مشاهداتي في بريطانيا
تأليف
يحيى بن علي الحجوري
المقدمة
الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل كل باطل ذليلاً وحقيرًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بعثه ربه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.. أما بعد:
فعند رجوعنا من رحلتنا الأولى الدعوية إلى بريطانيا طلب منا شيخنا وإخواننا في دار الحديث بدماج أن نذكر لهم بعض أخبار تلك الرحلة، وبعد ذلك أشار الشيخ حفظه الله بنسخ ذلك الشريط وطبعه لما يرجى فيه من نفع المسلمين بتحذيرهم من تقليد الكافرين، فقام أخونا الفاضل خليل بن عبدالرب التعزي بتفريغه، وقام أخونا الفاضل أبوسلمة المحمودي العراقي بكتابته على الآلة، وقام أخونا الفاضل سعيد حبيشان الحضرمي بطبعه فجزى الله الجميع خيرًا.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُسلِمُونَ}.
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيكُم رَقِيبًا}.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَولا سَدِيدًا، يُصلِح لَكُم أَعمَالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزًا عَظِيمًا}.
أما بعد:
فإنما يسره الله سبحانه وتعالى بمنه وكرمه وفضله وإحسانه من زيارة إخوانَنا في الله في بلاد بريطانيا، ذكر وذكر ما جرى فيه من أوله إلى آخره يطول، لكن نأخذ المهم من ذلك.(1/1)
نعمة الإسلام وطلب العلم
وقبل الشروع في ذلك أذكِّر نفسي وإياكم بأمر مهم وهو ما منَّ الله به سبحانه وتعالى على المسلمين عامة وعلى طلبة العلم خاصة من نعمة الإسلام التي يقول ربنا سبحانه وتعالى عنها: { اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِينًا(1)}، والتي يقول عنها ربنا عز وجل: { وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلاَمِ دِينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ(2)}، والتي يقول ربنا عز وجل: { إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإِسلاَمُ(3)}.
هذا الإسلام من مات عليه كان ممتثلاً لأمر الله عز وجل القائل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُسلِمُونَ(4)} من مات عليه كان من المفلحين: ((قَد أفلَحَ مَن أَسلَمَ ورُزِقَ كفافًا وقنَّعه الله بما آتاه)) رواه مسلم من حديث عبدالله بن عمرو.
هذا الإسلام الذي تخلى عنه كثير من الناس والبعض أصبح لا يعرف منه إلا مجرد التسمية بمسلم. هذه نعمة عباد الله لو لم يكن من فضلها إلا أن من مات عليها كان من أهل الجنة، وأنّها نعمة تسعدك في الدارين {مَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ(5)} ولا إيمان إلا بإسلام، هذا وعد من رب العالمين أن من تمسك بِهذا الإسلام كان في حياة طيبة سعيدة.
__________
(1) ... سورة المائدة، الآية:3.
(2) ... سورة آل عمران، الآية:85.
(3) ... سورة آل عمران، الآية:19.
(4) ... سورة آل عمران، الآية:102.
(5) ... سورة النحل، الآية:97.(1/2)
أيضًا من النعم التي ينبغي أن نذكرها امتثالاً لقول الله عز وجل: {وَاذكُرُوا نِعمَةَ الله عَلَيكُم إِذ كُنتُم أَعدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا وَكُنتُم عَلَى شَفَا حُفرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِنهَا(1)} نعمةُ طلب العلم الشرعي، ونعمة وجود العلماء بين ظهرانينا، والله إخواني في الله إنَّها نعمة حُرِمَها كثير من الناس ويتمنَّى كثير منهم رؤية علمائنا، مجرد رؤية، مجرد جلسة ساعة، إذا تكلم معه في تلفون يكاد قلبه يتفطر على أنه ما رآه، إذا سمع صوته قال: متى ألقى هذا قبل أن أموت، هو شيخنا الفاضل العلامة مقبل بن هادي حفظه الله وبارك وأطال في عمره على طاعته هذه من النعم علينا. إن أهل الغرب قد عرفوا قدر هذا الشيخ عرفه مسلموهم بل وكثيرٌ من كافريهم، عرفه المبتدعة وغيرهم، ونحمد الله على النعمة التي نتمتع بِها نحن في هذا المكان بين يديه.
ألا إن نعمة طلب العلم من أجلِّ النعم وأعظمها، فالله سبحانه وتعالى يقول: {يَرفَعِ الله الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُم وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ دَرَجَاتٍ(2)}، وفي الصحيح من حديث عمر: ((إنَّ الله ليرفعُ بِهذَا الكِتَابِ أقوامًا ويضعُ بِه آخَرِينَ)) والله لسمعة العلماء بين الناس أرفع وأجل وأعظم من سمعة الملوك وأجل من سمعة الرؤساء والملوك وغيرهم من التجار الأثرياء، وأنتم تعرفون تلك القصة، قصة جارية هارون الرشيد لما رأت ابن المبارك والناس حوله قالت: هذا هو والله الملك لا ملك هارون الرشيد الذي لا يجلس الناس حوله إلا رغبة أو رهبة. فالذي يرى ويسمع ويعايش الناس يعرف قدر العلماء.
بداية سير الرحلة
__________
(1) ... سورة آل عمران، الآية:103.
(2) ... سورة المجادلة، الآية:11.(1/3)
أول رحلتنا التي يسرها الله بفضله قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ(1)}، وقال تعالى: {وَمَا بِِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ الله(2)}، وقال جل ذكره: {أَلَم تَرَوا أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُم مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسبَغَ عَلَيكُم نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً(3)}، وقال تعالى: {وَإِن تَعُدُّوا نِعمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ(4)}.
ونحن نعدُّها نعمة لزيارة إخواننا في الله، لا لمجرد النظر في الشوارع والقصور، نحن نعدها نعمة للدعوة إلى الله عز وجل والتعليم، نعدها نعمة للعبرة من بعض الأمور التي تشاهد وتكون فيها عبرة.
وأول رحلتنا من صنعاء وبداية من دماج قام إخواننا الأفاضل حفظهم الله بالتعاون معنا في تجهيز أمور الجواز والبطاقة إلى غير ذلك، أسأل الله عز وجل أن يثيبهم على ذلك، أيضًا قام أخونا الفاضل الشيخ محمد الصوْمَلي -حفظه الله- بتعاون كبير معنا كما هو دأبه مع جميع إخوانه في الله جزاه الله خيرًا.
ووصلنا إلى المطار يوم الأحد الثالث من ربيع الثاني، كنت أنا والأخ أبوبلال السويدي -حفظه الله- وقدر الله أن يؤخروا أبا بلال عني من أجل النظر في جوازه وغير ذلك إلى يوم الأربعاء، ويسر الله بشخص كان يدرس في مأرب من بريطانيا، قال له الأخ أبوبلال: ما زلت متأخرًا أوصل الأخ يحيى إلى الأخوة الذين سيستقبلونه في المطار.
ومطار تلك البلدة الكافرة أتوقع لو أن شخصًا لا يستقبله أحد قد يتيه، لاتساع ذلك المطار، فأخذني الأخ جزاه الله خيرًا عندما نزلنا من الطائرة.
__________
(1) ... سورة يونس، الآية:22.
(2) ... سورة النحل، الآية:53.
(3) ... سورة لقمان، الآية:20.
(4) ... سورة إبراهيم، الآية:34.(1/4)
وأنا في الطائرة وجدت بعض الإخوان من بني عوير أحدهم اسمه عابد، عرفني وتقدم إلي وقال: أنت من طلاب الشيخ؟ قلت: نعم. والحمد لله كانت الرحلة طيبة حفظنا فيها أحاديث وتذاكرنا بعض المسائل من السنن.
ولما وصلنا أرشدنا الأخ إلى مكان الأخوة الذي كانوا في انتظارنا وهم: الأخ حسن بن سالم الحضرمي، والأخ أبوسفيان، والأخ حسن المغربي جزاهم الله خيرًا، وبمجرد أن رأونا أقبلوا بكل فرح وسرور، وأخذونا بسيارتِهم من المطار إلى لندن في نحو ساعتين.
وما إن وصلنا اجتمع الإخوان إلى أن امتلأت الغرفة بِهم، وهم يسألون عن الشيخ وعن الدعوة...الخ، فغالب الأسئلة كانت من هذا النوع، وقليل من الأسئلة الفقهية والأسئلة التي تتعلق بأمور الدعوة مما يخصهم و يشكل عليهم.
وفي اليوم الثاني ذهبنا إلى بلدة (برمنجهام) وهي العاصمة الثانية بعد (لندن). ومن اليوم الثاني بدأنا بالدروس، فاجتمع كثير من الإخوان لطلب العلم.
سير الدروس والمحاضرات هنالك
وهذه البلدة (برمنجهام) يسكنها أكثر أهل السنة وهم حريصون على السنن غاية الحرص، وفتحنا لهم دروسًا حسب اختيارهم وطلبهم: درسًا في ((شرح العقيدة الطحاوية)) كما طلبوا وقالوا: إنَّهم قد درسوا مقدمات في العقيدة، وفتحنا درسًا في ((الروضة الندية))، ودرسًا في ((صحيح البخاري)).(1/5)
وطلبوا منا درسًا في شرح مقدمة ((صحيح مسلم)) من أجل أن تترجم وهم يقولون: إنَّها ما ترجمت، فكنا نأخذ درسًا فيها في الصباح، ثم نذهب بعد ذلك ونستريح حتى تطلع الشمس نحو الساعة العاشرة أو كذا بالتوقيت الغروبي، ونرجع إلى درس ((الروضة الندية))، ثم نذهب ونستريح قليلاً، ثم بعد صلاة الظهر نبدأ بدرس الطحاوية، وبعد صلاة العصر درس ((صحيح البخاري)) وكانوا يحفظون الأحاديث خاصة الأحاديث القصار، وكنا نمر على السند من عند البخاري إلى الصحابي ونترجم لهم رجال السند، ويرتاحون لذلك أيما ارتياح لا سيما عند ترجمة الصحابة، وترجمة بعض أجلاء علماء السلف في الإسناد، فإذا كان الحديث قصيرًا قلنا لهم: احفظوه، الذي يستطيع منكم أن يحفظه بسنده فبها ونعمت، والذي لا يستطيع أن يحفظه بسنده يحفظ المتن، والذي لا يستطيع أن يتكلم لغةً عربية فالأمر سهل.
فكانوا يحفظون ويبقون يكررون وأنا أسمعهم، ربما من وقت أن أقول لهم: احفظوا، إلى اليوم الثاني!!
وأيام وإذا بهم يقوى حفظهم ويسهُل عليهم الحفظ، أردت من ذلك أن أعودهم على حفظ الأحاديث، وعلى دراسة الحديث، وعلى معرفة الإسناد. وكنت أيضًا أعلق على الحديث ببعض المسائل الفقهية فيه، وفي اليوم التالي نناقش الحديث مع مسائله كما هو الحال عند شيخنا حفظه الله .
ومكثنا عندهم خمسة عشر يومًا على هذه الحال، إلا أننا نذهب دعوة بين مغرب وعشاء في داخل (برمنجهام)، ثم قدم بعض العلماء سأذكرهم إن شاء الله. وذهبنا خمسة أيام دعوة بالمحاضرات وبعد الخمسة الأيام قالوا: الآن دور إخواننا أصحاب منطقة (لوتن)، وهي بلدة أخرى.(1/6)
ومن الأشياء التي تؤخذ على إخواننا السلفيين في تلك البلاد: أنَّهم إذا قدم إليهم من يدرسهم كل أهل بلد يقولون: تعال درسنا. فقلنا لهم: لو تجتمعون في مكان واحد لمدة شهر أو شهرين أو ما إلى ذلك كان أصلح لكم وأنفع وانشط لنا. فكانت عندهم أعذار منها: أن كثيرًا منهم يعمل(1).
وبقينا عند إخواننا أهل (لوتن) خمسة عشر يومًا، وواصلنا الدروس التي كنا عليها، وانتقل جماعة من (برمنجهام) إليها، واستمررنا فيها وأكملنا كتاب الطهارة من ((الروضة الندية))، وقاربنا على إكمال كتاب العلم من ((صحيح البخاري))، وقالوا إنَّهم لا يستطيعون مواصلة درس شرح العقيدة الطحاوية لأن مستواهم ليس مثل مستوى الأخوة الآخرين. وبدأنا لهم بدرس في كتاب ((القول المفيد)) على طلبهم وعلى مستواهم، وكنَّا نعطي درسًا في ((التحفة السنية)) لبعض الأخوة الليبيين هناك، وبعض الذين يفهمون العربية من غير الليبيين.
وكانوا يتمنون إكمال مقدمة صحيح مسلم لكنها تحتاج إلى وقت وهم عندهم أعمال وأشغال. وعلى كلٍّ ما أكملنا هذا ولا ((الروضة الندية)) وهذه الكتب تحتاج إلى وقت طويل ربما قدر سنة أو أكثر لتدريسها، لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، كتاب الطهارة من ((الروضة)) شرحناه وقد سجلوه وهم يتناقلونه ويستفيدون منه، والمقدمة مررنا على بعضها ويتناقلونَها ويسجلونَها، حتى إن أحد الأخوة يقال له أحمد أويس أخذ منها ويريد أن يدرس الكتاب أي المقدمة ويقول: سيأخذ من تلك الأشرطة.
والنساء هناك على مستوى كبير في طلب العلم، فيحضرن الدروس. وربما المرأة تقود سيارتَها وتحمل معها النساء وتأتي، على أننا ما نرضاه لكن هذه عادتُهم فيأتين إلى المسجد من وراء حجاب في مكان مستقل ويحضرن الدروس كلها عدا المقدمة غير أن بعض الإخوان كان يحضر زوجته إليها.
__________
(1) ... وعندهم هناك الذي لا يعمل لا يستطيع أن يواجه تكاليف الحياة عندهم أو الحصول على أجرة البيت وأموره الأخرى، فلا بد أن يعمل.(1/7)
وكنا نعطيهن في الأسبوع ثلاث ليالٍ، من بعد صلاة العصر مباشرة ننتهي من الصلاة ونستريح قليلاً ثم نبدأ الأسئلة عبر المكبر إلى قبيل صلاة المغرب بنحو عشر دقائق، وما تكمل الأسئلة، وهي أسئلة علمية وبحث وإشكالات.
وكذلك أيضًا في (برمنجهام) كان للنساء في الأسبوع ثلاثة أيام، لكن في الضحى، حسب ترتيب الإخوان هناك، وتأتي جملة من الأسئلة والباقي يجعلونه في ظرف إلى اليوم الثاني وكلما جاءت أسئلة زادوا عليها والله المستعان وكما هو معلوم من حالنا نعطي جهد المقل.
بعد ذلك أردنا السفر لكن طلب إخواننا أهل (كاردف) محاضرة فزرناهم، كنا ننتقل من مكان إلى آخر ربما نتأخر يومًا أو أكثر عن الدروس من أجل المحاضرة، وما أحب أن نتأخر لأني رأيت الدروس أنفع وهذا هو الذي نشعر به جميعًا.
حال الكفار في بريطانيا(1/8)
أما حال الكفار هناك، فلا حاجة إلى شرحه لكم، أكثركم يحفظ قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأكُلُونَ كَمَا تَأكُلُ الأنعَامُ وَالنَّارُ مَثوًى لَهُم(1)}، وقال تعالى: {وَلَقَد ذَرَأنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُم قُلُوبٌ لا يَفقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرُونَ بِهَا وَلَهُم ءاذَانٌ لا يَسمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ(2)}، وقال تعالى: {أَم تَحسَبُ أَنَّ أَكثَرَهُم يَسمَعُونَ أَو يَعقِلُونَ إِن هُم إِلا كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلُّ سَبِيلا(3)}، وقال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ الله الصُّمُّ البُكمُ الَّذِينَ لايَعقِلُونَ، وَلَو عَلِمَ الله فِيهِم خَيرًا لأَسمَعَهُم وَلَو أَسمَعَهُم لَتَوَلَّوا وَهُم مُعرِضُونَ(4)} وقال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ الله الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُم لا يُؤمِنُونَ(5)}.
نعم هم شر الدواب، وأذكر لكم مثالاً على أنَّهم شر الدواب: نحن نرى الأنعام والحيوانات، فما رأينا حمارًا يقع على بقرة أو حيوانًا على حيوان آخر، لكن نرى الكافر ومعه كلبته والكلبة قد تدلت عورتُها من كثرة الفعل بِها؛ لأنَّهم قد عملوا الفواحش حتى لا يدرون ماذا يعملون، وترى الكافرة كذلك معها كلب.
ويهتمون بالكلاب كما أخبرني الإخوان أشد من اهتمامهم بأطفالهم، حتى إنّ للكلاب هناك أطباء ودُورًا للعناية ومستشفيات وسيارات إسعاف وأماكن تنويم خاصة.
قال لي الأخ حسن الحضرمي: كنت أرى نصرانيًّا ومعه كلبهُ، وذات يوم رأيته بدون الكلب وهو حزين، فسألته فقال: إن كلبه مرض حتى إن الإسعاف أتى إلى البيت وأخذه للمستشفى وله أربعة أيام وهو منوّم في المستشفى.
__________
(1) ... سورة محمد، الآية:12.
(2) ... سورة الأعراف، الآية:179.
(3) ... سورة الفرقان، الآية:44.
(4) ... سورة الأنفال، الآية:23.
(5) ... سورة الأنفال، الآية:55.(1/9)
وحتى إن الكلاب عندهم لمكانتها تبيت معهم على الفراش ينفقون عليها الأموال ويشترون لها اللحوم، ويسمع نباح الكلاب من البيوت، يقبل فم الكلب ويلعقه، والكلب يلعق فمه، كل واحد يلعق فم الآخر الكلب والكافر، والكلب أطهر وأفضل من الكافر بنص الأدلة.
وسبب ذلك أن أبناءهم لا يبقون عندهم؛ فالمرأة ربما تزني مع ثلاثة أو أربعة، ما تدري مَن منهم أبو طفلها؟ والبنت بعدما تبلغ سن الخامسة عشرة أو أكثر أو أقل تذهب إلى بيت آخر تسكن فيه وتتخذ لها صديقًا يسمون الذي يزني بِها (صديقًا) أو أصدقاء(1)وتترك أمها وأباها.
ولو أن أباها كان مسلمًا فمنعها أخذت سماعة الهاتف واتصلت بالشرطة وأتوا وأخذوها رغمًا عنه، وجعلوا لها بيتًا لا يعرفه تزاول حريتها كما يقولون، والولد كذلك. فهم ما يأتون إلى آبائهم أو أمهاتِهم وتبقى معهم الكلاب، فيرون الكلاب أطيب لهم وأنَّها تؤانسهم.
ورأيناهم يهتمون بثلاثة أشياء: يهتمون ببطونِهم تراه في الشارع يأكل، وفي السيارة يأكل، في كل حاله يأكل، كما قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((المُؤمِنُ يَأكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالكَافِرُ يَأكُلُ فِي سَبعَةِ أَمعَاءٍ))، وكيف أكلهم؟ مثلاً في البيت وفيه مجموعة هذا يأكل بصحن وملعقة واتَّجَهَ إلى زاوية يأكل وحده، وهذا يأكل بصحن وملعقة واتَّجَهَ إلى زاوبة أخرى، ما يأكلون جميعًا، وفي هذا قد قلدهم بعض المسلمين والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((اجتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُم وَاذكُرُوا اسمَ الله عَلَيهِ يُبَارَك لَكُم فِيهِ)).
ويهتمون كذلك بالرياضة، حتى إن بعضهم يقول لبعض: (تعالوا معنا إلى عبادتنا!!) ما هي عبادتكم؟ تصلون أو ماذا؟ يقولون: نحن عبادتنا الرياضة. هكذا أخبرني الأخوان وهم عدول.
__________
(1) ... ما يشترط أن يكون واحدًا ربما صديق أو أصدقاء.(1/10)
ويهتمون كذلك بأجسادهم، كنا نمر ببعض الحدائق التي على طريقنا بالسيارة، خاصة يومي السبت والأحد، ترى الواحد منهم وصديقته عرايا ما على المرأة إلا كلسون فقط يغطي الفرجين والرجل كذلك، وعندهم شيء من الدهان فيما أخبرني الإخوان، يدهنون به ثم يبقى هكذا مستلقيًا على ظهره قليلاً عشر دقائق أو أكثر وهكذا على بطنه وهكذا على جنبه وعلى جنبه الآخر، قلنا: لماذا هكذا يعذبون أنفسهم؟ قالوا: هؤلاء ملَّوا من أجسامهم البيضاء لأن البريطانيين أجسامهم بيضاء فهم يريدون أجسامًا حمراء لأن المرأة تكون أقدر على جذب الزناة عندما تكون حمراء قليلاً، وهكذا الرجال أيضًا.
فهم يهتمون بأجسامهم وبطونِهم وفروجهم أهتمامًا كفريًا.
المرأة ربما ما تتزوج إلا ولها ثلاثة أولاد من الزنا أو ولدين أو كذا من الأولاد، وإذا أرادت أن تتزوج ربما يكون لها زوج وصديق، وهذا يعرفه الإخوان البريطانيون، فيكون لها زوج في البيت وتستأذن منه: عفوًا أريد أن أذهب إلى صديقي، وهو كذلك تكون له زوجة وصديقة أو صديقتان أو أكثر وهكذا.
أُخبرنا أيضًا أن عندهم شارعًا للُّوطيِّين، أراهم يجتمعون في حلقة، لكن ما رأيتهم وهم يعملون الفاحشة، وأيضًا شارعًا للزناة بالليل، ونحمد الله أننا ما مررنا من ذلك الشارع ليلاً. يمر الرجل بسيارته في ذلك الشارع ويأخذ امرأة بسعر زهيد ويذهب بِها إلى البيت وهكذا.
حياة بَهيمية بل البهائم أشرف فهؤلاء لا همَّ لهم إلا هذه الخصال.
حال المسلمين في بريطانيا(1/11)
أما حال المسلمين هناك فالله المستعان وأنا أتكلم عن المسلمين عمومًا، فكنا في (كاردف) هي بعيدة عن المسجد، ونحن خارجون إلى خطبة الجمعة وامرأة شكلها بريطانية لابسةً البنطال ما تظنها إلا بريطانية، وجعلت تنظر إلينا نظرًا حادًّا بحزن وعادة النساء البريطانيات ألا ينظرن ذلك النظر، لكن هذه المرأة تنظر إلينا لأننا كنا نلبس اللباس العربي. فقلت لأخ في الله هنالك يقال له عمر جزاه الله خيرًا أخ سلفي: ما لهذه المرأة تنظر إلينا؟ قال: هذه لها قصة، هذه المرأة -كانت تسكن بجواره وسمعتْ أنه يُدعى (عمر) أتتني يومًا فقالت: أنت اسمك عمر؟ قال: قلت نعم اسمي عمر. قالت: وأبي اسمه عمر. قال: كيف اسم أبيك عمر وعمر من أسماء المسلمين وأنت الآن كافرة نصرانية؟ قالت: لا أبي مسلم يمني وأنا مسلمة. قال: كيف أنت مسلمة وأنت متزوجة بنصراني وشكلك شكل نصراني كما هو ملاحظ؟ قالت: أنا مسلمة أعرف ذلك أن أبي قد ختنني. فهي ما تعرف من الإسلام شيئًا غير أن زوجها النصراني يقول لها: إن المسلمين يختتنون وغيرهم لا يختتنون. فهي ما تعرف من الإسلام إلا الختان.
هذه المرأة ما السبب في بقائها في تلك البلدة؟ السبب هو أن أباها كان بحارًا يعمل في البحر وبريطانيا جزيرة، فمات أبوها بقيتْ تلك البنت تتربى على أيدي الكفرة فتزوجت بنصراني فما عرفت الإسلام إلى الآن.
فقلت للأخ: جزاك الله خيرًا، أرسلْ لها بعض الأشرطة المترجمة وبعض الكتب عسى الله أن يهديها. ونظرها ذلك يذكرها أباها وتتذكر شكل أبيها وتتذكر أن أباها يمني والله المستعان، أيضًا نقول هذا ونحن نحزن والله يعلم حال إخواننا المسلمين هنالك.(1/12)
أحد الأخوان أخبرني أنه كان يريد أن يصلح سيارته عند مهندس نصراني بريطاني فقال لصاحب السيارة اليمني: من أين أنتم؟ قال: نحن من العرب. قال: أنا أعرف أنكم من العرب وصديقتي من العرب. قال: من اليمن. قال: وصديقتي يمنية. قال له الأخ:كم لك معها؟ قال: عشر سنين. قال: كم أنجبت لك؟ قال: ثلاثة أولاد. قال: وهل تزوجت بِها؟ قال: لا ما رضي أبوها أن يزوجني حتى أسلم. ما رضي أبوها أن يزوجها لنصراني وبقيت تلك الفترة تزني!!!.
وجدنا إخواننا اليمنيين في (برمنجهام) وكذلك في (كاردف) وليس اليمنيون فحسب بل كل المسلمين هنالك حالتهم يرثى لها، من حيث أن الإنسان لا يستطيع أن يؤدب زوجته ولا ابنه ولا ابنته، فلو ضربت ابنك أو ابنتك واتصلت بالشرطة المرة الأولى والثانية والثالثة ربما يأخذون ولدك ولا تراه إلى أن تموت الأخوة هم الذين أخبرونا بذلك ، وكذلك إن أرادت ابنتك زوجًا أو صديقًا وقد بلغت ومنعتها -مسلمًا أو كافرًا(1)- تشتكيك ويأتون ويأخذونَها ويجعلون لها بيتًا ومصروفًا وتتخذ صديقها، ومع السلامة!!
أحد إخواننا المغربيين الأفاضل قال لي: أتيت مع أختين لي فواحدة منهن عمرها خمس عشرة سنة شردت من عندنا وذهبت واتخذت لها صديقًا وأنجبت له ثلاثة أولاد، وبعد ذلك وجدتْها أختُها الثانية في الشارع بعد عشر سنين فأخذتْها إلى البيت، فجعلت تتنقص أخاها وتتهمه باللوطية وأخوها سلفي، لماذا ما يتخذ صديقة؟ ما معه إلا زوجة واحدة فقط! وهي الآن مثقفة ومعها أصدقاء، وهي مغربية من المغرب مسلمة وأسرتُها مسلمة ولكن انظروا إلى آثار المكث بين ظهراني الكفار.
والمرأة كذلك لا تستطيع أن تؤدبَها، ولو لطمتك بالنعال تقول لها كما يقولون عندهم (سوري sorry) أي آسف وبس وامش، أما إذا ضربتها فستشتكي إلى الشرطة فيؤدبونك، فلا يسمح أبدًا عندهم بضرب النساء.
__________
(1) ... فلا بد أن يخضع الجميع لهذه الأوامر.(1/13)
والمال الذي يعطونه أسبوعيًّا لأولئك الهاربين من بيوتِهم والعاطلين عن العمل، وهو يسمى بالمصروف الأسبوعي يأخذونه من الجانب الآخر، فيعطونهم المبلغ ويأخذون منهم إيجار غرفتين ومطبخ وحمام مثلاً خمسين جنيهًا استرلينيًا(1)أسبوعيًا، تسلم إلى القنصل لأن تأجير البيوت لا بد أن يكون عبره، وفوق هذا يكون لهم الفضل والمنة عليهم.
والذي ما يحصل على عمل يقولون له: نحن نشغلك ويذهبون ويشغلونه في بيت خمور أو شيء من ذلك، ووجدنا بعض اليمنيين يبيع خنْزيرًا، بل بعض المسلمين ككل من الباكستان وغيرهم، لكن أنا أتحدث عن اليمنيين لأني أعرف أن بعضهم مغرور بتلك البلاد.
ووجدنا الشيوخ المسلمين من أهل (كاردف) قد بلغ بعضهم الثمانين وهو حالق شاربه ولحيته ولابس بعضهم (كرفتة) ومبنطل ولا تكاد تعرف أنه مسلم إلا بدخوله المسجد، ولا تكاد تعرف أنه يمني أو غير يمني لمكثه الطويل هنالك وللأسف أكثرهم من الشمير، هنالك نحو خمسمائة يمني في تلك البلدة.
والكبار في السن ليس معهم إلا المسابح يقربعون بِها فقط، فقد استوردوا لهم مصريًا أشعريًا يعلمهم ويدرسهم، ويَقْدُمُ عليهم صعتر وبعض المبتدعة وما ينبهون على الشركيات والبدع والخرافات، وأظن أن صعترًا قدم إليهم في الفترة التي كنت أنا فيها موجودًا، ومرة لا أدري قبلها أم لا فيما أخبروني .
__________
(1) ... الخمسين جنيهًا استرلينيًا يساوي إحد عشر ألف ريال يمني.(1/14)
فأتينا إليهم وكانت المحاضرة عندهم في التحذير من الشرك وأدخلنا فيه أيضا عاقبة من مات على الشرك والوعيد له والترهيب، لأن الوجوه تلك ما يصلح معها إلا الترهيب وكذلك أيضا أدخلنا شيئا من التوحيد وعاقبة من مات على التوحيد أيضا شيئا من الترغيب قلنا عسى الله أن لا يقنط منهم أحد وحذرناهم من البدع وحثثناهم على السنة والتمسك بِها، وقلنا لهم: أين أبناؤكم الشباب؟ بعضهم كان مستحيًا أن يتكلم وبعضهم قال: هو مع صديقاته في الشوارع. وهكذا أيضًا بناتُهم قلت: أنت الآن ضيعت رأس مالك الذي قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيه: ((إِذَا مَاتَ الإِنسَانُ انقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِن ثَلاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلمٌ يُنتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدعُو لَهُ))، تستفيد من ولدك في حياتك إذا كان صالحًا وبعد موتك أيضًا، فمن الأفضل لك أن تذهب إلى بلدك وتعيش فيه كما يعيش الغير وعلى حياة طيبة بين المسلمين تسمع الأذان وتطبق شعائر الإسلام وأما هناك فما تسمعه إلا داخل المسجد كأنه أنين في قربة.
فتعذر بعضهم وقال: سنموت جوعًا. فذكرنا لهم الأدلة من القرءان على أن الله عزوجل رازق كل شيء قال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ(1)}، وقال أيضًا: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرضِ إِلا عَلَى الله رِزقُهَا وَيَعلَمُ مُستَقَرَّهَا وَمُستَودَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ(2)}.
وأضاف أحد الإخوان هناك: لو أن أحدًا دعاك وقال لك: طعامك عندنا غدًا، تصدقه وتقول أنا غدًا مدعوٌّ عند فلان، كيف الله سبحانه يقول رزقك عنده وما تصدق رب العالمين؟ كيف؟!! وهذا مثل طيب.
__________
(1) ... سورة الذاريات، الآية:22.
(2) ... سورة هود، الآية:6.(1/15)
فالله يقول: {وَفِي السَّمَاءِ رِزقُكُم وَمَا تُوعَدُونَ، فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأرضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثلَ مَا أَنَّكُم تَنطِقُونَ(1)} هذا وعد من الله ومع ذلك تجد من يخاف الفقر، بينما لو دعاه إنسان أو وعده إنسان صدق ذلك وقال: أنا غدًا مدعوٌّ. والله المستعان.
وهكذا البنات اللائي يدرسن هناك في المدارس، الله يعلم ماذا يحصل لهن بين النصارى وهم يعلمونَهم الموسيقى والرقص، أُرينا في مكان امرأةً تنقش وجهها أصفر، أحمر، أسود، بحيث يكون وجهها مشكلاً، وهكذا رأينا شبانًا من هذا النوع رجل وامرأة، وبعدهم جملة من الأولاد والبنات ويعملون حركات سيئة، فتارة تقبل البنت الولد وتارة يقبلها وهكذا يضل مع البنت وهي كبيرة عمرها عشر سنين تمد لسانَها تارة وتارة يمد هو لسانه، هكذا يربون أبناء المسلمين، والمسلمون مساكين ربما يفخر أحدهم بأن ولده يدرس هناك. أنت لا تظن أن الذي يذهب للدراسة يرجع سالمًا أبدًا، بل يرجع متدهورًا مهلهلاً.
أما نحن بحمد الله فقدمنا على السلفيين ونمشى مع السلفيين وندعو معهم نشعر كأننا بين إخواننا في الله من طلبة العلم في دماج، وإن كان لا نظير لهذا.
وأقسم لكم بالله إن حانات الخمر هنالك أكثر من مطاعم صنعاء، تدخل هذا الشارع تجد خمّارة وهذا الشارع تجد خمارة هكذا تجدهم بالشوارع حياة بَهيمية نعوذ بالله من شرها. فهل يجوز لمسلم أن يرضى بمثل هذه الحالة يعطونه مأكلاً ومشربًا ويسلبون منه ولده ودينه وبعضهم قد نسي نفسه، ما يدري أعربي هو أم غير عربي؟ ضائع مع الكأس، وإن كنا لا ندعو إلى القومية، ندعو إلى الدين ولكن هذا أيضًا ما يعرف من أي بلد هو قد نسي نفسه والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((تَعَلَّمُوا من أَنسَابِكُم مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرحَامَكُم)).
__________
(1) ... سورة الذاريات، الآية:22-23.(1/16)
أما سفر المسلمين، فكنا في طائرة كبيرة جدًا والله ما رأينا واحدًا منهم يصلي المغرب والعشاء، ما صلى إلا إخواننا طلبة العلم القادمون من هناك، وهكذا الذهاب، بعضنا صلى على كرسيه والبعض انتظر وصلى في مطبخ الطائرة، وكان بجانبي على الطائرة يمني ما يعرف حتى العربية يتكلم بعربية هزيلة، يمني ويأكل بشماله أتى الطعام فكان ماسكًا الكأس بيمينه ويأكل بشماله، فقلت: يا أخي أنت مسلم؟! شككت في كونه مسلمًا قال: نعم أنا مسلم. قلت له: ما صليت، المسلمون يصلون. ثم قلت له: أيضا المسلمون ما يجوز لهم أن يأكلوا بشمالهم. فقال: أشكرك على تفقدك لي. أو معنى كلمته تلك، ثم استمر على حاله ذاك، وجاءت أوراق التعبئة فيها: ما الجنسية؟ فالتفت وقال: ماذا يقولون أقول الجنسية يمني أم يمنية؟ قال له الذي بجواري: قل يمني. يعني ما عرف أهو ذكر أم أنثى؟ حتى إلى هذا المستوى ما يعرف يفرق بين الذكر والأنثى.
نعم يا إخوان يضيعون ويتيهون، ربما تصبح عينا الواحد منهم بارزتين من كثرة شرب الخمر والبلاء فحالتهم هنالك نعوذ بالله العظيم من شرها.
حال أهل السنة في بريطانيا(1/17)
أما حال أهل السنة هناك: فالحقيقة أن عندهم محبة لأهل العلم عامة ولشيخنا خاصة رجالاً ونساءً، والله يتمنون الوصول ولو أنَّها ما توجد تعقيدات من السفارات وعرقلات من الحكومات التي تحدهم، لولا هذا كله لامتلأ هذا المعهد بِهم وسلوا الأخوان الذين معنا ، فما من أحد يسلم إلا ويقولون له بعد أن يلقنوه : العلماء فلان وفلان وفلان من السلفيين. خوفًا عليه من أن يذهب إلى بعض المبتدعة فيذكرون مثلاً العلامة الألباني –رحمه الله-، والعلامة ابن باز -رحمه الله-، وشيخنا –حفظه الله-، وابن عثيمين –حفظه الله-، فيقولون: هل من أحد يُدرِّس؟ فيقولون: نعم الشيخ مقبل باليمن. فيبقى مشتاقًا لطلب العلم، منهم من يحده هذا المانع ومنهم من تحده موانع أخرى وهو مشتاق لطلب العلم، ولَمَّا أتينا ازداد شوقهم لطلب العلم وكذا للمجيء والفضل في هذا لله وحده لِمَا رأوا من طريقة طلب العلم وكيف يؤخذ الفقه الشرعي من استنباط الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة، والاتجاهِ السويِّ والصراط المستقيم.
وهم بحاجة ماسة إلى العلم، منهم مَن له شهر ومنهم مَن له خمس سنين إلى سبع سنين في الإسلام، ووصلتهم السُنَّة من خلال مجيء أهل العلم إليهم ومن خلال المحاضرات والأشرطة لكن بحاجة إلى العلم وإلى اللغة العربية وإلى ما تعرفون من حاجة الإنسان إليه في دينه.(1/18)
ونشعر أن أهل السنة هناك عندهم تحابب عجيب، نلمس ذلك في اتصالاتِهم واحترام بعضهم لبعض، وعندهم تعاون في كل شيء، لو أرادوا أن يشتروا دراجة لتعاونوا فيها إذا كانت لأمر خيري، وهذا أمر طيب، ويستدعون العلماء الذين سيأتي ذكرهم إن شاء الله فيستفيدون منهم(1).
وهم يقرئونكم(2)السلام خاصة الشيخ، تجد الواحد يكرر هذا خمس مرات، عشر مرات: إقرئ على الشيخ السلام والأخوان هناك السلام. والنساء أكثر من مرة يقلن: إقرئ السلام على الشيخ وعلى الأخوات هناك.
الفرق والأحزاب في بريطانيا
أما الفرق هناك فبريطانيا زبالة، اجتمعت فيها جميع الفرق: فرق المسلمين الثلاث والسبعين، وفرق النصارى الثنتين والسبعين، وفرق اليهود الواحدة والسبعين، كلها تجدها في بريطانيا بدون استثناء، والشاهد على ذلك أن هناك حديقة محاضرات يقال لها: (حديقة هايد بارك) ترى فيها العجائب هذا يدعو إلى النصرانية وذاك يدعو إلى عبادة البقرة وذاك يدعو... كل واحد يدعو إلى نحلته، ويأتي الناس للمحاضرات فيها وللاستماع وهم حيارى ما يدري أين يستمع وأين يقف، هذا يتكلم بآية من القرآن أو الحديث، ويقول آخر: لا أنت كذاب... وهكذا مهاترات، لكن المشاجرة ممنوعة فسيارات الشرطة تجول هناك وكذلك بعض الخيول.
__________
(1) ... لكن ماذا يستفيدون؟!! محاضرات ثلاثة أيام أربعة أيام ويأتي الواحد ويجول البلاد الطويلة في المحاضرات، ونحن لو أردنا ذلك ربما لبقينا نجول في خلال هذه الفترة كلها من هولندا إلى بلجيكا إلى السويد إلى...لكن المحاضرات نفعها ليس كنفع البقاء والتدريس والأسئلة وما إلى ذلك.
(2) ... الخطاب لطلبة العلم في دماج.(1/19)
حتى الدعاة من المسلمين يتهاترون وإن كان فيهم خير والحمد لله، ويسلم فيما أخبروني أناس كثير، لكن غالبهم ما عنده علم فيقرأ الآية ويكسِّرُها وبعضهم يقرأ آية ويقلبها حديثًا، وذاك يقرأ الحديث ويقلبه آيةً، وبعضهم يرفع صوته فقط ويصيح: الإسلام حق الإسلام طيب. وغالبهم ليس عندهم علم، وبعضهم عنده علم ليس بذاك يدعو على ما سمعه من الأشرطة والأدلة والآيات.
ولا نستطيع حصر الفرق كلها لكن نذكر منها ما تيسر من فرق المسلمين لأن أولئك الكفار هلكى قد ذمهم الله ولعنهم. فهناك فرق موجودة في مسجد في (برمنجهام) يسمونه: (مسجد الثلاثة والسبعين فرقة) ما من صاحب فكرة وصاحب شرٍّ إلا أتى إليه. أحدهم إذا أحدث شرًّا في الإسلام أو في بلاد الإسلام هرب إلى بريطانيا، وكذا الصوفية بأنواعها كل فرقة تندرج تحتها فرقة وفرق، وكذا الشيعة والرافضة بأنواعها وعندهم مساجد ويدعون.(1/20)
وكذلك حزب التحرير والمعتزلة، وقد أخرج لي أحدهم كتابًا مثل مسجل الجيب أو أصغر منه قليلاً فيه هذيان يقول: انظر هذا الكتاب. أقول: ماذا انظر؟ قال: مسائل العقيدة ما يصلح فيها خبر الآحاد إنما يصلح في الأحكام. فأسكته بحديث واحد والحمد لله هذا من فضل الله قلنا: لما بعث النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من بعث إلى اليمن؟ معاذ بن جبل أو من؟ قال: معاذ بن جبل. قلنا: بعثه يعلم الناس العقيدة وأيضًا الأحكام؟ قال: نعم. قلنا: هو واحد أو عشرة؟ قال: هو واحد. فكيف أنتم ما تحتجون بخبر الآحاد ورسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بعث معاذًا إلى اليمن يعلمهم العقيدة ويعلمهم الدين، والمؤذنون كم يؤذنون تسعة وإلا عشرة يقولون: حي على الصلاة؟ قال: هذا من مسائل الأحكام. قلنا أما فيها عقيدة الإنسان ما يقول أشهد أن لا إله إلا الله وهكذا. قلنا أيضًا له: الرسل يبعثون بالعقيدة أم يبعثون بالأحكام؟ كم الرسل الذين يبعثون إلى كل أمة يرسل واحد إلى كل أمة ويكون حجة عليهم فبقي مهلهلاً بكتابه كله من خلال ذكر بعض الأحاديث أو بعض الأدلة في تلك الجلسة وذهب وهو متشكك في كتابه، قال: أنا إذًا سأراجع مفهومي.
كان عندنا بعض الإخوان أظن أبا بلال منهم في تلك الجلسة وذهب وهو يريد يراجع معلومات من ذاك الكتاب ومن تلك الدراسة وهو من حزب التحرير الذي يتبناه المسعري وأصحابه، هذا المسعري الخبيث هو الذي يقيم تلك الزوبعة في تلك البلاد.
حتى علمنا أن مِن الفرق في بريطانيا من يدعي المهدوية ويأتي ويقول: أنا ما في طريق للإسلام إلا من قبلي وأنا كذا. ويصدقونه ويجد من يتبعه، حتى لو أن حمارًا نصب نفسه على أنه داعية لوجد من يتبعه من أولئك العمي والله المستعان، كثير من المسلمين ما عندهم تمييز أبدًا. هذا حال بعض الفرق.(1/21)
الإخوان المسلمون هناك كعادتِهم في الاختلاس عملوا (مؤسسة موسك إسلامي)(1)والمصلون عادتُهم في كل جمعة يتبرعون بأربعمائة جنيه ويستفيدون من أكثرها لمصالحهم لأنَّهم أخذوها من الحكومات ويقولون: نحن مسئولون عن المساجد هنا.
وعندهم هناك ما يسمونه بالتدريس الإسلامي والمدارس الإسلامية، ويأتون بمدرسين نصارى والله هكذا أخبرني الأخوان يدرسون الرياضيات وما إلى ذلك يدرسون أبناء المسلمين، ويأتون بمدرسة مسلمة للبنات تعلمهن القرآن أو تعلمهن بعض المسائل، وبمدرس مسلم للأولاد ويعلمهم القرآن، ويأخذون على الولد الواحد في السنة (ألف وسبعمائة جنيهًا استرلينيًا) إذا عندك ثلاثة أولاد تحتاج أن تؤدي لهم في السنة إيجار لتعليمه جزء (عم) نحو مليون، زد على ذلك أنَّهم يحثون الناس على التبرعات للمسجد (الموسك) والناس يتبرعون للمسجد ويأخذونَها، فعندهم احتيال على غير طريقة صحيحة، ألا ترى أنَّهم يأتون بمدرسين تبشيريين ونصارى يعلمونَهم.
قلنا: يا إخوان لماذا أنتم ما تأتون بمدرسين يدرسون الناس لوجه الله ولو أنَّهم تعاونوا معكم هم من أنفسهم فما هو حرام عليكم كما هو معلوم، يدرسون الناس الكتاب والسنة الصحيحة ويعلمونَهم العقيدة وينشئون الأطفال تنشئة طيبة. قالوا: ما يسمح لنا نعمل أن نعمل مدرسة على هذه الحال، ونحن ما نستطيع أن نتنازل لهم حتى يكونوا أخلاطًا مدرسًا نصرانيًا ومسلمًا ما سنرضى بِهذا. قلنا: صحيح؟ قالوا: ونحن ما سنتنازل بأمور ديننا.
فهؤلاء يتنازلون للنصارى هناك وللكفرة وهم راضون بأن يبقى معهم لا إله إلا الله فقط وشيء من شعائر الإسلام الظاهرة ويتنازلون إلى مستوى بعيد جدًّا. فالفرق الكلام يطول عليهم.
العلماء الذين التقينا بهم
__________
(1) ... المساجد يسمونَها هناك: (موسكMosque) فيقولون: موسك إسلامي.(1/22)
وأما العلماء الذين التقينا بِهم في رحلتنا هذه ولله الحمد فكثير، بل عند وصولنا إلى (برمنجهام) مباشرة أتيت أصلي في أول مسجد ووجدنا فيه الشيخ فيحان المطيري، رجل أعمى من المدينة يدرس دراسات عليا في جامعة المدينة ورحب بنا، ووجدته تلك الليلة وحده، ثم في صلاة العشاء أتى اثنان معه عبيد السحيمي عميد كلية الدعوة بالمدينة، ومقبل الحربي عميد كلية الحديث بالمدينة وهم محبون للسنة ومنقادون لها(1)، وحصل بيني وبينهم نقاش في مسائل فسألوا عن الوعيل، فقلنا لهم: حزبي تالف في صعدة. قالوا: الله المستعان كان جارنا هناك وكان يدعو إلى السنة، وسألوا عن أحمد المعلم قلنا: وهو أيضا جمع بين التحزب والتصوف، عظم الله أجركم فيه، وسألوا عن... حتى جرى الكلام إلى الزنداني وعن الديمقراطية وقالوا: أنتم تعدون الزنداني عالمًا؟ قلنا لهم: لا والله نحن نعده كما قال شيخنا حفظه الله صيدلانيًا. قالوا: ونحن نعرفه أيضًا غير عالم، نحن ما عرفناه إلا جغرافيًّا، ما الزنداني عندنا بعالم. فجزاهم الله خيرًا عرفوا خيرًا كثيرًا.
ثم جاء الإخوان من طلبة الشيخ الألباني رحمه الله من الأردن: علي بن حسن بن عبدالحميد، وسليم الهلالي، ومحمد موسى نصر. وطلبوا أن أشاركهم في المؤتمر وبقينا فيه خمسة أيام، نتناوب في إلقاء المحاضرات وانتهى ذلك المؤتمر الذي اجتمعنا فيه وتفرقنا ذاك رجع إلى بلاده وبعضهم ذهب إلى أمريكا وهم يقرئون الشيخ وطلبته السلام.
ثم بقينا أيامًا وبعدها كانت لنا محاضرة في جامع لندن، هذا الجامع يحضر فيه من فرق شتى، والأخ محمود الطيب وهو ممن يحب الشيخ وهذه الدعوة وكذلك أخونا حسن والأخوان هناك ما إن يرون مبتدعًا إلا يقولون: انصحه يا أخانا يحيى! يريدون أن ننصح جميع المبتدعة وأبقى في مجادلة ومهاترة مع المبتدعة.
__________
(1) ... إلا أننا رأينا واحدًا ممن أتى معهم من الدكاترة يلبس بنطالاً وكرفته، وبعضهم متساهل في بعض السنن.(1/23)
طلبوا منا أن نعطي درسًا في ذلك المسجد وأهل السنة سينضمون إلينا هناك، لأن ذلك المسجد ما عُرف بالسنة، فأردنا أن نفتح درسًا شفهيًا في التوحيد بدون كتاب، وحضر بعض الجزائريين وكان يرفع يده ويسأل وفي النهاية ناقشني في (الزروال) وكان يقول: أنت ما تكفر (الزروال)؟ قلنا: يا أخي ما أعرف (الزروال)، كيف أكفر لك شخصًا ما أعرفه؟ قال: ومتى تعرف (الزروال) وما تكفر فلانًا ولا فلانًا؟!! ووجهه يحمر لماذا لا أكفرهم وأقول: إن الكفر كفران والنفاق نفاقان ولماذا ما أقول أن من عمل معصية يكفر وما إلى ذاك.
وجاء أيضا عدنيٌّ وقالوا: انصحه. قلنا: ماذا أنصح؟!! قالوا: هذا يكفر المسلمين ويذهب إلى حديقة (هايد بارك) ويقول: فلان كافر فلان كافر ... حتى يعد إلى أن يشبع وينْزل ثم ينصرف.
وهذا العدني يقول أنه مكث عند شيخنا ستة أشهر، قال إنه استفاد من شيخنا التوحيد، أنا ناقشته في القول المفيد وحفظ القرآن أيضًا ناقشته في عدة آيات ويجيب لكنه تكفيري، ويقول أيضًا مكث عند محمد الأمام، واستقى شيئا من البدع عند عبدالمجيد الريمي وذهب وأكمل ما نقص هناك عند أبي قتادة التالف، وكنت ألزمه بالأدلة: حديث العذر بالجهل وما إلى ذلك، حتى وصلنا إلى أنه يقول: يا أخي هذه عقيدتي أنا أموت عليها. ما عندهم إلا ذلك يا إخوان، جهلة على جهل.
والمحاضرة كانت عندنا هناك أعلنت لنا في المسجد وكعادتنا ما نذهب إلى المدرجات، ونلقي المحاضرة في المسجد وأتى السلفيون واستمعوا المحاضرة وجزاهم الله خيرًا.
ولما انتهينا كانت المحاضرة بعدي للقرضاوي، وإذا بتلك الوجوه الحليقة تأتي ونساء المبنطلات الكاشفات، من إخوان مسلمين وسروريين يأتون لسماع محاضرة القرضاوي في المدرجات نزلوا وملئوا مدرجًا بسعة مسجدنا هذا.
ونحن بحمد الله ما إن انتهينا من محاضرتنا حتى انصرفنا ما جلسنا نشهد الزور، وبقي هو في محاضرته، لقد رأيته وهو ماش بثوب مسبل ولحية مقطعة ووجه مظلم.(1/24)
وكان يفتيهم بفتاوى مظلمة، منها أنه جاءت جملة من الأسئلة من ضمنها شكوى على فتواه التي قال فيها: إخواننا النصارى ينبغي التعاون معهم وحبهم ويذكر دليلاً على ذلك {لا إِكرَاهَ فِي الدِّينِ(1)}، وقوله: {لَكُم دِينُكُم وَلِيَ دِينِ(2)}، وما إلى ذلك، ويدعو إلى وحدة الأديان في بريطانيا.
لقاء مع قِسِّيْسٍ
وقد مررنا بقسيس في كنيسة وكان معي الأخ أبوبلال يترجم فسألته: من أحب إليك المسلمون أم اليهود؟ فقال: أنا حقيقة ما أفضل أحدًا من المسلمين أو اليهود أوغيرهم، ولكن أنا أدعو إلى ألا يتكلم أحد في أحد، أدعو إلى أن يكونوا متآخين. فقلت في نفسي: ما هو الفرق بين دعوة هذا القسيس وبين دعوة القرضاوي إلى وحدة الأديان.
ومن الأسئلة التي سألناها أيضًا لذلك القسيس: لماذا تَهتمون بالصليب وأنتم تعتقدون أن عيسى عليه الصلاة والسلام صلب عليه؟ كان ينبغي أن تكرهوه.
فقال: هذا مجرد شعار، ونحن نعظم عيسى لا الصليب لأن عيسى صلب عليه. وكذب في هذا فهم يعظمون الصليب تعظيمًا مستقلاً.
قلنا له وقد كان مفتيًا لهم : كيف تدعون إلى النصرانية؟
فقال: نبدأ بالأطفال ونطلب من الآباء أن يأتوا إلينا بأبنائهم وندرسهم.
قلت: والكبار؟ قال:والكبار أيضا نتعرض لهم في الشوارع ولو أن نتبسم في وجوههم ونقول: صباح الخير فنحن نعتبرها دعوة.
قلنا له: أنتم تعتقدون أن عيسى هو ابن الله؟
قال: نعم.
فقلت له: كيف ابن الله؟
فسكت قليلاً فقال: ما تقول أنه التقى جسم بجسم لكن هو ابن الله ويكفي.
قلنا له: كيف يتوب من أراد أن يتوب عندكم من النصارى؟
فقال: هم درجات بعضهم تكون ذنوبه قليلة فيذهب يدعو فيغفر له ذنبه، والذي ذنوبه كثيرة يأتي إلى القسيس ويدفع له مبلغًا من المال على قدر ذنبه والقسيس يتوب عليه، ويقول له ذهبت ذنوبك وانتهى.
__________
(1) ... سورة البقرة، الآية:256.
(2) ... سورة الكافرون، الآية:6.(1/25)
ورأينا صنمًا على شكل صقر كأنه من الذهب. قلنا له: ما معنى هذا الطير لماذا تجعلونه في الكنيسة؟
قال: نحن نتفاءل بسرعته، أن التبشير سيسرع في الناس مثل سرعته.
قلنا له: هل القسيس يتزوج؟
قال: نعم ممكن أن يتزوج ولكن لا يسمح له أن يطلق امرأته ويتزوج أخرى ما يسمح له بالطلاق بل يكون معها حتى الموت.
قلنا: هل بقي فيكم رهبان؟
قال: هذه المرأة راهبة وأشار إلى امرأة في الجهة الأخرى وقال: هي راهبة وما تزوجت والرهبان معهم مكان مستقل.
والذي تعجبت منه حقًا هو أن هذا القسيس يدعو إلى وحدة الأديان كما يدعو إليها القرضاوي والترابي وغيرهم.
أيضا ذهبنا إلى معبد الهندوس الذي يقال له (تنبل) وهو كبير جدًا ويقولون أنه ثاني معبد وما يوجد أكبر منه إلا في الهند، أخذنا في جولة فيه شخص ادعى أنه عدني وقال إن لهم معبدًا في عدن ولكنه صغير، وأتى بنا إلى بقرة في المعبد والناس يأتون إليها الرجال يسجدون أنبطاحًا ينبطح الرجل بطوله ثم يسجد له خمس بطحات على تلك الحالة ثم يقوم، وأما المرأة فتجلس وتقلب خدها يمينًا وشمالاً، وعندهم عدة أصنام في ذلك المعبد.
أول ما أتينا لندخل قالوا: انتظروا قليلاً. قلنا: ولماذا؟ قالوا: لأن الإله نائم حتى يستيقظ وتدخلون. فانتظرنا حتى استيقظ ثم دخلنا ننظر وإذا الإله صخرة على شكل صنم، قلنا: أين الإله الذي استيقظ؟ سألهم أحد الأخوة اسمه حسن تركي ، فأشاروا إلى بقرة وأشياء وفروج، أنا ما رأيت الفروج لكن أخبرني بعض الأخوان على أن المرأة معها ذكر تسجد له، والرجل يسجد لفرج المرأة.
هذا مما رأينا من المشاهد هناك، وحقيقة ما استوعبنا كل شيء لكن على قدر الوقت والحمد لله على ما يسر به مما ذكرناه للإخوان على سبيل الاعتبار والحذر من تقليد الكفار ومما هم عليه والتحذير من بلادهم ومن المكث فيها والحمد لله رب العالمين.(1/26)