مقدمة
الحمد لله الذي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.
والصلاة والسلام على من قال: «لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة» (1) .
وبعد:
لا يكاد يمر علينا يوم ببزوغ فجره الجميل وبإشراقة شمسه الدافئة، إلا ونسمع أو نقرأ توبة عبد من عباد الله، كان في ضياع ودمار فسلك طريق الصالحين والأخيار.
ولا غرو في ذلك ولا عجب لأن قلوب الناس بين أصبعين من أصابع الرحمن.
وفي هذا الزمن كثرت ولله الحمد قصص التائبين والعائدين، فتارة نسمع بتوبة رجل وتارة نسمع بتوبة امرأة، وتارة نسمع بتوبة شاب أو شابة، فلله الحمد من قبل ومن بعد.
ولما للقصص من أثر في النفوس واستئناس للقلوب جمعت هذه القصص لنساء:
* * *
.. تائبات.. آيبات.. نادمات..
هجرن المعاص والمنكرات ... وندمن على المخازي والسيئات، قلوبهن ميتة فأحياها الله ... أنفسهن ساقطة فرفعها الله، قلوبهن مرضية فشفاها الله ... أنفسهن ذليلة فأعزها الله ... قلوبهن غارقة في المنكرات فرفعها الله لأعلى الدرجات، غسلن الماضي بالدموع!! وأبدلن المعاصي بالسجود والركوع!!
لسان حالهن يقول:
ما أحسن الرجوع إلى الله.
ما أحسن العودة إلى البارئ.
أسأل الله أن يثبتهن على دينه، وقد أسميت هذه المجموعة:
فتيات تائبات
أسأل الله أن ينفع بها الجميع وصلى الله على نبيا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
* * *
فضل التوبة:
قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي، فلها ثلاثة شروط:
أحدها: أن يقلع عن المعصية.
والثاني: أن يندم على فعلها.
والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبدًا.
فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته.
__________
(1) متفق عليه.(1/1)
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالاً، أو نحوه رده إليه، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحله منها.
ويجب أن يتوب من جميع الذنوب، فإن تاب من بعضها صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب، وبقي عليه الباقي، وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة، وإجماع الأمة على وجوب التوبة:
قال الله تعالى: { وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (1) وقال تعالى: { اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } (2) وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا } (3) وقال - صلى الله عليه وسلم - : «لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى على شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح» (4) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : «من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه» (5) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : «لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء ثم تبتم لتاب الله عليكم» (6) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : «الندم توبة» (7) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : «الندم توبة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له» (8) .
__________
(1) سورة النور: 31.
(2) سورة هود: 3.
(3) سورة التحريم: 8.
(4) البخاري ومسلم.
(5) رواه مسلم.
(6) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
(7) رواه الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه الألباني.
(8) رواه الطبراني وأبو نعيم وحسنه الألباني.(1/2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : «قال تعالى: إذا تقرب إلي العبد شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإذا تقرب إلي ذراعًا تقربت منه باعًا، وإذا أتاني مشيًا أتيته هرولة» (1) .
توبة امرأة
أرادت أن تفتن الربيع بن خثيم (2)
قال: سعدان:
أمر قوم امرأة ذات جمال بارع أن تتعرض للربيع بن خثيم لعلها تفتنه، وجعلوا لها، إن فعلت ذلك، ألف درهم، فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب، وتطيبت بأطيب ما قدرت عليه، ثم تعرضت له حين خرج من مسجده، فنظر إليها، فراعه أمرها، فأقبلت عليه وهي سافرة، فقال لها الربيع: كيف بك لو قد نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من لون بهجتك؟ أم كيف بك لو قد نزل بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتين؟ أم كيف بك لو سألك منكر ونكير؟ فصرخت صرخة فسقطت مغشيًّا عليها، فوالله لقد أفاقت، وبلغت من عبادة ربها، أنها كانت تلقب بعابدة بغداد.
* * *
وأنذرهم يوم الآزفة ... فكانت
بداية الهداية (3)
كان عندنا بالكوفة شاب ملازم للمسجد الجامع لا يكاد يخلو منه وكان حسن الوجه، حسن القامة، حسن السمت، فنظرت إليه امرأة ذات جمال، فشغفت به، وطال ذلك عليها فلما كان ذات يوم وقفت له على طريقه وهو يريد المسجد فقالت له: يا فتى اسمع مني كلمات أكلمك بها ثم أعمل ما شئت، فمضى ولم يكلمها.
ثم وقفت له بعد ذلك على طريقه وهو يريد منزله فقالت له: يا فتى اسمع مني كلمات أكلمك بها فطرق فقال لها: هذا موقف تهمة وأنا أكره أن أكون للتهمة موضعًا.
فقالت له: والله ما وقفت موقفي هذا جهالة مني بأمرك، ولكن معاذ الله أن يتشوف العباد إلى مثل هذا مني والذي حملني على أن لقيتك في هذا الأمر بنفسي، معرفتي أن القليل من هذا عند الناس كثير، وجملة ما أكلمك به أن جوارحي كلها مشغولة بك فالله الله في أمري وأمرك.
__________
(1) رواه البخاري.
(2) كتاب التوابين لابن قدامة «بتصرف».
(3) جريدة البلاد وانظر مصارع العشاق للقاري ج1.(1/3)
ثم مضى الشاب إلى منزله وأراد أن يصلي فلم يعقل كيف يصلي، فأخذ قرطاسًا وكتب كتابًا ثم خرج من منزله فإذا بالمرأة واقفة في موضعها فألقى إليها الكتاب ورجع إلى منزله.
وكان في الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم، اعلمي أيتها المرأة أن الله تبارك وتعالى إذا عصي حلم، فإذا عاود العبد المعصية ستر، فإذا لبس لها ملابسها غضب الله عز وجل لنفسه غضبة تضيق منها السموات والأرض والجبال والشجر والدواب فمن ذا الذي يطيق غضبه؟
فإن كان ما ذكرت باطلاً فإني أذكرك يومًا تكون السماء كالمهل، وتصير الجبال كالعهن، وتجثو الأمم لصولة الجبار العظيم، وإني والله قد ضعفت عن إصلاح نفسي فكيف بصلاح غيري، وإن كان ما ذكرت حقًّا فإني أدلك على طبيب حكيم – ذلك الله رب العالمين – فاقصديه على صدق المسألة فإني متشاغل عنك بقوله عز وجل: { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ * وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ } (1) !! فأين المهرب من هذه الآية؟!
ثم جاءت بعد ذلك بأيام فوقفت له على طريقه فلما رآها من بعيد أراد الرجوع إلى منزله لئلا يراها.
فقالت: يا فتى لا ترجع فلا كان الملتقى بعد هذا أبدًا إلا بين يدي الله عز وجل، وبكت بكاء كثيرًا ثم قال: أسأل الله عز وجل الذي بيده مفاتيح قلبك أن يسهل ما قد عسر من أمرك.
ثم تبعته فقالت: امنن علي بموعظة أحملها عنك وأوصني بوصية أعمل عليها!
__________
(1) سورة غافر: 18-20.(1/4)
فقال لها الفتى: «أوصيك بحفظ نفسك من نفسك، وأذكرك قوله عز وجل: { وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَار } » (1) فأطرقت وبكت بكاء أشد من بكائها الأول ثم أفاقت فقالت: والله ما حملت أنثى ولا وضعت إنسانًا مثلك في مصري وأحيائي وذكرت أبياتًا آخرها:
لألبسن لهذا الأمر مدرعة
ولا ركنت إلى لذات دنيايا
ثم لزمت بيتها فأخذت بالعبادة، فكانت إذا أجهدها الأمر تدعو بكتابه فتضعه على عينيها، وكان إذا جن عليها الليل قامت إلى محرابها فإذا صلت قالت:
يا وارث الأرض هب لي منك مغفرة
وحُل عني هوى ذي الهاجر الداني
وانظر إلى خلتي يا مشتكى حزنى
بنظرة منك تجلو كل أحزاني
فلم تزل على ذلك حتى ماتت.
سقط سهوًا (2)
فتاة من فتيات مجتمعنا كانت منحرفة – هداها الله تعالى بشريط وجدته في الطريق.
بينما كانت الفتاة تسير في طريقها إلى المنزل إذا بقدمها تصطدم بشريط ملقى بقارعة الطريق، فتبدأ الفتاة بمحادثة نفسها، فتقول: أكيد هذا الشريط للمطرب الفلاني، وعلى العموم فجميع المطربين أحتفظ بأغانيهم لدي.
فنتيجة لفضول تلك الفتاة أخذت الشريط بقصد معرفة ما يحتويه من أغانٍ مسلية، فلما وصلت إلى المنزل، استمعت إلى ذلك الشريط، فإذا هو شريط إسلامي ويتكلم الملقي عن موضوع قيم ومفيد ومؤثر، فتأثرت تلك الفتاة بهذا الشريط وكان سببًا لهدايتها وتوبتها من الانحراف بفضل الله تعالى فالشريط حتى لو سقط في الشارع سهوًا ربما يأخذه من ينجو به من النار إلى الجنة ومن الضلالة إلى الهداية والله ولي التوفيق.
* * *
سورة ق ... سبب هدايتي (3)
كنت متمادية في المنكرات والعصيان ... ولكم حاولت والدتي نصحي وتذكيري، لدرجة أنها تبكي أمامي! ولكن بدون فائدة ظللت أسير في طريق مظلم كالح، أتخبط فيه بين الأوهام والخيالات.
__________
(1) سورة الأنعام: 60.
(2) من مجلات الدعوة «محاضرة» للشيخ سعد البريك.
(3) كتبتها لي إحدى الأخوات.(1/5)
وعندما يسدل الليل ستاره الأسود المخملي أفكر فيما أفعله غدًا، وعندما يشرق النهار أبلج واضحًا، أحمل هم الليل وبماذا سأقضيه، ليس لي هم غير الدنيا وإضاعة الأوقات بدون فائدة وتمر ساعات وأنا ما بين أغنية أو مجلة أو فيلم ساقط ... وهكذا ألبستني الغفلة من ثيابها ألوانًا شتى.
وذات يوم مللت من ذلك الروتين اليومي، ومن نصح والدتي وتذكيرها لي بوالدي المتوفى رحمه الله وحرصه علي ... وفجأة دخلت غرفتي التي تضج بالأشرطة والمجلات والصور وفتحت نافذة غرفتي فإذا بصوت إمام المسجد يهز مسامعي ... وكلمات بارئي تفعل ما تفعله في نفسي من تأثير كبير ... سبحان الله ... ما أشد تلك الكلمات وما أعظمها:(1/6)
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ * وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ } (1) .
إنها الحياة الحقيقة ... ما أقسى الموت! وما أشد غفلتي عنه!! والقبر لقد طوته الغفلة في طي النسيان في حياتي والصلاة ماذا عنها؟ إنها مجرد عادة إن وجدت نفسي متفرغة أديتها، وإلا تركتها كغيرها من الفرائض ... وكتاب الله لا تمسه يداي إلا في المدرسة إن حضرت هذه الحصة وإلا هربت مع قريناتي ...!! ودق جرس الإنذار في نفسي مدويًا وانهالت الأسئلة من كل جانب من جوانحي ... يا إلهي ماذا أعددت لسؤال ربي ماذا أعددت للقبر وضمته ... وللموت وسكرته ...؟ لا شيء أبدًا!!! لا رصيد لدي أنجو به ... ولا زاد أتزود به ... سوى حفظ عشرات الأغاني الماجنة!!
__________
(1) سورة ق: 15-35.(1/7)
يا إلهي ماذا سأفعل؟!
راح من العمر الكثير، ذنوب في الليل وآثام في النهار...!! إذًا لابد من الرجوع ... الرجوع إلى الله ... والاستعداد ليوم يشيب فيه الولدان وتضع كل ذات حمل حملها ... لابد من الاستيقاظ والعمل بالجد والإخلاص ... لعل الله يعفو عن الكثير، ويقبل مني القليل ... ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هالة فؤاد تعود إلى الله
بعد رحلة في عالم الضياع والدمار، عالم الرذيلة والانحطاط عالم الفن «العفن»!! بعد رحلة طويلة قاسية أعلنت الفنانة سابقًا «هالة فؤاد» اعتزالها الفن وارتداءها الحجاب.
والسبب في ذلك: تعرضها لمرض أليم أدى إلى إصابتها بجلطة في قدميها وكادت أن تصل إلى القلب ... حتى أصبحت على مقربة من الموت.
وقال من تولى علاجها بأن شفاءها معجزة!
وبعد شفائها قررت أن تترك عالم الفن بكل ما فيه من شهرة وأضواء ... وقد عارض «شياطين من الإنس» توبتها وحاربوها من أجل أن تتراجع إلا أنها تصر على طريقها الجديد ... طريق الأمن والإيمان ... والسلامة والإحسان وتقول عبارة تكررها دائمًا: ذهب لقب فنانة الذي يسبق اسمي إلى الأبد وأصبحت الآن عبدة لله هالة فؤاد.
قال تعالى: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (1) .
* * *
عودة فتاة (2)
كانت هناك فتاة مغرمة بلاعب وكانت تحتفظ بصوره وتتابع ما ينشر عنه.
وفي يوم من الأيام وبينما تلك الفتاة مع زميلاتها في ساحة المدرسة، وكانت تمسك بيدها صورة ذلك الشخص وتضمه إلى صدرها معلنة عبارات الحب والغرام لذلك الشخص، إذ بمعلمتها تراها وهي سائرة في طريقها وتتفاجأ وتندهش لهذا المنظر!!!
__________
(1) سورة الزمر: 53.
(2) ذكرها لي أحد الإخوان.(1/8)
وكانت هذه المعلمة من المعلمات المستقيمات المتزنات فتمسك بتلك الفتاة بانفراد وتتحدث معها وتبدأ بتقديم النصائح المفيدة لها.
فقالت المعلمة: تلميذتي غدًا سيرزقك الله «زوجًا» يرفعك ويصونك وهذا اللاعب الذي تكنين له كل هذا الحب لن ينفعك وما علم بحبك.
أخيتي: ماذا لو رآك والدك على هذا الحال؟!
هل سيوافق لعملك هذا!!
فقالت المسكينة والدموع تنهمر من عينيها، وبعدما أحست بالذنب الذي ارتكبته لا ... لا لن يوافق والدي!! وبعد هذا الموقف الذي حدث لها تابت تلك الفتاة توبة صادقة – إن شاء الله – والتحقت بحلقة تحفيظ القرآن الكريم وهذا بفضل المولى عز وجل ثم بفضل نصيحة تلك المعلمة الطيبة فبارك الله في هذه المعلمة وكثر من أمثالها.
قال عليه الصلاة والسلام: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم» (1) .
زورق الإيمان (2)
تقول: ركبت في زورق لأقطع به مشوار حياتي الطويل، دون أن أمسك بيدي أي مجداف ليساعدني إلى الوصول إلى بر الأمان.
__________
(1) متفق عليه.
(2) مجلة لدعوة.(1/9)
واجهتني العواصف القوية والرياح الشديدة، وأنا في زورق الحياة، كدت أن أغرق وأهلك من المعاصي والذنوب ... لولا رحمة ربي بي، رمى بي زورقي في نهر التوبة ... في نهر التوبة الصافي فخرجت منه إنسانة أخرى، قتل هذا النهر ما كان بداخلي من الظلام والضلال بعد أن بدلني من يمسك بزمام حياتي بالنور والإيمان ... كان الشيطان قبل أن أغرق في ذلك النهر ... يزين لي سوء عملي، حبب إلي المعاصي ... جعلي أعشق الغناء ولا شيء سواه ... زين لي العقوق والعصيان ... وأصبح في أذني وقر وحاجز منيع عن سماع النصائح والماعظ، وعلى قلبي الغافل باب محكم الغلق لأن أتدبر وأتفكر في آيات الله وخلقه، نفخ الشيطان في رأسي فأصبح غروري وكبريائي يمنعانني من الاختلاط بالآخرين، إلا بمن هم على شاكلتي من شياطين الإنس، وغرقت في نهر الحياة بعد أن تركت الدراسة لعامين متتاليين لأني لم أوفق في دراستي لأن هدفي الذي أذهب من أجله هدف تافه لا يرضي الرب سبحانه.
كنت أذهب إلى المدرسة التي قد اتخذناها سوقًا لتبادل الأشرطة والصور وغيرها ... ولأعرض ما بحوزتي من أزياء وموديلات ...
كانت هذه هي حياتي قبل أن أغرق، وبعد أن نجاني الله – الرحيم بعباده - بعدما أصرت إحدى الأخوات الملتزمات الاتصال المباشر بي، واستطاعت بحول الله التأثير علي بعد محاولات عدة.
خرجت من ذلك النهر وكأني مولودة جديدة، جعلت من رضا الله ثم الوالدين هدفي المنشود الذي أسعى لتحقيقه، عدت إلى مقاعد الدراسة لكي أنهل من بحور العلم وكنوزه، لكي أذيق أخواتي المسلمات حلاوة التوبة والطاعة وأدعوهن إلى نبذ الأغاني والمسلسلات، والتمسك بالحجاب والفضيلة ونبذ التبرج والرذيلة وأدعوهن إلى الله بكل وسيلة أستطيع بها ذلك ...(1/10)
أحرقت زورق الحياة الذي ركبت فيه في بداية مشوار حياتي!! وركبت زورق الإيمان والصبر ومسكت بيدي أقوى المجاديف مجداف الأمل بيد، ومجداف العلم والمعرفة بيدي الأخرى ... مشيت بزورقي وأخذت أمسح الدمعة من عيون اليتامى وأربت على أكتاف الثكالى، وأرسم الابتسامة على شفاه الحزانى، وأنير الدرب لكل الحيارى، وأصبح الحنان والرحمة ماء لزورقي والسعادة سماؤه. ونفحات الإيمان والأمل تدفعني إلى الأمام الزاخر وأنا في زورقي ... ويا له من زورق ركبت فيه ويا لها من سعادة ذقتها وأنا فيه، إنه زورق الإيمان الذي أعيش فيه الآن وسأظل – إن شاء الله – أعيش فيه إلى أن ألقى الرحمن. اهـ
قال - صلى الله عليه وسلم - : «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» (1) .
توبة... في الجامعة (2)
جماعة من الفتيات ... طبع الله على قلوبهن وأعمت الغفلة أعينهن ... وفتح لهن طريق التقليد الأعمى ذراعيه، فسلكنه دون وعي ولا إدراك.
تراهن فتشمئز نفسك من أشكالهن!!
شعور منفوشة ... ومصبوغة ... وكأن الرماد ذُر عليها ذرًا، وملابس عجيبة ... عليها صور فاضحة وأشكال مزعجة، تكاد تتمزق من شدة الضيق، ومفتوحة من الجانبين!!!
وأحذية ذات كعوب عالية تجعلهم راقصات في مشيتهن!! فالأشكال غربية والألسنة عربية بحته! فإلى الله المشتكى.
أراد الله بهذه المجموعة خيرًا ... فقد أهدي إليهن شريط يحتوي على قصص لأناس تائبين، عائدين.
تركوا المعاصي والمنكرات وحافظوا على الذكر والصلوات، فبدل ذلك الشريط حياتهن، وحولهن من حال سيئ إلى حال حسن فعدن إلى الله وأنبن إليه.
فمشيئة الله اقتضت أن تهتدي هؤلاء الفتيات بفضل الله ثم شريط أهدى إليهن، فكان نبراسًا أضاء لهن طريقهن الهالك وأبدلهن بطريق يشع بالأمن والإيمان، فنفضن غبار الغفلة والمعاصي وارتدين ثياب التقوى والإخلاص، بعد ما كن على جرف هار.
__________
(1) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم.
(2) ذكرتها لي إحدى الأخوات الثقات.(1/11)
قال - صلى الله عليه وسلم - : «الدال على الخير كفاعله» (1) .
توبة ... من استماع الغناء (2)
كتبت التائبة: كنت شديدة الحب والإعجاب بأحد الفنانين المغنين وكنت دائمة السماع لأغانيه، لا أستطيع القيام بأي مهمة إلى على نغمات صوته، حتى حال القيام بالأعمال المنزلية العادية كالطبخ والغسيل وغيرهما.
وكثيرًا ما أسهر الليالي من أجل استماع أغانيه من خلال الإذاعات المختلفة، وزيادة على ذلك أقوم بجمع صوره من كل جريدة أو مجلة وأكتب اسمه على كل كتاب أو دفتر أو جدار من شدة شغفي به، ومن غفلتي أنني إذا رأيته في المنام قمت بتسجيل ذلك الحلم السخيف في ورقة واحتفظت بها لئلا أنسى ذلك الحلم!!
وكم مرة أجهشت من البكاء عندما يتعرض ذلك الفنان لإهانة أو تحقير من أحد من الناس، أما حرمة الله فلا يهمني انتهاكها!!!
وكنت في غفلتي لاهية، ولعذاب ربي ناسية!! حتى جاءت اللحظة الحاسمة في حياتي، وذلك عندما ألقت إحدى المعلمات الفاضلات في مدرستنا محاضرة عن عذاب المغنين والمغنيات، ومن يستمع للغناء!
فأصابت جسمي قشعريرة، وخفت خوفًا شديدًا، ولم أتمالك نفسي حين عودتي إلى منزلي، فقمت بتحطيم أشرطة الغناء دون إصغاء لداعي الشيطان، وكانت تلك المحاضرة سببًا في العودة إلى الله وتطهيرًا لقلبي من رجس الغناء.
وأحمد ربي أن خلصني من ذلك الذنب الأثيم، وادعوا الله أن يهدي الفنانين وغيرهم أجمعين.
دار الذكر... سبب هدايتي (3)
__________
(1) رواه البزار والطبراني والإمام أحمد والترمذي وغيرهم.
(2) كتبتها لي بنفسها.
(3) ذكرتها لي إحدى المدرسات في دار الذكر.(1/12)
كانت الدراسة توشك على الانتهاء، وتبدأ بعدها الإجازة وبتلك المناسبة، قامت فتاة شريرة بإهداء إحدى الفتيات شريطًا يحوي معاكسات هاتفية، بلغ ما بداخله من كلام وغرام أردأ درجة في السخافة وقلة الحياء، تريد تلك الفتاة الشريرة من الفتاة المسكينة أن تتعلم المعاكسات وتقطع بها وقتها، ودعوة منها إلى نهج منهج أولئك المريضات اللاتي يحوي ذلك الشريط مكالماتهن ... وسخافتهن!!!
وترفرف رحمة الله ومنته أن تسمع تلك الفتاة عن دار الذكر التي تقيم دورات شهرية لتحفيظ القرآن الكريم وتفسيره خاصة بالنساء، ويمن الله على تلك الفتاة، وتلتحق بدار الذكر وتنهل من فوائد الدار من تعلم للقرآن وسماع المحاضرات ومن الاقتداء بالأخوات الطيبات، حتى أحبتهن وأعجبت بهن فحطمت ذلك الشريط، وبدأت مع أخواتها والتزمت بأمر ربها، وحافظت على قراءة القرآن وحفظه، أسأل الله ان يهدي ضال المسلمين. اهـ
قال - صلى الله عليه وسلم - : «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» (1) .
* * *
وماذا بعد؟!
أخيتي في الله:
وبعدما قرأت تلك القصص الإيمانية، قصص القلوب الصادقة الآيبة، التائبة – بمشيئة الله – أيليق بك أن تستمري في غفلتك؟!
أيليق بك أن تذبلي بين أشواك المعاصي!
أيليق بك أن تضيعي زهرة عمرك بين الأفلام والمسلسلات؟ أيليق بك أن تهدري أوقاتك بالمعاكسات الهاتفية والتسكع بالأسواق؟ أيليق بك يا فتاة الإسلام أن تلبسي الملابس الضيقة والمفتوحة من الجانبين؟
أيليق بك أن تنجرفي وراء المجلات الساقطة؟
فهل من رجعة يا أخيه؟
هل من عودة يا أمل المسلمين؟
هل من هجر للمعاصي والمنكرات؟
ماذا أعددت لسؤال منكر ونكير؟
ماذا أعددت ليوم القيامة؟
هل تذكرت الصراط؟
هل تذكرت النار؟!
كيف احتيالي إذا جاء الحساب غدًا
وقد حشرت بأثقالي وأوزاري
وقد نظرت إلى صحفي مسودة
من شؤم ذنب قديم العهد أوطاري
وقد تجلى لبسط العدل خالقنا
__________
(1) رواه أبو داود والترمذي.(1/13)
يوم المعاد ويوم الذل والعار
يفوز كل مطيع للعزيز غدًا
بدار عدن وأشجار وأنهار
لهم نعيم خلود لا نفاد له
يخلدون بدار الواحد الباري
ومن عصى في قرار النار مسكنه
لا يستريح من التعذيب في النار
فابكوا كثيرًا فقد حق البكاء لكم
خوف العذاب بدمع واكف جاري
هذا ما يسر الله جمعه في هذه الرسالة التي أسأل الله أن ينفع بها جميع المسلمين، ولا يفوتني في الختام أن أشكر جميع الإخوان والأخوات الذين زودوني ببعض القصص، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم على بينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
* ملحوظة: من كان له ملاحظة أو اقتراح حول هذه الرسالة أو غيرها فليكتب لي مشكورًا وجزاكم الله خيرًا.
إبراهيم المحمود – الرياض ص.ب 60090
* * *
الفهرس
مقدمة ... 5
.. تائبات.. آيبات.. نادمات.. ... 6
فتيات تائبات ... 6
فضل التوبة: ... 6
توبة امرأة ... 6
أرادت أن تفتن الربيع بن خثيم ... 6
وأنذرهم يوم الآزفة ... فكانت ... 6
بداية الهداية ... 6
سقط سهوًا ... 6
سورة ق ... سبب هدايتي ... 6
هالة فؤاد تعود إلى الله ... 6
عودة فتاة ... 6
زورق الإيمان ... 6
توبة... في الجامعة ... 6
توبة ... من استماع الغناء ... 6
دار الذكر... سبب هدايتي ... 6
وماذا بعد؟! ... 6
الفهرس ... 6(1/14)