تنبيه: قال في التسهيل ولا يبدل مضمر من مضمر ولا من ظاهر وما أوهم ذلك جعل توكيدًا إن لم يفد إضرابًا، اهـ.
571-
وَبَدَلُ المُضَمَّنِ الهَمْزَ يَلِي ... هَمْزًا كـ"مَنْ ذَا أَسَعِيدٌ أَمْ عَلِي؟ "
"وبدل" المبدل منه "المضمن" معنى "الهمز" المستفهم به "يلي همزا" مستفهما به وجوبًا "كمن ذا أسعيد أم علي؟ " و"كم مالك أعشرون أم ثلاثون؟ " و"ما صنعت أخيرًا أم شرًا؟ " وكيف جئت أراكبًا أم ماشيًا؟ ".
تنبيه: نظير هذه المسألة بدل اسم الشرط نحو من يقم إن زيد وإن عمرو أقم معه وما تصنع إن خيرًا أو شرًا تجز به ومتى تسافر إن ليلًا أو نهارًا أسافر معك.
572-
وَيُبْدَلُ الفِعْلُ مِنَ الفِعْلِ كـ"من ... يصل إلينا يستعن بنا يعن"
"ويبدل الفعل من الفعل" بدل كل من كل، قال في البسيط: باتفاق، كقوله "من الطويل":
867-
متى تأتينا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطبًا جزلًا ونارًا تأججا
__________
= وجملة: "لنرجو ... " في محل رفع خبر "إن".
الشاهد فيه قوله: "مجدنا وسناؤنا" حيث جاء الاسم الظاهر "مجدنا" بدلًا من الضمير البارز الواقع فاعلًا في "بلغنا" وهو بدل اشتمال.
867- التخريج: البيت لعبيد لله بن الحر في خزانة الأدب 9/ 90-99؛ والدرر 6/ 69؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 66؛ وسر صناعة الإعراب ص678؛ وشرح المفصل 7/ 53؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص32، 335؛ وشرح الأشموني ص440؛ وشرح المفصل 10/ 20؛ والكتاب 3/ 86؛ ولسان العرب 5/ 242 "نور"؛ والمقتضب 2/ 63؛ وهمع الهوامع 2/ 128.
الإعراب "متى": اسم شرط مبني على السكون في محل نصب مفعول فيه متعلق بـ"تأتنا". "تأتنا": =(3/10)
وبدل اشتمال على الصحيح "كَمَنْ يَصِل إِلَينَا يَسْتَعِنْ بِنَا يُعَنْ" ومنه: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} 1 وقوله "من الرجز":
868-
إنَّ عَلَيَّ اللَّهَ أَنْ تُبَايِعَا ... تُؤْخَذَ كَرْهًا أَو تَجِيءَ طَائِعَا
__________
= فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت، و"نا": ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. "تلمم": بدل من "تأتنا" مجزوم بالسكون، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت. "بنا": جار ومجرور متعلقان بـ"تلمم". "في ديارنا": جار ومجرور متعلقان بـ"تأتنا"، و"نا": ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه. "تجد": فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنت. "حطبا": مفعول به منصوب بالفتحة. "جزلا": نعت منصوب بالفتحة. "ونارا": "الواو": حرف عطف، و"نارا": اسم معطوف منصوب. "تأججا": فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر يعود إلى الحطب أو إلا النار، و"الألف": للإطلاق، ويجوز أن يكون هذا الفعل مضارعا، وأصله: تتأججن، فحذفت إحدى التاءين، وقلبت النون ألفا.
وجملة "متى تأتنا ... تجد": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "تأتنا": في محل جر بالإضافة. وجملة "تجد" لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء أو إذا. وجملة "تأججا": في محل نصب نعت لـ"حطبا" أو "نارا".
والشاهد فيه قوله: "متى تأتنا تلمم" حيث أبدل الفعل "تأتنا".
1 الفر قان: 68.
ش 868- التخريج: الرجز بلا نسبة في خزانة الأدب 5/ 203، 204؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 402؛ وشرح التصريح 1/ 161؛ وشرح عمدة الحافظ ص591؛ والكتاب 1/ 156؛ والمقاصد النحوية 4/ 199؛ والمقتضب 2/ 63.
اللغة: علي الله: أي علي والله فحذف واو القسم ونصب "الله" على نزع الخافض. تبايع: من البيعة.
المعنى: أقسم بالله إن لم تأت طائعا للمبايعة، لتحضرن مرغما.
الإعراب: "إن": حرف مشبه بالفعل. "علي": جار ومجرور في محل رفع خبر "إن". "الله": لفظ الجلالة، اسم منصوب على نزع الخافض. "أن": حرف نصب ومصدرية. "تبايعا": فعل مضارع منصوب، والألف للإطلاق، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنت": والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها في محل نصب اسم "إن". "تؤخذ": فعل مضارع للمجهول، منصوب لأنه بدل من "تبايع"، ونائب فاعله ضمير مسستر تقديره: "أنت". "كرها": مفعول مطلق لفعل محذوف، أو نعت لمفعول مطلق محذوف. "أو": حرف عطف. "تجيء": فعل مضارع منصوب، لأنه معطوف على "تؤخذ"، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنت" "طائعا": حال منصوب.
وجملة: "إن علي ... " ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "تبايع" صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب. وجملة "تؤخذ" بدل من "تبايع". وجملة "تجيء" معطوفة على سابقتها.
الشاهد فيه قوله: "أن تبايعا تؤخذ" حيث أبدل بالنصب الفعل "تؤخذ" من الفعل "تبايع" المنصوب بـ"أن".(3/11)
ولا يبدل بدل بعض: وأما بدل الغلط فقال في البسيط: جوزه سيبويه وجماعة من النحويين، والقياس يقتضيه.
تنبيه: تبدل الجملة من الجملة نحو: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} 1، وقوله "من الطويل":
869-
أَقُولُ لَهُ ارْحَل لاَ تُقِيمَنَّ عِنْدَنَا ... "وإلا فكن في السر والجهر مسلما"
وأجاز ابن جني والزمخشري والناظم إبدالها من المفرد كقوله "من الطويل":
870-
إلَى اللَّهِ أَشْكُو بِالمَدِينَةِ حَاجَةً ... وَبِالشَّامِ أُخْرَى كَيفَ يَلتَقِيَانِ
__________
1 الشعراء: 132-133.
869- التخريج: البيت بلا نسبة في خزانة الأدب 5/ 207، 8/ 463؛ وشرح التصريح 2/ 162؛ وشرح شواهد المعنى 2/ 839؛ ومجالس ثعلب ص96؛ ومعاهد التنصيص 1/ 278؛ والمقاصد النحوية 4/ 200.
المعنى: اذهب وانتقل عنا، أو ابق صالحا بإسلامك بيننا قلبا وقالبا، باطنا وظاهرا.
الإعراب: أقول: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة و"الفاعل": ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا. له: جار ومجرور متعلقان بالفعل أقول. ارحل: فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره "أنت". لا تقيمن: "لا": ناهية جازمة "تقيمن": فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، و"الفاعل": ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. عندنا: مفعول فيه ظرف مكان منصوب متعلق بالفعل "تقيمن" وهو مضاف و"نا": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. وإلا: "الواو": حرف استئناف، "إن": حرف شرط جازم و"لا": نافية. فكن: "الفاء": رابطة لجواب الشرط، "كن": فعل أمر ناقص مبني على السكون واسمه ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. في السر: جار ومجرور متعلقان بالخبر مسلما. والجهر: "الواو": عاطفة، "الجهر": اسم معطوف مجرور. مسلما: خبر كن منصوب بالفتحة الظاهرة.
وجملة "أقول له": ابتدائية لا محل لها. وجملة "ارحل": مقول القول في محل نصب مفعول به وجملة "لا تقيمن": بدل من جملة "ارحل". وجملة "فكن مسلما": جواب شرط لا محل له. وجملة "إلا فكن": استئنافية لا محل لها وجملة الشرط المحذوف لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: "لا تقيمن عندنا" أبدلت بمقول القول وهذا أكثر جلاء وإيضاحا للمعنى المراد.
870- التخريج: البيت للفرزدق في خزانة الأدب 5/ 208؛ وشرح التصريح 2/ 162؛ وشرح شواهد المغني 2/ 557؛ والمقاصد النحوية 4/ 201؛ وليس في ديوانه؛ وبلا نسبة في المحتسب 2/ 165؛ ومغني اللبيب 1/ 27، 426؛ والمقتضب 2/ 329؛ وهمع الهوامع 2/ 128.
المعنى: يشكو الشاعر تفرق أغراضه، وتشتت حاجاته، فهو مضطرب البال، موزع الأهواء. =(3/12)
أبدل كيف يلتقيان" من "حاجة وأخرى" أي: إلى الله أشكو هاتين الحاجتين تعذر التقائهما، وجعل منه الناظم نحو عرفت زيدًا أبو من هو".
خاتمة: في مسائل متفرقة من التسهيل وشرحه.
الأولى: قد يتحد البدل والمبدل منه لفظًا إذا كان مع الثاني زيادة بيان كقراءة يعقوب: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} 1 بنصب كل الثانية، فإنها قد اتصل بها ذكر سبب الجثو.
الثانية: الكثير كون البدل معتمدًا عليه، وقد يكون في حكم الملغى كقوله "من الكامل":
871-
إنَّ السُّيُوفَ غُدُوَّهَا وَرَوَاحَهَا ... تَرَكَتْ هَوَازِنَ مِثْلَ قَرْنِ الأَعْضَبِ
__________
= الإعراب: "إلى الله": جار ومجرور متعلقان بـ"أشكو". "أشكو": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: "أنا". "بالمدينة": جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من "حاجة". "حاجة": مفعول به منصوب. "وبالشام": الواو حرف عطف، "بالشام": جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من "أخرى". "أخرى": معطوف على "حاجة" منصوب. "كيف" اسم استفهام في محل نصب حال. "يلتقيان": فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والألف في محل رفع فاعل.
وجملة: "أشكو" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "كيف يلتقيان" في محل نصب بدل من "حاجة"، وقيل: استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "كيف يلتقيان" حيث جاءت هذه الجملة بدلا من "حاجة " و"أخرى" فيكون فيه إبدال الجملة من المفرد، والمعنى: "إلى الله أشكو هاتين الحاجتين تعذر التقائهما".
1 الجاثية: 28.
871- التخريج: البيت للأخطل في ديوانه ص329؛ وخزانة الأدب 5/ 199، 201؛ ولسان العرب 1/ 609 "عضب"؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص354.
اللغة: الأغضب: الذي كسر أحد قرنيه.
المعنى: يقول: إن سيوفهم فتكت بهوازن شر فتك.
الإعراب: إن: حرف مشبه بالفعل. السيوف: اسم "إن" منصوب. غدوها: بدل من "السيوف" منصوب، وهو مضاف، و"ها": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. ورواحها: معطوفة على "غدوها" وتعرب إعرابها. تركت: فعل ماض، و"التاء": للتأنيث، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هي". هوازن: مفعول به. مثل: حال منصوب، وهو مضاف. قرن: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. الأعضب: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة "إن السيوف ... ": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "تركت": في محل رفع خبر "إن".
الشاهد فيه قوله: "غدوها ورواحها" حيث وقعت "غدوها" بدلا من "السيوف".(3/13)
الثالثة: قد يستغنى في الصلة بالبدل عن لفظ المبدل منه، نحو أحسن إلى الذي صحبت زيدًا1" أي صحبته زيدًا.
الرابعة: ما فصل به مذكور وكان وافيًا به يجوز فيه البدل والقطع نحو مررت برجال قصير وطويل وربعة، وإن كان غير واف تعين قطعه إن لم ينو معطوف محذوف، نحو مررت برجال طويل وقصير، فإن نوى معطوف محذوف فمن الأول، نحو "اجتنبوا الموبقات الشرك بالله والسحر" بالنصب، التقدير وأخواتهما لثبوتها في حديث آخر، والله تعالى أعلم.
__________
1 يجوز في "زيد" الرفع على إنه خبر مبتدأ محذوف، والنصب على أنه بدل من الضمير المقدر، والجر على أنه بدل من "الذي".(3/14)
النداء:
"لغات لفظ النداء":
فيه ثلاث لغات، أشهرها كسر النون مع المد، ثم مع القصر، ثم ضمها مع المد، واشتقاقه من ندى الصوت وهو بعده، يقال: فلان أندى صوتًا من فلان، إذا كان أبعد صوتًا منه.
"حروف النداء ومواضعها":
573-
وَلِلمُنَادَى النَّاءِ" أو كالناء "يا، ... وأي، وآ" كذا "أيا" ثم "هيا"
"وللمنادى الناءِ" أي: البعيد "أو" من هو "كالناءِ" لنوم أو سهو أو ارتفاع محل أو انخفاضه، كنداء العبد لربه وعكسه من حروف النداء "يا وأي" بالسكون، وقد تمد همزتها "وآ، كذا أيا ثم هيا" وأعمقها "يا"؛ فإنها تدخل في كل نداء، وتتعين في الله تعالى.
574-
والهمز للداني، و"وا" لمن ندب ... أو "يا" وغير "وا" لدى اللبس اجتنب
و"الهمز" المقصور "للداني" أي: القريب، نحو: "أزيد أقبل" "ووا لمن ندب" وهو المفتجع عليه أو المتوجع منه، نحو: "وا ولداه"، "وا رأساه" "أو يا" نحو: "يا ولداه"، "يا(3/15)
رأساه" "وغير وا" وهو "يا" لدى اللبس اجتنب" أي: لا تستعمل "يا" في الندبة إلا عند أن اللبس، كقوله "من البسيط":
872-
حَمَلتَ أَمْرًا عَظِيمًا فَاصْطَبَرْتَ لَهُ ... وَقُمْتَ فِيهِ بِأَمْرِ اللَّهِ يَا عُمَرَا
فإن خيف اللبس تعينت وا.
تنبيهان: الأول: من حروف نداء البعيد "آيْ" بمد الهمزة وسكون الياء، وقد عدها في التسهيل؛ فجملة الحروف حينئذٍ ثمانية.
الثاني: ذهب المبرد إلى أن "أيا" و"هيا" للبعيد، و"أي" والهمز للقريب، و"يا" لهما، وذهب ابن برهان إلى أن "أيا" و"هيا" للبعيد والهمزة للقريب و"أي" للمتوسط و"يا" للجميع، وأجمعوا على أن نداء القريب بما للبعيد يجوز توكيدًا وعلى منع العكس.
575-
وغَيرُ مَنْدَوبٍ وَمُضْمَرٍ وَمَا ... جَا مَسْتَغَاثًَا قَدْ يُعَرَّى فاعلما
__________
872- التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص736؛ والدرر 3/ 42؛ وشرح التصريح 2/ 164، 181؛ وشرح شواهد المغني 2/ 792؛ وشرح عمدة الحافظ ص289؛ والمقاصد النحوية 4/ 229؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 9؛ ومغني اللبيب 2/ 372؛ وهمع الهوامع 1/ 180.
اللغة: شرح المفردات: الأمر العظيم: كناية عن الخلافة. اصطبرت: اضطلعت بالأعباء. عمر: هو عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي الثامن.
المعنى: يقول الشاعر مخاطبا عمر بن عبد العزيز: اضطلعت بأعباء الخلافة، فنهضت بها خير نهوض، منفذا أوامر الله.
الإعراب: حملت: فعل ماض للمجهول مبني على السكون، والتاء: ضمير متصل مبني في محل رفع نائب فاعل. أمرا: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. عظيما: نعت "أمرا" منصوب بالفتحة. فاصطبرت: الفاء حرف عطف، "اصطبرت": فعل ماض مبني على السكون، والتاء ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. له: اللام حرف جر، والهاء: ضمير متصل مبني في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بالفعل "اصطبر". وقمت: الواو حرف عطف، "قمت": فعل ماض مبني على السكون، والتاء ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. فيه: حرف جر، والهاء ضمير متصل مبني في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بالفعل "قمت". بأمر: جار ومجرور متعلقان بـ "قمت"، وهو مضاف. الله: اسم الجلالة مضاف إليه مجرور بالكسرة. يا: حرف نداء وندبة. عمرا: منادى مندوب مبني على الضمة المقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للألف، وهو في محل نصب مفعول به.
الشاهد فيه قوله: "يا عمرا" على أنه منادى مفتجع عليه، وقد ندب الشاعر بـ "يا" عوضا من "وا" الأصلية في الندبة لأنه أمن اللبس بالمنادى المحض، وهنا جاء المندوب معرى عن الهاء.(3/16)
"وغير مندوب ومضمر وما ... جا مستغاثا قد يعري"
من حروف النداء لفظًا "فَاعْلَمَا" نحو: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} 1، {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} 2، {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ} 3، نحو "خيرًا من زيد أقبل"، ونحو "من لا يزال محسنًا أحسن إلي".
أما المندوب والمستغاث والمضمر فلا يجوز ذلك فيها لأن الأولين يطلب فيهما مد الصوت والحذف ينافيه ولتفويت الدلالة على النداء مع المضمر.
تنبيهان: الأول عد في التسهيل من هذا النوع لفظ الجلالة والمتعجب منه، ولفظه: ولا يلزم الحرف إلا مع الله والمضمر والمستغاث والمتعجب منه والمندوب، وعد في التوضيح المنادى البعيد وهو ظاهر.
الثاني: أفهم كلامه جواز نداء المضمر، والصحيح منعه مطلقًا وشذ نحو: "يا إياك قد كفيتك"، وقوله "من الرجز":
873-
يَا أَبْجَرَ ابْنَ أَبْجَرٍ يَا أَنْتَا ... "أنت الذي طلقت عام جعتا"
__________
1 يوسف: 29.
2 الرحمن: 31.
3 الدخان: 18.
873- التخريج: الرجز للأحوص في ملحق ديوانه ص216؛ وشرح التصريح 2/ 164؛ والمقاصد النحوية 4/ 232؛ ولسالم بن دارة في خزانة الأدب 2/ 139-143، 146؛ والدرر 3/ 27؛ ونوادر أبي زيد ص163؛ وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 325؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 359؛ وشرح عمدة الحافظ ص301؛ وشرح المفصل 1/ 127، 130، والمقرب 1/ 76؛ وهمع الهوامع 1/ 174.
شرح المفردات: الأبجر: في الأصل، العظيم البطن.
الإعراب: "يا": حرف نداء. "أبجر": منادى مبني على الضم في محل نصب. "بن": نعت "أبجر" منصوب، تبعه في المحل، وهو مضاف. "أبجر": مضاف إليه مجرور. "يا": حرف نداء. "أنتا": منادى مبني على الضم في محل نصب، والألف للإطلاق. "أنت": ضمير منفصل في محل رفع فاعل. "عام": اسم موصول في محل رفع خبر المبتدأ. "طلقت": فعل ماض، والتاء ضمير في محل رفع فاعل. "عام": ظرف زمان منصوب، متعلق بـ "طلقت". "جعتا": فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنت"، والألف للإطلاق.
وجملة النداء: "يا أبجر" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة النداء الثانية: "يا أنت" استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "أنت الذي ... " استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "طلقت" صلة الموصول لا محل من لها الإعراب. وجملة "جعتا" في محل جر بالإضافة.
الشاهد فيه قوله: "يا أنتا" حيث نادى الضمير الذي يستعمل في مواطن الرفع، وهذا شاذ.(3/17)
576-
وذاك في اسم الجنس والمشار له ... قل ومن يمنعه فانصر عاذله
"وذاك" أي: التعري من الحروف "في اسم الجنس والمشار له قل ومن يمنعه" فيهما أصلا ورأسا "فانصر عاذله" بالذال المعجمة أي: لائمه على ذلك، فقد سمع في كل منهما ما لا يمكن رد جميعه؛ فمن ذلك في اسم الجنس قولهم: "أطرق كرا"1، و"افتد مخنوق"2، و"أصبح ليل"، وفي الحديث، "ثوبي حجر" وفي اسم الإشارة قوله "من الطويل":
874-
إذا هملت عيني لها قال صاحبي ... بمثلك هذا لوعة وغرام
__________
1 هذا القول من أمثال العرب وقد ورد في جمهرة اللغة ص757؛ وزهر الأكم 2/ 38؛ ولسان العرب 10/ 47 "خرق"، 10/ 219 "طرق"، 11/ 314 "زول".
2 هذا القول من أمثال العرب وقد ورد في المستقصى 1/ 265؛ ومجمع الأمثال 2/ 28.
ويضرب في الحث على تخليص الرجل نفسه من الأذى والشدة.
874- التخريج: البيت لذي الرمة في ديوانه ص1952؛ والدر 3/ 24؛ وشرح التصريح 2/ 165؛ وشرح عمدة الحافظ ص297؛ والمقاصد النحوية 4/ 235؛ وهمع الهوامع 1/ 174؛ وبلا نسبة في مغني اللبيب 2/ 641.
شرح المفردات: هملت عيني: فاض دمعها. اللوعة: حرقة القلب.
المعنى: يقول: إذا فاضت عيني بالدموع قال لي صاحبي إن هذا لا يكون إلا نتيجة حرقة فؤاد وغرام شديدين.
الإعراب: "إذا": ظرف زمان يتضمن معنى الشرط، متعلق بجوابه. "هملت": فعل ماض، والتاء للتأنيث. "عيني": فاعل مرفوع، وهو مضاف، والياء ضمير في محل جر بالإضافة. "لها": جار ومجرور متعلقان بـ "هملت". "قال": فعل ماض. "صاحبي": فاعل مرفوع، وهو مضاف، والياء ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. "بمثلك": جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، وهو مضاف، والكاف ضمير في محل جر بالإضافة. "هذا": منادى مبني في محل نصب. "لوعة": مبتدأ مرفوع. "وغرام": الواو حرف عطف، "غرام": معطوف على "لوعة" مرفوع.
وجملة: "إذا هملت عيني ... قال صاحبي" الشرطية ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "هملت ... " في محل جر بالإضافة. وجملة "قال صاحبي" لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم وجملة "بمثلك لوعة" في محل نصب مفعول به لـ "قال". وجملة النداء: " ... هذا" اعتراضية لا محل لها من الإعراب. =(3/18)
وقوله "من البسيط":
875-
إن الأولى وصفوا قومي لهم فبهم ... هذا اعتصم تلق من عاداك مخذولًا
وقوله "من الخفيف":
876-
ذا ارعواء فليس بعد اشتعال ... الرأس شيبًا إلى الصبا من سبيل
وجعل منه قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} 1 وكلاهما عند الكوفيين
__________
= الشاهد: قوله: "هذا" يريد "يا هذا" فحذف حرف النداء قبل اسم الإشارة، وهذا عند الكوفيين، وضرورة عند البصريين.
875- التخريج: البيت بلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص298.
اللغة: الأولى: الذين، اعتصم: احتمى والتجأ. عاداك: جعلك عدوا. المخذول: الخائب.
الإعراب: إن: حرف مشبه بالفعل. الأولى: اسم "إن". وصفوا: فعلى ماض للمجهول، و"الواو": ضمير في محل رفع نائب فاعل، والألف للتفريق. قومي: خبر "إن" مرفوع، وهو مضاف، و"الياء": ضمير في محل جر بالإضافة، لهم: جار ومجرور متعلقان بالفعل وصفوا. فبهم:" "الفاء": تعليلة، و"بهم": جار ومجرور متعلقان بـ"اعتصم". هذا: اسم إشارة منادى مبني في محل نصب. اعتصم: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنت". تلق: فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الأمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنت". من: اسم موصول في محل نصب مفعول به. عاداك: فعل ماض، و"الكاف": ضمير في محل نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: "هو". مخذولًا: حال منصوب بالفتحة.
وجملة "إن الأولى ... لهم قومي": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "وصفوا": صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وجملة النداء "يا هذا" اعتراضية لا محل لها من الإعراب. وجملة "اعتصم": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "تلق": جواب الطلب لا محل لها من الإعراب. وجملة "عاداك": صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وجملة "هم قومي": خبر "إن" محلها الرفع.
الشاهد فيه قوله: "هذا" حيث وقع اسم الإشارة منادى نداء محذوف تقديره: "يا هذا".
1 البقرة: 85.
876- التخريج: البيت بلا نسبة في المقاصد النحوية: 4/ 230.
اللغة: الارعواء: الانصراف عن الجهل مثلًا. الصبا: الشباب.
الإعراب: "ذا": منادى بحرف نداء محذوف تقديره: "يا ذا". "ارعواء": مفعول لفعل محذوف تقديره: "ارعو". "فليس": الفاء: استئنافية، "ليس": فعل ماض ناقص. "بعد": ظرف زمان متعلق بمحذوف خبر "ليس"، وهو مضاف، "اشتعال": مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. "الرأس": مضاف إليه مجرور. "شيبًا": تمييز منصوب. "إلى الصبا": جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من "سبيل". "من": حرف جر زائد. "سبيل": اسم مجرور مرفوع محلًا على أنه اسم "ليس".
وجملة النداء: "يا ذا" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "ارعو ارعواء"، استئنافية لا محل لها =(3/19)
مقيس مطرد، ومذهب البصريين المنع فيهما وحمل ما ورد، على شذوذ أو ضرورة، ولحنو المتنبي في قوله "من الكامل":
877-
هَذِي بَرَزْتِ لَنَا فَهِجْتِ رَسِيسَا ... "ثم انثنيت وما شفيت نسيسا
والإنصاف القياس على اسم الجنس لكثرته نظمًا ونثرًا، وقصر اسم الإشارة على السماع إذا لم يرد إلا في الشعر وقد صرح في شرح الكافية بموافقة الكوفيين في اسم الجنس فقال وقولهم في هذا أصح.
تنبيه: أطلق هنا اسم الجنس وقيده في التسهيل بالمبني للنداء إذ هو محل الخلاف فأما اسم الجنس المفرد غير المعين كقول الأعمى: "يا رجلًا خذ بيدي" فنص في شرح الكافية على أن الحرف يلزمه.
فالحاصل أن الحرف يلزم في سبعة مواضع: المندوب والمستغاث والمتعجب
__________
= من الإعراب. وجملة: "ليس بعد ... " استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "ذا ارعواء" حيث حذف حرف النداء من قبل "ذا"، وذلك على مذهب الكوفيين.
877- التخريج: البيت للمتنبي في ديوانه 2/ 301؛ وبلا نسبة في المقرب 1/ 177.
اللغة: الرسيس: هو ابتداء الحب، اثنى: مقال وعاد. النسيس: هو من تبقى به شيء من الروح والنسيس فضلة الروح وبقيتها.
المعنى: يا من ظهرت لنا فسبيتنا بجمالك ثم ابتعدت عنا، فزدتنا بك تعلقًا.
الإعراب: هذي: "الهاء": للتنبيه، "ذي": اسم إشارة في محل نصب بحرف النداء المحذوف "يا". برزت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالتاء المتحركة، و"التاء": ضمير متصل في محل رفع فاعل. لنا: جار ومجرور متعلقان بالفعل برزت فهجت: "الفاء": عاطفة، "هجت": فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالتاء المتحركة و"التاء" ضمير متصل في محل رفع فاعل. رسيسًا: مفعول به منصوب بالفتحة لاتصاله بالتاء المتحركة، و"التاء"، ضمير متصل في محل رفع فاعل. رسيسًا: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. ثم انثنيت: "ثم": حرف عطف، "انثنيت": فعل ماض مبني على السكون لاتصال بالتاء المتحركة و"التاء": ضمير متصل في محل رفع فاعل. وما: "الواو": حالية، "ما": نافية، شفيت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالتاء المتحركة و"التاء": ضمير متصل في محل رفع فاعل. نسيسًا: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.
وجملة "برزت" استئنافية لا محل لها. وجملة "انثنيت" معطوفة على "برزت". وجملة "وما شفيت نسيسًا": في محل نصب حال. وجملة "هذي": ابتدائية لا محل لها.
والتمثيل به قوله: "هذي" حذف حرف النداء من اسم الإشارة على عادة الكوفيين.(3/20)
منه، والمنادى البعيد والمضمر ولفظ الجلالة واسم الجنس غير المعين وفي اسم الإشارة واسم الجنس المعين ما عرفت.
577-
"وَابْنِ المُعَرَّفَ المُنَادَى المُفْرَدَا ... عَلَى الَّذِي فِي رَفْعِهِ قَدْ عُهِدَا"
أي: إذا اجتمع في المنادى هذان الأمران التعريف والإفراد فإنه يبنى على ما يرفع به لو كان معربًا، وسواء كان ذلك التعريف سابقًا على النداء نحو يا زيد أو عارضًا فيه بسبب القصد والإقبال وهو النكرة المقصودة نحو "يا رجل أقبل"، تريد رجلًا معينًا، والمراد بالمفرد هنا أن لا يكون مضافًا ولا شبيهًا به كما في باب "لا"؛ فيدخل في ذلك المركب المزجي والمثنى والمجموع نحو: "يا معد يكرب" و"يا زيدان" و"يا زيدون" و"يا هندان" و"يا رجلان" و"يا مسلمون"، وفي نحو "يا موسى" و"يا قاضي" ضمة مقدرة.
تنبيهات: الأول قال في التسهيل: ويجوز نصب ما وصف من معرف بقصد وإقبال وحكاه في شرحه عن الفراء وأيده بما روي من قوله -صلى الله عليه وسلّم- في سجوده: "يا عظيمًا يرجى لكل عظيم" وجعل منه قوله "من الطويل":
878-
أَدَارًا بِحُزْوَى هِجْتِ لِلعَينِ عَبْرَةً ... "فماء الهوى يرفض أو يترقرق"
__________
878- التخريج: البيت للأحوص في ديوانه ص161، والأغاني 9/ 12؛ ومعجم البلدان 4/ 316 "قراضم"؛ ولكثير عزة في سر صناعة الإعراب 1/ 202؛ ولسان العرب 10/ 367 "هرق"؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص401.
اللغة: حزوى: اسم موضع. العبرة: الدمعة. ارفض: ترشش، سال. ترقرق: سال.
الإعراب: أدارا: الهمزة للنداء، "دارا": منادى منصوب. بحزوى: جار ومجرور متعلقان بمحذوف نعت "دارا". هجت: فعل ماض، و"التاء": ضمير في محل رفع فاعل. للعين: جار ومجرور متعلقان بـ"هجت". عبرة: مفعول به منصوب. فماء: "الفاء": استئنافية، "ماء": مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. الهوى: مضاف إليه مجرور. يرفض: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو". أو: حرف عطف. يترقرق: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو".
وجملة النداء ابتدائية لا محل لها من الإعراب، وجملة "هجت": استئنافية لا محل لها من الإعراب وجملة "ماء الهوى يرفض": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "يرفض": في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة "يترقرق": معطوفة على سابقتها.
الشاهد فيه قوله: "أدارا" حيث نصب المنادى "دارا" لأنه شبيه بالمضاف.(3/21)
الثاني: ما أطلقه هنا قيده في التسهيل بقوله: غير مجرور باللام؛ للاحتراز من نحو: "يا لزيد لعمرو" ونحو: "يا للماء والعشب"، فإن كلًا منهما مفرد وهو معرب.
الثالث: إذا ناديت "اثني عشر" و"اثنتي عشرة" قلت: "يا اثنا عشر" و"يا اثنتا عشرة" بالألف، وإنما بني على الألف لأنه مفرد في هذا الباب كما عرفت، وقال الكوفيون: "يا اثني عشر" و"يا اثنتي عشرة" بالياء إجراء لهما مجرى المضاف.
578-
وَانْوِ انْضِمَامَ مَا بَنَوا قَبْلَ النِّدَا ... وليجر مجرى ذي بناء جددا
"وانوا انضمام ما بنا قبل الندا" كسيبويه وحذام في لغة الحجاز وخمسة عشر "وَليُجْرَ مُجْرَى ذِي بِنَاءٍ جُدِّدَا" ويظهر أثر ذلك في تابعه فتقول: "يا سيبويه العالم" برفع العالم ونصبه كما تفعل في تابع ما تجدد بناؤه نحو: "يا زيد الفاضل"، والمحكي كالمبني، تقول: "يا تأبط شرًا المقدام والمقدام".
"أحوال نصب المنادي":
579-
"وَالمُفْرَدَ المَنْكُورَ وَالمُضَافَا ... وَشِبْهَهُ انْصِبْ عَادِمًا خِلاَفَا"
أي: يجب نصب المنادى حتمًا في ثلاثة أحوال: الأول النكرة غير المقصودة كقول الواعظ: "يَا غَافِلًا وَالمَوتُ يَطْلُبُهُ"، وقول الأعمى: "يا رجلًا خذ بيدي"، وقوله "من الطويل":
879-
أَيَا رَاكِبًا إمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ ... "نداماي من نجران أن لا تلاقيا"
__________
879- التخريج: البيت لعبد يغوث بن وقاص في الأشباه والنظائر 6/ 243؛ وخزانة الأدب 2/ 194، 197؛ وشرح اختيارات المفضل ص767؛ وشرح التصريح 2/ 167؛ وشرح المفصل 1/ 128؛ والعقد الفريد 5/ 229؛ والكتاب 2/ 200؛ ولسان العرب 7/ 173 "عرض"؛ والمقاصد النحوية 4/ 206؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 1/ 413؛ 9/ 223؛ ورصف المباني ص137؛ وشرح ابن عقيل ص515؛ وشرح قطر الندي ص203، والمقتضب 4/ 204.
اللغة والمعنى: عرضت: أتيت العروض، وهي بمكة والمدينة وما حولهما. نداماي: ج ندمان، وهو =(3/22)
وعن المازني أنه أحال وجود هذا النوع.
الثاني: المضاف سواء كانت الإضافة محضة نحو: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا} أو غير محضة نحو يا حسن الوجه، وعن ثعلب إجازة الضم في غير المحضة.
الثالث: الشبيه بالمضاف وهو ما اتصل به شيء من تمام معناه نحو: "يا حسنًا وجهه" و"يا طالعًا جبلًا" و"يا رفيقًا بالعباد" و"يا ثلاثة وثلاثين" فيمن سميته بذلك، ويمتنع في هذا إدخال "يا" على "ثلاثين" خلافًا لبعضهم وإن ناديت جماعة هذه عدتها، فإن كانت غير معينة نصبتهما أيضًا، وإن كانت معينة ضممت الأول وعرفت الثاني بأل ونصبته أو رفعته، إلا إن أعدت معه "يا" فيجب ضمه وتجريده من "أل". ومنع ابن خروف إعادة "يا" وتخييره في إلحاق "أل" مردود.
تنبيه: انتصاب المنادى لفظًا أو محلًا عند سيبويه على أنه مفعول به وناصبه الفعل المقدر، فأصل "يا زيد" عنده: أدعو زيدًا؛ فحذف الفعل حذفًا لازمًا، لكثرة الاستعمال، ولدلالة حرف النداء عليه وإفادته فائدته، وأجاز المبرد نصبه بحرف النداء لسده مسد
__________
= النديم، أي الجليس إلى الخمر. نجران: مدينة بالحجاز.
يقول الشاعر لراكب: إذا أتيت العروض. فبلغ أصحابي بأنني لن ألتقي بعد اليوم، لأنه سيفارق الحياة.
الإعراب: أيا: حرف نداء. راكبًا: منادي منصوب. إما: إن: حرف شرط جازم، ما: زائدة. عرضت: فعل ماض مبني على السكون، والتاء: فاعل. وهو فعل الشرط. فبلغن: الفاء: رابطة لجواب الشرط، بلغن، فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، والفاعل: أنت. والنون: للوقاية. نداماي: مفعول به أول، وهو مضاف، والياء: في محل جر بالإضافة. من: حرف جر. نجران: اسم مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف. والجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال من "ندامى". أن: مخففة من "أن"، واسمها ضمير الشأن المحذوف تقديره: "أنه"، أي الحال والشأن. لا: النافية للجنس. تلاقيًا: اسم مبني على الفتح في محل نصب اسم "لا". والألف: للإطلاق. وخبر "لا" محذوف تقديره: "أن لا تلاقي حاصل لنا".
وجملة "أيا راكبًا" الفعلية على تقدير: "أدعو راكبًا" لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية. وجملة "عرضت" في محل جزم فعل الشرط. وجملة "فبلغن" الفعلية في محل جزم جواب الشرط. والجملة المصدرية من "أن وما بعدها" في محل نصب مفعول به ثان. وجملة "لا تلاقيا" الاسمية في محل رفع خبر "إن".
الشاهد فيه قوله: "أدارًا" نصب المنادي "دارا" لأنه شبيه بالمضاف.(3/23)
الفعل، فعلى المذهبين "يا زيد" جملة، وليس المنادى أحد جزأيها؛ فعند سيبويه جزآها؛ أي الفعل والفاعل مقدران، وعند المبرد حرف النداء سد مسد أحد جزأي الجملة أي الفعل، والفاعل مقدر، والمفعول ههنا على المذهبين واجب الذكر لفظًا أو تقديرًا؛ إذ لا نداء بدون المنادى.
580-
"وَنَحْوَ زَيدٍ ضُمَّ وَافْتَحَنَّ مِنْ ... نَحْوِ أَزَيدُ بْنَ سَعِيدٍ لاَ تَهِنْ"
أي: إذا كان المنادى علمًا مفردًا موصوفًا بابن متصل به مضاف إلى علم نحو: "يا زيد بن سعيد" جاز فيه الضم والفتح، والمختار عند البصريين غير المبرد الفتح، ومنه قوله "من الرجز":
880-
يَا حَكَمَ بْنَ المُنْذِرِ بْنِ الجَارُودْ ... سُرَادِقُ المَجْدِ عَلَيكَ مَمْدُودْ
تنبيه: شرط جواز الأمرين كون الابن صفة كما هو الظاهر؛ فلو جعل بدلًا أو عطف
__________
880- التخريج: الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص172؛ وللكذاب الحرمازي في شرح أبيات سيبويه 1/ 472؛ والشعر والشعراء 2/ 689؛ والكتاب 2/ 203؛ ولرؤبة أو للكذاب الحرمازي في شرح التصريح 2/ 169؛ ولسان العرب 10/ 158 "سردق"؛ والمقاصد النحوية 4/ 210؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص356؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 562؛ وشرح المفصل 2/ 5؛ والمقتضب 4/ 232.
شرح المفردات: حكم بن المنذر: أحد أمراء البصرة في عهد هشام بن عبد الملك. الجارود: من الجرد، لقب به جد الممدوح لإغارته على قوم، فشبهوه بالسيل. السرادق: الخباء.
المعنى: يمدح الراجز الحكم بن المنذر بأنه عالي المنزلة، وسامي القدر، وميمون الطلعة.
الإعراب: "يا": حرف نداء. "حكم": منادى يجوز بناؤه على الضم أو منصوب. "بن": نعت "حكم" منصوب، تبعه في المحل، وهو مضاف. "المنذر": مضاف إليه مجرور، "بن": نعت "المنذر" مجرور، وهو مضاف. "الجارود" مضاف إليه مجرور، سكن للضرورة الشعرية. "سرادق": مبتدأ, مرفوع، وهو مضاف. "المجد": مضاف إليه مجرور. "عليك": جار ومجرور متعلقان بـ"ممدود". "ممدود": خبر المبتدأ مرفوع وسكن للضرروة الشعرية.
وجملة النداء: "يا حكم" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "سرادق.. ممدود" استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد: قوله "يا حكم" بجواز البناء على الضم والفتح لاتصاله بـ"ابن" المضافة إلى علم.(3/24)
بيان أو منادى أو مفعولًا بفعل مقدر تعين الضم، وكلامه لا يوفي بذلك وإن كان مراده.
581-
"وَالضَّمُّ إنْ لَمْ يَلِ الابْنُ عَلَمَا ... أو يَلِ الاِبْنَ عَلَمٌ قَد حُتِمَا"
"الضم": مبتدأ خبره قد حتما، و"إن لم يل": شرط جوابه محذوف، والتقدير فالضم متحتم أي واجب، ويجوز أن يكون قد حتما جوابه والشرط وجوابه خبر المبتدأ، واستغنى بالضمير الذي في حتم رابطًا؛ لأن جملة الشرط والجواب يستغنى فيهما بضمير واحد لتنزلهما منزلة الجملة الواحدة، وعلى هذا فلا حذف.
ومعنى البيت أن الضم متحتم أي واجب إذا فقد شرط من الشروط المذكورة كما في نحو: "يا رجلُ ابنَ عمرو"، و"يا زيدُ الفاضلُ ابن عمرو"، و"يا زيد الفاضل" لانتفاء علمية المنادى في الأولى، واتصال الابن به في الثانية والوصف به في الثالثة، ولم يشترط هذا الكوفيون كقوله "من الوافر":
881-
فَمَا كَعْبُ بْنُ مَامَةَ وَابْنُ أَرْوَى ... بِأَجْوَدَ مِنْكَ يَا عُمَرَ الجَوَادَا
__________
881- التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص107 "طبعة دار صادر"؛ وخزانة الأدب 4/ 442؛ والدرر 3/ 34؛ وشرح التصريح 2/ 169؛ وشرح شواهد المغني ص56؛ والمقاصد النحوية 4/ 245؛ واللمع ص194؛ والمقتضب 4/ 208؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 23؛ وشرح ابن عقيل ص291؛ ومغني اللبيب ص19 وهمع الهوامع 1/ 176.
شرح المفردات: كعب بن مامة: أحد أجواد العرب، قيل إنه سقى صاحبه في ساعة العطش نصيبه من الماء ومات عطشًا. وابن أروى: هو أوس بن حارثة الطائي، أحد أجواد العرب. عمر: هو عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي الثامن.
المعني: يمدح الشاعر الخليفة الأموي بالجود والكرم، وأنه فاق بسخائه كعب بن مامة وابن أروى.
الإعراب: فما: الفاء: بحسب ما قبلها و"ما": تعمل عمل "ليس". كعب: اسم "ما" مرفوع بالضمة. بن: نعت "كعب" مرفوع بالضمة، وهو مضاف. مامة: مضاف إليه مجرور بالفتحة بدل الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. وابن: الواو حرف عطف "ابن": معطوف على "بن مامة" مرفوع بالضمة، وهو مضاف. الباء حرف جر زائد، "أجود": اسم مجرور لفظًا منصوب محلًا على أنه خبر "ما"، وعلامة جره الفتحة بدلًا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف على وزن "أفعل". منك: حرف جر، والكاف: ضمير متصل مبني في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بـ"أجود". يا: حرف =(3/25)
بفتح "عمر"، وعلى هذه الثلاثة يصدق صدر البيت. ونحو: "يا زيد ابن أخينا" لعدم إضافة "ابن" إلى "علم"، وهو مراد عجز البيت.
تنبيهات: الأول: لا إشكال أن فتحة "ابن" فتحة إعراب إذا ضم موصوفه، وأما إذا فتح فكذلك عند الجمهور، وقال عبد القاهر: هي حركة بناء؛ لأنك ركبته معه.
الثاني: حكم "ابنة" فيما تقدم حكم "ابن" فيجوز الوجهان نحو: "يا هند بنة زيد" خلافًا لبعضهم، ولا أثر للوصف بـ"بنت" هنا؛ فنحو: "يا هند بنت عمرو" واجب الضم.
الثالث: يلتحق بالعلم "يا فلان بن فلان"، و"يا ضل بن ضل"، و"يا سيد بن سيد" ذكره في التسهيل، وهو مذهب الكوفيين، ومذهب البصريين في مثله مما ليس بعلم التزام الضم.
الرابع: قال في التسهيل: وربما ضم "الابن" إتباعًا، يشير إلى ما حكاه الأخفش عن بعض العرب من "يا زيد بن عمرو" بالضم إتباعًا لضمة الدال.
الخامس: قال فيه أيضًا: ومجوز فتح ذي الضمة في النداء يوجب في غيره حذف تنوينه لفظًا، وألف "ابن" في الحالتين خطأ، وإن نون فللضرورة.
السادس: اشترط في التسهيل لذلك كون المنادى ذا ضمة ظاهرة، وعبارته: ويجوز فتح ذي الضمة الظاهرة إتباعًا، وكلامه هنا يحتمله، فنحو:"يا عيسى ابن مريم"، يتعين فيه تقدير الضم؛ إذ لا فائدة في تقدير الفتح، وفيه خلاف، اهـ.
582-
"واضمم أو انصب ما اضطرارا نونا ... مما له استحقاق ضم بينا"
__________
= نداء. عمر: منادي مبني في محل نصب. الجوادا: نعت "عمر" منصوب بالفتحة، والألف للإطلاق.
الشاهد فيه قوله: "يا عمر الجواد" والقياس فيه: "يا عمر"، وقد استدل به الكوفيين على أن المنادي الموصوف يجوز فيه الفتح سواء أكان الوصف لفظ "ابن" أو لم يكن. وقال البصريون: إن الأصل: "يا عمر". أي هو كالمندوب، وحذفت الألف. وفي هذا تكلف.(3/26)
فقد ورد السماع بهما، فمن الضم قوله "من الطويل":
882-
سلام الله يا مطر عليها ... "وليس عليك يا مطر السلام"
وقوله "من البسيط":
883-
ليت التحية كانت لي فأشكرها ... مكان يا جمل حييت يا رجل
__________
882- التخريج: البيت للأحوص في ديوانه ص189؛ والأغاني 15/ 334؛ وخزانة الأدب 2/ 150، 152، 6/ 507؛ والدرر 3/ 21؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 605، 2/ 25؛ وشرح التصريح 2/ 171؛ وشرح شواهد المغني 2/ 766؛ والكتاب 2/ 202؛ وبلا نسبة في الأزهية ص164؛ والأشباه والنظائر 3/ 213؛ والإنصاف 1/ 311؛ وأوضح المسالك 4/ 28؛ والجنى الداني ص149؛ والدرر 5/ 182؛ ورصف المباني ص177، 355؛ وشرح ابن عقيل ص517؛ ومجالس ثعلب ص92، 542؛ والمحتسب 2/ 93.
الإعراب: سلام: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. الله: اسم الجلالة مضاف إليه مجرور. يا: حرف نداء. مطر: منادى مبني على الضم في محل نصب على النداء. عليها: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. وليس: الواو: حرف عطف، ليس: فعل ماض ناقص. عليك: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر "ليس". يا: حرف نداء. مطر: منادى مبني على الضم في محل نصب على النداء. السلام: اسم "ليس" مرفوع.
وجملة "سلام الله ... " الاسمية لا محل لها من الإعراب. لأنها ابتدائية. وجملة "يا مطر" الفعلية على تقدير: "أدعو مطرًا" لا محل لها من الإعراب لأنها اعتراضية. وجملة "ليس عليك ... " الفعلية معطوفة على جملة لا محل لها من الإعراب. وجملة "يا مطر" الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها اعتراضية.
والشاهد فيه قوله: "يا مطر"، والقياس: يا مطر بالبناء على الضم، لأنه منادى مفرد علم، ولكن الشاعر نونه اضطرارًا لإقامة الوزن.
883- التخريج: البيت لكثير عزة في ديوانه ص453؛ والدرر 3/ 22؛ والشعر والشعراء 1/518؛ والمقاصد النحوية 4/ 214؛ وبلا نسبة في همع الهوامع 1/ 173.
الإعراب: ليت: حرف مشبه بالفعل. التحية: اسم "ليت" منصوب. كانت: فعل ماض ناقص، و"التاء": للتأنيث، واسمه مستتر فيه جوازًا تقديره: "هي". لي: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر "كان". فأشكرها: "الفاء": للجزاء أو السببية، "أشكرها": فعل مضارع منصوب بـ"أن" مضمرة، و"ها": ضمير في محل نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيها وجوبًا تقديره: "أنا". والمصدر المؤول من "أن" المضمرة والفعل "أشكر" معطوف على مصدر منتزع مما تقدم، والتقدير: ليت كون التحية لي فالشكر مني. مكان: ظرف مكان متعلق بحال من خبر "ليت" على الحكاية. يا: حرف نداء. جمل: منادي مبني على الضم في محل نصب. حببت: فعل ماض للمجهول، والتاء": ضمير في محل رفع نائب فاعل. يا: حرف نداء رجل: منادى مبني على الضم في محل نصب.
وجملة "ليت التحية ... ": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "كانت لي": حال من "التحية"
محلها النصب. وجملة "فأشكرها": صلة الموصول الحرفي لا محل لها، وجملة "يا جمل": مضاف إليها =(3/27)
ومن النصب قوله:
أعبدا حل في شعبي غريبا ... "ألؤما لا أبا لك واغترابا"1
وقوله "من الخفيف":
884-
ضربت صدرها إلي وقالت ... يا عديا لقد وقتك الأواقي
واختار الخليل وسيبويه الضم، وأبو عمرو وعيسى ويونس والجرمي والمبرد النصب، ووافق الناظم والأعلم الأولين في العلم والآخرين في اسم الجنس.
__________
= على الحكاية محلها الجر. وجملة "حييت": خبر "ليت" محلها الرفع. وجملة "يا رجل": استئنافية لا محل لها.
الشاهد فيه قوله:"يا جمل" نونه مضمومًا.
1 تقدم بالرقم 424.
884- التخريج: البيت للمهلهل بن ربيعة في ديوانة ص59؛ وخزانة الأدب 2/ 165؛ والدرر 3/ 22؛ وسمط اللآلي ص111؛ ولسان العرب 15/ 401 "وقي"؛ والمقاصد النحوية 4/ 211؛ والمقتضب 4/ 214؛ وبلا نسبة في رصف المفصل 10/ 10؛ والمنصف 1/ 218؛ وهمع الهوامع 1/ 173.
اللغة والمعني: وقتك: حفظتك. الأواقي: ج الواقية، وهي الحافظة.
يقول: لما رأته رفعت رأسها، ودعت له يحفظه الله، ويقيه من نوائب الدهر، لأن مرآه كان خيرًا عليها.
الإعراب: رفعت: فعل ماض. والتاء: للتأنيث، والفاعل: هي. رأسها: مفعول به منصوب. وهم مضاف "ها" ضمير في محل جر بالإضافة. إلى: جار ومجرور متعلقان بـ"رفعت". وقالت: الواو: حرف عطف. قالت: فعل ماض، والتاء: للتأنيث. والفاعل: هي. يا: حرف نداء. عديًا: منادى مبني على الضم المقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بالتنوين المنصوب للضرورة، لقد: اللام: موطئة للقسم، قد: حرف تحقيق. وقتك: فعل ماض، والتاء: للتأنيث، والكاف: ضمير في محل نصب مفعول به، الأواقي: فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل.
وجملة "رفعت ... " الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية أو استئنافية. وجملة "قالت ... " الفعلية معطوفة على جملة "رفعت" لا محل لها من الإعراب. وجملة "يا عديا" الفعلية على تقدير: "أدعو عديًا" في محل نصب مفعول به. وجملة "وقتك الأواقي" الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها جواب القسم.
والشاهد فيه قوله: "يا عديًا " حيث نصبه للضرورة الشعرية، وحقه لبناء على الضم لأنه علم.(3/28)
583-
وباضطرار خص جمع "يا" و"أل" ... إلا مع "الله" ومحكي الجمل
"وباضطرار خص جمع يا وأل" في نحو قوله "من الكامل":
885-
عباس يا الملك المتوج والذي ... عرفت له بيت العلا عدنان
وقوله "من الرجز":
886-
فيا الغلامان اللذان فرا ... إياكما أن تعقبانا شرا
__________
885- التخريج: البيت بلا نسبة في الدرر 3/ 31؛ وشرح التصريح 2/ 173؛ والمقاصد النحوية 4/ 245؛ وهمع الهوامع 1/ 174.
الإعراب: "عباس": منادى مبني على الضم في محل نصب. "يا": حرف نداء. "الملك": منادى مبني على الضم في محل نصب. "المتوج": نعت "الملك" مرفوع، ويجوز فيه "النصب إتباعا للمحل "والذي": الواو عطف، "الذي": اسم موصول معطوف على "المتوج". "عرفت": فعل ماض، والتاء للتأنيث. "له": جار ومجرور متعلقان بـ"عرفت". "بيت": مفعول به منصوب، وهو مضاف. "العلى": مضاف إليه مجور. "عدنان". فاعل "عرفت" مرفوع بالضمة.
وجملة النداء: "عباس" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة النداء الثانية. " ... الملك" بدل من الأولى. وجملة: "عرفت له ... " صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "يا الملك" حيث أدخل "يا" التي للنداء على الاسم المقترن بـ"أل" وذلك ضرورة عند البصريين، وجائز عند الكوفيين.
886- التخريج: الرجز بلا نسبة في أسرار العربية ص230؛ والإنصاف 1/ 336؛ والدرر 3/ 30؛ وخزانة الأدب 2/ 294؛ وشرح عمدة الحافظ ص229؛ وشرح المفصل 2/ 9؛ واللامات ص53؛ واللمع في العربية ص196؛ والمقاصد النحوية 4/ 215؛ والمقتضب 4/ 234؛ وهمع الهوامع 1/ 174.
الإعراب: "فيا": الفاء بحسب ما قبلها، "يا": حرف نداء. "الغلامان": منادى مبني على الألف لأنه مثنى، وهو في محل نصب. "اللذان": اسم موصول في محل نصب نعت "الغلامان". "فرا": فعل ماض، والألف ضمير في محل رفع فاعل. "إياكما": مفعول به لفعل التحذير المحذوف تقديره: "أحذر"، وهو مضاف، و"كما". في محل جر بالإضافة. "أن": حرف نصب ومصدرية. "تعقبانا": فعل مضارع منصوب بحذف النون، والألف في محل رفع فاع، و"نا": ضمير في محل نصب مفعول به أول. والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها في محل جر بحرف جر محذوف تقديره: "من", والجار والمجرور متلعقان بالفعل المحذوف "أحذر". "شرا": مفعول به ثان لـ"تعقب".
وجملة النداء: "يا الغلامان" بحسب ما قبلها. وجملة: "فرا" صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وجملة: "أحذر إياكما" استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "تعقبانا" صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "فيا الغلامان" حيث جمع حرف "النداء "يا" مع "أل" التعريف في غير لفظ الجلالة"، وهذا غير جائز إلا في الشعر.(3/29)
ولا يجوز ذلك في الاختيار خلافًا للبغداديين في ذلك "إلاَّ مَعَ اللَّهِ" فيجوز إجماعًا؛ للزوم أل له حتى صارت كالجزء منه فتقول: "يا الله" بإثبات الألفين، و"يا الله" بحذفهما، و"يا الله" بحذف الثانية فقط "وَ" إلا مع "مَحْكِيِّ الجُمَل" نحو: "يا المنطلق زيد" فيمن سمي بذلك، نص على ذلك سيبويه، وزاد عليه المبرد ما سمي به من موصول مبدوء بأل نحو الذي والتي وصوبه الناظم، وزاد في التسهيل اسم الجنس المشبه به نحو: "يا الأسد شدة أقبل"، وهو مذهب ابن سعدان، قال في شرح التسهيل: وهو قياس صحيح لأن تقديره: "يا مثل الأسد أقبل"، ومذهب الجمهور المنع.
584-
والأكثر "اللهم" بالتعويض ... وشذ "يا اللهم" في قريض
"والأكثر" في نداء اسم الله تعالى أن يحذف حرف النداء ويقال "اللهم بالتعويض" أي: بتعوض الميم المشددة عن حرف النداء "وشذ يا اللهم في قريض"، أي: شذ الجمع بين "يا" و"الميم" في الشعر، كقوله "من الرجز":
887-
إني إذا ما حدث ألما ... أقول يا اللهم يا اللهما
__________
887- التخريج: الرجز لأبي خراش في الدرر 3/ 41؛ وشرح أشعار الهذليين 3/ 1346؛ والمقاصد النحوية 4/ 216؛ ولأمية بن أبي الصلت في خزانة الأدب 2/ 295؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص232؛ والإنصاف ص341؛ وجواهر الأدب ص96؛ ورصف المباني ص306؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 419، 2/ 430؛ وشرح ابن عقيل ص519؛ وشرح عمدة الحافظ ص300؛ ولسان العرب 13/ 469، 417 "أله"؛ واللمع في العربية ص197؛ والمحتسب 2/ 238؛ والمقتضب 4/ 242؛ ونوادر أبي زيد ص165؛ وهمع الهوامع 1/ 178.
شرح المفردات: الحدث: الحادث. ألم: نزل، حل.
الإعراب: "إني": حرف مشبه بالفعل، والياء ضمير في حل نصب اسم "إن". "إذا". ظرف يتضمن معنى الشرط، متعلق بجوابه. "ما": زائدة. "حدث": فاعل لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور بعده، تقديره: "إذا ألم حدث ألم". "ألما": فعل ماض، والألف للإطلاق، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هو". "أقول": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنا". "يا": حرف نداء. "اللهم": منادى مبني على الضم في محل نصب، والميم للتعظيم يعوض بها عن حرف النداء المحذوف عادة. "يا اللهم": كالسابقة.
وجملة: "إني ... " ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "إذا ما حدث ... " الشرطية في محل رفع خبر "إن". وجملة: "ألم حدث" في محل جر بالإضافة. وجملة "ألم" تفسيرية لا محل لها من الإعراب. وجملة "أقول" جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب. وجملة المنادى في محل نصب مفعول به لـ"أقول". =(3/30)
تنبيهات: الأول مذهب الكوفيين أن الميم في اللهم بقية جملة محذوفة وهي "أمنا بخير"، وليست عوضًا عن حرف النداء ولذلك أجازوا الجمع بينهما في الاختيار.
الثاني: قد تحذف "أل" من اللهم كقوله "من الرجز":
888-
لاَ هُمَّ إنْ كُنْتَ قَبِلتَ حَجَّتِجْ ... "فلا يزال شاحج يأتيك بج"
وهو كثير في الشعر.
الثالث: قال في النهاية: تستعمل اللهم على ثلاثة أنحاء: أحدها النداء المحض نحو: "اللهم أثبتنا"، ثانيها: أن يذكرها المجيب تمكينًا للجواب في نفس السامع كأن يقول لك القائل: "أزيد قائم؟ " فتقول له: "اللهم نعم" أو "اللهم لا"، ثالثها: أن تستعمل دليلًا على الندرة وقلة وقوع المذكور نحو قولك: "أنا أزورك اللهم إذا لم تدعني"، ألا ترى أن وقوع الزيارة مقرونًا بعدم الدعاء قليل.
__________
= الشاهد: قوله: "يا اللهم" حيث جمع بين "يا" والميم المشددة التي تأتي عوضًا عنها، وذلك ضرورة نادرة.
888- التخريج: الرجز لرجل من اليمانيين في الدرر "3/ 40؛ والمقاصد النحوية 4/ 570؛ وبلا نسبة في الدرر 6/ 229؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 177؛ وشرح التصريح 2/ 367؛ وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 287؛ وشرح شواهد الشافية ص215؛ وشرح المفصل 9/ 75، 10/ 50، ولسان العرب 10/ 103 "دلق"؛ ومجالس ثعلب 1/ 143؛ والمحتسب 1/ 75؛ والمقرب 2/ 166؛ والممتع في التصريف 1/ 355؛ ونوادر أبي زيد ص164؛ وهمع الهوامع 1/ 178، 2/ 175.
اللغة: لا هم: أي اللهم. حجيج: أي حجتي. الشاحج: البغل. بج: بي.
الإعراب: لا هم: أصلها "اللهم": منادى في محل نصب، و"الميم": للتعظيم. إن: حرف شرط جازم. كنت: فعل ماض ناقص مبني على السكون في محل جزم، و"التاء" ضمير في محل رفع اسم "كان"، وهو فعل الشرط. قبلت: فعل ماض، و"التاء": ضمير في محل رفع فاعل. حجتج: مفعول به منصوب، وهو مضاف، والجيم "الياء" في محل جر بالإضافة. فلا: "الفاء": رابطة لجواب الشرط. لا يزال: فعل مضارع ناقص. شاحج: اسم "لا يزال" مرفوع. يأتيك: فعل مضارع مرفوع، و"الكاف": ضمير في محل نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: "هو". بج "بي": جار ومجرور متعلقان بـ"يأتي".
وجملة "لا هم": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "إن كنت ... فلا يزال" استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "قبلت": في محل نصب خبر "كان". وجملة "لا يزال ... " في محل جزم جواب الشرط. وجملة "يأتيك" في محل نصب خبر "لا يزال". وجملة "كنت قبلت": فعل الشرط لا محل لها. =(3/31)
فصل: "تابع المنادى وأحواله"
585-
تَابِعَ ذِي الضَّمِّ المُضَافَ دُونَ أَل ... أَلزِمْهُ نَصْبًا، كـ"أزيد ذا الحيل"
"تابع" المنادي "ذي الضم المضاف دون أل ألزمة نصبًا" مراعاة لمحل المنادى نعتًا كان "كَأَزَيدُ ذَا الحِيَل" أو بيانًا نحو: "يا زيد عائد الكلب"، أو توكيدًا نحو: "يا زيد نفسه" و"يا تميم كلهم أو كلكم".
تنبيهان: الأول أجاز الكسائي والفراء وابن الأنباري الرفع في نحو: "يا زيد صاحبنا"، والصحيح المنع لأن إضافته محضة، وأجازه الفراء في نحو: "يا تميم كلهم" وقد سمع، وهو محمول عند الجمهور على القطع أي كلهم يدعى.
الثاني: شمل قوله: "ذي الضم" العلم والنكرة المقصودة والمبني قبل النداء لأنه يقدر ضمه كما مر.
586-
وما سواه انصب أو ارفع واجعلا ... كمستقل نسقًا وبدلًا
"وَمَا سِوَاهُ" أي: ما سوى التابع المستكمل للشرطين المذكورين وهما الإضافة والخلو من أل، وذلك شيئان: المضاف المقرون بـ"أل"، والمفرد "ارْفَعْ أوِ انْصِبْ" تقول: "يا زيد الحسن الوجه والحسن الوجه"، و"يا زيد الحسن والحسن"، و"يا غلام بشر وبشرًا"، و"يا تميم أجمعون وأجمعين"، فالنصب اتباعًا للمحل، والرفع اتباعًا للفظ لأنه يشبه المرفوع من حيث عروض الحركة.
تنبيهان: الأول شمل كلامه أولًا وثانيًا التوابع الخمسة، ومراده النعت والتوكيد وعطف البيان، وسيأتي الكلام على البدل وعطف النسق.
الثاني: ظاهر كلامه أن الوجهين على السواء.
"وَاجْعَلاَ كَمُسْتَقِل" بالنداء "نَسَقًا" خاليًا عن "أل" "وَبَدَلاَ" تقول: "يا زيد بشر"
__________
= الشاهد فيه قوله: "لا هم" حيث حذف "أل" من "اللهم"، وقوله: "حجتج ... بج" حيث أبدل من الياء جيمًا، والأصل "حجتي" و"بي".(3/32)
بالضم، وكذلك "يا زيد وبشر"، وتقول: "يا زيد أبا عبد الله"، وكذلك "يا زيد وأبا عبد الله"، وهكذا حكمهما مع المنادى المنصوب؛ لأن البدل في نية تكرار العامل، والعاطف كالنائب عن العامل.
تنبيه: أجاز المازني والكوفيون "يا زيد وعمرا ويا عبد الله وبكرا".
587-
وَإِنْ يَكُنْ مَصْحُوبَ "أَل" مَا نُسِقَا ... ففيه وحهان ورفع ينتقى
"وإن يكن مصحوب أل ما نسقا ففيه وجهان" الرفع والنصب "وَرَفْعٌ يُنْتَقَى" أي: يختار وفاقًا للخليل وسيبويه والمازني؛ لما فيه من مشاكلة الحركة، ولحكاية سيبويه أنه أكثر، وأما قراءة السبعة: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} 1، بالنصب فللعطف على فضلًا من: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا} 2، واختار أبو عمرو وعيسى ويونس والجرمي النصب لأن ما فيه "أل" لم يل حرف النداء فلا يجعل كلفظ ما وليه وتمسكًا بظاهر الآية إذ إجماع القراء سوى الأعرج على النصب، وقال المبرد: إن كانت "أل" معرفة فالنصب وإلا فالرفع لأن المعرف يشبه المضاف.
تنبيه: هذا الاختلاف إنما هو في الاختيار، والوجهان مجمع على جوازهما إلا فيما عطف على نكرة مقصودة نحو: "يا رجل والغلام" فلا يجوز فيه عند الأخفش ومن تبعه إلا الرفع.
588-
"وَأَيُّهَا مَصْحُوبَ أَل بَعْدُ صِفَهْ ... يَلزَمُ بِالرَّفْعِ لَدَى ذِي المَعْرِفَهْ"
يجوز في ضبط هذا البيت أن يكون "مصحوب" منصوبًا، فـ"أيها": مبتدأ و"يلزم": خبره، ومصحوب: مفعول مقدم بـ"يلزم" و"صفة": نصب على الحال من مصحوب "أل" وبالرفع في موضع الحال من مصحوب "أل" و"بعد": في موضع الحال، مبني على الضم لحذف المضاف إليه وهو ضمير يعود إلى "أي"، والتقدير: وأيها يلزم مصحوب
__________
1 سبأ: 10.
2 سبأ: 10.(3/33)
"أل" حال كونه صفة لها مرفوعة واقعة أو واقعًا بعدها، ويجوز أن يكون "مصحوب" مرفوعًا على أنه مبتدأ ويكون خبره "يلزم" والجملة خبر "أيها" والعائد على المبتدأ محذوف أي: يلزمها ويجوز أن يكون "صفة" هو الخبر.
والمراد إذا نوديت أي فهي نكرة مقصودة مبنية على الضم وتلزمها "ها" التنبيه مفتوحة، وقد تضم لتكون عوضًا عما فاتها من الإضافة، وتؤنث لتأنيث صفتها نحو: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ} 1 {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ} 2 ويلزم تابعها الرفع، وأجاز المازني نصبه قياسًا على صفة غيره من المناديات المضمومة.
قال الزجاج: لم يجز هذا المذهب أحد قبله ولا تابعه أحد بعده، وعلة ذلك أن المقصود بالنداء هو التابع و"أي" وصلة إلى ندائه، وقد اضطرب كلام الناظم في النقل عن الزجاج فنقل في شرح التسهيل عنه هذا الكلام ونسب إليه في شرح الكافية موافقة المازني وتبعه ولده، وإلى التعريض بمذهب المازني الإشارة بقوله: "لدى ذي المعرفة"، وظاهر كلامه أنه صفة مطلقًا وقد قيل: عطف بيان قال ابن السيد: وهو الظاهر، وقيل: إن كان مشتقًا فهو نعت وإن كان جامدًا فهو عطف بيان، وهذا أحسن.
تنبيهات: الأول يشترط أن تكون "أل" في تابع أي جنسية كما ذكره في التسهيل فإذا قلت: "يأيها الرجل" فـ"أل" جنسية وصارت بعد للحضور كما صارت كذلك بعد اسم الإشارة، وأجاز الفراء والجرمي إتباع "أي" بمصحوب "أل" التي للمح الصفة نحو: "يا أيها الحارث"، والمنع مذهب الجمهور ويتعين أن يكون ذلك عطف بيان عند من أجازه.
الثاني: ذهب الأخفش في أحد قوليه إلى أن المرفوع بعد "أي" خبر لمبتدأ محذوف و"أي" موصولة بالجملة، ورد بأنه لو كان كذلك لجاز ظهور المبتدأ بل كان أولى ولجاز وصلها بالفعلية والظرف.
الثالث: ذهب الكوفيون وابن كيسان إلى أن ها دخلت للتنبيه مع اسم الإشارة فإذا قلت: "يا أيها الرجل" تريد يا أيهذا الرجل ثم حذف "ذا" اكتفاء بها.
__________
1 الانشقاق: 6؛ وغيرها.
2 الفجر: 27.(3/34)
الرابع: يجوز أن توصف صفة "أي" ولا تكون إلا مرفوعة مفردة كانت أو مضافة كقوله "من الرجز":
889-
يَا أَيُّهَا الجَاهِلُ ذُو التّنَزِّي ... لاَ تُوعِدَنِّي حَيَّةً بِالنَّكْزِ
589-
وأيهذا أيها الذي ورد ... ووصف أي بسوى هذا يرد
"وَأَيُّهَذَا أَيُّهَا الَّذِي وَرَدْ" "أيهذا": مبتدأ، و"أيها الذي": عطف عليه، وسقط العاطف للضرورة، و"ورد" جملة خبر، ووحد الفاعل إما لكون الكلام على حذف مضاف والتقدير لفظ أيهذا وأيها الذي ورد أو هو من باب "من الخفيف":
890-
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا ... عِنْدَكَ رَاضٍ "والرأي مختلف"
__________
889- التخريج: الرجز لرؤبة في ديوانه ص63؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 417؛ وشرح المفصل 6/ 138؛ والمقاصد النحوية 4/ 219؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 169؛ وجمهرة اللغة ص825؛ والكتاب 2/ 192؛ والمتقضب 4/ 218.
اللغة: التنزي: ميل الإنسان إلى الشر. النكز: الوخز.
الإعراب: يا: حرف نداء أيها: منادى مبني على الضم في محل نصب، و"ها": للتنبيه. الجاهل: نعت "أي" مرفوع. ذو: نعت "الجاهل" مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. التنزي: مضاف إليه مجرور. لا: ناهية. توعدني. فعل مضارع مبني على الفتح، و"النون": للتوكيد. و"الياء": ضمير في محل نصب مفعول به، وهو في محل جزم، وفاعلة ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره. "أنت". حية: مفعول به. بالنكز: جار ومجرور متعلقان بصفة من "حية".
وجملة النداء ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "لا توعدني": استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "يا أيها الجاهل ذو التنزي" حيث وصف "أي" بمعرفة موصوفة بمضاف إلى معرفة وهي: "ذو التنزي".
890- التخريج: البيت لقيس بن الخطيم في ملحق ديوانه ص239؛ وتخليص الشواهد ص205؛ والدرر 5/ 314؛ والكتاب 1/ 75؛ والمقاصد النحوية 1/ 557؛ ولعمرو بن امرئ القيس الخزرجي في الدرر 1/ 147؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 279؛ وشرح الشواهد الإيضاح ص128؛ وبلا نسبة في الصاحبي في فقة اللغة ص218؛ ومغني اللبيب 2/ 622؛ وهمع الهوامع 2/ 109.
اللغة: الرأي: الاعتقاد.
الإعراب: "نحن": ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ، وخبره محذوف والتقدير: "نحن راضون".
"بما": جار ومجرور متعلقان بالخبر المحذوف. "عندنا": ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة "ما" المجرورة(3/35)
أي: ورد أيضًا وصف "أي" في النداء باسم الإشارة وبموصول فيه "أل" كقوله "من الطويل":
891-
أَلاَ أَيُّهَذَا البَاخِعُ الوَجْدُ نَفْسَهُ ... لِشَيءٍ نَحَتْهُ عَنْ يَدَيهِ المَقَادِرُ
ونحو: {يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} 1، "وَوَصْفُ أيَ بِسِوَى هَذَا" الذي ذكر "يُرَدْ" فلا يقال: "يا أيها زيد" ولا "يا أيها صاحب عمرو".
تنبيهان: الأول يشترط لوصف "أي" باسم الإشارة خلوه من كاف الخطاب كما هو ظاهر كلامه، وفاقًا للسيرافي، وخلافًا لابن كيسان فإنه أجاز "يا أيها ذاك الرجل".
__________
= محلا بالباء، وهو مضاف، و"نا": ضمير متصل في محل جر بالإضافة، "وأنت": الواو حرف عطف، "أنت": ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. "بما": جار ومجرور متعلقان بـ"راض". "عندك": ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة "ما" المجرورة محلًا بالباء، وهو مضاف، والكاف ضمير في محل جر بالإضافة.
"راض": خبر المبتدأ "أنت". "والرأي": الواو حرف عطف، "الرأي": مبتدأ مرفوع. "مختلف". خبر المبتدأ مرفوع.
وجملة: "نحن راضون" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "أنت راض" معطوفة على جملة لا محل لها من الإعراب. وجملة: "الرأي مختلف" معطوفة على جملة لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "نحن بما عندنا" حيث حذف الخبر جوازا لوجود دليل عليه.
891- التخريج: البيت لذي الرمة في ديوانه ص1037؛ وشرح المفصل 2/ 7؛ ولسان العرب 8/ 5 "بخع"؛ والمقاصد النحوية 4/ 218، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 474؛ ولسان العرب 15/ 312 "نحا"؛ والمقتضب 4/ 259.
اللغة: الباخع: الهالك. الوجد: شدة الشوق. نحته: صرفته.
الإعراب: ألا: حرف استفتاح وتنبيه. يا: حرف نداء. أيهذا: منادى مبني على الضم في محل نصب، و"ذا": اسم إشارة في محل رفع نعت "أي". الباخع: من "ذا"، أو نعت "أي" مرفوع. الوجد: فاعل اسم الفاعل "الباخع" مرفوع. نفسه: مفعول به، وهو مضاف، و"الهاء": ضمير في محل جر بالإضافة. والوجد "بالنصب" مفعول لأجله. لشيء: جار ومجرور متعلقان بـ"الباخع". نحته: فعل ماض، و"التاء" للتأنيث، و"الهاء": ضمير متصل في محل نصب مفعول به. عن يديه: جار ومجرور متعلقان بـ"نحته"، وهو مضاف، و"الهاء": ضمير في محل جر بالإضافة. المقادر: فاعل مرفوع بالضمة.
وجملة النداء ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "نحته": في محل جر نعت "شيء".
الشاهد فيه قوله: "ألا أيهذا الباخع" حيث وصف المبهم "أي" باسم الإشارة "ذا"، ووصف اسم الإشارة بمعرفة هي "الباخع".
1 الحجر: 6.(3/36)
الثاني: لا يشترط في اسم الإشارة المذكور أن يكون منعوتًا بذي "أل" وفاقًا لابن عصفور والناظم كقوله "من الرمل":
892-
أَيُّهَذَانِ كُلاَ زَادَكُمَا ... وَدَعَانِي وَاغِلًا فِيمَنْ وَغَل
واشترط ذلك غيرهما.
590-
وذو إشارة كأي في الصفه ... إن كان تركها يفيت المعرفه
"وَذُو إشَارَةٍ كَأَي فِي الصِّفَه" في لزومها، ولزوم رفعها كونها بـ"أل" على ما مر، نحو: "يا ذا الرجل" و"يا ذا الذي قام" هذا "إنْ كَانَ تَرْكُهَا" أي ترك الصفة "يُفِيتُ المَعْرِفَهْ" أي بأن تكون هي مقصودة بالنداء واسم الإشارة قبلها لمجرد الوصلة إلى ندائها كقولك لقائم بين قوم جلوس: "يا هذا القائم"، أما إذا كان اسم الإشارة هو المقصود بالنداء بأن قدرت الوقوف عليه فلا يلزم شيء من ذلك، ويجوز في صفته حينئذٍ ما يجوز في صفة غيره من المناديات المبنيات على الضم.
__________
892- التخريج: البيت بلا نسبة في الدرر 3/ 33؛ وشرح عمدة الحافظ ص281؛ ومجالس ثعلب ص52؛ والمقاصد النحوية 4/ 239، 240؛ وهمع الهوامع 1/ 175.
اللغة: الواغل: الطفيلي الذي يدخل في قوم فيشاركهم شرابهم من دون أن يكون مدعوا إليه.
الإعراب: أيهذان: أي: منادى مبني على الضم في محل نصب على النداء، وحرف النداء محذوف، وها: حرف تنبيه، ذان: اسم إشارة، بدل من "أي" على اللفظ، مرفوع بالألف لأنه ملحق بالمثنى. كلا: فعل أمر مبني على حذف النون، والألف ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. زاديكما: مفعول به منصوب بالياء لأنه مثنى. وهو مضاف، و"كما": ضمير متصل مبني في محل مضاف إليه. ودعاني: الواو حرف عطف، دعا: فعل أمر مبني على حذف النون، والألف ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، والنون، للوقاية، والياء ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به، واغلًا: حال منصوب. فيمن: جار ومجرور متعلقان بـ"واغلًا". وغل: فعل ماض مبني على الفتح، وقد سكن للضرورة الشعرية.
وجملة النداء "أيهذان" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "كلا" استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "دعاني" معطوفة لا محل لها من الإعراب. وجملة "وغل" لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول.
والشاهد فيه قوله: "أيهذان كلا" حيث وصف المنادى باسم الإشارة ولم ينعت اسم الإشارة باسم محلى بالألف واللام. ويروى "يغل" مكان "وغل".(3/37)
"حكم المنادى المكرر المضاف ثاني لفظيه":
591-
في نحو "سعدُ سعدَ الأوس" ينتصب ... ثان وضم وافتح أولا نصب
"فِي نَحْوِ" يا "سَعْدُ سَعْدَ الاَوسِ"1 وقوله "من البسيط":
893-
يَا تَيمُ تَيمَ عَدِي لاَ أَبَا لَكُمُ ... "لا يلقينكم في سوأة عمر"
وقوله "من الرجز":
894-
يَا زَيدُ زَيدَ اليَعْمُلاَتِ الذُّبَّلِ ... "تطاول الليل عليك فانزل"
__________
1 من قول الشاعر "من الطويل":
أيا سعدُ سعدَ الأوس كن أنت ناصرًا ... ويا سعدُ سعدَ الخزرجين الغطارف
والمقصود سعد بن معاذ وسعد بن عبادة الأنصاريين.
983- التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص212؛ والأزهية ص238؛ والأغاني 21/ 349؛ وخزانة الأدب 2/ 298، 301، 4/ 99، 107؛ والخصائص 1/ 345؛ والدرر 6/ 29؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 142؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 142؛ وشرح شواهد المغني 2/ 855؛ وشرح المفصل 2/ 10؛ والكتاب 1/ 53، 2/ 205، واللامات ص101؛ ولسان العرب 14/ 11 "أبي"؛ والمقاصد النحوية 4/ 240؛ والمقتضب 4/ 229؛ ونوادر أبي زيد ص139؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 4/ 204؛ وأمالي ابن الحاجب 2/ 725؛ وجواهر الأدب ص199، 421؛ وخزانة الأدب 8/ 317، 10/ 191؛ ورصف المباني ص245؛ وشرح المفصل 2/ 105، 3/ 21؛ ومغني اللبيب 2/ 475؛ وهمع الهوامع 2/ 122.
اللغة: السوأة: الشر والتهلكة. عمر: هو عمر بن لجأ.
المعنى: يخاطبهم الشاعر محذرًا من أن يوقعهم عمر في الشر والتهلكة.
الإعراب: "يا": حرف نداء. "تيم": منادى مبني على الضم في محل نصب، ويجوز نصبه على الإضافة إلى متلو الثاني كما قال سيبويه. "تيم": منادى بحرف نداء محذوف تقديره: "يا تيم" منصوب، وهو مضاف. "عدي": مضاف إليه مجرور. "لا": النافية للجنس. "أبا": اسم "لا" منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة، "لكم": اللام مقحمة بين المضاف والمضاف إليه، و"كم": ضمير متصل في محل جر بالإضافة، وخبر "لا" محذوف تقديره: موجود". لا": حرف نفي. "يوقعنكم": فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقلية. والنون للوقاية، و"كم": ضمير في محل نصب مفعول به "في سوءة": جار ومجرور متعلقان بـ"يوقع". "عمر": فاعل مرفوع.
وجملة: "يا تيم" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "لا أبا لكم" اعتراضية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "لا يوقعنكم ... " استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "يا تيم تيم عدي" حيث أقحم "تيم" الثانية بين المضاف "تيم" الأولى، والمضاف إليه "عدي" فوجب نصب الثانية. وجاز في الأولى النصب والبناء على الضم.
894- التخريج: الرجز لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص99؛ وخزانة الأدب 2/ 302، 304.(3/38)
"يَنْتَصِبْ ثَانٍ" حتمًا "وَضُمَّ وَافْتَحْ أَوَّلًا تُصِبْ" فإن ضممته فلأنه منادى مفرد معرفة، وانتصاب الثاني حينئذٍ لأنه منادى مضاف أو توكيد أو عطف بيان أو بدل أو بإضمار أعني، وأجاز السيرافي أن يكون نعتًا وتأول فيه الاشتقاق، وإن فتحته فثلاثة مذاهب:
أحدها -وهو مذهب سيبويه- أنه منادى مضاف إلى ما بعد الثاني، والثاني مقحم بين المضاف والمضاف إليه، وعلى هذا قال بعضهم يكون نصب الثاني على التوكيد.
وثانيها -وهو مذهب المبرد- أنه مضاف إلى محذوف دل عليه الآخر، والثاني مضاف إلى الآخر ونصبه على الأوجه الخمسة.
وثالثها: أن الاسمين ركبا تركيب خمسة عشر ففتحتهما فتحة بناء لا فتحة إعراب ومجموعهما منادى مضاف وهذا مذهب الأعلم.
تنبيهات: الأول صرح في الكافية بأن الضم أمثل الوجهين.
الثاني: مذهب البصريين أنه لا يشترط في الاسم المكرر أن يكون علمًا بل اسم الجنس نحو: "يا رجل رجل قوم" والوصف نحو: "يا صاحب صاحب زيد" كالعلم فيما تقدم، وخالف الكوفيون في اسم الجنس فمنعوا نصبه وفي الوصف فذهبوا إلى أنه لا ينصب إلا منونًا نحو: "يا صاحبًا صاحب زيد".
الثالث: إذا كان الثاني غير مضاف، نحو: "يا زيد زيد" جاز ضمه بدلًا، ورفعه ونصبه عطف بيان على اللفظ أو المحل.
__________
= والدرر 6/ 28؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 27؛ وشرح شواهد المغني 1/ 443، 2/ 855؛ ولبعض بني جرير في شرح المفصل 2/ 10؛ والكتاب 2/ 206؛ والمقاصد النحوية 4/ 221؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 100؛ واللامات ص102؛ ولسان العرب 11/ 476 "عمل"؛ ومغني اللبيب 2/ 457؛ والمقتضب 4/ 230؛ والممتع في التصريف 1/ 95؛ وهمع الهوامع 2/ 122.
اللغة: اليعملات: الإبل القوية على العمل. الذبل: الضامرة.
الإعراب: "يا": حرف نداء، "زيد": منادى مبني على الضم في محل نصب، أو منادى منصوب لأنه مضاف إلى متلو الثاني كما قال سيبويه. "زيد": منادى منصوب، وهو مضاف، "اليعملات": مضاف إليه."الذبل": نعت "اليعملات" مجرور. "تطاول" فعل ماض. "الليل": فاعل مرفوع. "عليك": جار ومجرور متعلقان بـ"تطاول". "فانزل": الفاء استئنافية، "انزل": فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنت".
وجملة النداء "يا زيد": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "تطاول ... ": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وكذلك جملة "انزل".
الشاهد فيه قوله: "يا زيد زيد اليعملات" حيث أقحم "زيد" الثانية بين المضاف "زيد" الأولى والمضاف إليه "اليعملات" فوجب نصب الثانية، وجاز في الأولى النصب أو البناء على الضم.(3/39)
المنادى المضاف إلى ياء المتكلم:
592-
واجعل منادى صح إن يضف ليا ... كعبد عبدي عبد عبدا عبديا
"وَاجْعَل مُنَادًى صَحَّ" آخره "إنْ يُضَفْ لِيَا" المتكلم "كَعَبْدِ عَبْدِي عَبْدَ عَبْدا عَبْدِيَا" والأفصح والأكثر من هذه الأمثلة الأول وهو حذف الياء والاكتفاء بالكسرة نحو: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُون} 1، ثم الثاني: وهو ثبوتها ساكنة نحو: {يَا عِبَادِي لا خَوْفٌ عَلَيْكُم} 2، والخامس: وهو ثبوتها مفتوحة نحو: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} 3، وهذا هو الأصل، ثم الرابع: وهو قلب الكسرة فتحة والياء ألفًا نحو: {يَا حَسْرَتَا} 4، وأما المثال الثالث وهو حذف الألف والاجتزاء بالفتحة فأجازه الأخفش والمازني والفارسي كقوله "من الوافر":
وَلَسْتُ بِرَاجِعٍ مَا فَاتَ مِنِّي ... بِلَهْفَ وَلاَ بِلَيتَ وَلاَ لَو أنِّي5
أصله بقولي: يا لهفا، ونقل عن الأكثرين المنع، قال في شرح الكافية: وذكروا أيضًا وجهًا سادسًا وهو الاكتفاء عن الإضافة بنيتها وجعل الاسم مضمومًا كالمنادى المفرد، ومنه قراءة بعض القراء: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيّ} 6، وحكى يونس عن بعض العرب: "يا أمُّ لا تفعلي" وبعض العرب يقولون: "يا ربُّ اغفر لي" و"يا قومُ لا تفعلوا".
أما المعتل آخره ففيه لغة واحدة وهي ثبوت يائه مفتوحة نحو: "يا فتايَ" و"يا قاضيَ".
__________
1 الزمر: 16.
2 الزخرف: 68.
3 الزمر: 53.
4 يس: 30.
5 تقدم بالرقم 677.
6 يوسف: 33.(3/40)
تنبيهان: الأول: ما سبق من الأوجه هو فيما إضافته للتخصيص كما أشعر به تمثيله، أما الوصف المشبه للفعل فإن ياءه ثابتة لا غير، وهي إما مفتوحة أو ساكنة نحو: "يا مكرمي" و"يا ضاربي".
الثاني: قال في شرح الكافية: إذا كان آخر المضاف إلى ياء المتكلم ياء مشددة كـ"بني" قيل: "يا بني" أو "يا بني" لا غير؛ فالكسر على التزام حذف ياء المتكلم فرارًا من توالي الياءات مع أن الثالثة كأن يختار حذفها قبل ثبوت الثنتين وليس بعد اختيار الشيء إلا لزومه، والفتح على وجهين: أحدهما أن تكون ياء المتكلم أبدلت ألفًا ثم التزم حذفها لأنها بدل مستثقل، الثاني: أن ثانية ياءي "بني" حذفت ثم أُدغمت أولاهما في ياء المتكلم ففتحت لأن أصلها الفتح كما فتحت في يدي ونحوه، اهـ. وقد تقدمت بقية الأحكام في باب المضاف إلى ياء المتكلم.
593-
وفتح أو كسر وحذف اليا استمر ... في "يابن أم، يابن عم لا مفر"
"وَفَتْحٌ أو كَسْرٌ وَحَذْفُ اليَا" والألف تخفيفًا لكثرة الاستعمال "اسْتَمَر فِي" قولهم "يَابْنَ أُمَّ" ويا ابنة أم، و"يَابْنَ عَمَّ" ويا ابنة عم "لاَ مَفَرْ" أما الفتح ففيه قولان: أحدهما أن الأصل أما وعما بقلب الياء ألفًا فحذفت الألف وبقيت الفتحة دليلًا عليها، الثاني أنهما جعلا اسمًا واحدًا مركبًا وبني على الفتح، والأول قول الكسائي والفراء وأبي عبيدة وحكي عن الأخفش، والثاني قيل: هو مذهب سيبويه والبصريين وأما الكسر فظاهر مذهب الزجاج وغيره أنه مما اجتزئ فيه بالكسرة عن الياء المحذوفة من غير تركيب، قال في الارتشاف: وأصحابنا يعتقدون أن "ابن أم" و"ابنة أم" و"ابن عم" و"ابنة عم" حكمت لها العرب بحكم اسم واحد وحذفوا الياء كحذفهم إياها من أحد عشر إذا أضافوه إليها، وأما إثبات الياء والألف في قوله "من الخفيف".
895-
يَابْنَ أُمِّي وَيَا شُقَيِّقَ نَفْسِي ... "أنت خلفتني لدهر شديد"
__________
895- التخريج: البيت لأبي زبيد في ديوانه ص48؛ والدرر 5/ 57؛ وشرح التصريح 2/ 179؛ والكتاب 2/ 213؛ ولسان العرب 10/ 182 "شقق"؛ والمقاصد النحوية 4/ 222؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 40؛ وشرح المفصل 2/ 12؛ والمقتضب 4/ 250؛ وهمع الهوامع 2/ 54.
اللغة: شرح المفردات: شقيق: تصغير وهو الأخ. خلفتني: تركتني خلفك.
الإعراب: يا: حرف نداء ابن: منادي منصوب، وهو مضاف. أمي: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة، وهو مضاف، والياء: ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. ويا: الواو حرف عطف، "يا": =(3/41)
وقوله "من الرجز":
896-
يَابْنَةَ عَمَّا لاَ تَلُومِي وَاهْجَعِي
فضرورة، أما ما لا يكثر استعماله من نظائر ذلك نحو: "يابن أخي" و"يابن خالي" فالياء فيه ثابتة لا غير، ولهذا قال "في يابن أم يابن عم" ولم يقل في نحو: "يابن أم يابن عم".
تنبيه: نص بعضهم على أن الكسر أجود من الفتح وقد قرئ: "قال يابن أم" بالوجهين.
__________
= حرف نداء. شقيق نفسي: تعرب إعراب "ابن أمي". أنت: ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ. خلفتني: فعل ماض، والتاء ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. لدهر: اللام حرف جر، "دهر": اسم مجرور بالكسرة، والجار والمجرور متلعقان بالفعل "خلف": شديد: نعت "دهر" مجرور بالكسرة.
وجملة "خلفتني" في محل رفع المبتدأ.
الشاهد فيه قوله: "يابن أمي" حيث أثبت ياء المتكلم في "أمي" وهذا قليل، فالعرب لا تكاد تثبتها إلا في الضرورة.
896- التخريج: الرجز لأبي النجم في خزانة الأدب 1/ 364؛ والدرر 5/ 58؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 440؛ وشرح التصريح 2/ 179؛ وشرح المفصل 2/ 12، والكتاب 2/ 214؛ ولسان العرب 12/ 424 "عمم"؛ والمقاصد النحوية 4/ 224؛ ونوادر أبي زيد ص19، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 41، ورصف المباني ص159؛ والمقتضب 4/ 252؛ وهمع الهوامع 2/ 54.
اللغة: شرح المفردات: يا ابنة عما: أي يا انبة عمي، فقلبت الياء ألفًا. اهجعي: نامي، أو اسكتي.
الإعراب: يا: حرف نداء. ابنة: منادى منصوب، وهو مضاف. عما: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على ما قبل الياء المقلوبة ألفًا، وهو مضاف، والياء المقلوبة ألفًا ضمير في محل جر بالإضافة. لا: حرف نهي. تلومي: فعل مضارع مجزوم بحذف النون، والياء ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. واهجعي: الواو حرف عطف "اهجعي": فعل أمر مبني على حذف النون، والياء ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.
الشاهد فيه قوله: "يا ابنة عما" والأصل "يا ابنة عمي" حيث قلب الياء ألفًا كراهة لاجتماع الكسرة والياء.(3/42)
"لغات نداء أب وأم مضافين للياء":
594-
وفي الندا "أبت أمت" عرض ... واكسر أو افتح ومن اليا التا عوض
"وَفِي النِّدَا" قولهم: يا "أَبَتِ" ويا "أُمَّتِ" بالتاء "عَرَضْ" والأصل: يا أبي ويا أمي "وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ وَمِنَ اليَا التَّا عِوَضْ" ومن ثم لا يكادان يجتمعان، ويجوز فتح التاء وهو الأقيس وكسرها وهو الأكثر، وبالفتح قرأ ابن عامر وبالكسر قرأ غيره من السبعة.
تنبيهات: الأول فهم من كلامه فوائد؛ الأولى أن تعويض التاء من ياء المتكلم في أب وأم لا يكون إلا في النداء. الثانية أن ذلك مختص بالأب والأم، الثالثة أن التعويض فيهما ليس بلازم فيجوز فيهما ما جاز في غيرهما من الأوجه السابقة فهم ذلك من قوله: "عرض"، الرابعة منع الجمع بين التاء والياء لأنها عوض عنها وبين التاء والألف لأن الألف بدل من الياء، وأما قوله "من الطويل":
897-
يَا أَبَتِي لاَ زِلتَ فِينَا فَإِنَّمَا ... لَنَا أَمَلٌ فِي العَيشِ مَا دُمْتَ عَائِشَا
فضرورة وكذا قوله "من الرجز":
"تقول بنتي قد أني أنا كا" ... يا أبتا علك أو عساكا1
وهو أهون من الجمع بين التاء والياء لذهاب صورة المعوض عنه، وقال في شرح الكافية: الألف فيه هي الألف التي يوصل بها آخر المنادى إذا كان بعيدًا أو مستغاثًا به أو
__________
897- التخريج: البيت بلا نسبة في شرح التصريح 2/ 178؛ والمقاصد النحوية 4/ 251.
الإعراب: يا: حرف نداء. أبتي: منادى منصوب، وهو مضاف، و"الياء": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. لا زلت: فعل ماض ناقص، و"التاء": ضمير في محل رفع اسم "لا زال". فينا: جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف تقديره "موجودًا". فإنما "الفاء": استئنافية، و"إنما": حرف مشبه بالفعل بطل عمله لدخول "ما" الكافة عليه. لنا: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. أمل: مبتدأ مؤخر مرفوع في العيش: جار ومجرور متعلقان بخبر "أمل". ما: حرف مصدري دال على الزمن. دمت: فعل ماض ناقص، و"التاء": ضمير في محل رفع اسم "ما دام". عائشًا: خبر "ما دام" منصوب. والمصدر المؤول من "ما" والفعل "دام" مفعول فيه ظرف زمان متعلق بخبر المبتدأ "أمل".
وجملة النداء ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "لا زلت فينا": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "لنا أمل": تعليلية لا محل لها من الإعراب. وجملة "دمت": صلة الموصول الحرفي لا محل لها.
الشاهد فيه قوله: "يا أبتي" حيث جمع بين العوض التاء والمعوض الياء وذلك للضرورة.
1 تقدم بالرقم 252.(3/43)
مندوبًا، وليست بدلًا من ياء المتكلم، وجوز الشارح الأمرين.
الثاني: اختلف في جواز ضم التاء في "يا أبت" و"يا أمت" فأجازه الفراء وأبو جعفر النحاس، ومنعه الزجاج، ونقل عن الخليل أنه سمع من العرب من يقول: "يا أبت" و"يا أمت" بالضم، وعلى هذا فيكون في ندائهما عشر لغات: الست السابقة في نحو: "يا عبد"، وهذه الأربعة أعني تثليث التاء والجمع بينها وبين الألف في نحو: "يا أبتا" على ما مر.
الثالث: يجوز إبدال هذه التاء هاء وهو يدل على أنها تاء التأنيث. قال في التسهيل: وجعلها هاء في الخط والوقف جائز، وقد قرئ بالوجهين في السبع، ورسمت في المصحف بالتاء.(3/44)
أسماء لازمت النداء:
595-
و"فل" بعض ما يخص بالندا ... "لؤمان نومان" كذا واطردا
"وَفُلُ بَعْضُ مَا يُخَصُّ بِالنِّدَا" أي: لا يستعمل في غير النداء ويقال للمؤنثة: يا فلة واختلف فيهما؛ فمذهب سيبويه أنهما كنايتان عن نكرتين، فـ"فل" كناية عن رجل و"فلة" كناية عن امرأة، ومذهب الكوفيين أن أصلهما فلان وفلانة فرخما، ورده الناظم بأنه لو كان مرخمًا لقيل فيه: "فلا" ولما قيل في التأنيث: "فلة"، وذهب الشلوبين وابن عصفور وصاحب البسيط إلى أن "فل" و"فلة" كناية عن العلم نحو: "زيد" و"هند" بمعنى فلان وفلانة، وعلى ذلك مشى الناظم وولده، قال الناظم في شرح التسهيل وغيره أن "يا فل" بمعنى "يا فلان" و"يا فلة" بمعنى "يا فلانة"، قال: وهما الأصل فلا يستعملان منقوصين في غير نداء إلا في ضرورة فقد وافق الكوفيين في أنهما كناية عن العلم وأن أصلهما فلان وفلانة، وخالفهم في الترخيم ورده بالوجهين السابقين، و"لُؤْمَانُ" بالهمز وضم اللام، و"ملأم" و"ملأمان" بمعنى عظيم اللؤم و"نَومَانُ" بفتح النون بمعنى كثير النوم "كَذَا" أي مما يختص بالنداء.
تنبيهان: الأول الأكثر في بناء "مفعلان" نحو: "ملأمان" أن يأتي في الذم، وقد جاء في المدح نحو: "يا مكرمان"، حكاه سيبويه والأخفش، و"يا مطيبان"، وزعم ابن السيد أنه يختص بالذم وأن "مكرمان" تصحيف "مكذبان"، وليس بشيء.
الثاني: قال في شرح الكافية: إن هذه الصفات مقصورة على السماع بإجماع وتبعه ولده، وهو صحيح في غير "مفعلان" فإن فيه خلافًا، أجاز بعضهم القياس عليه فتقول: "يا(3/45)
مخبثان"، وفي الأنثى "يا مخبثانة".
"يا فَعَالِ":
596-
في سب الأنثى وزن "يا خَبَاثِ" ... والأمر هكذا من الثلاثي
وَاطَّردَا "فِي سَبِّ الأُنْثَى وَزْنُ" "يا فَعَال" نحو: "يَا خَبَاثِ" "يا لكاع" "يا فساق" وأما قوله: "من الوافر":
898-
أُطَوِّف مَا أُطَوِّفُ ثُمَّ آوِي ... إلَى بَيتٍ قَعِيدَتُهُ لَكَاعِ
فضرورة "وَالأَمْرُ هَكَذَا" أي: اسم فعل الأمر مطرد "مِنَ الثُّلاَثِي" عند سيبويه نحو نزال وتراك من نزل وترك.
تنبيهان: الأول: أهمل الناظم من شروط القياس على هذا النوع أربعة شروط؛ الأول:
__________
898- التخريج: البيت للحطيئة في ملحق ديوانه ص156؛ وجمهرة اللغة ص662؛ وخزانة الأدب 2/ 404، 405؛ والدرر 1/ 254؛ وشرح التصريح 2/ 180؛ وشرح المفصل 4/ 75؛ والمقاصد النحوية 1/ 473، 4/ 229؛ ولأبي الغريب النصري في لسان العرب 8/ 323 "لكع"؛ وبلا نسبة في أوضح 4/ 45؛ والدرر 3/ 39؛ وشرح ابن عقيل ص76؛ والمقتضب 4/ 238؛ وهمع الهوامع 1/ 82، 178.
اللغة والمعنى: أطوف: أجول، أتنقل من مكان إلى آخر، آوي: ألجأ. القعيدة: التي تقعد فيه، أي امرأته. لكاع: لئيمة أو حمقاء.
يقول: ينتقل كثيرًا من أجل اكتساب الرزق: ثم يعود إلى بيته حيث يجد امرأته اللئيمة الحمقاء.
الإعراب: أطوف: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. ما: مصدرية ظرفية. أطوف: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. ثم حرف عطف. آوي: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا. إلى بيت: جار ومجرور متعلقان بـ"آوي". قعيدته: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، والهاء في محل جر بالإضافة. لكاع: خبر المبتدأ مبني على الكسر في محل رفع.
وجملة "أطوف ما أطوف" الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية. وجملة "أطوف" الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول. والجملة المصدرية من "ما وما بعدها" في محل نصب مفعول مطلق تقديره: "أطوف تطويفًا ثم ... " وجملة "آوي" الفعلية معطوفة على جملة "أطوف" الأولى. وجملة "قعيدته لكاع" الاسمية في محل نعت لـ"بيت".
وفي البيت شاهدان: أولهما قوله: "ما أطوف" حيث وصل "ما" المصدرية والظرفية بمضارع غير منفي. وهو قليل. وثانيهما قوله: "لكاع" حيث جاءت "لكاع" خبرًا، على الشذوذ، لأن الاستعمال الشائع بين العرب أن السب للأنثى بوزن "فعال" لا يكون إلا منادى. وقيل: التقدير: قعيدته يقال لها: لكاع.(3/46)
أن يكون مجردًا فأما غير المجرد فلا يقال منه إلا ما سمع نحو: "دراك" من "أدرك"، الثاني: أن يكون تامًا فلا يبنى من ناقص، الثالث: أن يكون متصرفًا، الرابع: أن يكون كامل التصرف فلا يبنى من "يدع" و"يذر".
الثاني: ادعى سيبويه سماعه من غير الثلاثي شذوذًا كـ"قرقار" من "قرقر" في قوله: "من الرجز":
899-
"حتى إذا كان على مطار ... يمناه واليسرى على الثرثار"
قَالَتْ لَهُ رِيحُ الصَّبَا قَرْقَار
وعرعار من "عرعر" في قوله "من الكامل":
900-
"متكنفي جنبي عكاظ كليهما" ... يَدْعُو وَلِيدَهُمْ بِهَا عَرْعَارِ
__________
899- التخريج: الرجز لأبي النجم في خزانة الأدب 6/ 307، 309؛ ولسان العرب 5/ 89 "قرر"؛ وبلا نسبة في شرح المفصل 4/ 51؛ والكتاب 3/ 276؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص77.
المعنى: يصف الشاعر سحابًا فيقول: إذا استوى الليل والنهار وهبت ريح الصبا هيجت رعده قائلة: قرقر بالرعد.
الإعراب: حتى: حرف ابتداء وغاية: إذا: ظرف زمان يتضمن معنى الشرط متعلق بجوابه. كان: فعل ماض ناقص. على مطار: جار ومجرور بمحذوف خبر "كان". يمناه: اسم "كان" مؤخر مرفوع، وهو مضاف، و"الهاء": ضمير في محل جر بالإضافة. واليسرى: "الواو": حالية، "اليسرى": مبتدأ مرفوع. على الثرثار: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. قالت: فعل ماض و"التاء": للتأنيث. له: جار ومجرور متعلقان بـ"قالت". ريح: فاعل مرفوع، وهو مضاف، الصبا: مضاف إليه مجرور. قرقار: اسم فعل أمر بمعنى: "قرقر" وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنت".
وجملة "إذا كان على مطار يمناه" ابتدائية لا محل لها. وجملة "كان على مطار يمناه": مضاف إليها محلها الجر. وجملة "قالت": جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب. وجملة "قرقار": في محل نصب مقول القول. وجملة "واليسرى على الثرثار": حالية محلها النصب.
الشاهد فيه قوله: "قرقار" حيث وقع اسم فعل أمر من الرباعي، وهذا شاذ:
900- التخريج: البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص56؛ وخزانة الأدب 6/ 312؛ وشرح المفصل 4/ 52؛ ولسان العرب 4/ 561 "عرر"؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص197.
اللغة: متكنفي: محيطي.
الإعراب: متكنفي: حال منصوب بالياء لأنه مثنى، وهو مضاف. جنبي: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى، وهو مضاف. عكاظ: مضاف إليه مجرور. كليهما: بدل من "جنبي" مجرور بالياء لأنه ملحق =(3/47)
وقاس عليه الأخفش، ورد المبرد على سيبويه سماع اسم الفعل من الرباعي، وذهب إلى أن "قرقار" و"عرعار" حكاية صوت، وحكاه عن المازني، وحكى المازني عن الأصمعي عن أبي عمرو مثله، والصحيح ما قاله سيبويه؛ لأنه لو كان حكاية صوت لكان الصوت الثاني مثل الأول نحو: "غاق غاق"، فلما قال: "عرعار" و"قرقار" فخالف لفظ الأول لفظ الثاني علم أنه محمول على "عرعر" و"قرقر".
"يا فُعَلُ":
597-
وشاع في سب الذكور فعل ... ولا تقس وجر في الشعر "فل"
"وَشَاعَ فِي سَبِّ الذُّكُورِ" يا "فُعَلُ" نحو قولهم: "يا فسق"، "يا لكع"، "يا غدر"، "يا خبث"، "وَلاَ تَقِسْ" عليه بل طريقه السماع، واختار ابن عصفور كونه قياسًا ونسب لسيبويه.
"وَجُرَّ فِي الشِّعْرِ فُلُ" قال الراجز:
901-
فِي لُجَّةٍ أمْسِكْ فُلاَنًا عَنْ فُلِ
__________
= بالمثنى، وهو مضاف، و"هما" ضمير في محل جر بالإضافة. يدعو: فعل مضارع مرفوع. وليدهم: فاعل مرفوع، وهو مضاف، و"هم": ضمير في محل جر بالإضافة. بها: جار ومجرور متعلقان بـ"يدعو". عرعار: اسم فعل أمر بمعنى "عرعر"، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنتم".
وجملة "يدعو ... " في محل نصب حال. وجملة "عرعار": في محل نصب مفعول به.
الشاهد فيه قوله: "عرعار" حيث وقع اسم فعل من الرباعي، وهذا شاذ.
901- التخريج: الرجز لأبي النجم في جمهرة اللغة ص407؛ وخزانة الأدب 2/ 389؛ والدرر 3/ 37 وسمط اللآلي ص257؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 439؛ وشرح التصريح 2/ 180؛ وشرح المفصل 5/ 119؛ وشرح شواهد المغني 1/ 450، والصاحبي في فقة اللغة 229؛ والطرائف الأدبية ص66؛ والكتاب 2/ 248، 3/ 452؛ ولسان العرب 2/ 355 "لجج"، 13/ 324، 325 "فلن"؛ والمقاصد النحوية 4/ 228؛ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص527؛ وشرح المفصل 1/ 48؛ والمقتضب 4/ 238؛ والمقرب 1/ 182؛ وهمع الهوامع 1/ 177.
شرح المفردات: اللجة: الجلبة واختلاط الأصوات في الحرب.
الإعراب: "في لجة": جار ومجرور متعلقان بـ"تضل" في البيت السابق. "أمسك": فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنت". "فلانًا": مفعول به منصوب "عن فل": جار ومجرور متعلقان بـ"أمسك" =(3/48)
كل معرب بالحركات أن يكون رفعه بالضمة ونصبه بالفتحة وجره بالكسرة، وإلى ذلك الإشارة بقوله: "فَارفَعْ بِضَم، وَانْصِبَنْ فَتْحَا، وَجُرْ كَسْرا كَذِكْرُ اللَّهِ عَبْدَهُ يَسُرْ" فـ"ذكر": مبتدأ، وهو مرفوع بالضم، والاسم الكريم مضاف إليه، وهو مجرور بالكسر، و"عبده": مفعول به، وهو منصوب بالفتح. ثم أشار إلى ما بقي وهو الجزم بقوله: "واجزم بتسكين" نحو: لم يقم.
تنبيه: لا منافاة بين جعل هذه الأشياء إعرابا وجعلها علامات إعراب؛ إذ هي إعراب من حيث عموم كونها أثرا جلبه العامل، وعلامات إعراب من حيث الخصوص.
"وَغَيْرُ مَا ذُكِرْ" من الإعراب بالحركات والسكون مما سيأتي، فرع عما ذكر "يَنُوبُ" عنه، فينوب عن الضمة الواو والألف والنون، وعن الفتحة الألف والياء والكسرة وحذف النون، وَعن الكسرة الفتحة والياء، وعن السكون حذف الحرف: فللرفع أربع علامات، وللنصب خمس علامات، وللجر ثلاث علامات، وللجزم علامتان، فهذه أربع عشرة علامة: منها أربعة أصول، وعشرة فروع لها تنوب عنها.
فالإعراب بالفرع النائب "نَحْوَ جَا أخُو بَنِي نَمِرْ" فـ"أخو": فاعل، والواو فيه نائبة عن الضمة، و"بني": مضاف إليه، والياء فيه نائبة عن الكسرة، وعلى هذا الحذو.
واعلم أن النائب في الاسم إما حرف وإما حركة، وفي الفعل إما حرف وإما حذف، فنيابة الحرف عن الحركة في الاسم تكون في ثلاثة مواضع: الأسماء الستة، والمثنى، والمجموع على حده، فبدأ بالأسماء الستة لأنها أسماء مفردة، والمفرد سابق المثنى والمجموع، ولأن إعرابها على الأصل في الإعراب بالفرع من كل وجه، فقال:
"إعراب الأسماء الستة":
27-
وارفع بواو وانصبن بالألف ... واجرر بياء ما من الأسما أصف
"وَارْفَعْ بِوَاو وانْصِبَنَّ بِالأَلِف وَاجْرُرْ بِيَاء" أي: نيابة عن الحركات الثلاث "مَا" أي: الذي "مِنَ الأَسْمَا أَصِفْ" لك بعد "مِنْ ذَاكَ" أي: من الذي أصفه لك.
28-
من ذاك "ذو" إن صحبة أبانا ... والفم حيث الميم منه بانا(3/49)
الاستغاثة
...
"ذُو إنْ صُحْبَةً أَبَانَا" أي: أظهر، لا ذو الموصولة الطائية، فإن الأشهر فيها البناء عند طيئ "وَالْفَمُ حَيْثُ الْمِيمُ مِنْهُ بَانَا" أي: انفصل، فإن لم ينفصل منه أعرب بالحركات الظاهرة عليها. وفيه حينئذٍ عشر لغات: نقصه، وقصره، وتضعيفه -مثلث الفاء فيهن1- والعاشرة إتباع فائه لميمه، وفصحاهن فتح فائه منقوصا.
29-
أب أخ حم كذاك وهن ... والنقص في هذا الأخير أحسن
30-
وفي أب وتالييه يندر ... وقصرها من نقصهن أشهر
و"أَبٌ" و"أَخٌ" و"حَمٌ كَذَاكَ" مما أصفه "وَهَنُ" وهي كلمة يكنى بها عن أسماء الأجناس، وقيل: عما يستقبح ذكره، وقيل: عن الفرج خاصة، فهذه الأسماء الستة تعرب بالواو رفعا، وبالألف نصبا، وبالياء جرا، وهذا الإعراب متعين في الأول منها -وهو ذو- ولهذا بدأ به، وفي الثاني منها -وهو الفم- في حالة عدم الميم، ولهذا ثنى به، وغير متعين في الثلاثة التي تليهما -وهي "أب"، و"أخ", و"حم"- لكنه الأشهر والأحسن فيها "وَالْنَّقْصُ فِي هَذَا الأَخِيرِ" وهو "هن" "أَحْسَنُ" من الإتمام، وهو الإعراب بالأحرف الثلاثة، ولذلك أخره. والنقص: أن تحذف لامه ويعرب بالحركات الظاهرة على العين، وهي النون، وفي الحديث: $"من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا", ولقلة الإتمام في "هن" أنكر الفراء جوازه، وهو محجوج بحكاية سيبويه الإتمام عند العرب، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ "وَفِي أَبٍ وَتَالِيَيْهِ" وهما "أخ" و"حم" "يَنْدُرُ" أي: يقل النقص، ومنه قوله "من الرجز":
15-
بِأَبِهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ فِي الكَرَمْ ... ومن يُشَابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَمْ
__________
1 أي بفتحها وضمها وكسرها.
15- التخريج: الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص182؛ والدرر 1/ 106؛ وشرح التصريح 1/ 64؛ والمقاصد النحوية 1/ 129؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص57؛ وشرح ابن عقيل ص32؛ وهمع الهوامع 1/ 39. =(3/50)
"يا لي"، وقد أجاز أبو الفتح1 في قوله "من الطويل":
903-
فَيَا شَوقُ مَا أَبْقَى وَيَا لِي مِنَ النَّوَى ... وَيَا دَمْعُ مَا أَجْرَى وَيَا قَلْبُ مَا أَصْبَى
أن يكون استغاث بنفسه وأن يكون استغاث لنفسه، والصحيح وفاقًا لابن عصفور أن "يا لي" حيث وقع مستغاث له، والمستغاث به محذوف بناء على ما سيأتي من أن العامل في المستغاث فعل النداء المضمر، فيصير التقدير "يا أدعو لي" وذلك غير جائز في غير "ظننت" وما حمل عليها.
الثالث: اختلف في اللام الداخلة على المستغاث: فقيل هي بقية "آل" والأصل "يا آل زيد"، فـ"زيد": مخفوض بالإضافة، ونقله المصنف عن الكوفيين، وذهب الجمهور إلى أنها لام الجر، ثم اختلفوا؛ فقيل: زائدة لا تتعلق بشيء وهو اختيار ابن خروف، وقيل: ليست بزائدة فتتعلق، وفيما تتعلق به قولان؛ أحدهما: بالفعل المحذوف وهو مذهب سيبويه واختاره ابن عصفور، والثاني: تتعلق بحرف النداء وهو مذهب ابن جني.
الرابع: إذا وصفت المستغاث جررت صفته نحو: "يا لزيد الشجاع للمظلوم"، وفي النهاية لا يبعد نصب الصفة حملًا على الموضع.
__________
1 أبو الفتح هو ابن جني.
903- التخريج: البيت للمتنبي في ديوانه 1/ 185.
اللغة: النوي: الفراق. ما أصبى: ما أشد صبوتي، أي ميلي إلى الهوى.
المعنى: أيها الشوق المبرح، لم تبق في شيئًا صحيحًا، ويا لخوفي من الفراق، فكم أجرى دموعي، وكم أمال قلبي إلى من أهوى.
الإعراب: فيا "الفاء": للاستئناف، "يا": حرف نداء شوق: منادى نكرة مقصودة مبني على الضم في محل نصب. ما: نكرة تامة في محل رفع مبتدأ. أبقى: فعل ماض لإنشاء التعجب مبني على الفتح المقدر على الألف، و"الفاعل": ضمير مستتر تقديره "هو"، والمتعجب منه محذوف، بتقدير "ما أبقاك" ويا: "الواو": للعطف، "يا": حرف نداء واستغاثة. لي: جار ومجرور متعلقان بفعل النداء "أدعو". من النوى: جار ومجرور متعلقان بـ"أدعو" ويا دمع ما أجرى: "الواو" للعطف، والباقي انظر إعراب "يا شوق ما أبقى".
وجملة "يا شوق": بحسب الفاء. وجملة "ما أبقى" اعتراضية. وجملة "أبقى": خبر "ما" محلها الرفع. وجملة "يا لي" معطوفة على جملة "يا شوق"، وكذلك جملة "ما أجرى". وجملة "أجرى" خبر المبتدأ "ما" محلها الرفع. وجملة "يا قلب": معطوفة على جملة "يا شوق". وجملة "ما أصبى": استئنافية لا محل لها. وجملة "أصبى": خبر المبتدأ "ما" محلها الرفع.
والتمثيل فيه قوله: "ويا لي من النوى" حيث تحتمل "يا لي" أن يكون مستغاثًا به، وأن يكون مستغاثًا لأجله.(3/51)
599-
وافتح مع المعطوف إن كررت "يا" ... وفي سوى ذلك بالكسر ائتيا
"وَافْتَحْ" اللام "مَعَ" المستغاث "المَعْطُوفِ إنْ كَرَّرْتَ يَا" كقوله "من الخفيف":
904-
يَا لَقَومِي وَيَا لأَمْثَالِ قَومِي ... لأُنَاسٍ عُتُوُّهُمْ فِي ازْدِيَادِي
"وَفِي سِوَى ذَلِكَ" التكرار "بِالكَسْرِ ائْتِيَا" على الأصل لأمن اللبس، نحو "من البسيط":
905-
"يبكيك ناء بعيد الدار مغترب" ... يا للكهول وللشبان للعجب
__________
904- التخريج: البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 46؛ وشرح التصريح 12/ 181؛ والمقاصد النحوية 4/ 256.
اللغة: شرح المفردات: العتو: التمرد.
المعني: يستغيث الشاعر بقومه وبأمثال قومه ليدفعوا عنه ظلم قوم طغيانهم يتفاقم، وشرهم يزداد.
الإعراب: يا: حرف نداء واستغاثة. لقومي: اللام: حرف جر زائد، "قومي": مستغاث مجرور لفظًا منصوب محلًا على أنه مفعول به لفعل الاستغاثة المحذوف تقديره "أدعو". ويا: الواو حرف عطف، "يا": مفعول به لفعل محذوف تقديره "أدعو"، وهو مضاف. قومي: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على ما قبل الباء، وهو مضاف، والياء: ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. لأناس: اللام: حرف جر، "أناس": اسم مجرور بالكسرة، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره: "أدعوهم". عتوهم: مبتدأ مرفوع بالضمة، وهو مضاف، "هم": ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. في: حرف جر. ازدياد: اسم مجرور بالكسرة. والجار والمجرور متلعقان بمحذوف خبر المبتدأ تقديره "موجود".
وجملة "عتوهم" في ازدياد" في محل جر نعت "أناس".
الشاهد فيه قوله: "يا لقومي ويا لأمثال قومي" حيث جر المستغاث "قومي" و"أمثال" بلام واجبة الفتح.
905- التخريج: البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 47؛ وخزانة الأدب 154؛ والدرر 3/ 42؛ ورصف المباني ص220؛ وشرح التصريح 2/ 181؛ وشرح شواهد الإيضاح ص203؛ ولسان العرب 12/ 561، 12/ 563 "لوم"، والمقاصد النحوية 4/ 257؛ والمقتضب 4/ 256؛ والمقرب 1/ 184؛ وهمع الهوامع 1/ 180.
اللغة: شرح المفردات: النائي: البعيد. الكهول: ج الكهل، وهو من شاب شعر رأسه، أو من كانت سنه بين الثلاثين والخمسين.
المعنى: يقول: إنه يبكيه رغم أنه من ديار بعيدة عن دياره، ويدعو الناس، كهولًا وشبابًا، للعجب من هذا الأمر. =(3/52)
تنبيهات: الأول: يجوز مع المعطوف المذكور إثبات اللام وحذفها، وقد اجتمعا في قوله "من الخفيف":
906-
يَا لَعَطَافِنَا وَيَا لَرباحِ ... وَأَبِي الحَشْرَجِ الفَتَى النَّفَّاحِ
الثاني: علم مما ذكر أن كسر اللام مع المستغاث من أجله واجب على الأصل وهو ظاهر في الأسماء الظاهرة، وأما المضمر فتفتح معه إلا مع الياء نحو: "يا لزيد لك"، وإذا قلت: "يا لك" احتمل الأمرين، وقد قيل في قوله "من الطويل":
فيا لك من ليل "كأن نجومه ... بكل مغار الفتل شدت بيذبل"1
أن اللام فيه للاستغاثة.
الثالث: فيما تتعلق به لام المستغاث من أجله خلاف؛ فقيل:
بحرف النداء، وقيل:
__________
= الإعراب: يبكيك: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل، والكاف ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. ناء: فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة. بعيد: نعت "ناء" مرفوع بالضمة الظاهرة وهو مضاف. الدار: مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. مغترب: نعت ثان لـ"ناء" مرفوع بالضمة الظاهرة. يا: حرف نداء واستغاثة. للكهول: اللام حرف جر زائد، "الكهول": مستغاث مجرور لفظًا منصوب محلًا على أنه مفعول به لفعل محذوف تقديره "أدعو". وللشبان: الواو حرف عطف، "الشبان":اسم مجرور بالكسرة، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره "أدعوكم". للعجب: اللام حرف جر، "العجب": اسم مجرور بالكسرة، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره. "أدعوكم".
الشاهد فيه قوله: "وللشبان" حيث كسرت لام المستغاث المعطوف لأنه لم تعد معه "يا".
906- التخريج: البيت بلا نسبة في خزانة الأدب 2/ 155؛ والدرر 3/ 43؛ وشرح المفصل 1/ 131؛ والكتاب 2/ 216-217؛ وكتاب اللامات ص89؛ والمقاصد النحوية 4/ 286؛ والمقتضب 2/ 257؛ وهمع الهوامع 1/ 180.
اللغة: عطاف ورباح وأبو الحشرج: أسماء رجال. النفاح. الكثير العطاء.
الإعراب: يا: حرف نداء واستغاثة. لعطافنا: اللام للاستغاثة حرف جر زائد، "عطافنا": اسم مجرور لفظًا منصوب محلًا على مفعول به لفعل محذوف تقديره: "أدعو"، وهو مضاف، و"نا": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. ويا: "الواو": حرف عطف، "يا": حرف نداء واستغاثة. لرباح: معطوف على "عطاف" مجرور لفظًا منصوب محلًا، وأبي: "الواو": حرف عطف، "أبي": اسم مجرور لفظًا منصوب محلًا على أنه مفعول به لفعل محذوف تقديره: "أدعو"، وهو مضاف. الحشرج: مضاف إليه مجرور. الفتى: بدل من "أبي" مجرور باعتبار اللفظ. النفاح: نعت "الفتى" مجرور.
الشاهد فيه قوله: "يا لعطافنا ... وأبي" حيث دخلت اللام مفتوحة على المستغاث في الأول والثاني، وحذفت مع الثالث.
1 تقدم بالرقم 542.(3/53)
بفعل محذوف، أي: أدعوك لزيد، وقيل: بحال محذوفة، أي: مدعوا لزيد.
الرابع: قد يجر المستغاث من أجله بـ"من"، كقوله "من البسيط":
907-
يَا للرِّجَالِ ذَوِي الأَلبَابِ مِنْ نَفَرٍ ... لاَ يَبْرَحُ السَّفَهُ المُرْدِي لَهُمْ دِينَا
600-
وَلاَمُ مَا اسْتُغِيثَ عَاقَبَتْ أَلِفْ ... ومثله اسم ذو تعجب ألف
"ولام ما استغيث عاقبت ألف" فكما تقول: "يا لزيد" تقول أيضًا يا زيدا، ومنه قوله "من الخفيف":
908-
يَا يَزِيدَا لآمُلٍ نَيلَ عِز ... وَغِنًى بَعْدَ فَاقَةٍ وَهَوَانِ
__________
907- التخريج: البيت بلا نسبة في الدرر 3/ 44؛ والمقاصد النحوية 4/ 270؛ وهمع الهوامع 1/ 180.
اللغة: الألباب: ج اللب، هو العقل. النفر: الرجال من ثلاثة إلى تسعة: السفه: خفة العقل.
المردي: المهلك، أو الدنيء.
الإعراب: يا: حرف نداء واستغاثة. للرجال: اللام حرف جر زائد، "الرجال": اسم مجرور لفظًا منصوب محلًا على أنه مفعول به لفعل الاستغاثة المحذوف وتقديره: "أدعو". ذوي: نعت الرجال مجرور باعتبار اللفظ، وعلامة جره الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وهو مضاف، الألباب: مضاف إليه مجرور، من نفر: جار ومجرور متعلقان بفعل الاستغاثة المحذوف. لا يبرح: فعل مضارع ناقص. السفه: اسم "لا يزال" مرفوع. المردي: نعت "السفه". لهم: جار ومجرور متعلقان بـ"دينا". دينا: خبر "لا يبرح" منصوب بالفتحة.
وجملة "يا للرجال ... " ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "لا يبرح ... " في محل جر نعت "نفر".
الشاهد فيه قوله: "من نفر" حيث جر المستغاث منه بـ"من".
908- التخريج: البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 49؛ والجنى الداني ص177، والدرر 4/ 126؛ وشرح التصريح 2/ 181؛ وشرح شواهد المغني 2/ 791؛ ومغني اللبيب 2/ 371؛ والمقاصد النحوية 4/ 262.
اللغة: شرح المفردات: أمل: اسم فاعل من "أمل يأمل"، والأمل: الرجاء. الفاقة: العوز: الهوان: الذل.
المعنى: يستغيث الشاعر بيزيد أن يمنحه العز والغنى، وينتشله من براثن الفاقة والهوان.
الإعراب: يا: حرف نداء واستغاثة. يزيدا: مستغاث مبني على الضمة المقدرة لاشتغال المحل =(3/54)
ولا يجوز الجمع بينهما، فلا تقول يا لزيدًا، وقد يخلو منهما، كقوله "من الوافر":
909-
أَلاَ يَا قَومِ لِلعَجَبِ العَجِيبِ ... "وللغفلات تعرض للأريب"
"وَمِثْلُهُ" في ذلك "اسْمٌ ذُو تَعَجُّبٍ أُلِفْ" بلا فرق كقولهم: "يا للماء" و"يا للدواهي" إذا تعجبوا من كثرتهما، ويقال: "يا للعجب"، و"يا عجبًا لزيد"، و"يا عجب له".
تنبيه: جاء عن العرب في نحو: "يا للعجب" فتح اللام باعتبار استغاثته وكسرها باعتبار الاستغاثة من أجله وكون المستغاث محذوفًا.
خاتمة في مسائل متفرقة: الأولى إذا وقف على المستغاث أو المتعجب منه حالة إلحاق الألف جاز الوقف بهاء السكت.
الثانية: قد يحذف المستغاث، فيلي "يا" المستغاث من أجله، لكونه غير صالح لأن
__________
= بالحركة المناسبة، وهو في محل نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره: "أدعو". لآمل: اللام حرف جر، "آمل": اسم مجرور بالكسرة، والجار والمجرور متعلقان بفعل الاستغاثة المحذوف تقديره "أدعو". نيل: مفعول به منصوب بالفتحة، وهو مضاف. عز: مضاف إليه مجرور بالكسرة. وغني: الواو حرف عطف، "غني": معطوف على "عز" مجرور بالكسرة المقدرة على الألف للتعذر. بعد: ظرف زمان منصوب متعلق بـ"آمل"، وهو مضاف، فاقة: مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. وهوان: الواو حرف عطف، "هوان": معطوف "على فاقة" مجرور بالكسرة الظاهرة.
الشاهد فيه قوله: "يا يزيدا" حيث جاء بالمستغاث به مختوما بالألف لكونه لم يأت معه باللام المفتوحة التي تدخل على المستغاث به.
909- التخريج: البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 152؛ وشرح التصريح 2/ 181؛ والمقاصد النحوية 4/ 263.
اللغة: شرح المفردات: الغفلات: ج الغفلة، وهي السهو أو الإهمال. الأريب: العاقل؟
المعنى: يدعو الشاعر قومه للتنبه إلى صروف الدهر، وأن يتدبروا أمورهم، لأنه الإنسان مهما كان بصيرًا ومجربًا قد تعرض له غفلات تغير له مجرى حياته.
الإعراب: ألا: حرف استفتاح: يا: حرف نداء واستغاثة. قوم: مستغاث به منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل الياء المحذوفة وتقديره: "يا قومي"، والياء المحذوفة في محل جر بالإضافة، ويجوز أن يكون مبنيًا على الضم في محل نصب. للعجب: اللام: حرف جر، "العجب": اسم مجرور بالكسرة، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره: "أدعو". العجيب: نعت "العجب": مجرور بالكسرة الظاهرة. وللغفلات: الواو حرف عطف، "للغفلات": معطوف على "للعجب". تعرض: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره "هي". للأريب: اللام حرف جر، "الأريب": اسم مجرور =(3/55)
يكون مستغاثًا، كقوله "من البسيط":
910-
يا لأناس أبو إلا مثابرة ... على التوغل في بغي وعدوان
أي: يا لقومي لأناس.
الثالثة: قد يكون المستغاث مستغاثًا من أجله، نحو: "يا لزيدي لزيد" أي: أدعوك لتنصف من نفسك، والله أعلم.
__________
= بالكسرة الظاهرة. والجار والمجرور متعلقان بالفعل "تعرض".
وجملة: "تعرض" في محل جر نعت "الغفلات".
الشاهد فيه قوله: "يا قوم" حيث ترك لام المستغاث والألف جميعًا، وكان القياس أن يقول: "يا لقومي" أو "يا قوما".
910- التخريج: البيت بلا نسبة في الدرر 3/ 45؛ والمقاصد النحوية 4/ 271؛ وهمع الهوامع 1/ 181.
اللغة: أبوا: امتنعوا. المثابرة: المواظبة. التوغل: التعمق. البغي: الظلم والعدوان.
الإعراب: يا: حرف نداء واستغاثة. لأناس: جار ومجرور متعلقان بفعل الاستغاثة المحذوف تقديره: "أدعو". والمستغاث به محذوف، تقديره: "يا لقومي". أبوا: فعل ماض، و"الواو": ضمير في محل رفع فاعل. إلا: أداة حصر. مثابرة: مفعول به. على التوغل: جار ومجرور متعلقان بـ"مثابرة". في بغي: جار ومجرور متعلقان بـ"التوغل" وعدوان: "الواو": حرف عطف، "عدوان": معطوف على "بغي" مجرور بالكسرة.
وجملة "يا لأناس": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "أبوا": في محل جر نعت "أناس".
الشاهد فيه قوله: "يا لأناس" حيث حذف المستغاث به، وأبقى المستغاث له، تقديره: "يا لقومي لإناس".(3/56)
الندبة:
"حقيقة المندوب وحكمه":
601-
ما للمنادى أجعل لمندوب وما ... نكر لم يندب ولا ما أبهما
"ما للمنادى" من الأحكام "اجعل لمندوب" وهو المتفجع عليه لفقده حقيقة كقوله:
وقمت فيه بأمر الله يا عمرا1
أو لتنزيله منزلة المفقود، كقول عمر وقد أخبر بجدب أصاب بعض العرب:
"واعمراه، واعمراه" أو المتوجع له، نحو "من الطويل":
911-
فوا كبدا من حب من لا يحبني ... "ومن عبرات ما لهن فناء"
__________
1 تقدم بالرقم 872.
911- التخريج: البيت لمجنون ليلى في ديوانه ص35؛ والأغاني 2/ 37؛ وتزيين الأسواق ص123؛ وشرح عمدة الحافظ ص291؛ وبلا نسبة في شرح التصريح 2/ 181.
المعنى: يقول: يا للألم من حب من لا يحبني ومن دموع لا نهاية لها.
الإعراب: فوا: "الفاء": بحسب ما قبلها، "وا": حرف نداء وندبة. كبدا: منادي مندوب مبني على الضم المقدر على ما قبل الألف في محل نصب، و"الألف": لتوكيد الندابة. من حب: جار ومجرور متلعقان بفعل الندبة المحذوف تقديره: "أندب" هو مضاف. من: اسم موصول مبني في محل جر بالإضافة. لا: حرف نفي. يحبني: فعل مضارع مرفوع، و"النون": للوقاية: و"الياء": ضمير في محل مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: "هو". ومن عبرات معطوف على "من حب". ما: حرف نفي. لهن: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. فناء: مبتداء مؤخر.
وجملة "وا كبدا": بحسب ما قبلها. وجملة "لا يحبني": صلى الموصول لا محل لها من الإعراب. =(3/57)
والمتوجع منه، نحو: "وا مصيبتاه" فيضم في نحو: "وا زيد" وينصب في نحو: "وا أمير المؤمنين"، "وا ضاربًا عمرًا"، وإذا اضطر إلى تنوينه جاز ضمه ونصبه، كقوله "من الرجز":
912-
وَا فَقْعَسًا وَأَينَ مِنِّي فَقْعَسُ ... "أإبلي يأخذها كروس"
"ما يجوز ندبته وما لا يجوز":
ولا يندب إلا العلم ونحوه، كالمضاف إضافة توضح المندوب كما يوضح الاسم العلم مسماه "وَمَا نُكِّرَ لَمْ يُنْدَبْ" فلا يقال: "وا رجلاه" خلافًا للرياشي في إجازته ندبة اسم الجنس المفرد، وندر "وا جبلاه" "وَلاَ" يندب "مَا أُبهِمَا" وذلك اسم الإشارة والموصول بما لا يعينه، فلا يقال: "وا هذاه"، ولا "وا من ذهباه"؛ لأن غرض الندبة -وهو الإعلام بعظمة المصاب- مفقود في هذه الثلاثة.
__________
= وجملة "ما لهن فناء": في محل جر نعت "عبرات".
الشاهد فيه قوله: "وا كبدا" حيث ورد المندوب "كبدا" مبنيًا على الضم، وهذا جائز.
912- التخريج: الرجز لرجل من بني أسد في الدرر 3/ 17؛ والمقاصد النحوية 4/ 272؛ وبلا نسبة في الدرر 3/ 41؛ ورصف المباني ص27؛ وشرح التصريح 2/ 182؛ ومجالس ثعلب 2/ 542؛ والمقرب 1/ 184؛ وهمع الهوامع 1/ 172، 179.
اللغة: فقعس: حي من بني أسد. كروس: الرجل الغليظ، وهنا اسم رجل أغار على إبل الشاعر فنديها.
الإعراب: وا: حرف نداء وندبة. فقعسًا: منادى مندوب منصوب. وأين: "الواو": استئنافية، "أين": اسم استفهام في محل رفع خبر مبتدأ مقدم. مني: جار ومجرور متعلقان بحال من "فقعس". فقعس: مبتدأ مؤخر مرفوع. أإبلي: الهمزة للاستفهام، "إبلي": مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، والياء: ضمير متصل في محل جر بالإضافة. يأخذها: فعل مضارع، و"ها": ضمير متصل في محل نصب مفعول به، كروس: فاعل مرفوع بالضمة.
وجملة "وا فقعسًا": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "أين مني فقعس": استئنافية لا محل لها. وجملة "إبلي ... ": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "يأخذها": في محل رفع خبر المبتدأ.
الشاهد فيه قوله: "وا فقعسًا" حيث نصب المندوب ونونه للضرورة، ويجوز بناؤه على الضم.(3/58)
602-
ويندب الموصول بالذي اشتهر ... كـ"بئر زمزم" يلي "وا من حفر"
"وَيُنْدَبُ المَوصُولُ بِالَّذِي اشْتَهَرْ" اشتهارًا يعينه ويرفع عنه الإبهام "كَبِئْرَ زَمْزَمٍ يَلِي وَا مَنْ حَفَرْ" في قولهم: "وا من حفر بئر زمزماه"، فإنه بمنزلة "وا عبد المطلباه".
"ألف الندبة":
603-
ومنتهى المندوب صلة بالألف ... متلوها إن كان مثلها حذف
"وَمُنْتَهَى المَنْدُوبِ" مطلقًا "صِلهُ" جوازًا لا وجوبًا "بِالأَلِفْ" المسماة ألف الندبة فتقول في المفرد: "وا زيدًا" ومنه قوله:
وَقُمْتَ فِيهِ بِأَمْرِ اللَّهِ يَا عُمَرَا1
وفي المضاف "وا غلام زيدًا"، "وا عبد الملكا"، وفي المشبه به "وا ثلاثة وثلاثينا"، وفي الصلة "وا من حفر بئر زمزما"، وفي المركب "وا معديكربا"، وفي المحكي "وا قام زيدًا" فيمن اسمه قام زيد. وأجاز يونس وصل ألف الندبة بآخر الصفة نحو: "وا زيد الظريفا" ويعضده قول بعض العرب: "وا جمجمتي الشاميتينا"، وهذه الألف "مَتْلُوُّهَا" وهو منتهى المندوب "إِنْ كَانَ" ألفًا "مِثْلَهَا حُذِفْ" لأجلها نحو: "وا موسا"، وأجاز الكوفيون قلبه ياء قياسًا فقالوا: "وا موسيا".
604-
كذاك تنوين الذي به كمل ... من صلة أو غيرها نلت الأمل
"كَذَاكَ" يحذف لأجل ألف الندبة "تَنْوِينُ الَّذِي بِهِ كَمَل" المندوب "مِنْ صِلَةٍ أَو غَيرِهَا" مما مر كما رأيت "نِلتَ الأَمَل" لضرورة أن الألف لا يكون قبلها إلا فتحة على ما رأيت، والتنوين لا حظ له في الحركة، هذا مذهب سيبويه والبصريين، وأجاز الكوفيون فيه مع الحذف وجهين: فتحه فتقول: "وا غلام زيدناه" وكسره مع قلب الألف ياء فتقول: "وا غلام زيدنيه"، قال المصنف: وما رأوه حسن لو عضده سماع، لكن السماع فيه لم يثبت. وقال
__________
1 تقدم بالرقم 872.(3/59)
ابن عصفور: أهل الكوفة يحركون التنوين فيقولون: "وا غلام زيدناه" وزعموا أنه سمع، انتهى.
وأجاز الفراء وجهًا ثالثا، وهو حذفه مع إبقاء الكسرة وقلب الألف ياء؛ فتقول: "وا غلام زيديه".
605-
والشكل حتمًا أوله مجانسا ... إن يكن الفتح بوهم لابسا
"وَالشَّكْلَ حَتْمًا أَولِهِ" حرفًا "مُجَانِسًا" فأول الكسر ياء والضم واوًا "إِنْ يَكُنِ الفَتْحُ بِوَهْمٍ لاَبِسَا" دفعا للبس؛ فتقول في ندبة "غلام" مضافًا إلى ضمير المخاطبة: "وا غلامكيه" وفي ندبته مضافًا إلى ضمير الغائب "وا غلامهوه" إذ لو قلت: "وا غلامكاه" لالتبس بالمذكر، ولو قلت: "وا غلامهاه" لالتبس بالغائبة، قال في شرح الكافية: وهذا الاتباع يعني والحالة هذه متفق على التزامه فإن كان الفتح لا يلبس عدل بغيره إليه وبقيت ألف الندبة بحالها، فتقول في رقاش: "وا رقشاه"، وفي عبد الملك: "وا عبد الملكاه"، وفيمن اسمه قام الرجل: "وا قام الرجلاه"، هذا مذهب أكثر البصريين، وأجاز الكوفيون الاتباع نحو: "وا رقاشيه"، "وا عبد الملكيه"، "وا قام الرجلوه".
تنبيه: أجاز الكوفيون أيضًا الاتباع في المثنى نحو: "وا زيدانيه" واختاره في التسهيل.
"زيادة هاء السكت في آخر المندوب":
606-
وواقفا زد هاء سكت إن ترد ... وإن تشأ فالمد والها لا تزد
"وَوَاقِفا زِدْ" في آخر المندوب "هَاءَ سَكْتٍ" بعد المد "إنْ تُرِدْ وَإِنْ تَشَأْ" عدم الزيادة "فَالمَدَّ وَالهَا لاَ تَزِدْ" بل اجعله كالمنادى الخالي عن الندبة، وقد مر بيان الأوجه الثلاثة، وأفهم قوله: وواقفًا أن هذه الهاء لا تثبت وصلًا وربما ثبتت في الضرورة مضمومة(3/60)
ومكسورة، وأجاز الفراء إثباتها في الوصل بالوجهين، ومنه قوله "من الهزج":
913-
أَلاَ يَا عَمْرُ عَمْرَاهُ ... وَعَمْرُو بْنُ الزُّبَيرَاهُ
"ندبة المضافة لياء المتكلم":
607-
وقائل وا عبديا وا عبدا ... من في الندا اليا ذا سكون أبدى
"وَقَائِلٌ" في ندبة المضاف للياء "وَا عَبْدِيَا وَا عَبْدَا مَنْ فِي النِّدَا اليَا ذَا سُكُونٍ أَبْدَى" فقال: "يا عبدي"، وأما من قال: "يا عبد" بالكسر أو "يا عبد" بالفتح أو "يا عبد" بالضم أو "يا عبدا" بالألف اقتصر على الثاني، ومن قال: "يا عبدي"، بإثبات الياء مفتوحة اقتصر على الأول.
تنبيه: فتح الياء في ذي الوجهين المذكورين مذهب سيبويه وحذفها مذهب المبرد.
خاتمة: إذا ندب مضاف إلى مضاف إلى الياء لزمت الياء؛ لأن المضاف إليها غير مندوب نحو "وا ولد عبديا" والله أعلم.
__________
913- التخريج: البيت بلا نسبة في الدرر 3/ 42؛ ورصف المباني ص27؛ والمقاصد النحوية 4/ 273؛ والمقرب 1/ 184.
الإعراب: "ألا": حرف استفتاح. "يا": حرف نداء وندبة. "عمرو": منادى مندوب مبني على الضم في محل نصب. "عمراه": توكيد لفظي لـ"عمرو"، والألف لتوكيد الندبة، والهاء للسكت. "وعمرو": الواو حرف عطف. "عمرو": معطوف على عمرو "الأولى". "بن": نعت "عمرو"، وهو مضاف. "الزبيراه" مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على ما قبل الألف، والألف لتوكيد الندبة، والهاء للسكت.
الشاهد فيه قوله: "عمراه" حيث أضاف هاء السكت على المندوب في حالة الوصل ضرورة.(3/61)
الترخيم:
"حقيقة الترخيم وأنواعه":
608-
ترخيمًا احذف آخر المنادى ... كيا سعا فيمن دعا سعادا
"ترخيمًا اخذف آخر المنادى" الترخيم في اللغة: ترقيق الصوت وتليينه، يقال: صوت رخيم، أي سهل لين. ومنه قوله: "من الطويل":
914-
لها بشر مثل الحرير ومنطق ... رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر
__________
914- التخريج: البيت لذي الرمة في ديوانه ص577؛ وجمهرة اللغة ص1106؛ والخصائص 1/ 29، 3/ 302؛ وشرح الشواهد الإيضاح ص333؛ وشرح شواهد الشافية ص491؛ وشرح المفصل 1/ 16؛ ولسان العرب 1/ 18 "هرأ"، 5/ 203، "نزر"؛ والمحتسب 1/ 334؛ والمقاصد النحوية 4/ 285؛ وبلا نسبة في أساس البلاغة "هرأ".
اللغة: رخيم الحواشي: رقيق الصوت. الهراء: الكلام الكثير والذي ليس له معنى. النزر: القليل.
الإعراب: "لها": جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم. "بشر": مبتدأ مؤخر مرفوع. "مثل": نعت "بشر" مرفوع، وهو مضاف. "الحرير": مضاف إليه مجرور. "ومنطق": الواو حرف عطف، "منطق": معطوف على "بشر" مرفوع. "رخيم": نعت "منطق" مرفوع، وهو مضاف. "الحواشي": مضاف إليه. "لا": حرف نفي. "هراء": نعت ثان لـ"منطق". "ولا": الواو حرف عطف، "لا": زائدة لتأكيد النفي. "نزر": معطوف على "هراء" مرفوع.
وجملة: "لها بشر" ابتدائية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "رخيم الحواشي" حيث وردت لفظة "رخيم" للدلالة على رقة الصوت ولينه.(3/62)
أي: رقيق الحواشي، وأما في الاصطلاح فهو: حذف بعض الكلمة على وجه مخصوص.
وهو على نوعين: ترخيم التصغير، كقولهم في "أسود": "سويد" وسيأتي في بابه، وترخيم النداء وهو مقصود الباب وهو حذف آخر المنادى "كَيَا سُعَا فِيمَنْ دَعَا سُعَادَا" وإنما توسع في ترخيم المنادى لأنه قد تغير بالنداء، والترخيم تغيير والتغيير يأنس بالتغيير؛ فهو ترقيق.
تنبيه: أجاز الشارح في نصب ترخيمًا ثلاثة أوجه: أن يكون مفعولًا له أو مصدرًا في موضع الحال أو ظرفًا على حذف مضاف، وأجاز المرادي وجهًا رابعًا وهو أن يكون مفعولًا مطلقًا وناصبه احذف لأنه يلاقيه في المعنى، وأجاز المكودي وجهًا خامسًا وهو أن يكون مفعولًا مطلقًا لعامل محذوف أي: رخم ترخيمًا.
609-
وجوزنه مطلقًا في كل ما ... أنث بالها والذي قد رخما
"وَجَوِّزَنْهُ" أي جوز الترخيم "مُطْلَقًا فِي كُلِّ مَا أُنِّثَ بِالهَا" أي سواء كان علمًا أو غير علم ثلاثيًا أو زائدًا على الثلاثي كقوله "من الطويل":
915-
أَفَاطِمُ مَهْلًا بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّلِ ... "وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي"
__________
915- التخريج: البيت لامرئ القيس في ديوانه ص12؛ والجنى الداني ص35؛ وخزانة الأدب 11/ 222؛ والدرر 3/ 16؛ وشرح شواهد المغني 1/ 20؛ والمقاصد النحوية 4/ 289؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص52؛ ومغني اللبيب 1/ 13؛ وهمع الهوامع 1/ 172.
شرح المفردات: أفاطم: مرخم أفاطمة. مهلًا: رفقًا: التدلل: تكلف الغضب. أزمع: وطن النفس. الصرم: القطيعة. أجملي: أحسني.
المعنى: يقول مخاطبًا فاطمة. دعي بعض الدلال، وإن كنت قد وطنت نفسك على هجري فأحسني في هجرانك.
الإعراب: "أفاطم": الهمزة للنداء، "فاطم": منادى مرخم مبني على الضم في محل نصب. "مهلًا": مفعول مطلق لفعل محذوف بمعنى: "تمهلي". "بعض": مفعول به لفعل محذوف تقديره: "الزمي"، وهو مضاف. "هذا": اسم إشارة في محل جر بالإضافة. "التدلل": بدل من "هذا" مجرور. "وإن": الواو حرف عطف، "إن" حرف شرط جازم. "كنت": فعل ماض ناقص، والتاء ضمير في محل رفع اسم "كان"، وهو فعل الشرط. "قد": حرف تحقيق: "أزمعت": فعل ماض، والتاء ضمير في محل رفع فاعل. "صرمي": =(3/63)
وكقوله "من الرجز":
916-
جاري لا تستنكري عذيري ... "سيري وإشفاقي على بعيري"
ونحو: "يا شا ادجني" أي: أقيمي بالمكان، يقال: دجن بالمكان يدجن دجونًا، أي: أقام به.
تنبيهات: الأول قيد في التسهيل ما أطلقه هنا بالمنادى المبني، لإخراج النكرة غير المقصودة والمضاف فلا يجوز الترخيم في نحو قول الأعمى: "يا جارية خذي بيدي" لغير معينة، ولا في نحو: "يا طلحة الخير"، وأما قوله "من البسيط":
917-
يا علقم الخير قد طالت إقامتنا
__________
= مفعول به منصوب، وهو مضاف، والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. "فأجملي": الفاء رابطة جواب الشرط، "أجملي": فعل أمر مبني على حذف النون، والياء ضمير في محل رفع فاعل.
وجملة: "أفاطم": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "تمهلي مهلًا" استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "إن كنت ... " الشرطية استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "أزمعت" في محل نصب خبر "كان". وجملة "فأجملي" جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "أفاطم" يريد: "أفاطمة" مرخمة بحذف التاء من آخره، وهذا الترخيم كثير.
916- التخريج: الرجز للعجاج في ديوانه 1/ 332؛ وخزانة الأدب 2/ 125؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 461؛ وشرح التصريح 2/ 285؛ وشرح شواهد الإيضاح ص355؛ وشرح المفصل 2/ 16، 20؛ والكتاب 2/ 231؛ 241؛ ولسان العرب 4/ 548 "عذر"؛ والمقاصد النحوية 4/ 277؛ والمقتضب 4/ 260؛ وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص296.
شرح المفردات: جاري: أي جارية. استنكر الشيء: وجده غريبًا. العذير: ما يعذر عليه الإنسان إذا فعله.
المعنى: يقول مخاطبًا الجارية: لا تعتبري ما أحاوله أمرًا منكرًا، فأنا فيه معذور.
الإعراب: "جاري": منادى مرخم مبني على الضم في محل نصب. "لا": حرف نهي. "تستنكري": فعل مضارع مجزوم بحذف النون، والياء ضمير في محل رفع فاعل. "عذيري": مفعول به منصوب، وهو مضاف، والياء في محل جر بالإضافة.
وجملة النداء: " ... جاري" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "لا تستنكري" استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "جاري" حيث رخم المنادى بحذف التاء من آخره، وأصله "جارية" وحذف حرف النداء.
917- التخريج: الشطر بلا نسبة في المقاصد النحوية 4/ 289. =(3/64)
فنادر.
الثاني: شرط المبرد في ترخيم المؤنث بالهاء العلمية؛ فمنع ترخيم النكرة المقصودة، والصحيح جوازه كما تقدم.
الثالث: منع ابن عصفور ترخيم "صلعمة بن قلعمة" لأنه كناية عن المجهول الذي لا يعرف وإطلاق النحاة بخلافه، وليس كونه كناية عن المجهول بمانع؛ لأنه علم جنس.
الرابع: إذا وقف على المرخم بحذف الهاء فالغالب أن تلحقه هاء ساكنة، فتقول في المرخم "يا طلحة" فقيل: هي هاء السكت وهو ظاهر كلام سيبويه، وقيل: هي التاء المحذوفة أعيدت لبيان الحركة وإليه ذهب المصنف، قال في التسهيل: ولا يستغنى غالبًا في الوقف على المرخم بحذفها عن إعادتها أو تعويض ألف منها، وأشار بالتعويض إلى قوله "من الوافر":
918-
قِفِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ضُبَاعَا ... "ولا يك موقف منك الوداعا"
__________
= الإعراب: يا حرف نداء. علقم: منادى منصوب، وهو مضاف. الخير: مضاف إليه مجرور.
قد: حرف تحقيق: طالت: فعل ماض، و"التاء": للتأنيث. إقامتنا: فاعل مرفوع، وهو مضاف، و"نا": ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
وجملة النداء ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "قد طالت إقامتنا": استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد في قوله: "يا علقم الخير" حيث رخم المنادى المضاف، وهو "علقم"، وهذا نادر.
918- التخريج: البيت للقطامي في ديوانه ص31؛ وخزانة الأدب 2/ 367؛ والدرر 3/ 75؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 444؛ وشرح شواهد المغني 2/ 849؛ والكتاب 2/ 243؛ ولسان العرب 8/ 218 "ضبع"، 8/ 385 "ودع"؛ واللمع ص120؛ والمقاصد النحوية 4/ 295؛ والمقتضب 4/ 94؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 9/ 285، 286، 288، 293؛ وشرح المفصل 7/ 91.
اللغة: ضباعًا: اسم علم لفتاة.
المعنى: تمهلي يا ضباعًا لأملأ نظري منك ولا تجعلي فراقنا هذا آخر عهدي بك.
الإعراب: قفي: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة، و"الياء": ضمير متصل في محل رفع فاعل. قبل: مفعول فيه ظرف منصوب بالفتحة الظاهرة متعلق بالفعل قفي وهو مضاف. التفرق: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة، يا ضباعا: "يا": للنداء، "ضباعًا": منادى مفرد علم مبني على الضم المقدر. ولا يك: "الواو": عاطفة "لا": ناهية جازمة، "يك": فعل مضارع ناقص مجزوم وعلامة جزمه السكون على النون المحذوفة للتخفيف. موقف: اسم "يك": مرفوع بالضمة الظاهرة. منك: جار ومجرور بصفة محذوفة، الوداعا: خبر "يك" منصوب بالفتحة الظاهرة.
وجملة "قفي": ابتدائية لا محل لها. وجملة "لا يك موقف منك الوداعا": معطوفة على ابتدائية لا محل لها. =(3/65)
فجعل ألف الإطلاق عوضًا عن الهاء ونص سيبويه وابن عصفور على أن ذلك لا يجوز إلا في الضرورة، وأشار بقوله: "غالبًا" إلى أن بعض العرب يقف بلا هاء ولا عوض، حكى سيبويه "يا حرمل" بالوقف بغير هاء، قال أبو حيان أطلقوا في لحاق هذه الهاء، ونقول إن كان الترخيم على لغة من لا ينتظر لم تلحق، هذا كلامه وهو واضح.
الخامس: اختلف النحاة في قوله "من الطويل":
919-
كِلِينِي لَهُم يَا أُمَيمَةَ نَاصِبِ ... "وليل أقاسيه بطيء الكواكب"
بفتح "أميمة" من غير تنوين فقال قوم ليس بمرخم، ثم اختلفوا: فقيل: هو معرب نصب على أصل المنادى ولم ينون لأنه غير منصرف، وقيل: بني على الفتح لأن منهم من يبني المنادى المفرد على الفتح لأنها حركة تشاكل حركة إعرابه لو أعرب، فهو نظير "لا
__________
= والشاهد فيه قوله: "يا ضباعا" حيث عوض بالألف، عن "الهاء" المحذوفة للترخيم، في حالة الوقوف عليها.
919- التخريج: البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص40؛ والأزهية ص237؛ وخزانة الأدب 2/ 321، 325، 3/ 272، 4/ 392، 5/ 74، 11/ 22؛ والدرر 3/ 75؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 445؛ والكتاب 2/ 207، 3/ 382؛ وكتاب اللامات ص102؛ ولسان العرب 1/ 721 "كوكب"، 758 "نصب"، 6/6 "أسس"، 8/ 172 "شبع"؛ والمقاصد النحوية 4/ 3032؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص121؛ وجمهرة اللغة ص350، 982؛ ورصف المباني ص161؛ وشرح المفصل 2/ 107.
اللغة: كليني: دعيني. ناصب. متعب. أميمة: اسم امرأة. أقاسيه: أكابده.
المعنى: يقول: دعيني يا أميمة لهذا الهم المتعب، ومقاساة الليل الطويل البطيء الكواكب حتى كأن راعيها ليس براجع.
الإعراب: كليني: فعل أمر، و"الياء: ضمير في محل رفع فاعل، و"النون": للوقاية، و"الياء": الثانية في محل نصب مفعول به. لهم: جار ومجرور متعلقان بـ"كليني". يا: حرف نداء. أميمة: منادى منصوب. ناصب: نعت "هم" مجرور. وليل: "الواو": حرف عطف، و"ليل": معطوف على "هم" مجرور. أقاسيه: فعل مضارع مرفوع، و"الهاء": ضمير في محل نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنا". بطيء: نعت "ليل" مجرور، وهو مضاف. الكواكب: مضاف إليه مجرور.
وجملة "كليني": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة النداء اعتراضية لا محل لها من الإعراب وجملة "أقاسيه": في محل نعت "ليل".
الشاهد فيه قوله: "يا أميمة" حيث نصب المنادى على أصله، ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف. وقيل: هو مبني، وقال بعضهم: إنه مرخم ثم أقحمت التاء غير معتد بها.(3/66)
رجل في الدار"، وأنشد هذا القائل "من الرجز":
920-
يَا رِيحَ مِنْ نَحْوِ الشَّمَالِ هُبِّي
بالفتح، وذهب أكثرهم إلى أنه مرخم فصار في التقدير: "يا أميم" ثم أقحم التاء غير معتد بها، وفتحها لأنها واقعة موقع ما يستحق الفتح، وهو ما قبل هاء التأنيث المحذوفة المنوية وهو ظاهر كلام سيبويه، وقيل: فتحت إتباعًا لحركة ما قبلها وهو اختيار المصنف.
610-
بحذفها وفره بعد واحظلا ... ترخيم ما من هذه الها قد خلا
"وَالَّذِي قَدْ رُخِّمَا بِحْذْفِهَا" أي بحذف الهاء "وَفِّرْهُ بَعْدُ" أي لا تحذف منه شيئًا بعد حذف الهاء ولو كان لينًا ساكنًا زائدًا مكملًا أربعة فصاعدًا، فتقول في "عقنباة": "يا عقنبا" بالألف، وأجاز سيبويه أن يرخم ثانيًا على لغة من لا يُراعي المحذوف، ومنه قوله "من الطويل":
921-
أَحَارُ بنَ بَدْر قَدْ وَلِيتَ وِلاَيَةً ... "فكن جرذا فيها تخون وتسرق"
__________
920- التخريج: الرجز بلا نسبة في المقاصد النحوية 4/ 294.
الإعراب: يا: حرف نداء. ريح: منادى مبني على الفتح. من نحو: جار ومجرور متعلقان بـ"هبي"، وهو مضاف. الشمال: مضاف إليه مجرور. هي: فعل أمر، و"الياء": ضمير في محل رفع فاعل.
الشاهد في قوله: "يا ريح" حيث بني المنادى على الفتح لأن من العرب من يبني المنادى المفرد على الفتح.
921- التخريج: البيت لأنس بن زنيم في لسان العرب 10/ 157 "سرق"؛ والمقاصد النحوية 4/ 296؛ وله أو لأنس بن أبي أنيس في الدرر 3/ 54؛ ولأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ص177؛ والعقد الفريد 3/ 60؛ ولأنس بن أبي أنيس أو لابن أبي إياس الديلي، أو لأبي الأسود في أمالي المرتضى 1/ 384؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 6/ 44، وهمع الهوامع 1/ 183.
الإعراب: أحار: الهمزة للنداء، "حار": منادى مرخم تقديره: "يا حارثة" مبني في محل نصب. بن: "نعت "حارثة" منصوب، وهو مضاف. بدر: مضاف إليه مجرور. قد: حرف تحقيق. وليت: فعل ماض, و"التاء": ضمير في محل رفع فاعل. ولاية: مفعول به منصوب. فكن: "الفاء": استئنافية، و"كن": فعل أمر ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنت". جرذًا: خبر "كان" منصوب. فيها: جار ومجرور متعلقان بـ"تخون". تخون: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: "أنت". وتسرق: "الواو": حرف عطف، و"تسرق": معطوف على "تخون".
وجملة النداء ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "قد وليت": استئنافية لا محل لها من =(3/67)
يريد: أحارثة، وقوله "من الكامل":
922-
يا أرط إنك فاعل ما قلته ... "والمرء يستحيي إذا لم يصدق"
أراد: "يا أرطاه".
"واحظُلا" أي امنع "ترخيم ما من هذه الها خلا إلا الرباعي فما فوق".
611-
إلا الرباعي فما فوق العلم ... دون إضافة وإسناد متم
أي فأكثر "العَلَمْ دُونَ إضَافَةٍ وَ" دون "إِسِنَادٍ مُتَمْ" فهذه أربعة شروط: الأول أن يكون رباعيًا فصاعدًا، فلا يجوز ترخيم الثلاثي سواء سكن وسطه نحو زيد أو تحرك نحو حكم، هذا مذهب الجمهور، وأجاز الفراء والأخفش ترخيم المحرك الوسط، وأما الساكن الوسط فقال ابن عصفور: لا يجوز ترخيمه قولًا واحدًا، وقال في الكافية: ولم يرخم نحو بكر أحد، والصحيح ثبوت الخلاف فيه، حكي عن الأخفش وبعض الكوفيين إجازة ترخيمه، وممن نقل الخلاف فيه أبو البقاء العكبري وصاحب النهاية وابن الخشاب وابن هشام الخضراوي.
__________
= الإعراب: وجملة "كن جرذًا": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "تخون": في محل نصب نعت "جرذا". وجملة "تسرق": معطوفة على جملة "تخون".
الشاهد فيه قوله: "أحار" حيث رخم المنادى بحذف الهاء والحرف الذي سبقها. والأصل: "يا حارثة".
922- التخريج: البيت لزميل بني الحارث الفزاري في الأغاني 13/ 37؛ والدرر 3/ 55؛ والمقاصد النحوية 4/ 298؛ وبلا نسبة في همع الهوامع 1/ 184.
الإعراب: يا: حرف نداء. أرط: منادى مرخم مبني في محل نصب. إنك: حرف مشبه بالفعل، و"الكاف": ضمير في محل نصب اسم "إن". فاعل: خبر "إن" مرفوع. ما: اسم موصول في محل نصب مفعول به. قلته: فعل ماض، و"التاء": ضمير في محل رفع فاعل، و"الهاء": ضمير في محل نصب مفعول به. والمرء: "الواو": استئنافية، "المرء": مبتدأ مرفوع. "يستحيي": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره:" "هو": إذا: ظرف متعلق بالفعل "يستحيي". لم: حرف نفي وجزم وقلب. يصدق: فعل مضارع مجزوم بالسكون وحرك بالكسر مراعاة للروي. وهو فعل الشرط، وجوابه محذوف.
وجملة النداء ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "إنك فاعل": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "قلته": صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وجملة "المرء يستحيي": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "يستحيي" في محل رفع خبر المبتدأ. وجملة "لم يصدق": في محل جر بالإضافة.
الشاهد فيه قوله:"يا أرط" رخم المنادى بحذف التاء ثم الحرف الذي سبقها، والأصل: "يا أرطاة".(3/68)
الثاني: أن يكون علمًا، وأجاز بعضهم ترخيم النكرة المقصودة نحو: "يا غضنف" في "غضنفر" قياسًا على قولهم: "أطرق كرا"1، و"يا صاح".
الثالث: أن لا يكون ذا إضافة خلافًا للكوفيين في إجازتهم ترخيم المضاف إليه كقوله "من الطويل":
923-
خُذُوا حِذْرَكُمْ يَا آلَ عِكْرِم َواذكروا ... "أواصرنا والرحم بالغيب تذكر"
وهو عند البصريين نادر وأندر منه حذف المضاف إليه بأسره كقوله "من السريع":
924-
يَا عَبْدَ هَل تَذْكُرُنِي سَاعَةً ... "في موكب أو رائدًا للقنيص"
__________
1 هذا القول من أمثال العرب، وقد تقدم تخريجه.
923- التخريج: البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص214؛ وأسرار العربية ص239؛ وخزانة الأدب 2/ 329، 330، والدرر 3/ 51؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 462؛ وشرح المفصل 2/ 20؛ والكتاب 2/ 271؛ ولسان العرب 3/ 333 "فرد"، 4/ 549 "عذر" والمقاصد النحوية 4/ 290؛ وبلا نسبة في لسان العرب 12/ 233 "رحم"، 12/ 416 "عكرم"؛ وهمع الهوامع 1/ 18.
اللغة: آل عكرم: بنو عكرمة بن خصفة. الأواصر: جمع آصرة وهي كل ما يعطفك على آخر. الرحم: القرابة.
المعنى: نالوا حظكم من مودتنا -يا آل عكرمة- وانتبهوا لما يجمعنا من علاقات، فالقرابة تذكر بالغيب.
الإعراب: "خذوا": فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة، و"الواو": ضمير متصل في محل رفع فاعل، والألف للتفريق. "حذركم": مفعول به منصوب بالفتحة، و"كم": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. "يا آل": "يا": حرف نداء، "آل": منادى مضاف منصوب بالفتحة. "عكرم": مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على التاء المحذوفة للترخيم، والفتحة عوضًا عنها. "واذكروا": "الواو": للعطف، "اذكروا": فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة، و"الواو": ضمير متصل في محل رفع فاعل. "أواصرنا": مفعول به منصوب بالفتحة، و"نا": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. "والرحم": "الواو": استئنافية، "الرحم": مبتدأ مرفوع بالضمة. "بالغيب": جار ومجرور متعلقان بـ"تذكر". "تذكر": فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، بالضمة، و"نائب الفاعل": ضمير مستتر تقديره "هي".
وجملة "خذوا" ابتدائية لا محل لها. وجملة: "يا آل عكرم" اعتراضية لا محل لها. وجملة "اذكروا": معطوفة على "خذوا" لا محل لها. وجملة "الرحم تذكر": استئنافية لا محل لها. وجملة "تذكر": في محل رفع خبر.
والشاهد فيه قوله: "آل عكرم" حيث رخم المضاف إليه بحذف آخره، فالأصل "آل عكرمة"، وهو دليل على جواز ترخيم المركب الإضافي المنادى بحذف آخر المضاف إليه، لأن المضاف والمضاف إليه صارا بمنزلة الاسم الواحد. وعد البصريون ذلك شاذا؟
924- التخريج: "البيت لعدي بن زيد في ديوانه ص69؛ والمقاصد النحوية 4/ 2987؛ وبلا نسبة في شرح التصريح 2/ 184. =(3/69)
يريد "يا عبد هند"، يخاطب عبد هند اللخمي وذلك علم له، وتقدم أن ترخيم المضاف نادر أيضًا كما في نحو: "يا علقم الخير".
الرابع: أن لا يكون ذا إسناد فلا يجوز ترخيم "برق نحره"، و"تأبط شرا" وسيأتي الكلام عليه.
تنبيه: أهمل المصنف من شروط الترخيم مطلقًا ثلاثة: الأول: أن يكون مختصًا بالنداء فلا يرخم نحو "فل" و"فلة"، الثاني: أن لا يكون مندوبًا، الثالث: أن لا يكون مستغاثًا، وأما قوله "من الرمل":
925-
كُلَّمَا نَادَى مُنَادٍ مِنْهُمُ ... يَا لِتَيمِ اللَّهِ قُلنَا يَا لِمَالِ
__________
= اللغة: الرائد: الطالب. القنيص: الصيد.
الإعراب: يا: حرف نداء. عبد: منادى مرخم منصوب. هل: حرف استفهام. تذكرني: فعل مضارع مرفوع، و"النون": للوقاية، و"الياء": ضمير في محل نصب مفعول به. ساعة: ظرف زمان متعلق بـ"تذكرني". في موكب: جار ومجرور متعلقان بـ"تذكرني" أو بمحذوف حال من فاعل "تذكرني". أو: حرف عطف. رائدًا: حال منصوب للقنيص: جار ومجرور متعلقان بـ"رائدًا".
الشاهد فيه قوله: "يا عبد" حيث رخم المنادى المضاف بحذف المضاف إليه وأصله: "يا عبد هند"، وهو علم.
925- التخريج: البيت لمرة بن الرواغ في المقاصد النحوية 4/ 300؛ وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص164؛ وشرح التصريح 2/ 184.
الإعراب: كلما: ظرف زمان متعلق بـ"قلنا" يتضمن معنى الشرط غير الجازم. نادى: فعل ماض. مناد: فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة لأنه اسم منقوص. منهم: جار ومجرور متعلقان بمحذوف نعت لـ"مناد". يا: حرف نداء واستغاثة. لتيم: اللام للاستغاثة. "تيم": اسم مجرور لفظًا منصوب محلًا على أنه مفعول به لفعل الاستغاثة المحذوف تقديره: "أدعو"، وهو مضاف. الله: مضاف إليه مجرور. قلنا: فعل ماض، "ونا": ضمير في محل رفع فاعل. يا: حرف نداء واستغاثة. لمال: اللام: للاستغاثة حرف جر زائد، "مال": اسم مجرور لفظًا منصوب محلًا على أنه مفعول به لفعل الاستغاثة المحذوف تقديره: "أدعو".
وجملة "كلما نادى ... قلنا" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "نادى" في محل جر بالإضافة. وجملة "يا لتيم": في محل نصب مفعول به. وجملة "قلنا": جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب. وجملة "يا لمال": في محل نصب مقول القول.
الشاهد فيه قوله: "يا لمال": حيث رخم المنادى المستغاث به، وأصله: "يا لمالك" والمستغاث به لا يرخم، وهذا شاذ.(3/70)
فضرورة أو شاذ، وأجاز ابن خروف ترخيم المستغاث إذا لم يكن فيه اللام كقوله "من الوافر":
926-
أَعَام لَكَ ابنُ صَعْصَعَةَ بْنِ سَعْدٍ ... "تمناني ليقتلني لقيط"
والصحيح ما مر.
612-
ومع الآخر احذف الذي تلا ... إن زيد لينا ساكنا مكملا
"وَمَعَ" حذف الحرف "الآخِرِ" في الترخيم "احْذِفِ" الحرف "الَّذِي تَلاَ" أي الذي تلاه الآخر وهو ما قبل الآخر ولكن بشروط أربعة: الأول وإليه أشار بقوله "إنْ زِيدَ" أي إن كان ما قبل الآخر زائدًا، فإن كان أصليا لم يحذف نحو مختار ومنقاد علمين لأن الألف فيهما منقلبة عن عين الكلمة، فتقول: "يا مختا"، و"يا منقا".
الثاني: أن يكون "لينًا" أي حرف لين وهو الألف والواو والياء، فإن كان صحيحًا لم يحذف سواء كان متحركًا نحو: "سفرجل" أو ساكنًا نحو: "قمطر" فتقول: "يا سفرج" و"يا قمط" خلافًا للفراء في "قمطر" فإنه يجيز "يا قم" بحذف حرفين.
والثالث: أن يكون "سَاكِنًا" فإن كان متحركًا لم يحذف، نحو: "هبيخ" و"قنور" فتقول: "يا هبخ" و"يا قنو".
__________
936- التخريج: البيت للأحوص بن شريح الكلابي في المقاصد النحوية 4/ 300.
الإعراب: أعام: الهمزة للنداء، "عام": منادى مرخم مبني في محل نصب. لك: اللام حرف جر زائد، و"الكاف": ضمير في محل نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره: "أنادي". ابن: نعت "عامر" منصوب، وهو مضاف. صعصعة: مضاف إليه مجرور. بن: نعت "صعصعة" مجرور، وهو مضاف. سعد: مضاف إليه مجرور. تمناني: فعل ماض، و"النون": للوقاية، و"الياء": ضمير متصل في محل نصب مفعول به، ليقتلني: اللام للتعليل، "يقتلني": فعل مضارع منصوب، والنون": للوقاية، و"الياء": ضمير في محل نصب مفعول به، والمصدر المؤول من "أن المضمرة" والفعل "يقتلني" مجرور باللام، والجار والمجرور متعلقان بالفعل "تمناني". لقيط: فاعل مرفوع لأحد الفعلين المتقدمين على التنازع.
وجملة "أناديك يا عامر بن صعصعة": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "تمناني": استئنافية لا محل لها. وجملة "يقتلني": صفة الموصول الحرفي لا محل لها.
الشاهد فيه قوله: "أعام" حيث حذف لام الاستغاثة من المستغاث به المرخم، وأصله "أعامر"، وهذا شاذ لأنه لا يجوز أن يرخم المستغاث أو المندوب.(3/71)
والرابع: أن يكون "مُكَمِّلًا أَرْبَعَةً فَصَاعِدًا" فإن كان ثالثًا لم يحذف خلافًا للفراء كما في نحو: "ثمود"، و"عماد"، و"سعيد"؛ فتقول: "يا ثمو"، و"يا عما"، و"يا سعي".
فالمستكمل الشروط نحو: "أسماء" و"مروان" و"منصور" و"شملال" و"قنديل" علمًا، فتقول فيها: "يا أسم" و"يا مرو" و"يا منص" و"يا شمل" و"يا قند"، ومنه قوله "من البسيط":
927-
يَا أَسْم صَبْرًا عَلَى مَا كَانَ مِنْ حَدَثٍ ... "إن الحوادث ملقي ومنتظر"
وقوله "من الكامل":
928-
يَا مَرْو إِنَّ مَطِيَّتِي مَحْبُوسَةٌ ... "ترجو الحباء وربها لم ييأس"
__________
927- التخريج: البيت للبيد بن ربيعة في ملحق ديوانه ص346؛ والكتاب 2/ 258؛ ولأبي زبيد الطائي في ملحق ديوانه ص151؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 435؛ وللبيد أو لأبي زبيد في شرح التصريح 2/ 186؛ والمقاصد النحوية 4/ 288.
شرح المفردات: أسم: مرخم أسماء، وهو اسم امرأة، الملقي: المفاجئ. المنتظر: المرتقب.
المعنى: يخاطب الشاعر أسماء بقوله: اصبري على مصائب الأيام ونوازلها، فإن منها ما يفاجئ الإنسان ومنها ما هو مرتقب.
الإعراب: "يا": حرف نداء "أسم": منادى مرخم مبني على الضم في محل نصب. "صبرًا": مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره: "اصبري". "على ما": جار ومجرور متعلقان بـ"صبرًا". "كان": فعل ماض تام، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هو" "من حدث": جار ومجرور متعلقان بالفعل "كان". "إن": حرف مشبه بالفعل "الحوادث": اسم "إن" منصوب. "ملقي": خبر "إن" مرفوع. "ومنتظر": الواو حرف عطف، "منتظر": معطوف على "ملقي" مرفوع.
وجملة: "يا أسم" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "اصبري صبرًا" استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "كان من حدث" صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وجملة "إن الحوادث ملقي" استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "يا أسم" حيث رخم اسم العلم بحذف آخره، وهو الهمزة مع حرف المد الذي هو الألف، والأصل: "يا أسماء".
928- التخريج: البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 348؛ وخزانة الأدب 6/ 347؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 505؛ وشرح التصريح 2/ 1876؛ والكتاب 2/ 257؛ واللمع ص199؛ والمقاصد النحوية 4/ 292؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 62؛ وشرح المفصل 2/ 22.
اللغة: شرح المفردات: يا مرو: أي يا مروان. المطية: الدابة التي تركب. محبوسة: أي واقفة =(3/72)
613-
أربعة فصاعدًا والخلف في ... واو وياء بهما فتح قفي
"وَالخُلفُ فِي وَاوٍ وَيَاءٍ" استكملا الشروط المتقدمة لكن "بِهِمَا فَتْحٌ قُفِي" نحو: "فرعون" و"غرنيق" علمًا، فذهب الجرمي والفراء إلى أنه يحذف مع الآخر كالذي قبله حركة مجانسة، فيقال: "يا فرع" و"يا غرن"، قال في شرح الكافية: وغيرهما لا يجيز ذلك، بل يقول: "يا غرني" و"يا فرعو".
تنبيه: يقال في ترخيم "مصطفون" و"مصطفين" علمين: "يا مصطف" قولًا واحدًا، كما نبه عليه في شرح الكافية لأن الحركة المجانسة فيهما مقدرة، لأن أصله "مصطفيون" و"مصطفيين"، وإليه أشار في التسهيل بقوله: مسبوق بحركة مجانسة ظاهرة أو مقدرة.
"ترخيم الاسم المركب":
614-
والعجز احذف من مركب وقل ... ترخيم جملة وذا عمرو نقل
"وَالعَجُزَ احْذِفْ مِنْ مُرَكَّبٍ" تركيب مزج نحو: "بعلبك" و"سيبويه"، فتقول: "يا بعل" و"يا سيب"، وكذا تفعل في المركب العددي فتقول في "خمسة عشر" علمًا: "يا
__________
= بالباب. الحباء: العطاء. ربها: صاحبها.
المعنى: يخاطب الشاعر مروان قائلًا له: إن مطيتي طال وقوفها ببابك يقيدها عطاؤك، وإن صاحبها لا يزال يؤمل العطف عليه.
الإعراب: يا: حرف نداء. مرو: منادى مرخم مبني على الضم في محل نصب بفعل النداء المحذوف. إن: حرف مشبه بالفعل. مطيتي: اسم "إن" منصوب بالفتحة منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، وهو مضاف، والياء: ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة، محبوسة: خبر "إن" مرفوع بالضمة، ترجو: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الواو للثقل. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: "هي". الحباء: مفعول به منصوب بالفتحة. وربها: الواو: حالية، و"ربها": مبتدأ مرفوع بالضمة، وهو مضاف، والهاء ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. لم: حرف جزم. ييأس: فعل مضارع مجزوم بالسكون وحرك بالكسر مراعاة للروي. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: "هو".
وجملة: "يا مرو ... " ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "ترجو ... " في محل رفع خبر ثان لـ"إن". وجملة: "ربها لم ييأس" حالية. وجملة "لم ييأس" في محل رفع خبر المبتدأ.
الشاهد فيه قوله:"يا مرو" الذي أصله "يا مروان" حيث رخمه بحذف النون، وحذف الألف قبلها، لأن قبلها ثلاثة أحرف.(3/73)
خمسة"، ومنع الفراء ترخيم المركب من العدد إذا سمي به، ومنع أكثر الكوفيين ترخيم ما آخره "ويه"، وذهب الفراء إلى أنه لا يحذف منه إلا الهاء؛ فتقول: "يا سيبوي"، وقال ابن كيسان لا يجوز حذف الجزء الثاني من المركب بل إن حذفت الحرف أو الحرفين فقلت: "يا بعلب" و"يا حضرم" لم أرَ به بأسًا، والمنقول أن العرب لم ترخم المركب وإنما أجازه النحويون قياسًا.
تنبيه: إذا رخمت "اثنا عشر" و"اثنتا عشرة" علمين حذفت العجز مع الألف قبله، فتقول: "يا اثن" و"يا اثنت" كما تفعل في ترخيمهما لو لم يركبا، نص على ذلك سيبويه، وعلته أن عجزهما بمنزلة النون ولذلك أعربا.
"وَقَل تَرْخِيمُ" علم مركب تركيب إسناد، وهو المنقول من "جُمْلَةٍ" نحو: "تأبط شرا" و"برق نحره". "وَذَا عَمْرٌو" وهو سيبويه "نَقَل" أي نقل ذلك عن العرب، قال المصنف أكثر النحويين لا يجيزون ترخيم المركب المضمن إسنادًا كتأبط شرا، وهو جائز لأن سيبويه ذكر ذلك في أبواب النسب فقال: تقول في النسب إلى "تأبط شرا": "تأبطي"، لأن من العرب من يقول: "يا تأبط"، ومنع ترخيمه في باب الترخيم، فعلم بذلك أن منع ترخيمه كثير وجواز ترخيمه قليل، وقال الشارح: فعلم أن جواز ترخيمه على لغة قليلة.
تنبيه: عمرو اسم سيبويه، وسيبويه لقبه، وكنيته أبو بشر.
[لغة من ينتظر] :
615-
وإن نويت بعد حذف ما حذف ... فالباقي استعمل بما فيه ألف
"وَإِنْ نَوَيتَ بَعْدَ حَذْفٍ مَا حُذِفْ" ما مفعول نويت: أي إذا نويت ثبوت المحذوف بعد حذفه للترخيم "فَالبَاقِيَ" من المرخم "اسْتَعْمِل بِمَا فِيهِ أُلِفْ" قبل الحذف، وتسمى هذه لغة من ينوي ولغة من ينتظر، فتقول: "يا حار" بالكسر، و"يا جعف" بالفتح، و"يا منص" بالضم، و"يا قمط" بالسكون في ترخيم حارث وجعفر ومنصور وقمطر.
تنبيهان: الأول منع الكوفيون ترخيم نحو: "قمطر" مما قبل آخره ساكن على هذه اللغة، وحجتهم ما يلزم عليه من عدم النظير، وقد تقدم مذهب الفراء فيه.(3/74)
الثاني: يستثنى من قوله بما فيه ألف مسألتان ذكرهما في غير هذا الكتاب:
الأولى: ما كان مدغمًا في المحذوف وهو بعد ألف، فإنه إن كان له حركة في الأصل حركته بها نحو: "مضار" و"محاج"، فتقول فيهما: "يا مضار" و"يا محاج" بالكسر إن كانا اسمي فاعل وبالفتح إن كانا اسمي مفعول، ونحو: "تحاج" تقول فيه: "يا تحاج" بالضم لأن أصله "تحاجج"، وإن كان أصلي السكون حركته بالفتح نحو: "أسحار" اسم بقلة، فإن وزنه "أفعال" بمثلين أولهما ساكن لا حظ له في الحركة، فإذا سمي به ورخم على هذه اللغة قيل: "يا أسحار" بالفتح، فتحركه بحركة أقرب الحركات إليه وهو الحاء، وظاهر كلام الناظم في التسهيل والكافية تعين الفتح فيه على هذه اللغة، واختلف النقل عن سيبويه فقال السيرافي: يحتم الفتح، وقال الشلوبين يختاره ويجيز الكسر، ونقل ابن عصفور عن الفراء أنه يكسر على أصل التقاء الساكنين وهو مذهب الزجاج، ونقل بعضهم عنه أيضًا أنه يحذف كل ساكن يبقى بعد الآخر حتى ينتهي إلى متحرك، فعلى هذا يقال: "يا أسح".
الثانية: ما حذف لأجل واو الجمع، كما إذا سمي بنحو "قاضون" و"مصطفون" من جموع معتل اللام فإنه يقال في ترخيمه: "يا قاضي" و"يا مصطفى"، برد الياء في الأول والألف في الثاني لزوال سبب الحذف، هذا مذهب الأكثرين وعليه مشى في الكافية وشرحها، لكنه اختار في التسهيل عدم الرد.
616-
واجعله إن لم تنو محذوفًا كما ... لو كان بالآخر وضعًا تمما
"وَاجْعَلهُ" أي اجعل الباقي في المرخم "إنْ لَمْ تَنْوِ مَحْذُوفًا كَمَا لَو كَانَ بِالآخِرِ وَضْعًا تُمِّمَا" أي كالاسم التام الموضوع على تلك الصيغة فيعطى آخره من البناء على الضم وغير ذلك من الصحة والإعلال ما يستحقه لو كان آخرًا في الوضع، فتقول: "يا حار" و"يا جعف" و"يا منص" و"يا قمط" بالضم في الجميع كما لو كانت أسماء تامة لم يحذف منها شيء.
تنبيهان: الأول لو كان ما قبل المحذوف معتلًا قدرت فيه الضمة على هذه اللغة فتقول في "ناجية": "يا ناجي" بالإسكان وهو علامة تقدير الضم ولو كان مضمومًا قدرت(3/75)
ضما غير ضمه الأول نحو: "تحاج" و"منص".
الثاني: يجوز في نحو: "يا حار بن زيد" على هذه اللغة ضم الراء وفتحها كما جاز ذلك في نحو: "يا بكر بن زيد".
617-
فقل على الأول في ثمود: "يا ... ثمو" و"يا ثمي" على الثاني بيا
"فَقُل عَلَى" الوجه "الأَوَّلِ" وهو مذهب من ينتظر "فِي" ترخيم "ثَمُودَ يا ثَمُو" بإبقاء الواو لأنها محكوم لها بحكم الحشو فلم يلزم مخالفة النظير "وَ" قل "يَا ثَمِي عَلَى" الوجه "الثَّانِي بِيَا" أي بقلب الواو ياء لتطرفها بعد ضمة كما تقول في جمع "جرو" و"دلو": "الأجري" و"الأدلي"، وإلا لزم عدم النظير؛ إذ ليس في العربية اسم معرب آخره واو لازمة قبلها ضمة فخرج بالاسم الفعل نحو: "يدعو"، وبالمعرب المبني، نحو: "هو" و"ذو" الطائية، وبذكر الضم نحو: "دلو" و"غزو"، وباللزوم نحو: "هذا أبوك"، وقل في ترخيم نحو: "صميان" و"كروان" على الأول: "يا صمي" و"يا كرو" بفتح الياء والواو لما سبق، وعلى الثاني: "يا صما" و"يا كرا" بقلبهما ألفا لتحركهما وانفتاح ما قبلهما مع عدم المانع الذي سيأتي بيانه كما فعل بـ"رمى" و"دعا"، وقل في ترخيم "سقاية" و"علاوة" على الأول: "يا سقاي" و"يا علا" وبفتح الياء والواو، وعلى الثاني: "يا سقاء" و"يا علاء" بقلبهما همزة لتطرفهما بعد ألف زائدة كما فعل برشاء وكساء، وقل في ترخيم: "لات" مسمى به على الأول: "يا لا" وعلى الثاني: "يا لاء" بتضعيف الألف؛ لأنه لا يعلم له ثالث يرد إليه، وقل في ترخيم "ذات" على الأولى: "يا ذا" وعلى الثاني: "يا ذوا" برد المحذوف، وقل في ترخيم "سفيرج" تصغير "سفرجل" على الأول: "يا سفير" وعلى الثاني: "يا سفير" عند الأكثرين وقال الأخفش: "يا سفيرل" برد اللام المحذوفة لأجل التصغير، وفروع هذا الباب كثيرة جدًا وفيما ذكرناه كفاية.
618-
والتزم الأول في كمسلمه ... وجوز الوجهين في كمسلمه
"وَالتَزِمِ الأَوَّلَ فِي" موضعين؛ الأول: ما يوهم تقدير تمامه تذكير مؤنث "كَمُسْلِمَة" وحارثة وحفصة فتقول فيه: "يا مسلم" و"يا حارث" و"يا حفص" بالفتح؛ لئلا يلتبس(3/76)
بنداء مذكر لا ترخيم فيه، والثاني: ما يلزم بتقدير تمامه عدم النظير كطيلسان في لغة من كسر اللام مسمى به فتقول فيه: "يا طيلس" بالفتح على نية المحذوف ولا يجوز الضم لأنه ليس في الكلام "فيعل" صحيح العين إلا ما ندر من نحو: "صيقل" اسم امرأة و"عذاب بَيئس" في قراءة بعضهم، ولا "فيعل" معتلها بل التزم في الصحيح الفتح كضيغم وفي المعتل الكسر كسيد وصيب وهين وكحبليات وحبلوى وحمراوى فتقول فيها: "يا حبلى" و"يا حبلو" و"يا حمراو" بفتح الياء والواو على نية المحذوف ولا يجوز القلب على نية الاستقلال لما يلزم عليه من عدم النظير وهو كون ألف "فعلى" وهمزة "فعلاء" مبدلتين وهما لا يكونان إلا للتأنيث.
تنبيه: ذكر الناظم هذا السبب الثاني في الكافية والتسهيل ولم يذكره هنا لعله لأجل أنه مختلف فيه فاعتبره الأخفش والمازني والمبرد، وذهب السيرافي وغيره إلى عدم اعتباره وجواز الترخيم فيما تقدم والتمام.
"وَجَوِّزِ الوَجْهَينِ فِي" ما هو "كَمَسْلَمَهْ" بفتح الأول اسم رجل لعدم المحذورين المذكورين، فتقول: "يا مسلم" بفتح الميم وضمها.
تنبيه: الأكثر فيما جاز فيه الوجهان الوجه الأول وهو أن ينوي المحذوف كما نص عليه في التسهيل، وعبارته تقدير ثبوت المحذوف للترخيم أعرف من تقدير التمام بدونه.
619-
"ولاضطرار رخموا دون ندا ... "مَا لِلنِّدَا يَصْلُحُ نَحْوُ أَحْمَدَا"
أي: يجوز الترخيم في غير النداء بشروط ثلاثة:
الأول: الاضطرار إليه فلا يجوز ذلك في السعة.
الثاني: أن يصلح الاسم للنداء نحو: "أحمد"؛ فلا يجوز في نحو: "الغلام"، ومن ثم خطئ من جعل من ترخيم الضرورة، قوله "من الرجز":
أَوَالفَا مَكَّةَ مِنْ وُرْقِ الحَمِي1
__________
1 تقدم بالرقم 707.(3/77)
كما ذكره ابن جني في المحتسب والأصل "الحمام" فحذف الألف والميم الأخيرة لا على وجه الترخيم لما ذكرناه، ثم كسر الميم الأولى لأجل القافية.
الثالث: أن يكون إما زائدًا على الثلاثة أو بتاء التأنيث، ولا تشترط العلمية ولا التأنيث بالتاء عينًا كما أفهمه كلامه ونص عليه في التسهيل ومنه قوله "من الخفيف":
929-
لَيسَ حَيٌّ عَلَى المُنَونِ بِخَالِ
أي: بخالد:
تنبيه: اقتضى كلامه أن هذا الترخيم جائز على اللغتين وهو على لغة التمام إجماع كقوله "من الطويل":
930-
لَنِعْمِ الفَتَى تَعْشُو إلَى ضَوءِ نَارِهِ ... طَرِيفُ بنُ مَالٍ لَيلَةَ الجُوعِ وَالخَصَرْ
__________
929- التخريج: البيت لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص105؛ والدرر 3/ 47؛ والمقاصد النحوية 4/ 261، وبلا نسبة في همع الهوامع 1/ 181. وروايته في الديوان:
ليس رسم على الدفين ببالي ... فلوي ذروة فجنبي أثال
اللغة: الرسم: ما بقي من آثار الديار. الدفين: واد قريب من مكة. المنون: الموت. اللوي: الموضع الذي يلتوي فيه الرمل أو الوادي. ذروة. من بلاد غطفان.
الإعراب: ليس: فعل ماض ناقص. حي: اسم "ليس" مرفوع بالضمة، على المنون: جار ومجرور متعلقان بـ"خال". بخال: "الباء": حرف جر زائد، و"خال": اسم مجرور لفظًا منصوب محلًا على أنه خبر "ليس".
وجملة "ليس رسم بخال": ابتدائية لا محل لها.
الشاهد فيه قوله: "بخال"، والأصل: بخالد، فرخمه الشاعر في غير النداء للضرورة الشعرية، وهو ليس علمًا، مما يؤيد مذهب الذين لم يشترطوا العلمية في الترخيم.
930- التخريج: البيت لامرئ القيس في ديوانه ص142؛ وتذكرة النحاة ص420؛ والدرر 3/ 48؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 451؛ وشرح التصريح 2/ 190؛ والكتاب 2/ 254؛ والمقاصد النحوية 4/ 280؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص239؛ وشرح ابن عقيل ص537؛ وهمع الهوامع 1/ 181.
شرح المفردات: تعشو: تنظر إلى ناره ليلًا. ابن مال: أي ابن مالك. الخصر: شدة البرد.
المعنى: يمدح الشاعر طريف بن مالك بأنه رجل كريم يستضاء بناره ويقصد إذا نما اشتد الجوع والبرد.
الإعراب: "لنعم": اللام موطئة للقسم، "نعم": فعل ماض جامد لإنشاء المدح. "الفتى": فاعل مرفوع. "تعشو": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنت". "إلى ضوء": جار ومجرور متعلقان بـ"تعشو"، وهو مضاف. "ناره": مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، والهاء ضمير في محل جر =(3/78)
أراد ابن مالك؛ فحذف الكاف وجعل ما بقي من الاسم بمنزلة اسم له لم يحذف منه شيء ولهذا نونه.
وأما على لغة من ينتظر فأجازه سيبويه ومنعه المبرد، ويدل للجواز قوله "من الوافر":
931-
ألاَ أضْحَتْ حِبَالُكُمُ رِمَامَا ... وَأَضْحَتْ مِنْكَ شَاسِعَةً أُمَامَا
هكذا رواه سيبويه، ورواه المبرد:
وَمَا عَهْدِي كَعَهْدِكِ يَا أُمَامَا1
__________
= بالإضافة. "طريف": مبتدأ مؤخر مرفوع أو خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "هو". "بن": نعت "طريف" مرفوع، وهو مضاف. "مال": مضاف إليه مرخم مجرور. "ليلة": ظرف زمان منصوب، متعلق بـ"تعشو"، وهو مضاف. "الجوع": مضاف إليه مجرور. "والخصر": الواو حرف عطف، "الخصر": معطوف على "الجوع"، وسكن للضرورة الشعرية.
وجملة: "نعم الفتى" في محل رفع خبر مقدم للمبتدأ. وجملة "تعشو" في محل نصب حال.
الشاهد فيه قوله: "مال" حيث رخم من غير أن يكون منادى، وذلك للضرورة لأنه صالح للنداء.
931- التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص221؛ وخزانة الأدب 2/ 365؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 594؛ وشرح التصريح 2/ 190؛ والكتاب 2/ 270؛ والمقاصد النحوية 4/ 282؛ ونوادر أبي زيد ص31؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص240؛ والإنصاف 1/ 353؛ وأوضح المسالك 4/ 70؛ وشرح عمدة الحافظ ص313.
شرح المفردات: الحبال: هنا أواصر الألفة. الرمام: البالية أو المقطعة. الشاسعة: البعيدة. أماما: أي: أمامة.
المعنى: يقول: إن أواصر المحبة والألفة قد رمت، وأصبحت أمامة بعيدة عنك بعدًا شاسعًا، لا سبيل إلى عودتها.
الإعراب: "ألا": حرف استفتاح أو تنبيه. "أضحت": فعل ماض ناقص، والتاء للتأنيث. "حبالكم": اسم "أضحى" مرفوع، وهو مضاف، "كم": ضمير في محل جر بالإضافة. "رمامًا": خبر "أضحى" منصوب بالفتحة. "وأضحت":" الواو حرف عطف، "أضحت": فعل ماض ناقص، والتاء للتأنيث. "منك": جار ومجرور متعلقان بـ"شاسعة". "شاسعة": خبر "أضحى" منصوب. "أماما": اسم "أضحى" مرفوع بالضمة على الحرف المحذوف للترخيم.
وجملة: "ألا أضحت ... " ابتدائية لا محل لها من الإعراب. جملة: "أضحت منك ... " معطوفة على الجملة السابقة.
الشاهد فيه قوله: "أماما" حيث رخم في غير النداء للضرورة، وترك الميم على لفظها مفتوحة على لغة من ينتظر، وهي في غير موضع الرفع.
1 تقدم بالرقم 707.(3/79)
قال في شرح الكافية: والإنصاف يقتضي تقرير الروايتين ولا تدفع إحداهما بالأخرى واستشهد سيبويه أيضًا بقوله "من البسيط":
932-
إنَّ ابنَ حَارِثَ إنْ أشْتَقْ لِرُؤْيَتِهِ ... أو أمْتَدِحْهُ فَإنَّ النَّاسَ قَدْ عَلِموا
خاتمة: قال في التسهيل: ولا يرخم في غيرها -يعني في غير الضرورة- منادى عار من الشروط إلا ما شذ من "يا صاح"، و"أطرق كرا"1 على الأشهر؛ إذ الأصل: "صاحب" و"كروان"، فرخما مع عدم العلمية شذوذًا، وأشار بالأشهر إلى خلاف المبرّد فإنه زعم أنه ليس مرخمًا، وإن ذكر "الكروان" يقال له "كرًا"، والله أعلم.
__________
932- التخريج: البيت لابن حبناء "أوس بن حبناء أو المغيرة بن حبناء" في الدرر 3/ 48؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 527؛ وشرح التصريح 2/ 190؛ والكتاب 2/ 272؛ والمقاصد النحوية 283؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص241؛ والمقرب 1/ 188: وهمع الهوامع 1/ 181.
المعنى: إذا اشتقت لرؤية بن حارثة، وإذا مدحته فإن الناس تعلم بما أفعل.
الإعراب: "إن": حرف مشبه بالفعل. "ابن": اسم "إن" منصوب بالفتحة. "حارث": مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على التاء المحذوفة للترخيم. "إن": حرف شرط جازم. "أشتق": فعل مضارع مجزوم بالسكون لأنه فعل الشرط، و"الفاعل": ضمير مستتر تقديره "أنا". "لرؤيته": جار ومجرور متعلقان بـ"أشتق"، و"الهاء": ضمير متصل في محل جر مضاف إليه."أو أمتدحه": "أو: للعطف، "أمتدحه": فعل مضارع مجزوم بالسكون، عطفًا على فعل الشرط، والفاعل: ضمير مستتر تقديره "أنا"، و"الهاء": ضمير متصل في محل نصب مفعول به. "فإن": "الفاء": رابطة لجواب الشرط، "إن": حرف مشبه بالفعل."الناس": اسم إن منصوب بالفتحة. "قد": حرف تحقيق. "علموا": فعل ماض مبني على الضم، و"الواو": ضمير متصل في محل رفع فاعل.
وجملة "إن ابن حارث ... ": ابتدائية لا محل لها. وجملة "فعل الشرط وجوابه": في محل رفع خبر "إن". وجملة "أمتدحه": معطوفة على جملة فعل الشرط. وجملة "فإن الناس ... ": في محل جزم جواب الشرط. وجملة "علموا": في محل رفع خبر "إن".
والشاهد فيه قوله: "ابن حارث" حيث رخم "حارثة" فحذف تاءها، وهو هنا غير منادى، وذلك لضرورة الشعر.
1 هذا القول من أمثال العرب وقد تقدم تخريجه.(3/80)
الاِخْتِصَاصُ:
"حقيقته والفرق بينه وبين النداء":
620-
الاختصاص كنداء دون يا ... كـ"أيها الفتى" بإثر "ارجونيا"
"الاِخْتِصَاصُ": قصر الحكم على بعض أفراد المذكور وهو خبر "كَنِدَاءٍ" أي: جاء على صورة النداء لفظًا توسعًا كما جاء الخبر على صورة الأمر والأمر على صورة الخبر والخبر على صورة الاستفهام والاستفهام على صورة الخبر لكنه يفارق النداء في ثمانية أحكام:
الأول: أنه يكون "دُونَ يَا" وأخواتها لفظًا ونية.
الثاني: أنه لا يقع في أول الكلام بل في أثنائه، وقد أشار إليه بقوله "كَأَيُّهَا الفَتَى بِإِثْرِ ارْجُونيَا".
والثالث: أنه يشترط أن يكون المقدم عليه اسمًا بمعناه.
الرابع والخامس: أنه يقلّ كونه علمًا وأنه ينصب مع كونه مفردًا.
السادس: أنه يكون بأل قياسًا كما سيأتي أمثلة ذلك.
السابع: أن "أيا" توصف في النداء باسم الإشارة وهنا لا توصف به.
الثامن: أن المازني أجاز نصب تابع "أي" في النداء ولم يحكوا هنا خلافًا في وجوب رفعه، وفي الارتشاف: لا خلاف في تابعها أنه مرفوع.(3/81)
"أنواع الاسم المخصوص":
واعلم أن المخصوص وهو الاسم الظاهر الواقع بعد ضمير يخصه أو يشارك فيه على أربعة أنواع:
الأوّل: أن يكون "أيها" و"أيتها"؛ فلهما حكمهما في النداء وهو الضمّ، ويلزمهما الوصف باسم محلى بـ"أل" لازم الرفع، نحو: "أنا أفعل كذا أيها الرجل"، و"اللهم اغفر لنا أيتها العصابة".
والثاني أن يكون معرفًا بـ"أل" وإليه الإشارة بقوله:
621-
"وَقَدْ يُرَى ذَا دُونَ أيَ تِلوَ أل ... كَمِثْلِ نَحْنُ العُرْبَ أسْخَى مَنْ بَذَل"
بالذال المعجمة أي أعطى.
والثالث: أن يكون معرفًا بالإضافة كقوله صلى الله عليه وسلّم: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث"، وقوله "من الرجز":
933-
نَحْنُ بَنِي ضَبَّةَ أصْحَابُ الجَمَل ... "ننعي ابن عفان بأطراف الأسل"
__________
933- التخريج: الرجز للحارث الضبي في الدرر 3/ 13؛ وللأعرج المعني في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص291؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 9/ 522؛ ولسان العرب 6/ 229 "ندس"، 11/ 123 "بجل"، 552 "جمل"؛ وهمع الهوامع 1/ 171.
اللغة والمعنى: بنو ضبة: قبيلة، أبوهم ضبة بن أد. الجمل: هو الجمل الذي ركبته أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق يوم خرجت لقتال علي بن أبي طالب، مطالبة بثأر عثمان بن عفان رضي الله عنه. النعي: الإخبار بالموت. الأسل: الرماح.
يقول: إن قومه بني ضبة هم الذين ناصروا عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- مطالبين بثأر عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بحد السيف.
الإعراب: نحن: ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ. بني: مفعول به منصوب على الاختصاص وعلامة نصبه الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وهو مضاف. ضبة: مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف. أصحاب: خبر المبتدأ مرفوع، وهو مضاف. الجمال: مضاف إليه مجرور وسكن للضرورة. ننعي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر، والفاعل: نحن. ابن: مفعول به منصوب، وهو مضاف. عفان: مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية وزيادة الألف =(3/82)
قال سيبويه: وأكثر الأسماء دخولا في هذا الباب "بنو فلان" و"معشر" مضافا، و"أهل البيت" و"آل فلان".
والرابع: أن يكون علمًا، وهو قليل، ومنه قوله "من الرجز":
934-
بِنَا تَمِيما يُكْشَفُ الضَّبَابُ
ولا يدخل في هذا الباب نكرة ولا اسم إشارة.
تنبيه: لا يقع المختص مبنيا على الضم إلا بلفظ "أيها" و"أيتها"، وأما غيرهما فمنصوب وناصبه فعل واجب الحذف تقديره أخص، واختلف في موضع "أيها" و"أيتها": فمذهب الجمهور أنهما في موضع نصب بأخص أيضًا وذهب الأخفش إلى أنه منادى ولا ينكر أن ينادي الإنسان نفسه، ألا ترى إلى قول عمر رضي الله عنه: كل الناس أفقه منك يا عمر، وذهب السيرافي إلى أن أيا في الاختصاص معربة وزعم أنها تحتمل وجهين: أن تكون خبرًا لمبتدأ محذوف والتقدير أنا أفعل كذا، هو أيها الرجل، أي المخصوص به، وأن تكون مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير: أيها الرجل المخصوص أنا المذكور.
خاتمة: الأكثر في المختص أن يلي ضمير متكلم كما رأيت، وقد يلي ضمير مخاطب كقولهم: "بك الله نرجو الفضل"، و"سبحانك الله العظيم"، ولا يكون بعد ضمير غائب.
__________
= والنون. بأطراف: جار ومجرور متعلقان بـ"ننعي"، وهو مضاف. الأسل: مضاف إليه، وسكن للضرورة الشعرية.
وجملة "نحن بني ... " الاسمية لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية. وجملة "بني ضبة" الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها اعتراضية. وجملة:"ننعي ... " الفعلية في محل رفع خبر ثان.
والشاهد فيه قوله: "بني ضبة" حيث نصب "بني" على الاختصاص بفعل محذوف للدلالة على المدح.
934- التخريج: لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.
الإعراب: بنا: جار ومجرور متعلقان بـ"يكشف". تميمًا: مفعول به على الاختصاص. يكشف: فعل مضارع للمجهول. الضباب: نائب فاعل مرفوع.
وجملة "بنا يكشف الضباب" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة الاختصاص اعتراضية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "تميمًا"حيث نصبه على الاختصاص وهو اسم علم.(3/83)
التَّحْذِيرُ وَالإغْرَاءُ:
التحذير: تنبيه المخاطب على أمر مكروه ليجتنبه.
والإغراء تنبيهه على أمر محمود ليفعله.
وإنما ذكر ذلك بعد باب النداء لأن الاسم في التحذير والإغراء مفعول به بفعل محذوف ولا يجوز إظهاره كالمنادى على تفصيل يأتي.
واعلم أن التحذير على نوعين: الأول أن يكون بإياك ونحوه، والثاني بدونه.
فالأول يجب ستر عامله مطلقًا كما أشار إليه بقوله:
622-
"إياك والشر" ونحوه نصب ... محذر بما استتاره وجب
"إيَّاكَ وَالشَّرَّ وَنَحْوَهُ" أي نحو: إياك، كإياك، وإياكما، وإياكم، وإياكن "نَصَبْ مُحَذِّرٌ بِمَا" أي بعامل "اسْتِتَارُهُ وَجَبْ" لأنه لما كثر التحذير بهذا اللفظ جعلوه بدلًا من اللفظ بالفعل، والأصل: احذر تلاقي نفسك والشر، ثم حذف الفعل وفاعله ثم المضاف الأول وأنيب عنه الثاني فانتصب، ثم الثاني وأنيب عنه الثالث فانتصب وانفصل.
623-
ودون عطف ذا لإيا انسب وما ... سواه ستر فعله لن يلزما
"وَدُونَ عَطْفٍ ذَا" الحكم أي النصب بعامل مستتر وجوبًا "لإيَّا انْسُبْ" سواء وجد(3/84)
تكرار، كقوله "من الطويل":
فَإِيَّاكَ إيَّاكَ المِرَاءَ فَإِنَّهُ ... إلَى الشَّرِّ دَعَّاءٌ وَلِلشَّرِّ جَالِبُ1
أم لم يوجد، نحو: "إياك من الأسد"، والأصل: باعد نفسك من الأسد، ثم حذف "باعد" وفاعله والمضاف، وقيل: التقدير: أحذرك من الأسد، فنحو: "إياك الأسد" ممتنع على التقدير الأوّل وهو قول الجمهور، وجائز على الثاني2 وهو رأي الشارح وظاهر كلام التسهيل ويعضده البيت، ولا خلاف في جواز إياك أن تفعل لصلاحيته لتقدير "من"، قال في التسهيل: ولا يحذف يعني العاطف بعد "إيا" إلا والمحذور منصوب بإضمار ناصب آخر أو مجرور بـ"من"، وتقديرها مع أن تفعل كاف.
تنبيهان: الأول: ما قدمته من التقدير في "إياك والشر" هو ما اختاره في شرح التسهيل وقال: إنه أقل تكلفًا، وقيل الأصل اتق نفسك أن تدنو من الشر والشر أن يدنو منك، فلما حذف الفعل استغنى عن النفس فانفصل الضمير، وهذا مذهب كثير من النحويين منهم السيرافي واختاره ابن عصفور، وذهب ابن طاهر وابن خروف إلى أن الثاني منصوب بفعل آخر مضمر فهو عندهما من قبيل عطف الجمل.
الثاني: حكم الضمير في هذا الباب مؤكدًا أو معطوفًا عليه حكمه في غيره نحو إياك نفسك أن تفعل، وإياك أنت نفسك أن تفعل، وإياك وزيدًا أن تفعل، وإياك أنت وزيد أن تفعل.
"وَمَا سِوَاهُ" أي ما سوى ما بـ"إيا" وهو النوع الثاني من نوعي التحذير "سَتْرُ فِعْلِهِ لَنْ يَلزَمَا".
624-
إلا مع العطف أو التكرار ... كـ"الضيغم الضيغم يا ذا الساري"
"إلاَّ مَعَ العَطْفِ" سواء ذكر المحذور نحو: "ماز رأسك والسيف"، أي: يا مازنُ قِ
__________
1 تقدم بالرقم 803.
2 وذلك لأن العامل المقدر "أحذر" يتعدى إلى المفعول به الثاني بنفسه تارة، وبواسطة حرف الجر "من" تارة أخرى؛ أما الفعل "باعد" فلا يتعدى إلى المفعول به الثاني إلا بحرف الجر "من" أو بالتضمين.(3/85)
رأسك واحذر السيف، أم لم يذكر نحو: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} 1، "أَوِ التَّكْرَارِ" كذلك "كالضَّيغَمَ الضَّيغَمَ" أي الأسد الأسد "يَا ذَا السَّارِي" ونحو: "رأسك رأسك" جعلوا العطف والتكرار كالبدل من اللفظ بالفعل، فإن لم يكن عطف ولا تكرار جاز ستر العامل وإظهاره، تقول: "نفسك الشر" أي جنب نفسك الشر، وإن شئت أظهرت، وتقول: "الأسد" أي: "احذر الأسد"، وإن شئت أظهرت، ومنه قوله "من البسيط":
935-
خَلِّ الطَّرِيقَ لِمَنْ يَبْنِي المَنَارَ بِهِ ... "وابرز ببرزة حيث اضطرك القدر"
تنبيهات: الأول: أجاز بعضهم إظهار العامل مع المكرر، وقال الجزولي: يقبح ولا يمتنع.
الثاني: شمل قوله "إلا مع العطف أو التكرار" الصور الأربع المتقدمة، وكلامه في
__________
1 الشمس: 13.
935- التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص1/ 211؛ وشرح التصريح 2/ 195؛ والصاحبي في فقه اللغة ص186؛ والكتاب 1/ 254؛ ولسان العرب 5/ 310 "برز"؛ والمقاصد النحوية 4/ 307؛ وبلا نسبة في الرد على النحاة ص75؛ وشرح المفصل 2/ 30.
شرح المفردات: خل: دع. الطريق: سبيل المجد. المنار: ما يهتدي به على الطريق. ابرز: اظهر: برزة: اسم أم عمر بن لجأ.
المعنى: يهجو الشاعر عمر بن لجأ بقوله: دع طريق المجد لأهلها الذين يعرفون مسالكها، وإن اضطرك القدر إلى الظهور بأمك برزة. وهذا غاية في التحقير.
الإعراب: "خل": فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنت". "الطريق": مفعول به. "لمن": جار ومجرور متعلقان بـ"خل". "يبني": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هو". "المنار": مفعول به "به": جار ومجرور متعلقان بـ "يبني". "وابرز": الواو حرف عطف، "ابرز": فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنت". "ببرزة": جار ومجرور متعلقان بـ"ابرز"."حيث": ظرف مكان مبني في محل نصب متعلق بـ"اضطرك": فعل ماض، والكاف ضمير في محل نصب مفعول به. "القدر": فاعل مرفوع.
وجملة: "خل الطريق": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "يبني" صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وجملة: "ابرز" معطوفة على الجملة الابتدائية. وجملة "اضطرك القدر" في محل جر بالإضافة.
الشاهد فيه قوله: "خل الطريق" حيث أظهر العامل "خل"، ولو أضمره وقال: "الطريق" لكان أحسن.(3/86)
الكافية يشعر بأن الأخيرة منها وهي "رأسك رأسك" يجوز فيها إظهار العامل فإنه قال:
وَنَحْوُ رَاسَكَ كَإيَّاكَ جُعِل ... إِذِا الَّذِي يُحْذَرُ مَعْطُوفًا وُصِل
وقد صرح ولده بما تقدم.
الثالث: العطف في هذا الباب لا يكون إلا بالواو وكون ما بعدها مفعولًا معه جائز، فإذا قلت: "إياك وزيدًا أن تفعل كذا" صح أن تكون الواو واو "مع".
625-
وشذ "إياي" و"إياه" أشذ ... وعن سبيل القصد من قاس انتبذ
"وَشَذَّ" التحذير بغير ضمير المخاطب نحو "إِيَّايَ" في قول عمر رضي الله عنه: "لتذك لكم الأسل والرماح والسهام، وإياي وأن يحذف أحدكم الأرنب"، والأصل إياي باعدوا عن حذف الأرنب، وباعدوا أنفسكم عن أن يحذف أحدكم الأرنب. ثم حذف من الأول المحذور ومن الثاني المحذر، ومثل إياي إيانا "وَإِيَّاهُ" وما أشبهه من ضمائر الغيبة المنفصلة "أَشَذ" من "إياي"، كما في قول بعضهم: "إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب"، والتقدير فليحذر تلاقي نفسه وأنفس الشواب، وفيه شذوذان: مجيء التحذير فيه للغائب وإضافة "إيا" إلى ظاهر وهو "الشواب"، ولا يقاس على ذلك كما أشار إلى ذلك بقوله "وَعَنْ سَبِيلِ القَصْدِ مَنْ قَاسَ انْتَبَذْ" أي من قاس على إياي وإياه وما أشبههما فقد حاد عن طريق الصواب. اهـ.
تنبيه: ظاهر كلام التسهيل أنه يجوز القياس على "إياي"، و"إيانا" فإنه قال: ينصب محذر "إياي" و"إيانا" معطوفًا عليه المحذور فلم يصرّح بشذوذ وهو خلاف ما هنا.
626-
"وكَمُحَذِّرٍ بِلاَ إيَّا اجْعَلاَ ... مُغْرًى بِهِ فِي كلِّ مَا قَدْ فُصِّلاَ"
من الأحكام؛ فلا يلزم ستر عامله إلا مع العطف، كقوله: "المروءة والنجدة"، بتقدير:(3/87)
الزم، أو التكرار كقوله "من الطويل":
936-
أَخَاكَ أَخَاكَ إنَّ مَنْ لاَ أَخَا لَهُ ... كَسَاعٍ إلَى الهَيجَا بغَيرِ سِلاَحِ
وَإِنَّ ابْنَ عَمِّ المرءِ فَاعْلَمْ جَنَاحُهُ ... وَهَل يَنْهَضُ البَازِي بِغَيرِ جَنَاحِ
أي: ألزم أخاك، ويجوز إظهار العامل في نحو: "الصلاة جامعة"، إذ "الصلاة" نصب على الإغراء بتقدير: احضروا، و"جامعة": حال؛ فلو صرحت باحضروا جاز.
تنبيه: قد يرفع المكرر في الإغراء والتحذير، كقوله "من الخفيف":
937-
إنَّ قَومًا مِنْهُمْ عُمَيرٌ وَأَشْبَا ... هُ عُمَيرٍ وَمِنْهُمُ السَّفَّاحُ
لَجَدِيرُونَ بِالوَفَاءِ إذَا قَا ... لَ أَخُو النَّجْدَةِ السِّلاَحُ السِّلاَحُ
__________
936- التخريج: الشاهد لمسكين الدارمي في ديوانه ص29؛ والأغاني 20/ 171، 173؛ وخزانة الأدب 3/ 65، 67؛ والدرر 3/ 11؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 127؛ وشرح التصريح 2/ 195؛ والمقاصد النحوية 4/ 305؛ ولمسكين أو لابن هرمة في فصل المقال ص269؛ ولقيس بن عاصم في حماسة البحتري ص245؛ ولقيس بن عاصم أو لمسكين الدارمي في الحماسة البصرية 2/ 60؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 79؛ وتخليص الشواهد ص62؛ والخصائص 2/ 480؛ والدرر 6/ 44؛ وشرح قطر الندى ص134؛ والكتاب 1/ 256.
اللغة والمعنى: ساع: قاصد. الهيجا: الحرب.
يقول: يجب على الإنسان أن يلزم أخاه في جميع الأمور، لأن المرء الذي يتخلى عن أخيه يكون كالإنسان الذي يذهب إلى الحرب بغير سلاح.
الإعراب: أخاك: مفعول به منصوب على الإغراء تقديره: "الزم أخاك"، وهو مضاف، والكاف: ضمير في محل جر بالإضافة. أخاك: توكيد للأولى. إن: حرف مشبه بالفعل. من: اسم موصول في محل نصب اسم "إن". لا: نافية للجنس. أخا: اسم "لا" منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة. له: اللام: حرف مقحم بين المضاف والمضاف إليه، والهاء: ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. والتقدير: إن الذي لا أخاه موجود. كساع: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر "لا" إلى الهيجا: جار ومجرور متعلقان بـ"ساع". بغير: جار ومجرور متعلقان بـ"ساع". وهو مضاف. سلاح: مضاف إليه ...
وجملة " ... أخاك أخاك" الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية. وجملة "إن من لا أخا له" الاسمية لا محل لها من الإعراب لأنها تعليلية، أو استئنافية. وجملة "لا أخا له" الاسمية لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول الاسمي.
والشاهد فيه وجوب الإضمار إذا كرر المغرى به، فـ"أخاك" يلزم نصبه بتقدير: الزم أخاك، و"أخاك" الثاني: توكيد.
937- التخريج: البيتان بلا نسبة في الخصائص 3/ 102؛ والدرر 3/ 11؛ والمقاصد النحوية 4/ 306؛ وهمع الهوامع 1/ 170. =(3/88)
وقال الفراء في قوله تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} 1، نصب "الناقة" على التحذير، وكل تحذير فهو نصب، ولو رفع على إضمار هذه لجاز فإن العرب قد ترفع ما فيه معنى التحذير، اهـ.
خاتمة: قال في التسهيل: ألحق بالتحذير والإغراء في التزام إضمار الناصب مثل وشبهه، نحو: "كليهما وتمرًا"2، و"امرأ ونفسه"، و"الكلاب على البقر"3، و"أَحشفا وسوء كِيلة"4، و"من أنت زيدًا"، و"كل شيء ولا هذا"، أو "ولا شتيمة حر"، و"هذا ولا
__________
= الإعراب: إن: حرف مشبه بالفعل. قومًا: اسم "إن" منصوب. منهم: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. عمير: مبتدأ مؤخر. وأشباه "الواو": حرف عطف، "أشباه": معطوف على "عمير" مرفوع، وهو مضاف. عمير: مضاف إليه مجرور. ومنهم: "الواو": حرف عطف، "منهم": جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. السفاح: مبتدأ مؤخر. لجديرون: اللام المزحلقة، "جديرون": خبر "إن" مرفوع بالواو. بالوفاء: جار ومجرور متعلقان بـ"جديرون". إذا: ظرف زمان متعلق بـ"جديرون". قال: فعل ماض. أخو: فاعل مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. النجدة: مضاف إليه مجرور بالكسرة. السلاح: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "هو". السلاح: توكيد لفظي للأولى.
وجملة "إن قومًا لجديرون": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "منهم عمير": في محل نصب نعت "قومًا". وجملة "منهم السفاح": معطوفة على سابقتها. وجملة "قال": في محل جر بالإضافة. وجملة "السلاح السلاح": في محل نصب مقول القول.
الشاهد فيه قوله: "السلاح السلاح" حيث رفع المكرر في الإغراء والتحذير، وكان من حقه النصب.
1 الشمس: 13.
2 هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في جمهرة الأمثال 2/ 147؛ والفاخر ص149؛ وفصل المقال ص110؛ وكتاب الأمثال ص200؛ والمستقصى 2/ 231؛ ومجمع الأمثال 2/ 151، 287 ويروى: "كلاهما "أو: كليهما، أو: كلتاهما" وتمرا".
قال ذلك رجل مر بإنسان وبين يديه زيد وسنام وتمر، فقال له الرجل: أنلني مما بين يديك. قال: أيهما أحب إليك: زبد أم سنام؟ فقال الرجل: كلاهما وتمرًا، أي: كلاهما أريد، وأريد تمرًا.
يضرب في كل موضع خير فيه الرجل بين شيئين، وهو يريدهما معًا.
3 هذا القول من أمثال العرب وقد ورد في جمهرة الأمثال 2/ 169؛ والحيوان 1/ 260؛ والعقد الفريد 3/ 116؛ وفصل المقال ص400؛ وكتاب الأمثال ص284؛ ولسان العرب 1/ 715 "كرب"، 722 "كلب"؛ والمستقصى 1/ 330، 341؛ ومجمع الأمثال 2/ 142.
يضرب في النهي عن الدخول بين قوم بعضهم أولى ببعض. والمعنى أن بقر الوحش جرت العادة على اصطيادهم بالكلاب، فهي أولى، فاتركها وشأنها. وقيل: قال المثل راع لراعية كانت ترعى البقر، وقد راودها عن نفسها، قالت: كيف أصنع بالبقر؟ فقال ذلك. ويروي المثل بنصب "الكلاب" على إضمار فعل محذوف، بالرفع على الابتداء.
4 هذا القول من أمثال العرب وقد ورد في جمهرة الأمثال 1/ 101، وجمهرة اللغة ص537، 983؛ وزهر(3/89)
زعماتك، و"إن تأت فأهل الليل وأهل النهار"، و"مرحبًا وأهلًا وسهلًا"، و"عذيرك"، و"ديار الأحباب"، بإضمار: أعطني، ودع، وأرسل، وأتبيع، وتذكر، واصنع، ولا ترتكب، ولا أتوهم، وتجد، وأصبت، وأتيت، ووطئت، وأحضر، واذكر.
ثم قال: وربما قيل كلاهما وتمرًا، وكل شيء ولا شتيمة حر، ومن أنت زيد، أي كلاهما لي، وزدني، وكل شيء أمم1 ولا ترتكب، ومن أنت كلامك زيد أو ذكرك1، والله أعلم.
__________
الأكم 2/ 124؛ والعقد الفريد 3/ 128؛ والمقال ص374؛ وكتاب الأمثال ص261؛ ولسان العرب 9/ 47 "حشف"، 11/ 604 "كيل"؛ والمستقصى 1/ 687؛ ومجمع الأمثال 1/ 207.
الحشف: رديء التمر. الكيلة: نوع من الكيل. ونصبوا "حشفًا" بفعل تقديره: أتجمع.
يضرب لمن يجمع بين خصلتين مكروهتين.
1 أمم: سهل يسير.
2 ذكرك: الذي تذكره وتتحدث عنه، فهو من باب إطلاق المصدر والمراد به اسم المفعول.(3/90)
أسماءُ الأفعالِ والأصواتِ:
"حقيقة اسم الفعل":
627-
ما ناب عن فعل كشتان وصه ... هو اسم فعل وكذا أوه ومه
"مَا نَابَ عَنْ فِعْلٍ" في العمل ولم يتأثر بالعوامل ولم يكن فضلة "كَشَتَّانَ وَصَهْ هُوَ اسْمُ فِعْلٍ وَكَذَا أَوَّهْ وَمَهْ".
فما ناب عن فعل جنس يشمل اسم الفعل وغيره مما ينوب عن الفعل، والقيد الأوَّل -وهو لم يتأثر بالعوامل- فصل يخرج المصدر الواقع بدلًا من اللفظ بالفعل واسم الفاعل ونحوهما، والقيد الثاني -وهو لم يكن فضلة- لإخراج الحروف؛ فقد بان لك أن قوله كشتان تتميم للحدّ: فشتان: ينوب عن افترق، وصه ينوب عن اسكت، و"أوَّه": عن أتوجع، و"مهْ" عن انكفف، وكلها لا تتأثر بالعوامل وليست فضلات لاستقلالها.
تنبيهان: الأوَّل كون هذه الألفاظ أسماء حقيقة هو الصحيح الذي عليه جمهور البصريين، وقال بعض البصريين: إنها أفعال استعملت استعمال الأسماء، وذهب الكوفيون إلى أنها أفعال حقيقية، وعلى الصحيح فالأرجح أن مدلولها لفظ الفعل لا الحدث والزمان بل تدل على ما يدل على الحدث والزمان كما أفهمه كلامه، وقيل: إنها تدل على الحدث والزمان كالفعل لكن بالوضع لا بأصل الصيغة، وقيل: مدلولها المصادر، وقيل: ما سبق استعماله في ظرف أو مصدر باق على اسميته كرويد زيدًا ودونك زيدًا، وما عداه فعل كنزال وصهْ، وقيل: هي قسم برأسه يسمى خالفة الفعل.
الثاني: ذهب كثير من النحويين منهم الأخفش إلى أن أسماء الأفعال لا موضع لها من الإعراب، وهو مذهب المصنف، ونسبه بعضهم إلى الجمهور, وذهب المازني ومن وافقه(3/91)
إلى أنها في موضع نصب بمضمر، ونقل عن سيبويه وعن الفارسي القولان. وذهب بعض النحاة إلى أنها في موضع رفع بالابتداء وأغناها مرفوعها عن الخبر كما أغنى في نحو "أقائم الزيدان".
628-
وما بمعنى افعل كـ"آمين" كثر ... وغيره كـ"وي وهيهات" نزر
"وَمَا بِمَعْنَى افْعَل كآمِينَ كَثُرْ" ما موصول مبتدأ وما بعده صلته وكثر خبره: أي ورود اسم الفعل بمعنى الأمر كثير، من ذلك "آمين" بمعنى استجب، و"صه" بمعنى اسكت، و"مه" بمعنى انكفف، و"تيد" و"تيدخ" بمعنى أمهل، و"هيت، وهيا" بمعنى أسرع، و"ويها" بمعنى أغر، و"إيه" بمعنى امض في حديثك، و"حيهل" بمعنى ائت أو أقبل أو عجل، ومنه باب نزال وقد مر أنه مقيس من الثلاثي، وأن "قرقار" بمعنى قرقر و"عرعار" بمعنى عرعر شاذ.
تنبيه: في "آمين" لغتان: أمين بالقصر على وزن "فعيل"، و"آمين" بالمد على وزن "فاعيل"، وكلتاهما مسموعة، فمن الأولى قوله "من الطويل":
938-
تَبَاعَدَ مِنِّى فَطحلٌ وَابْنُ أُمِّهِ ... أَمِينَ فَزَادَ اللَّهُ مَا بَينَنَا بُعْدَا
__________
938- التخريج: البيت لجبير بن الأضبط في تهذيب إصلاح المنطق 2/ 42؛ وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص179؛ وشرح المفصل 4/ 34؛ ولسان العرب 11/ 5187 "فحطل"، 11/ 528 "فطحل"، 13/ 27 "أمن".
اللغة والمعنى: فطحل: اسم رجل.
الإعراب: تباعد: فعل ماض. مبني: جار ومجرور متعلقان بـ"تباعد" فطحل: فاعل مرفوع. وابن: الواو: حرف عطف، ابن: اسم معطوف على "فطحل" مرفوع مثله، وهو مضاف. أمه: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، و"الهاء": ضمير في محل جر مضاف إليه. أمين: اسم فعل أمر بمعنى "استجب" والفاعل: أنت. فزاد: الفاء: حرف عطف، زاد: فعل ماض. الله: اسم الجلالة فاعل مرفوع. ما: اسم موصول في محل نصب مفعول به أول. بيننا: ظرف متعلق بمحذوف تقديره: "استقر"، وهو مضاف، نا: ضمير في محل جر بالإضافة. بعدًا: مفعول به ثان.
وجملة "تباعد مني ... " الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية. وجملة "أمين" الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها استئنافية. وجملة "زاد الله" الفعلية معطوفة على جملة لا محل لها من الإعراب. وجملة "استقر بيننا" الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول.
والشاهد فيه قوله: "أمين" حيث جاء بقصر الألف مع تخفيف الميم، وهي لغة في "آمين".(3/92)
ومن الثانية قوله "من البسيط":
939-
"يا رب لا تسلبني حبها أبدا" ... وَيَرْحَمُ اللَّهُ عَبْدًا قَالَ آمِينَا
وعلى هذه اللغة فقيل: إنه عجمي معرّب؛ لأنه ليس في كلام العرب "فاعيل"، وقيل: أصله أمين بالقصر فأشبعت فتحة الهمزة فتولدت الألف كما في قوله "من الرجز":
940-
أَقُولُ إذْ خَرَّتْ عَلَى الكَلكَالِ ... "يا ناقتا ما جلت من مجال"
__________
939- التخريج: البيت للمجنون في ديوانه ص219؛ ولعمر بن أبي ربيعة في لسان العرب 13/ 27 "أمن"، وليس في ديوانه؛ وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص179؛ وإنباه الرواة 3/ 282؛ وشرح المفصل 4/ 34.
الإعراب: يا: حرف نداء. رب: منادى منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل الياء المحذوفة للتخفيف، وهو مضاف، والياء: في محل جر بالإضافة. لا: الناهية، وهنا، دعائية. تسلبني: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، في محل جزم بـ"لا"، والفاعل: أنت، والنون: للوقاية، والياء: ضمير في محل نصب مفعول به أول. حبها: مفعول به ثان منصوب، وهو مضاف، ها: ضمير في محل جر بالإضافة. أبدًا: ظرف متعلق بـ"تسلب". ويرحم: الواو: حرف استئناف، يرحم: فعل مضارع مرفوع. الله: اسم الجلالة فاعل مرفوع. عبدًا: مفعول به منصوب. قال: فعل ماض، والفاعل: هو. آمينا: اسم فعل أمر بمعنى "استجب" والفاعل: أنت. والألف: للإطلاق.
وجملة "يا رب ... " الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية. وجملة "لا تسلبني" الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها استئنافية. وجملة "يرحم الله ... " الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها استئنافية. وجملة "قال آمينا" الفعلية في محل نعت "عبدًا". وجملة "آمينا" في محل نصب مفعول به.
والشاهد فيه قوله: "آمينا"، وهذه في اللغة الأفصح في هذه الكلمة.
940- التخريج: الرجز بلا نسبة في الجنى الداني ص178؛ ورصف المباني ص12؛ ولسان العرب 11/ 596، 597 "كلل"؛ والمحتسب 1/ 166.
اللغة: خرت: سقطت، أو انحدرت. الكلكل: الصدر من كل شيء، وقيل: هو ما مس الأرض من الحيوان إذا ربض. جلتِ: ذهبتِ وجئتِ. المجال: مكان التجوال والتطواف.
المعنى: أقول لناقتي عندما رأيتها تنحدر على صدرها تعبًا: ما كانت حصيلة دورانك ومسيرك كله؟!
الإعراب: "أقول": فعل مضارع مرفوع بالضمة، و"الفاعل": ضمير مستتر تقديره "أنا". "إذا": مفعول فيه ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بـ"أقول". "خرت": فعل ماض مبني على الفتح، و"التاء": تاء التأنيث الساكنة، و"الفاعل": ضمير مستتر تقديره "هي" "يعود على الناقة". "على الكلكال": جار ومجرور متعلقان بـ"خرت". "يا": للنداء. "ناقتا": منادى مضاف منصوب بالفتحة؛ والألف مبدلة من ياء المتكلم مبنية على السكون في محل جر بالإضافة. "ما": اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. "جلت": فعل ماض مبني على السكون، و"التاء": ضمير متصل في محل رفع فاعل، "من مجال": جار ومجرور متعلقان بـ"جلت". =(3/93)
قال ابن إياز: وهذا أولى.
"وَغَيرُهُ كَوَي وَهَيهَاتَ نَزُرْ" أي غير ما هو من هذه الأسماء بمعنى فعل الأمر قلَّ، وذلك ما هو بمعنى الماضي كشتان بمعنى افترق وهيهات بمعنى بعد، وما هو بمعنى المضارع كأوّه بمعنى أتوجع وأف بمعنى أتضجر، ووي ووا وواها بمعنى أعجب، كقوله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} 1: أي اعجب لعدم فلاح الكافرين وقول الشاعر "من الرجز":
941-
وَا بِأَبِي أَنْتِ وَفُوكِ الأَشْنَبُ ... "كأنما ذر عليه الزرنب"
__________
= وجملة "أقول": ابتدائية لا محل لها. وجملة "خرت". في محل جر بالإضافة. وجملة "يا ناقتا": في محل نصب مفعول به "مقول القول". وجملة "جلت": استئنافية لا محل لها.
الشاهد فيه قوله: "الكلكال" حيث أشبع فتحة "الكاف" في "الكلكل" فنشأت "الألف".
1 القصص: 82.
941- التخريج: الرجز لراجز من بني تميم في الدرر 5/ 304؛ وشرح شواهد المغني 2/ 786؛ والمقاصد النحوية 4/ 310؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 73؛ وجمهرة اللغة ص345، 1218؛ والجنى الداني ص4987؛ وجواهر الأدب ص287؛ وشرح التصريح 2/ 197؛ ولسان العرب 1/ 448 "زرنب"؛ ومغني اللبيب 2/ 369؛ وهمع الهوامع 2/ 106.
اللغة: شرح المفردات: وا: أعجب. بأبي: أي أفديك بأبي. الأشنب: الأبيض الأسنان الرقيقها.
ذر: نثر: الزرنب: نبات طيب الرائحة.
المعنى: يقول: بأبي أفديك وأفدي فاك المرصع بالأسنان البيضاء الرقيقة، والذي يفوح منه الطيب، وكأنه ذر عليه الزرنب.
الإعراب: وا: اسم فعل مضارع بمعنى "أعجب" مبني على السكون، وفاعله ضمير مستر فيه وجوبًا تقديره "أنا". بأبي: الباء حرف جر، "أبي": اسم مجرور بالكسرة المقدرة، وهو مضاف، والياء ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. أنت: ضمير المتصل مبني في محل رفع مبتدأ. وفوك: الواو حرف عطف، "فوك": معطوف على "أنت" مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف، والكاف ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. الأشنب: نعت "فوك" مرفوع بالضمة. كأنما: حرف مشبه بالفعل بطل عمله لاتصاله بـ"ما" الكافة، و"ما": الزائدة. ذر: فعل ماض للمجهول مبني على الفتحة. عليه: حرف جر، والهاء: ضمير متصل مبني في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بالفعل "ذر". الزرنب: نائب فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.
وجملة "ذر عليه الزرنب" في محل نصب حال من "فوك".
الشاهد فيه قوله: "وا" فإنه اسم فعل مضارع بمعنى "أتعجب".(3/94)
وقول الآخر "من الرجز":
وَاهًا لِسَلمَى ثُمَّ وَاهًا وَاهَا1
تنبيهان: الأوّل تلحق "وي" كاف الخطاب كقوله "من الكامل":
942-
وَلَقَدْ شَفَا نَفْسِي وَأَبْرَأَ سُقْمَهَا ... قِيلُ الفَوَارِسِ وَيكَ عَنْتَرَ أَقْدِمِ
قيل: والآية المذكورة، وقوله تعالى: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} 2 من ذلك، وذهب أبو عمرو بن العلاء إلى أن الأصل ويلك فحذفت اللام لكثرة الاستعمال،
__________
1 تقدم بالرقم 735.
942- التخريج: البيت لعنترة في ديوانه ص219؛ والجنى الداني ص353؛ وخزانة الأدب 6/ 406، 408، 421؛ وشرح شواهد المغني ص481، 487؛ وشرح المفصل 4/ 77؛ والصاحبي في فقه اللغة ص177؛ ولسان العرب 15/ 418 "ويا"؛ والمحتسب 1/ 16، 2/ 156؛ والمقاصد النحوية 4/ 318.
اللغة: شفى نفسي: أذهب غيظها. أبرأ: شفى. السقم: المرض. قيل: قول. ويك: اسم فعل بمعنى أعجب أو تعجب. أقدم: تقدم.
المعنى: لقد أذهب غيظ نفسي: قول الفرسان لي: يا عنترة أقدم ولا تتأخر، لأن الفرسان أصحابه لا غني لهم عنه فهم يلتجئون له في المعركة.
الإعراب: ولقد: "الواو" حرف قسم وجر والمقسم به محذوف تقديره؛ والله، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره: أقسم "اللام": واقعة في جواب المقدر، "قد": حرف تحقيق.
شفى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر، والفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره: هو. نفسي: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، و"الياء": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. وأبرأ: "الواو": حرف عطف، "أبرأ": فعل ماض مبني على الفتح. سقمها: مفعول به منصوب و"ها": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. قيل: فاعل مرفوع، يتنازعه فعلان "شفى وأبرأ" فيعمل في الأقرب ويضمر في الثاني. والفوارس: مضاف إليه مجرور. ويك: اسم فعل مضارع بمعنى نعجب، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره: نحن، و"الكاف": حرف خطاب لا محل له. عنتر: منادى مرخم بحرف نداء محذوف مبني على الضم الظاهر على الحرف المحذوف للترخيم "على لغة من ينتظر". أقدم: فعل أمر مبني على السكون وحرك بالكسر لضرورة الشعر والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره: أنت.
وجملة "أقسم المحذوفة": ابتدائية لا محل لها. وجملة "شفى نفسي": جواب قسم لا محل لها. وجملة "وأبرأ سقمها": معطوفة على جملة لا محل لها. وجملة "أقدم": استئنافية لا محل لها. وجملة "ويك": في محل نصب مقول القول، وجملة "عنتر": اعتراضية أو استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: "ويك" حيث وقعت "وي" اسم فعل مضارع بمعنى نعجب ورفعت ضميرًا مستترًا ولحقتها كاف الخطاب.
2 القصص: 82.(3/95)
وفتح أن بفعل مضمر كأنه قال: ويك اعلم أن، وقال قطرب: قبلها لام مضمر والتقدير: ويك لأن، والصحيح الأول.
قال سيبويه سألت الخليل عن الآيتين فزعم أنها "وي" مفصولة من "كأن"، ويدل على ما قاله قول الشاعر "من الخفيف":
943-
وَي كَأَنْ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَبٌ يُحْـ ... ـبَبْ وَمَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيشَ ضُرِّ
الثاني ما ذكره في هيهات هو المشهور، وذهب أبو إسحاق إلى أنها اسم بمعنى البعد وأنها في موضع رفع في قوله تعالى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} 1، وذهب المبرد إلى أنها ظرف غير متمكن وبني لإبهامه، وتأويله عنده "في البعد"2، ويفتح الحجازيون تاء
__________
943- التخريج: البيت لزيد بن عمرو بن نفيل في خزانة الأدب 1/ 404، 408، 410؛ والدرر 5/ 305؛ وذيل سمط اللآلي ص103؛ والكتاب 2/ 155؛ ولنبيه بن الحجاج في الأغاني 17/ 205؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 11؛ ولسان العرب 15/ 418 "ويا"، 490 "وا"؛ وبلا نسبة في الجنى الداني ص353؛ والخصائص 3/ 41؛ 169؛ وشرح المفصل 4/ 76؛ ومجالس ثعلب 1/ 389؛ والمحتسب 2/ 155؛ وهمع الهوامع 2/ 106.
اللغة: وي: اسم فعل مضارع بمعنى: أعجب. النشب: المال.
المعنى: أعجب من هذه الدنيا فالناس تحب صاحب المال، والجاه، أما الفقير منبوذ يعيش عيشة هم وضر.
الإعراب: وي: اسم فعل مضارع بمعني أعجب، فاعله، ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره "أنا". كأن: حرف مشبه بالفعل مخفف من "كأن" مهمل. من: اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ. يكن: فعل مضارع ناقص مجزوم "فعل الشرط" له: جار ومجرور متعلقان بخبر "يكن" المحذوف. نشب: اسم "يكن" مرفوع.
يحبب: "جواب الشرط" فعل مضارع مجزوم مبني للمجهول، ونائب فاعله ضمير مستتر جوازًا تقديره "هو". ومن: "الواو": للعطف، "من": اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ. يفتقر: فعل مضارع مجزوم "فعل الشرط" وفاعله ضمير مستتر جوازًا تقديره "هو". يعش: فعل مضارع مجزوم "جواب الشرط" وفاعله ضمير مستتر جوازًا تقديره "هو". عيش: مفعول مطلق منصوب، وهو مضاف. ضر: مضاف إليه مجرور.
وجملة "من يكن ... يحبب" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "يكن له نشب": لا محل لها من الإعراب. "فعل شرط". وجملة "يحبب": لا محل لها من الإعراب "جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء أو بإذا". وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ "من". وقل مثل ذلك في جملة "ومن يفتقر يعش" المعطوفة على جملة "من يكن".
الشاهد فيه قوله: "وي كأن" حيث جاءت "وي" منفصلة عن "كأن".
1 المؤمنون: 36.
2 يعني أن معنى "هيهات" عند المبرد: في العبد.(3/96)
هيهات ويقفون بالهاء، ويكسرها تميم ويقفون بالتاء، وبعضهم يضمها، وإذا ضمت فمذهب أبي علي أنها تكتب بالتاء ومذهب ابن جني أنها تكتب بالهاء، وحكى الصغاني فيها ستًا وثلاثين لغة: هيهاه وأيهاه وهيهات وأيهات وهيهان وأيهان، وكل واحدة من هذه الست مضمومة الآخر ومفتوحته ومكسورته، وكل واحدة منونة وغير منونة فتلك ست وثلاثون، وحكى غيره هيهاك وأيهاك، وأيهاء وإيهاه1 وهيهاء وهيهاه، اهـ.
"اسم الفعل المنقول وغير المنقول":
629-
والفعل من أسمائه عليكا ... وهكذا دونك مع إليكا
"وَالفِعْلُ مِنْ أَسْمَائِهِ عَلَيكَا وَهَكَذَا دُونَكَ مَعْ إلَيكَا" الفعل: مبتدأ ومن أسمائه عليك: جملة اسمية في موضع الخبر، ودونك أيضًا: مبتدأ، خبره هكذا، يعني أن اسم الفعل على ضربين؛ أحدهما: ما وضع من أوِّل الأمر كذلك كشتان وصه، والثاني: ما نقل عن غيره وهو نوعان؛ الأول: منقول عن ظرف أو جار ومجرور نحو: "عليك" بمعنى الزم، ومنه {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُم} 2 أي: الزموا شأن أنفسكم، ودونك زيدًا: بمعنى خذه، ومكانك: بمعنى اثبت، وأمامك: بمعنى تقدَّم، ووراءك: بمعنى تأخر، وإليك: بمعنى تنح.
تنبيهات: الأوَّل قال في شرح الكافية: ولا يقاس على هذه الظروف غيرها إلا عند الكسائي أي فإنه لا يقتصر فيها على السماع، بل يقيس على ما سمع ما لم يسمع.
الثاني: قال فيه أيضًا: لا يستعمل هذا النوع أيضًا إلا متصلًا بضمير المخاطب، وشذ قولهم عليه رجلًا بمعنى ليلزم، وعليّ الشيء بمعنى أولنيه، وإلي: بمعنى أتنحى، وكلامه في التسهيل يقتضي أن ذلك غير شاذ.
الثالث: قال فيه أيضًا: اختلف في الضمير المتصل بهذه الكلمات؛ فموضعه رفع عند الفراء ونصب عند الكسائي وجر عند البصريين وهو الصحيح، لأن الأخفش روى عن
__________
1 "أيهاه"، هذه تفارق التي ذكرت في اللغات التي حكاها الصفاني في أن هاءها للسكت، وهاء تلك منقلبة عن ياء التأنيث، وهاء "أيهاه" ساكنة، في حين أن هاء تلك متحركة.
2 المائدة: 105.(3/97)
عرب فصحاء "عليّ عبد الله زيدًا" بجر "عبد الله"، فتبين أن الضمير مجرور الموضع، لا مرفوعه ولا منصوبه، ومع ذلك فمع كل واحد من هذه الأسماء ضمير مستتر مرفوع الموضع بمقتضى الفاعلية، فلك في التوكيد أن تقول: "عليكم كلكم زيدًا" بالجر توكيدًا للموجود المجرور، وبالرفع توكيدًا للمستكن المرفوع.
والنوع الثاني منقول من مصدر، وهو على قسمين: مصدر استعمل فعله، ومصدر أهمل فعله، وإلى هذا النوع بقسميه الإشارة بقوله:
630-
كذا رويد بله ناصبين ... ويعملان الخفض مصدرين
"كَذَا رُوَيدَ بَلهَ نَاصِبَينِ" أي ناصبين ما بعدهما، نحو: "رويد زيدًا" و"بله عمرًا"، فأما "رويد زيدًا" فأصله أرود زيدًا أروادًا بمعنى أمهله إمهالًا، ثم صغروا الإرواد تصغير الترخيم وأقاموه مقام فعله واستعملوه تارة مضافًا إلى مفعوله فقالوا: "رويد زيد"، وتارة منوّنًا ناصبًا للمفعول فقالوا: "رويدًا زيدًا"، ثم إنهم نقلوه وسموا به فعله فقالوا: "رويد زيدًا"، ومنه قوله "من الطويل":
944-
رُوَيدَ عَلِيًا جد مَا ثدي أُمِّهِمْ ... إلينا وَلَكِنْ ودهم مُتَمايِنُ
__________
944- التخريج: البيت لمالك بن خالد الهذلي في شرح أبيات سيبويه 1/ 100؛ وللمعطل الهذلي في معجم ما استعجم 3/ 737؛ ولأحدهما في شرح أشعار الهذليين 1/ 447؛ وللهذلي في الكتاب 1/ 243؛ ولسان العرب 13/ 396 "مأن"؛ وبلا نسبة في شرح المفصل 4/ 40؛ ولسان العرب 3/ 189 "رود"، 13/ 426 "مين"؛ والمقتضب 3/ 208، 278.
اللغة: رويد: اسم فعل أمر بمعنى "أمهل". جد: قطع. جد ثدي أمهم: أي بيننا وبينهم قرابة من ناحية الأم وهم منقطعون بها إلينا. المين: الكذب.
المعنى: يقول: أمهل عليا، إن بيننا وبينهم قرابة من ناحية الأم، وهم منقطعون إلينا بها وإن كان في ودهم كذب.
الإعراب: رويد: اسم فعل أمر بمعنى: "أمهل" وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنت".
عليا: مفعول به منصوب. جد: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. ما: زائدة. ثدي: نائب فاعل. أمهم: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، و"هم": ضمير في محل جر بالإضافة. إلينا: جار ومجرور متعلقان بالفعل "جد". ولكن: "الواو": استئنافية، "لكن": للاستدراك. ودهم: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، و"هم": ضمير في محل جر بالإضافة. متماين: خبر المبتدأ مرفوع. =(3/98)
أنشده سيبويه، والدليل على أن هذا اسم فعل كونه مبنيا، والدليل على بنائه عدم تنوينه، وأما "بله" فهو في الأصل مصدر فعل مهمل مرادف لدع واترك، فقيل فيه "بله زيد" بالإضافة إلى مفعوله، كما يقال: "ترك زيد"، ثم قيل: "بله زيدًا" بنصب المفعول وبناء "بله" على أنه اسم فعل، ومنه قوله:
بَلهَ الأَكُفَّ كَأَنَّهَا لَمْ تُخْلَقِ1
بنصب "الأكف"، وأشار إلى استعمالهما الأصلي بقوله: "وَيَعْمَلاَنِ الخَفْضَ مَصْدَرَينِ" أي معربين بالنصب دالين على الطلب أيضًا، لكن لا على أنهما اسما فعل، بل على أن كلا منهما بدل من اللفظ بفعله نحو: "رويد زيد" و"بله عمرو"، أي: إمهال زيد وترك عمرو، وقد روي قوله: "بله الأكف" بالجر على الإضافة؛ فرويد: تضاف إلى المفعول كما مر، وإلى الفاعل نحو: "رويد زيد عمرًا"، وأما "بله" فإضافتها إلى المفعول كما مر، وقال أبو علي: إلى الفاعل، ويجوز فيها حينئذٍ القلب، نحو "بهل زيد"، رواه أبو زيد، ويجوز فيها حينئذٍ التنوين ونصب ما بعدهما بهما، وهو الأصل في المصدر المضاف، نحو: "رويدًا زيدًا" و"بلها عمرًا"، ومنع المبرّد النصب برويد؛ لكونه مصغرًا.
تنبيهات: الأوّل الضمير في "يعملان" عائد على "رويد" و"بله" في اللفظ لا في المعنى، فإن "رويد" و"بله" إذا كانا اسمي فعل غير "رويد" و"بله" المصدرين في المعنى.
الثاني: إذا قلت: "رويدك وبله الفتى" احتمل أن يكونا اسمي فعل؛ ففتحتهما فتحة بناء، والكاف من رويدك حرف خطاب لا موضع لها من الإعراب، مثلها في ذلك، وأن يكونا مصدرين ففتحتهما فتحة إعراب وحينئذٍ فالكاف في "رويدك" تحتمل الوجهين: أن تكون فاعلا وأن تكون مفعولا.
الثالث: تخرج "رويد" و"بله" عن الطلب: فأما "بله" فتكون اسمًا بمعنى كيف فيكون ما بعدها مرفوعًا، وقد روي "بله الأكف" بالرفع أيضًا، وممن أجاز ذلك قطرب وأبو الحسن، وأنكر أبو علي الرفع بعدها، وفي الحديث: "يقول الله تبارك وتعالى: أعددت
__________
= وجملة "رويد عليا": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "جد ثدي أمهم": استئنافية لا محل لها. وجملة "ولكن ودهم متماين": استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد: قوله: "رويد عليا" حيث نصب اسم الفعل "رويد" مفعولا به "عليا".
1 تقدم بالرقم 428.(3/99)
لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخرًا من بله ما أطلعتم عليه"، فوقعت معربة مجرورة بـ"من" وخارجة عن المعاني المذكورة، وفسرها بعضهم بـ"غير"، وهو ظاهر، وبهذا يتقوّى من بعدها من ألفاظ الاستثناء وهو مذهب لبعض الكوفيين، وأما "رويد" فتكون حالا نحو: "ساروا رويدًا" فقيل: هو حال من الفاعل أي مرودين، وقيل: من ضمير المصدر المحذوف أي ساروه أي السير رويدًا، وتكون نعتًا لمصدر إما مذكور نحو: "ساروا سيرًا رويدًا" أو محذوف نحو "ساروا رويدًا" أي: سيرًا رويدًا.
"عمل اسم الفعل":
631-
وما لما تنوب عه من عمل ... لها وأخر ما لذي فيه العمل
"وَمَا لِمَا تَنُوبُ عَنْهُ مِنْ عَمَل لَهَا" ما مبتدأ موصول صلته "لما"، و"ما" من "لما" موصول أيضًا صلته "تنوب"، و"عنه" و"من عمل": متعلقان بتنوب، و"لها" خبر المبتدأ، والعائد على ما الأولى ضمير مستتر في الاستقرار الذي هو متعلق اللام من "لما" والعائد على "ما" الثانية الهاء من "عنه".
يعني أن العمل الذي استقر للأفعال التي نابت عنها هذه الأسماء مستقرّ لها أي لهذه الأسماء، فترفع الفاعل ظاهرًا في نحو: "هيهات نجد وشتان زيد وعمرو"، لأنك تقول: بعدت نجد وافترق زيد وعمرو، ومضمرًا في نحو: "نزال"، وينصب منها المفعول ما ناب عن متعدّ نحو: "دراك زيدًا"، لأنك تقول: أدرك زيدًا، ويتعدى منها بحرف من حروف الجر ما هو بمعنى ما يتعدى بذلك الحرف، ومن ثم عدى "حيهل" بنفسه لما ناب عن "ائت" في نحو: "حيهل الثريد"، وبالباء لما ناب عن "عجل" في نحو: "إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر" أي: فعجلوا بذكر عمر، وبـ"علي" لما ناب عن "أقبل" في نحو: "حيهل على كذا".
"حكم أسماء الأفعال في التعدي واللزوم":
تنبيهات: الأوَّل قال في التسهيل: وحكمها -يعني أسماء الأفعال- غالبًا في التعدي(3/100)
واللزوم حكم الأفعال، واحترز بقوله "غالبًا" عن "آمين"؛ فإنها نابت عن متعد ولم يحفظ لها مفعول.
الثاني: مذهب الناظم جواز إعمال اسم الفعل مضمرًا، قال في شرح الكافية: إن إضمار اسم الفعل مقدمًا لدلالة متأخر عليه جائز عند سيبويه.
الثالث قال في التسهيل: ولا علامة للمضمر المرتفع بها يعني بأسماء الأفعال، ثم قال وبروزه مع شبهها في عدم التصرف1 دليل على فعليته، يعني كما في "هات وتعال فإن بعض النحويين غلط فعدهما من أسماء الأفعال وليسا منها بل هما فعلان غير متصرفين لوجوب اتصال ضمير الرفع البارز بهما كقولك للأنثى: "هاتي" و"تعالي"، وللاثنين والاثنتين: "هاتيا" و"تعاليا"، وللجماعتين: "هاتوا" و"تعالوا" و"هاتين" و"تعالين"، وهكذا حكم "هلمّ" عند بني تميم فإنهم يقولون: "هلم" و"هلمي" و"هلما" و"هلموا" و"هلممن"، فهي عندهم فعل لا اسم فعل، ويدل على ذلك أنهم يؤكدونها بالنون نحو "هلمن".
قال سيبويه: وقد تدخل الخفيفة والثقيلة يعني على "هلم"، قال: لأنها عندهم بمنزلة رد وردا وردى وردوا وارددن. وقد استعمل لها مضارعًا من قيل له: هلم، فقال: "لا أهلم"، وأما أهل الحجاز فيقولون: "هلم" في الأحوال كلها كغيرها من أسماء الأفعال، وقال الله تعالى: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُم} 2 {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} 3، وهي عند الحجازيين بمعنى احضر وتأتي عندهم بمعنى أقبل.
"وَأخِّرْ مَا لِذِي" الأسماء "فِيهِ العَمَل" وجوبًا؛ فلا يجوز "زيدًا دراك" خلافًا للكسائي، قال الناظم: ولا حجة له في قول الراجز:
945-
يَا أيُّهَا المَائِح دَلوي دُونَكَا ... إنِّي رَأيتُ النَّاسَ يَحْمَدُونَكَا
__________
1 أي إنك تستخدم اسم الفعل "صه" بلفظ واحد للمفرد والمثنى والجمع، دون أن تبرز معه ضميرًا، فإذا برز الضمير في كلمة تشبه اسم الفعل في عدم التصرف، فليست هذه الكلمة اسم فعل، بل هي فعل، مثل "هات" و"تعال".
2 الأنعام: 150.
3 الأحزاب: 18.
945- التخريج: الرجز لجارية من بني مازن في الدرر 5/ 301؛ وشرح التصريح 2/ 200؛ والمقاصد النحوية 4/ 311؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص165؛ والأشباه والنظائر 1/ 344؛ والإنصاف =(3/101)
لصحة تقدير "دلوي" مبتدأ أو مفعولًا بدونك مضمرًا، ثم ذكر ما تقدم عن سيبويه ويأتي هذا التأويل الثاني في قوله تعالى: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} 1.
تنبيهات: الأوّل: ادعى الناظم وولده أنه لم يخالف في هذه المسألة سوى الكسائي، ونقل بعضهم ذلك عن الكوفيين.
الثاني: توهم المكودي أن "لذي" اسم موصول فقال: والظاهر أن ما في قوله: "ما لذي فيه العمل: زائدة لا يجوز أن تكون موصولة، لأن "لذي" بعدها موصولة، وليس كذلك بل "ما" موصولة، و"لذي" جار ومجرور في موضع رفع خبر مقدم، والعمل: مبتدأ مؤخر، والجملة صلة "ما".
الثالث: ليس في قوله "العمل" مع قوله عمل إبطاء لأن أحدهما نكرة والآخر معرفة، وقد وقع ذلك للناظم في مواضع من هذا الكتاب.
632-
واحكم بتنكير الذي ينون ... منها وتعريف سواه بين
"وَاحْكُمْ بِتَنْكِيرِ الذِي يُنَوَّنُ مِنْهَا" أي من أسماء الأفعال "وَتَعْرِيفُ سِوَاهُ" أي سوى المنوّن "بَيِّنُ" قال الناظم في شرح الكافية: لما كانت هذه الكلمات من قبل المعنى أفعالا
__________
= ص 228؛ وأوضح المسالك 4/ 88؛ وجمهرة اللغة ص574؛ وخزانة الأدب 6/ 20، 206؛ وذيل السمط ص11؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص532؛ وشرح عمدة الحافظ ص739؛ وشرح المفصل 1/ 117؛ ولسان العرب 2/ 609 "ميج"؛ ومعجم ما استعجم ص416؛ ومغني اللبيب 2/ 609؛ والمقرب 1/ 137؛ وهمع الهوامع 2/ 105.
اللغة والمعنى: المائح: النازل إلى البئر ليملأ الدلو منها مغترفًا. دونكا: اسم فعل بمعنى "خذ".
يقول: يا أيها المستقي من البئر خذ دلوي واستق منها.
الإعراب: يا: حرف نداء. أيها: منادى مبني على الضم في محل نصب على النداء، و"ها": للتنبيه. المائح: نعت "أي" مرفوع، دلوي: مفعول به مقدم لـ"دونكا" وهو مضاف، والياء: ضمير في محل جر بالإضافة. دونكا: اسم فعل أمر بمعنى "خذ"، والفاعل: أنت، والألف: للإطلاق.
وجملة "أيها المائح ... " الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية. وجملة "دونكا" الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها تفسيرية.
والشاهد فيه قوله: "دلوي دونكا"، فإن ظاهره أن "دلوي" مفعول مقدم لاسم الفعل "دونك"، وهو مبتدأ خبره جملة "دونك"، أو مفعول به لفعل محذوف يفسره اسم الفعل الذي بعده، وكأنه قال: خذ دلوي دونكا.
1 النساء: 24.(3/102)
ومن قبل اللفظ أسماء جعل لها تعريف وتنكير، فعلامة تعريف المعرفة منها تجرده من التنوين، وعلامة تنكير النكرة منها استعماله منوّنًا، ولما كان من الأسماء المحضة ما يلازم التعريف كالمضمرات وأسماء الإشارات وما يلازم التنكير كأحد وعريب وديار، وما يعرف وقتًا وينكر وقتًا كرجل وفرس جعلوا هذه الأسماء كذلك فألزموا بعضًا التعريف كـ"نزال" و"بله" و"آمين"، وألزموا بعضًا التنكير كـ"واها" و"ويها"، واستعملوا بعضًا بوجهين فنوّن مقصودًا تنكيره وجرد مقصودًا تعريفه كـ"صه وصهٍ" و"أف وأف" انتهى.
تنبيه: ما ذكره الناظم هو المشهور، وذهب قوم إلى أن أسماء الأفعال كلها معارف ما نوّن منها وما لم ينوّن تعريف علم الجنس.
633-
"وَمَا بِهِ خُوطِبَ مَا لاَ يَعْقِلُ ... مِنْ مُشْبِهِ اسْمِ الفِعْلِ صَوتًا يُجْعَلُ"
634-
"كَذَا الَّذِي أَجْدَى حِكَايَةً كـ"َقَبْ"" ... والزم بنا النوعين فهو قد وجب
أي: أسماء الأصوات: ما وضع لخطاب ما لا يعقل، أو ما هو في حكم ما لا يعقل من صغار الآدميين، أو لحكاية الأصوات كذا في شرح الكافية، فالنوع الأوّل إما زجر كـ"هلا للخيل"، ومنه قوله "من الطويل":
946-
"أعيرتني داء بأمك مثله" ... وأيُّ جَوَادٍ لاَ يُقَالُ لَهُ هَلاَ
__________
946 التخريج: البيت لليلى الأخيلية في ديوانها ص103؛ والأغاني 5/ 16؛ وخزانة الأدب 6/ 238، 243؛ وسمط اللآلي ص282؛ وشرح المفصل 4/ 79؛ ولسان العرب 15/ 364 "هلا".
الإعراب: أعيرتني: الهمزة للاستفهام، و"عيرتني": فعل ماض، و"التاء": ضمير في محل رفع فاعل، و"النون": للوقاية، و"الياء": ضمير في محل نصب مفعول به. داء: مفعول به منصوب، أو منصوب بنزع الخافض. بأمك: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. مثله: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، و"الهاء": ضمير في محل جر بالإضافة. وأي: "الواو": حرف استئنافية، "أي" مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. جواد: مضاف إليه مجرور. لا: نافية: يقال: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع. له: جار ومجرور متعلقان بالفعل "يقال". هلا: اسم صوت في محل رفع نائب فاعل.
وجملة "أعيرتني": ابتدائية لا محل لها. وجملة "مثله موجود بأمك": في محل نصب صفة لـ"داء". =(3/103)
و"عدس للبغل"، ومنه قوله "من الطويل":
عَدَسْ مَا لِعَبَّادٍ عَلَيكِ إِمَارَةٌ ... "نجوت وهذا تحملين طليق"1
و"كخ" للطفل، وفي الحديث: "كخ كخ فإنها من الصدقة" وهيد، وهاد، وده، وجه، وعاه، وعيه للإبل وعاج، وهيج، وحل للناقة، وإس، وهس، وهَج، وقاعِ لِلغنم، وهجا، وهَج، للكلب. وسع للضأن، ووح للبقر، وعز وعيز للعنز، وحر للحمار، وجاه للسبع، وإما دعاء كأو للفرس، ودوه للربع، وعوه للجحش، وبس للغنم، وجوت وجئ للإبل الموردة، وتؤ وتأ للتيس المنزي، ونخ مخففًا ومشددًا للبعير المناخ، وهدع لصغار الإبل المسكنة، وسأ وتشوء للحمار المورد، ودج للدجاج، وقوس للكلب. النوع الثاني كغاق للغراب، وماء -بالإمالة- للظبية، وشيب لشرب الإبل، وعيط للمتلاعبين، وطيخ للضاحك، وطاق للضرب، وطق لوقع الحجارة، وقب لوقع السيف، وخاق باق للنكاح، وقاش ماش للقماش.
تنبيه: قوله "من مشبه اسم الفعل" كذا عبر به أيضًا في الكافية، ولم يذكر في شرحها ما احترز به عنه، قال ابن هشام في التوضيح: وهو احتراز من نحو قوله "من البسيط":
947-
يَا دَارَ مَيَّةَ بِالعَليَاءِ فَالسَّنَدِ ... "أقوت وطال عليها سالف الأمد"
__________
= وجملة "وأي جواد": استئنافية لا محل لها. وجملة "لا يقال له: هلا": في محل رفع خبر "أي".
الشاهد فيه قوله: "هلا" حيث جاء هذا اللفظ اسم صوت لزجر الخيل.
1 تقدم تخريجه بالرقم 104.
947- التخريج: البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص14؛ والأغاني 11/ 27؛ والدرر 1/ 247، 6/ 326؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 54؛ والصاحبي في فقه اللغة ص215؛ والكتاب 2/ 321؛ والمحتسب 1/ 251؛ والمقاصد النحوية 4/ 315؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص452؛ وشرح التصريح 1/ 140؛ ولسان العرب 3/ 223 "سند"، 3/ 355 "قصد"، 14/ 141 "جرا"، 15/ 491 "يا".
شرح المفردات: مية: اسم امرأة. العلياء: المكان العالي. السند: بين القمة والوادي، أي السفح، وقد يكون العلياء والسند موضعين. أقوت: أقفرت، خلت.
المعنى: يخاطب الشاعر دار الحبيبة بلهفة قائلًا: إنها خلت من ساكنيها، وامحت معالمها، وقست عليها الأيام.
الإعراب: "يا": حرف نداء. "دار": منادي منصوب، وهو مضاف. "مية": مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. "بالعلياء": جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من "دار مية". "فالسند": معطوف على "العلياء". "أقوت": فعل ماض، وفاعله ضمير =(3/104)
وقوله "من الطويل":
948-
ألا أيُّهَا اللَّيلُ الطَّوِيلُ ألا انْجَلِي ... "بصبح وما الإصباح منك بأمثل"
انتهى.
"وَالزَمْ بِنَا النَّوعَينِ فَهْوَ قَدْ وَجَبَ" يحتمل أن يريد بالنوعين أسماء الأفعال والأصوات، وهو ما صرّح به في شرح الكافية، ويحتمل أن يريد نوعي الأصوات وهو أولى؛ لأنه قد تقدَّم الكلام على أسماء الأفعال في أوَّل الكتاب.
وعلة بناء الأصوات مشابهتها الحروف المهملة في أنها لا عاملة ولا معمولة فهي أحق بالبناء من أسماء الأفعال.
تنبيه: هذه الأصوات لا ضمير فيها بخلاف أسماء الأفعال فهي من قبيل المفردات، وأسماء الأفعال من قبيل المركبات.
__________
= مستتر فيه جوازًا تقديره: "هي"، والتاء للتأنيث. "وطال": الواو حرف عطف، "طال": فعل ماض. "عليها": جار ومجرور متعلقان بـ"طال": "سالف": فاعل مرفوع، وهو مضاف. "الأمد: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
الشاهد فيه قوله: "يا دار ميّة" فإنه نداء وخطاب لما لا يعقل، وهو "الدار"، وهو مع ذلك ليس اسم صوت، لكونه ليس مما يشبه اسم الفعل.
948- التخريج: البيت لامرئ القيس في ديوانه ص18؛ والأزهية ص271؛ وخزانة الأدب 2/ 326، 327 وسر صناعة الإعراب 2/ 513؛ ولسان العرب 11/ 361 "شلل"؛ والمقاصد النحوية 4/ 317؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص78؛ ورصف المباني ص79.
شرح المفردات: انجلى: انكشف. الأمثل: الأفضل.
المعنى: يقول مخاطبًا الليل: أيها الليل الطويل ليكن زوالك قريبًا بضياء من الصبح، وإن لم يكن الصبح عندي بأفضل من الليل، لأنني أقاسي الهموم نهارًا كما أقاسيها ليلًا.
الإعراب: "ألا": حرف استفتاح وتنبيه. "أيها": منادى مبني على الضم في محل نصب، و"ها" للتنبيه. "الليل": بدل من "أي" مرفوع بالضمة. "الطويل": نعت "الليل" مرفوع. "ألا": توكيد للأولى.
"انجلي": فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنت"، والياء للإشباع. "يصبح": جار ومجرور متعلقان بـ"انجل". "وما": الواو: حالية، و"ما": حرف نفي أو من أخوات "ليس". "الإيضاح": مبتدأ أو اسم "ما" مرفوع بالضمة. "منك": جار ومجرور متعلقان بـ"أمثل". "بأمثل": الباء: حرف جر زائد، "أمثل": اسم مجرور لفظًا مرفوع محلا على أنه خبر المبتدأ، أو منصوب محلا على أنه خبر "ما".
الشاهد فيه قوله: "أيها الليل" فإنه نداء وخطاب لما لا يعقل، وهو "الليل"، وليس اسم صوت، لكونه لا يشبه اسم الفعل.(3/105)
خاتمة: قد يعرب بعض الأصوات لوقوعه موقع متمكن، كقوله "من الرجز":
949-
قَدْ أَقْبَلَتْ عَزَّةُ مِنْ عِرَاقِهَا ... مُلصِقَةَ السَّرْجِ بِخَاقِ بَاقِهَا
أي بفرجها وقوله "من الرجز":
950-
"ولو ترى إذ جبتي من طاق" ... لِمَّتِي مِثْلُ جَنَاحِ غَاقِ
أي غراب، ومنه قول ذي الرّمة "من الكامل":
951-
تَدَاعَينَ بِاسْمِ الشِّيبِ فِي مُتَثَلِّمِ ... جَوَانِبُهُ مِنْ بَصْرَةٍ وَسِلاَمِ
__________
949- التخريج: البيت بلا نسبة في لسان العرب 10/ 94 "خرق".
الإعراب: قد: حرف تحقيق. أقبلت: فعل ماض، و"التاء": للتأنيث. عزة: فاعل مرفوع. من عراقها: جار ومجرور متعلقان بـ"أقبلت" وهو مضاف، و"ها": ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
ملصقة: حال منصوب، وهو مضاف. السرج: مضاف إليه مجرور. بخاق باقها: جار ومجرور متعلقان بـ"ملصقة" وهو مضاف، و"ها": ضمير في محل جر بالإضافة.
وجملة "أقبلت عزة": ابتدائية لا محل لها.
الشاهد فيه قوله: "بخاق باقها" حيث أعرب الصوت "خاق باق" إعراب الاسم المتمكن.
950- التخريج: الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص180؛ والدرر 5/ 308؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص152؛ وهمع الهوامع 2/ 107.
اللغة: اللمة: شعر جانب الرأس.
الإعراب: ولو: "الواو" بحسب ما قبلها، "لو": شرطية غير جازمة. ترى: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستر فيه وجوبًا تقديره: "أنت". إذا: ظرف مبني على السكون في محل نصب متعلق بحال من مفعول "ترى"، والتقدير: ولو تراني كائنًا إذا. جبتي: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، و"الياء" ضمير في محل جر بالإضافة. من طاق: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. ولمتي: "الواو" حرف عطف، "لمتي": معطوف على "جبتي" مبتدأ مرفوع، وياء المتكلم مضاف إليه. مثل: خبر المبتدأ مرفوع، وهو مضاف. جناح: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. غاق: مضاف إليه.
وجملة "ولو ترى": بحسب ما قبلها. وجملة "جبتي من طاق": في محل جر بالإضافة. وجملة "ولمتي مثل": معطوفة على جملة "جبتي ... " في محل بالإضافة.
الشاهد فيه قوله: "جناح غاق" حيث أعرب الصوت "غاق" إعراب الاسم المتمكن.
951- التخريج: البيت لذي الرمة في ديوانه ص1070؛ وإصلاح المنطق ص29؛ وخزانة الأدب 1/ 104، 4/ 343 وشرح شواهد الإيضاح ص307؛ وشرح المفصل 3/ 14، 4/ 82، 85؛ ولسان العرب 1/ 54 "شيب"، 4/ 67 "بصر"؛ وبلا نسبة في الاشتقاق ص35؛ وجمهرة اللغة ص312، 585؛ وخزانة الأدب 6/ 388/ 442؛ ولسان العرب 12/ 297 "سلم". =(3/106)
وقوله أيضًا "من البسيط":
952-
لا ينعش الطرف إلا ما يخونه ... داع يناديه باسم الماء مبغوم
فالشيب: صوت شرب الإبل، والماء: صوت الظبية كما مر، اهـ. والله أعلم.
__________
= اللغة: تداعين: يعني الأبل. باسم الشيب: أي صوت المشافر عند الشرب. المتثلم: الحوض المتكسر. البصرة: الحجارة النخرة الرخوة. السلام: ج السلمة، وهي الحجر.
الإعراب: تداعين: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، و"الياء": ضمير في محل رفع فاعل. باسم: جار ومجرور متعلقان بـ"تداعين"، وهو مضاف. الشيب: مضاف إليه مجرور. في متثلم: جار ومجرور متعلقان بالفعل "تداعين". جوانبه: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، و"الهاء": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. من بصرة: جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف. وسلام: "الواو" حرف عطف، "سلام": معطوف على "بصرة".
وجملة "تداعين" جواب شرط غير جازم لا محل لها، "وفعل الشرط في بيت سابق". وجملة "جوانبه مبنية من بصرة": في محل صفة لـ"متثلم".
الشاهد فيه قوله: "باسم الشيب" حيث جاء الصوت "اسم الشيب" وهو صوت مشافر الإبل عند الشرب، معربًا إعراب الاسم المتمكن.
952- التخريج: البيت لذي الرمة في ديوانه ص390؛ وخزانة الأدب 4/ 344؛ والخصائص 3/ 29؛ ومراتب النحويين ص38.
اللغة: ينعش: يرفع. يخونه: يتعهده. المبغوم: ذو البغام، وهو صوت لا يفصح به.
المعنى: لا يجعل العين تصحوا إلا ظنها أنها ترى من يدعوه داع إلى تناول الماء.
الإعراب: لا: نافية. ينعش: فعل مضارع مرفوع. الطرف: مفعول به منصوب. إلا: حرف حصر. ما: اسم موصول في محل رفع فاعل. يخونه: فعل مضارع مرفوع، و"الهاء": ضمير في محل نصب مفعول به. داع: فاعل مرفوع. يناديه: فعل مضارع مرفوع، و"الهاء" ضمير في محل نصب مفعول به. باسم: جار ومجرور متعلقان بـ"ينادي" وهو مضاف. الماء: مضاف إليه. مبغوم: فاعل "يناديه" مرفوع.
وجملة "لا ينعش": ابتدائية لا محل لها. وجملة "يخونه داع": لا محل لها من الإعراب "صلة الموصول" وجملة "يناديه" في محل رفع صفة لـ"داع".
الشاهد فيه قوله: "باسم الماء" حيث هو صوت الظبية، وقد أعربه إعراب الاسم المتمكن.(3/107)
نُونَا التَّوكِيدِ:
635-
للفعل توكيد بنونين هما ... كنوني أذهبن واقصدنهما
"لِلفِعْلِ تَوكِيدٌ بِنُونَينِ هُمَا" الثقيلة والخفيفة "كَنُونَيِ اذْهَبَنَّ وَاقْصِدَنْهُمَا" وقد اجتمعا في قوله تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا} 1 وقد تقدم أول الكتاب أن قوله:
أَقَائِلُنَّ أحْضِرُوا الشُّهُودَا2
ضَرُورَة.
تنبيه: ذهب البصريون إلى أن كلًا منهما أصل لتخالف بعض أحكامهما، وذهب الكوفيون إلى أن الخفيفة فرع الثقيلة، وقيل بالعكس، وذكر الخليل أن التوكيد بالثقيلة أشدّ من الخفيفة.
636-
يؤكدان أفعل ويفعل آتيا ... ذا طلب أو شرطًا أما تاليًا
"يُؤَكِّدَانِ افْعَل" أي فعل الأمر مطلقًا نحو اضربن زيدًا، ومثله الدعاء كقوله "من الرجز":
953-
"فثبت الأقدام إن لاقينا" ... وأنزلن سكينة علينا
__________
1 يوسف: 32.
2 تقدم بالرقم 13.
953- التخريج: الرجز لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص107، وشرح أبيات سيبويه 2/ 322؛ والكتاب 3/ 511؛ وله أو لعامر بن الأكوع في الدرر 5/ 148 وشرح شواهد المغني 1/ 286؛ 287؛ وبلا =(3/108)
"وَيَفْعَل" أي المضارع بالشرط الآتي ذكره، ولا يؤكدان الماضي مطلقًا، وأما قوله "من الكامل":
954-
دَامَنَّ سَعْدُكِ إنْ رَحِمْتِ مُتَيَّمَا ... "لولاك لم يك للصبابة جانحا"
فضرورة شاذة سهلها كونه بمعنى الاستقبال، وإنما يؤكد بهما المضارع حال كونه "آتِيَا ذَا طَلَبٍ" بأن يأتي أمرًا نحو ليقومن زيد، أو نهيا نحو: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ
__________
= نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 234؛ وتخليص الشواهد ص130؛ وخزانة الأدب 7/ 139؛ والمقتضب 3/ 13؛ وهمع الهوامع 2/ 78.
المعنى: يدعو الله أن يثبت أقدامهم في ساح القتال.
الإعراب: وأنزلن: "الواو" حرف عطف، "أنزلن": فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة. وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره "أنت"، و"النون" لا محل لها سكينة: مفعول به منصوب. علينا: جار ومجرور متعلقان بالفعل "أنزلن"؟
وجملة "وأنزلن" معطوفة على جملة "فثبت" لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: "وأنزلن" حيث أكد فعل الأمر بنون التوكيد الخفيفة.
954- التخريج: البيت بلا نسبة في الجني الداني ص143؛ والدرر 5/ 161؛ وشرح شواهد المغني ص760؛ والمقاصد النحوية 1/ 120، 4/ 341؛ وهمع الهوامع 2/ 78.
اللغة: دام: من الديمومة. السعد: نقيض النحس، واليمن: الصبابة: المحبة، جانحًا: مائلًا.
المعنى: لو أنك أيتها المحبوبة رحمت عاشقًا ورفقت به، لدام خيرك، ولعشت بسرور وهناء لأنه لولاك لم ير المحب مائلا للعشق والغرام.
الإعراب: دامن: فعل ماض مبني على الفتح، و"النون": نون التوكيد الثقيلة. سعدك: "سعد": فاعل مرفوع، و"الكاف": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. "إن": حرف شرط جازم. رحمت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل و"التاء": ضمير متصل في محل رفع فاعل. متيمًا: مفعول به منصوب. لولاك: حرف امتناع لوجود لا محل له، و"الكاف": ضمير متصل في محل رفع متبدأ، والخبر محذوف وجوبًا. لم: حرف امتناع لوجود لا محل له، و"الكاف": ضمير متصل في محل رفع مبتدأ، والخبر محذوف وجوبًا. لم: حرف جزم وقلب ونفي. يك: ضمير مستتر جوازًا تقديره "هو". للصبابة: جار ومجرور متعلقان بخبر "يك". جانحًا: خبر "يك": منصوب.
وجملة "دامن سعدك": ابتدائية لا محل لها. وجملة "رحمت متيمًا": استئنافية لا محل لها. وجملة. "لم يك للصبابة جانحًا": جواب لولا لا محل لها. وجملة "لولاك لم يكن للصبابة": صفة لـ"متيمًا" محلها النصب. وجملة "أنت موجودة" جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: "دامن" حيث أكد الفعل الماضي بنون التوكيد الثقيلة شذوذًا.(3/109)
غَافِلًا} 1، وعرضًا، نحو "ألا تنزلين عندنا"، أو تحضيضًا، كقوله "من البسيط":
955-
هلا تمنن بوعد غير مخلفة ... كما عهدتك في أيام ذي سلم
أو تمنيا، كقوله "من الطويل":
956-
فليتك يوم الملتقى ترينني ... لكي تعلمي أني أمرؤ بك هائم
__________
1 إبراهيم: 42.
955- التخريج: البيت بلا نسبة في الدرر 5/ 105؛ وشرح التصريح 2/ 204؛ والمقاصد النحوية 4/ 322؛ وهمع الهوامع 2/ 78.
شرح المفردات: تمنن: تجودين. الإخلاف: عدم إنجاز الوعد. ذو سلم: اسم واد في الحجاز، أو في الشام.
المعنى: يقول مخاطبًا حبيبته: ألا تجودين علي بالوصال، وتفين بالوعود كما كنت في الأيام التي عرفتك فيها في ذي سلم.
الإعراب: "هلا": حرف تحضيض. "تمنن": فعل مضارع، والنون للتوكيد، والياء المحذوفة ضمير متصل في محل رفع فاعل. "بوعد": جار ومجرور متعلقان بـ"تمنن". "غير": حال منصوب، وهو مضاف.
"مخلفة": مضاف إليه مجرور. "كما": الكاف اسم بمعنى "مثل" مبني في محل نصب مفعول مطلق نائب عن المصدر، "ما": مصدرية. "عهدتك": فعل ماض، والتاء ضمير في محل رفع فاعل، والكاف ضمير في محل نصب مفعول به. والمصدر المؤول من "ما" وما بعدها في محل جر بالإضافة. "في أيام": جار ومجرور متعلقان بـ"عهدتك"، وهو مضاف. "ذي": مضاف إليه مجرور بالياء، وهو مضاف. "سلم": مضاف إليه مجرور.
وجملة: "هلا تمنن" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "عهدتك" صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "تمنن" حيث أكده لكونه فعلًا مضارعًا واقعا بعد حرف التحضيض "هلا" وأصله: "تمنينن" فحذفت نون الرفع مع نون التوكيد الخفيفة حملًا على حذفها مع نون التوكيد الثقيلة تخلصًا من توالي الأمثال، ثم حذفت ياء المخاطبة للتخلص من التقاء الساكنين.
956- التخريج: البيت بلا نسبة في الدرر 5/ 151؛ وشرح التصريح 2/ 204؛ والمقاصد النحوية 4/ 323؛ وهمع الهوامع 2/ 78.
شرح المفردات: يوم الملتقى: أي يوم الحرب. هائم: مغرم.
المعنى: يتمنى الشاعر لو تراه الحبيبة يوم الحرب لتعلم أنه هائم بها. لأن من عادة الأبطال أن يتذكروا أحب الناس إليهم لبث الحمية في نفوسهم، وإيقاظ الشجاعة.
الإعراب: "فليتك": الفاء بحسب ما قبلها، "ليتك": حرف مشبه بالفعل، والكاف ضمير في محل نصب اسم "ليت". "يوم": ظرف زمان منصوب متعلق بـ"ترينني"، وهو مضاف. "الملتقى": مضاف إليه =(3/110)
أو استفهامًا، كقوله "من المتقارب":
957-
وهل يمنعني ارتيادي البلا ... د من حذر الموت أن يأتين
وقوله "من الكامل":
958-
"قالت فطيمة حل شعرك مدحه" ... أفبعد كندة تمدحن قبيلا
__________
= مجرور. "ترينني": فعل مضارع مرفوع بالنون المحذوفة لتوالي الأمثال، والياء المحذوفة في محل رفع فاعل، والنون المشددة للتوكيد، والنون بعدها للوقاية، والياء ضمير في محل نصب مفعول به. "لكي": اللام للتعليل، و"كي": حرف مصدرية ونصب. "تعلمي": فعل مضارع منصوب بحذف النون، والياء ضمير في محل رفع فاعل. والمصدر المؤول من "كي" وما بعدها في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بالفعل "ترينني". "أني": حرف مشبه بالفعل، والياء ضمير متصل مبني في محل نصب اسم "إن". "امرؤ": خبر "أن" مرفوع بالضمة. "بك": جار ومجرور متعلقان بـ"هائم". "هائم": نعت "امرؤ" مرفوع. و"أن": وما دخلت عليه من اسمها وخبرها بتأويل مصدر سد مسد مفعولي "تعلمي".
وجملة: "ليتك ترينني" بحسب ما قبلها. وجملة "ترينني" في محل رفع خبر "ليت". وجملة "تعلمي" صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "ترينني" حيث أكد الفعل المضارع الواقع بعد أداة التمني "ليت" بالنون، وهذا جائز.
957- التخريج: البيت للأعشى في ديوانه ص65، 7؛ والكتاب 4/ 187، والدرر 5/ 151؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 346؛ وشرح المفصل 9/ 40، 86؛ والمقاصد النحوية 4/ 324؛ والمحتسب 1/ 349؛ وبلا نسبة في همع الهوامع 2/ 78.
الإعراب: وهل: "الواو": بحسب ما قبلها، "هل": حرف استفهام. يمنعني: فعل مضارع مبني على الفتح، و"النون": للتوكيد، و"الياء": ضمير في محل نصب مفعول به. ارتيادي: فاعل مرفوع، وهو مضاف، و"الياء": ضمير في محل جر بالإضافة. البلاد: مفعول به لـ"ارتيادي". من حذر جار ومجرور متعلقان بـ"ارتيادي". الموت: مضاف إليه مجرور. أن: حرف نصب ومصدري: يأتين: فعل مضارع منصوب، و"النون": للوقاية، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: "هو".
وجملة "هل يمنعني": بحسب ما قبلها. والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها مفعول به ثان للفعل "يمنع". وجملة يأتي": صلة الموصول الحرفي لا محل لها.
الشاهد فيه قوله: "هل يمنعني" حيث أكد الفعل المضارع بنون التوكيد لوقوعه بعد استفهام.
958- التخريج: البيت لمقنع "؟ " في الكتاب 3/ 514؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص143؛ وخزانة الأدب 11/ 383، 384؛ وشرح التصريح 2/ 204؛ والمقاصد النحوية 4/ 340؛ وهمع الهوامع 2/ 78.
شرح المفردات: فطيمة: تصغير فاطمة المرخمة بعد حذف الحرف الزائد الذي هو الألف. حل: أصله "حلئ" فعل أمر من "حلأ" أي منع. كندة: قبيلة امرئ القيس. قبيلا: جماعة من الناس.
المعنى: يقول: إن فاطمة قد قالت له بأن يمتنع عن مدح الناس، إذ لا يجوز أن يمدح أحدًا بعد قبيلة كندة =(3/111)
وقوله "من الطويل":
959-
فأقبل على رهطي ورهطك نبتحث ... مساعينا حتى ترى كيف تفعلا
أو دعاء، كقوله "من الكامل":
لا يبعدن قومي الذين هم ... سم العداة وآفه الجزر
__________
= الإعراب: "قالت" فعل ماض، والتاء للتأنيث. "فطمية": فاعل مرفوع. "حل": فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنت". "شعرك": مفعول به منصوب، وهو مضاف، والكاف في محل جر بالإضافة. "مدحه": بدل من "شعرك" منصوب، وهو مضاف، والهاء ضمير في محل جر بالإضافة. "أفبعد": الهمزة للاستفهام، والفاء حرف عطف. "بعد": ظرف متعلق بـ"تمدحن"، هو مضاف. "كندة": مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. "تمدحن". فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنت".
"قبيلا": مفعول به منصوب.
وجملة: "قالت فطمية" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "حل" في محل نصب مفعول به.
وجملة "تمدحن" استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "تمدحن" حيث أكد الفعل بنون مشددة لوقوعه بعد الاستفهام، وهو الهمزة.
959- التخريج: البيت للنابغة الجعدي في شرح أبيات سيبويه 2/ 251؛ وليس في ديوانه؛ وبلا نسبة في الدرر 5/ 153؛ والكتاب 3/ 513؛ والمقاصد النحوية 4/ 325؛ وهمع الهوامع 2/ 78.
اللغة: الرهط: العصابة، أو القوم. نبتحث: نفتش.
المعنى: تعالى إلينا، قومك وقومي "أو قبيلتك وقبيلتي" كي نناقش ماذا نفعل.
الإعراب: فأقبل: "الفاء": بحسب ما قبلها، "أقبل": فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنت". على رهطي: جار ومجرور متعلقان بـ"أقبل" وهو مضاف، و"الياء": ضمير في محل جر بالإضافة. ورهطك: "الواو": حرف عطف، "رهطك": معطوف على "رهطي" مجرور، وهو مضاف، و"الكاف: ضمير في محل جر بالإضافة. نبتحث: فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "نحن": مساعينا: مفعول به، وهو مضاف، و"نا": ضمير في محل جر بالإضافة. حتى: حرف غاية وجر. ترى: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره:
"أنت". والمصدر المؤول من "أن" المضمرة، والفعل "ترى" مجرور بحتى والجار والمجرور متعلقان بالفعل "نبتحث". كيف: اسم استفهام في محل نصب حال. نفعلا: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المنقلبة إلى ألف، و"الفاعل": ضمير مستتر وجوبًا تقديره "نحن".
وجملة "أقبل" بحسب ما قبلها. وجملة "نبتحث" جواب الطلب لا محل لها من الإعراب. وجملة "ترى" صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة "كيف نفعلا": في محل نصب مفعول به.
الشاهد فيه قوله: "كيف نفعلا" أصله. "تفعلن" حيث أكده لوقوع الفعل بعد استفهام، فأبدلت النون ألفًا لأجل القافية.(3/112)
النَّازِلُونَ بِكُلِّ مُعْتَرَكٍ ... والطَّيِّبُونَ مَعَاقِدَ الأزُرِ1
"أَو" آتيا "شَرْطًا إمَّا تَالِيَا" إما في موضع النصب مفعول به لتاليا، أي شرطًا تابعًا أن الشرطية المؤكدة بما، نحو، وإما تخافنَّ، فإما تذهبنَّ، فإما ترينَّ، واحترز من الواقع شرطًا بغير إما، فإن توكيده قليل كما سيأتي.
637-
أو مثبتا في قسم مستقبلًا ... وقل بعد "ما ولم" وبعد "لا"
"أَو" آتيا "مُثْبَتًا فِي" جواب "قَسَمٍ مُسْتَقْبَلاَ" غير مفصول من لامه بفاصل نحو: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} 2، وقوله "من الطويل":
960-
فَمَنْ يَكُ لَمْ يَثْأَرْ بِأَعْرَاضِ قَومِهِ ... فَإنِّي وَرَبِّ الرَّاقِصَاتِ لأَثْأرَا
__________
1 تقدما بالرقم 320.
2 الأنبياء: 57.
960- التخريج: البيت للنابغة الجعدي في ديوانه ص76؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 250؛ والكتاب 3/ 512؛ والمقاصد النحوية 4/ 336؛ وبلا نسبة في شرح المفصل 9/ 39.
اللغة: الأعراض: ج العرض، وهو الشرف. الراقصات: الإبل الذاهبة إلى الحج.
المعنى: يقول: من لم يحافظ على أعراض قومه، ولم يدافع عنها، فإني أدافع عنها بهجاء من هجاهم.
الإعراب: فمن "الفاء": بحسب ما قبلها، "من": اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ. يك: فعل مضارع ناقص مجزوم، واسمه ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: "هو". لم: حرف نفي وجزم وقلب. يثأر: فعل مضارع مجزوم، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره. "هو". بأعراض: جار ومجرور متعلقان بـ"يثأر"، وهو مضاف. قومه: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، و"الهاء": ضمير في محل جر بالإضافة. فإني: "الفاء": رابطة لجواب الشرط، "إني": حرف مشبه بالفعل، و"الياء" ضمير في محل نصب اسم "إن". ورب: "الواو": للقسم حرف جر، "رب": اسم مجرور بالكسرة، والجار والمجرور متعلقان بفعل "أقسم" المحذوف، وهو مضاف. الراقصات: مضاف إليه مجرورر، لأثأرا: اللام رابطة لجواب القسم، "أثأرا": فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المنقبلة ألفًا، والفاعل مستتر وجوبًا تقديره "أنا".
وجملة "من يك فإني ... ": بحسب ما قبلها. وجملة "يك لم يثأر": في محل رفع خبر المبتدأ.
وجملة "لم يثأر": في محل نصب خبر "كان". وجملة "إني لأثأرا": في محل جزم جواب الشرط. وجملة "أثأرا": جواب قسم لا محل لها، ومجموع جملتي القسم وجوابه خبر "إن" محله الرفع، أما جملة القسم "أقسم ورب" ابتداء القسم لا محل لها، أو جزء القسم لا محل لها. وجملة القسم اعتراضية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "لأثأرا" أصله "لأثأرن" فأبدلها عند الوقف بـ"ألف".(3/113)
ولا يجوز توكيده بهما إن كان منفيًا نحو: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} 1 إذ التقدير لا تفتؤ، وأما قوله "من البسيط":
961-
تَاللَّهِ لاَ يُحْمَدَنَّ المرءُ مُجْتَنِبًا ... فِعْلَ الكِرَامِ وَلَو فَاقَ الوَرَى حَسَبَا
فشاذ أو ضرورة، أو كان حالا كقراءة ابن كثير: "لأقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ"2، وقوله "من المتقارب":
962-
يَمِينًا لأَبْغُضُ كُلَّ امْرِئ ... يُزَخْرِفُ قَولا وَلاَ يَفْعَلُ
__________
1 يوسف: 85.
961- التخريج: لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.
الإعراب: تالله: جار ومجرور متعلقان بفعل القسم المحذوف. لا: نافية يحمدن: فعل مضارع للمجهول مبني على الفتح، و"النون": للتوكيد. المرء: نائب فاعل مرفوع. مجتبنًا: حال منصوب. فعل: مفعول به منصوب، وهو مضاف. الكرام: مضاف إليه مجرور. ولو: "الواو": حالية، "لو": وصلية زائدة للتعميم. فاق: فعل ماض، وفاعله ضمير مستر فيه جوازًا تقديره: "هو". الورى: مفعول به منصوب حسبًا: تمييز منصوب.
وجملة القسم ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "لا يحمدن": جواب قسم لا محل لها من الإعراب. وجملة لو "فاق": في محل نصب حال.
الشاهد فيه قوله: "لا يحمدن" حيث أكد الفعل بنون التوكيد رغم كونه منفيًا وهذا شاذ:
2 القيامة: 1.
962- التخريج: البيت بلا نسبة في شرح التصريح 2/ 302؛ والمقاصد النحوية 4/ 338.
المعنى: يقول: إنه ليكره من يقول ولا يفعل.
الإعراب: "يمينًا": مفعول مطلق نائب عن المصدر لفعل محذوف والتقدير: "أقسم يمينًا".
"لأبغض": اللام رابطة جواب القسم، "أبغض": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنا". "كل": مفعول به منصوب، وهو مضاف."امرئ": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "يزخرف": فعل مضارع مرفوع بالضمة، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هو". قولًا": مفعول به منصوب بالفتحة. "ولا": الواو حرف عطف، "ولا": حرف نفي. "يفعل": فعل مضارع مرفوع، وفاعله مستتر تقديره: "هو".
وجملة القسم "أقسم يمينًا" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "لأبغض ... " جواب القسم لا محل لها من الإعراب. وجملة "يزخرف ... " في محل نصب نعت "كل". وجملة "لا يفعل" معطوفة على جملة "يزخرف".
الشاهد فيه قوله: "لأبغض" حيث لم يؤكد بالنون مع كونه فعلا مضارعًا مثبتًا مقترنًا بلام الجواب متصلًا بها، لكونه ليس بمعنى الاستقبال.(3/114)
وقوله: "من الطويل":
963-
لَئِنْ تَكُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيكُمْ بُيُوتُكُم ... لَيَعْلَمُ رَبِّي أنَّ بَيتِيَ وَاسِعُ
أو كان مفصولًا من اللام مثل: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} 1، ونحو: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} 2.
تنبيهان: الأوَّل التوكيد في هذا النوع واجب بالشروط المذكورة كما نص عليه في التسهيل وهو مذهب البصريين، فلا بدَّ عندهم من اللام والنون فإن خلا منهما قدر قبل حرف النفي، فإذا قلت: "والله يقوم زيد" كان المعنى نفي القيام عنه، وأجاز الكوفيون تعاقبهما، وقد ورد في الشعر، وحكى سيبويه: "والله لأضربه"، وأما التوكيد بعد الطلب فليس بواجب اتفاقًا، واختلفوا فيه بعد أما: فمذهب سيبويه أنه ليس بلازم ولكنه أحسن ولهذا لم يقع في القرآن إلا كذلك، وإليه ذهب الفارسي وأكثر المتأخرين وهو الصحيح، وقد كثر في الشعر مجيئه غير مؤكد، من ذلك قوله "من البسيط":
964-
يَا صَاحِ إمَّا تَجِدْنِي غَيرَ ذِي جِدَةٍ ... فَمَا التَّخَلِّي عَنِ الخِلاَّنِ مِنْ شِيَمِي
__________
963- التخريج: البيت لذي الرمة في ديوانه ص1290؛ وسمط اللآلي ص728؛ وشرح شواهد الإيضاح 384؛ ولسان العرب 7/ 259 "بسط"، 14/ 276 "دوا".
الإعراب: لئن: اللام موطئة للقسم، و"إن": حرف شرط جازم. تك: فعل مضارع مجزوم، واسمه ضمير الشأن المحذوف. وقيل: زائدة. قد: حرف تحقيق. ضاقت: فعل ماض، و"التاء": للتأنيث. عليكم: جار ومجرور متعلقان بـ"ضاقت". بيوتكم: فاعل مرفوع، وهو مضاف، و"كم": ضمير في محل جر بالإضافة. ليعلم: اللام للتأكيد رابطة لجواب القسم، و"يعلم": فعل مضارع مرفوع. ربي: فاعل مرفوع، وهو مضاف، و"الياء": ضمير في محل جر بالإضافة. أن: حرف مشبه بالفعل. بيتي: اسم "أن" منصوب، وهو مضاف، و"الياء": ضمير في محل جر بالإضافة. واسع: خبر "أن" مرفوع بالضمة، والمصدر المؤول من "أن" ومعموليها سد مسد مفعولي "يعلم".
وجملة القسم المحذوفة ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة القسم لا محل لها من الإعراب. وجملة "إن تك قد ضاقت": مع جواب الشرط المحذوف لدلالة جواب القسم عليه اعتراض بين القسم وجوابه لا محل له. وجملة "تك". جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة "قد ضاقت بيوتكم": خبر "تك" محلها النصب.
الشاهد فيه قوله: "ليعلم" وأصله "ليعلمن" فحذف نون التوكيد.
1 آل عمران: 158.
2 الضحى: 5.
964- التخريج: البيت بلا نسبة في خزانة الأدب 11/ 431؛ وشرح التصريح 2/ 204؛ والمقاصد النحوية 4/ 339. =(3/115)
وقوله "من المتقارب":
فإما تريني ولي لمة ... فإن الحوادث أودى بها1
وقوله "من الطويل":
965-
فإما تريني كابنة الرمل ضاحيًا ... على رقة أخفى ولا أتنعل
__________
= شرح المفردات: صاح: مرخم صاحبي. الجدة: الغنى. الخلان: ج الخل، وهو الصديق الصادق. الشيم: جمع شيمة، وهي الطبيعة.
المعنى: يقول مخاطبًا صديقه: لئن وجدتني فقيرًا معدمًا فإني غني بالوفاء.
الإعراب: "يا": حرف نداء. "صاح": منادي مرخم منصوب، أصله "صاحبي"، والياء المحذوفة في محل جر بالإضافة. "إما": "إن": حرف جازم، "ما": زائدة. "تجدني": فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط، والنون للوقاية، والياء ضمير في محل نصب مفعول به أول، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنت". "غير": مفعول به ثان، وهو مضاف. "ذي": مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. جدة: مضاف إليه مجرور بالكسرة. "فما": الفاء رابطة جواب الشرط، "ما": حرف نفي أو من أخوات "ليس". "التخلي": مبتدأ أو اسم "ما" مرفوع. "عن الخلان": جار ومجرور متعلقان بـ"التخلي". "من شيمي": جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المتبدأ أو خبر "ما"، وهو مضاف، والياء ضمير في محل جر بالإضافة.
وجملة: "يا صاح" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "إما تجدني ... فما" الشرطية استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "تجدني ... " في محل جزم فعل الشرط. وجملة: "فما التخلي ... " في محل جزم جواب الشرط.
الشاهد فيه قوله: "إما تجدني"، حيث لم يؤكد الفعل المضارع الواقع شرطًا لـ"إن" المؤكدة بـ"ما" الزائدة، وهذا قليل، أو ضرورة شعرية.
1 تقدم بالرقم 368.
965- التخريج: لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.
الإعراب: فإما: الفاء بحسب ما قبلها، "إما": أصلها "إن" حرف شرط جازم، و"ما": زائدة تريني: فعل مضارع مجزوم بحذف النون، و"النون": للوقاية، و"الياء" الأولى في محل رفع فاعل والياء الثانية في محل نصب مفعول به. كابنة: جار ومجرور متلعقان بـ"ترى"، وهو مضاف. الرمل: مضاف إليه مجرور. ضاحيًا: حال أو مفعول به ثان. على رقة: جار ومجرور متعلقان بـ"ضاحيًا". أحفى: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنا". ولا: "الواو" حرف عطف، "لا": نافية: أتنعل: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنا".
وجملة "تريني": جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة "أحفى" حال ثانية من المفعول في "تريني". وجملة "أنتعل": معطوفة على جملة "أحفى". وجملة "إما تريني" مع جواب الشرط بحسب الفاء.
الشاهد فيه قوله: "تريني" حيث لم يؤكد الفعل المضارع بعد "أما".(3/116)
وذهب المبرد والزجاج إلى لزوم النون بعد "إما"، وزعما أن حذفها ضرورة.
الثاني: منع البصريون نحو: "والله ليفعل زيد الآن"، استغناء عنه بالجملة الاسمية المصدّرة بالمؤكد كقولك: "والله إن زيدًا ليفعل الآن"، وأجازه الكوفيون، ويشهد لهم ما تقدم من قراءة ابن كثير لأقسم، والبيتين. اهـ.
"وَقَلَّ" التوكيد "بَعْدَمَا" الزائدة التي لم تسبق بـ"أن"، من ذلك قولهم: "بعين ما أرينّك"، و"بجهد ما تبلغنّ"، و"حيثما تكوننّ آتك"، و"متى ما تقعدنّ أقعد"، وقوله "من الطويل":
966-
إذَا مَاتَ مِنْهُمْ مَيِّتٌ سَرَقَ ابْنُهُ ... وَمِنْ عِضَةٍ مَا يَنْبُتَنَّ شَكِيرُهَا
وقوله "من الطويل":
967-
قَلِيلاَ بِهِ مَا يَحْمَدَنَّكَ وَارِثٌ ... "إذا نال مما كنت تجمع مغنمًا"
__________
966- التخريج: البيت بلا نسبة في خزانة الأدب 4/ 22، 6/ 281، 11/ 221، 403؛ وشرح التصريح 2/ 205؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1643؛ وشرح شواهد المغني 2/ 461؛ والكتاب 3/ 517؛ ولسان العرب 4/ 426 "شكر"، 13/ 516، 518 "عضه"؛ ومغني اللبيب 2/ 340.
شرح المفردات: العضة: نوع من الشجر. الشكير: ما ينبت في أصول الشجر.
المعنى: يقول: إذا مات منهم أحد عقبه ابنه، ولا عجب في ذلك لأن العضة لا تنبت إلا الشكير.
الإعراب: "إذا": ظرف زمان يتضمن معنى الشرط، متعلق بجوابه، "مات": فعل ماض. "منهم": جار ومجرور متعلقان بـ"مات". "ميت": فاعل "مات" مرفوع. "سرق": فعل ماض. "ابنه": فاعل مرفوع بالضمة، وهو مضاف، والهاء ضمير في محل جر بالإضافة. "ومن عضة": الواو حرف استئناف. والجار والمجرور متعلقان بـ"ينبتن". "ما": زائدة: فعل مضارع مبني على الفتح، والنون للتوكيد "شكيرها": فاعل مرفوع بالضمة، وهو مضاف، و"ها": ضمير في محل جر بالإضافة.
وجملة: "إذا مات ... " الشرطية ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "مات ميت" في محل جر بالإضافة. وجملة: "سرق ابنه " جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب. وجملة: "ينبتن شكيرها" استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "ما ينبتن" حيث أكد الفعل بالنون الثقلية بعد وقوعه بعد "ما" الزائدة.
تنبيه: من أمثال العرب "في عضة ما ينبتن شكيرها" "خزانة الأدب 4/ 22؛ ومجمع الأمثال 2/ 74"، وهو يضرب في تشبيه الولد بأبيه.
967- التخريج: البيت لحاتم الطائي في ديوانه ص223؛ والدرر 5/ 163؛ وشرح التصريح 2/ 205؛ وشرح شواهد المغني 2/ 951؛ والمقاصد النحوية 4/ 328؛ ونوادر أبي زيد ص110؛ وبلا نسبة في همع الهوامع 2/ 78. =(3/117)
تنبيهان: الأول مراد الناظم أن التوكيد بعد "ما" المذكورة قليل بالنسبة إلى ما تقدم، لا قليل مطلقًا، فإنه كثير كما صرح به في غير هذا الكتاب، بل ظاهر كلامه اطراده، وإنما كان كثيرًا من قبل أن "ما" لما لازمت هذه المواضع أشبهت عندهم لام القسم فعاملوا الفعل بعدها معاملته بعد اللام، نص على ذلك سيبويه كما حكاه في شرح الكافية.
الثاني: كلامه يشمل ما الواقعة بعد رب، وصرح في الكافية بأن التوكيد بعدها شاذ، وعلل ذلك بأن الفعل بعدها ماضي المعنى، ونص بعضهم على أن إلحاق النون بعدها ضرورة، وظاهر كلامه في التسهيل أنه لا يختص بالضرورة وهو ما يشعر به كلام سيبويه فإنه حكى "ربما يقولن ذلك"، ومنه قوله "من المديد":
رُبَّمَا أَوفَيتُ فِي عَلَمٍ ... تَرْفَعَنْ ثَوبِي شمَالاَتُ1
انتهى.
"وَلَمْ" أي وقل التوكيد بعد "لم" كقوله "من الرجز":
968-
يَحْسَبُهُ الجَاهِلُ مَا لَمْ يَعْلَمَا ... شَيخًا عَلَى كُرْسِيِّهِ مُعَمَّمَا
__________
= المعنى: يقول: أنفق من أموالك ما طاب لك، واستمتع بها، لأن الوارث يعتبرها مغنمًا، فيتمتع بها من غير حمد وشكر.
الإعراب: "قليلا": مفعول مطلق نائب عن المصدر منصوب. "به": جار ومجرور متعلقان بـ"يحمد". "ما": زائدة "يحمدنك": فعل مضارع مبني على الفتح، والنون للتوكيد، والكاف ضمير في محل نصب مفعول به. "وارث": فاعل مرفوع بالضمة. "إذا": ظرف زمان، متعلق بـ"يحمد". "نال": فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هو". "مما": جار ومجرور متعلقان بـ"نال". "كنت": فعل ماض ناقص، والتاء ضمير متصل مبني في محل رفع اسم "كان". "تجمع": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: أنت". "مغنمًا": مفعول به لـ"نال" منصوب.
وجملة "يحمدنك وراث" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "نال ... " في محل جر بالإضافة. وجملة "كنت تجمع" صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وجملة "تجمع" في محل نصب خبر "كان".
الشاهد فيه قوله: "ما يحمدنك" حيث أكد الفعل المضارع بالنون الثقلية لوقوعه بعد "ما" الزائدة.
1 تقدم بالرقم 574.
968- التخريج: الرجز للعجاج في ملحق ديوانه 2/ 331؛ وله أو لأبي حيان الفقعسي أو لمساور العبسي، أو للدبيري أو لعبد بني عبس في خزانة الأدب 11/ 409، 411؛ وشرح شواهد المغني 2/ 973؛ والمقاصد النحوية 4/ 80؛ ولمساور العبسي أو للعجاج في الدرر 5/ 158؛ ولأبي حيان الفقعسي في شرح التصريح 2/ 205؛ والمقاصد النحوية 4/ 329؛ وللدبيري في شرح أبيات سيبويه 2/ 266؛ وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 409؛ وخزانة الأدب 8/ 388، 451؛ ورصف المباني 33، 335؛ وسر صناعة الإعراب =(3/118)
تنبيه: نص سيبويه على أنه ضرورة لأن الفعل بعدها ماضي المعنى كالواقع بعد ربما، قال في شرح الكافية: وهو بعد "ربما" أحسن.
"وَبَعْدَ لاَ" أي وقلّ التوكيد بعد "لا" النافية، قال في شرح الكافية وقد يؤكد بإحدى النونين المضارع المنفي بـ"لا" تشبيهًا بالنهي، كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} وقد زعم قوم أن هذا نهي وليس بصحيح، ومثله قول الشاعر "من الطويل":
969-
فَلاَ الجَارَةُ الدُّنْيَا بِهَا تُلحِيَنَّهَا ... وَلاَ الضَّيفُ فِيهَا إنْ أَنَاخَ مُحَوَّلُ
__________
= 2/ 679؛ وشرح ابن عقيل 546؛ وشرح المفصل 9/ 42؛ والكتاب 3/ 516.
المعنى: يصف الراجز وطبًا من اللبن فقال: إن الجاهل حين يراه، والرغوة تعلوه، يظنه شيخًا معممًا جالسا على كرسي.
الإعراب: "يحسبه": فعل مضارع مرفوع، والهاء ضمير في محل نصب مفعول به أول. "الجاهل": فاعل مرفوع بالضمة. "ما": مصدرية. "لم": حرف جزم "يعلما": فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المنقلبة ألفًا للوقف، وهو في محل جزم، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هو". والمصدر الأول من "ما" وما بعدها في محل نصب مفعول فيه ظرف زمان متعلق بـ"يحسب". "شيخًا": مفعول به ثان منصوب. "على كرسيه": جار ومجرور متعلقان بمحذوف نعت "شيخ"، وهو مضاف، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. "معممًا": نعت "شيخ": منصوب.
وجملة "يحسبه الجاهل شيخًا" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. "لم يعلم" صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "لم يعلما" يريد: "لم يعلمن"، حيث أكد الفعل المضارع بنون التوكيد الخفيفة المقلوبة ألفًا بعد النفي بـ"لم"، وهذا قليل. 1 الأنفال: 25.
969- التخريج: البيت للنمر بن تولب في ديوانه ص373؛ وشرح شواهد المغني 2/ 628؛ والمقاصد النحوية 4/ 342.
اللغة: الجارة الدنيا: أقرب الجارات. تلحينها: تلومها وتذمها. أناخ ناقته، جعلها تبرك. محول: منتقل.
المعنى: لا تلومها القريبات منها، ولا يجد الضيف سببا يجعله يفارقها، إذا ما حل بها.
الإعراب: فلا: "الفاء": استئنافية "لا": نافية. الجارة: مبتدأ مرفوع بالضمة. الدنيا صفة مرفوعة بضمة مقدرة على الألف. لها: جار ومجرور متعلقان بحال من "الجارة"، والهاء في "بها" تعود إلى أرض الممدوح وفي "لها" هذه يعلق الجار والمجرور بحال من "الجارة". ولكن "الها" في هذه الحالة تعود إلى النوق. =(3/119)
إلا أن توكيد تصيبنَّ أحسن لاتصاله بلا فهو بذلك أشبه بالنهي كقوله تعالى: {لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَان} 1، بخلاف قول الشاعر فإنه غير متصل بلا فبعد شبهه بالنهي، ومع ذلك فقد سوغت "لا" توكيده وإن كانت منفصلة فتوكيد "تصيبن" لاتصاله أحق وأولى، هذا كلامه بحروفه.
تنبيهان: الأول: ما اختاره الناظم هو ما اختاره ابن جني، والجمهور على المنع، ولهم في الآية تأويلات: فقيل لا ناهية والجملة محكية بقول محذوف هو صفة فتنة فتكون نظير "من الرجز":
جَاءُوا بِمَذْقٍ هَل رَأَيتَ الذِّئْبَ قَطْ2
وقيل "لا" ناهية، وتم الكلام عند قوله "فتنة"، ثم ابتدأ نهي الظلمة عن التعرض للظلم فتصيبهم الفتنة خاصة، فأخرج النهي عن إسناده للفتنة فهو نهي محوّل، كما قالوا لا أرينك ههنا، وهذا تخريج الزجاج والمبرد والفراء، وقال الأخفش الصغير: "لا تصيبنَّ" هو على معنى الدعاء، وقيل جواب قسم والجملة موجبة والأصل "لتصيبن" كقراءة ابن مسعود وغيره، ثم أشبعت اللام وهو ضعيف لأن الإشباع بابه الشعر، وقيل جواب قسم و"لا" نافية ودخلت النون تشبيهًا بالموجب كما دخلت في قوله: "من البسيط":
تَاللَّهِ لاَ يُحْمَدَنَّ المَرْء مُجْتَنِبًا ... فعل الكرام "ولو فاق الورى حسبا"3
وقال الفراء: الجملة جواب الأمر، نحو قولك: "انزل عن الدابة لا تطرحنك"، و"لا"
__________
= تلحينها: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد لا محل لها، و"نون النسوة": ضمير متصل في محل رفع فاعل، و"ها": ضمير متصل في محل نصب مفعول به. ولا: "الواو": للعطف، "لا": نافية. الضيف: مبتدأ مرفوع بالضمة. فيها: جار ومجرور متعلقان بـ"محول". إن أناخ: "إن" حرف شرط جازم، "أناخ" فعل ماض مبني عل الفتح في محل جزم فعل الشرط، و"الفاعل": ضمير مستتر تقديره "هو". محول: خبر "الضيف" مرفوع بالضمة.
وجملة "فلا الجارة ... " استئنافية لا محل لها. وجملة "تلحينها" في محل خبر "الجارة".
وجملة "ولا الضيف محول": معطوفة على جملة "فلا الجارة" لا محل لها. وجملة "فعل الشرط": لا محل لها، وجواب الشرط محذوف. وجملة "إن أقام": حالية محلها النصب
والشاهد فيه قوله: "تلحينها" حيث أكد الفعل المضارع بنون التوكيد، بعد "لا" وهي نافية، ليست ناهية، تشبيها للنافية بالناهية.
1 الأعراف: 27.
2 تقدم بالرقم 785.
3 تقدم بالرقم 961.(3/120)
نافية ومن منع النون بعد لا النافية منع "أنزل عن الدابة لا تطرحنك".
الثاني: إذا قلنا بما رآه الناظم، فهل يطرد التوكيد بعد "لا"؟ كلامه يشعر بالاطراد مطلقًا، لكن نص غيره على أنه بعد المفصولة ضرورة.
638-
وغير إما من طوالب الجزا ... وآخر المؤكد افتح كابرزا
"وَغَير إمَّا مِنْ طَوَالِبِ الجَزَا" أي: وقلَّ بعد غير "إما" الشرطية من طوالب الجزاء، وذلك يشمل إن المجردة عن "ما" وغيرها، ويشمل الشرط والجزاء، فمن توكيد الشرط بعد غير "إما" قوله: "من الكامل":
970-
مَنْ يُثْقَفَنْ مِنْهُمْ فَلَيسَ بِآيِبٍ ... "أبدًا وقتل بني قتيبة شافي"
__________
970- التخريج: البيت لبنت مرة بن عاهان في خزانة الأدب 11/ 387، 399؛ والدرر 5/ 163؛ ولبنت أبي الحصين في شرح أبيات سيبويه 2/ 262؛ وبلا نسبة في شرح التصريح 2/ 205؛ وشرح ابن عقيل ص547؛ والكتاب 3/ 516؛ والمقتضب 3/ 14؛ والمقاصد النحوية 4/ 330؛ والمقرب 2/ 74؛ وهمع الهوامع 2/ 79.
شرح المفردات: ثقف: صادف، وجد. آيب: راجع. شاف: الغليل: بنو قتيبة: قوم من باهلة كانوا قتلوا والد الشاعرة.
المعنى: تقول: من نصادفه من باهلة سنقتله، ولن يرجع إلى أهله، أبدًا، وإن قتل بني باهلة يشفى غليلنا.
الإعراب: "من": اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ. "تثقفن": فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، والنون للتوكيد، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "نحن"، وهو فعل الشرط. "منهم": جار ومجرور متعلقان بـ"نثقف". "فليس": الفاء رابطة جواب الشرط، "ليس": فعل ماض جامد ناقص، واسمه ضمير مستتر تقديره: "هو". "بآيب": الباء: حرف جر زائد، "آيب": اسم مجرور لفظًا، منصوب محلا على أنه خبر "ليس". "أبدًا" ظرف زمان منصوب، متعلق بـ"آيب". "وقتل": الواو استئنافية، "قتل": مبتدأ مرفوع بالضمة. "بني": مضاف إليه مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، هو مضاف.
"قتيبة": مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. "شافي": خبر المبتدأ مرفوع.
وجملة: "من نثقفن ... " الشرطية ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "نثقفن فليس بآيب" في محل رفع خبر المبتدأ. وجملة "فليس بآيب" في محل جزم الشرط. وجملة: "قتل بني قتيبة شافي" استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "من نثقفن" حيث أكد الفعل المضارع الواقع بعد أداة شرط "من" بالنون الخفيفة من غير أن نتقدم على المضارع "ما" الزائدة المؤكدة لشرط، وهذا من الضرورات الشعرية.(3/121)
ومن توكيد الجزاء قوله "من الطويل":
971-
فمهما تشأ منه فزارة تعطكم ... ومهما تشأ منه فزازة تمنعا
وقوله "من الطويل":
972-
ثبتم ثبات الخيزراني في الوغى ... حديثًا متي ما يأتك الخير ينفعا
__________
971- التخريج: البيت للكميت بن معروف في حماسة البحتري ص15؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 272؛ وللكميت بن ثعلبة في خزانة الأدب 11/ 387، 388، 390؛ ولسان العرب 8/ 273 "قزع"؛ وللكميت بن معروف أو للكميت بن ثعلبة الفقعسي في المقاصد النحوية 4/ 330؛ ولعوف بن عطية بن الخرع في الدرر 5/ 165؛ والكتاب 3/ 515؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 7/ 509، 510؛ وهمع الهوامع 2/ 79.
الإعراب: فمهما: الفاء بحسب ما قبلها، و"مهما": اسم شرط جازم في محل نصب مفعول به تشأ: فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط. منه: جار ومجرور متعلقان بـ"تشأ": فزارة: فاعل مرفوع. تعطكم: فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط وعلامة جزمه حذف حرف العلة، و"كم": ضمير في محل نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر جوازًا تقديره: "هي". ومهما تشأ فزارة: تعرب إعراب ما في الصدر. وتمنعا: مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة في محل جزم، والفاعل مستتر تقديره "هي".
وجملة "مهما تشأ فزارة تعطكم": بحسب الفاء. وجملة "تشأ" الشرط غير الظرفي لا محل لها، ومثل ذلك إعراب التركيب الشرطي المعطوف في الشطر الثاني "مهما تشأ ... " بحسب ما قبلها. وجملة "تعطكم": جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء أو "إذا" لا محل لها من الإعراب. وجملة "ومهما تشأ ... ": معطوفة عليها ولها الإعراب ذاته.
الشاهد في قوله: "تمنعا" وأصله: "تمنعن" فأبدل النون الخفيفة التي للتوكيد ألفًا للوقف، وهو جواب الشرط.
972- التخريج: البيت للنجاشي الحارثي في ديوانه ص110؛ وخزانة الأدب 11/ 387، 395، 397؛ والدرر 5/ 156؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 308؛ والمقاصد النحوية 4/ 344؛ وبلا نسبة في الكتاب 3/ 515؛ وهمع الهوامع 2/ 78. والرواية المشهورة "نبتم نبات ... ".
اللغة: الوغى: الحرب. الخيزراني: كل نبات ناعم. الخير: المال.
المعنى: يصفهم بأنهم حديثو النعمة.
الإعراب: ثبتم: فعل ماض، و"تم" ضمير في محل رفع فاعل. ثبات: مفعول مطلق منصوب الخيزراني: مضاف إليه مجرور. في الوغي: جار ومجرور متعلقان بـ"ثبت". حديثًا: حال من "الخيزراني" منصوب. متى: اسم شرط جازم في محل نصب مفعول فيه متعلق بـ"ينفعا". ما: زائدة. يأتك: فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط، و"الكاف" ضمير في محل نصب مفعول به. الخير: فاعل مرفوع. ينفعا: فعل =(3/122)
تنبيهان: الأول: مقتضى كلامه أن ذلك جائز في الاختيار، وبه صرح في التسهيل، فقال: وقد تلحق جواب الشرط اختيارًا، وذهب غيره إلى أن دخولها في غير شرط "إما" وجواب الشرط مطلقًا ضرورة.
الثاني: جاء توكيد المضارع في غير ما ذكر وهو في غاية الندرة ولذلك لم يتعرض له، ومنه قوله: "من الخفيف":
973-
لَيتَ شِعْرِي وَأَشْعُرَنَّ إذَا مَا ... قَرَّبُوهَا مَنْشُورَةً وَدُعِيتُ
وأشذ من هذا توكيد "أفعل" في التعجب كقوله: "من الطويل":
974-
وَمُسْتَبْدِلٍ مِنْ بَعْدِ عَضْبَى صَرِيمَةً ... فَأَحْرِ بِهِ مِنْ طُولِ فَقْرٍ وَأَحْرِيَا
__________
= مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المنقلبة ألفًا، وأصله: "ينفعن" في محل جزم، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: "هو".
وجملة "ثبتم": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "متى ما يأتك الخير ينفعا": استئنافية لا محل لها. وجملة "يأتك": مضاف إليه محلها الجر. وجملة "ينفعا": لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء أو بـ"إذا".
الشاهد فيه قوله: "ينفعا" وأصله" "ينفعن" فأبدل النون بـ"ألف" للوقف، وهو جواب الشرط.
973- التخريج: البيت للسموأل بن عادياء في ديوانه ص81؛ والدرر 5/ 166؛ ولسان العرب 2/ 75 "قوت": والمقاصد النحوية 4/ 332؛ وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص277؛ وهمع الهوامع 2/ 79.
الإعراب: ليت: حرف مشبه بالفعل. شعري: اسم "ليت" منصوب، وهو مضاف، و"الياء": ضمير في محل جر بالإضافة، وخبره محذوف تقديره: "ليت شعري حاصل". وأشعرن: "الواو": استئنافية، "أشعرن": فعل مضارع مبني على الفتح، و"النون": للتوكيد، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: "أنا". إذا: ظرف زمان متعلق بـ"أشعرن". ما: زائدة. قرباها: فعل ماض، و"الواو": ضمير في محل رفع فاعل، و"ها": ضمير في محل نصب مفعول به. منشورة: حال منصوب. ودعيت: "الواو": حرف عطف، "دعيت": فعل ماض للمجهول، و"التاء": ضمير في محل رفع نائب فاعل.
وجملة "ليت شعري": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "أشعرن": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "قربوها": في محل جر بالإضافة. وجملة "دعيت": معطوف على "قربوها".
الشاهد فيه قوله: "أشعرن" حيث أكد بالنون الثقلية، وهو مثبت مجرد عن معنى الشرط أو الطلب، وهذا نادر.
974- التخريج:" البيت بلا نسبة في جواهر الأدب ص 58؛ والدرر 5/ 159؛ وشرح شواهد المغني 2/ 759؛ ولسان العرب 1/ 650 "غضب"، 14/ 173 "حرى"، 15/ 129 "غضا"؛ ومعنى اللبيب 1/ 339؛ والمقاصد النحوية 3/ 645؛ وهمع الهوامع 2/ 78. =(3/123)
وهذا من تشبيه لفظ بلفظ وإن اختلفا معنى، وأشذ من هذا قوله: "من الرجز":
أَقَائِلُنَّ أَحْضِرُوا الشُّهُودَا1
"وَآخِرَ المُؤكَّدِ افْتَحْ" لما عرفت أول الكتاب أنه تركب معها تركيب خمسة عشر، ولا فرق بين أن يكون صحيحًا "كَابْرُزَا" إذ أصله "ابرزن" بالنون الخفيفة فأبدلت ألفًا في الوقف كما سيأتي، "واضربن"، أو معتلًا نحو: "اخشين" و"ارمين" و"اغزون"، أمرًا كما مثل، أو مضارعًا نحو: "هل تبرزن" و"هل ترمين"، هذه لغة جميع العرب سوى فزارة فإنها تحذف آخر الفعل إذا كان ياء تلي كسرة، نحو: "ترمين" فتقول: "هل ترمن يا زيد"، ومنه قوله: "من البسيط":
975-
"لا تتبعن لوعة إثري ولا هلعا" ... وَلاَ تُقَاسِنَّ بَعْدِي الهَمَّ وَالجَزَعَا
هذا إذا كان الفعل مسندًا لغير الألف والواو والياء، فإن كان مسندًا إليهن فحكمه ما أشار إليه بقوله:
__________
= اللغة: غضبى: اسم للمئة من الإبل. الصريمة: قطعة من الإبل ما بين العشرين والثلاثين. حرى به: جدير به.
الإعراب: "ومستبدل": الواو واو رب حرف جر زائد، "مستبدل": اسم مجرور لفظًا مرفوع محلا على أنه مبتدأ. "من بعد": جار ومحرور متعلقان بـ"مستبدل"، وهو مضاف. "غضبى": مضاف إليه مجرور. "صريمة": مفعول به لاسم الفاعل "مستدبل" "فأخر": الفاء حرف استئناف "أحر": فعل ماض أتى على صيغة الأمر للتعجب. "به": الباء حرف جر زائد، والهاء ضمير في محل رفع فاعل لـ"أحر". "من طول": جار ومجرور متعلقان بـ"أحر"، وهو مضاف. "فقر": مضاف إليه مجرور. "وأحريا ": الواو حرف عطف، "أحريا": فعل ماض أتى على صيغة الأمر للتعجب، والألف منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة في الوقف.
وجملة: "ومستبدل ... " ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "أخر ... " استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "أحريا" معطوفة على سابقتها.
الشاهد فيه قوله: "وأحريا" حيث أبدلت النون الخفيفة بـ"ألف" عند الوقف. والأصل "أحرين"، وهو من الحالات الشاذة.
1 تقدم بالرقم 13.
975- التخريج: البيت لمحمد بن يسير في سمط اللآلي ص104؛ وهمع الهوامع 2/ 79؛ ولمحمد بن بشير في أمالي القالي 1/ 22؛ والدرر 5/ 171. =(3/124)
639-
واشكله قبل مضمر لين بما ... جانس من تحرك قد علما
"وَاشْكُلهُ قَبْلَ مُضْمَرٍ لَينٍ بِمَا جَانَسَ" أي بما جانس ذلك المضمر "مِنْ تَحَرُّكٍ قَدْ عُلِمَا" فيجانس الألف الفتح والواو الضم والياء الكسر.
"وَالمُضْمَرَ" المسند إليه الفعل "احْذِفَنَّهُ" لأجل التقاء الساكنين مبقيًا حركته دالة عليه "إلاَّ الألِفْ" أبقها لخفتها تقول: "يا قوم هل تضربن" بضم الباء، و"يا هند هل تضربن" بكسرها، فأصل "يا قوم هل تضربن" "هل تضربونن" فحذفت نون الرفع لكثرة الأمثال فصار "تضربون" فحذفت الواو لالتقاء الساكنين، وأصل "يا هند هل تضربن" "هل تضربينن"، فعل به ما ذكر، وتقول يا زيدان هل تضربان، فأصل تضربان تضربانن فحذفت نون الرفع لما ذكر، ولم تحذف الألف لخفتها ولئلا يلتبس بفعل الواحد، ولم تحرك لأنها لا تقبل الحركة وكسرت نون التوكيد بعدها لشبهها بنون التثنية في زيادتها آخرًا بعد ألف.
هذا كله إذا كان الفعل صحيحًا، فإن كان معتلا نظرت إن كان بالواو والياء
__________
= الإعراب: لا: ناهية. تتبعن: فعل مضارع مبني على الفتح المقدر على الياء المحذوفة، و"النون" للتوكيد، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنت". لوعة: مفعول به. إثري: ظرف مكان، متعلق بـ"تتبع" وهو مضاف، و"الياء" ضمير في محل جر بالإضافة. ولا: "الواو": حرف عطف، "لا": زائدة لتأكيد النفي. هلعًا: معطوف على "لوعة" منصوب. ولا: "الواو": حرف عطف، "لا": ناهية. تقاسن. فعل مضارع مبني على الفتح المقدر على الياء المحذوفة، والفاعل مستتر وجوبًا تقديره أنت. و"النون": للتوكيد. بعدي: ظرف مكان متعلق بـ"قاسي"، وهو مضاف و"الياء": ضمير في محل جر بالإضافة. الهم: مفعول به منصوب. والجزعا: "الواو": حرف عطف، "الجزعا": معطوف على "الهم" منصوب، والألف للإطلاق.
وجملة "لا تتبعن": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "ولا تقاسن": معطوفة عليها لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "لا تقاسن" حيث جاءت على لغة أهل فزارة في حذف ياء المضارع الناقص اليائي المؤكد بالنون، والفصيح المقيس عدم حذفها.(3/125)
فكالصحيح، تقول: "يا قوم هل تغزن، وهل ترمن"، بضم ما قبل النون، و"يا هند هل تغزن وهل ترمن"، بكسره، فتحذف مع نون الرفع الواو والياء، وتقول: "هل تغزوان وترميان"، فتبقى الألف.
فإن قلت ليس هذا كالصحيح؛ لأنه حذف آخره، وجعلت الحركة المجانسة على ما قبل الآخر بخلاف الصحيح.
قلت: حذف آخره إنما هو لإسناده إلى الواو والياء لا لتوكيده، فهو مساو للصحيح في التغيير الناشئ عن التوكيد، ولذلك لم يتعرض له الناظم.
وإن كان بالألف فليس كالصحيح فيما ذكر، بل له حكم آخر أشار إليه بقوله:
641-
فاجعله منه -رافعا غير اليا ... والواو- ياء كاسعين سعيا
"وَإنْ يَكُنْ فِي آخِر الفِعْلِ ألِفْ فَاجْعَلهُ" أي الألف "مِنْهُ" أي من الفعل "رَافِعًا" حال من الفعل: أي حال كون الفعل رافعًا "غَيرَ اليَا وَالوَاوِ" أي بأن رفع الألف أو النون أو ضميرًا مستترًا أو اسمًا ظاهرًا "يَاءً" مفعول ثان لاجعل، أي: اجعل الألف حينئذٍ ياء نحو: "هل تخشيان وترضيان يا زيدان"، و"هل تخشينان وترضينان يا نسوة"، و"يا زيد هل تخشين وترضين"، و"هل يخشين ويرضين زيد"، والأمر في ذلك كالمضارع "كَاسْعَيَنَّ سَعْيَا" يا زيد وكذا بقية الأمثلة.
تنبيه: إنما وجب جعل الألف ياء لأن كلامه في الفعل المؤكد بالنون وهو المضارع والأمر، ولا تكون الألف فيهما إلا منقلبة عن ياء غير مبدلة كيسعى، أو مبدلة من ياء والياء منقلبة عن واو كيرضى لأنها من الرضوان.
642-
واحذفه من رافع هاتين وفي ... واو ويا شكل مجانس قفي
"وَاحْذِفْهُ" أي الألف "مِنْ رَافِعِ هَاتينِ" أي الياء والواو، وتبقى الفتحة قبلهما دليلا عليه. "وَفِي وَاوٍ وَيَا شَكْلٌ مُجَانِسٌ قُفِي" أي تبع، يعني أن الواو بعد حذف الألف تضم والياء تكسر، وإنما احتيج إلى تحريكهما ولم يحذفا لأن قبلهما حركة غير مجانسة أعني فتحة(3/126)
الألف المحذوفة، فلو حذفا لم يبق ما يدل عليهما.
643-
نحو "اخشين يا هند" بالكسر و"يا ... قوم اخشون" واضمم وقس مسويا
"نَحْوُ اخْشَينْ يَا هِنْدُ" و"هل ترضين يا هند" "بِالكَسْرِ وَيَا قَومُ اخْشَوُن" و"هل ترضون" "وَاضْمُمْ" الواو "وَقِسْ" على ذلك "مُسَوِّيَا".
تنبيهان: الأول: أجاز الكوفيون حذف الياء المفتوح ما قبلها نحو: "اخشين يا هند"، فتقول: "اخشين"، وحكى الفراء أنها لغة طيئ.
الثاني فرض المصنف الكلام على الضمير وحكم الألف والواو اللذين هما علامة -أي بأن أسند الفعل إلى الظاهر على لغة "أكلوني البراغيث"- كحكم الضمير، وهذا واضح.
644-
ولم تقع خفيفة بعد الألف ... لكن شديدة وكسرها ألف
"وَلَمْ تَقَعْ" أي النون "خَفِيفَةً بَعْدَ الأَلِفْ" أي: سواء كانت الألف اسمًا، بأن كان الفعل مسندًا إليها، أو حرفًا بأن كان الفعل مسندًا إلى ظاهر على لغة "أكلوني البراغيث"، أو كانت التالية لنون جماعة النساء، وفاقًا لسيبويه والبصريين سوى يونس، وخلافًا ليونس والكوفيين لأنه فيه التقاء الساكنين على غير حده "لَكِنْ" تقع "شَدِيدَةً وَكَسْرُهَا" لالتقاء الساكنين "أُلِفْ" لأنه على حده، إذ الأوّل حرف لين والثاني مدغم، ويعضد ما ذهب إليه يونس والكوفيون قراءة بعضهم {فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} 1 حكاها ابن جني، ويمكن أن يكون من هذا قراءة ابن ذكوان: {وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} 2.
تنبيهان: الأول: ذكر الناظم أن من أجاز الخفيفة بعد الألف يكسرها، وحمل على ذلك القراءتين المذكورتين، وظاهر كلام سيبويه -وبه صرّح الفارسي في الحجة- أن يونس يبقي النون ساكنة، ونظر ذلك بقراءة نافع: "وَمَحْيَايْ"3.
__________
1 الفرقان: 36.
2 يونس: 89.
3 الأنعام: 162.(3/127)
الثاني: هل يجوز لحاق الخفيفة بعد الألف إذا كان بعدها ما تدغم فيه على مذهب البصريين نحو: "اضربان نعمان؟ "، قال الشيخ أبو حيان: نص بعضهم على المنع، ويمكن أن يقال: يجوز، وقد صرّح سيبويه بمنع ذلك.
645-
وألفا زد قبلها مؤكدا ... فعلا إلى نون الإناث أسندا
"وَأَلِفًا زِدْ قَبْلَهَا" أي زد قبل نون التوكيد "مُؤَكِّدا فِعْلًا إلَى نُونِ الإنَاثِ أُسْنِدَا" لئلا تتوالى الأمثال؛ فتقول: "هل تضربنان يا نسوة"، بنون مشددة مكسورة، وفي جواز الخفيفة الخلاف السابق كما تقدم، ولا يجوز ترك الألف؛ فلا تقول: "هل تضربنن يا نسوة".
646-
واحذف خفيفة لساكن ردف ... وبعد غير فتحة إذا تقف
"وَاحْذِفْ خَفِيفَةً لِسَاكِن رَدِفْ" أي تحذف النون الخفيفة وهي مرادة لأمرين:
الأول: أن يليها ساكن، نحو: "اضرب الرجل" تريد "اضربن"، ومنه قوله: "من الخفيف":
976-
لاَ تُهِينَ الفَقِيرَ عَلكَ أَنْ ... تركَعَ يَومًا وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ
__________
976- التخريج: البيت للأضبط بن قريع في الأغاني 18/ 68؛ والحماسية الشجرية 1/ 474؛ وخزانة الأدب 11/ 450، 452؛ والدرر 2/ 164، 5/ 173 وشرح التصريح 2/ 208؛ وشرح ديوان الحماسية للمرزوقي ص1151؛ وشرح شواهد الشافية ص160؛ وشرح شواهد المغني ص453؛ والشعر والشعراء 1/ 390؛ والمعاني الكبير ص495؛ والمقاصد النحوية 4/ 334؛ وبلا نسة في الإنصاف 1/ 221؛ وجواهر الأدب ص57، 146؛ ورصف المباني ص249، 373، 374؛ وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 32؛ وشرح ابن عقيل ص550؛ وشرح المفصل 9/ 43، 44؛ ولسان العرب 6/ 148"قنس"، 8/ 133 "ركع"، 13/ 438؛ ومغني اللبيب 1/ 155.
المعنى: لا تحتقر من هو دونك شأنًا، فربما يحط عليك الدهر فيذلك، ويأتي معه فيرفعه.
الإعراب: "لا": الناهية. "تهين": فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المحذوفة منعًا من التقاء الساكنين، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنت:". "الفقير": مفعول به منصوب. "علك":حرف مشبه بالفعل، والكاف ضمير في محل نصب اسم "عل". "أن": حرف مصدرية ونصب. "تركع": حرف مشبه بالفعل، والكاف ضمير مستتر تقديره: "أنت". والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها في محل رفع خبر "عل". "يومًا": ظرف زمان منصوب، متعلق بـ"تركع". والدهر": الواو حالية. =(3/128)
لأنها لما لم تصلح للحركة عوملت معاملة حرف المدّ فحذفت لالتقاء الساكنين، وإذا وليها ساكن وهي بعد ألف على مذهب المجيز فقال يونس إنها تبدل همزة وتفتح فتقول: "اضرباء الغلام"، و"اضربناء الغلام"، قال سيبويه: وهذا لم تقله العرب، والقياس "اضرب الغلام" و"اضربن الغلام"، يعني بحذف الألف والنون.
والثاني: أن يوقف عليها تالية ضمة أو كسرة، وإلى ذلك أشار بقوله "وَبَعْدَ غَيرِ فَتْحَةٍ إذَا تَقِفْ" فتقول: "يا هؤلاء اخرجوا"، و"يا هذه اخرجي"، تريد: اخرجُنّ واخرجِن، أما إذا وقعت بعد فتحة فسيأتي.
647-
واردد إذا حذفتها في الوقف ما ... من أجلها في الوصل كان عدما
"وَارْدُدْ إذَا حذَفْتَهَا فِي الوَقْفِ مَا" أي الذي "مِنْ أَجْلِهَا فِي الوَصْلِ كَانَ عُدِمَا" فتقول في "اضربن يا قوم" و"اضربن يا هند"، إذا وقفت عليهما: "اضربوا، واضربي، بردّ واو الضمير ويائه كما مر، وتقول في "هل تضربن"، و"هل تصربن" إذا وقفت عليهما: "هل تضربون"، و"هل تضربين"، برد الواو والياء ونون الرفع لزوال سبب الحذف.
648-
وأبدلنها بعد فتح ألفا ... وقفا كما تقول في قفن: قفا
"وَأَبْدِلَنْهَا بَعْدَ فَتْحٍ ألِفَا وَقْفًا" أي واقفًا، ويحتمل أن يكون مفعولًا له أي لأجل الوقف، وذلك لشبهها بالتنوين "كَمَا تَقُولُ فِي قِفَن قِفَا" ومنه {لَنَسْفَعًا} 1 و {لَيَكُونًا} 2،
__________
= "الدهر": مبتدأ مرفوع، "قد": حرف تحقيق. "رفعه" فعل ماض، والهاء ضمير في محل نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: "هو".
وجملة: "لا تهين" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "تركع" صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب. وجملة: "علك أن ... " استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "والدهر قد رفعه" في محل نصب حال. وجملة "رفعه" في محل رفع خبر المبتدأ.
الشاهد فيه قوله: "لا تهين" حيث حذف نون التوكيد الخفيفة، والأصل: "لا تهينن"، منعًا من التقاء الساكنين، وبقيت الفتحة دليلًا عليها.
1 العلق: 15.
2 يوسف: 32.(3/129)
وقوله: "من الطويل":
977-
"فإياك والميتات لا تقربنها" ... وَلاَ تَعْبُدِ الشَّيطَانَ وَاللَّه فَاعْبُدَا
وقوله: "من الطويل":
فَمَنْ يَكُ لَمْ يَثْأرْ بِأعْرَاضِ قَومِهِ ... فَإنِّي وَرَبِّ الرَّاقِصَاتِ لأَثْأَرَا
وندر حذفها لغير ساكن ولا وقف كقوله: "من المنسرح":
978-
اضْرِب عَنْكَ الهُمُومَ طَارِقَهَا ... "ضربك بالسوط قونس الفرس"
__________
977- التخريج: البيت للأعشى في ديوانه ص187؛ والأزهية ص275؛ وتذكرة النحاة ص72؛ والدرر 5/ 149؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 687؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 244، 245؛ وشرح التصريح 2/ 208؛ وشرح شواهد المغني 2/ 577، 793؛ والكتاب 3/ 510؛ ولسان العرب 1/ 759 "نصب"، 2/ 473 "سبح"، 13/ 429 "نون"؛ واللمع ص273؛ والمقاصد النحوية 4/ 340؛ والمقتضب 3/ 12؛ وبلا نسبة في الإنصاف 2/ 657؛ وأوضح المسالك 4/ 113؛ وجمهرة اللغة ص857؛ وجواهر الأدب ص75، 108؛ ورصف المباني ص32، 334؛ وشرح المفصل 9/ 39؛ ومغني اللبيب ص1/ 372؛ والممتع في التصريف 1/ 40؛ وهمع الهوامع 2/ 78.
والبيت ملفق من بيتين، هما:
فإياك والميتات لا تقربنها ... ولا تأخذن سهمًا حديدًا لتفصدا
وذا النصب المنصوب لا تنسكنه ... ولا تعبد الأوثان والله فاعبدا
اللغة: شرح المفردات: تقربنها: أي تأكلنها.
المعنى: يقول: إياك أن تأكل الميتة، ولا تعبد إلا الله وحده.
الإعراب: فإياك: الفاء بحسب ما قبلها، "إياك": ضمير منفصل مبني في محل نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره "احذر"، أو "احفظ". والميتات: الواو حرف عطف، "الميتات": مفعول به لفعل محذوف منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم. لا: الناهية: تقربنها: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، والنون للتوكيد، هو في محل جزم، و"ها": ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره "أنت". ولا: الواو حرف عطف، "لا": الناهية. تعبد: فعل مضارع مجزوم بالسكون، وحرك بالكسر منعا من التقاء الساكنين، وفاعله ضمير فيه وجوبًا تقديره "أنت". الشيطان مفعول به منصوب بالفتحة. والله: الواو حرف عطف، "الله": اسم الجلالة مفعول به مقدم منصوب بالفتحة.
فاعبدا: الفاء زائدة، "اعبدا" فعل أمر مبني على الفتحة لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفًا مراعاة للروي. وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره "أنت".
الشاهد فيه قوله: "فاعبدا" حيث أبدل النون ألفًا في الواقف.
1 تقدم بالرقم 960.
978- التخريج: البيت لطرفة بن العبد في ملحق ديوانه ص155؛ وخزانة الأدب 11/ 445؛ =(3/130)
وقوله "من الطويل":
979-
"خلافًا لقولي من فيالة رأيه" ... كما قيل قبل اليوم خالف تذكرا
__________
= والدرر 5/ 174؛ وشرح شواهد المغني 2/ 933؛ وشرح المفصل 6/ 107؛ ولسان العرب 6/ 183 "قنس"، 13/ 429 "نون"؛ والمقاصد النحوية 4/ 337؛ ونوادر أبي زيد ص13؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص852، 1176؛ والخصائص 1/ 126؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 852؛ وشرح المفصل 9/ 44؛ ولسان العرب 11/ 711 "هول"؛ والمحتسب 2/ 367؛ ومغني اللبيب 2/ 643؛ والممتع في التصريف 1/ 323.
اللغة: طارقها: اسم الفاعل من "طرق يطرق" إذا أتى ليلا. قونس الفرس: العظم الناتئ بين أذني الفرس.
المعنى: اصرف عن نفسك هموم الحياة وكدتها بسهولة، كما تضرب نتوء أذني الفرس ليستقيم.
الإعراب: "اضرب" فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المحذوفة للضرورة الشعرية، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره أنت. "عنك": جار ومجرور متعلقان بالفعل اضرب. "الهموم": مفعول به منصوب وعلامة نصبة الفتحة. "طارقها": "طارق": بدل من الهموم منصوب بالفتحة، و"ها": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. "ضربك": مفعول مطلق منصوب بالفتحة وهو مضاف، والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة. "بالسوط": جار ومجرور متعلقان بالمصدر ضربك، "قويس": مفعول به للمصدر "ضربك". "الفرس": مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة.
والشاهد فيه قوله: "اضرب عنك" فإن الرواية فيه بفتح الباء، وأصل الكلام: "اضربن عنك" بنون توكيد خفيفة ساكنة، وفعل الأمر يبنى مع نوني التوكيد على الفتح. ثم حذف الشاعر نون التوكيد وهو ينويها، فلذلك أبقى الفعل على ما كان عليه وهو مقرون بها؛ لتكون هذه الفتحة مشيرة إلى النون المحذوفة ودالة عليها. وهذا شاذ؛ لأن نون التوكيد بلا نسبة إنما تحذف إذا وليها ساكن.
979- التخريج: البيت بلا نسبة في الحيوان 7/ 84؛ والمقاصد النحوية 4/ 345.
اللغة: الفيالة: ضعف الرأي.
الإعراب: خلافًا: مفعول مطلق، أو حال، أو مفعول لأجله منصوب. لقولي: جار ومجرور متعلقان بـ"خلافًا"، وهو مضاف، و"الياء": ضمير في محل جر بالإضافة. من فيالة: جار ومجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره: "خالف"، وهو مضاف. رأيه: مضاف إليه مجرور، و"الهاء": ضمير في محل جر بالإضافة. كما: "الكاف": حرف جر، و"ما": مصدرية. قيل: فعل ماض للمجهول. قبل: ظرف زمان متعلق بـ"قيل" وهو مضاف. اليوم مضاف إليه مجرور خالف: فعل أمر وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنت". تذكرا: فعل مضارع للمجهول، و"الألف": مبدلة من نون التوكيد وأصله،:"تذكرن"، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنت".
والمصدر المؤول من "ما قيل" في محل جر بحرف الجر. والجار والمجرور متعلقان بصفة للمصدر "خلافًا". وجملة "خالف": في محل رفع نائب فاعل لـ"قيل". وجملة "قيل": صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة "تذكرا": جواب الطلب لا محل لها.
الشاهد فيه قوله: "خالف" حيث حذف نون التوكيد وفتح الحرف الأصلي الأخير من الفعل، وهو الفاء، وأصله: "خالفن". وقوله: "تذكرا" أبدل نون التوكيد بـ"ألف"، وأصله "تذكرن".(3/131)
وحمل على ذلك قراءة من قرأ: "أَلَمْ نَشْرَحَ لَكَ صَدْرَكَ"1.
خاتمة: أجاز يونس للواقف إبدال الخفيفة ياء أو واوًا في نحو: "اخشين" و"اخشون"، فتقول: "اخشيني" و"اخشووا"، وغيره يقوله: "اخشى" و"اخشوا"، وقد نقل عنه إبدالها واوًا بعد ضمة وياء بعد كسرة مطلقًا، وكلام سيبويه يدل على أن يونس إنما قال بذلك في المعتل فإنه قال: وأما يونس فيقول: "اخشووا" و"اخشيي"، يزيد الواو والياء بدلا من النون الخفيفة من أجل الضمة والكسرة، وهو ما نقله الناظم في التسهيل، وإذا وقف على المؤكد بالخفيفة بعد الألف على مذهب يونس والكوفيين أبدلت ألفًا، نص على ذلك سيبويه ومن وافقه ثم قيل: يجمع بين الألفين فيمد بمقدارهما، وقيل: بل ينبغي أن تحذف إحداهما ويقدر بقاء المبدلة من النون، وحذف الأولى.
وفي الغرة: إذا وقفت على "اضربان" على مذهب يونس زدت ألفًا عوض النون، فاجتمع ألفان؛ فهمزت الثانية فقلت: "اضرباء"، اهـ. وقياسه في "اضربنان": "اضربناء". والله أعلم.
__________
1 الشرح: 1.(3/132)
مَا لاَ يَنْصَرِف:
"حقيقة الصرف واختلاف العلماء فيه":
قد مر في أوّل الكتاب أن الأصل في الاسم أن يكون معربًا منصرفًا، وإنما يخرجه عن أصله شبهه بالفعل أو بالحرف، فإن شابه الحرف بلا معاند بني، وإن شابه الفعل بكونه فرعًا بوجه من الوجوه الآتية منع الصرف.
ولما أراد بيان ما يمنع الصرف بدأ بتعريف الصرف فقال:
649-
"الصَّرْفُ تَنْوِينٌ أتَى مُبَيِّنًا ... مَعْنَىً بِهِ يَكُونُ الاِسْمُ أَمْكَنَا"
فقوله: "تنوين" جنس يشمل أنواع التنوين، وقد تقدّمت أوّل الكتاب، وقوله: "أتى مبينًا ... إلخ" مخرج لما سوى المعبر عنه بالصرف، والمراد بالمعنى الذي يكون به الاسم أمكن، أي زائدًا في التمكن: بقاؤه على أصله، أي: أنه لم يشبه الحرف فيبنى ولا الفعل فيمنع من الصرف.
تنبيهات: الأول: ما ذكره الناظم من أن الصرف هو التنوين هو مذهب المحققين، وقيل: الصرف هو الجرّ والتنوين معًا.
الثاني: تخصيص تنوين التمكين بالصرف هو المشهور، وقد يطلق الصرف على غيره من تنوين التنكير والعوض والمقابلة.(3/133)
الثالث يستثنى من كلامه نحو "مسلمات" فإنه منصرف مع أنه فاقد للتنوين المذكور؛ إذ تنوينه للمقابلة كما تقدم أوّل الكتاب.
الرّابع: اختلف في اشتقاق المنصرف، فقيل: من الصريف، وهو الصوت؛ لأن في آخره التنوين وهو صوت، قال النابغة: "من البسيط":
980-
"مقذوفة بدخيس اللحم بازلها" ... لَهُ صَرِيفٌ صَرِيفَ القَعْوِ بِالمَسَدِ
أي: صوتٌ صوت البكرة بالحبل، وقيل: من الانصراف في جهات الحركات، وقيل: من الانصراف وهو الرجوع فكأنه انصرف عن شبه الفعل، وقال في شرح الكافية: سمي منصرفًا لانقياده إلى ما يصرفه عن عدم تنوين إلى تنوين، وعن وجه من وجوه الإعراب إلى غيره، اهـ.
واعلم أن المعتبر من شبه الفعل في منع الصرف هو كون الاسم إما فيه فرعيتان مختلفتان مرجع إحداهما اللفظ ومرجع الأخرى المعنى، وإما فرعية تقوم مقام الفرعيتين، وذلك لأن في الفعل فرعية على الاسم في اللفظ وهي اشتقاقه من المصدر، وفرعية في
__________
980- التخريج: البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص16؛ وجمهرة اللغة ص578، 741، 944؛ والدرر 3/ 76؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 31؛ والكتاب 1/ 355؛ ولسان العرب 9/ 191 "صرف"، 277 "قذف"، 11/ 52 "بزل"، 15/ 191 "قعا"؛ وبلا نسبة في لسان العرب 6/ 77 "دخس"؛ ومجالس ثعالب ص320؛ وهمع الهوامع 1/ 193.
اللغة: مقذوفة: مرمية. اللحم الدخيس: الكثير المجتمع. البازل: البعير الذي بلغ تسعًا من عمره. الصريف: الصوت. القعو: البكرة. المسد: الحبل.
المعنى: يصف الشاعر ناقته الفتية فيقول: إنها مرمية باللحم، ولبازلها صوت شبيه بصوت البكرة إذ تلف حولها الجبال المجدولة.
الإعراب: مقذوفة: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "هي". بدخيس: جار ومجرور متعلقان بـ"مقذوفة"، وهو مضاف. اللحم: مضاف إليه مجرور. بازلها: مبتدأ مرفوع وهو مضاف. و"ها": في محل جر بالإضافة. له: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. صريف: مبتدأ مؤخر. صريف: مفعول مطلق منصوب، وهو مضاف. القعو: مضاف إليه مجرور. بالمسد: جار ومجرور متعلقان بالمصدر "صريف".
وجملة "هي مقذوفة": في محل جر صفة لـ"عيرانة" في بيت سابق. وجملة "بازلها ... " في محل جر صفة ثانية له. وجملة "صريف موجود له": في محل رفع خبر "بازلها".
الشاهد فيه قوله: "صريف" حيث ورد بمعنى الصوت.(3/134)
المعنى وهي احتياجه إليه، لأنه يحتاج إلى فاعل والفاعل لا يكون إلا اسمًا، ولا يكمل شبه الاسم بالفعل بحيث يحمل عليه في الحكم إلا إذا كانت فيه الفرعيتان كما في الفعل، ومن ثم صرف من الأسماء ما جاء على الأصل كالمفرد الجامد النكرة كرجل وفرس، لأنه خف فاحتمل زيادة التنوين وألحق به ما فرعية اللفظ والمعنى فيه من جهة واحدة كـ"دريهم"، وما تعدّدت فرعيته من جهة اللفظ كأجيمال، أو من جهة المعنى كحائض وطامث؛ لأنه لم يصر بتلك الفرعية كامل الشبه بالفعل، ولم يصرف نحو أحمد لأن فيه فرعيتين مختلفتين مرجع إحداهما اللفظ وهي وزن الفعل ومرجع الأخرى المعنى وهو التعريف، فلما كمل شبهه بالفعل ثقُل ثِقَل الفعل فلم يدخله التنوين وكان في موضع الجر مفتوحًا.
"علل منع الصرف":
والعلل المانعة من الصرف تسع يجمعها قوله: "من البسيط":
عَدلٌ ووصفٌ وتأنيثٌ ومعرفةٌ ... وعُجمة ثم جمعٌ ثم تركيبُ
والنونُ زائدةٌ من قَبلِها ألفٌ ... ووزنُ فعل وهذا القول تقريبُ
المعنوية منها: العلمية والوصفية، وباقيها لفظي، فيمنع مع الوصف ثلاثة أشياء: العدل كمثنى وثلاث، ووزن الفعل كـ"أحمر"، وزيادة الألف والنون كسكران، ويمنع مع العلمية هذه الثلاثة كعمر ويزيد ومروان، وأربعة أخرى وهي: العجمة كإبراهيم، والتأنيث كطلحة وزينب، والتركيب كمعدي كرب، وألف الإلحاق كأرطى، وسترى ذلك كله مفصلا.
وجميع ما لا ينصرف اثنا عشر نوعًا: خمسة لا تنصرف في تعريف ولا تنكير، وسبعة لا تنصرف في التعريف وتنصرف في التنكير.
ولما شرع في بيان الموانع بدأ بما يمنع في الحالتين؛ لأنه أمكن في المنع فقال:
650-
"فَألفُ التَّأنيثِ مُطْلَقًا مَنعْ ... صَرْفَ الَّذِي حَوَاهُ كَيفَمَا وَقَعْ"
أي ألف التأنيث مقصورة كانت أو ممدودة، -وهو المراد بقوله "مطلقًا"- تمنع صرف(3/135)
ما هي فيه كيفما وقع، أي سواء وقع نكرة كذكرى وصحراء، أم معرفة كرضوى وزكرياء، مفردًا كما مر، أو جمعًا كجرحى وأصدقاء، اسمًا كما مر، أم صفة كحبلى وحمراء.
وإنما استقلت بالمنع لأنها قائمة مقام شيئين وذلك لأنها لازمة لما هي فيه، بخلاف التاء فإنها في الغالب مقدرة الانفصال، ففي المؤنث بالألف فرعية من جهة التأنيث وفرعية من جهة لزوم علامته، بخلاف المؤنث بالتاء، وإنما قلت "في الغالب" لأن من المؤنث بالتاء ما لا ينفك عنها استعمالًا، ولو قدر انفكاكه عنها لوجد له نظير كهمزة فإن التاء ملازمة له استعمالًا ولو قدر انفكاكه عنها لكان همز كحطم لكن "حطم" مستعمل و"همز" غير مستعمل، ومن المؤنث بالتاء ما لا ينفك عنها استعمالًا ولو قدر انفكاكه عنها لم يوجد له نظير كحِذْرِيةَ وعَرْقُوَةَ، فلو قدر سقوط تاء حذرية وتاء عرقوة لزم وجدان ما لا نظير له، إذ ليس في كلام العرب فِعْلِيٌ ولا فَعْلَوٌ، إلا أن وجود التاء هكذا قليل فلا اعتداد به، بخلاف الألف فإنها لا تكون إلا هكذا ولذلك عوملت خامسة في التصغير معاملة خامس أصلي، فقيل في قرقرى: قريقر كما قيل في سفرجل: سفيرج، وعوملت التاء معاملة عجز المركب فلم ينلها تغير التصغير كما لا ينال عجز المركب فقيل في زجاجة: زجيجة.
فرعان: الأول: إذا سميت بكلتا من قولك "قامت كلتا جاريتيك" منعت الصرف، لأن ألفها للتأنيث وإن سميت بها من قولك رأيت كلتيهما أو كلتي المرأتين في لغة كنانة صرفت، لأن ألفها حينئذٍ منقلبة فليست للتأنيث.
الثاني: إذا رخمت حبلوى على لغة الاستقلال عند من أجازه فقلت يا حبلى1 ثم سميت به صرفت لما ذكرت في كلتا.
"الألف والنون الزائدتان":
651-
وزائدا فعلان في وصف سلم ... من أن يرى بتاء تأنيث ختم
"وَزَائِدَا فَعْلاَنَ" رفع بالعطف على الضمير في منع، أي ومنع صرف الاسم أيضًا زائدًا فعلان وهما الألف والنون "فِي وصفِ سَلِمْ مِن أنْ يُرَى بتاءِ تأنيثٍ خُتِمْ" إما لأن مؤنثه
__________
1 حذفت ياء النسب المشددة للترخيم، ثم قلبت الواو ألفًا بسبب تحركها وانفتاح ما قبلها، وصرفت هذه الكلمة لأن ألفها ليست للتأنيث بل هي منقلبة عن الواو كما تقدم.(3/136)
فعلى كسكران وغضبان وندمان من الندم، وهذا متفق على منع صرفه، وإما لأنه لا مؤنث له نحو لحيان لكبير اللحية، وهذا فيه خلاف والصحيح منع صرفه أيضًا لأنه وإن لم يكن له فعلى وجودًا فله فعلى تقديرًا، لأنا لو فرضنا له مؤنثًا لكان فعلى أولى به من فعلانة لأن باب فعلان فعلى أوسع من باب فعلان فعلانة، والتقدير في حكم الوجود بدليل الإجماع على منع صرف أكمر وآدر مع أنه لا مؤنث له، ولو فرض له مؤنث لأمكن أن يكون كمؤنث أرمل وأن يكون كمؤنث أحمر، لكن حمله على أحمر أولى لكثرة نظائره.
واحترز من فعلان الذي مؤنثه فعلانة فإنه مصروف نحو ندمان من المنادمة وندمانة وسيفان وسيفانة، وقد جمع المصنف ما جاء على فعلان ومؤنثه فعلانة في قوله: "من الهزج":
أَجِزْ فَعْلَي لِفعْلاَنَا ... إذَا اسْتَثنَيتَ حَبلانَا
ودَخْنانَا وسَخْنَانَا ... وسَيفَانَا وصَحْيانَا
وَصَوجَانَا وعَلاَّنَا ... وَقَشْوَانَا ومَصَّانَا
ومَوتانَا ونَدْمَانَا ... وَأتْبعْهُنَّ نَصْرَانَا
واستدرك عليه لفظان وهما خمصان لغة في خمصان وأليان في "كبش أليان" أي كبير الألية، فذيل الشارح المرادي أبياته بقوله:
وَزِدْ فِيهنَّ خَمْصَانَا ... عَلَى لُغَةٍ وَأليَانَا
فالحبلان الكبير البطن وقيل الممتلئ غيظًا، والدخنان: اليوم المظلم، والسخنان: اليوم الحار، والسيفان: الرجل الطويل، والصحيان: اليوم الذي لا غيم فيه، والصوجان: البعير اليابس الظهر، والعلان: الكثير النسيان، وقيل: الرجل الحقير، والقشوان: الرقيق الساقين، والمصان: اللئيم، والموتان: البليد الميت القلب، والندمان: المنادم، أما ندمان من الندم فغير مصروف إذ مؤنثه ندمى وقد مرّ، والنصران: واحد النصارى.
تنبيهات: الأوّل إنما منع نحو سكران من الصرف لتحقق الفرعيتين فيه: أما فرعية المعنى فلأن فيه الوصفية وهي فرع عن الجمود لأن الصفة تحتاج إلى موصوف ينسب معناها إليه والجامد لا يحتاج إلى ذلك، وأما فرعية اللفظ فلأن فيه الزيادتين المضارعتين لألفي التأنيث في نحو حمراء في أنهما في بناء يخص المذكر كما أن ألفي حمراء في بناء يخص(3/137)
المؤنث، وأنهما لا تلحقهما التاء فلا يقال: سكرانة كما لا يقال: حمراءة مع أن الأول من كل من الزيادتين ألف، والثاني حرف يعبر به عن المتكلم في أفعل ونفعل فلما اجتمع في نحو سكران المذكور الفرعيتان امتنع من الصرف، وإنما لم تكن الوصفية فيه وحدها مانعة مع أن في الصفة فرعية في المعنى كما سبق وفرعية في اللفظ وهي الاشتقاق من المصدر لضعف فرعية اللفظ في الصفة لأنها كالمصدر في البقاء على الاسمية والتنكير، ولم يخرجها الاشتقاق إلى أكثر من نسبة معنى الحدث فيها إلى الموصوف والمصدر بالجملة صالح لذلك كما في "رجل عدل، ودرهم ضرب الأمير"، فلم يكن اشتقاقها من المصدر مبعدًا لها عن معناه، فكان كالمفقود فلم يؤثر، ومن ثم كان نحو: "عالم، وشريف" مصروفًا مع تحقق ذلك فيه، وكذا إنما صرف نحو ندمان مع وجود الفرعيتين لضعف فرعية اللفظ فيه من جهة أن الزيادة فيه لا تخص المذكر وتلحقه التاء في المؤنث نحو: "ندمانة" فأشبهت الزيادة فيه بعض الأصول في لزومها في حالتي التذكير والتأنيث وقبول علامته، فلم يعتد بها، ويشهد لذلك أن قومًا من العرب وهم بنو أسد يصرفون كل صفة على فعلان لأنهم يؤنثونه بالتاء ويستغنون فيه بفعلانة عن فعلى، فيقولون سكرانة وغضبانة وعطشانة، فلم تكن الزيادة عندهم شبيهة بألفي حمراء فلم تمنع من الصرف.
الثاني: فهم من قوله: "زائدًا فعلان" أنهما لا يمنعان في غيره من الأوزان، كفعلان بضم الفاء نحو خمصان؛ لعدم شبههما في غيره بألفي التأنيث.
الثالث: ما تقدم -من أن المنع بزائدي فعلان لشبههما بألفي التأنيث في نحو حمراء- هو مذهب سيبويه، وزعم المبرد أنه امتنع لكون النون بعد الألف مبدلة من ألف التأنيث، ومذهب الكوفيين أنهما منعا لكونهما زائدتين لا يقبلان الهاء لا للتشبيه بألفي التأنيث.
"الوصفية ووزن الفعل":
652-
ووصف اصلي ووزن أفعلا ... ممنوع تأنيث بتا كأشهلا
"وَوصفٌ اصْلِيٌّ وَوزنُ أفْعَلاَ مَمنوعَ" بالنصب على الحال من وزن أفعلا، أي حال كونه ممنوع "تَأنيثٍ بِتَا كَأشْهَلاَ" أي: ويمنع الصرف أيضًا اجتماع الوصف الأصلي ووزن(3/138)
أفعل، بشرط أن لا يقبل التأنيث بالتاء، إما لأن مؤنثه فعلاء، كأشهل، أو فعلى كأفضل، أو لأنه لا مؤنث له كأكمر وآدر، فهذه الثلاثة ممنوعة من الصرف للوصف الأصلي ووزن أفعل، فإن وزن الفعل به أولى، لأن في أوله زيادة تدل على معنى في الفعل دون الاسم، فكان ذلك أصلًا في الفعل لأن ما زيادته لمعنى أصل لما زيادته لغير معنى، فإن أنث بالتاء انصرف نحو أرمل بمعنى فقير، فإن مؤنثه أرملة لضعف شبهه بلفظ المضارع، لأن تاء التأنيث لا تلحقه، وأجاز الأخفش منعه لجريه مجرى أحمر لأنه صفة وعلى وزنه، نعم قولهم: "عام أرمل" غير مصروف؛ لأن يعقوب حكى فيه "سنة رملاء"، واحترز بالأصلي عن العارض؛ فإنه لا يعتد به كما سيأتي.
تنبيهان: الأول: مثل الشارح لما تلحقه التاء بأرمل وأباتر وهو القاطع لرحمه، وأدابر وهو الذي لا يقبل نصحًا فإن مؤنثها أرملة وأباترة وأدابرة: أما أرمل فواضح، وأما أباتر وأدابر فلا يحتاج هنا إلى ذكرهما إذ لم يدخلا في كلام الناظم، فإنه علق المنع على وزن أفعل، وإنما ذكرهما في شرح الكافية لأنه علق المنع على وزن أصلي في الفعل أي الفعل به أولى، ولم يخصه بأفعل، ولفظه فيها:
وَوصْفٌ أصْلِيٌّ وَوزْنٌ أُصِّلاَ ... فِي الفعْلِ تَا أُنْثى بِهِ لَن تُوصَلاَ
ولهذا احترز أيضًا من يعمل ومؤنثه يعملة، وهو الجمل السريع.
الثاني: الأولى تعليق الحكم على وزن الفعل الذي هو به أولى لا على وزن أفعل ولا الفعل مجردًا ليشمل نحو أحيمر وأفيضل من المصغر فإنه لا ينصرف لكونه على الوزن المذكور نحو أبيطر، ولا يرد نحو بطل وجدل وندس؛ فإن كل واحد منها وإن كان أصلًا في الوصفية، وعلى وزن فعل، لكنه وزن مشترك فيه ليس الفعل أولى به من الاسم؛ فلا اعتداد به، اهـ.
653-
وألغين عارض الوصفيه ... كأربع وعارض الإسميه
"وألغِينَّ عارِضَ الوَصْفِيَّه كَأربَعٍ" في نحو "مررت بنسوة أربع" فإنه اسم من أسماء العدد، لكن العرب وصفت به، فهو منصرف نظرًا للأصل، ولا نظر لما عرض له من الوصفية، وأيضًا فهو يقبل التاء فهو أحق بالصرف من أرمل؛ لأن فيه مع قبول التاء كونه(3/139)
عارض الوصفية، وكذلك أرنب من قولهم "رجل أرنب" أي ذليل؛ فإنه منصرف لعروض الوصفية إذ أصله الأرنب المعروف "وعارِضَ الإسْمِيَّةْ" أي وألغ عارض الاسمية على الوصف، فتكون الكلمة باقية على منع الصرف للوصف الأصلي، ولا ينظر إلى ما عرض لها من الاسمية.
654-
"فالأدهم القيد لكونه وضع ... في الأصل وصفا انصرافه منع"
نظرًا إلى الأصل، وطرحًا لما عرض من الاسمية.
تنبيه: مثل أدهم في ذلك أسود للحية العظيمة، وأرقم لحية فيها نقط كالرقم نظرًا إلى الأصل وطرحًا لما عرض من الاسمية.
655-
وأجدل وأخيل وأفعى ... مصروفة وقد ينلن المنعا
"وَأجْدَلٌ" للصقر "وأَخْيلٌ" لطائر ذي نقط كالخيلان يقال له الشقراق "وَأفْعَى" للحية "مَصرُوفةٌ" لأنها أسماء مجردة عن الوصفية في أصل الوضع ولا أثر لما يلمح في أجدل من الجدل وهو الشدة، ولا في أخيل من الخيول وهو كثرة الخيلان، ولا في أفعى من الإيذاء؛ لعروضه عليهنَّ "وَقَدْ يَنَلنَ المنْعَا" من الصرف؛ لذلك، وهو في أفعى أبعد منه في أجدل وأخيل لأنهما من الجدل ومن الخيول كما مر، وأما أفعى فلا مادة لها في الاشتقاق لكن ذكرها يقارنه تصور إيذائها فأشبهت المشتق وجرت مجراه على هذه اللغة.
ومما استعمل فيه أجدل وأخيل غير مصروفين قوله "من الطويل":
981-
كَأَنَّ العُقَيلِيِّينَ يَومَ لَقِيتُهُمْ ... فِرَاخُ القَطَا لاَقَينَ أجْدَلَ بَازِيَا
__________
981- التخريج: البيت للقطامي في ديوانه ص182؛ وشرح التصريح 2/ 214؛ والمقاصد النحوية 4/ 346؛ ولجعفر بن علبة الحارثي في المؤتلف والمختلف ص19؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص800؛ وشرح شواهد الإيضاح ص393؛ ولسان العرب 1/ 104 "جدل".
شرح المفردات: العقيليون: المنتسبون إلى عقيل: القطا. طير يشبه الحمام. الأجدل: من الطيور الكاسرة. البازي: الصقر. =(3/140)
وقول الآخر "من الطويل":
982-
ذريني وعلمي بالأمور وشيمتي ... فما طائري يومًا عليك بأخيلا
__________
= المعنى: يشبه الشاعر بني عقيل في المعارك، بفراخ القطا تذوب قلوبها خوفًا لدى مرآها الصقر. أي إنهم جبناء.
الإعراب: "كأن": حرف مشبه بالفعل: "العقيليين": اسم "كأن" منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم. "يوم": ظرف زمان منصوب. "لقيتهم": فعل ماض، والتاء ضمير متصل في محل رفع فاعل، و"هم": ضمير في محل نصب مفعول به. "فراخ": خبر "كأن" مرفوع بالضمة، وهو مضاف. "القطا": مضاف إليه مجرور. "لاقين": فعل ماض، والنون ضمير في محل رفع فاعل. "أجدل": مفعول به منصوب: "بازيًا": نعت "أجدل" أو بدل منه.
وجملة: "كأن العقيليين فراخ" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "لقيتهم" في محل جر بالإضافة. وجملة: "لاقين" في محل نصب حال.
الشاهد فيه قوله: "أجدل" حيث منعه من الصرف مع أنه اسم في الأصل والحال، إذ هو اسم للصقر، وذلك لأنه ضمنه الوصفية، وهي القوة، فانضم إلى وزن الفعل.
982- التخريج: البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص271؛ وشرح التصريح 2/ 214؛ وشرح شواهد الإيضاح ص392؛ ولسان العرب 11/ 230 "خيل"؛ والمقاصد النحوية 4/ 348؛ وبلا نسبة في الاشتقاق ص300.
شرح المفردات: ذريني: دعيني. الشيمة: الطبيعة: الأخيل: طائر مشئوم.
المعنى: يقول: اتركيني وما أنا عليه من خبرة وطبع، فمن كنت يومًا عليك بشؤم.
الإعراب: "ذريني": فعل أمر مبني على حذف النون، والياء الأولى في محل رفع فاعل، والنون للوقاية، والياء في محل نصب مفعول به. "وعلمي": الواو للمعية، "علمي": مفعول به منصوب، وهو مضاف، والياء ضمير في محل جر بالإضافة. "بالأمور": جار ومجرور متعلقان بـ"علم". "وشيمتي": الواو حرف عطف، "شيمتي": معطوف على "علمي"، منصوب، وهو مضاف، والياء في محل جر بالإضافة. "فما": الفاء: حرف استئناف، "ما": من أخوات "ليس". "طائري": اسم "ما" مرفوع، وهو مضاف، والياء ضمير في محل جر بالإضافة. "يومًا": ظرف زمان منصوب متعلق بـ"أخيل". "عليك": جار ومجرور متعلقان بـ"أخيل". "بأخيلا": الباء حرف جر زائد، "أخيلا": اسم مجرور لفظًا، منصوب محلا على أنه خبر "ما". ويجوز اعتبار "ما" نافية، فيكون "طائري" مبتدأ، و"أخيل": خبره.
وجملة: "ذريني" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "ما طائري ... " استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "بأخيلا" حيث منعه من الصرف، وجره بالفتحة بدلًا من الكسرة مع أنه اسم في الأصل والحال، وهو اسم لطائر معروف ذي خيلان، ومسوغ منعه من الصرف تضمينه معنى الوصف، وهو التلون والتشاؤم، لأن العرب تتشاءم بهذا الطائر.(3/141)
وكما شذ الاعتداد بعروض الوصفية في أجدل وأخيل وأفعى كذلك شذ الاعتداد بعروض الاسمية في أبطح وأجرع وأبرق فصرفها بعض العرب، واللغة المشهورة منعها من الصرف لأنها صفات استغني بها عن ذكر الموصوفات فيستصحب منع صرفها كما استصحب صرف أرنب وأكلب1 حين أجري مجرى الصفات، إلا أن الصرف لكونه الأصل ربما رجع إليه بسبب ضعيف بخلاف منعِ الصرف فإنه خروج عن الأصل فلا يصار إليه إلا بسبب قويّ.
"الوصفية والعدل":
656-
"وَمَنْعُ عَدْل مَعَ وَصْف مُعتَبْر ... فِي لَفْظِ مَثنى وثُلاَثَ وأُخَرْ"
منع مبتدأ وهو مصدر مضاف إلى فاعله وهو عدل، والمفعول محذوف وهو "الصرف"، ومعتبر خبره، وفي لفظ متعلق به.
أي مما يمنع الصرف اجتماع العدل والوصف وذلك في موضعين: أحدهما المعدول في العدد إلى مفعل نحو مثنى أو فعال نحو ثلاث والثاني في أخر المقابل لآخرين.
أما المعدول في العدد فالمانع له عند سيبويه والجمهور العدل والوصف: فأحاد وموحد معدولان عن واحد واحد، وثناء ومثنى: معدولان عن اثنين اثنين وكذلك سائرها، وأما الوصف فلأن هذه الألفاظ لم تستعمل إلا نكرات إما نعتًا نحو: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} 2، وإما حالا نحو قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} 3، وإما خبرًا نحو: "صلاة الليل مثنى مثنى"، وإنما كرر لقصد التأكيد لا لإفادة التكرير، ولا تدخلها أل، قال في الارتشاف: وإضافتها قليلة.
__________
1 قال محيي الدين عبد الحميد: "ظاهر صنيع الشارح أن "أكلب" مثل "أرنب" في كونه اسم جنس في الأصل، ثم وصف به، والمشهور أن "أكلب" من الكلب -بالتحريك- فلا يكون كأرنب، ولعل الكلمة مصحفة عن "أجدل" مثلًا.
2 فاطر: 1.
3 النساء: 3.(3/142)
وذهب الزجاج إلى أن المانع لها العدل في اللفظ وفي المعنى: أما في اللفظ فظاهر وأما في المعنى فلكونها تغيرت عن مفهومها في الأصل إلى إفادة معنى التضعيف.
ورد بأنه لو كان المانع من صرف "أحاد" مثلا عدله عن لفظ واحد وعن معناه إلى معنى التضعيف للزم أحد أمرين: إما منع صرف كل اسم يتغير عن أصله لتجدد معنى فيه كأبنية المبالغة وأسماء الجموع، وإما ترجيح أحد المتساويين على الآخر واللازم منتف باتفاق، وأيضًا كل ممنوع من الصرف لا بد أن يكون فيه فرعية في اللفظ وفرعية في المعنى، ومن شرطها أن يكون من غير جهة فرعية اللفظ ليكمل بذلك الشبه بالفعل، ولا يتأتى ذلك في "أحاد" إلا أن تكون فرعيته في اللفظ بعدله عن واحد المضمن معنى التكرار، وفي المعنى بلزومه الوصفية وكذا القول في أخواته.
وأما أخر فهو جمع أخرى أنثى آخر بفتح الخاء بمعنى مغاير، فالمانع له أيضًا العدل والوصف، أما الوصف فظاهر وأما العدل فقال أكثر النحويين: إنه معدول عن الألف واللام؛ لأنه من باب أفعل التفضيل، فحقه ألا يجمع إلا مقرونًا بأل، والتحقيق أنه معدول عما كان يستحقه من استعماله بلفظ ما للواحد المذكر بدون تغير معناه، وذلك أن آخر من باب أفعل التفضيل فحقه أن لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث إلا مع الألف واللام أو الإضافة فعدل في تجرده منهما واستعماله لغير الواحد المذكر عن لفظ آخر إلى لفظ التثنية والجمع والتأنيث بحسب ما يراد به من المعنى، فقيل عندي رجلان آخران ورجال آخرون وامرأة أخرى ونساء أخر، فكل من هذه الأمثلة صفة معدولة عن آخر، إلا أنه لم يظهر أثر الوصفية والعدل إلا في "أخر" لأنه معرب بالحركات بخلاف "آخران وآخرون"، وليس فيه ما يمنع من الصرف غيرهما بخلاف "أخرى" فإن فيها أيضًا ألف التأنيث فلذلك خص "أخر" بنسبة اجتماع الوصفية والعدل إليه وإحالة منع الصرف عليه، فظهر أن المانع من صرف "أخر" كونه صفة معدولة عن "آخر" مرادًا به جمع المؤنث لأن حقه أن يستغنى فيه بأفعل عن فعل لتجرده من "أل" كما يستغنى بأكبر عن كبر في قولهم "رأيتها مع نساء أكبر منها".
تنبيهان: الأوّل: قد يكون "أخر" جمع "أخرى" بمعنى آخرة فيصرف؛ لانتفاء العدل؛ لأن مذكرها آخر بالكسر، بدليل: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} 1، {ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ
__________
1 النجم: 47.(3/143)
الْآخِرَةَ} 1، فليست من باب أفعل التفضيل. والفرق بين أخرى أنثى آخر وأخرى بمعنى آخرة أن تلك لا تدل على الانتهاء، ويعطف عليها مثلها من جنسها، نحو جاءت "امرأة أخرى وأخرى"، وأما أخرى بمعنى آخرة فتدل على الانتهاء، ولا يعطف عليها مثلها من جنس واحد، وهي المقابلة الأولى في قوله تعالى: {قَالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ} ، إذا عرفت ذلك فكان ينبغي أن يحترز عن هذه كما فعل في الكافية فقال:
وَمَنَعَ الوَصْفُ وَعَدْلٌ أخَرَا ... مُقَابِلًا لآخَرينَ فاحْصُرَا
الثاني: إذا سمي بشيء من هذه الأنواع الثلاثة وهي: ذو الزيادتين وذو الوزن وذو العدل بقي على منع الصرف؛ لأن الصفة لما ذهبت بالتسمية خلفتها العلمية.
657-
"وَوزنُ مَثنَى وثُلاثَ كَهُمَا ... مِنْ واحدٍ لأربعٍ فَليُعلمَا"
يعني ما وازن مثنى وثلاث من ألفاظ العدد المعدول من واحد إلى أربع فهو مثلهما في امتناع الصرف للعدل والوصف تقول: "مررت بقوم موحد وأحاد، ومثنى وثناء، ومثلث وثلاث، ومربع ورباع"، وهذه الألفاظ الثمانية متفق عليها ولهذا اقتصر عليها، قال في شرح الكافية: وروي عن بعض العرب "مخمس وعشار ومعشر" ولم يرد غير ذلك، وظاهر كلامه في التسهيل أنه سمع فيها خماس أيضًا. واختلف فيما لم يسمع على ثلاثة مذاهب.
أحدها: أنه يقاس على ما سمع، وهو مذهب الكوفيين والزجاج ووافقهم الناظم في بعض نسخ التسهيل وخالفهم في بعضها.
الثاني: لا يقاس بل يقتصر على المسموع وهو مذهب جمهور البصريين.
الثالث: أنه يقاس على فعال لكثرته لا على مفعل.
قال الشيخ أبو حيان: والصحيح أن البناءين مسموعان من واحد إلى عشرة، وحكى
__________
1 العنكبوت: 20.
2 الأعراف: 39.(3/144)
البناءين أبو عمرو الشيباني، وحكى أبو حاتم وابن السكيت من أحاد إلى عشار ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.
تنبيه: قال في التسهيل: ولا يجوز صرفها يعني "آخر" مقابل آخرين وفعال ومفعل في العدد مذهوبًا بها مذهب الأسماء، خلافًا للفراء، ولا مسمى بها، خلافًا لأبي علي وابن برهان، ولا منكرة بعد التسمية بها خلافًا لبعضهم، اهـ.
أما المسألة الأولى فالمعنى أن الفراء أجاز "أدخلوا ثلاث ثلاث، وثلاثًا ثلاثًا" وخالفه غيره وهو الصحيح، وأما الثانية فقد تقدَّم التنبيه عليها.
"صيغة منتهى الجموع":
658-
"وكُن لِجمعٍ مُشبهٍ مَفَاعِلا ... أوِ المفاعيلَ بِمنعٍ كافِلاَ"
"كافلا": خبر "كن"، و"بمنع" متعلق بـ"كافلا"، وكذا "لجمع"، و"مفاعل": مفعول بمشبه.
يعني أن مما يمنع من الصرف الجمع المشبه مفاعل أو مفاعيل أي في كون أوله مفتوحًا وثالثه ألفًا غير عوض يليها كسر غير عارض ملفوظ أو مقدر على أول حرفين بعدها أو ثلاثة أوسطها ساكن غير منوي به وبما بعده الانفصال، فإن الجمع متى كان بهذه الصفة كان فيه فرعية اللفظ بخروجه عن صيغ الآحاد العربية وفرعية المعنى بالدلالة على الجمعية فاستحق منع الصرف، ووجه خروجه عن صيغ الآحاد العربية أنك لا تجد مفردًا ثالثه ألف بعدها حرفان أو ثلاثة إلا وأوله مضموم كعذافر، أو ألفه عوض من إحدى ياءي النسب إما تحقيقًا كيمان وشآم فإن أصلهما يمني وشآمي، فحذفت إحدى الياءين وعوض عنها الألف، أو تقديرًا نحو: تهام وثمان فإن ألفهما موجودة قبل، وكأنهم نسبوا إلى فعل أو فعل ثم حذفوا إحدى الياءين وعوضوا عنها الألف أو ما يلي الألف غير مكسور بالأصالة بل إما مفتوح كبراكاه، أو مضموم كتدارك، أو عارض الكسر لأجل الاعتلال كتدان وتوان، ومن ثم صرف نحو عبال جمع عبالة لأن الساكن الذي يلي الألف فيه لاحظ له في الحركة، والعبالة الثقل يقال ألقى عبالته أي ثقله، أو يكون ثاني الثلاثة متحرك الوسط(3/145)
كطواعية وكراهية، ومن ثم صرف نحو: ملائكة وصيارفة، أو هو والثالث عارضان للنسب منوي بهما الانفصال، وضابطه: أن لا يسبقا الألف في الوجود، سواء كانا مسبوقين بها كرباحي وظفاري، أو غير منفكين كحواري وهو الناصر وحوالي وهو المحتال بخلاف نحو قماري وبخاتي فإنه بمنزلة مصابيح.
وقد ظهر من هذا أن زنة مفاعل ومفاعيل ليست إلا لجمع أو منقول من جمع كما سيأتي.
وقد دخل بذكر التقدير نحو دواب فإنه غير منصرف لأن أصله دوابب فهو على وزن مفاعل تقديرًا.
تنبيهات: الأول لا فرق في منع ما جاء على أحد الوزنين المذكورين بين أن يكون أوله ميمًا نحو مساجد ومصابيح أو لم يكن نحو دراهم ودنانير.
الثاني: اشتراط كسر ما بعد الألف مذهب سيبويه والجمهور، قال في الارتشاف: وذهب الزجاج إلى أنه لا يشترط ذلك فأجاز في تكسير هَبَيّ1 أن يقال: هباي بالإدغام، أي ممنوعًا من الصرف، قال: وأصل الياء عندي السكون ولولا ذلك لأظهرتها.
الثالث: اتفقوا على أن إحدى العلتين هي الجمع واختلفوا في العلة الثانية: فقال أبو علي: هي خروجه عن صيغ الآحاد وهذا الرأي هو الراجح وهو معنى قولهم أن هذه الجمعية قائمة مقام علتين.
وقال قوم: العلة الثانية تكرار الجمع تحقيقًا أو تقديرًا فالتحقيق نحو أكالب وأراهط إذ هما جمع أكلب وأرهط، والتقدير نحو مساجد ومنابر فإنه وإن كان جمعًا من أول وهلة لكنه بزنة ذلك المكرر أعني أكالب وأراهط فكأنه أيضًا جمع جمع، وهذا اختيار ابن الحاجب.
واستضعف تعليل أبي علي بأن أفعالا وأفعلا نحو أفراس وأفلس جمعان ولا نظير لهما في الآحاد وهما مصروفان.
والجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه:
الأول: أن أفعالا وأفعلا يجمعان نحو أكالب وأناعم في أكلب وأنعام، وأما
__________
1 الهبي: الصبي الصغير.(3/146)
مفاعل ومفاعيل فلا يجمعان، فقد جرى أفعال وأفعل مجرى الآحاد في جواز الجمع، وقد نص الزمخشري على أنه مقيس فيهما.
الثاني: أنهما يصغران على لفظهما كالآحاد نحو أكيلب وأنيعام، وأما مفاعل ومفاعيل فإنهما إذا صغرا ردا إلى الواحد أو إلى جمع القلة ثم بعد ذلك يصغران.
الثالث: أن كلا من أفعال وأفعل له نظير من الآحاد يوازنه في الهيئة وعدة الحروف، فأفعال نظيره في فتح أوله وزيادة الألف رابعة تفعال نحو: "تجوال وتطواف"، وفاعال نحو: ساباط وخاتام، وفعلال نحو: صلصال وخزعال، وأفعل نظيره في فتح أوله وضم ثالثه تفعل نحو: تتفل وتنضب، ومفعل نحو: مكرم ومهلك.
على أن ابن الحاجب لو سئل عن ملائكة لما أمكنه أن يعلل صرفه إلا بأن له في الآحاد نظيرًا نحو طواعية وكراهية.
659-
"وَذَا اعتِلالٍ مِنْهُ كالجْوَارِي ... رفعًا وجَرًّا أحْرِه كَساري"
يعني ما كان من الجمع الموازن مفاعل معتلا فله حالتان: إحداهما أن يكون آخره ياء قبلها كسرة نحو: جوار وغواش، والأخرى أن تقلب ياؤه ألفًا نحو: عذارى ومدارى.
فالأول يجري في رفعه وجره مجرى قاض وسار في حذف يائه وثبوت تنوينه نحو: {وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} 1، {وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ} 2، وفي النصب مجرى دراهم في سلامة آخره وظهور فتحته نحو: {سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ} 3.
والثاني: يقدر إعرابه ولا ينوّن بحال، ولا خلاف في ذلك، وهذا خرج من كلامه بقوله "كالجواري".
تنبيهات: الأول اختلف في تنوين جوار ونحوه؛ فذهب سيبويه إلى أنه تنوين عوض عن الياء المحذوفة لا تنوين صرف، وذهب المبرد والزجاج إلى أنه عوض
__________
1 الأعراف: 41.
2 الفجر: 1-2.
3 سبأ: 18.(3/147)
عن حركة الياء ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، وذهب الأخفش إلى أنه تنوين صرف؛ لأن الياء لما حذفت تخفيفًا زالت صيغة مفاعل وبقي اللفظ كجناح فانصرف، والصحيح مذهب سيبويه، وأما جعله عوضًا عن الحركة فضعيف لأنه لو كان عوضًا عن الحركة لكان التعويض عن حركة الألف في نحو موسى وعيسى أولى لأن حاجة المتعذر إلى التعويض أشد من حاجة المتعسر، ولألحق مع الألف واللام كما ألحق معهما تنوين الترنم واللازم منتف فيهما فكذا الملزوم، وأما كونه للصرف فضعيف أيضًا إذ المحذوف في قوة الموجود وإلا لكان آخر ما بقي حرف إعراب واللازم كما لا يخفى منتف.
فإن قلت: إذا جعل عوضًا عن الياء فما سبب حذفها أولا؟
قلت: قال في شرح الكافية: لما كانت ياء المنقوص قد تحذف تخفيفًا ويكتفى بالكسرة التي قبلها وكان المنقوص الذي لا ينصرف أثقل التزموا فيه من الحذف ما كان جائزًا في الأدنى ثقلًا؛ ليكون لزيادة الثقل زيادة أثر، إذ ليس بعد الجواز إلا اللزوم، انتهى.
واعلم أن ما تقدم عن المبرد من أن التنوين عوض عن الحركة هو المشهور عنه، كما نقل الناظم في شرح الكافية، وقال الشارح: ذهب المبرد إلى أن فيما لا ينصرف تنوينًا مقدرًا بدليل الرجوع إليه في الشعر، وحكموا له في جوار ونحوه بحكم الموجود وحذفوا لأجله الياء في الرفع والجر لتوهم التقاء الساكنين ثم عوضوا عما حذف التنوين وهو بعيد، لأن الحذف لملاقاة ساكن متوهم الوجود مما لم يوجد له نظير ولا يحسن ارتكاب مثله.
الثاني: ما ذكر من تنوين جوار ونحوه في الرفع والجرّ متفق عليه، نص على ذلك الناظم وغيره، وما ذكره أبو علي من أن يونس ومن وافقه ذهبوا إلى أنه لا ينون، ولا تحذف ياؤه، وأنه يجر بفتحة ظاهرة وهم، وإنما قالوا ذلك في العلم وسيأتي بيانه.
الثالث: إذا قلت "مررت بجوار" فعلامة جره فتحة مقدرة على الياء لأنه غير منصرف، وإنما قدرت مع خفة الفتحة لأنها نابت عن الكسرة فاستثقلت لنيابتها عن المستثقل، وقد ظهر أن قوله "كسار" إنما هو في اللفظ فقط دون التقدير، لأن "سار" جره بكسرة مقدرة وتنوينه تنوين التمكين لا العوض؛ لأنه منصرف، وقد تقدم أول الكتاب.(3/148)
"حكم المفرد الذي يشبه صيغة منتهى الجموع":
660-
"ولِسَراويلَ بِهذا الجمعِ ... شَبَهٌ اقتضى عمومَ المَنعِ"
اعلم أن سراويل اسم مفرد أعجمي جاء على وزن مفاعيل، فمنع من الصرف لشبهه بالجمع في الصيغة المعتبرة؛ لما عرفت أن بناء مفاعل ومفاعيل لا يكونان في كلام العرب إلا لجمع أو منقول من جمع، فحق ما وازنهما أن يمنع من الصرف وإن فقدت منه الجمعية إذا تم شبهه بهما، وذلك بأن لا تكون ألفه عوضًا من إحدى ياءي النسب، ولا كسرة ما يلي ألفه عارضة، ولا بعد ألفه ياء مشدّدة عارضة، ولم يوجد ذلك في مفرد عربي كما مر، ولما وجد في مفرد أعجمي وهو سراويل لم يمكن إلا منعه من الصرف وجهًا واحدًا خلافًا لمن زعم أن فيه وجهين: الصرف ومنعه، وإلى التنبيه على ذلك أشار بقوله: شَبهٌ اقتضى عمومَ المنعِ" أي: عموم منع الصرف في جميع الاستعمال خلافًا لمن زعم غير ذلك.
ومن النحويين من زعم أن سراويل عربي وأنه في التقدير جمع سروالة سمي به المفرد، وردّ بأن سروالة لم يسمع، وأما قوله "من المتقارب":
983-
عَلَيهِ مِنَ اللُّؤْمِ سِرْوَالةٌ ... "فليس يرق لمستعطف"
فمصنوع لا حجة فيه، وذكر الأخفش أنه سمع من العرب من يقول: سروالة، ويرد هذا القول أمران؛ أحدهما: أن سروالة لغة في سراويل، لأنها بمعناه فليس جمعًا لها، كما
__________
983- التخريج: البيت بلا نسبة في خزانة الأدب 1/ 233؛ والدرر 1/ 88؛ وشرح التصريح 2/ 212، وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 270؛ وشرح شواهد الشافية ص100؛ وشرح المفصل 1/ 64؛ ولسان العرب 11/ 334 "سرل"؛ والمقتضب 3/ 346؛ وهمع الهوامع 1/ 25.
الإعراب: عليه: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. من اللؤم: جار ومجرور متعلقان بمحذوف نعت "سروالة". سروالة: مبتدأ مؤخر. فليس: "الفاء": استئنافية، "ليس": فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر تقديره "هو". يرق: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: "هو". لمستعطف: جار ومجرور متعلقان بـ"يرق".
وجملة "عليه سروالة": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "ليس يرق": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "يرق": في محل نصب خبر "ليس".
الشاهد في قوله: "سروالة" حيث وردت لغة في "سراويل"، لأنها بمعناه، وقد احتج به من قال إن جمعها "سراويل" وهو ممنوع من الصرف لكونه جمعًا. وقال سيبويه: "سراويل" واحد، وهو أعجمي.(3/149)
ذكره في شرح الكافية، والآخر أن النقل لم يثبت في أسماء الأجناس وإنما ثبت في الأعلام.
تنبيهان: الأول: قال في شرح الكافية: وينبغي أن يعلم أن سراويل اسم مؤنث فلو سمي به مذكر ثم صغر لقيل فيه سرييل غير مصروف للتأنيث والتعريف، ولولا التأنيث لصرف كما يصرف شراحيل إذا صغر فقيل "شريحيل" لزوال صيغة منتهى التكسير.
الثاني: شذ منع صرف ثمان تشبيهًا له بجوار، نظرًا لما فيه من معنى الجمع وأن ألفه غير عوض في الحقيقة، قال في شرح الكافية: ولقد شبه ثمانيًا بجوار من قال: "من الكامل":
984-
يَحْدُوا ثَمَانِيَ مُولَعًا بِلَقَاحِهَا ... حَتَى هَمَمْنَ بِزَيغةِ الإرْتَاجِ
والمعروف فيه الصرف لما تقدم، وقيل: هما لغتان.
"حكم ما سمي به من صيغ منتهى الجموع":
661-
وإنْ بِهِ سُمِّيَ أو بِمَا لَحِقْ ... بِهِ فالانصرافُ مَنعهُ يَحِقْ
"وإنْ بِهِ سُمِّيَ أو بِمَا لَحِقْ بِهِ فالانصرافُ مَنعهُ يَحِقْ" يعني أن ما سمي به من مثال مفاعل أو مفاعيل فحقه منع الصرف سواء كان منقولا من جمع محقق كمساجد اسم رجل،
__________
984- التخريج: البيت لابن ميادة في ديوانه ص91، وخزانة الأدب 1/ 157؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 297؛ ولسان العرب 13/ 80، 81 "ثمن"؛ وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب ص164؛ والكتاب 3/ 231؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص47؛ والمقاصد النحوية 4/ 352.
اللغة: يحدو: يسوق. الزيغة: الميلة. الإرتاج: إغلاق الرحم.
المعنى: يصور الشاعر سرعة ناقته بأنها شبيه بحمار الوحش الذي يسوق ثماني أتن مولعًا بلقاحها وهي لا تمكنه من ذلك، ولشدة سوقه لها هممن بإسقاط أجنتها.
الإعراب: يحدو: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: "هو". ثماني: مفعول به منصوب. مولعًا: حال منصوب. بلقاحها: جار ومجرور متعلقان بـ"مولعًا"، وهو مضاف، و"ها" ضمير في محل جر بالإضافة. حتى: حرف ابتداء وغاية. هممن: فعل ماض، و"النون": ضمير في محل رفع فاعل. بزيغة: جار ومجرور متعلقان بـ"هممن"، وهو مضاف. الإرتاج: مضاف إليه مجرور.
وجملة: "يحدو": ابتدائية لا محل لها. وجملة "هممن": استئنافية لا محل لها.
الشاهد فيه قوله: "ثماني" حيث منعه من الصرف للضرورة، مشبها إياه بـ"جوار".(3/150)
أو مما لحق به من لفظ أعجمي مثل سراويل وشراحيل، أو لفظ ارتجل للعلمية مثل هوازن، قال الشارح والعلة في منع صرفه ما فيه من الصيغة مع أصالة الجمعية أو قيام العلمية مقامها، فلو طرأ تنكيره انصرف على مقتضى التعليل الثاني دون الأول، اهـ.
قال المرادي: قلت مذهب سيبويه أنه لا ينصرف بعد التنكير لشبهه بأصله، ومذهب المبرّد صرفه لذهاب الجمعية، وعن الأخفش القولان، والصحيح قول سيبويه لأنهم منعوا سراويل من الصرف وهو نكرة وليس جمعًا على الصحيح، اهـ.
"العلمية والتركيب المزجي":
662-
والعلم امنع صرفه مركبا ... تركيب مزج نحو: "معد يكربا"
"والعلَمَ امْنع صَرْفَهُ مُرَكَّبَا تركيب مَزْجٍ نحوُ مَعدِي كرِبَا" قد تقدم أن ما لا ينصرف على ضربين: أحدهما ما لا ينصرف في تعريف ولا تنكير، والثاني ما لا ينصرف في التعريف وينصرف في التنكير، وقد فرغ من الكلام على الضرب الأول، وهذا شروع في الثاني وهو سبعة أقسام كما مر.
الأول: المركب تركيب المزج نحو: بعلبك وحضرموت ومعدي كرب؛ لاجتماع فرعية المعنى بالعلمية وفرعية اللفظ بالتركيب، والمراد بتركيب المزج أن يجعل الاسمان اسمًا واحدًا لا بإضافة ولا بإسناد بل ينزل عجزه من الصدر منزلة تاء التأنيث ولذلك التزم فيه فتح آخر الصدر إلا إذا كان معتلا فإنه يسكن نحو معدي كرب، لأن ثقل التركيب أشد من ثقل التأنيث، فجعلوا لمزيد الثقل مزيد تخفيف بأن سكنوا ياء معدي كرب ونحوه، وإن كان مثلها قبل تاء التأنيث يفتح نحو رامية وعارية، وقد يضاف أول جزأي المركب إلى ثانيهما فيستصحب سكون ياء معدي كرب ونحوه تشبيهًا بياء دردبيس، فيقال رأيت معدي كرب، ولأن من العرب من يسكن مثل هذه الياء في النصب مع الإفراد تشبيهًا بالألف فالتزم في التركيب لزيادة الثقل ما كان جائزًا في الافراد، ويعامل الجزء الثاني معاملته لو كان منفردًا، فإن كان فيه مع التعريف سبب مؤثر امتنع صرفه كهرمز من رام هرمز لأن فيه مع التعريف عجمة مؤثرة فيجر بالفتحة ويعرب الأول بما تقتضيه العوامل نحو "جاء رامُ هرمز"، و"رأيت رامَ هرمز"، و"مررت برامِ هرمز". ويقال في حضرموت: "هذه(3/151)
حضرُموتٍ"، و"رأيت حضرَموتٍ" و"مررت بحضرِموتٍ"؛ لأن "موتًا" ليس فيه من التعريف سبب ثان، وكذلك "كرب" في اللغة المشهورة، وبعض العرب لا يصرفه حينئذٍ، فيقول في الإضافة: "هذا معدي كرب" فيجعله مؤنثًا، وقد يبنيان معًا على الفتح ما لم يعتل الأول فيسكن تشبيهًا بخمسة عشر، وأنكر بعضهم هذه اللغة وقد نقلها الأثبات، وقد سبق الكلام على ذلك في باب العلم.
"أنواع المركبات وحكم كل نوع منها":
تنبيهان: الأول أخرج بقوله: "معدي كربا" ما ختم بـ"ويه"؛ لأنه مبني على الأشهر، ويجوز أن يكون لمجرد التمثيل وكلامه على عمومه ليدخل على لغة من يعربه، ولا يرد على لغة من بناه لأن باب الصرف إنما وضع للمعربات، وقد تقدم ذكره في باب العلم.
الثاني احترز بقوله تركيب مزج عن تركيبي الإضافة والإسناد وقد تقدم حكمهما في باب العلم.
وأما تركيب العدد نحو: خمسة عشر فمتحتم البناء عند البصريين، وأجاز فيه الكوفيون إضافة صدره إلى عجزه وسيأتي في بابه، فإن سمي به ففيه ثلاثة أوجه: أن يقر على حاله، وأن يعرب إعراب ما لا ينصرف، وأن يضاف صدره إلى عجزه.
وأما تركيب الأحوال والظروف نحو "شغر بغر" و"بيت بيت"، و"صباح مساء"، إذا سمي به أضيف صدره إلى عجزه وزال التركيب، هذا رأي سيبويه، وقيل: يجوز فيه التركيب والبناء.
"العلمية وزيادة الألف والنون":
663-
"كَذَاكَ حاوِي زائِدَي فَعْلاَنَا ... كَغَطفانَ وكَأصْبهَانَا"
يعني أن زائدي فعلان يمنعان مع العلمية في وزن فعلان وفي غيره نحو حمدان وعثمان وعمران وغطفان وأصبهان، وقد نبه على التعميم بالتمثيل.(3/152)
تنبيهات: الأول: علامة زيادة الألف والنون سقوطهما في بعض التصاريف كسقوطهما في رد "نسيان وكفران" إلى نسي وكفر، فإن كانا فيما لا يتصرف فعلامة الزيادة أن يكون قبلهما أكثر من حرفين أصولا، فإن كان قبلهما حرفان ثانيهما مضعف فلك اعتباران: إن قدّرت أصالة التضعيف فالألف والنون زائدتان، وإن قدرت زيادة التضعيف فالنون أصلية، مثال ذلك حسان إن جعل من الحس فوزنه فعلان، وحكمه أن لا ينصرف وهو الأكثر فيه، ومن شعره: "من السريع":
985-
مَا هَاجَ حَسانَ رُسُومُ المدَامْ ... ومَظْعَنُ الحَيِّ وَمَبنَى الخيامْ
وإن جعل من الحسن فوزنه فعال، وحكمه أن ينصرف، وشيطان: إن جعل من شاط يشيط إذا احترق امتنع صرفه، وإن جعل من شطن انصرف، ولو سميت برمان فذهب سيبويه والخليل إلى المنع لكثرة زيادة النون في نحو ذلك، وذهب الأخفش إلى صرفه لأن فعالا في النبات أكثر، ويؤيده قول بعضهم أرض مرمنة1.
الثاني: إذا أبدل من النون الزائدة لام منع الصرف إعطاء للبدل حكم المبدل، مثال ذلك أصيلال فإن أصله أصيلان، فلو سمي به منع ولو أبدل من حرف أصلي نون صرف بعكس أصيلال، ومثال ذلك حنان في حناء أبدلت همزته نونًا.
الثالث: ذهب الفراء إلى منع الصرف للعلمية وزيادة ألف قبل نون أصلية تشبيهًا لها بالزائدة نحو سنان وبيان، والصحيح صرف ذلك.
__________
985- التخريج: البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص184.
اللغة: الرسوم: ما كان لاصقًا بالأرض من آثار الدار. المظعن: الترحال.
الإعراب: ما: حرف نفي. هاج: فعل ماض. حسان: مفعول به. رسوم: فاعل مرفوع، وهو مضاف. المدام: مضاف إليه. ومظعن: "الواو": حرف عطف، "مظعن": معطوف على "رسوم" مرفوع، وهو مضاف. الحي: مضاف إليه. ومبنى الخيام: معطوف على "مظعن الحي" وتعرب إعرابها.
وجملة "ما هاج ... " ابتدائية لا محل لها.
الشاهد فيه قوله: "حسان" حيث ورد ممنوعًا من الصرف.
1 المرمنة: الكثيرة الرمان، ومثله مسبعة، ومبطخة.(3/153)
"العلمية والتأنيث":
664-
"كَذَا مُؤنَّثٌ بهاءٍ مُطلَقًا ... وشرطُ مَنْعِ العَارِ كَونُهُ ارْتقى"
665-
"فوقَ الثلاثِ أو كجُورَ أو سَقرْ ... أو زيدَ اسمَ امرأةٍ لاَ اسمَ ذَكرْ"
666-
"وَجهانِ في العادِم تذكيرًا سَبقْ ... وعُجمَةً كهندَ والمنعُ أحَقْ"
مما يمنع الصرف اجتماع العلمية والتأنيث بالتاء لفظًا أو تقديرًا: أما لفظًا فنحو فاطمة وإنما لم يصرفوه لوجود العلمية في معناه ولزوم علامة التأنيث في لفظه، فإن العلم المؤنث لا تفارقه العلامة، فالتاء فيه بمنزلة الألف في حبلى وصحراء فأثرت في منع الصرف بخلافها في الصفة، وأما تقديرًا ففي المؤنث المسمى في الحال كسعاد وزينب أو في الأصل، كعناق اسم رجل أقاموا في ذلك كله تقدير التاء مقام ظهورها.
إذا عرفت ذلك فالمؤنث بالتاء لفظًا ممنوع من الصرف مطلقًا: أي سواء كان مؤنثًا في المعنى أم لا، زائدًا على ثلاثة أحرف أم لا، ساكن الوسط أم لا إلى غير ذلك مما سيأتي: نحو عائشة وطلحة وهبة، وأما المؤنث المعنوي فشرط تحتم منعه من الصرف أن يكون زائدًا على ثلاثة أحرف نحو زينب وسعاد لأن الرابع ينزل منزلة تاء التأنيث أو محرّك الوسط كسقر ولظى لأن الحركة قامت مقام الرابع خلافًا لابن الأنباري فإنه جعله ذا وجهين، وما ذكره في البسيط من أن سقر ممنوع الصرف باتفاق ليس كذلك، أو يكون أعجميا كجور وماه اسمي بلدين لأن العجمة لما انضمت إلى التأنيث والعلمية تحتم المنع، وإن كانت العجمة لا تمنع صرف الثلاثي لأنها هنا لم تؤثر منع الصرف وإنما أثرت تحتم المنع، وحكى بعضهم فيه خلافًا: فقيل إنه كهند في جواز الوجهين أو منقولا من مذكر نحو زيد إذا سمي به امرأة لأنه حصل بنقله إلى التأنيث ثقل عادل خفة اللفظ، هذا مذهب سيبويه والجمهور، وذهب عيسى بن عمر والجرمي والمبرد إلى أنه ذو وجهين، واختلف النقل عن يونس.
وأشار بقوله "وجهان في العادم تذكيرًا إلى آخر البيت" إلى أن الثلاثي الساكن الوسط إذا لم يكن أعجميا ولا منقولا من مذكر كهند ودعد يجوز فيه الصرف ومنعه والمنع أحق، فمن صرفه نظر إلى خفة السكون وأنها قاومت أحد السببين، ومن منع نظر إلى وجود(3/154)
السببين ولم يعتبر الخفة، وقد جمع بينهما الشاعر في قوله: "من المنسرح":
986-
لَمْ تَتَلفَّعْ بِفَضْلِ مِئْزَرِهَا ... دَعدٌ وَلَمْ تُسْقَ دَعْدُ فِي العُلَبِ
تنبيهات: الأول: ما ذكره من أن المنع أحق هو مذهب الجمهور، وقال أبو علي: الصرف أفصح. قال ابن هشام وهو غلط جليّ، وذهب الزجاج قيل والأخفش إلى أنه متحتم المنع، قال الزجاج لأن السكون لا يغير حكمًا أوجبه اجتماع علتين يمنعان الصرف، وذهب الفراء إلى أن ما كان اسم بلدة لا يجوز صرفه نحو "قيد" لأنهم لا يرددون اسم البلدة على غيرها1؛ فلم يكثر في الكلام بخلاف هند.
الثاني: لا فرق بين ما سكونه أصلي كهند، أو عارض بعد التسمية كفخذ، أو الإعلال كدار.
__________
986- التخريج: البيت لجرير في ملحق ديوانه ص1021؛ ولسان العرب 3/ 166 "دعد"، 9/ 321 "لفع"؛ ولعبيد الله بن قيس الرقيات في ملحق ديوانه ص178؛ وبلا نسبة في أدب الكاتب ص282؛ وأمالي ابن الحاجب ص3954؛ والخصائص 3/ 61؛ وشرح قطر الندى ص318؛ وشرح المفصل 1/ 70؛ والكتاب 3/ 241؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص50؛ والمنصف 2/ 77.
اللغة والمعنى: تتلفع: تتغطى. المئزر: الرداء: أو الستر. العلب: ج العلبة، وهي إناء من جلود الإبل أو الخشب.
يقول: إن دعدًا لم يتقنع كسائر الأعراب ولم تغتذ بغذائهم.
الإعراب: لم: حرف نفي وقلب وجزم. تتلفع: فعل مضارع مجزوم. بفضل: جار ومجرور متعلقان بـ"تتلفع"، وهو مضاف. مئزرها: مضاف إليه مجرور، و"ها": في محل جر بالإضافة. دعد: فاعل مرفوع. ولم: الواو: حرف عطف، لم: حرف نفي وجزم وقلب. تغذ: فعل مضارع للمجهول مجزوم بحذف حرف العلة من آخره. دعد: نائب فاعل مرفوع، في العلب: جار ومجرور متعلقان بـ"تغذ".
وجملة "لم تتلفع ... " الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية. وجملة "لم تغذ ... " الفعلية معطوفة على جملة "لم تتلفع" لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه: صرف "دعد" ومنعها من الصرف، وكلا الأمرين جائز.
1 أي أن الاشتراك اللفظي في أسماء البلدان قليل، فالعرب لا تطلق اسم بلدة على بلدة أخرى إلا نادرًا بخلاف أسماء الناس، فإن الاشتراك في هذه الأسماء كثير.(3/155)
الثالث: قال في شرح الكافية: وإذا سميت امرأة بيد ونحوه مما هو على حرفين جاز فيه ما جاز في هند، ذكر ذلك سيبويه، هذا لفظه، وظاهره جواز الوجهين وأن الأجود المنع وبه صرح في التسهيل، فقول صاحب البسيط في "يد" "صرفت بلا خلاف" ليس بصحيح.
الرابع: إذ صغر نحو هند ويد تحتم منعه؛ لظهور التاء نحو هنيدة ويدية، فإن صغر بغير تاء نحو حريب -وهي ألفاظ مسموعة -انصرف.
الخامس: إذا سمي مذكر بمؤنث مجرد من التاء فإن كان ثلاثيا صرف مطلقًا خلافًا للفراء وثعلب إذ ذهبا إلى أنه لا ينصرف سواء تحرك وسطه نحو فخذ أم سكن نحو حرب، ولابن خروف في المتحرك الوسط وإن كان زائدًا على الثلاثة لفظًا نحو سعاد أو تقديرًا كاللفظ نحو جيل مخفف جيأل اسم للضبع بالنقل منع من الصرف.
السادس: إذا سمي رجل ببنت أو أخت صرف عند سيبويه وأكثر النحويين لأن تاءه قد بنيت الكلمة عليها وسكن ما قبلها فأشبهت تاء جبت وسحت، قال ابن السراج: ومن أصحابنا من قال إن تاء بنت وأخت للتأنيث وإن كان الاسم مبنيًا عليها فيمنعونهما الصرف في المعرفة ونقله بعضهم عن الفراء، قلت وقياس قول سيبويه أنه إذا سمي بهما مؤنث أن يكون على الوجهين في "هند".
السابع: كان الأولى أن يقول "بتاء" بدل قوله "بهاء"؛ فإن مذهب سيبويه والبصريين أن علامة التأنيث التاء والهاء بدل عندهم عنها في الوقف، وقد عبر بالتاء في باب التأنيث فقال علامة التأنيث تاء أو ألف، وكأنه إنما فعل ذلك للاحتراز من تاء بنت وأخت وكذا فعل في التسهيل.
الثامن: مراده بـ"العار" في قوله وشرط منع العار العاري من التاء لفظًا، وإلا فما من مؤنث بغير الألف إلا وفيه التاء إما ملفوظة أو مقدرة.
"العلمية والعجمة":
667-
"والعَجَميُّ الوضعِ والتَّعريفِ معْ ... زيدٍ على الثلاثِ صرْفهُ امْتنعْ"(3/156)
أي: مما لا ينصرف ما فيه فرعية المعنى بالعلمية وفرعية اللفظ بكونه من الأوضاع العجمية لكن بشرطين: أن يكون عجمي التعريف أي يكون علمًا في لغتهم، وأن يكون زائدًا على ثلاثة أحرف، وذلك نحو إبراهيم وإسماعيل وإسحاق فإن كان الاسم عجمي الوضع غير عجمي التعريف انصرف كلجام إذا سمي به رجل لأنه قد تصرف فيه بنقله عما وضعته العجم له فألحق بالأمثلة العربية، وذهب قوم منهم الشلوبين وابن عصفور إلى منع صرف ما نقلته العرب من ذلك إلى العلمية ابتداء كبندار وهؤلاء لا يشترطون أن يكون الاسم علمًا في لغة العجم، وكذا ينصرف العلم في العجمة إذا لم يزد على الثلاثة بأن يكون على ثلاثة أحرف لضعف فرعية اللفظ فيه لمجيئة على أصل ما تبنى عليه الآحاد العربية ولا فرق في ذلك بين الساكن الوسط نحو نوح ولوط والمتحرك نحو شتر ولمك.
قال في شرح الكافية قولا واحدًا في لغة جميع العرب، ولا التفات إلى من جعله ذا وجهين مع السكون، ومتحتم المنع مع الحركة؛ لأن العجمة سبب ضعيف فلم تؤثر بدون زيادة على الثلاثة، وقال وممن صرّح بإلغاء عجمة الثلاثي مطلقًا السيرافي وابن برهان وابن خروف ولا أعلم لهم من المتقدمين مخالفًا، ولو كان منع صرف العجمي الثلاثي جائزًا لوجد في بعض الشواذ كما وجد غيره من الوجوه الغريبة، اهـ.
قلت: الذي جعل ساكن الوسط على وجهين هو عيسى بن عمر وتبعه ابن قتيبة والجرجاني.
ويتحصل في الثلاثي ثلاثة أقوال: أحدها أن العجمة لا أثر لها فيه مطلقًا وهو الصحيح، الثاني أن ما تحرك وسطه لا ينصرف وفيما سكن وسطه وجهان، الثالث أن ما تحرك وسطه لا ينصرف وما سكن وسطه ينصرف وبه جزم ابن الحاجب.
تنبيهات: الأول قوله "زيد" هو مصدر زاد يزيد زيدًا وزيادة وزيدانًا.
الثاني: المراد بالعجمي ما نقل من لسان غير العرب ولا يختص بلغة الفرس.
الثالث: إذا كان الأعجمي رباعيًا وأحد حروفه ياء التصغير انصرف ولا يعتد بالياء.
الرابع: تعرف عجمة الاسم بوجوه: أحدها: نقل الأئمة، ثانيها: خروجه عن أوزان الأسماء العربية نحو إبراهيم، ثالثها عروّه من حروف الذلاقة وهو خماسي أو رباعي، فإن كان في الرباعي السين فقد يكون عربيا، نحو: عسجد، وهو قليل. وحروف الذلاقة ستة(3/157)
يجمعها قولك: "مر بنفل"، رابعها: أن يجتمع فيه من الحروف ما لا يجتمع في كلام العرب كالجيم والقاف بغير فاصل نحو: قج وجق، والصاد والجيم نحو صولجان، والكاف والجيم نحو أسكرجة، وتبعية الراء للنون أول كلمة نحو: نرجس، والزاي بعد الدال نحو: مهندز.
"العلمية ووزن الفعل":
668-
"كَذَاكَ ذو وزنٍ يَخصُّ الفِعلا ... أو غالبٍ كأحمَدٍ ويَعَلى"
أي مما يمنع الصرف مع العلمية وزن الفعل بشرط أن يكون مختصًا به أو غالبًا فيه.
والمراد بالمختص: ما لا يوجد في غير فعل إلا في نادر أو علم أو أعجمي كصيغة الماضي المفتتح بتاء المطاوعة كتعلم أو بهمزة وصل كانطلق، وما سوى أفعل ونفعل وتفعل ويفعل من أوزان المضارع وما سلمت صيغته من مصوغ لما لم يسم فاعله وبناء فعل، وما صيغ للأمر من غير فاعل، والثلاثي نحو أَنطلِقُ ودحرج فإذا سمي بهما مجردين عن الضمير قيل هذا انطلق ودحرج ورأيت انطلق ودحرج ومررت بانطلق ودحرج، وهكذا كل وزن من الأوزان المبنية على أنها تختص بالفعل والاحتراز بالنادر من نحو دئل لدويبة وينجلب لخرزة وتبشر لطائر، وبالعلم من نحو خضم بالمعجمتين لرجل وشمر لفرس وبالأعجمي من بقّم وإستبرق فلا يمنع وجدان هذه الأسماء اختصاص أوزانها بالفعل لأن النادر والعجمي لا حكم لهما، ولأن العلم منقول من فعل فالاختصاص باق.
والمراد بالغالب ما كان الفعل به أولى إما لكثرته فيه كإثمد وإصبع وأُبْلم فإن أوزانها تقلّ في الاسم وتكثر في الأمر من الثلاثي، وإما لأن أوله زيادة تدل على معنى في الفعل دون الاسم كأفكل وأكلب فإن نظائرهما تكثر في الأسماء والأفعال، لكن الهمزة من أفعَل وأفعُل تدل على معنى في الفعل، نحو: أذهب وأكتب ولا تدل على معنى في الاسم فكان المفتتح بأحدهما من الأفعال أصلًا للمفتتح بأحدهما من الأسماء.
وقد يجتمع الأمران نحو برْمِغ وتنضُب فإنهما كإثمد في كونه على وزن يكثر في(3/158)
الأفعال ويقل في الأسماء، وكأفكل في كونه مفتتحًا بما يدل على معنى في الفعل دون الاسم.
تنبيهات: الأول قد اتضح بما ذكر أن التعبير عن هذا النوع بأن يقال: "أو ما أصله الفعل" كما فعل في الكافية، أو ما هو به أولى كما في شرحها والتسهيل أجود من التعبير عنه بالغالب.
الثاني: قد فهم من قوله "يخص الفعل أو غالب" أن الوزن المشترك غير الغالب لا يمنع الصرف نحو ضرب ودحرج خلافًا لعيسى بن عمر فيما نقل من فعل فإنه لا يصرفه تمسكًا بقوله: "من الوافر":
987-
أنَا ابْنُ جَلاَ وطَلاَّعِ الثَّنَايَا ... "متى أضع العمامة تغرفوني"
__________
987- التخريج: البيت لسحيم بن وثيل في الاشتقاق ص224؛ والأصمعيات ص17؛ وجمهرة اللغة ص495، 1044؛ وخزانة الأدب 1/ 255، 257، 266؛ والدرر 1/ 99؛ وشرح شواهد المغني 1/ 459؛ وشرح المفصل 3/ 62؛ والشعر والشعراء 2/ 647؛ والكتاب 3/ 207؛ والمقاصد النحوية 4/ 356؛ وبلا نسبة في الاشتقاق ص314؛ وأمالي ابن الحاجب ص456؛ وأوضح المسالك 4/ 127؛ وخزانة الأدب 9/ 402؛ وشرح شواهد المغني 2/ 749؛ وشرح المفصل 1/ 61، 4/ 105؛ ولسان العرب 14/ 124 "ثنى"، 152 "جلا"؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص20؛ ومجالس ثعلب 1/ 212؛ ومغني اللبيب 1/ 160؛ والمقرب 1/ 283؛ وهمع الهوامع 1/ 30.
اللغة وشرح المفردات: جلا: في الأصل فعل ماض فسمي به كما سمي بـ"يزيد": و"يحمد" وابن جلا: كناية عن أنه شجاع. طلاع: صياغة مبالغة لـ"طالع". الثنايا: ج الثنية، وهي الطريق في الجبل. أضع العمامة: أي عمامة الحرب. وقيل: العمامة تلبس في الحرب وتوضع في السلم.
المعنى: يصف شجاعته وإقدامه بأنه لا يهاب أحدًا، وأنه قادر على الاضطلاع بعظائم الأمور.
الإعراب: أنا: ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ. ابن: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة.
وهو مضاف. جلا: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على الألف للتعذر. وطلاع: الواو حرف عطف، "طلاع": معطوف على "ابن" مرفوع بالضمة الظاهرة. وهو مضاف. الثنايا: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على الألف للتعذر. متى: اسم شرط مبني في محل نصب مفعول به متعلق بالفعل "تعرفوني" أضع: فعل مضارع مجزوم بالسكون، وحرك بالكسر منعًا من التقاء الساكنين، وهو فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره "أنا". العمامة: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. تعرفوني: فعل مضارع مجزوم بحذف النون، والنون الثانية للوقاية، والواو: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، والياء: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به.
وجملة: "أنا ابن جلا ... " ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "تعرفوني" لا محل لها من الإعراب لأنها جواب لشرط جازم غير مقترن بالفاء أو بـ"إذا".
والشاهد فيه قوله: "ابن جلا" حيث اعتبر "جلا" اسما ممنوعًا من الصرف. =(3/159)
ولا حجة فيه؛ لأنه محمول على إرادة "أنا ابن رجل جلا الأمور وجربها". فـ"جلا" جملة من فعل وفاعل فهو محكي لا ممنوع من الصرف كقوله: "من الرجز":
نُبِّئْتُ أخْوَالِي بَنِي يَزِيد ... "ظلما علينا لهم فديد"1
والذي يدل على ذلك إجماع العرب على صرف كعسب اسم رجل مع أنه منقول من "كعسب" إذا أسرع، وقد ذهب بعضهم إلى أن الفعل قد يحكى مسمى به وإن كان غير مسند إلى ضمير متمسكًا بهذا البيت.
ونقل عن الفرّاء ما يقرب من مذهب عيسى، قال: في الأمثلة التي تكون للأسماء والأفعال إن غلبت للأفعال فلا تُجره في المعرفة نحو رجل اسمه "ضرب" فإن هذا اللفظ وإن كان اسمًا للعسل الأبيض هو أشهر في الفعل، وإن غلب في الاسم فأجره في المعرفة والنكرة نحو رجل مسمى بحجر لأنه يكون فعلا تقول: "حجر عليه القاضي"، ولكنه أشهر في الاسم.
الثالث: يشترط في الوزن المانع للصرف شرطان: أحدهما أن يكون لازمًا، الثاني: أن لا يخرج بالتغيير إلى مثال هو للاسم، فخرج بالأول نحو امرئ فإنه لو سمي به انصرف وإن كان في النصب شبيهًا بالأمر من علم وفي الجر شبيهًا بالأمر من ضرب وفي الرفع شبيهًا بالأمر من خرج، لأنه خالف الأفعال بكون عينه لا تلزم حركة واحدة فلم تعتبر فيه الموازنة، وخرج الثاني نحو "رد" و"قيل" فإن أصلهما: ردد وقول، ولكن الإدغام والإعلال أخرجاهما إلى مشابهة برد وقيل فلم يعتبر فيهما الوزن الأصلي. ولو سميت رجلا بألبب بالضم جمع لب لم تصرفه لأنه لم يخرج بفك الإدغام إلى وزن ليس للفعل، وحكى أبو عثمان عن أبي الحسن صرفه لأنه باين الفعل بالفك، وشمل قولنا "إلى مثال هو
__________
= الشاهد فيه قوله: "ابن جلا" حيث اعتبر "جلا" اسمًا ممنوعًا من الصرف. واختلف في سبب منعه، فقال عيسى بن عمر: إنه ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، وقال الجمهور إنه لم ينون للحكاية لا لمنع الصرف، فهو منقول عن جملة، أي عن فعل وضمير الغائب مستتر فيه، أو هو فعل ماض باق على فعليته، وفيه ضمير مستتر هو فاعله، وجملة الفعل وفاعله في محل جر صفة لموصوف مجرور محذوف، والتقدير أنا ابن رجل جلا الأمور وكشفها.
1 تقدم بالرقم 73.(3/160)
للاسم قسمين؛ أحدهما: ما خرج إلى مثال غير نادر ولا إشكال في صرفه نحو: "رد" و"قيل"، والآخر ما خرج إلى مثال نادر، نحو: "انطلق" إذا سكنت لامه فإنه خرج إلى بناء إنْقحل1 وهو نادر، وهذا فيه خلاف، وجوّز فيه ابن خروف الصرف والمنع، وقد فهم من ذلك أن ما دخله الإعلال ولم يخرجه إلى وزن الاسم نحو: "يزيد" امتنع صرفه.
الرابع: اختلف في سكون التخفيف العارض بعد التسمية نحو ضرب بسكون العين مخففًا من ضرب المجهول: فمذهب سيبويه أنه كالسكون اللازم فينصرف، وهو اختيار المصنف، وذهب المازني والمبرد ومن وافقهما إلى أنه ممتنع الصرف، فلو خفف قبل التسمية انصرف قولا واحدًا.
"العلمية وألف الإلحاق المقصورة":
669-
"وَمَا يَصيرُ عَلمًا مِن ذِي ألِفْ ... زِيدتْ لإلحاقٍ فَلَيسَ ينصرِفْ"
أي ألف الإلحاق المقصورة تمنع الصرف مع العلمية، لشبهها بألف التأنيث من وجهين؛ الأول: أنها زائدة ليست مبدلة من شيء بخلاف الممدودة فإنها مبدلة من ياء، والثاني: أنها تقع في مثال صالح لألف التأنيث نحو أرطى فإنه على مثال سكرى وعزهى فهو على مثال ذكرى بخلاف الممدودة نحو علباء، وشبه الشيء بالشيء كثيرًا ما يلحقه به كحاميم اسم رجل، فإنه عند سيبويه ممنوع من الصرف لشبهه بهابيل في الوزن والامتناع من الألف واللام، وكحمدون عند أبي عليّ حيث يمنع صرفه للتعريف والعجمة، ويرى أن حمدون وشبهه من الأعلام المزيد في آخرها واو بعد ضمة ونون لغير جمعية لا يوجد في استعمال عربي مجبول على العربية، بل في استعمال عجمي حقيقة أو حكمًا، فألحق بما منع صرفه للتعريف والعجمة المحضة.
تنبيهان: الأول كان ينبغي أن يقيد الألف بالمقصورة صريحًا أو بالمثال أو بهما كما فعل في الكافية فقال:
وألِفُ الإلحاقِ مَقصورًا مَنع ... كعَلقًى انْ ذَا عَلَميَّة وَقعْ
__________
1 الإنقحل: الرجل الذي يبس جلده على عظمه.(3/161)
الثاني: حكم ألف التكثير كحكم ألف الإلحاق في أنها تمنع مع العلمية نحو قبعثرى، ذكره بعضهم.
"العلمية والعدل":
670-
"والعَلَم امْنعْ صرفَهُ إن عُدِلاَ ... كَفُعَلِ التوكيدِ أو كَثُعَلا
671-
"والعَدْلُ والتعريفُ مَانِعًا سَحَرْ ... إذَا بهِ التعيينُ قَصْدًا يُعْتَبرْ"
أي يمنع من الصرف اجتماع التعريف والعدل في ثلاثة أشياء:
أحدها: فعل في التوكيد وهو جُمع وكُتع وبُصع وبُتع فإنها معارف بنية الإضافة إلى ضمير المؤكد فشابهت بذلك العلم لكونه معرفة من غير قرينة لفظية، هذا ما مشى عليه في شرح الكافية، وهو ظاهر مذهب سيبويه، واختاره ابن عصفور، وقيل بالعلمية وهو ظاهر كلامه هنا ورده في شرح الكافية وأبطله، وقال في التسهيل: بشبه العلمية أو الوصفية.
قال أبو حيان: وتجويزه أن العدل يمنع مع شبه الصفة في باب جُمَعَ لا أعرف له فيه سلفًا.
ومعدولةٌ عن فعلاوات فإن مفرداتها جمعاء وكتعاء وبصعاء وبتعاء، وإنما قياس فعلاء إذا كان اسمًا أن يجمع على فعلاوات كصحراء وصحراوات لأن مذكره جمع بالواو والنون فحق مؤنثه أن يجمع بالألف والتاء، وهذا اختيار الناظم، وقيل: معدولة عن فعل لأن قياس أفعل فعلاء أن يجمع مذكره ومؤنثه على فُعْل نحو حُمْر في أحمر وحمراء وهو قول الأخفش والسيرافي واختاره ابن عصفور، وقيل: إنه معدول عن فعالي كصحراء وصحاري، والصحيح الأول لأن فعلاء لا يجمع على فعل إلا إذا كان مؤنثًا لأفعل صفة كحمراء وصفراء، ولا على فعالي إلا إذا كان اسمًا محضًا لا مذكر له كصحراء، وجمعاء ليس كذلك.
الثاني: علم المذكر والمعدول إلى فعل نحو: عمر وزفر وزحل ومضر وثعل وهبل(3/162)
وجشم وقثم وجمح وقزح ودلف؛ فعمر: معدول عن عامر، وزفر: معدول عن زافر، وكذا باقيها، قيل وبعضها عن أفعل وهو ثعل، وطريق العلم بعدل هذا النوع سماعه غير مصروف عاريًا من سائر الموانع، وإنما جعل هذا النوع معدولا لأمرين؛ أحدهما: أنه لو لم يقدر عدله لزم ترتيب المنع على علة واحدة إذ ليس فيه من الموانع غير العلمية، والآخر أن الأعلام يغلب عليها النقل فجعل عمر معدولا عن عامر العلم المنقول من الصفة ولم يجعل مرتجلا، وكذا باقيها، وذكر بعضهم لعدله فائدتين: إحداهما لفظية وهي التخفيف، والأخرى معنوية وهي تمحيض العلمية إذ لو قيل "عامر" لتوهم أنه صفة.
فإن ورد فُعَل مصروفًا وهو علم علمنا أنه ليس بمعدول، وذلك نحو أدد وهو عند سيبويه من الود فهمزته عن واو، وعند غيره من الأد وهو العظيم فهمزته أصلية.
فإن وجد في فُعَلَ مانع مع العلمية لم يجعل معدولا، نحو: "طوى" فإن منعه للتأنيث والعلمية، ونحو "تتل" اسم أعجمي فالمانع له العجمة والعلمية عند من يرى منع الثلاثي للعجمة؛ إذ لا وجه لتكلف تقدير العدل مع إمكان غيره.
ويلتحق بهذا النوع ما جعل علمًا من المعدول إلى فُعَل في النداء كغدر وفسق فحكمه حكم "عمر".
قال المصنف: وهو أحق من عمر بمنع الصرف؛ لأن عدله محقق وعدل "عمر" مقدر، اهـ. وهو مذهب سيبويه، وذهب الأخفش وتبعه ابن السيد إلى صرفه.
الثالث: سحر إذا أريد به سحر يوم بعينه؛ فالأصل أن يعرف بـ"أل" أو بالإضافة، فإن تجرد منهما مع قصد التعيين فهو حينئذٍ ظرف لا يتصرف ولا ينصرف نحو: "جئت يوم الجمعة سحر" والمانع له من الصرف العدل والتعريف: أما العدل فعن اللفظ بـ"أل" فإنه كان الأصل أن يعرف بها، وأما التعريف فقيل: بالعلمية؛ لأنه جعل علمًا لهذا الوقت وهذا ما صرح به في التسهيل، وقيل بشبه العلمية لأنه تعرف بغير أداة ظاهرة كالعلم وهو اختيار ابن عصفور، وقوله هنا والتعريف يومئ إليه إذ لم يقل والعلمية، وذهب صدر الأفاضل وهو أبو الفتح ناصر بن أبي المكارم المطرزي إلى أنه مبني لتضمنه معنى حرف التعريف.
قال في شرح الكافية: وما ذهب إليه مردود بثلاثة أوجه؛ أحدها: أن ما ادعاه ممكن(3/163)
وما ادعيناه ممكن، لكن ما ادعيناه أولى، لأنه خروج عن الأصل بوجه دون وجه، لأن الممنوع الصرف باق على الإعراب، بخلاف ما ادعاه؛ فإنه خروج عن الأصل بكل وجه.
الثاني: أنه لو كان مبنيا لكان غير الفتح أولى به؛ لأنه في موضع نصب، فيجب اجتناب الفتحة لئلا يتوهم الإعراب، كما اجتنبت في "قبل" و"بعد" والمنادى المبني.
الثالث: أنه لو كان مبنيا لكان جائز الإعراب جواز إعراب "حين" في قوله:
عَلَى حِينِ عَاتَبْتُ المَشِيب عَلَى الصِّبَا ... "فقلت ألما أصح والشيب وازع"1
لتساويهما في ضعف سبب البناء بكونه عارضًا، وكان يكون علامة إعرابه تنوينه في بعض المواضع، وفي عدم ذلك دليل على عدم البناء وأن فتحته إعرابية، وأن عدم التنوين إنما كان من أجل منع الصرف.
فلو نكر "سحر" وجب التصرف والانصراف كقوله تعالى: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ، نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} 2 اهـ.
وذهب السهيلي إلى أنه معرب وإنما حذف تنوينه لنية الإضافة، وذهب الشلوبين الصغير إلى أنه معرب، وإنما حذف تنوينه لنية أل، وعلى هذين القولين فهو من قبيل المنصرف، والصحيح ما ذهب إليه الجمهور.
تنبيه: نظير سحر في امتناعه من الصرف أمس عند بني تميم؛ فإن منهم من يعربه في الرفع غير منصرف ويبنيه على الكسر في النصب والجر، ومنهم من يعربه إعراب ما لا ينصرف في الأحوال الثلاث خلافًا لمن أنكر ذلك، وغير بني تميم يبنونه على الكسر، وحكى ابن أبي الربيع أن بني تميم يعربونه إعراب ما لا ينصرف إذا رفع أو جر بـ"مد" أو منذ فقط، وزعم الزجاج أن من العرب من يبنيه على الفتح، واستشهد بقول الراجز:
988-
إنِّي رَأيتُ عَجَبًا مُذْ أمْسَا ... "عجائز مثل السعالي خمسًا"
"يأكلن ما في رحلهن همسا ... لا تراك الله لهن ضرسا"
__________
1 تقدم بالرقم 619.
2 القمر: 34-35.
988- التخريج: الرجز بلا نسبة في أسرار العربية ص32؛ وأوضح المسالك 4/ 132؛ وخزانة الأدب 4/ 167، 168؛ والدرر 3/ 108؛ وشرح التصريح 2/ 226؛ وشرح قطر الندى ص16؛ وشرح المفصل 4/ 106، 107؛ والكتاب 3/ 248 ولسان العرب 6/ 9، 10 "أمس"؛ وما ينصرف وما لا ينصرف =(3/164)
قال في شرح التسهيل: ومدّعاه غير صحيح لامتناع الفتح في موضع الرفع، ولأن سيبويه استشهد بالرجز على أن الفتح في "أمسا" فتح إعراب، وأبو القاسم لم يأخذ البيت من غير كتاب سيبويه، فقد غلط فيما ذهب إليه واستحق أن لا يعول عليه، اهـ. ويدل للإعراب قوله: "من الخفيف":
989-
اعْتَصِمْ بِالرَّجاءِ إنْ عَنَّ بَأسٌ ... وتَنَاسَ الَّذِي تَضَمَّنَ أمْسُ
__________
= ص95، والمقاصد النحوية 4/ 357؛ ونوادر أبي زيد ص75؛ وهمع الهوامع 1/ 209؛ وجمهرة اللغة ص841، 863.
اللغة والمعنى: السعالي: ج السعلاة وهي أخبث الغيلان، أو ساحرة الجن كان يعتقد الجاهليون.
يقول: من العجائب التي رأيتها أمس تلك العجائز الخمس اللواتي يشبهن الغيلان.
الإعراب: إني: حرف مشبه بالفعل، واسمها ياء المتكلم. رأيت: فعل ماض مبني على السكون.
والتاء: فاعل. عجبًا: مفعول به منصوب. مد: حرف جر. أمسا: اسم مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعدل، والألف للإطلاق، والجار والمجرور متعلقان بـ"رأيت". عجائزًا: بدل من "عجبًا" منصوب. مثل: نعت "عجائزًا" وهو مضاف. السعالي: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة. خمسًا: نعت "عجائز". وجملة "رأيت عجبًا ... " في محل رفع خبر "إن". يأكلن. فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون الإناث. والنون: ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة "يأكلن" في محل نصب نعت "عجائزًا". ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. في: حرف جر. رحلهن: رحل: اسم مجرور، وهو مضاف، و"هن": ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صلة الموصول: همسًا: حال منصوب. لا: حرف نفي. ترك: فعل ماض. الله: لفظ الجلالة فاعل مرفوع. لهن: جار ومجرور متعلقان بـ"ترك". ضرسًا: مفعول به منصوب بالفتحة. وجملة "لا ترك الله لهن ضرسًا ... " استئنافية لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "مذ أمسا" حيث جاءت كلمة "أمس" غير منصرفة، فجرت بالفتحة، والألف للإطلاق.
989- التخريج: البيت بلا نسبة في الدرر 3/ 107؛ وشرح التصريح 2/ 226؛ والمقاصد النحوية 4/ 372؛ وهمع الهوامع 1/ 209.
شرح المفردات: اعتصم: تمسك. البأس: الشدة: عنّ: بدا، ظهر.
المعنى: يقول: تمسك بالأمل، ولا تستسلم لليأس إن نشزت أمامك المصاعب وتغافل عن الماضي وما حمله لك من آلام.
الإعراب: "اعتصم": فعل أمر مبني على السكون، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنت". "بالرجاء": جار ومجرور متعلقان بـ"اعتصم". "إن": حرف شرط. "عن": فعل ماض، وهو فعل الشرط. =(3/165)
وأجاز الخليل في "لقيته أمس" أن يكون التقدير بالأمس، فحذف الباء و"أل"، فتكون الكسرة كسرة إعراب. قال في شرح الكافية: ولا خلاف في إعراب "أمس" إذا أضيف، أو لفظ معه بالألف واللام، أو نكر، أو صغر، أو كسر.
672-
وابن على الكسر فعال علما ... مؤنثًا وهو نظير جشما
673-
عند تميم واصرفن ما نكرا ... من كل ما التعريف فيه أثرا
"وَابنِ عَلى الكسرِ فَعَالِ عَلَما مُؤنثا" أي مطلقًا في لغة الحجازيين لشبهه بنزال وزنا وتعريفًا وتأنيثًا وعدلا، وقيل لتضمنه معنى هاء التأنيث، قال الربعي، وقيل لتوالي العلل وليس بعد منع الصرف إلا البناء، قاله المبرد، والأول هو المشهور: تقول هذه حذام ووبار، ورأيت حذام ووبار، ومررت بحذام ووبار، ومنه قوله: "من الوافر":
990-
إذَا قَالَتْ حذَامِ فَصَدِّقُوهَا ... فَإنَّ القَولَ مَا قَالَتْ حَذَامِ
__________
= "بأس": فاعل مرفوع بالضمة. "وتناس": الواو حرف عطف، "تناس": فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنت". "الذي": اسم موصول مبني في محل نصب مفعول به. "تضمن": فعل ماض مبني على الفتح. "أمس": فاعل مرفوع بالضمة.
وجملة: "اعتصم" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "إن عنّ بأس ... " الشرطية اعتراضية لا محل لها من الإعراب. وجملة جواب الشرط المحذوفة المقدرة بـ"فتناس" في محل جزم لاقترانها بالفاء. وجملة "تناس" معطوفة على جملة "اعتصم" لا محل لها من الإعراب. وجملة: "تضمن أمس" صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "تضمن أمس" حيث رفع "أمس" بالضمة على لغة بني تميم، والحجازيون يبنونها على الكسر.
990- التخريج: البيت للجيم بن صعب في شرح التصريح 2/ 225؛ وشرح شواهد المغني 2/ 596؛ والعقد الفريد 3/ 363؛ ولسان العرب 6/ 306 "رقش": والمقاصد النحوية 4/ 370؛ وله أو لوشيم بن طارق في لسان العرب 2/ 99 "نصت"؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 131؛ الخصائص 2/ 178؛ وشرح ابن عقيل ص58؛ وشرح قطر الندى ص14؛ وشرح المفصل 4/ 64؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص75؛ ومغني اللبيب 1/ 220.
الإعراب: إذا: ظرف يتضمن معنى الشرط مبني في محل نصب مفعول فيه. قالت: فعل ماض، والتاء: للتأنيث. حذام: فاعل مبني على الكسر في محل رفع. فصدقوها: الفاء: واقعة في جواب "إذا"، صدقوها: فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بواو الجماعة، والواو: فاعل، و"ها" ضمير في محل نصب مفعول به. فإن: الفاء: تعليلية، إن: حرف مشبه بالفعل. القول: اسم "إن" منصوب. ما: اسم موصول في محل رفع خبر "إن". قالت: فعل ماض، والتاء: للتأنيث. حذام: فاعل مبني على الكسر في محل رفع =(3/166)
"وهْوَ نَظِيرُ جُشَمَا" وعمر وزفر "عِند تميمٍ" أي ممنوع الصرف للعلمية والعدل عن "فاعلة"، وهذا رأي سيبويه.
وقال المبرد: للعلمية والتأنيث المعنوي كزينب، وهو أقوى على ما لا يخفى.
وهذا فيما ليس آخره راء: فأما نحو وبار وظفار وسفار فأكثرهم يبنيه على الكسر كأهل الحجاز لأن لغتهم الإمالة، فإذا كسروا توصلوا إليها، ولو منعوه الصرف لامتنعت. وقد جمع الأعشى بين اللغتين في قوله: "من مخلع البسيط":
991-
"ألم تروا إرما وعادًا ... أودى بها الليل والنهار"
__________
= وجملة "قالت حذام" الفعلية في محل جر بالإضافة. وجملة "صدقوها" الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم. وجملة "إن القول ... " الاسمية لا محل لها من الإعراب لأنها استئنافية أو تعليلية. وجملة "قالت حذام" الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول.
والشاهد فيه قوله: "حذام" حيث جاء هذا الوزن مبنيا على الكسر، على وزن "فعال".
991- التخريج: البيتان للأعشى في ديوانه ص331 "وفيه "حد" مكان "دهر"" والبيت الثاني له في شرح أبيات سيبويه 2/ 240؛ وشرح التصريح 2/ 225؛ وشرح المفصل 4/ 64-65؛ والكتاب 3/ 279؛ ولسان العرب 5/ 273 "وبر"؛ والمقاصد النحوية 4/ 358؛ وهمع الهوامع 1/ 29؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص364؛ وأوضح المسالك 4/ 130؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص77؛ والمقتضب 3/ 50، 376؛ والمقرب 1/ 282.
اللغة المعنى: إرم: مدينة قديمة مندثرة، وقيل: اسم قبيلة عربية بائدة. عاد: قبيلة عربية قديمة بائدة. أودى بها: أهلكها: وبار: قبيلة كانت تسكن في تخوم صنعاء، وكانت أكثر الأرضين خيرًا. جهرة: عيانًا من غير استتار. يقول: ألم تعتبروا بما حل بإرم وعاد ووبار.
الإعراب: ألم: الهمزة حرف استفهام. و"لم": حرف جزم. تروا: فعل مضارع مجزوم بحذف النون، والواو ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. وجملة "ألم تروا" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. إرمًا: مفعول به منصوب. وعادًا: الواو حرف عطف، و"عادًا": اسم معطوف منصوب. أودى: فعل ماضي مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر. بها: جار ومجرور متعلقان بـ"أودى". الليل: فاعل مرفوع بالضمة. والنهار: حرف عطف واسم معطوف مرفوع. وجملة "أودى بها" استئنافية لا محل لها من الإعراب. ومر: الواو حرف عطف، مر: فعل ماض مبني على الفتحة. دهر: فاعل مرفوع. وجملة "مر دهر" معطوفة لا محل لها من الإعراب. على وبار: جار ومجرور متعلقان بـ" مر". فهلكت: الفاء حرف عطف، و"هلك": فعل ماضي مبني، والتاء حرف للتأنيث. جهرة: حال منصوب. وبار: فاعل مرفوع وجملة "هلكت" معطوفة لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيهما: مجيء "وبار" مرتين، وكانت في الأولى "على وبار" مبنية على الكسر، وفي الثانية "فهلكت وبارًا" معربة فرفعت بالضمة.(3/167)
ومر دهر على وبار ... فهلكت جهرة وبار
تنبيهات: الأول: أفهم قوله "مؤنثًا" أن حذام وبابه لو سمي به مذكر لم يبن، وهو كذلك، بل يكون معربًا ممنوعًا من الصرف للعلمية والنقل عن مؤنث كغيره، ويجوز صرفه لأنه إنما كان مؤنثًا لإرادتك به ما عدل عنه، فلما زال العدل زال التأنيث بزواله.
الثاني: فعال يكون معدولًا وغير معدول: فالمعدول إما علم مؤنث كحذام وتقدم حكمه، وإما أمر نحو نزال، وإما مصدر نحو حماد، وإما حال نحو: "من الكامل":
992-
"وذكرت من لبن المحلق شربة" ... وَالخَيلُ تَعْدُو فِي الصَّعِيدِ بَدَادِ
وإما صفة جارية مجرى الأعلام نحو حلاق للمنية، وإما صفة ملازمة للنداء نحو فساق، فهذه خمسة أنواع كلها مبنية على الكسر معدولة عن مؤنث، فإن سمي ببعضها مذكر فهو كعناق1، وقد يجعل كصباح2، وإن سمي به مؤنث فهو كحذام3، ولا يجوز البناء خلافًا لابن بابشاذ، وغير المعدول يكون اسمًا كجناح، ومصدرًا نحو ذهاب،
__________
992- التخريج: البيت للنابغة الجعدي في ملحق ديوانه ص241؛ والكتاب 3/ 275؛ ولسان العرب 10/ 64 "حلق"؛ ولعون بن عطية بن الخرع في جمهرة اللغة ص999؛ وخزانة الأدب 6/ 363-368، 370؛ والدرر 1/ 98؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 299؛ وشرح المفصل 4/ 54؛ ولسان العرب 3/ 78 "بدد"؛ والمعاني الكبير ص104؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص66؛ وخزانة الأدب 6/ 340؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص73؛ والمعاني الكبير ص389؛ والمقتضب 3/ 371؛ وهمع الهوامع 1/ 29.
اللغة: الصعيد: الأرض. بداد: متفرقة.
الإعراب: وذكرت: "الواو": بحسب ما قبلها، "ذكرت": فعل ماض، و"التاء": ضمير في محل رفع فاعل. من لبن: جار ومجرور متعلقان بحال من "شربة"، وهو مضاف. المحلق: مضاف إليه مجرور. شربة: مفعول به والخيل: "الواو": حالية، "الخيل": مبتدأ مرفوع. تعدو: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: "هي". في الصعيد: جار ومجرور متعلقان بـ"تعدو". بداد: اسم في محل نصب حال.
وجملة "ذكرت" بحسب ما قبله. وجملة "الخيل تعدو": في محل نصب حال. وجملة "تعدو": في محل رفع خبر المبتدأ.
الشاهد فيه قوله: "بداد:" وهم اسم للتبدد معدول عن مؤنث "بدة" ثم عدلها إلى بداد.
1 أي: معرب ممنوع من الصرف.
2 أي معرب مصروف.
3 أي مبني على الكسر عند أهل الحجاز، ومعرب منصرف عند بني تميم.(3/168)
وصفة نحو: جواد، وجنسًا، نحو: سحاب، فلو سمي بشيء من هذه مذكرا انصرف قولا واحدًا إلا ما كان مؤنثًا كعناق.
"واصْرِفَنْ مَا نُكِّرَا ... مِنْ كُلِّ مَا التَّعْرِيفُ فِيهِ أثَّرَا"
وذلك الأنواع السبعة المتأخرة وهي: ما امتنع للعلمية والتركيب، أو الألف والنون الزائدتين، أو التأنيث بغير الألف، أو العجمية، أو وزن الفعل، أو ألف الإلحاق، أو العدل: تقول رب معدي كرب وعمران وفاطمة وزينب وإبراهيم أحمد وأرطى وعمر لقيتهم، لذهاب أحد السببين وهو العلمية.
وأما الخمسة المتقدمة وهي: ما امتنع لألف التأنيث، أو للوصف والزيادتين، أو للوصف ووزن الفعل، أو للوصف والعدل، أو للجمع المشبه مفاعل أو مفاعيل فإنها لا تصرف نكرة، فلو سمي بشيء منها لم ينصرف أيضًا، أما ما فيه ألف التأنيث فلأنها كافية في منع الصرف ووهم من قال في "حواء" امتنع للتأنيث والعلمية، وأما ما فيه الوصف مع زيادتي فعلان أو وزن أفعل فلأن العلمية تخلف الوصف فيصير منعه للعلمية والزيادتين أو للعلمية ووزن أفعل، وأما ما فيه الوصف والعدل وذلك أخر وفعال ومفعل نحو أحاد وموحد فمذهب سيبويه أنها إذا سمي بها امتنعت من الصرف للعلمية والعدل.
قال في شرح الكافية: وكل معدول سمي به فعدله باق إلا سحر وأمس في لغة بني تميم فإن عدلهما يزول بالتسمية فيصرفان، بخلاف غيرهما من المعدولات فإن عدله بالتسمية باق فيجب منع صرفه للعدل والعلمية عددًا كان أو غيره، هذا هو مذهب سيبويه، ومن عزا إليه غير ذلك فقد أخطأ، وقوله ما لم يقل، وإلى هذا أشرت بقولي:
وعَدْلُ غَيرِ سَحَرٍ وَأمْسِ فِي ... تَسْمَيَةٍ تَعْرِضُ غَيرُ مُنْتَفِي
وذهب الأخفش وأبو علي وابن برهان إلى صرف العدد المعدول مسمى به، وهو خلاف مذهب سيبويه رحمه الله تعالى، هذا كلامه بلفظه، وأما الجمع المشبه مفاعل أو مفاعيل فقد تقدم الكلام على التسمية به.
وإذا نكر شيء من هذه الأنواع الخمسة بعد التسمية لم ينصرف أيضًا، أما ذو ألف(3/169)
التأنيث فللألف، وأما ذو الوصف مع زيادتي فعلان أو مع وزن أفعل أو مع العدل إلى فعال أو مفعل فلأنها لما نكرت شابهت حالها قبل التسمية فمنعت الصرف لشبه الوصف مع هذه العلل، هذا مذهب سيبويه، وخالف الأخفش في باب سكران فصرفه.
وأما باب أحمر ففيه أربعة مذاهب؛ الأول: منع الصرف وهو الصحيح، والثاني: الصرف وهو مذهب المبرد والأخفش في أحد قوليه ثم وافق سيبويه في كتابه الأوسط، قال في شرح الكافية: وأكثر المصنفين لا يذكرون إلا مخالفته، وذكر موافقته أولى لأنها آخر قوليه، والثالث إن سمي بأحمر رجل أحمر لم ينصرف بعد التنكير، وإن سمي به أسود أو نحوه انصرف وهو مذهب الفراء وابن الأنباري، والرابع: أنه يجوز صرفه وترك صرفه، قاله الفارسي في بعض كتبه.
وأما المعدول إلى فعال أو مفعل فمن صرف أحمر بعد التسمية صرفه وقد تقدم الخلاف في الجمع إذا نكر بعد التسمية.
تنبيه: إذا سمي بأفعل التفضيل مجردًا من "من" ثم نكر بعد التسمية انصرف بإجماع كما قاله في شرح الكافية. قال: لأنه لا يعود إلى مثل الحال التي كان عليها إذا كان صفة، فإن وصفيته مشروطة بمصاحبة "من" لفظًا أو تقديرًا، اهـ. فإن سمي به مع "من" ثم نكر امتنع صرفه قولا واحدًا، وكلام الكافية وشرحها يقتضي إجراء الخلاف في نحو أحمر فيه.
"الاسم المنقوص الممنوع من الصرف":
674-
"وَمَا يكونُ مِنْهُ مَنقوصًا ففي ... إعرابهِ نَهْجَ جَوارٍ يَقتفي"
يعني أن ما كان منقوصًا من الأسماء التي لا تنصرف سواء كان من الأنواع السبعة التي إحدى علتيها العلمية أو من الأنواع الخمسة التي قبلها فإنه يجري مجرى جوار وغواش، وقد تقدم أن نحو جوار يلحقه التنوين رفعًا وجرا فلا وجه لما حمل عليه المرادي كلام الناظم من أنه أشار إلى الأنواع السبعة دون الخمسة، لأن حكم المنقوص فيهما واحد: فمثاله في غير التعريف أعيم تصغير أعمى، فإنه غير منصرف للوصف والوزن، ويلحقه التنوين رفعًا وجرا نحو: "هذا أعيم" و"مررت بأعيم"، و"رأيت أعيمي"، والتنوين فيه(3/170)
عوض من الياء المحذوفة كما في نحو جوار، وهذا لا خلاف فيه. ومثاله في التعريف "قاض" اسم امرأة فإنه غير منصرف للتأنيث والعلمية و"يعيل" تصغير يعلى و"يرم" مسمى به فإنه غير منصرف للوزن والعلمية، والتنوين فيهما في الرفع والجر عوض من الياء المحذوفة، وذهب يونس وعيسى بن عمر والكسائي إلى نحو "قاض" اسم امرأة، و"يعيل، ويرم" يجري مجرى الصحيح في ترك تنوينه وجره بفتحة ظاهرة، فيقولون "هذا يعيلى، ويرمي، وقاضي، ورأيت يعيلي ويرمي وقاضي، ومررت بيعيلي ويرمي وقاضي"، واحتجوا بقوله: "من الرجز":
993-
قَدْ عَجِبَتْ مِنِّي وَمِنْ يُعَيلِيا ... لَمَّا رَأتْنِي خَلَقًا مُقلوليَا
وهو عند الخليل وسيبويه والجمهور محمول على الضرورة كقوله: "من الطويل":
994-
"فلو كان عبد الله مولى هجوته" ... وَلَكِنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَولَى مَوَالِيَا
__________
993- التخريج: الرجز للفرزدق في الدرر 1/ 102؛ وشرح التصريح 2/ 228؛ وبلا نسبة في الخصائص 1/ 6؛ والكتاب 3/ 315؛ ولسان العرب 15/ 94 "علا"، 15/ 200 "قلا"؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص114؛ والمقتضب 1/ 142؛ والممتع في التصريف 2/ 755؛ والمنصف 2/ 68، 79، 3/ 76؛ وهمع الهوامع 1/ 36.
شرح المفردات: يعيلي: تصغير "يعلي"، وهو اسم رجل. الخلق: البالي: المقلولي: المنكمش على ذاته.
المعنى: يقول: لقد عجبت منه لما رأته رث الهيئة، منكمشًا على ذاته.
الإعراب: "قد": حرف تحقيق. "عجبت": فعل ماض، والتاء للتأنيث، وفاعله ضمير تقديره: "هي". "مني": جار ومجرور متعلقان بـ"عجبت". "ومن يعيليا": الواو حرف عطف، والجار والمجرور معطوفان على "مني". "لما": ظرف زمان منصوب، متعلق بـ"عجبت". "رأتني": فعل ماض، والتاء للتأنيث، والنون للوقاية، والياء ضمير في محل نصب مفعول به وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هي". "خلقًا": حال منصوب، إذا اعتبرت "رأى" بصرية، ومفعول به ثان إذا اعتبرت "رأى" علمية. "مقلوليا": نعت "خلقًا" منصوب.
وجملة: "عجبت" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "رأتني" في محل جر بالإضافة.
الشاهد فيه قوله: "يعيليا"، وهو تصغير "يعلي"، وهو علم على وزن الفعل، ولم يزل منعه من الصرف بسب تصغيره، وهو مع ذلك اسم منقوص، وقد عامله معاملة الصحيح، وهذا مذهب يونس وعيسى بن عمر والكسائي، ومذهب سيبويه والخليل أنه ضرورة.
994- التخريج: البيت للفرزدق في إنباه الرواة 2/ 105؛ وبغية الوعاة 2/ 442؛ وخزانة الأدب =(3/171)
"حرف الممنوع من الصرف":
675-
ولاضطرار، أو تناسب صرف ... ذو المنع والمصروف قد لا ينصرف
"ولاضطرار أو تناسب صرف ذو المنع" بلا خلاف، مثال الضرورة قوله "من الطويل":
995-
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة ... فقالت لك الويلات إنك مرجلي
__________
= 1/ 335، 239، 5/ 145؛ والدرر 1/ 101؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 311؛ وشرح التصريح 2/ 229؛ وشرح المفصل 1/ 64؛ والكتاب 3/ 313، 315؛ ولسان العرب 15/ 47 "عرا"، 409 "ولي"؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص114؛ ومراتب النحويين ص31؛ والمقاصد النحوية 4/ 375؛ والمقتضب 1/ 143 وليس في ديوانه؛ وبلا نسبة في همع الهوامع.
المعنى: يقول: لو كان عبد الله من الموالي لهجوته، ولكنه مولى موال، أي أنه خسيس لا يستحق أن أهجوه.
الإعراب: "فلو": الفاء بحسب ما قبلها، "لو": حرف شرط غير جازم. "كان": فعل ماض ناقص "عبد": اسم "كان": مرفوع، وهو مضاف. الله: اسم الجلالة، مضاف إليه مجرور. "مولى" خبر "كان" مرفوع. "هجوته: فعل ماض، والتاء ضمير في محل رفع فاعل، والهاء ضمير في محل نصب مفعول به "ولكن": الواو حرف عطف، "لكن": حرف مشبه بالفعل. "عبد": اسم "لكن" منصوب، وهو مضاف "الله": اسم الجلالة، مضاف إليه مجرور. "مولى": خبر "لكن" مرفوع، وهو مضاف. "مواليا": مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف لأنه على صيغة منتهى الجموع، والألف للإشباع.
وجملة: "لو كان عبد الله ... " ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "هجوته" لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم. وجملة "لكن عبد الله ... " استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "مولى مواليا" حيث عامل الاسم المنقوص الممنوع من الصرف في حالة الجر معاملة الاسم الصحيح. فأثبت الياء، وجره بالفتحة بدلا من الكسرة، وهذا شاذ.
995- التخريج: البيت لامرئ القيس في ديوانه ص11؛ وخزانة الأدب 9/ 345؛ وشرح التصريح 2/ 27؛ وشرح شواهد المغني 2/ 766؛ والمقاصد النحوية 4/ 374؛ وبلا نسبة في مغني اللبيب 2/ 343.
شرح المفردات: الخدر: ستر يمد للمرأة في ناحية البيت. عنيزة: عشيقة الشاعر. لك الويلات: دعاء عليه بالشدة والعذاب. المرجل: الذي يصير راجلًا أي ماشيًا على رجليه.
المعنى: يقول: ويوم دخلت على عنيزة دعت علي وقالت إنك تحملني على المشي سيرًا على الأقدام لامتطائك بعيري.
الإعراب: "ويوم" الواو بحسب ما قبلها، "يوم" ظرف زمان منصوب. "دخلت": فعل ماض، والتاء ضمير في محل رفع فاعل. "الخدر": مفعول به منصوب. "خدر": بدل من "الخدر"، وهو مضاف. =(3/172)
وقوله "من الخفيف":
996-
وأتاها أحيمر كأخي السهـ ... ـم بغضب فقال: كوني عقيرا
وقوله "من الطويل":
997-
تبصر خليل هل ترى من ظعائن ... "سوالك نقبًا بين حزمي شعبعب"
__________
= "عنيزة": مضاف إليه مجرور، وقد صرفه الشاعر للضرورة الشعرية. "فقالت": الفاء حرف عطف، "قالت": فعل ماض، والتاء للتأنيث، وفاعله مستتر تقديره: "هي". "لك": جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المتبدأ. "الويلات": مبتدأ مؤخر. "إنك": حرف مشبه بالفعل، والكاف ضمير في محل نصب اسم "إن". "مرجلي": خبر "إن" مرفوع، وهو مضاف، والياء ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة.
وجملة "دخلت" في محل جر بالإضافة. وجملة "قالت" استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "لك الويلات" في محل نصب مفعول به. وجملة "إنك مرجلي" استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "عنيزة" حيث صرفه للضرورة الشعرية، وهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث.
996- التخريج: البيت لأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص35؛ والمقاصد النحوية 4/ 377؛ والمقرب 2/ 202.
اللغة: أحيمر: من عقر ناقة صالح. العضب: القاطع.
الإعراب: وأتاها: "الواو": بحسب ما قبلها، و"أتاها": فعل ماض، و"ها": ضمير في محل نصب مفعول به. أحيمر: فاعل مرفوع. كأخي: جار ومجرور متعلقان بـ"أتاها" وهو مضاف. السهم: مضاف إليه مجرور. بعضب: جار ومجرور متعلقان بـ"أتى". فقال: "الفاء": عاطفة، "قال": فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: "هو". كوني: فعل أمر ناقص، و"الياء": ضمير في محل رفع اسم "كان". عقيرًا: خبر "كان" منصوب.
وجملة "أتاها": بحسب ما قبلها. وجملة "قال": معطوفة على "أتاها". وجملة "كوني عقيرًا". في محل نصب مقول القول.
الشاهد فيه قوله: "أحيمر" حيث نونه للضرورة مع أنه من حقه المنع من الصرف.
997- التخريج: البيت لامرئ القيس في ديوانه ص43؛ والمقاصد النحوية 4/ 386.
الإعراب: "تبصرة": فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنت". "خليلي": منادى منصوب، وهو مضاف، والياء ضمير في محل جر بالإضافة. "هل": حرف استفهام. "ترى": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنت". "من": حرف جر زائد. "ظعائن": اسم مجرور لفظًا منصوب محلا على أنه مفعول به لـ"ترى". "سوالك": نعت "ظعائن". "نقبا": مفعول به لـ"سوالك". "بين": ظرف مكان متعلق بـ"سوالك"، وهو مضاف. "حزمي": مضاف إليه، وهو مضاف. "شعبعب": مضاف إليه مجرور بالكسرة.
الشاهد فيه قوله: "من ظعائن" حيث صرفها للضرورة الشعرية ومن حقها المنع من الصرف لأنها على صيغة منتهى الجموع.(3/173)
وهو كثير، نعم اختلف في نوعين: أحدهما ما فيه ألف التأنيث المقصورة فمنع بعضهم صرفه للضرورة، قال لأنه لا فائدة فيه إذ يزيد بقدر ما ينقص، ورد بقوله: "من الكامل":
998-
إني مُقَسِّمُ مَا مَلَكْتُ فَجَاعِلٌ ... جُزْءًا لآخِرتِي وَدُنْيَا تَنْفَعُ
أنشده ابن الأعرابي بتنوين دنيا، وثانيهما: أفعل من، منع الكوفيون صرفه للضرورة1، قالوا لأن حذف تنوينه لأجل من فلا يجمع بينهما، ومذهب البصريين جوازه لأن المانع له إنما هو الوزن والوصف كأحمر لا "من"، بدليل صرف خير منه وشر منه لزوال الوزن، ومثال الصرف للتناسب قراءة نافع والكسائي: {سَلاسِلا وَأَغْلالا وَسَعِيرًا} 2، {قَوَارِيرَا، قَوَارِيرَ} 3، وقراءة الأعمش بن مهران: {وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} 4.
تنبيه: أجاز قوم صرف الجمع الذي لا نظير له في الآحاد اختيارًا، وزعم قوم أن صرف ما لا ينصرف مطلقًا لغة، قال الأخفش: وكأن هذه لغة الشعراء لأنهم اضطروا إليه في الشعر فجرت ألسنتهم على ذلك في الكلام.
"وَالمَصْروفُ قَدْ لا يَنْصَرِفْ" أي للضرورة، أجاز ذلك الكوفيون والأخفش والفارسي،
__________
998- التخريج: البيت للمثلم بن رياح في خزانة الأدب 8/ 297؛ والمقاصد النحوية 4/ 376.
الإعراب: إني: حرف مشبه بالفعل، و"الياء": ضمير في محل نصب اسم "إن". مقسم: خبر "إن" مرفوع، وهو مضاف. ما: اسم موصول في محل جر بالإضافة. ملكت: فعل ماض، و"التاء": ضمير في محل رفع فاعل. فجاعل: "الفاء": حرف عطف، "جاعل": مبتدأ مرفوع. جزءًا: مفعول به. لآخرتي: جار ومجرور متعلقان بمحذوف نعت "جزءًا". ودنيا: "الواو": حرف عطف، "دنيا": معطوف على "آخرتي". تنفع: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره "هي".
وجملة "إني مقسم": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "ملكت": صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وجملة "تنفع": في محل نصب نعت "دنيا".
الشاهد فيه قوله: "دنيا" حيث نونه الشاعر ردا على من قال إنه منته بألف التأنيث لذا يجب منعه من الصرف.
1 انظر المسألة التاسعة والستين في الإنصاف في مسائل الخلاف ص488-493.
2 الإنسان: 4.
3 الإنسان: 15-16.
4 نوح: 23.(3/174)
وأباه سائر البصريين1، والصحيح الجواز، واختاره الناظم لثبوت سماعه، من ذلك قوله: "من المتقارب":
999-
وَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلاَ حابِسٌ ... يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي مَجمَعِ
وقوله: "من الطويل":
1000-
وَقَائِلَةٍ مَا بَالُ دَوسَرَ بَعْدَنَا ... صَحَا قَلبُهُ عَنْ آلِ لَيلَى وَعَنْ هِنْدِ
__________
1 انظر لمسألة السبعين في الإنصاف في مسائل الخلاف ص493-520.
999- التخريج: البيت لعباس بن مرداس في ديوانه ص84؛ والأغاني 14/ 291؛ وخزانة الأدب 1/ 147، 148، 253؛ والدرر 1/ 104؛ وسمط اللآلي ص33؛ وشرح التصريح 2/ 119؛ وشرح المفصل 1/ 68، والشعر والشعراء 1/ 107، 306، 2/ 752؛ ولسان العرب 6/ 97 "ردس"؛ والمقاصد النحوية 4/ 346؛ وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب 2/ 546، 547؛ ولسان العرب 10/ 316 "فوق".
اللغة: حصن: هو أبو عيينة بن حصن الفراري، حابس: أبو الأقرع بن حابس. مرداس: أبو العباس أبي مرداس السلمي.
المعنى: ليس أبو حصن والأقرع أفضل شأنًا من أبي، فقد كنت الأعز.
الإعراب: "وما": "الواو": بحسب ما قبلها، "ما": نافية لا عمل لها. "كان": فعل ماض ناقص.
"حصن": اسمها مرفوع بالضمة. "ولا": الواو عاطفة، "لا": نافية. "حابس": اسم معطوف على حصن. "يفوقان": فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والألف فاعل. "مرداس": مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة، وحذف التنوين للضرورة الشعرية. "في مجمع": جار ومجرور متعلقان بالفعل "يفوقان".
وجملة "كان حصن ولا حابس يفوقان": بحسب ما قبلها. وجملة "يفوقان" خبرية في محل نصب.
والشاهد فيه قوله: "مرداس" منع من الصرف وليس فيه إلا علة واحدة وهي العملية.
1000- التخريج: البيت لدوسر بن دهبل في الأصمعيات ص150 "وفيه "ذهيل" مكان "دهبل" وأن الأصمعي نسبه لرجل من بني يربوع"؛ والمقاصد النحوية 4/ 366؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 1/ 149، 150؛ وجواهر الأدب ص237؛ ومجالس ثعلب ص176.
المعنى: ما شأن دوسر وما حاله فقد سلا أحبابه وترك ما كان فيه من الصبابة والهوى في حب ليلى وهند.
الإعراب: "وقائلة": "الواو": واو رب حرف جر شبيه بالزائد، "قائلة": اسم مجرور لفظًا مرفوع على أنه مبتدأ. "ما": حرف استفهام في محل رفع خبر مقدم. "بال": مبتدأ مؤخر. "درسر": مضاف إليه مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للضرورة الشعرية. "بعدنا": مفعول فيه ظرف زمان متعلق بالخبر المحذوف، و"نا": مضاف إليه. "صحا": فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة. "قلبه": فاعل و"الهاء" مضاف إليه. "عن آل": جار ومجرور متعلقان بالفعل صحا. "ليلى": مضاف إليه مجرور بالفتحة المقدرة على الألف نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. "وعن هند": "الواو": =(3/175)
وقوله: "من الكامل":
1001-
طَلَبَ الأزَارِقُ بِالكَتَائِبِ إذْ هَوَتْ ... بِشَبِيبَ غَائِلَةُ النُّفُوِسِ غَدُورُ
وأبيات أخر.
تنبيه: فصل بعض المتأخرين بين ما فيه علمية، فأجاز منعه لوجود إحدى العلتين، وبين ما ليس كذلك فصرفه، ويؤيده أن ذلك لم يسمع إلا في العلم، وأجاز قوم منهم ثعلب وأحمد بن يحيى1 منع صرف المنصرف اختيارًا.
"الممنوع من الصرف بالنسبة إلى التكبير والتصغير":
خاتمة: قال في شرح الكافية: ما لا ينصرف بالنسبة إلى التكبير والتصغير أربعة أقسام: ما لا ينصرف مكبرًا ولا مصغرًا، وما لا ينصرف مكبرًا وينصرف مصغرًا، وما لا ينصرف
__________
= عاطفة، "عن": حرف جر، "هند": اسم مجرور، الجار والمجرور متعلقان بالفعل صحا.
وجملة "ما بال دوسر". في محل نصب مفعول به مقول القول. وجملة "صحا": في محل نصب حال.
والشاهد فيه قوله: "دوسر" حيث منعه من الصرف مع أنه ليس فيه إلا علة واحدة وهي العلمية.
1001- التخريج: البيت للأخطل في ديوانه ص197؛ والإنصاف 2/ 493؛ وشرح التصريح 2/ 228؛ والمقاصد النحوية 4/ 362.
شرح المفردات: الأزارق: أي الأزارقة، وهم فرقة من الخوارج من أصحاب نافع بن الأزرق.
الكتائب: ج الكتيبة، وهي القطعة من الجيش، أو جماعة من الخيل المغيرة. هوت: سقطت. شبيب: هو ابن يزيد من بني مرة، وأحد الثائرين على بني أمية. غائلة: شر.
المعنى: يقول: إنه طلب الأزارقة بجيشه القوي، وفتك بهم عندما غزت الشرور قلب قائدهم شبيب.
الإعراب: "طلب": فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هو". "الأزارق": مفعول به منصوب. "بالكتائب": جار ومجرور متعلقان بـ"طلب". "إذ": ظرف زمان مبني في محل نصب، متعلق بـ"طلب". "هوت": فعل ماض، والتاء للتأنيث. "بشبيب": الباء حرف جر، "شبيب": اسم مجرور بالفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف ضرورة لعدم وجود غير العلمية فيه. "غائلة": فاعل "هوت"، وهو مضاف. "النفوس": مضاف إليه مجرور. "غدور": نعت "غائلة" مرفوع بالضمة.
وجملة "طلب" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "هوت ... " في محل جر بالإضافة.
الشاهد فيه قوله: "بشبيب" حيث منعه من الصرف، ومن حقه أن يصرف، وذلك للضرورة الشعرية.
1 كذا، وأحمد بن يحيى هو ثعلب نفسه.(3/176)
مصغرًا وينصرف مكبرًا، وما يجوز فيه الوجهان مكبرًا ويتحتم منعه مصغرًا.
فالأول: نحو بعلبك وطلحة وزينب وحمراء وسكران وإسحق وأحمر ويزيد، مما لا يعدم سبب المنع في تكبير ولا تصغير.
والثاني: نحو عمر وشمر وسرحان وعلقى وجنادل أعلامًا مما يزول بتصغيره سبب المنع، فإن تصغيرها عمير وشمير وسريحين وعليق وجنيدل بزوال مثال العدل ووزن الفعل وألفي سرحان وعلقى وصيغة منتهى التكسير.
والثالث: نحو تحلئ وتوسط وترتب وتِهبِّط أعلامًا مما يتكمل فيه بالتصغير سبب المنع فإن تصغيرها تحيلئُ وتويسط وتريتب وتهيبط على وزن مضارع بيطر، فالتصغير كمل لها سبب المنع، فمنعت من الصرف فيه دون التكبير، فلو جيء في التصغير بياء معوَّضة مما حذف تعين الصرف لعدم وزن الفعل.
الرابع: نحو هند وهنيدة فلك فيه مكبرًا وجهان وليس لك فيه مصغرًا إلا منع الصرف، والله أعلم.(3/177)
إعرابُ الفعلِ:
676-
"ارفعْ مُضَارعًا إذا يُجرَّدُ ... مِن ناصِبٍ وجازمٍ كتَسْعَدُ"
يعني أنه يجب رفع المضارع حينئذٍ، والرافع له التجرد المذكور كما ذهب إليه حذاق الكوفيين منهم الفراء، لا وقوعه موقع الاسم كما قال البصريون، ولا نفس المضارعة كما قال ثعلب، ولا حروف المضارع كما نسب للكسائي، واختار المصنف الأول، قال في شرح الكافية: لسلامته من النقض، بخلاف الثاني فإنه ينتقض بنحو: "هلا تفعل" و"جعلت أفعل" و"ما لك لا تفعل"، و"رأيت الذي تفعل"؛ فإن الفعل في هذه المواضع مرفوع مع أن الاسم لا يقع فيها1، فلو لم يكن للفعل رافع غير وقوعه موقع الاسم لكان في هذه المواضع مرفوعًا بلا رافع، فبطل القول بأن رافعه وقوعه موقع الاسم، وصح القول بأن رافعه التجرد، اهـ.
ورد الأول بأن التجرد عدمي والرفع وجودي والعدمي لا يكون علة للوجودي.
وأجاب الشارح بأنا لا نسلم أن التجرد من الناصب والجازم عدمي، لأنه عبارة عن استعمال المضارع على أول أحواله مخلصًا عن لفظ يقتضي تغييره، واستعمال الشيء والمجيء به على صفة مَا ليس بعدمي.
__________
1 ولا يقع الاسم في المثال الأول لأن حروف التحضيض لا يقع بعدها إلا الفعل، ولا في المثال الثاني. لأن خبر أفعال المقاربة لا يكون إلا فعلًا مضارعًا، ولا في المثال الثالث لأن السماع لم يرد بوقوع الاسم بعد "ما لك"؛ ولا في المثال الرابع لأن الصلة لا تكون إلا جملة خلافًا للكوفيين.(3/178)
تنبيه: إنما لم يقيد المضارع هنا بالذي لم تباشره نون توكيد ولا نون إناث اكتفاء بتقدم ذلك في باب الإعراب.
677-
وبلن انصبه وكي كذا بأن ... لا بعد علم والتي من بعد ظن
"وبِلَنِ انْصِبْهُ وَكَي" أي الأدوات التي تنصب المضارع أربع وهي: لن وكي وأن وإذن، وسيأتي الكلام على الأخيرتين.
فأما "لن" فحرف نفي تختص بالمضارع، وتخلصه للاستقبال، وتنصبه كما تنصب "لا" الاسم، نحو: "لن أضرب" و"لن أقوم"، فتنتفي ما أثبت بحرف التنفيس ولا تفيد تأييد النفي ولا تأكيده، خلافًا للزمخشري: الأول في أنموذجه والثاني في كشافه، وليس أصلها "لا" فأبدلت الألف نونًا خلافًا للفراء، ولا "لا أن" فحذفت الهمزة تخفيفًا، والألف للساكنين خلافًا للخليل والكسائي.
تنبيهات: الأول الجمهور على جواز تقديم معمول معمولها عليها، نحو: "زيدًا لن أضرب"، وبه استدل سيبويه على بساطتها1، ومنع ذلك الأخفش الصغير.
الثاني: تأتي "لن" للدعاء كما أتت "لا" كذلك، وفاقًا لجماعة منهم ابن السراج وابن عصفور، من ذلك قوله: "من الخفيف":
1002-
لَنْ تَزَالُوا كَذَلِكُمْ ثُمَّ لاَ زِلـ ... ـتُ لَكُمْ خَالِدًا خُلُودَ الجِبَالِ
__________
1 لأنها لو كانت مركبة من "لا" و"أن" المصدرية لبقي لها حكم "أن" المصدرية، و"أن" المصدرية لا يتقدم معمول معمولها عليها خلافًا للفراء.
1002- التخريج: البيت للأعشى في ديوانه ص63؛ والدرر 2/ 42، 4/ 62؛ وشرح شواهد المغني 2/ 684؛ وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص68؛ وشرح التصريح 2/ 230؛ وهمع الهوامع 1/ 111، 2/ 4.
المعنى: إنهم خاضعون لك ذاكرون لفضلك أطال الله في عمرك وعمري.
الإعراب: لن تزالوا: "لن": حرف نصب، "تزالوا": فعل مضارع ناقص، منصوب بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة و"الواو": ضمير متصل في محل رفع اسمها. كذلكم: "الكاف": حرف جر، و"ذا": اسم إشارة في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بخبر محذوف، و"اللام": للبعد و"الكاف": للخطاب و"الميم" للجماعة. ثم لا زلت: "ثم": حرف عطف، و"لا": نافية للدعاء، "زلت": =(3/179)
وأما: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} 1 فقيل ليس منه لأن فعل الدعاء لا يسند إلى المتكلم بل إلى المخاطب أو الغائب، ويرده قوله: "ثم لا زلت لكم".
الثالث: زعم بعضهم أنها قد تجزم كقوله: "من الطويل":
1003-
"أيادي سبا يا عز ما كنت بعدكم" ... فَلَنْ يَحْلَ لِلعَينَينِ بَعْدَكِ مَنْظَرُ
__________
= فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بالتاء المتحركة، و"التاء": ضمير متصل في محل رفع اسمها. لكم: جار ومجرور متعلقان باسم الفاعل خالدًا. خالدًا: خبر "زلت" منصوب بالفتحة. خلود: مفعول مطلق منصوب بالفتحة الظاهرة وهو مضاف. الجبال: مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.
وجملة "لن تزالوا": ابتدائية لا محل لها. وجملة "ثم لا زلت": معطوفة لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: "لن تزالوا ... ثم لا زلت" حيث جاءت "لن" نافية للدعاء، ولذلك عطفت "لا" النافية عليها للدعاء على سبيل عطف الإنشاء.
1 القصص: 17.
1003- التخريج: البيت لكثير عزة في ديوانه ص328؛ وشرح شواهد المغني 2/ 687؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص288.
اللغة: أيادي سبأ: مثل عربي ومعناه "مشتت الشمل".
المعنى: كنت بعد فراقك يا عزة مشتت الحال مفرق البال، فلم يحل لعيني منظر.
الإعراب: أيادي سبا: "أيادي" خبر "كنت" منصوب. سبا: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على الهمزة المحذوفة. يا عز: "يا": حرف نداء، و"عز": منادى مفرد علم مبني على الضم في محل نصب مفعول به لفعل النداء المحذوف. ما كنت: "ما": زائدة، و"كنت": فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالتاء المتحركة، و"التاء": ضمير متصل في محل رفع اسمها. بعدكم: ظرف زمان منصوب بالفتحة الظاهرة وهو مضاف، متعلق بـ"أيادي سبا"، و"الكاف": ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والميم للجماعة. فلن يحل: "الفاء": استئنافية، "لن": حرف جزم، "يحل": فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة.
للعينين: "اللام": حرف جر، "العينين": اسم مجرور بالياء لأنه مثنى، والجار والمجرور متعلقان بالفعل "يحل": و"النون": عرض عن التنوين في الاسم المفرد. بعدك: ظرف زمان منصوب بالفتحة الظاهرة وهو مضاف "والكاف": ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والظرف متعلق بـ"يحل". منظر: فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.
وجملة "يا عز" اعتراضية لا محل لها. وجملة "بعدكم أيادي سبا" ابتدائية لا محل لها. وجملة "فلن يحل منظر": استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: "لن يحل": فقد جزم الفعل بـ"لن شذوذًا".(3/180)
وقوله: "من المنسرح":
1004-
لَنْ يَخِبِ الآنَ مِنْ رَجَائِكَ مَنْ ... حَركَ من دُون بَابِكَ الحَلَقَهْ
والأول محتمل للاجتزاء بالفتحة عن الألف للضرورة.
وأما "كي" فعلى ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون اسمًا مختصرًا من "كيف" كقوله: "من البسيط":
1005-
كَي تَجْنَحُونَ إلَى سِلمٍ وَمَا ثُئِرَتْ ... قَتْلاَكُمُ وَلَظَى الهَيجَاءِ تَضْطَرِمُ
__________
1004- التخريج: البيت لأعرابي في الدرر 4/ 36؛ وشرح شواهد المغني 2/ 688؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 336؛ وهمع الهوامع 2/ 4.
اللغة: الخيبة: الخسران. الحلقة: حديدة مستديرة توضع على الباب ليقرع بها الطارق أو الزائر.
المعنى: إن من يقف ببابك لا يمكن أن يعود خائبًا من عطائك.
الإعراب: لن يخب: "لن" حرف جزم "يخب": فعل مضارع مجزوم بـ"لن" وعلامة جزمه السكون وحرك منعًا لالتقاء الساكنين. الآن: ظرف زمان مبني على الفتح في محل نصب، متعلق بالفعل يخب. من رجائك: جار ومجرور متعلقان بالفعل يخب، و"الكاف": ضمير متصل في محل جر بالإضافة، و"رجاء": مضاف. من: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. حرك: فعل ماض مبني على الفتحة الظاهرة. "الفاعل": ضمير مستتر جوازًا تقديره هو. من دون: "من": حرف جر، و"دون": اسم مجرور، والجار والمجرور متعلقان بـ"حرك"، وهو مضاف. بابك: مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة وهو مضاف، و"الكاف": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. الحلقة: مفعول به منصوب بالفتحة وسكن لضرورة الشعر.
وجملة "لن يخب" ابتدائية لا محل لها. وجملة "حرك" صلة الموصول لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: "لن يخب" حيث جزم الفعل بـ"لن"، شذوذًا، وذلك للدعاء.
1005- التخريج: البيت بلا نسبة في الجنى الداني ص265؛ وجواهر الأدب ص233؛ وخزانة الأدب 7/ 106؛ والدرر 3/ 135؛ وشرح شواهد المغني 1/ 507، 2/ 557؛ والمقاصد النحوية 4/ 378؛ وهمع الهوامع 1/ 214.
اللغة: ثئرت قتلاكم: قتلتم مقابلها. اللظى: اللهب الخالص. الهيجاء: الحرب. تضطرم: تلتهب.
المعنى: كيف ترضون سلمًا، وما زالت نيران الحرب ملتهبة، ودماء قتلاكم لم تجف، ولم تأخذوا بثأرهم.
الإعراب: كي: اسم استفهام مبني على الفتح المقدر على الفاء المحذوفة في محل نصب حال.
تجنحون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة، و"الواو": ضمير متصل في محل رفع. =(3/181)
والثاني: أن تكون بمنزلة لام التعليل معنى وعملًا، وهي الداخلة على ما الاستفهامية في قولهم في السؤال عن العلة: "كيمه"؟ بمعنى: لمه، وعلى "ما" المصدرية كما في قوله:
إذَا أنْتَ لَمْ تَنْفَعْ فَصرَّ فَإنَّمَا ... يُرْجَّى الفَتَى كَيمَا يَضُر وَيَنْفَع1
وقيل: "ما" كافة، وعلى "أن" المصدرية مضمرة، نحو: "جئت كي تكرمني" إذا قدرت النصب بـ"أن"، ولا يجوز إظهار أن بعدها، وأما قوله: "من الطويل":
"فقالت أكل الناس أصبحت مانحا ... لسانك" كيما أن تغر وتخدعا2
فضرورة.
الثالث: أن تكون بمنزلة "أن" المصدرية معنى وعملا وهو مراد الناظم، ويتعين ذلك في الواقعة بعد اللام وليس بعدها "أن" كما في نحو: {لِكَيْلا تَأْسَوْا} 3، ولا يجوز أن تكون حرف جر لدخول حرف الجر عليها، فإن وقع بعدها "أن"، كقوله: "من الطويل":
1006-
أَرَدْتَ لِكَيمَا أنْ تَطِيرَ بِقرْبَتِي ... "فتتركها شنا ببيداء بلقع"
__________
= فاعل. إلى سلم: جار ومجرور متعلقان بـ"تجنحون". وما: "الواو": حالية، "ما": نافية. ثئرت: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح، و"التاء": للتأنيث. قتلاكم: نائب فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الألف، و"كم": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. ولظى: "الواو": حالية، "لظى": مبتدأ مرفوع بالضمة. الهيجاء: مضاف إليه مجرور بالكسرة. تضطرم: فعل مضارع مرفوع بالضمة، و"الفاعل": ضمير مستتر تقديره "هي".
وجملة "كيف تجنحون": ابتدائية لا محل لها. وجملة "وما ثئرت": في محل نصب حال. وجملة "لظى الهيجاء تضطرم": في محل نصب حال. وجملة "تضطرم": في محل رفع خبر "لظى".
والشاهد فيه قوله: "كي": حيث جاءت اسمًا مختصرًا من "كيف".
1 تقدم بالرقم 521.
2 تقدم بالرقم 522.
3 الحديد: 23.
1006- التخريج: البيت بلا نسبة في الإنصاف 2/ 580؛ والجنى الداني 265؛ وجواهر الأدب 232؛ وخزانة الأدب 1/ 16، 8/ 481، 484، 485، 486، 487؛ ورصف المباني 216، 316؛ وشرح التصريح 2/ 231؛ وشرح شواهد المغني 1/ 508؛ وشرح المفصل 9/ 16، 7/ 19؛ ومغني اللبيب 1/ 182؛ والمقاصد النحوية 4/ 405.
شرح المفردات: القربة: جلد ماعز أو نحوه يتخذ للماء. شنا: القربة البالية: البلقع: الخالي. =(3/182)
احتمل أن تكون مصدرية مؤكدة بأن، وأن تكون تعليلية مؤكدة للام، ويترجح هذا الثاني بأمور.
الأول: أنّ "أن" أمّ الباب، فلو جعلت مؤكدة لـ"كي" لكانت "كي" هي الناصبة؛ فيلزم تقديم الفرع على الأصل.
الثاني: ما كان أصلًا في بابه لا يكون مؤكدًا لغيره.
الثالث: أن "أن" لاصقت الفعل فترجح أن تكون هي العاملة، ويجوز الأمران في نحو: "جئت كي تفعل"، {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً} 1، فإن جعلت جارة كانت "أن" مقدرة بعدها وإن جعلت ناصبة كانت اللام مقدرة قبلها.
تنبيهات: الأول: ما سبق من أن "كي" تكون حرف جر ومصدرية هو مذهب سيبويه وجمهور البصريين، وذهب الكوفيون إلى أنها ناصبة للفعل دائمًا وتأوّلوا "كيمه" على تقدير: كي تفعل ماذا، ويلزمهم كثرة الحذف، وإخراج "ما" الاستفهامية عن الصدر، وحذف ألفها في غير الجر، وحذف الفعل المنصوب مع بقاء عامل النصب، وكل ذلك لم
__________
= المعنى: يقول: لقد ذهبت بقربتي بعيدًا وتركتها ممزقة بالية في صحراء خالية من الناس.
الإعراب: "أردت": فعل ماض، والتاء ضمير في محل رفع فاعل. "لكيما": اللام حرف جر وتعليل، "كي": حرف تعليل مؤكد للام، "ما": زائدة. "أن": حرف مصدرية ونصب، وقد تكون مؤكدة لـ"كي" إذا اعتبرت حرف مصدر. "تطير": فعل مضارع منصوب، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنت". والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بـ"أردت". "بقربتي": جار ومجرور متعلقان بـ"تطير"، وهو مضاف، والياء ضمير في محل جر بالإضافة. "فتتركها": الفاء حرف عطف، "تتركها" فعل مضارع منصوب، لأنه معطوف على "تطير"، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره. "أنت"، و"ها": ضمير في محل نصب مفعول به. "شنا": حال منصوب. "ببيداء": جار ومجرور متعلقان بمحذوف نعت "شنا": "بلقع": نعت "بيداء" مجرور بالكسرة.
وجملة: "أردت" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "بيداء" صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب. وجملة "تتركها" معطوفة على جملة "تطير".
والشاهد فيه قوله: "لكيما أن" فإن "كي" هنا يجوز أن تكون مصدرية فتكون "أن" مؤكدة لها، وذلك بسب تقدم اللام الدالة على التعليل التي يشترط وجودها أو تقديرها الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب. قبل "كي" المصدرية، ويحتمل أن تكون "كي" تعليلية مؤكدة للام، فيكون السابك هو "أن" وحدها. ولولا "أن": لوجب أن تكون "كي" مصدرية، ولولا وجود اللام لوجب أن تكون "كي" تعليلية.
1 الحشر: 7.(3/183)
يثبت، ومما يرد قولهم قوله "من الطويل":
1007-
فأوقدت ناري كي ليبصر ضوؤها ... "وأخرجت كلبي وهو في البيت داخله"
وقوله "من المديد":
1008-
كي لتقضيني رقية ما ... وعدتني غير مختلس
__________
1007- التخريج: البيت لحاتم الطائي في ديواه ص278؛ وشرح شواهد المغني 1/ 509؛ والمقاصد النحوية 4/ 406؛ وللنمري أو لرجل من باهلة في شرح الحماسة للمرزوقي ص1697؛ وبلا نسبة في مجالس ثعلب ص349.
المعنى: أشعلت نارًا كي يرى المحتاجون ضوءها ليلا فيأتون إلي، وجعلت كلبي ينبح خارج البيت ليسمع الناس صوته فيهتدون به إلي.
الإعراب: وأوقدت: "الواو": للعطف"، "أوقدت": فعل ماض مبني على السكون، و"التاء": ضمير متصل في محل رفع فاعل. ناري: مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل الياء، و"الياء": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. كي: حرف تعليل وجر. ليبصر: "اللام": حرف جر وتعليل زائد للتوكيد، "يبصر": فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل، مبني للمجهول. ضوؤها: نائب فاعل مرفوع بالضمة، و"ها": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. وأخرجت: "الواو": للعطف، "أخرجت": فعل ماض مبني على السكون، و"التاء": ضمير متصل في محل رفع فاعل. كلبي: مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل الياء، و"الياء": ضمير متصل في محل رفع فاعل. كلبي: مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل الياء، و"الياء" ضمير متصل في محل جر بالإضافة. وهو: "الواو": حالية، "هو". ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. في البيت: جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف. داخله: خبر ثان مرفوع بالضمة، و"الهاء": ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والمصدر المؤول من "أن" المقدرة. والفعل "يبصر" مجرور بـ"كي" والجار والمجرور متعلقان بـ"أوقدت".
وجملة "وأوقدت ناري": معطوفة على جملة "ناديت نحوه" في بيت سابق، لا محل لها. وجملة "أن يبصر": صلة الموصول لا محل لها. وجملة "وأخرجت": معطوفة على جملة "وأوقدت" لا محل لها. وجملة "وهو في البيت": في محل نصب حال.
والشاهد فيه قوله: "كي ليبصر" حيث أكد "كي" بـ"لام التعليل".
1008- التخريج: البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات في خزانة الأدب 8/ 488، 490؛ والدرر 1/ 170؛ وشرح التصريح 2/ 231؛ والمقاصد النحوية 4/ 379؛ وبلا نسبة في همع الهوامع 1/ 53.
شرح المفردات: تقضي: تنجز.
المعنى: يتمنى الشاعر لو تنجز رقية وعدها من غير إخلاف.
الإعراب: "كي": حرف تعليل. "لتقضيني": اللام حرف جر وتعليل "تقضيني" فعل مضارع منصوب بـ"أن" مضمرة. والنون للوقاية، والياء ضمير في محل نصب مفعول به أول. والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بلفظ في بيت سابق. "رقية": فاعل مرفوع =(3/184)
لأن لام الجر لا تفصل بين الفعل وناصبه، وذهب قوم إلى أنها حرف جر دائمًا، ونقل عن الأخفش.
الثاني: أجاز الكسائي تقديم معمول معمولها عليها نحو: "جئت النحو كي أتعلم"، ومنعه الجمهور.
الثالث: إذا فصل بين "كي" والفعل لم يبطل عملها، خلافًا للكسائي، نحو: "جئت كي فيك أرغب"، والكسائي يجيزه بالرفع لا بالنصب، قيل: والصحيح أن الفصل بينها وبين الفعل لا يجوز في الاختيار.
الرابع: زعم الفارسي أن أصل "كما" في قوله "من الطويل":
1009-
وَطَرْفُكَ إمَّا جِئتَنَا فَاحْبِسَنَّهُ ... كَمَا يَحْسبُوا أن الهَوَى حيثُ تَنْظُرُ
__________
= بالضمة، "ما": اسم موصول مبني في محل نصب مفعول به ثان. "وعدتني": فعل ماض، والتاء للتأنيث، والنون للوقاية، والياء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. "غير": حال منصوب، وهو مضاف "مختلس": مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة: "تقضيني ... " صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب. وجملة: "وعدتني" صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "كي لتقضيني" حيث وقعت اللام بعد "كي"، وذلك دليل على أنها قد لا تكون مصدرية، والفعل المضارع الذي بعد اللام منصوب بـ"أن" مضمرة، وعلامة نصبة الفتحة المقدرة على الياء إجراء للفتحة مجرى الضمة.
1009- التخريج: البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص101؛ وخزانة الأدب 5/ 320؛ والدرر 4/ 70؛ ولجميل بثينة في ديوانه ص90؛ ولعمر أو لجميل في شرح شواهد المغني 1/ 498؛ وللبيد أو لجميل في المقاصد النحوية 4/ 407؛ وبلا نسبة في الجنى الداني ص483؛ وجواهر الأدب ص223؛ وخزانة الأدب 8/ 502، 10/ 224؛ وبلا نسبة في الجنى الداني ص483؛ وجواهر الأدب ص223؛ وخزانة الأدب 8/ 502، 10/ 224؛ ورصف المباني ص214؛ ومجالس ثعلب ص154؛ ومغني اللبيب 1/ 177؛ وهمع الهوامع 2/ 6.
اللغة: الطرف: العين: اصرفنه: حوله إلى جهة أخرى غير جهتنا.
المعنى: ابعد نظرك عنا ولا تجعل عيونك ترقبنا، وانظر إلى غيرنا، حتى يظن الناس أن محبوبك يجلس حيث تنظر.
الإعراب: "وطرفك": "الواو": بحسب ما قبلها، "طرف": مفعول به لفعل محذوف تقديره "صرف"، و"الكاف": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. "إما": مؤلفة من إن الشرطية وما الزائدة.
"جئتنا": فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل، و"نا": ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به، وهو في محل جزم فعل =(3/185)
"كيما" فحذفت الياء، ونصب بها، وذهب المصنف إلى أنها كاف التشبيه كفت بـ"ما"، ودخلها معنى التعليل فنصبت، وذلك قليل، وقد جاء الفعل بعدها مرفوعًا في قوله "من الرجز":
1010-
لا تشتم الناس كما لا تشتم
الخامس: إذا قيل: "جئت لتكرمني" فالنصب بـ"أن" مضمرة، وجوز أبو سعيد كون
__________
= الشرط. "فاصرفنه": الفاء": الرابطة لجواب الشرط، "اصرفنه": فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، والنون لا محل لها من الإعراب. والفاعل: ضمير مستتر تقديره أنت. و"الهاء": ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. "كيما": "كي": حرف مصدرية ونصب وما زائدة.
"يحسبوا": فعل مضارع منصوب بحذف النون، والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والمصدر المؤول من "كي" وما بعدها في محل جر باللام المحذوفة. والجار والمجرور متعلقان بـ"اصرف". "أن": حرف مشبه بالفعل. "الهوى": اسمها منصوب. "حيث": مفعول فيه مبني على الضم في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بمحذوف خبر أن "تنظر": فعل مضارع مرفوع بالضمة، والفاعل ضمير مستتر تقديره "أنت". والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها سد مسد مفعولي "يحسب".
وجملة "اصرف طرفك": بحسب ما قبلها، وجملة "إما جئتنا فاصرفنه" الشرطية استئنافية لا محل لها، وجملة "فاصرفنه": جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. وجملة "يحسبوا": صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة "تنظر": في محل جر بالإضافة.
والشاهد فيه قوله: "كما يحسبوا" مجيء كما مثل كيما وجواز نصب المضارع بعدها على تقدير أن "ما" زائدة غير كافة.
1010- التخريج: الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص183؛ وجواهر الأدب ص131؛ وخزانة الأدب 8/ 500، 501، 503، 10/ 213، 224؛ والدرر 4/ 211؛ والكتاب 3/ 116؛ والمقاصد النحوية 4/ 409؛ وبلا نسبة في الجنى الداني ص484؛ ورصف المباني ص214؛ واللمع في العربية ص58، 59، 154؛ وهمع الهوامع 2/ 38.
المعنى: لا تشتم الناس لعلك لا تشتم إن لم تشتمهم.
الإعراب: لا: ناهية. تشتم: فعل مضارع مجزوم، وحرك بالكسر منعًا لالتقاء الساكنين، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنت". الناس: مفعول به منصوب. كما "الكاف": نائب مفعول مطلق، وهو مضاف، والمصدر المؤول من "ما" والفعل "تشتم" مضاف إليه. لا: نافية. تشتم: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، و"نائب الفاعل": ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنت".
وجملة "لا تشتم": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "لا تشتم": صلة الموصول الحرفي لا محل لها.
الشاهد فيه قوله: "كما لا تشتم" حيث أبطل عمل "كي" لاتصالها بـ"ما" الكافة، فرفع الفعل بعدها ومنهم من يجيز النصب.(3/186)
فهرس محتويات الجزء الثالث من شرح الأشموني:
البدل
3 تعريفه
3 أنواع البدل
النداء
15 لغات لفظ النداء
15 حروف النداء وموضعها
22 أحوال نصب المنادى
32 فصل: تابع المنادى وأحواله
38 حكم المنادى المكرر المضاف ثاني لفظيه
المنادى المضاف إليه ياء المتكلم
40 المنادى المضاف إلى ياء المتكلم
43 لغات نداء "أب" و"أم" مضافين للياء
أسماء لازمت النداء
45 أسماء لازمت النداء
46 يا فَعال
48 يا فُعَلُ
الاستغاثة
50 الاستغاثة(3/461)
الندبة
57 حقيقة المندوب وحكمه
58 ما يجوز ندبته وما لا يجوز
59 ألف الندبة
60 زيادة هاء السكت في آخر المندوب
61 ندبة المضافة لياء المتكلم
الترخيم
62 حقيقة الترخيم وأنواعه
73 ترخيم الاسم المركب
74 لغة من ينتظر
الاختصاص
81 حقيقته والفرق بينه وبين النداء
82 أنواع الاسم المخصوص
التحذير والإغراء
84 التحذير والإغراء
أسماء الأفعال والأصوات
91 حقيقة اسم الفعل
97 اسم الفعل المنقول وغير المنقول
100 عمل اسم الفعل
نونا التوكيد
108 نونا التوكيد
ما لا ينصرف
133 حقيقة الصرف واختلاف العلماء فيه
135 علل منع الصرف
136 الألف والنون الزائدتان
138 الوصفية ووزن الفعل
142 الوصفية والعدل
145 صيغة منتهى الجموع(3/462)
150 حكم ما سمي به صيغ منتهى الجموع
151 العلمية والتركيب المزجي
152 أنواع المركبات وحكم كل نوع منها
152 العلمية وزيادة الألف والنون
154 العلمية والتأنيث
156 العلمية والعجمة
158 العلمية ووزن الفعل
161 العلمية وألف الإلحاق المقصورة
162 العلمية والعدل
170 الاسم المنقوص الممنوع من الصرف
172 حرف الممنوع من الصرف
176 الممنوع من الصرف بالنسبة إلى التكبير والتصغير
إعراب الفعل
178 إعراب الفعل
عوامل الجزم
229 عوامل الجزم
فصل "لو"
278 فصل "لو"
أما، ولولا، ولوما
296 أما، ولولا، ولوما
الإخبار بـ"الذي" والألف واللام
307 الإخبار بـ"الذي" والألف واللام
العدد
314 العدد
كم، وكأين، وكذا
332 كم، وكأين، وكذا
الحكاية
344 الحكاية(3/463)
التأنيث
350 التأنيث
المقصور والممدود
359 المقصور والممدود
كيفية تثنية الممدود والمقصور وجمعهما تصحيحًا
367 كيفية تثنية الممدود والمقصور وجمعهما تصحيحًا
جمع التكسير
378 جمع التكسير
التصغير
414 التصغير
النسب
433 التغيرات في النسب
438 النسبة إلى ما آخره ياء مشددة
439 النسبة إلى ما ألحق به علامة تثنية أو جمع
440 النسبة إلى فَعِيلة وفُعَيلة وفَعِيل وفُعَيل
443 النسبة إلى ما ختم بألف ممدودة
444 النسبة إلى المركب
448 النسبة إلى الثلاثي المحذوف اللام
450 النسبة إلى الثنائي
451 النسبة إلى الجمع(3/464)
المجلد الرابع
تابع القسم الثاني: شرح الأشموني على ألفية بن مالك المسمى "منهج المسالك إلى ألفية بن مالك"
الوقف
...
بسم الله الرحمن الرحيم
الوَقْفُ:
[وما يلزمه من تغييرات]
881-
تَنْوِيناً أثْرَ فَتْحٍ اجْعَلْ أَلِفَا ... وَقْفَاً وَتِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ احْذِفَا
الوقف قطع النطق عند آخر الكلمة، والمراد هنا الاختياري، وهو غير الذي يكون استثباتاً، وإنكاراً، وتذكراً، وترنما. وغالبه يلزمه تغييرات، وترجع إلى سبعة أشياء: السكون، والروم، والإشمام، والإبدال، والزيادة، والحذف، والنقل، وهذه الأوجه مختلفة في الحسن والمحل، وستأتي مفصلة.
[الوقف على المنون]
واعلم أن في الوقف على المنون ثلاث لغات:
الأولى: وهي الفصحى، أن يوقف عليه بإبدال تنوينه ألفاً إن كان بعد فتحة، وبحذفه إن كان بعد ضمة أو كسرة بلا بدل، تقول: رأيت زيدا، وهذا زيد، ومررت بزيد.
والثانية: أن يوقف عليه بحذف التنوين وسكون الآخر مطلقاً، ونسبها المصنف إلى ربيعة.
والثالثة: أن يوقف عليه بإبدال التنوين ألفاً بعد الفتحة، وواواً بعد الضمة، وياء بعد الكسرة، ونسبها ال(4/3)
تنبيهات: الأول: شمل قوله "اثر فتح" فتحة الإعراب، نحو: "رأيت زيدا، وفتحة البناء نحو: "أيها" و"ويها"، فكلا النوعين يبدل تنوينه ألفا على المشهور.
الثاني: يستثنى من المنون المنصوب ما كان مؤنثا بالتاء، نحو: قائمة؛ فإن تنوينه لا يبدل، بل يحذف، وهذا في لغة من يقف بالهاء وهي الشهيرة، وأما من يقف بالتاء فبعضهم يجريها مجرى المحذوف؛ فيبدل التنوين ألفا؛ فيقول: "رأيت قائمتا"، وأكثر أهل هذه اللغة يسكنها لا غير.
الثالث: المقصور المنون يوقف عليه بالألف، نحو: "رأيت فتى"، وفي هذه الألف ثلاثة مذاهب؛ الأول: أنها بدل من التنوين في الأحوال الثلاث، واستصحب حذف الألف المنقلبة وصلا ووقفا، وهو مذهب أبي الحسن والفراء والمازني، وهو المفهوم من كلام الناظم هنا؛ لأنه تنوين بعد فتحة، والثاني: أنها الألف المنقلبة في الأحوال الثلاث، وأن التنوين حذف؛ فلما حذف عادت الألف، وهو مروي عن أبي عمرو والكسائي والكوفيين، وإليه ذهب ابن كيسان والسيرافي، ونقله ابن الباذش عن سيبويه والخليل، وإليه ذهب المصنف في الكافية، قال في شرحها: ويقوي هذا المذهب ثبوت الرواية بإمالة الألف وقفا والاعتداد بها رويا، وبدل التنوين غير صالح لذلك، ثم قال: ولا خلاف في المقصور غير المنون أن لفظه في الوقف كلفظه في الوصل، وأن ألفه لا تحذف إلا في ضرورة، كقول الشاعر1 [من الرمل] :
1196-
[وقَبِيلٌ من لُكَيزٍ شاهدٌ] ... رَهْطُ ابنِ مَرْجُومٍ وَرَهْطُ ابنِ المُعَلْ
__________
1 في طبعة محيي الدين عبد الحميد: "الراجز" وفيه "رهط ابن مرجوم"، وهذا تحريف.
1196- التخريج: البيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص199؛ والأشباه والنظائر 1/ 272؛ والخصائص 2/ 293؛ والدرر 6/ 245؛ وشرح شواهد الإيضاح ص320؛ وشرح شواهد الشافية ص207؛ والكتاب 4/ 188؛ ولسان العرب 12/ 229 "رجم"؛ المقاصد النحوية 4/ 548؛ والممتع في التصريف 2/ 622؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص466؛ والدرر 6/ 298؛ وصف المباني ص36؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 522، 728؛ وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 285، 303، 308؛ والمحتسب 1/ 342؛ والمقرب 2/ 39؛ وهمع الهوامع 2/ 157.
اللغة: القبيل: القبيلة. لكيز: ابن أفصى بن عبد قيس. شاهد: حاضر. الرهط: القوم. مرجوم: لقب الرجل اسمه لبيد فاخر رجلا عند النعمان، فقال له النعمان: رجمك بالشرف. ابن المعل: هو ابن المعلى قصره للضروروة.
الإعراب: وقبيل: "الواو": بحسب ما قبلها، "قبيل": مبتدأ. من لكيز: جار ومجرور متعلقان(4/4)
أراد ابن المعلى. انتهى. ومثال الاعتداد بها رويا قول الراجز:
1197-
إنكَ يا بنَ جَعْفَرَ نِعْمَ الْفَتَى ... [ونعم مأوى طارق إذا أتى]
إلى قوله:
وَرُبَّ ضَيْفٍ طَرَقَ الْحَيَّ سُرًى ... [صَادَفَ زادًا وحديثًا ما اشتهَى] 1
__________
= بمحذوف نعت "قبيل". شاهد: خبر المبتدأ. رهط: بدل من "قبيل"، وهو مضاف. مرجوم: مضاف إليه مجرور. ورهط ابن المعل: معطوف على "رهط ابن مرجوم" وتعرب إعرابها.
وجملة "قبيل شاهد": ابتدائية لا محل لها.
الشاهد في قوله: "ابن المعل" حيث قصره بحذف التشديد والألف في الوقف، وأصله: "ابن المعلَّى". وهذا القصر للضرورة الشعرية وهو شاذ.
1197- التخريج: الرجز للشماخ في ديوانه ص464-465؛ والمقاصد النحوية 4/ 546.
اللغة: المأوى: الملجأ. الطارق: الزائر ليلا. سرى: سار ليلا.
الإعراب: إنك حرف مشبه بالفعل، و"الكاف" ضمير في محل نصب اسم "إن". يا: حرف نداء. ابن: منادى مضاف منصوب. جعفر: مضاف إليه. نِعْمَ: فعل ماض لإنشاء المدح. الفتى: فاعل مرفوع. ونعم: "الواو": حرف عطف، "نعم": فعل ماض لإنشاء المدح. مأوى: فاعل مرفوع، وهو مضاف. طارق: مضاف إليه. إذا ظرف زمان متعلق بالفعل "نعم". أتى: فعل ماض، فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو". ورب: "الواو": حرف عطف "رب": حرف جر شبيه بالزائد. طيف: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ. طرق: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو". الحي: مفعول به منصوب. سرى: حال منصوبة "أي سائر ليلا". صادف: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو". زادا: مفعول به. وحديثا "الواو": حرف عطف، "حديثا": معطوف على "زادا" منصوب. "ما" اسم موصول بدل من "زادا"، يمكن أن تكون زائدة. اشتهى: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره "هو".
وجملة "إنك نعم الفتى": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة النداء اعتراضية لا محل لها من الإعراب. وجملة "نعم الفتى": في محل رفع خبر "إن". وجملة "نعم مأوى": معطوفة على سابقتها. وجملة "أتى": في محل جر بالإضافة. وجملة "رب طيف ... ": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "طرق الحي": في محل رفع نعت المبتدأ "طيف". وجملة "صادف ... ": في محل رفع خبر المبتدأ. وجملة "اشتهى": في محل نصب صفة لـ"زادا" أو "حديثا"، أو صلة الموصول لا محل لها.
الشاهد فيه قوله: "سرى" حيث نونه، وهو مقصور، المقصور المنون يوقف عليه بالألف، وقوله "ما اشتهى" حيث المراد "ما اشتهاه" فحذف "الهاء" التي هي المفعول به، مع إرادتها للضرورة الشعرية.
1 في المقاصد النحوية 4/ 547: "الاستشهاد فيه في قوله: "سرى" فإنه منون وهو مقصور، والمقصور المنون يوقف عليه بالألف، نحو: "رأيت فتى"، وفي هذه الألف ثلاثة مذاهب: الأول أنها بدل من التنوين في الأحوال الثلاث وهو مذهب أبي الحسن والفراء والمازني أنها الألف المنقلبة في الأحوال الثلاث وأن التنوين حذف، فلما عادت الألف وهو مذهب الكوفيين وروي عن أبي عمرو والكسائي وإليه ذهب ابن كيسان والسيراف وابن مالك في الكافية. وقال في شرحها: ويقوي هذا المذهب ثبوت الرواية بإمالة الألف وقفا، والاعتداد بها روِيًّا ... ".(4/5)
والثالث اعتباره بالصحيح؛ فالألف في النصب بدل من التنوين، وفي الرفع والجر بدل من لام الكلمة، وهذا مذهب سيبويه فيما نقله أكثرهم، قيل: وهو مذهب معظم النحويين، وإليه ذهب أبو علي في غير التذكرة، وذهب في التذكرة إلى موافقة المازني.
[الوقف على هاء الضمير] :
882- "
وَاحْذِفِ لِوَقْفٍ فِي سِوَى اضْطِرَارِ ... صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ في الإضْمَارِ
يعني إذا وقف على هاء الضمير؛ فإن كانت مضمومة أو مكسورة حذفت صلتها ووقف على الهاء ساكنة، تقول: لَهْ وبِهْ، بحذف الواو والياء، وإن كانت مفتوحة نحو: رأيتُهَا وقف على الألف ولم تحذف، واحترز بقوله "في سوى اضطرار" من وقوع في الشعر، وإنما يكون ذلك آخر الأبيات، وذكر في التسهيل أنه قد يحذف ألف ضمير الغائبة منقولا فتحة إلى ما قبله، اختيارا كقول بعض طيئ: "والكرامة ذاتِ أكرمَكُمُ اللهِ بِهْ" يريد "بِهَا"، واستشكل قوله: "اختيارا" فإنه يقتضي جواز القياس عليه، وهو قليل.
[الوقف على "إذا"] :
883- "
وأشْبَهَتْ إذَا منوَّنًا نُصِبْ ... فألفًا في الوقْفِ نُونُها قُلِبْ
اختلف في الوقف على "إذا"؛ فذهب الجمهور إلى أنه يوقف عليها بالألف لشبهها بالمنون المنصوب، وذهب بعضهم إلى أنه يوقف عليها بالنون لأنها بمنزلة "أنْ"، ونقل عن المازني والمبرد، واختلف في رسمها على ثلاثة مذاهب؛ أحدها: أنها تكتب بالألف، قيل: وهو الأكثر، وكذلك رسمت في المصحف، والثاني: أنها تكتب بالنون، قيل: إليه ذهب(4/6)
المبرد والأكثرون، وصححه ابن عصفور، وعن المبرد: أشتهى أن أكوي يد من يكتب "إذن" بالألف، لأنها مثل "أن" و"لن"، ولا يدخل التنوين في الحروف، والثالث: التفصيل فإن ألغيت كتبت بالألف لضعفها، وإن أعملت كتبت بالنون لقوتها، قاله الفراء، وينبغي أن يكون هذا الخلاف مفرعا على قول من يقف بالألف، وأما من يقف بالنون فلا وجه لكتابتها عنده بغير النون.
[الوقف على الاسم المنقوص] :
884- "
وَحَذْفُ يَا المَنْقُوص ذِي التنْوِينِ -مَا ... لَمْ يُنْصَبَ- أوْلَى مِنْ ثُبُوتٍ فَاعْلَمَا
885-
وَغَيْرُ ذِي التَّنْوِينِ بِالعَكْسِ، وَفي ... نَحْو مُرٍ لُزُومُ رَدِّ الْيَا اقتُفِي
أي: إذا وقف على المنقوص المنون؛ فإن كان منصوبا أبدل من تنوينه ألف، نحو: "رأيت قاضيا"، وإن كان غير منصوب فالمختار الوقف عليه بالحذف؛ فيقال: "هذا قاضٍ"، و"مررت بقاضٍ"، ويجوز الوقف عليه برد الياء، كقراءة ابن كثير: "وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادِي"1، و"مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالي"2، و"مَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقي"3، ومحل ما ذكر إذا لم يكن المنقوص محذوف العين؛ فإن كان تعين الرد كما سيأتي في قوله "وفي نحو مر لزوم رد اليا اقتفى".
وأما غير المنون فقد أشار إليه بقوله: "وغير ذي التنوين بالعكس" أي: المنقوص غير المنون بالعكس من المنون؛ فإثبات الياء فيه أولى من حذفها، وليس الحذف مخصوصا بالضرورة، خلافا لبعضهم، وقد دخل تحت قوله: "غير ذي التنوين" أربعة أشياء:
الأول: المقرون بـ "أل"، وهو إن كان منصوبا فهو كالصحيح، نحو: "رأيت القاضي"، فيوقف عليه بإثبات الياء وجها وحدا، وإن كان مرفوعا أو مجرورا فكما ذكر؛ فالمختار "جاء القاضي"، و"مررت بالقاضي" بالإثبات، ويجوز "القاض" بالحذف.
__________
1 الرعد: 7.
2 الرعد: 11.
3 النحل: 96.(4/7)
والثاني: ما سقط تنوينه للنداء، نحو: "يا قاض" فالخليل يختار فيه الإثبات، ويونس يختار فيه الحذف، ورجح سيبويه مذهب يونس؛ لأن النداء محل حذف، ولذلك دخل فيه الترخيم، ورجح غيره مذهب الخليل؛ لأن الحذف مجاز، ولم يكثر فيرجع بالكثرة.
والثالث: ما سقط تنوينه لمنع الصرف، نحو: "رأيت جواري" نصبا؛ فيوقف عليه بإثبات الياء كما تقدم في المنصوب.
والرابع: ما سقط تنوينه للإضافة، نحو: "قاضي مكة" فإذا وقف عليه جاز فيه الوجهان الجائزان في المنون، قالوا: لأنه لما زالت الإضافة بالوقف عليه عاد إليه ما ذهب بسببها وهو التنوين، فجاز فيه ما جاز في المنون.
فقد بان لك أن كلام الناظم معترض من وجهين؛ أحدهما: أن عبارته شاملة لهذه الأنواع الأربعة، وليس حكمها واحدا، والآخر أنه لم يستثن المنصوب وهو متعين الإثبات كما ذكر ذلك في الكافية.
"وَفي نَحْو مُرٍ لُزُومُ رَدِّ الْيَا اقتُفِي" يعني إذا كان المنقوص محذوف العين، نحو: "مر" اسم فاعل من "أرأى"1 يرئي أصله مرئي على وزن مفعل، فأُعِلَّ إعلال "قاض" وحذفت عينه وهي الهمزة بعد نقل حركتها، فإنه إذا وقف عليه لزم رد الياء، وإلا لزوم بقاء الاسم على أصل واحد وهو الراء، وذلك إجحاف بالكلمة، ومثله في ذلك محذوف الفاء كَيَفِ عَلَمًا فتقول: هذا مُرِي ويَفِي، ومررت بمُرِي ويَفِي.
[الوقف على المتحرك] :
886- "
وَغَيْرَهَا التَّأنِيْثِ منْ مُحَركِ سَكِّنْهُ ... أوْ قِفْ رَائِمَ التَّحَرُّكِ
887-
أو أشْمِمِ الضَّمَّةَ، أَوْ قِفْ مُضْعِفَا ... مَا لَيْسَ هَمْزَاً أَوْ عَلِيْلاً إنْ قَفَا
888-
مُحَرَّكًا، وَحَرَكَاتٍ انْقُلاَ ... لِسَاكِنٍ تَحْرِيكُهُ لَنْ يُحْظَلاَ
__________
1 هذا هو الأصل في هذا الفعل، وهذا الأصل غير مستعمل، والمستعمل: أرى يرى.(4/8)
في الوقف على المتحرك خمسة أوجه: الإسكان، والروم، والإشمام، والتضعيف، والنقل، ولكل منها حد وعلامة.
فالإسكان: عدم الحركة، وعلامته "خ" فوق الحرف، وهي الخاء من "خف" أو "خفيف".
والإشمام: ضم الشفتين بعد الإسكان في المرفوع والمضموم، للإشارة للحركة من غير صوت، والغرض به الفرق بين الساكن والمسكن في الوقف، وعلامته نقطة قدام الحرف هكذا.
والروم: وهو أن تأتي بالحركة مع إضعاف صوتها، والغرض به هو الغرض بالإشمام، إلا أنه أتم في البيان من الإشمام؛ فإنه يدركه الأعمى والبصير، والإشمام لا يدركه إلا البصير؛ ولذلك جعلت علامته في الخط أتم، وهو خط قدام الحرف هكذاـ.
والتضعيف: تشديد الحرف الذي يوقف عليه، والغرض به الإعلام بأن هذا الحرف متحرك في الأصل، والحرف المزيد للوقف هو الساكن الذي قبله وهو المدغم، وعلامته شين فوق الحرف، وهو الشين من "شديد".
والنقل: تحويل الحركة إلى الساكن قبلها، والغرض إما بيان حركة الإعراب، أو الفرار من التقاء الساكنين، وعلامته عدم العلامة، وسيأتي تفصيل ذلك.
فإن كان المتحرك هاء التأنيث لم يوقف عليها إلا بالإسكان، وليس لها نصيب في غيره، ولذلك قدم استثناءها، وإن كان غيرها جاز أن يوقف عليها بالإسكان وهو الأصل، والروم مطلقا، أعني في الحركات الثلاث، يحتاج فلي الفتحة إلى رياضة لخفة الفتحة، ولذلك لم يجزه أكثر القراء في المفتوح، ووافقهم أبو حاتم. ويجوز الإشمام والتضعيف والنقل، لكن بالشروط الآتية، وقد أشار إلى الإشمام بقوله: "أو أشمم الضمة" أي: إعرابية كانت أو بنائية، وأما غير الضمة وهو الفتحة والكسرة فلا إشمام فيهما، وأما ما ورد من الإشمام في الجر عن بعض القراء فمحمول على الروم؛ لأن بعض الكوفيين يسمي الروم إشماما، ولا مشاحة في الأصطلاح، ثم أشار إلى التضعيف بقوله: "أو قِفْ مُضعِفًا – ما ليس همزا أو عليلا إن قفا": أي تبع "محركا" كقولك في "جعفر": "جعفرّ"، وفي "وعل": "وعل"، وفي "ضارب": "ضاربّ". واحترز بالشرط الأول، من نحو: "بناء وخطاء فلا(4/9)
يجوز تضعيفه؛ لأن العرب اجتنبت إدغام الهمزة ما لم تكن عينا، وبالشرط الثاني من نحو سرو وبقي القاضي والفتى؛ فلا يجوز تضعيفه، وبالثالث من نحو بكر؛ فلا يجوز تضعيفه. ثم أشار إلى النقل بقوله:
وَحَرَكَاتٍ انْقُلاَ ... لِسَاكِنٍ تَحْرِيكُهُ لَنْ يُحْظَلاَ
أي: يجوز نقل حركة الحرف الموقوف عليه إلى ما قبله بشرطين: أحدهما أن يكون ساكنا، والآخر أن يكون تحريكه لن يحظل، أي لن يمنع، فتقول في نحو "بكر": "هذا بكر"، و"مررت ببكر"، ومنه قوله [من الرجز] :
1198-
عَجِبْتُ وَالْدَّهْرُ كَثِيْرٌ عَجَبُهْ ... مِنْ عَنَزِيَ سَبَّنِي لَمْ أَضْرِبُهْ
أراد: لم أضربه، فنقل ضمة الهاء إلى الباء، فإن لم يكن المنقول إليه ساكنا أو كان ولكن غير قابل للتحريك: إما لكون تحريكه متعذرا كما في نحو: ناب وباب أو متعسرا، كما في نحو: قنديل وعصفور وزيد وثوب لثقل الحركة على الياء والواو، أو مستلزما لفك إدغام ممتنع الفك في غير الضرورة، كما في نحو؛ جد وعم، امتنع النقل.
__________
1198- التخريج: الرجز زيادة الأعجم في ديوانه ص45؛ والدرر 6/ 303؛ وشرح شواهد الإيضاح ص286؛ وشرح شواهد الشافية ص261؛ والكتاب 4/ 180؛ ولسان العرب 12/ 554 "لمم"؛ وبلا نسبة وشرح المفصل 9/ 70؛ والمحتسب 1/ 196؛ وهمع الهوامع 2/ 208.
اللغة: العنزي: نسبة إلى عنزة بن أسد بن ربيعة.
الإعراب: عجبت: فعل ماض، و"التاء": ضمير في محل رفع فاعل. والدهر: "الواو": حرف اعتراض، "الدهر": مبتدأ مرفوع. كثير: خبر المبتدأ مرفوع. عجبه: فاعل لـ"كثير" مرفوع، وهو مضاف، و"الهاء": ضمير في محل جر بالإضافة. من عنزي: جار ومجرور متعلقان بـ"عجب". سبني: فعل ماض، "والنون": للوقاية، و"الياء": ضمير متصل في محل نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو". لم: حرف نفي وجزم وقلب. أضربه: فعل مضارع مجزوم، و"الهاء": ضمير في محل نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: "أنا".
وجملة "عجبت": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "الدهر كثير عجبه": اعتراضية لا محل لها. وجملة "سبني": في محر جر نعت "عنزي". وجملة "لم أضربه": معطوفة بحرف عطف مقدر على سابقتها.
الشاهد فيه قوله: "لم أضربه" حيث نقل حركة الهاء إلى الحرف الذي قبلها، لتكون أبين للهاء في الوقف، والأصل: "أضربه" "بتسكين الباء".(4/10)
تنبيهان: الأول: يجوز في لغة لخم الوقف ينقل الحركة إلى المتحرك كقوله [من الرجز] :
1199-
مَنْ يَأْتَمِرْ لِلْخَيْرِ فِيْمَا قَصَدُهْ ... تُحْمَدْ مَسَاعِيْهِ وَيُعْلَمْ رَشَدُهْ
ومن لغتهم الوقف على هاء الغائبة بحذف الألف ونقل فتحة الهاء إلى المتحرك قبلها، كقوله: "كنت في لخم أخافَهْ"، أراد أخافَها، ففعل ما ذكر.
الثاني: أطلق الحركات، وهو شامل للإعرابية والبنائية، والذي عليه الجماعة اختصاصه بحركة الإعراب؛ فلا يقال: من قبل، ولا من بعد، ولا مضى أمس؛ لأن حرصهم على معرفة حركة الإعراب ليس كحرصهم على معرفة حركة البناء، وقال بعض المتأخرين: بل الحرص على حركة البناء آكد؛ لأن حركة الإعراب لها ما يدل عليها وهو العامل، ا. هـ.
وقد بقي للنقل شرط مختلف فيه أشار إليه بقوله:
__________
1199- التخريج: الرجز بلا نسبة في الدرر 6/ 304؛ والمقاصد النحوية 4/ 552؛ وهمع الهوامع 2/ 208.
اللغة: ائتمر للخير: باشره. قصده: عزم على القيام به. الرشد: التعقل.
الإعراب: من: اسم شرط جازم مبني في محل رفع مبتدأ. يأتمر: فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو". للخير: جار ومجرور متعلقان بـ"يأتمر". فيما: جاز ومجرور متعلقان بـ"يأتمر". قصده: فعل ماض، و"الهاء": ضمير في محل نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو". تحمد: فعل مضارع للمجهول مجزوم لأنه جواب الشرط. مساعيه: نائب فاعل مرفوع، وهو مضاف، و"الهاء": ضمير في محل جر بالإضافة. ويعلم: "الواو": حرف عطف، "يعلم" فعل مضارع للمجهول مجزوم. رشده: نائب فاعل مرفوع، وهو مضاف، و"الهاء": ضمير في محل جر بالإضافة.
وجملة "من يأتمر ... تحمد مساعيه": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "قصده": صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وجملة "تحمد مساعيه": جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء أو بـ"إذا" لا محل لها من الإعراب. وجملة "يعلم رشد": معطوفة على سابقتها. وجملة "يأتمر" جملة الشرط غير الظرفي في لا محل لها. ومجموع جملتي الشرط والجواب خبر المبتدأ "من" محله الرفع.
الشاهد فيه قوله: "قصده" حيث ضم الدال، والأصل فتحها، ولكنه لما وقف نقل حركة الهاء إلى الحرف الذي قبلها وهو الدال.(4/11)
889- "
وَنَقْلُ فَتْحٍ مِنْ سِوَى المَهْمُوزِ لاَ ... يَرَاهُ بَصْرِىٌّ، وَكُوْفٍ نَقَلاَ
يعني أن البصرييين منعوا نقل الفتحة إذا كان المنقول عنه غير همزة؛ فلا يجوز عندهم: رأيت بكر، ولا ضربت الضرب؛ لما يلزم على النقل حينئذ في المنون من حذف ألف التنوين، وحمل غير المنون عليه. وأجاز ذلك الكوفيون، وقيل عن الجرمي أنه أجازه، وعن الأخفش أنه أجازه في المنون على لغة من قال: "رأيت بكر"، وأشار بقوله: "من سوى المهموز" إلى أن المهموز يجوز نقل حركته وإن كان فتحة، فيقال: "رأيت الخبأ والردأ والبطأ"، في "رأيت الخبء والردء والبطء"، وإنما اغتفر ذلك في الهمزة لثقلها، وإذا سكن من قبل الهمزة الساكنة كان النطق بها أصعب.
890-
وَالنقْلُ إنْ يُعْدَمْ نَظِيْرٌ مُمْتَنِعْ ... وَذَاكَ فِي المَهْمُوزِ لَيْسَ يَمْتَنِعْ
"وَالنقْلُ إنْ يُعْدَمْ نَظِيْرٌ مُمْتَنِعْ" فلا تنقل ضمة إلى مسبوق بكسرة، ولا كسرة إلى مسبوق بضمة؛ فلا يجوز النقل، في نحو: "هذا بشر" بالاتفاق لما يلزم عليه من بناء فعل، ولا في نحو: "انتفعت بقفل" خلافا للأخفش؛ لما يلزم عليه من بناء فعل، وهو مهمل في الأسماء أو نادر. هذا في غير المهموز، وأما المهموز فيجوز فيه ذلك كما أشار إليه بقوله: "وذاك في المهموز ليس يمتنع"؛ فتقول "هذا ردء ومررت بكفء" لما مر التنبيه عليه من ثقل الهمزة، وهذه لغة كثير من العرب، منهم تميم وأسد، وبعض تميم يفرون من هذا النقل الموقع في عدم النظير إلى إتباع العين للفاء؛ فيقولون: هذا ردئ مع كفؤ، وبعضهم يتبع ويبدل الهمزة بعد الإتباع، فيقولون: هذا ردي مع كفو.
تنبيهان: الأول: لجواز النقل شرط رابع، وهو أن يكون المنقول منه صحيحا؛ فلا ينقل من نحو طبي ودلو.
الثاني: إذا نقلت حركة الهمزة حذفها الحجازيون واقفين على حامل حركتها كما يوقف عليه مستبدلا بها؛ فيقولون "هذا الخب" بالإسكان والروم والإشمام وغير ذلك بشروطه، وأما غير الحجازيين فلا يحذفها، بل منهم: من يثبتها ساكنة، نحو: "هذا البطؤ، ورأيت البطأ، ومررت بالبطئ" ومنهم من يبدلها بمجانس الحركة المنقولة؛ فيقول: "هذا البطو"، و"رأيت البطا"، و"مررت البطي"، وقد تبدل الهمزة بمجانس حركتها بعد سكون(4/12)
باق، نحو: "هذا البطو"، و"مررت بالبطي"، وأما في الفتح فيلزم فتح ما قبلها، وقد يبدلونها كذلك بعد حركة غير منقولة؛ فيقولون: "هذا الكلو"، و"مررت بالكلي" وأهل الحجاز يقولون: "الكلا" في الأحوال كلها؛ لأنها لا يبدلون الهمزة بعد حركة إلا بمجانسها، ولذلك يقولون في أكمؤ: أكمو، وفي ممتلئ: ممتلي.
[الوقف على ما آخره تاء تأنيث] :
891- "
فِي الوَقْفِ تَا تَأْنِيْثِ الاسْمِ هَا جُعِلْ ... إنْ لَمْ يَكُنْ بِسَاكِنٍ صَحَّ وُصِلْ
892-
وَقَلَّ ذَا فِي جَمْعِ تصحيح وَمَا ... ضَاهَى وَغَيْرُ ذَيْنِ بِالعكْسِ انْتَمَى
نحو: فاطمة، وحمزة، وقائمة.
واحترز بالتأنيث من تاء لغيره؛ فإنها لا تغير، وشذ قول بعضهم: قعدنا على الفراه، وبالاسم من تاء الفعل، نحو: قامت فإنها لا تغير، وبعدم الاتصال بساكن صحيح من تاء بنت وأخت ونحوهما فإنها لا تغير.
وشمل كلامه ما قبله متحرك كما مثل، وما قبلها ساكن غير صحيح، ولا يكون إلا ألفا – نحو: الحياة والفتاة- والأعرف في هذين النوعين إبدال التاء هاء في الوقف، وإنما جعل حكم الألف حكم المتحرك؛ لأنها منقلبة عن حرف متحرك.
"وقل ذا جمع تصحيح وما ضاهى" أي قل جعل التاء هاء في جمع تصحيح المؤنث نحو: "مسلمات"، وما ضاهاه –أي شابهه- وأراد بذلك "هيهات"، و"أولات" كما صرح به في شرح الكافية؛ فالأعرف في هذا سلامة التاء، وقد سمع إبدالها هاء في قول بعضهم: "دفن البناه من المكرماه"، يريد: البنات من المكرمات، و"كيف بالإخوة والأخواه"، وسمع "هيهاه" و"أولاه"، ونقل بعضهم أنها لغة طيئ، وقال في الإفصاح: شاذ لا يقاس عليه.
تنبيه: إذا سمي رجل بـ"هيهات" على لغة من أبدل فهي كطلحة تمنع من الصرف(4/13)
للعلمية والتأنيث، وإذا سمي به على لغة من لم يبدل فهي كعرفات يجري فيها وجوه جمع المؤنث السالم إذا سمي به.
"وغير ذين بالعكس انتمى" الإشارة إلى جمع التصحيح ومضاهيه. يعني أن غيرهما يقل فيه سلامة التاء بعكسهما سواء كان مفردا كمسلمة، أو جمع تكسير كغلمة، ومن إقرارها تاء قول بعضهم: "يا أهل سورة البَقَرَتْ"، فقال مجيب: "ما أحفظ منها ولا آيَتْ"، وقوله [من الرجز] :
1200-
اللَّهُ أَنْجَاكَ بِكَفَّي مَسْلَمَتْ ... مِنْ بَعْدِ مَا وَبَعْدِ مَا وَبَعْدِ مَتْ
كادتْ نُفُوس القوْمِ عِندْ الغَلْصَمَتْ ... وكادَتِ الحرَّةُ أن تُدْعَى أمَتْ
__________
1200- التخريج: الرجز لأبي النجم الراجز في الدرر 6/ 230؛ وشرح التصريح 2/ 344؛ ولسان العرب 15/ 472 "ما"؛ ومجالس ثعلب 1/ 326؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 113؛ وأوضح المسالك 4/ 348؛ وخزانة الأدب 4/ 177، 7/ 333؛ والخصائص 1/ 160، 163، 2/ 563؛ وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 289؛ وشرح المفصل 5/ 89، 9/ 81؛ والمقاصد النحوية 4/ 559؛ وهمع الهوامع 2/ 157، 209.
اللغة: شرح المفردات: مسلمت: أي مسلمة. بعدمت: أي بعدما. الغلصمت: أي الغلصمة، وهي رأس الحلقوم، أو أصل اللسان. أمت: أي أمة، وهي غير الحرة.
الإعراب: الله: مبتدأ مرفوع بالضمة. أنجاك: فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره "هو"، والكاف ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. بكفي: الباء حرف جر، "كفي": اسم مجرور بالياء لأنه مثنى، والجار والمجرور متعلقان بالفعل "أنجى"، وهو مضاف. مسلمت: مضاف إليه مجرور بالفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث وسكن للضرورة الشعرية. من: حرف جر. بعد: ظرف مبني في محل جر بحرف الجر متعلق بالفعل "أنجى". ما: المصدرية. وبعدما: الواو حرف عطف، "بعدما": معطوفة على "بعدما" السابقة. وبعدمت: الواو حرف عطف، "بعدمت": معطوفة على "بعدما"، وقد قلبت الألف في "ما" تاء ساكنة للوقف. كادت: فعل ماض ناقص، والتاء للتأنيث. نفوس: اسم "كاد" مرفوع بالضمة، وهو مضاف. الغلصمت: مضاف إليه مجرور بالكسرة. عند: ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر "كاد"، وهو مضاف. الغلصمت: مضاف إليه مجرور بالكسرة منع من ظهورها السكون مراعاة للروي. وكانت: الواو حرف عطف، "كادت" من أفعال المقاربة، والتاء للتأنيث وحركت بالكسر منعا من التقاء الساكنين. الحرة: اسم "كاد" مرفوع بالضمة الظاهرة. أن: حرف نصب. تدعي: فعل مضارع للمجهول منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره "هي". أمت: مفعول به ثان منصوب بالفتحة منع من ظهورها السكون مراعاة للروي.
وجملة "أنجاك" في محل خبر للمبتدأ. وجملة: "ما" وما بعدها المؤولة بمصدر في محل جر بالإضافة تقديره: "بعد كون نفوس القوم". وجملة: "أن تدعى" المؤولة بمصدر في محل نصب خبر "كاد". =(4/14)
وأكثر من وقف بالتاء يسكنها ولو كانت منونة منصوبة، وعلى هذه اللغة بها كتب في المصحف: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ} 1، و {امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ} 2، وأشباه ذلك، فوقف عليها بالتاء نافع وابن عامر وعاصم وحمزة، ووقف عليها بالهاء ابن كثير وأبو عمرو والكسائي، ووقف الكسائي على "لات" بالهاء، ووقف الباقون بالتاء، قال في شرح الكافية: ويجوز عندي أن يوقف بالهاء على "ربت" و"ثمت"، قياسا على قولهم في "لات" لاه.
[زيادة هاء السكت في الوقف] :
893- "
وَقِفْ بِهَا السَّكْتِ عَلَى الْفِعْلِ المُعَلْ ... بِحَذْفِ آخِرٍ كَأعْطِ مَنْ سَأَلْ
يعني أن هاء السكت من خواص الوقف، وأكثر ما تزاد بعد شيئين:
أحدهما: الفعل المعتل المحذوف الآخر جزما، نحو: "لم يعطه" أو وقفا، نحو: "أعطه".
والثاني: "ما" الاستفهامية إذا جرت بحرف، نحو: "على مه، ولمه" أو باسم، نحو: "اقتضاء مه".
ولحاقها لكل من هذين النوعين واجب جائز؛ أما الفعل المحذوف الآخر فقد نبه عليه بقوله:
894- "
وَلَيْسَ حَتْمَاً فِي سِوَى مَا كَعِ أوْ ... كَيَعِ مَجْزُوْمَاً فَرَاعِ مَا رَعَوْا
يعني أن الوقف بها السكت على الفعل المعل بحذف الآخر ليس واجبا في غير ما بقي
__________
1 الدخان: 43.
2 التحريم: 10.(4/15)
على حرف واحد أو حرفين أحدهما زائد؛ فالأول، نحو: "عِهْ" أمر من وعي يعي، ونحو "رَهْ" أمر من رأى يرى، والثاني: "لم يَعِهْ، ولم يَرَهْ لأن حرف المضارعة زائدا؛ فزيادة هاء السكت في ذلك واجبة لبقائه على أصل واحد، كذا قاله الناظم، قال في التوضيح: وهذا مردود بإجماع المسلمين على وجوب الوقف على "لم أكُ، ومن تَقِ" بترك الهاء.
تنبيه: مقتضى تمثيله أن ذلك إنما يجب في المحذوف الفاء، وإنما أراد بالتمثيل التنبيه على ما بقي على حرف واحد أو حرفين أحدهما زائد كما سبق؛ فمحذوف العين كذلك كما سبق في التمثيل، بنحو: "ره ولم يره"، وفهم منه أن لحاقها لما بقي منه أكثر من ذلك، نحو: "أعطه، ولم يعطه" جائز، لا لازم.
[حذف ألف "ما" الاستفهامية في الوقف] :
895-
وَمَا فِي الاسْتِفْهَامِ إنْ جُرَّتْ حُذِفْ ... أَلِفُهَا وَأَوْلِهَا الهَا إنْ تَقِفْ
896-
وَلَيْسَ حَتْمًا فِي سِوَى مَا انْخَفَضَا ... بِاسْم كَقَوْلِكَ "اقْتِضَاءَ مَ اقْتَضَى
"وما في الاستفهام إن جرت حذف ألفها" وجوبا، سواء جرت بحرف أو اسم، وأما قوله [من الوافر] :
1201-
عَلَى مَا قَامَ يَشْتِمُنِي لَئِيْمٌ ... [كخنزيرٍ تمرغَ في رَمادِ]
فضرورة.
__________
1201- التخريج: البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص324؛ والأزهية ص86؛ وخزانة الأدب 5/ 130، 6/ 99، 101، 102، 104؛ والدرر 6/ 314؛ وشرح التصريح 2/ 345؛ وشرح شواهد الشافية ص224؛ ولسان العرب 12/ 497 "قوم"؛ والمحتسب 2/ 347؛ والمقاصد النحوية 4/ 554؛ ولحسان بن منذر في شرح شواهد الإيضاح ص271؛ وشرح شواهد المغني 2/ 709؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص404؛ وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 297؛ وشرح المفصل 4/ 9؛ وهمع الهوامع 2/ 217.
اللغة: اللئيم: من اجتمع فيه الشح والمهانة ووضاعة النسب.
المعنى: على أي شيء يشتمني، هذا الدنئ القبيح كخنزير تلطخ بالطين الآسن والرماد.
الإعراب: على ما: "على": حرف جر، "أما": استفهام مبني على السكون في محل جر بحرف الجر والجار والمجرور متعلقان بالفعل "يشتمني". قام: فعل ماض مبني على الفتحة الظاهرة، و"الفاعل": =(4/16)
واحترز بالاستفهامية عن الموصولة والشرطية والمصدرية، نحو: "مررت بما مررت به، وبما تفرح أفرح، وعجبت مما تضرب، فلا يحذف ألف شيء من ذلك، وزعم المبرد أن حذف ألف ما الموصولة بـ"شئت" لغة، ونقله أبو زيد أيضا، قال أبو الحسن في الأوسط: وزعم أبو زيد أن كثيرا من العرب يقولون: "سل عم شئت" كأنهم حذفوا لكثرة استعمالهم أياه.
وفهم من قوله "إن جرت" أن المرفوعة والمنصوبة لا تحذف ألفها، وهو كذلك، وأما قوله [من الطويل] :
1202-
أَلاَمَ تَقُوْلُ النَّاعِيَاتُ أَلاَمَهْ ... ألاَ فَانْدُبا أهلَ النَّدَى والْكَرَامَهْ
فضرورة.
__________
= ضمير مستتر جوازا تقديره هو. يشتمني: فعل مضارع مرفوع بالضمة، و"النون" للوقاية، و"الباء": ضمير متصل في محل نصب مفعول به. لئيم: فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. كخنزير: جار ومجرور متعلقان بصفة محذوفة. تمرغ: فعل مبني على الفتحة، و"الفاعل": ضمير مستتر جوازا تقديره هو. في رماد: جار ومجرور متعلقان بالفعل تمرغ.
وجملة "قام تشتمني": ابتدائية لا محل لها. وجملة "يشتمني لئيم": في محل نصب حال. وجملة "تمرغ في دمان": في محل جر صفة خنزير.
والشاهد في قوله: "على ما قام" حيث بقيت ألف "ما" على الرغم من سبقها بحرف جر، وهي ضرورة شعرية.
1202- التخريج: البيت بلا نسبة في الدرر 6/ 318؛ والمقاصد النحوية 4/ 553؛ وهمع الهوامع 2/ 217.
اللغة: الناعيات: ج الناعية، وهي التي تأتي بخير الميت. الندى: العطاء.
الإعراب: ألام: أصلها: الا: استفتاحية و"ما" استفهامية حذفت ألفها وهي مبنية في محل رفع مبتدأ. وقيل: في محل نصب مفعول به لـ"تقول". تقول: فعل مضارع مرفوع. الناعيات: فاعل مرفوع. ألامه: لا محل لها توكيد للأولى والهاء للسكت. ألا: حرف استفتاح. فاندبا: "الفاء" استئنافية، "اندبا": فعل أمر، و"الألف": ضمير في محل رفع فاعل. أهل: مفعول به منصوب، وهو مضاف. الندى: مضاف إليه مجرور. والكرامة: "الواو": حرف عطف، "الكرامة": معطوف على "الندى" مجرور.
وجملة "ألام تقول ... ": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "اندبا": استئنافيه لا محل لها الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "ألامه" حيث حذفت ألف "ما" الاستفهامية للضرورة مع كونها غير مجرورة، وذلك الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "ألامه" حيث حذفت ألف "ما" الاستفهامية للضرورة مع كونها غير مجرورة، وذلك لأنه أراد التصريح ولم يمكنه ذلك إلا بإدخال "هاء" السكت على آخرها.(4/17)
تنبيهات: الأول: أهمل المصنف من شروط حذف ألفها أن لا تركب مع "ذا"؛ فإن ركبت معه لم تحذف الألف، نحو: "على ماذا تلومونني" وقد أشار إليه في التسهيل، نقله المرادي.
الثاني: سبب هذا الخلاف إرادة المتفرقة بينها وبين الموصولة والشرطية، وكانت أولى بالحذف لاستقلالها، بخلاف الشرطية؛ فإنها متعلقة بما بعدها، وبخلاف الموصولة فإنها والصلة اسم واحد.
الثالث: قد ورد تسكين ميمها في الضرورة مجرورة بحرف، كقوله [من الرجز] :
1203-
يَا أَسَدِيًّا لِمْ أَكَلْتَهُ لِمَهْ؟ ... [لو خافك اللهُ عليه حَرَّمَهْ]
[فمَا قَرِبْتَ لَحْمَهُ ولا دَمَهْ]
"وَأَوْلِهَا الهَا إنْ تَقِفْ" أي جوازا إن جُرَّتْ بحرف، نحو: "عَمَّهْ" ووجوبا إن جُرَّتْ
__________
1203- التخريج: الرجز لسالم بن دارة في الحيوان 1/ 267؛ ولسان العرب 2/ 461 "روح"، 12/ 564 "لوم"؛ والمقاصد النحوية 4/ 555.
المعنى: يهجو رجلا من قبيلة أسد على أكله جرو كلب، قائلا له: لو كان الله –جل وعلا- يخاف على الكلب منكم لحرم أكله، فلم تقترب منه.
الإعراب: "يا": حرف نداء. "أسدي" منادى نكرة مقصودة مبني على الضم في محل نصب. "لم": "اللام": حرف جر، و"م": هي "ما": اسم استفهام في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بـ"أكلت". "أكلته": فعل ماضي مبني على السكون، و"التاء": ضمير متصل في محل رفع فاعل، و"الهاء": ضمير متصل في محل نصب مفعول به. "لمه": توكيد لفظي لـ"لم" السابقة، لا محل لها من الإعراب، و"الهاء" للسكت. "لو": حرف شرط غير جازم. "خافك": فعل ماض مبني على الفتح، و"الكاف": ضمير متصل في محل نصب مفعول به. "الله": فاعل مرفوع بالضمة. "عليه": جار ومجرور متعلقان بـ"خافك". "حرمه": فعل ماض مبني على الفتح، و"الفاعل": ضمير مستتر تقديره "هو"، و"الهاء": ضمير متصل في محل نصب مفعول به. "فما": "الفاء": عاطفة، "ما": نافية لا عمل لها. "قربت": فعل ماض مبني على السكون، و"التاء": ضمير متصل في محل رفع فاعل. "لحمه": مفعول به منصوب بالفتحة، و"الهاء": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. "ولا": "الواو": للعطف، "لا": نافية لا عمل لها. "دمه": معطوف على منصوب، منصوب مثله، و"الهاء": ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
وجملة النداء: "يا أسدي" ابتدائية لا محل لها. وجملة "لم أكلته": استئنافية لا محل له. وجملة "لو خافك ... حرمه": الشرطية لا محل لها. وجملة "حرمه": جواب الشرط غير جازم لا محل لها. وجملة "ما قربت": معطوفة على السابقة فهي مثلها لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: "لم أكلته" حيث سكن الميم بعد حذف الألف من "لما" الأولى، ثم عوض عن الألف المحذوفة بهاء السكت في "لما" الثانية وهذا ضرورة.(4/18)
باسم، نحو: "اقْتِضَاءَ مَهْ" ولهذا قال:
وَلَيْسَ حَتْمًا فِي سِوَى مَا انْخَفَضَا ... بِاسْم كَقَوْلِكَ اقْتِضَاءَ مَ اقْتَضَى
أي: وليس إيلاؤها الهاء واجبا في سوى المجرورة بالاسم، وقد مثله، وعلة ذلك أن الجار الحرفي كالجزء؛ لاتصاله بها لفظ وخطا، بخلاف الاسم؛ فوجب إلحاق الهاء للمجرورة بالاسم لبقائها على حرف واحد.
تنبيه: اتصال الهاء بالمجرورة بالحرف –وإن لم يكن واجبا- أجود في قياس العربية، وأكثر، وإنما وقف أكثر القراء بغير هاء اتباعا لرسم.
897-
ووصلَ ذِي الهاءِ أجز بكُلّ مَا ... حرك تحريك بناء لَزِمَا
898-
وَوَصْلُهَا بِغَيْرِ تَحْرِيْكِ بِنَا ... أُدِيمَ شَذَّ فِي المُدَامِ اسْتُحْسِنَا
يعني أن هاء السكت لا تتصل بحركة إعراب ولا شبيهة بها؛ فلذلك لا تلحق اسم "لا" ولا المنادى المضموم، ولا ما بني لقطعه عن الإضافة كقبل وبعد، ولا العدد المركب، نحو: خمسة عشر؛ لأن حركات هذه الأشياء مشابهة لحركة الإعراب، وأما قول [من الرجز] :
1204-
يَا رُبَّ يَوْمٍ لِي لاَ أُظَلَّلُهْ ... أُرْمَضُ مِنْ تَحْتُ وأُضْحَى مِنْ عَلُهْ
__________
1204- التخريج: الرجز لأبي مروان في شرح التصريح 2/ 346؛ ولأبي الهجنجل في شرح شواهد المغني 1/ 448؛ ومجالس ثعلب ص489؛ ولأبي ثروان في المقاصد النحوية 4/ 545؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص1318؛ وخزانة الأدب 2/ 397؛ الدرر 3/ 97، 6/ 305؛ وشرح عمدة الحافظ ص981؛ وشرح المفصل 4/ 87؛ ومغني اللبيب 1/ 154؛ وهمع الهوامع 1/ 203، 2/ 210.
شرخ المفردات: أظلله: أي أظلل فيه. أرمض: أشعر بشدة الحر. أضحى: أصاب بالشمس.
المعنى: يصور الشاعر يوما شديد الحر فيقول: إنه لم يجد شيئا يتظلل فيه، فكانت قدماء تحترقان من تحت، وجسمه يحترق من تعرضه الشمس من فوق.
الإعراب: "يا": حرف تنبيه. "رب": حرف جر شبيه بالزائد. "يوم": اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ. "لي": جار ومجرور متعلقان بمحذوف نعت لـ"يوم". "لا": حرف نفي. "أظلله": فعل مضارع للمجهول مرفوع، ونائب فاعله ضمير مستتر تقديره: "أنا"، والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. "أرمض": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنا". "من تحت": جار ومجرور =(4/19)
فشاذ؛ لأن حركة "عل" حركة بناء عارضة لقطعه عن الإضافة؛ فهي كقبل وبعد. وإلى هذا أشار بقوله: "ووصلها بغير تحريك بنا أديم شذ" فحركة "عل" غير حركة بناء مدام، بل حركة بناء غير مدام، وأشار بقوله: "في المدام استحسنا" إلى أن وصل هاء السكت بحركة البناء المدام –أي الملتزم- جائز مستحسن، وذلك كفتحة هو وهي وكيف وثم؛ فيقال في الوقف: "هوه، وهيه، وكيفه، وثمه".
تنبيهان: الأول اقتضى قوله: "ووصلها بغير تحريك بنا أديم شذ" أن وصلها بحركة الإعراب قد شذ أيضا؛ لأن كلامه يشمل نوعين: أحدهما تحريك البناء غير المدام، والآخر تحريك الإعراب، وليس ذلك إلا في الأول.
الثاني: قوله "في المدام استحسنا" يقتضي جواز اتصالها بحركة الماضي؛ لأنها من التحريك المدام، وفي ذلك ثلاثة أقوال؛ الأول: المنع مطلقا، والثاني: الجواز مطلقا، والثالث: الجواز إن أمن اللبس، نحو: "قعده" والمنع إن خيف اللبس، نحو: "ضربه"1 والصحيح الأول، وهو مذهب سيبويه والجمهور، واختاره المصنف؛ لأن حركته وإن كانت لازمة فهي شبيهة بحركة الإعراب؛ لأن الماضي إنما بني على حركة لشبهه بالمضارع المعرب في وجوه تقدمت في موضعها؛ فكان من حق المصنف أن يستثنيه كما فعل في الكافية فقال فيها:
ووصلَ ذِي الهاءِ أجز بكُلّ مَا ... حرك تحريك بناء لَزِمَا
ما لَمْ يَكُنْ ذلكَ فِعْلا ماضِيًا
__________
= متعلقان بـ"أرمض". "وأضحى": الواو حرف عطف، "أضحى" فعل مضارع تام مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنا". "من عله": جار ومجرور متعلقان بـ"أضحى"، والهاء للسكت.
وجملة: "رب يوم ... " ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "لا أظلله" في محل رفع خبر المبتدأ. وجملة: "أرمض" في محل رفع خبر ثان. وجملة: "أضحى" معطوفة على جملة "أرمض".
الشاهد فيه قوله: "من عله" حيث ألحق هاء السكت بـ"عل"، وهي لفظة مبنية بناء عارضا، وهذا شاذ. وإنما تلحق ما كان مبنيا بناء دائما.
1 اللبس في "ضربه" لأن الهاء محتملة لأن تكون هاء السكت ولأن تكون ضميرا منصوب المحل، لأن الفعل متعد، بخلاف "قعد" فإنه فعل لازم.(4/20)
899-
وَرُبَّمَا أُعْطِيَ لَفْظُ الْوَصْلِ مَا ... لِلْوَقْفِ نَثْرَاً وَفَشَا مُنْتَظِماً
أي قد يحكم للوصل بحكم الوقف، وذلك في النثر قليل كما أشار إليه بقوله "وربما" ومنه قراءة غير حمزة والكسائي {لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ} 1، {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ} 2 ومنه أيضا {مَالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ، خُذُوهُ} 3، {مَا هِيَهْ، نَارٌ حَامِيَةٌ} 4، ومنه قول بعض طيئ "هذه حبلو يا فتى" لأنه إنما تبدل هذه الألف واوا في الوقف، فأجرى الوصل مجراه، وهو في النظم كثير، من ذلك قوله [من الرجز] :
1205-
[كأنه السيلُ إذا اسلحبَّا] ... مثل الحرِيقِ وَافَقَ القَصَبَّا
__________
1 البقرة: 259.
2 الأنعام: 90.
3 الحاقة: 28، 29، 30.
4 القارعة: 10، 11.
1205- التخريج: الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص169؛ وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 318، 320؛ ولربيعة بن صبح في شرح شواهد الإيضاح ص264؛ ولأحدهما في شرح التصريح 2/ 346؛ والمقاصد النحوية 4/ 549؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 6/ 138؛ وشرح ابن عقيل ص673؛ وشرح المفصل 3/ 94، 139، 9/ 68، 82.
شرح المفردات: اسلحب الطريق: كان ممتدا. وهنا بمعنى امتلأ. القصبة: نوع من البنات.
المعنى: يصف الراجز الجراد الذي يخشى أن يراه، وقد أخصبت الأرض، أن يهجم على الأرض كالسيل الجارف، وكالحريق الذي يلتهم القصب.
الإعراب: "كأنه": حرف مشبه بالفعل، والهاء ضمير في محل نصب اسم "كأن". "السيل": خبر "كأن" مرفوع. "إذا": ظرف زمان، متعلق بحال محذوفة من "السيل". "اسلحبا": فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر تقديره "هو"، والألف للإطلاق. "مثل": خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "هو"، أو خبر ثان لـ"كأن"، وهو مضاف. "الحريق": مضاف إليه مجرور. "وافق": فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هو". "القصبا": مفعول به منصوب، والألف للإطلاق.
وجملة: "كأنه السيل" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "اسلحب" في محل جر بالإضافة. وجملة "هو مثل الحريق" استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "وافق القصبا" في محل نصب حال من "الحريق".
الشاهد فيه قوله: "القصبا" حيث شدد الباء كأنه وقف عليها بالتضعيف، مع أنه وقف باجتلاب ألف الوصل، وهذا ضرب من معاملة الوصل معاملة الوقف.(4/21)
فشدد الباء مع وصلها بحرف الإطلاق، وقوله [من الوافر] :
أَتَوْا نَارِي فَقُلْتُ مَنُوْنَ أَنْتُمْ؟ ... [فقالوا: الجن، قلت: عموا ظلاما] 1
وقد تقدم في الحكاية.
[لهجات العرب في الوقف على الروي الموصول بمدة] :
خاتمة: وقف قوم بتسكين الروي بمدة، كقوله [من الوافر] :
أقِليّ اللومَ عاذلَ والعتابْ ... [وقولي إن أصبتُ لقد أصابْ] 2
وأثبتها الحجازيون مطلقا، فيقولون العتابا، وإن ترنم التميميون فكذلك، وإلا عوضوا منها التنوين مطلقا، كقوله [من الوافر] :
1206-
[متى كان الخيام بذي طلوح] ... سُقِيْتِ الغَيْثَ أَيَّتُهَا الخِيَامَنْ
__________
1 تقدم بالرقم 1153.
2 تقدم بالرقم 4.
1206- التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص278؛ والأغاني 2/ 179؛ وجمهرة اللغة ص550؛ والجني الداني ص174؛ وخزانة الأدب 0/ 121؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 349؛ وشرح شواهد المغني 1/ 311، 2/ 785؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص617؛ وشرح المفصل 9/ 78؛ والكتاب 4/ 206؛ ومعجم ما استعجم ص893؛ والمقاصد النحوية 2/ 469؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص164؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 479، 480، 481، 493، 502، 503؛ ولسان العرب 14/ 349 "روي"، 15/ 209 "قوا"؛ والمنصف 1/ 224.
اللغة: ذو طلوح: واد في أرض بني العنبر من تميم، سمي به لكثرة الطلح به، وهو شجر عظام ترعاه الإبل. الغيث: المطر.
المعنى: يتساءل الشاعر فيقول: متى كانت الخيام منصوبة في هذا المكان ومتى فارقه أهله، ثم يتوجه بالدعاء –وهو يتذكر أهل هذه الخيام- أن ينزل عليها المطر.
الإعراب: متى: اسم استفهام في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بالفعل "كان" بعده أو بخبره. كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح. الخيام: اسمها مرفوع بالضمة. بذي: "الباء": حرف جر، "ذي": اسم مجرور بالباء وعلامة جره الياء لأنه من الأسماء الخمسة، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف في محل نصب خبر كان. طلوح: مضاف إليه مجرور. سقيت: فعل مضارع مبني للمجهول مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل و"التاء": ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. أيتها: "أية": منادى نكرة مقصودة، بحرف نداء محذوف مبني على الضم في محل نصب على النداء و"ها": حرف تنبيه لا محل له. الخيامن: بدل من أيتها مرفوع مثله على البناء وقد أشبعت الضمة فقلبت نونا.(4/22)
وكقوله [من الرجز] :
1207-
يا صَاحِ مَا هَاجَ العُيُوْنَ الذُّرَّفَنْ ... [من طلل أمسى يحاكي المصحفَنْ]
وكقوله [من الكامل] :
لَمَّا تَزُلْ بِرِحَالِنَا وَكَأنْ قَدِنْ1
والله أعلم.
__________
= وجملة "كان الخيام بذي": ابتدائية لا محل لها. وجملة "سقيت الغيث": استئنافيه لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: "الخيامن" حيث أشبعت الضمة التي على الميم، فتولدت النون، أو الواو على رواية ثانية.
1207- التخريج: الرجز للعجاج في ديوانه 2/ 219؛ وتخليص الشواهد ص47؛ وخزانة الأدب 3/ 443؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 352؛ والكتاب 4/ 207؛ والمقاصد النحوية 1/ 26.
اللغة: هاج: حرك. الذرف: ج الذارفة، وهي القاطرة. الطلل: ما شخص من آثار الدار. يحاكي: يشابه. المصحف: الصحيفة.
الإعراب: يا: حرف نداء. صاح: منادى مضاف مرخم منصوب، و"الياء": المحذوفة في محل جر بالإضافة. ما مبتدأ. هاج: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو". العيون: مفعول به. الذرفن: نعت "العيون" منصوب، و"النون": للترنم. من طلل: جار ومجرور متعلقان بحال من "ما". أمسى: فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو". يحاكي: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو". المصحفن: مفعول به منصوب، و"النون" للترنم.
وجملة "يا صاح": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "ما هاج ... ": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "هاج": في محل رفع خبر المبتدأ. وجملة "أمسى....": في محل جر نعت "طلل". وجملة "يحاكي": في محل نصب خبر "أمسى".
الشاهد: قوله: "الذرفن" و"المصحفن" حيث وصل القافية بالنون للترنم.
1 تقدم بالرقم 5.(4/23)
الإمالة:
[حقيقتها، فائدتها، حكمها] :
وتسمى الكسر، والبطح، والاضطجاع.
وقدمها في التسهيل والكافية على الوقف، وما هنا أنسب؛ لأن أحكامه أهم.
والنظر في حقيقتها، وفائدتها، وحكمها، ومحلها، وأصحابها، وأسبابها.
أما حقيقتها فأن يُنْحَى بالفتحة نحو الكسرة؛ فتميل الألف إن كان بعدها ألف نحو الياء.
وأما فائدتها فاعلم أن الغرض الأصلي منها هو التناسب، وقد ترد للتنبيه على أصل أو غيره كما سيأتي.
وأما حكمها فالجواز.
وأسبابها الآتية مجوزة لها، ولا موجبة، وتعبير أبي علي ومن تبعه عنها بالموجبات تَسَمُّح، فكل مُمَال يجوز فتحه.
[محلها، أصحابها، أسبابها] :
وأما محلها فالأسماء المتمكنة1 والأفعال، هذا هو الغالب، وسيأتي التنبية على ما أميل من غير ذلك.
__________
1 أي المعربة.(4/24)
وأما أصحابها فتميم ومن جاورهم من سائر أهل نجد كأسد وقيس، وأما أهل الحجاز فيفخمون بالفتح، وهو الأصل، ولا يميلون إلا في مواضع قليلة.
وأما أسبابها فقسمان: لفظي، ومعنوي، فاللفظي: الياء والكسرة، والمعنوي: الدلالة على ياء أو كسرة.
وجملة أسباب إمالة الألف –على ما ذكره المصنف- ستة؛ الأول انقلابها عن الياء، الثاني: مالها إلى الياء، الثالث: كونها بدل عين ما يقال فيه فلت، الرابع: ياء قبلها أو بعدها، الخامس: كسرة قبلها أو بعدها، السادس: التناسب. وهذه الأسباب كلها راجعة إلى الياء والكسرة. واختلف في أيهما أقوى؛ فذهب الأكثرون إلى أن الكسرة أقوى من الياء وأدعى إلى الإمالة، وهو ظاهر كلام سيبويه؛ فإنه قال في الياء: لأنها بمنزلة الكسرة؛ فجعل الكسرة أصلا، وذهب ابن السراج إلى أن الياء أقوى من الكسرة، والأول أظهر لوجهين؛ أحدهما: أن اللسان يتسفل بها أكثر من تسفله بالياء، والثاني أن سيبويه ذكر أن أهل الحجاز يميلون الألف للكسرة، وذكر في الياء أن أهل الحجاز وكثيرا من العرب لا يميلون للياء، فدل هذا من جهة النقل أن الكسرة أقوى.
وقد أشار المصنف إلى السبب الأول بقوله:
900-
الأَلِفَ المُبْدَلَ مِنْ يَا فِي طَرَفْ ... أَمِلْ كَذَا الْوَاقِعُ مِنْهُ اليَا خَلَفْ
901-
دُوْنَ مَزِيْدٍ أوْ شُذُوذٍ، ولما ... وَلِمَا تَلِيْهِ هَا التَّأْنِيْثِ مَا الهَا عَدِمَا
"الألف المبدل من يا في طرف أمل" أي سواء في ذلك طرف الاسم، نحو: مرمى، والفعل، نحو: رمى. واحترز بقوله "في طرف" من الكائنة عينا، وسيأتي حكمها.
وأشار إلى السبب الثاني بقوله: "كَذَا الْوَاقِعُ مِنْهُ اليَا خَلَفْ دون مزيد أو شذوذ" أي تمال الألف إذا كانت صائرة إلى الياء دون زيادة ولا شذوذ، وذلك ألف نحو: "مغزى وملهى" من كل ذي ألف متطرفة زائدة على الثلاثة، ونحو: "حبلى وسكرى" من كل ما آخره ألف تأنيث مقصورة فإنها تمال لأنها تؤول إلى الياء في التثنية والجمع، فأشبهت الألف المنقلبة عن الياء.
واحترز بقوله: "دون مزيد" من رجوع الألف إلى الياء بسبب زيادة كقولهم في تصغير(4/25)
قَفَا قُفَيّ، وفي تكسيره قُفِيٌّ؛ فلا يمال "قفا" لذلك.
واحترز بقوله: "أو شذوذ" من قلب الألف ياء في الإضافة إلى ياء المتكلم في لغة هذيل؛ فإنهم يقولون في عصا وقفا: عصي وقفي، ومن قلب الألف ياء في الوقف عند بعض طيئ، نحو: عصي وقفي؛ فلا تسوغ الإمالة لأجل ذلك.
و"خلف" في كلامه حال من الياء، ووقف عليه بالسكون لأجل النظم، ويجوز في الاختيار على لغة ربيعة.
تنبيهات: الأول: هذا السبب الثاني هو أيضا في الألف الواقع طرفا كالأول.
الثاني: قد علم مما تقدم أن نحو "قفا" و"عصا" من الاسم الثلاثي لا يمال؛ لأن ألفه عن واو ولا يؤول إلى الياء إلا في شذوذ أو بزيادة، وقد سمعت إمالة "العشا" مصدر الأعشى وهو الذي لا يبصر ليلا ويبصر نهارا، و"المكا" بالفتح وهو جحر الثعلب والأرنب، و"الكبا" بالكسر الكناسة، وهذه من ذوات الواو؛ لقولهم "ناقة عشواء" وقولهم: "المكو والمكوة" بمعنى المكا، وقولهم: "كبوت البيت" إذا كنسته، والألفاظ الثلاثة مقصورة، وهذا شاذ.
لا يقال لعل إمالة "الكبا" لأجل الكسرة، فلا تكون شاذة؛ لأن الكسرة لا تؤثر في المنقلبة عن واو، وأما "الربا" فإمالتهم له –وهو من ربا يربو- لأجل الكسرة من الراء، وهو مسموع مشهور، وقد قرأ به الكسائي وحمزة.
الثالث: يجوز إمالة الألف، في نحو: "دعا وغزا" من الفعل الثلاثي وإن كانت عن واو؛ لأنها تؤول إلى الياء في نحو: "دعي وغزي" من المبني للمفعول، وهو عند سيبويه مطرد، وبهذا ظهر الفرق بين الاسم الثلاثي والفعل الثلاثي إذا كانت ألفهما عن واو. وقال أبو العباس وجماعة من النحاة: إمالة ما كان من ذوات الواو على ثلاثة أحرف، نحو: دعا وغزا قبيحة، وقد تجوز على بعد، انتهى.
وأشار بقوله: "ولما * تليه ها التأنيث ما الها عدما" إلى أن للألف التي قبل هاء التأنيث، في نحو: "مرماة وفتاة" –من الإمالة؛ لكونها منقلبة عن الياء- ما للألف المتطرفة؛ لأن هاء التأنيث غير معتد بها، فالألف قبلها متطرفة تقديرا.
وأشار إلى السبب الثالث بقوله:(4/26)
902-
وَهكَذَا بَدَلُ عَيْن الفِعْلِ إنْ ... يَؤُلْ إلى فِلْتُ كَمَاضِي خَف
"وهكذا بدل عين الفعل إن يؤل إلى فلت" أي تمال الألف أيضا إذا كانت بدلا من عين فعل تكسر فاؤه حين يسند إلى هاء الضمير، سواء كانت تلك الألف منقلبة عن واو مكسورة "كماضي خف" وكذ وهو خاف وكاد، أم عن ياء، نحو: ماضي بع "ودن" وهو باع ودان؛ فإنك تقول فيها: خفت وكدت وبعت ودنت، فيصيران في اللفظ على وزن فلت، والأصل فعلت، فحذفت العين وحركت الفاء بحركتها. وهذا واضح في الأولين، وأما الأخيران فقيل: يقدر تحويله إلى فعل بكسر العين، ثم تنقل الحركة، هذا مذهب كثير من النحويين، وقيل: لما حذفت العين حركت الفاء بكسرة مجتلبة للدلالة على أن العين ياء، ولبيان ذلك موضع غير هذا.
واحترز بقوله: "إن يؤل إلى فلت" من نحو: "صال وقال" فإنه لا يؤول إلى "فلت" بالكسر، وإنما يؤول إلى "فلت" بالضم، نحو؛ طلت وقلت.
والحاصل أن الألف التي هي عين الفعل تمال أن كانت عن ياء مفتوحة، نحو: دان، أو مكسورة، نحو: هاب، أو عن واو مكسورة، نحو: خاف، فإن كانت عن واو مضمومة، نحو: طال أو مفتوحة، نحو: قال: لم تمل.
تنبيهات: الأول: اختلف في سبب إمالة نحو خاف وطاب، فقال السيرافي وغيره: إنها للكسرة العارضة في فاء الكلمة، ولهذا جعل السيرافي من أسباب الإمالة كسرة تعرض في بعض الأحوال، وهو ظاهر كلام الفارسي، قال: وأمالوا "خاف وطاب" مع المستعلي طلبا للكسر في "خفت"، وقال ابن هشام الخضراوي: الأولى أن الإمالة في "طاب" لأن الألف فيه منقلبة عن ياء، وفي "خاف" لأن العين مكسورة، أرادوا الدلالة على الياء والكسرة.
الثاني: نقل عن بعض الحجازيين إمالة نحو: "خاف"، و"طاب" وفاقا لبني تميم، وعامتهم يفرقون بين ذوات الواو، نحو: "خاف" فلا يميلون، وبين ذوات الياء، نحو: "طاب" فيميلون.
الثالث: أفهم قولهم "بدل عين الفعل" أن بدل عين الاسم لا تمال مطلقا، وفصل صاحب المفصل بين ما هي عن ياء، نحو: "ناب وعاب" بمعنى العيب فيجوز، وبين ما هي(4/27)
عن واو، نحو: "باب ودار" فلا يجوز، لكنه ذكر بعد ذلك فيما شد عن القياس إمالة "عاب"، وصرح بعضهم بشذوذ إمالة الألف المنقلبة عن ياء عينا في اسم ثلاثي، وهو ظاهر كلام سيبويه، وصرح ابن إياز في شرح فصول ابن معط بجواز إمالة المنقلبة عن الواو المكسورة، كقولهم "رجل مال" أي: كثير المال، و"نال" أي: عظيم العطية، والأصل مول ونول، وهما من الوادي؛ لقولهم: أموال، وتمول، والنوال، وانكسار الواو لأنها صفتان مبنيتان للمبالغة، والغلب على ذلك كسر العين.
وأشار إلى السبب الرابع بقوله:
903-
كَذَاكَ مَا يَلِيْهِ كَسْرٌ أوْ يَلِي ... تَالِيَ كَسْرٍ أوْ سُكُوْنٍ
904-
كَذَاكَ تَالِي اليَاءِ وَالْفَصْلُ اغْتُفِرْ ... بِحَرْفٍ أوْ مَعْ هَا كَجَيْبَهَا أَدِرْ
أي: تمال الألف التي تتلو ياء أي تتبعها: متصلة بها، نحو: "سيال" بفتحتين لضرب من شجر العضاه، أو منفصله بحرف، نحو: "شيبان" أو بحرفين ثانيهما هاء، نحو: "جيبها أدر" فإن كانت منفصلة بحرفين ليس أحدهما هاء، أو أكثر من حرفين؛ امتنعت الإمالة.
تنبيهات: الأول: إنما اغتفر الفصل بالهاء لخفائها فلم تعد حاجزًا.
الثاني: قال في التسهيل "أو حرفين ثانيهما هاء" وقال هنا "أو مع ها" فلم يقيد بكون الهاء ثانية، وكذا فعل في الكافية، والظاهر جواز إمالة "هاتان شويهتاك" لما سيأتي م أن فضل الهاء كلا فصل، وإذا كانت الهاء ساقطة من الاعتبار فشويهتاك مساو لنحو شيبان.
الثالث: أطلق قوله "أو مع ها" وقيد غيره بأن لا يكون قبل الهاء ضمة، نحو: "هذا جيبها"؛ فإنه لا يجوز فيه الإمالة.
الرابع: الإمالة للياء المشددة، في نحو: "بياع" أقوى منها في نحو: سيال، والإمالة للياء الساكنة، في نحو: "شيبان" أقوى منها، في نحو: "حيوان".
الخامس: قد سبق أن من أسباب الإمالة وقوع الياء قبل الألف أو بعدها، ولم يذكر هنا إمالة الألف لياء بعدها، وذكرها في الكافية والتسهيل، وشرطها إذا وقعت بعد الألف أن(4/28)
تكون متصلة، نحو: "بايعته، وسايرته" ولم يذكر سيبويه إمالة الألف للياء بعدها، وذكرها ابن الدهان وغيره.
وأشار إلى السبب الخامس بقوله:
905-
كَسْرًا وَفَصْلُ الهَا كَلاَ فَصْلٍ يُعَدْ ... فَدِرْهَمَاكَ مَنْ يُمِلْهُ لَمْ يُصَدْ
"كذاك ما يليه كسرا أو يلي تالي كسر أو سكون" أي أو يلي تالي سكون "قد ولي كسرا، وفضل الها كلا فصل يعد فدرهماك من يمله لم يصد" أي كذا تمال الألف إذا وليها كسرة، نحو: "عالم ومساجد"، أو وقعت بعد حرف يلي كسرة نحو "كتاب"، أو بعد حرفين وليا كسرة أولهما ساكن نحو "شملال"، أو كلاهما متحرك ولكن أحدهما هاء نحو: "يريد أن يضربها"، أو ثلاثة أحرف أولها ساكن وثانيها هاء، نحو: "هذان درهماك"، وهذا والذي قبله مأخوذان من قوله: "وفصل الها كلا فصل يعد" فإنه إذا سقط اعتبار الهاء من الفصل ساوى "أن يضربها" نحو "كتاب" و"درهماك" نحو "شملال". وفهم من كلامه أن الفصل إذا كان بغير ما ذكر لم يجز الإمالة.
تنبيه: أطلق في قوله "وفصل الها كلا فصل"، وقيده غيره بأن لا ينضم ما قبلها، احترازا من نحو "هو يضربها"؛ فإنه لا يمال، وقد تقدم مثله في الياء.
[موانع الإمالة] :
ولما فرغ من ذكر الغالب من أسباب الإمالة شرع في ذكر موانعها فقال:
906-
وَحَرْفُ الاِسْتِعْلاَ يَكُفُّ مُظْهَرَا ... مِنْ كَسْرٍ أوْ يَا وكَذَا تَكُفُّ رَا
"وحرف الاستعلاء يكف مظهرا" أي يمنع تأثير سبب الإمالة الظاهرة "من كسر أو يا، وكذا تكف را" يعني أن موانع الإمالة ثمانية أحرف، منها سبعة تسمى أحرف الاستعلاء،(4/29)
وهي ما في أوائل هذه الكلمات: قد صاد ضرار غلام خالي طلحة ظليما، والثامن الراء غير المكسورة؛ فهذه الثمانية تمنع إمالة الألف، وتكف تأثير سببها إذا كان كسرة ظاهرة على تفصيل يأتي:
وعلة ذلك أن السبعة الأولى تستعلي إلى الحنك فلم تمل الألف معها طلبا للمجانسة، وأما الراء فشبهت بالمستعلية؛ لأنها مكررة.
وقيد بالمظهر للاحتراز من السبب المنوي فإنها لا تمنعه؛ فلا يمنع حرف الاستعلاء إمالة الألف في نحو "هذا قاض" في الوقف، ولا "هذا ماص" أصله: ماصص، ولا إمالة باب "خاف وطاب" كما سبق.
تنبيهات: الأول: قوله "أويا" تصريح بأن حرف الاستعلاء والراء غير المكسورة تمنع الإمالة إذا كان سببها ياء ظاهرة، وقد صرح بذلك في التسهيل والكافية، لكنه قال في التسهيل: الكسرة والياء الموجودتين، وفي شرح الكافية: الكسرة الظاهرة والياء الموجودة ولم يمثل لذلك، وما قاله في الياء غير معروف في كلامهم، بل الظاهر جواز إمالة، نحو: طغيان وصياد وعريان وريان؛ وقد قال أبو حيان: لم نجد ذلك، يعني كف حرف الاستعلاء والراء في الياء، وإنما يمنع مع الكسرة فقط.
الثاني: إنما يكف المستعلي إمالة الاسم خاصة. قال الجزولي: ويمنع المستعلي إمالة الألف في الاسم، ولا يمنع في الفعل، من ذلك نحو: طاب وبغى، وعلته أن الإمالة في الفعل تقوى ما لا تقوى في الاسم، ولذلك لم ينظر إلى أن ألفه من الياء أو من الواو، بل أميل مطلقا.
الثالث: إنما لم يقيد الراء بغير المكسورة للعلم بذلك من قوله بعد "وكف مستعل ورا ينكف، بكسرا را".
وأشار بقوله:
907- "
إنْ كَانَ مَا يَكُفُّ بَعْدُ مُتَّصِلْ ... أوْ بَعْدَ حَرْفٍ أَوْ بِحَرْفَيْنِ فُصِلْ
إلى أنه إذا كان المانع المشار إليه –وهو حرف الاستعلاء أو الراء- متأخرا عن الألف؛ فشرطه أن يكون متصلا، نحو: "فاقد، وناصح، وباطل، وباخل"، ونحو: "هذا عذارك،(4/30)
ورأيت عذارك" أو منفصلا بحرف، نحو: "منافق، ونافخ، وناشط"، ونحو: "هذا عاذرك، ورأيت عاذرك"، أو بحرفين، نحو: "مواثيق، ومنافيخ، ومواعيظ"، ونحو: "هذه دنانيرك، ورأيت دنانيرك". أما المتصل والمنفصل بحرف فقال سيبويه: لا يميلهما أحد إلا من لا يؤخذ بلغته. وأما المنفصل بحرفين فنقل سيبويه إمالته عن قوم من العرب لتراخي المانع، قال سيبويه: وهي لغة قليلة، وجزم المبرد بالمنع في ذلك، وهو محجوج بنقل سيبويه.
وقد فهم مما سبق أن حرف الاستعلاء أو الراء لو فصل بأكثر من حرفين لم يمنع الإمالة، وفي بعض نسخ التسهيل الموثوق بها "وربما غلب المتأخر رابعا" ومثال ذلك "يريد أن يضر بها بسوط" فبعض العرب يغلب في ذلك حرف الاستعلاء وإن بعد.
وأشار بقوله:
908-
كَذَا إذَا قُدِّمَ مَا لَمْ يَنْكَسِرْ ... أوْ يَسْكُنْ اثْرَ الْكَسْرِ كالمِطْوَاعِ مِرْ
إلى أن المانع المذكور إذا كان متقدما على الألف اشترط لمنعه أن لا يكون مكسورا، ولا ساكنا بعد كسرة؛ فلا تجوز الإمالة، في نحو: "طالب، وصالح، وغالب، وظالم، وقاتل، وراشد" بخلاف نحو: "طلاب، وغلاب، وقتال، ورجال"، ونحو: "إصلاح، ومقدام، ومطواع، وإرشاد".
تنبيهان: الأول: من أصحاب الإمالة من يمنع الإمالة في هذا النوع، وهو الساكن إثر الكسر؛ لأجل حرف الاستعلاء، ذكره سيبويه، ومقتضى كلامه في التسهيل والكافية أن الإمالة فيه وتركها على السواء، وعبارة الكافية:
كَذَا إذَا قُدِّمَ مَا لَمْ يَنْكَسِرْ ... وخير أن سكن بعد منكسر
وقال في شرحها: وإن سكن بعد كسر جاز أن يمنع وأن لا يمنع، نحو: إصلاح، وهو يخالف ما هنا.
الثاني: ظاهر قوله "كذا إذا قدم" أنه يمنع ولو فصل عن الألف، والذي ذكره سيبويه وغيره أن ذلك إذا كانت الألف تليه، نحو: قاعد وصالح.(4/31)
909-
وكَفُّ مُسْتَعْلٍ وَرَا يَنْكَفُّ ... بِكَسْرِ رَا كَغارِماً ولاَ أَجْفُو
يعني أنه إذا وقعت الراء المكسورة بعد الألف كفت مانع الإمالة، سواء كان حرف استعلاء، أو راء غير مسكورة؛ فيمال، نحو: {عَلَى أَبْصَارِهِمْ} 1، و"غارم، وضارب، وطارق"، ونحو: {دَارُ الْقَرَارِ} 2، ولا أثر فيه لحرف الاستعلاء، ولا للراء غير المكسورة؛ لأن الراء المكسورة غلبت المانع، وكفته عن المنع؛ فلم يبق له أثر.
تنبيهات: الأول: من هنا علم أن شرط كون الراء مانعة من الإمالة أن تكون غير مكسورة؛ لأن المكسورة مانعة للمانع؛ فلا تكون مانعة.
الثاني: فهم من كلامه جواز إمالة نحو: {إِلَى حِمَارِكَ} 3 بطريق الأولى؛ لأنه إذا كانت الألف تمال لأجل الراء المكسورة مع وجود المقتضى لترك الإمالة –وهي حرف الاستعلاء، أو الراء التي ليست مكسورة- فإمالتها مع عدم المقتضى لتركها أولى.
الثالث: قال في التسهيل: وربما أثرت –يعني الراء- منفصلة تأثيرها متصلة، وأشار بذلك إلى أن الراء إذا تباعدت عن الألف لم تؤثر إمالة في نحو: "بقادر" أي لا تكف مانعها وهو القاف، ولا تفخيما، في نحو: "هذا كافر" ومن العرب من لا يعتد بهذا التباعد؛ فيميل الأول ويفخم الثاني، ومن إمالة الأول قوله [من الطويل] :
1208-
عَسَى اللَّهُ يُغْنِي عَنْ بِلاَدِ ابنِ قَادِرٍ ... [بمنهمرٍ جَوْنِ الربابِ سَكُوبِ]
__________
1 البقرة: 7.
2 غافر: 39.
3 البقرة: 259.
1208- التخريج: البيت لهدبة بن الخشوم في ديوانه ص76؛ وخزانة الأدب 9/ 328؛ والكتاب 3/ 159، 4/ 139؛ ولسماعه النعامي في شرح أبيات سيبويه 2/ 141؛ وشرح التصريح 2/ 351؛ ولسان العرب 15/ 55 "عسا"، ولسماعة أو لرجل من باهلة في شرح الإيضاح ص620؛ وبلا نسبة في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص678؛ وشرح المفصل 7/ 117؛ 9/ 62؛ واللمع ص333؛ والمقتضب 3/ 48، 69.
شرح المفردات: جون الرباب: سود السحاب. السكوب: الكثير المطر.
الإعراب: "عسى": فعل ماض ناقص من أفعال الرجاء. "الله": اسم الجلالة، اسم "عسى" مرفوع.
"يغني": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هو". "عن بلاد": جار ومجرور متعلقان =(4/32)
قال سيبويه: والذين يميلون "كافر" من الذين يميلون "بقادر".
910-
وَلاَ تُمِلْ لِسَبَبٍ لَمْ يَتَّصِل ... وَالكَفُّ قَدْ يُوْجِبُهُ مَا يَنْفَصِلْ
"ولا تمل لسبب لم يتصل" بأن يكون منفصلا، أي من كلمة أخرى؛ فلا تمال ألف "سابور" للياء قبلها في قولك: "رأيت يدي سابور" ولا ألف "مال" للكسرة قبلها في قولك "لهذا الرجل مال" وكذلك لو قلت [من البسيط] :
1209-
هَا إِنَّ ذِي عِذْرَة [إن لا تكن نفعت ... فإن صاحبها قد تاه في البلد]
لم تمل ألف "ها" لكسرة "إن"؛ لأنها من كلمة أخرى.
والحاصل أن شرط تأثير سبب الإمالة أن يكون من الكلمة التي فيها الألف.
تنبيهان: الأول: يستثنى من ذلك ألف "ها" التي هي ضمير المؤنثة في نحو: "لم يضربها، وأدر جيبها"؛ فإنها قد أميلت، وسببها منفصل، أي من كلمة أخرى.
الثاني: ذكر غير المصنف أن الكسرة إذا كانت منفصلة عن الألف فإنها قد تمال الألف لها، وإن كانت أضعف من الكسرة التي معها في الكلمة قال سيبويه: وسمعناهم يقولون "لزيد مال" فأمالوا للكسرة؛ فشبهوه بالكلمة الواحدة؛ فقد بان لك أن كلام المصنف ليس على عمومه؛ فكان اللائق أن يقول: "وغيرها ليا انفصال لا تمل" إنما كان ذلك دون الكسرة لما سبق من أن الكسرة أقوى من الياء.
__________
= بـ"يغني"، وهو مضاف. "ابن": مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. "قادر": مضاف إليه مجرور. "بمنهمر": جار ومجرور متعلقان بـ"يغني". "جون": نعت أول لـ"منهمر" مجرور، وهو مضاف. "الرباب": مضاف إليه مجرور. "سكوب": نعت ثان لـ"منهمر" مجرور.
وجملة: "عسى الله ... " ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "يغني" في محل نصب خبر "عسى".
الشاهد فيه قوله: "قادر" ممالة مع وجود الفضل بين الألف والراء المكسورة بحرف، وهو الدال. وفي البيت شاهد آخر للنحاة هو قوله: "عسى الله يغني" حيث جاء خبر "عسى" فعلا مضارعا غير مقترن بـ"أن" المصدرية، وهذا نادر.
1209- تقدم بالرقم 81.(4/33)
والكف قد يوجبه ما ينفصل" من الموانع، كما في نحو: "يريد أن يضربها قبل، فلا تمال الألف لأن القاف بعدها، وهي مانعة من الإمالة، وإنما أثر المانع منفصلا، ولم يؤثر السبب منفصلا لأن الفتح –أعني ترك الإمالة- هو الأصل؛ فيصار إليه لأدنى سبب، ولا يخرج عنه إلا لسبب محقق.
تنبيهات: الأول: فهم من قوله "قد يوجبه" أن ذلك ليس عند كل العرب؛ فإن من العرب من لا يعتد بحرف الاستعلاء إذا ولي الألف من كلمة أخرى فيميل، إلا أن الإمالة عنده في نحو: "مررت بمال ملق" أقوى منها في نحو: "بمال قاسم".
الثاني: قال في شرح الكافية: إن سبب الإمالة لا يؤثر إلا متصلا، وإن سبب المنع قد يؤثر منفصلا؛ فيقال "أتى أحمد" بالإمالة، و"أتى قاسم" بترك الإمالة، وتبعه الشارح في هذه العبارة، وفي التمثيل بـ"أتى قاسم" نظر؛ فإن مقتضاه أن حرف الاستعلاء يمنع إمالة الألف المنقلبة عن ياء، وليس كذلك؛ فلعل التمثيل بـ"أيا" التي هي حرف نداء؛ فصحفها الكتاب بـ"أتى" التي هي فعل.
الثالث: في إطلاق الناظم منع السبب المنفصل مخالفة الكلام غيره من النحويين، قال ابن عصفور في مقربه: وإذا كان حرف الاستعلاء منفصلا عن الكلمة لم يمنع الإمالة، إلا فيما أميل لكسرة عارضة، نحو: "بما قاسم" أو فيما أميل من الألفات التي هي صلات الضمائر، نحو: "أراد أن يعرفها قبل" ا. هـ، ولولا ما في شرح الكافية لحملت قوله في النظم "والكف قد يوجبه إلخ" على هاتين الصورتين؛ لإشعار "قد" بالتقليل.
[الإمالة للتناسب] :
911- "
وَقَدْ أَمَالُوا لِتَنَاسُبٍ بِلاَ ... دَاعٍ سِوَاهُ كَعِمَادَا وَتَلاَ
هذا هو السبب السادس من أسباب الإمالة، وهو التناسب، وتسمى الإمالة للإمالة، والإمالة لمجاورة الممال، وإنما أخره لضعفه بالنسبة إلى الأسباب المتقدمة.
ولإمالة الألف لأجل التناسب صورتان؛ أحدهما: أن تمال لمجاورة ألف ممالة كإمالة(4/34)
الألف الثانية في "رأيت عمادا" فإنها لمناسبة الألف الأولى؛ فإنها ممالة لأجل الكسرة، والأخرى: أن تمال لكونها آخر مجاور ما أميل آخره، كإمالة ألف "تلا" من قوله تعالى: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} 1؛ فإنها إنما أميلت لمناسبة لما بعدها مما ألفه عن ياء، أعني {جَلَّاهَا} 2، و {يَغْشَاهَا} 3.
تنبيهان: الأول: ليس بخاف أن تمثيله بـ"تلا" إنما هو على رأي غير سيبويه كالمبرد وطائفة، أما سيبويه فقد تقدم أنه يطرد عنده إمالة نحو: غزا ودعا من الثلاثي وإن كانت ألفه عن واو؛ لرجوعها إلى الياء عند البناء للمفعول؛ فإمالته عند لذلك لا لتناسب. وقد مثل في شرح الكافية لذلك بإمالة ألفي {وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} 4 فأما "سجى" فهو مثل "تلا"؛ فقيه ما تقدم، وأما الضحى فقد قال غيره أيضا: إن إمالة ألفه للتناسب، وكذا {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} 5، والأحسن أن يقال: إنما أميل من أجل أن من العرب من يثني ما كان من ذوات الواو إذا كان مضموم الأول أو مكسورة بالياء، نحو: الضحى والربا؛ فيقولون: ضحيان وربيان، فأميلت الألف لأنها قد صارت ياء في التثنية، وإنما فعلوا ذلك استثقالا للواو مع الضمة والكسرة؛ فكان الأحسن أن يمثل بقوله تعالى: {شَدِيدُ الْقُوَى} 6.
الثاني: ظاهر كلام سيبويه أن يقاس على إمالة الألف الثانية، في نحو: "رأيت عمادا" لمناسبة الأولى؛ فإنه قال: وقالوا: "مغزانا" في قول من قال "عمادا" فأمالهما جميعا، وذا قياس.
[إمالة المبنيات] :
912- "
وَلاَ تُمِلْ مَا لَمْ يَنَلْ تَمَكُّنَا ... دُوْنَ سَمَاعٍ غَيْرَ "هَا" وَغَيْرَ "نَا
__________
1 الشمس: 2.
2 الشمس: 3.
3 الشمس: 4
4 الضحى: 1، 2.
5 الشمس: 1.
6 النجم: 5.(4/35)
أي الإمالة من خواص الأفعال والأسماء المتمكنة؛ فلذلك لا تطرد إمالة غير المتمكن نحو "إذا" و"ما"، إلا "ها" و"نا"، نحو: "مر بها ونظر إليها، ومر بنا ونظر إلينا"، فهذان تطرد إمالتهما؛ لكثرة استعمالها.
وأشار بقوله "دون سماع" إلى ما سمعت إمالته من الاسم غير المتمكن، وهو "ذا" الإشارية و"متى" و"أني"، وقد أميل من الحروف: بلى، ويا في النداء، و"لا" في قولهم: "إمالا"؛ لأن هذه الأحرف نابت عن الجمل، فصار لها بذلك مزية على غيرها، وحكى قطرب إمالة "لا" لكونها مستقلة، وعن سيبويه ومن وافقه إمالة "حتى"، حكيت إمالتها عن حمزة والكسائي.
تنبيهات: الأول: لا تمنع الإمالة فيما عرض بناؤه نحو: "يا فتى"، و"يا حبلى" لأن الأصل فيه الإعراب.
الثاني: لا إشكال في جواز إمالة الفعل الماضي وإن كان مبنيا، خلاف ما أوهمه كلامه، قال المبرد: وإمالة "عسى" جيدة.
الثالث: إنما لم تمل الحروف لأن ألفها لا تكون عن ياء، ولا تجاور كسرة، فإن سمي بها أميلت، وعلى هذا أميلت الراء من ألمر، وألر، والهاء والطاء والحاء في فواتح السور؛ لأنها أسماء ما يلفظ به من الأصوات المنقطعة في مخارج الحروف، كما أن "غاق" اسم لصوت الغراب، و"طيخ" اسم لصوت الضاحك، فلما كانت أسماء لهذه الأصوات، ولم تكن كـ"ما" و"لا" أراوا بالإمالة فيها الإشعار بأنها قد صارت من حيز الأسماء التي لا تمتنع فيها الإمالة. وقال الزجاج والكوفيون: أميلت الفواتح لأنها مقصورة، والمقصور يغلب عليه الإمالة، وقد رد هذا بأن كثير من المقصور لا تجوز إمالته، وقال الفراء: أميلت لأنها إذا ثنيت ردت إلى الياء؛ فيقال: طيان وحيان. وكذلك إمالة حروف المعجم، نحو: با وتا وثا، ا. هـ.
[أسباب إمالة الفتحة] :
913-
وَالْفَتْحَ قَبْلَ كَسْرِ رَاء فِي طَرَفْ ... أَمِلْ، كـ"للأيسر مِلْ تُكْفَ الكُلَف
914-
كَذَا الَّذِي تَلِيْهِ "هَا" التَّأْنِيْثِ فِي ... وَقْفٍ إذَا مَا كَانَ غَيْرَ ألِفِ(4/36)
"وَالْفَتْحَ قَبْلَ كَسْرِ رَاء فِي طَرَفْ أَمِلْ" كما تمال الألف؛ لأن الغرض الذي لأجله تمال الألف –وهو مشاكلة الأصوات وتقريب بعضها من بعض- موجود في الحركة، كما أنه موجود في الحرف، ولإمالة الفتحة سببان؛ الأول: أن تكون قبل راء مكسورة متطرفة "كللأيسر مل تكف الكلف". {تَرْمِي بِشَرَرٍ} 1، {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} 2، والثاني سيأتي.
تنبيهات: الأول: فهم من قوله "والفتح: أن الممال في ذلك الفتح، لا المفتوح، وقول سيبويه "أمالوا المفتوح" فيه تجوز.
الثاني: لا فرق بين أن تكون الفتحة في حرف الاستعلاء، نحو: {مِنَ الْبَقَرِ} 3، أو في راء، نحو: بشرر، أو في غيرهما، نحو: {مِنَ الْكِبَرِ} 4.
الثالث: فهم من قوله "قبل كسر راء" أن الفتحة لا تمال لكسرة راء قبلها، نحو: رمم، وقد نص غيره على ذلك.
الرابع: ظاهر صنيعه أن الفتحة لا تمال إلا إذا كانت متصلة بالراء؛ فلو فصل بينهما لم تمل، وليس ذلك على إطلاقه، بل في تفصيل، وهو أن الفاصل بين الفتحة والراء إن كان مكسورا أو ساكنا غير ياء فهو مغتفر، وإن كان غير ذلك منع الإمالة؛ فتمال الفتحة في نحو: {أَشَرٌّ} 5، وفي نحو: "عمرو"، لا في نحو: بجير، نص على ذلك سيبويه، ونبه عليه المصنف في بعض نسخ التسهيل.
الخامس: اشتراط كون الراء في الطرف هو بالنظر إلى الغالب، وليس ذلك باللازم؛ فقد ذكر سيبويه إمالة فتح الطاء في قولهم: "رأيت خبط رياح". وذكر غيره أنه يجوز إمالة فتحة العين، في نحو: "العرد" والراء في ذلك ليست بلام.
السادس: أطلق في قوله "أمل" فعلم أن الإمالة في ذلك وصلا ووقفا، بخلاف إمالة الفتحة للسبب الآتي؛ فإنها خاصة بالوقف، وقد صرح به في شرح الكافية.
السابع: هذه الإمالة مطردة كما ذكره في شرح الكافية.
__________
1 المرسلات: 32.
2 النساء: 95.
3 الأنعام: 146، 147.
4 مريم: 8.
5 القمر: 25.(4/37)
الثامن: بقي لإمالة الفتحة لكسرة الراء شرطان غير ما ذكر؛ أحدهما: أن لا تكون على ياء؛ فلا تمال فتحة الياء، في نحو: "من الغير" نص على ذلك سيبويه، وذكره في بعض نسخ التسهيل. والآخر: أن لا يكون بعد الراء حرف استعلاء، نحو: "من الشرق" فإنه مانع من الإمالة، نص عليه سبيويه أيضا، فإن تقدم حرف الاستعلاء على الراء لم يمنع؛ لأن الراء المكسورة تغلب المستعلي إذا وقع قبلها؛ فلهذا أميل نحو: "من الضرر".
التاسع: منع سيبويه إمالة الألف، في نحو: "من المحاذر" إذا أميلت فتحة الذال. قال: ولا تقوى على إمالة الألف، أي: ولا تقوى إمالة الفتحة على إمالة الألف لأجل إمالتها، وزعم ابن خروف أن من أمال ألف "عمادا" لأجل إمالة الألف قبلها أمال هنا ألف "المحاذر" لأجل إمالة فتحة الذال، وضعف بأن الإمالة للإمالة من الأسباب الضعيفة؛ فينبغي أن لا ينقاس شيء منها إلا في المسموع، وهو إمالة الألف قبلها أو بعدها.
"كَذَا "الفتح" الَّذِي تَلِيْهِ هَا التَّأْنِيْثِ فِي ... وَقْفٍ إذَا مَا كَانَ غَيْرَ ألِفِ
هذا هو السبب الثاني من سببي إمالة الفتحة؛ فتمال كل فتحة تليها هاء التأنيث، إلا أن أمالتها مخصوصة بالوقف، وبذلك قرأ الكسائي في إحدى الروايتين عنه. والرواية الأخرى أنه أمال إذا كان قبل الهاء أحد خمسة عشر حرفا، يجمعها قولك: فجثت زينب لذود شمس، وفصل في أربعة يجمعها قولك: أكهر، فأمال فتحتها إذا كان قبلها كسرة أو ياء ساكنة على ما هو معروف في كتب القراآت، وشمل قوله "ها التأنيث" هاء المبالغة، نحو: علامة، وإمالتها جائزة، وخرج بها التأنيث هاء السكت، نحو: {كِتَابِيَهْ} 1؛ فلا تمال الفتحة قبلها على الصحيح، واحترز بقوله "إذا ما كان غير ألف" عما إذا كان قبل الهاء ألف؛ فإنها لا تمال، نحو: "الصلاة، والحياة".
تنبيهات: الأول: الضمير في قوله "يليه" راجع إلى الفتح؛ لأنه الذي يمال لا الحرف الذي تليه هاء التأنيث، وإذا كان كذلك فلا وجه لاستثنائه الألف بقوله "إذا ما كان غير ألف"؛ إذ لم يندرج الألف في الفتح، وهو إنما فعله لدفع توهم أن هاء التأنيث تسوغ إمالة
__________
1 الحاقة: 19.(4/38)
الألف كما سوغت إمالة الفتحة؛ فكان حق العبارة أن يقول عاطفا على ما تقدم:
وقبل ها التأنيث أيضا إن تقف ... ولا تمل لهذه الهاء الألف
الثاني: إنما قال "ها التأنيث" ولم يقل تا التأنيث لتخرج التاء التي لم تقلب هاء، فإن الفتحة لا تمال قبلها.
الثالث: ذكر سيبويه أن سبب إمالة الفتحة قبل هاء التأنيث شبه الهاء بالألف، فأميل ما قبلها كما يمال ما قبل الألف، ولم يبين سيبويه بأي ألف شبهت، والظاهر أنها شبهت بألف التأنيث.
خاتمة: ذكر بعضهم لإمالة الألف سببين غير ما سبق؛ أحدهما: الفرق بين الاسم والحرف، وذلك في "راء" وما أشبهها من فواتح السور. قال سيبويه: وقالوا را ويا وتا، يعني بالإمالة؛ لأنها أسماء ما يلفظ به، فليست كإلي وما ولا وغيرها من الحروف المبنية على السكون، وحروف التهجي التي في أوائل السور إن كان في آخرها ألف فمنهم من يفتح ومنهم من يميل، وإن كان في وسطها ألف، نحو: كاف وصاد فلا خلاف في الفتح، والآخر: كثرة الاستعمال، وذلك إمالتهم "الحجاج" علما في الرفع والنصب، وكذلك "العجاج" في الرفع والنصب، ذكره بعض النحويين، وإمالة "الناس" في الرفع والنصب.
قال ابن برهان في آخر شرح اللمع: روى عبد الله بن داود عن أبي عمرو بن العلاء إمالة "الناس" في جميع القرآن مرفوعا ومنصوبا ومجروا، قاله في شرح الكافية، قال: وهذه رواية أحمد بن يزيد الحلواني عن أبي عمر الدوري عن الكسائي، ورواية نصر وقتيبة عن الكسائي، انتهى.
واعلم أن الإمالة لهذين السببين شاذة لا يقاس عليها، بل يقتصر في ذلك على ما سمع، والله أعلم.(4/39)
التصريف:
[معنى التصريف في اللغة والاصطلاح] :
اعلم أن التصريف في اللغة التغيير، ومنه {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} 1 أي: تغييرها، وأما في الاصطلاح فيطلق على شيئين؛ الأول: تحويل الكلمة إلى أبنية مختلفة لضروب من المعاني كالتصغير والتكسير واسم الفاعل واسم المفعول، وهذا القسم جرت عادة المصنفين بذكره قبل التصريف كما فعل الناظم، وهو في الحقيقة من التصريف، والآخر: تغيير الكلمة لغير معنى طار عليها، ولكن لغرض آخر، وينحصر في الزيادة، والحذف، والإبدال، والقلب، والنقل، والإدغام، وهذا القسم هو المقصود هنا بقولهم: التصريف، قد أشار الشارح إلى الأمرين بقوله: تصريف الكلمة هو تغيير بنيتها بحسب ما يعرض لها من المعنى، كتغيير المفرد إلى التثنية والجمع، وتغيير المصدر إلى بناء الفعل واسمي الفاعل والمفعول، ولهذا التغيير أحكام كالصحة والإعلال، ومعرفة تلك الأحكام وما يتعلق بها تسمى علم التصريف؛ فالتصريف إذن: هو العلم بأحكام بنية الكلمة بما لحروفها من أصالة وزيادة وصحة وإعلال وشبه ذلك، ا. هـ.
ولا يتعلق التصريف إلا بالأسماء المتمكنة والأفعال المتصرفة، أما الحروف وشبهها فلا تعلق لعلم التصريف بها، كما أشار إلى ذلك بقوله:
__________
1 البقرة: 164؛ والجاثية: 5(4/40)
915-
حَرْفٌ وَشِبْهُهُ مِنَ الصَّرْفِ بَرِي ... وَمَا سِوَاهُمَا بِتَصْرِيفٍ حَرِي
أي: حقيق، والمراد بشبه الحرف الأسماء المبنية والأفعال الجامدة، وكذلك "عسى" و"ليس" ونحوهما؛ فإنها تشبه الحرف في الجمود.
وأما لحوق التصغير "ذا" و"الذي"، والحذف "سوف" و"إن"، والحذف والإبدال "لعل"؛ فشاذ يوقف عند ما سمع منه.
تنبيه: التصريف وإن كان يدخل الأسماء والأفعال، إلا أنه للأفعال بطريق الأصالة؛ لكثرة تغيرها، ولظهور الاشتقاق فيها.
916- "
وَلَيْسَ أَدْنَى مِنْ ثُلاَثِي يُرَى ... قَابِلَ تَصْرِيفٍ سِوَى ما غُيِّرَا
يعني أن ما كان على حرف واحد أو حرفين فإنه لا يقبل التصريف، إلا أن يكون ثلاثيا في الأصل وقد غير بالحذف؛ فإن ذلك لا يخرجه عن قبول التصريف.
وقد فهم من ذلك أمران؛ أحدهما: أن الاسم المتمكن1 والفعل لا ينقصان في أصل الوضع عن ثلاثة أحرف؛ لأنهما يقبلان التصريف، وما يقبل التصريف لا يكون في أصل الوضع على حرف واحد، ولا على حرفين، والآخر: أن الاسم والفعل قد ينقصان عن الثلاثة بالحذف، أما الاسم فإنه قد يرد على حرفين، بحذف لامه نحو: "يد"، أو عينه، نحو: "سه"، أو فائه، نحو: "عدة"، وقد يرد على حرف واحد، نحو: "مُِ الله" عند من يجعله محذوفا من "أيمن الله"، وكقول بعض العرب: "شربت ما"، وذلك قليل، وأما الفعل فإنه قد يرد على حرفين نحو؛ "قل" و"بع" و"سل"، وقد يرد على حرف واحد، نحو: "دع كلامي"، و"ق نفسك" وذلك فيما أعلت فاؤه ولامه فيحذفان في الأمر.
917- "
وَمُنْتَهَى اسْمٍ خَمْسٌ إنْ تَجَرَّدَا ... وَإنْ يُزَدْ فِيْهِ فَمَا سَبْعَاً عَدَا
__________
1 أي: الاسم المعرب.(4/41)
أي ينقسم الاسم إلى مجرد وهو الأصل، وإلى مزيد فيه وهو فزعه؛ فغاية ما يصل إليه المجرد خمسة أحرف، نحو: "سفرجل"، وغاية ما يصل إليه المزيد فيه بالزيادة سبعة أحرف؛ فالثلاثي الأصول، نحو: "اشهيباب" مصدر "أشهاب"، والرباعي الأصول، نحو: احر نجام مصدر "احرنجمت الإبل"، أي: اجتمعت، وأما الخماسي الأصول فإنه لا يزاد فيه غير حرف مد قبل الآخر أو بعده مجردا أو مشفوعا بها التأنيث، نحو: "عضرفوط" وهو العطاءة الذكر، وقبعثرى وهو البعير الذي كثر شعره وعظم خلقه، والمشفوع، نحو: "قبعثراة"، وندر "قرعبلانة"؛ لأنه زيد فيه حرفان وأحدهما نون، قيل: إنه لم يسمع إلا من كتاب العين؛ فلا يلتفت إليه، والقرعبلانة: دويبة عريضة عظيمة البطن محبنطية، وقالوا في تصغيرها: قريعبة، وذكر بعضهم أنه زيد في الخماسي حرفا مد قبل الآخر، نحو: مغناطيس، فإن صح ذلك وكان عربيا جعل نادرا، وقد حكاه ابن القطاع، أعني مغناطيس.
تنبيهان: الأول: إنما لم يستثن هنا هاء التأنيث وزيادتي التثنية وجمع التصحيح والنس كما فعل في التسهيل – فقال: والمزيد فيه إن كان اسما لم يجاوز سبعة إلا بهاء التأنيث أو زيادتي التثنية أو جمع التصحيح- لما علم من أن هذه الزوائد غير معتد بها لكونها مقدرة الانفصال.
الثاني: إنما قال خمس وسبعا، ولم يقل خمسة وسبعة؛ لأن حروف الهجاء تذكر وتؤنث؛ فباعتبار تذكيرها تثبت الهاء في عددها، وباعتبار تأنيثها تسقط التاء من عددها.
[أوزان الاسم الثلاثي] :
918- "
وَغَيْرَ آخِرِ الثُّلاَثِي افْتَحْ وَضُمْ ... وَاكْسِرْ وَزِدْ تَسْكِيْنَ ثَانِيهِ تَعُمْ
تقدم أن المجرد ثلاثي ورباعي وخماسي؛ فالثلاثي تقتضي القسمة العقلية أن تكون أبنيته اثني عشر بناء؛ لأن أوله يقبل الحركات الثلاث، ولا يقبل السكون؛ إذ لا يمكن الابتداء بساكن، وثانيه يقبل الحركات الثلاث، ويقبل السكون أيضا، والحاصل من ضرب(4/42)
ثلاثة في أربعة اثنا عشر؛ فهذه جملة أوزان الثلاثي المجرد كما أشار إلى ذلك بقوله "تعم".
919-
وفعل أهمل، والعكس يَقِلُّ ... لِقَصْدِهِمْ تَخْصِيْص فِعْلٍ بِفُعِل
"وفعل" بكسر الفاء وضم العين "أهمل" من هذه الأوزان؛ لاستثقالهم الانتقال من كسر إلى ضم، وأما قراءة بعضهم "وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ"1 بكسر الحاء وضم الباء؛ فوجهت على تقدير صحتها بوجهين؛ أحدهما: أن ذلك من تداخل اللغتين في جزأي الكلمة؛ لأنه يقال: حبك بضم الحاء والباء، وحبك بكسرهما، فركب القارئ منهما هذه القراءة، قال ابن جني: أراد أن يقرأ بكسر الحاء والباء، فبعد نطقه بالحاء مكسورة مال إلى القراءة المشهورة؛ فنطق بالباء مضمومة، قال في شرح الكافية: وهذا التوجيه لو اعترف به من عزيت هذه القراءة له لدل على عدم الضبط ورداءة التلاوة، ومن هذا شأنه لا يعتمد على ما سمع منه؛ لإمكان عروض ذلك له، والآخر: أن يكون كسر الحاء إتباعا لكسر تاء "ذات"، ولم يعتد باللام الساكنة؛ لأن الساكن حاجز غير حصين، قيل: وهذا أحسن "والعكس" وهو فعل بضم الفاء وكسر العين "يقل" في لسان العرب "لقصدهم تخصيص فعل بفعل" فيما لم يسم فاعله، نحو: "ضرب" و"قتل"، والذي جاء منه "دئل" اسم دويبة سميت بها قبيلة من كنانة، وهي التي ينسب إليها أبو الأسود الدؤلي، وأنشد الأخفش لكعب بن مالك الأنصاري [من المنسرح] :
1210-
جَاؤُوا بِجِيْشٍ لَوْ قِيْس مُعْرَسُهُ ... مَا كَانَ إلاَّ كَعُمْرَس الدُّئِلِ
__________
1 الذاريات: 7.
1210- التخريج: البيت لكعب بن مالك في ديوانه ص251؛ وشرح شواهد الشافية ص12؛ والمقاصد النحوية 4/ 562؛ وبلا نسبة في أدب الكاتب ص586؛ والاشتقاق ص170؛ وإصلاح المنطق ص166؛ وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 37؛ والمصنف 1/ 20.
اللغة: المعرس: المكان الذي ينزل فيه. الدئل: دويبة صغيرة تشبه ابن عرس.
الإعراب: جاؤوا: فعل ماضي، و"الواو": ضمير في محل رفع فاعل. يجيش: جار ومجرور متعلقان بـ"جاؤوا". لو: شرطية غير جازمة. قيس: فعل ماض للمجهول. معرسه: نائب فاعل مرفوع، وهو مضاف، و"الهاء": ضمير في محل جر بالإضافة. ما: نافية. كان: فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو". إلا: حرف حصر كمعرس: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر "كان"، وهو مضاف. الدئل: مضاف إليه مجرور. =(4/43)
والرئم اسم للاست، والوعل لغة في الوعل، حكاه الخليل؛ فثبت بهذه الألفاظ أن هذا البناء ليس بمهمل، خلافا لمن زعم ذلك، نعم هو قليل كما ذكر.
تنبيه: قد فهم من كلامه أن ما عدا هذين الوزنين مستعمل كثيرا، أي ليس بمهمل ولا نادر، وهي عشرة أوزان:
أولها: فَعْل، ويكون اسما، نحو: "فلس"، وصفة، نحو: "سهل".
وثانيها: فَعَل، ويكون اسما، نحو: "فرس"، وصفة، نحو: "بطل".
وثالثها: فَعِلٌ، ويكون اسما، نحو: "كبد"، وصفة، نحو: "حذر".
ورابعها: فَعُلٌ، ويكون اسما، نحو: "عضد"، وصفة، نحو: "يقظ".
وخامسها: فِعْلٌ، ويكون اسما، نحو: "عدل"، وصفة، نحو: "نكس".
وسادسها: فِعَلٌ، ويكون اسما، نحو: "عنب"، قال سيبويه: ولا نعلمه جاء صفة إلا في حرف معتل يوصف به الجمع وهو قولهم: "عدي"، وقال غيره: لم يأت من الصفات على فعل إلا "زيم" بمعنى متفرق، و"عدي" اسم جمع. وقال السيرافي: استدرك على سيبويه "قيما" في قراءة من قرأ {دِينًا قِيَمًا} 1 ولعله يقول: إنه مصدر بمعنى القيام، ا. هـ. واستدرك بعض النحاة على سيبويه ألفاظا أخر، وهي "سوى" في قوله تعالى: {مَكَانًا سُوًى} 2 ورجل رضى، وماء روى، وماء صرى، وسبي طيبة ومنهم من تأولها.
وسابعها: فعل، ويكون اسما، نحو: إبل، ولم يذكر سيبويه من فعل إلا إبلا، وقال: لا نعلم في الأسماء والصفات وغيره. وقد استدرك عليه ألفاظ؛ فمن الأسماء إطل –وهي الخاصرة ذكره المبرد، وروى قول امرئ القيس [من الطويل] :
1211-
له إطِلاَ ظبي [وساقا نعامة ... وإرخاء سرحان وتقريب تتفل]
__________
= وجملة "جاءوا ... ": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "ما كان ... ": جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب. وجملة "قيس معرسه" جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة "لو قيس ما كان إلا كمعرس": صفة لـ"معرس" محلها الجر.
الشاهد: قوله: "الدئل" حيث ضم حرف الدال، وكسرت الهمزة. وهذا الوزن مهمل في نظر الجمهور لاستثقال الانتقال من الضم إلى الكسر.
1 الأنعام: 161.
2 طه: 58.
1211- التخريج: البيت لامرئ القيس في ديوانه ص21؛ وبلا نسبة في شرح المفصل 6/ 112 =(4/44)
بالكسر. وقيل: كسر الطاء إتباع، ووتد، ومشط، ودبس، لغة في الإطل والوتد والمشط والدبس، وقالوا: بأسنانه حبرة أي قلح، وقالوا للعبة الصبيان: حلج بلج. وجلن بلن، وقالوا حبك لغة في الحبك كما تقدم، وعيل اسم بلد، ومن الصفات قولهم: أتان إبد وأمة إبد أي ولود، وامرأة بلز أي ضخمة، قال ثعلب: ولم يأت من الصفات على فعل إلا حرفان: امرأة بلز، وأتان إبد، وأما قوله [من الرجز] :
1212-
عَلَّمها إخْوَانُنَا بَنُو عِجِلْ ... شُرْبَ النَّبِيْذِ وَاصْطِفَافَاً بِالرَّجِل
__________
= اللغة: الأيطل أو الإطل: الخاصرة. الإرخاء: ضرب من العدو. السرحان: الذئب. التقريب: وضع الرجلين مكان اليدين في العدو. التنفل: ولد الثعلب.
المعنى: يشبه الشاعر خاصرتي فرسه بخاصرتي الظبي في الضمر، وساقيه بساقي النعامة في الطول والانتصاب، وعدمه بإرخاء الذئب، وسيرة بتقريب ولد الثعلب.
الإعراب: له: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. أطلا: مبتدأ مرفوع بالألف لأنه مثنى، وهو مضاف. ظبي: مضاف إليه مجرور. وساقا نعامة، وإرخاء سرحان، وتقريب تنفل: تعرب إعراب "إطلا ظبي".
وجملة "له إطلا ظبي": ابتدائية لا محل لها.
الشاهد فه قوله: "إطل" استدراكا لما ذكره سيبويه من أسماء على وزن "فعل",
1212- التخريج: الرجز بلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 73؛ والخصائص 2/ 335؛ وشرح شواهد الإيضاح ص261؛ ولسان العرب 10/ 487 "مسك"، 11/ 430 "عجل"؛ والمقاصد النحوية 4/ 567؛ ونوادر أبي زيد ص40.
اللغة: عجل: فبيلة من ربيعة، وهم بنو عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.
المعنى: إن شرب الخمرة والغطرسة واصطفاق الأرجل لإظهار هيئة العجرفة مما عليها إياها بنو عجل.
الإعراب: "علمها": فعل ماض مبني على الفتح، و"ها": ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به أول مقدم. "إخواننا": فاعل مؤخر مرفوع بالضمة، و"نا": ضمير متصل في محل جر مجرور بالكسرة. "شرب": مفعول به ثان منصوب بالفتحة. "النبيذ": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "واصطفاقا": "الواو": عاطفة، "اصطفاقا": اسم معطوف منصوب بالفتحة. "بالرجل": جار ومجرور متعلقان بـ"اصطفاقا".
وجملة "علمها": ابتدائية لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "عجل" و"بالرجل": نقل حركة اللام إلى الجيم الساكنة قبلها.(4/45)
فهو من النقل للوقف، أو من الإتباع؛ فليس بأصل.
وثامنها: فُعْلٌ، ويكون اسما، نحو: "قفل"، وصفة، نحو: "حلو".
وتاسعها: فُعَلٌ، ويكون اسما، نحو: "صرد"، وصفة، نحو: "حطم".
وعاشرها: فُعُلٌ، ويكون اسما، نحو: "عنق"، وصفة هو قليل، والمحفوظ منه "جنب" وشلل"، و"ناقة سرح"، أي: سريعة.
[أوزان الفعل الثلاثي] :
920-
وَافْتَحْ وَضُمَّ وَاكْسِرِ الثَّانِيَ مِنْ ... فِعْلٍ ثُلاَثِيَ، وَزِدْ نَحْوَ ضُمِنْ
"وَافْتَحْ وَضُمَّ وَاكْسِرِ الثَّانِيَ مِنْ فِعْلٍ ثُلاَثِيَ،" أي للفعل الثلاثي المجرد ثلاثة أبنية؛ لئلا يلزم التقاء الساكنين عند اتصال الضمير المرفوع.
الأول: فَعَلَ، ويكون متعديا، نحو: "ضرب"، ولازما، نحو: "ذهب"، ويرد لمعان كثيرة، ويختص بباب المغالبة، وقد يجئ فَعَلَ مطاوعا لفَعَلَ، بالفتح فيهما، ومنه قوله [من الرجز] :
1213-
قَدْ جَبَرَ الْدَّينَ الإلَهُ فَجَبَرْ
والثاني: فَعِلَ، ويكون متعديا، نحو: "شرب"، ولازما، نحو: فرح، ولزومه أكثر من تعديه؛ ولذلك غلب وضعه للنعوت اللازمة والأعراض والألوان وكبر الأعضاء، نحو: "شنب" و"فلج"، ونحو: "برئ" و"مرض"، ونحو: "سود" و"شهب"، ونحو: "أذن" و"عين". وقد يطاوع فعل بالفتح، نحو: "خَدَعَه فخَدِع".
__________
1213- التخريج: الرجز للعجاج في ديوانه 1/ 2؛ وخزانة الأدب 1/ 103.
الإعراب: قد: حرف تحقيق. جبر: فعل ماض. الدين: مفعول به منصوب. الإله: فاعل مرفوع. فجبر: "الفاء" استئنافية، "جبر": فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو".
وجملة "جبر الإله": ابتدائية لا محل لها. وجملة "جبر": استئنافية لا محل لها.
الشاهد فيه قوله: "جبر الدين فجبر" حيث جاء به متعديا ولازما.(4/46)
والثالث: فَعُلَ، نحو: "ظرف"، ولا يكون متعديا إلا بتضمين أو تحويل؛ فالتضمين، نحو: "رحبتكم الدار"، وقول علي: "إن بشرًا قد طَلُعَ اليَمَنَ"، ضمن الأول معنى وسع، والثاني معنى بلغ. وقيل: الأصل: رَحُبَتْ بِكُم، فحذف الخافض توسعا. والتحويل نحو سُدْتُه؛ فإن أصله سَوَدْتُه بفتح العين ثم حول إلى فَعُلَ بضم العين، ونقلت الضمة إلى فائه عند حذف العين، وفائدة التحويل الإعلام بأنه واويُّ العين؛ إذ لو لم يحول إلى فعل وحذفت عينه لالتقاء الساكنين عند انقلابها لالتبس الواوي باليائي. هذا مذهب قوم منهم الكسائي، وإليه ذهب في التسهيل، وقال ابن الحاجب: وأما باب سدته فالصحيح أن الضم لبيان بنات الواو، ولا للنقل.
ولا يرد فعُل إلا لمعنى مطبوع عليه من هو قائم به، نحو: "كرُم" و"لؤُم"، أو كمطبوع، نحو: "فقُه" و"خطُب"، أو شبهه، نحو: "جنُب"، شبه بنجس، ولذلك كان لازما لخصوص معناه بالفاعل.
ولا يرد يائي العين إلا "هيؤ"، ولا متصرفا يائي اللام إلا "نهو" لأنه من النهية وهو العقل، ولا مضاعفا إلا قليلا مشروكا، نحو: "لبب" و"شرر"، وقالوا: لبب وشرر بكسر العين أيضا، ولا غير مضموم عين مضارعه إلا بتداخل لغتين كما في "كدت تكاد"، والماضي من لغة مضارعه "تكود" حكاه ابن خالويه، والمضارع ماضيه كدت بالكسر فأخذ الماضي من لغة والمضارع من أخرى.
وأشار بقوله: "وزد نحو ضمن" إلى أن من أبنية الثلاثي لمجرد الأصلية فعل ما لم يسم فاعله، نحو: "ضمن"؛ فعلى هذا تكون أبنية الثلاثي المجرد أربعة، وإلى كون صيغة ما لم يسم فاعله أصلا ذهب المبرد وابن الطراوة والكوفيون، ونقله في شرح الكافية عن سيبويه والمازني، وذهب البصريون إلى أنها فرع مغيرة عن صيغة الفاعل، ونقله غير المصنف عن سيبويه، وهو أظهر القولين، وذهب إليه المصنف في باب الفاعل من الكافية وشرحها.
تنبيهات: الأول: لما لم يتعرض لبيان حركة فاء الفعل فهم أنها غير مختلفة، وأنها فتحة؛ لأن الفتح أخف من الضم والكسر؛ فاعتباره أقرب.
الثاني: ما جاء من الأفعال مكسور الأول أو ساكن الثاني فليس بأصل، بل هو مغير عن الأصل، نحو: "شَهِدَ" و"شِهِدَ" و"شَهْدَ".(4/47)
الثالث: مذهب البصريين أن فعل الأمر أصل برأسه، وأن قسمة الفعل ثلاثية، وذهب الكوفيون إلى أن الأمر مقتطع من المضارع؛ فالقسمة عندهم ثنائية؛ فعلى الأول الصحيح كان من حق المصنف إذ ذكر فعل ما لم يسم فاعله أن يذكر فعل الأمر، أو يتركهما معا كما فعل في الكافية. قال في شرحها: جرت عادة النحويين أن لا يذكروا في أبنية الفعل المجرد فعل الأمر، ولا فعل ما لم يسم فاعله، مع أن فعل الأمر أصل في نفسه اشتق من المصدر ابتداء كاشتقاق الماضي والمضارع منه. ومذهب سيبويه والمازني أن فعل ما لم يسم فاعله أصل أيضا، فكان ينبغي على هذا إذا عدت صيغ الفعل المجرد من الزيادة أن يذكر للرباعي ثلاث صيغ: صيغة للماضي المصوغ للفاعل كدحرج، وصيغة له مصوغا للمفعول كدحرج، وصيغة للأمر كدحرج، إلا أنهم استغنوا بالماضي الرباعي المصوغ للفاعل عن الآخرين لجريانها على سنن مطرد، ولا يلزم من ذلك انتقاء أصالتهما كما لم يلزم من الاستدلال على المصادر المطردة بأفعالها انتفاء أصالتها، هذا كلامه.
[أوزان الفعل الرباعي المجرد والمزيد] :
921-
وَمُنْتَهَاهُ أَرْبَعٌ إنْ جُرِّدَا ... وَإنْ يُزَدْ فِيْهِ فَمَا سِتًّا عَدَا
"ومنتهاه" أي: الفعل "أربع إن جردا" وله حينئذ بناء واحد، وهو فعلل، ويكون متعديا، نحو: دحرج، ولازما، نحو: عربد. وقال الشارح: له ثلاثة أبنية، واحد للماضي المبني للفاعل، نحو: "دحرج"، وفيه ما تقدم من أن عادة النحويين الاقتصار على بناء واحد وهو الماضي المبني للفاعل كما سبق.
"وإن يزد فيه فما ستا عدا" أي جاوز؛ لأن التصرف فيه أكثر من الاسم، فلم يحتمل من عدة الحروف ما احتمله الاسم؛ فالثلاثي يبلغ بالزيادة أربعة، نحو: أكرم، وخمسة، نحو اقتدر، وستة، نحو: استخرج، والرباعي يبلغ بالزيادة خمسة، نحو: تدحرج، وستة، نحو: احرنجم.
تنبيهان: الأول: قال في التسهيل: وإن كان فعلا لم يتجاوز ستة إلا بحرف التنفيس أو(4/48)
تاء التأنيث أو نون التأكيد، وسكت هنا عن هذا الاستثناء، وهو أحسن؛ لأن هذه في تقدير الانفصال.
الثاني: لم يتعرض الناظم لذكر أوزان المزيد من الأسماء والأفعال؛ لكثرتها، ولأنه سيذكر ما به يعرف الزائد.
أما الأسماء فقد بلغت بالزيادة –في قول سيبويه- ثلاثمائة بناء وثمانية أبنية، وزاد الزبيدي عليه نيفا على الثمانين، إلا أن منها ما يصح، ومنها ما لا يصح.
وأما الأفعال فللمزيد فيه من ثلاثيها خمسة وعشرون بناء مشهورة، وفي بعضها خلاف، وهي: أفعل، نحو: أكرَمَ، وفعِل، ونحو: فرِحَ، وتفعَّلَ، نحو: تعلَّمَ، وفاعَلَ، نحو: ضَارَبَ، وتفاعَلَ، نحو: تَضَارَبَ، وافتعل، نحو: اشتَمَلَ، وانفَعَلَ، نحو: انكسر، واسْتَفْعَلَ، نحو: استغفر، وافعَلَّ، نحو: احمر، وافعال، نحو: اشهاب الفرس، وافعوعل، نحو: اغدودن الشعر، وافعول، نحو: احمر، وافعال، نحو: اشهاب الفرس، وافعوعل، نحو: اغدودن الشعر، وافعول، نحو: اعلوط فرسه إذا اعروراه، وافعولل، نحو: اخشوشن، وافعيل، نحو: اهبيخ، وفوعل، نحو: حوقل إذا أدبر عن النساء، وفعول، نحو: هرول، وفعلل، نحو: شملل إذا أسرع، وفيعل، نحو: بيطر، وفعيل، نحو: طشيا رأيه، ورهيأ إذا غلط، وفعلى، نحو: سلقاه إذا ألقاه على قفاه، وافعنلي، نحو: اسلنقى، وافعنلأ، نحو: احبنطأ لغة في احبنطى إذا نام على بطنه، وافعنلل، نحو: اخرنطم إذا غضب، وفنعل، نحو: سنبل الزرع، وتمفعل، نحو: تمندل إذا مسح يده بالمنديل، والكثير تندل.
ويجيء كل واحد من هذه الأوزان لمعان متعددة لا يحتمل الحال إيرادها هنا.
وللمزيد من رباعيها ثلاثة أبنية: تفعلل، نحو: تدحرج، افعنلل، نحو: احرنجم، وافعلل، نحو: اقشعر، وهي لازمة، اختلف في هذا الثالث؛ فقيل: هو بناء مقتضب، وقيل: هو ملحق باحرنجم، زادوا فيه الهمزة، وأدغموا الأخير فوزنه الآن افعلل، ويدل على إلحاقه باحرنجم مجيء مصدره كمصدره.(4/49)
[أوزان الاسم الرباعي] :
922-
لاِسْمٍ مُجَرَّدٍ رُبَاعٍ فَعْلَلُ ... وَفِعْلِلٌ وَفِعْلَلٌ وفُعْلُلُ
923-
وَمَعْ فِعَلَ فُعْلَلٌ، وَإنْ عَلا ... فَمَعْ فَعَلَّلٍ حَوَى فَعْلَلِلاَ
924-
كَذَا فُعَلِّلٌ وَفِعْلَلٌّ، وَمَا ... غَايَرَ لِلزَّيْدِ أوِ النَّقْصِ انْتَمَى
لاسم مجرد رباع فعلل ... وفعلل وفعلل وفعلل
وَمَعْ فِعَلَ فُعْلَلٌ" أي للرباعي المجرد ستة أبنية:
الأول: فَعْلَل بفتح الأول والثالث، ويكون اسما، نحو: جعفر وهو النهر الصغير، وصفة ومثلوه بسهلب وشجعم، والسهلب: الطويل، والشجعم: الجريء، وقيل: إن الهاء في سهلب والميم في شجعم زائدتان، وجاء بالتاء عجوز شهربة وشهبرة للكبيرة، وبهكنة للضخمة الحسنة.
الثاني: فِعْلِل بكسر الأول والثالث، ويكون اسما، نحو: زبرج وهو والسحاب الرقيق، وقيل: السحاب الأحمر، وهو من أسماء الذهب أيضا، وصفة: نحو: خرمل، قال الجرمي: الخرمل المرأة الحمقاء مثل الخذعل، ونحو: ناقة دلقم، قال الجوهري: هي التي أكلت أسنانها من الكبر.
الثالث: فِعلَل بكسر الأول وفتح الثالث، ويكون اسما، نحو: درهم، وصفة، نحو: هبلع للأكول.
الرابع: فُعْلُل بضم الأول والثالث، ويكون اسما، نحو: برثن، وهو واحد براثن السباع، وهو كالمخلب من الطير، وصفة، نحو: جرشع للعظيم من الجمال، ويقال الطويل.
الخامس: فِعَل بكسر الأول وفتح الثاني، ويكون اسما، نحو: قمطر وهو وعاء الكتب، وفطحل وهو الزمان الذي كان قبل خلق الناس، قال أبو عبيدة: والأعراب تقول: هو زمن كانت الحجارة فيه رطبة، قال العجاج [من الرجز] :
1214-
وَقَدْ أتَاهُ زَمَنَ الفِطَحْلِ ... وَالْصَّخْرُ مُبْتَلٌّ كَطِيْن الْوَحْلِ
__________
1214- التخريج: الرجز لرؤبة في ديوانه ص128؛ ولسان العرب 11/ 527 "فطحل"؛ وله أو للعجاج في الحيوان 4/ 202؛ وليس في ديوان العجاج؛ وبلا نسبة في الحيوان 6/ 116.(4/50)
وقال آخر [من الكامل] :
1215-
زَمَن الفِطَحْلِ إذِ السِّلاَمُ رِطَاب
وصفة، نحو: سبطر وهو الطويل الممتد، وجمل قمطر أي صلب، ويوم قمطر، أي شديد.
السادس: فعلل بضم الأول وفتح الثالث، ويكون اسما، نحو: جخدب لذكر الجراد، وصفة، نحو: جرشع بمعنى جرشع بالضم.
تنبيهات: الأول: مذهب البصريين غير الأخفش أن هذا البناء السادس ليس ببناء أصلي، بل هو فرع على فعلل بالضم، فتح تخفيفا؛ لأن جميع ما سمع في الفتح سمع فيه الضم، نحو: خجدب وطحلب وبرقع في الأسماء، وجرشع في الصفات، وقالوا للمخلب جرثن، ولشجر البادية عزفط، ولكساء مخطط برجد، ولم يسمع فيها فعلل بالفتح، وذهب الكوفيون والأخفش إلى أنه بناء أصلي، واستدلوا لذلك بأمرين؛ أحدهما أن الأخفش حكى جؤذرا ولم يحك فيه الضم؛ فدل على أنه غير مخفف، وهو مردود؛ فإن الضم فيه منقول أيضا، وزعم الفراء أن الفتح في جؤذر أكثر، وقال الزبيدي: إن الضم في جميع ما ورد منه
__________
= اللغة: الفطحل: السيل العظيم. وقيل: الزمن الذي كان قبل الخلق.
الإعراب: وقد: "الواو": بحسب ما قبلها، "قد": حرف تحقيق. أتاه: فعل ماض، و"الهاء": ضمير في محل نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو". زمن: ظرف زمان متعلق بـ"أتاه" وهو مضاف. الفطحل: مضاف إليه مجرور. والصخر: "الواو": حالية، "الصخر": مبتدأ مرفوع. مبتل: خبر المبتدأ مرفوع. كطين: جار ومجرور متعلقان بـ"مبتل"، وهو مضاف. الوحل: مضاف إليه مجرور.
وجملة "وقد أتاه": بحسب الواو. وجملة "والصخر مبتل": في محل نصب حال.
لم يأت بالبيت للاسشهاد على نحو وصرف، بل على أن معنى "فطحل" زمان كانت فيه الحجارة رطبة، وهو زمن ما قبل الخلق.
1215- التخريج: الشطر بلا نسبة في لسان العرب 11/ 527 "فطحل".
اللغة: السلام: الحجارة.
الإعراب: زمن: ظرف زمان متعلق بما قبله غير الواضح، وهو مضاف. الفطحل: مضاف إليه مجرور. إذ: ظرف للزمن الماضي بدل من "زمن". السلام: مبتدأ مرفوع. رطاب: خبر المبتدأ مرفوع.
وجملة "السلام رطاب": في محل جر مضاف إليه.
جاء بالشطر لتوكيد معنى "الفحطل" كما في الرجز السابق.(4/51)
أفصح. والآخر: أنهم قد ألحقوا به؛ فقالوا: عندد، يقال: مالي عن ذلك عندد، أي بد، وقالوا: عاطت الناقة عوططا إذا اشتهت الفحل، وقالوا: سودد؛ فجاءوا بهذه الأمثلة مفكوكة، وليست من الأمثلة التي استثنى فيها فك المثلين لغير الإلحاق؛ فوجب أن يكون للإلحاق، وأجاب الشارح بأنا لا نسلم أن فك الإدغام للإلحاق بنحو: جخدب، وإنما هو لأن فعلل من الأبنية المختصة بالأسماء فقياسه الفك كما في جدد وظلل وحلل، وإن سلمنا أنه للإلحاق قد نسلم أنه لا يلحق إلا بالأصول؛ فإنه قد ألحق بالمزيد فيه فقالوا: اقعنسس فألحقوا بحرنجم؛ فكما ألحق بالفرع بالزيادة؛ فكذا يلحق بالفرع بالتخفيف.
الثاني: ظاهر كلام الناظم هنا موافقة الأخفش والكوفيين على إثبات أصالة فعلل، وقال في التسهيل: وتفريع فعلل على فعلل أظهر من أصالته.
الثالث: زاد قوم من النحويين في أبنية الرباعي ثلاثة أوزان: وهي فعلل بكسر الأول وضم الثالث، حكى ابن جني أنه يقال لجوز القطن الفاسد: خرفع، ويقل أيضا لزئبر الثوب: زئبر، وللضئبل وهو من أسماء الداهية: ضئبل، وفعل بضم الأول وفتح الثاني، نحو: خبعث ودلمز، وفعلل بفتح الأول وكسر الثالث، نحو: طحربة، ولم يثبت الجمهور هذه الأوزان، وما صح نقله منها فهو عندهم شاذ، وقد ذكر الأول من هذه الثلاثة في الكافية فقال: وربما استعمل أيضا فعلل، والمشهور في الزئبر والضئبل كسر الأول والثالث.
الرابع: قد علم بالاستقراء أن الرباعي لا بد من إسكان ثانيه أو ثالثه، ولا يتوالي أربع حركات في كلمة، ومن ثم لم يثبت فعلل، وأما علبط للضخم من الرجال، وناقة علبطة أي عظيمة؛ فذلك محذوف من فعالل، وكذلك دودم، وهو شيء يشبه الدم يخرج من شجر السمر، ويقال حينئذ: حاضت السمرة، وكذلك لبن عثلط وعجلط وعكلط: أي ثخين خاثر، ولا فعلل، وأما عرثن لنبت يدبغ به فأصله عرنثن مثل قرنفل، ثم حذفت منه النون كما حذفت الألف من علابط، واستعملوا الأصل والفرع، وكذلك عرقصان أصله عرنقصان، حذفوا النون وبقي على حاله وهو نبت، ولا فعلل وأما جندل فإنه محذوف من جنادل، والجندل: الموضع فيه حجارة، وجعله الفراء وأبو علي فرعا على فعليل، وأصله جنديل، واختاره الناظم؛ لأن جندلا مفرد فتفريعه على المفرد أولى، وقد أورد بعضهم هذه الأوزان على أنها من الأبنية الأصول وليست محذوفة، وليس بصحيح لما سبق.(4/52)
[أوزان الاسم الخماسي] :
"وإن علا" الاسم المجرد عن أربعة، وهو الخماسي "وَمَعْ فِعَلَ فُعْلَلٌ حوى فعلللا كذا فعلل وفعلل".
فالأول من هذه الأبنية: فعلل، وهو بفتح الأول والثاني والرابع، ويكون اسما، نحو: سفرجل، وصفة، نحو: شمردل للطويل.
والثاني: وهو بفتح الأول والثالث وكسر الرابع، قالوا: لم يجيء إلا صفة، نحو: جحمرش للعظيمة من الأفاعي، وقال السيرافي: هي العجوز المسنة، وقهبلس للمرأة العظيمة، وقيل: لحشفة الذكر، وقيل: لعظيم الكمرة فيكون اسما.
والثالث، وهو بضم الأول وفتح الثاني وكسر الرابع، يكون اسما، نحو: خزعبل للباطل وللأحاديث المستطرفة، وقذعمل، يقال: ما أعطاني قذعملا، أي شيئا، وصفة يقال: جمل قذعمل للضخم، والقذعملة من النساء القصيرة، وجمل خبعثن وهو الضخم أيضا، وقيل: الشديد الخلق العظيم، وبه سمي الأسد.
والرابع: وهو بكسر الأول وفتح الثالث، يكون اسما، نحو: قرطعب وهو الشيء الحقير، وصفة، نحو: جردحل، وهو الضخم من الإبل، وحنزقر وهو القصير.
تنبيه: زاد ابن السراج في أوزان الخماسي فعللل، نحو: هندلع اسم بقلة، ولم يثبته سيبويه، والصحيح أن نونه زائدة، وإلا لزم عدم النظير، وأيضا قد حكى كراع في الهندلع كسر ابهاء؛ فلو كانت النون أصلية لزم كون لخماسي على ستة أوزان؛ فيفوت تفضيل الرباعي عليه، وهو مطلوب، ولأنه يلزم على قوله أصالة نون كنهبل؛ لأن زيادتها لم تثبت إلا لأن الحكم بأصالتها موقع في عدم النظير، مع أن نون هندلع ساكنة ثانية؛ فأشبهت نون عنبر وحنظل ونحوهما، ولا يكاد يوجد نظير كنهبل في زيادة نون ثانية متحركة؛ فالحكم على نون هندلع بالزيادة أولى، وزاد غيره للخماسي أوزانا أخر. لم يثبتها الأكثرون لندورها واحتمال بعضها للزيادة فلا تطيل بذكرها.
"وما غاير" من الأسماء المتمكنة ما سبق من الأمثلة "للزيد أو النقص انتمى"، نحو: يد وجندل واستخراج، وكان ينبغي أن يقول: أو الندور؛ لأن نحو: طحربة مغاير للأوزان المذكورة، ولم ينتم إلى الزيادة ولا النقص، ولكنه نادر كما سبق، ولهذا قال في(4/53)
التسهيل: وما خرج عن هذه المثل فشاذ، أو مزيد فيه، أو محذوف منه، أو شبه الحرف، أو مركب أو أعجمي.
925-
وَالْحَرْفُ إنْ يَلْزَم فَأَصْلٌ ... وَالَّذِي لاَ يَلْزَمُ الْزَّائِدُ، مِثْلُ تَا احْتُذِي
"وَالْحَرْفُ إنْ يَلْزَم" الكلمة في جميع تصاريفها "فأصل والذي * لا يلزم" بل يحذف في بعض التصاريف فهو "الزائد مثل تا احتذي" لأنك تقول: حذا حذوه؛ فتعلم بسقوط التاء أنها زائدة في احتذى، يقال: احتذى به أي اقتدى به، ويقال أيضا "احتذى" أي انتعل، قال [من الرجز] :
1216-
كلَّ الْحِذَاءِ يَحْتذي الحافِي الوقع
والحذاء: النعل، وأما الساقط لعلة من الأصول كواو يعد؛ فإنه مقدر الوجود، كما أن الزائد اللازم كنون قرنفل وواو كوكب في تقدير السقوط، ولذا يقال: الزائد ما هو ساقط في أصل الوضع تحقيقا أو تقديرا.
[أسباب زيادة الحروف] :
واعلم أن الزيادة تكون لأحد سبعة أشياء: للدلالة على معنى كحرف المضارعة وألف المفاعلة، وللإلحاق كواو وجدول، وياء صيرف وعثير، وألف أرطى ومعزى، ونون جحنفل ورعشن، وللمد كألف رسالة، وياء صحيفة، وواو حلوبة، وللعوض كتاء زنادقة وإقامة، وسين يسطيع، وميم اللهم، وللتكثير كميم ستهم وزرقم وابنم، زيدت لتفخيم المعنى وتكثيره، ومن هذا المعنى ألف قبعثرى وكمثرى، وللإمكان كألف الوصل؛ لأنه لا
__________
1216- التخريج: لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.
اللغة: احتذى: اقتدى، انتعل. الوقع: المشتكي وجع قدميه.
الإعراب: كل: مفعول به منصوب، وهو مضاف. الحذاء: مضاف إليه مجرور. يحتذي: فعل مضارع مرفوع، الحافي: فاعل مرفوع. الوقع: نعت "الحافي" مرفوع.
وجملة "يحتذي": ابتدائية لا محل لها.
الشاهد: في قوله: "يحتذي" بمعنى "ينتعل" لا بمعنى "يقتدي".(4/54)
يمكن أن يبتدأ بساكن، وهاء السكت في نحو: عِهْ وقِهْ؛ لأنه لا يمكن أن يبتدأ بحرف ويوقف عليه، وللبيان كهاء السكت في نحو: مَالِيَهْ ويا زَيْدَاه، زيدت لبيان الحركة، وبيان الألف.
تنبيهان: الأول: الزائد نوعان:
أحدهما: أن يكون تكرير أصل لإلحاق أو لغيره؛ فلا يختص بأحرف الزيادة، وشرطه أن يكون تكرير عين إما مع الاتصال، نحو: قتل، أو مع الانفصال بزائد نحو عقنقل، أو تكرير لام كذلك، نحو: جلبب وجلباب، أو فاء وعين مع مباينة اللام، نحو: مرمريس وهو قليل، أو عين ولام مع مباينة الفاء، نحو: صمحمح.
أما مكرر الفاء وحدها كقرقف وسندس، أو العين المفصولة بأصلي كحدرد فأصلي.
والآخر: أن يكون تكرير أصل، وهذا لا يكون إلا أحد الأحرف العشرة المجموعة في "أمان وتسهيل"، وهذا معنى تسميتها حروف الزيادة، وليس المراد أنها تكون زائدة أبدا؛ لأنها قد تكون أصولا، وذلك واضح. وأسقط المبرد من حروف الزيادة الهاء، وسيأتي الرد عليه.
[أدلة زيادة الحرف] :
الثاني: أدلة زيادة الحرف عشرة:
أولها: سقوطه من أصل، كسقوط ألف ضارب في أصله أعني المصدر.
ثانيها: سقوط من فرع، كسقوط ألف كتاب في جمعه على كتب.
ثالثها: سقوطه من نظيره كسقوط ياء أيطل في إطل، والإيطل: الخاصرة.
وشرط الاستدلال بسقوط الحرف من أصل أو فرع أو نظير على زيادته أن يكون سقوطه لغير عله، فإن كان سقوطه لعله كسقوط واو وعد في يعد أو في عدة لم يكن دليلا على الزيادة.
رابعها: كون الحرف مع عدم الاشتقاق في موضع يلزم فيه زيادته مع الاشتقاق، وذلك كالنون إذا وقعت ثالثة ساكنة غير مدغمة وبعدها حرفان، نحو: ورنتل وهو الشر، وشرنبث(4/55)
وهو الغليظ الكفين والرجلين، وعصنصر وهو جبل؛ فالنون في هذه ونحوها زائدة؛ لأنها في موضع لا تكون فيه مع المشتق إلا زائدة، نحو: جحنفل من الجحفلة، وهي لذي الحافر كالشفة للإنسان، والجحنفل: العظيم الشفة، وهو أيضا الجيش العظيم.
خامسا: كون مع عدم الاشتقاق في موضع يكثر فيه زيادته مع الاشتقاق، كالهمزة إذا وقعت أولا بعدها ثلاثة أحرف، فإنها يحكم عليها بالزيادة وأن لم يعلم الاشتقاق؛ فإنها قد كثرت زيادتها إذا وقعت كذلك فيما علم اشتقاقه، وذلك، نحو: أرنب وإفكل، يحكم بزيادة همزته حملا على ما عرف اشتقاقه، نحو: أحمر، والإفكل: الرعدة.
سادسها: اختصاصه بموضع لا يقع فيه إلا حرف من حروف الزيادة كالنون من كنتأو، ونحو: حنطأو وسندأو وقندأو، فالكنتأو: الوافر اللحية، والحنطأو: العظيم البطن، والسندأو والقندأو: الرجل الخفيف.
سابعها: لزوم عدم النظير بتقدير الأصالة في تلك الكلمة، نحو: تتفل بفتح التاء الأولى وضم الفاء، وهو ولد الثعلب، فإن تء زائدة؛ لأنها لو جعلت أصلا لكان وزنه فعلل وهو مفقود.
ثامنها: لزوم عدم النظير بتقدير الأصالة في نظير الكلمة التي ذلك الحرف منها، نحو: تتفل على لغة من ضم التاء والفاء، فإن تاءه أيضا زائدة على هذه اللغة وإن لم يلزم من تقدير أصالتها عدم النظير؛ فإنها لو جعلت أصلا كان وزنه فعلل وهو موجود، ونحو: برثن، لكن يلزم عدم النظير أعنى لغة الفتح، فلما ثبتت زيادة التاء في لغة الفتح حكم بزيادتها في لغة الضم أيضا؛ إذ الأصل اتحاد المادة.
تاسعها: دلالة الحرف على معنى كحروف المضارعة وألف اسم الفاعل.
عاشرها: الدخول في أوسع البابين عند لزوم الخروج عن النظير، وذلك في كنهبل، فإن وزنه على تقدير أصالة النون فعلل كسفرجل بضم الجيم وهو مفقود، وعلى تقدير زيادتها فعنلل وهو مفقود أيضا، ولكن أبنية المزيد في أكثر، ومن أصولهم المصير إلى الكثير. ذكر هذا ابن إياز وغيره، وقال المرادي: هو مندرج في السابع، ا. هـ.(4/56)
[الميزان الصرفي] :
926-
بِضِمْنِ فِعْلٍ قَابِلِ الأُصُوْلَ فِي ... وَزْنٍ وَزَائِدٌ بِلَفْظِهِ اكْتُفِيْ
"بِضِمْنِ فِعْلٍ قَابِلِ الأُصُوْلَ فِي وَزْنٍ" يعني إذا أردت أن تزن كلمة لتعلم الأصل منها والزائد فقابل أصولها بأحرف فعل: الأول بالفاء، والثاني بالعين، والثالث باللام، مسويا بين الميزان والموزون في الحركة والسكون؛ فتقول في فلس فعل، وفي ضرب فعل بفتح الفاء والعين، وكذلك في قام وشد لأن أصلهما قوم وشدد، وفي علم فعل، وكذلك في هاب ومل، وفي ظرف فعل، وكذلك في طال وحب "وزائد بلفظه اكتفي" عن تضعيف أصله من الميزان؛ فتقول في أكرم وبيطر وجوهر وانقطع واجتمع واستخرج وانقطاع واجتماع واستخراج: أفعل وفيعل وفوعل وانفعل وافتعل واستفعل وانفعال وافتعال واستفعال.
واستثنى من الزائد نوعان لا يعبر عنهما بلفظهما:
أحدهما: المبدل من تاء الافتعال؛ فإنه يعبر عنه بالتاء التي هي أصله؛ فيقال في وزن اصطبر: افتعل، وذلك لأن المقتضي للإبدال مفقود في الميزان.
والآخر المكرر لإلحاق أو غيره؛ فإنه يقابل بما يقابل به الأصل كما يأتي بيانه.
927-
وَضَاعِفِ اللاَّم إذَا أَصْلٌ بَقِي ... كَرَاءِ جَعْفَرٍ وَقَافِ فُسْتُق
"وضاعف اللام" من الميزان "إذا أصل بقي" من الموزون، بأن يكون رباعيا أو خماسيا "كراء جعفر وقاف فستق"، وجيم ولا سفرجل، وميم ولام قذعمل؛ فتقول في وزن الأول فعلل، وفي الثاني فعلل، والثالث فعلل، والرابع: فعلل.
928-
وَإنْ يَكُ الزَّائِدُ ضِعْفَ أَصْل ... فَاجْعَلْ لَهُ فِي الْوَزْنِ مَا لِلأَصْلِ
"وَإنْ يَكُ الزَّائِدُ ضِعْفَ أَصْل فَاجْعَلْ لَهُ فِي الْوَزْنِ" من أحرف الميزان "ما للأصل" الذي هو ضعفه منها؛ فإن كان ضعف الفاء قوبل بالفاء، وإن ان ضعف العين قوبل بالعين، وإن كان ضعف اللام قوبل باللام؛ فتقول في حلتيت فعليل، وفي سحنون فعلول، وفي مرمريس فعفعيل، وفي اغدودن افعوعل، وفي جلبب فعلل. وأجاز بعضهم مقابلة هذا الزائد(4/57)
بمثله؛ فتقول في حلتيت فعليت، وفي سحنون فعلون، وفي مرميس فعمريل، وفي اغدودن افعودل، وفي جلبب فعلب. ويلزم من هذا المذهب أمران مكروهان؛ أحدهما: تكثير الأوزان مع إمكان الاستغناء بواحد، في نحو: صبر وقتر وكثر، فإن وزن هذه وما شاكلها على القول المشهور فعل، ووزنها على القول المرغوب عنه فعبل، وفعتل، وفعثل، وكذا إلى آخر الحروف وكفى بهذا الاستثقال منفرا. والآخر: التباس ما يشاكل مصدره تفعيلا بما يشاكل مصدره فعلله، وذلك أن الثلاثي المعتل العين قد تضعف عينه للإلحاق ولغير الإلحاق، ويتحد اللفظ به كبين مقصودا به الإلحاق ومقصودا به التعدية؛ فعلى القصد الأول مصدره تبينة مشاكل دحرجة، وعلى القصد الثاني مصدر تبيين، ولا يعلم امتياز المصدرين إلا بعد العلم باختلاف وزني الفعلين، واختلاف وزني الفعلين فيما نحن بصدده ليس إلا على المذهب المشهور.
تنبيهات: الأول: إذا لم يكن الزائد من حروف "أمان وتسهيل" فهو ضعف أصل كالباء من جلبب، وإن كان منها فقد يكون ضعفا، نحو: سأل، وقد يكون غير ضعف بل صورته صورة الضعف ولكن دل الدليل على أنه لم يقصد به تضعيف؛ فيقابل في الوزن بلفظه، نحو: سمنان –وهو ماء لبني ربيعة- فوزنه فعلان لا فعلان؛ لأن فعلالا بناء نادر لم يأت منه غير المكرر، نحو: الزلزال إلا خزعال وهو ناقة بها ظلع، وقهقار للحجر. وأما بهرام وشهرام فعجميان.
الثاني: المعتبر في الوزن ما استحقه الموزون من الشكل قبل التغيير؛ فيقال في وزن رد ومرد فعل ومفعل؛ لأن أصلهما ردد ومردد.
الثالث: إذا وقع في الموزون قلب تقلب الزنة؛ لأن الغرض من الوزن التنبيه على الأصول والزوائد على ترتيبها؛ فتقول في وزن آدر أعفل؛ لأن أصله أدور، قدمت العين على الفاء، وتقول في ناء فلع، لأنه من النأي، وفي الحادي عالف، لأنه من الوحدة، وكذلك إذا كان في الموزون حذف وزن باعتبار ما صار إليه بعد الحذف؛ فتقول في وزن قاض فاع، وفي بع فل، وفي يعد يعل، وفي عدة علة، وفي عه أمر من الوعي عه، إلا إذا أريد بيان الأصل في المقلوب والمحذوف؛ فيقال: أصله كذا ثم أعل، ا. هـ.(4/58)
929-
وَاحْكُمْ بِتَأْصِيْل حُرُوفِ سِمْسِم ... وَنَحْوِهِ وَالْخُلْفُ فِي كَلَمْلِم
واحكم بتأصيل" أصول "حروف" الرباعي التي تكررت فاؤه وعينه، وليس أحد المكررين فيه صالحا للسقوط، كحروف "سمسم * ونحوه" لأن أصالة أحد المكرين فيه واجبة تكميلا لأقل الأصول، وليس أصالة أحدهما أولى من أصالة الآخر، فحكم بأصالتهما معا "والخلف في" الرباعي المذكور الذي أحد المكررين فيه صالح للسقوط "كلملم" أمر من لملم وكفكف أمر من كفكف؛ فاللام الثانية والكاف الثانية صالحان للسقوط، بدليل صحة كف ولم، فقيل: إنه كالنوع الأول حروفه كلها محكوم بأصالتها، وإن مادة لملم وكفكف غير مادة "لم" و"كف"؛ فوزن هذا النوع فعلل كالنوع الأول، وهذا مذهب البصريين إلا الزجاج، وقيل: إن الصالح للسقوط زائد؛ فوزن كفكف على هذا فعكل، وهذا مذهب الزجاج، وقيل: إن الصالح للسقوط بدل من تضعيف العين، فأصل لملم: لمم، فاستثقل توالي ثلاثة أمثال فأبدل من أحدها حرف يماثل الفاء، وهذا مذهب الكوفيين، واختاره الشارح، ويرده أنهم قالوا في مصدره: فعللة، ولو كان مضاعفا في الأصل لجاء على التفعيل.
فإن تكرر في الكلمة حرفان وقبلهما حرف أصلي كصمحمح وسمعمع حكم فيه بزيادة الضعفين الأخيرين؛ لأن أقل الأصول محفوظ بالأولين، والسابق، كذا قال في شرح الكافية. وقال في التسهيل: فإن كان في الكلمة أصل غير الأربعة حكم بزيادة ثاني فاتفق كلامه في نحو: مرمريس، واختلف في نحو: صمحمح؛ فوزنه في كلامه الأول على طريقة من يقابل الزائد بلفظه فعلمح، وفي كلامه الثاني فعحمل. واستدل بعضهم على زيادة الحاء الأولى، وفي نحو: صمحمح والميم الثانية، في نحو: مرمريس بحذفهما في التصغير، حيث قالوا: صميمح، ومريريس، ونقل عن الكوفيين في صمحمح أن وزنه فعلل، وأصله صمحح أبدلوا الوسطى ميما.(4/59)
[ما تطرد زيادته من الحروف] :
ولما فرغ من بيان ما يعرف به الزائد من الأصل شرع في بيان ما تطرد زيادته من الحروف العشرة، فقال:
930- "
فَأَلِفٌ أَكْثَرَ مِنْ أَصْلَيْنِ ... صَاحَبَ زَائِدٌ بِغَيْرِ مَيْنِ
ألف: مبتدأ، والجملة بعده صفة له، وزائد: خبره، والمين: الكذب.
أي إذا صحبت الألف أكثر من أصلين حكم بزيادتها؛ لأن أكثر ما وقعت الألف فيه كذلك دل الاشتقاق على زيادتها فيه، فيحمل عليه ما سواه، فإن صحبت أصلين فقط لم تكن زائدة، بل بدلا من أصل ياء أو واو، نحو: رمى ودعا ورحا وعصا وباع وقال وناب وباب، وما ذكره إنما هو في الأسماء المتمكنة والأفعال، أما المبنيات والحروف فلا وجه للحكم بزيادتها فيها؛ لأن ذلك إنما يعرف بالاشتقاق، وهو مفقود، وكذلك الأسماء الأعجمية كإبراهيم وإسحاق.
واعلم أن الألف لا تزاد أولا؛ لامتناع الابتداء بها، وتزاد في الاسم ثانية، نحو: ضارب، وثالثة، نحو: كتاب، ورابعة، نحو: حبلى وسرداح، وخامسة، نحو: انطلاق وحلبلاب، وسادسة، نحو: قبعثرى، وسابعة، نحو: أربعاوى، وتزاد في الفعل ثانية، نحو: قاتل، وثالثة، نحو: تغافل، ورابعة، نحو: سلقى، وخامسة، نحو: أجأوى، وسادسة، نحو: اغرندى.
تنبيهان: الأول: يستثنى من كلامه نحو عاعى وضوضى من مضاعف الرباعي، فإن الألف فيه بدل من أصل، وليست زائدة.
الثاني: إذا كانت الألف مصاحبة لأصلين ولثالث يحتمل الأصالة والزيادة، فإن قدرت أصالته فالألف زائدة، وإن قدرت زيادته فالألف غير زائدة، لكن إن كان المحتمل همزة أو ميما مصدرة أو نونا ثالثة ساكنة في خماسي كان الأرجح الحكم عليه بالزيادة وعلى الألف بأنها منقلبة عن أصل، نحو: أفعى وموسى وعقنقى إن وجد في كلامهم، وما لم يدل دليل على أصالة هذه الأحرف وزيادة الألف كما في أرطى عند من يقول أديم مأروط أي مدبوغ(4/60)
بالأرطى، وكما في معزى لقولهم معز ومعز، وإن كان المحتمل غير هذه الثلاثة حكمنا بأصالته وزيادة الألف، انتهى.
931-
وَاليَا كَذَا وَالْوَاوُ إنْ لَمْ يَقَعَا ... كَمَا هُمَا فِي يُؤْيُؤٍ وَوَعْوَعَا
واليا كذا والواو" أي مثل الألف في أن كلا منهما إذا صحب أكثر من أصلين حكم بزيادته "إن لم يقعا" مكررين "كما هما في يؤيؤ" اسم طائر ذي مخلب يشبه الباشق "ووعوعا" إذا صوت؛ فهذا النوع يحكم فيه بأصالة حروفه كلها، كما حكم بأصالة حروف سمسم.
والتقسيم السابق في الألف يأتي هنا أيضا؛ فتقول: كل من الياء والواو له ثلاثة أحوال: فإن صحب أصلين فقط فهو أصل كبيت وسوط، وإن صحب ثلاثة فصاعدا مقطوعا بأصالتها فهو زائد إلا في الثنائي المكرر كما تقدم في المتن، وإن صحب أصلين وثالثا محتملا، فإن كان المحتمل همزة أو ميما مصدره حكم بزيادة المصدر منهما وأصالة الياء والواو، نحو: أيدع ومزود، إلا أن يدل دليل على أصالة المصدر وزيادتهما كما في أولق عند من يقول "ألق فهو مألوق" أي جن فهو مجنون، وكما في أيطل لما تقدم من قولهم فيه إطل، أو أصالة الجميع كما في مريم ومدين؛ فإن وزنهما فعلل، لا فعيل؛ لأنه ليس في الكلام، ولا مفعل وإلا وجب الإعلال، وإن كان المحتمل غيرهما حكم بأصالته وزيادة الياء والواو، مالم يدل دليل على خلاف ذلك كما في نحو: يهير وهو الحجر الصلب، وقال ابن السراج: اليهير اسم من أسماء اليهير أي من السراب؛ فإنه قضى فيه يزيادة الياء الأولى دون الثانية؛ لأنه ليس في الكلام فعيل، ولا خفاء في زيادتها في نحو: يحمر، وكما في عزويت وهو اسم موضع، وقيل: هو القصير أيضا؛ فإنه قضي فيه بأصالة الواو وزيادة الياء والتاء؛ لأنه لا يمكن أن يكون وزنه فعويلا؛ لأنه ليس في الكلام، ولا فعليلا لأن الواو لا تكون أصلا في بنات الأربعة، ولا فعويتا لأن الكلمة تصير بغير لام؛ فتعين أن يكون وزنه فعليتا مثل عفريت.
واعلم أن الياء تزاد في الاسم أولى، نحو: يلمع، وثانية، ونحو: ضيغم، وثالثة،(4/61)
نحو: قضيب، ورابعة، نحو: حذرية، وخامسة، نحو: سلحفية، قيل: وسادسة، نحو: مغناطيس، وسابعة، نحو: خنزوانية، وتزاد في الفعل أولى، نحو: يضرب، وثانية، نحو: بيطر، وثالثة عند من أثبت فعيل في أبنية الأفعال، نحو: رهيأ، ورابعة، نحو: قلسيت، وخامسة، نحو: تقلسيت، وسادسة، نحو: اسلنقيت.
والواو تزاد في الاسم ثانية، نحو: كوثر، وثالثة، نحو: عجوز، ورابعة، نحو: عرقوة، وخامسة، نحو: قلنسوة، وسادسة، نحو: أربعاوي، وتزاد في الفعل ثانية، نحو: حوقل، وثالثة، نحو: جهور، ورابعة، نحو: اغدودن.
تنبيهان: الأول: مذهب الجمهور أن الواو لا تزاد أولا، قيل: لثقلها، وقيل: لأنها إن زيدت مضمومة اطرد همزها، أو مكسورة فكذلك، وإن كان همز المكسورة أقل، أو مفتوحة فيتطرق إليها الهمز؛ لأن الاسم يضم أوله في التصغير، والفعل يضم أوله عند بنائه للمفعول؛ فلما كانت زيادتها أولا تؤدي إلى قلبها همزة رفضوه؛ لأن قلبها همزة قد يوقع في اللبس، وزعم قوم أن واو ورنتل زائدة على سبيل الندور؛ لأن الواو لا تكون أصلا في بنات الأربعة، وهو ضعيف؛ لأنه يؤدي إلى بناء وفنعل وهو مفقود، والصحيح أن الواو أصلية، وأن اللام زائدة مثلها في فحجل بمعنى فحج، وهدمل بمعنى هدم؛ فإن لزيادة اللام آخرا نظائر، بخلاف زيادة الواو أولا.
الثاني: إذا تصدرت الياء وبعدها ثلاثة أصول فهي زائدة كما سبق في يلمع؛ وإذا تصدرت وبعدها أربعة أصول في غير المضارع فهي أصل كالياء في يستعور، وهو اسم مكان بالحجاز، وهو أيضا اسم شجر يستاك به؛ لأن الاشتقاق لم يدل على الزيادة في مثله إلا في المضارع، ا. هـ.
932- "
وَهكَذَا هَمْزٌ وَمِيمٌ سَبَقَا ... ثَلاَثَةً تَأْصِيْلُهَا تَحَقَّقَا
أي الهمزة والميم متساويان في أن كلا منهما إذا تصدر وبعده ثلاثة أحرف مقطوع بأصالتها فهو زائد، نحو أحمد ومسجد؛ لدلالة الاشتقاق في أكثر الصور على الزيادة؛ فحمل عليه ما سواه.(4/62)
فخرج بقيد التصدر الواقع منهما حشوا أو آخرا؛ فإنه لا يقضي بزيادته إلا بدليل كما سيأتي بيانه.
وبقيد الثلاثة، نحو: أكل ومهد، ونحو: إصطبل ومرزجوش.
وبقيد الأصالة، نحو: أمان ومعزى.
وبقيد التحقق، نحو: أرطى؛ فإنه سمع في المدبوغ به مأروط، ومرطي؛ فمن قال مأروط جعل الهمزة أصلية والألف زائدة، ومن قال مرطي جعل الهمزة زائدة والألف بدلا من ياء أصلية؛ فوزنه على الأول فعلى وألفه زائدة للإلحاق؛ فلو سمي به لم ينصرف للعلمية وشبه التأنيث، ووزنه على الثاني أفعل؛ فلو سمي به لم ينصرف للعلمية ووزن الفعل، والقول الأول أظهر؛ لأن تصاريفه أكثر؛ فإنهم قالوا "أرطت الأديم" إذا دبغته بالأرطى، و"أرطت الإبل" إذا أكلته، و"آرطت الأرض" إذا أنبتته. وقيل أيضا: "أرطت الأرض" إذا أنبتت الأرطي، وكذا الأولق؛ لأنه قيل: هو من ألق فهو مألوق إذا جن، فالهمزة أصل والواو زائدة، وقيل: هو من "ولق" إذا أسرع؛ فالهمزة زائدة والواو أصل، ووزنه أفعل، والأول أرجح. وكذا الأوتكي لنوع من التمر رديء دائر بين أن يكون وزن أفعلى كأجفلى، وفوعلى كخوزلى. ويخرج به أيضا نحو: موسى فإن ميمه محتملة الأصالة والزيادة، ولكن الأرجح الزيادة كما مر.
تنبيهات: الأول: محل الحكم بزيادة ما استكمل القيود المذكورة من الحرفين المذكورين ما لم يعارضه دليل على الأصالة من اشتقاق ونحوه، فإن عارضه دليل على الأصالة عمل بمقتضى الدليل، كما في ميم مرجل ومغفور ومرعزي، حكم بأصالتها على أن بعدها ثلاثة أصول.
أما "مرجل" فمذهب سيبويه وأكثر النحويين أن ميمه أصل؛ لقولهم "مرجل الحائك الثوب" إذا نسجه موشى بوشي يقال له المراجل، قال ابن خروف: المرجل ثوب يعمل بدارات كالمراجل وهي قدور النحاس، وقد ذهب أبو العلاء المعري إلى زيادة ميم "مرجل" اعتمادا على الأصل المذكور، وجعل ثبوتها في التصريف كثبوت ميم تمسكن من المسكنة، وتمندل من المنديل، وتمدرع إذا لبس المدرعة، والميم فيها زائدة، ولا حجة له في ذلك؛ لأن الأكثر في هذا تسكن، وتندل، وتدرع، قال أبو عثمان: هو الأكثر في كلام العرب.(4/63)
وأما "مغفور" فعن سيبويه فيه قولان: أحدهما أن الميم زائدة، والآخر أنها أصل، لقولهم "ذهبوا يتمغفرون" أي يجمعون المغفور، وهو ضرب من الكمأة.
وأما "مرعزى" فذهب سيبويه إلى أن ميمه زائدة، وذهب قوم منهم الناظم إلى أنها أصل، لقولهم كساء ممرعز، دون مرعز.
وكما في همزة "إمعة" وهو الذي يكون تبعا لغير لضعف رأيه، والذي يجعل دينه تبعا لدين غيره ويقلده من غير برهان، حكم بأصالة همزته على أن بعدها ثلاثة أصول؛ فوزنه فعلة لا إفعلة لأنه صفة، وليس في الصفات إفعلة، وأمرة مثل إمعة وزنا ومعنى وحكما، وهو الذي يأتمر لكل من يأمره لضعف رأيه، ويقال أيضا: إمع، وإمر.
الثاني: أفهم قوله "سبقا" أنهما لا يحكم بزيادتهما متوسطتين، ولا متأخرتين إلا بدليل.
ويستثنى من ذلك الهمزة المتأخرة بعد ألف وقبلها أكثر من أصلين، كما سيأتي في كلامه.
فمثال ما حكم فيه بزيادة الهمزة وهي غير مصدرة شمأل، واحبنطأ.
ومثال ما حكم في بزيادة الميم وهي غير مصدرة دلامص وزرقم، وبابه.
أما الشمأل فالدليل على زيادة همزتها سقوطها في بعض لغاتها، وفيها عشر لغات شمأل، وشأمل، بتقديم الهمزة على الميم، وشمال على وزن قذال، وشمول بفتح الشين وشمل بفتح الميم، وشمل بإسكان الميم، وشيمل على وزن صيقل، وشمال على وزن كتاب، وشميل على وزن طويل، وشمأل بتشديد اللام، واستدل ابن عصفور وغيره على زيادة همزة شمأل بقولهم "شملت الريح" إذا هبت شمالا، واعترض بأنه يحتمل أن يكون أصله شمألت فنقل؛ فلا يصح الاستدلال به.
وأما احبنطأ فالدليل على زيادة همزته سقوطها في الحبط، ويقال: "حبط بطنه" انتفخ.
وأما دلامص ويقال فيه مالص ودملص ودميلص، وهو البراق –فلقولهم "درع دلاص، ودليص، ودلصته أنا" وذهب أبو عثمان إلى أن الميم في دلامص أصل وإن وافق دلاصا في المعنى؛ فهو عنده من باب سَبِط وسِبَطْر.(4/64)
وأما زرقم وبابه –نحو: ستهم، ودلقم، وضرزم، وفسحم، ودردم –فلأنها م الزرقة والسته والاندلاق وهو الخروج، والضرز وهو البخيل – يقال ناقة ضرزة أي قليلة اللبن- والانفساح، والدرد وهو عدم الأسنان، والوصف منه أدْرَد، ودَرِد.
الثالث: أفهم قوله "تأصيلها تحققا" أنهما إذا سبقا ثلاثة لم يتحقق تأصيل جميعها، بل كان في أحدها احتمال، أنه لا يقدم على الحكم بزيادتهما إلا بدليل، وهو خلاف ما جزم به في التسهيل –وهو المعروف- من أن الهمزة والميم إذا سبقا ثلاثة أحرف أحدها يحتمل الأصالة والزيادة؛ أنه يحكم بزيادة الهمزة والميم وأصالة ذلك المحتمل، إلا أن يقوم دليل بخلاف ذلك، ولذلك حكم بزيادة همزة أفعى وأيدع، وميم موسى ومزود، وجاء في ميم مجن عن سيبويه قولان أصحهما أنها زائدة؛ فإن دل الدليل على أصالة الهمزة والميم وزيادة ذلك المحتمل حكم بمقتضاه، كما حكم بأصالة همزة أرطى فيمن قال: أديم مأروط، وهمزة أولق فيمن قال: ألق فهو مألوق كما سبق، وبأصالة ميم مهدد ومأجج، وزيادة أحد المثلين؛ إذ لو كانت ميمه زائدة لكان مفعلا فكان يجب إدغامه، وأجاز السيرافي في مهدد ومأجج أن تكون الميم زائدة، ويكون فكهما شاذا كما فك الأجل في قوله [من الرجز] :
1217-
ألْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الأَجْلَلِ ... [الواسعِ الفضلِ الوَهُوبِ المُجْزِل]
الرابع: تزاد الهمزة في الاسم أولى كأحمر، وثانية كشأمل، وثالثة كشمأل، ورابعة كحطائط وهو القصيير، وخامسة كحمراء، وسادسة كعقرباء وهي بلد، وسابعة كبرناساء، والبرناساء: الناس.
__________
1217- التخريج: الرجز لأبي النجم في الأغاني 10/ 157، 158، 163، 165؛ وجمهرة اللغة ص471؛ وخزانة الأدب 2/ 392، 394؛ والدرر 6/ 238؛ وشرح التصريح 2/ 403؛ وشرح شواهد الشافية ص313؛ والطرائف الأدبية ص57؛ والكتاب 4/ 214؛ والمقاصد النحوية 4/ 595؛ وبلا نسبة في الأشباه والأنظار 1/ 51؛ وأوضح المسالك 4/ 412؛ وسر صناعة الإعراب ص503.
شرح المفردات: الأجلل: أي الأجل. الواسع الفضل: الكثير الإحسان. الوهوب: الكثير الوهب، أي العطاء. المجزل: المكثر.
الإعراب: "الحمد": مبتدأ مرفوع بالضمة. "لله": جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. "العلي": نعت "الله" مجرور بالكسرة. "الأجلل": نعت ثان لـ"الله". "الواسع": نعت ثالث لـ"الله"، وهو مضاف. "الفضل": مضاف إليه مجرور. "الوهوب": نعت رابع لـ"الله". "المجزل": نعت خامسا لـ"الله" مجرور.
الشاهد فيه قوله: "الأجلل" حيث فك الإدغام، لإقامة الوزن، والقياس "الأجل".(4/65)
والميم تزاد أولى كمرحب، وثانية كدملص، وثالثة كدلمص، ورابعة كزرقم، وخامسا كضارم؛ لأنه من الضبر وهو شدة الخلق، وذهب ابن عصفور إلى أنها في ضُبَارِم أصلية، قال في الصحاح: الضبارم بالضم الشديد الخلق من الأسْد، ا. هـ.
933- شرح ابن عقيل
933-
كَذَاكَ هَمْزٌ آخِرٌ بَعْدَ أَلِفْ ... أكْثَرَ مِنْ حَرْفَيْنِ لَفْظُهَا رَدِفْ
أي يحكم بزيادة الهمزة أيضا باضطراد إذا وقعت آخرا بعد ألف، قبل تلك الألف أكثر من حرفين، نحو حمراء وعلباء وقرفصاء؛ فخرج بقيد الآخر الهمزة الواقعة في الحشو، وبقيد قبلها ألف الواقعة آخرا وليست بعد ألف؛ فإنه لا يقضي بزيادة هاتين، إلا بدليل كما سبق في حطائط واحبنطأ، وبقيد أكثر من حرفين، نحو: ماء وشاء وكساء ورداء؛ فالهمزة في ذلك ونحوه، أصل أو بدل من أصل، لا زائدة.
تنبيه: مقتضى قوله "أكثر من حرفين" أن الهمزة يحكم بزيادتها في ذلك، سواء قطع بأصالة الحروف التي قبل الألف كلها أم قطع بأصالة الحرفين واحتمل الثالث، وليس كذلك؛ لأن ما آخره همزة بعد ألف بينها وبين الفاء حرف مشدد، نحو: سلاء وحواء، أو حرفان أحدهما لين، نحو: زيزاء وقوباء؛ فإنه محتمل لأصالة الهمزة وزيادة أحد المثلين، أو اللين، وللعكس؛ فإن جعلت الهمزة أصلية كان سلاء فعالا وحواء فعالا من الحواية، وإن جعلت زائدة كان سلا فعلاء وحواء من الحوة؛ فإن تأيد أحد الاحتمالين بدليل حكم به وألغي الآخر، ولذلك حكم على حواء بأنه همزته زائدة إذا لم يصرف، وبأنها أصل إذا صرف، نحو: حواء للذي يعاني الحيات، والأولى في سلاء أن تكون همزته أصلا؛ لأن فعالا في النبات أكثر من فعلاء؛ فلو قال الناظم "أكثر من أصلين" لكان أجود، ا. هـ.
934-
وَالنُّون فِي الآخِرِ كالهَمْز وفِي ... نحْوِ غَضَنْفَرٍ أصَالَةً كُفِي
"وَالنُّون فِي الآخِرِ كالهَمْز" أي فيقضى بزيادتها بالشرطين المذكورين في الهمزة، وهما: أن يسبقها ألف، وأن يسبق تلك الألف أكثر من أصلين، نحو: عثمان وغضبان، بخلاف نحو: أمان وزمان ومكان.(4/66)
ويشترط لزيادة النون –مع ما ذكر- أن تكون زيادة ما قبل الألف على حرفين ليست بتضعيف أصل؛ فالنون في نحو: جنحان أصل لا زائدة، وهذا الشرط مستفاد من قوله سابقا "واحكم بتأصيل حروف سمسم" وقد اقتضى إطلاقه أنه يقضي بزيادة النون عينا فيما يتوسط فيه بين الألف والفاء حرف مشدد، نحو: حسان ورمان، أو حرف لين، نحو: عقيان وعنوان، وهذا الإطلاق على وفق ما ذهب إليه الجمهور؛ فإنهم يحكمون بزيادة النون في مثل حسان وعقيان إلا أن يدل دليل على أصالتها، بدلالة منع صرف حسان على زيادة نونه في قول الشاعر [من الوافر] :
1218-
أَلاَ مَنْ مُبْلِغٌ حَسَّانَ عَنِّي ... مُغَلْغَلَةً تَدُبُّ إلى عُكَاظِ
لكنه ذهب في التسهيل والكافية إلى أن النون في ذلك كالهمزة في تساوي الاحتمالين؛ فلا يلغى أحدهما إلا بدليل؛ فكان ينبغي له أن يقيد إطلاقه بذلك، وهذا مذهب لبعض المتقدمين.
وزاد بعضهم لزيادتها آخرا شرطا آخر، وهو أن لا يكون في اسم مضموم الأول مضعف الثاني اسما لنبات، نحو: رمان؛ فجعلها في ذلك أصلا؛ لأن فعالا في أسماء النبات أكثر من فعلان وإلى هذا ذهب في الكافية حيث قال:
فمل عن الفعلان والفعلاء ... في النبت للفعال كالسلاء
ورد بأن زيادة الألف والنون آخرا أكثر من مجيء النبات على فعال. ومذهب الخليل وسيبويه أن نون رمان زائد، قال سيبويه: وسألته –يعني الخليل_ عن الرمان إذا سمي به، فقال: لا أصرفه في المعرفة، وأحمله على الأكثر، إذ لم يكن له معنى يعرف به. وقال
__________
1218- التخريج: البيت لأمية بن خلف الخزاعي في المقاصد النحوية 4/ 563.
اللغة: المغلغلة: الرسالة المحمولة من بلد إلى بلد. عكاظ: سوق جاهلية كان القوم يجتمعون فيها للتفاخر.
الإعراب: ألا: حرف تنبيه واستفتاح. من: اسم استفهام في محل رفع مبتدأ. مبلغ: خبر المبتدأ مرفوع. حسان: مفعول به لـ"مبلغ". عني: جار ومجرور متعلقان بـ"مبلغ". مغلغلة: مفعول به لـ"مبلغ" منصوب. تدب: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هي". إلى عكاظ: جار ومجرور متعلقان بـ"تدب".
وجملة "ألا من مبلغ ... ": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "تدب": في محل نصب نعت "مغلغلة".
الشاهد فيه قوله: "حسان" حيث منع من الصرف لزيادة الألف والنون فيه.(4/67)
الأخفش: نونه أصلية مثل قراص وحماض؛ لأن فعالا أكثر من فعلان، يعني في النبات؛ والصحيح ما ذهب إليه، لا لما ذكره بل لثبوتها في الاشتقاق. قالوا: أرض مَرْمَنَة لكثيرة الرمان، ولو كانت النون زائدة لقالوا مَرَمَّة.
"و" النون "في نحو غضنفر" وعقنقل، وقرنفل، وحبنطأ، وورنتل –مما هو فيه متوسط، وتوسطه بين أربعة أحرف بالسوية، وهو ساكن، وغير مدغم– "أصالة كفي" كفي: مجهول، فيه ضمير النون هو المفعول الأول ناب عن الفاعل، وأصالة: نصب بالمفعول الثاني، أي أطردت زيادة النون فيما تضمن القيود المذكورة لثلاثة أمور: أولها أن النون في ذلك واقعة موقع ما تيقنت زيادته كياء سميدع وواو فدوكس، وألف عذافر، وجخادب1. ثانيها: أنها تعاقب حرف اللين غالبا، كقولهم للغليظ الكفين: شرنبث وشرابث، وللضخم جرنفش وجرافش، ولنبت عرنقصان وعريقصان. ثالثها: أن كل ما عرف له اشتقاق أو تصريف وجدت فيه زائدة فيحمل غير عليه، وقد خرج بالقيد الأول النون الواقعة أولا فإنها أصل، نحو: نهشل، إلا أن يقضي بزيادتها دليل كما في نحو: نرجس؛ لأنها لوكانت أصلا لكان وزنه فعلل وهو مفقود. وبالقيد الثاني، نحو: قنطار وقنديل وعنقود وخندريس وعندليب، فإنها أصل إلا أن يقضي دليل بالزيادة، كما في نحو: عنبس –لأنه من العبوس_ وحنظل لقولهم: حظلت الإبل، وعنسل لأنه من العسلان، وعرند لأنه من قولهم: شيء عرد أي صلب، وكنهبل لقولهم فيه: كهبل، ولعدم النظير على تقدير الأصالة. وبالقيد الثالث، نحو: غرنيق وهو السيد الرفيع، وخرنوب، وكنأبيل، فالنون أصلية؛ إذ ليس في اللام فعنيل ولا فعنول ولا فنعليل. وبالرابع، نحو: عجنس فإنه تعارضت فيه زيادة النون مع زيادة التضعيف؛ فغلب التضعيف لأنه الأكثر، وجعل وزنه فعلل كعدبس قال أبو حيان: والذي أذهب إليه أن النونين زائدتان ووزنه فعنل. والدليل على ذلك أنا وجدنا النونين مزيدتين فيما عرف له اشتقاق، نحو: ضفنط وزونك، ألا ترى أنه من الضفاطة والزوك؛ فيحمل ما لا يعرف له اشتقاق على ذلك.
تنبيهات: الأول: بقي مما تزاد فيه النون باطراد ثلاثة مواضع: المضارع كنضرب، والانفعال وفروعه كالانطلاق، والافعنلال كالاحرنجام، وإنما سكت عنها لوضوحها.
__________
1 السميدع: الذئب، السيف، الرجل الخفيف. الفدوكس: الأسد، الرجل الشجاع. العذافر: الشديد من الإبل. الجخادب: العظيم الخلق.(4/68)
الثاني: إنما لم يذكر التنوين، ونون التثنية والجمع، وعلامة الرفع في الأمثلة الخمسة، ونون الوقاية، ونون التوكيد؛ لأن هذه زيادة متميزة، مقصود الباب تمييز الزيادة المحتاجة إلى تمييز لاختلاطها بأصول الكلمة حتى صارت جزأ منها.
الثالث: اعلم أن النون تزاد أولى، نحو: نضرب، وثانية، نحو: حنظل، وثالثة، نحو: غضنفر، ورابعة، نحو: رعشن، وخامسة، نحو: عثمان، وسادسة، نحو: زغفران، وسابعة، نحو: عبوثران.
935-
وَالْتَّاءُ فِي التَّأْنِيْثِ والمُضَارَعَهْ ... ونَحْوِ الاِسْتِفْعَالِ المُطَاوَعَهْ
936-
وَالهَاءُ وَقْفَاً كَلِمَهْ وَلَمْ تَرَهْ ... وَاللاَّمُ فِي الإشَارَةِ المُشْتَهِرَهْ
"والتاء" تزاد في أربعة مواضع: "في التأنيث" كضربت، وضاربة، وضربة وأنت وفروعه على المشهور1، "و" في "المضارعة" كتضرب، "و" في "نحو الاستفعال" من المصادر، وذلك الافتعال كالاستخراج والاقتدار، وفروعهما، والتفعيل والتفعال كالترديد والترداد، دون فروعهما، "و" في نحو: "المطاوعة" كتعلم تعلما، وتدحرج تدحرجا، وتغافل وتغافلا، ولا يقضي بزيادتها في غير ما ذكر إلا بدليل.
واعلم أنه قد زيدت التاء أولا وآخرا وحشوا؛ فإما زيادتها أولا فمنه مطرد وقد تقدم، ومنه مقصود على السماع كزيادتها في تنضب، وتنفل، وتدرأ، وتحلئ، وأما زيادتها آخرا فكذلك منه مطرد وقد تقدم، ومنه مقصور عل السماع، كالتاء في نحو: رغبوت ورحموت وملكوت وجبروت، وفي ترتموت وهو صوت القوس عند الرمي؛ لأنه من الترنم، ووزنه تفعلوت، وفي عنكبوت، ومذهب سيبويه أن نون عنكبوت أصل؛ لقولهم في معناه العنكب؛ فهو عند رباعي، وذهب بعض النحاة إلى أنه ثلاثي ونونه زائدة، وأما زيادتها حشوا فلا تطرد إلا في الاستفعال والافتعال وفروعهما، وقد زيدت حشوا في ألفاظ قليلة، ولقلة زيادتها حشوا ذهب الأكثر إلى أصالتها في يستعور، وإلى كونها بدلا من الواو في كلتا.
__________
1 المشهور أن الضمير من "أنت" هو "أن"، والتاء حرف دال على تأنيث المخاطب المفرد أو المثنى أو الجمع، ويقابله قولان آخران: أولهما أن الضمير هو التاء و"أن" حرف عماد كما قيل في "إياك" ونحوه، وثانيهما أن الضمير هو مجموع "أن" والتاء.(4/69)
"وَالهَاءُ وَقْفَاً كَلِمَهْ وَلَمْ تَرَهْ" أي الهاء من حروف الزيادة كما سبق، إلا أن زيادتها قليلة في غير الوقف، ولم تطرد إلا في الوقف على ما الاستفهامية مجرورة، نحو: "لمه"، وعلى الفعل المحذوف اللام جزما أو وقفا، وعلى كل مبني على حركة لازمة إلا ما تقدم استثناؤه في باب الوقف، وهي واجبة في بعض ذلك، وجائزة في بعضه، وعلى ما تقدم في بابه، وأنكر المبرد زيادتها، وقال: إنها إنما تلحق في الوقف بعد تمام الكلمة للبيان، كما في نحو: {مَالِيَهْ} 1، و"يا زيداه" وللإمكان، كما في نحو: "دعه، وقه" كما قدمته؛ فهي كالتنوين وباء الجر، والصحيح أنها من حروف الزيادة وإن كانت زيادتها قليلة، والدليل على ذلك قولهم في أمات: أمهات، ووزنه فعلهات؛ لأنه جمع أم، وقد قالوا: أمات، والهاء في الغالب فيمن يعقل، وإسقاطها فيما لا يعقل، وقالوا في أم: أمهة، ووزنها فعله’، وأجاز ابن السراج أن تكون أصلية، وتكون فعله مثل قبرة أبهة، ويقوي قوله ما حكاه صاحب كتاب العين من من قولهم: تأمهت أما، بمعنى اتخذت، ثم حذفت الهاء فبقي أم، ووزنه فع؛ فإن جمع أمهة، وأمات جمع أم، وما ذهب إليه ابن السراج ضعيف؛ لأنه خلاف الظاهر، وأما حكاية صاحب العين فلا يحتج بها؛ لما فيه من الخطأ والاضطراب، قال في الفتح: ذاكرت بكتاب العين يوما شيخنا أبا علي؛ فأعرض عنه، ولم يرضه؛ لما فيه من القول المردود والتصريف الفاسد.
وزيدت الهاء في قولهم: "أهرقت الماء؛ فأنا أهريقه إهراقة" والأصل أراق يريق إراقة، وألف أراق منقلبة عن الياء، وأصل يريق يؤريق، ثم أبدلوا من الهمزة هاء، وإنما قالوا: يهريقه، وهو لا يقولون: أأريقه؛ لاستثقالهم الهمزتين، وقالوا أيضا: أهرق الماء يهرقه إهراقا، ولا جواب للمبرد عن زيادتها في أهراق إلا دعوى الغلط من قائله؛ لأنه لما أبدل الهمزة هاء توهم أنها فاء الكلمة؛ فأدخل الهمزة عليها وأسكنها، وادعى الخليل زيادة الهاء في هركولة وأنها هفعولة، وهي العظيمة الوركين؛ لأنها تركل في مشيها، والأكثرون على أصالتها، وأنها فِعَْلَوَْلَة.
وقال أبو الحسن: إنها زائدة في هبلع وهو الأكول، وهجرع وهو الطويل، فهما عنده هفلع؛ لأن الأول من البلع، والثاني من الجرع وهو المكان لسهل، وحجة الجماعة أن
__________
1 الحاقة: 28.(4/70)
العرب تقول في الهِجْرَعَيْن: هذا أهجرُ من هذا، أي أطول، وكذلك تقول في هلقامة وهو الأسد والضخم الطويل أيضا، ويجوز أن تكون زائدة في سهلب وهو الطويل لأن السلب أيضا الطويل، يقال: قرن سهلب1 وسلب أي طويل، ويجوز أن يكون من باب سبطر وسبط.
تنبيه: التحقيق أن لا تذكر هاء السكت مع حروف الزيادة لما تقدم.
"وَاللاَّمُ فِي الإشَارَةِ المُشْتَهِرَهْ" أي من حروف الزيادة واللام، والقياس يقتضي أن لا تزاد لبعدها من حروف المد؛ فلهذا كانت أقل الحروف زيادة ولم تطرد زيادتها إلا في الإشارة، نحو: ذلك وتلك وهناك، وأُولَالِك، وما سواها فبابه السماع، وقد سمع من كلامهم قولهم في عبد: عبدل، وفي الأفجح –وهو المتباعد الفخذين-: فحجل، وفي الهيق- وهو الظليم-: هيقل، وفي الفيشة –وهي الكمرة-: فيشلة، والطيس –وهو الكثير-: طيسل، ونقل عن أبي الحسن أن لام عبدل أصل، وهو مركب من عبد الله كما قالوا: عبشمي، ويبعده قولهم في زيد: زيدل، على أنه قال في الأوسط: اللام تزاد في عبدل وحده، وجمعه عبادلة؛ فيكون له قولان، نعم البواقي يحتمل أن تكون من مادتين كسبط وسبطر.
تنبيهان: الأول: حق لام أن لا تذكر مع أحرف الزيادة؛ لما قلناه في هاء السكت من أنها كلمة برأسها.
الثاني: ذكر في النظم من أحرف الزيادة تسعة، وسكت عن السين، وهي تزاد باطراد مع التاء في الاستفعال وفروعه، قيل: وبعد كاف المؤنثة وقفا، نحو: أكرمتكس وهي الكسكسة، ويلزم هذا القائل أن يعد شين الكشكشة، نحو: أكرمتكش، والغرض من الإتيان بهما بيان كسرة الكاف؛ فحكمهما حكم هاء السكت في الاستقلال، ولا تطرد زيادتها في غير ذلك، بل تحفظ كسين قدموس بمعنى قديم، وأسطاع يسطيع بقطع الهمزة وضم أول المضارع، فإن أصله عن سيبويه أطاع يطيع، وزيدت السين عوضا عن حركة عين الفعل؛ لأن أصل أطاع أطوع. والعذر للناظم أن السين لا تطرد زيادتها إلا في موضع واحد، وقد
__________
1 كذا في هذين الموضعين بتقديم الهاء على اللام، والذي في القاموس المحيط وغيره "سلهب" وذلك كما تقدم في مواضع من هذا الباب.(4/71)
مثل به في زيادة التاء؛ إذ قال "ونحو الاستفعال" فكأنه اكتفى بذلك، ولهذا قال في الكافية في ذكره زيادة التاء:
ومع سين زيد في استفعال ... وفرعه كاستقص ذا استكمال
ا. هـ.
937-
وَامْنَعْ زِيَادَةً بِلاَ قَيْدٍ ثَبَتْ ... إنْ لَمْ تَبَينْ حُجَّةٌ كَحَظِلتْ
"وَامْنَعْ زِيَادَةً بِلاَ قَيْدٍ ثَبَتْ" أي متى وقع شيء من هذه الحروف العشرة خاليا عما قيدت به زيادة فهو أصل "إنْ لَمْ تَبَينْ حُجَّةٌ" على زيادته "كحظلت" الإبل، إذا تأذت من أكل الحنظل؛ فسقوط النون في الفعل حجة على زيادتها في الحنظل، مع أنها خلت من قيد الزيادة وهو كونها آخرا بعد ألف مسبوق بأكثر من أصلين أو واقعة كما هي في، نحو: عضنفر كما سبق بيانه. وقد تقدمت أمثلة كثيرة مما حكم فيه بالزيادة لحجة مع خلوه من قيد الزيادة، فليراجع.(4/72)
فصل في زيادة همزة الوصل:
هو من تتمة الكلام على زيادة الهمزة، وإنما أفرده لاختصاصه بأحكام، وقد أشار إلى تعريف همزة الوصل بقوله:
938-
لِلوَصلِ هَمْزٌ سَابِقٌ لاَ يَثْبُت ... إلاَّ إذَا ابْتُدِي بِهِ كَاسْتَثْبَتُوا
أي همز الوصل كل همز ثبت في الابتداء وسقط في الدرج، وما يثبت فيهما فهو همز قطع، وقد اشتمل كلامه على فوائد: الأولى: أن همزة الوصل وضعت همزة لقوله "للوصل همز" وهذا هو الصحيح، وقيل: يحتمل أن يكون أصلها الألف، ألا ترى إلى ثبوتها ألفا، في نحو: "الرجل؟ " في الاستفهام لما لم يضطر إلى الحركة. الثانية: أن همزة الوصل لا تكون إلا سابقة؛ لأنه إنما جيء بها وصلة إلى الابتداء بالساكن، إذ الابتداء به متعذر. الثالثة: أنها لا تختص بقبيل، بل تدخل على الاسم والفعل والحرف، أخذ ذلك من إطلاقه، والمثال لا يخصص. الرابعة: امتناع إثباتها في الدرج إلا لضرورة كقوله [من الطويل] :
1219-
ألاَ لاَ أَرَى إثْنيْنِ أحْسَنَ شِيْمَةً ... عَلَى حَدَثَانِ الْدَّهْرِ مِنِّي وَمِنْ جُمْلِ
__________
1219- التخريج: البيت لجميل بثينة في ديوانه ص182؛ وكتاب الصناعتين ص151؛ والمحتسب 1/ 248؛ ونوادر أبي زيد ص204؛ ولابن دارة في الأغاني 21/ 255؛ بلا نسبة في خزانة الأدب 7/ 202؛ ورصف المباني ص41؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 341؛ وشرح التصريح 2/ 366؛ وشرح المفصل 3/ 19؛ ولسان العرب 14/ 117 "ثنى"؛ والمقاصد النحوية 4/ 569.(4/73)
واختلف في سبب تسميتها بهمزة الوصل مع أنها تسقط في الوصل، فقيل: اتساعا، وقيل: لأنها تسقط فيتصل ما قبلها بما بعدها، وهذا قول الكوفيين، وقيل: لوصول المتكلم بها إلى النطق بالساكن، وهذا قول البصريين. وكان الخليل يسميها سلم اللسان.
ثم أشار إلى مواضعها مبتدئا بالفعل لأنه الأصل في استحقاقها لما سأذكره بعد، فقال:
939-
وَهْوَ لِفِعْلٍ مَاضٍ احْتَوَى عَلَى ... أكْثَرَ مِنْ أرْبَعَةٍ، نحو انْجَلَى
940-
وَالأَمْرِ وَالْمَصْدَرِ مِنْهُ، وَكَذَا ... أَمْرُ الثُّلاَثِي كَاخْشَ وَامْضِ وَانْفُذَا
"وَهْوَ لِفِعْلٍ مَاضٍ احْتَوَى عَلَى أكْثَرَ مِنْ أرْبَعَةٍ" إما بها "نحو انجلى" وانطلق، أو سواها، نحو: استخرج "والأمر والمصدر منه" أي من المحتوى على أكثر من أربعة، نحو: انجلى انجلاء، وانطلق انطلاقا، واستخرج استخراجا. "وكذا أمر الثلاثي" الذي يسكن ثاني مضارعه لفظا، سواء في ذلك مفتوح العين ومكسورها ومضمومها "كَاخْشَ وَامْضِ وَانْفُذَا" فإن تحرك ثاني مضارعه لم يحتج إلى همزة الوصل ولو سكن تقديرا، كقولك في الأمر من مضارعها لفظا، والأكثر في الأمر منها حذف الفاء والاستغناء عن همزة الوصل.
941-
وَفِي اسْمٍ اسْتٍ ابْنٍ ابْنِمٍ سُمِعْ ... وَاثْنَيْنِ وَامْرِئٍ وَتَأْنِيْث تَبِعْ
942-
وأَيْمُنٍ وهمز أل كذا، ويبدل ... مدا في الاستفهام أو يسهل
وَفِي اسْمٍ اسْتٍ ابْنٍ ابْنِمٍ سُمِعْ ... واثنين وامرئ وتأنيث تبع، وايمن
__________
= شرح المفردات: الشيمة: الطليعة والخلق. حدثان الدهر: مصائبه.
الإعراب: "ألا": حرف استفتاح. "لا": حرف نفي. "أرى": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنا". "اثنين": مفعول به أول منصوب بالياء لأنه ملحق بالمثنى. "أحسن": مفعول به ثان منصوب. "شيمة": تمييز منصوب. "على حدثان": جار ومجرور متعلقان بـ"أحسن"، وهو مضاف. "الدهر": مضاف إليه مجرور. "متى": جار ومجرور متعلقان بـ"أحسن". و"ومن جمل": جار ومجرور معطوفان على "مني".
الشاهد: قوله: "اثنين" حيث جعل همزة الوصل في "اثنين" همزة قطع، وذلك لإقامة الوزن.(4/74)
فهذه عشرة أسماء؛ لأن قوله "وتأنيث تبع" عني به ابنه، واثنتين، وامرأة. ونبه بقوله "سمع" على أن افتتاح هذه الأسماء العشرة بهمز الوصل غير مقيس، وإنما طريقه السماع، وذلك أن الفعل لأصالته في التصرف استأثر بأمور: منها بناء أوائل بعض أمثلته على السكون؛ فإذا اتفق الابتداء بها صدرت بهمزة الوصل للامكان، ثم حملت مصادر تلك الأفعال عليها في إسكان أوائلها واجتلاب الهمز، وهذه الأسماء العشرة ليست من ذلك؛ فكان مقتضى القياس أن تبنى أوائلها على الحركة، ويستغني عن همزة الوصل، وإنما شذت عن القياس لما سأذكره.
أما "اسم" فأصله عند سيبويه سمو كقنو، وقيل: سمو كقفل، فحذفت لامه تخفيفا، وسكن أوله. وقيل: نقل سكون الميم إلى السين، وأتيى بالهمزة توصلا وتعويضا، ولهذا لم يجمعوا بينهما، بل أثبتوا أحدهما فقالوا في النسبة إليه: اسمي، أو سموي، كما عرف في موضعه، واشتقاقه عند البصريين من السمو، وعند الكوفيين من الوسم، ولكنه قلب، فأخرت فاؤه فجعلت بعد اللام، وجاءت تصاريفه على ذلك. والخلاف في هذه المسألة شهير فلا نطيل بذكره.
وأما "است" فأصله ستة؛ لقولهم: ستيهة، وأستاه، و"زيد أسته من عمرو" فحذفت اللام –وهي الهاء- تشبيها بحروف العلة، وسكن أوله، وجيء بالهمزة لما ذكر، وفيه لغتان أخريان: سه بحذف العين فوزنه فل، وست بحذف اللام فوزنه فع. والدليل على كون الأصل ستة بفتح الفاء فتحها في هاتين اللغتين. والدليل على التحريك والفتح في العين ما يذكر في ابن.
وأما "ابن" فأصله بنو كقلم، فعل به ما سبق في اسم واست. ودليل فتح فائه قولهم في جمعه بنون، وفي النسب بنوي بفتحها. ودليل تحريك العين قولهم في جمعه: أبناء، وأفعال إنما هو جمع فعل بتحريك العين. ودليل كونها فتحة كون أفعال في مفتوح العين أكثر منه في مضمونها كعضد وأعضاد، ومكسورها ككبد، وأكباد، والحمل على الأكثر. ودليل كون لامه واوا لا ياء ثلاثة أمور: أحدها: أن الغالب على ما حذف لامه الواو لا الياء. والثاني: أنهم قالوا في مؤنثه بنت فأبدلوا التاء من اللام، وإبدال التاء من الواو أكثر من إبدالها من الياء كما ستعرفه في موضعه. والثالث: قولهم: البنوة، ونقل ابن الشجري في أماليه أن بعضهم ذهب إلى أن المحذوف ياء، واشتقه من: "بنى بامرأته يبني بها"، ولا دليل(4/75)
في البنوة؛ لأنها كالفتوة وهي من الياء، ولو بنيت من حميت فعولة لقلت: حموة، وأجاز الزجاج الوجهين.
وأما "ابنم" فهو ابن زيدت فيه الميم للمبالغة، كما زيدت في زرقم. قال الشاعر [من الطويل] :
1220-
وَهَلْ لِيَ أُمٌّ غَيْرَهَا إنْ ذَكَرْتُهَا ... أبَى اللَّهُ إلاَّ أنْ أكُوْنَ لَهَا ابْنَمَا
وليست عوضا من المحذوف، وإلا لكان المحذوف في حكم الثابت ولم يحتج لهمزة الوصل.
وأما "اثنان" فأصله ثنيان بفتح الفاء والعين؛ لأنه من ثنيت، ولقولهم في النسبة إليه ثنوي، فحذفت لامه، وسكن أوله، وجيء بالهمز.
وأما "امرؤ" فأصله مرء؛ فخفف بنقل حركة الهمزة إلى الراء، ثم حذفت الهمزة، وعوض عنها همزة الوصل، ثم ثبتت عند عود الهمزة لأن تخفيفها سائغ أبدا؛ فجعل المتوقع كالواقع.
وأما تأنيث ابن واثنين وامرئ؛ فالكلام عليها كالكلام على مذاكرتها، والتاء في ابنة واثنتين للتأنيث كالتاء في امرأة كما أفهمه كلامه، بخلاف التاء في بنت وثنتين فإنها فيهما
__________
1220- التخريج: البيت للمتلمس في ديوانه ص30؛ والأصمعيات ص245؛ وخزانة الأدب 10/ 58، 59؛ والمقاصد النحوية 4/ 568؛ والمقتضب 2/ 93؛ وبلا نسبة في الخصائص 2/ 182؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 115؛ وشرح المفصل 9/ 133؛ والمصنف 1/ 58.
الإعراب: وهل: "الواو": بحسب ما قبلها، و"هل": حرف استفهام. لي: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. أم: مبتدأ مؤخر مرفوع. غيرها: نعت ماض، و"التاء": ضمير في محل رفع فاعل، و"ها": ضمير في محل نصب مفعول به، وهو فعل الشرط محله الجزم. أبي: فعل ماض. الله: فاعل مستتر فيه وجوبا تقديره: "أنا". لها: جار ومجرور متعلقان بصفة لـ"ابنما": خبر "أكون" منصوب، والميم للمبالغة.
وجملة "هل لي أم ... ": بحسب الفاء. وجملة "إن ذكرتها ... ": حالية محلها النصب. وجملة "ذكرتها": لا محل لها "فعل الشرط". وجملة "أبي الله": استئنافية لا محل لها. والمصدر المؤول من "أن أكون" في محل نصب مفعول به لـ"أبي".
الشاهد: قوله: "ابنما" حيث زيدت الميم للمبالغة، فإن أصلها: "ابنا".(4/76)
بدل من لام الكلمة؛ إذ لو كانت للتأنيث لم يسكن ما قبلها، ويؤيد ذلك قول سيبويه: لو سميت بهما رجلا لصرفتهما، يعني بنتا وأختا، وإفهام التأنيث مستفاد من أصل الصيغة، لا من التاء.
وأما "ايمُن" المخصوص بالقسم فألفه للوصل عند البصريين، وللقطع عند الكوفيين؛ لأنه عندهم جمع يمين، وعند سيبويه اسم مفرد من اليمن وهو البركة؛ فلما حذفت نونه فقيل: "أيم الله" أعاضوه الهمز في أوله، ولم يحذفوها لما أعادوا النون؛ لأنها بصدد الحذف كما قلنا في امر، وفيه اثنتا عشرة لغة جمعها الناظم في هذين البيتين:
همز أيم وايمن فافتح واكسر أو إم قل ... أو قل مِ أو منُ بالتثليث قد شكلا
وأيمن اختم به، والله كلا أضف ... إليه في قسم تستوف ما نقلا
ثم أشار إلى ما بقي مما يدخل عليه همزة الوصل بقوله: "همز أل كذا" أي همز وصل، ومعرفة كانت أو موصولة أو زائدة، ومذهب الخليل أن همزة "أل" قطع وصلت لكثرة الاستعمال، واختاره الناظم في غير هذا الكتاب، ومثل "أل" "أم" في لغة أهل اليمن.
تنبيهان: الأول: علم من كلامه أن همزة الوصل لا تكون في مضارع مطلقا، ولا في حرف غير "أل"، ولا في ماض ثلاثي ولا رباعي، ولا في اسم إلا مصدر الخماسي والسداسي والأسماء العشرة المذكورة.
الثاني: كان ينبغي أن يزيد "أيم" لغة في "أيمن"؛ فتكون الأسماء غير المصادر اثني عشر؛ فإن قيل: هي أيمن حذفت اللام، يقال: وابنم هو ابن وزيدت الميم، انتهى.
"وَيُبْدَلُ" همز الوصل المفتوح "مَدا فِي الاِسْتِفْهَام" وهو الأرجح "أوْ يُسَهَّلُ" بين الهمزة والألف مع القصر، ولا يحذف كما يحذف المضموم، من نحو قولك: اضطر الرجل، وكما يحذف المكسور، في نحو: {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا} 1، {أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} 2 لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر، ولا يحقق؛ لأن همز الوصل لا يثبت في الدرج إلا لضرورة كما مر،
__________
1 ص: 63.
2 المنافقون: 6.(4/77)
فنقول: آلحسن عندك، وآيمن الله يمينك، بالمد راجحا، وبالتسهيل مرجوحا، ومنه قوله [من الطويل] :
1221-
أألحقُ– إنْ دَارُ الرَّبَابِ تَبَاعَدَتْ ... أوْ انْبَتَّ حَبْلٌ أَنَّ قَلْبَكَ طَائِرُ
وقد قرئ بالوجهين في مواضع من القرآن، نحو: {آلذَّكَرَيْنِ} 1، {آلْآنَ} 2.
خاتمة: في مسائل؛ الأولى: اعلم أن لهمزة الوصل بالنسبة إلى حركتها سبع حالات: وجوب الفتح، وذلك في المبدوء بها "أل". ووجوب الضم، وذلك في نحو: انطلق واستخرج مبنيين للمفعول، وفي أمر الثلاثي المضموم العين في الأصل، نحو: اقتل واكتب، بخلاف امشوا وامضوا. ورجحان الضم على الكسر، وذلك فيما عرض جعل ضمة عينه كسرة، نحو: اغزي، قاله ابن الناظم، وفي تكملة أبي علي أنه يجب إشمام ما قبل ياء المخاطبة وإخلاص ضمة الهمزة، وفي التسهيل أن همزة الوصل تشم قبل الضم المشم. ورجحان الفتح على الكسر، وذلك في "ايمن" و"آيم". ورجحان الكسر على الضم، وذلك
__________
1221- التخريج: البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص133؛ والأغاني 1/ 127؛ وخزانة الأدب 10/ 277؛ والكتاب 3/ 136؛ ولجميل في محلق ديوانه ص237؛ وبلا نسبة في شرح التصريح 2/ 366؛ وشرح ابن عقيل ص689. وراجع ديوان كثير عزة ص368.
شرح المفردات: انبت حبل: أي انقطع، هنا بمعنى انقطت سبل المودة والألفة. قلبك طائر: كناية عن ذهاب العقل حزنا.
المعنى: يقول: إذا هجرتني الرباب وانقطع حبل المودة بيننا سوف أجن حزنا عليها.
الإعراب: "أألحق": الهمزة للاستفهام، "ألحق": مبتدأ مرفوع. "إن": حرف شرط جازم. "دار": فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، وهو مضاف. "الرباب": مضاف إليه مجرور. "تباعدت": فعل ماض، والتاء للتأنيث، وفاعله ضمير مستتر تقديره "هي". "أو": حرف عطف. "انبت": فعل ماض. "حبل": فاعل مرفوع بالضمة. "أن": حرف مشبه بالفعل. "قلبك": اسم "أن" منصوب وهو مضاف، والكاف ضمير في محل جر بالإضافة. "طائر": خبر "أن" مرفوع. والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها في محل رفع خبر المبتدأ "الحق".
وجملة "الحق ... " ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "إن دار ... " الشرطية اعتراضية لا محل لها من الإعراب. وجملة "تباعدت" تفسيرية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد في قوله: "أألحق" حيث نطق الشاعر بهمزة "أل" بين الألف والهمزة مع القصر، وهذا هو التسهيل، وهو قليل، والأكثر إبدال همزة أل الثانية لهمزة الاستفهام ألفا.
1 الأنعام: 143، 144.
2 يونس: 91.(4/78)
في كلمة "اسم". وجواز الضم والكسر والإشمام، وذلك في نحو: "اختار" و"انقاد" مبنيين للمفعول. ووجوب الكسر، وذلك فيما بقي، وهو الأصل.
الثانية: قد علم أن همزة الوصل إنما جيء بها للتوصل إلى الابتداء بالساكن؛ فإذا تحرك ذلك الساكن استغني عنها، نحو استتر، إذا قصد ادغام تاء الافتعال فيما بعدها نقلت حركتها إلى الفاء فقيل: ستر1، إلا لام التعريف إذا نقلت حركة الهمزة إليها في نحو: الأحمر فالأرجح إثبات الهمزة، فنقول: "الحمر قائم" ويضعف "لحمر قائم" والفرق أن النقل للإدغام أكثر من النقل لغير الإدغام.
الثالثة: إذا اتصل بالمضمومة شاكن صحيح أو جار مجراه جاز كسره وضمه، نحو: {أَنِ اقْتُلُوا} 2 {أَوِ انْقُصْ} 3.
الرابعة: مذهب البصريين أن أصل همزة الوصل الكسر، وإنما فتحت في بعض المواضع تخفيفا، وضمت في بعضها في بعضها اتباعا، وذهب الكوفيون إلى أن كسرها في "اضرب" وضمها في "اسكن" إتباعا للثالث، وأورد عدم الفتح في "اعلم"، وأجيب بأنها لو فتحت في مثله لالتبس الأمر بالخبر، والله اعلم.
__________
1 قال محي الدين عبد الحميد: "يلتبس هذا الماضي بعد النقل وحذف همزة الوصل بقولك: "ستر" مضعف العين، والفرق بينهما من ثلاثة أوجه: الأول أن هذا الماضي المحذوف همزة وصله وزنه "افتعل"، والآخر وزنه "فعل"، بتشديد العين – والثاني أن مضارع هذا الماضي يستر بفتح ياء المضارعة كيستتر الذي هو أصله، ومضارع الآخر يستر بضم ياء المضارعة كيقتل بتشديد التاء مكسورة. والثالث أن مصدر هذا الماضي المحذوف همزة الوصل ستارا ومصدر المضعف العين تستير مثل تقتيل، وسينص الشارح على هذه الفروق في مباحث الإدغام".
2 النساء: 66.
3 المزمل: 3.(4/79)
الإبدال:
[الفرق بين الإبدال والقلب والتعويض] :
الغرض من هذا الباب بيان الحروف التي تبدل من غيرها إبدالا شائعا لغير إدغام؛ فإن إبدال الإدغام لا ينظر إليه في هذا الباب؛ لأنه يكون في جميع حروف المعجم إلا الألف، كما أن الزائد للتضعيف لا ينظر إليه في حروف الزيادة لذلك، وأراد الإبدال ما يشمل اختص بحرف العلة والهمزة؛ لأنها تقارب حروف العلة بكثرة التغيير، وذلك كما في "قام" أصله: قوم؛ فألفه منقلبة عن واو في الأصل، وموسى ألفه عن الياء، وراس ألفه عن الهمزة، وإنما لينت لثبوتها؛ فاستحالت ألفا، والبدل لا يختص كما ستراه.
ويخالفهما التعويض؛ فإن العوض يكون في غير موضع المعوض منه كتاء "عدة"، وهمزة "ابن"، وياء "سفيريج"، ويكون عن حرف كما ذكر، وعن حركة كسين "أسطاع" كما تقدم.
وقد ضمن الناظم هذا البا أربعة أحكام من التصريف: الإبدال، والقلب، والنقل، والحذف.
[أحرف الإبدال الشائع] :
وأشار إلى حصر حروف البدل الشائع في التصريف بقوله:(4/80)
943-
أَحْرُفُ الإبْدَالِ "هَدَأتَ مُوْطِيَا ... فَأَبْدِلِ الْهَمْزَةَ مِنْ وَاوٍ وَيَا
944-
آخِرًا اثْرَ ألِفٍ زيدَ، وَفي ... فاعِلِ مَا أُعِلَّ عَيْنَاً ذَا اقْتُفِي
"أَحْرُفُ الإبْدَالِ هَدَأتَ مُوْطِيَا" وخرج بالشائع البدل الشاذ، نحو: إبدال اللام من نون "أصيلان" تصغير "أصيل" على غير قياس كما في "مغرب" و"مغيربان" في قوله [من البسيط] :
1222-
وقفْتُ فيها أُصَيْلالًا أُسائِلُها ... أعيَتْ جَوابًا، وما بالربْعِ مِنْ أَحَدِ
__________
1222- التخريج: البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص14؛ والأغاني 11/ 27؛ وخزانة الأدب 4/ 122، 124، 126، 11/ 36؛ والدرر 3/ 159؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 54؛ وشرح شواهد الإيضاح ص191؛ وشرح المفصل 2/ 80؛ والكتاب 2/ 321؛ ولسان العرب 11/ 17 "أصل"؛ واللمع ص151؛ والمقتضب 4/ 414؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص260؛ ورصف المباني ص324؛ ومجلس ثعلب ص504.
اللغة: الأصيلان: تصغير الأصيل وهو قت ما قبل غروب الشمس. أعيت: عجزت عن النطق. الربع: الدار حيث كانت، والموضع ينزلونه في فصل الربيع.
المعنى: وقف قبيل غروب الشمس يسائل الديار العاجزة عن جوابه، فهي خالية من الناس.
الإعراب: "وقفت": فعل ماض مبني على السكون، و"التاء": ضمير متصل في محل رفع فاعل. "فيها" جار ومجرور متعلقان بـ"وقفت". "أصيلالا": مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بـ"وقفت". "أسائلها": فعل مضارع مرفوع بالضمة، و"ها": ضمير متصل في محل نصب مفعول به، و"الفاعل": ضمير مستتر تقديره "أنا". "أعيت": فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة، و"التاء": للتأنيث لا محل لها، و"الفاعل": ضمير مستتر تقديره "هي". "جوابا": تمييز منصوب بالفتحة. "وما": "الواو": حرف استئناف، "ما": نافية تعمل عمل "ليس". "بالربع": جار ومجرور متعلقان بخبر "ليس" المقدر "ليس أحد موجودا بالربع". "من": حرف جر زائد. "أحد": اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه اسم "ليس".
وجملة "وقفت": ابتدائية لا محل لها. وجملة "أسائلها": في محل نصب حال. وجملة "أعيت": استئنافية لا محل لها. وجملة " وما الربع من أحد": استئنافية لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: "أصيلالا" حيث أبدل النون لاما، فأصلها أصيلان، تصغيرًا لوقت الأصل.(4/81)
ومن ضاد اضطجع في قوله [من الرجز] :
1223-
[لمَّا رأَى أنْ لا دَعَهْ ولا شِبَعْ] ... مَالَ إلَى أَرْطَاةِ حِقْفٍ فَالْطَجَعْ
والقليل، نحو: إبدال الجيم من الياء المشددة في الوقف، كقوله [من الرجز] :
1224-
خَالِي عُوَيْفٌ وَأبو عَلِجِّ ... المُطْعِمَانِ اللحْمَ بِالعشِجِّ
وبالغداة كُتَلَ الْبَرْنَجِّ ... يُقْلَعُ وبِالصِّيصِجِّ1
__________
1223- التخريج: الرجز لمنظور بن حية الأسدي في شرح التصريح 2/ 367؛ والمقاصد النحوية 4/ 584؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 340؛ وإصلاح المنطق ص95؛ والخصائص 1/ 63، 263، 2/ 350، 3/ 163، 326؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 321؛ وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 324، 3/ 266؛ وشرح شواهد الشافية ص274؛ وشرح المفصل 9/ 82، 10/ 46؛ ولسان العرب 5/ 304 "أبز"، 7/ 255 "أرط"، 8/ 219 "ضجع"، 14/ 325 "رطا"؛ والمحتسب 1/ 107؛ والممتع في التصريف 1/ 403؛ والمصنف 2/ 329.
شرح المفردات: الدعة: الاطمئنان. الأرطاة: نوع من الشجر ثمره كالعناب. الحقف: أصل الجبل، أو المعوج من الرمل. الطجع: مال إلى الأرض، اتكأ.
الإعراب: "لما": ظرف زمان متعلق ب"مال". "رأى": فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هو". "أن": حرف مشبه بالفعل مخفف، واسمه ضمير الشأن المحذوف. "لا": نافية للجنس. "دعه": اسم "لا" مبني في محل نصب. والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها سد مسد مفعولي "رأى". و"لا": الواو حرف عطف، "لا": حرف نفي. "شبع": معطوف على "دعة"، وسكن للضرورة الشعرية، وخبر "لا" محذوف. "مال": فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هو". "إلى أرطاة": جار ومجرور متعلقان بـ"مال"، وهو مضاف. "حقف": مضاف إليه مجرور. "فالطجع": الفاء حرف عطف. "الطجع": فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هو".
وجملة: "لما رأى ... مال" الشرطية ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "رأى ... " في محل جر بالإضافة. وجملة: "مال ... " لا محل لها من الإعراب لأنها جواب غير جازم. وجملة: "لا دعة" في محل رفع خبر "أن". وجملة "الطجع" معطوفة على جملة "مال".
الشاهد فيه قوله: "فالطجع"، وأصله: "فاضطجع" بعد إبدال تاء "افتعل" طاء لوقوعها بعد حرف من حروف الإطباق، وهو الضاد، ثم إبدال الضاد لاما، وهو إبدال شاذ.
1 تقدم بالرقم 888.
1224- التخريج: الرجز بلا نسبة في جمهرة اللغة ص42، 242؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 175؛ =(4/82)
وربما أبدلت دون وقف، كقولهم في "الأيل": "أجل"، ودون تشديد، كقوله [من الرجز] :
لا همَّ إنْ كُنْتَ قَبِلْتَ حِجَّتِجْ ... فَلاَ يَزَالُ شَاحِجٌ يَأتِيْكَ بِجْ1
أقْمُرنَّهاتٌ يُنَزِّي وَفْرَتِجْ
وتسمى هذه عجعجة قضاعة.
ومعنى "هدأت" سكنت، و"موطيا" من أوطأته جعلته وطيئا؛ فالياء فيه بدل من الهمزة، وذكره الهاء زيادة على ما في التسهيل؛ إذ جمعها فيه في "طويت دائما" ثم إنه لم يتكلم عليها هنا مع عده إياها، ووجهه أن إبدالها من التاء إنما يطرد في الوقف، على نحو:
__________
= وشرح التصريح 2/ 367؛ وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 287؛ وشرح شواهد الشافية ص212؛ وشرح المفصل 9/ 74، 10/ 55؛ والصاحبي في فقه اللغة ص55؛ والكتاب 4/ 182؛ ولسان العرب 2/ 320 "عجج"، 4/ 395 "شجر"؛ والمحتسب 1/ 75؛ والمقرب 2/ 29؛ والممتع في التصريف 1/ 353؛ والمصنف 2/ 178، 3/ 79.
شرح المفردات: علج: أي علي. العشج: أي العشي. البرنج: أي البرني، وهو تمر.
الإعراب: "خالي": مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. "عويف": خبر المبتدأ مرفوع. "وأبو": الواو حرف عطف، "أبو": معطوف على "عويف" مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. "علج": مضاف إليه مجرور. "المطمعان": خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "هما". "اللحم": مفعول به منصوب. "بالعشج": جار ومجرور متعلقان بـ"المطعمان". "وبالغداة": الواو حرف عطف، "بالغداة": معطوف على "بالعشج" مجرور. "كتل": مفعول به، وهو مضاف. "البرنج": مضاف إليه مجرور. "يقلع": فعل مضارع للمجهول. مرفوع، ونائب الفاعل: هو. "بالود": جار ومجرور متعلقان بـ"يقلع". "وبالصيصج": الواو: حرف عطف، "بالصيصج": جار ومجرور متعلقان بـ"يقلع".
وجملة: "خالي عويف" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "هما المطعمان" استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "أو علج"، وأصله: "أو علي". و"بالعشج" وأصله: "بالعشي"، فأبدل الياء جيما على لغة بعض العرب.
1 تقدم بالرقم 888.(4/83)
"رحمة ونعمة" وذلك مذكور في باب الوقف، وأما إبدالها من غير التاء فمسموع كقولهم "هياك"، و"لهنك قائم"، و"هرقت الماء"، و"هردت الشيء"، و"هرحت الدابة".
تنبيهات: الأول: ذكر في التسهيل أن حروف البدل الشائع –يعني في كلام العرب_ اثنان وعشرون حرفا، وهذه التسعة المذكورة هنا حروف الإبدال الضروري في التصريف؛ فقال: يجمع حروف البدل الشائع في غير إدغام قولك: "لجد صرف شكس آمن طي ثوب عزته"، والضروري في التصريف هجاء "طويت دائما"، وهذا كلامه. فأفهم أن باقي حروف المعجم –وهي الحاء والخاء والذال والظاء والضاد والغين والقاف –قد تبدل على وجه الشذوذ، وقد قال ابن جني في قراءة الأعمش "فَشَرِّذْ بِهِمْ"1 بالذال المعجمة: إن الذال بدل من الدال، كما قالو: لحم خزاذل وخرادل. والمعنى الجامع لهما أنهما مجهوران ومتقاربان، وجرجها الزمخشري على القلب بتقديم اللام على العين من قولهم: "شذر مذر". وأفهم أيضا أن من الشائع ما تقدم من إبدال اللام من النون ومن الضاد، ومن إبدال الجيم من الياء، وكذا إبدال النون من اللام، كقولهم في "الرفل" وهو الفرس الذيال: رفن، ومن الميم كقولهم في "أمغرت الشاة" إذا خرج لبنها أحمر كالمغرة: أنغرت، وينبغي أن لا يسمى ذلك شائعا، بل الشائع في ذلك ما اطرد أو كثر في بعض اللغات كالعجعجة في لغة قضاعة، والعنعنة كقولهم: "ظننت عنك ذاهب"، أي أنك، والكشكشة في لغة تميم، كقولهم في خطاب المؤنث "ما الذي جاء بشِ" يريدون بك، وقراءة بعضهم: "قَدْ جَعَلَ رَبُّشِ تَحْتَشِ سَرِيًّا"2 والكسكسة في لغة بكر، كقولهم في خطاب المؤنث: "أبوسِ"، و"أمسّ" يريدون "أبوك" و"أمك".
قال في شرح الكافية: وهذا النوع من الإبدال جدير بأن يذكر في كتب اللغة، لا في كتب التصريف، وإلا لزم أن تذكر العين؛ لأن إبدالها من الهمزة المتحركة مطرد في لغة بني تميم، ويسمى ذلك عنعنة، وكان يلزم أيضا أن يذكر الكاف لأن إبدالها من تاء الضمير مطرد، كقول الراجز:
__________
1 الأنفال: 57.
2 مريم: 24.(4/84)
1225-
يا ابْنَ الْزّبَيْرِ طَالَمَا عَصَيْكَا ... وَطَالَمَا عَنَّيْتَنَا إِلَيْكَا
أراد عصيت، وأمثال هذا من الحروف المبدلة من غيرها كثيرة. وإنما ينبغي أن يعد في الإبدال التصريفي ما لو لم يبدل أوقع في الخطأ أو مخالفة الأكثر؛ فالموقع في الخطأ كقولك في مال مول، والموقع في مخالفة الأكثر كقولك في سقاة: سقاية. هذا كلامه.
الثاني: عد كثير من أهل التصريف حروف الإبدال اثني عشر حرفا، وجمعوها في تراكيب كثيرة: منها "طال يوم أنجدته"، وأسقط بعضهم اللام، وعدها أحد عشر، وجمعها في قوله: "أجد طويت منها"، وزاد بعضهم الصاد والزاي، وعدها أربعة عشر، وجمعها في قوله: "أنصت يوم زل طاه جد"، وعدها الزمخشري ثلاثة عشر، وجمعها في "استنجده يوم طال" قال ابن الحاجب: هو وهم؛ لأنه أسقط الصاد والزاي وهما من حروف الإبدال، كقولهم: زراط، وزقر، في صراط وصقر، وزاد السين وليست من حروف الإبدال، فإن
__________
1225- التخريج: الرجز لرجل من حمير في خزانة الأدب 4/ 428، 430؛ وشرح شواهد الشافية ص425؛ وشرح شواهد المغني ص446؛ ولسان العرب 15/ 445 "تا"؛ والمقاصد النحوية 4/ 591؛ ونوادر أبي زيد ص105؛ وبلا نسبة في لسان العرب 15/ 193 "قفا"؛ والجني الداني ص468؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 280؛ وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 202؛ ومغني اللبيب 1/ 153؛ والمقرب 2/ 183.
اللغة: عصيك: عصيت، وعنيتنا: أتعبتنا بالمجيء إليك.
المعنى: يا ابن الزبير لقد استمر عصيانك علينا زمنا طويلا، كما أنك أتعبتنا بالمجيء إليك.
الإعراب: يا: حرف نداء. ابن: منادى مضاف منصوب. الزبير: مضاف إليه طال: فعل ماض. ما: حرف مصدري، والمصدر المؤول من "ما" والفعل "عصيت" فاعل للفعل "طال" والتقدير: "طال عصيانك. عصيك: فعل ماض، و"الكاف": ضمير مبني على الفتح في محل رفع فاعل، والألف للإطلاق، و"الواو": حرف عطف. طالما: مثل الأولى. عنيتنا: فعل ماض. و"التاء": فاعل، و"نا": مفعول به إليك: جار ومجرور متعلقان بـ"عنيتنا" لأنه بمعنى "استقدمتنا".
وجملة "يا ابن": ابتدائية لامحل لها. وجملة "طال عصيانك": استئنافية لا محل لها. وجملة "عصيت": صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة "طال تعنيتك لنا": معطوفة على "طال عصيانك". وجملة "عنيتنا": صلة الموصول الحرفي لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: "عصيكا" حيث أبدل "الكاف" مكان "التاء" بدلا تصريفيا لضرورة القافية، ولم يجعلها ضميرا ناب عن ضمير.(4/85)
أورد "اسمع" ورد "اذكر" و"اظلم"؛ لأنه من باب الإدغام، لا من باب الإبدال المجرد، هذا كلامه، قلت: قد أجاز النحاة في "استخذ" أن يكون أصله اتخذ، فأبدلوا من التاء الأولى السين، كما أبدلوا التاء من السين في "ست" إذ أصله سدس، فلعله نظر إلى ذلك. والذي ذكره سيبويه أحد عشر حرفا: ثمانية من حروف الزيادة، وهي ما سوى اللام والسين، وثلاثة من غيرها، وهي الدال والطاء والجيم.
[معرفة الإبدال] :
الثالث: يعرف الإبدال بالرجوع في بعض التصاريف إلى المبدل منه لزوما أو غلبة؛ فالأول نحو: "جدف"، فإن فاءه بدل من ثاء "جدث"؛ لأنهم قالوا في الجمع: أجداث، بالثاء فقط، والثاني، نحو: "أفلط" أي: أفلت، فإن طاءه بدل من التاء؛ لأن التاء أغلب في الاستعمال، وكذا قولهم في لص: لصت، التاء بدل من الصاد؛ لأن جمعه على "لصوص" أكثر من "لصوت".
فإن لم يثبت ذلك في ذي استعمالين فهو من أصلين، نحو: أرخ وورخ، ووكد وأكد؛ لأن جميع التصاريف جاءت بهما، فليس أحدهما بدلا من الآخر.
وقال ابن الحاجب: يعرف البدل بكثرة اشتقاقه كتراث؛ فإن أمثلة اشتقاقه ورث ووارث وموروث، وبقلة استعماله كقولهم "الثعالي" في الثعالب، و"الأراني" في الأرانب، وأنشد سيبويه [من البسيط] :
1226-
لَهَا أَشَارِيْرُ مِنْ لَحْمٍ تُتَمِّرُه ... مِن الثَّعَالِي وَوَخزٌ مِنْ أرَانِيْهَا
__________
1226- التخريج: البيت لأبي كاهل النمر بن تولب اليشكري في الدرر 3/ 47؛ والمقاصد النحوية 4/ 583؛ ولأبي كاهل اليشكري في شرح أبيات سيبويه 1/ 560؛ وشرح شواهد الشافية ص443؛ ولسان العرب 1/ 433 "رنب"، و4/ 93 "تمر"، 401 "شرر"، 5/ 428 و"خز"؛ ولرجل من بني يشكر في الكتاب 2/ 273؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص 327؛ وجمهرة اللغة ص395، 1246؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 742؛ وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 212؛ وشرح المفصل 10/ 24؛ والشعر والشعراء 1/ 107؛ وكتاب الصناعتين ص151؛ ولسان العرب 1/ 237 "ثعب"، 11/ 84 "ثعل", 12/ 66 "تلم"؛ والمقتضب 1/ 247؛ والممتع في التصريف 1/ 369؛ وهمع الهوامع 1/ 181؛ 2/ 157.
اللغة: الأشارير: قطع قديد من اللحم. تمر: جفف. الثعالي: الثعالب. الوخز: الشيء القليل. =(4/86)
قال ابن جني: يحتمل أن يكون "الثعالي" جمع "ثعالة" ثم قلب؛ فيكون كقولهم "شراعي" في شرائع، والذي قاله سيبويه أولى؛ ليكون كأرانيها، وأيضا فإن ثعالة اسم جنس، وجمع أسماء الأجناس ضعيف، يعني بقوله اسم جنس علم جنس.
وبكونه فرعا والحرف زائد كضويرب تصغير ضارب؛ لأنه لما علم الأصل علم أن هذه الواو مبدلة من الألف.
ويكونه فرعا وهو أصل كمويه؛ فإنه تصغير "ما"، فلما صغر على مويه علم أن الهمزة مبدلة من هاء.
وبلزوم بناء مجهول، نحو: "هراق" يحكم بأن أصله أراق؛ لأنه لو لم يكن كذلك لوجب أن يكون وزنه هفعل وهو بناء مجهول.
[إبدال الواو والياء والألف همزة] :
"فَأَبْدِلِ الْهَمْزَةَ مِنْ وَاوٍ وَيَا آخِرًا اثْرَ ألِفٍ زيدَ" أي تبدل الهمزة من الواو والياء وجوبا في أربع مسائل:
الأولى: هذه، وهي: إذا تطرفت إحداهما بعد ألف زائدة، نحو: كساء وسماء ودعاء، ونحو: وبناء وظباء وقضاء، بخلاف نحو: قاول وبايع، وتعاون وتباين، لعدم التطرف، ونحو: غزو وظبي لعدم الألف، ونحو: "واو، وآي" لعدم زيادة الألف؛ لأنها أصلية فيهما فلا إبدال، وإلا لتوالى إعلالان، وهو ممنوع.
تنبيهات: الأول: تشاركهما في ذلك الألف، في نحو: "حمراء" فإن أصلها حمرى
__________
= الإعراب: لها: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. أشارير: مبتدأ مؤخر مرفوع. من لحم: جار ومجرور متعلقان بصفة لـ"أشارير". تتمره: فعل مضارع مرفوع، و"الهاء": ضمير في محل نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هي". من الثعالي: جار ومجرور متعلقان بصفة لـ"أشارير". ووخز: "الواو": حرف عطف، "وخز": معطوف على "أشارير" مرفوع. من أرانيها: جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة "وخز"، وهو مضاف، و"ها": ضمير في محل جر بالإضافة.
وجملة "لها أشارير": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "تتمره": في محل جر نعت "لحم".
الشاهد فيه قوله: "الثعالي" و"أرانيها" حيث أبدل الباء بباء، وأصلهما: "الثعالب"، و"أرانب".(4/87)
كسكرى؛ فزيدت الألف قبل الآخر للمد كألف كتاب وغلام، فأبدلت الثانية همزة، فكان الأحسن أن يقول كما قال في الكافية:
من حرف لين آخر بعد ألف ... مزيدٍ أبدل همزة وذا ألف
الثاني: هذا الإبدال مستصحب مع هاء التانيث العارضة، نحو: "بناء وبناءة" فإن كانت هاء التأنيث غير عارضة امتنع الإبدال، نحو: "هداية، وسقاية، وإداوة، وعداوة"؛ لأن الكلمة بنيت على التاء، أي أنها لم تبن على مذكر. قال في التسهيل: وربما صح مع العارضة وأبدل مع اللازم؛ فالأول كقولهم في المثل "اسق رقاش فإنها سقاية"1؛ لأنه لما كان مثلا –والأمثال لا تغير- أشبه ما بني على هاء التأنيث، ومنهم من يقول "فإنها سقاءة" بالهمز كحاله في غير المثل. والثاني كقولهم "صلاءة" في صلاية.
وحكم زيادتي التثنية حكم هاء التأنيث في اسصحاب هذا الإبدال، نحو: "كساءين" و"رداءين" فإن بنيت الكلمة على التثنية امتنع الإبدال، وذلك كقولهم: "عقلته بثنايين" وهما طرفا العقال.
الثالث: قد أورد على الضابط المذكور مثل "غاوي" في النسب2 إذا رخمته على لغة من لا ينوي؛ فإنك تقول "يا غاو" بضم الواو من غير إبدال، مع اندراجه في الضابط المذكور، وإنما لم يبدل لأنه قد أعل بحذف لامه؛ فلم يجمع فيه بين إعلالين، فلو أتى موضع قوله: "آخر" بـ"لا ما" فقال: "لا ما بإثر ألف زيد" لاستقام.
الرابع: اختلف في كيفية هذا الإبدال؛ فقيل: أبدلت الياء والواو همزة، وهو ظاهر كلام المصنف، وقال حذاق أهل التصريف: أبدل من الواو والياء ألف ثم أبدلت الألف همزة، وذلك أنه لما قيل كساو ورداي تحركت الواو والياء بعد فتحة، ولا حاجز بينهما إلا
__________
1 ورد المثل في جمهرة الأمثال 1/ 56؛ وزهر الأكم 3/ 171؛ والعقد الفريد 3/ 100؛ وكتاب الأمثال ص138؛ ولسان العرب 14/ 392 "سقي"؛ والمستقصي 1/ 170؛ ومجمع الأمثال 1/ 333.
ورقاش: اسم امرأة. يقول: أحسن إلى رقاش فإنها محسنة، يضرب في الإحسان إلى المحسن.
2 قال محي الدين عبد الحميد:
"ظاهره أن قوله: "في النسب" قيد في الكلام، وليس الأمر على هذا الظاهر، فإن "غاويا" إذا نودي بعد صيرورته علما ورخم، قيل فيه ذلك على لغة من ينتظر، على أن الواو في "يا غاو" ليست متطرفة، بل هي حشو، وذلك لأن الحذف عارض والمحذوف مراعى.(4/88)
الألف الزائدة وليست بحاجز حصين لسكونها وزيادتها، وانضم إلى ذلك أنهما في محل التغيير وهو الطرف، فقلبا ألفا –حملا على باب عصا ورحا- فالتقى ساكنان، فقلبت الألف الثانية همزة؛ لأنها من مخرج الألف، انتهى.
ثم أشار إلى الثانية بقوله "وفي * فاعل ما أعل عينا ذا اقتفى" أي اتبع، "ذا": إشارة إلى إبدال الواو والياء همزة.
أي يجب إبدال كل من الواو والياء همزة إذا وقعت عينا لاسم فاعل أعلت عين فعله، نحو: "قائل"، و"بائع" الأصل: قاول وبايع، فحملا على الفعل في الإعلال، بخلاف، نحو: عور فهو عاور وعين فهو عاين.
تنبيهات: الأول: هذا لإبدال جاز فيما كان على فاعل وفاعلة، ولم يكن اسم فاعل، كقولهم "جائز" وهو البستان، قال [من الرمل] :
صَعْدَةٌ نَابِتَةٌ فِي جَائِزٍ ... أيْنمَا الرِّيْحُ تُمَيِّلُهَا تَمِلْ1
وكقولهم "جائزة" وهي خشبة تجعل في وسط السقف، وكلام الناظم هنا وفي الكافية لا يشمل ذلك، وقد نبه عليه في التسهيل.
الثاني: اختلف في هذا الإبدال أيضا؛ فقيل: أبدلت الواو والياء همزة كما قال المصنف، وقال الأكثرون: بل قلبتا ألفا، ثم أبدلت الألف همزة كما تقدم في "كساء" و"رداء"، وكسرت الهمزة على أصل التقاء الساكنين، وقال المبرد: أدخلت ألف "فاعل" قبل الألف المنقلبة في قال وباع وأشباههما، فالتقى ألفان وهما ساكنان، فحركت العين لأن أصلها الحركة، والألف إذا تحركت صارت همزة.
الثالث: يكتب نحو: "قائل"، و"بائع" بالياء على حكم التخفيف؛ لأن قياس الهمزة في ذلك أن تسهل بين الهمزة والياء، فلذلك كتبت ياء، وأما إبدال الهمزة في ذلك ياء محضة فنصوا على أنه لحن، وكذلك تصحيح الياء في "بائع". ولو جاز تصحيح الياء في "بائع" لجاز تصحيح الواو في "قائل"، ومن ثم امتنع نقط الياء من "قائل"، و"بائع". قال المظرزي: نقط الياء من "قائل" و"بائع" عامي. قال: ومر بي في بعض تصانيف أبي الفتح
__________
1 تقدم بالرقم 1072(4/89)
ابن جني أن أبا علي الفارسي دخل على واحد من المسمين بالعلم، فإذا بين يديه جزء مكتوب فيه "قائل" بنقطتين من تحت، فقال أبو علي لذلك الشيخ: هذا خط من؟ فقال: خطي، فالتفت إلى صاحبه، وقال: قد أضعنا خطواتنا في زيارة مثله، وخرج من ساعته، ا. هـ.
ثم أشار إلى الثالثة بقوله:
945-
وَالْمَدُّ زِيدَ ثَالِثاً فِي الوَاحِدِ ... هَمْزًا يُرَى فِي مِثْلِ كالْقَلاَئِدِ
أي يجب إبدال حرف المد الزائد الثالث همزة، إذا جمع على مثال مفاعل، نحو: "رعوفة ورعائف، وقلادة وقلائد، وصحيفة وصحائف، وعجوز وعجائز، وسليق وسلائق، وشمال وشمائل"، بخلاف نحو؛ "قسورة وقساور" لعدم المد، وبخلاف نحو: "مفازة ومفاوز، ومعيشة ومعايش، ومثوبة ومثاوب" لعدم الزيادة، وشذ "مصائب، ومنائر" والأصل مصاوب ومناور، وقد نطق فيهما بهذا الأصل، وبخلاف نحو: "صيرف وعوسج وحائط ومفتاح وقنديل ومكوك" لعدم كونه ثالثا.
ثم أشار إلى الرابعة بقوله:
946-
كَذَاكَ ثَانِي لَيِّنيْنِ اكْتَنَفَا ... مَدّ مَفَاعِلَ كَجَمْعِ نَيِّفَا
نيفا: نصب على المفعول به بالمصدر المنون وهو جمع، وأضافه في الكافية للفاعل فقال "كجمع شخص نيفا".
أي: يجب أيضا إبدال كل من الواو والياء همزة إذا وقع ثاني حرفين لينين بينهما ألف مفاعل، سواء كان اللينان ياءين كنيائف جمع نيف، أو واوين كأوائل جمع أول، أو مختلفين كسيائد جمع سيد وأصله سيود، وصوائد جمع صائد، والأصل سياود وصوايد.
واعلم أن ما اقتضاه إطلاق الناظم هو مذهب الخليل وسيبويه ومن وافقهما، وذهب الأخفش إلى أن الهمزة في الواوين فقط، ولا يهمز في الياءين، ولا في الواو مع الياء،(4/90)
فيقول: نيايف وسياود وصوايد، على الأصل، وشبهته أن الإبدال في الواوين إنما كان لثقلهما، ولأن لذلك نظيرا، وهو اجتماع الواوين أول كلمة، وأما إذا اجتمعت الياآان أو الياء والواو فلا إبدال؛ لأنه إذا التقت الياآان أو الياء والواو أول كلمة فلا همز، نحو: "يَيَن ويَوم" اسم موضع1.
واحتج أيضا بقول العرب في جمع "ضيون" –وهو ذكر السنانير- ضياون من غير همز، والصحيح ما ذهب إليه الأولان للقياس والسماع؛ أما القياس فلأن الإبدال في نحو: "أوائل" إنما هو بالحمل على "كساء" و"رداء"؛ لشبهه به من جهة قربه من الطرف، وهو في "كساء" و"رداء" لا فرق بين الياء والواو، فكذلك هنا. وأما السماع فحكى أبو زيد في سيقة سيائق، بالهمزة، وهو فعيلة1 من ساق يسوق. وحكى الجوهري في تاج اللغة جيد وجيائد، وهو من "جاد"، وحكى أبو عثمان عن الأصمعي في جمع "عيل": عيائل. وأما ضياون فشاذ مع أنه لما صح في واحده صح في الجمع فقالوا: ضياون كما قالوا: ضيون، وكان قياسه ضين، والصحيح أنه لا يقاس عليه.
تنبيهات: الأول: فهم من قوله "مد مفاعل" اشتراط اتصال المد بالطرف، فلو فصل بمدة شائعة ظاهرة أو مقدرة فلا إبدال؛ فالأولى نحو: طواويس، والثانية نحو، قوله [من الرجز] :
1227-
وَكَحَلَ الْعَيْنَيْنِ بِالْعَوَاوِر
أراد بالعواوير، لأنه جمع عوار، وهو الرمد، فحذفت الياء ضرورة؛ فهي في تقدير الموجودة. أما الفصل بمدة غير شائعة فلا أثر له، ويجب الإبدال كقوله [من الرجز] :
__________
1 اسم الموضع هنا هو "يَين"، بتسكين الياء الساكنة كما في معجم البلدان 5/ 454؛ ومعجم ما استعجم ص1404، وهو اسم واد بين ضاحك وضويحك، وهما جبلان أسفل الفرش، وقيل: موضع في بلاد خزاعة، وقيل غير ذلك. "انظر: معجم البلدان 5/ 454" وقد ضبطت بطبعة محيي الدين عبد الحميد "بين" بفتح الياء الثانية، وأما "يوم" فهو وصف من "اليوم"، يقال: "يوم يوم".
2 الصواب أنه على وزن "فيعلة".
1227- التخريج: الرجز للعجاج في الخصائص 3/ 326؛ وليس في ديوانه؛ ولجندل بن المثنى الطهوي في شرح أبيات سيبويه 2/ 429؛ وشرح التصريح 2/ 369؛ وشرح شواهد الشافية ص374؛ والمقاصد النحوية 4/ 571؛ وبلا نسبة في الإنصاف 2/ 785؛ والخصائص 1/ 195، 3/ 164؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 771؛ وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 131؛ وشرح المفصل 5/ 70، 10/ 91، 92؛ والكتاب 4/ 370؛ ولسان العرب 4/ 615 "عور" والمحتسب 1/ 107، 124؛ والممتع في التصريف 1/ 339؛ =(4/91)
1228-
فِيْهَا عَيَائِيْلُ أُسُوْدٍ وَنُمُر
الأصل عيائل، لكنه أشبع الهمزة اضطرارا فنشأت الياء، كقوله [من البسيط] :
[تَنْفِي يَدَاها الحصَى في كلِّ هاجِرَة ... نَفْيَ الدَّراهِم] تنقاد الصياريف1
لأنه جمع عيل واحد العيال. قال الصغاني: واحد العيال عيل، والجمع عيائل مثل جيد وجيائد.
الثاني: لا يختص هذا الإبدل بتالي ألف الجمع، كما أوهمه كلامه، بل لو بنيت من القول مثل عوارض قلت "قوائل" بالهمز، هذا مذهب سيبويه والجمهور، وعليه مشى في التسهيل، وخالف الأخفش والزجاج فذهبا إلى منع الإبدال في المفرد لخفته.
الثالث: حكم هذه الهمزة في كتابتها ياء ومنع النقط كما سبق في "قائل" و"بائع".
ثم أشار إلى تقييد ما أطلقه من الحكم في الهمز المبدل مما بعد ألف مفاعل في النوعين المذكورين – أعني ما استحق الهمز لكونه مدا مزيدا في الواحد، وما استحق الهمز لكونه ثاني لينين اكتنفا مد "مفاعل"- بقوله:
947-
وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيْمَا أُعِلْ ... لاَمَاً، وَفِي مِثْلِ هِرَاوَةٍ جُعِلْ
__________
= شرح المفردات: العواور: ج عوار، وهو ما يسقط في العين فيسبب لها ألما.
المعنى: يصف الراجز ما أحل به من قذى في العين وألم بعد أن كبرت سنة.
الإعراب: "وكحل": الواو بحسب ما قبلها، "كحل": فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هو". "العينين": مفعول به منصوب بالياء لأنه مثنى. "بالعواور": جار ومجرور متعلقان بـ"كحل".
الشاهد: فيه قوله: "تصحيح واو "العواور" الثانية لأنه ينوي الياء المحذوفة، والواو إذا وقعت في هذا الموضع تهمز لبعدها عن الطرف الذي هو أحق بالتغيير والاعتلال، ولو لم تكن منوية في للزم همزها كما همزت "أواول" فقيل: "أوائل" في جمع "أول".
1228- التخريج: الرجز لحكيم بن معية في شرح أبيات سيبويه 2/ 397؛ ولسان العرب 5/ 234 "نمر"؛ والمقاصد النحوية 4/ 586.
اللغة: عيائيل: جمع العيل، وهو واحد العيال، والمقصود هنا: أشبال الأسود.
الإعراب: فيها: جار ومجرور متعلقان بخبر مقدم. عيائيل: مبتدأ مؤخر. أسود: يدل من عيائيل. ونمر: الواو للعطف، و"نمر" معطوف على أسود.
والشاهد فيه قوله: "عيائيل" حيث أبدل الياء همزة وأشبع كسرتها ياء.
1 تقدم بالرقم 690.(4/92)
"وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيْمَا أُعِلْ لاَمًا" فالألف واللام في الهمز للعهد، أي يجب في هذين النوعين إذا اعتلت لامها أن يخففا بإبدال كسرة الهمزة فتحة، ثم إبدالها ياء فيما لامه همزة أو ياء أو واو ولم تسلم في الواحد.
فالنوع الأول مثال ما لامه همزة منه خطيئة وخطايا، ومثال ما لامه ياء منه هدية وهدايا، ومثال ما لامه واو منه لم تسلم في الواحج مطية ومطايا.
فأصل خطايا خطاييء بياء مكسورة وهي ياء خطيءة وهمزة بعدها هي لامها، ثم أبدلت الياء همزة علىحد الإبدال في صحائف فصار خطائئ بهمزتين، ثم أبدلت الثانية ياء؛ لما سيأتي من أن الهمزة المتطرفة بعد همزة تبدل ياء وإن لم تكن بعد مكسورة، فما ظنك بها بعد المكسورة؟ ثم فتحت الأولى تخفيفا، ثم قلبت الياء ألف لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار خطاءا بألفين بينهما همزة، والهمزة تشبه الألف، فاجتمع شبه ثلاث ألفات، فأبدلت الهمزة ياء فصار خطايا، بعد خمسة أعمال.
وأصل هدايا هدايي بياءين الأولى ياء فعيلة والثانية لام هدية، ثم أبدلت الأولى همزة كما في صحائف، ثم قلبت كسرة الهمزة فتحة، ثم قلبت الياء ألفا، ثم قلبت الهمزة ياء فصار هدايا، بعد أربعة أعمال.
وأصل مطايا مطايو –لأن أصل مفرده وهو مطية مطيوة فعيلة من المطا وهو الظهر، أبدلت الواو ياء، وأدغمت الياء فيها على حد ما فعل بسيد وميت- فقلبت الواو ياء لتطرفها بعد كسرة كما في الغازي والداعي، ثم قلبت الياء الأولى همزة كما في صحائف، ثم أبدلت الكسرة فتحة، ثم الياء ألفا، ثم الهمزة ياء، فصار مطايا، بعد خمسة أعمال.
وإن كانت الهمزة أصلية سلمت، نحو: المرآة والمرائي؛ فإن الهمزة موجودة في المفرد؛ فإن المرآة مفعلة من الرؤية، فلا تغير في الجمع، وشذ مرايا كهدايا سلوكا بالأصلي مسلك العارض، كما شذ عكسه وهو السلوك بالعارض مسلك الأصلي في قوله [من الطويل] :
فما برحت أقدامنا في مكاننا ... ثلاثتنا حتى أزيروا المنائيا1
وقول بعض العرب: اللهم اغفر لي خطائئي، بهمزتين.
والنوع الثاني مثاله زاوية وزواها، أصله زوائي، بإبدال الواو همزة لكونها ثاني لينين
__________
1 تقدم بالرقم 864.(4/93)
اكتنفا مد مفاعل، ثم خفف بالفتح فصار زواءي؛ ثم قلبت الياء ألفا فصار زواءا، ثم قلبت الهمزة ياء، على نحو ما تقدم في هدايا.
تنبيه: أدرج الناظم هنا الهمزة في حروف العلة، حسبما حمل الشارح كلامه على ذلك، ولكنه غاير بينهما في التسهيل. وفي الهمزة ثلاثة أقوال: أحدها حرف صحيح، والثاني حرف علة، وإليه ذهب الفارسي، والثالث أنها شبيهة بحرف العلة، انتهى.
وأشار بقوله: "وَفِي مِثْلِ هِرَاوَةٍ جُعِلْ وَاوًا" إلى أن المجموع على مثال مفاعل إذا كانت لامه واوا لم تعل في الواحد، بل سلمت فيه كواو هراوة، جعل موضع الهمزة في جمعه واو، فيقال: هراوي، والأصل هرائو، بقلب ألف هراوة همزة، ثم هرائي، بقلب الواو ياء لتطرفها بعد الكسرة، ثم خففت بالفتح فصار هراءي، ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار هراءا، فكرهوا ألفين بينهما همزة لما سبق، فأبدلوا الهمزة واوا؛ طلبا للتشاكل؛ لأن الواو ظهرت في واحده رابعة بعد ألف، فقصد تشاكل الجمع لواحده فصار هراوي، بعد خمسة أعمال.
تنبيهات: الأول: إنما ترد الهمزة ياء فيما أعل لاما من الجمع المذكور إذا كانت عارضة كما رأيت، فإن كانت أصلية سلمت.
الثاني: شذ جعل الهمزة واوا فيما لامه ياء، وذلك قولهم في هدايا: هداوي، وفيما لامه واو أعلت في الواحد، وذلك قولهم في مطايا: مطاوي، وقاس الأخفش على هداوي، وهو ضعيف؛ إذ لم ينقل منه إلا هذه اللفظة
الثالث: مذهب الكوفيين أن هذه الجموع كلها على وزن "فعالي" صحت الواو في هراوي كما صحت في المفرد، وأعلت في مطايا كما أعلت في المفرد، وهدايا على وزن الأصل، وأما خطايا فجاء على خطية بالإبدال والإدغام على وزن هدية. وذهب البصريون إلى أنها فعائل، حملا للمعتل على الصحيح، ويدل على صحة مذهب البصريين قوله:
حَتَّى أُزِيرُوَا المَنَائِيَا
وأما ما نقل عن الخليل من أن خطايا وزنها فعالى فليس كقول الكوفيين؛ لأن الألف عندهم للتأنيث، وعنده بدل من المدة المؤخرة، وذلك لأنه يقول: إن مدة الواحد لا تبدل
__________
1 تقدم بالرقم 864.(4/94)
في هذا همزة؛ لئلا يلزم اجتماع همزتين، بل تقلب بتقديم الهمزة على الياء، فيصير خطائي، ثم يعل كما تقدم، انتهى.
948-
وَاوًا وهَمْزَاً أوَّلَ الْوَاوَيْنِ رُدْ ... فِي بَدْءِ غَيْرِ شِبْهِ ووُفِي الأشدْ
وهَمْزَاً أوَّلَ الْوَاوَيْنِ رُدْ ... فِي بَدْءِ غَيْرِ شِبْهِ ووُفِي الأشدْ
أي هذه المسألة خامسة اختصت بها الواو، يعني أن لكل كلمة اجتمع في أولها واوان فإن أولاهما يجب إبدالها همزة، بشرط أن لا تكون الثانية منهما مدة غير أصلية.
فخرج أربع صور:
الأولى: أن تكون الثانية مدة بدلا من ألف فاعل، نحو: "ووفي الأشد"، و {وُورِيَ عَنْهُمَا} 1.
والثانية: أن تكون مدة بدلا من همزة، كالوولي مخفف الوؤلي بواو مضمومة فهمزة، وهي أنثى الأوأل، أفعل تفضيل من "وأل" إذا لجأ.
والثالثة: أن تكون عارضة، كأن تبني من الوعد مثال فوعل ثم ترده إلى ما لم يسم فاعله.
والرابعة: أن تكون زائدة، كأن تبني من الوعد مثال طومار، فتقول: ووعاد؛ فهذه الصور الأربعة لا يجب فيها الإبدال، بل يجوز.
وخالف قوم في الرابعة فأوجبوا الإبدال؛ لاجتماع واوين، وكون الثانية غير مبدلة من زائد؛ فإن الضمة التي قبلها غير عارضة، وإلى هذا ذهب ابن عصفور، واختار المصنف القول بجواز الوجهين؛ لأن الثانية وإن كان مدها غير متجدد، لكنها مدة زائدة؛ فلم تخل عن الشبه بالألف المنقلبة.
ودخل صورتان يجب فيهما الإبدال:
الأولى: أن تكون غير مدة، نحو، قولك في جمع الأولى أنثى الأول: أول، والأصل وول، وقولك في جمع واصلة وواقية: أواصل وأواق، والأصل وواصل ووواق،
__________
1 الأعراف: 20.(4/95)
بواوين: أولاهما فاء الكلمة والثانية بدل من ألف فاعلة، كما تبدل في التصغير، نحو: أويصل وأويق، وكذا لو بنيت من الوعد مثال كوكب قلت: أوعد، والأصل ووعد.
والثانية: أن تكون مدة أصلية، نحو: الأولى أنثى الأول، أصلها وولى، بواوين أولاهما فاء مضمومة والثانية عين ساكنة.
وإنما وجب الإبدال حينئذ كراهة ما لا يكون في أول الكلمة من التضعيف إلا نادرا كددن.
وخرج بتقييده بالبدء، نحو: هووي ونووي.
تنبيهات: الأول: ظهر أن في كلام المصنف أمورا؛ أحدها: أنه يوهم قصر المستثنى، على نحو: "ووفي" مما مدته زائدة بدل من ألف فاعل، وأن ما سواه مما مدته زائدة يجب فيه الإبدال، وليس كذلك كما عرفت. ثانيها: أنه يوهم أيضا أن المستثنى ممتنع الإبدال، وليس كذلك؛ لما عرفت أن الصور الأربع المخرجة يجوز فيها الإبدال. ثالثها: أن كلامه ليس صريحا في وجوب الإبدال فيما يجب فيه مما سبق، فلو قال:
وواوًا وهمزًا بدءُ واوي مبدا ... حتما سوى ما الثانِ طارٍ مدا
لخلص من ذلك كله؛ لما عرفت.
الثاني: زاد في التسهيل لوجوب الإبدال شرطا آخر، وهو أن لا يكون اتصال الواوين عارضا بحذف همزة فاصلة، مثال ذلك أن تبني افعوعل من الوأي؛ فتقول: اياوأى، والأصل اوأوأى، فقلبت الواو الأولى ياء لسكونها بعد كسرة، وقلبت الياء الأخيرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها؛ فإذا نقلت حركة الهمزة الأولى إلى الياء الساكنة قبلها حذفت همزة الوصل للاستغناء عنها، ورجعت الياء إلى أصلها وهو الواو لزوال موجب قلبها؛ فتصير الكلمة إلى ووأي، فقد اجتمع واوان أول الكلمة، لا يجب الإبدال، ولكن يجوز الوجهان، وكذلك لو نقلت حركة الهمزة الثانية إلى الواو فصارت "ووا" جاز الوجهان وفاقا للفارسي. قيل: وذهب غيره إلى وجوب الإبدال في ذلك، سواء نقلت الثانية أم لا.
الثالث: بقي مما تبدل منه الهمزة خمسة أشياء:
أحدها: الواو المضمومة ضمة لازمة غير مشددة، ولا موصوفة بموجب الإبدال السابق.(4/96)
ثانيها: الياء المكسورة بين ألف وياء مشددة.
ثالثها: الواو المكسورة المصدرة.
رابعها وخامسها: الهاء والعين.
وقد ذكرهن في التسهيل، وإنما لم يذكر هذه الخمسة هنا لأن إبدال الهمزة منها جائز لا واجب، وإنما تعرض هنا للواجب، وإن تعرض لغيره فعلى سبيل الاستطراد.
فأما إبدلها من الواو المضمومة المذكورة فحسن مطرد، نحو: أجوه جمع وجه، وأدؤر جمع دار، وأنؤر جمع نار، الأصل: وجوه وأدور، وأنور، ونحو: سؤوق جمع ساق، وغؤوق مصدر غار الماء يغور غورا وغؤورا، وليس القلب في هذا لاجتماع الواوين؛ لأن الثانية مدة زائدة.
والاحتراز بالمضمومة عن المكسورة والمفتوحة، وسيأتي الكلام عليهما.
وبكون الضمة لازمة من ضمة الإعراب، نحو: هذه دلو، وضمة التقاء الساكنين، نحو: {اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ} 1، و {لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ} 2.
والاحتراز بغير مشددة، من نحو: التعوذ والتحول؛ فإنه لا يبدل فيه.
والاحتراز بالقيد الأخير، من نحو: أواصل وأواق؛ فإن ذلك واجب كما مر.
وأما إبدالها من الياء المذكورة فنحو؛ "رائي وغائي" في النسب إلى راية وغاية، الأصل رايي وغايي، بثلاث ياءات؛ فخفف بقلب الأولى همزة.
وأما إبدالها من الواو المكسورة المصدرة؛ فنحو إشاح وإفادة وإسادة في وشاح ووفادة ووسادة، وقرأ أبي وابن جبير والثقفي "مِنْ إِعَاءِ أَخِيهِ"3، ورأى أبو عثمان ذلك مطردا مقيسا، وقصره غيره على السماع، والاحتراز بالمصدرة، عن نحو: واو "طويل" فلا تقلب؛ لأن المكسورة أخف من المضمومة؛ فلم تقلب في كل موضع، والوسط أبعد من التغيير، وأما الواو المفتوحة فلا تقلب لخفة الفتحة، إلا ما شد من قولهم: "امرأة أناة" والأصل وناة؛ لأنه من الونية وهو البطء. قال ابن السراج: و"أسماء" اسم امرأة؛ لأنه في
__________
1 البقرة: 16، 175.
2 البقرة: 237.
3 يوسف: 76.(4/97)
الأصل وسماه من الوسامة وهو الحسن، و"أحد" المستعمل في العدد أصله وحد من الوحدة، بخلاف أحد في "ما جاءني أحد" فقيل: همزته أصلية؛ لأنه ليس بمعنى الوَحْدَة.
[إبدال الهاء والعين همزة] :
وأما إبدال الهمزة من الهاء والعين فقليل؛ فمن إبدالها من الهاء قولهم: "ماء" والأصل ماء، وأصل ماه موه، بدليل: أمواه، ومويه؛ فتحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، وإعلال حرفين متلاصقين من الشاذ، ومن ذلك أيضا قولهم: "أل فعلت؟ وألا فعلت" بمعنى هل فعلت وهلا فعلت، ومن إبدالها من العين قوله [من الرجز] :
1229-
وَمَاجَ سَاعَات مَلاَ الْوَدِيْقِ ... أُبَابُ بَحْرٍ ضَاحِكٍ هَرْوَقِ
فأصل "أباب" "عُباب". وقال بعضهم: ليست الهمز فيه بدلا من العين، وإنما هو فعال من "أب" إذا تهيأ؛ لأن البحر يتهيأ للارتجاج؛ فالهمزة على هذا أصل، ومما شذ إبدالها من الألف في قولهم "دأبة"، و"شأبة"، و"ابيأض" وما روي عن العجاج من همز "العألم"، "الخأتم" وإبدالها من الياء في قولهم: قطع الله أديه، أي يديه، يريد يده؛ فردت اللام وأبدلت الياء همزة، وقالوا: "في أسنانه ألل" أي يلل، واليلل: قصر الأسنان، وقيل: احديدابها إلى داخل الفم، يقال: "رجل أيل، وامرأة أيلاء" وهمز بعضهم الشيمة، وهي الخلقة، وكذلك رئبال، وهو الأسد. ا. هـ.
__________
1229- التخريج: الرجز بلا نسبة في سر صناعة الإعراب ص106؛ وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 207؛ وشرح شواهد الشافية ص432؛ وشرح المفصل 10/ 15، 16؛ ولسان العرب 1/ 205 "أيب"؛ والمقرب 2/ 164.
اللغة: الهروق: المستغرق في الضحك.
الإعراب: وماج "الواو": بحسب ما قبلها، "ماج": فعل ماض. ساعات: ظرف زمان متعلق بـ"ماج". ملا: مفعول مطلق منصوب، وهو مضاف. الوديق: مضاف إليه مجرور. أباب: فاعل مرفوع بالضمة، وهو مضاف. بحر: مضاف إليه مجرور. ضاحك: نعت "بحر" مجرور. هروق: نعت "بحر" مجرور.
الشاهد فيه قوله: "أباب" حيث أبدل العين بهمزة، وأصله "عباب". وقال بعضهم: ليست الهمزة فيه بدلا من العين وإنما هو "فعال" من "أب" إذا تهيأ.(4/98)
[إبدال الهمزة ألفا أو واوا أو ياء] :
949-
وَمَدًّا ابْدِلْ ثَانِيَ الْهَمْزَيْنِ مِنْ ... كِلْمَةٍ إنْ يَسْكُنْ كَآثِرْ وَائْتَمِنْ
950-
إنْ يُفْتَحِ اثْر ضَمَ أوْ فَتْح قُلِبْ ... وَاوَاً، وَيَاءً إثْرَ كَسْرٍ يَنْقَلِبْ
951-
ذُو الكَسْرِ مُطْلَقَاً كَذَا، وَمَا يُضَمْ ... وَاوَاً أَصِرْ، مَا لَمْ يَكُنْ لَفْظَاً أَتَمْ
952-
فَذَاكَ يَاءً مُطْلَقَاً جَا وَأَؤُمْ ... وَنَحْوُهُ وَجْهَيْنِ فِي ثَانِيْهِ أُمْ
وَمَدًّا ابْدِلْ ثَانِيَ الْهَمْزَيْنِ مِنْ ... كِلْمَةٍ إنْ يَسْكُنْ كَآثِرْ وَائْتَمِنْ
أي إذا اجتمع همزتان في كلمة كان لهما ثلاثة أحوال: أن تتحرك الأولى وتسكن الثانية، وعكسه، وأن يتحركا معا، وأما الرابع –وهو أن يسكنا معا- فمتعذر.
فإن تحركت الأولى وسكنت الثانية وجب في غير ندور إبدال الثانية حرف مد يجانس حركة ما قبلها، نحو: "آثرت أوثر إيثارا" والأصل أأثرت أؤثر إئثارا، ومن الإبدال ألفا بعد الفتحة قول عائشة رضي الله عنها "وكان يأمرني أن آتزر" بهمزة فألف، وعوام المحدثين يحرفونه؛ فيقرؤنه بألف وتاء مشددة، وبعضهم يرويه بتحقيق الهمزتين، ولا وجه لواحد منهما، وإنما وجب الإبدال لعسر النطق بهما، وخص بالثانية لأن إفراط الثقل حصل بها، وشذت قراءة بعضهم "إِئلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ"1 بتحقيق الهمزتين، والاحتراز بكونهما من كلمة، عن نحو: "أأتمن زيد أم لا؟ وأأنت فعلت هذا؟ وأأتمر بكر أم لا؟ "، فإنه لا يجب فيه الإبدال، بل يجوز التحقيق كما رأيت والإبدال: فتقول: أوتمن2 زيد أم لا؟ وآنت فعلت، وايتمر بكر أم لا؟ لأن همزة الاستفهام كلمة، والهمزة التي بعدها أول كلمة أخرى، وأما قول القراء في همزة الاستفهام وما يليها "همزتان في كلمة" فتقريب على المتعلمين.
وإن سكنت الأولى وتحركت الثانية؛ فإن كانتا في موضع العين أدغمت الأولى في الثانية، نحو: سأال ولأال ورأاس، ولم يذكر هذا القسم لأنه لا إبدال فيه، وإن كانتا في موضع اللام فسيأتي الكلام عليهما عند قوله: "ما لم يكن لفظا أتم".
ع" فتقريب على المتعلمين.
وإن سكنت الأولى وتحركت الثانية؛ فإن كانتا في موضع العين أدغمت الأولى في الثانية، نحو: سأال ولأال ورأاس، ولم يذكر هذا القسم لأنه لا إبدال فيه، وإن كانتا في موضع اللام فسيأتي الكلام عليهما عند قوله: "ما لم يكن لفظا أتم".
__________
1 قريش: 2.
2 الصواب القول: "آتمن زيد؟ " لأن ألف الوصل تقلب بعد همزة الاستفهام إلى مدة ومثل هذا في "آيتمر بكر أم لا؟ ".(4/99)
وإن تحركتا معا فإما أن يكون ثانيهما في موضع اللام، أو لا؛ فهذان ضربان، فأما الأول فسيأتي بيانه، أما الثاني فله تسعة أنواع؛ لأن الثانية إما مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، وعلى كل حال من هذه الثلاثة فالأولى أيضا إما مفتوحة أو مكسوة أو مضمومة؛ فثلاثة في ثلاثة بتسعة، وقد أخذ في بيان ذلك بقوله:
"إن يفتح" أي ثاني الهمزتين "أثر ضم أو فتح قلب واوا" فهذان اثنان من التسعة، الأولى، نحو: "أويدم" تصغير آدم، والثاني، نحو: "أوادم" جمعه، والأصل أويدم وأأدم، بهمزتين؛ فالواو بدل من الهمزة، وليست بدلا من ألفه، كما في ضارب وضويرب وضوارب؛ لأن المقتضى لإبدال همزته ألفا زال في التصغير والجمع. وذهب المازني إلى إبدال المفتوحة إثر فتح ياء؛ فيقول في أفعل التفضيل من "أن": زيد أبن من عمر، ويقول: الواو في "أوادم" بدل من الألف المبدلة من الهمزة؛ لأنه صار مثل خاتم، والجمهور يقولون: هو أون من عمرو.
"وياء أثر كسر ينقلب" ثاني الهمزتين المفتوح، وثانيهما "ذو الكسر مطلقا كذا" أي ينقلب ياء، سواء كان إثر فتح أو كسر أو ضم؛ فهذه أربعة أنواع، مثال الأول أن تبنى من "أم" مثل إصبع –بكسر الهمزة وفتح الباء- فتقول: إئمم –بهمزتين مكسورة فساكنة- ثم تنقل حركة الميم الأولى إلى الهمزة قبلها لتتمكن من إدغامها في الميم الثانية فيصير إثم، ثم تبدل الهمزة الثانية ياء فتصير الكلمة "إيم". ومثال الثاني والثالث والرابع أن تبني من "أم" مثل أصبع بفتح الهمزة أو كسرها أو ضمها والباء فيهن مكسورة، وتفعل ما سبق؛ فتصير الكلمة أيم وأيم وأيم، وأما قراءة ابن عامر والكوفيين "أئمة" بالتحقيق فمما يوقف عنده ولا يتجاوز.
"وما يضم" من ثاني الهمزين المذكورين "واوا أصر" سواء كان الأول مفتوحا أو مكسورا أو مضموما؛ فهذه ثلاثة أنواع بقية التسعة المذكورة. أمثلة ذلك: أوب جمع "أب" وهو المرعى، وأن تبني من "أم" مثل إصبع بكسر الهمزة وضم الباء، أو مثل "أبلم" فتقول: "إوم" بهمزة مكسورة وواو مضمومة، و"أوم" بهمزة وواو مضمومتين. وأصل الأول "أأبب" على وزن "أفلس"، وأصل الثاني والثالث إئمم وأؤمم، فنقلوا فيهن، ثم أبدلوا الهمزة واوا، وأدغموا أحد المثلين في الآخر.(4/100)
تنبيه: خالف الأخفش في نوعين من هذه التسعة، وهما المكسورة بعد ضم فأبدلها واوا، والمضمومة بعد كسر فأبدلها ياء، والصحيح ما تقدم، ا. هـ.
ثم أشار إلى الضرب الأول من ضربي اجتماع الهمزتين المتحركتين –وهو أن يكون ثانيهما في موضع اللام- بقوله: "ما لم يكن" أي ثاني الهمزتين "لفظا أتم" أتم: فعل ماض، ولفظا: إما مفعول به مقدم، والجملة خبر يكن، أو خبر يكن مفعول أتم: محذوف، أي أتم الكلمة، أي كان آخرها والجملة نعت للفظا "فذاك يا مطلقا جا" أي سواء كان إثر فتح أو كسر أو ضم أو سكون. أمثلة ذلك أن تبني من قرأ مثل جعفر وزبرج وبرثن وقمطر؛ فتقول في الأول قرأى على وزن سلمى، والأصل قرأأ، فأبدلت الهمزة الأخيرة ياء، ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. وتقول في الثاني "قرء" على وزن هند، والأصل قرئيء أبدلت الهمزة الأخيرة ياء، ثم أعل إعلال قاض. وتقول في الثالث "قرء" على وزن جمل، والأصل قرؤؤ، أبدلت الهمزة الأخيرة ياء، ثم أعل إعلال أيد، أي سكنت الياء وأبدلت الضمة قبلها كسرة؛ فهذا والذي قبلها منقوصان، كل منهما على وزن رفعا وجرا، وتعود له الياء في النصب؛ فيقال: رأيت قرئيا وقرئيا. وتقول في الرابع "قرأي" والأصل قرأأ بهمزتين ساكنة فمتحركة، وأبدلت المتحركة ياء، وسلمت؛ لسكون ما قبلها، وإنما أبدلت الهمزة الأخيرة ياء ولم تبدل واوا، قال في شرح الكافية: لأن الواو الأخيرة لو كانت أصلية ووليت كسرة أو ضمة لقلبت ياء ثالثة فصاعدا، وكذلك تقلب رابعة فصاعدا بعد الفتحة، فلو أبدلت الهمزة الأخيرة واوا فيما نحن بصدده لأبدلت بعد ذلك ياء فتعينت الياء.
"وأؤم ونحوه" مما أولى همزتيه للمضارعة "وجهين في ثانيه أم" أي اقصد، وهما الإبدال والتحقيق؛ فتقول في مضارع أم وأن: أوم وأين بالإبدال، وأؤم وأئن بالتحقيق، تشبيها لهمزة المتكلم بهمزة الاستفهام، نحو: {أَأَنْذَرْتَهُمْ} 1 لمعاقبتها النون والتاء والياء.
تنبيهات: الأول: قد فهم من هذا أن الإبدال فيما أولى همزتيه لغير المضارعة واجب في غير ندور كما سبق.
الثاني: لو توالى أكثر من همزتين حققت الأولى والثالثة والخامسة، وأبدلت الثانية والرابعة، مثاله لو بنيت من الهمزة مثل أترجة قلت: أو أوأة، والأصل أأأأأة.
__________
1 البقرة: 6؛ ويس: 10.(4/101)
الثالث: لا تأثير لاجتماع همزتين بفصل، نحو: "ءاء" و"ءاءة"1 ا. هـ.
[إبدال الألف والواو ياء] :
953-
وَيَاءً اقْلِبْ أَلفاً كَسْرًا تَلاَ ... أَوْ يَاءَ تَصْغِيْرٍ، بَوَاوٍ ذَا افْعَلاَ
954-
فِي آخِرٍ، أَوْ قَبْلَ تَا التَّأْنِيْثِ، أوْ ... زِيَادَتَي فَعْلاَنَ، ذا أيضًا رأوا
955-
في مَصْدَرِ المُعْتَلِ عَيْنًا، وَالْفِعَلْ ... مِنْهُ صَحِيْحٌ غَالِبًا، نَحْوُ الحِوَلْ
"وَيَاءً اقْلِبْ أَلفاً كَسْرًا تَلاَ أَوْ يَاءَ تَصْغِيْرٍ" ألفا: مفعول أول باقلب، وياء: مفعول ثان قدم، وكسرا: مفعول بتلا، وياء تصغير: عطف عليه، وتلا ومعموله في موض نصب نعت لألف، والتقدير: اقلب ألفا تلا كسرا أو تلا ياء تصغير ياء.
أي يجب قلب الألف ياء في موضعين:
الأول: أن يعرض كسر ما قبلها، كقولك في جمع مصباح ودينار: مصابيح ودنانير، وفي تصغيرهما: مصيبيح ودنينير.
والثاني: أن يقع قبلها ياء التصغير، كقولك في تصغير غزال: غزيل.
"بواو ذا" القلب "افعلا في آخر" أي تفعل بالواو الواقعة أخرا ما تفعل بالألف من قبلها ياء إذا عرض قبلها كسرة أو ياء التصغير؛ فالأول نحو: رضي وغزي وقوي وغاز، أصلهن رضو وغزو وقوو وغازو؛ لأنهن من الرضوان والغزو والقوة، فقلبت الواو ياء لكسر ما قبلها، وكونها آخرأ؛ لأنها بالتأخير تتعرض لسكون الوقف، وإذا سكنت تعذرت سلامتها، فعوملت بما يقتضيه السكون من وجوب إبدالها ياء توصلا إلى الخفة وتناسب اللفظ، ومن ثم لم تتأثر الواو بالكسرة وهي غير متطرفة كعوض وعوج، إلا إذا كان مع الكسرة ما يعضدها كحياض وسياط كما سيأتي بيانه، والثاني كقولك في تصغير جرو: جري، والأصل جريو، فاجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون وفقد المانع من الإعلال فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء.
تنبيه: هذا الثاني ليس بمقصود من قوله "بواو ذا افعلا في آخر" إنما المقصود التنبيه
__________
1 الآء: ضرب من الشجر. والآءة: واحدة الآء.(4/102)
على الأول؛ لأن قلب الواو ياء لاجتماعها مع الياء وسبق أحدهما بالسكون لا يختص بالواو المتطرفة، ولا بما سبقها ياء التصغير، على ما سيأتي بيانه في موضعه، ولذلك قال في التسهيل: تبدل الألف ياء لوقوعها إثر كسرة أو ياء تصغير، وكذلك الواو الواقعة إثر كسرة متطرفة، فاقتصر في الواو على ذكر الكسرة، فلو قال:
بإثر يا التصغير أو كَسْرِ ألفْ ... تقلب يا والواو إن كسرًا رَدِفْ
في آخر" لطابق كلامه في التسهيل، ا. هـ.
"أَوْ قَبْلَ تَا التَّأْنِيْثِ أوْ زِيَادَتَي فَعْلاَنَ" أي، نحو: شجية، وأكسية، وغازية، وعريقية تصغير عرقوة، الأصل شجوة وأكسوة وغازوة وعريقوة، ونحو: غزيان وشجيان من الغزو والشجو، والأصل غزوان وشجوان، فعله القلب ياء هو تطرف الواو بعد كسرة؛ لأن كلا من تاء التأنيث وزيادتي فعلان كلمة تامة؛ فالواقع قبلها آخر في التقدير، فعومل معاملة الآخر حقيقة. وشذ تصحيحا من الأول مقاتوة بمعنى خدام، وسواسوة جمع سواء. ومن الثاني إعلالا قولهم: رجل عليان مثل عطشان من علوت، وناقة لميان وقولهم صبيان بضم الصاد، وأما صبية وصبيان بكسر الصاد فسهل أمره وجود الكسرة والفاصل بينه وبين الواو ساكن وهو حاجز غير حصين.
ثم أشار إلى موضع ثان تقلب فيه الواو ياء بقوله: "وذا" أي الإعلال المذكور في الواو بعد الكسرة "أيضا رأوا في مصدر" الفعل "المعتل عينا" إذا كان بعدها ألف كصيام وقيام، وانقياد واعتياد، بخلاف سواك وسوار لانتقاء المصدرية. ونحو: لاوذ لواذا وجاور جوارا؛ لصحة عين الفعل، وحال حولا وعاد المريض عودا؛ لعدم الألف، والأصل صوام وقوام وانقواد واعتواد، لكن لما أعلت عينه في الفعل استثقل بقاؤها في المصدر، أعلوها في المصدر بعد كسرة وقبل حرف يشبه الياء، فأعلت بقلبها ياء حملا للمصدر على فعله، فقلبها ياء ليصير العمل في اللفظ من وجه واحد، وشذ تصحيحا مع استيفاء الشروط قولهم: "نار نوارا" أي نفر، ولا نظير له، وكان الأحسن أن يقول "المعل عينا"؛ لأن لاوذ يطلق عليه معتل العين؛ إذ كل ما عينه حرف علة فهو معتل وإن لم يعل.
وقد أشار إلى الشرط الأخير بقوله: "والفعل منه صحيح غالبا نحو الحول" يعني أن كل ما كان على فعل من مصدر الفعل المعل العين فالغالب فيه التصحيح، نحو الحول(4/103)
والعود، قال في شرح الكافية: ونبه بتصحيح ما وزنه فعل على أنه إعلال المصدر المذكور مشروط بوجود الألف فيه حتى يكون على فعال، انتهى. وفي تخصيصه بفعال نظر؛ فإن الإعلال المذكور لا يختص به؛ لما عرفت من مجيئة في الانفعال والافتعال كما سبق. واحترز بقوله "منه" أي من المصدر عن فعل من الجمع؛ فإن الغالب فيه الإعلال كما سيأتي، لكن قال في التسهيل: وقد يصحح ما حقه الإعلال من فعل مصدرا أو جمعا وفعال مصدا، فسوى بين هذه الثلاثة في أن حقها الإعلال، وهو يخالف ما هنا من أن الغالب على فعل مصدر التصحيح.
ثم أشار إلى موضع ثالث تقلب فيه الواو ياء بقوله:
956-
وَجَمْعُ ذِي عَيْنٍ أُعِلَّ أَوْ سَكَنْ ... فَاحْكُمْ بِذَا الإعْلاَلِ فِيْهِ حَيْثُ عَنْ
"وَجَمْعُ ذِي عَيْنٍ أُعِلَّ أَوْ سَكَنْ فَاحْكُمْ بِذَا الإعْلاَلِ" أي المذكور، وهو القلب ياء لكسر ما قبلها "فيه حيث عن" أي إذا وقعت الواو عينا لجمع صحيح اللام، وقبلها كسرة –وهي في الواحد إما معلة، وإما شبيهة بالمعل وهي الساكنة- وجب قبلها ياء؛ فالأولى، نحو: دار وديار، وحيلة وحيل، وقيمة وقيم، والأصل دوار وحول وقوم؛ لأنه لما انكسر ما قبل الواو في الجمع، في نحو: ديار وكانت في الأفراد معلة بقلبها ألف ضعفت، فسلطت الكسرة عليها، وقوَّى تسلَّطَها وجودُ الألف، وإعلال الباقي لإعلال واحده، ولوقوع الكسرة قبل الواو، وشذ من ذلك حاجة وحوج.
والثانية وشرطها أن يكون بعدها في الجمع ألف، نحو: سوط وسياط، وحوض وحياض، وروض ورياض، الأصل سواط وحواض ورواض؛ لأنه لما انكسر ما قبلها في الجمع وكانت في الأفراد شبيهة بالمعل لسكونها ضعفت، فسلطت الكسرة عليها، وقوى تسلطها وجود الألف لقربها من الياء، وصحة اللام؛ لأنه إذا صحت اللام قوي إعلال العين.
فتلخص أن لقلب الواو ياء في هذا ونحوه خمسة شروط: أن يكون جمعا، وأن تكون الواو في واحده ميتة بالسكون، وأن يكون قبلها في الجمع كسرة، وأن يكون بعدها فيه ألف، وأن يكون صحيح اللام؛ فالثلاثة الأول مأخوذة من البيت، والرابع يأتي في البيت بعده، والخامس لم يذكره هنا وذكره في التسهيل؛ فخرج بالأول المفرد؛ فإنه لا يعل، نحو:(4/104)
خِوَان وسِوَار، إلا المصدر وقد تقدم، وشذ قولهم في الصوان والصوار: صيان وصيار، بالثاني، نحو: طويل وطوال، وشذ قوله [من الطويل] :
1231-
تبين لي أن القماءة ذلة ... وأن أعزاء الرجال طِيَالها
قيل: ومنه {الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} 1. وقيل: إنه جمع "جيد"، لا "جواد"، وبالثالثة، نحو: أسواط وأحواض.
وبالرابع ما أشار إليه بقوله:
957-
وَصَحَّحُوا فِعَلَة وَفِي ... فِعَلْ وَالإعْلاَلَ أَوْلَى كَالْحِيَلْ
وصححوا فعلة" أي جمعا؛ لعدم الألف، فقالوا: كوز وكوزة، وعود وعودة، وشذ الإعلال في قولهم: ثور وثيرة. قال المبرد: أرادوا أن يفرقوا بين الثور الذي هو الحيوان والثور الذي هو القطعة من الأقط، فقالوا في الحيوان: ثيرة، وفي الأقط: ثورة. ذهب ابن السراج والمبرد فيما حكاه عنه الناظم أن ثيرة مقصور من فعالة، وأصله ثيارة كحجارة،
__________
1231- التخريج: البيت لأنيف بن زبان في الحماسة البصرية 1/ 35؛ وشرح شواهد الشافية ص385؛ ولأثال بن عبدة بن الطبيب في خزانة الأدب 9/ 488؛ وبلا نسبة في شرح التصريح 2/ 389؛ وشرح المفصل 5/ 45، 10/ 88؛ وعيون الأخبار 4/ 54؛ ولسان العرب 11/ 410 "طول"؛ والمحتسب 1/ 184؛ ومجالس ثعلب 2/ 412؛ والمقاصد النحوية 4/ 588؛ والممتع في التصريف 2/ 497؛ والمنصف
1/ 342.
شرح المفردات: القماءة: هنا قصر القامة. الذلة: المهانة. الطيال: الطوال.
المعنى: يقول: تبين لي بعد التجربة والاختبار أن صغر القامة دليل على الذل والهوان، وأن الرجل العزيز هو الرجل الطويل الفارع.
الإعراب: "تبين": فعل ماض. "لي": جار ومجرور متعلقان بـ"تبين". "أن": حرف مشبه بالفعل.
"القماءة": اسم "أن" منصوب. "ذلة": خبر "أن" مرفوع بالضمة. والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها في محل رفع فاعل لـ"تبين". و"أن": الواو: حرف عطف "أن" حرف مشبه بالفعل. "أعزاء": اسم "أن" منصوب، وهو مضاف. "الرجال": مضاف إليه مجرور. "طيالها": خبر "أن" مرفوع، وهو مضاف، و"ها": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها معطوف على المصدر المؤول السابق.
وجملة "تبين لي ... " ابتدائية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد: قوله: "طيالها" في جمع "طويل"، وهذا شاذ قياسا واستعمالا، والقياس: "طوالها".
2 ص: 31.(4/105)
حذفت الألف وبقيت الفتحة دليلا عليها. وقيل: جمعوه على فعله بسكون العين؛ فقلبت الواو ياء لسكونها، ثم حركت وبقيت الياء. وقيل: حملا على "ثيران" ليجري الجمع على سنن واحد. وبالخامس، نحو: رواء في جمع ريان، وأصله رويان؛ لأنه لما أعلت اللام في الجمع سلمت العين لئلا يجتمع إعلالان، ومثله جواء جمع جو بالتشديد، وأصله جواو؛ فلما اعتلت اللام سلمت العين.
"وفي فِعَلْ" جمعًا "وجهان" الإعلال والتصحيح "والإعلال أولى كالحِيَل" جمع حيلة، والقيم جمع قيمة، والديم جمع ديمة، وجاء التصحيح أيضا، نحو: حاجة وحوج.
تنبيهان: الأول: اقتضى تعبيره بأولى أن التصحيح مطرد، وليس كذلك، بل هو شاذ كما تقدم؛ فكان اللائق أن يقول:
وصححوا فعلة، وفي فعل ... قد شذ تصحيح فختم أن يعل
وقد تقدم نقل كلامه في التسهيل.
الثاني: إنما خالف فعل فعلة لأن فعلة لما عدمت الألف وخف النطق بالواو بعد الكسرة لقلة عمل اللسان انضم إلى ذلك تحصين الواو ببعدها عن الطرف بسبب هاء التأنيث فوجب تصحيحها بخلاف فعل.
ثم أشار إلى موضع رابع تقلب فيه الواو ياء بقوله:
958-
وَالْوَاوُ لاَمَاً بَعْدَ فَتْحٍ يَا انقَلَبْ ... كَالمُعْطَيَانِ يُرْضَيَانِ، وَوَجَبْ
959-
إبْدَالُ وَاوٍ بَعْدَ ضَمَ مِنْ ألِفْ ... وَيَا كموقنٍ بِذَا لها اعْتُرِفْ
والواو لاما بعد فتح يا انقلب كالمعطيان يرضيان" أي إذا وقعت الواو طرفا رابعة فصاعدا بعد فتح قلب ياء وجوبا؛ لأن ما هي في حينئذ لا يعدم نظيرا يستحق الإعلال؛ فيحمل هو عليه، وذلك نحو: "أعطيت" أصله أعطوت؛ لأنه من عطا يعطو بمعنى أخذ؛ فلما دخلت همزة النقل صارت الواو رابعة؛ فقلبت ياء حملا للماضي على مضارعه، وقد أفهم بالتمثيل أن هذا الحكم ثابت لها سواء كانت في اسم كقولك المعطيان، وأصله المعطوان؛ فقلبت الواو ياء حملا لاسم المفعول على اسم الفاعل، أم في فعل كقولك(4/106)
يرضيان أصله يرضوان لأنه من الرضوان؛ فقلبت الواو ياء حملا لبناء المفعول على بناء الفاعل، وأما يرضيان المبني للفاعل من الثلاثي المجرد؛ فلقولك في ماضيه رضي.
تنبيهان: الأول: يستصحب هذا الإعلال مع هاء التأنيث، نحو: "المعطاة" ومع تاء التفاعل، ونحو: "تغازينا وتداعينا" مع أن المضارع لا كسر قبل آخره. قال سيبويه: سألت الخليل عن ذلك؛ فأجاب بأن الإعلال ثبت قبل مجيء التاء في أوله، وهو غازينا وداعينا، حملا على نغازي ونداعي، ثم استصحب معها.
الثاني: شذ قولهم في مضارع شأوا بعنى سبق يشأيان، والقياس يشأوان؛ لأنه من الشأو، ولا كسرة قبل الواو فتقلب لأجلها ياء، ولم تقلب في الماضي فيحمل مضارعه عليه، نعم إن دخلت عليه همزة النقل قلت: يشأيان حملا على المبني للفاعل.
[إبدال الألف والياء واوا] :
وأشار بقوله: "ووجب، إبدال واو بعد ضم من ألف * ويا كموقن بذا لها اعترف" إلى إبدال الواو من أختيها الألف والياء.
أما إبدالها من الألف ففي مسألة واحدة، وهي أن ينضم ما قبلها، نحو: "بويع، وضورب" وفي التنزيل: {مَا وُورِيَ عَنْهُمَا} 1.
وأما إبدالها من الياء لضم ما قبلها ففي أربع مسأئل:
الأولى: أن تكون ساكنة مفردة أي غير مكررة في غير جمع، نحو: "موقن وموسر" أصلهما ميقن وميسر؛ لأنهما من أيقن وأيسر؛ فقلبت الياء واوا لانضمام ما قبلها.
وخرج بالساكنة المتحركة، نحو: "هيام". فإنها تحصنت بحركتها؛ فلا تقلب إلا فيما سيأتي بيانه.
وبالمفردة المدغمة، نحو: "حيض" فإنها لا تقلب لتحصنها بالإدغام.
وبغير الجمع من أن تكون في جمع؛ فإنها لا تقلب واوا، بل تبدل الضمة قبلها كسرة
__________
1 الأعراف: 20.(4/107)
فتصح الياء، وإلى هذا أشار بقوله:
960-
يُكْسَرُ المَضْمُوْمُ فِي جَمْعٍ كَمَا ... يُقَالُ "هِيْمٌ" عِنْدَ جَمْعِ "أَهْيَمَا
أو هيماء؛ فأصل هيم هيم بضم الهاء؛ لأنه نظير حمر جمع أحمر أو حمراء، فخفف بإبدال ضمة فائه كسرة لتصح الياء، وإنما لم تبدل ياؤه واوا كما فعل في المفرد لأن الجمع أثقل من المفرد، والواو أثقل من الياء؛ فكان يجتمع ثقلان، ومثل هيم بيض جمع أبيض أو بيضاء.
تنبيهات: الأول: سمع في جمع عائط عوط، بإقرار الضمة وقلب الياء واوا، وهو شاذ، وسمع عيط على القياس.
الثاني: سيأتي في كلامه أن فعلى وصفا كالكوسي أنثى الأكيس يجوز فيها الوجهان عنده؛ فكان ينبغي أن يضمها إلى ما تقدم في الاستثناء من الأصل المذكور.
الثالث: حاصل ما ذكره أن الياء الساكنة المفردة المضموم ما قبلها إذا كانت في اسم مفرد غير فعلى الوصف تقلب واوا، وتحت ذلك نوعان؛ أحدهما: ما الياء فيه فاء الكلمة، نحو: موقن، وقد مر. والآخر: ما الياء فيه عين الكلمة كما إذا بنيت من البياض مثل برد؛ فتقول: بيض، وفي هذا خلاف؛ فمذهب سيبويه والخليل إبدال الضمة فيه كسرة كما فعل في الجمع، ومذهب الأخفش إقرار الضمة وقلب الياء واوا، وظاهر كلام المصنف موافقته؛ فتقول على مذهبهما: بيض، وعلى مذهبه: بوض، ولذلك كان "ديك" عندهما محتملا لأن يكون فعلا وأن يكون فعلا، ويتعين عنده أن يكون فعلا بالكسر، وإذا بنيت مفعلة من العيش قلت على مذهبهما: معيشة، وعلى مذهبه: معوشة، ولذلك كانت معيشة عندهما محتملة أن تكون مفعلة وأن تكون مفعلة، ويتعين عنده أن تكون مفعلة بالكسر.
واستدل لهما بأوجه؛ أحدها: قول العرب أعيس بين العيسة، ولم يقولوا العوسة، وهو على حد أحمر بين الحمرة. ثانيها: قولهم مبيع، الأصل مبيوع، نقلت الضمة إلى الباء ثم كسرت لتصح الياء، وسيأتي بيانه. ثالثها: أن العين حكم لها بحكم اللام، فأبدلت الضمة لأجلها كما أبدلت لأجل اللام.
واستدل الأخفش بأوجه؛ أحدها: قول العرب مضوفة لما يحذر منه، وهي من ضَافَ(4/108)
يضيف؛ إذا أشفق وحذر. قال الشاعر [من الطويل] :
1232-
وَكُنْتُ إذَا جَارِي دَعَا لِمَضُوْفَةٍ ... أُشَمِّرْ حَتَّى يَبْلُغَ السَّاقَ مِئْزَرِي
ثانيها: أن المفرد لا يقاس على الجمع؛ لأنا وجدنا الجمع يقلب فيه ما لا يقلب في المفرد، ألا ترى أن الواوين المتطرفتين يقلبان ياءين في الجمع، نحو: "عتي" جمع عات. ولا يقلبان في المفرد، نحو: عتو مصدر عتا. ثالثها: أن الجمع أثقل من المفرد، فهو أدعى إلى التخفيف.
وصحح أكثرهم مذهب الخليل وسيبويه، وأجابوا عن الأول من أدلة الأخفش بوجهين؛ أحدهما: أن مضوفة شاذ فلا تُبْنًى عليه القواعد. والآخر أن أبا بكر الزبيدي ذكره في مختصر العين من ذوات الواو، وذكر أضاف إذا أشفق رباعيا، ومن روى ضاف يضيف فهو قليل. وعن الثاني والثالث بأنهما قياس معارض للنص؛ فلا يلتفت إليه، ا. هـ.
__________
1232- التخريج: البيت لأبي جندب في شرح أشعار الهذليين 1/ 358؛ وشرح شواهد الشافية ص383؛ والمقاصد النحوية 4/ 588؛ ولسان العرب 4/ 154 "جور"، 9/ 212 "ضيق"، 9/ 331 "نصف"، 13/ 366 "كون"؛ والمعاني الكبير ص700، 1119؛ وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص241؛ وخزانة الأدب 7/ 417؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص29، 688؛ وشرح المفصل 10/ 81؛ والمحتسب 1/ 214؛ والممتع في التصريف 2/ 470؛ والمنصف 1/ 301.
اللغة: المضوفة: المصيبة.
المعنى: يقول: إذا أصاب جاره مكروه، ودعاه شمر عن ساعديه، وهب لنصرته.
الإعراب: وكنت: "الواو": بحسب ما قبلها، و"كنت": فعل ماض ناقص، و"التاء": ضمير في محل رفع اسم "كان". إذا: ظرف زمان يتضمن معنى الشرط متعلق بجوابه. جاري: فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، تقديره: "إذا دعا جاري دعا". دعا: فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو". لمضوفة: جار ومجرور متعلقان بـ"دعا". أشمر: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: "أنا". حتى: حرف غاية وجر. يبلغ: فعل مضارع منصوب. الساق: مفعول به منصوب. مئزري: فاعل مرفوع، وهو مضاف، و"الياء": ضمير في محل جر بالإضافة.
وجملة "كنت ... ": بحسب الواو. وجملة "إذا جاري....": اعتراضية لا محل لها من الإعراب. وجملة "دعا جاري": في محل جر بالإضافة. وجملة "دعا لمضوفة": تفسيرية لا محل لها من الإعراب. وجملة "أشمر": جواب شرط غير جازم لا محل لها. وجملة "يبلغ الساق ... ": صلة الموصول لا محل لها. وجملة "إذا دعا جاري أشمر": خبر "كان" محلها النصب.
الشاهد فيه قوله: "لمضوفة" والقياس فيه "لمضيفة"، وهو عند سيبويه شاذ.(4/109)
ثم أشار إلى ثلاث مسائل أخرى ثانية وثالثة ورابعة، تبدل فيها الياء واوا لانضمام ما قبلها، بقوله:
961- "
وَوَاواً اثْرَ الضمِّ رُدَّ اليَا مَتَى ... أُلْفِيَ لاَمَ فِعْلٍ أوْ مِنْ قَبْلِ تَا
962-
كَتَاءِ بانٍ مِنْ رَمَى كَمَقْدُرَهْ ... كَذَا إذا كَسَبُعَانَ صَيَّرَهْ
فالأولى من هذه الثلاثة: أن تكون الياء لام فعل، نحو: "قضو الرجل، ورمو". وهذا مختص بفعل التعجب؛ فالمعنى ما أقضاه، وما أرماه. ولم يجئ مثل هذا في فعل متصرف إلا ما ندر من قولهم: "نهو الرجل فهو نهي"؛ إذا كان كامل النهية، وهو العقل.
والثانية: أن تكون لام اسم محتوم بتاء بنيت الكلمة عليها، كأن تبنى من الرمي مثل مقدرة؛ فإنك تقول: مرموة، بخلاف نحو: توانى توانية؛ فإن أصله قبل دخول التاء توانيا بالضمخ كتكاسل تكاسلا، فأبدلت ضمته كسرة لتسلم الياء من القلب؛ لأنه ليس من الأسماء المتمكنة ما آخره واو قبلها ضمة لازمة، ثم طرأت التاء لإفادة الوحدة، وبقي الإعلال بحاله؛ لأنها عارضة لا اعتداد بها.
والثالثة: أن تكون لام اسم مختوم بالألف والنون، كأن تبني من الرمي مثل سبعان اسم الموضع الذي يقول فيه ابن أحمر [من الطويل] :
1233-
أَلاَ يَا دِيَارَ الحَيّ بِالسّبُعَانِ ... أَمَلَّ عَلَيْهَا بِالبِلى المَلَوَانِ
__________
1233- التخريج: البيت لابن أحمر في ديوانه ص188؛ ولابن مقبل في ديوانه ص335؛ وإصلاح المنطق ص394؛ وخزانة الأدب 7/ 302، 303، 304؛ وسمط اللآلي ص533؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 422؛ وشرح التصريح 2/ 329، 384؛ والكتاب 4/ 259؛ ولسان العرب 8/ 150 "سبع"، 11/ 621 "ملل"، 15/ 291 "ملا"؛ ومعجم ما استعجم ص719؛ ولأحدهما في معجم البلدان 3/ 185 "السبعان"؛ والمقاصد النحوية 4/ 542؛ بلا نسبة في الخصائص 3/ 202؛ ولسان العرب 4/ 591 "كفزر".
ويروى:
أَلاَ يَا دِيَارَ الحَيّ بِالسّبُعَانِ ... عفت حججا بعدي وهن ثماني
وهو بهذه الرواية لشاعر جاهلي من بني عقيل في خزانة الأدب 7/ 306؛ ومعجم البلدان 3/ 185.
شرح المفردات: السبعان: اسم واد. أمل: طال. الملون: الليل والنهار.(4/110)
فإنك تقول: رموان، والأصل رميان، فقلبت الياء واوا وسلمت الضمة؛ لأن الألف والنون لا يكونان أضعف حالا من التاء اللازمة في التحصين من الطرف.
963-
وَإنْ تَكُنْ عَيْنًا لِفُعْلَى وَصْفًا ... فَذَاكَ بِالوَجْهَيْنِ عَنْهُمْ يُلفَى
"وإن يكن" الياء الواقعة إثر الضم "عينا لفعلى وصفا * فذاك بالوجهين عنهم" أي عن العرب "يلفى" أي يوجد، كقولهم في أنثى الأكيس والأضيق: الكيسى والضيقى، والكوسى والضوقى، بترديد بين حمله علىمذكره تارة وبين رعاية الزنة أخرى.
واحترز بقوله: "وصفا" عما إذا كانت عينا لفعلى اسما كطوبى مصدر لطاب، أو اسما لشجرة في الجنة تظلها، فإنه يتعين قلبها واوا. وأما قراءة "طيبى لهم"1 فشاذ.
تنبيه: فعلى الواقعة صفة على ضربين؛ أحدهما: الصفة المحضة، وهذه يتعين فيها قلب الضمة كسرة لسلامة الياء، ولم يسمع منها إلا {قِسْمَةٌ ضِيزَى} 2 أي جائزة، يقال: ضازه حقه يضيزه، إذا بخسه وجار عليه، و"مشية حيكى" أي يتحرك فيها المنكبان، يقال: حاك في مشيه يحيك، إذا حرك منكبيه، والآخر غير المحضة، وهي الجارية مجرى الأسماء، وهي فعلى أفعل، كالطوبى والكوسى والضوقى والخورى، مؤنثات الأطيب والأكيس والأضيق والأخير. وهذا الضرب هو مراد المصنف، وهو فيما ذكره فيه مخالف لما عليه سيبويه والنحويون، فإنهم ذكروا هذا الضرب في باب الأسماء فكحموا له بحكم
__________
= المعنى: بخاطب الشاعر الديار الكائنة بالسبعان، والتي تعاقبت عليها الأيام والليالي بالبلى.
الإعراب: "ألا": حرف استفتاح. "يا": حرف نداء. "ديار": منادى منصوب، وهو مضاف. "الحي": مضاف إليه. "بالسبعان": جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من "ديار". "أمل": فعل ماض. "عليها": جار ومجرور متعلقان بـ"أمل". "بالبلى": جار ومجرور متعلقان بـ"أمل". "الملوان": فاعل مرفوع بالألف.
الشاهد فيه قوله: "بالسبعان" فإنه في الأصل، مثنى "سبع"، ثم سمي به، فصار علما على مكان بعينه، وقد استعمله الشاعر، هنا، بالألف، وهو مجرور فدل على أنه عامله كما يعامل المفردات نظرا إلى معناه العارض بعد صيرورته علما، ولو نظر إلى معناه الأصلي، وعامله معاملة المثنى لرده إلى المفرد، ونسب إليه على لفظه في الإفراد.
1 الرعد: 29.
2 النجم: 22.(4/111)
الأسماء، أعني من إقرار الضمة وقلب الياء واوا، كما في "طوبى" مصدرا، وظاهر كلام سيبويه أنه لا يجوز فيه غير ذلك، والذي يدل على أن هذا الضب من الصفات جار مجرى الأسماء، أن أفعل التفضيل يجمع على أفاعل فيقال: أفضل وأفاضل، وأكبر وأكابر، كما يقال في جمع أفكل –وهي الرعدة-: أفاكل، والمصنف ذكره في باب الصفات، وأجاز فيه الوجهين، ونص على أنهما مسموعان من العرب؛ فكان التعبير السالم من الإبهام الملاقي لغرضه أن يقول:
وإن يكن عينا لفعلى أفعلا ... فذاك بالوجهين عنهم يُجتلَى
فصل:
964-
مِنْ لاَمِ فَعْلى اسْمًا أَتَى الْوَاوُ بَدَلْ ... يَاء كَتَقْوَى غَالِبًا جَا ذَا الْبَدَلْ
أي إذا اعتلت لام فعلى بفتح الفاء، فتارة تكون لامها واوا، وتارة تكون ياء فإن كانت واوا سلمت في الاسم، نحو: دعوى، وفي الصفة، نحو نشوى. ولم يفرقوا في ذوات الواو بين الاسم والصفة، وإن كانت ياء سلمت في الصفة، نحو: خزيا وصديا مؤنثا خزيان وصديان، وقلبت الواو في الاسم، نحو: "تقوى، وشروى، وفتوى"؛ فرقا بين الاسم والصفة، وأوثر الاسم بهذا الاعلال لأنه أخف، فكان أحمل للثقل، وإنما قال "غالبا" للاحتراز في الريا للرائحة، وطغيا لولد البقرة الوحشية، وسعيا لموضع، كما صرح بذلك في شرح الكافية، وفي الاحتراز عن هذه نظر؛ أما ريا فالذي ذكره سيبويه وغيره من النحويين أنها صفة غلبت عليها الاسمية، والأصل: رائحة ريا، أي: مملوءة طيبا. وأما طغيا فالأكثر فيه ضم الطاء، ولعلهم استصحبوا التصحيح حين فتحوا للتخفيف. وأما سعيا فعلم؛ فيحتمل أنه منقول منصفة كخزيا وصديا.
تنبيه: ما ذكره الناظم هنا وفي ضرح الكافية موافق لمذهب سيبويه وأكثر النحويين، أعني في كون إبدال الياء واوا في فعلى الاسم مطردا، وإقرار الياء فيها شاذ، وعكس في التسهيل فقال: وشذ إبدال الواو من الياء لفعلى اسما، وقال أيضا في بعض تصانيفه: من شواذ الإعلال إبدال الواو من الياء في فعلى اسما، كالنشوى، والتقوى، والعنوى،(4/112)
والفتوى. والأصل فيهن الياء. ثم قال: وأكثر النحويين يجعلون هذا مطردا، فألحقوا بالأربعة المذكورة الشروى، والطغوى، واللقوى، والدعوى، زاعمين أن أصلها الياء، والأولى عندي جعل هذه الأواخر من الواو، سدا الباب التكثير من الشذوذ، ثم قال: ومما يبين أن إبدال يائها واوا شاذ تصحيح الريا، وهي الرائحة، والطغيا، وهي ولد البقرة الوحشية، تفتح طاؤها وتضم، وسعيا اسم موضع؛ فهذه الثلاثة الجائية على الأصل، والتجنب للشذوذ أولى بالقياس عليها، هذا كلامه، وقد مر تعقب احتجاجه بهذه الثلاثة، وهذه المسألة خامسة مسألة تبدل بها الياء واوا.
[إبدال الواو ياء] :
ثم أشار إلى موضع خامس تقلب فيه الواو ياء بقوله:
965- "
بِالْعَكْسِ جَاءَ لاَمُ فُعْلَى وَصْفًا ... وَكَوْنُ قُصْوَى نَادِرًا لاَ يَخْفَى
أي إذا اعتلت لام فعلى بضم الفاء، فتارة تكون لامها ياء، وتارة تكون واوا؛ فإن كانت ياء سلمت في الاسم، نحو الفتيا، وفي الصفة، نحو: القصيا تأنيث الأقصى؛ فلم يفرقوا في فعلى من ذوات الياء بين الاسم والصفة، كما لم يفوقوا في فعلى بالفتح من ذوات الواو كما سبق، وإن كانت واوا سلمت في الاسم، نحو: حزوى اسم موضع، قال الشاعر [من الطويل] :
أَدَارًا بِحُزْوى هِجْتِ لِلْعَيْنِ عَبْرَةً ... فَمَاءُ الْهَوَى يَرْفَضُّ أَوْ يَترقْرَقُ1
وقلبت ياء في الصفة، نحو: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا} 2، ونحو: قولك: للمتقين الدرجة العليا. وأما قول الحجازيين "القصوى" فشاذ قياسا فصيح استعمالا نبه به على الأصل. وتميم يقولون "القصيا" على القياس، وشذ أيضا "الحلوى عند الجميع.
تنبيه: ما ذهب إليه الناظم مخالف لما عليه أهل التصريف؛ فإنهم يقولون: إن فعلى
__________
1 تقدم بالرقم 878.
2 الصافات: 6.(4/113)
إذا كانت لامها واوا تقلب في الاسم دون الصفة، ويجعلون حزوى شاذا. قال الناظم في بعض كتبه: النحويون يقولون: هذا مخصوص بالاسم، ثم لا يمثلون إلا بصفة محضة أو بالدنيا، والاسمية فيها عارضة، ويزعمون أن تصحيح حزوى شاذ كتصحيح حيوة، وهذا قول لا دليل على صحته، وما قلته مؤيد بالدليل، وموافق لأئمة اللغة، حكى الأزهري عن الفراء وابن السكيت أنهما قالا: ما كان من النعوت مثل الدنيا والعليا فإنه بالياء، فإنهم يستثقلون الواو مع ضمة أوله، وليس فيه اختلاف، إلا أن أهل الحجاز أظهروا الواو في القصوى، وبنو تميم قالوا: القصيا، انتهى. وأما قول ابن الحاجب بخلاف الصفة كالغزوى يعني تأنيث الأغرى، فقال ابن المصنف: هو تمثيل من عنده، وليس معه نقل، والقياس أن يقال: الغزيا كما يقال العليا، انتهى.
فصل:
966- "
إنْ يَسْكُنِ السَّابِقُ مِنْ وَاوٍ وَيَا ... وَاتَّصَلاَ وَمِنْ عُرُوضٍ عَرِيا
967- "
فَيَاء الْوَاوَ اقْلِبَنَّ مُدْغِمَا ... وَشَذَّ مُعْطًى غَيْرَ مَا قَدْ رُسِمَا
"فياء الواو اقلين مدغما" أي هذا موضع سادس تقلب فيه الواو ياء وهو أن تلتقي هي والياء في كلمة أو ما هو في حكم الكلمة كمسلمي، والسابق منهما ساكن متأصل ذاتا وسكونا، ويجب حينئذ إدغام الياء في الياء، مثال ذلك فيما تقدمت فيه الياء سيد وميت، وأصلهما سيود وميوت ومثاله فيما تقدمت فيه الواو طي ولي، مصدرا طويت ولويت، وأصلهما طَوْيٌ ولَوْيٌ.
ويجب التصحيح إن لم يلتقيا كزيتون، وكذا إن كانا من كلمتين، نحو: يدعو ياسر، ويرمي واعد، أو كان السابق منهما متحركا، نحو: طويل وغيور، أو عارض الذات، نحو: روية مخفف رؤية، وديوان إذ أصله دوان وبويع إذ راوه بدل من ألف بايع، أو عارض السكون، نحو: قوي فإن أصله الكسر ثم سكن للتخفيف كما يقال في عَلِمَ: عَلْمَ.
تنبيه: لوجوب الإبدال المذكور شرط آخر لم ينبه عليه هنا، وهو أن يكون في تصغير ما يكسر على مفاعل، فنحو جدول وأسود للحية يجوز في مصغره الإعلال، نحو جديل وأسيد وهو القياس، والتصحيح نحو جديول وأسيود حملا للتصغير على التكسير، أما(4/114)
أسود صفة فتقول فيه "أسيد" لا غير؛ لأنه لم يجمع على أساود.
"وشذ معطى غير ما قد رسما" وذلك ثلاثة أضرب: ضرب أعل ولم يستوف الشروط، كقراءة بعضهم "إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّيَّا تَعْبُرُونَ"1 بالإبدال، وحكى بعضهم اطراده على لغة، وضرب صحح مع استيفائها، نحو: ضيون وهو السنور الذكر، ويوم أيوم، وعوى الكلب عوية، ورجاء بن حيوة، وضرب أبدلت فيه الياء واوا وأدغمت الواو فيها، نحو: عوى الكلب عوة، وهو نهو من المنكر.
[إبدال الواو والياء ألفا] :
ثم أشار إلى إبدال الألف من أختيها بقوله:
968-
مِنْ وَاوٍ أوْ يَاءٍ بِتَحْرِيْكٍ أصُلْ ... أَلِفاً ابْدِلْ بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِل
969-
إنْ حُرِّكَ التَّالِي، وَإنْ سُكِّنَ كَفْ ... إعْلاَلَ غَيْرِ اللاَّمِ، وَهْيَ لاَ يُكَفْ
970-
إعْلاَلُهَا بِسَاكِنٍ غَيْرِ أَلِفْ ... أوْ يَاءِ التَّشْدِيْدُ فِيْهَا قَدْ أُلِفْ
مِنْ وَاوٍ أوْ يَاءٍ بِتَحْرِيْكٍ أصُلْ ... أَلِفاً ابْدِلْ بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِل
أي يجب إبدال الواو والياء ألفا بشروط أحد عشر:
الأول: أن يتحركا؛ فلذلك صحتا في القول والبيع لسكونهما.
والثاني: أن تكون حركتهما أصلية؛ ولذلك صحتا في جبل وتوم مخففي جيئل وتوأم، وفي {اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ} 2، و {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} 3، {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} 4.
والثالث: أن يفتح ما قبلهما؛ ولذلك صحتا في العوض والحيل والسور.
والرابع: أن تكون الفتحة متصلة، أي في كلمتيهما، ولذلك صحتا في "إن عمر وجد يزيد".
والخامس: أن يكون اتصالهما أصليا؛ فلو بنيت مثل علبط من الغزو والرمي قلت فيه:
__________
1 يوسف: 43.
2 آل عمران: 186.
3 البقرة: 16، 175.
4 البقرة: 237(4/115)
غزو ومي، منقوصا، ولا تقلب الواو والياء ألفا؛ لأن اتصال الفتحة بهما عارض بسبب حذف الألف، إذا الأصل غزاوي ورمايي؛ لأن علبطا أصله علابط.
والسادس: أن يتحرك ما بعدهما إن كانتا عينين، وأن لا يليهما ألف ولا ياء مشددة إن كانتا لامين، وإلى هذا أشار بقوله: "إن حرك التالي" أي التابع "وإن سكن كف * إعلال غير اللام، وهي لا يكف" "إعلالها بساكن غير ألف * أو ياء التشديد فيها قد ألف" ولذلك صحت العين في نحو: بيان وطويل وغيور وخورنق، واللام في نحو: رميا وغزوا، وفتيان وعصوان، وعلوي وفتوي، وأعلت العين في قاع وباع وناب وباب؛ لتحرك ما بعدها، واللام في غزا ودعا ورمى وتلا؛ إذ ليس بعدها ألف ولا ياء مشددة، وكذلك يخشون ويمحون1، وأصلهما يخشيون ويمحوون، فقلبتا ألفين لتحركهما وانفتاح ما قبلهما، ثم حذفتا للساكنين، وكذلك تقول في جمع عصا مسمى به: قام عصون، واواصل عصوون، وغزووت، والأصل رمييوت وغزوووت، ثم قلبا وحذفا لملاقاة الساكن، وسهل ذلك أمن اللبس؛ إذ ليس في الكلام فعلوت. وذهب بعضهم إلى تصحيح هذا؛ لكون ما هو فيه واحدا.
وإنما صححوا قبل الألف والياء المشددة لأنهم لو أعلوا قبل الألف لاجتمع ألفان ساكنان، فتحذف إحداهما، فيحصل اللبس في نحو رميا؛ لأنه يصير رمى ولا يُدرَى للمثنى هو أم للمفرد، وحمل ما لا لبْسَ فيه على ما فيه لبس؛ لأنه من بابه. وأما نحو علوي فلأن واوه في موضع تبدل فيه الألف واوا.
والسابع: أن لا تكون إحداهما عينا لفعل الذي الوصف منه على أفعل.
__________
1 قال محيي الدين عبد الحميد: "الأشهر في الكلمة محاه يمحوه محوا مثل دعاه يدعوه، وليس في هذه اللغة قلب الواو ألفا في المضارع المسند لواو الجماعة؛ لأن الحاء حينئذ مضمومة، وفيه ثلاث لغات آخر: إحداها محاه يمحيه محيا مثل رماه يرميه رميا، وهذه كالأولى في أنه ليس في مضارعها المسند الواو الجماعة قلب لامها ألفا؛ لأن ما قبل اللام مكسور، وتزيد هذه بأن لامها ياء فلا يتفق مع قول الشارح "أصله يمحوون" وإن كانت اللام قد قلبت في المضارع المسند لواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، لكن أصله "يمحيون" بفتح الحاء وضم الياء، وإنما الذي يتفق مع كلام الشارح لغة رابعة هي محاه يمحاه محوا؛ فهذه لامها واو، وتقلب الواو ألفا في مضارعه المسند لواو الجماعة".(4/116)
والثامن: أن لا تكون عينا لمصدر هذا الفعل.
وإلى هذين الشرطين الإشارة بقوله:
971-
وصح عين فَعَلٍ وفَعِلا ... ذا أفْعَلٍ كأغيْدٍ وأحوَلا
"وصح عين فعل" أي نحو: الغيد والحول "وفعلا" أي: نحو: غيد وحول "ذا أفعل" أي صاحب وصف على أفعل "كأغيد وأحولا" وإنما التزم تصحيح الفعل في هذا الباب حملا على افعل، نحو: احول واعور لأنه بمعناه وحمل مصدر الفعل عليه في التصحيح.
واحترز بقوله "ذا أفعل" من نحو: خاف فإنه فعل بكسر العين بدليل أمن1، واعتل لأن الوصف منه على فاعل كخائف لا على أفعل.
والتاسع –وهو مختص بالواو- أن لا يكون عينا لافتعل الدال على معنى التفاعل أي التشارك في الفاعلية المفعولية وإلى هذا أشار بقوله:
972-
وإنْ يَبِنْ تفاعُلٌ من افتعَلْ ... والعينُ واوٌ سلمَتْ ولم تُعَلّ
"وإن يبن" أي يظهر "تفاعل من افتعل * والعين واو سلمت ولم تعل" أي إذا كان افتعل واوي العين بمعنى تفاعل صحح، حملا على تفاعل؛ لكونه بمعناه، نحو: اجتوروا وازدوجوا، بمعنى تجاوروا وتزاوجوا.
واحترز بقوله "وإن يبن تفاعل" من أن يكون افتعل لا بمعنى تفاعل؛ فإنه يجب إعلاله مطلقا، نحو: اختان بمعنى خان، واجتاز بمعنى جاز.
وبقوله: "والعين واو" من أن تكون عينه ياء؛ فإنه يجب إعلاله، ولو كان دالا على التفاعل، نحو: امتازوا وابتاعوا واستافوا، أي تضاربوا بالسيوف، بمعنى تمايزوا وتبايعوا، وتسايفوا؛ لأن الياء أشبه بالألف من الواو، فكانت أحق بالإعلال منها.
__________
1 قوله: "بدليل أمِنَ"، لأن من عادة العرب حمل الشيء على ضده كما يحملونه على نظيره.(4/117)
والعاشر: أن لا يكون إحداهما متلوة بحرف يستحق هذا الاعتلال، وإلى هذا أشار بقوله:
973-
وَإِنْ لِحَرْفَيْنِ ذَا الإعْلاَلُ اسْتَحَقْ ... صُحِّحَ أَوَّلٌ وَعَكْسٌ قَدْ يَحِقْ
وإن لحرفين ذا اعلال استحق صحح أول" أي إذا اجتمع في الكلمة حرفا علة: واوان أو ياآن أو واو وياء، وكل منهما يستحق أن يقلب ألفا لتحركه وانفتاح ما قبله، فلا بد من تصحيح إحداهما، لئلا يجتمع إعلالان في كلمة، والآخر أحق بالإعلال؛ لأن الظرف محل التغيير، فاجتماع الواوين، نحو: الحوى مصدر حوى إذا اسود، ويدل على أن ألف الحوى منقلبة عن واو قولهم في مثناه: حووان، وفي جمع أحوى: حو، وفي مؤنثه: حواء، واجتماع الياءين، ونحو: الحيا للغيث، وأصله حيي، لأن تثنيته: حييان، فأعلت الياء الثانية لما تقدمِ، واجتماع الواو والياء، نحو: الهوى، وأصله هوي، فأعلت الياء، ولذلك صحح في نحو: حيوان؛ لأن المستحق للإعلال هو الواو، وإعلاله ممتنع لأنه لام وليها ألف.
وأشار بقوله: "وعكس قد يحق" إلى أنه أعل فيما تقدم الأول وصحح الثاني، كما في نحو: غاية، أصلها غيية، وأعلت الياء الأولى وصحت الثانية، وسهل ذلك كون الثانية لم تقع طرفا. ومثل غاية في ذلك ثاية، وهي حجارة صغار يضعها الراعي عند متاعه فيثوي عندها، وطاية، وهي السطح والدكان أيضا، وكذلك آية عند الخليل، وأصلها أييه، فأعلت العين شذوذا؛ إذ القياس إعلال الثانية، وهذا أسهل الوجود كما قال في التسهيل. أما من قال أصلها أيية بسكون الياء الأولى فيلزمه إعلال الياء الساكنة، ومن قال أصلها آيية على وزن فاعله، فيلزمه حذف العين لغير موجب، ومن قال أصلها أيية كنبقة فيلزمه تقديم الإعلال على الإدغام، والمعروف العكس، بدليل إبدال همزة أئمة ياء لا ألفا.
والحادي عشر: أن لا تكون عينا لما آخره زيادة تختص بالأسماء، وإلى هذا أشار بقوله:
974- "
وَعَيْنُ مَا آخِرَهُ قَدْ زِيْدَ مَا ... يَخُصُّ الاِسْمَ وَاجِبٌ أَنْ يَسْلَمَا
يعني أنه يمنع من قلب الواو والياء ألفا لتحركهما وانفتاح ما قبلها كونهما عينا لما في(4/118)
آخره زيادة تخص الأسماء؛ لأنه بتلك الزيادة بعد شبهه بما هو الأصل في الإعلال وهو الفعل، وذلك نحو: جولان وسيلان، وما جاء من هذا النوع معلا شاذا، نحو: داران وماهان، وقياسهما دوران وموهان. وخالف المبرد، فزعم أن الإعلال هو القياس، والصحيح الأول، وهو مذهب سيبويه.
تنبيهات: الأول: زيادة تاء التأنيث غير معتبرة في التصحيح؛ لأنها لا تخرجه عن صورة فعل؛ لأنها تلحق الماضي؛ فلا يثبت بلحاقها مباينة في نحو: قالة وباعة، وأما تصحيح حوكة وخونة فشاذ بالاتفاق.
الثاني: اختلف في ألف التأنيث المقصورة في نحو صورى وهو اسم ماء، فذهب المازني إلى أنها مانعة من الإعلال؛ لاختصاصها بالاسم، وذهب الأخفش إلى أنها لا تمنع الإعلال؛ لأنها لا تخرجه عن شبه الفعل؛ لكونها في اللفظ بمنزلة فعلا، فتصحيح صورى عند المازني مقيس، وعند الأخفش شاذ لا يقاس عليه؛ فلو بني مثلها من القول لقيل على رأي المازني: قولى، وعلى رأي الأخفش: قالا. وقد اضطرب اختيار الناظم في هذه المسألة، فاختار في التسهيل مذهب الأخفش، وفي بعض كتبه مذهب المازني، وبه جزم الشارح، واعلم أن ما ذهب إليه المازني هو مذهب سيبويه.
الثالث: بقي شرطان آخران؛ أحدهما –وذكره في التسهيل وشرح الكافية- أن لا تكون العين بدلا من حرف لا يعل، واحترز به عن قولهم في شجرة: شيوة، فلم يعلوا لأن الياء بدل من الجيم، قال الشاعر [من الطويل] :
1234-
إذَا لَمْ يَكُنْ فِيْكُنَّ ظِلٌّ وَلاَ جَنَى ... فَأَبْعَدَكُنَّ اللَّهُ مِنْ شِيَرَاتِ
__________
1234- التخريج: البيت لجعيثنة البكائي في سمط اللآلي ص834؛ وبلا نسبة في المقاصد النحوية 4/ 589.
اللغة: الجني: ما يجتني من الشجر. شيرات: أي شجرات.
الإعراب: إذا: ظرف يتضمن معنى الشرط متعلق بجوابه. لم: حرف نفي وجزم وقلب. يكن: فعل مضارع ناقص. فيكن: جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف. ظل: اسم "يكن" مرفوع. ولا "الواو": حرف عطف، "لا": زائدة لتأكيد النفي. جنى: معطوف على "ظل" مرفوع. فأبعدكن: "الفاء": رابطة جواب الشرط، و"أبعدكن": فعل ماض، و"كن": ضمير في محل نصب مفعول به. الله: فاعل مرفوع. من شيرات: جار ومجرور متعلقان بحال من مفعول "أبعد". =(4/119)
والآخر أن لا تكون في محل حرف لا يعل وإن لم تكن بدلا. والاحتراز بذلك عن نحو: أيس بمعنى يئس، فإن ياءه تحركت وانفتح ما قبلها ولم تعل لأنها في موضع الهمزة، والهمزة لو كانت في موضعها لم تبدل، فعوملت الياء معاملتها لوقوعها موقعها، هكذا قال في شرح الكافية. قال: ويجوز أن يكون تصحيح ياء أيس انتفاء علتها، فإنها كانت قبل الهمزة ثم أخرت، فلو أبدلت لاجتمع فيها تغييران: تغيير النقل، وتغيير الإبدال، هذا كلامه وذكر بعضهم أن أيس إنما لم يعل لعروض اتصال الفتحة به؛ لأن الياء فاء الكلمة فهي في نية التقديم والهمزة قبلها في نية التأخير، وعلى هذا فيستغنى عن هذا الشرط بما سبق من اشتراط أصالة اتصال الفتحة.
الرابع: ذكر ابن بابشاذ بهذا الإعلال شرطا آخر، وهو أن لا يكون التصحيح للتنبيه على الأصل المرفوض. واحترز بذلك عن القود والصيد والجيد وهو طول العنق وحسنه، والحيدى، يقال: حمار حيدى، إذا كان يحيد عن ظله لنشاطه، والحركة والخونة، وهذا غير محتاج إليه؛ لأن هذا مما شذ مع استيفائه الشروط. ومثل ذلك في الشذوذ قولهم روح وغيب جمع رائح وغائب، وعفوة جمع عفو وهو الجحش، وهيوة وأوو جمع أوة وهو الداهية من الرجال، وقروة جمع قرو وهي ميلغة الكلب، ا. هـ.
[إبدال النون والواو ميما] :
975-
وَقَبْلَ بَا اقْلِبْ مِيْمًا النُّوْنَ إذَا ... كَانَ مُسَكَّنًا، كَمَنْ بَتَّ انْبِذَا
وقبل با اقلب ميما النون إذا كان مسكنا" أي تبدل النون الساكنة قبل الباء ميما، وذلك لما في النطق بالنون الساكنة قبل الباء من العسر؛ لاختلاف مخرجيهما مع تنافر لين النون وغنتها لشدة الباء، وإنما اختصت الميم بذلك لأنها من مخرج الباء ومثل النون في الغنة، ولا فرق في ذلك بين المنفصلة والمتصلة، وقد جمعهما في قوله: "كمن بت انبذا" أي من قطعك فألقه عن بالك واطرحه. وألف "انبذا" بدل من نون التوكيد الخفيفة.
__________
= وجملة "إذا لم يكن فأبعدكن": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "لم يكن ... ": في محل جر بالإضافة. وجملة "أبعدكن ... ": لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم.
الشاهد فيه قوله: "من شيرات" حيث أبدلت الجيم بـ"ياء" لأن الأصل "شجرات".(4/120)
تنبيهات: الأول: كثيرا ما يعبرون عن إبدال النون ميما بالقلب كما فعل الناظم، والأولى أن يعبر بالإبدال؛ لما عرفت أول الباب.
الثاني: قد تبدل النون ميما ساكنة ومتحركة دون باء، وذلك شاذ، فالساكنة كقولهم في حنظل: حمظل، والمتحركة كقولهم في بنان: بنام، ومنه قوله [من الرجز] :
1235-
يَا هَالُ ذَاتُ الْمَنْطِقِ التَّمْتَامِ ... وَكَفّكِ الْمُخَضَّبِ البَنَامِ
وجاء عكس ذلك في قولهم: أسود قاتن، وأصله قاتم.
الثالث: أبدلت الميم أيضا من الواو في فم؛ إذا أصله فوه، بدليل أفواه، فحذفوا الهاء تخفيفا، ثم أبدلوا الميم من الواو، فإن أضيف رجع به إلى الأصل فقيل: فوك، وربما بقي الإبدال، نحو: "لخلوف فم الصائم".
فصل [الإعلال بالنقل]
976-
لِسَاكِنٍ صَحَّ انْقُلِ الْتَّحْرِيكَ مِنْ ... ذِي لِيْنٍ آتٍ عَيْنَ فِعل كَأَبِنْ
أي: إذا كان عين الفعل واوا أو ياء وقبلهما ساكن صحيح وجب نقل حركة العين إليه؛ لاستثقالها على حرف العلة، نحو: يقوم ويبين، الأصل: يقوم ويبين، وبضم الواو
__________
1235- التخريج: الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص183؛ وجواهر الأدب ص98؛ وسر صناعة الإعراب 422؛ وشرح التصريح 2/ 392؛ وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 216؛ وشرح شواهد الشافية ص455؛ وشرح المفصل 10/ 33؛ والمقاصد النحوية 4/ 580؛ وبلا نسبة في شرح المفصل 10/ 35.
شرح المفردات: هال: اسم امرأة. التمتام: الذي يعجل في كلامه فلا يفهمك. المخضب: الذي فيه الخضاب. البنام: الأصابع.
الإعراب: "يا": حرف نداء. "هال": منادى مبني على ضم الحرف المحذوف في محل نصب تقديره: "هالة". "ذات": نصب "حال" مرفوع، وهو مضاف. "المنطق": مضاف إليه مجرور. "التمتام": نعت "المنطق" مجرور. "وكفك": الواو حرف عطف، "كفك": معطوف على "المنطق" مجرور وهو مضاف، والكاف ضمير في محل جر بالإضافة. "المخضب": نعت "كفك" مجرور، وهو مضاف. "البنام": مضاف إليه مجرور بالكسرة.
الشاهد فيه قوله: "البنام" يريد "البنان"، فأبدل النون ميما للضرورة الشعرية. وفي البيت شاهد آخر للنجاة هو قوله: "يا هال" مرخم "يا هالة".(4/121)
وكسر الياء، فنقلت حركة الواو والياء إلى الساكن قبلهما، وهو قاف يقوم وباء يبين، فسكنت الواو والياء.
ثم اعلم أنه إذا نقلت حركة العين إلى الساكن قبلها؛ فتارة تكون العين مجانسة للحركة المنقولة، وتارة تكون غير مجانسة.
فإن كان مجانسة لها لم تغير بأكثر من تسكينها بعد النقل، وذلك مثل ما تقدم.
وإن كانت غير مجانسة لها أبدلت حرفا يجانس الحركة، كما في نحو: أقام وأبان، أصلهما أقوم وأبين، فلما نقلت الفتحة إلى الساكن بقيت العين غير مجانسة لها، فقلبت ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها، ونحو يقيم أصله يقوم، فلما نقلت الكسرة إلى الساكن بقيت العين غير مجانسة لها فقلبت لها فقلبت ياء؛ لسكونها وانكسار ما قبلها.
ولهذا النقل شروط:
الأول: أن يكون الساكن المنقول إليه صحيحا، فإن كان حرف علة لم ينقل إليه، نحو: قاول وبايع وعوق وبين، وكذا الهمزة لا ينقل إليها، نحو: يأيس مضارع أيس؛ لأنها معرضة للإعلال بقلبها ألفا، نص على ذلك في التسهيل، وإنما لم تستثنها هنا لأنه قد عدها من حروف العلة؛ فقد خرجت بقوله "صح".
الثاني: أن لا يكون الفعل تعجب، نحو: ما أبين الشيء، وأقومه، وأبين به وأقوم به، وحملوه على نظيره من الأسماء في الوزن والدلالة على المزية، وهو أفعل التفضيل.
الثالث: أن لا يكون من المضاعف اللام، نحو ابيض واسود، وإنما لم يعلوا هذا النوع لئلا يلتبس مثال بمثال، وذلك أن أبيض لو أعل الإعلال المذكور لقيل فيه باض وكان يظن أنه فاعل من البضاضة وهي نعومة البشرة.
الرابع: أن يكون من المعتل اللام، نحو: أهوى؛ فلا يدخله النقل لئلا يتوالى إعلالان وإلى هذه الشروط الثلاثة أشار بقوله:
977- "
مَا لَمْ يَكُنْ فِعْلَ تَعَجُّبٍ وَلاَ ... كَابْيَضَّ أَوْ أَهْوَى بِلاَمٍ عُلِّلاَ(4/122)
وزاد في التسهيل شرطا آخر، وهو أن لا يكون موافقا لعفل الذي بمعنى افعل نحو يعور ويصيد مضارعا عور وصيد، وكذا ما تصرف منه، نحو: أعوره الله، وكأن استغنى عن ذكره هنا بذكره في الفصل السابق في قوله: "وصح عين فعل وفعلا ذا أفعل" فإن العلة واحدة.
978- "
وَمِثْلُ فِعْلٍ في ذَا الإعْلاَلِ اسْمُ ... ضَاهَى مُضَارِعَاً وَفِيْهِ وَسْمُ
أي الاسم المضاهي للمضارع –وهو الموافق له في عدد الحروف والحركات- يشارك الفعل في وجوب الإعلال بالنقل المذكور، بشرط أن يكون فيه وسم يمتاز به عن الفعل فاندرج في ذلك نوعان:
أحدهما: ما وافق المضارع في وزنه دون زيادته كمقام؛ فإنه موافق للفعل في وزنه فقط وفيه زيادة تنبيء على أنه ليس من قبيل الأفعال وهي الميم؛ فأعل، وكذلك نحو مقيم ومبين، وأما مدين ومريم فقد تقدم أن وزنهما فعلل، ولا مفعل وإلا وجب الإعلال، ولا فعيل لفقده في الكلام، ولو بنيت من البيع مفعلة بالفتح قلت مباعة أو مفعلة بالكسر قلت مبيعة أو مفعلة بالضم، فعلى مذهب سيبويه تقول مبيعة أيضا، وعلى مذهب الأخفش تقول مبوعة، وقد سبق ذكر مذهبهما.
والآخر: ما وافق المضارع في زيادته دون وزنه، كأن تبني من القول أو البيع اسما على مثال تحلئ –بكسر التاء وهمزة بعد اللام- فإنك تقول: تقيل وتبيع، بكسرتين بعدهما ياء ساكنة؛ وإذا بنيت من البيع اسما على مثال ترتب قلت على مذهب سيبويه: تبيع، بضم فكسر، وعلى مذهب الأخفش: تُبُوع.
فالوسم الذي امتاز به هذا النوع عن الفعل هو كونه على وزن خاص بالاسم، وهو أن تفعلا بكسر التاء وضمها لا يكون في الفعل، ولذلك أعل.
أما ما شابه المضارع في وزنه وزيادته، أو باينه فيهما معا، فإنه يجب تصحيحه، فالأول، نحو: أبيض وأسود؛ لأنه لو أعل لتوهم فعلا، وأما نحو يزيد علما فمنقول إلى(4/123)
العلمية بعد أن أعل إذ كان فعلا، والثاني كمخيط، هذا هو الظاهر. وقال الناظم وابنه: حق نحو مخيط أن يعل؛ لأن زيادته خاصة بالأسماء، وهو مشبه لتعلم أي بكسر حرف المضارعة في لغة قوم، لكنه حمل على مخياط لشبهه به لفظا ومعنى، انتهى. وقد يقال: لو صح ما قالا للزم أن لا يعل مثال تحلئ؛ لأنه يكون مشبها لتحسب في وزنه وزيادته، ثم لو سلم أن الإعلال كان لازما لما ذكرا لم يلزم الجميع، بل من يكسر حرف المضارعة فقط.
وقد أشار إلى هذا الثاني بقوله:
979-
وَمِفْعَلٌ صُحِّحَ كَالْمِفْعَال ... وَأَلِفُ الإفْعَالِ وَاسْتِفْعَالِ
980-
أَزِلْ لِذَا الإعْلاَلِ وَالتَّا الْزَمْ عِوَضْ ... وَحَذْفُهَا بِالنَّقْلِ رُبَّمَا عَرَضْ
ومفعل صحح كالمفعال" يعني أن مفعالا لما كان مباينا للفعل، أي غير مشبه له في وزن ولا زيادة، استحق التصحيح، كمسواك ومكيال وحمل عليه في التصحيح مفعل لمشابهته له في المعنى كمقول ومقوال، ومخيط ومخياط والظاهر ما قدمته، من أن علة تصحيح، نحو: مخيط مباينته الفعل في وزنه وزيادته؛ لأنه مقصور من مخياط، فهو هو، لا أنه محمول عليه، وعلى هذا كثير من أهل التصريف.
"وألف الإفعال واستفعال أزل لذا الإعلال، والتا الزم عوض" أي إذا كان المصدر على إفعال أو استفعال، مما أعلت عينه؛ حمل على فعله في الإعلال فتنقل حركة عينه إلى فائه، ثم تقلب ألفا لتجانس الفتحة، فيلتقي ألفان، فتحذف إحداهما لالتقاء الساكنين، ثم تعوض عنها تاء التأنيث، وذلك نحو إقامة واستقامة، أصلها إقوام واستقوام، فنقلت فتحة الواو إلى القاف، ثم قلبت الواو ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها، فالتقى ألفان الأولى بدل العين والثانية ألف إفعال واستفعال، فوجب حذف إحداهما. واختلف النحويون أيتهما المحذوفة؟ فذهب الخليل وسيبويه إلى أن المحذوفة ألف إفعال واستفعال؛ لأنها الزائدة، ولقربها من الطرف، ولأن الاستثقال بها حصل. وإلى هذا ذهب الناظم، ولذلك قال "وألف الإفعال واستفعال أزل". وذهب الأخفش والفراء إلى أن المحذوفة بدل عين الكلمة، والأول أظهر، ولما حذفت الألف عوض عنها تاء التأنيث فقيل: إقامة، واستقامة.(4/124)
وأشار بقوله: "وحذفها بالنقل" أي بالسماع "ربما عرض" إلى أن هذه التاء التي جعلت عوضا قد تحذف؛ فيقتصر في ذلك على ما سمع، ولا يقاس عليه، ومن ذلك قول بعضهم: أراه إراء، وأجابه إجابا، حكاه الأخفش، قال الشارح: ويكثر ذلك مع الإضافة كقوله تعالى: {وَإِقَامَ الصَّلاةِ} 1 قيل: وحسن حذف التاء في الآية مقارنته لقوله بعد {وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} 2.
تنبيه: قد ورد تصحيح إفعال واستفعال وفروعهما في ألفاظ: منها أعول إعوالا، وأغيمت السماء إغياما، واستحوذ استحواذا، واستغيل الصبي استغيالا، وهذا عند النحاة شاذ يحفظ ولا يقاس عليه. وذهب أبو زيد إلى أن ذلك لغة قوم يقاس عليها، وحكى الجوهري عنه أنه حكى عن العرب تصحيح أفعل واستفعل تصحيحا مطردا في الباب كله، وقال الجوهري في مواضع أخر: تصحيح هذه الأشياء لغة فصيحة، وذهب في التسهيل إلى موضع ثالث، وهو أن التصحيح مطرد فيما أهمل ثلاثيه، وأراد بذلك نحو: استنوق الجمل استنواقا، واستتيست الشاة استتياسا، أي صار الجمل ناقة، وصارت الشاة تيسا، وهذا مثل يضرب لمن يخلط في حديثه، لا فيما له ثلاثي، نحو: استقام انتهى.
981-
وَمَا لإفْعَال -مِنَ الْحَذْفِ، وَمِنْ ... نَقْلٍ- فَمَفْعُولٌ بِهِ أيْضَاً قَمِنْ
982-
نَحْوُ مَبِيْعٍ وَمَصُوْنٍ، وَنَدَرْ ... تَصْحِيْحُ ذِي الْوَاوِ، اشْتَهَرْ
وما لإفعال" واستفعال المذكروين "من الحذف ومن * نقل فمفعول به أيضا قمن
أي: حقيق "نحو مبيع ومصون" والأصل مبيوع ومصوون، فنقلت حركة الياء والواو إلى الساكن قبلهما؛ فالتقى ساكنان الأول عين الكلمة، والثاني واو مفعول الزائدة؛ فوجب حذف إحداهما. واختلف في أيتهما المحذوفة على حد الخلف في إفعال واستفعال المتقدم.
ثم ذوات الواو – نحو مصون ومقول- ليس فيها عمل غير ذلك.
__________
1 الأنبياء: 73؛ والنور: 37.
2 الأنبياء: 73؛ والنور: 37.(4/125)
وأما ذوات الياء، نحو: مبيع ومكيل؛ فإنه لما حذفت واوه على رأي سيبويه بقي مبيع ومكيل بياء ساكنة بعد ضمة؛ فجعلت الضمة المنقولة كسرة لتصح الياء. وأما على رأي الأخفش فإنه لما حذفت ياؤه كسرت الفاء وقلبت الواو ياء فرقا بين ذوات الواو وذوات الياء. وقد خالف الأخفش أصله في هذا؛ فإن أصله أن الفاء إذا ضمت وبعدها ياء أصلية باقية قلبها واوا لانضمام ما قبلها إلا في الجمع، نحو: بيض، وقد قلب ههنا الضمة كسرة مراعاة للعين التي هي ياء مع حذفها، ومراعاتها موجودة أجدر.
تنبيه: وزن مصون عند سيبويه مفعل، وعند الأخفش مفول، وتظهر فائدة الخلاف في نحو: "مسو" مخففا. قال أبو الفتح: سألني أبو علي عن تخفيف مسوء، فقلت: أما على قول أبي الحسن فأقول: رأيت مسوا، كما تقول في مقروء: مقرو؛ لأنها عنده واو مفعول، وأما على مذهب سيبويه فأقول: رأيت مسوا كما تقول في خبء: خب؛ فتحرك الواو؛ لأنها في مذهبه العين، فقال لي أبو علي: كذلك هو، ا. هـ.
"وندر تصحيح ذي الواو" من ذلك في قول بعض العرب: ثوب مصوون، ومسك مدووف، وفرس مقوود، ولا يقاس على ذلك، خلافا للمبرد "و" التصحيح "في ذي اليا" ومن ذلك "اشتهر لخفة الياء، كقولهم: "خذه مطيوبة به نفسا"1، وقوله [من الرجز] :
1236-
كَأَنَّهَا تُفَّاحَةٌ مَطْيُوْبَةٌ
وقوله [من الكامل] :
1237-
[قد كان قومك يحسبونك سَيِّدًا] ... وَإِخَالُ أنَّكَ سَيِّدٌ مَعْيُونُ
__________
1 لعل الأصوب: "خذه مطيوبة به نفسك".
1236- التخريج: الشطر لشاعر تميمي في المقاصد النحوية 4/ 574؛ وبلا نسبة في الخصائص 1/ 261؛ والمقتضب 1/ 101؛ والمنصف 1/ 286، 3/ 47.
شرح المفردات: مطيوبة: اسم مفعول بمعنى: طيبة.
الإعراب: "كأنها": حرف مشبه بالفعل، و"ها" ضمير في محل نصب اسم "كأن". "تفاحة": خبر كأن مرفوع بالضمة. "مطيوبة": نعت "تفاحة" مرفوع بالضمة.
الشاهد فيه قوله: "مطيونة"، وذلك على لغة بني تميم، والقياس الشائع "مطيبة".
1237- التخريج: البيت للعباس بن مرداس في ديوانه ص108؛ وجمهرة اللغة ص956؛ والحيوان 2/ 142؛ وشرح التصريح 2/ 395؛ وشرح شواهد الشافية ص387؛ ولسان العرب 13/ 301 =(4/126)
وقوله [من البسيط] :
1238-
حَتَّى تَذَّكَرَ بَيْضَاتٍ وَهَيَّجَهُ ... يَوْمُ الرِّذَاذِ عَلَيْهِ الدَّجْنُ مَغْيُوْمُ
وهذه لغة تميمية.
تنبيه: قالوا "مشيب" في المختلط بغيره، والأصل مشوب، ولكنهم لما قالوا في الفعل: "شيب" حملوا عليه اسم المفعول، وكما قالوا "مشيب" بناء على شيب قالوا: "مهوب" بناء على "هوب الأمر" في لغة من يقول "بوع المتاع" والأصل مهيب.
__________
= "عين"؛ والمقاصد النحوية 4/ 574؛ وبلا نسبة في الخصائص 1/ 261؛ والمقتضب 1/ 102.
شرح المفردات: إخال: أظن. المعيون: المصاب بالعين.
الإعراب: "قد": حرف تحقيق. "كان": فعل ماض ناقص. "قومك": اسم "كان" مرفوع، وهو مضاف، الكاف ضمير في محل جر بالإضافة. "يحسبونك": فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو ضمير في محل رفع فاعل، والكاف ضمير في محل نصب مفعول به أول. "سيدا": مفعول به ثان. "وإخال": الواو حرف عطف، "إخال": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره. "أنا". "أنك": حرف مشبه بالفعل، والكاف ضمير في محل نصب اسم "أن". "سيد": خبر "أن" مرفوع. "معيون": نعت "سيد" مرفوع. والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها سد مسد مفعولي "إخال".
وجملة "كان قومك ... " ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "يحسبونك" في محل نصب خبر "كان". وجملة "إخال" معطوفة على جملة: "كان قومك ... " فهي مثلها لا محل لها من الإعراب.
الشاهد: قوله: "معيون" حيث صحح اسم المفعول من الأجوف اليائي، والقياس "معين".
1238- التخريج: البيت لعلقمة بن عبدة في ديوانه ص59؛ وجمهرة اللغة ص963؛ وخزانة الأدب 11/ 295؛ والخصائص 1/ 261؛ وشرح المفصل 10/ 78، 80؛ والمقتضب 1/ 101؛ والممتع في التصريف 2/ 460؛ والمنصف 1/ 286، 3/ 47؛ والمقاصد النحوية 4/ 576.
اللغة: هيجة: حركة. الرذاذ: المطر الخفيف: الدجن: المطر الغزير، أو الغيم الكثيف. المغيوم: ذو الغيم.
المعنى: يقول: لما تذكر بيضاته أسرع إليها، وهيجه على ذلك رذاذ وريح وغيم.
الإعراب: حتى: حرف غاية وابتداء. تذكر: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو". بيضات: مفعول به منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم. وهيجه: "الواو": حرف عطف، و"هيجه": فعل ماض، و"الهاء": ضمير في محل نصب مفعول به. يوم: فاعل مرفوع، وهو مضاف. الرذاذ: مضاف إليه مجرور. عليه: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. الدجن: مبتذأ مرفوع. مغيوم: نعت "يوم" مرفوع بالضمة. =(4/127)
983-
وَصَحِّحِ المَفْعُولَ مِنْ نَحْوِ عَدَا ... وَأَعْلِلِ انْ لَمْ تَتَحَرَّ الأَجْوَدَا
"وصحح المفعول من" كل فعل واوي اللام مفتوح العين، كما في "نحو عدا" ودعا؛ فإنك تقول في المفعول منهما: "معدو، ومدعو" حملا على فعل الفاعل، هذا هو المختار، ويجوز الإعلال مرجوحا، كما أشار إليه بقوله: "وأعلل أن لم تتحر" أي لم تقصد "الأجودا"؛ فتقول: معدي، ومدعي، ويروى بالوجهين قوله [من الطويل] :
1239-
[وقد علمت عرسي مليكة أنني] ... أَنَا اللَّيْثُ مَعْدِيًّا عَلَيْهِ وعَادِيَا
أنشده المازني "معدوا" بالتصحيح، وأنشده غيره بالإعلال.
واختلف في علة الإعلال؛ فقيل: حمل على فعل المفعول، وهو قول الفراء وتبعه
__________
= وجملة "تذكر ... ": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "هيجه": معطوفة على سابقتها وجملة "عليه الدجن مغيوم": في محل رفع نعت "يوم".
الشاهد فيه قوله: "مغيوم" حيث جاء على غير قياس، والقياس فيه "معيم".
1239- التخريج: البيت لعبد يغوث بن وقاص الحارثي في خزانة الأدب 2/ 101؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 691؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 433؛ وشرح اختيارات المفضل ص771؛ وشرح التصريح 2/ 382؛ والكتاب 4/ 385؛ ولسان العرب 5/ 219 "نظر"، 15/ 34 "عدا"؛ والمقاصد النحوية 4/ 589؛ وبلا نسبة في أدب الكاتب ص569، 600؛ وأمالي ابن الحاجب ص331؛ وشرح شافية ابن الحاجب ص172؛ وشرح شواهد الشافية ص400؛ وشرح المفصل 5/ 36، 10/ 22، 110؛ ولسان العرب 6/ 115 "شمس"، 14/ 148 "جفا"؛ والمحتسب 2/ 207؛ والمقرب 2/ 187؛ والممتع في التصريف 2/ 550؛ والمنصف 1/ 118، 2/ 122.
شرح المفردات: عرسي: زوجي. الليث: الأسد. المعدي عليه: المظلوم.
الإعراب: "وقد": الواو بحسب ما قبلها، "قد": حرف تحقيق. "علمت": فعل ماض، والتاء للتأنيث. "عرسي": فاعل مرفوع، وهو مضاف، والياء ضمير في محل جر بالإضافة. "مليكة": بدل من "عرسي"، أو عطف بيان، مرفوع. "أنني": حرف مشبه بالفعل، والنون للوقاية، والياء ضمير في محل نصب اسم "أن". "أنا": ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. "الليث": خبر المبتدأ مرفوع. والمصدر المؤول من "أن" وما بعده سدت مسد مفعولي "علمت". "معديا": حال منصوب. "عليه": جار ومجرور متعلقان بـ"معديا". "وعاديا": الواو حرف عطف، "عاديا": معطوف على "معديا" منصوب.
وجملة: "علمت ... " ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "أنا الليث.." في محل رفع خبر "أن".
الشاهد فيه قوله: "معديا" وأصله "معدوا" فقلب الواو ياء استثقالا للضمة والواو وتشبيها بما يلزم قلبه من الجمع. ويجعل بعضهم "معديا" جاريا على "عدي" في القلب والتغيير.(4/128)
المصنف، واعترض بوجوب القلب في المصدر، نحو: عَتَا عِتِيًّا، والمصدر ليس مبنيا على فعل المفعول، وقيل: أعل تشبيها بباب أدْلٍ وأجْرٍِ؛ لأن الواو الأولى ساكنة زائدة حقيقة بالإدغام، فلم يعتد بها حاجزا؛ فصارت الواو التي هي لام الكلمة كأنها وليت الضمة؛ فقلبت ياء على حد قلبها في أدل وأجر.
والاحتراز بواوي اللام من يائيها؛ فإنه يجب فيه الإعلال نحو رمى وقلى، فإنك تقول في المفعول منه: مَرْمِيّ، ومَقْلِيّ، والأصل مرمَوِيّ ومقْلَوِيّ –قلبت الواو ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون، وأدغمت في لام الكلمة، وكسر المضموم لتصح الياء، وقد سبق الكلام على هذا.
وبكونه مفتوح العين من مكسورها، وهو على قسمين: ما ليس عينه واوا، وما عينه واو؛ فأما الأول نحو: {رَضِيَ} فإن الإعلال فيه أولى من التصحيح، لأن فعله قد قلبت فيه الواو ياء في حالة بنائه للفاعل وفي حالة بنائه للمفعول؛ فكان إجراء اسم المفعول على الفعل في الإعلال أولى من مخالفته له، ولهذا جاء الإعلال في القرآن دون التصحيح؛ فقال تعالى: {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} 1 ولم يقل مرضوة مع كونه من الرضوان، وقرأ بعضهم: "مرضوة"2 وهو قليل، هذا ما ذكره المصنف –أعني ترجيح الإعلال على التصحيح في نحو مرضي –وذكر غيره أن التصحيح في ذلك هو القياس، وأن الإعلال فيه شاذ؛ فإن كان فعل بكسر العين واويها نحو قوي تعين الإعلال وجها واحد؛ فتقول: "مقوي" والأصل مقووو؛ فاستثقل اجتماع ثلاث واوات في الطرف مع الضمة؛ فقلبت الأخيرة ياء، ثم قلبت المتوسطة ياء؛ لأنه قد اجتمع ياء وواو وسبقت إحداهما بالسكون، ثم قلبت الضمة كسرة لأجل الياء، وأدغمت الياء في الياء فقيل: مقوي.
تنبيه: باب مرضي ومقوي سابع موضع تقلب فيه الواو ياء.
984- "
كَذَاكَ ذَا وَجْهَيْنِ جَا الْفُعُولُ مِنْ ... ذِي الْوَاوِ لاَمَ جَمْعٍ اوْ فَرْدٍ يَعِنْ
__________
1 الفجر: 28.
2 الفجر: 28.(4/129)
هذا موضع ثامن تقلب فيه الواو ياء.
أي إذا كان الفُعُول مما لامه واو لم يخل من أن يكون جمعا أو مفردا.
فإن كان جمعا جاز فيه الإعلال والتصحيح، إلا أن الغالب الإعلال، نحو عصا عصي وقفا وقفي ودلو ودلي، واوصل عصوو وقفوو ودلوو؛ فأبدلت الواو الأخيرة ياء حملا على باب أدل، وأعطيت الواو التي قبلها ما استقر لمثلها من إبدال وإدغام.
وقد ورد بالتصحيح ألفاظ، قالوا: أبو وأخو ونحو جمعا لنحو، وهي الجهة، ونجو بالجيم جمعا لنجو وهو السحاب الذي هراق ماءه، وبهو جمعا لبهو وهو الصدر.
وإن كان مفردا جاز فيه الوجهان إلا أن الغالب التصحيح، نحو {وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} 1، {لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَادًا} 2، وتقول: نما المال نموا، وسما زيد سموا. وقد جاء الإعلال في قولهم: عتا الشيخ عتيا، وعسا عسيا، أي ولى وكبر، وقسا قلبه قسيا، وإنما كان الإعلال في الجمع أرجح والتصحيح في المفرد أرجح لثقل الجمع وخفة المفرد.
تنبيهان: الأول: في كلامه ثلاثة أمور؛ أحدها: أن ظاهرة التسوية بين فعول المفرد وفعول الجمع في الوجهين، وليس كذلك كما عرفت؛ ثانيها: ظاهرة أيضا التسوية بين الإعلال والتصحيح في الكثرة، وليس كذلك كما عرفت، وقد رفع هذين الأمرين في الكافية بقوله:
وَرُجِّحَ الإعلالُ في الجمْعِ، وفِي ... مُفْرَدٍ التصحيحُ أولَى ما قُفِي
ثالثها: أطلق جواز التصحيح في فعول من الواوي اللام، وهو شرط بأن لا يكون من باب قوي؛ فلو بني من القوة وجب أن يفعل به ما فعل بمفعول من القوة، وقد تقدم؛ فكان التعبير السالم من هذه الأمور المناسب لغرضه أن يقول:
كذا الفُعُول منه مُفردًا وإن ... يعِنَّ جمعًا فهو بالعكْسِ يَعِنّ
والضمير في "منه" يرجع لنحو عدا في البيت قبله.
__________
1 الفرقان: 21.
2 القصص: 83.(4/130)
الثاني: ظاهر كلامه هنا وفي الكافية وشرحها أن كلا من تصحيح الجمع وإعلال المفرد مطرد يقاس عليه، أما تصحيح الجمع فذهب الجمهور إلى أنه لا يقاس عليه، وإليه ذهب في التسهيل، قال: ولا يقاس عليه خلافا للفراء، هذا لفظه، وأما إعلال المفرد فظاهر التسهيل اطراده، والذي ذكره غيره أنه شاذ.
985-
وَشَاعَ نَحْوُ نُيَّمٍ فِي نُوَّمِ ... وَنَحْوُ نُيَّامٍ شُذُوْذُهُ نُمِي
"وشاع" أي كثر الإعلال بقلب الواو ياء إذا كانت عينا لفعل جمعا صحيح اللام "نحو نيم في نوم" جمع نائم، وصيم في صوم جمع صائم، وجيع في جوع جمع جائع، ومنه قوله [من الكامل] :
1240-
وَمُعَرِّصٍ تَغْلِي المَآجِلُ تَحْتَهُ ... عَجَّلَتْ طَبْخََتََهُ لِقَوْمٍ جُيَّعِ
ووجه ذلك أن العين شبهت باللام لقربها من الطرف، فأعلت كما تعل اللام، فقلبت الواو الأخيرة ياء، ثم قلبت الواو الأولى ياء، وأدغمت الياء في الياء، ومع كثرته التصحيح أكثر منه، نحو: نوم وصوم. ويجب إن اعتلت اللام لئلا يتوالى إعلالان، وذلك كشوى وغوى جمع شاو وغاو، وأو فصلت من العين كنوام وصوام؛ لبعد العين حينئذ من الطرف
__________
1240- التخريج: البيت للحادرة في ديوانه ص58؛ وبلا نسبة في الخصائص 3/ 219؛ ولسان العرب 8/ 61 "جوع"؛ والممتع في التصريف 2/ 497؛ والمنصف 2/ 3.
اللغة: المعرص: اللحم الموضوع في العرصة، وهي فناء الدار، ليجف. المراجل: جمع المرجل، وهو القدر.
المعنى: جاءوا إلي باكرا فأسرعت بتقديم الخمرة واللحم الذي لم ينضج جيدا – رغم غليه في المراجل- بسبب استعجالنا كي لا يجوع الضيوف.
الإعراب: ومعرص: "الواو": حرف عطف، "معرص": اسم معطوف على "عاتق" في بيت سابق مجرور مثله. تغلي: فعل مضارع مرفوع. المراجل: فاعل مرفوع بالضمة. تحته: ظرف مكان، متعلق بـ"تغلي" وهو مضاف، و"الهاء": ضمير في محل جر بالإضافة. عجلت: فعل ماض، و"التاء": ضمير في محل رفع فاعل. طبخته: مفعول به، وهو مضاف، و"الهاء": ضمير في محل جر بالإضافة. لقوم: جار ومجرور متعلقان بـ"عجل". جمع: نعت "قوم" مجرور.
وجملة "تغلي": في محل جر صفة "معرص". وجملة "عجلت ... ": في محل جر صفة ثانية لـ"معرص".
الشاهد فيه قوله: "قوم جيع" حيث قلب الواو ياء، فالأشهر القول "جُوَّع".(4/131)
"وَنَحْوُ نُيَّامٍ شُذُوْذُهُ نُمِي" أي روي في قوله [من طويل] :
1241-
[ألا طرقتنا مية ابنه منذر] ... فَمَا أَرَّقَ النُّيَّامَ إلاَّ كَلاَمُهَا
تنبيهات: الأول: قوله: "شاع" ليس نصا في أنه مطرد، وقد نص غيره من النحويين على اطراده، وقد بان لك أن قوله "شاع نحو نيم" هو بالنسبة إلى نُيَّام لا إلى نُوّم.
الثاني: يجوز في فاء فعل المعل العين الضم والكسر، والضم أولى، وكذلك فاء نحو دلي وعصي وإلي جمع ألوى وهو الشديد الخصومة.
الثالث: هذا الموضع تاسع موضع تقلب فيه الواو ياء.
وبقي عاشر لم يذكره هنا، وهو: أن تلي الواو كسرة وهي ساكنة مفردة، نحو ميزان وميقات، والأصل موزان وموقات، فقلبوا الواو ياء استثقالا للخروج من كسرة إلى الواو، كالخروج من كسرة إلى ضمة، ولذلك لم يكن في كلامهم مثل فعل، وخرج بالقيد الأول، نحو: موعد، وبالثاني، نحو: طول وعوض وصوان وسوار، وبالثالث، نحو: اجْلِوَّاذٍ واعْلِوَّاطٍ.
__________
1241- التخريج: البيت لذي الرمة في ديوانه ص1003؛ وخزانة الأدب 3/ 419، 420؛ وشرح شواهد الشافية ص381؛ وشرح المفصل 10/ 93؛ والمنصف 2/ 5، 49؛ ولأبي النجم الكلابي في شرح التصريح 2/ 383؛ وبلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب 3/ 143، 173؛ وشرح ابن عقيل ص707؛ ولسان العرب 12/ 596 "نوم"؛ والممتع في التصريف 2/ 498. ويروى "سلامها" مكان "كلامها".
شرح المفردات: طرقتنا: زارتنا ليلا. أرق: أسهر.
الإعراب: "ألا": حرف استفتاح وتنبيه. "طرقتنا": فعل ماض، والتاء للتأنيث، و"نا": ضمير في محل نصب مفعول به. "مية": فاعل مرفوع بالضمة. "ابنه": نعت "مية" مرفوع وهو مضاف. "منذر": مضاف إليه مجرور. "فما": الفاء حرف عطف، "ما": حرف نفي. "أرق": فعل ماض. "النيام": مفعول به منصوب. "إلا": أداة حصر. "كلامها": فاعل مرفوع، وهو مضاف، و"ها": ضمير في محل جر بالإضافة.
وجملة: "طرقتنا" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "أرق ... " معطوفة على الجملة السابقة.
الشاهد فيه قوله: "النيام" في جمع "نائم" والقياس "النوام" فقلب الواو ياء.(4/132)
[قلب فاء المثال تاء في الافتعال وفروعه] :
986-
ذُو اللِّيْنِ فَاتا في افْتِعَالٍ أُبْدِلا ... وَشَذ فِي ذِي الهَمْزِ نَحْوُ ائْتَكَلاَ
"ذو اللين فاتا في افتعا أبدلا" تا: مفعول ثان لأبدل، والأول ضمير مستتر نائب عن الفاعل يعود على ذي اللين، وفا: حال منه.
أي إذا كان فاء الافتعال حرف لين –يعني واوا أو ياء- وجب في اللغة الفصحى إبدالها تاء فيه، وفي فروعه من الفعل واسمي الفاعل والمفعول؛ لعسر النطق بحرف اللين الساكن مع التاء لما بينهما من مقاربة المخرج ومنافاة الوصف؛ لأن حرف اللين من المجهور والتاء من المهموس، مثال ذلك في الواو اتِّصَالٌ، واتَّصَلَ، ويتصل، واتصل، ومتصِلٌ، ومتصَّلٌ به. والأصل: اوْتِصَال، واوْتَصَلَ، ويَوْتَصِلُ، واوتصل، وموتصل، وموتصل به. ومثاله في الياء اتِّسَارٌ، واتَّسَرَ، ويَتَّسِرُ، واتسر، ومتسر، ومتسر. والأصل: ايْتِسَارٌ، وايْتَسَرَ، وييتسر، وايتسر، وميتسر، وميتسر.
وإنما أبدلوا الفاء في ذلك تاء لأنهم لو أقروها لتلاعب بها حركات ما قبلها؛ فكانت تكون بعد الكسرة ياء، وبعد الفتحة ألفا، وبعد الضمة واوا؛ فلما رأوا مصيرها إلى تغيرها لتغير أحوال ما قبلها أبدلوا منها حرفا يلزم وجها واحدا وهو التاء، وهو أقرب الزوائد من الفم إلى الواو، وليوافق ما بعده فيدغم فيه. وقال بعض النحويين: البدل في باب اتصل إنما هو من الياء؛ لأن الواو لا تثبت مع الكسرة في اتصال وفي اتصل، وحمل المضارع واسم الفاعل واسم المفعول منه على المصدر والماضي.
تنبيهان: الأول: ذو اللين يشمل الواو والياء كما تقدم، وأما الألف فلا حاجة مدخل لها في ذلك؛ لأنها لا تكون فاء ولا عينا ولا لاما.
الثاني: من أهل الحجاز قوم يتركون هذا الإبدال، ويجعلون فاء الكلمة على حسب الحركات قبلها، فيقولون: ايتصل ياتصل فهو موتصل، وايتسر ياتسر فهو موتسر. وحكى الجرمي أن من العرب من يقول: ائتصل وائتسر، بالهمزة وهو غريب.
"وشذ" إبدال فاء الافتعال تاء "في ذي الهمز نحو" قولهم في "ائتكلا" وائتزر – افتعل(4/133)
من الأكل والإزار –اتَّكَلَ واتَّزَرَ، بإبدال الياء المبدلة من الهمزة تاء وإدغامها في التاء، وكذا قولهم في اؤتمن – افتعل من الأمانة- اتمن بإبدال الواو المبدلة من الهمزة تاء، واللغة الفصيحة في ذلك كله عدم الإبدال، وإلا توالى إعلالان، وقول الجوهري في اتخذ إنه افتعل من الأخذ وهم، وإنما التاء أصل وهو من تخذ، كاتبع من تبع. قال أبو علي: قال بعض العرب: تخذ بمعنى اتخذ، ونازع الزجاج في وجود مادة تخذ، وزعم أن أصله اتخذ وحذف، وصحح ما ذهب إليه الفارسي بما حكاه أبو زيد من قولهم: تخذ يتخذ تخذا، وذهب بعض المتأخرين إلى أن اتخذ مما أبدلت فاؤه تاء على اللغة الفصحى؛ لأن فيه لغة وهي وخذ بالواو، وهذه اللغة وإن كانت قليلة إلا أن بناءه عليها أحسن؛ لأنهم نضوا على أن اتمن لغة رديئة.
[قلب تاء الافتعال دالا] :
987-
طَاتَا افْتِعَالٍ رُدَّ إثْرَ مُطْبَق ... في ادَّانَ وَازْدَدْ وادَّكِرْ دَالا بَقِي
"طاتا افتعال رد إثر مطبق" طا: مفعول ثان لرد، والمفعول الأول "تا" إن كان رد أمرا، أو ضميره إن كان رد مجهولا.
أي إذا بني الافتعال وفروعه مما فاؤه أحد الحروف المطبقة –وهي الصاد والضاد الطاء والظاء- وجب إبدال تائه طاء؛ فتقول في افتعل من صير: اصطبر، ومن ضرب: اضطرب، ومن طهر: اطهر ومن ظلم: اظطلم، والأصل: اصتبر، واضترب، واطتهر، واظتلم، فاستثقل اجتماع التاء مع الحرف المطبق لما بينهما من تقارب المخرج وتباين الصفة، إذ التاء مهموسة مستفلة، والمطبق مجهور مستعل، فأبدل من التاء حرف استعلاء من مخرجها وهو الطاء.
تنبيه: إذا أبدلت التاء طاء بعد الطاء اجتمع مثلان والأول منهما ساكن؛ فوجب الإدغام.
وإذا أبدلت بعد الظاء اجتمع متقاربان؛ فيجوز البيان، والإدغام مع إبدال الأول من(4/134)
جنس الثاني ومع عكسه، وقد روي بالأوجه الثلاثة قوله [من البسيط] :
1242-
هْوَ الْجَوَادُ الَّذِي يُعْطِيْكَ نَائِلَهُ ... عَفْواً وَيُظْلَمُ أَحْيَانَاً فَيَظْطَلِمُ
روي: فيظطلم، وفيطلم، وفيطلم، وقد روي أيضا فينظلم، بالنون، وليس مما نحن فيه.
وإذا أبدلت بعد الصاد اجتمع أيضا متقاربان؛ فيجوز البيان، والإدغام بقلب الثاني إلى الأول دون عكسه؛ فتقول: اصطبر، واصبر، ولا يجوز اطبر؛ لما في الصاد من الصفير الذي يذهب في الإدغام.
وإذا أبدلت بعد الضاد اجتمع أيضا متقاربان؛ فيجوز البيان، والإدغام بقلب الثاني إلى الأول دون عكسه؛ فتقول: اضطرب، واضرب، ولا يجوز اطرب؛ لأن الصاد حرف مستطيل، فلو أدغم في الطاء لذهب ما فيه من ذلك، وحكي في الشذوذ اطَّجَعَ، وهو في
__________
1242- التخريج: البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص152؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 219؛ وسمط اللآلي ص467؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 403؛ وشرح التصريح 2/ 391؛ وشرح شواهد الشافية ص493؛ وشرح المفصل 10/ 47، 149؛ والكتاب 4/ 468؛ ولسان العرب 12/ 377 "ظلم"؛ والمقاصد النحوية 4/ 582؛ وبلا نسبة في الخصائص 2/ 141؛ وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 189؛ ولسان العرب 13/ 273 "طنن".
شرح المفردات: هو: أي هرم بن سنان. الجواد: الكريم. النائل: العطاء. أظطلم: احتمل الظلم.
المعنى: يقول: إن هرم بن سنان رجل كريم يعطي من يسأله، وإن سئل فوق طاقته فإنه يحتمل الظلم.
الإعراب: "هو": ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. "الجود": خبر المبتدأ مرفوع. "الذي": اسم موصول مبني في محل رفع نعت "الجواد". "يعطيك": فعل مضارع مرفوع، والكاف ضمير في محل نصب مفعول به أول، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هو". "نائله": مفعول به ثان، وهو مضاف، والهاء ضمير في محل جر بالإضافة. "عفوا": مفعول مطلق ناب عن صفته منصوب تقديره: "إعطاء عفوا". "ويظلم": الواو حرف عطف، "يظلم": فعل مضارع للمجهول، ونائب فاعله ضمير مستتر تقديره: "هو". "أحيانا": ظرف زمان منصوب، متعلق بـ"يظلم". "فيظطلم": الفاء حرف عطف، "يظلم": معطوف على "يظلم" مرفوع بالضمة.
وجملة: "هو الجواد" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "يعطيك ... " صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وجملة "يظلم" معطوفة على سابقتها. وجملة "يظطلم" معطوفة أيضا.
الشاهد فيه قوله: "فيظطلم" وقد روي بالأوجه الثلاثة كما أوضح الشارح في المتن.(4/135)
الندور والغرابة مثل الطجع، باللام، وقد روي بالأوجه الأربعة قوله:
[لما رأى أن لا دعه ولا شبع] ... مَالَ إلَى أَرْطَاةِ حِقْفٍ فَالْطَجَعْ1
"في ادَّانَ وَازْدَدْ وادَّكِرْ دَالا بَقِي" أي إذا بني الافتعال مما فاؤه دال، نحو: دان، أو زاي، نحو: زاد، أو ذال، نحو: ذكر، وجب إبدال تائه دالا، فيقال: ادان، وازداد، وادكر، والأصل: اذتان، وازتاد، واذتكر، فاستثقل مجيء التاء بعد هذه الأحرف؛ لأن هذه الأحرف مجهورة والتاء مهموسة، فجيء بحرف يوافق التاء في مخرجه، ويوافق هذه الأحرف في الجهر، وذلك الدال.
تنبيهان: الأول: إذا أبدلت تاء الافتعال دالا بعد الدال وجب الإدغام لاجتماع المثلين.
وإذا أبدلت دالا بعد الزاي جاز الإظهار، والإدغام بقلب الثاني إلى الأول دون عكسه؛ فيقال: ازدجر، وازجر، ولا يجوز ادجر؛ لفوات الصفير.
وإذا أبدلت دالا بعد الذال جاز ثلاثة أوجه: الأظهار، والإدغام بوجهيه؛ فيقال: ازدكر، ومنه قوله [من الرجز] :
1243-
[تنحي على الشوك جرازا مقضبا] ... وَالْهَرْمُ تُذْرِيْهِ اذْدِرَاء عَجَبَا
__________
1 تقدم بالرقم 1223.
1243- التخريج: الرجز لأبي حكاك في سر صناعة الإعراب 1/ 187؛ وشرح المفصل 10/ 49؛ والممتع في التصريف 1/ 358؛ والمقرب 2/ 166؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص523؛ وشرح المفصل 10/ 150؛ ولسان العرب 4/ 308 "ذكر".
اللغة: الجواز المقضب: السيف القاطع. الهرم: نوع من الحمض. تذري: تفرق.
الإعراب: تنحي: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هي". على الشوك: جار ومجرور متعلقان بـ"تنحي". جرازا: مفعول به. مقضبا: نعت "جرازا" منصوب. والهرم: "الواو": حرف عطف، "الهرم": معطوف على "جرازا" منصوب. "وبالرفع" مبتدأ مرفوع. تذريه: فعل مضارع مرفوع، و"الهاء": ضمير في محل نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هي". اذدراء: مفعول مطلق منصوب. عجبا: نعت "اذدراء" منصوب.
وجملة "تنحي": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "تذريه": في محل رفع خبر للمبتدأ "الهرم"، أو في محل نصب حال. وجملة "الهرم تذريه": معطوفة على "تنجي".
الشاهد فيه قوله: "اذدراء" حيث أبدلت تاء الافتعال دالا بعد الذال، ويجوز فيه ثلاثة أوجه الإظهار والإدغام بوجيهه.(4/136)
وادكر، واذكر بذال معجمة، وهذا الثالث قليل، وقد قرئ شاذا "فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ"1 بالمعجمة.
الثاني: مقتضى اقتصار الناظم على إبدال تاء الافتعال طاء بعد الأحرف الأربعة، ودالا بعد الثلاثة أنها تقر بعد سائر الحروف ولا تبدل، وقد ذكر في التسهيل أنها تبدل ثاء بعد الثاء، فيقال: اثرد بثاء مثلثة، وهو افتعل من ثرد، أو تدغم فيها الثاء فيقال: اترد، بتاء مثناة. قال سيبويه: والبيان عندي جيد، يعني الإظهار، فيقال: اثترد، ولم يذكر المصنف هذا الوجه. وذكر في التسهيل أيضا أنها قد تبدل دالا بعد الجيم كقولهم في اجتمعوا: اجدمعوا، وفي اجتز: اجدز، ومنه قوله [من الوافر] :
1244-
فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: لاَ تَحْبِسَانَا ... بِنَزْعِ أُصُوْلِهِ وَاجْدزَّ شِيحَا
وهذا لا يقاس عليه. وظاهر كلام المصنف في بعض كتبه أنه لغة البعض العرب، فإن صح أنه لغة جاز القياس عليه.
__________
1 القمر: 15، 17، 22، 32، 40، 51.
1422- التخريج: البيت لمضرس بن ربعي في شرح شواهد الشافية ص481؛ وله أو ليزيد بن الطثرية في لسان العرب 5/ 319، و320 "جزز"؛ والمقاصد النحوية 4/ 591؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 8/ 85؛ وخزانة الأدب 11/ 17؛ وسر صناعة الإعراب ص187؛ وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 228؛ وشرح المفصل 90/ 49؛ الصاحبي في فقه اللغة ص109، 218؛ ولسان العرب 4/ 125 "جرر"؛ والمقرب 2/ 166؛ والممتع في التصريف 1/ 357.
اللغة: تحبسانا: تمنعانا. اجدز: قطع. الشيح: نوع من النبت.
المعنى: يخاطب الشاعر صاحبه بقوله: لا تمنعنا عن شي اللحم بأن نقلع أصول الشجر، بل خذ منه ما تيسر وأسرع لنا في الشي.
الإعراب: فقلت: "الفاء": بحسب ما قبلها، "قلت": فعل ماض، "والتاء": ضمير في محل رفع فاعل. لصاحبي: جار ومجرور متعلقان بـ"قلت"، وهو مضاف، و"الياء": ضمير في محل جر بالإضافة. لا: ناهية. تحبسانا: فعل مضارع مجزوم بحذف النون، و"الألف" ضمير في محل رفع فاعل، و"نا": ضمير في محل نصب مفعول به. ينزع: جار ومجرور متعلقان بـ"تحبس"، وهو مضاف. أصوله: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، و"الهاء": ضمير في محل جر بالإضافة. واجدز: "الواو" حرف عطف، "اجدز": فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: "أنت". شيحا: مفعول به منصوب.
وجملة "قلت": بحسب ما قبلها. وجملة "لا تحبسانا": في محل نصب مقول القول. وجملة "اجدز شيحا": معطوفة على جملة "تحبسانا".
الشاهد فيه قوله: "واجدز" حيث أبدلت التاء دالا بعد الجيم.(4/137)
وهذا آخر ما ذكره الناظم من باب الإبدال وما يتعلق به من أوجه الإعلال.
خاتمة: قد علم مما ذكره أن حروف الإبدال منقسمة إلى ما يبدل ويبدل منه كالهمزة، وحروف العلة الثلاثة، وكالهاء؛ فإنها تبدل من الهمزة أولا كهراق، وتبدل منها الهمزة آخرا كما فإن أصله موه، وإلى ما يبدل ولا يبدل منه، وهو الميم والطاء والدال، وإلى ما يبدل منه ولا يبدل وهو التاء، أما إبدال الحروف المتقاربة بعضها من بعض لأجل الإدغام فلم يعدوها في باب الإبدال لعروضها.
وعلم أيضا أن الهمزة تبدل من ثلاثة أحرف، وهي: الألف والواو والياء، وأن الياء تبدل من ثلاثة أحرف، وهي الهمزة، والألف، والواو، وأن الواو تبدل من ثلاثة أحرف، وهي: الهمزة، والألف، والياء، وأن الألف تبدل من ثلاثة أحرف، وهي: الهمزة، والواو، والياء، وأن الميم تبدل من النون، وأن التاء تبدل من حرفين، هما: الواو، والياء، وأن الطاء تبدل من التاء، وأن الدال تبدل من التاء، وأن الثاء تبدل من التاء، على ما سبق مفصلا.
وقد تقدم أول الباب أن ما قصد الناظم ذكره هنا هو الضروري في التصريف، وأن حروف الإبدال الشائع اثنان وعشرون حرفا، وأن الإبدال قد وقع في غيرها أيضا، ولكنه ليس بشائع.
وقد رأيت أن أذيل ما سبق ذكره باستيفاء الكلام على إبدال جميع الحروف على سبيل الإيجاز، مرتبا للحروف على ترتيبها في المخارج؛ فأقول وبالله التوفيق:
الهمزة – أبدلت من سبعة أحرف، وهي: الألف، والياء، والواو، والهاء، العين، والخاء، والغين، وقد تقدم الكلام عليها سوى الأخيرين.
فأما إبدالها من الخاء فقولهم في صرخ: صرأ، حكاه الأخفش عن الخليل.
ومن الغين قولهم في رغنة: رأنه، حكاه النضر بن شميل عن الخليل.
وإبدلها من هذين الحرفين غريب جدا.
الألف – أبدلت من أربعة أحرف، وهي: الياء، والواو، والهمزة، والنون الخفيفة، وقد تقدم الكلام عليها سوى الأخيرة، فأما إبدالها من النون الخفيفة فنحو: {لَنَسْفَعًا} 1.
__________
1 العلق: 15.(4/138)
الهاء – أبدلت من ستة أحرف، وهي: الهمزة، والألف، والواو، والياء، والتاء، والحاء، فإبدالها من الهمزة قد تقدم أول الباب.
وأما إبدالها من الألف ففي قوله [من الرجز] :
1245-
قَدْ وَرَدَتْ مِنْ أَمْكِنَه ... مِنْ هَهُنَا وَمِنْ هُنَه
إنْ لَمْ أُرَوِّهَا فَمَه
فأبدل الهاء في "هنه" من الألف، وأما قول "فمه" فيجوز أن يكون من ذلك: أي فما أصنع، أو فما انتظاري لها، ويجوز أن يكون "فمه" بمعنى اكفف، أي أنها قد وردت من كل جانب وكثرت، فإن لم أروها فلا تلمني واكفف عني، وعن ذلك قولهم في أنا "أنه"، ويجوز أن تكون ألحقت لبيان الحركة. وقالوا في حيهله: إن الهاء الأخيرة بدل من الألف في "حيهلا".
وأما إبدالها من الواو ففي قوله [من المتقارب] :
1426-
وَقَدْ رَابَنِي قَوْلُهَا يَا هَنَا ... هُ وَيْحَكَ ألْحَقْتَ شَرًّا بِشَرّ
__________
1245- التخريج: الرجز بلا نسبة في لسان العرب 15/ 472 "ما"؛ والدرر 1/ 242، 2/ 214؛ ورصف المباني ص163؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 163؛ وشرح شواهد الشافية 2/ 32؛ والممتع في التصريف 1/ 400؛ والمنصف 2/ 156؛ وهمع الهوامع 1/ 78؛ 2/ 157؛ وتاج العروس "ما".
الإعراب: قد: حرف تحقيق. وردت: فعل ماض، و"التاء": للتأنيث، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هي". من أمكنة: جار ومجرور متعلقان بـ"وردت". من ها هنا: "ها": للتنبيه، وجار ومجرور بدل من "من أمكنة". ومن هنه: معطوف على "من ها هنا". إن: حرف شرط جازم. لم: حرف نفي وجزم وقلب. أروها: فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة، و"ها": ضمير في محل نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: "أنا". فمه: "الفاء": رابطة جواب الشرط، و"ما": اسم استفهام في محل نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره: "ما أفعل؟ " مثلا، ويجوز أن تكون "مه" اسم فعل أمر بمعنى: "اكفف".
وجملة "قد وردت": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "لم أروها": في محل جزم فعل الشرط. وجملة "فمه": جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. وجملة "إن لم أروها فمه": استئنافية لا محل لها.
الشاهد فيه قوله: "هنه" حيث أبدلت الألف بـ"هاء"، والأصل: "هنا"، وكذلك "فمه" قد يجوز أن تكون "فما" حيث أبدلت الألف بـ"هاء"، ويجوز أن تكون "مه" اسم فعل أمر بمعنى "اكفف".
1246- التخريج: البيت لامرئ القيس في ديوانه ص160؛ وخزانة الأدب 1/ 375، 7/ 275؛ =(4/139)
وقد اختلف في ذلك؛ فذهب الجماعة إلى أنها مبدلة من الواو، والأصل يا هناو، وقال أبو الفتح: ولو قيل إن الهاء بدل من الألف المنقلبة من الواو الواقعة بعد الألف لكان قولا قويا؛ إذ الهاء إلى الألف أقرب منها إلى الواو.
وإبدالها من الياء في قولهم "هذه" في "هذي"، و"هنيهة" في "هنية".
وإبدال الهاء من التاء، في نحو: "طلحة" في الوقف على مذهب البصريين، وقد تقدم. وحكى قطرب عن طيئ أنهم يقولون: "كيف البنون والبناه"، و"كيف الإخوة والأخواه"، وهو شاذ. ومن الشاذ أيضا قولهم: "في التابوت": "تابوه". قال ابن جني: وقد قرئ بها، يعني في الشواذ. قال: وسمع بعضهم يقول: قعدنا على الفراه، يريد على الفرات.
وإبدالها من الحاء في قولهم: طَهَرَ الشيءَ بمعنى طَحَرَه، أي: أبعده، ومنه الدَّلَوَ بمعنى مَتَحَهَا، ومَدَهَه بمعنى مدحه. وفرق بعضهم بين ذي الحاء وذي الهاء، فجعل المدح في الغيبة، والمده في الوجه، والأصح كونهما بمعنى واحد، إلا أن المدح هو الأصل.
العين – أبدلت من حرفين: الحاء، الهمزة، فالحاء في قولهم ضبع بمعنى ضبح، والهمزة في نحو: "عَنَّ زيدًا قائمٌ" بمعنى "أنَّ زيدا قائم"، وهي عنعنةُ تميم، وقد تقدَّمَ.
الغين – أبدلت من حرفين، وهما: الخاء والعين، فالخاء نحو قولهم: "غطر بيديه
__________
= وسر صناعة الإعراب 1/ 66، 2/ 560؛ وشرح المفصل 10/ 43؛ ولسان العرب 13/ 438 "هنن"، 15/ 366، "هنا"؛ والمقاصد النحوية 4/ 264؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص400؛ وشرح المفصل 1/ 48؛ ولسان العرب 15/ 369 "هنا"؛ والمنصف 3/ 139.
اللغة: رابني: أوقعني في الريبة، أي الشك: يا هناه: يا إنسان.
الإعراب: وقد "الواو": بحسب ما قبلها، "قد": حرف تحقيق. رابني: فعل ماض، و"النون". للوقاية، و"الياء": ضمير في محل نصب مفعول به. قولها: فاعل مرفوع، وهي مضاف، و"ها": ضمير في محل جر بالإضافة. يا: حرف نداء. هناه: منادى مقصو مبني في محل نصب. ويحك: مفعول مطلق منصوب، وهو مضاف، و"الكاف": في محل جر بالإضافة. ألحقت: فعل ماض، و"التاء": ضمير في محل رفع فاعل. شرا: مفعول به. بشر: جار ومجرور متعلقان بـ"ألحقت".
وجملة "قد رابني": بحسب ما قبلها. وجملة مقول القول محلها النصب. وجملة "ألحقت": استئنافية لا محل لها.
الشاهد فيه قوله: "يا هناه" حيث أبدلت الهاء من الواو والأصل: "يا هناو".(4/140)
يغطر" بمعنى خطر يخطر، حكاه ابن جني. والعين في قولهم لَغَنَّ في لَعَنَّ.
الحاء – أبدلت من العين، قالوا "ربح" بمعنى ربع، وهو قليل.
الخاء – أبدلت من الغين، قالوا "الأخن" يريدون الأغن، فقد رقع التكافؤ بينهما، وذلك في غاية القلة.
القاف – أبدلت من الكاف، قالوا في وكنة الطائر – وهي مأواه من الجبل – وقنة، حكاه الخليل.
الكاف – أبدلت من حرفين: القاف، والتاء، فالقاف في قولهم "عربي كح" أي قح، وفسر الأصمعي القح فقال: هو الخالص من اللؤم، فقد وقع التكافؤ بينهما، لكن إبدال الكاف من القاف أكثر من عكسه، والتاء في قوله [من الرجز] :
يا ابْنَ الزُّبَيْرِ طَالَمَا عَصَيْكا1
وقد تقدم.
الجيم – أبدلت من الياء، وقد تقدم.
الشين – أبدلت من ثلاثة أحرف: الكاف التي للمؤنث، والجيم، والسين، فالكاف في نحو: أكرمتك" قالوا: أكرمتش، وهي كشكشة تميم كما تقدم، والجيم كما في قوله [من الرجز] :
1247-
إذْ ذَاكَ حَبْلُ الْوِصَالِ مُدْمَشُ2
أي مدمج. قال ابن عصفور: ولا يحفظ غيره، وسهل ذلك كون الجيم والشين متفقتين في المخرج. والسين قالوا: جعشوش في جعسوس، وهي القمئ الذليل، ويجمع بالمهملة دون المعجمة، وبذلك علم الإبدال.
__________
1 تقدم بالرقم 251.
1247- التخريج: لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.
اللغة: مدمش: متين.
الإعراب: إذ: ظرف زمان في محل نصب. ذاك: اسم إشارة في محل رفع مبتدأ خبره محذوف. إذ: بدل من "إذ" الأولى. حبل: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. الوصال: مضاف إليه مجرور. مدمش: خبر المبتدأ مرفوع.
وجملة "ذاك حاصل": مضاف إليها محلها الجر، وكذلك جملة "حبل الوصال مدمش".
الشاهد فيه قوله: "مدمش" حيث أبدلت الشين من "الجيم" وأصله: "مدمج".(4/141)
الياء –وهي أوسع حروف الإبدال، أبدلت من ثمانية عشر حرفا: من الألف في نحو: مصابيح، وغليم تصغير غلام، ومن الواو في نحو: أغزيت وما تصرف منه، ومن الهمزة في نحو: بير في بئر، ومن الهاء قالوا "دهديت الحجر" في دهدهته، وقالوا "صهصيت بالرجل" أي صهصهت به، إذا قلت له: صه صه. ومن السين في قوله [من الوافر] :
1247-
إذَا مَا عُدَّ أَرْبَعَةٌ فِسَالٌ ... فَزَوْجُكِ خَامِسٌ وَأَبُوْكِ سَادِي
أي سادس. ومن الباء في قولهم "الأراني والثعالي"، والأصل الأرانب والثعالب، وقد مر. ومن الراء في "قيرط، وشيراز"، والأصل قراط وشراز، لقولهم في الجمع: قراريط، وشراريز. وقال بعضهم في شيراز "شواريز" فيكون البدل من الواو، والأصل شوراز. ومن النون في أناسي وظرابي، والأصل أناسين وظرابين؛ لأنهما جمعا إنسان وظربان، وكذلك تظنيت، أصله تظننت من الظن، وكان أبو عمرو بن العلاء يذهب إلى أن قوله تعالى: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} 1 أصله يتسنن، أي لم يتغير من قوله تعالى: {مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} 2 وكذلك "دينار" أصله دنار لقولهم دنانير ودنينير، وقالوا في إنسان: إيسان، بالياء. ومن الصاد في قولهم
__________
1248- التخريج: البيت لامرئ القيس في ملحق ديوانه ص459؛ وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص304؛ والدرر 6/ 226؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 471؛ وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 213؛ وشرح شواهد الشافية ص446؛ وشرح المفصل 10/ 24؛ ولسان العرب 2/ 40 "ستت"، 11/ 519 "فسل"، 15/ 492 "يا"؛ والممتع في التصريف 1/ 368؛ وهمع الهوامع 2/ 157.
اللغة: إذا: ظرف زمان يتضمن معنى الشرط متعلق بجوابه. ما: زائدة. عد: فعل ماض للمجهول. أربعة: نائب فاعل مرفوع. فسال: نعت "أربعة" مرفوع. فزوجك: "الفاء": رابطة جواب الشرط، و"زوجك": مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، و"الكاف": ضمير في محل جر بالإضافة. خامس: خبر المبتدأ مرفوع. وأبوك: "الواو": حرف عطف، "أبوك": مبتدأ مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف، و"الكاف": ضمير في محل جر بالإضافة. سادي: خبر المبتدأ مرفوع.
وجملة "إذا ما عد فزوجك خامس": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "عد": في محل جر بالإضافة. وجملة "زوجك خامس": جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب. وجملة "أبوك سادي": معطوفة على سابقتها.
الشاهد فيه قوله: "سادي" حيث أبدلت الياء من "السين" والأصل "سادس".
1 البقرة: 259.
2 الحجر: 26، 28، 33.(4/142)
"قضَّيْتُ أظفارِي" والأصل قصصت. وقيل: إن الياء هنا أصلها الواو، وإن المعنى تتبعت أقصاها. ومن الضاد في قوله [من الرجز] :
1249-
إذَا الْكِرَامُ ابْتَدَرُوا الْبَاعَ بَدَرْ ... تَقَضِّي الْبَازِي إذَا الْبَازِي كَسَرْ
أي تقضض البازي، من الانقضاض. ومن اللام في أمليت وأصله أمللت؛ ومن الميم في قوله [من الطويل] :
1250-
تَزُورُ امْرأً أَمَّا الإلَهَ فَيَتَّقِي ... وَأَمَّا بِفِعْلِ الْصَّالْحِيْنَ فَيَأْتَمِي
__________
1249- التخريج: الرجز للعجاج في ديوانه 1/ 42؛ وأدب الكاتب ص487؛ والأشباه والنظائر 1/ 48؛ وإصلاح المنطق ص301؛ والدرر 6/ 20؛ وشرح المفصل 10/ 25؛ والممتع في التصريف 1/ 374؛ وبلا نسبة في الخصائص 2/ 90؛ والمقرب 2/ 171؛ وهمع الهوامع 2/ 157.
اللغة: ابتدروا: استبقوا. بدر: سبق. تقضي: انقضاض، هجوم. البازي: طير جارح. كسر البازي: ضم جناحيه.
المعنى: إذا تسابق الكرام لفعل الخيرات، وانقض كالبازي إذا ضم جناحيه هاويا لاصطياد فريسة، فيكون هو السابق المجلي.
الإعراب: إذا ظرف زمان يتضمن معنى الشرط، متعلق بجوابه. الكرام: فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، تقديره: "إذا ابتدر الكرام ابتدروا". ابتدروا: فعل ماض، و"الواو": ضمير في محل رفع فاعل. الباع: مفعول به منصوب. بدر: فعل ماض مبني على الفتح، وفاعله ضمير مستتر تقديره "هو" وسكن لضرورة القافية. تقضي: نائب مفعول مطلق. البازي: مضاف إليه مجرور. إذا ظرف زمان متعلق بالمصدر "تقضي". البازي: فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده. كسر: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو".
وجملة "إذا الكرام.... بدر": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "ابتدر الكرام": في محل جر بالإضافة. وجملة "ابتدروا": تفسيرية لا محل لها من الإعراب. وجملة "بدر": لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم. وجملة "كسر البازي": في محل بالإضافة. وجملة "كسر" تفسيرية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "تقضي" حيث أبدلت الياء من "الضاد"، والأصل: "تقضض".
1250- التخريج: البيت بلا نسبة في سر صناعة الإعراب 2/ 760؛ وشرح المفصل 10/ 24؛ ولسان العرب 12/ 26 "أمم"، 14/ 46 "أما"، 256 "دسا"؛ والمقرب 2/ 172؛ والممتع في التصريف 1/ 374.
الإعراب: تزور: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره؛ "أنت". امرأ: مفعول به منصوب. أما: حرف تفصيل. الإله: مفعول به مقدم منصوب. فيتقي: "الفاء": رابطة جواب "أما"، و"يتقي": فعل مضارع مرفوع وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره "هو". وأما:
"الواو": حرف عطف، =(4/143)
قال ابن الأعرابي: أراد فيأتم، ومن العين في قوله [من الرجز] :
1251-
وَمَنْهَلٍ لَيْسَ لَهُ حَوَازِقُ ... وَلِضَفَادِي جَمِّهِ نَقَانِقُ
يريد ولضفادع. وقالوا "تعليت" من اللعاعة وهي بقلة، والأصل تلععت: من الدال في التصدية وهي التصفيق والصوت، والأصل تصددة؛ لأنها من صددت أصد، قال تعالى: {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} 1 ومن التاء في قوله [من الرجز] :
1252-
قَامَ بِهَا يَنْشُدُ كُلَّ مَنْشَدِ ... وَايْتَصَلَتْ بِمِثْلِ ضَوْءِ الْفَرْقَدِ
__________
= "أما" حرف تفصيل. بفعل: جار ومجرور متعلقان بـ"يأتمي"، وهو مضاف. الصالحين: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم. فيأتمي: "الفاء": رابطة جواب "أما". يأتمي: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو".
وجملة "تزور....": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "يتقي": جواب شرط جازم مقترن بالفاء محلها الجزم، وكذلك جملة "يأتمي".
الشاهد فيه قوله: "فيأتمي" حيث أبدلت الياء من "الميم"، والأصل: "فيأتم".
1251- التخريج: الرجز لخلف الأحمر في الدرر 6/ 227؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 4/ 438؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 762؛ وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 212؛ وشرح المفصل 10/ 24؛ والكتاب 2/ 273؛ والمقتضب 1/ 247؛ والممتع في التصريف 1/ 376.
اللغة: المنهل: المورد. الحوازق: ج الحزيقة، وهي الجماعة. الضفادي: الضفادع. الجم: معظم الماء. النقانق: صوت الضفادع.
المعنى: يقول: هو منهل قفر لا تؤمه الجماعات، وليس فيه إلا الضفادع.
الإعراب: ومنهل: "الواو"ا: واو رب حرف جر، "منهل": اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ. ليس: فعل ماض ناقص. له: جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف. حوازق: اسم "ليس" مرفوع. ولضفادي: "الواو": حرف عطف، و"لضفادي": جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، وهو مضاف. جمه: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف و"الهاء": ضمير في محل جر بالإضافة. نقانق: مبتدأ مؤخر مرفوع.
وجملة "ومنهل ... ": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "ليس له ... ": في محل رفع صفة لـ"منهل" على المحل، وعطف عليها جملة "لضفادي جمه نقانق"، وخبر المبتدأ "منهل" تقدير "وردته".
الشاهد فيه قوله: "الضفادي" حيث أبدلت الياء من "العين" والأصل: "ضفادع".
1 الزخرف: 57.
1252- التخريج: الرجز بلا نسبة في سر صناعة الإعراب 2/ 764؛ وشرح المفصل 10/ 24، 36؛ ولسان العرب 11/ 726 "وصل"؛ والمقرب 2/ 173؛ والممتع في التصريف 1/ 378. =(4/144)
أي واتصلت. ومن الثاء في قوله [من الرجز] :
1253-
قد مر يومان وهذا الثالي ... [وأنتَ بالهجرانِ لا تبالي]
أي الثالث. ومن الجيم في قوله [من الطويل] :
[إذا لم يكن فيكن ظل ولا جنى] ... فأبعدكُنَّ اللهُ من شَيَراتِ1
أي: من شجرات. وقالوا "دياجي" في جمع ديجوج، والأصل دياجيج. ومن الكاف في قولهم: مكوك مكاكي، والأصل مكاكيك، وهو مكيال.
الصاد – أبدلت من حرفين، من السين في قولهم {صِرَاطٌ} 2 من "السراط"، ومن اللام في قولهم "رجل جصد" أي جلد.
اللام – أبدلت من حرفين، وهما: النون في أصيلان، والضاد في اضطجع، كما مر.
__________
= الإعراب: قام: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو". بها: جار ومجرور متعلقان بـ"قام". ينشد: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هو". كل: مفعول مطلق منصوب، وهو مضاف. منشد: مضاف إليه مجرور. وايتصلت: "الواو": حرف عطف، "ايتصلت": فعل ماض، و"التاء": للتأنيث، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هي". بمثل: جار ومجرور متعلقان بـ"ايتصلت"، وهو مضاف. ضوء: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. الفرقد: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة "قام بها": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "ينشد" في محل نصب حال. وجملة "ايتصلت": معطوفة على جملة "قام".
الشاهد فيه قوله: "ايتصلت" حيث أبدلت الياء من "التاء" والأصل "اتصلت".
1253- التخريج: الرجز بلا نسبة في الدرر 6/ 224؛ وسر صناعة الإعراب ص764؛ وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 213؛ وشرح شواهد الشافية ص448؛ وشرح المفصل 10/ 24، 28؛ ولسان العرب 2/ 121 "ثلث"؛ وهمع الهوامع 2/ 157.
الإعراب: قد: حرف تحقيق. مر: فعل ماض. يومان: فاعل مرفوع بالألف لأنه مثنى. وهذا:
"الواو": حالية، "هذا": اسم إشارة في محل رفع مبتدأ. الثالي: خبر. وأنت: "الواو": حالية، و"أنت": ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. بالهجران: جار ومجرور متعلقان بـ"تبالي". لا: نافية. تبالي: فعل مضارع مرفوع، فاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: "أنت".
وجملة "قد مر يومان": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "وهذا هو الثالث": حالية. وجملة "أنت لا تبالي" في محل نصب حال. وجملة "لا تبالي": في محل رفع خبر المبتدأ.
الشاهد فيه قوله: "الثالي" حيث أبدلت الياء من الثاء، والأصل "الثالث".
1 تقدم بالرقم 1243.
2 الفاتحة: 7.(4/145)
الراء – أبدلت من اللام من قولهم "نثره" بمعنى نثله، و"رعل" بمعنى "لعل".
النون – أبدلت من أربعة أحرف: من اللام في قولهم "لعن" في لعل، و"نابن فعلت كذا"، في لا بل فعلت كذا، ومن الميم في قولهم للحيَّة: أيم، وأين، وقالوا: أسود قاتم، وقاتن. ومن الواو في صنعاني وبهراني نسبة إلى صنعاء وبهراء، والأصل صنعاوي بهراوي؛ لأن همزة التأنيث في النسب تقلب واوا، كما تقدم في بابه. ومن الهمزة، حكى الفراء حنان في حناء، وهو الذي يخضب به. وأما قول الخليل وسيبويه "إن نون فعلان الذي مؤنثه فعلى بدل من همزة فعلاء كنون سكران وغضبان" فليس المراد به هذا البدل، وإنما المراد أن النون عاقبت الهمزة في هذا الموضع كما عاقبت لام التعريف التنوين.
الطاء – أبدلت من حرفين: من التاء في الافتعال بعد حروف الإطباق، وقد تقدم، ومن الدال، حكى يعقوب عن الأصمعي "مط الحرف" في مده، و"الإبعاط" في الإبعاد.
الدال – أبدلت من ثلاثة أحرف: من التاء في الافتعال بعد الدال والذال والزاي والجيم، كما مر، ومن الطاء، قالوا المردي في المرطي، وهو حيث يمرط الشعر حول السرة. ومن الذال في قولهم "ذكر" في جمع ذكرة.
التاء – أبدلت من سبعة أحرف: من الطاء في فستاط، والأصل فسطاط، لقولهم في الجمع: فساطيط، دون فساتيط. ومن الدال في قولهم "ناقة تربوط" والأصل دربوت، أي مذللة؛ لأنه من الذربة. ومن الواو في "تراث وتجاه" ونحوهما. ومن الياء في نحو: اتسر، الأصل ايتسر كما مر، وفي قولهم "ثنتان" الأصل ثنيان؛ لأنه من ثنيت الواحد ثنيا، وفي قولهم كيت وذيت، والأصل كية وذية، فحذفت تاء التأنيث، وأبدلت من الياء الأخيرة وهي لام الكلمة تاء؛ لقولهم: كان من الأمر كية وكية وذية وذية. ومن الصاد في قولهم في لص: لصت، ومن السين في قولهم في طس: طست، وقولهم في العدد: ست، والأصل سدس، لقولهم: سديسة، ثم أبدلت الدال تاء وأذغمت. ومن الباء في قولهم "ذعالت" في ذعالب، والذعالب والذعاليب: الأخلاق من الثياب، الواحد ذعلوب. قال في التسهيل: وربما أبدلت من هاء السكت، ومثاله ما تأوله بعضهم في قوله [من الكامل] :
1254-
العَاطِفُونَةُ حِينَ مَا مِنْ عَاطِفٍ ... [والمطعمون زمان أين المطعم؟]
__________
1254- التخريج: البيت لأبي وجزة السعدي في الأزهية ص264؛ وخزانة الأدب 4/ 175، 176، =(4/146)
إنه أراد العاطفونه بهاء السكت، ثم أبدلها تاء وحركها للضرورة. ومثله بعضهم بنحو "جنت ونعمت" لأنه جعل الهاء أصلا.
الصاد – أبدلت من السين، نحو: صراط. [وهو مكرر قبل قليل] :
الزاي – أبدلت من حرفين: من السين الساكنة قبل دال، نحو: يزدل في يسدل، ويزدر في يسدر، يقال: سدر البعير يسدر سدرا؛ إذا تحير من شدة الحر. ومن الصاد الساكنة قبل الدار، نحو: يزدق في يضدق، ونحو: القزد في القصد، فإن تحركت الصاد لم تبدل، وفي كلامهم: لم يحرم الرفد من فزدله، أي من فصد له، فأسكن الصاد وأبدلها زايا.
السين – أبدلت من ثلاثة أحرف: من التاء في استخذ على أحد الوجهين، وأصله اتخذ. ومن الشين في قولهم في مشدود: مسدود. ومن اللام في قولهم "استقطه" في التقطه، وهو في غاية الشذوذ.
الظاء – لم أر في إبدالها شيئا.
الذال – أبدلت من حرفين: من الدال في قراءة من قرأ "فَشَرِّذ بِهِمْ"1 بالمعجمة،
__________
178، 180؛ والدرر 2/ 115، 116؛ ولسان العرب 2/ 87 "ليت"، 9/ 251 "عطف"، 13/ 43 "أين"، 134 "حين"، 15/ 472 "ما"؛ وبلا نسبة في الجنى الداني ص487؛ وخزانة الأدب 9/ 383؛ والدرر 2/ 122؛ وصف المباني ص163، 173؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 163؛ ومجلس ثعلب 1/ 270؛ والذين يطمعون الناس في وقت العسر.
الإعراب: "العاطفون": خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "هم" مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم. "تحين": "التاء": زائدة، و"حين": مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة. "ما": حرف نفي. "من": حرف جر زائد. "عاطف": اسم مجرور لفظا، مرفوع محلا على أنه مبتدأ، والخبر محذوف تقديره: "كائن". "والمطعمون": "الواو": عاطفة، "المطعمون": اسم معطوف على "العاطفون" فهو مثله في محل رفع. "زمان": مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة، متعلق بـ"المطعمون". "أين": اسم استفهام مبني على الفتح في محل رفع خبر مقدم. المطعم: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة.
وجملة "هم العاطفون": ابتدائية لا محل لها. وجملة "أين المطعم": في محل جر بالإضافة.
والشاهد فيه قوله: "العاطفونة": حيث أبدل "هاء" الوقف تاء للضرورة، ويروى: "المطعمون تحين" كما مر.
1 الأنفال: 57.(4/147)
ومن الثاء في قولهم "تلعذم الرجل" أي تلعثم، إذا أبطأ في الجواب.
الثاء – أبدلت من حرفين: من الفاء في مغثور، الأصل مغفور، ومن الذال في قولهم في الجذوة من النار: جثوة.
الفاء – أبدلت من حرفين: من الثاء في قولهم: "قام زيد فم عمرو"، أي ثم عمرو، حكاه يعقوب، وقولهم: "فوم" بمعنى ثوم. ومن الباء في قولهم: "خذه بإفانه" أي بإبانه.
الباء – أبدلت من حرفين: من الميم في قولهم: "با اسمك؟ " يريدون: ما اسمك؟ ومن الفاء في قولهم "البسكل" في الفسكل1.
الميم – أبدلت من أربعة أحرف: من الواو في فم عند الأكثر، أصله فوو مثل فوج؛ فحذفت الهاء تخفيفا؛ لأنه قد يضاف إلى الضمير فيقال: فوهه؛ فيسثقل ذلك، ثم أبدلت الميم من الواو. ومن النون، في نحو: عمبر، والبنام في البنان. ومن الباء في قولهم: بنات مخر، في بنات بخر، للسحاب؛ لأنه من البخار، وقولهم "ما زلت داتما على هذا" أي راتبا. وعن ابن السكيت: رأيته من كثب ومن كثم، أي قرب؛ فالميم بدل من الباء؛ لأنهم قالوا "كثب الفقيه الأمر" ولم يقولوا كثم، ومنه قوله [من البسيط] :
1255-
فَبَادَرَتْ سِرْبَهَا عَجْلَى مُثَابِرَةً ... حَتَّى اسْتَقَتْ دُوْنَ مَحْيَا جِيْدِهَا نَغَمَا
أراد نغبا، النغبة: الجرعة. ومن لام التعريف في اللغة اليمنية.
__________
1 الفسكل بضم الفاء أو كسرها: الفرس الذي يجيء في السباق آخر الرعيل.
1255- التخريج: البيت بلا نسبة في سر صناعة الإعراب 1/ 426؛ وشرح المفصل 10/ 33؛ ولسان العرب 1/ 765 "نغب"؛ والمقرب 2/ 178؛ والممتع في التصريف 1/ 343.
اللغة: النعم: النغب، ومفرده النغبة، وهي الجرعة.
الإعراب: فبادرت: "الفاء": بحسب ما قبلها، "بادرت": فعل ماض، و"التاء": للتأنيث، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هي". سربها: مفعول به، وهو مضاف، و"ها": ضمير في محل جر بالإضافة. عجلى: حال منصوب. مثابرة: حال منصوب. حتى: حرف ابتداء وغاية. استقت: فعل ماض، و"التاء": للتأنيث، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هي": دون: ظرف مكان متعلق بـ"استقت"، وهو مضاف. محيا: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. جيدها: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، و"ها": ضمير في محل جر بالإضافة. نغما: مفعول به منصوب.
وجملة "بادرت": بحسب ما قبلها. وجملة "استقت": استفهامية لا محل لها.
الشاهد فيه قوله: "نغما" حيث أبدلت الميم من الباء، والأصل "نغبا".(4/148)
الواو – أبدلت من ثلاثة أحرف: الألف، والياء، والهمزة، وقد تقدمت، والله أعلم.
فصل: في الإعلال بالحذف
وهو على ضربين: مقيس، وشاذ؛ فالمقيس هو الذي تعرض لذكره في هذا الفصل، وهو ثلاثة أنواع، وقد أشار إلى الأول منها بقوله:
988-
فَا أَمْرَ أوْ مُضَارِعٍ مِنْ كَوَعَدْ ... احْذِفْ وَفِي كَعِدَةٍ ذَاكَ اطَّرَدْ
989-
وَحَذْفُ هَمْز أَفْعَلَ اسْتَمَرَّ فِي ... مُضَارِعٍ وَبِنْيَتَيْ مُتَّصِفِ
أي: إذا كان الفعل ثلاثيا واوي الفاء مفتوح العين؛ فإن فاءه تحذف في المضارع ذي الياء، نحو: وعد يعد، والأصل يوعد؛ فحذفت الواو استثقالا لوقوعها بين ياء مفتوحة وكسرة، وحمل على ذي الياء أخواته، نحو: أعد وتعد ونعد، والأمر، نحو: عد، والمصدر الكائن على فعل بكسر الفاء وسكون العين، نحو: "عدة" فإن أصله وعد على وزن فعل؛ فحذفت فاؤه حملا على المضارع، وحركت عينه بحركة الفاء، وهي الكسرة؛ ليكون بقاء كسرة الفاء دليلا عليها، وعوضوا منها تاء التأنيث، ولذلك لا يجتمعان، وتعويض التاء هنا لازم، وقد أجاز بعضهم حذفها للإضافة، تمسكا بقوله [من البسيط] :
[إن الخليط أجد البين فانجردوا] ... وَأَخْلَفُوْكَ عِدَ الأَمْرِ الَّذِي وَعَدُوا1
يعني عدة الأمر، وهو مذهب الفراء، وخرجه بعضهم على أن عدا جمع عدوة، أي ناحية، أي وأخلفوك نواحي الأمر الذي وعدوا.
تنبيهات: الأول: فهم من قوله "من كوعد" أن حذف الواو مشروط بشروط؛ أولها: أن تكون الياء مفتوحة؛ فلا تحذف من يوعد مضارع أوعد، ولا من يوعد مبنيا للمفعول، وشذ من ذلك قولهم "يدع، ويذر"2 في لغة. ثانيها: أن تكون عين الفعل مكسورة؛ فإن
__________
1 تقدم بالرقم 591.
2 هما فعلان مضارعان مبنيان للمجهول، وشذوذهما من جهتين؛ لأن ياء المضارعة مضمومة، وما بعد الواو المحذوفة مفتوح، والواو لا تحذف قياسا إلا إذا وقعت بين ياء مفتوحة وكسرة.(4/149)
كانت مفتوحة، نحو: يوجل، أو مضمومة، نحو: يوضؤ لم تحذف الواو، وشذ قول بعضهم في مضارع وجد يجد، ومنه قوله [من الكامل] :
1256-
لَوْ شِئْتِ قَدْ نُقِعَ الفُؤَادُ بِشَرْبَةٍ ... تَدَعُ الْصَّوَادِيَ لاَ يَجُدْنَ غَلِيْلاَ
وهي لغة عامرية.
وأما حذف الواو من يقع، ويضع، ويهب؛ فللكسر المقدر؛ لأن الأصل فيها كسر العين؛ إذ ماضيها فعل بالفتح؛ فقياس مضارعها يفعل بالكسر، ففتح لأجل حرف الحلق تخفيفا؛ فكان الكسر فيه مقدرا، ويسع كذلك؛ لأنه وإن كان ماضيه وسع بالكسر، وقياس مضارعه الفتح، إلا أنه لما حذفت منه الواو دل ذلك على أنه كان مما يجيء على يفعل بالكسر، نحو: ومن يمق، وإلى هذا أشار في التسهيل بقوله: "بين ياء مفتوحة وكسرة ظاهرة كيعد أو مقدرة كيقع ويسع". ثالثها: أن يكون ذلك في فعل؛ فلو كان في اسم لم تحذف
__________
1256- التخريج: البيت لجرير في الدرر 5/ 103؛ وشرح شواهد الشافية ص53؛ ولسان العرب 8/ 361 "نقع"؛ والمقاصد النحوية 4/ 591؛ وليس في ديوانه؛ وهو للبيد بن ربيعة في شرح شافية ابن الحاجب 1/ 32؛ وللبيد أو جرير في لسان العرب 3/ 445 "وجد"؛ وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب 2/ 596؛ وشرح المفصل 10/ 60؛ والمقرب 2/ 184؛ والممتع في التصريف 1/ 177، 2/ 427؛ والمنصف 1/ 187؛ وهمع الهوامع 2/ 66.
اللغة: نفع: روى وشفى. الصوادي: العطاش الحائمات حول الماء. يجدن: يصبن. الغليل: حرارة العطش، وهنا شدة الشوق.
المعنى: لو شئت، شفيتني بوصلك، من ريق يشفي أمثالي من المشوقين ويبعد عنهم شدة الوجد.
الإعراب: لو: حرف امتناع لامتناع. شئت: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالتاء المتحركة الفتحة الظاهرة. الفؤاد: فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. بشربة: جار ومجرور متعلقان بالفعل نقع. تدع: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، و"الفاعل": ضمير مستتر جوازا تقديره هي. الصوادي: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. لا يجدن: "لا": نافية، و"يجدن": فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة و"النون": ضمير متصل في محل رفع فاعل. غليلا: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.
وجملة "لو شئت قد نقع": ابتدائية لا محل لها. وجملة "شئت": فعل الشرط لا محل لها. وجملة "قد نقع الفؤاد": جواب شرط غير جازم لا محل لها. وجملة "تدع الصوادي": في محل جر صفة لـ"شربة". وجملة "لا يجدن غليلا": في محل نصب حال، أو مفعول ثان.
والشاهد فيه قوله: "لا يجدن" حيث جاء بمضارع وجد على صيغة يجد، وهو شذوذ.(4/150)
الواو؛ فتقول في مثال يقطين من وعد: يوعيد؛ لأن التصحيح أولى بالأسماء من الإعلال.
الثاني: فهم من قوله: "كعدة" أن حذف الواو من فعلة المشار إليها مشروط بشرطين:
أحدهما: أن تكون مصدرا كعدة، وشذ من الأسماء رقة للفضة، وحشة للأرض الموحشة، ومن الصفات لدة بمعنى ترب، ويقع على الذكر فيجمع بالواو والنون، وعلى الأنثى فيجمع بالألف والتاء، قال [من الوافر] :
1257-
رَأَيْنَ لِدَاتِهنَّ مُؤَزَّرَاتٍ ... وَشَرْخُ لِدِيَّ أَسْتَارُ الهِرَامِ
وفيها احتمال، وهو أن تكون مصدرا وصف به، ذكره الشلوبين. وقوله في التسهيل: "وربما أعل بذا الإعلال أسماء كرقة، وصفات كلدة" فيه نظر؛ لأن مقتضاه وجود أقل الجمع من النوعين؛ أما الأسماء فقد وجد رقة، وحشة، وجهة، عند من جعلها أسماء. وأما الصفات فلا يحفظ غير لدة، وقد أنكر سيبويه مجيء صفة على حرفين.
ثانيهما: أن لا تكون لبيان الهيئة، نحو: الوعدة والوقفة المقصود بهما الهيئة؛ فإنه لا يحذف منهما كما اقتضاه كلام الكافية.
الثالث: قد ورد إتمام فعلة شاذا، قالوا: وتره وترا ووترة بكسر الواو، حكاه أبو علي في أماليه. قال الجرمي: ومن العرب من يخرجه على الأصلِ، فيقول: وعدة، ووثبة،
__________
1257- التخريج: البيت للفرزدق في ديوانه 2/ 291؛ ولسان العرب 3/ 469 "ولد".
اللغة: اللدات: ج اللدة، وهي الذي ولد أو تربي معك. الشرخ: الأصل، العرق: لدى: مفردها "لدة" وهي من كان في مثل سنك. الهرام: ج الهرم، وهو الكبر في السن.
المعنى: يقول: إن النساء يجدن أترابهن منعمات في مآزرهن، أما من كانوا في عمره فق صاروا بلا أسنان طاعنين في السن.
الإعراب: رأين: فعل ماض، و"النون": ضمير في محل رفع فاعل. لداتهن: مفعول به منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم، وهو مضاف، و"هن": ضمير في محل جر بالإضافة. مؤزرات: صفة المفعول به منصورب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم. وشرخ "بالنصب" "الواو": حرف عطف، "شرخ": معطوف على "لدات"، وهو مضاف. لدي: مضاف إليه مجرور بالكسرة، وهو مضاف، و"الياء": ضمير في محل جر بالإضافة. أستار: مفعول به ثان منصوب، وهو مضاف. الهرام: مضاف إليه مجرور. وشرخ "بالرفع" مبتدأ. و"أستار": خبر المبتدأ مرفوع، والواو على ذلك حالية.
وجملة "رأين": ابتدائية لا محل لها.
الشاهد فيه قوله: "لداتهن" حيث جمعت جمع مؤنث سالم لوقوعه على الأنثى.(4/151)
ووِجْهة. وذهب المازني والمبرد والفارسي إلى أن وجهة اسم للمكان المتوجَه إليه؛ فعلى هذا لا شذوذ في إثبات واوه؛ لأنه ليس بمصدر. وذهب قوم إلى أنه مصدر، وهو ظاهر كلام سيبويه، ونسب إلى المازني أيضا، وعلى هذا فإثبات الواو فيه شاذ، قال بعضهم: والمسوغ لإثباتها فيه دون غيره من المصادر أنه مصدر غير جار على فعله؛ إذ لا يحفظ وجه يجه؛ فلما فقد مضارعه لم يحذف منه؛ إذ لا موجب لحذفها إلا حمله على مضارعه، ولا مضارع، والفعل المستعمل منه توجه واتجه، والمصدر الجاري عليه التوجه؛ فحذفت زوائده، وقيل: وجهة. ورجح الشلوبين القول بأنه مصدر، وقال: لأن وجهة وجهة بمعنى واحد، ولا يمكن أن يقال ف جهة إنها اسم للمكان؛ إذ لا يبقى للحذف وجه.
الرابع: ربما فتحت عين هذا المصدر لفتحها في مضارعه، نحو: سعة وضعة، وقد تضم، قالوا في الصلة: صلة بالضم، وهو شاذ.
الخامس: ربما أعل بهذا الإعلال مصدر فعُل بالضم، نحو: وقُح قِحَةً.
السادس: فهم من تخصيص هذا الحذف بما فاؤه واو أن ما فاؤه ياء لا حظ له في هذا الحذف إلا ما شذ من قول بعضهم في مضارع يسر يسر، والأصل ييسر، وفي مضارع يئس يئس، والأصل ييئس، ا. هـ.
ثم أشار إلى النوع الثاني بقوله:
وَحَذْفُ هَمْز أَفْعَلَ اسْتَمَرَّ فِي ... مُضَارِعٍ وَبِنْيَتَيْ مُتَّصِفِ
أي مما اطرد حذفه همزة أفعل من مضارعه، واسمي فاعله، ومفعوله، وهما المراد بقوله: "وبنيتي متصف" فتقول: أكرم يكرم؛ فهو مكرم ومكرم، والأصل يؤكرم ومؤكرم ومؤكرم، إلا أنه لما كان من حروف المضارعة همزة أخواته، واسما الفاعل والمفعول، ولا يجوز إثبات هذه الهمزة على الأصل إلا في ضرورة أو كلمة مستندرة؛ فمن الضرورة قوله [من الراجز] :
1258-
فَإِنَّهُ أَهْلٌ لأَنْ يُؤَكْرَمَا
__________
1258- التخريج: الرجز بلا نسبة في الإنصاف ص11؛ وخزانة الأدب 2/ 316؛ والخصائص 1/ 144؛ والدرر 6/ 319؛ وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 139؛ وشرح شواهد الشافية ص58؛ ولسان(4/152)
والكلمة المستندرة قولهم: "أرض مُؤرنِبة" بكسر النون، أي كثيرة الأرانب، وقولهم "كساء مؤرنب" إذا خلط صوفه بوبر الأرانب، هذا على القول بزيادة همزة أرنب وهو الأظهر.
تنبيه: لو أبدلت همزة أفعل هاء، كقولهم في أراق: هراق، أو عينا، كقولهم في أنهل الإبل: عنهل – لم تحذف لعدم مقتضى الحذف، فتقول: هراق يهريق، فهو مهريق ومهراق، وعنهل الإبل يعنهلها، فهو معنهل وهي معنهلة، ا. هـ.
ثم أشار إلى النوع الثالث بقوله:
990-
ظِلْتُ وَظَلْتُ فِي ظللْتُ اسْتُعْمِلا ... وَقِرْنَ فِي اقْرِرْنَ، وَقَرْنَ نُقِلا
"ظلت وظلت في ظللت استعملا" أي كل فعل ثلاثي مكسور العين ماض عينه ولامه من جنس واحد يستعمل في إسناده إلى الضمير المتحرك على ثلاثة أوجه؛ تاما كظللت، ومحذوف اللام مع نقل حركة العين إلى الفاء كظلت، ودون نقلها كظلت، وكذا تفعل في ظللن، فإن زاد على الثلاثة تعين الإتمام، نحو أقررت، وشذ أحست في أحسست، وكذا يتعين الإتمام إن كان مفتوح العين، نحو: حللت، وشذ همت في هممت، حكاه ابن الأنباري.
__________
العرب 1/ 435 "رنب"، 12/ 512 "كرم"؛ والمقاصد النحوية 4/ 578؛ والمقتضب 2/ 98؛ والمنصف 1/ 37؛ 192، 2/ 184؛ وهمع الهوامع 2/ 218.
شرح المفردات: أهل: يستحق، خليق. يؤكرم: يكرم.
الإعراب: "فإنه": الفاء بحسب ما قبلها، "إنه": حرف مشبه بالفعل، والهاء ضمير في محل نصب اسم "إن". "أهل": خبر "إن" مرفوع بالضمة. "لأن": اللام للتعليل، "أن": حرف نصب ومصدري. "يؤكرما": فعل مضارع للمجهول منصوب بالفتحة، والألف للإطلاق، ونائب فاعله ضمير مستتر تقديره: "هو". والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بالخبر "أهل".
وجملة: "إنه أهل" بحسب ما قبلها. وجملة: "يؤكرما" صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "يؤكرما" والقياس "يكرما" فأثبت الهمزة على ما هو الأصل الأصيل فيه للضرورة.(4/153)
وإن كان الفعل مضارعا أو أمرا واتصل بنون نسوة جاز الوجهان الأولان فقط، نحو: يقررن ويقرن، واقررن وقرن، وإلى ذلك الإشارة بقوله: "وقرن في اقررن" أي استعمل قرن في اقررن، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} 1 وهو أمر من قررت بالمكان أقر بالفتح في الماضي والكسر في المستقبل، فلما أمر منه اجتمع مثلان أولهما مكسور، فحسن الحذف كما فعل بالماضي. وقيل: هو أمر من الوقار، يقال: وقر يقر، فيكون قرن محذوف الفاء مثل عدن، ورجح الأول لتتوافق القراءتان.
فإن كان أول المثلين مفتوحا كما في لغة من قال قررت بالمكان بالكسر أقر بالفتح فالتخفيف قليل، وإليه أشار بقوله: "وقرن نقلا": أي في قراءة نافع وعاصم لأنه تخفيف لمفتوح. وقد أفهم بقوله "نقلا" أن ذلك لا يطرد، وصرح به في الكافية، وأما الذي قبله فصرح في الكافية باطراد، فقال:
وقرن في اقْرِرًنَ وقِسْ مُعْتَضِدَا
وذكر غيره أنه لا يطرد، وهو ظاهر كلام التسهيل. بل ذهب ابن عصفور إلى أن الحذف في ظللت ونحوه غير مطرد، وقد صرح سيبويه بأنه شاذ، وأنه لم يرد إلا في لفظتين من الثلاثي، وهما ظلت ومست، وفي لفظ ثالث من الزوائد على ثلاثة، وهو أحست في أحسست. وإلى الاطراد ذهب الشلوبين، وحكى في التسهيل أن الحذف لغة سليم، وبذلك يرد على ابن عصفور.
تنبيهان: الأول: اختلف كلام الناظم في المحذوف؛ فذهب في شرح الكافية إلى أن المحذوف اللام. وذهب في التسهيل إلى أن الحذف العين، وهو ظاهر كلام سيبويه.
الثاني: أجاز في الكافية وشرحها إلحاق المضموم العين بالمكسور، فأجاز في اغضضن أن يقال: غضن قياسا على قرن، واحتج له بأن فك المضموم أثقل من فك المكسور، وإذا كان فك المفتوح قد فر منه إلى الحذف في قرن المفتوح القاف؛ ففعل ذلك بالمضموم أحق بالجواز، قال: ولم أره منقولا، ا. هـ.
__________
1 الأحزاب: 33.(4/154)
فصل [في الإدغام] :
يعني اللائق بالتصريف، كما قيده في الكافية.
وهو لغة: الإدخال، واصطلاحا: الإتيان بحرفين ساكن فمتحرك من مخرج واحد بلا فصل. والإدغام –بالتشديد- افتعال منه، وهو لغة سيبويه. وقال ابن يعيش: الإدغام بالتشديد من ألفاظ البصريين، والإدغام بالتخفيف من ألفاظ الكوفيين.
ويكون الإدغام في المتماثلين، وفي المتقاربين، وفي كلمة، وفي كلمتين، وهو باب متسع، واقتصر الناظم في هذا الفصل على ذكر إدغام المثلين في كلمة فقال:
991-
أوَّلَ مِثْلَيْنِ مُحَرَّكَيْنِ فِي ... كِلْمَةٍ ادْغِمْ لاَ كَمِثْلِ صُفَفِ
992-
وَذُلَلٍ وَكِلَلٍ وَلَبَبِ ... وَلاَ كَجُسَّسٍ وَلاَ كَاخْصُصَ ابى
993-
وَلاَ كَهَيْلَل وَشَذَّ فِي أَلِلْ ... وَنَحْوِهِ فَكٌّ بِنَقْلٍ فَقُبِلْ
"أول مثلين محركين في * كلمة ادغم" أي يجب إدغام أول المثلين المتحركين بشروط، وهي: أحد عشر:
أحدها: أن يكونا في كلمة، نحو شد ومل وحب، أصلهن شدد بالفتح، وملل بالكسر، وحبب بالضم.
فإن كانا في كلمتين مثل {جَعَلَ لَكَ} 1 كان الإدغام جائزا لا واجبا بشرطين؛ أن لا يكونا همزتين نحو: "قرأ آية" فإن الإدغام في مثله رديء، وأن لا يكون الحرف الذي قبلهما ساكنا غير لين، نحو: {شَهْرُ رَمَضَانَ} 2 فإن هذا لا يجوز إدغامه عند جمهور البصريين، وقد روي عن أبي عمرو إدغام ذلك، وتأولوه على إخفاء الحركة، وأجازه الفراء.
الثاني: أن لا يتصدرا، نحو: "ددن". قال المصنف في بعض كتبه: إلا أن يكون أولهما تاء المضارعة فقد تدغم بعد مدة أو حركة، نحو: {لا تَيَمَّمُوا} 3 و {تَكَادُ تَمَيَّزُ} 4 انتهى.
__________
1 الفرقان: 10.
2 البقرة: 185.
3 البقرة: 267.
4 الملك: 8.(4/155)
ويجوز الإدغام في الفعل الماضي إذا اجتمع فيه تاآن والثانية أصلية، نحو: تتابع، ويؤتي بهمزة الوصل فيقال: اتابع، وسيأتي الكلام عليه.
ولم يذكر هنا هذا الشرط لوضوحه، وقد ذكره في الكافية وغيرها.
الثالث والرابع والخامس والسادس: أن لا يكون في اسم على فعل بضم أوله وفتح ثانية كصفف جمع صفة وجدد جمع جدة وهي الطريق في الجبل، أو فعل بضمتين نحو ذلل جمع ذلول بالمعجمة ضد الصعبة، وجدد جمع جديد، أو فعل بكسر أوله وفتح ثانيه، نحو: كلل جمع كلة، ولمم جمع لمة، أو فعل بفتحتين، نحو: لبب وطلل؛ فكل هذه يمتنع هذه الأمثلة الأربعة أن الثلاثة الأول منها مخالفة للأفعال في الوزن، والإدغام فرع عن الإظهار، فخص بالفعل لفرعيته، وتبع الفعل فيه ما وازنه من الأسماء، دون ما لم يوازنه، وأما الرابع فإنه وإن كان موازنا للفعل إلا أنه لم يدغم لخفته، ليكون منبها على فرعية الإدغام في الأسماء حيث أدغم موازنه في الأفعال، نحو: رد فيعلم بذلك ضعف سبب الإدغام فيه وقوته في الفعل.
تنبيهات: الأول: يمتنع الإدغام أيضا فيما وازن أحد هذه الأمثلة بصدره لا بجملته، نحو: خششاء لعظم خلف الأذن، ونحو: رددان مثل سلطان بمعنى سلطان من الرد، ونحو: حببة جمع حب، ونحو: الدججان مصدر دج بمعنى دب.
الثاني: كان ينبغي أن يستثنى مثالا خامسا يمتنع فيه الإدغام وهو فعل، نحو: إبل لكونه مخالفا لأوزان الأفعال؛ فلو بنيت من الرد مثل إبل قلت ردد بالفك، ولعل عذره في عدم استثنائه أنه بناء لم يكثر في الكلام، ولم يسمع في المضاعف، وقد استثناه في بعض نسخ التسهيل.
الثالث: اعلم أن أوزان الثلاثي التي يمكن فيها اجتماع مثلين متحركين لا تزيد على تسعة، وقد سبق ذكر خمسة منها، وبقيت أربعة، منها واحد مهمل فلا كلام فيه، وهو فعل بكسر الفاء وضم العين، وثلاثة مستعملة وهي فعل، نحو: كتف، وفعل، نحو: عضد، وفعل، نحو: دئل، فإذا بنيت من الرد مثل كتف أو عضد قلت رد أو رد، بالإدغام1؛
__________
1 كلاهما بفتح الراء وتشديد الدال، فكان ينبغي أن يكتفي بأحد اللفظين.(4/156)
لأنهما موافقان لوزن الفعل، وليسا في خفة فَعِلٍ، نحو: لبب. هذا مذهب الجمهور. وخالف ابن كيسان فقال: ردد ورد بالفك، ووافقه الناظم في التسهيل في الأول دون الثاني. وإذا بنيت من الرد مثل دئل قلت "ردد" بالفك، ومن رأى أن فعل أصل في الفعل ينبغي أن يدغم. وقياس مذهب ابن كيسان الفك. بل هو في هذا أولى، وعليه مشى في التسهيل، انتهى.
السابع من الشروط: أن لا يتصل بأول المثلين مدغم فيه، وإليه أشار بقوله: "ولا كجسس" وهو جمع جاس، اسم فاعل من "جس الشيء" إذا لمسه، أو من "جس الخبر" إذا فحص عنه، وهو الجاسوس. وإنما وجب الفك لأنه لو أدغم المدغم فيه لالتقى ساكنان.
الثامن: أن لا يعرض تحريك ثانيهما، وإليه أشار بقوله: "ولا كاخصص أبي" لأن الأصل اخصص بالإسكان، فنقلت حركة الهمزة إلى الساكن قبلها؛ فلم يعتد بها لعروضها.
التاسع: أن لا يكون ما هما فيه ملحقا بغيره، وإليه أشار بقوله: "ولا كهيلل" وهذا نوعان؛ أحدهما: ما حصل فيه الإلحاق بزائد قبل المثلين، نحو: "هيلل" إذا أكثر من لا إله إلا الله، فإن الياء فيه مزيدة للإلحاق بدحرج، والآخر ما حصل فيه الإلحاق بأحد المثلين، نحو: جلبب؛ فإن إحدى باءيه مزيدة للإلحاق بدحرج، وإنما امتنع في هذين النوعين لاستلزامه فوات ما قصد من الإلحاق.
العاشر: أن لا يكون مما شذت العرب في فكه اختيارا، وهي ألفاظ محفوظة لا يقاس عليها، وإلى هذا أشار بقوله: "وشذ في ألل ونحوه فك بنقل فقبل" أي شذ الفك في ألفاظ: منها قولهم "ألل السقاء" إذا تغيرت رائحته، وكذلك الأسنان إذا فسدت، والأذن إذا وقت. وقولهم "دبب الإنسان" إذا نبت الشعر في جبينه، و"صكك الفرس" إذا اصطكت عرقوباه، و"ضببت الأرض" إذا كثر ضبابها، و"قطط الشعر" إذا اشتدت جعودته، و"لححت العين، ولخخت" إذا التصقت بالرمص، و"مششت الدابة" إذا شخص في وظيفها حجم دون صلابة العظم، و"عززت الناقة" إذا صاق إحليلها وهو مجرى لبنها؛ فشذوذ ترك الإدغام في هذه الأفعال كشذوذ ترك الإعلال في نحو: القود والحيد والصيد، الحوكة والخونة مما سبق في موضعه؛ فلا يجوز القياس على شيء من هذه المفكوكات، كما لا يقاس على شيء من تلك المصححات. وما ورد من
ذلك في الشعر عد من(4/157)
الضرورات، كقول أبي النجم [من الرجز] :
ألْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الأَجْلَلِ ... [الواسع الفضل الوهوب المجزل] 1
تنبيه: قد شذ الفك أيضا في كلمات من الأسماء: منها قولهم "رجل ضفف الحال"، و"محبب" وحكى أبو زيد "طعام" قضض" إذا كان فيه يبس.
994-
وَحَيِّيَّ افْكُكْ وَادَّغِمْ دُوْنَ حَذَرْ ... كَذَاك نَحْوُ تَتَجَلَّى وَاسْتَتَرْ
"وحيي" وعيي ونحوهما ما عينه ولامه ياآن لازم تحريكهما "افكك وادغم دون حذر" في واحد منها؛ لوروده، فمن أدغم نظر إلى أنهما مثلان في كلمة وحركة ثانيهما لازمة، وحق ذلك الإدغام لاندراجه في الضابط المتقدم، ومن فك نظر إلى أن حركة الثاني كالعارضة، لوجودها في الماضي دون المضارع والأمر، والعارض لا يعتد به غالبا، ومن ثم لم يجز الإدغام في نحو: "لن يحيي، ورأيت محييا" وأما قوله [من الكامل] :
1259-
وَكَأَنَّهَا بَيْنَ الْنِّسَاءِ سَبِيكَةٌ ... تَمْشِيِ بِسُدَّةِ بَيْتِهَا فَتُعِيُّ
فشاذ لا يقاس عليه، خلافا للفراء.
تنبيه: الفك أجود من الإدغام، وإن كان كل منهما فصيحا مقروءا به في المتواتر، ولعل الناظم أومأ إلى ذلك بتقديم الفك في النظم، انتهى.
__________
1 تقدم بالرقم 1217.
1259- التخريج: البيت بلا نسبة في الدرر 1/ 172؛ ولسان العرب 15/ 112 "عيا"؛ والمحتسب 2/ 269؛ والممتع في التصريف 2/ 585، 587؛ والمنصف 2/ 206؛ وهمع الهوامع 1/ 53.
الإعراب: وكأنها: "الواو": بحسب ما قبلها، "كأنها": حرف مشبه بالفعل، و"ها": ضمير في محل نصب اسم "كأن". بين: ظرف مكان متعلق بحال من اسم "كأن"، وهو مضاف. النساء: مضاف إليه مجرور. سبيكة: خبر "كأن" مرفوع. تمشي: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هي". بسدة: جار ومجرور معلقان بـ"تمشي"، وهو مضاف. بيتها: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، و"ها": ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. فتعي: "الفاء": حرف عطف، "تعي": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هي".
وجملة "كأنها سبيكة" بحسب ما قبلها. وجملة "تمشي": في محل رفع نعت "سبيكة".
الشاهد فيه قوله: "فتعي" حيث أدغم عين الفعل ولامه وهما الياءان وهذا شاذ.(4/158)
"كذاك" يجوز الفك والإدغام فيما اجتمع فيه تاآن إما في أوله أو وسطه "نحو تتجلى واستتر" أما الأول فقال في شرح الكافية: إذا أدغمت فيما اجتمع في أوله تاآن زدت همزة وصل تتوصل بها إلى النطق بالتاء المسكنة للإدغام، فقلت في تتجلى. اتجلى، هذا كلامه، وفيه نظر؛ لأن تتجلى فعل مضارع، واجتلاب همزة الوصل لا يكون في المضارع، والذي ذكره غيره من النحاة أن الفعل المفتتح بتاءين إن كان ماضيا، نحو: تتبع وتتابع جاز فيه الإدغام واحتلاب همزة الوصل، فيقال: اتبع واتابع، وإن كان مضارعا، نحو: تتذكر لم يجز فيه الإدغام إن ابتدى به؛ لما يلزم من اجتلاب همزة الوصل وهي لا تكون في المضارع، بل يجوز تخفيفه بحذف إحدى التاءين، وسيأتي في كلامه، وإن وصل بما قبله جاز إدغامه بعد متحرك أولين، نحو: {تَكَادُ تَمَيَّزُ} 1، {وَلا تَيَمَّمُوا} 2 لعدم الاحتياج في ذلك إلى اجتلاب همزة الوصل.
وأما الثاني – وهو استتر ونحوه من كل فعل على افتعل اجتمع فيه تاآن – فهذا تجوز فيه الفك وهو قياسه؛ لبناء ما قبل المثلين على السكون، ويجوز فيه الإدغام بعد نقل حركة أول المثلين إلى الساكن، فتقول ستر بطرح همزة الوصل من أوله لتحرك الساكن بحركة النقل.
تنبيهات: الأول إذا أوثر الإدغام في استتر صار اللفظ به كاللفظ بستر الذي وزنه فعل بتضعيف العين، ولكن يمتازان بالمضارع والمصدر؛ لأنك تقول في مضارع الذي أصله افتعل يستر بفتح أوله وأصله يستتر، فنقل وأدغم، وتقول في مضارع الذي وزنه فعل يستر بضم أوله، وتقول في مصدر الذي أصله افتعل: ستارا، وأصله استتارا، فلما أريد الإدغام نقلت الحركة فطرحت الهمزة، وتقول في مصدر الذي وزنه فعل تستيرا على وزن تفعيل.
الثاني: يجوز في استتر ونحوه إذا أدغم وجه آخر، وهو أن يقال ستر بكسر فائه، وذلك أن الفاء ساكنة، وحين قصد الإدغام سكنت التاء الأولى، فالتقى ساكنان، فكسر أولهما على أصل التقاء الساكنين، ويجوز على هذه اللغة كسر التاء إتباعا لفاء الكلمة، فتقول فعل، والمضارع واسم الفاعل واسم المفعول مبنية على ذلك، إلا أن اسم الفاعل يشتبه بلفظ اسم المفعول على لغة من كسر التاء إتباعا، فيصير مشتركا كمختار، فيحتاج إلى قرينة.
__________
1 الملك: 8.
2 البقرة: 267.(4/159)
الثالث: ما ذكره في هذا البيت كالمستثنى من الضابط المتقدم، انتهى.
995-
وَمَا بِتَاءَيْن ابْتُدِي قَدْ يُقْتَصَرْ ... فِيْهِ عَلَى تَا كَتَبَيَّنُ الْعِبَرْ
الأصل تتبين، بتاءين: الأولى تاء المضارعة، والثانية تاء تفعل، وعلى الحذف أنه لما ثقل عليهم اجتماع المثلين، ولم يكن سبيل إلى الإدغام لما يؤدي إليه من اجتلاب همزة الوصل، وهي لا تكون في المضارع، عدلوا إلى التخفيف بحذف إحدى التاءين، وهذا الحذف كثير جدا، ومنه في القرآن مواضع كثيرة، نحو: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ} 1 {لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ} 2 {نَارًا تَلَظَّى} 3.
تنبيهات: الأول: مذهب سيبويه والبصريين أن المحذوف هو التاء الثانية؛ لأن الاستثقال بها حصل، وقد حصل بذلك في شرح الكافية، وقال في التسهيل: والمحذوفة هي الثانية لا الأولى خلافا لهشام، يعني أن مذهب هشام أن المحذوفة هي الأولى، ونقله غيره عن الكوفيين.
وأشار: قد أرشد بالمثال إلى أن هذا إنما هو في المضارع الواقع في الابتداء؛ لأنه الذي يتعذر فيه الإدغام، وأما الماضي –نحو تتابع- فلا يتعذر فيه الإدغام، وكذا المضارع الواقع في الأصل كما سبق بيانه.
الثالث: قال في شرح الكافية: وقد يفعل ذلك _يعني التخفيف بالحذف- بما تصدر فيه نونان، ومن ذلك ما حكاه أبو الفتح من قراءة بعضهم: "وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا"4، وفي هذه القراءة دليل على أن المحذوفة من تاءي "تتنزل" حين قال {تَنَزَّل} 5 إنما هي الثانية؛ لأن المحذوفة من نوني "نزل" في القراءة المذكورة إنما هي الثانية، هذا كلامه. قال الشارح: ومنه على الأظهر قوله تعالى: "كَذَلِكَ نُجِّي الْمُؤْمِنِينَ"6 في قراءة عاصم، أصله ننجي؛ ولذلك سكن آخره، ا. هـ.
__________
1 القدر: 4.
2 هود: 105.
3 الليل: 14.
4 الفرقان: 25.
5 الشعراء: 221، 222؛ والقدر: 4.
6 الأنبياء: 88.(4/160)
الحادي عشر من شروط وجوب الإدغام: أن لا يعرض سكون ثاني المثلين، أما لاتصاله بضمير رفع، وإما لجزم وشبهه، وقد أشار إلى الأول بقوله:
996-
وَفُكَّ حَيْثُ مُدْغَمٌ فِيْهِ سَكَنْ ... لِكَوْنِهِ بِمُضْمَرِ الرَّفْعِ اقْتَرَنْ
997-
نَحْوُ: حَلَلْتُ مَا حَلَلْتُه، وَفِي ... جَزْمٍ وَشِبْه الْجَزْمِ تَخْيِيرٌ قُفِي
لتعذر الإدغام بذلك، والمراد بمضمر الرفع تاء الضمير، ونا، ونون الإناث، نحو: "حللت ما حللته" وحللنا، والهندات حللن؛ فالإدغام في ذلك ونحوه لا يجب، بل يجوز. قال في التسهيل: والإدغام قبل الضمير لغية. قال سيبويه: وزعم الخليل أن ناسا من بكر بن وائل يقولون ردنا ومرنا وردت، وهذه لغة ضعيفة. كأنهم قدروا الإدغام قبل دخول النون والتاء، وأبقوا اللفظ على حاله، وأشار إلى الثاني بقوله "وفي جزم وشبه الجزم"، والمراد به الوقف "تخيير" أي بين الفك، والإدغام "قفي" أي تبع، نحو: لم يحلل ولم يحل، واحلل وحل، الفك لغة أهل الحجاز، والإدغام لغة تميم.
تنبيهات: الأول: المراد بالتخيير استواء الوجهين في أصل الجواز، لا استواؤهما في الفصاحة؛ لأن الفك لغة أهل الحجاز، وبها جاء القرآن غالبا، نحو: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ} 1، {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي} 2، {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} 3، {وَلا تَمْنُنْ} 4، وجاء على لغة تميم {مَنْ يَرْتَدِ} 5 في المائدة {وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ} 6 في الحشر.
الثاني: إذا أدغم في الأمر على لغة تميم وجب طرح همزة الوصل؛ لعدم الاحتياج إليها، وحكى الكسائي أنه سمع من عبد القيس أرد وأغض وأمر بهمزة الوصل، ولم يحك ذلك أحد من البصريين.
الثالث: إذا اتصل بالمدغم فيه واو جمع، نحو ردوا، أو ياء مخاطبة، نحو: ردي، أو نون توكيد، نحو ردن، أدغم الحجازيون وغيرهم من العرب؛ لأن الفعل حينئذ مبني على
__________
1 آل عمران: 120.
2 طه: 81.
3 لقمان: 19.
4 المدثر: 6.
5 المائدة: 54.
6 الحشر: 4.(4/161)
هذه العلامات فليس تحريكه بعارض.
الرابع: التزم المدغمون فتح المدغم فيه قبل هاء الغائبة، نحو: "ردها ولم يردها" والتزموا ضمة قبل هاء الغائب، نحو: "رده ولم يرده" لأن الهاء خفية، فلم يعتدوا بوجودها؛ فكان الدال فيه وليها الألف والواو، وحكى الكوفيون "ردها" بالضم الكسر، ورده بالفتح والكسر، وذلك في المضموم الفاء، وحكى ثعلب الأوجه الثلاثة قبل هاء الغائب، وغلط في تجويزه الفتح، وأما الكسر فالصحيح أنه لغية، سمع الأخفش من ناء من عقيل مده وعضه، بالكسر، والتزم أكثرهم الكسر قبل ساكن، فقالوا "رد القوم" لأنها حركة التقاء الساكنين في الأصل، ومنهم من يفتح وهم نبو أسد، وحكى ابن جني الضم، وقد روي بهن قوله [من الطويل] :
1260-
فَغُضَّ الْطَّرْفَ إنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ ... [فلا كعبا بلغت ولا كلابا]
__________
1260- التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص821؛ وجمهرة اللغة ص1096؛ وخزانة الأدب 1/ 72، 74، 9/ 542؛ والدرر 6/ 322؛ وشرح المفصل 9/ 128؛ ولسان العرب 3/ 142؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 411؛ وخزانة الأدب 6/ 531، 9/ 306؛ وشرح شافية ابن الحاجب ص244؛ والكتاب 3/ 533؛ والمقتضب 1/ 185.
شرح المفردات: غض الطرف: أي اخفض رأسك. نمير: قبيلة الراعي الذي يهجوه جرير. كعب وكلاب: قبيلتان.
المعنى: يدعو الشاعر مهجوه بأن ينكس رأسه، ويخفض جبينه خجلا وعارا، لأنه ينتسب إلى بني نمير الأدلاء، وليس إلى كعب وكلاب الأشراف.
الإعراب: "فغض": الفاء بحسب ما قبلها، "غض": فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنت". "الطرف": مفعول به منصوب. "إنك": حرف مشبه بالفعل، والكاف ضمير في محل نصب اسم "إن". "من نمير": جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر "إن". "فلا": الفاء حرف عطف، "لا": حرف نفي. "كعبا": مفعول به مقدم منصوب. "بلغت": فعل ماض، والتاء ضمير في محل رفع فاعل. "ولا": الواو حرف عطف، "لا": حرف نفي. "كلابا": معطوف على "كعبا" منصوب بالفتحة.
وجملة: "غض الطرف" بحسب ما قبلها. وجملة: "إنك من نمير" استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "بلغت" معطوفة على سابقتها.
الشاهد فيه قوله: "فغض" حيث يروى بضم الضاد وفتحها وكسرها، فأما ضمها فعلى الإتباع لضمة الغين قبلها، وأما فتحها فلقصد التخفيف، لأن الفتحة أخف الحركات الثلاث؛ وأما كسرها فعلى الأصل في التخلص من التقاء الساكنين.(4/162)
نعم الضم قليل، قال في التسهيل في باب التقاء الساكنين: ولا يضم قبل ساكن، بل يكسر، وقد يفتح، هذا لفظه.
فإن لم يتصل الفعل بشيء مما ذكر ففيه ثلاث لغات: الفتح مطلقا، نحو: رد وفر وعض، وهي لغة أسد وناس غيرهم. والكسر مطلقا، نحو: رد وفر وعض، وهي لغة كعب ونمير، والإتباع لحركة الفاء، نحو: رد وفر وعض، وهذا أكثر من كلاههم، ا. هـ.
998-
وَفَكُّ أَفْعِلْ فِي الْتَّعَجُّبِ الْتُزِم ... وَالْتُزِمَ الإدْغَامُ أَيْضَاً فِي هَلُمّ
وفك أفعل في التعجب التزم" قال في شرح الكافية: بإجماع، وكأنه أراد إجماع العرب؛ لأن المسموع الفك، ومنه قوله [من الطويل] :
وَقَالَ نَبِيُّ المُسْلِمِينْ تَقَدَّمُوا ... وَأَحْبِبْ إلَيْنَا أَنْ تَكُونَ المُقَدَّمَا1
وإلا فقد حكي عن الكسائي إجازة إدغامه "والتزم الإدغام أيضا في هلم" بإجماع، كما قاله في شرح الكافية؛ فلم يقل فيه هلمم.
تنبيهات: الأول: هذا البيت استدراك على ما قبله، أي يستثنى من فعل الأمر صيغتان لا تخيير فيهما؛ الأولى: أفعل في التعجب؛ فإنه ملتزم فكه، والثانية: هلم في لغة تميم؛ فإنه ملتزم إدغامه، وقد سبق في باب أسماء الأفعال أن هلم عند الحجازيين اسم فعل بمعنى احضر أو أقبل، وعند بني نميم فعل أمر، وباعتبار هذه اللغة ذكرها هنا.
الثاني: التزموا أيضا فتح هلم، وحكى الجرمي الفتح الكسر عن بعض تميم، وإذا اتصل بها هاء الغائب، نحو: "هلمه" لم يضم، بل يفتح، وكذا إذا اتصل بها ساكن، نحو: هلم الرجل، وقد تقدم أن لكونها عند تميم فعلا اتصلت بها ضمائر الرفع البارزة، فيقال: هلما وهلموا وهلمي، بضم الميم قبل الواو، وكسرها قبل الياء، وإذا اتصل بها نون الإناث فالقياس هلممن. وزعم الفراء أن الصواب هلمن بفتح الميم وزيادة نون ساكنة بعدها وقاية لفتح الميم، ثم تدغم النون الساكنة في نون الضمير، وحكي عن أبي عمرو أنه سمع هلمين
__________
2 تقدم بالرقم 738.(4/163)
يا نسوة، بكسر الميم مشددة، وزيادة ياء ساكنة قبل نون الإناث، وحكى عن بعضهم هلمن بضم الميم وهو شاذ.
الثالث: مذهب البصريين أن هلم مركبة من "ها" التنبيه ومن لم التي هي فعل أمر من قولهم "لم الله شعثه" أي جمعه، كأنه قيل: اجمع نفسك إلينا، فحذفت ألفها تخفيفا. وقال الخليل: ركبا قبل الإدغام؛ فحذفت الهمزة للدرج إذ كانت همزة وصل، وحذف الألف لالتقاء الساكنين، ثم نقلت حركة الميم الأولى إلى اللام، وقال الفراء: مركبة من هل التي للزجر، وأم بمعنى اقصد، فخففت الهمز بإلقاء حركتها على الساكن قبلها فصار هلم، نسب بعضهم هذا القول إلى الكوفيين، وقول البصريين أقرب إلى الصواب. قال في البسيط: ومنهم من يقول: إنها ليست مركبة، انتهى.
خاتمة: في النون الساكنة، ومنها التنوين.
اعلم أن للنون الساكنة أربعة أحكام:
أولها: الإدغام، وهو بلا غنة في اللام والراء، وبغنة في حروف ينمو، ما لم تكن مواصلتها في كلمة واحدة كالدنيا وصنوان وأنمار؛ فإن الفك في ذلك لازم.
والثاني: الإظهار، وهو في حروف الحلق الستة: العين والغين والحاء والخاء والهاء والهمزة؛ لبعد مخرج النون من مخرجها.
الثالث: القلب ميما عند الباء ويستوي كونها في كلمة، نحو: {أَنْبِئْهُمْ} 1 أو كلمتين، نحو: {أَنْ بُورِكَ} 2 وموجب هذا القلب أن الباء بعدت من النون، وشابهت أقرب الحروف إليها وهي الميم؛ لأن النون والميم حرفا غنة, فلما بعدت عن الباء لم يمكن إدغامها فيها، ولما قربت بمشابهة القريب منها لم يحسن إظهارها، فأوجب التخفيف أمرا آخر، وهو قلبها ميما؛ لأنها أختها في الغنة.
والرابع: الإخفاء، وذلك إذا وليها شيء من الحروف غير المذكورة، وذلك خمسة
__________
1 البقرة: 33.
2 النمل: 8.(4/164)
اليواقيت، وأنشد عليها [من الرجز] :
1262-
عَانٍ بِأُحْرَاهَا طَوِيْلُ الشُّغْلِ ... [له جفيران وأي نبل]
ونظما: حال من الهاء في بجمعه، أو تمييز محول عن الفاعل، واشتمل: نعت لنظما، وعلى جل المهمات: متعلق باشتمل، ثم وصف نظما بصفة أخرى فقال:
1000-
أَحْصَى مِنَ الْكَافِيَةِ الْخُلاَصَة ... كَمَا اقْتَضَى غِنًى بِلاَ خَصَاصَهْ
أحصى من الكافية الخلاصه" أي جمع هذا النظم من منظومة المصنف المسماة بالكافية الخالص الصافي مما يكدره. "كما اقتضى" أي أخذ "غنى بلا خصاصه" تشوبه، والخصاصة: ضد الغنى، وهو كناية عما جمع من المحاسن الظاهرة. ثم قابل الشكر نعمة الإتمام، وأردفه بالصلاة على سيدنا محمد سيد الأنام، وعلى آله وأصحابه الكرام، لإحراز أجر ذلك ويمنه في البدء والختام، فقال رحمه الله وجمعني وإياه في دار السلام"
1001-
فَأَحَمْدُ اللَّهَ مُصَلِّياً عَلَى ... مُحَمَّدٍ خَيْرِ نَبِيَ أُرْسِلاَ
__________
1262- التخريج: الرجز بلا نسبة في الصاحبي في فقه اللغة ص263؛ ولسان العرب 15/ 105 "عنا".
اللغة: الجفير: الجعبة، أو الكناية.
الإعراب: عان: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "هو". بأخراها: جار ومجرور متعلقان بـ"عان"، وهو مضاف، و"ها": ضمير في محل جر بالإضافة. طويل: صفة "عان" مرفوعة بالضمة، وهو مضاف. الشغل: مضاف إليه مجرور. له: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. جفيران: مبتدأ مؤخر مرفوع بالألف موصوف لأنه مثنى. وأي: "الواو": عاطفة، "أي": معطوف على "جفيران" وذلك على جعل "أي" كمالية على تقدير موصوف أي "وله نيل أي نبل"، وهو مضاف. نبل: مضاف إليه مجرور.
وجملة "هو عان": ابتدائية لا محل لها. وجملة "له جفيران": صفة لـ"عان" محلها الرفع.
الشاهد: قوله: "عان" بمعنى معتن.(4/165)
1002-
وَآلِهِ الْغُرِّ الْكِرَامِ الْبَرَرَهْ ... وَصَحْبِهِ الْمُنْتَخَبِيْنَ الْخِيَرَهْ
الحمد لله أولا وآخرا، باطنا وظاهرا، وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه أجمعين، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين.(4/167)
الفهارس
مدخل
...
الفهارس:
1- فهرس الآيات القرآنية
2- فهرس الأحاديث النبوية.
3- فهرس الأمثال.
4- فهرس الشواهد الشعرية.
5- فهرس قوافي الأشعار.
6- فهرس قوافي الأرجاز
7- فهرس أنصاف الأبيات
8- فهرس الأعلام.
9- فهرس المصادر والمراجع.
10- فهرس المحتويات(4/169)
1- فهرس الآيات القرآنية
الفاتحة: 1
{إياك نعبد} 5 1/ 92
{اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين} 6-7 3/ 3
{أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم} 7 2/ 119
{صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم} 7 2/ 130
{غير المغضوب عليهم} 7 1/ 514
{صراط} 7 4/ 145
البقرة: 2
{ذلك الكتاب لا ريب فيه} 2 2/ 32
{سواء عليهم أأنذرتهم} 6 2/ 372
{سواء عليهم أأنذرتهم} 6 2/ 376
{أأنذرتهم} 6 4/ 101
{على أبصارهم} 7 4/ 32
{اشتروا الضلالة} 16، 175 4/ 97
{اشتروا الضلالة} 16 4/ 115
{ذهب الله بنورهم} 17 2/ 89
{فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون} 22 2/ 38
{فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} 24 1/ 445
{وبشر الذين آمنوا} 25 2/ 406
{ما بعوضة} 26 1/ 154
{كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم} 28 2/ 262(4/171)