بسم الله الرحمن الرحيم
قوافل العائدين
الشيخ خالد الراشد
{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
حياكم الله وبياكم ..
وسدد على طريق الحق خطاي وخطاكم ..
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم ..
أن يجمعني وإياكم في دار كرامته إخواناً على سرر متقابلين ..
أسأله سبحانه أن يغفر الذنب المذنبين ..
ويقبل توبة التائبين ..
وأن يدل الحيارى ..
ويهدي الضالين ..
ويغفر للأحياء وللميتين ..
أمر الله عز وجل بالتوبه فقال :
{ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ..
ووعد جل في علاه بالقبول فقال :
{ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } ..
ثم فتح الرحمن باب الرجاء فقال :
{ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ } ..
أخرج مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( يا أيها الناس توبوا إلى ربكم ، فإني أتوب إليه في اليوم مئة مره ) ..
وأوحى الله إلى داود عليه السلام :
يا دواد ..
لو يعلم المدبرون عني ..
كيف انتظاري لهم ..
ورفقي بهم ..
وشوقي إلى ترك معاصيهم ..
لماتوا شوقاً إلي ..
ولتقطعت أوصالهم من محبتي ..
يا دواد ..
هذه إرادتي ..
في المدبرين عني ..
فكيف إرداتي ..
في المقبلين علي ..
يا من يرى ما في الضمير ويسمع
يا من يرجى للشدائد كلها
يا من خزائن رزقه في قول كن
ما لي سوى فقري إليك وسيلة
ما لي سوى قرعي لبابك حيلة
ومن ذا الذي أدعو وأهتف باسمه
حاشاك أن تقنط من فضلك عاصياً
أنت المُعد لكل ما يتوقع
يا من إليه المشتكى والمفزع
فيكون ، والخير كله عندك أجمع
فبالافتقار إليك فقري إليك أرفع
فلئن رددت أي باب أقرع؟!.
إن كان فضلك عن فقيرك يُمنع
الفضل أجزل والمواهب أوسع
عنوان اللقاء ..
قوافل العائدين
نعم ..
قوافل العائدين ..(1/1)
وسيتكون اللقاء من ..
مقدمه ..
وبدايه ..
وختام ..
وبينهما أخبار خمسه ..
الخبر الأول : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ } ..
الخبر الثاني : سبحان مغير الأحوال ..
الخبر الثالث : أترضى أن تكون مثل هذا ؟!..
الخبر الرابع : طريق المخدرات ..
الخبر الخامس : هدايتي على يديه ..
ثم الختام ..
فإلى أول الكلام ..
أول الكلام ..
روى البخاري رضي الله عنه من حديث أبي هريره رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(إن لله ملائكة يطوفون في الطريق يلتمسون أهل الذكر ..
فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا :
هلموا إلى حاجتكم ..
قال : فيحفونكم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا ..
قال : فيسألهم ربهم جل في علاه وهو أعلم بهم : ما يقول عبادي ؟.
قال : يقولون : يسبحونك ، ويكبرونك ، ويحمدونك ، ويمجدونك ..
فيقول جل في علاه : هل رأوني ؟!..
قال : فيقولون : لا والله ما رأوك ..
قال : فيقول : كيف لو رأوني !!.
قال : يقولون : لو رأوك كانوا أشد لله عبادة ، وأشد لك تمجيداً وتحميداً ، وأكثر لك تسبيحاً..
- اللهم لا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك ، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضره ولا فتنه مضله ، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداه مهتدين -..
قال : فيقول جل في علاه : فما يسألوني ؟!.
قال : فيقولون : يسألونك الجنه ..
قال : فيقول : هل رأوها ؟!..
قال : يقولون : لا والله يا ربّ ما رأوها ..
قال : فيقول : فكيف لو رأوها !!..
قال : يقولون : لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً ، وأشد طلباً ، وأعظم فيها رغبه ..
- فأين المشمرون ؟! -..
- أين المشمرون ؟!-..
قال : فيقول : فممَ يتعوذون ؟!..
قال : يقولون : من النار ..
قال : فيقول : هل رأوها ؟!..
قال : يقولون : لا والله يا ربّ ما رأوها ..
قال : فيقول : كيف لو رأوها !!..
قال : يقولون : لو رأوها كانوا أشد منها فراراً ، وأشدَّ لها مخافه ..(1/2)
- اللهم أجرنا من النار -..
- اللهم أجرنا من النار -....
- اللهم أجرنا من النار -......
قال : فيقول : أشهدكم أني قد غفرت لهم ..
- فأبشروا يا أهل هذه المجالس -..
قال : يقول ملك من الملائكه : فيهم فلان ليس منهم ، إنما جاء لحاجه !..
فيقول جل في علاه : وله قد غفرت هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم ) ..
نعم ..
أبشروا ..
يا أهل هذه المجالس ..
فربكم ذو رحمه واسعه ..
اسمع منادي الله ينادي :
ألا قد طال شوق الأبرار إلى لقائي ..
وإني أشد شوقاً لهم ..
ألا من طلبني ..وجدني ..
ومن طلب غيري ..لم يجدني ..
من ذا الذي ..
أقبل علي ..وما قبلته ..
من ذا الذي ..
طرق بابي ..وما فتحته ..
من ذا الذي ..
توكل علي ..وما كفيته ..
من ذا الذي ..دعاني ..وما أجبته ..
من ذا الذي ..
سألني ..وما أعطيته ..
أهل ذكري ..أهل مجالستي ..
أهل شكري ..أهل زيادتي ..
أهل طاعتي ..أهل كرامتي ..
وأهل معصيتي ..لا أقنطهم أبداً من رحمتي ..
إن تابوا ..فأنا حبيبهم ..
وإن لم يتوبوا ..فأنا طبيبهم ..
أبتليهم بالمصائب ..لأطهرهم من المعايب..
من أقبل علي ..تقبلته من بعيد ..
ومن أعرض عني ..ناديته من قريب ..
ومن ترك لأجلي ..أعطيته المزيد ..
ومن أراد رضاي ..أردت ما يريد ..
ومن تصرف بحولي وقوتي ..ألنت له الحديد ..
من صفا معي ..صافيته ..
ومن آوى إليَّ ..آويته ..
من فوض أمره إليَّ ..كفيته ..
ومن باع نفسه مني ..اشتريته ..
وجعلت الثمن ..جنتي ..ورضاي ..
وعد صادق ..
وعهد سابق ..
{ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ } ..
يا فرحة التائبين بمحبة الله ..
فيا فرحة التائبين بمحبة الله ..
{ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } ..
إلهج بحمده ..
واهتف بشكره ..
وقل :
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ..
خلقتني وأنا عبدك ..
وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ..
أعوذ بك من شر ما صنعت ..
وأبوء إليك بنعمتك علي ..
وأبوء بذنبي ..
فاغفر لي ..(1/3)
إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ..
قل : أنا الميت ..الذي أحييته ..
فلك الحمد ..
قل : أنا الضعيف ..الذي قويته ..
فلك الحمد ..
أنا الصغير ..الذي ربيته ..
فلك الحمد ..
أنا الفقير ..الذي أغنيته ..
فلك الحمد ..
أنا الضال ..الذي هديته ..
فلك الحمد ..
أنا الجاهل ..الذي علمته ..
فلك الحمد ..
أنا الجائع ..الذي أطعمته ..
فلك الحمد ..
لك الحمد كله ..
ولك الشكر كله ..
وبيدك الخير كله ..
وإليك يرجع الأمر كله ..
لا إله إلا أنت ..
يا رب حمداً ليس غيرك يحمد
أبواب غيرك ربنا قد أوصدت
يا من له كل الخلائق تصمد
ورأيت بابك واسعاً لا يوصد
رُوي عن منصور بن عمار قال :
قال خرجت ليله وظننت أني أصبحت فإذا علي ليل فقعدت عند باب صغير فإذا بصوت شاب يبكي ويقول :
وعزتك وجلالك ..
ما أردت بمعصيتك مخالفتك ..
وقد عصيتك حين عصيتك ..
وما أنا بنكالك جاهلاً ..
ولا لعقوبتك متعرضاً ..
ولا بنظرك مستخفاً ..
ولكن ..
سولت لي نفسي ..
وغلبتني شقوتي ..
وغرني سترك المرخي علي ..
فالآن ..
من عذابك من يستنقذني ؟!..
وبحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عني ؟!..
واسوأتاه ..
من أيامي في معصية ربي ..
ويا ويلي ..
كم أتوب ، وكم أعود !..
وقد حان لي أن أستحي من ربي ..
قال منصور : فلما سمعت كلامه قلت :
أَعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَيْطَانِ الرَّجِيْم ، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ..
قال : فسمعت صوتاً واضطراباً شديداً ومضيت لحاجتي ..
فلما أصبحنا رجعت ..
وإذا أنا بجنازة على الباب وعجوز تذهب وتجيء ..
فقلت لها : من الميت ؟!..
فقالت : لا تجدد علي أحزاني ..
قلت : إني رجل غريب ..
فقالت : هذا ولدي ..(1/4)
مرَّ بنا البارحه رجلاً لا جزاه الله خيراً فقرأ آيه فيها ذكر النار ..
فلم يزل ولدي يضطرب ويبكي ..
حتى مات ..
قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ..
قلت : هكذا والله صفة الخائفين يا ابن عمار ..
سبحان من وفق للتوبة أقواماً
يا من ليس لي منه مجير
إن تعذبني فبعدلك ، وإن
وثبت على صراطها أقدماً
بعفوك من عذابك أستجير
ترحمني فأنت به جدير
إن علاج مشاكل ..
الشباب والشيب ..
وأصحاب الهموم والغموم ..
هو الفرار إلى الله ..
بالانضمام إلى ..
قوافل العائدين ..
نعم ..
الانضمام إلى ..
قوافل العائدين ..
العائدين إلى الله ..
بعد طول غياب ..
الذين ..
أحرقتهم الذنوب والمعاصي ..
الذين ..
جربوا الحياة في الظلام ..
ثم اكتشفوا النور ..
الذين ..
بدلوا ذل المعصيه بعز الطاعه ..
الذين ..
انتصروا على النفس ، والهوى ، والشيطان وحزبه ..
الذين ..
آثروا الجنه على النار ..
الذين ..
ندموا على ما فرطوا في جنب الله ..
قال صلى الله عليه وسلم :
( الندم توبه )..
قال بعضهم : إن العبد ليذنب الذنب فلا يزال نادماً حتى يدخل الجنه ، فيقول إبليس : ليتني لم أوقعه في الذنب ..
قال طلق بن حبيب : إن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العباد ..
ولكن ..
أصبحوا تائبين ..
وأمسوا تائبين ..
ليس عيب أن تخطئ ..
لكن كل العيب ..
أن تصر على الخطأ ..
عيب ..
أن تتمادى في الخطأ..
عيب ..
أن تنسى فضل الله عليك..
عيب ..
أن تنسى رقابة الله لك ..
جاء رجل إلى إبراهيم بن أدهم فقال يا إبراهيم :
لقد أسرفت على نفسي بالذنوب والمعاصي ، فقل لي في نفسي قولاً بليغاً..
قال : أعظك بخمس ..
أعظك بخمس ..
قال : هات الأولى ..
قال : الأولى ..لاتأكل من رزق الله ..واعصي الله ..
قال : كيف يا إبراهيم وهو الذي يُطعِم ولا يُطعَم ؟!..
قال : عجباً لك ..
تأكل من رزقه ، وتعصيه !!..
قال : هات الثانيه ..
قال : الثانيه ..لا تسكن في أرض الله ..واعصي الله ..(1/5)
قال : كيف يا إبراهيم الأرض أرضه ، والسماء سماؤه ؟!..
قال : عجباً لك ..
تأكل من رزقه ، وتسكن في أرضه ، وتعصيه !..
قال : هات الثالثه ..
قال : الثالثه ..اذهب في مكان لا يراك فيه الله ..واعصي الله ..
قال : قال أين يا إبراهيم وهو الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ؟!..
قال : عجباً لك ..
تأكل من رزقه ، وتسكن في أرضه ، وفي كل مكان يراك ، ثم تعصيه !..
قال : هات الرابعه ..
قال : الرابعه ..إذا أتاك ملك الموت ليقبض الروح فقل له : إني لا أموت الآن !..
قال : من يستطيع يا إبراهيم والله يقول : { إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } ..
قال : عجباً لك ..
تأكل من رزقه ، وتسكن في أرضه ، وفي كل مكان يراك ، ولا تستطيع رد الموت إذا أتاك ، وتعصيه !..
قال : هات الخامسه ..
قال : الخامسه ..إذا جاءتك الزبانيه - ملائكة العذاب - تأخذك إلى النار ، فخذ نفسك إلى الجنه ..
قال : من يستطيع هذا يا إبراهيم ؟!.
قال : عجباً لك ..
تأكل من رزقه ، وتسكن في أرضه ، وفي كل مكان يراك ، ولا تستطيع رد الموت إذا أتاك ، ولا تملك لنفسك جنة ولا نار ، ثم تعصيه !..
قال : اسمع يا إبراهيم ..
أنا أستغفر الله أتوب إليه ..
أنا يا إبراهيم ..
أستغفر الله وأتوب إليه ..
فأعلنها ..
توبة ، وإنابة ، وفراراً إلى الله ..
أعلنها ..
رجعه وانضماماً إلى ..
قوافل العائدين ..
وأنت ..
نعم أنت ..
إياك أعني ..
يا من ..
تأكل رزقه ..
وتسكن في أرضه ..
وفي كل مكان يراك ..
ولا تستطيع رد الموت إذا أتاك ..
ولا تملك لنفسك جنة ولا ناراً..
أما آن أن ..
تتوب ..
أما آن أن ..
تتوب وتستغفر علَّام الغيوب ..
أما آن أن ..
تنضم إلى ..
قوافل العائدين ..
أما آن لما أنت فيه متاب
تقضّت بك الأعمار في غير طاعة
وليس للمرء سلامة دينه سوى
كتاب حوى العلوم بكلها
ففيه الدواء لكل داء فاظفر به
وهل لك من بعد الغياب إياك
سوى عمل ترجوه وهو سراب(1/6)
عزلة فيها الجليس كتاب- يعني القرآن-
وكلما حوى من العلوم ثواب
فوالله ما عنه ينوب كتاب
تعال ..
نسمع أخبار أصحاب تلك القوافل ماضياً وحاضراً..
تعال ..
نأخذ العبرة من قصصهم ..
قصص ..
ممزوجه بالندم ، والدموع ..
قصص ..
مليئه بالصور ، والعبر..
يشكو أصحابها قبل الانضمام إلى ..
قوافل العائدين ..
من الهموم ، والغموم ..
مآسي ، وآهات ..
غرقوا في لجج المعاصي ، والمنكرات ..
فمن ..
خمور ..
ومخدرات ..
وفواحش ..
ومنكرات ..
وكانت النجاة بالفرار إلى الله ، والانضمام إلى ..
قوافل العائدين ..
الخبر الأول :
{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ } ..
عن أبي هشام الصوفي رحمه الله قال :
أردت البصره ، فجئت إلى سفينه أركبها ..
وفيها رجل ، معه جاريه ، فقال لي الرجل : ليس ها هنا موضع ..
فسألته الجاريه أن يحملني ، ففعل ..
فلما سرنا دعا الرجل بالغداء فوُضع ..
فقالت الجاريه : ادع ذلك المسكين ليتغدى معنا ..
فجئت على أنني مسكين ..
فلما تغدينا قال : يا جاريه هاتِ شرابك ، فشرب ..
وأمرها أن تسقيني ..
فقالت يرحمك الله : إنَّ للضيف حقاً ، فتركني ..
فلما دبَّ فيه الشراب ..
قال : يا جاريه هاتِ عودك ، وهاتِ ما عندك ..
فأخذت العود ، وغنت ..
ثم التفت إلي فقال : أتحسن مثل هذا !!..
فقلت : عندي ما هو أحسن منه ..
عندي ما هو أحسن منه وخير منه ..
قال : قل ..
قلت : أَعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَيْطَانِ الرَّجِيْم ، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ، وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ، وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ، وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ، وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ، وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ، وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ، وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } ..
وجعل الرجل يبكي حتى انتهيت إلى قوله : { وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ } ..(1/7)
فقال : يا جاريه اذهبي فأنت حرة لوجه الله تعالى ..
ثم ألقى ما معه من الشراب ، وكسر العود ..
ثم دعاني ، فاعتنقني ، وجعل يبكي ويقول :
يا أخي أترى أنَّ الله يقبل توبتي ؟!..
فقلت : نعم { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } ..
فقلت : نعم { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } ..
قلت : نعم { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ } ..
فتاب ..
واستقام ..
وتبدل حاله ..
وصاحبته بعد ذلك أربعين سنة حتى مات ..
فرأيته في المنام فقلت له : إلى ما صرت ؟!..
فقال : إلى الجنه ..
فقال : إلى الجنه ..
قلت : بماذا ؟!..
قال : بقراءتك علي { وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ } ..
قال : بقراءتك علي { وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ } ..
فلا إله إلا الله ..
كيف سيكون حالي وحالك { وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ، وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ ، وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ، وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ، عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ } ؟!..
{ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ } ..
فلا إله إلا الله ..
إذا نطقت العينان ، وقالت :
أنا للحرام ..نظرت ..
لا إله إلا الله ..
إذا نطقت الأذنان ، وقالت :
أنا للأغاني ، والحرام ..استمعت ..
ولا إله إلا الله ..
إذا نطقت اليدان ، وقالت :
أنا للربا والحرام ..أخذت ..
فلا إله إلا الله ..
إذا نطقت الرجلان ، وقالت :
أنا للحرام ..مشيت ..
{ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }..(1/8)
{ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ ، وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ ، فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } ..{ فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ } ..{ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ } ..
مثّل لقلبك أيها المغرور
قد كوِّرت شمس النهار وأُضعفت
وإذا الجبال تقلَّعت بأصولها
وإذا النجوم تساقطت وتناثرت
وإذا العشار تعطلت عن أهلها
وإذا الوحوش لدى القيامه أُحضرت
فيقال سيروا تشهدون فضائحاً
وإذا الجنين بأمه متعلقٌ
هذا بلا ذنب يخاف لهوله
هذا بلا ذنب يخاف لهوله
يوم القيامة والسماء تمور
حراً على رؤوس العباد تمور
فرأيتها مثل السحاب تسير
وتبدلت بعد الضياء كدور
خلت الديار فما بها معمور
وتقول للأملاك : أين نسير!
وعجائباً قد أحضرت أمور
خوف الحساب وقلبه مذعور
كيف المقيم على الذنوب دهور!
كيف المقيم على الذنوب دهور!
حتى ننجو ..
ونفوز ..
في ذلك اليوم ..
ونفلح ..
لا بدَّ من الفرار إلى الله ..
بالانضمام إلى ..
قوافل العائدين ..
قال سبحانه : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }..
الخبر الثاني :
سبحان مغير الأحوال ..
قال الرواي :
لقد تغير صاحبي ..
نعم ..تغير..
ضحكاته الوقوره تصافح أذنيك كنسمات الفجر النديه ..
وكانت من قبل ضحكات ماجنه ، مستهتره ، تصك الآذان ، وتؤذي المشاعر ..
نظراته الخجوله تنم عن طهر وصفاء ..
وكانت من قبل جريئه وقحه ..
كلماته تخرج من فمه بحساب ..
وكانت من قبل يبعثرها هنا وهناك ..
تصيب هذا ، وتجرح ذاك ، لا يعبأ بذلك ولا يهتم ..(1/9)
وجهه هادئ القسمات ، تزينه لحية وقوره ..
وتحيط به هاله من نور ..
وكانت ملامحه من قبل تعبر عن الانطلاق وعدم المبالاه والاهتمام ..
نظرت إليه ..
وأطلت النظر في وجهه ..
ففهم ما يدور في خاطري فقال :
لعلك تريد أن تسأل ماذا غيَّرك ؟!.
قلت : نعم ، هو ذاك فصورتك التي أذكرها منذ لقيتك آخر منذ سنوات تختلف عن صورتك الآن !!..
فتنهد قائلاً : سبحان مغير الأحوال..
قلت : لا بدَّ أن وراء ذلك قصه ؟!..
قال : نعم ، وسأقصها عليك ..
ثم التفت إليَّ قائلاً :
كنت في سيارتي على طريق ساحلي ..
وعند أحد الجسور الموصله إلى أحد الأحياء فوجئت بصبي صغير يقطع من أمامي الطريق ..
فارتبكت واختلت عجلة القياده من يدي ..
ولم أشعر إلا وأنا في أعماق المياه ..
رفعت رأسي إلى أعلى لأجد متنفساً ..
ولكن الماء بدأ يغمر السياره من جميع نواحيها..
مددت يدي لأفتح الباب فلم ينفتح ..
هنا تأكدت ..
أني هالك لا محاله ..
وفي لحظات ..لعلها ثواني ..
مرت أمام ذهني صور سريعه متلاحقه..
هي صور حياتي الحافله بكل أنواع العبث والمجون ..
وتمثل لي الماء شبحاً مخيفاً ..
وأحاطت بي الظلمات كثيفه ..
وأحسست بأني أهوي إلى أغوار سحيقه مظلمه ..
فانتابني فزع شديد ..
فصرخت في صوت مكتوم :
يا رب ..يا رب..
{ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ } ..
ودرت حول نفسي ماداً ذراعي أطلب النجاه ..
لا من الموت ..
الذي أصبح محققاً ..
بل ..
من خطاياي التي حاصرتني ، وضيقت عليّ الخناق ..
أحسست بقلبي يخفق بشده ..
فانتفضت وبدأت أزيح من حولي تلك الأشباح المخيفه ..
وأستغفر ربي قبل أن ألقاه ..
أحسست أن كل ما حولي يضغط عليّ ..
كأنما استحالت المياه إلى جدران من الحديد ..
فقلت : إنها النهايه لا محاله ..
فنطقت بالشهادتين ..
وبدأت أستعد للموت ..
وحركت يدي ..
فإذا بها تنفذ في فراغ ..فراغ يمتد إلى خارج السياره ..
وفي الحال تذكرت أن زجاج السياره الأمامي مكسور ..(1/10)
شاء الله أن ينكسر في حادث منذ ثلاثة أيام ..
وقفزت دون تفكير ..
ودفعت بنفسي من خلال هذا الفراغ ..
خرجت من أعماق الماء ..
فإذا الأضواء تغمرني ..
وإذا بي خارج السياره ..
ونظرت ..فإذا جمع من الناس يقفون على الشاطئ ..
كانوا يتصايحون بأصوات لم أتبينها ..
ولما رأوني نزل اثنان منهم ، وأخرجاني من الماء..
وقفت على الشاطئ ذاهلاً عما حولي ..
غير مصدق أني ..
نجوت من الموت ..
وأني الآن ..
بين الأحياء ..
كنت أتخيل السياره ..
وهي غارقه في الماء .. فأتخيلها تختنق وتموت ..
وقد ماتت فعلاً ..
وهي الآن راقده في نعشها أمامي ..
لقد تخلصت منها ..
وخرجت..
خرجت مولوداً جديداً ..
لا يمت إلى الماضي بسبب من الأسباب..
أحسست برغبة في الركض بعيداً ..
والهرب من هذا المكان ..
هذا المكان الذي دفنت فيه الماضي الدنس ..
ومضيت ..
مضيت إلى البيت إنساناً آخر غير الذي خرج قبل ساعات ..
دخلت البيت ..
وكان أول ما وقع عليه بصري صور معلقه على الحائط لممثلات ، وراقصات ، ومغنيات ..
اندفعت إلى الصور أمزقها ..
ثم ارتميت على سريري أبكي..
ولأول مره ..أبكي ..
أحس بالندم ..
أحس بالندم ..
الندم ..
على ما فرطت في جنب الله ..
فأخذت الدموع تنساب في غزاره من عيني..
وأخذ جسمي يهتز ..
وبينما أنا كذلك ..
إذا بصوت لطالما سمعته وتجاهلته ..
إنه صوت الأذان ..
إنه صوت الأذان يجلجل في الفضاء ..
وكأني أسمعه لأول مره ..
وجلجلة الأذان في كل حيٍّ
منائركم علت في كل ساحٍ
ولكن أي صوت من بلال
ومسجدكم من العبَّاد خالي
يقول : فانتفضت واقفاً ، وتوضئت ..
وفي المسجد ..
بعد أن أديت الصلاه ..
أعلنت توبتي ..
وجلست أبكي ..
وأدعو الله أن يغفر لي خطيئتي ..
ومنذ ذلك الحين ..
وأنا كما ترى ..
قلت : هنيئاً لك الدموع الحاره ..
هنيئاً لك الدموع الحاره ..
وهنيئاً لك الانضمام إلى ..
قوافل العائدين ..(1/11)
قال سبحانه :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } ..
وقال صلى الله عليه وسلم :
( كل ابن آدم خطَّاء ، وخير الخطائين التوابون ) ..
قال عمر رضي الله عنه :
التوبة النصوح ..
أن يذنب العبد ، ثم يتوب ، فلا يعود فيه ..
وقال الحسن البصري :
التوبة النصوح ..
ندم بالقلب ..
استغفار باللسان ..
ترك بالجوارح ..
واضمار بأن لا يعود ..
وقال يحيى بن معاذ :
علامة التائب :
إسبال الدمعه ..
وحبّ الخلوه ..
والمحاسبه للنفس في كل همه ..
اللهم ..
اجعلنا من التوابين ، واجعلنا من المتطهرين ، الذي لا خوف عليهم ولا هم يحزنون..
الخبر الثالث :
أترضى ان تكون مثل هذا !!..
شاب صالح يقول :
كان لي قريب بعيد ..
قرَّبه النسب ..
وأبعده الدين ..
وبحكم إطلاعي على دقائق حياته ، وتفاصيل أيامه ..
فقد تأكد لي ..
أنه لا يصلي مطلقاً ..
ومثله كثير ..
نصحته مرات ومرات ..
لعله يتعجل في إصلاح أمره ..
ويستقيم في صفوف المصلين ..
ولكنه كان يقدم ويؤخر ..
ويظن أن العمر طويل ..
والحياه دائمه ..
( هلك المسوفون ) ..
والمُسوف : الذي يقول سأتوب ، وهو مصرّ على الذنب ..
كم قلت له :
كم ستعيش ؟!.
عشرين !!..
ثلاثين !!..
بل ثمانين !!..
ثم ماذا ؟؟!!..
لا بدَّ ..
من الرحيل من دار الغرور ..
طالت بك الأيام ..
أم قصرت عنك الليالي ..
وفي ليلة لم يتوقعها ..
في ليل مظلم ..
استحوذ عليه الشيطان فأنساه ذكر الله ..
أطلق قدميه تركض في ..
أوحال المعصيه ..
وأوزار الجريمه ..
ألهته الأماني ..
وغرته نسمة الحياة وبهجة الدنيا ..
ومثله كثير..
{ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ } ..
وفجأه ..
على غير موعد ..
نزل به نازل ..
وطرق بابه طارق ..
ولم يكن هذا الضيف ..
إلا ليزوره ..
هذه المره ..فحسب ..
ولكنها زياره ثقيله مؤلمه ..
إنه الزائر الذي ..
لا يُرد ..
حاول ..
أن يؤخره ..
أن يؤجله ..
فلم يستطيع ..(1/12)
أراد أن يتفاهم معه ..
فلم يستطيع..
أراد أن يدفعه ..
بالدواء ..
والطبيب ..
بالمال ..
والأولاد ..
فلم يستطيع ..
حاول بكل الوسائل الدفاعيه ..
فلم يستطيع ..
{ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } ..
انتهى كل شيء ..
هوت ..
آمال عظام ..
وأحلام كالجبال ..
حشرج الصدر ..
وضاقت الأنفاس ..
وغادرت الروح ..
وأمامه ..
أسئله صعاب ..
وجنة ونار ..
( هلك المسوفون ) ..
يقول الشاب : لم يكن هو أول من غادر الحياة بهذه السرعه من أسرتي ..
ولم يكن هو الشاب الوحيد الذي فقدناه ..
ولكن ..
لحياته فجيعه ..
ولموته عبره..
وكان يوم موته ، وتغسيله ، والصلاه عليه ، ثم دفنه ..
يوماً مشهوراً ..
غاب عنه كثير ..
وكنتُ أولهم ..
فكيف أصلي على من ..
حرَّم الله عز وجل ورسوله الصلاه عليه ..
لم أصلي عليه ..
طاعة ..
وعبادة لله ..
حتى تمّ كل شيء ..
يقول الشاب : ثم اجتمعتُ وأقاربي في مجلس ضمَّ الكثير ..
وأكثرهم ..
عالم بأمور الدنيا ..
جاهل بأمور الدين ..
كما قال الله : { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }..
فقام أحدهم ..
شاهراً سيفه ..
ومصوباً سهمه ..
ورافعاً صوته باستغراب يملأه الاستهزاء ، وهو يُسمع الجميع :
أين أنت عن صلة الرحم ، والقيام بالواجب ؟!.
فها هو فلان قد مات ولم نرى لك أثر ، ولم نعلم لك مكان ؟!..
اتجهت نحوي العيون بالعتاب ..
وتحركت الأيدي تلوم ، والألسنه تقول :
أين أنت عن واجب الصلاه والعزاء ؟!..
وأضاف أحدهم مستهزئاً :
تصلي ..
وتصوم ..
ولا تعرف حقوق القريب ..
وواجبات الأسره ؟!..
وأخذ المجلس يتحدث ، ويقول ، وأنا لا أرد عليهم ..
حتى إذا أفرغوا سهامهم ، وانتهوا ..
قلت للمتحدث الأول بصوت يسمعه الجميع :
ما رأيك لو صليت صلاة المغرب أربع ركعات ، هل يجوز ذلك ؟!..
سكت ، ولم يجب ، وهو يحرك حاجبيه ، ويهز يده باستغباء عجيب..(1/13)
كررت ، وأعدت السؤال ، وطلبت الإجابه منه بصوت مسموع ، حتى يسمع المجلس ..
قال لي بعد تكرار السؤال عليه ثلاث مرات : لا يجوز..
قلت له : أحسنت ..
هذا أمر الله ورسوله ..
فنحن نطيع الله في هذا ..
ونطيع رسوله صلى الله عليه وسلم ..
إنَّ الكتاب والسنه يأمرانا أن ..
لا نصلي على من مات ..
وهو لا يصلي ..
وسماه ..
كافراً..
رفعت صوتي والحق يعلو ولا يُعلى عليه ..
وأنا أفرغ سهماً من كنانتي ..
هل أسمع ..
كلام الله ورسوله ، وأطيع أمرهما ..
أم أسمع ..
كلامك أنت ، وهراءك ..
استدرت نحو المجلس ، وأنا أقول :
أُمرنا أن لا نصلي على ..
من مات ..
وهو تارك للصلاه ..
ولا نغسله ..
ولا ندفنه في مقابر المسلمين ..
ولهذا لم أصلي عليه ..
سمعاً وطاعة لله ورسوله ..
خيّم صمت على المجلس ..
وأُغمدت السيوف ..
فقد ظهر الأمر واضحاً جلياً..
{ قُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } ..
يقول الشاب : مرت شهور ..
فإذا كثير من شباب أسرتنا ..
وقد سمع ورأى هذا الموقف ..
يعيد حساباته ..
ويراجع أفعاله ..
ويخشى أن يمر عليه يوم ..
لا يجد فيه ..
من يصلي عليه ..
لقد كان هلاك هذا القريب ..
رحمة لمن بعده ..
وعبره لمن خلفه ..
ولا يزال يتردد في جنبات المسلمين قول الله عز وجل : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ } ..
وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :
( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاه ، فمن تركها فقد كفر ) ..
فقل لي بالله العظيم ..
كيف حال الشباب اليوم مع صلاتهم ..
كيف حال الشباب اليوم مع صلاتهم ..
حال عجيبه :
قسم ..
لا يصلي ، ولا يركع ..لا بليل ولا بنهار ..
وقسم ..
يُقدم ، ويُؤخر ، وينام ..
يصلي متى ما شاء ، وكيفما شاء..
{ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } ..(1/14)
أما آن لهؤلاء أن ..
ينتظموا في صفوف المصلين ..
وينضموا إلى ..
قوفل العائدين ..
خلِ الدكار الأربع
والظاعن المودع
و اندب زماناً سلفا
ولم تزل معتكفا
كم ليلةٍ أودعتها
لشهوةٍ أطعتها
وكم خطاً حثثتها
وتوبةٍ نكثتها
وكم تجرأت على
ولم تراقبه ولا
وكم غمضت بره
وكم نبذت أمره
وكم ركضت باللعب
ولم تراقب ما يجب
فالبس شعار الندم
قبل زوال القدم
واخضع خضوع المعترف
واعصي هواك وانحرف
إلى متى تسهو وتنى
فيما يضر المقتني
والمعهد المرتبع
وخلي عنه ودعِ
سوّدت فيه الصحفا
على القبيح الشنع
مآثماً أبدعتها
في مرتعٍ ومضجع
لخزيةٍ أحدثتها
لملعبٍ ومرتع
ربّ السماوات العلا
صدقتْ فيما تدّعي
وكم أمنت مكره
نبذ الحذا المرقع
وفهت عمداً بالكذب
في عهده المتبع
واسكب شآبيب الدم
وقبل سوء المصرع
ولذ ملاذ المقترف
عنه انحراف المُقلع
ومعظم العمر فني
وليس بالمرتدع
قال بعض الحكماء :
تعرف توبة الرجل بأربعة أشياء :
أولها : أن يمنع لسانه من فضول الكلام ( من غيبة ونميمة وكذب ) ..
ثانيها : ألا يحمل في قلبه حسداً ، ولا عدواة لأحد من المسلمين ..
ثالثها : أن يترك أصحاب السوء ، ولا يصاحب أحداً منهم ..
الرابع : أن يكون مستعداً للموت ..
نادماً على الذنب ..
مستغفراً لما سبق من ذنوبه ..
مجتهداً في طاعات ربه ..
يا من يرى مدَّ البعوض جناحها
ويرى نياط عروقها في نحرها
اغفر لعبد تاب من زلاته
في ظلمة الليل البهيم الأليل
والمخ في تلك العظام النحل
ما كان منه في الزمان الأول
الخبر الرابع :
طريق المخدرات..
طريق غرق فيه كثير من الشباب ..
إلا من رحم الله ..
يقول الشاب وهو يروي مأساته :
بعد أن أنهيت دراستي الثانويه ..
عملت موظفاً في إحدى الشركات التجاريه ..
وقد فُصلت من العمل لكثرة تغيبي ، وعدم انضباطي..
عملت بعدها أعمالاً مختلفه من بناء ، وتجاره وغيرها ..
حتى استطعت أن أكوّن نفسي ، وأجمع مبلغاً من المال ..
وفي أحد الأيام ..
عرض علي أحد الشباب ..(1/15)
فكرة السفر إلى إحدى الدول الآسيويه ..
وكان يروي لي مغامراته ومشاهداته ..
كان يجاهر بالمعصيه - والعياذ بالله -..
يقول الشاب : كان صاحبي يحدثني عن المتع المحرمه ..
وكأنه يغريني بالسفر ..
حتى عزمت عليه ..
واستحوذني الشيطان ..
فكان صاحبي أول المرحبين ..
بل تكفل بشراء تذكرة السفر ..
على أن أتكفل أنا هناك ببقية المصاريف ..
وسافرنا ..
هناك رأينا جموعاً من الشباب ..
ليس لهم همّ إلا ..
المتعه المحرمه ..
اليوم ..
الأقصى يشتكي ..
والشباب ..
يغرق في أوحال المعاصي والمنكرات ..
ها هو الأقصى يلوك جراحه
يا ويلنا ماذا أصاب رجالنا
والمسلمون جموعهم آحاد
أوَ ما لنا سعد ولا مقداد
يقول الشاب : رأينا هناك جموعاً من الشباب ..
ليس لهم همّ إلا المتعه المحرمه ..
فتعلمت من الشباب ..
- اسمع -..
تعلمت من الشباب ..
التدخين ..
وشرب الخمر ..
ثم الزنا ..
ثم تعاطي المخدرات ..
خضنا في كل الوحول القذره ..
حتى بلغنا الحضيض ..
ثم عدنا..
وبعد فترة ..
جمعنا مبلغاً آخر من المال ..
ثم سافرنا إلى بلد آخر ..
أشد فساداً ..
وجربنا كل شيء ..
وفي إحدى الليالي ..
رفض أحد الشباب إعطائي حقنه المخدرات المعهوده ..
فخرجت من الفندق ، وقابلت مجموعه من المروجين ..
فدعوني إلى مقرهم ..
فذهبت معهم ..
وعرضوا علي أنواعاً كثيره من المخدرات ..
كنت أجهل بعضها ، ومدى تأثيره على الجسم ..
وبعد تعاطي المخدرات ، والمسكرات ..
دعاني أحدهم إلى الغرفة المجاورة ..
لممارسة الزنا ..
بعد أن أمرني بدفع الثمن مقدماً..
وكنت في سكر شديد ..
لا أدري ما أصنع ..
فقبلت العرض ..
ولم أكن أدري أني ..
أمشي برجلي إلى الهاويه ..
ثم بعد أيام ..
عدنا من السفر ..
ومارست حياتي الطبيعيه ..
لكن شبح المخدرات كان يطاردني في كل مكان ..
أصبح شبح المخدرات يطاردني في كل مكان ..
وقد نصحني بعض المخلصين بالتوجه إلى المستشفى لتلقي العلاج ..
فوعدتهم بالذهاب ، ولم أذهب..(1/16)
توالت السفرات ..
لممارسة تلك الأعمال المشينه..
التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتي البائسه المتدهوره ..
حتى نفذت النقود ..
فاحترفت السرقه من هنا وهناك ..
تعلمت فنون ..
النصب ، والاحتيال ..
حتى أجمع لمتعتي المحرمه ..
وفجأه ..
شعرت بوعكه صحيه ..
فذهبت إلى المركز ..
ذهبت إلى المركز الصحي ..
بحثاً عن العلاج ..
وبعد تحليل عينه من دمي ..
أخبروني بأني ..
حامل لفيروس الإيدز ..
أخبروني أني ..
حامل لفيروس الإيدز ..
فضاقت الدنيا في وجهي ..
يا للهول ..
يا للمصيبه ..
لقد ذهبت تلك اللذات ..
وانقضت تلك المسرات ..
فلم يبق إلا ..
الآلام والحسرات ..
واحسرتاه ..
على أصحاب ..
لم ينفعوني..
واحسرتاه ..
على أحباب ..
لم يشفعولي ..
يا حسرتاه ..
يوم طال السهر ..
ولم أعد زاداً للحفر..
يا حسرتاه ..
على عمر مضى ..
وزمان ولى وانقضى ..
ولم أتقي فيه حرّ لظى ..
يا حسرتاه ..
إذا كُشف الديوان ..
بخطايا اللسان ..
وزلات الجنان ..
وقبيح العصيان ..
يا حسرتاه ..
إذا وُضع الكتاب ..
ونُشر ما فيه من خطأ وصواب ..
وعُرض الشباب ..
يا حسرتاه ..
على صلاة أضعتها ..
وزكاة منعتها ..
وأيام أفطرتها ..
يا حسرتاه ..
على أوقات أهدرتها ..
يا حسرتاه ..
على ذنوب ارتكبتها ..
وفواحش اقترفتها ..
يا حسرتاه ..
يوم ..
لم يلهج لساني بذكره ..
ولم تقم جوارحي بشكره ..
يا حسرتاه ..
يوم يفوز الصالحون بالدرجات ..
يا حسرتاه ..
يوم يهوي الظالمون في الدركات ..
قال سبحانه :
{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ }..
{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ } ...
{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } ..
{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ، إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلِيْنَا يُرْجَعُونَ } ..
يقول الشاب :(1/17)
لقد ذهبت ..
تلك اللذات ..
وانقضت تلك المسرات ..
فلم يبقَ إلا ..
الآلام ، والحسرات ..
لم يبقَ إلا ..
الآثام ، والأوزار ، والتبعات ..
تفنى اللذاذه ممن ذاق صفوتها
تبقى عواقب سوء في مغبتها
من الحرام، ويبقى الإثم والعار
لا خير في لذة من بعدها النار
هذه حكايتي باختصار ..
وكل ما أعرفه ..
أنني ..
مصاب بمرض الإيدز ..
وأني ..
أنتظر الموت..
وعلى الرغم من أني ..
أسير إلى الموت سيراً سريعاً فلا بأس ..
فقد أفقت من غفوتي ..
وأفقت من غفلتي ..
وأنصح كل شاب عاقل ..
بالالتزام بتعاليم الدين الحنيف..
تلك التعاليم التي ..
لطالما سمعناها ..
ولم نتبعها ..
إنما اتبعنا ..
النفس ..
والهوى ..
والشيطان ..
وقد خاب من ..
( أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني )..
أقول لأخواني الشباب ..
احذروا ..
المخدرات ..
والفواحش ..
والمنكرات ..
فإنها الهلاك الماحق..
احذروا ..
من رفقة السوء ..
فإنهم جنود إبليس اللعين ..
يقول : أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ..
فلعلكم ..
تقرأون كلماتي هذه ..
وأنا تحت التراب ..
فلعلكم ..
تقرأون كلماتي هذه ..
وأنا تحت التراب ..
فاسألوا الله لي الرحمه ..
لعلكم ..
تقرأون كلماتي ..
وأنا تحت التراب ..
قد فارقت الروح الجسد ..
وصعدت الروح إلى باريها ..
اللهم ..
يا من وسعت رحمته كل شيء ..
ارحم عبدك الضعيف المسكين ..
يا ربي : إن عظمت ذنوبي كثرة
إن كان لا يرجوك إلا محسن
ما لي إليك وسيلة إلا الرجا
فلقد علمتُ بأنَّ عفوك أعظم
فبمن يلوذ ويستجير المجرم
وجميل عفوك ثم أني مسلم
لو رأيت ..
التائب ..
رأيت جفناً مقروحاً ..
تراه في الأسحار ..
على باب الاعتذار مطروحاً..
سمع قول الإله يوحي فيما يوحي :
{ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } ..
التائب ..
مطعمه يسير ..
وحزنه كثير ..
ومزعجه مثير ..
وكأنه أسير قد رُمي مجروحاً ..
ولسان حاله يردد :
{ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } ..(1/18)
التائب ..
أنحل بدنه الصيام ..
وأتعب قدمه القيام ..
وحلف بالعزم على هجر المنام ..
فبذل بدناً وروحاً ..
وهو يردد :
{ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } ..
التائب ..
الذل قد علاه ..
والحزن قد وهاه ..
يذم نفسه على هواه ..
وبهذا صار ممدوحاً ..
يردد ويعيد :
{ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } ..
التائب ..
يبكي جنايات الشباب ..
التي بها قد اسوَّد الكتاب ..
فإن من يأتي إلى الباب ..
يجد الباب مفتوحاً ..
يردد ويقول قول الله :
{ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } ..
اللهم ..
إنا نسألك ..
التوبة ، ودوامها ..
ونعوذ بك ..
من المعصية ، وأسبابها..
الورقه الخامسه :
هدايتي على يديه ..
يقول الشاب :
لم أكن قد بلغت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أول أبنائي ..
ما زلت أذكر تلك الليله ..
كنت سهراناً مع الشله في إحدى الشالهيات ..
كانت سهرة حمراء بمعنى الكلمه ، كما يقولون ..
أذكر ليلتها أني أضحكتهم كثيراً ..
كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد ..
بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه ..
أجل ..كنت أسخر من هذا وذاك ..
لم يسلم أحد مني حتى شلتي ..
صار بعض أصحابي يتجبني كي يسلم من لساني وتعليقاتي اللاذعه ..
تلك الليله ..
سخرت من ..
رجل أعمى ، رأيته يتسول في السوق ..
والأدهى ..
أني وضعت قدمي أمامه ليتعثر ..
تعثر..
وانطلقت ضحكتي التي دوَّت في السوق ..
عدت إلى بيتي متأخراً ..
وجدت زوجتي في انتظاري ..
كانت في حاله يرثى لها ..
أين كنت يا راشد ؟!.
قلت : في المريخ - ساخراً - عند أصحابي بالطبع ..
كانت في حالة يرثى لها ، قالت والعبرة تخنقها : راشد أنا تعبه جداً ..
الظاهر أنَّ موعد ولادتي صار وشيكاً ..
سقطت دمعه صامته على خدها ..
أحسست أني أهملت زوجتي ..
كان المفروض أن أهتم بها وأقلل من سهراتي خاصة أنها في شهرها التاسع ..
قاست زوجتي الآلام يوماً وليلة في المستشفى ..(1/19)
حتى رأى طفلي النور..
لم أكن في المستشفى ساعتها ..
تركت رقم هاتف المنزل ، وخرجت ..
اتصلوا بي حتى تعلموني الخبر ..
ففعلوا ..
اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم ..
سالم ..
حين وصلت المستشفى طُلب مني أن أراجع الطبيبه ..
أي طبيبه ؟..
المهم الآن أن أرى ابني سالم ..
لا بدّ من مراجعة الطبيبه قالوا لي : أجابتني موظفه الاستقبال بحزم ..
صُدمت حين عرفت أن ..
ابني به تشوه شديد في عينينه ، ومعاق في بصره ..
تذكرت المتسول ..
قلت : سبحان الله كما تدين تدان ..
لم تحزن زوجتي ..
كانت مؤمنه بقضاء الله راضيه ..
طالما نصحتني ..
طالما طلبت مني أن أكف عن تقليد الآخرين ..
كلا هي لا تسميه ..
تقليداً ..
بل غيبه ..
ومعها كل الحق ..
لم أكن أهتم بسالم كثيراً ..
اعتبرته غير موجود في المنزل ..
حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصاله لأنام فيها ..
كانت زوجتي تهتم به كثيراً وتحبه ..
لحظه ..
لا تظنوا أني أكرهه ..
أنا لا أكره ، لكني لم أستطع ان أحبه ..
أقامت زوجتي احتفالاً حين خطا خطواته الأولى ..
وحين أكمل الثانيه اكتشفنا أنه أعرج ..
كلما زدت ابتعاداً عنه ..
زادت زوجتي حباً وتعلقاً بسالم ..
حتى بعد أن أنجبت عمراً ، وخالداً ..
مرت السنوات ..
وكنت لاهٍ غافل ..
غرتني الدنيا وما فيها ..
كنت كاللعبه في يد رفقة السوء ..
مع أني كنت أظن أني من يلعب عليهم ..
لم تيأس زوجتي من إصلاحي ..
كانت دائماً تدعو لي بالهدايه ..
لم تغضب من تصرفاتي الطائشه ..
أو إهمالي لسالم ،واهتمامي بباقي أخوته ..
كبر سالم ..
ولم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحد المدارس الخاصه بالمعاقين ..
لم أكن أحس بمرور السنوات ..
أيامي سواء ليلي ونهاري ..
عمل ونوم ..
طعام وسهر ..
حتى ذلك اليوم ..
كان يوم الجمعه ..
استيقظت الساعه الحاديه عشره ظهراً ..
ما يزال الوقت مبكراً أقول ..
لكن لا يهم ..
أخذت دشاً سريعاً ..
لبست ، وتعطرت ، وهممت بالخروج ..
استوقفتني منظره ..(1/20)
منظر سالم ..
كان يبكي بحرقه ..
إنها المره الأولى التي أرى فيها سالم يبكي مذ كان طفلاً ..
أأخرج ، أم أرى مما يشكو سالم ؟!..
قلت : لا ..كيف أتركه وهو في هذه الحاله ..
أهو الفضول أم الشفقه ..
لا يهم ..
سألته : لماذا تبكي يا سالم ؟..
حين سمع صوتي توقف ..
بدأ يتحسس ما حوله ..
ما به يا ترى ؟!.
اكتشفت أن ابني يهرب مني ..
الآن أحسست به ..
أين كنت منذ عشر سنوات ..
تبعته ..كان قد دخل غرفته ..
رفض أن يخبرني في البدايه سبب بكائه ..
وتحت إصراراي ..
عرفت السبب ..
تأخر عليه شقيقه عمر الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد ..
اليوم الجمعه ..
خاف سالم أن لا يجد مكاناً في الصف الأول ..
نادى والدته لكن لا مجيب حينها..
حينها وضعت يدي على فمه كأني أطلب منه أن يكف عن حديثه وأكملت ..
حينها بكيت يا سالم ..
لا أعلم ما الذي دفعني لأقول له :سالم لا تحزن ..
هل تعلم من سيرافقك اليوم إلى المسجد ؟..
أجاب سالم : أكيد عمر ..ليتني أعلم إلى أين ذهب ..
قلت : لا يا سالم ..
أنا من سيرافقك ..
أنا من سيرافقك ..
استغرب سالم ..
لم يصدق ..
ظنَّ أني أسخر منه ..
عاد إلى بكائه ..
مسحت دموعه بيدي ..
وأمسكت بيده ..
أردت أن أوصله بالسياره ، رفض قائلاً : أبي المسجد قريب ..
أريد أن أخطو إلى المسجد ..
فإني أحتسب كل خطوه أخطوها..
يقول : لا أذكر متى آخر مره دخلت فيها المسجد ..
ولا أذكر آخر مرة التي سجدت فيها لله سجده ..
هي المره الأولى التي أشعر فيها ..
بالخوف والندم..
الندم ..
على ما فرطت طوال السنوات الماضيه ..
مع أنَّ المسجد كان مليئاً بالمصلين ..
إلا أني وجدت لسالم مكاناً في الصف الأول..
استمعنا لخطبة الجمعه معاً ..وصليت بجانبه ..
بعد انتهاء الصلاه ..
طلب مني سالم مصحفاً ..
استغربت..
كيف سيقرأ وهو أعمى ..
هذا ما تردد في نفسي ولم أصرح به خوفاً من جرح مشاعره ..
طلب مني أن أفتح له المصحف على سورة الكهف ..
نفذت ما طلب ..(1/21)
وضع المصحف أمامه ، وبدأ في قراءة السوره ..
يالله ..
إنه يحفظ صورة الكهف كامله ، وعن ظهر غيب ..
خجلت من نفسي ..
أمسكت مصحفاً ..
أحسست برعشه في أوصالي ..
قرأت ، وقرأت ..
ودعوت الله أن يغفر لي ، ويهديني ..
هذه المره أنا الذي بكى ..
بكيت ..
حزناً ..
وندماً على ما فرطت ..
ولم أشعر إلا بيد حنونه تمسح عني دموعي ..
لقد كان سالم ..
يمسح دموعي ..
ويهدأ من خاطري ..
عدنا إلى المنزل ..
كانت زوجتي قلقه كثيراً على سالم ..
لكن قلقها ..
تحول إلى دموع فرح ..
حين علمت أني ..
صليت الجمعه مع سالم ..
منذ ذلك اليوم ..
لم تفتني صلاة الجماعه في المسجد ..
هجرت رفقاء السوء ..
وأصبحت إلى رفقة خيره عرفتها في المسجد ..
ذقت طعم الإيمان ..
عرفت منهم أشياء ألهتني عن الدنيا ..
لم أفوت حلقة ذكر ، أو قيام ..
ختمت القرآن عدة مرات في شهر ..
وأنا نفس الشخص الذي هجره سنوات ..
رطبت لساني بالذكر ..
لعل الله يغفر لي غيبتي ، وسخريتي من الناس ..
أحسست أني أكثر قرباً من أسرتي ..
اختفت نظرات الخوف والشفقه التي كانت تطل من عيون زوجتي ..
الابتسامه ما عادت تفارق وجه ابني سالم ..
من يرى سالم يظنه ملك الدنيا وما فيها ..
حمدت الله كثيراً ..
وصليت له كثيراً على نعمه ..
ذات يوم ..
قررت أنا وأصحابي ..
أن نتجه إلى أحد المناطق البعيده في برامج دعويه مع مؤسسه خيريه ..
ترددت في الذهاب ..
استخرت الله ..
واستشرت زوجتي ..
توقعت أن ترفض ..
لكن حدث العكس ..
فرحت كثيراً ..
بل شجعتني ..
حين أخبرت سالم عزمي على الذهاب ..
أحاط جسمي بذراعيه الصغيرين فرحاً ..
ووالله لو كان طويل القامه مثلي لما توانى عن تقبيل رأسي ..
بعدها توكلت على الله ..
وقدمت طلب إجازه مفتوحه بدون مرتب ..
والحمد لله جاءت الموافقه بسرعه ..أسرع مما تصورت ..
تغيبت عن البيت ثلاثة أشهر ..
كنت خلال تلك الفتره أتصل كلما سنحت لي الفرصه بزوجتي ..(1/22)
أحدث أبنائي ..لقد اشتقت لهم كثيراً ..
لكني ..
اشتقت أكثر لسالم ..
تمنيت سماع صوته ..
هو الوحيد الذي لم يحدثني منذ سافرت ، إما أن يكون في المدرسه أو المسجد ساعه اتصالي بهم ..
كلما أحدث زوجتي أطلب منها أن تبلغه سلامي ، وتقبله ..
كانت تضحك حين تسمعني أقول مثل هذا الكلام ..
إلا آخر مره هاتفتها فيها ..
لم أسمع ضحكتها المتوقعه ..
تغير صوتها ..
وقالت لي : إن شاء الله ..
أخيراً ..عدت إلى المنزل ..
طرقت الباب ..
تمنيت أن يفتح سالم لي الباب ..
لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعه من عمره ..
حملته بين ذراعي ، وهو يصيح : بابا ..بابا ..
انقبض صدري حين دخلت البيت ..
استعذت بالله من الشيطان الرجيم ..
سعدت زوجتي بقدومي ..
لكن هناك شيء قد تغير فيها ..
تأملتها جيداً ..
إنها نظرات الحزن التي ما كانت تفارقها ..
عادت مره ثانيه إلى عينيها ..
سألتها : ما بك !..
قالت : لا شيء ..
هكذا ردت ..
فجأه تذكرت من نسيته للحظات ..
قلت لها : أين سالم ؟!.
خفضت رأسها ولم تجب ..
لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد الذي ما زال يريد في أذني حتى هذه اللحظه..
قال : أبي ..إن سالم راح عند الله في الجنه ..
قال : أبي ..إن سالم راح عند الله في الجنه ..
لم تتمالك زوجتي الموقف ..
أجهشت بالبكاء ، وخرجت من الغرفه ..
عرفت بعدها أن ..
سالماً أصابته حمى قبل موعد مجيئي بأسبوعين ..
أخذته زوجتي إلى المستشفى ..لازمته يومين ..
وبعد ذلك فارقته الحمى ..
حين فارقت روحه الجسد..
أحسست أنَّ ما حدث ..
ابتلاء واختبار من الله سبحانه وتعالى ..
أجل إنه اختبار ..
وأي اختبار ..
صبرت على مصابي ..
وحمدت الله الذي لا يحمد على مكروه سواه ..
ما زلت أحس ..
بيده تمسح دموعي ..
وذراعه تحيطني ..
كم حزنت على سالم الأعمى الأعرج ..
لم يكن أعمى ..
لم يكن أعمى ..
أنا من كنت أعمى ..
حين انسقت وراء رفقة السوء ..
ولم يكن سالم أعرج ..
لأنه استطاع ..(1/23)
أن يسلك طريق الإيمان رغم كل شيء ..
لا زلت أتذكر كلماته وهو يقول : إن الله { ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ } ..
سالم ..
الذي امتنعت يوماً عن حبه ..
اكتشفت أني أحبه أكثر من أخوانه ..
بكيت كثيراً ..
وما زلت حزيناً ..
كيف لا أحزن ..
وقد كانت هدايتي على يديه ..
كيف لا أحزن ..
وقد كانت هدايتي على يديه ..
اللهم ..تقبل سالم في رحمتك ..
اللهم ..إنا نسألك الثبات حتى الممات ..
أبشر ..
أيها التائب ..
أبشر ..
أيها العائد ..
أبشر ..
أيها المنضم إلى ..
قوافل العائدين ..
قال سبحانه :
{ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } ..
وقال جل في علاه فاتحاً أبواب الرحمه :
{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } ..
وقال جل في علاه :
{ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } ..
وقال أعز من قائل :
{ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } ..
وقال أرحم الراحمين :
{ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى } ..
وقال :
يا ابن آدم ..
إنك ما دعوتني ولا رجوتني ..
إلا غفرت لك على ما كان منك ..
ولا أبالي ..
يا ابن آدم ..
لو بلغت ذنوبك عنان السماء ..
ثم استغفرتني ..
غفرت لك على ما كان منك ..
ولا أبالي ..
يا ابن آدم ..
لو أتيتني بقراب الأرض خطايا لا تشرك بي شيئاً ..
أتيتك بقرابها مغفرة ..
ولا أبالي ..
ولا أبالي ..
- يا أرحم الراحمين -..
أبشر ..
أيها التائب ..
أبشر ..
أيها العائد ..
أبشر ..
أيها المنضم إلى ..
قوافل العائدين ..
قال صلى الله عليه وسلم :
( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) .(1/24)
( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) ..
أبشر ..
أيها التائب ..
فإنَّ الله يفرح بتوبة التائبين ..
أنين المذنبين أحب إليه من سجع المسبحين ..
يُروى أنَّ رجلاً سأل ابن مسعود عن ذنب ألمَ به ، هل من توبه ؟..
فأعرض عنه ابن مسعود ، ثم التفت إليه ..
فرأى عينيه تذرفان ..
فقال له :
إنَّ للجنه ثمانية أبواب كلها تُفتح وتُغلق ..
إلا باب التوبه ..
فإنَّ عليه ملكاً موكلاً به لا يغلق ..
فاعمل ..
ولا تيأس ..
ولا تقنط من رحمة الله .
قال عبد الرحمن بن أبي قاسم : تداركنا مع عبد الرحمن توبه الكافر وقول الله تعالى : { إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ } ..
فقال : إني لأرجو أن يكون المسلم عند الله أحسن حالاً من الكافر ..
ولقد بلغني أنَّ ..
توبة المسلم ..
كإسلام بعد إسلام ..
يُروى أنه كان في بني إسرائيل شاب ..
عبد الله تعالى عشرين سنه ..
ثم عصى الله عشرين سنه ..
ثم نظر في المرآه ..
فرأى الشيب في لحيته فساءه ذلك فقال :
اللهم أطعتك عشرين سنه ..
ثم عصيتك عشرين سنه ..
فإن رجعت إليك أتقبلني ؟!!..
فناداه منادي أرحم الراحمين :
أحببتنا فأحببناك ..
تركتنا فتركناك ..
عصيتنا فأمهلناك ..
وإن رجعت إلينا قبلناك ..
{ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ } ..
{ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ } ..
اعلم ..
أن مما يعينك ..
على تعجيل التوبه ..
والإسراع في التوبه ..
فالذي حال بين الناس وبين التوبه والصدق في التوبه هو..
طول الأمل ..
طول الأمل ..
ومن أطال الأمل أساء العمل ، قال الله : { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } ..
وقال سبحانه : { أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ، ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ }..(1/25)
وقال سبحانه : { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ، نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ } ..
اعلم أنه ..
مما يعينك على التوبه ..
والإسراع فيها ..
والمبادره إليها هو ..
ذكر الموت وساعاته ..
نعم ..
إنَّ الموت قريب ..
إنَّ العمر ..
مهما طال فهو قصير..
والدنيا ..
مهما عظمت فهي حقيرة ..
فاختر لنفسك النهايه التي تتمناها ..
فلا إله إلا الله ..
كيف سيكون حالي وحالك عندما يقال :
فلان ابن فلان ..
لقد دنا الأجل ..
وحانت ساعة الرحيل ..
فصائح بأعلى الصوت :
رباه ارجعون ..
رباه ارجعون ....
رباه ارجعون ......
وصائح بأعلى الصوت :
واطرباه ..واطرباه ..
غداً نلقى الأحبه ..
غداً نلقى الأحبه محمداً وصحبه ..
فاختر ..
الحال التي تريدها يا رعاك الله ..
لما حضرت حسان بن أبي سنان الوفاه قيل له : كيف تجدك ؟!.
قال :
بخير إن نجوت من النار ..
قيل له : فما تشتهي ؟!.
قال :
ليله طويله أصليها كلها ..
ودخل المزني على الشافعي رحمه الله في مرضه الذي مات فيه ، فقال له : كيف أصبحت يا أبا عبد الله ؟!..
فقال :
أصبحت ..
عن الدنيا راحلاً ..
وللأخوان مفارقاً ..
ولسوء عملي ملاقياً ..
ولكأس المنيه شارباً..
وعلى ربي سبحانه وتعالى وارداً ..
ولا أدري ..
روحي صائره ..
إلى الجنه ..فأهنيها ..
أو إلى النار ..فأعزيها ..
لا أدري ..
روحي إلى أين تصير ..
إلى الجنه ..فأهنيها ..
أو إلى النار ..فأعزيها ..
ثم أنشد..
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
ما زلت ذو عفو عن الذنب
جعلت الرجا مني لعفوك سلما
بعفوك ربي كان عفوك أعظما
لم تزل تجود وتعفو منَّةً تكرما
فاعلم يا رعاك الله ..
أن ..
الآمال تُطوى ..
والأموال تفنى ..
والأبدان تحت التراب تبلى..
اعلم رعاك الله ..
أنَّ ..
الأيام والليالي ..
تبليان كل جديد ..
تقربان كل بعيد..
تأتيان بكل موعود ووعيد ..
فانتبه ..
يا رعاك الله ..(1/26)
انتبه ..
من رقدة الهجوع ..
وافزع إلى الله بالتضرع والخشوع..
وقل :
آن الأوان للانضمام إلى ..
قوافل العائدين ..
قالوا : من رزق أربعاً لم يُحرم أربعاً ..
من رُزق الدعاء ..لم يُحرم الإجابه ..
وربكم يقول : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }..
ومن رُزق الاستغفار ..لم يُحرم المغفره ..
وربكم يقول : { إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } ..
ومن رُزق الشكر ..لم يُحرم المزيد ..
و ربكم يقول : { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } ..
ومن رُزق التوبه ..لم يُحرم القبول ..
وربكم يقول : { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } ..
وختاماً ..
اعلم ..
أنَّ الحياه بدون الله سراب ..
وإنَّ القلب لا يصلح إلا بالله جل وعلا ..
فإذا أقبل على الله تعالى - يعني القلب - اجتمع وانضم بعضه إلى بعض ، ووجد نفسه ، وسلمت فطرته ..
{ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } ..
إلى كم تعصي وتتمرد
يا ناصع الثوب والقلب أسود
وأقبح من قبيحك أنك تتعبد
ما هذا الأمل ولست بمخلد
أما تخاف من أوعد وتهدد
يا من ..
شاب وما تاب
أين البكاء ؟!..
أين الحذر ؟!..
من شديد العقاب ..
قل :
ما أحلم الله ..
ما أحلم الله علي حيث أمهلني
تمر ساعات أيامي بلا ندمٍ
أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً
يا زلة كُتبت في غفلةٍ ذهبت
دعني أنوح على نفسي وأندبها
دع عنك عذلي يا من كنت تعذلني
دعني أسح دموعاً لا انقطاع لها
وقد تماديت في ذنبي ويسترني
ولا بكاء ولا خوف ولا حزن
على المعاصي وعين الله تنظرني
يا حسرة بقيت في القلب تحرقني
وأقطع الدهر بالتذكير والحزن
لو كنت تدري ما بي كنت تعذرني
فهلا عسى عبرة فيها تخلصني
اكتب قصة الرجوع ..
بقلم الندم والدموع ..
اكتب قصة الرجوع ..
بقلم الدموع ..
واسعى بها ..
على قدم الخضوع ..
إلى باب الخشوع ..
وأتبعها بالعطش والجوع ..
وسل الرحمة ..
فرُبّ سؤال مسموع ..
قل ..
ونادي في الأسحار ..(1/27)
والناس نيام :
يا أكرم من أمله المؤملون ..
يا رجاء الخائفين ..
يا أمل المذنبين ..
إن طردتني فإلى من أذهب !!..
يا رحيماً بمن عصاه ..
يا حليماً على من تناساه ..
يا من شيمته الصفح ..
عصيتك جاهلاً يا ذا المعالي ..
ففرج ما ترى من سوء حالي..
إلى من يهرب المخلوق إلا إلى مولاه يا مولى الموالي..
فلله درّ أقوام تركوا ..
فأصابوا ..
وسمعوا منادي الله يدعو ..
فأجابوا..
وحضروا مشاهد التقى ..
فما غابوا..
واعتذروا مع التحقيق ..
ثم تابوا..
ثم قصدوا باب مولاهم ..
فما رُدوا ، ولا خابوا..
اللهم ..سرْ بنا في سرب النجابه ..
ووفقنا للتوبة والإنابه ..
وافتح لأدعيتنا الإجابه..
يا من إذا سأله المضطر أجابه ..
اللهم ..تب علينا توبة نصوحه لا ننقض عهدها أبداً ..
واحفظنا في ذلك لنكون بها من جملة السعداء..
اللهم ..اقبل توبة التائبين ..
واغفر ذنب المذنبين ..
واقبل الشباب والشيب في ..
قوافل العائدين..
اللهم ..ألهمنا القيام بحقك ..
وبارك لنا في الحلال من رزقك ..
ولا تفضحنا بين خلقك ..
يا خير من دعاه داع ..
وأفضل من رجاه راج ..
يا قاضي الحاجات ..
يا رفيع الدرجات ..
يا مجيب الدعوات ..
يا رب الأرض والعرش والسماوات ..
هب لنا ما سألناه ..
وحقق رجاءنا فيما تمنيناه ..
يا من ..
يملك حوائج السائلين ..
ويعلم ضمائر الصامتين ..
أذقنا برد عفوك ..
وحلاوة مغفرتك ..
يا أرحم الراحمين ..
اللهم صلي على محمد وعلى آله وصحبه الأخيار ..
عدد ما طار طير وطار ..
وعدد ما استغفر المستغفرون في الأسحار ..
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ..
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ،
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
نوِّر حياتك بالهدى
واعمر فؤادك بالتقى
وارضي الإله بطاعة
واحمل بصدرك مصحفاً
ودع الغواية إنها
الدين مشكاة الحياة
عُد للكريم بتوبة
تلقى السعادة كلها
واسلك طريق التائبين(1/28)
فالعمر محدود السنين
يُسعدك في دنيا ودين
يشرح فؤادك كل حين
لشقاء كل الغافلين
يضيء درب الحائرين
واركب جناح العائدين
فلنعم درب الصالحين
الاستماع :
http://www.islamcvoice.com/mas/open.php?cat=9&book=19&PHPSESSID=ad1a58695fb45506a091b8897a056a04
و:
http://www.islamcvoice.com/mas/open.php?cat=9&book=20&PHPSESSID=ad1a58695fb45506a091b8897a056a04
??
??
??
??(1/29)