هو أبو جعفر؛ محمد بن سعدان الضرير، كان من النحاة الكوفيين الموثوق بهم؛ عالما بالعربي والقراءة، وقد أخذها عن أهل مكة والمدينة وغيرهما، وكان يقرأ بقراءة حمزة، وصنف كتابا في النحو والقراءات؛ له ولد اسمه إبراهيم، كان من أهل العلم والفضل. مات ابن سعدان يوم الأضحى سنة: 231هـ.
بغية الوعاة: 1/ 111.(3/348)
الآخر، نص عليه السهيلي1؛ وهو حق؛ فلا يجوز "جاءني رجل لا زيد"، ويجوز "جاءني رجل لا امرأة".
وقال الزجاجي2: وأن لا يكون المعطوف عليه معمول فعل ماضٍ؛ فلا يجوز "جاءني زيد لا عمرو"3 ويرده قوله4: [الطويل]
424- عقاب تنوفى لا عقاب القواعل5
__________
1 هو: عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي، وقد مرت ترجمته.
2 هو: عبد الرحمن بن إسحاق، وقد مرت ترجمته.
3 وحجته: أن العامل يقدر بعد العاطف، ولا يصح أن يقال: لا جاء عمرو إلا على سبيل الدعاء. حروف المعاني: 71.
4 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
كان دثارا حلقت بلبونه
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 150، والأشموني: 837/ 2/ 427، والعيني: 4/ 154، والخزانة: 4/ 471، والخصائص: 3/ 191، والمغني: 439/ 318.
المفردات الغريبة: دثار: اسم رجل كان راعيا لامرئ القيس. حلقت: ذهبت وارتفعت. بلبونه: اللبون: الإبل ذوات اللبن. عقاب: طائر معروف من الطيور الكواسر. تنوفى: اسم موضع مرتفع في جبال طيئ، أغير على إبل امرئ القيس من ناحيته. القواعل: موضع دون تنوفى.
المعنى: كأن هذا الراعي -حين أغار عليه الأعداء وشردت إبله بعيدا- طارت بها عقبان ذلك الجبل العظيم، وارتفعت بها فوقه؛ فهو لا يستطيع ردها، ولا الوصول إليها، لا عقبان هذا الجبل الصغير.
الإعراب: كأن: حرف مشبه بالفعل. دثارا: اسم "كأن" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. حلقت: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث. "بلبونه": متعلق بقوله: "حلقت"، و"لبون" مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة. عقاب: فاعل "حلقت" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف. =(3/349)
[جواز العطف على الظاهر والضمير] :
فصل: يعطف على الظاهر والضمير المنفصل والضمير المتصل المنصوب بلا شرط؛ كـ"مقام زيد وعمرو" و"إياك والأسد"؛ ونحو: {جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} 1.
[لا يعطف على الضمير المرفوع إلا بعد توكيده] :
ولا يحسن العطف على الضمير المرفوع المتصل؛ بارزا كان أو مستترا إلا بعد توكيده بضمير منفصل2؛ نحو: {لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} 3، أو وجود فاصل؛ أي
__________
= تنوفى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر؛ وجملة "حلقت": في محل رفع خبر "كأن".
لها: حرف عطف، لا محل له من الإعراب.
عقاب: معطوف على عقاب الأول، وهو مضاف.
القواعل: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
موطن الشاهد: "لا".
وجه الاستشهاد: عطف "لا" لـ"عقاب القواعل" على "عقاب تنوفى" والمعطوف عليه معمول لفعل ماضٍ "حلقت"؛ وفي هذا رد على الزجاجي الذي يمنع ذلك؛ حيث يشترط أن يكون المعطوف عليه بـ"لا" غير معمول للفعل الماضي.
1 77 سورة المرسلات، الآية: 38.
موطن الشاهد: {جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} .
وجه الاستشهاد: عطف "الأولين" بالواو على الضمير المتصل الواقع في محل نصب مفعولا به لـ"جمعنا"؛ وهو "كم"؛ وحكم هذا العطف الجواز اتفاقا.
2 قيل في سبب ذلك: إن المتصل المرفوع؛ كالجزء من عامله المتصل به لفظا ومعنى؛ فالعطف عليه يكون كالعطف على جزء الكلمة؛ فإذا أكد دل على انفصاله فحصل له نوع استقلال.
هذا، ومثل توكيد الضمير المرفوع -توكيدا لفظيا بالضمير المنفصل- توكيده توكيدا معنويا؛ بلفظ من ألفاظ التوكيد المعنوي؛ التي مرت في باب التوكيد؛ ومن ذلك قول الشاعر:
ذعرتم أجمعون ومن يليكم ... برؤيتنا وكنا الظافرينا
فقوله "ومن يليكم": معطوف على تاء المخاطبين في قوله: "ذعرتم"؛ وهذه "التاء" نائب فاعل؛ لأنها، قد أكدت بقوله: "أجمعون".
3 21 سورة الأنبياء، الآية: 54. =(3/350)
فاصل كان بين المتبوع والتابع؛ نحو: {يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ} 1، أو فصل بـ"لا" بين العاطف والمعطوف؛ نحو {مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} 2، وقد اجتمع الفصلان في نحو: {مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ} 3، ويضعف بدون ذلك، كـ"مررت بردل سواء والعدم"4؛ أي: مستوٍ هو والعدم، وهو فاشٍ في الشعر، كقوله5: [الكامل]
425- ما لم يكن وأب له لينالا6
__________
= موطن الشاهد: {لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} .
وجه الاستشهاد: عطف "آباؤكم" على الضمير المتصل الواقع في محل رفع اسم "كان" بعد أن أكد الضمير المتصل "التاء" بالضمير المنفصل "أنتم".
1 13 سورة الرعد، الآية: 23.
موطن الشاهد: {يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ} .
وجه الاستشهاد: عطف "من صلح" بالواو على الضمير المتصل الواو؛ الواقع في محل رفع فاعل لفعل "يدخلونها" بعد أن فصل بين المتعاطفين بضمير النصب "ها".
2 6 سورة الأنعام، الآية: 148.
موطن الشاهد: {مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} .
وجه الاستشهاد: عطف "آباؤنا" على "نا" المتصلة بفعل أشرك، بالواو، وفصل بين العاطف والمعطوف بـ"لا" كما هو واضح: "ولا آباؤنا".
3 6 سورة الأنعام، الآية: 91.
وجه الاستشهاد: {مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ} .
موطن الشاهد: عطف "آباؤكم" بالواو على الضمير المتصل بفعل تعلم؛ وهو "الواو" بعد أن فصل بين المتعاطفين بالتوكيد "أنتم"؛ وفصل بين العاطف "الواو"، والمعطوف "آباؤكم" بـ"لا".
4 هذه عبارة مأثورة عن العرب، فقد رفع "العدم" بالعطف على الضمير المستتر في "سواء"؛ لأنه مؤول بالمشتق فيتحمل الضمير؛ وليس بينهما فاصل.
5 القائل: هو جرير بن عطية الخطفي، وقد مرت ترجمته.
6 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت يهجو فيه الشاعر الأخطل التغلبي وقومه؛ وصدر. قوله:
ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 151، والأشموني: 840/ 2/ 429، والعيني: =(3/351)
[العطف على الضمير المخفوض] :
ولا يكثر العطف على الضمير المخفوض إلا بإعادة الخافض، حرفا كان أو
__________
= 4/ 160، والإنصاف: 2/ 476، والمقرب: 50، والهمع: 2/ 138، والدرر: 2/ 181 والكامل للمبرد "الخيرية": 1/ 119، 2/ 39، وديوان جرير: 451.
المفردات الغريبة: رجا: أمل؛ من الرجاء، وهو الأمل في الحصول على الشيء. سفاهة رأيه: ضعف رأيه وفساده.
المعنى: أن الأخطل يرجو ويتمنى -لخفته وضعف رأيه وعدم حصافته- ما لا يمكن أن يناله هو وأبوه من الآمال والأحلام.
الإعراب: رجا: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. الأخيطل: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. "من سفاهة": متعلق بـ"رجا"، وسفاهة مضاف. رأيه: مضاف إليه، وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة. ما: نكرة بمعنى شيء؛ أو اسم موصول بمعنى الذي في محل نصب مفعولا به لـ"رجا" لم: حرف نفي وجزم وقلب. يكن: فعل مضارع ناقص مجزوم، وعلامة جزمه السكون؛ واسمه: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى الأخيطل. وأب: الواو عاطفة، أب: اسم معطوف على الضمير المستتر في "يكن" والعائد إلى الأخطل. "له": متعلق بمحذوف صفة لـ"أب". لينالا: اللام لام الجحود، لا محل له من الإعراب. ينالا: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة وجوبا بعد لام الجحود؛ وعلامة نصبه حذف النون؛ والألف: ضمير متصل في محل رفع فاعل؛ وجملة "ينالا": صلة للموصول الحرفي، لا محل لها؛ والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": مجرور باللام؛ و"الجار والمجرور"؛ متعلق بخبر يكن؛ وجملة "يكن واسمها وخبرها": في محل نصب صفة لـ"ما" إذا عددناها نكرة تامة بمعنى شيء؛ وصلة للموصول إذا عددناها اسما موصولا بمعنى الذي؛ وعلى هذا التقدير: فالعائد إلى الاسم الموصول محذوف؛ وتقديره: رجا الأخيطل شيئا لم يكن هو وأبوه لينالاه.
موطن الشاهد: "يكن وأب له".
وجه الاستشهاد: عطف "أب" بالواو على الضمير المرفوع المستتر في "يكن" -على رأي الكوفيين- والبصريون لا يجيزون ذلك، ويشترطون تأكيده؛ فلو جاء بالكلام على ما التزمه البصريون؛ لقال: ما لم يكن هو وأب له؛ أو لفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بشيء؛ ومثل هذا الشاهد السابق قول الراعي النميري:
فلما لحقنا والجياد عشية ... دعوا يا لكلب واعتزينا لعامر
انظر الدرر اللوامع: 2/ 191.(3/352)
اسما؛ نحو: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ} 1، {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ} 2 وليس بلازم، وفاقا ليونس والأخفش والكوفيين، بدليل قراءة ابن عباس والحسن3 وغيرهما: "تساءلون به والأرحامِ"4، وحكاية قطرب5 "ما فيها غيره..............
__________
1 41 سورة فصلت، الآية: 11.
موطن الشاهد {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ} .
وجه الاستشهاد: عطف "للأرض" على "الهاء" في "لها" المجرورة باللام، وأعيدت الأم مع المعطوف؛ وحكم إعادة الخافض؛ الجواز مع الكثرة.
2 2 سورة البقرة، الآية: 133.
موطن الشاهد: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "آبائك" معطوفا على الكاف المخفوضة بإضافة "إله" إليها، وأعيد المضاف؛ وهو "إله" مع المعطوف؛ وأعيد الخافض في هذه الآية والتي قبلها؛ لأن الضمير المخفوض؛ كالتنوين في شدة اللزوم -كما قال الحوفي- وكما لا يعطف على التنوين؛ لشدة لزومه؛ لا يعطف على ما أشبهه. التصريح: 2/ 151.
3 عبد الله بن عباس، والحسن البصري؛ وقد مرت ترجمتهما.
4 4 سورة النساء، الآية: 1.
أوجه القراءات: قرأ ابن عباس، والحسن البصري، وحمزة: "والأرحام"، بالجر عطفا على الضمير المتصل الواقع في محل جر بالباء في قوله تعالى: {تَسَاءَلُونَ بِهِ} .
وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: " تَسَاءَلُونَ بِهِ "، وقرأ ابن مسعود: "تسألون". البحر المحيط: 3/ 157، والتيسير: 93، والحجة: 188.
موطن الشاهد: {تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} .
وجه الاستشهاد: جر "الأرحام" وعطفه على الضمير المجرور بالياء -على هذه القراءة- من دون إعادة الجار؛ لأن التقدير: تساءلون به وبالأرحام؛ فدل ذلك على أنه يجوز إعادة الجار، وعدم إعادته.
5 هو أبو علي، محد بن المستنير البصري النحوي، لازم سيبويه، وأخد عنه كثيرا، وكان يدلج إليه، فإذا خرج سيبويه سحرا رآه على بابه، فقال له: ما أنت إلا قطرب ليل؛ فلقب به؛ والقطرب: دويبة تسعى طول الليل لا تفتر.
وقد أخذ كذلك، عن عيسى بن عمر، وجماعة من علماء البصرة؛ له مصنفات كثيرة؛ منها: الاشتقاق، والأضداد، ومعاني القرآن، والعلل في النحو، وغير ذلك. مات سنة 206هـ.
البلغة: 247، إنباه الرواة: 3/ 219، بغية الوعاة: 1/ 242، الفهرست: 52، الأعلام: 7/ 315.(3/353)
............................... وفرسه"1، قيل: ومنه {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} 2 إذ ليس العطف على السبيل؛ لأنه صلة المصدر3، وقد عطف عليه {كُفْرٌ} ولا يعطف على المصدر حتى تكمل معمولاته4.
[عطف الفعل على الفعل] :
ويعطف الفعل على الفعل بشرط اتحاد زمانيهما؛ سواء اتحد نوعاهما؛ نحو:
__________
1 هذه قولة لبعض العرب؛ وقد جرت "فرسه" بالعطف على الهاء المجرورة بإضافة "غير" إليها، من غير إعادة الجار، وهو المضاف.
2 2 سورة البقرة، الآية: 217.
موطن الشاهد: {كُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} .
وجه الاستشهاد: عطف "المسجد" على "الهاء" المجرور محلا بالباء، من غير إعادة الخافض؛ لأنه لو أعيد؛ لقيل: وبالمسجد؛ وذكر صاحب التصريح: "وقال في المغني: والصواب أن خفض المسجد بباء محذوفة؛ لدلالة ما قبلها عليها، لا بالعطف؛ ومجموع "الجار والمجرور" عطف على "به".
انظر التصريح: 2/ 152.
3 أي: وهو "صد"؛ لأنه متعلق به.
4 وذلك، لئلا يلزم الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي؛ فلو عطف "المسجد" على "سبيل"؛ لكان من جملة معمولات "صد"؛ لأن المعطوف على معمول المصدر، من جملة معمولاته؛ وفي العطف على الضمير المخفوض، يقول الناظم:
وعود خافض لدى عطف على ... ضمير خفض لازما قد جعلا
وليس عندي لازما إذ قد أتى ... في النثر والنظم الصحيح مثبتا
والمعنى: أن عود الخافض -عند العطف، على الضمير- أمر لازم عند النحاة؛ ولكنه ليس بلازم، عند ابن مالك؛ لأن عدم إعادته، قد ورد مثبتا في النظم، وفي النثر معا. هذا، وقد استدل من أجاز العطف على الضمير المجرور من دون إعادة الجار، بقول الشاعر:
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيام من عجب
حيث عطف "الأيام" على الضمير المخاطب المتصل في قوله: "بك"، من غير إعادة "الجار" مع المعطوف؛ لأنه لو أعاد؛ لقال: فما بك وبالأيام؛ والأمثلة على هذا كثيرة.
انظر التصريح: 2/ 152، والمغني: 700، وحاشية الصبان: 3/ 114-115.(3/354)
{لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ} 1؛ ونحو: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} 2، أم اختلفا؛ نحو: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} 3؛ ونحو: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} 4 الآية.
[عطف الفعل على الاسم المشبه له في المعنى] :
ويعطف الفعل على الاسم المشبه له في المعنى5؛ نحو: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا
__________
1 25 سورة الفرقان، الآية: 49.
موطن الشاهد: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ} .
وجه الاستشهاد: عطف فعل "نسقيه" على فعل "نحيي"؛ وكلاهما فعل مضارع منصوب؛ وحكم هذا العطف الجواز باتفاق.
2 47 سورة محمد، الآية: 36.
موطن الشاهد: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} .
وجه الاستشهاد: عطف "تتقوا" على "تؤمنوا"، و"يسألكم" على "يؤتكم"؛ من عطف الشرط على الشرط، والجواب على الجواب؛ وكلاهما فعل مضارع مجزوم؛ وحكم هذا العطف الجواز باتفاق.
3 11 سورة هود، الآية: 98.
موطن الشاهد: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} .
وجه الاستشهاد: عطف فعل "أورد" على فعل "يقدم"؛ وأورد ماض، ولكنه مستقبل المعنى؛ لأنه بمعنى يورد؛ والثاني: مضارع؛ وحكم هذا العطف جائز باتفاق.
4 25 سورة الفرقان، الآية: 10.
موطن الشاهد: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} .
وجه الاستشهاد: عطف "يجعل" وهو مضارع مجزوم على "جعل" الماضي؛ لأنه في محل جزم؛ وهو مستقبل بسبب دخول أداة الشرط عليه؛ التي تستلزم أن يكون زمن فعل الشرط وجوابه مستقبلا، وحكم العطف -هنا- جائز باتفاق.
هذا، ويلاحظ -هنا: أن المصنف مثل للماضي والمضارع ولم يمثل للأمر؛ وذلك لأن فعل الأمر بدون فاعله، لا يكون معطوفا، ولا معطوفا عليه -على الصحيح-؛ لأنه لا يفارق فاعله لا لفظا، ولا تقديرا. ويعرف عطف الفعل وحده على آخر كذلك؛ إذا نصب الفعلان، أو جزما بغير تكرار الناصب، أو الجازم. أما في حالة الرفع في المضارعين؛ فيجوز أن يكون من عطف المفرد، أو الجملة؛ والقرينة هي التي توضح المراد. ضياء السالك: 3/ 196.
5 هو الاسم المشتق العامل؛ كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة والمصدر الصريح أيضا، واسم الفعل في بعض أحواله.(3/355)
فَأَثَرْنَ} 1؛ ونحو: {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} 2؛ ويجوز العكس كقوله3: [الرجز]
426- أم صبي قد حبا أو دارج4
__________
1 100 سورة العاديات، الآية: 3، والآية 4.
موطن الشاهد: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا فَأَثَرْنَ} .
وجه الاستشهاد: عطف "أثرن" وهو فعل ماض على "المغيرات"؛ وهو اسم فاعل مشبه للفعل؛ لأنه في تأويل الفعل؛ والتقدير: واللائي أغرن؛ وقيل: إن "أثرن" لا محل لها؛ لأنها معطوفة على صلة أل؛ وهو الرأي الأرجح.
2 67 سورة الملك، الآية: 19.
موطن الشاهد: {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} .
وجه الاستشهاد: عطف فعل "يقبضن" على "صافات"؛ وهو اسم فاعل؛ لأنه في معنى "يصففن"؛ ومعنى صافات: ناشرات أجنحتهن في الجو؛ ومعنى يقبضن: يضممن الأجنحة إلى الأجسام.
3 القائل هو: جندب بن عمرو؛ ولم أعثر له على ترجمة وافية.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، يذكر فيه امرأة الشماخ بن ضرار الغطفاني الشاعر المعروف؛ وصدره قوله:
يا رب بيضاء من العواهج
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 152، والأشموني: 844/ 2/ 430.
المفردات الغريبة: العواهج: جمع عوهج؛ وهي في الأصل: الطويلة العنق من الظباء والنوق والنعام؛ والمراد هنا: المرأة التامة الخلق. حبا: زحف ومشى على عجزه. دارج: اسم فاعل، من درج الصبي إذا مشى هينا متقارب الخطو.
المعنى: يريد الشاعر امرأة تامة الخلق، تشبه الظباء في طول عنقها، ولا يكون معها غير صبي يحبو، أو قريب عهد بالمشي لا يكاد يدرك، حتى لا ينم عن اتصاله بها.
الإعراب: يا: للتنبيه. رب: حرف جر شبيه بالزائد. بيضاء: اسم مجرور لفظا بـ"رب" وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف، في محل رفع مبتدأ. "من العواهج": متعلق بمحذوف صفة لـ"بيضاء". أم: بالجر بدل أو عطف بيان على "بيضاء" باعتبار اللفظ؛ وبالرفع باعتبار المحل؛ أو خبر لمبتدأ محذوف، أم: مضاف. صبي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. قد: حرف تحقيق، لا محل له من الإعراب. حبا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى "صبي"؛ وجملة "حبا": في محل جر صفة لـ"صبي". أو: حرف عطف. دارج: معطوف على =(3/356)
وجعل منه الناظم: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} 1 وقدر الزمخشري عطف "مخرج" على "فالق"2.
__________
= "حبا"؛ لتأويله بـ"درج"؛ مجرور بالكسرة الظاهرة؛ لأن محل المعطوف عليه "حبا" جر؛ لكونه -كما علمنا- صفة لـ"صبي"؛ وفي هذا شيء من التساهل؛ لأن الذي هو في محل جر، إنما هو الفعل وفاعله معا، وليس للفعل وحده محل.
موطن الشاهد: "دارج". وجه الاستشهاد: عطف الاسم المشبه للفعل "دارج" على الفعل "حبا"؛ وفي هذا تساهل -كما أسلفنا-؛ لأن المعطوف عليه: محل جملة "حبا"؛ لأنها صفة للنكرة؛ فهو من العطف على الجملة؛ لا على الفعل.
وقيل: إن قبل هذا الرجز:
يا ليتني علقت غير حارج ... قبل الصباح ذات خلق بارج
فيكون قوله: "أم صبي" بدلا أو عطف بيان من "ذات خلق بارج" ومعنى غير حارج: غير آثم، ولا واقع في الحرج. وبارج: حسن وجميل.
انظر ضياء السالك: 3/ 197.
1 6 سورة الأنعام، الآية: 95.
موطن الشاهد: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} .
وجه الاستشهاد: استشهد المؤلف بهذه الآية على عطف اسم الفاعل "مخرج" على الفعل "يخرج" -تبعا لابن مالك-؛ ويرى الزمخشري: أن "مخرج" معطوف على "فالق"؛ فيكون من عطف الاسم على الاسم؛ ولكل منهما مرجحان، فمرجح الأول: سلامته من الفصل بين المتعاطفين بجملة، وذكر الشيء ومقابله؛ ومرجح الثاني: عدم التأويل، والتوافق بين نوعي المتعاطفين. التصريح: 2/ 153.
2 فيكون من عطف الاسم على الاسم.
هذا، ويجوز عطف الجملة الاسمية على نظيرتها؛ كما يجوز عطف الجملة الفعلية على مثلها؛ بشرط اتفاقهما خبرا أو إنشاء. ويمتنع إن اختلفا في ذلك على الصحيح. أما عطف الاسمية على الفعلية، والعكس؛ فجائز على الراجح. ومن الحكم المأثورة: "للباطل جولة ثم يضمحل"؛ فالجملة المضارعة معطوفة على الجملة الاسمية قبلها. وقد تعطف الجملة على المفرد، أو العكس؛ إذا كانت الجملة في الحالتين مؤولة بالمفرد؛ كأن تكون نعتا، أو خبرا، أو حالا؛ كقوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} ؛ أي: أو قائلين. وقوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا} ؛ فقاعدا معطوف على قوله "لجنبه".(3/357)
[ما تختص به الفاء والواو] :
فصل: تختص الفاء والواو بجواز حذفهما مع معطوفهما لدليل1؛ مثاله في الفاء: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ} 2؛ أي: فضرب فانبجست، وهذا الفعل المحذوف معطوف على "أوحينا"؛ ومثاله في الواو قوله3: [الطويل]
427- فما كان بين الخير لو جاء سالما ... أبو حجر إلا ليال قلائل4
__________
1 وتشاركهما في ذلك "أم" المتصلة؛ كقول الشاعر:
دعاني إليها القلب إني لأمره ... سميع فما أدري أرشد طلابها
والتقدير: أرشد طلابها أم غي؟ فحذف أم ومعطوفها؛ لانفهام ذلك من همزة الاستفهام. وقيل: إن الهمزة للتصديق؛ فلا تحتاج لمعادل.
ونظير ذلك قول أبي ذؤيب أيضا:
وقال صحابي قد غبنت وخلتني ... غبنت فما أدري أشكلكم شكلي
وتقدير الكلام: فما أدري أشكلكم شكلي أم غيره؟
وإنما اقتصر المؤلف -هنا- على ذكر الواو والفاء -كما اقتصر ابن مالك في الألفية عليهما-؛ لأن حذفهما مع معطوفهما أكثر من ذلك الحذف مع غيرهما.
التصريح: 2/ 154.
2 7 سورة الأعراف، الآية: 160.
موطن الشاهد: {فَانْبَجَسَتْ}
وجه الاستشهاد: عطف "فانبجست" على "ضرب" المحذوف؛ والتقدير: فضرب فانبجست؛ والفعل المحذوف "ضرب": معطوف على "أوحينا" من قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ} ؛ وتسمى الفاء العاطفة على مقدر فاء الفصيحة. التصريح: 2/ 153.
3 هو: النابغة الذبياني، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا بيت من قصيدة للنابغة، يرثي فيها أبا حجدر النعمان بن الحارث بن أبي شمر الغساني. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 153، والأشموني: 844/ 2/ 430، والعيني: 4/ 167، وديوان النابغة الذبياني: 62.
المعنى: لم يكن بيني وبين ما كنت أرجو وأطمع فيه، من خير ونعمة، إلا مدة قليلة؛ لو سلم النعمان، وجاء إلينا؛ ولكن القدر كان له بالمرصاد؛ فذهبت آمالي.
الإعراب: ما: نافية، لا محل لها من الإعراب. كان: فعل ماض ناقص. "بين": متعلق بمحذوف خبر "كان" تقدم على اسمه، وهو مضاف. الخير: مضاف إليه مجرور. لو: حرف شرط غير جازم. جاء: فعل ماض مبني على الفتح. سالما: حال =(3/358)
أي: بين الخير وبيني؛ وقولهم: "راكب الناقة طليحان"؛ أي: والناقة.
وتختص الواو بجواز عطفها عاملا قد حذف وبقي معموله1؛ مرفوعا كان؛ نحو؛ {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} 2؛ أي: وليسكن زوجك، أو منصوبا؛ نحو: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} 3؛ أي: وألفوا الإيمان، أو مجرورا، نحو: "ما كل سوداءَ تمرة ولا بيضاءَ شحمة"؛ أي، ولا كل بيضاء.
وإنما لم يجعل العطف فيهن على الموجود في الكلام لئلا يلزم في الأول: رفع
__________
= منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة؛ تقدم على صاحبه "أبو حجر". أبو: فاعل جاء مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. حجر: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة؛ وجواب "لو" محذوف؛ لدلالة سياق الكلام عليه؛ وجملة "لو وفعلها وجوابها": اعتراضية، لا محل لها؛ لاعتراضها بين خبر كان واسمها. إلا: أداة حصر، لا محل لها من الإعراب. ليال: اسم كان مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين. قلائل. صفة لـ"ليال" مرفوعة، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
موطن الشاهد: "وبيني".
وجه الاستشهاد: حذف "الواو" ومعطوفها وهو "وبيني"؛ لأن التقدير: بين الخير وبيني؛ كما ذكر المصنف، والدليل على ذلك: أن "بين" يجب أن تضاف إلى متعدد، كما أسلفنا.
1 انظر هذا الموضوع في مباحث المفعول معه.
2 2 سورة البقرة، الآية: 35.
موطن الشاهد: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "زوجك" فاعلا لفعل محذوف، معطوف على "سكن"؛ والتقدير: اسكن أنت ولتسكن زوجك؛ فهو من عطف الأمر على الأمر؛ وحكم هذا العطف الجواز باتفاق.
3 59 سورة الحشر، الآية: 9.
موطن الشاهد: {تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "الإيمان" مفعولا به؛ لفعل محذوف، معطوف على تبوءوا؛ والتقدير: تبوءوا الدار وألفوا الإيمان؛ فهو من عطف جملة على جملة؛ وحكم هذا العطف الجواز.(3/359)
فعل الأمر للاسم الظاهر1؛ وفي الثاني: كون الإيمان متبوأ، وإنما يتبوأ المنزل2؛ وفي الثالث: العطف على معمولي عاملين3؛ ولا يجوز في الثاني أن يكون الإيمان مفعولا معه؛ لعدم الفائدة في تقييد الأنصار بمصاحبة الإيمان؛ إذ هو أمر معلوم.
[جواز حذف المعطوف عليه بالفاء والواو] :
ويجوز حذف المعطوف عليه بالفاء والواو4؛ فالأول كقول بعضهم: "وبك وأهلا وسهلا"، جوابا لمن قال له: مرحبا، والتقدير: ومرحبا بك وأهلا5، والثاني؛ نحو: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} 6؛ أي: أنهملكم فنضرب، ونحو:
__________
1 أي: لو جعل "وزوجك" معطوفا على فاعل اسكن المستتر؛ لكان شريكه في عامله؛ والأمر لا يرفع الظاهر.
2 أي: لو جعل "الإيمان" معطوفا على "الدار"؛ لكان معمولا لتبوءوا؛ والتبوء؛ معناه: التهيؤ. وقيل: إنه يقال: تبوأ فلان الدار، إذا لزمها، وعلى هذا يصح العطف، ولا يحتج إلى تقدير عامل.
3 ذلك؛ لأن "سوداء": معمول لـ"كل"، و"تمرة" معمول "ما" فلو عطف بيضاء على سوداء، وشحمة على تمرة؛ لزم ذلك المحذور، وهو غير جائز على الأصح عند الجمهور.
التصريح: 2/ 154.
4 ومثلهما "أم" المتصلة، وذلك عند أمن اللبس في الجميع.
5 الجار والمجرور وهو "بك" متعلقان بكلمة "مرحبا" المحذوفة "وأهلا" الواو عاطفة، و"أهلا" معطوف على مرحبا المحذوفة؛ عطف مفرد على مفرد؛ فالمعطوف عليه محذوف؛ وهو محل الشاهد، و"سهلا" معطوف على مرحبا المحذوفة؛ فالمعطوف عليه محذوف. وسيبويه يجعل "مرحبا" و"أهلا" منصوبين على المصدر. ونظير هذه العبارة قول القائل: "وعليكم السلام"؛ جوابا لمن قال: "السلام عليكم"، فالواو في الجواب؛ لعطف كلام المتكلم المجيب، على كلام المخاطب؛ مثلها في العبارة السابقة.
التصريح: 2/ 155، كتاب سيبويه: 1/ 295.
6 43 سورة الزخرف، الآية: 5.
موطن الشاهد: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} .
وجه الاستشهاد: عطف جملة "نضرب" على جملة محذوفة؛ والتقدير: أنهملكم فنضرب عنكم الذكر صفحا؟.(3/360)
{أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} 1؛ أي: أعموا فلم يروا.
__________
1 34 سورة سبأ، الآية: 9.
موطن الشاهد: {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} .
وجه الاستشهاد: عطف كل من جملتي "نضرب"، و"لم يروا" بالفاء على جملة محذوفة بينها وبين الهمزة؛ لأن المعطوف عليه بالفاء خاص بالجمل؛ والهمزة في الموضعين في موضعها الأصلي؛ وهذا رأي الزمخشري ومن تبعه، واختاره المصنف. غير أن سيبويه والجمهور، يرون: أن الهمزة قدمت من تأخير؛ تنبيها على أصالتها في التصدير؛ ومحلها الأصلي بعد الفاء؛ والأصل: فأنضرب، فألم يروا. والأول أرجح.
ومثال الحذف مع بقاء "أم" المتصلة، قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} ؛ فالتقدير: أعلمتم أن الجنة حفت بالمكاره؟ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ... وقد أشار ابن مالك إلى ما تقدم بقوله:
"وحذف متبوع بدا هنا استبح".
والمعنى: أي استبح حذف معطوف عليه ظهر، وذكر في هذا الموضع، وهو العطف بالواو والفاء وأم.
انظر التصريح: 2/ 154-155.
حاشية الصبان: 3/ 117.
فوائد وملحقات: أ- لا يجوز تقديم المعطوف على المعطوف عليه، وما ورد من ذلك؛ فهو شاذ يقتصر فيه على المسموع؛ ومنه قول الأحوص:
ألا يا نخلة من ذات عرق ... عليك ورحمة الله السلام
ب- يجوز الفصل بين الواو ومعطوفها بظرف، أو جار ومجرور؛ ومنه قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} ، ولا يجوز بين الفاء ومعطوفها إلا في الضرورة الشعرية.
ج- الأصل في عطف النسق: المغايرة بين المتعاطفين، فلا يصح عطف الشيء على نفسه. وأجاز بعضهم ذلك إذا اختلف اللفظان لغرض بلاغي، أو لقصد التفسير والتوضيح، ومنه قول الشاعر:
وألفى قولها كذبا ومينا
انظر ضياء السالك: 3/ 201.(3/361)
باب عطف النسق
...
إلى مضاف لما قارنها؛ كقوله1: [الطويل]
383- فنعم ابن أخت القوم غير مكذب2
__________
1 القائل: هو أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: البيت من كلمة يمدح فيها أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم، ويعاتب قريشا على ما كان منها، وهذا البيت يذكر فيه زهير بن أبي أمية -وهو ابن أخته عاتكة- يذكره بالخير؛ لأنه كان أحد الذين نقضوا الصحيفة التي كتبتها قريش لتقاطع آل النبي في حديث معروف.
وما ذكره المصنف صدر بيت وعجزه قوله:
زهير حساما مفردا من حمائل
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 95، والأشموني: 739/ 2/ 371، والسيرة: 176، وتاريخ ابن كثير: 3/ 56، والعيني: 4/ 15، والهمع: 2/ 85، والدرر: 2/ 109، وديوان أبي طالب: الورقة: 3.
المفردات الغريبة: حسام، الحسام: السيف القاطع سمي بذلك؛ لأنه يحسم الخلاف بين الناس، حمائل: جمع حمالة، وهي علاقة السيف.
المعنى: يمدح أبو طالب زهيرًا ابن أخته بأنه صادق المودة، مخلص لرحمه، لا ينسب إلى الكذب، وهو ماضي العزيمة نسيج وحده، كالسيف الذي يفرد عن حمائله؛ وزهير هذا هو ابن أمية بن عاتكة بنت عبد المطلب؛ أخت أبي طالب، وعمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زهير أحد الرجال الذين اتفقوا على نقض الصحيفة التي تعاهدت فيها قريش على مقاطعة بني هاشم، وعلقوها في الكعبة؛ ليلجئوهم إلى حمل النبي على ترك دعوته.
الإعراب: نعم: فعل ماضٍ جامد، دال على إنشاء المدح مبني على الفتح. ابن: فاعل نعم مرفوع، وهو مضاف. أخت: مضاف إليه، وهو مضاف. القوم: مضاف إليه. غير: حال من فاعل نعم، وهو مضاف. مكذب: مضاف إليه؛ وجملة "نعم وفاعله": في محل رفع خبر مقدم. زهير: مخصوص بالمدح مبتدأ مؤخر، ويجوز أن نعرب "زهير": خبرًا لمبتدأ محذوف وجوبا والتقدير: هو زهير. حساما -بالنصب- حال من زهير منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة؛ خلافا لرواية العيني بالرفع حيث أعربها صفة لزهير، وإن صحت هذه الرواية -بالرفع- لم يصح الإعراب؛ لأن زهيرا علم، فهو معرفة وحساما نكرة، ومعلوم أن المعرفة لا توصف بالنكرة، ولهذا تخرج رواية الرفع على أن "حسام": خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: هو حسام. مفردا: صفة لـ"حسام" منصوب. من: حرف جر. حمائل: اسم مجرور، وجره =(3/241)
هذا باب البدل1
[تعريف البدل] :
وهو2: "التابع، المقصود بالحكم، بلا واسطة".
[محترزات التعريف] :
فخرج بالفصل الأول النعت والبيان والتأكيد؛ فإنها مكملات للمقصود بالحكم.
وأما النسق فثلاثة أنواع:
أحدها: ما ليس مقصودا بالحكم، كـ"جاء زيد لا عمرو" و"ما جاء زيد بل عمرو"، أو "لكن عمرو" أما الأول": فواضح3؛ لأن الحكم السابق منفي عنه؛ وأما
__________
1 هذه هي تسمية البصريين؛ لهذا النوع من التوابع، وأما الكوفيون، فيسمونه الترجمة والتبيين؛ حكى ذلك الأخفش، وحكى ابن كيسان أنهم يسمونه؛ التكرير. التصريح: 1/ 155.
2 البدل في اللغة العوض، وفي الاصطلاح ما ذكره المؤلف.
والغرض الذي يقصده المتكلم من الإتيان في كلامه بالبدل، بعد ذكره المبدل منه؛ هو إفادة توكيد الحكم، وتقريره، بواسطة ذكر الاسم مقصودا بالحكم، بعد أن يوطئ، ومهد لذلك، بالتصريح بتلك النسبة إلى ما قبله؛ ألا ترى أنك حين تقول: "سمعت أبا الأنوار محمدا"، أو تقول: "أعجبني الأستاذ علمه"، وقد ذكرت الاسم الثاني مقصودا لك، بنسبة الحكم إليه، بعد أن ذكرت هذا الحكم مصرحا بنسبته، إلى الاسم الأول؛ فكنت كمن ذكر الحكم والمحكوم عليه مرتين؛ وهذا هو السر في قولهم: "البدل في حكم تكرير العامل". وانظر حاشية الصبان: 3/ 123-124، والتصريح: 2/ 155، وأوضح المسالك: 3/ 399-400.
3 بيان ذلك: أن الحكم في المثال الأول؛ هو إثبات المجيء لزيد؛ وهذا الحكم منفي عن عمرو بواسطة لا.(3/362)
الآخران: فلأن الحكم السابق؛ هو نفي المجيء، والمقصود به: إنما هو الأول1.
النوع الثاني: ما هو مقصود بالحكم هو وما قبله؛ فيصدق عليه أنه مقصود بالحكم لا أنه المقصود2، وذلك كالمعطوف بالواو؛ نحو: "جاء زيد وعمرو"، و"ما جاء زيد ولا عمرو".
وهذان النوعان خارجان بما خرج به النعت والتوكيد والبيان.
النوع الثالث: ما هو مقصود بالحكم دون ما قبله، وهذا هو المعطوف ببَل بعد الإثبات؛ نحو: "جاءني زيد بل عمرو".
وهذا أنوع خارج بقولنا: "بلا واسطة"، وسلم الحد بذلك للبدل.
وإذا تأملت ما ذكرته في تفسير هذا الحد، وما ذكره الناظم وابنه ومن قلدهما علمت أنهم عن إصابة الغرض بمعزل.
[أقسام البدل] :
وأقسام البدل أربعة3:
__________
1 وذلك؛ لأن المعطوف ببل والمعطوف بلكن بعد النفي يثبت لهما نقيض الحكم السابق؛ وأما الحكم المذكور؛ فالمقصود به: هو الأول؛ فقولك "ما جاء زيد بل عمرو"؛ معناه: أن عدم المجيء ثابت لزيد وأن عمرا ثبت له المجيء -عند غير المبرد- كما علمت مما تقدم؛ وكذلك شأن مثال لكن.
التصريح: 2/ 155.
2 أي: وحده؛ لأن قوله: "هذا مقصود بالحكم" لا يمنع أن يكون غير المشار إليه مقصودا بالحكم أيضا؛ وأما عبارة "المقصود بالحكم"؛ فتدل على أنه مقصود بالحكم وحده، ولا يشاركه غيره.
انظر التصريح: 2/ 155.
3 زاد بعض النحاة نوعا خامسا؛ سماه: بدل الكل من البعض، واستدل بأمثلة متعددة من القرآن، والحديث، والشعر؛ ففي القرآن قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا جَنَّاتِ عَدْنٍ} ؛ فجنات بدل "كل" من الجنة، وهي جمع، والجنة مفرد. ويؤيد ذلك: ما رواه البخاري، عن أنس، أن حارثة أصيب يوم بدر؛ فقالت =(3/363)
الأول: بدل كل من كل؛ وهو بدل الشي مما هو طبق معناه؛ نحو: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ} 1؛ سماه الناظم البدل المطابق؛ لوقوعه في اسم الله تعالى نحو: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} 2، فيمن قرأ بالجر؛ وإنما يطلق "كل" على ذي أجزاء؛ وذلك ممتنع هنا.
__________
= أمه: إن يكن في الجنة صبت، فقال عليه الصلاة والسلام: "جنة واحدة؛ إنها جنات كثيرة" ...
ومن الشعر قول أحدهم:
كأني غداة البين يوم تحملوا ... لدى سمرات الحي ناقف حنظل
"فاليوم" بدل من "غداة" مع أنه يشملها؛ وهي جزء منه. وسمرات: جمع سمرة؛ وهي: شجرة الطلح. ناقف. وجامع الحنظل تدمع عيناه؛ فلهذا شبه به وعيناه تدمعان.
ومثله قول الآخر:
رحم الله أعظما دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات.
فإن "طلحة" بدل من قوله: "أعظما"؛ وطلحة كل؛ والأعظم: جمع عظم؛ وهو بعض طلحة.
الهمع: 2/ 127، حاشية يس على التصريح: 2/ 155-156.
1 1 سورة الفاتحة، الآية: 6 والآية 7.
موطن الشاهد: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ} .
وجد الاستشهاد: وقوع "صراط" الثانية بدل كل من كل من "صراط" الأولى.
2 14 سورة إبراهيم، الآية: 1.
أوجه القراءات: قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر والحسن: "الله" بالرفع، وقرأ الجمهور: "الله" بالجر. إتحاف الفضلاء: 271، والتيسير: 134، وإملاء ما من به الرحمن: 2/ 36.
موطن الشاهد: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} .
وجه الاستشهاد: مجيء لفظ الجلالة "الله" بدلا مطابقا من "العزيز"؛ ولا يقال فيه بدل كل من كل؛ لأن مسماه -تعالى- لا يقبل التجزئة. التصريح: 2/ 156.
فائدة: لا يحتاج البدل المطابق إلى رابط يربطه بالمتبوع؛ لأنه نفس المبدل منه في المعنى، كما أن الجملة؛ التي هي نفس المبتدأ، في المعنى، لا تحتاج إلى رابط.(3/364)
والثاني: بدل بعض من كل؛ وهو بدل الجزء من كله1؛ قليلا كان ذلك الجزء أو مساويا، أو أكثر، كـ"أكلت الرغيف ثلثه، أو نصفه، أو ثلثيه".
ولا بد من اتصاله بضمير يرجع على المبدل منه2: مذكور كالأمثلة المذكورة، وكقوله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} 3، أو مقدر؛ كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} 4؛ أي: منهم.
الثالث: بدل الاشتمال، وهو بدل شيء من شيء يشتمل عامله على معناه اشتمالا بطريق الإجمال5؛ كـ"أعجبني زيد علمه؛ أو حسنه" و"سرق زيد ثوبه، أو فرسه".
__________
1 ضابطه: أن يكون البدل جزءا حقيقيا من المبدل منه، وأن يصح الاستغناء عنه بالمبدل منه، ولا يفسد المعنى بحذفه.
2 أي: ليربط البعض بكله. ويجب في هذا الضمير؛ أن يطابق المتبوع في الإفراد والتذكير وفروعهما؛ ولا فرق بين أن يتصل هذا الضمير بالبدل مباشرة، أو بلفظ آخر له صلة بالبدل؛ نحو: قابلت العائدين من القتال أربعة منهم.
وقد يغني عن الضمير في إفادة الربط: "أل" عند أمن اللبس؛ نحو: إذا رأيت والدك فقبله اليدا؛ أي: يده، و"إلا" في الاستثناء إذا كان المبدل منه هو المستثنى منه في كلام تام؛ حيث يجوز في المستثنى النصب على الاستثناء، أو الإتباع على البدلية؛ نحو: ما نجح الطلاب إلا واحدا.
3 5 سورة المائدة، الآية: 71.
موطن الشاهد: {عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "كثير" بدلا من الواو الأولى في "عموا"؛ والواو الثانية في "صموا" عائدة على "كثير"؛ لأنه مقدم رتبة؛ والتقدير -والله أعلم: ثم عموا كثير منهم وصموا؛ وإنما قدر هذا التقدير؛ لأنه لو جعل "كثير" بدلا من الواوين معا؛ لزم توارد عاملين على معمول واحد. انظر تفصيل ذلك في التصريح: 2/ 156.
4 3 سورة آل عمران: الآية: 97.
موطن الشاهد: {لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} .
وجه الاستشهاد: وقوع "من استطاع" بدلا من "الناس"، بدل بعض من كل؛ والضمير العائد إلى المبدل منه مقدر كما بين المؤلف في المتن. التصريح: 2/ 157.
5 لتوضيح هذا التعريف، نقول: إن بدل الاشتمال، تابع يقصد به، تعيين وتوضيح أمر، =(3/365)
وأمره في الضمير كأمر بدل البعض؛ فمثال المذكور ما تقدم من الأمثلة، وقوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} 1؛ ومثال المقدر قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ} 2؛ أي: النار فيه، وقيل: الأصل "ناره" ثم نابت أل عن الضمير.
[البدل المباين وأقسامه] :
والرابع: البدل المباين3؛ وهو ثلاثة أقسام4؛ لأنه لا بد أن يكون مقصودا كما تقدم في الحد:
__________
= في متبوعه؛ وهذا الأمر من الأمور العارضة الطارئة التي ليست جزءا أصيلا من المتبوع؛ ويشتمل على هذا الأمر، ويدل عليه "العامل" في المبدل منه، ولكن بطريق إجمالية؛ لأنه لا يليق نسبته إلى ذات المبدل منه. ويرى ابن مالك: أن المشتمل؛ هو المبدل منه. وذهب الفارسي: إلى أنه البدل، وما رآه المؤلف: من أن المشتمل؛ هو "العامل" جدير بالاتباع. وهذا الاشتمال، قد يكون في أمر مكتسب؛ كالعلم والكرم والزهد، أو غير مكتسب؛ ولكنه ملازم لصاحبه؛ كالحسن، أو غير ملازم؛ كالكلام، وقد يكون الاشتمال بطريق التبعية؛ كالثوب والفرس ...
انظر التصريح: 2/ 157-158، وحاشية الصبان: 3/ 124-125، وضياء السالك: 3/ 206-207.
1 2 سورة البقرة، الآية: 217.
موطن الشاهد: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "قتال" بدل اشتمال من "الشهر"؛ والرابط بينهما الهاء المجرورة محلا بـ"في"؛ وهي متصلة بما يتعلق بالبدل. التصريح: 2/ 158.
2 85 سورة البروج، الآية: 4.
موطن الشاهد: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "النار" بدل اشتمال من "الأخدود"؛ واختلف في الرابط، فقيل: محذوف متصل بغير البدل؛ أي: النار فيه؛ وهو قول البصريين؛ وقيل: لا تقدير؛ والأصل: ناره، ثم نابت أل عن الضمير، وهو قول الكوفيين. التصريح: 2/ 158.
3 أي المغاير للمبدل منه.
4 لا بد من كل من الأقسام الثلاثة أن يكون البدل هو المقصود بالحكم؛ وهذا النوع بأقسامه الثلاثة، لا يحتاج إلى ضمير يربطه بالمتبوع.(3/366)
تم الأول إن لم يكن مقصودا البتة، ولكن سبق إليه اللسان؛ فهو بدل الغلط، أي: بدل عن اللفظ الذي هو غلط؛ لا أن البدل نفسه هو الغلط، كما قد يتوهم.
وإن كان مقصودا؛ فإن تبين بعد ذكره فساد قصده؛ فبدل نسيان؛ أي: بدل شيء ذكر نسيانا.
وقد ظهر أن الغلط متعلق باللسان، والنسيان متعلق بالجنان1؛ والناظم وكثير من النحويين لم يفرقوا بينهما فسموا النوعين بدل غلط.
وإن كان قصد كل واحد منهما صحيحا؛ فبدل الإضراب، ويسمى أيضا بدل البداء2.
وقول الناظم: "خذ نبلا مدى" يحتمل الثلاثة؛ وذلك باختلاف التقادير؛ وذلك لأن النبل: اسم جمع للسهم، والمدى: جمع مدية؛ وهي السكين.
فإذا كان المتكلم إنما أراد الأمر بأخذ المدى، فسبقه لسانه إلى النبل؛ فبدل غلط.
وإن كان أراد الأمر بأخذ النبل، ثم تبين له فساد تلك الإرادة؛ وأن الصواب الأمر بأخذ المدى؛ فبدل نسيان.
وإن كان أراد الأول، ثم أضرب عنه إلى الأمر بأخذ المدى وجعل الأول في حكم المتروك؛ فبدل إضراب وبداء.
والأحسن فيهن أن يؤتى ببل3.
__________
1 الجنان -بفتح الجيم: هو القلب.
2 البداء -بفتح الباء وبالدال المهملة: هو ظهور الأمر بعد أن لم يكن ظاهرا؛ والمراد أن يظهر لك الصواب، بعد خفاء حاله عليك.
3 لئلا يتوهم: أن "مدى" صفة لنبل. والمعنى: نبلا حادا على ما بينه المصنف.
توجيهات: أ- لا يلزم موافقة البدل لمتبوعه في التعريف والتنكير، فقد يكونان معرفتين؛ كقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} ؛ بجر كلمة "الله" على أنها بدل من =(3/367)
[إبدال الظاهر من الظاهر] :
فصل: يبدل الظاهر من الظاهر كما تقدم.
ولا يبدل المضمر من المضمر، ونحو: "قمت أنت" و"مررت بك أنت" توكيد اتفاقا؛ وكذلك نحو: "رأيتك إياك" عند الكوفيين والناظم1.
[لا يبدل مضمر من ظاهر] :
ولا يبدل مضمر من ظاهر؛ ونحو: "رأيت زيدا إياه" من وضع النحويين، وليس بمسموع.
__________
= "العزيز" وقد يكونان نكرتين؛ كقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا، حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا} وقد تبدل المعرفة من النكرة؛ نحو: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ} والعكس؛ كقوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} .
ب- أما الإفراد، والتذكير، وفروعهما؛ فإن كان بدل "كل" طابق مبتوعه فيها، ما لم يمنع مانع عن التثنية أو الجمع؛ كأن يكون أحدهما مصدرا، لا يثنى، ولا يجمع؛ كالمصدر الميمي في الآية السابقة؛ {مَفَازًا، حَدَائِقَ} ، أو قصد التفصيل؛ كقول الشاعر:
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزمان فشلت
أما غيره من أنواع البدل؛ فلا يلزم موافقته فيها.
ج- إذا اجتمعت التوابع كلها أو عدد منها؛ قدم النعت، ويليه عطف البيان، فالتوكيد، فالبدل، فعطف النسق.
الأشموني: 2/ 438.
1 لأنه لا فرق -عندهم- في تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل؛ بين المرفوع وغيره. وذهب البصريون إلى أنه بدل؛ لما ثبت عن العرب -كما نقل عن سيبويه، وتلقاه من بعده بالقبول- أنك إذا أردت التوكيد، أتيت بالضمير المرفوع المنفصل؛ فتقول: جئت أنت، ورأيتك أنت، ومررت بك أنت. فإذا أردت البدلية؛ وافقت بين التابع والمتبوع؛ فقلت: جئت أنت، ورأيتك إياك، ومررت به به؛ فيتحد لفظ التوكيد والبدل في المرفوع، ويختلف في غيره. وذهب الكوفيون: إلى أن الضمير الثاني -في حالتي النصب والجر- توكيد للأول؛ كما هو في حالة الرفع، ولو كان موافقا له؛ نحو: رأيتك إياك، ومررت بك بك؛ وبهذا، أخذ ابن مالك.
انظر التصريح: 2/ 195-160.
وضياء السالك: 3/ 211.(3/368)
[يجوز إبدال الظاهر من مضمر] :
ويجوز عكسه: مطلقا1 إن كان الضمير لغائب؛ نحو: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} 2 في أحد الأوجه3؛ أو كان لحاضر بشرط أن يكون بدل بعض؛ كـ"أعجبتني وجهك" وقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} 4، أو بدل اشتمال، كـ"أعجبتني كلامك" وقول الشاعر5: [الطويل]
__________
1 المراد بالإطلاق في هذا الموضع: أن جميع أنواع البدل سواء.
2 21 سورة الأنبياء، الآية: 3.
موطن الشاهد: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} .
وجه الاستشهاد: إبدال "الذين" من الواو في "أسروا" بدل كل من كل؛ وقيل: الذين فاعل أسروا، والواو: حرف دال على الجمع، لا ضمير -لغة أكلوني البراغيث- وقيل: الذين: مبتدأ مؤخر و {أَسَرُّوا النَّجْوَى} : خبر مقدم.
التصريح: 2/ 160.
3 هو إبدال "الذين" من الواو في "أسروا" بدل كل من كل. وقيل "الذين": فاعل أسروا؛ والواو حرف دال على الجمع، لا ضمير؛ وهو لغة أكلوني البراغيث؛ وقيل: {الَّذِينَ ظَلَمُوا} : مبتدأ مؤخر، و {أَسَرُّوا النَّجْوَى} ؛ خبر مقدم؛ ومثال: بدل البعض: محمد أوثقته يديه؛ والاشتمال: علي استجدته عقله؛ والغلط: إبراهيم ضرته فرسه.
التصريح: 2/ 160.
4 33 سورة الأحزاب، الآية: 21.
موطن الشاهد: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع "من" الموصولة المجرورة باللام في "لمن" بدلا من ضمير "لكم"، وأعيدت اللام مع البدل للفصل والتوكيد؛ وهذه الإعادة جائزة لا واجبة؛ والجر بها لا باللام الأولى ولا بأخرى مقدرة على الأصح. وزعم الأخفش: أنه بدل كل من كلح ونظير هذه الآية في إبدال الظاهر من الضمير بدل بعض من كل قول الراجز:
أوعدني بالسجن والأداهم ... رجلي فرجلي شثنة المناسم
فإن قوله: "رجلي" بدل بعض من كل؛ والمبدل منه: هو ياء المتكلم الواقعة مفعولا به، في قوله: "أوعدني".
التصريح: 2/ 160، والأشموني: 2/ 439.
5 الشاعر: هو النابغة الجعدي، قيس بن عبد الله، وقيل: حسان بن قيس، وقيل: غير =(3/369)
428- بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا
أو بدل كل مفيد للإحاطة؛ نحو: {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} 1 ويمتنع إن
__________
= ذلك، يكنى أبا ليلى؛ شاعر مفلق صحابي من المعمرين، كان ممن هجر الأوثان والخمر قبل الإسلام. أسلم وشهد صفين مع علي بن أبي طالب؛ له أخبار كثيرة، وديوان مطبوع؛ مات سنة 50هـ. تجريد الأغاني: 613، والشعر والشعراء: 289، والجمحي: 123، الأعلام: 5/ 207، السمط: 247.
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
وهو من كلمة أنشدها الشاعر بين يدي حضرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 161، والأشموني: 859/ 2/ 439، والعيني: 4/ 193، ودلائل الإعجاز للجرجاني: 16، وجمهرة القرشي: 148، وديوان النابغة الجعدي: 68، 73.
المفردات الغريبة: بلغنا السماء: وصلنا إليها، وهو كناية عن علو المنزلة. مجدنا؛ المجد كرم الآباء. سناؤنا: السناء: الشرف والرفعة.
المعنى: واضح. وقيل: إنه لما أنشد هذا بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: "إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟ "، فقال: الجنة. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أجل، إن شاء الله".
الإعراب: بلغنا: فعل ماض مبني على السكون، و"نا": في محل رفع فاعل. السماء: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. مجدنا: مجد بدل اشتمال من فاعل "بلغ" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف، و"نا": في محل جر بالإضافة. وسناؤنا: الواو عاطفة، سناؤنا: معطوف على "مجد" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف، و"نا" مضاف إليه. وإنا: الواو عاطفة، إنا: حرف مشبه بالفعل. و"نا" اسمها. لنرجو: اللام لام المزحلقة، نرجو: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: نحن؛ وجملة "نرجو": في محل رفع خبر "إن". "فوق": متعلق بمحذوف حال من "مظهر" تقدم عليه، وهو مضاف. ذلك: ذا اسم إشارة في محل جر بالإضافة، واللام: للبعد، والكاف: للخطاب. مظهرا: مفعولا به منصوب لـ"نرجو".
موطن الشاهد: "مجدنا وسناؤنا".
وجه الاستشهاد: مجيء "مجدنا وسناؤنا" بدل اشتمال من الضمير البارز الواقع فاعلا في "بلغنا".
1 5 سورة المائدة، الآية: 114. =(3/370)
لم يفد؛ خلافا للأخفش؛ فإنه أجاز "رأيتك زيدا"، و"رأيتني عمرا"1.
جواز إبدال كل من الاسم والفعل والجملة من مثله:
فصل: يبدل كل من الاسم، والفعل، والجملة من مثله2، فالاسم -كما تقدم- والفعل: كقوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ} 3، والجملة
__________
= موطن الشاهد: {لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} .
وجه الاستشهاد: وقوع "أولنا وآخرنا" بدل كل من الضمير "نا" المجرور محلا باللام؛ ولهذا، أعيدت اللام جوازا مع البدل مجاراة للمبدل منه؛ وهو مفيد للإحاطة والشمول؛ لأن المراد: بأولنا وآخرنا -جميعا- على عادة العرب؛ من ذكر طرفي الشيء، وإرادة جميعه. التصريح: 2/ 162، وضياء السالك: 3/ 212.
1 خرج الأخفش المثال الأول على أن "زيدا": بدل من الياء المنصوبة المحل في "رأيتك"، وخرج المثال الثاني على أن "عمرا": بدل من الياء المنصوبة المحل في "رأيتني"، ويؤيد الذي ذهب إليه الأخفش؛ ما حكاه الكسائي -عن بعض العرب- أنه قال: "إلى أبي عبد الله"؛ بإبدال "أبي عبد الله" من ياء المتكلم المجرورة محلا بإلى في قوله: "إلي" كما يؤيده قول الشاعر:
بكم قريش كفينا كل معضلة ... وأم نهج الهدى من كان ضليلا
محل الاستدلال قوله: "بكم قريش"؛ فإن قوله: "قريش" بالجر بدل من كاف المخاطب في قوله: "بكم"؛ والأخفش تابع للكوفيين، فيما ذهب إليه.
التصريح: 2/ 161.
2 ويرى بعض النحاة: جواز إبدال الفعل من اسم يشبهه والعكس؛ كما جاز في العطف؛ تقول: محمد متق يخاف ربه، ومحمد يخاف ربه متق؛ وقيل: إن هذا خبر بعد خبر.
حاشية يس على التصريح: 2/ 161.
3 25 سورة الفرقان، الآية: 68.
موطن الشاهد: {يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ} .
وجه الاستشهاد: وقوع فعل "يضاعف" بدل اشتمال من فعل "يلق"؛ لأن ملاقاة الآثام تستلزم مضاعفة العذاب؛ وقيل: بدل كل من كل؛ لأن مضاعفة العذاب هي ملاقاة الآثام.
التصريح: 2/ 161، وضياء السالك: 3/ 213.
وهذه الآية الكريمة مثال لإبدال الفعل من الفعل، بدل كل من كل؛ ومثال بدل البعض فيه قولك: "إن تصل تسجد لله يرحمك" فتسجد بدل من تصل؛ وهو بدل بعض من كل؛ لأن السجود بعض الصلاة؛ ومثال بدل الاشتمال، قول الراجز:
إن علي الله أن تبايعا ... تؤخذ كرها أو تجيء طائعا
فإن الأخذ كرها والمجيء طائعا من صفات المبايعة؛ ومثال بدل الغلط فيه قولك: "إن تطعم الفقير تكسه تؤجر".
التصريح: 2/ 161.(3/371)
كقوله تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} 1، وقد تبدل الجملة من المفرد؛ كقوله2: [الطويل]
429- إلى الله أشكو بالمدينة حاجة ... وبالشام أخرى كيف يلتقيان3
__________
1 26 سورة الشعراء، الآية: 132 والآية: 133.
موطن الشاهد: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} .
وجه الاستشهاد: وقوع جملة "أمدكم" الثانية بدل بعض من كل من "أمدكم" الأولى؛ لأنها أخص منها؛ لأن "ما تعلمون" يشمل الأنعام وغيرها.
فائدة: تبدل الجملة من الجملة بدل اشتمال؛ كما في قول الشاعر:
أقول له ارحل لا تقيمن عندنا ... وإلا فكن في السر والجهر مسلما
فإن قوله: "لا تقيمن عندنا": بدل من قوله "ارحل"؛ وليس توكيدا له؛ لأنه ليس بلفظه ولا بمعناه؛ وهو بدل اشتمال؛ لما بينهما من التلازم.
أما إبدال الجملة، من الجملة، بدل كل؛ فمنعه البعض، أجازه آخرون، بشرط أن تكون الجملة الثانية، أدل من الأولى على بيان المراد؛ نحو: اقطع عنقود العنب اقطعه. ولا يحتاج هذا النوع من البدل إلى ضمير يعود على المبدل منه؛ لتعذر عودته على الفعل؛ أو على الجملة.
التصريح: 2/ 162، والأشموني: 2/ 440.
2 القائل: هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا بيت يشكو فيه الشاعر من تفرق حاجاته وتباعد ما بينها، وأنه موزع القلب مشتت البال، ويذكر بعده بيتا آخر، وهو:
سأعمل نص العيس حتى يكفني ... غنى المال يوما أو غنى الحدثان
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 162، والأشموني: 863/ 2/ 440، والعيني: 4/ 201، والخزانة: 1/ 328، والهمع: 2/ 128، والدرر: 2/ 166 والمغني: 372/ 273، 788/ 556، والسيوطي: 189، 284، وهو في ديوان عمر بن أبي ربيعة: 495.
المعنى: يشكو الشاعر من تفرق أغراضه، وتباعد ما بين حاجاته؛ فهو لذلك، موزع =(3/372)
أبدل "كيف يلتقيان" من "حاجة وأخرى" أي: إلى الله أشكو هاتين الحاجتين تعذر التقائهما.
[الإبدال من اسم مضمن معنى الاستفهام والشرط] :
فصل: وإذا أبدل اسم من اسم مضمن معنى حرف استفهام، أو حرف شرط،
__________
= القلب، مشتت البال؛ لكونه لا يستطيع الجمع بين تلك الأغراض، وهاتيك الحاجات.
الإعراب: "إلى الله": متعلق بقوله "أشكو". أشكو: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا، تقديره: أنا. "بالمدينة": متعلق بمحذوف حال من "حاجة" تقدم عليه؛ والأصل فيه صفة، فلما تقدم على النكرة أعرب حالا. حاجة: مفعول به منصوب لـ"أشكو". وبالشام: الواو عاطفة، "بالشام": معطوف على "بالمدينة". أخرى: معطوف بالواو على "حاجة"؛ وكلاهما معمول لـ"أشكو"؛ لأن العامل في الحال؛ هو العامل في صاحبها، كما هو معلوم؛ وكأنه قال: وأشكو أخرى بالشام. كيف: اسم استفهام مبني على الفتح، في محل نصب على الحال، تقدم على صاحبه وعامله؛ لأن أسماء الاستفهام لها الصدارة في الكلام. يلتقيان: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ والألف: ضمير متصل في محل رفع فاعل.
موطن الشاهد: "كيف يلتقيان".
وجه الاستشهاد: إبدال جملة "كيف يلتقيان" من المفرد "حاجة، وأخرى" بدل كل؛ وسوغ ذلك، أن الجملة في التقدير: بمنزلة المفرد -كما بين المصنف- وما ذهب إليه المصنف؛ هو رأي ابن جني، ومن جاء بعده. وقال الدماميني: يحتمل أن يكون قوله: "كيف يلتقيان؟ " جملة مستأنفة؛ أريد بها التنبيه على سبب الشكوى؛ وهو استبعاد اجتماع هاتين الحاجتين.
فائدة: قد يبدل المفرد من الجملة؛ كقوله تعالى: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّمًا} ؛ فكلمة "قيما": بدل من جملة "لم يجعل له عوجا"؛ لأنها في معنى المفرد؛ أي: جعله مستقيما.
انظر تفصيل هذه المسألة والتي قبلها في:
شرح التصريح: 2/ 163.
وهمع الهوامع: 2/ 628.
ومغني اللبيب: 557.(3/373)
ذكر ذلك الحرف مع البدل1؛ فالأول كقولك: "كم مالك أعشرون أم ثلاثون"، و"من رأيت أزيدا أم عمرا"، و"ما صنعت أخيرا أم شرا"2؛ والثاني نحو: "من يقم إن زيد، وإن عمرو وأقم معه" و"ما تصنع إن خيرا، وإن شرا تجز به" و"متى تسافر إن غدا، وإن بعد غد، أسافر معك"3.
__________
1 وذلك؛ ليوافق البدل المبدل منه في تأدية المعنى؛ وهذا، بشرط ألا يظهر حرف الاستفهام مع المبدل منه؛ فإن ظهر، فلا يلي البدل ذلك. ومعنى تضمنه معنى همزة الاستفهام: أنه استفهام يؤدي معنى الهمزة؛ وهذا الاستفهام عام مجمل، وما بعد الهمزة من البدل فرد يدخل ضمنا في اسم الاستفهام المبدل منه، وكذلك يقال في الشرط.
2 فعشرون وما عطف عليه: بدل تفصيل من "كم"، زيدا: بدل من "مَن"، وخيرا: بدل من "ما"؛ وقرن الجميع بالهمزة لتضمن المبدل منه معنى الاستفهام، وتكرير الأمثلة؛ لأن الاستفهام إما لمعرفة الكميات، أو لتعيين الذوات، أو المعاني.
3 فزيد وعمرو: بدلان من "مَن"، وخيرا وشرا: بدلان من "ما" الشرطية، وغدا: بدل من "متى"، وقرنت كلها بإن لتضمن المبدل منه معنى الشرط. وكرر الأمثلة؛ للعاقل، وللزمان، والمكان.
انظر التصريح: 2/ 163.(3/374)
الفهارس
...
فهرس أوضح المسالك
الجزء الثالث
الموضوع الصفحة
باب حروف الجر 3
باب الإضافة 70
باب إعمال المصدر واسم المصدر 170
باب إعمال اسم الفاعل 181
باب إعمال اسم المفعول 196
باب أبنية مصادر الثلاثي 198
باب مصدر غير الثلاثي 202
باب أبنية أسماء الفاعلين والصفات المشبهات بها 212
باب أبنية أسماء المفعولين 216
باب إعمال الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي إلى واحد 218
باب التعجب 224
باب نعم وبئس 239
باب أفعل التفضيل 255
باب النعت 269
باب التوكيد 293
باب عطف البيان 310
باب عطف النسق 317
باب البدل 362(3/375)
المجلد الرابع
باب النداء
...
بسم الله الرحمن الرحيم
[هذا باب النداء] :
وفيه فصول1:
__________
1 النداء؛ معناه لغة: الطلب وتوجيه الدعوة بأي بلفظ كان.
معناه اصطلاحا: طلب المتكلم إقبال المخاطب إليه بالحرف "يا" أو إحدى أخواتها؛ سواء كان الإقبال حقيقيا، أو مجازيا يقصد به طلب الاستجابة؛ كنداء الله سبحانه وتعالى.
وقد اختلف النحاة في عامل المنادى؛ فذهب الجمهور إلى أن عامله فعل مضمر وجوبا فيكون المنادى مفعولا به لذلك العام؛ وأما إضمار ذلك العامل فللأسباب الأربعة التالية:
أ- الاستغناء بظهور معناه.
ب- قصدهم بعبارة النداء الإنشاء، وإظهار الفعل يوهم الإخبار فتحاشوا إظهاره.
ج- كثرة استعمال النداء في كلامهم.
د- تعويضهم من هذا الفعل حرف النداء؛ ومعلوم أنه لا يجمع في الكلام بين العوض والمعوض عنه.
وذهب بعض النحاة إلى أن العامل في النداء هو القصد؛ وعليه يكون العامل معنويا لا لفظيا؛ وهذا القول مردود؛ لأنه لم يعهد في عوامل النصب عامل معنوي، وإنما عهد ذلك في عوامل الرفع؛ كالابتداء الرافع للمبتدأ، والتجرد الرافع للفعل المضارع. وذهب أبو علي الفارسي إلى أن العامل في المنادى؛ هو حرف النداء، على سبيل النيابة عن الفعل والعوض به منه، وجعل المنادى مشبها بالمفعول به، لا مفعولا به -كما هو عند الجمهور- ويرد على هذا الرأي؛ بأن حرف النداء يحذف من الكلام، وحينئذٍ يكون العوض والمعوض منه محذوفين؛ ومعلوم أن العرب لا تجمع بين حذف العوض والمعوض عنه، وذهب بعضهم إلى أن العامل في المنادى هو أداة النداء؛ لا لكونها عوضا من الفعل المحذوف -كما قال الفارسي- بل لأن هذه الأول اسم فعل مضارع بمعنى: أدعو؛ وهذا مذهب ضعيف؛ لأن أدوات النداء لو كانت أسماء أفعال؛ لكان فيها ضمير مستتر؛ كما في سائر أسماء الأفعال؛ ولو كانت هذه الأدوات متحملة للضمير؛ لكانت هي والضمير المستتر جملة تامة، يجوز الاكتفاء بها، ولا يحتاج المتكلم إلى ذكر المنادى معها؛ لأنه فضلة، ولم يقل بذلك أحد. وذهب آخرون: إلى أن العامل في المنادى؛ هو أداة النداء على أن تلك الأدوات أفعال، لا أسماء أفعال ولا حروف عوض بها عن أفعال؛ وهذا قول مردود أيضا، والرأي الراجح؛ ورأي الجمهور؛ الذي اختاره ابن مالك.
انظر همع الهوامع: 1/ 171، وحاشية الصبان: 2/ 141.(4/3)
الفصل الأول: الأحرف التي ينادى بها وأحكامها:
في الأحرف التي ينبه بها المنادى، وأحكامها:
وهذه الأحرف ثمانية: الهمزة1.
وأي2 مقصورتين، وممدوتين3 ويا4............................
__________
1 ذهب جمهور النحاة أنها للقريب، وزعم شيخ ابن الخباز أنها للمتوسط، وفي هذا خرق لإجماعهم، وذكر ابن مالك -في شرح التسهيل- أن النداء بها قليل، وفي كلام العرب؛ وتبعه ابن الصائغ -في حواشي المغني- ويقول السيوطي: "وما قالاه مردود، فقد وقفت لذلك على أكثر من ثلاثمائة شاهد، وأفردتها بتأليف".ا. هـ.
ومن شواهد النداء بالهمزة؛ قول امرئ القيس في معلقته:
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل ... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
وقول قيس بن ذريح صاحب لبنى:
ألبنى لقد حلت عليك مصيبتي ... غداة غدٍ إذ حَلَّ ما أتوقع
همع الهوامع: 1/ 172، ومغني اللبيب: 17، ورصف المباني: 51.
2 بفتح الهمزة وسكون الياء والقصر؛ في معناها أقوال؛ قيل للقريب؛ كالهمزة وعليه المبرد والجزولي؛ وقيل للبعيد، كـ "يا" وعليه ابن مالك؛ وقيل للمتوسط. ومن شواهد النداء بها؛ ما ورد في الحديث: "أي رب"؛ وقول الشعر:
ألم تسمعي -أي عبد- في رونق الضحى ... بكاء حمامات لهن هدير
همع الهوامع: 1/ 172، والدرر اللوامع: 1/ 147. والمغني: 106.
3 تقول في حالة القصر: أمحمد؛ أي محمد، وفي حالة المد: آمحمد؛ آي محمد، أما بقية الأحرف؛ فممدودة.
4 هي أم الباب؛ ومن ثم قال أبو حيان: إنها أعم الحروف، وأنها تستعمل للقريب والبعيد مطلقا؛ وأنه الذي يظهر من استقراء كلام العرب؛ وقال ابن مالك؛ هي للبعيد حقيقة، أو حكما؛ كالنائم والساهي؛ وقد ينادى بها القريب توكيدا؛ وقيل: هي مشتركة بين البعيد والقريب؛ وقيل بينهما وبين المتوسط وذكر ابن الخباز عن شيخه أن "يا" للقريب؛ وهو خرق لإجماعهم.
همع الهوامع: 1/ 172، ومغني اللبيب: 488، ورصف المباني: 451.(4/4)
وأيا1، وهيا2، ووا3.
فالهمزة المقصورة للقريب إلا إن نزل منزلة البعيد، فله بقية الأحراف كما أنها للبعيد الحقيقي.
وأعمها "يا" فإنها تدخل على كل نداء، وتتعين في نداء اسم الله تعالى، وفي
__________
1 عند جمهور النحاة لنداء البعيد؛ وفي الصحاح: أنها لنداء القريب والبعيد؛ وقال في المغني: وليس كذلك، ومن شواهد النداء بها؛ قول ذي الرمة:
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النقا أأنتِ أَمْ أُمُّ سالمِ
الهمع: 1/ 172، ومغني اللبيب: 29.
2 "هيا" للبعيد؛ وهاؤه أصل؛ لأن الإبدال نوع من التصريف؛ والتصريف لا يدخل الحروف. وقيل: بدل من همزة "أيا"؛ لأن هذا إبدال لغوي؛ والإبدال التصريفي هو المختص بالأسماء المتمكنة والأفعال؛ ومن شواهد النداء بـ "هيا" قول الشاعر:
هيا أم عمرو هل لي اليوم عندكمْ ... بغيبة أبصار الوشاة سبيلُ
الهمع: 1/ 172، والدرر اللوامع: 1/ 148، رصف المباني: 40، الجنى الداني: 507.
3 ذكرها ابن عصفور في حروف النداء، واستشهد بقول أحد بني أسد:
وافقعسا وأين مني فقعسُ ... أإبلي يأخذها كروسُ
والجمهور على أن "وا": حرف لا يستعمل في غير الندبة، وحكى بعضهم: أنها تستعمل في غير الندبة قليلا؛ كقول عمر بن الخطاب: "واعجبا لك يا ابن العاص"، وقال في المغني: "وا" على وجهين؛ أحدهما: أن تكون حرف نداء مختصا، بباب لندبة؛ نحو: وازيداه؛ وأجاز بعضهم: استعماله في النداء الحقيقي".ا. هـ.
الهمع: 1/ 172، ومغني اللبيب: 482، والجنى الداني: 351، ورصف المباني: 431.
4 أي: في لفظ الجلالة "الله"؛ وكذلك نداء لفظ "أيها"، و"أيتها"؛ نحو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} ، وقوله: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} ، ولم يرد عن العرب نداء هذه الأشياء بحرف آخر.(4/5)
باب الاستغاثة، نحو: "بالله للمسلمين"، وتتعين هي أو "وا" في باب الندبة، و"وا" أكثر استعمالا، منها في ذلك الباب، وإنما تدخل "يا" إذا أمن اللبس؛ كقوله1:
[البسيط]
430- وقمت فيه بأمر الله يا عمرا2
__________
1 القائل هو جرير بن عطية الخطفي، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:
حملت أمرا عظيما فاصطبرت له
وهو ثاني ثلاثة أبيات في رثاء أمير المؤمنين، عمر بن عبد العزيز؛ وقبله قوله:
نعي النعاة أمير المؤمنين لنا ... يا خير من حج بيت الله واعتمرا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 164، والأشموني: "865/ 2/ 442" والعيني: 4/ 229، 273، والهمع: 1/ 180، والدرر: 1/ 155، والمغني: "698/ 486"، والسيوطي: 268، وديوان جرير: 304.
المفردات الغريبة: حملت: كلفت. أمرا عظيما: هو الخلافة وتبعاتها الشاقة. اصطبرت: بالغت في الصبر والاحتمال.
المعنى: كلفت الخلافة وعهد إليك بشئون المسلمين في وقت عم فيه الظلم وفشا الجور؛ فصبرت على تلك المشاق، وقمت بما أمر الله؛ فقضيت على الفساد ونشرت العدل بين الناس، فأرضيت الخالق والخلق.
الإعراب: حملت: فعل ماضٍ مبني للمجهول والتاء ضمير متصل في حل رفع نائب منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. فاصطبرت: الفاء عاطفة، اصطبر: فعل ماضٍ مبني على السكون: والتاء في محل رفع فاعل. "له": متعلق بـ "اصطبر". وقمت: الواو عاطفة، قمت: فعل ماضٍ، والتاء: في حل رفع فعل. "فيه": متعلق بـ "قام". "بأمر": متعلق بـ "قام" ايضا. و"أمر": مضاف. الله: "لفظ الجلالة": مضاف إليه مجرور. يا: حرف نداء وندبة. عمرا: منادى مندوب مبني على الضم المقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بالحركة المناسبة المأتي بها؛ لمناسبة ألف الندبة.
موطن الشاهد: "يا عمرا".
وجه الاستشهاد: استعمال "يا" للندبة؛ لوضوح الأمر وأمن اللبس فإن صدور ذلك بعد موت "عمر" دليل على أن المقصود الرثاء والتوجع لا النداء؛ فهو يعلم أن عمر لن يجيبه، ولن يسمعه، وكذلك اتصال ألف الندبة في آخره دليل على أنه أراد الندبة لا النداء.(4/6)
[جواز حذف حرف النداء] :
ويجوز حذف الحرف1؛ نحو: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} 2، {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} 3، {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ} 4، إلا في ثماني مسائل: المندوب نحو: "يا عمرا"، والمستغاث؛ نحو: "يالله"، والمنادى البعيد؛ لأن المراد فيهن إطالة الصوت، والحذف ينافيه، واسم الجنس غير المعين5؛ كقول الأعمى: "يا رجلا خذ بيدي"، والمضمر6؛ ونداؤه شاذ، ويأتي على صيغتي المنصوب والمرفوع؛ كقول بعضهم: "يا إياك قد كفيتك"7........
__________
1 أي لفظا فقط، مع مراعاة تقديره، ويتعين تقدير "يا" عند الحذف؛ لكونه أعم حروف النداء استعمالا. وقد مثل المؤلف للمنادى؛ المفرد والشبيه به، والمضاف؛ ليشير إلى أنه لا فرق في أن يكون المنادى أحدا منها.
2 "12" سورة يوسف، الآية: 29.
موطن الشاهد: {يُوسُفُ أَعْرِضْ} .
وجه الاستشهاد: حذف حرف النداء "يا"؛ لأن التقدير؛ يا يوسف؛ وحكم هذا الحذف جائز باتفاق.
3 "55" سورة الرحمن، الآية: 31.
موطن الشاهد: {أَيُّهَا الثَّقَلانِ} .
وجه الاستشهاد: حذف حرف النداء قبل أيها؛ لأن التقدير: يا أيها الثقلان.
4 "44" سورة الدخان، الآية: 18.
موطن الشاهد: {أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ} .
وجه الاستشهاد: حذف حرف النداء "يا" قبل المنادى المضاف عبد الله؛ قال الدنوشري: ويجوز أن يكون عباد الله مفعولا لـ "أدوا"، والأول أرجح.
5 هو: النكرة غير المقصودة.
6 المراد: ضمير المخاطب؛ لأن غيره لا ينادى مطلقا؛ فلا يقال: يا أنا، ولا يا هو. وإنما امتنع الحذف؛ لأن حذف الحرف معه، يفوت الدلالة على النداء. واختلفوا في ضمير المخاطب؛ فقد ذهب أبو حيان إلى أنه لا يجوز نداؤه مطلقا؛ وذهب ابن عصفور إلى أنه مقصور على ضرورة الشعر؛ وأجازه ابن مالك.
التصريح: 2/ 165، والأشموني: 2/ 443.
7 قيل: إن الأحوص اليربوعي، وفد مع ابنه على معاوية؛ فقام الأب فخطب، فلما انتهى قام الابن ليخطب؛ فقال له الأب ذلك؛ أي: قد أغنيتك عن القول. وبعضهم أعرب "يا": للتنبيه، و"إياك" مفعول لفعل محذوف، يفسره: كفيتك" المذكو؛ ويكون من باب الاشغال، ولا شاهديه.
حاشية يس على اتصريح: 2/ 164.(4/7)
وقول الآخر1: [الرجز] .
431- يا أبجر بن أبجر يا أنتا2
__________
1 ينسب هذا البيت إلى الأحوص؛ وينسب إلى سالم بن دارة؛ وهو الصواب.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
أنت الذي طلقت عام جعثا
والبيت من عدة أبيات؛ يقولها الشاعر في مر بن واقع، وصوب بعضهم الشاهد هكذا:
أنت الذي طلقت عام جعتا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 164، والأشموني: "866/ 2/ 443، والعيني: ونسبه إلى الأحوص، والهمع: 1/ 174، والدرر: 1/ 151، ونوادر أبي زيد: 163 وأمالي ابن الشجري: 2/ 79، والإنصاف: 325، 682، وشرح المفصل: 1/ 127، 130 والمقرب: 37، والخزانة: 1/ 289، والعيني: 4/ 232.
المفردات لغريبة: الأبجر: المنتفخ البطن. طلقت: فارقت حلائلك. عام جعتا؛ أي: في الوقت الذي وقعت في المجاعة.
المعنى: يذم المخاطب بقوله: يا عظيم البطن وابن عظيمها، أنت الذي فارقت زوجاتك حين لم تجد ما تسد به رمقك وتملأ به كرشك، وأبيت السعي؛ لجلب رزقهن.
الإعراب: يا: حرف نداء، لا محل له من الإعراب. أبجر: منادى مفرد علم مبني على الضم في حل نسب. ابن: صفة لـ "أبجر" وهو منصوب لوقوعه تابعًا لمحل المنادى؛ لأن محله النصب، وهو مضاف. أبجر: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة، وقد صرفه الشاعر ونونه؛ لضرورة الشعر. يا: حرف نداء، لا محل له من الإعراب. أنتا: منادى مبني على ضم مقدر على آخره، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة البناء الأصلي، والألف للإطلاق. أنت: ضمير رفع منفصل، في محل رفع مبتدأز الذي: اسم موصول في محل رفع خبر المبتدأ. طلقت: فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء في محل رفع فاعل؛ وجملة "طلقت": صلة للموصول، لا محل لها من الإعراب. "عام": متعلق بـ "طلق". جعتا: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل رفع فاعل، والألف: للإطلاق. وجملة "جعت": في محل جر بالإضافة.
موطن الشاهد: "يا أنتا".
وجه الاستشهاد: نادى الضمير الذي يستعمل في مواطن الرفع وجيء بالضمير المنادى على صيغة الرفع؛ لأنه لما تعذر بناؤه على الضم عدلوا إلى ما هو قريب من البناء على الضم؛ وهو الإتيان به على الصيغة الموضوعة على الرفع. وقيل إن "يا" في البيت المذكور للتنبيه، و"أنت" الأولى مبتدأ والثانية توكيد، والموصول خبر، ولا شاهد فيه حينئذٍ.(4/8)
واسم الله تعالى إذا لم يعوض في آخره الميم المشددة، وأجازه بعضهم وعليه قول أمية بن الصلت1: [الطويل] .
432- رضيت بك اللهم ربًّا فلن أرى ... أدين إلها غيرك الله ثانيا2
__________
1 مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من قصيدة طويلة في سيرة ابن هشام، لأمية بن أبي الصلت الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "آمن لسنه ولم يؤمن قلبه" وذلك أنه كان قد قرأ في الكتب عن مبعث نبي فظن نفسه أنه سيكون هذا النبي، وعندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم حسده ولم يوفق إلى الإيمان به؛ وقيل: إنه هو الذي أنزل فيه قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 165، والعيني: 3/ 243، وليس في ديوانه.
المفردات الغريبة: أدين: اتخذ دينا، من دان بالشيء، اتخذه دينا.
المعنى: رضيت رضًا بك ربا يا الله، فلن أرى أن أتخذ إلها غيرك أعبده أو أدين له.
الإعراب: رضيت: فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء: في محل رفع فاعل. "بك": متعلق بـ "رضي". اللهم: الله: منادى بحرف نداء محذوف؛ والتقدير: يا الله مبني على الضم في محل نصب على النداء، والميم المشددة عوض عن حرف النداء المحذوف.
ربا: حال من لفظ الجلال منصوب؛ أو مفعول به لـ "رضي"، أو تمييز. فلن: الفاء تفريعية، لن: حرف نفي، ونصب، واستقبلا. أرى: فعل مضارع مبني للمجهول منصب بـ "لن" وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف، ونائب الفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنا. أدين: فعل مضارع مرفوع؛ ارتفع بعد حذف الناصب؛ لأن التقدير: أن أدين؛ مثل "تسمع بالمعيدي"؛ والفعل أنا، وجملة "أدين": في محل نصب مفعول ثانيا "أرى" إن عدت علمية؛ أو في حل نصب على الحال؛ إن عدت بصرية. إلها: مفعول به منصوب لـ "أدين"؛ لأنه بمعنى أعبد غيرك: صفة لـ "إلها" منصوب، وهو مضاف، والكاف: في محل جر بالإضافة. الله: "لفظ الجلالة" منادى بحرف نداء محذوف، مبني على الضم في محل نصب على النداء. ثانيا: صفة لـ "إلها" منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره؛ وفي رواية التصريح "راضيا" بدل "ثانيا"؛ فهي حال من فاعل رضيت أو أدين؛ أو مفعول مطلق من "رضيت"؛ والأول أفضل.
موطن الشاهد: "الله".
وجه الاستشهاد: مجيء "الله" في عجز البيت منادى بحرف نداء محذوف ومن دون أن يعوض عنه بالميم المشددة؛ وذلك شاذ، ولا يقاس عليه، وعلمنا سابقا أنه يجب حذف حرف النداء متى لحقت الميم لفظ الجلالة؛ لأنه لا يجمع بين العوض والمعوض عنه؛ وما جاء مغايرا لذلك؛ فهو مخالف للقياس.(4/9)
واسم الإشارة، واسم الجنس لمعين1" خلافا للكوفيين فيهما2، واحتجوا بقوله3: [الطويل] .
433- بمثلك هذا لوعة وغرام4
__________
1 المراد به: النكرة المقصودة المبنية على الضم عند ندائها.
2 يجوز نداء اسم الإشارة على قلة -شريطة أن لا تتصل به كاف الخطاب- إلا في الندبة فيصح؛ فإن اتصلت به الكاف ففي جواز خلاف والصحيح: المنع؛ لاستلزامه اجتماع النقيضين؛ لأن مدلول كاف الخطاب، يخالف مدلول المنادى. وكذلك، يجوز نداء اسم الجنس لمعين قليلا.
واختلف الكوفيون والبصريون في اسم الإشارة، واسم الجنس لمعين، إذا نوديا هل يجب ذكر حرف النداء، أو يجوز ذكره وحذفه؟.
فذهب البصريون إلى وجوب ذكر حرف النداء مع اسم الجنس لمعين، واسم الإشارة؛ ولا يجوز حذفه إلا في ضرورة الشعر. وذهب الكوفيون إلى جواز ذكر حرف النداء وجواز حذفه، واستدلوا على جواز الحذف بما ورد في السماع؛ وقد حملوا قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} ؛ فقدروا أن "هؤلاء" اسم إشارة منادى بحرف نداء محذوف؛ أي: ثم أنتم يا هؤلاء تقتلون أنفسكم؛ وجعلوا من نداء اسم الجنس بحرف نداء محذوف قوله عليه الصلاة والسلام حكايةً عن موسى عليه السلام: "ثوبي حجر"؛ أي: يا حجر. غير أن البصريين، زعموا: أن كل ما احتج به الكوفيون ضرورة. التصريح: 2/ 165، وحاشية الصبان: 3/ 136-137.
3 القائل: هو غيلان بن عقبة المعروف بذي الرمة، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
إذا هملت عيني لها قال صاحبي
وهو من قصيدة مشهورة له؛ ومطلعها قوله:
عليكن يا أطلال ميٍّ بشارع ... على ما مضى من عهدكن سلامُ
والشاهد من شواهد: التصريح 2/ 165، والأشموني: 867/ 2/ 443 والعيني: 4/ 235، والهمع: 1/ 174، والدرر: 1/ 150، والمغني: "1090/ 840" وديوان ذي الرمة: 563؛ وفيه: "فتنة" بدل "لوعة".(4/10)
وقولهم: "أطرِقْ كَرَا"1، و"افتدِ مخنوقُ"2، و"أصبِحْ ليلُ"3، وذلك عند
__________
= المفردات الغريبة: هملت العين: فاض دمعها وسال. لوعة؛ اللوعة: حرقة في القلب من ألم الحب والهوى أو الحزن. غرام: ولوع وشدة رغبة.
المعني: كلما بكى وانهمر دمعه -عند تذكر المحبوبة -قال له صاحبه: يا هذا، إنك شديد الحب لها والغرام بها؛ وهو لا يستطيع أن يعمل له شيئا يخفف من لوعته.
الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه منصوب بجوابه مبني على السكون في حل نصب على الظرفية الزمانية. هملت: فعل ماض، والتاء للتأنيث. عيني: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قيل الياء، والياء في محل جر مضاف إليه؛ وجملة "هملت عيني": في محل جر بالإضافة "لها": متعلق بـ "همل".
قال: فعل ماضٍ. صاحبي: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل الياء، والياء في محل جر مضاف إليه؛ وجملة "قال صاحبي": لا محل لها من الإعراب؛ لأنها جواب شرط غير جازم. "بمثلك": متعلق بمحذوف خبر مقدم، و"مثل" مضاف والكاف مضاف إليه. هذا: ها: للتنبيه، و"إذا" اسم إشارة منادى بحرف نداء محذوف؛ والتقدير: يا هذا؛ و"جملة النداء" اعتراضية، لا محل لها. لوعة: مبتدأ مؤخر مرفوع. وغرام: الواو عاطفة، غرام: اسم معطوف على مرفوع؛ فهو مرفوع مثله؛ وجملة "بمثلك لوعة وغرام": مقول القول في محل نصب مفعول به.
موطن الشاهد: "هذا".
وجه الاستشهاد: نادى الشاعر اسم الإشارة وحذف حرف النداء؛ على مذهب الكوفيين؛ الذين أجازوا حذف حرف النداء اسم إشارة؛ ومثل هذا البيت قول الشاعر:
ذا، ارعواء، فليس بعد اشتغال الرأ ... س شيبا إلى الصبا من سبيل
فالشاعر أراد يا هذا ارعوا رعواء؛ فحذف حرف النداء.
1 هذا جزء من مثل، وتمامه: "إن النعام في القرى"؛ وهو مثل يضرب لمن تكبر وقد تواضع من هو أشرف منه؛ أي اخفض يا كرا عنقك للصيد، فإن من هو أكبر وأطول عنقا منك -وهو النعام- قد صيد وجيء به من مكانه إلى القرى؛ وأصله: يا كروان، فرخم، بحذف النون والألف، ثم قلبت الواو ألفا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها.
وشذوذه من وجهين؛ حذف حرف النداء، وترخيمه.
والمثل من أمثال الميداني: 1/ 431. برقم 2273.
2 مثل يضرب لكل مضطرٍّ وقع في شدة وضيق؛ وهو يبخل بافتداء نفسه بماله؛ أي افْتَدِ نفسك يا مخنوق، وهو من أمثال الميداني: 2/ 78، برقم: 2765.
3 مثل يضرب لمن يظهر الكراهة والبغض للشيء؛ أي: ائت بالصبح، يا ليل. فقد حذف حرف النداء من هذه الأمثلة، مع أن المنادى اسم إشارة في المثال الأول، واسم جنس في الآخيرين؛ وهو من أمثال الميداني: 1/ 403 برقم: 2132.(4/11)
البصريين، ضرورة وشذوذ.
الفصل الثاني: أقسام المنادى وأحكامه:
المنادى على أربعة أقسام:
أحدها: ما يجب فيه أن يبنى على ما يرفع به لو كان معربا1؛ وهو ما اجتمع فيه أمران:
أحدهما: التعريف؛ سواء كان ذلك التعريف سابقا على النداء؛ نحو: "يا زيد"2، أو عارضا في النداء بسبب القصد والإقبال؛ نحو: "يا رجل" تريد به معينا3.
والثاني: الإفراد، ونعني به ألا يكون مضافا ولا شبيها به؛ فيدخل في ذلك المركب المزجي4، والمثني، والمجموع5؛ نحو: "يا معدي كرب" و"يا
__________
1 فيبنى على الضم الظاهر أو المقدر في: المفرد الحقيقي، وما يلحق به؛ كأسماء الإشارة، والأسماء الموصولة غير المبدوءة بـ "أل"، وفي جمع التكسير، وجمع المؤنث السالم. وعلى الألف في المثنى، وعلى الواو في جمع المذكر السالم، وعلل النحويون البناء بمشابهته الكاف الاسمية في نحو: "أدعوك" خطابا، وإفرادا، وتعريفا؛ وهذه تشبه الكاف الحرفية لفظا ومعنى؛ فهو مشبه للحرف بالواسطة.
2 فزَيْد مُعرَّفة بالعلمية قبل النداء، واستصحب ذلك التعريف بعد النداء؛ وهو مذهب ابن السراج، وتبعه الناظم. وقيل: سلب تعريف العلمية، وتعرَّف بالإقبال؛ وهو مذهب المبرد والفارسي، ورد بنداء اسم الله تعالى، واسم الإشارة؛ فإنهما لا يمكن سلب تعريفهما؛ لكونهما لا يقبلان التنكير.
التصريح: 2/ 195-166.
3 أي: أن النكرة المقصودة تعرف عند النداء بسبب الإقبال والقصد؛ وإليه ذهب ابن الناظم، وذهب قوم إلى أنه يتعرف بـ "أل" محذوفة، وأن "يا" نابت عن أل.
التصريح: 2/ 166.
4 وكذلك العددي؛ كخمسة عشر، والإسنادي؛ كفتح الله. ويبنى المزجي على ضم الجزء الثاني، وكذلك الإسنادي، والعددي على فتح الجزأين.
5 قال الصبان: الظاهر أن نحو: يا زيدان ويا زيدون من النكرة المقصودة؛ لا من العلم، وأن العلمية زالت؛ إذ لا يثنى العلم، ولا يجمع إلا بعد اعتبار تنكيره؛ ولهذا دخلت عليهما "أل"؛ فتعريفهما بالقصد والإقبال.
حاشية الصبان على شرح الأشموني: 3/ 183.(4/12)
زيدان"، و"يا زيدون" و"يا رجلان"، و"يا مسلمون"، و"يا هندان".
وما كان مبنيا قبل النداء؛ كـ "سيبويه" و"حذام" في لغة أهل الحجاز قدرت فيه الضمة، ويظهر أثر ذلك في تابعه، فتقول: "يا سيبويه العالِمَُ" برفع "العالم" ونصبه1، كما تفعل في تابع ما تجدد بناؤه؛ نحو: "يا زيد الفاضل" والمحكي كالمبني2؛ تقول: "يا تأبط شرًّا المقدامُ" أو "المقدامَ".
الثاني: ما يجب نصبه؛ وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: النكرة غير المقصودة3؛ كقول الواعظ: "يا غفلا والموت يطلبه"4 وقول الأعمى: "يا رجلا خذ بيدي"، وقول الشاعر5: [الطويل] .
__________
1 الرفع مراعاة للضم المقدر، والنصب مراعاة للمحل، ولا يجوز الجر مراعاة للكسر لأنها حركة بناء. ويقال في إعرابه: مبني على ضم مقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة البناء الأصلي في محل نصب، و"سيبويه" منادى مبني على ضم مقدر، منع منه اشتغال المحل بحركة البناء الأصلي في حل نصب.
2 أي: يبنى على ضم مقدر، منع من ظهوره حركة الحكاية، في محل نصب، ويرفع تابعه وينصب على النحو المبين في المبني. وإذا نودي المنقوص؛ كـ "قاضٍ" حذف تنوينه، ورجعت الياء، وبُنِيَ على ضم مقدر عليها. وإذا نودي: اثنا عشر، واثنتا عشرة -علمين- جاز أن يقال: يا إثنا عشر، ويا إثنتا عشرة؛ بالبناء على الألف، وتبقى عشر وعشرة مبنية على الفتح؛ لأنها بمنزلة نون المثنى؛ وهمزتهما للقطع ما داما علمين؛ ويجوز أن يقال: يا اثني عشر، ويا اثنتي عشرة بالنصب بالياء، واعتبار عشر وعشرة بمنزلة المضاف إليه صورة.
الهمع: 1/ 172-173. والأشموني: 2/ 445.
3 أي: الباقية على إبهامها وشيوعها، ولا تدل على فرد معين مقصود بالمناداة؛ وتسمى: اسم الجنس غير المعين.
4 هذا إذا جعلت الواو استئنافية؛ فإن جعلت حالية، كان من أمثلة الشبيه بالمضاف؛ لعمله النصب في الجملة التي هي حال من ضمير "غافلا" المستتر فيه.
5 هو: عبد يغوث بن وقاص الحارثي؛ وقيل: ابن صلاءة، شاعر جاهلي من قحطان، وفارس معدود، وسيد قومه، أُسر يوم الكلاب؛ فخُيِّرَ كيف يرغب أن يموت؛ فاختار أن يقطع من عرق الأكحل وهو يشرب الخمر؛ فمات نزفا؛ وذلك سنة 40ق. هـ.
الخزانة: 1/ 313، والمفضليات: 156، والأعلام: 4/ 187، والأغاني: 15/ 69.(4/13)
434- فيا راكبا إما عرضت فبلغنْ1
__________
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
نداماي من نجران أن لا تلاقيا
والبيت من قصيده ينوح فيها على نفسه، عندما أسرته تيم الرباب في يوم الكلاب الثاني؛ ومطلعها:
ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا ... فما لكما في اللوم خيرٌ ولا ليا
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 167، والأشموني: "872/ 2/ 445"، والشذور: "51/ 111"، وابن عقيل: "306/ 3/ 260، وسيبويه: "1/ 312"، والخصائص: 2/ 449، وشرح المفصل: 1/ 127، 129، والخزانة: 1/ 313، والعيني: 3/ 42، 4/ 206، والمفضليات: 156.
المفردات الغريبة: عرضت: أي ظهرت، وقيل معناه: أتيت العروض؛ والعروض: اسم لمكة والمدينة وما حولهما. نداماي: جمع ندمان؛ وهو المؤنس في مجلس الشراب.
نجران: بلد باليمن.
المعنى: يندب الشاعر حظه، وينادي الركبان؛ وهو في الأسر؛ فيقول: إذا بلغتم العروض، فبلغوا نداماي ورفاقي وأهلي وأحبابي؛ أنه لا تلاقي بيننا؛ فنحن في الأسر، ولا ندري ما الله صانع بنا.
الإعراب: يا: حرف نداء. راكبا: منادى نكرة غير مقصودة منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. إما: إن: شرطية مدغمة في "ما" الزائدة. عرضت: فعل ماضٍ -فعل الشرط- مبني على السكون؛ لاتصاله بالتاء المتحركة؛ والتاء في محل رفع فاعل؛ وهو في حل جزم فعل الشرط. فبلغن: الفاء واقعة في جواب الشرط، بلغن: فعل أمر مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، والنون؛ لا محل لها من الإعراب، والفعل ضمير مستتر وجوبا، تقديره: أنت. نداماي: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف، و"ندامى" مضاف، وياء المتكلم، في محل جر بالإضافة. "من نجران": متعلق بمحذوف حال من "نداماي"؛ و"نجران": ممنوع من الصرف؛ للعلمية والتأنيث. أن: مخففة من الثقيلة؛ واسمها ضمير الشأن المحذوف. لا: نافية للجنس، تعمل عمل إن. تلاقيا: اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب، والألف لإطلاق، وخبر "لا" محذوف والتقدير: لا تلاقي لنا؛ وجملة "لا تلاقي لنا": في محل رفع خبر "أن" المخففة من الثقيلة؛ والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": في محل نصب مفعول ثانٍ لـ "بلغن".
موطن الشاهد: "يا راكبا".
وجه الاستشهاد: وقوع "راكبا" منادى منصوبا؛ لأنه نكرة غير مقصودة؛ لأن الشاعر لا يقصد راكبا معينا؛ وفي هذا البيت وأمثاله رد على المازني الذي زعم استحالة وجود هذا النوع متذرعا بأن نداء غير المعين لا يمكن؛ وذهب إلى أن التنوين في ذلك المنادى شاذٌّ أو ضرورة؛ والبيت الشاهد حجة عليه.(4/14)
وعن المازني1 أنه أحال وجود هذا القسم2.
الثاني: المضاف3؛ سواء كانت الإضافة محضة؛ نحو: "ربنا اغفر لنا" أوغير محضة؛ نحو: "يا حسن الوجه"؛ عن ثعلب4 إجازة الضم في غير المحضة5.
الثالث: الشبيه بالمضاف؛ وهو: ما اتصل به شيء؛ من تمام معناه6؛ نحو:
__________
1 مرت ترجمته.
2 ادعى المازني أن النداء معناه: طلب إقبال من تناديه عليك، وأن غير المعين لا يمكن فيه ذلك، وعلى هذا يكون التنوين في النكرة ضرورةً أو شاذًّا.
التصريح: 2/ 167.
3 شرط أن تكون إضافته لغير ضمير المخاطب؛ فلا يصح أن يقال: يا غلامك؛ لأن النداء خطاب للمضاف، مع أن المضاف إليه ضمير المخاطب غير المضاف.
4 هو أحمد بن يحيى المعروف بثعلب، وقد مرت ترجمته.
5 حجته: أن الإضافة فيها في نية الانفصال، ورد بأن علة البناء مشابهة الضمير؛ وهي مفقودة هنا؛ لأن الصفة المضافة إلى معمولها، ليست بهذه المنزلة، ولم يسمع عن العرب ما يسيغ ذلك.
وقد تفصل لام الجر الزائدة بين المنادى المضاف، والمضاف إليه في الضرورة الشعرية؛ كقول سعيد بن مالك:
يا بؤسَ للحرب التي ... وضعت أراهط فاستراحوا
6 أي: جاء بعده معمول يتمم معناه؛ سواء كان هذا المعمول مرفوعا به، أم منصوبا أم مجرورا بالحرف، والجار ولمجرور متعلقان بالمنادى، أم معطوفا على المنادى قبل النداء، وقد مثل لهما المؤلف على التوالي.
ومما ينبغي أن يعد من نوع التشبيه بالمضاف شيئان، لم يذكرهما المؤلف.
الأول: الاسم المفرد المنكر الموصوف؛ نحو: يا رجلا فاضلا، ونحو: يا رجلا يجبر الكسير، إذا كنت قصدت به معينا، وكان النداء طارئا على الصفة والموصوف جميعا.
الثاني: الوصف المقترن بجملة؛ نحو قوله صلى الله عليه وسلم في سجوده: "يا عظيمًا يرجى لكل عظيم"؛ لأنه قد اتصل به شيء يتمم معناه.
انظر الأشموني: 2/ 445، والتصريح: 2/ 68، وحاشية الصبان: 3/ 140-141.(4/15)
"يا حسنا وجهه" و"يا طالعا جبلا"، و"يا رفيقا بالعباد"، و"يا ثلاثة وثلاثين"؛ فيمن سميته بذلك1، ويمتنع إدخال "يا" على "ثلاثين"2؛ خلافا لبعضهم؛ إن ناديت جماعة هذه عدتها، فإن كانت غير معينة نصبتهما أيضا3، وإن كانت معينة؛ ضممت الأول، وعرفت الثاني بـ "أل"، ونصبته، أو رفعته، إلا إن أعيدت معه "يا"، فيجب ضمه؛ وتجريده من "أل"4، ومنع ابن خروف5 إعادة "يا" وتخيره في إلحاق "أل" مردود6:
والثالث: ما يجوز ضمه وفتحه؛ وهو نوعان:
أحدهما: أن يكون علما مفردا موصوفا بابن متصل به مضاف إلى علم7، نحو: "يا زيد بن سعيد"8، والمختار عند البصريين -غير المبرد- الفتح، ومنه
__________
1 أي: قبل النداء، وهذا مثال للمنادى المعطوف عليه قبل النداء، وإنما وجب نصبهما للطول؛ أما الأول فشبهه بالمضاف؛ لأن الثاني معمول له؛ لوقول التسمية بهما، وأما الثاني فالبعطف بالواو.
2 لأنه جزء علم؛ كشمس؛ من عبد شمس، وقيس؛ من عبد قيس؛ أما المخالف فقد نظر إلى الأصل.
3 الأول؛ لأنه نكرة غير مقصودة، والثاني؛ للعطف.
4 أما الضم؛ فلأنه نكرة مقصودة والمقصود بالضم: البناء على ما يرفع به. وأما تجريده من "أل"؛ فلأن "يا" لا تجامع أل إلا في مواضع ستأتي، وليس هذا منها.
5 مرت ترجمته.
6 وجه الرد على الشطر الأول: أن الثاني ليس بجزء علم حتى تمتنع معه "يا"؛ وعلى الشطر الثاني: أن اسم الجنس أريد به معين، فيجب تعريفه بـ "أل"، لا التخيير.
7 ظاهر هذه العبارة صالح لأن يشمل ما إذا كان العَلَم الذي أضيف "ابن" إليه مذكرًا؛ نحو: "يا زيد بن محمد" وما إذا كان مؤنثا؛ نحو: "يا عمرو بن هند"، والأول: متفق عليه بين النحاة؛ والثاني: محل خلاف بينهم.
8 فيجوز في "زيد" الضم على الأصل، والفتح إما على الإتباع لفتحة "ابن"؛ لأن الحاجز بينهما ساكن فهو غير حصين، أو فتح بناء على تركيب الصفة مع الموصوف، وجعلهما شيئا واحدا؛ كخمسة عشر، أو فتح إعراب على إقحام "ابن" وإضافة زيد إلى سعيد؛ لأن ابن الشخص، يجوز إضافته إليه؛ لأنه يلابسه.
لتصريح: 2/ 169.(4/16)
قوله1: [الرجز]
435- يا حَكَمَُ بن المنذر بن الجارود2
__________
1 ينسب هذا الرجز إلى رجل من بني الحرماز، ونسبه الجوهري إلى رؤبة بن العجاج؛ وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من الرجز، في مدح الحكم بن المنذر أمير البصرة على عهد هشام بن عبد الملك؛ وعجزه قوله:
سرادق المجد عليك ممدود
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 169، والأشموني: "873/ 2/ 446"، وسيبويه: 1/ 313، والمقتضب: 4/ 323، وشرح المفصل: 2/ 5، والعيني: 4/ 210 واللسان: "سردق"، وملحقات ديوان رؤبة: 172.
المفردات الغريبة: الجارود: لقب لجد الممدوح؛ قيل لقب بذلك؛ لأنه أغار على قوم فاكتسح أموالهم، فشبهوه بالسيل الشديد الذي يجرف أمامه كل شيء. سرادق: هو ما يمد فوق صحن الدار. المجد: علو المنزلة وسمو القدر.
المعنى: إن الممدوح ذو شرف وسيادة، وقد جعل المجد ذا سرادق منصوب عليه -على سبيل الاستعارة بالكناية.
الإعراب: يا: حرف نداء. حكم: منادى مبني على الضم في محل نصب؛ أو مبني على الفتح للإتباع في محل نصب، والأول أفضل. ابن: صفة لـ "الحكم" باعتبار محله منصوب، وهو مضاف. المنذر: مضاف إليه/. ابن: صفة لـ "المنذر" مجرور، وو مضاف. الجارود: مضاف إليه، وسكن لضررة الشعر. سرادق: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. المجد: مضاف إليه مجرور. "عليك": متعلق بـ "ممدود" الآتي. ممدود: خبر مرفوع.
موطن الشاهد: "يا حكم".
وجه الاستشهاد: فتح "حكم" -وهو مختار البصريين- ويجوز فيه الضم -كما بيَّنَّا- وقد اشترط في جواز الوجهين؛ كون "الابن" صفة؛ فلو جعل بدلا؛ أو عطف بيان، أو منادى حذف منه حرف النداء، أو مفعولا بفعل محذوف، تقديره: أعني، ونحو ذلك، تعين الضم.(4/17)
ويتعين الضم في نحو: "يا رجلُ ابنَ عمرو"، و"يا زيدُ ابنَ أخينا"؛ لانتفاء علمية المنادى في الأولى، وعلمية المضاف إليه في الثانية، وفي نحو: "يا زيدُ الفاضلَ ابن عمرو"؛ لوجود الفضل، وفي نحو: "يا زيد الفاضل"؛ لأن الصفة غير "ابن"، ولم يشترط ذلك1 الكوفيون، وأنشدوا2: [الوافر] .
436- بأجود منك يا عمرَُ الجوادا3
__________
1 أي: كون الوصف "ابنا"، وحجتهم: أن علة الفتح التركيب، وقد جاء في باب "لا" نحو: لا رجل ظريف -بفتحهما- فيجوز هنا.
2 هذا من قول جرير بن عطية الشعر المعروف، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
فما كعب بن مامة وابن سعدى
وهو من قصيدة يمدح فيه عمر بن عبد العزيز؛ ومطلع هذه القصيدة قوله:
أبت عيناك بالحسن الرقادا ... وأنكرت الأصادق والبلادا
والشاهد: من شواهد: التصريح: 2/ 169، الأشموني: "874/ 2/ 447"، والهمع: 1/ 176، والدرر: 1/ 153.
المفردات الغريبة: كعب بن مامة: هو كعب الأيادي الذي يضرب به المثل في الإيثار؛ لأنه آثر رفيقه في السفر بالماء حتى مات عطشا، ومامة: اسم أمه. ابن سعدى: هو أوس بن حارثة الطائي الجواد المشهور، وسعدى: اسم أمه؛ ويروى "ابن أروى" مكان ابن سعدى، ويعني بذلك أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه.
المعنى: يمدح الشاعر عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- قائلا: ليس كعب بن مامة، ولا ابن أروى -المشهوران بالكرم والجود- بأكرم منك؛ لكثرة جودك، وعظيم عطاياك.
الإعراب: ما: نافية حجازية -وهو الأرجح- تعمل عمل "ليس". كعب: اسم "ما" مرفوع، وهو مضاف. مامة: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف. بأجود: الباء حرف جر زائد، أجود: اسم مجرور لفظا منصوب محلا؛ على أنه خبر "ما" العاملة عمل "ليس"؛ وأجود ممنوع من الصرف. "منك": متعلق بـ "أجود".
يا: حرف نداء. عمر: منادى مفرد علم مبني على الفتح؛ لأنه موصوف بالجواد المنصوب؛ أو مبني على الضم المقدر على آخره، منع من ظهوره فتح الإتباع. الجوادا: صفة لـ "عمر" على المحل، والألف للإطلاق.(4/18)
بفتح "عمر"، والوصف بابنة؛ كالوصف بابن؛ نحو: "يا هندَُ ابنة عمرو"، ولا أثر للوصف ببنت؛ فنحو: "يا هندُ بنتَ عمرو" واجب الضم1.
الثاني: أن يكرر2 مضافا؛ نحو: "يا سعدَُ سعدَ الأوس"؛ فالثاني واجب النصب؛ والوجهان في الأول؛ فإن ضممته3 فالثاني بيان، أو بدل أو بإضمار "يا" أو أعني4، وإن فتحته؛ فقال سيبويه: مضاف لما بعد الثاني، والثاني مقحم بينهما.
__________
1 ويمتنع الفتح لتعذر الإتباع؛ لأن بينهما حاجزا حصينا؛ وهو تحرك الباء.
2 أي المنادى المفرد المعرفة؛ سواء كان علما أم اسم جنس؛ وفي التمثيل بسعد سعد الأوس: وسعد بن عبادة؛ وهي:
فإن يسلم السعدان يصبح محمدًا ... بمكة لا يخشى خلاف المخالفِ
أيا سعدَُ سعدَ الأوس كن أنت ناصرًا ... ويا سعدَُ سعدَ الخزرجين الغطارفِ
أجيبا إلى داعي الهدى، وتَمَنَّيَا ... على الله في الفردوس منية عارفِ
ونظير الشاهد هنا قول جرير:
يا تيم تيم عدي لا أبا لكم ... لا يلقينكم في سوأة عمر
حاشية يس على التصريح: 2/ 171.
3 أي لأنه مفرد معرفة؛ يبنى على الضم في محل نصب.
4 إذا ضم الاسم الأول، فيحتمل في نصب الاسم الثاني خمسة أوجه:
الأول: أن يكون توكيدا للاسم الأول، ولم ينون؛ لقصد المشاركة بين الاسمين.
الثاني: أن يكون بدلا، والثالث: أن يكون عطف بيان عليه؛ وهو في هذه الأوجه الثلاثة تابع في إعرابه لمحل الاسم الأول المبني على الضم في محل نصب.
والرابع: أنه مفعول به لفعل محذوف؛ تقديره: أعني؛ فهو كالنعت المتطوع إلى النصب.
والخامس: أنه منادى مستأنف، وانتصب؛ لكونه مضافا.
وقد اعترض أبو حيان على الوجه الأول؛ بأنه لا يجوز التوكيد؛ لاختلاف وجهي التعريف؛ لأن تعريف الأول: بالعلمية، أو بالنداء، والثاني: بالإضافة.
هذا وقد اعترض أبو حيان على الوجه الأول بقوله: لا يجوز أن يكون الاسم الثاني توكيدا معنويا للاسم الأول؛ لأن التوكيد المعنوي له ألفاظ معينة محصورة، وليس هذا منها؛ كما لا يجوز أن يكون توكيدًا لفظيًّا؛ لأن مع الاسم الثاني زيادة هي المضاف إليه، ومع هذه الزيادة لا يتفقه التوكيد مع المؤكد في كمال المعنى؛ وقال ابن هشام في اعتراض هذا الوجه من وجه الإعراب: تعريف الاسم الأول إما بالعلمية السابقة على النداء، وإما بالإقبال عليه الحاصل بالنداء؛ وأما تعريف الاسم الثاني فبالإضافة؛ وباختلاف التعريفين لا يحصل التوكيد.
انظر التصريح: 2/ 171.(4/19)
وقال المبرد: مضاف لمحذوف مماثل لما أضيف إلي الثاني1، وقال الفراء: الاسمان مضافان للمذكور2، وقال بعضهم: الاسمان مركبان تركيب خمسة عشر ثم أضيفا3.
الرابع: ما يجوز ضمه ونصبه؛ وهو المنادى المستحق للضم إذا اضطر الشاعر إلى تنوينه؛ كقوله4: [الوافر] .
437- سلام الله يا مطر عليها5
__________
1 ويكون نصب الثاني حينئذ -على أحد الأوجه المذكورة عند ضم الأول؛ وهو أن يكون منادى، أو عطف بيان، أو بدل ... إلخ، والأصل: يا سعد الأسود سعد الأسود؛ فحذف من الأول؛ لدلالة الثاني عليه؛ وهو نظير قوله في نحو: قطع الله يد ورجل من قالها؛ وهو قليل في كلامه.
2 وهو رأي ضعيف؛ لأن فيه توارد عاملين على معمول واحد.
3 وتكون فتحة الثاني -على هذا- فتحة بناء. وإلى هذا النوع أشار ابن مالك بقوله:
في نحو: "سعدَُ سعدَ الَاوْسٍ" ينتصِبْ ... ثانٍ وضم وافتح أوَّلًا تًصِبْ
والمعنى: في مثل يا سعد سعد الأوس مما وقع فيه المنادى مفردا مكررا، والثاني مضافا، يجب نصب الثاني منهما؛ أما الأول: فيجوز فيه الضم والفتح -كما بَيَّنَ المؤلف- وأما إذا كان الاسم الثاني غير مضاف؛ نحو: يا محمد محمد، أو يا سعد سعد؛ جاز بناؤه على الضم على أنه منادى حذف قبله حرف النداء، أو بدل؛ وجاز رفعه ونصبه؛ باعتباره توكيدا لفظيا على اللفظ أو المحل.
انظر حاشية الصبان: 3/ 154، والتصريح: 2/ 171.
4 القائل: هو: الأحوص؛ محمد بن عبد الله بن عاصم الأوسي، وقد مرت ترجمته.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وليس عليك يا مطرُ السلام(4/20)
وقوله1: [الوافر] .
438- أبعدا حل في شعبي غريبا2
__________
= وهو من شواهد: التصريح: 2/ 171، والأشموني: "875/ 2/ 448"، وابن عقيل: "307/ 2 262"، والشذور: "53/ 113" وسيبويه: 1/ 313، والمقتضب: 4/ 214، 224 ومجالس ثعلب: 92، 239، 542، والأغاني: 14/ 61، والجمل للزجاجي: 166، وأمالي الزجاجي: 81، والمحتسب: 2/ 93، وأمالي ابن الشجري: 1/ 341، والإنصاف: 311، والخزانة: 1/ 294، والهمع: 2/ 80، والدرر: 2/ 105، والعيني: 1/ 108، 4/ 211، والمغني: "643/ 449"، والسيوطي: 260، وديوان الأحوص: 137.
المعنى: واضح.
الإعراب: سلام: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. الله: "لفظ الجلالة" مضاف إليه مجرور. يا: حرف نداء، لا محل له من الإعراب. مطر: منادى مفرد علم مبني على الضم، في محل نصب على النداء، ونُوِّنَ للضرورة الشعرية. "عليها": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ "سلام"؛ أو متعلق بـ "سلام" ويكون الخبر محذوفا؛ والتقدير: سلام الله عليها حاصل أو كائن مثلا. وليس: الواو عاطفة، ليس: فعل ماضٍ ناقص. "عليك": متعلق بالخبر المقدم المحذوف. يا: حرف نداء، لا محل له من الإعراب. مطر: منادى مبني على الضم في محل نصب على النداء؛ وجملة "يا مطر": اعتراضية، لا محل لها. السلام: اسم ليس مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
مواطن الشاهد: "يا مطر عليها".
وجه الاستشهاد: مجيء "مطرا" الأول منونا؛ لضرورة الشعر؛ وهو مفرد علم واجب البناء على الضم؛ كما هو معلوم؛ وحكم تنوينه الجواز للضرورة الشعرية.
1 القائل: هو جرير بن عطية الخطفي.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
ألؤما لا أبا لك واغترابا
وهو من كلمة يهجو فيها العباس بن يزيد الكندي؛ وأولها قوله:
أخالدَ عاد وعدُكُمُ خِلابا ... ومُنَّيتِ المواعد والكذابا
وقد مر تخريج هذا الشاهد في باب المفعول المطلق.
موطن الشاهد: "أعبدا".
وجه الاستشهاد: وقوع "عبدا" منادى نكرة مقصودة، وقد نصبه مع التنوين تشبيها له بالنكرة غير المقصودة، وذلك للضرورة؛ وقيل: يجوز نصبه؛ لأنه شبيه بالمضاف؛ لأنه نكرة موصوفة؛ وقيل: يجوز أن يكون "عبدا" حالا من فاعل محذوف؛ والتقدير: أتفخر عبدا؟؛ أي: وأنت عبد، ولا يليق الفخر بالعبيد.
انظر ضياء السالك: 3/ 223.(4/21)
واختار الخليل وسيبويه الضم، وأبو عمرو1 وعيسى2 النصب، ووافق الناظم والأعلم سيبويه في العلم، وأبا عمرو وعيسى في اسم الجنس3.
[لا يجوز نداء ما فيه"أل"] :
فصل: ولا يجوز نداء ما فيه "أل"4 إلا في أربع صور:
إحداها: اسم الله تعالى5، أجمعوا على ذلك؛ تقول: "يا الله" بإثبات الألفين، و"يَللَّه" بحذفهما، و"يالله" بحذف الثانية فقط، والأكثر أن يحذف حرف النداء، ويعوض عنه الميم المشددة؛ فتقول: "اللهم" وقد يجمع بينهما في الضرورة النادرة؛ كقوله6: [الرجز] .
439- أقول يا اللهم يا اللهما7
__________
1 هو أبو عمرو بن العلاء، وقد مرت ترجمته، وترجمة الأعلم والخليل وسيبويه والناظم.
2 هو أبو عمرو؛ عيسى بن عمر الثقفي، مولى خالد بن الوليد المخزومي، كان إماما في النحو والعربية؛ أخذ عن ابن أبي إسحاق وأبي عمرو بن العلاء، روى عن الحسن البصري؛ وعنه أخذ الأصمعي والخليل وغيرهما؛ وكان عيسى يطعن على العرب، ويخطئ المشاهير منهم؛ كالنابغة في بعض أشعاره، كما كان صاحب تقعير في كلامه، واستعمال للغريب فيه؛ له مصنفات كثيرة؛ منها: الإكمال، والجامع، وقيل إن له سبعين مصنفا، مات سنة 149هـ.
البلغة: 179، إنباه الرواة: 2/ 274، وبغية الوعاة: 2/ 237، والأعلام: 5/ 288.
3 أي: نصبه "كعبدا" في البيت السابق؛ وذلك لضعف شبهه بالضمير؛ وخيَّر الناظم بين الضم والنصب مع التنوين للضرورة.
4 لما فيه من الجمع بين معرفتين؛ النداء، وأل، وذلك ما لم يعهد في الأساليب العربية.
5 وذلك للزوج "أل" له حتى صارت كالجزء منه.
6 القائل: هو أبو خراش الهذلي، أو أمية بن أبي الصلت.
7 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
إني إذا ما حدث ألما
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 172، والأشموني: "880/ 2/ 449"، وابن عقيل: "310/ 3/ 265"، والعيني: 4/ 216، ونسبه إلى أمية بن أبي الصلت. ونوادر أبي زيد: 165، والمقتضب: 4/ 242، والمخصص: 1/ 137، والمحتسب: 2/ 238، والهمع: 1/ 168، والدرر.(4/22)
الثانية: الجمل المحكية؛ نحو: "يا المنطلق زيد"؛ فيمن سمي بذلك، نصَّ
__________
1/ 155، وأمالي ابن الشجري: 2/ 103، والإنصاف: 341، واللسان "أله".
المفردات الغريبة: جدث: حادث طارئ من مكاره الدنيا. ألما: نزل.
المعنى: إذا نزل بي حادث من حوادث الدهر، وطرأ علي ما أحتاج فيه إلى المعونة، ألجأ إلى الله وأناديه، فإنه جلت قدرته هو المعين وحده.
الإعراب: إني: إن حرف مشبه بالفعل، والياء: في محل نصب اسمه. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه. ما: زائد، لا محل لها. حدث: فاعل لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده؛ وجملة "الفعل المحذوف وفاعله": في محل جبر بالإضافة. ألما: فعل ماض، والألف: للإطلاق، والفاعل: شمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو؛ وجملة "ألما" تفسيرية، لا محل لها. أقول: فعل مضارع مرفوع والفاعل: أنا؛ وجملة "أقول": جواب شرط غير جازم، لا محل لها. وجملة "الشرط وجوابه": في محل رفع خبر "إن". يا اللهم: "يا" حرف نداء، اللهم: الله "لفظ الجلالة": منادى مبني على الضم في محل نصب على النداء. والميم: حرف أصلها عوض عن "يا" عند حذفها، وقد جمع هنا بينهما ضرورة؛ و"جملة النداء": في محل نصب مفعول به، مقول القول. يا اللهم: مثل الأولى.
موطن الشاهد: "يا اللهم".
وجه الاستشهاد: الجمع في "يا اللهم" بين حرف النداء، والميم المشددة؛ التي تأتي عوضا عن حرف النداء، وحكم هذا الجمع شاذ أو نادر؛ لأنه جمع بين العوض والمعوض عنه. هذا: وقد تحذف "أل" من اللهم؛ فيقال: "لاهم" وتكون كلمة "لاه" هي المنادى المبني على الضم؛ وهو كثير في الشعر؛ ومنه قول القائل:
لاهُمَّ إن العبد يَمْـ ... ـنعُ رحله فامنع رحالك
وقد تخرج اللهم عن النداء المحض؛ فتستعمل على وجهين:
أ- أن تذكر تمكينا للجواب؛ كأن يقال: هل أنت مسافر؟ فتقول: اللهم نعم أو لا.
ب- أن تدل على الندرة؛ نحو: سأزورك اللهم إذا لم تدعني؛ وهي حينئذ منادى صورة فتعرب كإعرابه.
لتصريح: 2/ 172. الأشموني: 2/ 450.(4/23)
على ذلك سيبويه، وزاد عليه المبرد ما سمي به من موصول مبدوء بأل1؛ نحو: الذي والتي، وصوبه الناظم.
الثالثة: اسم الجنس المشبه به؛ كقولك: "يا الخليفة هيفة" نص على ذلك ابن سعدان2.
الرابعة: ضرورة الشعر؛ كقوله3:
440- عباس يا الملك المتوج والذي4
ولا يجوز ذلك في النثر؛ خلافا للبغداديين.
__________
1 بشرط أن يكون مع صلته علما؛ نحو: "يا الذي سافر" في نداء من سمي بذلك؛ لأن الموصول مع صلته بمنزلة اسم واحد؛ أما الموصول وحده المسمى به فمتفق على منع ندائه.
ومن نداء الاسم الموصول المقترن بـ "أل" مع صلته قول الشاعر:
من اجلك يا التي تيمت قلبي ... وأنت بخيلة بالود عني
2 مرت ترجمته.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
عرفت له بيتَ العُلا عدنانُ
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 173، والأشموني: "878/ 2/ 449" والعيني: 4/ 245 والهمع: 1/ 174، والدرر: 1/ 152.
المفردات الغريبة: المتوج: الذي ألبس التاج. عرفت: اعترفت. العلا: الشرف. عدنان: المراد عدنان أبو العرب.
المعنى: واضح.
الإعراب: عباس: منادى بحرف محذوف، مبني على الضم في محل نصب. يا: حرف نداء، لا محل له من الإعراب. الملك: منادى مبني على الضم في محل نصب على النداء. المتوج: صفة لـ "الملك" يجوز فيها الرفع إتباعا على لفظ الموصوف؛ ويجوز فيها النصب إتباعا على محل الموصوف. والذي: الوو عاطفة، الذي: اسم موصول، مبني على السكون، معطوف على المتوَّج في حل رفع أو نصب. عرفت: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث. "له": متعلق بـ "عرف". بيت: مفعول به منصوب لـ "عرف"، وهو مضاف العلا: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر. عدنان: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة؛ وجملة "عرفت له بيت العلا عدنان": صلة للموصول الأسمي، لا محل لها.
موطن الشاهد: "يا الملك".
وجه الاستشهاد: إدخال حرف النداء "يا" على المنادى المقترن بـ "أل"؛ وهو "الملك"؛ وحكم هذا الإدخال ضرورة عند البصريين؛ وجائز عند الكوفيين؛ بالقياس وبالسماع؛ فأما القياس؛ فما أباحه الجميع من مناداة لفظ الجلالة المقترن بـ "أل" وأما السماع: فهذا الشاهد ونحوه.
انظر حاشية الصبان: 3/ 145.(4/24)
الفصل الثالث: في أقسام تابع المنادى المبني وأحكامه1:
وأقسامه أربعة:
أحدها: ما يجب نصبه مراعاة لمحل المنادى؛ وهو ما اجتمع فيه أمران:
أحدهما: أن يكون نعتا2 أو بيانا أو توكيدا.
ثانيهما: أن يكون مضافا مجردا من "أل"3؛ نحو: "يا زيد صاحب عمرو".
__________
1 أما المنادى المنصوب اللفظ، إن كان تابعه نعتا أو عطف بيان أو توكيدا؛ وجب نصب التابع مرعاةً للفظ المتبوع؛ نحو: يا مجاهدا مخلصا لا تحجم عن لقاء العدو، يا عربا أهل اللغة الواحدة، أو كلكم أجيبوا داعي الوطن. وإن كان التابع بدلا، أو عطف نسق مجرَّدًا من "أل"؛ فالأحسن أن يكون منصوب اللفظ أيضا: نحو: بوركت يابن الخطاب عمر؛ أو بوركتما يابن الخطاب وعليا. وبعضهم يجعل ذلك في حكم المنادى المستقل.
2 بشرط ألا يكون منعوته -وهو المنادى- اسم إشارة، ولا كلمة "أي"، أو "أية"، وإلا وجب رفع النعت؛ كما في الحالة الثانية الآتية.
3 ويشترط أن تكون الإضافة في الثلاثة محضة على الراجح، وإلا جاز رفع التابع مرعاة للفظ المنادى؛ نحو: يا رجل ضارب محمد بالضم والنصب، ووجوب النصب بهذين الشرطين: مذهب جمهور النحاة؛ وحكي عن جماعة من الكوفيين ومعهم الكسائي لما كانت حادثة تحدث بدخول حرف النداء، وتزول بزواله أشبهت حركة الإعراب؛ فجاز مراعاتها. وحكوا ذلك في النعت والتوكيد، ولم يحكوه في عطف البين؛ لأنه قريب الشبه من البلد، وقد علمنا أن البدل إذ كان مضافا؛ وجب نصبه؛ لأنه كنداء مستقل؛ فما أشبهه يأخذ حكمه.
التصريح: 2/ 174، الأشموني: 2/ 450.(4/25)
و "يا زيدُ أبا عبد الله"، و"يا تميمُ كلَّهم، أو كلكم"1.
والثاني: ما يجب رفعه مراعاة للفظ المنادى؛ وهو نعت "أي" و"أية"2 ونعت اسم الإشارة؛ إذا كان اسم الإشارة وصلة لندائه؛ نحو: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} 3، {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ} 4، وقولك "يا هذا الرجل"5، إن كان المراد أوَّلا نداء الرجل؛
__________
1 إذا كان تابع المنادى مشتملا علي ضمير؛ جاز أن يجيء به ضمير غيبة؛ وهو الأصل؛ وذلك باعتبار أن لفظ المنادى اسم ظاهر؛ والاسم الظاهر من قبيل الغيبة؛ وجاز أن يجيء به ضمير خطاب؛ وهذا يشمل توابع المنادى المنصوب اللفظ وغير المنصوب؛ إلا إذا كان التابع اسم إشارة؛ فلا يجوز أن تتَّصل بآخره علامة خطاب وقد اجتمع الاعتباران في قول الشاعر:
فيا أيها المُهدِي الخنا من كلامه ... كأنك يضفو في إزارك خِرنِقُ
فجاء بضمير الغيبة في قوله: "من كلامه؛ وبضمير الخطاب في قوله: "من إزارك"، وذهب الأخفش إلى وجوب كون الضمير المتصل بتابع المنادى ضمير غيبة؛ فإن جاء ضمير حضور؛ نحو: "يا تميم كلكم"؛ فن رفعت كلكم؛ فهو مبتدأ خبره محذوف؛ وإن نصبتهن فهو مفعول به لفعل محذوف.
التصريح: 2/ 147
2 إنما وجب الرفع؛ لأن المقصود بالنداء هو التابع، وهو مفرد، أما "أي" و"أية" فكلاهما صلة لندائه، وهما مبنيان على الضم؛ لأن كلا منهما نكرة مقصودة. و"ها" حرف تنبيه زائد زيادة لازمة لا تفارقهما.
3 "2" سورة البقرة، الآية: 21.
موطن الشاهد: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أي" منادى نكرة مقصودة مبنيا على الضم، و"ها" للتنبيه؛ والناس: بدل من "أي" مرفوع تبعا للفظ "أي"؛ وإنما جاز الرفع مع أن المتبوع مبني؛ لأنه مشبه للمعرب في حدوث ضمه بسبب الداخل عليه.
انظر التصريح: 2/ 174.
4 "89" سورة الفجر، الآية: 27.
موطن الشاهد: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ} .
وجه الاستشهاد: مجيء "أية" مبنية على الضم؛ لكوها نكرة مقصودة، و"ها" للتنبيه لازمة للفظ "أية"، و"النفس": بدل من "أية" مرفوع على التبعية وجوبًا؛ مراعاةً للفظ "أية"؛ وإنما جاز الرفع مع أن المتبوع مبنى؛ لأنه مشبه للمعرب في حدوث ضمة بسبب الداخل عليه.
5 جوز النحاة على الاسم المحلى بـ "أل" بعد اسم الإشارة، أن يكون صفة لاسم الإشارة، أو(4/26)
ولا يوصف اسم الإشارة أبدا إلا بما فيه أل، ولا توصف أي وأية في هذا الباب إلا بما فيه "أل"، أو باسم الإشارة، نحو: "يا أيهذا الرجل"1.
والثالث: ما يجوز رفعه ونصبه؛ وهو نوعان:
أحدهما: النعت المضاف المقرون بـ "أل"2؛ نحو: "يا زيدُ الحسنَُ الوجه"3.
والثاني: ما كان مفردا من نعت، أو بيان، أو توكيد، أو كان معطوفا مقرونا بـ "أل"؛ نحو: "يا زيد الحسنُ" و"الحسنَ" و"يا غلام بشر" و"بشرا" و"يا تميم
__________
= عطف بيان عليه، أو بدلا منه، واعترض ابن عصفور: بأن النعت يشترط فيه أن يكون مشتقا، أو مؤولا بالمشتق، وأن عطف البيان، ينبغي أن يكون جامدا، كما يشترط فيه أن يكون أعرف من المبين؛ في حين لا تكون الصفة أعرف من الموصوف فإذا قيل هذا الاسم صفة تضمن ذلك أنه مشتق أو في قوة المشتق، وأنه مساوٍ للموصوف لا أعرف منه؛ وإذا قيل: هذا الاسم عطف بيان؛ تضمن أنه جامد وأنه أعرف من المبين؛ فكيف يصح في الاسم الواحد أن يكون صفة، وأن يكون عطف بيان؛ وكل منهما يقتضي نقيض ما يقتضيه الآخر من وجهين. ورُدَّ على ابن عصفور بأن عطف البيان لا يشترط فيه أن يكون أعرف؛ لأنه مخالف لقول سيبوبه في "يا هذا ذا الجمَّة"؛ وأما الوجه الآخر: فإذا قدر صفة، جعل مؤولا بالمشتق، وإن قدر عطف بيان؛ فهو جامد على ظاهره، واللام على تقدير الصفة؛ للعهد، وعلي تقدير البيان؛ لتعريف الحضور أي للجنس.
1 توصف أي: وأية بواحدة من ثلاثة أشياء:
الأول: الاسم المحلى بأل؛ نحو: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} ، و {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} .
الثاني: الاسم الموصول المقترن بأل؛ نحو: {يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} ؛ ونحو: يا أيتها التي قامت.
الثالث: اسم الإشارة الخالي من كاف الخطاب؛ كمثال المصنف؛ أما اسم الإشارة المقترن بكاف الخطاب، فلا يكون نعتا لـ "أي"؛ خلافا لابن كيسان.
ومن هذا النوع قول ذي الرمة:
ألا أيهذا الدارس الذي ... كأنك لم يعهد بك الحي عاهد
التصريح: 2/ 175.
2 اقترانه بـ "أل" يستلزم أن تكون الإضافة غير محضة؛ لأنها هي التي تجتمع مع أل، وتكاد نحصر هذه الإضافة في تابع واحد؛ هو النعت؛ لأن الغالب عليه الاشتقاق حيث تشيع هذه الإضافة.
3 الرفع على الإتباع للفظ "زيد" في الصورة، تشبيها له بالمرفوع، والنصب على المحل.(4/27)
أجمعون" و"أجمعين"، وقال الله تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرُ} 1؛ قرأه السبعة بالنصب، واختاره أبو عمرو وعيسى، وقُرِئَ بالرفع؛ واختاره الخليل، وسيبويه، وقدروا2 النصب بالعطف على {فَضْلًا} 3 من قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا} ، وقال المبرد: إن كانت "أل" للتعريف مثلها في "الطير"؛ فالمختار النصب4، أو لغيره مثلها في "اليسع"؛: فالمختار الرفع5.
والرابع: ما يعطى تابعًا ما يستحقه إذا كان منادى مستقلا؛ وهو البدل والمنسوق المجرد من "أل"؛ وذلك لأن البدل في نية تكرار العامل، والعاطف كالنائب عن العامل؛ تقول: "يا زيدُ بِشْرُ" بالضم، وكذلك "يا زيدُ وبِشْرُ"، وتقول: "يا زيد أبا عبد الله"، وكذلك: "يا زيد وأبا عبد الله" وهكذا حكمهما مع المنادى المنصوب.
الفصل الرابع: في المنادى المضاف للياء:
وهو أربعة أقسام:
__________
1 "34" سورة سبأ، الآية: 10.
أوجه القراءات: انفرد ابن مهران، عن هبة الله بن جعفر، عن روح؛ برفع الراء من "والطير"؛ وهي رواية زيد عن يعقوب؛ ووردت عن عاصم، وأبي عمرو؛ وقرأ السبعة بالنصب. النشر: 2/ 335، وتفسير الطبري: 14/ 266، ومشكل إعراب القرآن: 2/ 204.
موطن الشاهد: {يَا جِبَالُ ... وَالطَّيْرُ} .
وجه الاستشهاد: قراءة الرفع في "الطير" بالعطف على لفظ الجبال"، وقراءة النصب فيها عطفا على محل الجبال؛ أو عطفا على "فضلا" في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا} ؛ والتقدير: وآتيناه الطير، وعلي هذا؛ فجملة النداء معترضة بين المتعاطفين.
التصريح: 2/ 176، ومشكل إعراب القرآن 2/ 204.
2 أي: من اختاروا الرفع.
3 ووجه اختيار الرفع: مشاكلة الحركة وكثرته؛ كما يقول سيبويه.
4 لأن المعرف يشبه المضاف من حيث تأثر كلٍّ بالتعريف بما يتصل به.
5 لأن "أل" حينئذٍ وهي من بنية الكلمة كالمعدومة؛ فلا مانع من أن يلي ما هي فيه حرف النداء.(4/28)
أحدها: ما فيه لغة واحدة؛ وهو المعتل؛ فإن ياءه واجبة الثبوت والفتح1؛ نحو: "يا فتاي"، و"يا قاضي"2.
والثاني: ما فيه لغتان؛ وهو الوصف المشبه للفعل3؛ فإن ياءه ثابتة لا غير، وهي إما مفتوحة أو ساكنة؛ نحو: "يا مكرمي" و"يا ضاربي".
الثالث: ما فيه ست لغات؛ وهو ما عدا ذلك4، وليس أَبًا ولا أمًّا؛ نحو: "يا غلامي"، فالأكثر حذف الياء والاكتفاء بالكسرة؛ نحو: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} 5، ثم ثبوتها ساكنة نحو: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُم} 6، أو مفتوحة؛ نحو: {يَا عِبَادِيَ
__________
1 أما علة الثبوت؛ فلأنها -لو حذفت؛ لحصل التباس بغير المضاف، وأما وجوب الفتح؛ فلأنها لو سكنت؛ التقى ساكنان؛ والتحريك بالمضم والكسر ثقيل على الياء.
التصريف: 2/ 177.
2 قاضي: منادى منصوب بفتحة مقدرة على الياء المدغمة في ياء المتكلم؛ وهي مضافة إليها. ويلحق بالمعتل: المثنى وشبهه، وجمع المذكر السالم وشبهه، إذا أضيفا وحذفت نونهما للإضافة، وختم آخرهما بالعلامة الخاصة بكل منهما؛ تدغم الياء الساكنة في آخرهما في ياء المتكلم المبنية على الفتح؛ نحو: يا عيني جودا بالدمع؛ ومنه قول الشاعر:
يا سابقيَّ إلى الغفران؛ مكرمة ... إن الكرام إلى الغفران تستبِقُ
ويلحق كذلك بالمعتل: المختوم بياء مشددة، ليس تشديدها للإدغام؛ كعبقري وبني تصغير ابن؛ يقال: يا عبقري ويا بني؛ بحذف الياء المشددة الثانية؛ وإدغام الأولى في ياء المتكلم المفتوحة. ويجوز حذف ياء المتكلم وبقاء الياء المشددة قبلها مكسورة؛ تقول: يا عبقري، ويا بني.
3 أي: المضارع بإفادة معنى الحال، أو الاستقبال، أما الذي بمعنى الماضي؛ فإضافته محضة، وفيه اللغات الست الآتية.
4 ويشمل: الصحيح الآخر، وما يشبهه إذا كانت إضافتهما محضة. ويجب نصبه إذا كان المنادى مفردًا، أو جمع تكسير، أو جمع مؤنث سالما؛ نحو: يا أخي، يا أصدقائي، يا فتياتي.
5 "39" سورة الزمر، الآية: 16
موطن الشاهد: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} .
وجه الاستشهاد: حذفت الياء من "عبادي" واكتفي بالكسر إجراء للمنفصل من كلمتين مجرى المتصل في كلمة واحدة؛ كما في قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} .
6 "43" سورة الزخرف، الآية: 68.
موطن الشاهد: {يَا عِبَادِيَ} .
وجه الاستشهاد: ثبوت الياء ساكنة في المنادى المضاف إلى الأصل.(4/29)
الَّذِينَ أَسْرَفُوا} 1، ثم قلب الكسرة فتحة والياء ألفا: {يَا حَسْرَتَا} 2، وأجاز الأخفش حذف الألف والاجتزاء بالفتحة؛ كقوله3: [الوافر]
441- بلهفَ ولا بليت ولا لَوَ انِّي4
__________
1 "39" سورة الزمر، الآية: 53.
موطن الشاهد: {يَا عِبَادِيَ} .
وجه الاستشهاد: ثبوت الياء المفتوحة في المنادى المضاف؛ لخفة الفتح.
2 "39" سورة الزمر، الآية: 56.
موطن الشاهد: {يَا حَسْرَتَا} .
وجه الاستشهاد: ثبوت الياء المفتوحة، ثم قلبت الكسرة قبل الياء فتحة، ثم قلبت الياء ألفًا؛ لتحركها انفتاح ما قبلها؛ لأن الألف أخف من الياء؛ فالأصل: "يا حسرتِي" بكسر التاء وفتح الياء؛ ثم قيل: يا حسرتَى بفتحهما؛ ثم، قيل: يا حسرتا.
ومثل هذه الآية قول الشاعر:
بانت لتحزنا عفارةْ ... يا جارتا ما أنت جارةْ
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
ولست براجع ما فات مني
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 177، والأشموني: 2/ 456 عرضا، والخصائص: 3/ 135، والمحتسب: 1/ 277، 323، وأمالي ابن الشجري: 2/ 74، والإنصاف: 390، 449، 546 وا لمقرب: 38، 116، والهمع: 1/ 143، والدرر: 1/ 112.
المفردات الغريبة: راجع: اسم فاعل من رجع؛ وهو أفصح من أرجع؛ وفي القرآن: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} لهف: حزن وتحسر. وبلهف: كلمة يتحسر بها على فائت. المعنى: إن ما ذهب مني لا يعود بكلمة التلهف والحسرة، ولا بكلمة لاتمنى، وقولي: ليتني عملت كذا، ولا بقولي: لو أني كذا لكان كذا.
الإعراب: لست: فعل ماضٍ ناقص مبني على السكون؛ لاتصاله بالتاء المتحركة، والتاء: في محل رفع اسمه. براجع: الباء حرف جر زائد، راجع: اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ليس؛ وفي راجع ضمير مستتر في محل رفع فاعل لاسم الفاعل. ما اسم موصول بمعنى الذي، في محل نصب مفعول به لـ "راجع". فات: فعل ماضي مبني على =(4/30)
أصله: بقولي: يا لَهْفَا؛ ومنهم من يكتفي من الإضافة بنيتها، ويضم الاسم كما تضم المفردات، وإنما يفعل ذلك، فيما يكثر فيه، أن لا ينادى إلا مضافا؛ كقول بعضهم. "يا أمي لا تفعلي"، وقراءة آخر: {رَبُّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} 1.
الرابع: ما فيه عشر لغات؛ وهو الأب والأم؛ ففيهما مع اللغات الست: أن تعوّض تاء التأنيث عن ياء المتكلم؛ وتكسرها؛ وهو الأكثر؛ أو تفتحها وهو الأقيس؛ أو تضمها على التشبيه؛ بنحو: ثبة وهبة؛ وهو شاذ، وقد قرئ بهن2، وربما جمع
__________
= الفتح، والفاعل: هو؛ وجملة "فات مني": صلة للموصول، لا محل لها. "مني": متعلق بـ "فات". بلهف: الباء حرف جر، والمجرور محذوف؛ والتقدير: بقولي يا لهف. وبقولي: متعلق بـ "راجع". لهف: منادى بحرف نداء محذوف؛ والتقدير: يا لهف، وجملة "النداء": في محل نصب للقول المحذوف المجرور بالباء.. ولا: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي. بليت: الباء حرف جرن "ليت" قصد لفظه؛ فهو مجرور بالباء.
ولا: الواو عاطفة، لا زائدة؛ لتأكيد النفي. لو أني: قصد لفظه معطوف على: "لا بليت".
موطن الشاهد: "بلهف".
وجه الاستشهاد: مجيء "لهف" منادى بحرف نداء محذوف؛ وهو مضاف إلى ياء المتكلم؛ المنقلبة ألفًا المحذوفة؛ والفتحة دليل عليها؛ والأصل يا لهفي. وقيل: أن "لهف" مجرور بالباء على الحكاية، وكذا ما بعده، لا على النداء؛ ولا شاهد فيه حينئذ؛ والأول أفضل. وانظر حاشية الصبان: 3/ 155.
1 "12" سورة يوسف، الآية: 33.
أوجه القراءات: ذكر الألوسي قراءة رفع "رب" وكسر النون في "السجنِ" ولم ينسبها إلى أحد؛ وقرأ يعقوب وعثمان بن عفان والزهري وابن هرمز "رب السجنَ" بفتح السين.
تفسير الألوسي: 12/ 235، وإتحاف الفضلاء: 264، إعراب النحاس: 2/ 140.
موطن الشاهد: {رَبُّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} .
وجه الاستشهاد: ضم باء "رب" لأن الأم والأب الأكثر فيهما أن لا يناديا إلا مضافين للياء؛ فالأصل فيهما "يا أمي" و"يا ربي"؛ فحذفت الياء تخفيفا، وبنيا على الضم تشبيها بالنكرة المقصودة. التصريح: 2/ 178.
2 أي في نحو قوله تعالى: {يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} والمنادى في هذه الحالات الثلاث منصوب؛ لأنه مضاف للياء المحذوفة المعوض عنها تاء التأنيث ونصبه بفتحة مقدرة منع من ظهورها الفتحة التي جيء بها لمناسبة التاء؛ ويرى بعض المحدثين أن يقال: منصوب بالفتحة الظاهرة؛ لأن تاء التأنيث تستلزم فتح ما قبلها دائما إلا في النداء. انظر التصريح: 2/ 178.(4/31)
بين التاء والألف، فقيل: "يا أبتا"1، و"يا أمتا" وهو كقوله:
أقول يا اللهم يا اللهما2.
وسبيل ذلك الشعر؛ ولا يجز تعويض تاء التأنيث عن ياء المتكلم إلا في النداء؛ فلا يجوز "جاءني أبت"، ولا: "رأيت أمَّت".
والدليل على أن التاء في "يا أبت"، و"يا أمت" عوض من الياء أنهما لا يكادان يجتمعان، وعلى أنهما للتأنيث؛ أنه يجوز إبدالها في الوقف هاء3.
__________
1 ومن ذلك قول الشاعر:
تقول بنتي: قد أنى أناكا ... يا أبتا علك أو عساكا
ونظيره قول الآخر:
يا أبتا أرقني القذانُ ... فالنوم لا تطعمه العينانُ
أوضح المسالك: 4/ 38-39.
2 مر تخريج هذا الشاهد والتعليق عليه.
موطن الشاهد: "يا اللهم، يا اللهم".
وجه الاستشهاد: جمع الشاعر بين ياء النداء والميم المشددة التي تتبع المنادى عوضا عن حرف النداء، فجمع بين العوض والمعوض عنه؛ وحكم هذا الجمع شاذٌّ؛ وقد ذكر المؤلف البيت ليبين لنا أن في قولهم: "يا أبتا" جمعا بين العوض والمعوض منه؛ كما في هذا الشاهد، والذي ذهب إلى أنه جمع بين العوض "التاء" والمعوض منه."الألف المنقلبة عن ياء المتكلم"؛ وهو ابن جني؛ لأنه يرى: أن هذه الألف هي ياء المتكلم انقلبت ألفًا بعد فتح ما قبلها، وأما ابن مالك فيرى: أن هذه الألف، هي التي تلحق آخر الاسم المندوب، والمستغاث، والمنادى البعيد؛ وعليه فلا جمع بين العوض والمعوض منه؛ وبالتالي فلا مشابهة بين ما ذكر وبين الشاهد؛ غير أنه مع بين "الياء"، و"التاء" في قول الشاعر:
أيا ابتي لا زلت فينا؛ فإنما ... لنا أمل في العيش ما دمت عائشا
فذهب البصريون: إلى أنه ضرورة من ضرورات الشعر؛ لأن "التاء" عوض من "ياء المتكلم"، ولا يجوز الجمع بينهما، وذهب كثير من الكوفيين إلى أنه ليس ضرورة، وأنه يجوز لك في "السعة" أن تقول: يا أبتي. انظر التصريح: 2/ 178.
3 وكذلك في الخط؛ والغالب والأفضل جعلها تاء عند الكتابة والوقف.(4/32)
[حكم المنادى المضاف إلى مضاف إلى الياء] :
فصل: وإذا كان المنادى مضافًا إلى مضاف إلى الياء؛ فالياء ثابتة لا غير1؛ كقولك: "يا ابن أخي"، و"يا ابن خالي" إلا إن كان "ابن أمِّ" أو "ابن عمِّ"؛ فالأكثر الاجتزاء بالكسرة عن الياء؛ أو أن يفتحا للتركيب المزجي2؛ وقد قُرئ: {قَالَ ابْنَ أُمَّ} 3؛ بالوجهين، ولا يكادون يثبتون الياء والألف إلا في الضرورة؛ كقوله4: [الخفيف]
__________
1 أي: مع بنائها على السكون، أو الفتح، ما لم تحتّم الضرورة الشعرية الاقتصار على أحدهما.
2 فيصيران بمنزلة "خمسة عشر" مثلا؛ ويقال في إعراب: يابن أم ... إلخ. "يا": للنداء، و"ابن أم" منادى منصوب بفتحة مقدرة؛ منع من ظهورها حركة البناء التركيبي، وياء المتكلم المحذوفة: مضاف إليه؛ وهذا تخريج سيبويه والبصريين. وقيل: إن الأصل: يا بن أمَّا، ويا عما ... إلخ؛ بقلب الياء ألفا وحذفها؛ للتخفيف، وإبقاء الفتحة؛ دليلا عليها، ويكون الإعراب مقدرا، منع منه الفتحة التي جيء بها لمناسبة الألف المحذوفة؛ وهذا تخريج الكسائي والفراء وأبي عبيدة ويحكى عن الأخفش أيضا. ويجوز وجه ثالث؛ وهو: إهمال الياء المحذوفة واعتبار المنادى وما أضيف إليه بمنزلة الاسم الواحد المركب تركيبا مزجيا، ويعرب مبنيا على ضم مقدر، منع منه حركة البناء أيضا.
التصريح: 2/ 179، والأشموني: 2/ 457.
3 "7" سورة الأعراف، الآية: 150.
أوجه القراءات: قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف: "ابن أُمِّ"، وقرأ ابن السميفع "ابن أمي". البحر المحيط: 396، والقرطبي: 7/ 290، والكشاف: 2/ 95.
موطن الشاهد: {ابن أمَِّ} .
وجه الاستشهاد: قرئت بالوجهين؛ فأما قراءة الفتح: فالأصل: "أُمَّا" بقلب ياء المتكلم ألفا، ثم حذفت هذه الألف، وبقيت الفتحة دليلا عليها؛ وهذا قول الكسائي والفراء وأبي عبيدة؛ وحكي عن الأخفش؛ وقيل: أن يفتحا: "ابن، أم"؛ للتركيب المزجي، وهو رأي سيبويه والبصريين.
4 القائل: هو أبو زيد الطائي؛ واسمه حرملة بن المنذر، شاعر معمر عاش في الجاهلية والإسلام، وكان من زوار ملوك العجم، عالم بسيرها، وفد على عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقربه؛ له شعر جيد في وصف الأسد، وعينية مشهورة. مات سنة 62 هـ.
الشعر والشعراء: 301، تجريد الأغاني: 1373، الجمجي: 593، الأعلام: 2/ 174، السمط: 118.(4/33)
442- يا ابن أُمِّي ويا شُقَيِّقَ نفسي1
وقال2: [الرجز]
443- يا ابنة عمَّا لا تلُومِي واهجعي3
__________
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
أنت خلفتني لدهر شديدِ
والبيت من كلمة يرثي فيها أخاه؛ وأول هذه الكلمة قوله:
إن طول الحياة غير سعودِ ... وضلال تأميل نيل الخلودِ
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 179، والأشموني: "888/ 2/ 457"، وسيبويه: 1/ 318، والجمل: 173، وأمالي ابن الشجري: 2/ 74، وشرح المفصل: 2/ 12، والعيني: 4/ 222، والهمع: 2/ 54، والدرر: 2/ 70، وجمهرة القرشي: 262، واللسان "شقق"، وديوان أبي زبيد "48".
المفردات الغريبة: شقيق: تصغير شقيق. خلفتني: تركتني بعدك. لدهر شديد: لزمن تبعاته شديدة.
المعنى: يا أخي في النسب ويا مَن نفسه كنفسي؛ لقد ذهبت وتركتني وحيدا أقاسي ويلات الزمن، وقد كنت ركنًا أستند إليه، وظهيرا اعتمد عليه.
الإعراب: يا: حرف نداء مبني على السكون، لا محل له من الإعراب. ابن: منادى مضاف إليه مجرور، والياء: في محل جر بالإضافة. أنت: ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ. خلفتني: فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء: فاعل، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعول به؛ وجملة "خلفتني": في محل رفع خبر المبتدأ. "لدهر": متعلق بقوله "خلف". شديد: صفة لـ "دهر" مجرورة.
موطن الشاهد: "يابن أمي".
وجه الاستشهاد: إثبات ياء المتكلم في "يابن أمي" للضرورة؛ والأصل إثبات الياء في المضاف إلى ياء المتكلم إذا نودي المضاف إلا في يابن أم ويابن عم؛ لكثرة الاستعمال فيهما.
انظر شرح العيني بذيل حاشية الصبان: 3/ 157.
2 القائل: هو أبو النجم؛ الفضل بن قدامة العجلي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من الرجز، وعجزه قوله:
لا يخرق اللوم حجاب مسمعي
=(4/34)
.........................................................................
__________
= وهذا البيت من قصيدة مشهورة مطلعها:
قد أصبحت أم الخيار تدعي ... على ذنبا كله لم أصنع
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 179، والأشموني: "889/ 2/ 457"، وسيبويه: 1/ 318، ونوادر أبي زيد: 19، والمقتضب: 4/ 252، والمحتسب: 2/ 238، والجمل: 172، وشرح المفصل: 12/ 12،13، والعيني: 4/ 224، والهمع: 2/ 54، والدرر: 2/ 70.
المفردات الغريبة: لا تلومي: من اللوم؛ وهو كثرة العتاب. واهجعي: من الهجوع، وهو الرقاد بالليل؛ والمراد: ترك ما هي فيه من لوم وتعنيف. حجاب مسمعي: كناية عن الأذن.
المعنى: دعي واتركي لومي وعتابي يا ابنة عمي، وخذي نفسك بالراحة ونامي؛ فإن لومك هذا لا يصل إلى سمعي، ولا استمع له. وكانت كثيرة اللوم له؛ لكبره وضعفه ولا سيما وقت النوم والراحة.
الإعراب: يا: حرف نداء، لا محل له. ابنة: منادى مضاف منصوب، وهو مضاف عما: عم مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفا منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، وعم مضاف، وياء المتكلم المنقلبة ألفا في محل جر بالإضافة. لا: ناهية لا محل لها من الإعراب. تلومي: فعل مضارع مجزوم بـ "لا"الناهية، وعلامة جزمه حذف النون، والياء: في محل رفع فاعل. واهجعي: الواو عاطفة، واهجعي: فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بياء المؤنثة المخاطبة، والياء: ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
موطن الشاهد: "يا ابنة عما".
وجه الاستشهاد: إثبات الألف المنقلبة عن ياء المتكلم للضرورة.(4/35)
[باب في أسماء لازمت النداء1] :
[فُلُ وفُلُة: معناهما وحكمهما] :
منها "فُلُ" و"فلة" بمعنى رجل وامرأة2، وقال ابن مالك وجماعة: بمعنى زيد هند ونحوهما3؛ وهو وهم4، وإنما ذلك بمعنى فلان وفلانة5 وأما قوله6:
[الرجز]
__________
1 أي: لا تستعمل إلا منادى، فلا تقع فاعله، ولا مفعوله، ولا مبتدأ، ولا خبرا، ولا اسما أو خبرا لناسخ، ولا مضافا إليها، ولا شيءا آخر غير المنادى.
ومن الأسماء ما لا يصلح أن يكون منادى على الصحيح؛ كالاسم المضاف إلى ضمير المخاطب؛ نحو: يا أخاك، وكضمائر غير المخاطب، واسم الإشارة المتصل بكاف الخطاب نحو: يا ذاك، والاسم المبدوء "بأل" في غير المواضع المستثناة التي سبق ذكرها.
2 أي: فهما كنايتان عن نكرتين من جنس الإنسان مستقلتان عن فلان وفلانة؛ وأصل "فل": فلي؛ فحذفت الياء اعتباطا؛ وهذا مذهب سيبويه.
3 أي: من أعلام الأناسي؛ فهما كنايتان عن علم شخصي لمن يعقل.
4 أي: غلط.
5 أي: أن الذي بمعنى: زيد وهند ونحوهما- من كناية الأعلام- هو: فلان وفلانة؛ لا "فُلُ"، و"فُلُة". ويمكن دفع وهم ابن مالك بأن أصل "فُلُ" و"فُله"-عنده: فلان وفلانة؛ فحذفت الألف والنون تخفيفا؛ وهو مذهب الكوفيين.
وخلاصة القول: فكل من "فُلُ"، و"فُلة" مبني على الضم دائما في محل نصب؛ سواء عُدَّا من المفرد العلم، أو النكرة المقصودة؛ واستعمالهما في غير النداء، أو منادى منصوبًا لا يكون إلا لضرورة الشعر.
انظر حاشية الصبان: 3/ 161-162، التصريح: 2/ 179-180.
6 القائل: هو أبو النجم العجلي، قد مرت ترجمته.(4/36)
444- في لجة أَمْسِكْ فُلانًا عن فُلُ1
فقال ابن مالك: هو فُلُ الخاص بالنداء استعمل مجرورا للضرورة؛ والصواب: أن أصل هذا "فلان" وأنه حذف منه الألف والنون للضرورة؛ كقوله2: [الكامل]
__________
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت من الرجز، أو بيت من مشطوره، يصف إبلا قد أقبلت متزاحمة وأثارات غبارا وصدره قوله:
تضل مني إبلي بالهوجل
وهو من أرجوزة طويلة مشهورة مطلعها:
الحمد لله العليِّ الأجلَلِ ... الواسع الفضل الوهوب المجزِلِ
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 180، والأشموني: "894/ 2/ 460"، وابن عقيل: "313/ 3/ 278"، وسيبويه: 1/ 233. 2/ 122، والمقتضب: 4/ 238، والجمل: 176، والسمط: 257 والمقرب: 38، والعيني: 4/ 228، والهمع: 1/ 177، والدرر: 154، والخزانة: 1/ 401، واللسان "لجج- فلن".
المفردات الغريبة: الهوجل: المراد هنا: المفازة الواسعة التي لا أعلام بها، ويطلق على الرجل الأهوج. لجة: هي الجلبة واختلاط الأصوات في الحروب.
المعنى: يصف الشاعر إبلًا أقبلت متزاحمة متدافعة تثير الغبار، فشبهها في هذه الحالة -وقد ارتفعت أصواتها في الفلاة- بقوم شيوخ في لجة يدفع بعضهم بعضا، فيقال فيهم: أمسك فلانا عن فلان؛ أي أحجز بينهما. وقيل: إن صدر البيت هو: تدافع الشيب ... ؛ لأن العجز يتلاءم معه من دون هذا التكلف.
الإعراب: "في لجة": متعلق بقوله: "تضل" في بيت سابق. أمسك: فعل أمر، الفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت فلانا: مفعول به منصوب لـ "أمسك". "عن فل": متعلق بـ "أمسك"؛ وجملة "أمسك فلانا عن فُلُ": في محل نصب مقول القول؛ لقول محذوف، يقع صفة لـ "لجة"؛ والتقدير: في لجة مقول في شأنها: أمسك فلانا عن فلان.
موطن الشاهد: "عن فُلُ".
وجه الاستشهاد: استعمال "فُلُ" في غير النداء، وجرها بحرف الجر ضرورة؛ على رأي ابن مالك، حيث قال:
وجُرَّ في الشعر فل
قيل: إن "فل" هنا أصله: "فلان"؛ فرخم. بحذف النون والألف. انظر حاشية الصبان: 3/ 161.
2 القائل: هو: لبيد بين ربيعة العامري، وقد مرت ترجمته.(4/37)
445- درس المنا بمتالع فأبان1
أي: درس المنازل.
[لؤمان، ونومان، وما كان على وزن فُعَل وفَعال] :
ومنها: "لؤمان" بضم أوله وهمزة ساكنة ثانية؛ بمعنى كثير اللؤم2، و"نومان" بفتح أوله واو ساكنة ثانية؛ بمعنى كثير النوم، وفُعَل كغُدَر وفُسَق؛ سبا للمذكر.
__________
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
فتقادمت بالحبس فالسوبان
هو من شواهد: التصريح 2/ 180، والأشموني: "895/ 2/ 460"، والعيني: 4/ 246، والهمع: 2/ 156، والدرر: 2/ 208، والمحتسب: 1/ 80، والخصائص: 1/ 81، 2/ 437 وشرح شواهد الشافية للبغدادي: 397، وديوان لبيد: 138.
المفردات الغريبة: درس: عفا وزال أثره. المنا: أي المنازل. متالع، وأبان، والحبس، والسوبان: أسماء أماكن معينة.
المعنى: إن جميع المنازل التي كانت بهذه الأماكن- درست وزالت آثارها.
الإعراب: درس: فعل ماضٍ مبني على الفتح. المنا: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على الحرف المحذوف ترخيما؛ أو علامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر؛ على لغة من لا ينتظر؛ وأصل المنا: المنازل. "بمتالع": متعلق بمحذوف حال من المنازل. فأبان: الفاء عاطفة، أبان: اسم معطوف على "متالع" مجرور مثله.
فتقادمت: الفاء عاطفة، تقادمت: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: حرف دالّ على تأنيث المسند إليه؛ والفاعل: هي؛ يعود إلى المنازل. "بالحبس": متعلق بمحذوف حال من فاعل تقادم. فالسوبان: الفاء عاطفة، السوبان: اسم معطوف على "الحبس" مجرور، وعلامة جره السكرة الظاهرة.
موطن الشاهد: "المنا".
وجه الاستشهاد: مجيء "المنا" مرخما في غير النداء؛ بحذف حرفين منه؛ وهما الزاي واللام، وهو حذف قبيح؛ للضرورة؛ وقيل: إن "المنا" بمعنى المحاذي، ولا ترخيم فيه، وكأن الشاعر قال: عفا المكان المحاذي لهذه الأماكن؛ وذهب العيني إلى الرأي الأول في شرحه لأبيات الألفية، وكذلك الأشموني في شرحه للألفية.
انظر حاشية الصبان: 3/ 161-162.
2 ومثله في المعنى والحكم "ملأم" و"ملأمان" و"مخبثان".(4/38)
واختار ابن عصفور كونه قياسيا، وابن مالك كونه سماعيا1؛ وفعال كفساق وخباث؛ سبًّا للمؤنث؛ وأما قوله2. [الوافر] .
446- إلى بيت قعيدته لَكَاع3
__________
1والمسموع منه: فسق، وغدر، وخبث، ولكع، معدولة عن فاسق وغادر وخبيث، وألكع.
قيل: وقد يرد في غير النداء؛ كحديث: "لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس لكع ابن لكع".
2 المشهور أنه للحطيئة، ونسبه البعض إلى أبي الغريب النصري.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
أطوف ما أطوف ثم آوي
وهو من شواهد التصريح: 2/ 180، والأشموني: "891/ 2/ 459"، والشذور: "37/ 133" والمقتضب: 4/ 238، والكامل: 147، والجمل: 176، والخزانة: 1/ 408، والعيني: 1/ 473،4/ 229، والهمع: 1/ 82،178، والدرر: 1/ 55،154، وأمالى ابن الشجري: 2/ 107، وديوان الحطيئة: 120.
المفردات الغريبة: أطوف: من التطويف؛ أي أكثر الطواف والجولان في البلاد. آوي: أرجع وأعود. قعيدته: التي تلازم اقعود فيه، ويطلق على المرأة: "قعيدة البيت" لذلك.
لكاع: لئيمة خبيثة.
المعنى: أسير في الأرض وأكثر من الطواف والجولان والتنقل في نواحيها؛ لتحصيل القوت والبحث عن العيش، ثم أعود إلى منزلي فأجد فيه امرأة خبيثة لئيمة، لم تهيئ لي أسباب الراحة بعد هذا العناء، ويقصد بهذا زوجه.
الإعراب: أطوف: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. ما مصدرية، لا محل لها من الإعراب: أطوف: فعل مضارع مرفوع، والفاعل مستتر وجوبا، تقديره: أنا. ثم: حرف عطف. آوي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا. "إلى بيت": متعلق بـ "أوي". قعيدته: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، و"الهاء": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. لكاع: خبر مبني على الكسر، في محل رفع، وجملة "قعيدته لكاع": في محل جر صفة لـ "بيت".
موطن الشاهد: "لكاع".
وجه الاستشهاد: استعمال "لكاع" على وزن "فعال" في غير النداء؛ للضرورة؛ فهي خبر للمبتدأ، كما أعربنا؛ ويرى بعضهم: أن الخبر قول محذوف، والتقدير: قعيدته يقال لها: يا لكاع، وحينئذ؛ لا يكون خرج عن النداء. وذهب العيني إلى الرأي الأول. حاشية الصبان: 3/ 160.(4/39)
[ما ينقاس فيه فعال] :
فاستعمله خبرا ضرورة، وينقاس هذا وفعال بمعنى الأول كنزال من كل فعل ثلاثي، تام منصرف، فخرج نحو: دحرج، وكان، ونعم، وبئس، والمبرد لا يقيس فيهما.(4/40)
[باب الاستغاثة 1] :
هذا باب الاستغاثة:
[الأشياء التي يتحقق بها أسلوب الاستغاثة] :
إذ استغيث اسم منادى وجب كون الحرف "يا" وكونها مذكورة2، وغلب جره بلام واجبة الفتح3؛ كقول عمر4 رضي الله تعالى عنه: "يا لَلَّهِ"5 وقول الشاعر6. [الخفيف]
__________
1 الاستغاثة: مصدر قولك: "استغاث فلان بفلان"؛ إذا دعاه؛ ليدفع عنه مكروهًا، أو يعينه على مشقة، فمعنى الاستغاثة، نداء من يخلص من شدة أو يدفع مكروها أو يعين على احتمال مشقة؛ وفي القرآن الكريم: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} ويجوز أن يكون كل من المستغاث له والمستغاث ضميرا، تقول: "يا لك لي"، تدعو المخاطب لنفسك، وأسلوب الاستغاثة: أحد أساليب النداء، ولا يتحقق إلا بثلاث أشياء: حرف النداء "يا" لا غير، وبعده غالبا المستغاث فيه؛ وهو الذي يطلب منه العون والمساعدة؛ وقد يسمى المستغاث، ثم المستغاث له؛ وهو الذي يطلب العون بسببه؛ ولكل من هذه الثلاث شروط، أو أحكام تتضح فيما يأتي.
2 هذان شرطان في حرف النداء.
3 هذا حكم من أحكام المستغاث، ووجود اللام ليس واجبًا؛ وإنما الواجب فتحها حين تذكر؛ لأنه واقع موقع كاف الخطاب ولام الجر تفتح معها؛ وليحصل الفرق بينها وبين لام المستغاث من أجله.
4 هو: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، أمير المؤمنين؛ أبو حفصة، أسلم في السنة السادسة للنبوة، وله سبع وعشرون سنة، ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة، كان من أشراف قريش وسفيرهم في الجاهلية، ولي الخلافة بعد أبي بكر سنة ثلاث عشرة، قتله غلام مجوسي يدعى: أبا لؤلؤة؛ وله ثلاث وستون سنة، وذلك سنة 23هـ. تاريخ الخلفاء للسيوطي: 108-147- الأعلام: 5/ 45.
5 قال رضي الله- تعالى- عنه لما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي: "يا لَلَّهِ للمسلمين".
6 لم ينسب البيت إلى قائل معين.(4/41)
447- يا لَقومي ويا لَأمثال قومي1
[لام المستغاث له مكسورة دائما] :
إلا أن كان معطوفا، ولم تعد معه "يا" فتكسر2، ولام المستغاث له مكسورة
__________
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
لأناس عتوهم في ازدياد
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 181، والأشموني: "897/ 2/ 462". وال عيني: 4/ 256.
المفردات الغريبة: عتوهم، العتو: الاستكبار، والطغيان. في ازدياد: أي يزيد- يوما بعد يوم.
المعنى: استغيث بقومي وبأمثالهم في النجدة والشجاعة ليمنعوني من قوم يزدادون عُلُوًّا واستكبارًا عليَّ، ويظلمونني بغير سبب.
الإعراب: يا: حرف نداء واستغاثة، لا محل له من الإعراب. لقومي: اللام المفتوحة، لام المستغاث به، وهي حرف جر، وقوم: اسم مجرور بها، وهو مضاف، وياء المتكلم: في محل جر بالإضافة. و"لقومي": متعلق بحرف النداء؛ لنيابته عن فعل أدعو، وقيل اللام: زائدة لا تتعلق بشيء؛ والمستغاث: منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة منع منها حرف الجر الزائد؛ وقيل غير ذلك. ويا: الواو عاطفة، يا: حرف نداء واستغاثة.
لأمثال: اللام حرف جر، أمثال: اسم مجرور، وهو مضاف. قومي: مضاف إليه، وهو مضاف، والياء: في جر بالإضافة. لأناس: اللام حرف جر- وهي اللام الداخلة على المستغاث من أجله، وأناس: مجرور باللام؛ و"لأناس": متعلق بمحذوف؛ والتقدير: أدعوكم لأناس، عتوهم: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف؛ و"هم": مضاف إليه. "في ازدياد": متعلق بمحذوف خبر المبتدأ؛ وجملة "المبتدأ وخبره": في محل جر صفة لـ "أناس".
موطن الشاهد: "يا لقومي، ويا لأمثال".
وجه الاستشهاد: جر المستغاث به في "لقومي" و"لأمثال" بلام واجبة الفتح؛ أما الأول: فسببه ظاهر، وأما الثاني: فسببه أنه تكرر مع إعادة "يا"؛ ومثل الشاهد السابق قول أبي حية النميري:
يا لَمعد ويا لَلناس كلهم ... ويا لَغائبهم يوما ومن شهدا
2 هذا استثناء من وجوب بناء لام المستغاث على الفتح، وهو وجوب الكسر، إذا كان المستغاث غير مسبوق بـ "يا"، ولكنه معطوف على آخر مسبوق به، وكذلك يجب الكسر إذا كان المستغاث ياء المتكلم؛ نحو: يا لِي لِلغرباء على رأي ابن جني، ومن جواز كونه قد استغاث بنفسه؛ ويرى غيره: أن "يا لي" لا يكون إلا مستغاثا لأجله، والمستغاث به محذوف.(4/42)
دائما، كقوله: "يا لَلَّهِ لِلمسلمين"1، وقول الشاعر2: [البسيط]
448- يا لَلكهول ولِلشبان لِلعجبِ3
__________
1 إنما يجب كسر لام المستغاث له؛ إذا لم يكن ضميرا غير ياء المتكلم، وإلا فتحت لامه نحو: يا لَلمخلص لَنا، ويا لَمحمد لَك. بخلاف يا لَلزائر لِي؛ لأن الضمير ياء المتكلم، وهذا حكم من أحكام المستغاث له. ويجب كذلك تأخيره عن المستغاث، كما أنه يجوز حذفه إذا علم، وأمن اللبس،؛ نحو:
يا لَقومي من للندى والسماح؟
التصريح: 21/ 181، والأشموني: 2/ 462-463.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدر قوله:
يبكيك ناء بعيد الدار مغترب
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 181، والأشموني: "898/ 2/ 462"، والعيني: 4/ 257، والمقتضب، 4/ 256، والجمل: 180، والمقرب: 38،والخزانة: 1/ 296، والهمع: 1/ 180 والدرر: 1/ 155.
المفردات الغريبة: ناء: بعيد، وهو اسم فاعل من نأى ينأى بمعنى بعد. مغترب: غريب.
الكهول: جمع كهل، وهو من جاوز الثلاثين، وقيل الأربعين. والشبان: جمع شاب، وهو من كانت سنه دون سن الكهل.
المعنى: يبكيك ويحزن لفقدك وموتك الأباعد الغرباء، لما كانت تسدي إليهم من معروف وعون، وقد يسر الأقارب لما يرثونه منك بعد فقدك، فهيَّا معشر الكهول والشباب؛ لمشاركتنا في العجب من ذلك.
الإعراب: يا: حرف نداء واستغاثة. للكهول: اللام حرف جر -لام المستغاث به المفتوحة- والكهول: اسم مجرور، و"للكهول": متعلق بـ "يا" أو بـ "أدعو". وللشبان: الواو عاطفة، "للشبان": معطوف على "الكهول"؛ كسرت اللام هنا؛ لعدم تكرر "يا" مع العاطف. "للعجب": متعلق بـ "يا"، أو بالفعل "أدعو" أو بمحذوف حال. واللام المكسورة، لام المستغاث من أجله.
موطن الشاهد: "للشبان، للعجب".
وجه الاستشهاد: كسر لام المستغاث به في "للشبان"؛ لكونه معطوفا من دون أن تتكرر مع "يا"؛ وفي البيت شاهد آخر على كسر لام المستغاث من أجله في "للعجب".(4/43)
ويجوز أن لا يبدأ المستغاث باللام؛ فالأكثر حينئذٍ أن يختم بالألف1؛ كقوله2: [الخفيف]
449- يا يزيدًا لآملٍ نَيلَ عِزٍ3
__________
1 وتكون هذه الألف عوضًا عن اللام، ومن ثم لا يجتمعان، ويبقى المنادى دالا على الاستغاثة بالقرينة؛ ولكنه لا يكون في هذه الصورة ملحقا بالمنادى المضاف؛ بل يكون مبنيا على الضم المقدر في محل نصب، منع من ظهوره الفتحة الطارئة؛ لمناسبة الألف.
ويجوز في تابعه الرفع مراعاة للفظه، والنصب مراعاة لمحله، ولا يجوز مراعاة الفتحة الطارئة لمناسبة الألف. وإذا وقف على المستغاث المختوم بالألف؛ فالأحسن مجيء "هاء" السكت الساكنة، تقول: يا شاعراه، وتحذف عند الوصل.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وغنىً بعد فاقة وهوان
وهو من شواهد: الأشموني: "901/ 2/ 463" والتصريح: 2/ 181، والعيني: 4/ 262، والمغني: "696/ 486"، والسيوطي: 267
المفردات الغريبة: آمل: اسم فاعل من الأمل؛ وهو الرجاء والتوقع. نيل: حصول. فاقة: فقر وحاجة. هوان: مذلة واحتقار.
المعنى: أستغيث بك يا يزيد، وأدعوك لمن يرجو الثراء والقوة بعد الفقر والمذلة.
الإعراب: يا: حرف نداء واستغاثة. يزيدا: مستغاث به مبني على الضم المقدر على آخره، منع من ظهوره اشتغال المحل بالفتحة المأتي بها لمناسبة ألف الاستغاثة، في محل نصب، والألف: عوض عن لام الاستغاثة المفتوحة التي تلحق المستغاث به كما رأينا في الشاهدين السابقين. "لآمل": اللام المكسورة لام المستغاث من أجله، وهي حرف جر، وآمل: اسم مجرور، و"لآمل": متعلق بـ "يا" أو بالفعل المحذوف، أو بالحال المحذوف كما رأينا سابقا؛ وفي آمل: ضمير مستتر؛ تقديره: هو في محل رفع فاعل لاسم الفاعل "آمل". نيل: مفعول به لاسم ال فاعل منصوب، وهو مضاف. عز: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف المحذوفة؛ لتخلص من التقاء الساكنين. "بعد": متعلق بـ "نيل" أو "بآمل"، وهو مضاف. فاقة: مضاف إليه مجرور. وهوان: الواو عاطفة، هوان: معطوف على مجرور فهو مجرور مثله.
موطن الشاهد: "يا يزيدا".
وجه الاستشهاد: مجيء"يزيدا" مستغاثا به مختتما بالألف، لكونه لم يؤت معه باللام المفتوحة التي تدخل على المستغاث به.(4/44)
وقد يخلو منها؛ كقوله1: [الوافر]
450- ألا يا قوم لِلْعَجَبِ العجيبِ2
[جواز نداء المتعجب منه] :
ويجوز نداء المتعجب منه؛ فيعامل معاملة المستغاث؛ كقولهم: "يا لَلماء"
__________
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وللغفلات تعرض للأريب
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 181، والأشموني: "902/ 2/ 463"، والعيني: 4/ 263.
المفردات الغريبة: الغفلات: جمع غفلة؛ مصدر غفل عن الشيء، لم يلتفت إليه، ولم يُلْقِ إليه باله. تعرض له: تنزل به. الأريب: العالم بالأمور، البصير بالعواقب؟.
الإعراب: ألا: حرف استفتاح وتنبيه، لا محل له من الإعراب. يا: حرف نداء واستغاثة.
قوم: منادى مستغاث به، منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة؛ اجتزاءً بكسرة الميم قبله؛ ويجوز أن يكون مبنيا على الضم؛ إذا قدرنا قطعه عن الإضافة؛ والوجهان جائزان؛ وقوم: مضاف، و"ياء المتكلم" المدلول عليها بالكسرة مضاف إليه. "للعجب": اللام المكسورة لام المستغاث لاجله، و"للعجب": متعلق بـ "يا" أو بالفعل المحذوف الذي نابت عنه "يا"؛ وبحال محذوف. العجيب: صفة لـ "العجب" مجرورون وعلامة جره الكسرة الظاهرة. وللغفلات: الواو عاطفة، و"للغفلات": معطوف على "للعجب". تعرض: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، والفاعل: هي، جملة "تعرض": في محل نصب على الحال من "الغفلات". "للأريب": متعلق بقوله: تعرض.
موطن الشاهد: "يا قوم".
وجه الاستشهاد: مجيء المستغاث به "قوم" خاليا من اللام المفتوحة في أوله، ومن الألف في آخره؛ وحكم مجيئه على هذه الحالة نادر، وخلاف المألوف.(4/45)
و"يا للدواهي"، إذا تعجبوا من كثرتهما1.
__________
1 قد يراد بأسلوب النداء: التعجب من شيء عظيم يتميز بذاته بكثرته، أو شدته أو غرابته، فينادي جنس ما رآه؛ نحو: يا للماء، أو من له صلة أو معرفة به، نحو: يا للعلماء. ويأتي على صورة الاستغاثة مشتملا على حرف النداء "يا"، وعلي منادى مجرور باللام المفتوحة، ولكن ليس هناك مستغاث، وذلك كأن ترى البدر فيبهرك جماله، تقول: يا للبدر؛ أو ترى الماء الكثير فتعجب من كثرته؛ فتقول: يا للماء. مثل هذا الأسلوب يقال فيه: إنه اسلوب نداء واستغاثة أريد به التعجب، فإنك تنادي البدر والماء، وتقول: أحضر ليتعجب منك، وعلي هذا ينبغي أن يعامل معاملة المستغاث؛ فيجر باللام الفمتوحة، وإذا حذفت جيء بالألف في آخره عوضا عنها، وتلحقه هاء السكت عند الوقف. وقد يأتي على صورة أخرى فلا يبدأ باللام، ولا يختم بالألف، تقول: يا عجب.
ومن أمثلة ما يختم بالألف المعوض بها عن اللام قول امرئ القيس:
ويوم عقرت للعذاري مطيتي ... فيا عجبًا من كورها المتحمل
وقول الراجز:
يا عجبًا من هذه الفليقة ... هل تذهبن القوباء الريقة
هذا، وقد يجر المستغاث له "بمن" بدلا من اللام؛ إذا كان مستنصرا عليه؛ كقوله:
يا للرجال ذوي الألباب من نفر
فإن كان مستنصرا له تعين جره باللام؛ نحو: يا الله للمجاهدين. ويجوز الجمع بين "يا" و"ال" التي في صدر المستغاث، إذا كان مجرورا باللام كما مثلنا. همع الهوامع: 1/ 180.(4/46)
[باب الندبة] :
هذا باب الندبة
[حكم المندوب وشروطه] :
حكم المندوب؛ وهو المتفجع عليه أو المتوجع منه1، حكم المنادى؛ فيضم في نحو: "وا زيدَا" وينصب في نحو: "وا أميرَ المؤمنين" إلا أنه لا يكون نكرة؛ كـ "رجل"2، ولا مبهما، كـ "أي"، واسم الإشارة والموصول3؛ إلا ما صلته
__________
1 الندبة لغة: مصدر ندب الميت إذ ناح عليه، وذكر خلاله الكريمة ومآثره الحميدة، واصطلاحا: نداء موجه للمتفجع عليه، أو المتوجع منه بلفظ: "وا" أو "يا" عند أمن اللبس.
والتفجع: إظهار الحزن وقلة الصبر عند نزول المصيبة، وأكثر ما يكون عند النساء لضعفهن عن الاحتمال. والمتفجع عليه: من نزلت به الفجيعة، أو أصابته نازلة حقيقية؛ كالموت، وقد مثل له المصنف ببيت جرير في عمر بن عبد العزيز. أو أن المتفجع عليه نزل منزلة ذلك؛ كقول عمر رضي الله عنه؛ وقد أخبر يجدب أصاب بعض العرب: واعمراه. واعمراه. والمتوجع منه: الموضع والمكان الذي فيه الألم؛ كقولك: وارأساه؛ ومنه قول المجنون:
فواكبدا من حب من لا يحبني ... ومن عبرات ما لهن فناءُ
أو السبب الذي أدى إلى الألم؛ كقولك: "وامصيبتاه"؛ ومنه قول ابن الرقيات:
تبكيهم الدهماء مُعوِلة ... وتقول سلمى: وارزِيَّتِيَه
وقد يمسى هذا متوجعا له. والمنادى في ذلك كله يسمى: مندوبا.
التصريح: 2/ 181، الهمع: 1/ 179.
2 هذا في المتفجع عليه؛ أما المتوجع منه فيجوز أن يكون نكرة؛ نحو: وامصيبتاه، في مصيبة غير معينة. وإنما لم تندب النكرة ولا المبهم؛ لأن القصد من الندبة الإعلام بعظمة المندوب وإظهار اهميته أو شدته؛ وذلك يستدعي أن يكون معروفا معينا. وزعم الرياسي: أنه يجوز أن تندب النكرة مستدلا على ذلك؛ بأنه قد ورد في الحديث: "واجبلاه"، وأنكر غيره ذلك، وقالوا: إن صح الحديث؛ فهو نادر.
همع الهوامع: 1/ 179، التصريح: 2/ 182.
3 أجمع النحاة على أنه لا تجوز ندبة الموصول المقترن بـ "أل" كالذي والتي مطلقا. واختلفوا في جواز ندبة غير المقترن بأل؛ فذهب البصريون إلى أنه لا يجوز مطلقا أيضا، وذهب غيرههم: إلى جواز ندبة ما اشتهرت صلته؛ كما حكاه المؤلف. التصريح: 2/ 182.(4/47)
مشهور فيندب؛ نحو: "وا من حفرة بئر زمزماه"؛ فإنه بمنزلة "واعبد المطلباه" إلا أن الغالب أن يختم بالألف1؛ كقوله:
340 وقمتَ فيه بأمر الله يا عمرا2
[بما يحذف لألف الندبة] :
ويحذف لهذه الألف ما قبلها؛ نحو: "واموساه"3 أو تنوين4 في صلة نحو: "وا من حفر بئر زمزماه"، وفي مضاف إليه؛ نحو: "واغلام زيداه"، أو في محكي، نحو: "واقام زيداه"؛ فيمن اسمه قام زيد، ومن ضمه؛ نحو: "وازيداه"،
__________
1 أي: الزائدة، وذلك لمد الصوت، حتى يكون أقوى بنبرته على إعلان ما في النفس من حزن وأسى.
2 هذا عجز بيت، من كلام جرير في عمر بن عبد العزيز، وصدره قوله:
حملت أمرا عظيما فاصطبرت له
وقد تقدم تخريج هذا الشاهد في باب النداء.
موطن الشاهد: "يا عمراه".
وجه الاستشهاد: مجيء"عمرا" مختتما بألف الندبة، وثبوت هذه الألف دليل على أنه مندوب؛ لأنه لو كان منادى؛ لبني على الضم؛ لأنه مفرد علم؛ وهو هنا مبني على الضم المقدر، منع من ظهوره الفتحة المناسبة للألف، واستعملت "يا" للندبة في هذا البيت؛ لأمن اللبس، بوجود الألف؛ التي دلت على أنه مندوب، لا منادى.
3 أي: في "موسى".وعند إعرابه يقال: "موسى": منادى مبني على ضم مقدر للتعذر على الألف المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين، والألف الموجودة زائدة للندبة، والهاء للسكت.
4 ما ذكره المؤلف من وجوب حذف التنوين لوصل الاسم المندوب بألف الندبة؛ وهو مذهب البصريين؛ وذهب الكوفيون إلى أنه يجوز في ندبة المنون وجهان؛ أولهما: حذف التنوين؛ كمذهب البصريين، والثاني: بقاء التنوين مع تحريكه؛ إما بالفتح لمناسبة التخلص من التقاء الساكنين؛ فيلزم قلب الألف ياء؛ لوقوعها بعد كسرة؛ فيقال "واغلام زيديه". وذهب الفراء إلى أنه يجوز حذف التنوين مع بقاء الكسرة التي تقتضيها الإضافة، فيلزم قلب الألف ياء؛ لما قلنا؛ فيقال "واغلام زيديه".
التصريح: 2/ 183، الهمع: 1/ 179.(4/48)
أو كسرة؛ نحو: "واعبد الملكاه"، و"واحذماه" فإن أوقع حذف الكسرة أو الضمة في لبس أبقيا؛ وجعلت الألف ياء بعد الكسرة؛ نحو: "واغلامكي" واوا بعد الضمة؛ نحو: "وا غلامهو" أو "واغلامكمو"، ولك في الوقف: زيادة هاء السكت بعد أحرف المد1.
[ندبة المضاف إلى ياء المتكلم] :
فصل: وإذا ندب المضاف للياء؛ فعلى لغة من قال: "يا عبد" بالكسر، أو "يا عبد": بالضم، أو "يا عبدا" بالألف، أو "يا عبدي" بالإسكان، يقال: "واعبدا"2 وعلى لغة من قال: "يا عبدي" بالفتح؛ أو "يا عبدي" بالإسكان؛ يقال: "واعبديا"3 بإبقاء الفتح على الأول، وباجتلابه على الثاني.
وقد تبين أن لمن سكن الياء أن يحذفها أو يفتحها؛ والفتح رأي سيبويه، والحذف رأي المبرد.
__________
1 فتقول: واعمراه- وامصيبتاه ... ، وتحذف في الوصل؛ إلا في الضرورة الشعرية؛ فتبقى وتحرك بالكسر أو الضم، كقول المتنبي:
واحر قلباه ممن قلبه شبم ... ومن بجسمي وحالي عنده سقم
وقول المجنون:
فناديت يا رباه أول سؤلتي ... لنفسي ليلى ثم أنت حسيها
هذا، وإذا كان المندوب مثنى أو جمع مذكر سالما؛ فلا تحذف نونهما عند ألف الندبة؛ فيقال: وازيدانا- ويبنيان على الألف والواو كالمجرد. وإذا كان للمندوب تابع؛ فإن كان نعتا لفظه كلمة "ابن" المضافة لعلم، فإن الألف تدخل على المضاف إليه؛ تقول: وا إسماعيل بن إبراهيماه، وإن كان لفظا آخر، فالأحسن دخولها على المنعوت؛ أما البدل، وعطف البيان؛ والتوكيد المعنوي؛ فالأحسن الاكتفاء بدخولها على المتبوع.
وفي عطف النسق تدخل على المعطوف عليه. وتدخل في التوكيد اللفظي عليهما.
2 أي: بحذف الياء؛ لالتقاء الساكنين، وهذا ونحو منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة، منع من ظهورهاه فتحة ألف الندبة وليس مبنيا لأنه مضاف.
3 أي: بزيادة ألف الندبة وفتح ما قبلها، ويكون منصوبا بفتحة مقدرة على الدال منع من ظهورها الكسرة العارضة لمناسبة الياء في محل نصب، والياء مضاف إليه مبني على سكون مقدر منع من ظهوره الفتحة التي جاءت لمناسبة الألف.(4/49)
وإذا قيل: "ياغلام غلامي" لم يجز في الندبة حذف الياء؛ لأن المضاف إليها غير منادى1.
__________
1 فلا تسرى عليه أحكام المنادى المضاف للياء، ولما لم تحذف في النداء، لم تحذف في الندبة، ومع إثبات الياء يجوز زيادة ألف الندبة بعدها وعدم زيادتها.(4/50)
[باب الترخيم] :
هذا باب الترخيم1
[أقسام الترخيم وشروطه] :
يجوز ترخيم المنادى، أي: حذف آخره تخفيفا، وذلك بشرط2 كونه معرفة3، غير مستغاث4، ولا مندوب، ولا ذي إضافة، ولا ذي
__________
1 الترخيم في اللغة: ترقيق الصوت وتليينه، يقال: صوت رخيم؛ أي رقيق لين، وكلام رخيم: لين سهل، ومنه قول الشاعر:
لها بشر مثل الحرير ومنطق ... رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر
وفي الاصطلاح: حذف آخر الكلمة في النداء بطريقة مخصوصة؛ للتخفيف غالبا، أو لداعٍ آخر كالتمليح والاستهزاء.
وهو ثلاثة أنواع: ترخيم اللفظ للنداء، وترخيمه للضرورة الشرعية؛ وهما موضوع هذا الباب وترخيمه للتصغير، وقد تحدث عنه المؤلف في باب التصغير.
التصريح: 2/ 184. ابن عقيل: 3/ 287، اللمع: 1/ 285.
2 هذه شروط عامة، لا بد منها لترخيم المنادى، سواء كان مختوما بتاء التأنيث، ومجردا منها.
3 أما بالعلمية، كالمفرد العلم، أو بالقصد والإقبال؛ كالنكرة المقصودة؛ ومنه قول الشاعر:
يا ناقُ سيرى عنقا فسيحا ... إلى سليمان فنستريحا
وإنما اختصت المعرفة بالترخيم؛ لأنها هي التي يكثر نداؤها، فلا يصح ترخيم النكرة غير المقصودة.
4 قد ورد في الشعر ترخيم المستغاث المقرون بلام الاستغاثة، وغير المقرون بها؛ فأما الأول ففي نحو قول الشاعر:
كلما نادى مناد منهمُ: ... يا لتيم الله قُلنا: يا لَمَالِ
فإنه أراد "يا لمالك" فرخمه بحذف آخره؛ وهو حرف الكاف، وهو مستغاث مقرون باللام، وأما ترخيم المستغاث غير المقرون باللام؛ فنحو قول أبي شريح الأحوص الكلابي =(4/51)
إسناد1 فلا يرخم؛ نحو قول الأعمى: "يا إنسانا خذ بيدي"، وقولك: "يا لجعفر" و"واجعفراه" و"يا أمير المؤمنين"، و"يا تأبط شرا".
[جواز ترخيم ذي الإضافة] :
وعن الكوفيين: إجازة ترخيم ذي الإضافة؛ بحذف عجز المضاف إليه، تمسكا بنحو قوله2: [الطويل]
451- أبا عُروَ لا تبعد فكل ابن حرة3
__________
تمناني ليقتلني لقيط ... أعام لك ابن صعصعة بن سعد
وقد حمل العلماء ذلك على أنه ضرورة؛ وممن نص على أنه ضرورة ابن الصائغ، وذهب ابن عصفور: إلى أنه يجوز ترخيم المستغاث إذا لم يكن مقرونا بلام الاستغاثة؛ كالبيت الثاني، وفي البيت الثاني هذا شذوذ من جهتين عند الجمهور؛ إحداهما: استعمال الهمزة في نداء المستغاث؛ وثانيهما: ترخيمه.
التصريح: 2/ 184. الهمع: 1/ 181، اللمع: 1/ 285.
1 أي: لا يكون مركبا تركيب إسناد. ويزاد على هذه الشروط: ألا يكون من الألفاظ المختصة بالنداء؛ كـ "فُلُ" و"فُله"، ولا مبنيا قبل النداء؛ كحذام، وخمسة عشر.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
سيدعوه داعي ميتة فيجيب
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 184، والعيني: 4/ 287، والخزانة: 1/ 377، وأمالي ابن الشجري: 1/ 129، والإنصاف: 348، وشرح المفصل: 2/ 20.
المفردات الغريبة: لا تبعد: لا تهلك، من البعد بمعنى: الذهاب بالموت والهلاك. ابن حرة: يكني بذلك عن الرجل الكريم. ويقال: ابن الأمة ما ألأمة!. ميتة: اسم هيئة من الموت.
المعنى: لا تهلك نفسا أسى وحزنا على من مضى، فكل عظيم سيصيبه الموت بسببما من أسبابه الكثيرة؛ ولا يستطيع أن ينجو منه؛ فتلك سنة الله في الخلق.
الإعراب: أبا: منادى مضاف بحرف نداء محذوف منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. عرو: مضاف إليه مجرور، وحذفت تاؤه ترخيما. لا: حرف دعاء، لا محل له. تبعد: فعل مضارع مجزوم بـ "لا" الدعائية، وعلامة جزمه السكون، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت. فكل: الفاء تعليلية، كل: مبتدأ =(4/52)
[زعم ابن مالك ترخيم ذي الإسناد] :
وزعم ابن مالك: أنه قد يرخم ذو الإسناد1، وأن عمرا نقل ذلك؛ وعمرو هذا هو إمام النحويين رحمه الله، وسيبويه لقبه؛ وكنيته أبو بشر2.
[جواز ترخيم المختوم بتاء التأنيث مطلقا] :
ثم إن كان المنادى مختوما بتاء التأنيث؛ جاز ترخيمه مطلقا3؛ فتقول في هبة
__________
= مرفوع، وهو مضاف. ابن: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. حرة: مضاف إليه مجرور.
سيدعوه: السين حرف استقبال، يدعو: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو للثقل، والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. داعي: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، وهو مضاف. ميتة: مضاف إليه مجرور؛ وجملة "يدعوه" في محل رفع خبر المبتدأ "كل". فيجيب: الفاء عاطفة، يجيب: فعل مضارع مرفوع، معطوف على "سيدعو"، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو.
موطن الشاهد: "أبا عرو".
وجه الاستشهاد: ترخيم عجز المنادى المركب المضاف؛ بحذف تائه؛ لأن الأصل: يا أبا عروة؛ وحكم هذا الترخيم الجواز عند الكوفيين؛ وأما البصريون فيمنعون ترخيم المنادى المركب المضاف محتجين بأن المضاف إليه9 بمنزلة التنوين مما قبله؛ فهو ليس بآخر المنادى حقيقة. ضياء السالك: 3/ 267.
1 فتقول في "تأبط شرا": يا تأبط، ونسب ابن مالك ذلك إلى سيبويه؛ حيث قال في ألفيته:
والعَجُزُ احْذِفْ من مُرَكَّبٍ وقُلْ ... ترخيم جملة وذا عمرو نَقَلْ
والمعنى: يجوز ترخيم المركب المزجي؛ نحو: بعلبك، سيبويه ... إلخ؛ ويكون ترخيمه بحذف عجزه؛ أما مركب الجملة -وهو المركب الإسنادي- فترخيمه قليل، وقد نقل سيبويه ذلك عن العرب؛ ولاشتهار المنع عند سيبويه في هذه المسألة نبه ابن مالك على أنه -أي: سيبويه- هو الذي نقل الجواز عن العرب. ويفهم من تنبيه ابن مالك أن "سيبويه" له رأيان مختلفان في ترخيم مثل "تأبط شرا"؛ أي التركيب الإسنادي. انظر تفصيل هذه المسألة في التصريح: 2/ 184-185، وحاشية الصبان: 3/ 179.
2 مرت ترجمته في الجزء الأول.
3 أي: سواء كان علما مثل: فاطمة، أو نكرة مقصودة مثل: جارية، وهبة، ويستوي في ذلك الثلاثي غير التاء، وما كان أقل من ثلاثة أحرف أو أكثر، ومثال ترخيم ذي التاء قول امرئ القيس:
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل ... وإن كننت قد أزمعت صرمي فأجملي
ومثال ترخيم ذي التاء، وهو علم مذكر، قول عنترة:
يد عون عنتر والرماح كأنها ... أشطان بئر في لبان الأدهم(4/53)
علما: "يا هبَ"، وفي حارية لمعيَّنَةٍ: "يا جاريَ"؛ قال1: [الرجز]
452- جَارِيَ لا تستنكري عذيري2
__________
1 القائل: هو العجاج بن رؤبة، الراجز المشهور، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من مشطور الرجز، أو صدر بيت من الرجز؛ يخاطب فيه امرأته، عندما أنكرت عليه تأهبه للسفر؛ وعجزه قوله:
سيرى وإشفاقي على بعيري
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 185، والأشموني: 909/ 2/ 468"، وسيبويه: 1/ 325،330، والمقتضب: 4/ 260، وأمالي ابن الشجري: 2/ 88، وشرح المفصل: 2/ 16، 330، والمقرب: 37، والخزانة: 1/ 283، والعيني: 4/ 277، واللسان "شقر، عذر، جرس" والصحاح "ع ذ ر" وديوان العجاج: 26.
المفردات الغريبة: لا تستنكري: لا تعديه أمرا منكرا. عذيري، العذير: ما يعذر الإنسان في عمله فعلا كان أو تركا. والمراد هنا: الحال التي يزاولها، وعذير الرجل: من يعذره.
المعنى: لا تنكري على يا جارية تأهبي لسفر والذهاب في الأرض للبحث عن العيش، وعطفي وإشفاقي على بعيري؛ فالسعي واجب على كل إنسان، والعطف على الحيوان من الإيمان. قيل: أنه كان يعمل حلسا لبعيره استعدادا لسفر فهزئت منه.
الإعراب: جاري: منادى مرخم- بحرف نداء محذوف- والأصل: يا جارية؛ فرخم المنادى، وحذف حرف النداء؛ وهو نكرة مقصودة مبني على الضمة المقدرة على الياء؛ أو على التاء المحذوفة في محل نصب على النداء. لا: ناهية. تستنكري: فعل مضارع مجزوم بـ "لا" وعلامة جزمة حذف النون؛ والياء المؤنثة المخاطبة في محل رفع فاعل.
عذيري: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وهو مضاف، وياء المتكلم: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "جاري".
وجه الاستشهاد: مجيء "جاري" منادى نكرة مقصودة مرخما بحذف التاء من آخره؛ كما حذف حرف النداء، ومعلوم أن "جارية" اسم جنس -بحسب أصله- ونداء اسم الجنس مع حذف حرف النداء مختلف في جوازه، فضلا عن ترخيمه؛ فمن النحاة من قال: ليس هو من الضرورات التي لا تجوز إلا للشعراء؛ وليس هو من الكثرة بحيث يجوز في كل حال؛ والراجح أنه قليل.
وأما ترخيمه؛ فقد منعه أبو العباس المبرد؛ ولكن رأيه محجوج بورود السماع بترخيمه في الشعر والنثر.
انظر