عادوا إلى الفطرة
(70 قصة حقيقية مؤثرة)
إعداد
أبو إسلام أحمد بن علي
غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين أجمعين
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب
وبعد :
قال الله تعالى:
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }الروم30
{فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام125
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(كل مولود يولد على الفطرة فأبواه ينصّرانه أو يمجّسانه أو يهوّدانه) .
فهذا الكتاب يستعرض قصصاً عديدة تثلج الصدور لأناس عرفوا الحق فأقبلوا عليه بقلوبهم وبعقولهم وتركوا ما كانوا عليه من الضلال والشرك بالله العلي العظيم , وعندما عرفوا هذا الحق تشبثوا به ولم يزعزعهم أي شيء آخر من مال أو جاه أو سلطة أو أولاد أو زوج أو أب أو أم , وهرولوا للتمسك بحبل الله تعالى وللتوحيد به تعالى والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً, جزاهم الله خيراً كثيراً لأنهم اهتدوا إلى الحق ووصلوا إليه , وثبتهم اللهم تعالى عليه , ونحمد الله تعالى على أن جعلنا مسلمين ولم يضعنا في هذه التجربة الشديدة الصعبة التي لم ينجح فيها كثير من الناس ؛ من الذين قالوا { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } فأضلهم الشيطان وهوى بهم إلى الجحيم .(1/1)
نبتهل إلى الله تعالى أن يتقبل عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم , وأن يثبتنا على الدين الحق وأن يحسن خاتمتنا , آمين يارب العالمين , إنك سميع مجيب .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
معد الكتاب
أبو إسلام أحمد بن علي
الفهرس
* مقدمة...............................................................................2
* الفهرس.............................................................................3
1- القُمُّص المصري "عزت إسحاق معوَّض" الذي صار داعية إسلامي ....................6
2- رئيس الأساقفة اللوثريِّ السابق التنزانيِّ أبو بكر موايبيو..........................8
3- توبة فتاة نصرانية ...............................................................14
4- سيف الإسلام التهامي يروي قصة إسلامه.........................................19
5- سلطان تشادي نصراني وهو الآن من أشهر الدعاة المسلمين ........................24
6- رحلتي من المسيحية إلى الإسلام...................................................28
7- رئيس لجان التنصير بأفريقيا القس المصري اسحق هلال مسيحة .................30
8- قصة إبراهيم خليل فلوبوس......................................................37
9- قصة إسلام يوسف استس القس الأمريكي السابق .................................44
10- قصة الدكتور وديع أحمد – الشماس المصري السابق..............................54
11- الراهب الفلبيني ماركوس كوربس وقصته ......................................59
12- القس المصري السابق فوزي صبحي سمعان(فوزي المهدي)........................62
13- الشهيد القس الأثيوبي السابق ملقاه فقادو.......................................66
14- إسلام أكبر داعي للنصرانية في كندا..............................................71(1/2)
15- إسلام رئيس جمهورية ( جامبيا )..............................................76
16- إسلام عالم ومؤلف وصحفي ألماني................................................78
17- الأسقف الأمريكي الذي اعتنق الإسلام (مصطفى مولاني)........................79
18- الداعية البريطانية سارّة جوزيف...............................................84
19- القائد الروسي الذي أصبح مؤذناً.................................................86
20- القس الإنجليزي "جلال الدين لودربرنتون".....................................87
21- رندا نيقوسيان تبحر في بحر الإسلام............................................88
22- المغني العالمي جيرمان جاكسون..................................................91
23- المُنَصِّر المتعصب الذي تعصب للإسلام............................................92
24- أمريكية انقلبت علي الكنيسة وتحولت إلى ''داعية إسلامية بالدوحة''..........94
25- أمريكية تقول : لن أترك الإسلام مهما فعل أهلي و وطني.......................96
26- باحثة عن الحقيقة..............................................................99
27- توبة أشهر عارضة أزياء فرنسية..............................................137
28- معلمة اللاهوت "ميري واتسون" بعد إسلامها..................................140
29- حجاب أميركية سبب في إسلام أستاذ جامعي أميركي..........................145
30- لماذا تعتنق الأوروبيات الإسلام ؟...............................................149
31- معلم النصرانية "ألدو دمريس" الذي صار داعية للإسلام.......................152
32- القسيس الأمريكي الشهير الذي أسلم على يد الإمام بن باز.....................155
33- حكاية فوزية النيجيرية......................................................162(1/3)
34- حوار مع مهتدية جديدة إلى الإسلام...........................................165
35- صبي نصراني يسلم بنبوءة إنجيلية............................................172
36- علي محمد موري (اليابان) باحث وواعظ اجتماعي.............................177
37- قصة إسلام غريبة جداً.........................................................179
38- في عرفة أعلنت إسلامها.......................................................185
39- قصة إسلام يهودي متطرف....................................................190
40- إسلام محمد جون وبستر (رئيس البعثة الإسلامية الإنجليزية)................193
41- الأمريكية هدى دورج.........................................................195
42- عشرون قسيساً يعتنقون الإسلام................................................200
43- فتاة أميركية تدخل الإسلام....................................................201
44- أحد القساوسة يعود إلى الإسلام بعد أن ارتد عنه في صباه.......................204
45- قصة إسلام الدكتور الفرنسي علي سلمان بنوا..................................206
46- قصة إسلام ثاني أكبر قسيس في غانا...........................................208
47- قصة عادل وماريان............................................................212
48- قصتي مع المنصرة "دورين".....................................................218
49- قصة إسلام نيرس داني........................................................223
50- رحلتي إلى النور (الآيسلندية آنا ليندا).......................................225
51-الدكتور روبرت كرين مستشار الرئيس الأمريكي نيكسون(د.فاروق عبد الحق).232
52- قصة كيث مور عالم الأجنة الشهير............................................234(1/4)
53- الطريق الروحي إلى مكة.......................................................237
54- ثلاثون صينياً يشهرون إسلامهم في السعودية بعد وجبة جريش................252
55- إلى أين يا مسلمين..............................................................254
56- قصة إسلام الأخت شريفة كارلو...............................................262
57- قصة إسلام الحاخام يوسف خطاب.............................................265
58- قصة إسلام عماد المهدي الشماس السابق........................................269
59- قصة إسلام المطرب البريطاني كات ستيفن......................................287
60- قصة إسلام أمينة أسيلمي......................................................293
61- أنطوان الأشقر من مسيحي ماركسي إلى داعية إسلامي بالبرازيل................303
62- قصة إسلام أيرين..............................................................305
63- قصة إسلام سوزان كارلاند.....................................................310
64- قصة إسلام محمد الصغير......................................................313
65- قصة إسلام ممرضة بالمملكة (مريم العصر).....................................319
66- كنت نصرانيا ـ قصة واقعية لشاب جزائري...................................322
67- كيف أصبحت رُبى قعوار مسلمة؟.............................................364
68- من مغني في كورال كنسي إلى داعي إلى الله......................................376
69- نساء يعتنقن الإسلام...........................................................383
70- هكذا أسلم الدكتور جفري لانغ................................................389
* نهاية الكتاب ....................................................................392(1/5)
1- القُمُّص المصري "عزت إسحاق معوَّض" الذي صار داعية إسلامي
كان أحد الدعاة للالتزام بالنصرانية ، لا يهدأ و لا يسكن عن مهمته التي يستعين بكل الوسائل من كتب و شرائط و غيرها في الدعوة إليها ، و تدرج في المناصب الكنسية حتى أصبح "قُمُّصاً" .. و لكن بعد أن تعمق في دراسة النصرانية بدأت مشاعر الشك تراوده في العقيدة التي يدعو إليها في الوقت الذي كان يشعر بارتياح عند سماعه للقرآن الكريم ... و من ثم كانت رحلة إيمانه التي يتحدث عنها قائلاً :
" نشأت في أسرة مسيحية مترابطة و التحقت بقداس الأحد و عمري أربع سنوات ... و في سن الثامنة كنت أحد شمامسة الكنيسة ، و تميزت على أقراني بإلمامي بالقبطية و قدرتي على القراءة من الكتاب المقدس على النصارى .
ثم تمت إجراءات إعدادي للالتحاق بالكلية الأكليريكية لأصبح بعدها كاهناً ثم قُمُّصاً ، و لكنني عندما بلغت سن الشباب بدأت أرى ما يحدث من مهازل بين الشباب و الشابات داخل الكنيسة و بعلم القساوسة ، و بدأت أشعر بسخط داخلي على الكنيسة ، و تلفت حولي فوجدت النساء يدخلن الكنيسة متبرجات و يجاورن الرجال ، و الجميع يصلي بلا طهارة و يرددون ما يقوله القس بدون أن يفهموا شيئاً على الإطلاق ، و إنما هو مجرد تعود على سماع هذا الكلام .
و عندما بدأت أقرأ أكثر في النصرانية وجدت أن ما يسمى "القداس الإلهي" الذي يتردد في الصلوات ليس به دليل من الكتاب المقدس ، و الخلافات كثيرة بين الطوائف المختلفة بل و داخل كل طائفة على حدة ، و ذلك حول تفسير "الثالوث" ... و كنت أيضاً أشعر بنفور شديد من مسألة تناول النبيذ و قطعة القربان من يد القسيس و التي ترمز إلى دم المسيح و جسده !!! "
و يستمر القُمُّص عزت إسحاق معوض ـ الذي تبرأ من صفته و اسمه ليتحول إلى الداعية المسلم محمد أحمد الرفاعي ـ يستمر في حديثه قائلاً :(1/6)
" بينما كان الشك يراودني في النصرانية كان يجذبني شكل المسلمين في الصلاة و الخشوع و السكينة التي تحيط بالمكان برغم أنني كنت لا أفهم ما يرددون ... و كنت عندما يُقرأ القرآن كان يلفت انتباهي لسماعه و أحس بشئ غريب داخلي برغم أنني نشأت على كراهية المسلمين ... و كنت معجباً بصيام شهر رمضان و أجده أفضل من صيام الزيت الذي لم يرد ذكره في الكتاب المقدس ، و بالفعل صمت أياماً من شهر رمضان قبل إسلامي " .
و يمضي الداعية محمد أحمد الرفاعي في كلامه مستطرداً :
"بدأت أشعر بأن النصرانية دين غير كامل و مشوه ، غير أنني ظللت متأرجحاً بين النصرانية و الإسلام ثلاث سنوات انقطعت خلالها عن الكنيسة تماماً ، و بدأت أقرأ كثيراً و أقارن بين الأديان ، و كانت لي حوارات مع إخوة مسلمين كان لها الدور الكبير في إحداث حركة فكرية لديّ ... و كنت أرى أن المسلم غير المتبحر في دينه يحمل من العلم و الثقة بصدق دينه ما يفوق مل لدى أي نصراني ، حيث إن زاد الإسلام من القرآن و السنة النبوية في متناول الجميع رجالاً و نساءً و أطفالاً ، في حين أن هناك أحد الأسفار بالكتاب المقدس ممنوع أن يقرأها النصراني قبل بلوغ سن الخامسة و الثلاثين ، و يفضل أن يكون متزوجاً !! "
ثم يصمت محمد رفاعي برهةً ليستكمل حديثه بقوله :(1/7)
" كانت نقطة التحول في حياتي في أول شهر سبتمبر عام 1988 عندما جلست إلى شيخي و أستاذي "رفاعي سرور" لأول مرة و ناقشني و حاورني لأكثر من ساعة ، و طلبت منه في آخر الجلسة أن يقرئني الشهادتين و يعلمني الصلاة ، فطلب مني الاغتسال فاغتسلت و نطقت بالشهادتين و أشهرت إسلامي و تسميت باسم "محمد أحمد الرفاعي" بعد أن تبرأت من اسمي القديم "عزت إسحاق معوض" و ألغيته من جميع الوثائق الرسمية . كما أزلت الصليب المرسوم على يدي بعملية جراحية .. و كان أول بلاء لي في الإسلام هو مقاطعة أهلي و رفض أبي أن أحصل على حقوقي المادية عن نصيبي في شركة كانت بيننا ، و لكنني لم أكترث ، و دخلت الإسلام صفر اليدين ، و لكن الله عوضني عن ذلك بأخوة الإسلام ، و بعمل يدر عليّ دخلاً طيباً " .
و يلتقط أنفاسه و هو يختتم كلامه قائلاً :
" كل ما آمله الآن ألا أكون مسلماً إسلاماً يعود بالنفع عليّ وحدي فقط ، و لكن أن أكون نافعاً لغيري و أساهم بما لديّ من علم بالنصرانية و الإسلام في الدعوة لدين الله تعالى " .
***
2- رئيس الأساقفة اللوثريِّ السابق
التنزانيِّ أبو بكر موايبيو(1/8)
في الثالث والعشرين من شهر كانون الأوَّل لعام 1986 - وقبل يومين من أعياد الميلاد - أعلن رئيس الأساقفة مارتن جون موايبوبو لجماعة المصلِّين بأنَّه سيترك المسيحيَّة لدخول الإسلام. كان حشد المصلِّين في حالة شللٍ تامٍّ للصدمة الَّتي أصابتهم لسماع هذا الخبر، إلى درجة أنَّ مساعد الأُسقف قام من مقعده فأغلق الباب والنوافذ ، وصرَّح لأعضاء الكنيسة بأنَّ رئيس الأساقفة قد جُنّ . فكيف استطاع الرَّجل أن يفكِّر بقول ذلك ، في حين أنَّه قبل ذلك ببضع دقائق كان يعزف آلاته الموسيقيَّة بطريقةٍ تثير مشاعر أعضاء الكنيسة ؟! لم يكونوا يعرفون بأنَّ ما يجول في خاطر الأسقف سيكون قراراً يعصف بألبابهم ، و أنَّ ذلك الترفيه لم يكن إلاّ حفلة وداع . لكنَّ ردَّ فعل المصلِّين كان مُفجعاً على حدٍّ سواء! فقد اتَّصلوا بقوات الأمن لأخذ الرَّجل "المجنون". فتحفَّظوا عليه في الزنزانة حتَّى منتصف الليل، إلى أن جاء الشَّيخ أحمد شيخ –وهو الرَّجل الَّذي حثَّه على دخول الإسلام- وكفله لإطلاق سراحه. لقد كان هذا الحادث بدايةً لطيفةً فقط نسبةً لما كان ينتظر الأُسقف
السَّابق من صدمات.
وقد قام سيمفيوي سيسانتي – وهو صحفيٌّ من صحيفة القلم – بإجراء لقاءٍ مع رئيس الأساقفة اللوثريِّ التنزانيِّ مارتن جون موايبوبو، والَّذي أصبح بعد إعلانه الإسلام معروفاً باسم (الحاج أبو بكر جون موايبوبو).(1/9)
الفضل في إثارة الفضول الصحفيِّ لدى هذا الكاتب -سيسانتي- يعود إلى الأخ الزيمبابويِّ سفيان سابيلو، وذلك بعد استماع الأخير إلى حديث موايبوبو في مركز وايبانك الإسلاميِّ في ديربان. وسفيان ليس من الَّذين يرغبون بالإثارة ، لكنَّه في تلك الليلة كان قد سمع شيئاً قيّماً. فهو لم يستطع التوقُّف عن الحديث عن الرَّجل! ومن كان بإمكانه ألاَّ يكون مأخوذاً بعد سماعه بأنَّ رئيس الأساقفة قد دخل الإسلام ؟ وهو الَّذي لم يحصل فقط على شهادتي البكالوريوس والماجستير في اللاهوت، بل وعلى شهادة الدكتوراه أيضاً. وإنْ كنتم ممَّن يهتَّمون بالشَّهادات الأجنبيَّة ، فإنَّ الرَّجل قد حصل على الدبلوم في الإدارة الكنسيَّة من إنجلترا، وما تبقَّى من الدَّرجات العلميَّة من برلين في ألمانيا! وهذا الرَّجل الَّذي كان – قبل دخوله الإسلام- الأمين العام لمجلس الكنائس العالميِّ لشؤون إفريقيا -ممَّا يشمل تنزانيا وكينيا وأوغندا وبوروندي وأجزاء من أثيوبيا والصُّومال- كان منصبه في مجلس الكنائس يفوق الرئيس الحاليَّ للجنة حقوق الإنسان الجنوب إفريقيَّة بارني بيتيانا، ورئيس لجنة المصالحة الوطنيَّة الأُسقف ديسموند توتو.
إنَّها قصَّة رجلٍ وُلد قبل 61 عاماً -في الثاني والعشرين من شهر شباط- في بوكابو، وهي منطقةٌ على الحدود مع أوغندا. وبعد سنتيْن من ولادته قامت عائلته بتعميده ؛ وبعد خمس سنواتٍ كانت تراقبه بفخرٍ وهو يصبح خادم المذبح في القُدَّاس ، ناظرين إليه و هو يساعد كاهن الكنيسة بتحضير "جسد ودم" المسيح (عليه الصَّلاة والسَّلام). كان هذا ممَّا يملأُ عائلته بالفخر، ويملأُ أباه بالأفكار حول مستقبل ابنه.
يسترجع أبو بكر ذكرياته قائلاً:
"فيما بعد -وعندما كنت في المدرسة الدَّاخليَّة- كتب إليَّ أبي قائلاً بأنَّه يريدني أن أُصبح راهباً. وفي كلِّ رسالةٍ كان يكتب لي ذلك."(1/10)
لكنَّ موايبوبو كانت لديه أفكاره الخاصَّة عن مستقبل حياته، والَّتي كانت تتعلَّق بالانضمام إلى سلك الشرطة. ومع ذلك -وفي الخامسة والعشرين من عمره - استسلم لرغبة والده. فعلى النقيض ممَّا يحصل في أوروبا ، حيث يستطيع الأبناء فعل ما يشاءون بعد عمر الحادية والعشرين، فالأبناء في إفريقيا يُعلَّمون احترام رغبات أبائهم أكثر من احترام رغباتهم الشخصيَّة.
يا بنيّ، قبل أن أغمض عيني (أموت)، سأكون مسروراً إنْ أصبحتَ راهباً" .
هذا ما قاله الأب لابنه، وهكذا فعل الابن؛ وهو القرار الَّذي قاده إلى إنجلترا عام 1964 للحصول على الدبلوم في إدارة الكنائس ؛ وبعد ذلك بسنةٍ إلى ألمانيا للحصول على البكالوريوس. وبعودته بعد عامٍ أصبح أُسقفاً عاملاً.
وفيما بعد رجع ليحصل على الماجستير.
"كلّ ذلك الوقت، كنت أفعل الأشياء بدون نقاش."
وقد بدأ بالتساؤل حين كان يعمل على الحصول على الدكتوراه، يقول موايبوبو:
"بدأت أتساءل باندهاش، فهناك المسيحيَّة والإسلام واليهوديَّة والبوذيَّة، وكلُّ دينٍ منها يدَّعي أنَّه الحقّ؛ فما هي الحقيقة؟ كنت أريد الحقيقة."
وهكذا بدأ بحثه حتى اختزله إلى الأديان الرئيسيَّة الأربعة. وحصل على نسخةٍ من القرآن الكريم. وهل تتخيَّلون ماذا حدث؟
يتذكر موايبوبو قائلاً:
"حين فتحت القرآن الكريم، كانت الآيات الأولى الَّتي أقرأها هي: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ(2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4)." سورة الإخلاص
كان هذا هو الوقت الذي بدأت فيه بذور الإسلام بالنموِّ، وهو الدِّين غير المعروف بالنِّسبة إليه . وفي ذلك الوقت اكتشف بأنَّ القرآن الكريم هو الكتاب المقدَّس الوحيد الَّذي لم يُشوِّههُ الإنسان منذ الإيحاء به.
"وهذا ما قُلْته كخاتمةٍ في رسالتي للدكتوراه. ولم يكن يهمُّني إنْ كانوا سيمنحوني الدكتوراه أم لا، لأنَّ هذه هي الحقيقة؛ وأنا كنت أبحث عن الحقيقة.".(1/11)
وفي حالته الذهنيَّة هذه، ذهب إلى أُستاذه المحبوب فان بيرغر . ويستعيد ذكرياته قائلاً:
"أغلقت الباب، ثمَّ نظرت إليه في عينيه، وسألته: من كلِّ الأديان الَّتي في الدُّنيا، أيُّها هو الدِّين الحقّ؟ فأجابني: "الإسلام". فسألته: "فلماذا أنت إذاً لست مسلماً؟" فقال لي : "أوَّلاً: أنا أكره العرب ؛ وثانياً: هل أنت ترى كلَّ هذا الترف الَّذي أنعم فيه؟ فهل تعتقد بأنِّي سأتخلَّى عن كلِّ ذلك من أجل الإسلام؟" وعندما تفكَّرت بجوابه، بدأت أتفكَّر بحالتي الخاصَّة أيضاً" .
فمنصب موايبوبو، وسياراته، كلُّ ذلك خطر في باله. لا، فهو لا يستطيع إعلان الإسلام. وهكذا - ولسنةٍ كاملةٍ - نحَّى هذه الفكرة عن خاطره . لكنَّ رُؤى بدأت تلاحقه، وآياتٌ من القرآن الكريم داومت على الظُّهور أمامه، وأُناسٌ موشحون بالبياض يأتون إليه، "خاصَّةً في أيَّام الجُمَع"، حتَّى لم يستطع أن يقاوم أكثر.
وهكذا أعلن إسلامه رسميًّا في الثَّاني و العشرين من شهر كانون الأوَّل . و هذه الرُؤى الَّتي قادته إلى ذلك ، ألم تكن بفعل الطَّبيعة الخُرافيَّة للأفارقة؟ ويحدِّثنا عن ذلك موايبوبو قائلاً:
- "لا؛ لا أظنُّ بأنًّ كلَّ الرُؤى سيِّئة. فإنَّ هناك تلك الرُؤى الَّتي تهديك للاتجاه الصَّحيح، وتلك الَّتي لا تفعل ذلك . أمَّا هذه - على وجه الخصوص- فقد قادتني إلى الطَّريق الصَّحيح، إلى الإسلام.".
ونتيجةً لذلك قامت الكنيسة بتجريده من بيته وسياراته. ولم تستطع زوجه تحمُّل ذلك فحزمت حقائبها وأخذت أولادها وتركته ، وذلك على الرغم من تأكيد موايبوبو لها بأنَّها ليست مُلزمةً بدخول الإسلام . وعندما ذهب إلى والديه، الَّلذيْن كانا أيضاً قد سمعا بقصَّته:
"طلب منِّي أبي انتقاد الإسلام علانيةً؛وقالت أُمِّي بأنَّها لا تريد أن تسمع أيَّ تُرَّهاتٍ منِّي".(1/12)
لقد أصبح وحيداً! وحين سُئِل كيف يشعر تجاه والديه قال بأنَّه سامحهم، وقد تصالح مع أبيه قبل أن ينتقل إلى عالم الآخرة. وقال موايبوبو:
"لقد كانا كبيريْن بالسنِّ، ولم يكن لديهما العلم أيضاً. حتَّى أنَّهما لم يكن باستطاعتهما قراءة الإنجيل، وكلُّ ما كانا يعرفانه هو ما كانا يسمعانه من الراهب وهو يقرأ."
سألهما البقاء في المنزل لليلةٍ واحدة، وفي اليوم التَّالي بدأ رحلته إلى حيث تنتمي عائلته أصلاً -إلى كاييلا- على الحدود بين تنزانيا ومالاوي. وخلال رحلته جَنَح إلى بروسيل حيث كانت هناك عائلةٌ تريد بيع بيتٍ لصُنع الجعة. وحصل هناك أن التقى بزوج المستقبل، وهي راهبةٌ كاثوليكيَّةٌ اسمها الأخت جيرترود كيبويا، والَّتي تُعرف الآن باسم الأخت زينت. ومعها سافر إلى كاييلا ، حيث أخبره العجوز الَّذي منحه المأوى في الليلة السَّابقة بأنه هناك سيجد مسلمين آخرين . ولكن قبل ذلك، وفي صباح ذلك اليوم رفع الأذان للصَّلاة، وهو الشيء الَّذي جعل القرويِّين يخرجون من منازلهم سائلين المضيف كيف يؤوي رجلاً مجنوناً؟.
"لقد كانت الرَّاهبة هي الَّتي أوضحت بأنِّي لست مجنوناً بل مسلماً"، يقول موايبوبو.
وكانت نفس الرَّاهبة هي الَّتي ساعدته فيما بعد على دفع النَّفقات العلاجيَّة لمشفى الإرساليَّة الأنجليكانيَّة حين كان مريضاً جدّاً. وذلك بفضل المحادثة الَّتي كانت له معها.
وكان أن سألها: لماذا ترتدي الصَّليب في سلسلةٍ على صدرها ، فكان أن أجابت بأنَّ ذلك لأنَّ المسيح (عليه الصَّلاة والسَّلام( قد صُلب عليه.
"ولكن، لنَقُل أن أحدهم قتل أباك ببندقيَّةٍ ، فهل كنت ستتجوَّلين حاملةً البندقيَّة على صدرك؟"(1/13)
لقد جعل ذلك الراهبة تفكِّر ، وحارت في الإجابة . وحين عرض عليها الأُسقف الزواج لاحقاً، كان جوابها بالإيجاب. فتزوَّجا سرّاً، وبعد أربعة أسابيع كتبت إلى مسئوليها تُعلِمهم بأنَّها تركت الرَّهبنة. سمع الشَّيخ الَّذي قدَّم لهما المأوى –وهو خال الرَّاهبة- بهذا الزواج؛ وفي لحظة وصولهما إلى بيته نُصحا بالهرب، لأنَّ "الشَّيخ كان يعبئ بندقيَّته بالعتاد". وكان والد الرَّاهبة غاضباً "ومتوحِّشاً كالأسد".
انتقل موايبوبو من رفاهية منزل رئيس الأساقفة ليعيش في بيتٍ مبنيٍّ من الطِّين. وبدلاً من راتبه الكبير كعضوٍ في المجلس الكنسيِّ العالميِّ كأمينٍ عامٍّ لشرق إفريقيا، بدأ بكسب قوته كحطَّابٍ، وحرَّاثٍ لأراضي الآخرين. وفي الأوقات الَّتي لم يكن يعمل فيها كان يدعو إلى الإسلام علانية. ممَّا قاده إلى سلسلةٍ من الأحكام القصيرة بالسِّجن لعدم احترام المسيحيَّة.
وحين كان يؤدِّي فريضة الحجِّ في عام 1988، حدثت الكارثة . فقد فُجِّر بيته ، وترتب على ذلك قتل أطفاله التوائم الثلاثة. ويتذكَّر قائلاً:
"الأُسقف – وهو ابن خالتي- كان ضالعاً في تلك المؤامرة".
ويُضيف بأنَّه بدلاً من أن يحبطه ذلك فقد فعل العكس، لأنَّ عدد الَّذين كانوا يعلنون إسلامهم كان بازدياد، وهذا يشمل حماه أيضاً.
وفي عام 1992 اعتُقِل لمدَّة عشرة أشهرٍ مع سبعين من أتباعه ، واتُّهموا بالخيانة . وكان ذلك بعد تفجير بعض محلات بيع لحم الخنزير الَّتي كان قد تحدَّث ضدَّها . لقد تحدَّث فعلاً ضدَّها، وهو يعترف بذلك مُوضحاً بأنَّه دستوريَّاً - ومنذ عام 1913- هناك قانون بمنع الخمَّارات والكازينوهات ومحلات بيع لحم الخنزير في دار السَّلام وتانغا ومافيا وليندي وكيغوما. ولحُسن حظِّه فقد بُرِّأت ساحته، وبعد ذلك مباشرةً هاجر إلى زامبيا منفيّاً؛ وذلك بعد أن نُصِحَ بأنَّ هناك مؤامرة لقتله.(1/14)
وحدَّثنا بأنَّه في كلِّ يومٍ كان يُطلق فيه سراحه ، كانت الشرطة تأتي لتعتقله مُجدَّداً . وهل يمكن أن تتخيَّلوا ماذا حصل أيضاً؟! يقول موايبوبو:
"لقد قالت النِّساء بأنَّهن لن يسمحن بذلك! وبأنَّهم سيقاومن اعتقالي من قبل قوات الأمن بأجسادهن. وكانت النِّساء أيضاً هنَّ اللواتي ساعدنني على الهرب عبر الحدود مُتخفياً؛ فقد ألبسنني ملابس النِّساء!"
وهذا هو أحد الأسباب التي جعلته يُقدِّر دور النِّساء.
"يجب أن تُعطى النِّساء مكانةً رفيعةً, وأن يُمنحن تعليماً إسلاميّاً جيِّداً . وإلا فكيف يمكن للمرأة أن تتفهَّم لماذا يتزوَّج الرَّجل أكثر من امرأةٍ واحدة.... لقد كانت زوجي زينب هي من اقترحت عليَّ بأنِّي يجب أن أتزوَّج بزوجي الثَّانية – صديقتها شيلا – حين كان يتوجَّب عليها السَّفر إلى الخارج من أجل الدِّراسات الإسلاميَّة."
هل الأُسقف (السَّابق) هو الَّذي يقول ذلك. الله أكبر؟!
الغريب في الأمر أن "جون موايبوبو" الذي تدرج في مراتب الكنيسة حتى وصل إلى رتبة
رئيس الأساقفة في تنزانيا بعد أن اعتنق الإسلام و تسمى باسم "أبي بكر" ....... لم يكتَفِ
بإسلامه ، بل اجتهد في أن يأخذ بيد غيره من النصارى ، و لا سيما الذين كانوا يترددون
على الكنيسة و يلقي عليهم المواعظ و الدروس حتى استطاع أن يقنع أكثر من خمسة
آلاف شخص للدخول في دين الإسلام .
ورسالة الحاجِّ أبي بكر موايبوبو إلى المسلمين هي:
"إنَّ هناك حرباً على الإسلام....... وقد أغرقوا العالم بالمطبوعات. والآن بالتحديد يعملون على جعل المسلمين يشعرون بالعار بوصفهم لهم بالأُصوليِّين . فيجب على المسلمين ألا يقفوا عند طموحاتهم الشَّخصيَّة، ويجب عليهم أن يتَّحدوا. فعليك أن تدافع عن جارك إن كنت تريد أن تكون أنت في أمان."
يقول ذلك ويحضُّ المسلمين على أن يكونوا شجعاناً، مُستشهداً بالمركز الإسلاميِّ العالميِّ للدَّعوة والشَّيخ أحمد ديدات:(1/15)
"ذلك الرَّجل ليس مُتعلِّماً، لكن انظر إلى الطَّريقة الَّتي ينشر بها الإسلام."
***
3- توبة فتاة نصرانية
سناء فتاة مصرية نصرانية، كتب الله لها الهداية واعتناق الدين الحق بعد رحلة طويلة من الشك والمعاناة، تروي قصة هدايتها فتقول:
نشأت كأي فتاة نصرانية مصرية على التعصب للدين النصراني، وحرص والدي على اصطحابي معهما إلى الكنيسة صباح كل يوم أحد لأقبل يد القس، وأتلو خلفه التراتيل الكنسية، وأستمع إليه وهو يخاطب الجمع ملقنا إياهم عقيدة التثليث، ومؤكدا عليهم بأغلظ الأيمان أن غير المسيحيين مهما فعلوا من خير فهم مغضوب عليهم من الرب، لأنهم – حسب زعمه- كفرة ملاحدة. كنت أستمع إلى أقوال القس دون أن أستوعبها، شأني شأن غيره من الأطفال، وحينما أخرج من الكنيسة أهرع إلى صديقتي المسلمة لألعب معها، فالطفولة لا تعرف الحقد الذي يزرعه القسيس في قلوب الناس.
كبرت قليلا، ودخلت المدرسة، وبدأت بتكوين صداقات مع زميلاتي في مدرستي الكائنة بمحافظة السويس.. وفي المدرسة بدأت عيناي تتفتحان على الخصال الطيبة التي تتحلى بها زميلاتي المسلمات، فهن يعاملنني معاملة الأخت، ولا ينظرن إلى اختلاف ديني عن دينهن، وقد فهمت فيما بعد أن القرآن الكريم حث على معاملة الكفار – غير المحاربين – معاملة طيبة طمعا في إسلامهم وإنقاذهم من الكفر، قال تعلى : (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين). إحدى زميلاتي المسلمات ربطتني بها على وجه الخصوص صداقة متينة، فكنت لا أفارقها إلا في حصص التربية الدينية، إذ كنت – كما جرى النظام أدرس مع طالبات المدرسة النصرانيات مبادئ الدين النصراني على يد معلمة نصرانية.(1/16)
كنت أريد أن أسأل معلمتي كيف يمكن أن يكون المسلمون – حسب افتراضات المسيحيين – غير مؤمنين وهم على مثل هذا الخلق الكريم وطيب المعشر؟ لكني لم أجرؤ على السؤال خشية إغضاب المعلمة حتى تجرأت يوما وسألت، فجاء سؤالي مفاجأة للمعلمة التي حاولت كظم غيظها، وافتعلت ابتسامة صفراء رسمتها على شفتيها وخاطبتني قائلة: " إنك ما زلت صغيرة ولم تفهمي الدنيا بعد، فلا تجعلي هذه المظاهر البسيطة تخدعك عن حقيقة المسلمين كما نعرفها نحن الكبار..". صمت على مضض على الرغم من رفضي لإجابتها غير الموضوعية، وغير المنطقية. وتنتقل أسرة أعز صديقاتي إلى القاهرة، ويومها بكينا لألم الفراق، وتبادلنا الهدايا والتذكارات ، ولم تجد صديقتي المسلمة هدية تعبر بها عن عمق وقوة صداقتها لي سوى مصحف شريف في علبة قطيفة أنيقة صغيرة، قدمتها لي قائلة:" لقد فكرت في هدية غالية لأعطيك إياها ذكرى صداقة وعمر عشناه سويا فلم أجد إلى هذا المصحف الشريف الذي يحتوي على كلام الله". تقبلت هدية صديقتي المسلمة شاكرة فرحة، وحرصت على إخفائها عن أعين أسرتي التي ما كانت لتقبل أن تحمل ابنتهم المصحف الشريف.(1/17)
وبعد أن رحلت صديقتي المسلمة، كنت كلما تناهى إلي صوت المؤذن، مناديا للصلاة، وداعيا المسلمين إلى المساجد، أعمد إلى إخراج هدية صديقتي وأقبلها وأنا أنظر حولي متوجسة أن يفاجئني أحد أفراد الأسرة، فيحدث لي مالا تحمد عقباه. ومرت الأيام وتزوجت من "شماس" كنيسة العذراء مريم، ومع متعلقاتي الشخصية، حملت هدية صديقتي المسلمة "المصحف الشريف" وأخفيته بعيدا عن عيني زوجي، الذي عشت معه كأي امرأة شرقية وفية ومخلصة وأنجبت منه ثلاثة أطفال. وتوظفت في ديوان عام المحافظة، وهناك التقيت بزميلات مسلمات متحجبات، ذكرنني بصديقتي الأثيرة، وكنت كلما علا صوت الأذان من المسجد المجاور، يتملكني إحساس خفي يخفق له قلبي، دون أن أدري لذلك سببا محددا، إذ كنت لا أزال غير مسلمة، ومتزوجة من شخص ينتمي إلى الكنيسة بوظيفة يقتات منها، ومن مالها يطعم أسرته.
وبمرور الوقت، وبمحاورة زميلات وجارات مسلمات على دين وخلق بدأت أفكر في حقيقة الإسلام والمسيحية، وأوازن بين ما أسمعه في الكنيسة عن الإسلام والمسلمين، وبين ما أراه وألمسه بنفسي، وهو ما يتناقض مع أقوال القسس والمتعصبين النصارى. بدأت أحاول التعرف على حقيقة الإسلام، وأنتهز فرصة غياب زوجي لأستمع إلى أحاديث المشايخ عبر الإذاعة والتلفاز، علي أجد الجواب الشافي لما يعتمل في صدري من تساؤلات حيرى، وجذبتني تلاوة الشيخ محمد رفعت، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد للقرآن الكريم، وأحسست وأنا أستمع إلى تسجيلاتهم عبر المذياع أن ما يرتلانه لا يمكن أن يكون كلام بشر، بل هو وحي إلهي.(1/18)
وعمدت يوما أثناء وجود زوجي في الكنيسة إلى دولابي، وبيد مرتعشة أخرجت كنزي الغالي "المصحف الشريف" فتحته وأنا مرتبكة، فوقعت عيناي على قوله تعالى: ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) . ارتعشت يدي أكثر وصببت وجهي عرقا، وسرت في جسمي قشعريرة، وتعجبت لأني سبق أن استمعت إلى القرآن كثير في الشارع والتلفاز والإذاعة، وعند صديقات المسلمات، لكني لم أشعر بمثل هذه القشعريرة التي شعرت بها وأنا أقرأ من المصحف الشريف مباشرة بنفسي. هممت أن أواصل القراءة إلا أن صوت أزيز مفاتح زوجي وهو يفتح باب الشقة حال دون ذلك، فأسرعت وأخفيت المصحف الشريف في مكانه الأمين، وهرعت لأستقبل زوجي.
وفي اليوم التالي لهذه الحادثة ذهبت إلى عملي، وفي رأسي ألف سؤال حائر، إذ كانت الآية الكريمة التي قرأتها قد وضعت الحد الفاصل لما كان يؤرقني حول طبيعة عيسى عليه السلام، أهو ابن الله كما يزعم القسيس – تعلى الله عما يقولون- أم أنه نبي كريم كما يقول القرآن؟ فجاءت الآية لتقطع الشك باليقين، معلنة أن عيسى، عليه السلام، من صلب آدم، فهو إذن ليس ابن الله، فالله تعلى : ( لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد). تساءلت في نفسي عن الحل وقد عرفت الحقيقة الخالدة، حقيقة أن "لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله". أيمكن أن أشهر إسلامي؟ وما موقف أهلي مني، بل ما موقف زوجي ومصير أبنائي؟ طافت بي كل هذه التساؤلات وغيرها وأنا جالسة على مكتبي أحاول أن أودي عملي لكني لم أستطع، فالتفكير كاد يقتلني، واتخاذ الخطوة الأولى أرى أنها ستعرضني لأخطار جمة أقلها قتلي بواسطة الأهل أو الزوج والكنيسة. ولأسابيع ظللت مع نفسي بين دهشة زميلاتي اللاتي لم يصارحنني بشيء، إذ تعودنني عاملة نشيطة، لكني من ذلك اليوم لم أعد أستطيع أن أنجز عملا إلا بشق الأنفس.(1/19)
وجاء اليوم الموعود، اليوم الذي تخلصت فيه من كل شك وخوف وانتقلت فيه من ظلام الكفر إلى نور الإيمان، فبينما كنت جالسة ساهمة الفكر، شاردة الذهن، أفكر فيما عقدت العزم عليه، تناهي إلى سمعي صوت الأذان من المسجد القريب داعيا المسلمين إلى لقاء ربهم وأداء صلاة الظهر، تغلغل صوت الأذان داخل نفسي، فشعرت بالراحة النفسية التي أبحث عنها، وأحسست بضخامة ذنبي لبقائي على الكفر على الرغم من عظمة نداء الإيمان الذي كان يسري في كل جوانحي، فوقفت بلا مقدمات لأهتف بصوت عال بين ذهول زميلاتي: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله"، فاقبل علي زميلات وقد تحيرن من ذهولهن، مهنئات باكيات بكاء الفرح، وانخرطت أنا أيضا معهن في البكاء، سائلة الله أن يغفر لي ما مضى من حياتي، وأن يرضى علي في حياتي الجديدة. كان طبيعيا أن ينتشر خبر إسلامي في ديوان المحافظة، وأن يصل إلى أسماع زملائي وزميلاتي النصارى، اللواتي تكفلن- بين مشاعر سخطهن- بسرعة إيصاله إلى أسرتي وزوجي، وبدأن يرددن عني مدعين أن وراء القرار أسباب لا تخفى.(1/20)
لم آبه لأقوالهن الحاقدة، فالأمر الأكثر أهمية عندي من تلك التخرصات: أن أشهر إسلامي بصورة رسمية، كي يصبح إسلامي علنا، وبالفعل توجهت إلى مديرية الأمن حيث أنهيت الإجراءات الهامة لإشهار إسلامي. وعدت إلى بيتي لأكتشف أن زوجي ما إن علم بالخبر حتى جاء بأقاربه وأحرق جميع ملابسي، واستولى على ما كان لدي من مجوهرات ومال وأثاث، فلم يؤلمني ذلك، وإنما تألمت لخطف أطفالي من قبل زوجي ليتخذ منهم وسيلة للضغط علي للعودة إلى ظلام الكفر.. آلمني مصير أولادي، وخفت عليهم أن يتربوا بين جدران الكنائس على عقيدة التثليث، ويكون مصيرهم كأبيهم في سقر.. رفعت ما اعتمل في نفسي بالدعاء إلى الله أن يعيد إلي أبنائي لتربيتهم تربية إسلامية، فاستجاب الله دعائي، إذ تطوع عدد من المسلمين بإرشادي للحصول على حكم قضائي بحضانة الأطفال باعتبارهم مسلمين، فذهبت إلى المحكمة ومعي شهادة إشهار إسلامي، فوقفت المحكمة مع الحق، فخيرت زوجي بين الدخول في الإسلام أو التفريق بينه وبيني، فقد أصبحت بدخولي في الإسلام لا أحل لغير مسلم، فأبى واستكبر أن يدخل في دين الحق، فحكمت المحكمة بالتفريق بيني وبينه، وقضت بحقي في حضانة أطفالي باعتبارهم مسلمين، لكونهم لم يبلغوا الحلم، ومن ثم يلتحفون بالمسلم من الوالدين.(1/21)
حسبت أن مشكلاتي قد انتهت عند هذا الحد، لكني فوجئت بمطاردة زوجي وأهلي أيضا، بالإشاعات والأقاويل بهدف تحطيم معنويات ونفسيتي، وقاطعتني الأسر النصرانية التي كنت أعرفها، وزادت على ذلك بأن سعت هذه الأسر إلى بث الإشاعات حولي بهدف تلويث سمعتي، وتخويف الأسر المسلمة من مساعدتي لقطع صلتهن بي. وبالرغم من كل المضايقات ظللت قوية متماسكة، مستمسكة بإيماني، رافضة كل المحاولات الرامية إلى ردتي عن دين الحق، ورفعت يدي بالدعاء إلى مالك الأرض والسماء، أن يمنحني القوة لأصمد في وجه كل ما يشاع حولي، وأن يفرج كربي. فاستجاب الله دعائي وهو القريب المجيب، وجاءني الفرج من خلال أرملة مسلمة، فقيرة المال، غنية النفس، لها أربع بنات يتامى وابن وحيد بعد وفاة زوجها، تأثرت هذه الأرملة المسلمة للظروف النفسية التي أحياها، وتملكها الإعجاب والإكبار لصمودي، فعرضت علي أن تزوجني بابنها الوحيد "محمد" لأعيش وأطفالي معها ومع بناتها الأربع، وبعد تفكير لم يدم طويلا وافقت، وتزوجت محمدا ابن الأرملة المسلمة الطيبة. وأنا الآن أعيش مع زوجي المسلم "محمد" وأولادي ، وأهل الزوج في سعادة ورضا وراحة بال، على الرغم مما نعانيه من شظف العيش، وما نلاقيه من حقد زوجي السابق، ومعاملة أسرتي المسيحية. ولا أزال بالرغم مما فعلته عائلتي معي أدعو الله أن يهديهم إلى دين الحق ويشملهم برحمته مثلما هداني وشملني برحمته، وما ذلك عليه – سبحانه وتعالى – بعزيز.
***
4- سيف الإسلام التهامي يروي قصة إسلامه(1/22)
ولدت في القاهرة في 30/7/1980 من أبوين نصرانيين,كان أبي أرمن كاثوليك و أمي إنجيلية ( طوائف نصرانية ),و كانت ابنة عم أبي راهبة في مدرسة راهبات الأرمن, و كان خالي قسيساُ في أحد الكنائس الإنجيلية, وكان لي أختان أكبر مني بأربع سنوات . نشأت نشأة نصرانية بحتة فمنذ نعومة أظافري و أنا أذهب إلى الكنيسة كل يوم أحد، و في الأعياد، وفي كل وقت أشاء حيث لم يكن علي رقيبٌ فيما يخص ذهابي للكنيسة فقد أحببت الذهاب إليها،والاستمتاع بكل ما فيها من شعائر و صلوات و أيضاً ألعاب و معسكرات و رحلات.
التحقت بمدرسة نوباريان الأرمينية وهي مدرسة لا تقبل إلا النصارى الأرمن فقد كان عدد طلاب المدرسة من حضانة إلى ثانوي ما يقرب من 125 طالب فقط في جميع مراحل التعليم بها وكان أول ما نفعله صباحاً في طابور المدرسة هو الصلاة ونحن واقفون في صفنا ، وكانت توجد كنيسة بالمدرسة وكان أكثر المدرسين في المدرسة نصارى .
فمن الواضح الآن للقارئ أني لم يكن لي أي اختلاط بالمسلمين إلا القليل من أصدقائي في الحي أو جيراني ، بل كانت معظم أوقاتي أقضيها بالكنيسة , وكنت أخدم كشماس في الكنيسة ( والشماس هو الذي يساعد القسيس في مراسم القداس و الصلاة) .واستمر بي الحال على ذلك حتى وصلت المرحلة الثانوية، وفي هذه المرحلة بدأت أرتبط بالكنيسة والقساوسة أكثر من ذي قبل وكنت سعيداً جداً بهذه العلاقة لأني كنت من المقربين لديهم وأصبحت أقوم بمعظم شعائر القداس من قراءة للإنجيل ورد على القسيس عندما يتلوا أي شيء منه ، بالإضافة إلى تحضير القربان والخمر للقداس (أعاذكم الله منها).و في يوم من الأيام كنت أجلس مع أحد أصدقائي المسلمين , فقال لي : ألن تسلم ؟
فقلت له : ولم أسلم ؟ولم لا تتنصر أنت ؟
فقال لي عبارة كانت هي أشد ما سمعت ..
قال: (أنتم كلكم في النار ) !
فيالها من كلمة قوية وقعت عليَّ كالصاعقة ..
النار؟!؟
لماذا النار؟؟(1/23)
وأنا أعمل كل شيء صالح لأتقرب إلى ربي لكي أدخل الجنة ثم يقول لي أني سوف أدخل النار؟
فعندما هدأت سألته: لماذا أدخل أنا والنصارى جميعاً النار وأنتم المسلمون تدخلون الجنة ؟
فقال : لأنكم تقولون ثالث ثلاثة وأن المسيح ابن الله وغيرها من الافتراءات على المسيح !
فقلت له: وكيف عرفت كل هذه الأشياء ..هل قرأت الإنجيل ؟
قال : لا بل قرأتها عندنا في القرآن .
فكان هذا من الأشياء العجيبة التي سمعتها أيضاً ، فكيف يعرف القرآن ما هو في ديننا (سابقاً) وكيف يقر بأن هذه الأشياء التي نقولها على المسيح كلها كفر وتؤدي إلى النار؟
عندئذ احتار أمري وبدأت أتفكر مليا في هذا الأمر ، ثم بدأت أقرأ الإنجيل ولأول مرة على بصيرة فقد كان على قلبي عمى ، وبدأت أجد الاختلافات الشديدة في ذكر نسب المسيح!
و إدعاء إلوهيته تارة و نبوته تارة أخرى!
فبدأت أتساءل من هو المسيح إذن ؟
أهو نبي أم ابن الله أم هو الله ؟
وبدأت أضع بعض الأسئلة ثم أذهب بها إلى القسيس, لكي أحصل على الإجابة الشافية, ولكني لم أجد ما يثلج صدري في أي إجابة!
فأتذكر أني ذات مرة سألت القسيس: لماذا الكتاب المقدس يقول أن المسيح جالس على جبل الزيتون وهو يدعو الله ؟
.. فإن كان هو الله حقاً فلمن يدعو ؟ ولمن يسجد ؟ فأجابني إجابات لم أفهم منها شيئاً .
ثم بدأت أتفكر فيما كنا نفعله في الكنيسة من اعتراف بالخطايا والذنوب للقسيس وأيضاً المناولة (وهي عبارة عن جلاش طري يوضع في الخمر فيقول القسيس أن هذين الشيئين صارا دم وجسد المسيح ومن يأخذهم يغفر له ويطهر من الداخل! )
وتساءلت كيف يغفر ذنوبي بشراً مثله مثلي ؟!!
وهو لمن يعترف؟ ومن يغفر له ؟
وكيف يحل دم وجسد المسيح في هذه الكأس ؟
هل هذه خرافة أم حقيقة ؟
وكيف يطهر ما في داخلي ويغفر ذنوبي ؟(1/24)
فبدأت الأسئلة تكثر داخلي ولم أجد لها إجابة ، فبدأت آخذ قراراتي من نفسي : مثل عدم الاعتراف للقسيس لأنه بشر مثلي ، وأيضاً عدم أخذ المناولة ، و آمنت أن المسيح عليه السلام نبياً لأنه بشر ...
والإله له صفات الكمال الخاصة التي تتنافى مع صفات البشر و بدأت أقرأ الإنجيل بدون أن أقول (ربنا يسوع المسيح) [ بنص الإنجيل ]
ولكن أقول يسوع المسيح (فقط) ، ولكن مع هذا لم أشعر بالراحة التي أريدها ولم أشعر أن هذا هو الحل في هذا الدين الذي أعتنقه .
وأثناء ذلك وفي تلك الحقبة من حياتي ، كنت ذات يوم أستذكر دروسي في غرفتي داخل منزل الأسرة الذي يقع خلفه تماماً مسجد ، وكنا في شهر رمضان وكانت مكبرات الصوت تعمل من بعد صلاة العشاء خلال صلاة التراويح ، وكان صوت الإمام الذي يقرأ القرآن يصل إلى غرفتي ..
إنه صوت خافت و جميل كنت أشعر فيه بحلاوة تمس قلبي و لم أكن قد علمت بعد أن هذه التلاوة هي القرآن الكريم .
ثم جاءت اللحظة التي شرح الله فيها صدري للإسلام و كان ذلك يوم الأحد بالقداس داخل الكنيسة عندما كنت أقرأ الإنجيل, قبل القداس استعداداً لقراءته على الناس خلال الصلاة.
وأثناء استعدادي سألت نفسي:
هل سأقول ربنا يسوع المسيح؟
أم يسوع المسيح فقط ؟
لأنه نبي وليس بإله ، ولكن إذا قلت ذلك سوف يدرك الحاضرون أني تجاوزت عن تلك الكلمة ولكن أيضاً كيف سأخالف ضميري ..
وفي النهاية قررت أني سأقرأ الإنجيل كما هو دون تغيير مادمت أمام الناس و أن أجعل هذا التغيير عندما أقرأه بمفردي .
وجاء ميعاد قراءتي للإنجيل خلال القداس ..(1/25)
وبدأت أقرأ بثبات كما هو مكتوب تماماً حتى وقفت عند كلمة: (ربنا يسوع المسيح)..... فأبى لساني أن ينطق بها, ولم أشعر بنفسي إلا و أنا أتجاوز كلمة (ربنا) خلال القراءة بالكلية وتعجب القسيس من ذلك الموقف, فأشار إلي بالجلوس فتوقفت عن القراءة ثم جلست ولكننا أكملنا الصلاة بشكل طبيعي ، حتى إذا انتهت الصلاة توجهت للغرفة الخاصة بنا..
وهنالك سألني القسيس: لم فعلت ذلك ؟
لماذا لم تقرأ الإنجيل كما هو ؟
فلم أجبه, وقلت له: إني أريد أن أذهب إلى البيت لأستريح!
وذهبت إلى غرفتي وأنا في غاية الدهشة..
لماذا فعلت ذلك ؟ و ماذا حدث لي؟
ومنذ ذلك اليوم,وأنا أنام قبل إتمام قراءة الإنجيل يومياً كما كنت معتاداً من ذي قبل وأصبحت لا أشعر بالراحة لا في صلاة, ولا قراءة ولا حتى الذهاب إلى الكنيسة..
وظللت أتفكر في حالي , ( وتخترق أذني تلك الكلمة القاسية التي قالها لي صديقي المسلم )
( كلكم في النار..)
بعدها....... أقبلت على القراءة الجادة في كتب المقارنات والكتب الإسلامية التي تتناول حياة المسيح ، فعرفت من هو المسيح في الإسلام , و علمت أيضاً مالم أكن أعلم : وهو ذكر النبي (صلى الله عليه وسلم) في إنجيل العهدين القديم و الحديث..
واكتشفت: أن المسيح وأمه مريم (عليهما السلام), مكرمان غاية التكريم في القرآن.
وأن المسيح (نبيّ), قال الله له كن: فكان.
وهو (روح منه)، فتأكدت حينئذِ أن الإنجيل الذي بين يديّ محرف، ويكثر فيه اللغط .
ثم علمت أن (الإسلام) هو دين الحق, وأن الله لا يرضى غير الإسلام ديناً ، وأنه هو الطريق إلى الجنة والنجاة من النار (التي لا يسعى إليها أحد).
فذهبت بعدها إلى إحدى المكتبات واشتريت مصحفاً كي أقرأ فيه..
وعندما قرأته لم أكن-حينها- أفهم منه شيئاً, ولكني والله أحسست براحة غريبة في صدري !!(1/26)
لقد انشرح صدري لهذا الدين الذي ارتضاه الله لعباده وكرمهم به وأرشدهم إليه, فالحمد لله أولاً, والحمد لله آخراً ,والحمد لله أبداً أبداً ، الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة .
ومن المدهش أيضاً أني عندما أخبرت أخواتي بالإسلام وجدتهن قد سبقاني إليه!!
ولم يعارضني منهن أحد، فالحمد لله الذي منَّ علينا جميعاً بالإسلام ..
فيومها نطقت بالشهادتين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
لقد ولدت من جديد ، فما أجمله من دين , وما أعظمه من إله واحد أحد , لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد .
فلك الحمد يا إلهي, أنت عزي وأنت جاهي, فمن يستعين بسؤالك وأنت لا تخيب من راجاك .
اللهم فلك الحمد علي نعمة الإسلام وعلى نعمة الإيمان ، اللهم ثبتني على ما أنا عليه و اجعل آخر كلماتي في هذه الدنيا لا إله إلا الله محمد رسول الله فيها ومن أجلها أحيا وأموت وبها ألقاك، وصلاةً وسلاما على خير المرسلين إمام النبيين محمد صلى الله عليه و سلم تسليماً كبيراً عظيماً إلى يوم الدين.
***
5- سلطان تشادي نصراني ، وهو الآن من أشهر الدعاة!
هذه قصة عجيبة، تستحق القراءة، قصة ذلك النصراني المتعصب الذي هداه الله لطريق الحق وأصبح فيما بعد من أشهر الدعاة في القارة الإفريقية.
عندما تحدثنا معه، بدأ قصته منذ بدايتها ولم ينتظر أسئلتنا. قال لن القصة كاملة: أنه سلطان أحد الأقاليم في تشاد، واسمه (علي رمضان ناجيلي)، سلطان (قِندي) في تشاد.
كان نصرانيا ً متعصبا ً، كما يقول لنا: كان يكره المسلمين وود لو أنه أحرقهم إن أمكنه ذلك. يقول:(1/27)
كنت تائها ً ومشوشا ً حتى صرت مسلما ً في عام 1977 على أيدي شيخ نيجيري كان يعمل في الدعوة. وبأسلوبه وقوة حجته، استطاع إقناع الناس في إقليمنا باعتناق الإسلام. وكنت قد رأيت العديد من الدعاة الصوفيين في الماضي: أتوا لمنطقتنا وجعلوا شرطا ً لمن يريد أن يدخل الإسلام أن يهديهم هدايا، كالفاكهة، مواشي، أو ملابس! هذا جعل الكثير من الناس يحجمون عن اعتناق الإسلام، لأنهم رأوه كدين يستغل الناس، وهذا كان الانطباع الذي أعطاني إياه أولئك المتصوفة.
لكن فيما بعد، جاء الشيخ النيجيري السلفي وأظهر لنا الإسلام الصحيح. أثبت لنا أن الإسلام ليس كما فعل أولئك المتصوفة. حدثنا كيف أن المشركين عرضوا المناصب والثروات على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لكنه رفضها من أجل الدعوة. وقال لنا كيف جاهد ضد المشركين لسنوات عدة وصبر على إهاناتهم وتعذيبهم حتى نجحت الدعوة وانتشرت عبر العالم.
بعد كل ما أخبرنا به، وبعد شهور من الدعوة، استطاع إقناعنا باعتناق الإسلام، ودخلنا نحن هذا الدين على أساس من الإيمان الراسخ. أصبحنا مسلمين طواعية ، معتنقين دينا ًحيث أصبح بإمكاننا عبادة الله بكل إخلاص ، عبادته وحده، لا بشر ولا صنم يقربوننا منه أو يبعدوننا عن السحر والشياطين.
أصبحت مسلما ً ضمن من أصبح مسلما ً كذلك ، من بين من كان منهم أبي ، سلطان إقليم (ماهيم توكي قِندي) بنيجيريا. بعدما أصبح والدي مسلما ً، قال لي: من الآن فصاعدا ً، أنت تنتمي للإسلام. ستبقى مع وتخدم الشيخ الذي علمنا الإسلام.
قال والدي له: سأهدي هذا الولد لك في سبيل الله، لخدمة الإسلام.
ذهبت معه و بقيت في خدمته مدة 6 سنوات ، ثم تخرجت من خدمته ، كداعية ، بعد دراسة الإسلام خلال تلك الفترة في نيجيريا. وبنهاية تلك السنين الست، قال لي: اعمل معي في نيجيريا، فقلت له: قرأت في القرآن أن الله تعالى قال : "وأنذر عشيرتك الأقربين " (الشورى 26:214).
سؤال: كيف أصبحت سلطان الإقليم؟(1/28)
أصبحت السلطان بعد وفاة والدي، بعد دعوة الناس في الإقليم إلى الإسلام لعامين. قاد هذا إلى أن يعتنق الإسلام 4.722 شخصا ً من قبيلة (ساراقولاي) ، من ضمنهم 14 قسيسا ً نصرانيا ً. منذ ذلك الوقت، بدأت المواجهات مع المنظمات التنصيرية في جنوب تشاد: حاولوا تدمير الدعوة الإسلامية وتنصير من كان قد أسلم باستعمال وسائل شتى! اعتبروا الدعوة الإسلامية هناك منافسا ً هدد بصد المد النصراني. حاولوا إغرائي بالمال والنساء، وبعرض بيت ومزرعة علي حتى أتنصر. أرادوا مني استعمال نفس الأساليب من أجلهم كتلك التي استعملتها عندما أسلم ذلك العدد الكبير من الناس . هذا ما كان يزعجهم ، لأنهم كانوا يستعملون العديد من الموارد لكنهم لم يحققوا النتائج التي حققتها أنا في جنوب تشاد . هذا ما دفع الحكومة التشادية أن تعينني كعضو في اللجنة العليا للشئون الإسلامية في جمهورية تشاد. لكن رغم كل تلك العروض، رفضت ما عرضه علي المنصرون، فبدأوا إثارة الأرواحيين (الأرواحية animism: مذهب حيوية المادة: الاعتقاد بأن لكل ما في الكون ، وحتى للكون ذاته، روحا ً أو نفسا ً، وأن الروح أو النفس هي المبدأ الحيوي المنظم للكون.) ضد المسلمين في الجنوب، لكن جهودهم باءت بالفشل.
سؤال: كيف جئت لزيارة مكة؟
منحتني (منظمة الدعوة الإسلامية) إذنا ً لأداء فريضة الحج، وعندما زرت مكة ورأيت المسلمين هناك، بيض وسود، بلا فوارق بينهم، جميعهم يرتدون نفس اللباس ومتساوو المنازل، لم أستطع التوقف عن البكاء. لم يكن أحد من عائلتي معي، رغم هذا فقد أحسست أن كل أولئك الناس من حولي كانوا أهلي وإخواني. هذا زاد من تصميمي لأكافح بجدية أكبر في مجال الدعوة، لأرشد أناسا ً آخرين لهذا الدين العظيم، ولكي لا أحتفظ بهذه المتعة الروحية لنفسي فقط، ولأنقذ بقية إخواني من هول القيامة ونار الجحيم. فقررت أن أبدأ حملتي الدعوية في بلدي، تشاد.(1/29)
سؤال: ما علاقتك بالمراكز الإسلامية، وكيف تطورت تلك المراكز؟
بعدما عدت من الحج، قررت إنشاء مراكز إسلامية بإمكانها تزويد المسلمين بمساجد ومدارس. والحمد لله، تمكنت من بناء 12 مسجدا ً وبناء مدرسة للأطفال المسلمين. وقد حفرنا 12 بئرا ً للمسلمين في إقليم قندي، كما عملت على إنشاء مؤسسة لتدريب المسلمين الجدد على الدعوة. منذ البداية، كان هدفي نشر دين الإسلام بتعاليمه، أخلاقياته، وسلوكياته، والتركيز على تدريس اللغة العربية والإسلام، وإقامة حلقات دراسية لتعليم القرآن والسنة وكل هذا قد تم إنجازه، الحمد لله.
سؤال: قلت أن النصارى هم أعظم العوائق التي تواجهها، فهل من عوائق أخرى؟
هناك العديد من العوائق التي تواجه الدعوة في جنوب تشاد. العائق الرئيس هو المادة، حيث أن الناس هناك فقراء ولا يتوفر لديهم الزاد اليومي. العديد من أولئك الذين أسلموا ليس عندهم حتى ما يغطون به عوراتهم عندما يصلون! وكذلك، الإقليم يعاني من قلة الطرق، كما ليس هناك وسائل مواصلات للذهاب لمناطق الأرواحيين البدائية لنقوم بالدعوة في تلك القرى حيث معظم الناس هناك نصارى. كما نعاني من نقص في الدعاة المتمرسين.(1/30)
الكثير من المسلمين هناك لا يعرف أكثر من الشهادتين، وهذا لسوء الحظ. بالمقارنة مع هذا، جهود المنظمات التنصيرية مدعمة بالمواد الأساسية والموارد البشرية لضمان النجاح. وتبقى جهود المنصرين أعظم العوائق التي نواجهها في الإقليم. عندما زار بابا الفاتيكان إقليم قندة في نهاية جولته الإفريقية، قابل المنصرين هناك ووضع خطط كبيرة لتنصير الإقليم. وهكذا، بعثوا بمنظمات تنصيرية من عدد من الدول الأوروبية، كما زودوها بالأموال اللازمة لها. كما أعلنوا عن عزمهم بناء عدد من الكنائس في الإقليم.قال لي أحد المنصرين الطليان أن هذا الإقليم سيكون نصرانيا ً بحلول عام 2002 م. يقومون، كل شهر، بتنظيم مهرجانات محلية حيث يعرضون الطعام، والشراب والعون للأرواحيين ويدعونهم لاعتناق النصرانية. كما يزورون دور الأيتام والملاجئ التي يدعمونها ماليا ً لكي يقوموا بتنصير الأطفال النازلين هناك. كم هم مخادعون! كانوا يعملون باسم الصليب الأحمر هناك عندما تم اكتشاف أنهم كانوا يقومون بتعقيم(أي جعلهن عقيمات، فلا ينجبن) النساء بإعطائهن أدوية لا يتمكنن بموجبها من الإنجاب! تلك أحد وسائل الهادفة للحد من عدد المسلمين وضع نهاية للإسلام في تشاد.
سؤال: ماذا وجدت في الإسلام؟
اكتشفت حلاوة في الإسلام، ولا يشك أحد أنه دين العدل والمساواة. لا فرق بين شخص وآخر، بين غني وفقير، إلا بالتقوى. الكل يتوجه لله، والكل عبيد لله.
نصيحتي لكل المسلمين: إذا كانوا يريدون أن يسود الإسلام، فليتبعوا الإسلام قولا ً وعملا ً. هذا بحد ذاته سيكون سببا ً في انتشار الإسلام، لأن الآخرين لا يملكون الخصائص الطيبة والسلوك اللذان هما السبب وراء جذب الآخرين له واعتناقه. الإسلام يسود ولا سيد فوقه، لأنه يتضمن كنوزا ً عظيمة، وتعاليم رفيعة وعبر للناس، لا زالت مخفية ولا بد من كشفها لكل الناس.(1/31)
يمكن تحقيق ذلك إذا التزمنا به، اتبعنا تعاليمه وآدابه كما بينها القرآن وأحاديث الرسول الكريم وآثار صحابته.
***
6- رحلتي من المسيحية إلى الإسلام
الإسلام فطرة، مقولة لطالما سمعتها تتردد على ألسنة المسلمين من حولي ولم أدرك حقيقة معناها إلا عندما بدأت خطواتي في التعرف على الدين الإسلامي.
أنا فتاة، كنت أدين بالدين المسيحي، حتى تاريخ 15 /1/2006 ، حيث والحمد لله اعتنقت الإسلام ديناً و اتخذت نبيه ورسوله عليه الصلاة و السلام ولياً وشفيعاً و أدركت أن لا اله إلا الله.
نشأتي كانت في عائلة مسيحية ليست على قدرٍ عالٍ من التدين حيث كان والدي ملحداً ووالدتي تتبع الدين كأي إنسان ولد خلال دين معين يتبعه لأنه تلقنه ، و نحن تربينا على ذلك، والدي لم يكن ليتدخل في قراراتنا ولا في مناحي حياتنا ، علمنا استقلالية التفكير والقرار.(1/32)
كان تعليمنا في مدارس الراهبات فبالتالي التركيز على تعاليم الدين المسيحي كان مهماً جداً وكان واجباً علينا حضور القداس يوم الأحد مع بقية الرعية ، ويوم الأربعاء قداس خاص بالطالبات . لم أذكر في حياتي أنني أحببت شعائر القداس و لكن كنت أؤديها باهتمام كونه كانت لدي قناعة بأن الصلاة كانت الطريق إلى التقرب من الله سبحانه وتعالى، لكن داخلياً لم أكن أشعر بالخشوع، مظاهر البهرجة والزينة سواء كان في الكنيسة أو مرتاديها فائقة ولا تمنح شعوراً عاماً بالورع ، طريقة الصلاة تكون من خلال الكاهن الذي هو صلتنا بالله خلال الصلاة، لماذا احتاج إلى وساطة عند الصلاة ؟ كنت منذ صغري أراقب سيدة مسلمة كانت تأتي لتعين أمي في أعمال المنزل ، أراقبها وهي تصلي فأراها تذوب ورعاً بالرغم من أنها تصلي لوحدها منعزلة ، فسألتها ذات مرة هل تشعرين بأن الله قريب منك وأنت تصلين فأنا أشعر كأنني أرى نوراً يشع من وجهك وأنت تسجدين ، فأجابتني عندما تصلين تشعرين بروح الله قريبة منكِ، على الرغم من بساطة الرد إلا انه كان له في نفسي أثراً كبيراً وكنت أغبط المسلمين عند سماع كل آذان حيث أنهم في تلك اللحظات " سوف يشعرون بأن روح الله قريبة منهم".(1/33)
كبرت من خلال ذلك الدين و بقيت عليه إلى أن قاربت حدود الثلاثين من العمر حيث التحقت بالحزب الشيوعي وبالتالي ابتعدت عن الدين نهائياً وأصبح تفكيري بالله سبحانه وتعالى أقرب إلى تفكير الملحدين ، لكن لم استطع أبدا أن أجزم بعدم وجود الله ، وبقيت على هذه الحال بضع سنوات إلى أن تركت الحزب ، واستمرت علاقتي بالله مبتورة ، اقتصر ذهاب إلى الكنيسة على العيدين ولمشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم.مع مرور الزمن لم اعد اشعر أن إيماني بالله كافياً، ولا أريد تلك العلاقة المبتورة مع الخالق، شيئاً ما في داخلي كان يقول لي يجب أن تقوي علاقتك مع الخالق والطريقة الأوحد هي التقرب من الدين، وكان الدين المسيحي هو المتاح لي اجتماعياً وعائلياً بالطبع. ولكن طول هذه الفترة ومنذ صغري كانت أسئلة محيرة ومريبة تدور دائماً في ذهني، أسئلة تتعلق بأساس العقيدة وماهية الله .
من هو الله؟
هل هو الآب؟
هل هو الابن؟
هل هو الروح القدس؟
الله واحد في أولئك الثلاثة ، دائماً كان هذا الرد ، ولكن لم يجد أبداً لدي أي قبول أو قناعة، كيف يكون لله ولد ؟ وكيف يقول يكون الله هو ذلك الولد ؟ لماذا يحتاج الله إلى ولد ليثبت إلوهيته؟
لماذا أحتاج كمسيحية ألا اعرف الله إلا من خلال المسيح، إن كان نبياً فبالنهاية هو بشر مثلنا وإن كان على درجة أعلى من القدسية ، لكن لا احتاجه ليكون واسطتي إلى الله فهو بالنهاية رسوله الذي ابلغ رسالته ، كما هي الحال مع باقي الأنبياء ، وإن كان إلها ، فكيف لي أن اعبد إلهين وأشرك بالله؟
بدأت التبحر والقراءة والاطلاع، تولد لدي شعور بالقلق، كثيراً من المفاهيم لم ترق لتفكيري، لم أتقبلها كما هي ، ساورتني شكوك في كون الكتاب المقدس هي الكلمة الإلهية ، وجدت في الكتاب المقدس كثيراً من الإشارات إلى أن المسيح ما هو إلا نبي أرسله الله برسالة لتكمل ما جاء من قبله، بل وإن اغلب الإشارات ومن الإنجيل أوحت لي بذلك.(1/34)
متى 11:18 فاَبنُ الإنسانِ جاءَ ليُخلَّصَ الهالِكينَ
يوحنا 19:12 لأنِّي ما تكَلَّمْتُ بشيءٍ مِنْ عِندي، بَلِ ألآب الذي أرسَلني أَوصاني بِما أقولُ وأتكَلَّمُ.
متى 5: 17لا تَظُنّوا أنّي جِئتُ لأُبطِلَ الشَّريعَةَ وتَعاليمَ الأنبياءِ: ما جِئتُ لأُبطِلَ، بل لأُكمَّلَ.
مرقس 18:10 فقالَ لَه يَسوعُ: «لماذا تَدعوني صالِحًا؟ لا صالِحَ إلاَّ الله وحدَه
مرقس 37:9 مَنْ قَبِلَ واحدًا مِنْ هؤُلاءِ الأطفالِ باَسمي يكونُ قَبِلَني، ومَنْ قَبِلَني لا يكونُ قَبِلَني أنا، بَلِ الذي أرسَلَني«.
يوحنا 3:17 الحياةُ الأبديَّةُ هيَ أنْ يَعرِفوكَ أنتَ الإلهَ الحَقَ وحدَكَ ويَعرِفوا يَسوعَ المَسيحَ الذي أرْسَلْتَهُ.
ومن أمثال ذلك الكثير، فلم يدع المسيح بأنه إلها وقد أشار إلى نفسه بأنه ابن الإنسان، بل جاء في الكتاب إنه استغاث بالله من على الصليب قائلاً: الهي الهي لماذا تركتني؟
فمن أين جاءت فكرة الثالوث، ومن أن المسيح هو الله !؟! هو ابن الله!؟!
معضلة حيرتني لسنين طويلة.
وترافق مع هذه المعضلة في تفكيري أمر آخر، لماذا يحتاج الله أن يتجسد في صفة الإنسان لينزل على الأرض بصور ابنه؟ ولماذا يحتاج ليقتل ابنه ليمحو عن البشر خطاياهم؟؟ لماذا يحتاج الله أن يغرينا لنحبه ونؤمن به ؟ ألا يكفينا إخلاصاً لله انه خالقنا ؟ ما الهدف من حياتنا ولماذا نحتاج لعبادة الله وطاعته لمجرد انه أرسل ابنه ليخلصنا لنحيا بلا خطيئة؟؟ وأين العدالة الإلهية في تحميل أي كان أخطاء الآخرين؟
وإن كان المسيح قد مات مصلوباً، إذن فإن الله قد مات؟؟؟ كيف يكون ذلك؟؟؟
كانت دائماً تكون الإجابات ممن سألتهم لإثبات إلوهية المسيح بأنه صنع المعجزات.
لقد صنع قبله غيره المعجزات أيضاً !!
المسيح بعد أن مات قام من بين الأموات وهذا لا يقدر عليه إلا الآلهة.
من قبله النبي إيليا لم يمت بل حمل إلى السماء على عربة من نور حسب العهد القديم!!
لم احصل على إجابة تقنعني.(1/35)
الجواب الوحيد الذي أقنعني كان من داخلي، وهو أن فكرة الفداء والثالوث قد أدخلت على الديانة عند بداية الدعوة في عهد القسطنطينية ، حيث طبعت الأناجيل بصورتها الحالية ، من أجل إغراء الناس للدخول في الدين الجديد لتسهيل عملية نشره في بلاد لم تكن فيه الأديان الموحدة معروفة، وكانت فكرة الثالوث أقرب إلى الناس الذين كانوا مشركين في ذلك الوقت وكذلك كانت فكرة الغفران من الخطايا والخلاص منها أيضا فيها إغراء للناس الذين كانوا يحيون بدون أي قيد من أجل إدخالهم في الدين الجديد.
النقطة الأخرى، هل الإنجيل كلام الله؟؟؟؟ نظراً لوجود نسخ مختلقة وغير متطابقة من الإنجيل فقناعتي راسخة بأنه كتاب موضوع ممن عاصروا المسيح من رسله، فبدأت القراءة بأسلوب الباحث وليس بأسلوب المتلقن إلى أن سمعت مناظرة للمرحوم / الداعية الشيخ أحمد ديدات رحمه الله وغفر له مع قس أمريكي ، عنوانها هل الكتاب المقدس كلمة الله ، فبدأت قناعاتي تترسخ بعدم دقة العهد الجديد من الكتاب المقدس ، و لاحظت أيضاً بتجاهل الكثير من الإشارات في الكتاب المقدس إلى مجيء محمد فقرأت للشيخ أحمد ديدات أكثر فأكثر وترسخت قناعاتي باتت غير قابلة للتغيير.(1/36)
في نفس الفترة ازدادت الهجمة على الإسلام كدين يهدد الاستقرار في العالم، وظهر في العالم الإسلامي تأويلات وتفسيرات تخص الدين الإسلامي كانت من على درجة من الغلو في التطرف دفعتني للبحث في أصولها وأسبابها في الدين، حيث أن معرفتي بالدين الإسلامي كوني عشت حيات في بلد ذا أغلبية مسلمة ، معرفتي به كانت انه دين سمح يدعو إلى المحبة والتواد بين الناس ورأفة بهم ، فقادتني هذه الرحلة إلى معرفة الدين قرب ، فوجدته لا يمت بصلة لما يحاول الغرب والبعض من غلاة التطرف بوسمه به، وجدته ديناً يتسع للجميع، ينادي بوحدانية الله بدون أي ريب أو شرك ، يدعو المسلمين إلى الاتجاه للخالق والتفيؤ في ظل رحمته الواسعة، لا ينتظرون من إشارات أو تضحيات من أجل الطاعة والخضوع له .
"فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ " القصص 67 .(1/37)
وتلقائياً شعرت باستقراره في قلبي وعقلي في آن واحد بسهولة ويسر، كما وجدته مناسباً لي كشخص أكثر، ملائماً لشخصيتي، طريقة الصلاة ترضي رغبتي في تقربي من الله، إلى أن يسر لي الله صيام رمضان في العام الفائت ، وظن كل من حولي أن صيامي اجتماعياً أكثر منه دينياً لكنني داخلياً شعرت بصفاء لم أشعر به من قبل ، وتيسر لي خلال شهر رمضان ختم القرآن الكريم فوقع كلامه في قلبي وعلى عقلي وقعاً جميلاً مرضياً و بدأت انظر إلى الحياة بطريقة مختلفة، رضى دائم وسكينة وطمأنينة، تابعت رحلتي في البحث إلى أن مر عيد الميلاد وأتى بعده عيد الأضحى ، وجاءت الأعياد الثلاث ( الفطر والميلاد والأضحى ) في فترة متقاربة ، وكانت امتحاناً لقناعتي واستقراري، عند حلول عيد الميلاد لم أشعر بأي شعور داخلي بأنني انتمي لهذا الدين ، وبحلول عيد الأضحى وجدت نفسي انوي صيام يوم عرفة ، وصمته والحمد لله ، وفي ذلك اليوم تحديداً اتخذت قراري بإشهار إسلامي وكان لي ذلك بفضل الله سبحانه و تعالى يوم 15/1/2006. وأشهد أن لا اله إلا الله وان محمداً عبده ورسوله.
***
7- رئيس لجان التنصير بأفريقيا القس المصري السابق
اسحق هلال مسيحه(1/38)
المهنة : راعي كنيسة المثال المسيحي ورئيس فخري لجمعيات خلاص النفوس المصرية بإفريقيا وغرب آسيا. مواليد : 3/5/1953 - المنيا- جمهورية مصر العربية . ولدت في قرية البياضية مركز ملوي محافظة المنيا من والدين نصرانيين أرثوذكس زرعا في نفوسنا - ونحن صغار - الحقد ضد الإسلام والمسلمين. حين بدأت أدرس حياة الأنبياء بدأ الصراع الفكري في داخلي وكانت أسئلتي تثير المشاكل في أوساط الطلبة مما جعل البابا (شنودة) الذي تولّى بعد وفاة البابا (كيرلس) يصدر قراراً بتعييني قسيساً قبل موعد التنصيب بعامين كاملين- لإغرائي وإسكاتي فقد كانوا يشعرون بمناصرتي للإسلام - مع أنه كان مقرراً ألا يتم التنصيب إلا بعد مرور 9 سنوات من بداية الدراسة اللاهوتية. ثم عيّنت رئيساً لكنيسة المثال المسيحي بسوهاج ورئيساً فخرياً لجمعيّات خلاق النفوس المصريّة (وهي جمعيّة تنصيريّة قويّة جدّاً ولها جذور في كثير من البلدان العربية وبالأخص دول الخليج) وكان البابا يغدق عليّ الأموال حتّى لا أعود لمناقشة مثل تلك الأفكار لكنّي مع هذا كنت حريصاً على معرفة حقيقة الإسلام ولم يخبو النور الإسلامي الذي أنار قلبي فرحاً بمنصبي الجديد بل زاد، وبدأت علاقتي مع بعض المسلمين سراً وبدأت أدرس وأقرأ عن الإسلام. وطُلب منّي إعداد رسالة الماجستير حول مقارنة الأديان وأشرف على الرسالة أسقف البحث العلمي في مصر سنة 1975، واستغرقت في إعدادها أربع سنوات وكان المشرف يعترض على ما جاء في الرسالة حول صدق نبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأميته وتبشير المسيح بمجيئه. وأخيراً تمّت مناقشة الرّسالة في الكنيسة الإنجليكيّة بالقاهرة واستغرقت المناقشة تسع ساعات وتركزت حول قضيّة النّبوّة والنّبي صلى الله عليه وسلم علماً بأن الآيات صريحة في الإشارة إلى نبوّته وختم النّبوّة به. وفي النهاية صدر قرار البابا بسحب الرسالة منّي وعدم الاعتراف بها.(1/39)
أخذت أفكر في أمر الإسلام تفكيراً عميقاً حتّى تكون هدايتي عن يقين تام ولكن لم أكن أستطيع الحصول على الكتب الإسلامية فقد شدّد البابا الحراسة عليّ وعلى مكتبتي الخاصّة.
و لهدايتي قصة :
في اليوم السادس من الشهر الثامن من عام 1978م كنت ذاهباً لإحياء مولد العذراء بالإسكندريّة أخذت قطار الساعة الثالثة وعشر دقائق الذي يتحرك من محطة أسيوط متجهاً إلى القاهرة وبعد وصول القطار في حوالي الساعة التاسعة والنصف تقريباً ركبت الحافلة من محطة العتبة رقم 64 المتجهة إلى العباسيّة وأثناء ركوبي في الحافلة بملابسي الكهنوتية وصليب يزن ربع كيلو من الذهب الخالص وعصاي الكرير صعد صبيّ في الحادية عشر من عمره يبيع كتيبات صغيرة فوزعها على كلّ الركّاب ماعدا أنا، وهنا صار في نفسي هاجس لم كل الركاب إلا أنا، فانتظرته حتّى انتهى من التوزيع والجمع فباع ما باع وجمع الباقي قلت له: "يا بنيّ لماذا أعطيت الجميع بالحافلة إلا أنا". فقال: "لا يا أبونا أنت قسيس". وهنا شعرت وكأنّني لست أهلاً لحمل هذه الكتيّبات مع صغر حجمها (لا يمسّه إلاّ المطهرون). ألححت عليه ليبيعني منهم فقال: "لا دي كتب إسلاميّة" ونزل، وبنزول هذا الصّبي من الحافلة شعرت وكأنّني جوعان وفي هذه الكتب شبعي وكأنّني عطشان وفيها شربي. نزلت خلفه فجرى خائفاً منّي فنسيت من أنا وجريت وراءه حتّى حصلت على كتابين. عندما وصلت إلى الكنيسة الكبرى بالعبّاسيّة (الكاتدرائيّة المرقسيّة) ودخلت إلى غرفة النّوم المخصّصة بالمدعوّين رسميّاً كنت مرهقاً من السفر، ولكن عندما أخرجت أحد الكتابين وهو (جزء عم) وفتحته وقع بصري على سورة الإخلاص فأيقظت عقلي وهزت كياني. بدأت أرددها حتى حفظتها وكنت أجد في قراءتها راحة نفسية واطمئناناً قلبياً وسعادة روحية، وبينا أنا كذلك إذ دخل عليّ أحد القساوسة وناداني: "أبونا إسحاق" ،فخرجت وأنا أصيح في وجهه: (قل هو الله أحد) دون شعور منّي.(1/40)
على كرسي الاعتراف:
بعد ذلك ذهبت إلى الإسكندريّة لإحياء أسبوع مولد العذراء يوم الأحد أثناء صلاة القداس المعتاد وفي فترة الراحة ذهبت إلى كرسي الاعتراف لكي أسمع اعترافات الشعب الجاهل الذي يؤمن بأن القسيس بيده غفران الخطايا. جاءتني امرأة تعض أصابع الندم. قالت: "أني انحرفت ثلاث مرات وأنا أمام قداستك الآن أعترف لك رجاء أن تغفر لي وأعاهدك ألا أعود لذلك أبداً ". ومن العادة المتبعة أن يقوم الكاهن برفع الصليب في وجه المعترف ويغفر له خطاياه. وما كدت أرفع الصليب لأغفر لها حتى وقع ذهني على العبارة القرآنية الجميلة (قل هو الله أحد) فعجز لساني عن النطق وبكيت بكاءً حارّاً وقلت: "هذه جاءت لتنال غفران خطاياها منّي فمن يغفر لي خطاياي يوم الحساب والعقاب". هنا أدركت أن هناك كبير أكبر من كل كبير، إله واحدٌ لا معبود سواه. ذهبت على الفور للقاء الأسقف وقلت له: "أنا أغفر الخطايا لعامة الناس فمن يغفر لي خطاياي" . فأجاب دون اكتراث: "البابا". فسألته: "ومن يغفر للبابا"، فانتفض جسمه ووقف صارخاً وقال: "أنت قسيس مجنون واللي أمر بتنصيبك مجنون حتّى وإن كان البابا لأنّنا قلنا له لا تنصّبه لئلاّ يفسد الشعب بإسلاميّاته وفكره المنحل". بعد ذلك صدر قرار البابا بحبسي في دير (ماري مينا) بوادي النطرون.
كبير الرهبان يصلّي:(1/41)
أخذوني معصوب العينين وهناك استقبلني الرهبان استقبالاً عجيباً كادوا لي فيه صنوف العذاب علماً بأنّني حتّى تلك اللحظة لم أسلم، كل منهم يحمل عصا يضربني بها وهو يقول: "هذا ما يصنع ببائع دينه وكنيسته". استعملوا معي كل أساليب التعذيب الذي لا تزال آثاره موجودةً على جسدي وهي خير شاهدٍ على صحّة كلامي حتّى أنّه وصلت بهم أخلاقهم اللاإنسانيّة أنهم كانوا يدخلون عصا المقشّة في دبري يوميّاً سبع مرّات في مواقيت صلاة الرهبان لمدّة سبعة وتسعين يوماً، وأمروني بأن أرعى الخنازير. وبعد ثلاثة أشهر أخذوني إلى كبير الرهبان لتأديبي دينياً وتقديم النصيحة لي فقال: "يا بنيّ . . إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، اصبر واحتسب. ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب".قلت في نفسي ليس هذا الكلام من الكتاب المقدس ولا من أقوال القديسين. وما زلت في ذهولي بسبب هذا الكلام حتى رأيته يزيدني ذهولاً على ذهول بقوله: "يا بنيّ نصيحتي لك السر والكتمان إلى أن يعلن الحق مهما طال الزمان" تُرى ماذا يعني بهذا الكلام وهو كبير الرهبان. ولم يطل بي الوقت حتى فهمت تفسير هذا الكلام المحيّر. فقد دخلت عليه ذات صباح لأوقظه فتأخر في فتح الباب، فدفعته ودخلت وكانت المفاجأة الكبرى التي كانت نوراً لهدايتي لهذا الدين الحق دين الوحدانيّة عندما شاهدت رجلاً كبيراً في السنّ ذا لحية بيضاء وكان في عامة الخامس والستّين وإذا به قائماً يصلي صلاة المسلمين (صلاة الفجر). تسمرتُ في مكاني أمام هذا المشهد الذي أراه ولكنّي انتبهت بسرعة عندما خشيت أن يراه أحد من الرهبان فأغلقت الباب. جاءني بعد ذلك وهو يقول: "يا بنيّ استر عليّ ربّنا يستر عليك". أنا منذ 23 سنة على هذا الحال-غذائي القرآن وأنيس وحدتي توحيد الرحمن ومؤنس وحشتي عبادة الواحد القهّار الحقّ أحقّ أن يتّبع .(1/42)
بعد أيّام صدر أمر البابا برجوعي لكنيستي بعد نقلي من سوهاج إلى أسيوط لكن الأشياء التي حدثت مع سورة الإخلاص وكرسي الاعتراف والراهب المتمسّك بإسلامه جعلت في نفسي أثراً كبيراً لكن ماذا أفعل وأنا محاصر من الأهل والأقارب وممنوع من الخروج من الكنيسة بأمر
شنودة.
رحلة تنصيريّة:
بعد مرور عام جاءني خطاب والمودع بالملف الخاص بإشهار إسلامي بمديرية أمن الشرقيّة-ج.م.ع يأمرني فيه بالذهاب كرئيس للّجنة المغادرة إلى السودان في رحلة تنصيريّة فذهبنا إلى السودان في الأوّل من سبتمبر 1979م وجلسنا به ثلاثة شهور وحسب التعليمات البابويّة بأن كلّ من تقوم اللجنة بتنصيره يسلّم مبلغ 35 ألف جنيه مصريّ بخلاف المساعدات العينيّة فكانت حصيلة الذين غرّرت بهم اللجنة تحت ضغط الحاجة والحرمان خمسة وثلاثين سودانيّاً من منطقة واو في جنوب السودان. وبعد أن سلّمتُهم أموال المنحة البابويّة اتّصلت بالبابا من مطرانيّة أم درمان فقال: "خذوهم ليروا المقدسات المسيحيّة بمصر (الأديرة)" وتم خروجهم من السودان على أساس عمّال بعقود للعمل بالأديرة لرعي الإبل والغنم والخنازير وتم عمل عقود صوريّة حتّى تتمكّن لجنة التنصير من إخراجهم إلى مصر. بعد نهاية الرحلة وأثناء رجوعنا بالباخرة (مارينا) في النّيل قمت أتفقّد المتنصرين الجدد وعندما فتحت باب الكابينة 14بالمفتاح الخاص بالطاقم العامل على الباخرة فوجئت بأن المتنصر الجديد عبد المسيح وكان اسمه محمّد آدم يصلّي صلاة المسلمين. تحدّثت إليه فوجدته متمسّكاً بعقيدته الإسلاميّة فلم يغريه المال ولم يؤثّر فيه بريق الدنيا الزائل .(1/43)
خرجت منه وبعد حوالي الساعة أرسلت له أحد المنصّرين فحضر لي بالجناح رقم 3 وبعد أن خرج المنصّر قلت له: "يا عبد المسيح لماذا تصلّي صلاة المسلمين بعد تنصّرك"، فقال: "بعت لكم جسدي بأموالكم، أمّا قلبي وروحي وعقلي فملك الله الواحد القهّار لا أبيعهم بكنوز الدنيا وأنا أشهد أمامك بأن لا إله إلا الله وأنّ محمّد رسول الله". بعد هذه الأحداث التي أنارت لي طريق الإيمان وهدتني لأعتنق الدين الإسلامي وجدت صعوبات كثيرة في إشهار إسلامي نظراً لأنّني قس كبير ورئيس لجنة التنصير في أفريقيا وقد حاولوا منع ذلك بكل الطرق لأنه فضيحة كبيرة لهم. ذهبت لأكثر من مديريّة أمن لأشهر إسلامي وخوفاً على الوحدة الوطنيّة أحضرتْ لي مديريّة الشرقيّة فريقاً من القساوسة والمطارنة للجلوس معي وهو المتّبع بمصر لكل من يريد اعتناق الإسلام. هدّدتني اللجنة المكلّفة من 4 قساوسة و 3 مطارنة بأنها ستأخذ كلّ أموالي وممتلكاتي المنقولة والمحمولة والموجودة في البنك الأهلي المصري-فرع سوهاج وأسيوط والتي كانت تقدّر بحوالي 4 مليون جنيه مصريّ وثلاثة محلات ذهب وورشة لتصنيع الذهب بحارة اليهود وعمارة مكوّنة من أحد عشر طابق رقم 499 شارع بور سعيد بالقاهرة فتنازلت لهم عنها كلّها فلا شئ يعدل لحظة الندم التي شعرت بها وأنا على كرسي الاعتراف. بعدها كادت لي الكنيسة العداء وأهدرت دمي فتعرضت لثلاث محاولات اغتيال من أخي وأولاد عمّي، فقاما بإطلاق النّار عليّ في القاهرة وأصابوني في كليتي اليسرى والّتي تم استئصالها في 7/1/1987م في مستشفى القصر العيني والحادث قيّد بالمحضر رقم 1762/1986 بقسم قصر النّيل مديريّة أمن القاهرة بتاريخ 11/11/1986م. أصبحت بكلية واحدة وهي اليمنى ويوجد بها ضيق الحالب بعد التضخم الذي حصل لها بقدرة الخالق الذي جعلها عوضاً عن كليتين.(1/44)
ولكن للظروف الصعبة الّتي أمر بها بعد أن جرّدتني الكنيسة من كل شئ والتقارير الطبّيّة التي تفيد احتياجي لعملية تجميل لحوض الكلية وتوسيع للحالب. ولأني لا أملك تكاليفها الكبيرة، أجريت لي أكثر من خمس عشرة عملية جراحيّة من بينها البروستات ولم تنجح واحدة منها لأنها ليست العملية المطلوب إجراؤها حسب التقارير التي أحملها، ولما علم أبواي بإسلامي أقدما على الانتحار فأحرقا نفسيهما والله المستعان.
***
8- إبراهيم خليل فلوبوس
أستاذ اللاهوت المصري السابق
نبذة عنه:
-ماجستير في اللاهوت من جامعة برنستون الأمريكية .
-من كتبه (محمد في التوراة والإنجيل والقرآن) و(المسيح إنسان لا إله) و(الإسلام في الكتب السماوية) و(اعرف عدوك إسرائيل) و(الاستشراق والتبشير وصلتهما بالإمبريالية العالمية) و(المبشرون والمستشرقون في العالم العربي الإسلامي.
وقد كان راعياً للكنيسة الإنجيلية ، وأستاذاً للاهوت ، أسلم على يديه عدد كبير من الناس .
ردّه العقل الحر :
-يحدثنا الحاج إبراهيم عن رحلته إلى الإسلام ، فيقول :
"في مؤتمر تبشيري دعيت للكلام ، فأطلت الكلام في ترديد كل المطاعن المحفوظة ضد الإسلام ، وبعد أن انتهيت من حديثي بدأت أسأل نفسي : لماذا أقول هذا وأنا أعلم أنني كاذب ؟! واستأذنت قبل انتهاء المؤتمر ، خرجت وحدي متجهاً إلى بيتي ، كنت مهزوزاً من أعماقي ، متأزماً للغاية ، وفي البيت قضيت الليل كله وحدي في المكتبة أقرأ القرآن ، ووقفت طويلاً عند الآية الكريمة :
) لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (
وفي تلك الليلة اتخذت قرار حياتي فأسلمت، ثم انضم إلي جميع أولادي ، وكان أكثرهم حماساً ابني الأكبر (أسامة) وهو دكتور في الفلسفة ويعمل أستاذاً لعلم النفس في جامعة السوربون".(1/45)
وبإسلامهم زادت بيوت الإسلام بيتاً .
قصته :
الأستاذ السابق بكلية اللاهوت الإنجيلية ( إبراهيم خليل فلوبوس ) واحد من الملايين الذين انقادوا لما وجدوا عليه آباءهم من غير بني الإسلام .. تنشأ في الكنيسة .. وترقى في مدارس اللاهوت .. وتبوأ مكانة مرموقة في سلم التنصير .. وبأنامل يديه خط عصارة خبرته الطويلة عدة مئات من الصفحات رسالة للماجستير تحت عنوان : ( كيف ندمر الإسلام بالمسلمين ) ؟ !. في علم اللاهوت كان ( فلوبوس ) متخصصاً لا يجارى .. وفي منظار ( الناسوت ) كان ابن الكنيسة الإنجيلية .. الأمريكية يتيه خيلاء .. ولأسباب القوة والمتعة والحماية المتوفرة .. ما كان ( إبراهيم ) يقيم لعلماء الأزهر ، ـ وقد شفهم شظف العيش ـ أي وزن أو احترام !
لكن انتفاضة الزيف لم تلبث فجأة أن خبت .. وضلالات التحريف الإنجيلي والتخريف التوراتي انصدعت على غير ميعاد .. وتساقطت إذ ذاك غشاه الوهم ، وتفتحت بصيرة الفطرة فكان لإبراهيم خليل فلوبوس ـ وقد خطا عتبات الأربعين يوم الخامس والعشرين من ديسمبر 1959 ميلاداً جديداً . مع الأستاذ إبراهيم خليل أحمد ... داعية اليوم كان هذا اللقاء .. وعبر دهاليز الضلالة والزيف نحو عالم الحق والهداية والنور كان هذا الحوار .
ـ كيف كانت رحلة الهداية التي أوصلتك شاطئ الإيمان والإسلام ، ومن أين كانت البداية ؟
ـ في مدينة الإسكندرية وفي الثالث عشر من يناير عام 1919 كان مولدي ، نشأت نشأة نصرانية ملتزمة وتهذبت في مدارس الإرسالية الأمريكية ، وتصادف وصولي مرحلة (الثقافة) المدرسية مع اندلاع الحرب العالمية الثانية ، وتعرض مدينة الإسكندرية لأهوال قصف الطائرات .. فاضطررنا للهجرة إلى أسيوط حيث استأنفت في كليتها التعليم الداخلي وحصلت على الدبلوم عام 41 / 1942 وسرعان ما تفتحت أمامي سبل العمل فالتحقت بالقوات الأمريكية من عام 42 وحتى عام 1944م . ما طبيعة هذا العمل وكيف حصلت عليه ؟(1/46)
كان للقوات الأمريكية وقتذاك معامل كيماوية لتحليل فلزات المعادن التي تشكل هياكل الطائرات التي تسقط من أجل معرفة تراكيبها ونوعياتها ، وبحكم ثقافتي في كلية أسيوط ولتمكني من اللغة الإنجليزية ولأن الأمريكان كانوا يهتمون اهتماماً بالغاً بالخريجين ويستوعبونهم في شركاتهم فقد أمضيت في هذا العمل سنتين .. لكن أخبار الحرب والنكبات دفعتني لأن أنظر إلى العالم نظرة أعمق قادتني للاتجاه إلى دعوة السلام وإلى الكنيسة .. التي كانت ترصد رغباتي وتؤجج توجهاتي .. فالتحقت بكلية اللاهوت سنة 1945م وأمضيت فيها ثلاث سنين.(1/47)
ـ ماهي الخطوط العامة لمنهج الكلية وأين موقع الإسلام فيه ؟ في الثمانية أشهر الأولى كنا ندرس دراسات نظرية .. يقدم الأستاذ المحاضرة على شكل نقاط رئيسية ، ونحن علينا أن نكمل البحث من المكتبة . وكان علينا أن ندرس اللغات الثلاث : اليونانية والآرامية والعبرية إضافة إلى اللغة العربية كأساس والإنجليزية كلغة ثانية .. بعد ذلك درسنا مقدمات العهد القديم والجديد ، والتفاسير والشروحات وتاريخ الكنيسة ، ثم تاريخ الحركة التنصيرية وعلاقتها بالمسلمين ، وهنا نبدأ دراسة القرآن الكريم والأحاديث النبوية ، ونتجه للتركيز على الفرق التي خرجت عن الإسلام أمثال الإسماعيلية ، والعلوية ، والقاديانية ، والبهائية ... وبالطبع كانت العناية بالطلاب شديدة ويكفي أن أذكر بأننا كنا حوالي 12 طالباً وُكّل بتدريسنا 12 أستاذاً أمريكياً و7 آخرين مصريين . ـ هذه الدراسات عن الإسلام وعن الفرق .. هل كانت للاطلاع العلمي وحسب أم أن هدفاً آخر كان وراءها ؟ ـ في الواقع كنا نؤسس على هذه الدراسات حواراتنا المستقبلية مع المسلمين ونستخدم معرفتنا لنحارب القرآن بالقرآن ... والإسلام بالنقاط السوداء في تاريخ المسلمين ! كنا نحاور الأزهريين وأبناء الإسلام بالقرآن لنفتنهم ، فنستخدم الآيات مبتورة تبتعد عن سياق النص ونخدم بهذه المغالطة أهدافنا ، وهناك كتب لدينا في هذا الموضوع أهمها كتاب ( الهداية ) من 4 أجزاء و ( مصدر الإسلام ) إضافة إلى استعانتنا واستفادنا من كتابات عملاء الاستشراق أمثال طه حسين الذي استفادت الكنيسة من كتابه ( الشعر الجاهلي ) مائة في المائة ، وكان طلاب كلية اللاهوت يعتبرونه من الكتب الأساسية لتدريس مادة الإسلام ! وعلى هذا المنهج كانت رسالتي في الماجستير تحت عنوان (كيف ندمر الإسلام بالمسلمين) سنة 52 والتي أمضيت 4 سنوات في إعدادها من خلال الممارسة العملية للوعظ والتنصير بين المسلمين من بعد تخرجي عام 48 .(1/48)
ـ كيف إذاً حدث الانقلاب فيك ... ومتى اتجهت لاعتناق الإسلام ؟ ـ كانت لي ـ مثلما ذكرت ـ صولات وجولات تحت لواء الحركة التنصيرية الأمريكية ، ومن خلال الاحتكاك الطويل ، ومن بعد الاطلاع المباشر على خفاياهم تأكد لي أن المنصرين في مصر ما جاءوا لبثّ الدين وإنما لمساندة الاستعمار والتجسس على البلاد ! ـ وكيف ؟ ـ الشواهد كثيرة ، وفي أي مسألة من المسائل ، فإذا كانت البلد تستعد للانتفاضة على الظلم كانت الكنيسة أول من تدرك ذلك لأن القبطي والمسلم يعيشان على أرض واحدة ، ويوم يتأوه المسلم سرعان ما يسمع النصراني تأوهاته فيوصلها إلينا لنقوم بتحليلها وترجمتها بدورنا ، ومن جانب آخر كان رعايا الكنيسة في القوات المسلحة أداة مباشرة لنقل المعلومات العسكرية وأسرارها ، وعن طريق المراكز التنصيرية التابعة لأمريكا والتي تتمتع بالرعاية وبالحماية الأمريكية كانت تدار حرب التجسس ، و لك أن تعلم هنا أن النصراني في مصر له جنسيتان وانتماءان : انتماؤه للوطن الذي ولد فيه وهو انتماء مدني تُعبر عنه جنسيته المصرية ، وانتماء ديني أقوى تمثله الجنسية النصرانية . فهو يحس في أوروبا وفي أمريكا حصناً وبالدرجة الأولى ، بينما يشعر النصارى في مصر أنهم غرباء ! تماماً كالانتماء الإسرائيلي الذي يعتبر انتماءه بالروح إلى أرض أورشليم انتماء دينياً ، وانتماءه إلى الوطن الذي ولد فيه انتماء مدنياً وحسب ! ولذلك قام مخطط المنصرين والكنيسة على جعل مصر تدور في فلك الاستعمار فلا تستطيع أن تعيش بعيداً عنه ، الأمر الذي جعلني أشعر بمصريتي وأحس أن هؤلاء أجانب عني وأن جاري المسلم أقرب إلي منهم بالفعل ... فبدأت أتسامح .. عفواً أقول أتسامح وأعني أن أقرأ القرآن بصورة تختلف عما كنت أقرؤه سابقاً وفي شهر يونيو تقريباً عام 1955م استمعت إلى قول الله سبحانه [ قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ..(1/49)
] هذه الآية الكريمة من الغريب أنها رسخت في القلب ، ولما رجعت إلى البيت سارعت إلي المصحف وأمسكته وأنا في دهشة من هذه السورة ، كيف ؟ إن الله سبحانه وتعالى يقول : [ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله .. ].
إبراهيم خليل الذي كان إلى عهد قريب يحارب الإسلام ويقيم الحجج من القرآن والسنة ومن الفرق الخارجة عن الإسلام لحرب الإسلام ... يتحول إلى إنسان رقيق يتناول القرآن الكريم بوقار وإجلال ... فكأن عيني رُفعت عنهما غشاوة وبصري صار حديداً ... لأرى ما لا يرى ... وأحس إشراقات الله تعالى نوراً يتلألأ بين السطور جعلتني أعكف على قراءة كتاب الله من قوله تعالى : [ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ] وفي سورة الصف : [ ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ] إذاً فالقرآن الكريم يؤكد أن هناك تنبؤات في التوراة وفي الإنجيل عن النبي محمد . ومن هنا بدأت ولعدة سنوات دراسة هذه التنبؤات ووجدتها حقيقة لم يمسها التبديل والتغيير لأن بني إسرائيل ظنوا أنها لن تخرج عن دائرتهم .. وعلى سبيل المثال جاء في ( سفر التثنية ) وهو الكتاب الخامس من كتب التوراة ( أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك ، وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به ) توقفت أولاً عند كلمة ( إخوتهم ) وتساءلت : هل المقصود هنا من بني إسرائيل ؟ لو كان كذلك لقال ( من أنفسهم ) أما وقد قال ( من وسط إخوتهم ) فالمراد بها أبناء العمومة ، ففي سفر التثنية إصحاح 2 عدد 4 يقول الله لسيدنا موسى عليه السلام : ( أنتم مارون بنجم إخوتكم بني عيسو ... .(1/50)
) و ( عيسو ) هذا الذي نقول عنه في الإسلام ( العيس ) هو شقيق يعقوب عليه السلام ، فأبناؤه أبناء عمومة لبني إسرائيل ، ومع ذلك قال ( إخوتكم ) وكذلك أبناء ( إسحق ) و أبناء ) إسماعيل ) هم أبناء عمومة ، لأن إسحق ، ( شقيق ) ( إسماعيل ) عليهما السلام ومن ( إسحق ) سلالة بني إسرائيل،ومن ( إسماعيل ) كان ( قيدار ) و من سلالته كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا الفرع الذي أراد بنو إسرائيل إسقاطه وهو الذي أكدته التوراة حين قالت ( من وسط إخوتهم ) أي من أبناء عمومتهم .(1/51)
وتوقفت بعد ذلك عند لفظة ( مثلك ) ووضعت الأنبياء الثلاثة : موسى ، وعيسى ، ومحمد عليهم الصلاة والسلام للمقابلة فوجدت أن عيسى عليه السلام مختلف تمام الاختلاف عن موسى وعن محمد عليهما الصلاة والسلام ، وفقاً للعقيدة النصرانية ذاتها والتي نرفضها بالطبع ، فهو الإله المتجسد ، وهو ابن الله حقيقة ، وهو الأقنوم الثاني في الثالوث ، وهو الذي مات على الصليب ....... أما موسى عليه السلام فكان عبد الله ، وموسى كان رجلاً ، وكان نبياً ، ومات ميتة طبيعية ودفن في قبر كباقي الناس وكذلك سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وإذاً فالتماثل إنما ينطبق على محمد صلى الله عليه وسلم ، بينما تتأكد المغايرة بين المسيح وموسى ـ عليهما السلام ـ ، ووفقاً للعقيدة النصرانية ذاتها ! فإذا مضينا إلى بقية العبارة : ( وأجعل كلامي في فمه .. ) ثم بحثنا في حياة محمد صلى الله عليه وسلم فوجدناه أمياً لا يقرأ ولا يكتب ، ثم لم يلبث أن نطق بالقرآن الكريم المعجزة فجأة يوم أن بلغ الأربعين .. وإذا عدنا إلى نبوءة أخرى في التوراة سفر أشعيا إصحاح 79 تقول : ( أو يرفع الكتاب لمن لا يعرف القراءة ولا الكتابة ويقول له اقرأ ، يقول ما أنا بقارئ .... ) لوجدنا تطابقاً كاملاً بين هاتين النبوءتين وبين حادثة نزول جبريل بالوحي على رسول الله في غار حراء ، ونزول الآيات الخمس الأولى من سورة العلق.هذا عن التوراة ،فماذا عن الإنجيل وأنت الذي كنت تدين به ؟(1/52)
إذا استثنينا نبوءات برنابا الواضحة والصريحة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم بالاسم ، وذلك لعدم اعتراف الكنيسة بهذا الإنجيل أصلاً ، فإن المسيح عليه السلام تنبأ في إنجيل يوحنا تسع نبوءات ، و ( البرقليط ) الذي بشر به يوحنا مرات عديدة ... هذه الكلمة لها خمسة معاني : المعزّي ، والشفيع ، والمحامي ، والمحمد ، والمحمود ، وأي من هذه المعاني ينطبق على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تمام الانطباق فهو المعزّي المواسي للجماعة التي على الإيمان وعلى الحق من بعد الضياع والهبوط ، وهو المحامي والمدافع عن عيسى ابن مريم عليه السلام وعن كل الأنبياء والرسل بعدما شوه اليهود والنصارى صورتهم وحرفوا ما أتوا به وهو الإسلام .. ولهذا جاء في إنجيل يوحنا إصحاح 14 عدد 16 و17 ( أنا أصلي إلى الله ليعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد روح الحق ) .. وقال في نبوءة أخرى إصحاح 16 عدد 13 ـ 14 ( وأما متى جاء ذاك الروح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به . ويخبركم بأمور آتية ، ذاك يمجدني ) وهذا مصداق قول الله تبارك وتعالى : ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) . كيف كانت لحظة إعلانك للإسلام وكيف كانت بداية الحياة الجديدة في رحاب الهداية والحق ـ بعد أن وصلت إلى اليقين وتلمست الحقائق بيدي كان عليّ أن أتحدث مع أقرب الناس إلي زوجتي ، لكن الحديث تسرب عن طريقها إلى الإرسالية للأسف ، وسرعان ما تلقفوني ونقلوني إلى المستشفى وتحت مراقبة صارمة مدعين أني مختل العقل ! ولأربعة شهور تلت عشت معاناة شديدة جداً ، ففرقوا بيني وبين زوجتي وأولادي ، وصادروا مكتبتي وكانت تضم أمهات الكتب والموسوعات ... حتى اسمي كعضو في مجمع أسيوط ، وفي مؤتمر ( سنودس ) شُطب ، وضاع ملفي كحامل ماجستير من كلية اللاهوت ... ..(1/53)
ومن المفارقات العجيبة أن الإنجليز في هذه الآونة كانوا قد خلعوا الملك طلال من عرش الأردن بتهمة الجنون ... . ... فخشيت أن يحدث معي الأمر ذاته ........ لذلك التزمت الهدوء والمصابرة وصمدت حتى أطلق سراحي ، فقدمت استقالتي من الخدمة الدينية واتجهت للعمل في شركة أمريكية للأدوات المكتبية لكن الرقابة هناك كانت عنيفة جداً ، فالكنيسة لا تترك أحداً من أبنائها يخرج عليها ويسلم ، إما أن يقتلوه أو يدسوا عليه الدسائس ليحطموا حياته .ـ. وفي المقابل لم يكن المجتمع المسلم حينذاك ليقدر على مساعدتي ... ... فحقبة الخمسينات والستينات كما تعلمون كانت تصفية للإخوان المسلمين ، وكان الانتماء للإسلام والدفاع عنه حينذاك لا يعني إلا الضياع ! ولذلك كان عليّ أن أكافح قدر استطاعتي ، فبدأت العمل التجاري ، وأنشأت مكتباً تجارياً هرعت بمجرد اكتماله للإبراق إلى ( د. جون طومسون ) رئيس الإرسالية الأمريكية حينذاك ، وكان التاريخ هو الخامس والعشرين من ديسمبر 1959 والذي يوافق الكريسماس ، وكان نص البرقية : ( آمنت بالله الواحد الأحد ، وبمحمد نبياً ورسولاً ) لكن إشهار اعتناقي الرسمي للإسلام كان يفترض عليّ وفق الإجراءات القانونية أن ألتقي بلجنة من الجنسية التي أنا منها لمراجعتي ومناقشتي.(1/54)
و في الوقت الذي رفضت جميع الشركات الأوربية والأمريكية التعامل معي تشكلت اللجنة المعنية من سبعة قساوسة بدرجة الدكتوراه .. خاطبوني بالتهديد والوعيد أكثر من مناقشتي ! وبالفعل تعرضت للطرد من شقتي لأنني تأخرت شهرين أو ثلاثة عن دفع الإيجار واستمرت الكنيسة تدس علي الدسائس أينما اتجهت .. وانقطعت أسباب تجارتي .. لكني مضيت على الحق الذي اعتنقته ... إلى أن قدر الله أن تبلغ أخباري وزير الأوقاف حينذاك عبدالله طعيمة ، والذي استدعاني لمقابلته وطلب مني بحضور الأستاذ الغزالي المساهمة في العمل الإسلامي بوظيفة سكرتير لجنة الخبراء في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية فكنت في منتهى السعادة في بادئ الأمر ، لكن الجو الذي انتقلت إليه كان ـ وللأسف ـ مسموماً ، فالشباب يدربون على التجسس بدل أن يتجهوا للعلم ! والموظفون مشغولون بتعليمات ( منظمة الشباب ) عن كل مهامهم الوظيفية وكان التجسس على الموظفين ، وعلى المديرين ، وعلى وكلاء الوزارة ... حتى يتمكن الحاكم من أن يمسك هؤلاء جميعاً بيد من حديد ! ولكم تركت أشيائي منظمة كلها في درج مكتبي لأجدها في اليوم الثاني مبعثرة ! وعلى هذه الصورة مضت الأيام وأراد الله سبحانه أن يأتي د . محمد البهي وزيراً للأوقاف بعد . طعيمة الجرف . وكان د.البهي قد تربى تربية ألمانية منضبطة ، لكن توفيق عويضة سكرتير المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وأحد ضباط الصف الثاني للثورة تصدى له .. وحدث أن استدعاني د. البهي في يوم من الأيام بعدما صدر كتابي : ( المستشرقون والمنصرون في العالم العربي والإسلامي ) وأحب أن يتعرف عليّ ... فترامى الخبر إلى توفيق عويضة واعتقد أنني من معسكر د. البهي والأستاذ الغزالي ..(1/55)
ووجدت نفسي فجأة أتلقى الإهانة من مدير مكتبه رجاء القاضي وهو يقول لي : اتفضل على الوزارة التي تحميك ! خرجت والدموع في عيني ، وقد وجدتهم صادروا كتبي الخاصة من مكتبي ولم يبقوا لي إلا شيئاً بسيطاً حملته ورجعت إلى الوزارة .. وهناك اشتغلت كاتب وارد بوساطة !! فكان يوم خروجي على المعاش بتاريخ 12 / 1 / 1979 وقد بلغت الستين ، ومن ذلك اليوم بدأ إبراهيم خليل يتبوأ مركزه كداعية إسلامي ، وكان أول ما نصرني الله به أن التقيت مع الدكتور جميل غازي ـ رحمه الله ـ بـ 13 قسيساً بالسودان في مناظرة مفتوحة انتهت باعتناقهم الإسلام جميعاً وهؤلاء كانوا سبب خير وهداية لغرب السودان حيث دخل الألوف من الوثنيين وغيرهم دين الله على أيديهم .في الختام نشكركم وندعو المولى أن يأخذ بالأيادي المخلصة إلى ما فيه خير أمة الإسلام ، وجزاكم الله خيراً ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ***
9- يوسف إستس القس الأمريكي السابق
بدايتي مع الإسلام:(1/56)
- اسمي «يوسف» إستس بعد الإسلام و قد كان قبل الإسلام «جوزيف» إدوارد إستس، ولدت لعائلة نصرانية شديدة الالتزام بالنصرانية تعيش في الغرب الأوسط لأمريكا ، آباؤنا و أجدادنا لم يبنوا الكنائس والمدارس فحسب ، بل وهبوا أنفسهم لخدمة النصرانية ، بدأت بالدراسة الكنسية أو اللاهوتية عندما اكتشفت أني لا أعلم كثيراً عن ديني النصراني ، وبدأت أسأل أسئلة دون أن أجد أجوبة مناسبة لها ، فدرست النصرانية حتى صرت قسيساً وداعياً من دعاة النصرانية وكذلك كان والدي ، وكنا بالإضافة إلى ذلك نعمل بالتجارة في الأنظمة الموسيقية وبيعها للكنائس ، وكنت أكره الإسلام والمسلمين حيث أن الصورة المشوهة التي وصلتني وارتسمت في ذهني عن المسلمين أنهم أناس وثنيون لا يؤمنون بالله ويعبدون صندوقاً أسوداً في الصحراء وأنهم همجيون وإرهابيون يقتلون من يخالف معتقدهم لم يتوقف بحثي في الديانة المسيحية على الإطلاق و درست الهندوسية واليهودية والبوذية، وعلى مدى 30 سنة لاحقة، عملت أنا وأبي معاً في مشاريع تجارية كثيرة، وكان لدينا برامج ترفيه وعروض كثيرة جذابة، وقد عزفنا البيانو والأورج في تكساس وأوكلاهما وفلوريدا، وجمعت العديد من ملايين الدولارات في تلك السنوات، لكني لم أجد راحة البال التي لا يمكن تحقيقها إلا بمعرفة الحقيقة وإيجاد الطريق الصحيح للخلاص.
كنت أود تنصيره:
- قصتي مع الإسلام ليست قصة أحد أهداني مصحفاً أو كتباً إسلامية وقرأتها ودخلت الإسلام فحسب، بل كنت عدواً للإسلام فيما مضى، ولم أتوان عن نشر النصرانية، وعندما قابلت ذلك الشخص الذي دعاني للإسلام ، فإنني كنت حريصاً على إدخاله في النصرانية وليس العكس.(1/57)
- كان ذلك في عام 1991، عندما بدأ والدي عملاً تجارياً مع رجل من مصر وطلب مني أن أقابله، طرأت لي هذه الفكرة وتخيلت الأهرامات وأبو الهول ونهر النيل وكل ذلك، ففرحت في نفسي وقلت : سوف نتوسع في تجارتنا وتصبح تجارة دولية تمتد إلى أرض ذلك الضخم أعني ( أبا الهول) !
ثم قال لي والدي : لكنني أريد أن أخبرك أن هذا الرجل الذي سيأتينا مسلم وهو رجل أعمال .
فقلت منزعجاً : مسلم !! لا .. لن أتقابل معه .
فقال والدي : لابد أن تقابله .
فقلت : لا .. أبداً .
لم يكن من الممكن أن أصدق .. مسلم!!
ذكرت أبي بما سمعنا عن هؤلاء الناس المسلمين.
وإنهم يعبدون صندوقاً أسود في صحراء مكة وهو الكعبة لم أرد أن أقابل هذا الرجل المسلم، وأصر والدي على أن أقابله، وطمأنني أنه شخص لطيف جداً، لذا استسلمت ووافقت على لقائه.
ومع ذلك لما حضر موعد اللقاء لبست قبعة عليها صليب ولبست عقداً فيه صليب وعلقت صليباً كبيراً في حزامي ، وأمسكت بنسخة من الإنجيل في يدي وحضرت إلى طاولة اللقاء بهذه الصورة ، ولكني عندما رأيته ارتبكت .. لا يمكن أن يكون ذلك المسلم المقصود - الذي نريد لقاءه، كنت أتوقعه رجلاً كبيراً يلبس عباءة ويعتمر عمامة كبيرة على رأسه وحواجبه معقودة، فلم يكن على رأسه أي شعر «أصلع» ...... وبدأ مرحباً بنا وصافحنا، كل ذلك لم يعنِ لي شيئاً، ومازالت صورتي عنهم أنهم إرهابيون.حيث تطرقنا في الحديث عن ديانته وتهجمت على الإسلام والمسلمين حسب الصورة المشوهة التي كانت لدي ، وكان هو هادئاً جداً وامتص حماسي واندفاعي ببرودته.
ثم بادرت إلى سؤاله:
هل تؤمن بالله؟ قال: أجل ........ ثم قلت ماذا عن إبراهيم هل تؤمن به؟ وكيف حاول أن يضحي بابنه لله؟ قال: نعم .. قلت في نفسي: هذا جيد سيكون الأمر أسهل مما اعتقدت..
ثم ذهبنا لتناول الشاي في محل صغير، والتحدث عن موضوعي المفضل: المعتقدات.(1/58)
بينما جلسنا في ذلك المقهى الصغير لساعات نتكلم وقد كان معظم الكلام لي، وقد وجدته لطيفاً جداً، وكان هادئا وخجولاً، استمع بانتباه لكل كلمة ولم يقاطعني أبداً.
وفي يوم من الأيام كان محمد عبد الرحمن صديقنا هذا على وشك أن يترك المنزل الذي كان يتقاسمه مع صديق له، وكان يرغب أن يعيش في المسجد لبعض الوقت، حدثت أبي إن كان بالإمكان أن ندعو محمدا للذهاب إلى بيتنا الكبير في البلدة ويبقى هناك معنا.. ثم دعاه والدي للإقامة عندنا في المنزل ، وكان المنزل يحويني أنا وزوجتي ووالدي ثم جاء هذا المصري واستضفنا كذلك قسيساً آخر لكنه يتبع المذهب الكاثوليكي, فصرنا نحن الخمسة .. أربعة من علماء ودعاة النصارى ومسلم مصري عامي .. أنا ووالدي من المذهب البروتستانتي النصراني والقسيس الآخر كاثوليكي المذهب وزوجتي كانت من مذهب متعصب له جانب من الصهيونية ، وللمعلومية والدي قرأ الإنجيل منذ صغره وصار داعياً وقسيساً معترفا به في الكنيسة ، والقسيس الكاثوليكي له خبرة 12 عاماً في دعوته في القارتين الأمريكيتين وزوجتي كانت تتبع مذهب البورنجين الذي له ميول صهيونية ، وأنا نفسي درست الإنجيل والمذاهب النصرانية واخترت بعضاً منها أثناء حياتي وانتهيت من حصولي على شهادة الدكتوراة في العلوم اللاهوتية النصرانية .
-وهكذا انتقل للعيش معنا، وكان لدي الكثير من المنصرين في ولاية تكساس، وكنت أعرف أحدهم، كان مريضاً في المستشفى، وبعد أن تعافى دعوته للمكوث في منزلنا أيضاً ، وأثناء الرحلة إلى البيت تحدثت مع هذا القسيس عن بعض المفاهيم والمعتقدات في الإسلام، وأدهشني عندما أخبرني أن القساوسة الكاثوليك يدرسون الإسلام ، وينالون درجة الدكتوراه أحياناً في هذا الموضوع.(1/59)
بعد الاستقرار في المنزل بدأنا جميعاً نتجمع حول المائدة بعد العشاء كل ليلة لمناقشة الديانة، وكان بيد كل منا نسخة إنجيل تختلف عن الأخرى، وكان لدى زوجتي إنجيل « نسخة جيمي سوجارت للرجل المتدين الحديث»-والمضحك أن جيمي سوجارت هذا عندما ناظره الشيخ المسلم أحمد ديدات أمام الناس قال : إنا لست عالماً بالإنجيل !!فكيف يكتب رجل إنجيلاً كاملاً بنفسه وهو ليس عالماً بالإنجيل ويدعي أنه من عند الله ؟!!-، وكان لدى القسيس بالطبع الكتاب المقدس الكاثوليكي كما كان عنده 7 كتب أخرى من الإنجيل البروتستانتي. وقد كان مع والدي في تلك الفترة نسخة الملك جيمس وكانت معي نسخة الريفازد إيديشن ( المُراجع والمكتوب من جديد ) التي تقول: إن في نسخة الملك جيمس الكثير من الأغلاط والطوام الكبيرة !! حيث أن النصارى لما رأوا كثرة الأخطاء في نسخة الملك جيمس اضطروا إلى كتابته من جديد وتصحيح ما رأوه من أغلاط كبيرة ، لذا قضينا معظم الوقت في تحديد النسخة الأكثر صحة من هذه الأناجيل المختلفة، وركزنا جهودنا لإقناع محمد ليصبح نصرانياً. وكنا نحن النصارى في البيت يحمل كل منا نسخة مختلفة من الإنجيل ونتناقش عن الاختلافات في العقيدة النصرانية وفي الأناجيل المختلفة على مائدة مستديرة ، والمسلم يجلس معنا ويتعجب من اختلاف أناجيلنا ..
من جانب آخر كان القسيس الكاثوليكي لديه ردة فعل من كنيسته واعتراضات وتناقضات مع عقيدته ومذهبه الكاثوليكي ، فمع أنه كان يدعو لهذا الدين والمذهب مدة 12 سنة لكنه لم يكن يعتقد جازماً أنه عقيدة صحيحة ويخالف في أمور العقيدة المهمة .
ووالدي كان يعتقد أن هذا الإنجيل كتبه الناس وليس وحياً من عند الله ، ولكنهم كتبوه وظنوه وحياً .
وزوجتي تعتقد أن في إنجيلها أخطاء كثيرة ، لكنها كانت ترى أن الأصل فيه أنه من عند الرب.(1/60)
أما أنا فكانت هناك أمور في الإنجيل لم أصدقها لأني كنت أرى التناقضات الكثيرة فيه ، فمن تلك الأمور أني كنت أسأل نفسي وغيري : كيف يكون الرب واحداً وثلاثة في نفس الوقت! وقد سألت القسس المشهورين عالمياً عن ذلك وأجابوني بأجوبة سخيفة جداً لا يمكن للعاقل أن يصدقها ، وقلت لهم : كيف يمكنني أن أكون داعية للنصرانية وأعلّم الناس أن الرب شخص واحد وثلاثة أشخاص في نفس الوقت ، وأنا غير مقتنع بذلك فكيف أقنع غيري به .
بعضهم قال لي : لا تبيّن هذا الأمر ولا توضحه ، قل للناس : هذا أمر غامض ويجب الإيمان به وبعضهم قال لي : يمكنك أن توضحه بأنه مثل التفاحة تحتوي على قشرة من الخارج ولب من الداخل وكذلك النوى في داخلها ، فقلت لهم : لا يمكن أن يضرب هذا مثلاً للرب ، التفاحة فيها أكثر من حبة نوى فستتعدد الآلهة بذلك ويمكن أن يكون فيها دود فتتعدد الآلهة ، وقد تكون نتنة وأنا لا أريد رباً نتناً .
وبعضهم قال : مثل البيضة فيها قشر وصفار وبياض ، فقلت : لا يصح أن يكون هذا مثلاً للرب فالبيضة قد يكون فها أكثر من صفار فتتعدد الآلهة ، وقد تكون نتنة ، وأنا لا أريد أن أعبد رباً نتناً .
وبعضهم قال : مثل رجل وامرأة وابن لهما ، فقلت له : قد تحمل المرأة وتتعدد الآلهة ، وقد يحصل طلاق فتتفرق الآلهة وقد يموت أحدها ، وأنا لا أريد رباً هكذا .
وأنا منذ أن كنت نصرانياً وقسيساً وداعية للنصرانية لم أستطع أن اقتنع بمسألة التثليث ولم أجد من يمكنه إقناع الإنسان العاقل بها .
قرآناً واحداً، وعدة أناجيل:
أتذكر أنني سألت محمداً فيما بعد: كم نسخة من القرآن ظهرت طوال السنوات 1400سنة الماضية؟
أخبرني أنه ليس هناك إلا مصحف واحد، وأنه لم يتغير أبداً، وأكد لي أن القرآن قد حفظ في صدور مئات الآلاف من الناس، ولو بحثت على مدى قرون لوجدت أن الملايين قد حفظوه تماماً وعلموه لمن بعدهم.(1/61)
هذا لم يبد ممكناً بالنسبة لي ..... كيف يمكن أن يحفظ هذا الكتاب المقدس ويسهل على الجميع قراءته ومعرفة معانيه؟!!
- كان بيننا حوار متجرد واتفقنا على أن ما نقتنع به سندين به ونعتنقه فيما بعد.
- هكذا بدأنا الحوار معه، ولعل ما أثار إعجابي أثناء الحوار أن محمداً لم يتعرض للتجريح أو التهجم على معتقداتنا أو إنجيلنا وأشخاصنا وظل الجميع مرتاحين لحديثه.وعلى العموم ..... لما كنا نجلس في بيتنا نحن النصارى الأربعة المتدينين مع المسلم المصري (محمد) ونناقش مسائل الاعتقاد حرصنا أن ندعو هذا المسلم إلى النصرانية بعدة طرق .. فكان جوابه محدداً بقوله : أنا مستعد أن أتبع دينكم إذا كان عندكم في دينكم شيء أفضل من الذي عندي في ديني .
قلنا : بالطبع يوجد عندنا .
فقال المسلم : أنا مستعد إذا أثبتم لي ذلك بالبرهان والدليل .
فقلت له : الدين عندنا لم يرتبط بالبرهان والاستدلال والعقلانية .. إنه عندنا شيء مسلّم وهو مجرد اعتقاد محض ! فكيف نثبته لك بالبرهان والدليل ؟! .. فقال المسلم : لكن الإسلام دين عقيدة وبرهان ودليل وعقل ووحي من السماء .
فقلت له : إذا كان عندكم الاعتماد على جانب البرهان والاستدلال فإني أحب أن أستفيد منك وأن أتعلم منك هذا وأعرفه .
ثم لما تطرقنا لمسألة التثليث .. وكل منا قرأ ما في نسخته ولم نجد شيئاً واضحاً .... سألنا الأخ (محمد) : ما هو اعتقادكم في الرب في الإسلام .
فقال : ( قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفواً أحد ) ، تلاها بالعربية ثم ترجم لنا معانيها .. وكأن صوته حين تلاها بالعربية دخل في قلبي حينها ... .. وكأن صوته لا زال يرن صداه في أذني ولا أزال أتذكره . أما معناها فلا يوجد أوضح ولا أفضل ولا أقوى ولا أوجز ولا أشمل منه إطلاقاً .
فكان هذا الأمر مثل المفاجأة القوية لنا .. مع ما كنا نعيش فيه من ضلالات وتناقضات في هذا الشأن وغيره.(1/62)
- ولما أردت دعوته للنصرانية قال لي بكل هدوء ورجاحة عقل إذا أثبت لي بأن النصرانية أحق من الإسلام سأتبعك إلى دينك الذي تدعو إليه، فقلت له متفقين، ثم بدأ محمد: أين الأدلة التي تثبت أفضلية دينكم وأحقيته، قلت: نحن لا نؤمن بالأدلة، ولكن بالإحساس والمشاعر، ونلتمس ديننا وما تحدثت عنه الأناجيل، قال محمد ليس كافياً أن يكون الإيمان بالإحساس والمشاعر والاعتماد على علمنا، ولكن الإسلام فيه الدلائل والأحاسيس والمعجزات، التي تثبت إن الدين عند الله الإسلام، فطلب جوزيف هذه الدلائل من محمد والتي تثبت أحقية الدين الإسلامي ، فقال محمد إن أول هذه الأدلة هو كتاب الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم الذي لم يطرأ عليه تغيير أو تحريف منذ نزوله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قبل ما يقرب من 1400 سنة، وهذا القرآن يحفظه كثير من الناس، إذ ما يقرب من 12 مليون مسلم يحفظون هذا الكتاب، ولا يوجد أي كتاب في العالم على وجه الأرض يحفظه الناس كما يحفظ المسلمون القرآن الكريم من أوله لآخره.
"إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ "
) سورة الحجر الآية 9 (
وهذا الدليل كافيا، لإثبات أن الدين عند الله الإسلام.
معجزات القرآن:(1/63)
- من ذلك الحين بدأتُ البحث عن الأدلة الكافية، التي تثبت أن الإسلام هو الدين الصحيح، وذلك لمدة ثلاثة شهور بحثاً مستمراً . بعد هذه الفترة وجدت في الكتاب المقدس أن العقيدة الصحيحة التي ينتمي إليها سيدنا عيسى عليه السلام هي التوحيد وأنني لم أجد فيه أن الإله ثلاثة كما يدعون، ووجدت أن عيسى عبدالله ورسوله وليس إلها، مثله كمثل الأنبياء جميعا جاء يدعو إلى توحيد الله عز وجل ، وأن الأديان السماوية لم تختلف حول ذات الله سبحانه وتعالى، وكلها تدعوا إلى العقيدة الثابتة بأنه لا اله إلا الله بما فيها الدين المسيحي قبل أن يفترى عليه بهتانا، ولقد علمت أن الإسلام جاء ليختم الرسالات السماوية ويكملها ويخرج الناس من حياة الشرك إلى التوحيد والإيمان بالله تعالى، وإن دخولي في الإسلام سوف يكون إكمالا لإيماني بأن الدين المسيحي كان يدعو إلى الإيمان بالله وحده، وأن عيسى هو عبدالله ورسوله، ومن لا يؤمن بذلك فهو ليس من المسلمين.
- ثم وجدت أن الله سبحانه وتعالى تحدى الكفار بالقرآن الكريم أن يأتوا بمثله أو يأتون بثلاث آيات مثل سورة الكوثر فعجزوا عن ذلك.
"وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ"(سورة البقرة آية 23(
أيضا من المعجزات التي رأيتها والتي تثبت أن الدين عند الله الإسلام التنبؤات المستقبلية التي تنبأ بها القرآن الكريم مثل:
"الم {1} غُلِبَتِ الرُّومُ {2} فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ {3}"(أول سورة الروم(.(1/64)
وهذا ما تحقق بالفعل فيما بعد وأشياء أخرى ذكرت في القرآن الكريم مثل سورة الزلزلة تتحدث عن الزلزال، والتي قد تحدث في أي منطقة، وكذلك وصول الإنسان إلى الفضاء بالعلم، وهذا تفسير لمعنى الآية التي تقول :"يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ "(سورة الرحمن الآية 33)
وهذا السلطان هو العلم الذي خرق به الإنسان الفضاء فهذه رؤية صادقة للقرآن الكريم.
- أيضا من المعجزات التي تركت أثراً في نفسي (العلقة) ، التي ذكرها الله في القرآن الكريم، والذي وضحها العالم الكندي (كوسمر) وقال، إن العلقة هي التي تتعلق برحم الأم، وذلك بعدما تتحول الحيوانات المنوية في الرحم إلى لون دموي معلق. وهذا بالفعل ما ذكره القرآن الكريم من قبل أن يكتشفه علماء الأجنة في العصر الحديث، وهذا بيان للكفار والملحدين.
- وبعد كل هذا البحث الذي استمر ثلاثة شهور، قضاها معنا محمد تحت سقف واحد، بسبب ذلك اكتسب ود الكثيرين، وعندما كنت أراه يسجد لله ويضع جبهته على الأرض ، أعلم أن ذلك الأمر غير عادي.
محمد كالملائكة:
- يوسف إستس يتحدث عن صديقه ويقول: أن مثل هذا الرجل (محمد) ينقصه جناحان ويصبح كالملائكة يطير بهما، وبعد ما عرفت منه ما عرفت، وفي يوم من الأيام طلب صديقي القسيس من محمد هل من الإمكان أن نذهب معه إلى المسجد، لنعرف أكثر عن عبادة المسلمين وصلاتهم، فرأينا المصلين يأتون إلى المسجد يصلون ثم يغادرون ....... قلت: غادروا؟ دون أي خطب أو غناء؟ قال: أجل...(1/65)
- مضت أيام وسأل القسيس محمداً، أن يرافقه إلى المسجد مرة ثانية، ولكنهم تأخروا هذه المرة حتى حل الظلام .. قلقنا بعض الشيء ماذا حدث لهم؟ أخيراً وصلوا، وعندما فتحت الباب .. عرفت محمدا على الفور .. قلت من هذا؟ شخص ما يلبس ثوباً أبيض وقلنسوة وينتظر دقيقة! كان هذا صاحبي القسيس!!! قلت له هل أصبحت مسلماً قال: نعم أصبحت من اليوم مسلماً! ، ذهلت .. كيف سبقني هذا إلى الإسلام .. ثم ذهبت إلى أعلى للتفكير في الأمور قليلاً ، وبدأت أتحدث مع زوجتي عن الموضوع، فقالت لي : أظن أني لن أستمر بعلاقتي معك طويلاً .
فقلت لها : لماذا ؟ هل تظنين أني سأسلم ؟
قالت : لا . بل لأني أنا التي سوف تسلم !
فقلت لها : وأنا أيضاً في الحقيقة أريد أن أسلم .
قال : فخرجت من باب البيت وخررت على الأرض ساجداً تجاه القبلة وقلت : يا رب ..... أهدني.
- ذهبت إلى أسفل، وأيقظت محمداً، وطلبت منه أن يأتي لمناقشة الأمر معي... مشينا وتكلمنا طوال تلك الليلة، وحان وقت صلاة الفجر.... عندها أيقنت أن الحقيقة قد جاءت أخيراً، وأصبحت الفرصة مهيأة أمامي ... ... ..... أذن الفجر، ثم استلقيت على لوح خشبي ووضعت رأسي على الأرض، وسألت إلهي إن كان هناك أن يرشدني... وبعد فترة رفعت رأسي إلى أعلى فلم ألحظ شيئاً، ولم أر طيوراً أو ملائكة تنزل من السماء ، ولم أسمع أصواتاً أو موسيقى، ولم أر أضواء...
أدركت أن الأمر الآن أصبح مواتياً والتوقيت مناسباً ، لكي أتوقف عن خداع نفسي، وأنه ينبغي أن أصبح مستقيماً مسلماً... عرفت الآن ما يجب علي فعله....
وفي الحادية عشرة صباحاً وقفت بين شاهدين: القسيس السابق والذي كان يعرف سابقاً بالآب (بيتر جاكوب) ومحمد عبدالرحمن، وأعلنت شهادتي ، وبعد لحظات قليلة أعلنت زوجتي إسلامها بعد ما سمعت بإسلامي..... كان أبي أكثر تحفظاً على الموضوع، وانتظر شهوراً قبل أن ينطق بالشهادتين....(1/66)
يقول الشيخ : فأرى أن إسلامنا جميعاً كان بفضل الله ثم بالقدوة الحسنة في ذلك المسلم الذي كان حسن الدعوة وكان قبل ذلك حسن التعامل ، وكما يقال عندنا : لا تقل لي ..... ولكن أرني .
أسلمنا دفعة واحدة!!:
- لقد دخلنا ثلاثة زعماء دينيين من ثلاث طوائف مختلفة، دخلنا الإسلام دفعة واحدة، وسلكنا طريقاً معاكساً جداً لما كنا نعتقد........ ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، بل في السنة نفسها دخل طالب معهد لاهوتي معمد من «تينسي» يدعى «جو» دخل في الإسلام بعد أن قرأ القرآن.... ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل رأيت كثيراً من الأساقفة والقساوسة، وأرباب الديانات الأخرى يدخلون الإسلام ويتركون معتقداتهم السابقة.
أليس هذا أكبر دليل على صحة الإسلام، وكونه الدين الحق؟!! بعد أن كان مجرد التفكير في دخولنا الإسلام، ليس أمراً مستبعداً فحسب، بل أمر لا يحتمل التصور بأي حال من الأحوال.
- كل هذه الدلائل السابقة أن الدين عند اللّه الإسلام، جعلتني أرجع إلى الطريق المستقيم، الذي فطرنا اللّه عليه منذ ولادتنا من بطون أمهاتنا، لأن الإنسان يولد على الفطرة «التوحيد» وأهله يهودانه أو ينصرانه، ولم يكن إسلامي فردياً، ولكنه يعد إسلام جماعي لي أنا وكل الأسرة من خلال مدة بسيطة قضاها مسلم مصري مع أسرتنا وفي بيتنا اكتشفنا من وجوده وطريقة حياته ومعيشته ونظامه ومن خلال مناقشتنا له أموراً جديدة علينا لم نكن نعلمها عن المسلمين وليست عندنا كنصارى.
أسلم والدي بعدما كان متمسكاً بالكنيسة، وكان يدعو الناس إليها ، ثم أسلمت زوجتي وأولادي، والحمد للّه الذي جعلنا مسلمين .الحمد لله الذي هدانا للإسلام وجعلنا من أمة محمد خير الأنام.(1/67)
- تعلق قلبي بحب الإسلام وحب الوحدانية والإيمان باللّه تعالى، وأصبحت أغار على الدين الإسلامي أشد من غيرتي من ذي قبل على النصرانية، وبدأت رحلة الدعوة إلى الإسلام وتقديم الصورة النقية، التي عرفتها عن الدين الإسلامي، الذي هو دين السماحة والخلق، ودين العطف والرحمة.
سوف اقترح على الذين يريدون معرفة الحقيقة إتباع تسع خطوات لتنقية العقل:
أولاً:تنقية العقل والقلب والروح تماماً.
ثانياً : ابعدوا جميع ما يعتري نفوسكم من تحيز وتحامل
ثالثاً:اقرؤوا القرآن بتدبر.
رابعاً: أمهلوا أنفسكم بعض الوقت
خامساً : تفكروا فيما قرأتموه
سادساً: اخلصوا نيتكم في الصلاة
سابعاً : ألحوا في الدعاء وسؤال الخالق الذي أوجدكم بان يدلكم إلى الطريق الصحيح
ثامناً: استمروا في فعل ذلك لعدة أشهر
تاسعاً: والأهم أن لا تدع الآخرين ذوي التفكير المسمم يؤثروا عليك وأنت في حالة " ولادة جديدة للروح"
و الباقي هو بينك وبين الخالق إذا كنت تحبه حقاً فهو يعلم ذلك وسوف يهدي كل فرد على حسب قلبه.
***
10- الدكتور وديع أحمد الشماس المصري سابقاً
الحمد الله على نعمة الإسلام نعمة كبيرة لا تدانيها نعمة لأنه لم يعد على الأرض من يعبد الله وحده إلا المسلمين. ولقد مررت برحلة طويلة قاربت 40 عاما إلى أن هداني الله وسوف أصف لكم مراحل هذه الرحلة من عمري مرحلة مرحلة :-
مرحلة الطفولة:- ( زرع ثمار سوداء)
كان أبى واعظا في الإسكندرية في جمعية أصدقاء الكتاب المقدس وكانت مهنته التبشير في القرى المحيطة والمناطق الفقيرة لمحاولة جذب فقراء المسلمين إلى المسيحية. وأصر أبى أن أنضم إلى الشمامسة منذ أن كان عمري ست سنوات وأن أنتظم في دروس مدارس الأحد وهناك يزرعون بذور الحقد السوداء في عقول الأطفال ومنها: -
1- المسلمون اغتصبوا مصر من المسيحيين وعذبوا المسيحيين.
2- المسلم أشد كفرا من البوذي وعابد البقر.
3- القرآن ليس كتاب الله ولكن محمد اخترعه.(1/68)
4- المسلمين يضطهدون النصارى لكي يتركوا مصر ويهاجروا........... وغير ذلك من البذور التي تزرع الحقد الأسود ضد المسلمين في قلوب الأطفال.
وفى هذه الفترة المحرجة كان أبى يتكلم معنا سرا عن انحراف الكنائس عن المسيحية الحقيقية التي تحرم الصور والتماثيل والسجود للبطرك والاعتراف للقساوسة.
مرحلة الشباب :- ( نضوج ثمار الحقد الأسود(
أصبحت أستاذاً في مدارس الأحد و معلما للشمامسة و كان عمري 18 سنة وكان علي أن أحضر دروس الوعظ بالكنيسة والزيارة الدورية للأديرة ( خاصة في الصيف ) حيث يتم استدعاء متخصصين في مهاجمة الإسلام والنقد اللاذع للقرآن ومحمد صلي الله علية وسلم.
وما يقال في هذه الاجتماعات :
1- القرآن مليء بالمتناقضات ( ثم يذكروا نصف آية ) مثل ( ولا تقربوا الصلاة ...).
2- القرآن مليء بالألفاظ الجنسية ويفسرون كلمة ( نكاح ) علي أنها الزنا أو اللواط .
3- يقولون أن النبي محمد ( صلي الله عليه وسلم ) قد أخذ تعاليم النصرانية من ( بحيرا ) الراهب ثم حورها و اخترع بها دين الإسلام ثم قتل بحيرا حتى لا يفتضح أمره ........ ومن هذا الاستهزاء بالقرآن الكريم و محمد ( صلي الله عليه وسلم ) الكثير والكثير ...
أسئلة محيرة :
الشباب في هذه الفترة و أنا منهم نسأل القساوسة أسئلة كانت تحيرنا :
شاب مسيحي يسأل :
س : ما رأيك بمحمد ( صلي الله عليه وسلم ) ؟
القسيس يجاوب : هو إنسان عبقري و ذكي .
س : هناك الكثير من العباقرة مثل ( أفلاطون ، سقراط , حامورابي .....) ولكن لم نجد لهم أتباعا و دين ينتشر بهذه السرعة إلي يومنا هذا ؟ لماذا ؟
ج : يحتار القسيس في الإجابة
شاب أخر يسأل :
س : ما رأيك في القرآن ؟
ج : كتاب يحتوي علي قصص للأنبياء ويحض الناس علي الفضائل ولكنه مليء بالأخطاء .
س : لماذا تخافون أن نقرأه و تكفرون من يلمسه أو يقرأه ؟
ج : يصر القسيس أن من يقرأه كافر دون توضيح السبب !!
يسأل أخر:(1/69)
س : إذا كان محمد ( صلي الله عليه وسلم ( كاذباًَ فلماذا تركه الله ينشر دعوته 23 سنة؟ بل ومازال دينه ينتشر إلى الآن ؟ مع انه مكتوب في كتاب موسي ( كتاب ارميا ) إن الله وعد بإهلاك كل إنسان يدعي النبوة هو و أسرته في خلال عام ؟
ج : يجيب القسيس ( لعل الله يريد أن يختبر المسيحيين به ).
مواقف محيرة :
1- في عام 1971 أصدر البطرك ( شنودة ) قرار بحرمان الراهب روفائيل ( راهب دير مينا ) من الصلاة لأنه لم يذكر أسمه في الصلاة وقد حاول إقناعه الراهب ( صموئيل ) بالصلاة فانه يصلي لله وليس للبطرك ولكنه خاف أن يحرمه البطرك من الجنة أيضا !!
وتساءل الراهب صموئيل هل يجرؤ شيخ الأزهر أن يحرم مسلم من الصلاة ؟ مستحيل
2- أشد ما كان يحيرني هو معرفتي بتكفير كل طائفة مسيحية للأخرى فسألت القمص (ميتاس روفائيل) أب اعترافي فأكد هذا وان هذا التكفير نافذ في الأرض والسماء .
فسألته متعجبا : معني هذا إننا كفار لتكفير بابا روما لنا ؟
أجاب : للأسف نعم
سألته : وباقي الطوائف كفار بسبب تكفير بطرك الإسكندرية لهم ؟
أجاب : للأسف نعم
سألته : وما موقفنا إذا يوم القيامة ؟
أجاب : الله يرحمنا !!!
بداية الاتجاه نحو الإسلام:
وعندما دخلت الكنيسة ووجدت صورة المسيح وتمثاله يعلو هيكلها فسألت نفسي كيف يكون هذا الضعيف المهان الذي استهزأ به و عذب رباً و إلهاً ؟؟ المفروض أن أعبد رب هذا الضعيف الهارب من بطش اليهود . وتعجبت حين علمت أن التوراة قد لعنت الصليب والمصلوب عليه وانه نجس وينجس الأرض التي يصلب عليها !! ( تثنية 21 : 22 – 23 ( .
وفي عام 1981 : كنت كثير الجدل مع جاري المسلم ( أحمد محمد الدمرداش حجازي ) و ذات يوم كلمني عن العدل في الإسلام ( في الميراث ، في الطلاق ، القصاص ...... ) ثم سألني هل عندكم مثل ذلك ؟ أجبت لا.. لايوجد(1/70)
وبدأت أسأل نفسي كيف أتي رجل واحد بكل هذه التشريعات المحكمة والكاملة في العبادات والمعاملات بدون اختلافات ؟ وكيف عجزت مليارات اليهود والنصارى عن إثبات انه مخترع ؟
من عام 1982 و حتى 1990 : وكنت طبيبا في مستشفي ( صدر كوم الشقافة ) وكان الدكتور محمد الشاطبي دائم التحدث مع الزملاء عن أحاديث محمد(صلي الله عليه وسلم ) وكنت في بداية الأمر اشعر بنار الغيرة ولكن بعد مرور الوقت أحببت سماع هذه الأحاديث (قليلة الكلام كثيرة المعاني جميلة الألفاظ والسياق)و شعرت وقتها أن هذا الرجل نبي عظيم هل كان أبي مسلماً ؟ :
* من العوامل الخفية التي أثرت علي هدايتي هي الصدمات التي كنت أكتشفها في أبي ومنها :
1- هجر الكنائس والوعظ والجمعيات التبشيرية تماما .
2- كان يرفض تقبيل أيدي الكهنة ( وهذا أمر عظيم عند النصارى)
3- كان لايؤمن بالجسد والدم ( الخبز والخمر ) أي لا يؤمن بتجسيد الإله .
4- بدلاً من نزوله صباح يوم الجمعة للصلاة أصبح ينام ثم يغتسل وينزل وقت الظهر ؟!
5- ينتحل الأعذار للنزول وقت العصر والعودة متأخرا وقت العشاء .
6- أصبح يرفض ذهاب البنات للكوافير .
7-ألفاظ جديدة أصبح يقولها ( أعوذ بالله من الشيطان ) (لا حول ولا قوة إلا بالله )...
8- وبعد موت أبي 1988 وجدت بالإنجيل الخاص به قصاصات ورق صغيرة يوضح فيها أخطاء موجودة بالأناجيل وتصحيحها .
9- وعثرت علي إنجيل جدي ( والد أبي ) طبعة 1930 وفيها توضيح كامل عن التغيرات التي أحدثها النصارى فيه منها تحويل كلمة ( يا معلم ) و ( يا سيد ) إلي ( يا رب ) !!!ليوهموا القاريْ إن عبادة المسيح كانت منذ ولادته .
الطريق إلي المسجد:(1/71)
وبالقرب من عيادتي يوجد مسجد ( هدى الإسلام ) اقترب منه وأخذت أنظر بداخله فوجدته لا يشبه الكنيسة مطلقا ( لا مقاعد – لا رسومات – لا ثريات ضخمة – لا سجاد فخم – لا أدوات موسيقى وإيقاع – لا غناء لا تصفيق ) ووجدت أن العبادة في هذه المساجد هي الركوع والسجود لله فقط ، لا فرق بين غنى و فقير يقفون جميعا في صفوف منتظمة وقارنت بين ذلك و عكسه الذي يحدث في الكنائس فكانت المقارنة دائما لصالح المساجد.
في رحاب القرآن:
وددت أن أقرأ القرآن واشتريت مصحفا وتذكرت أن صديقي أحمد الدمرداش قال إن القرآن ( لا يمسه إلا المطهرون ) و اغتسلت ولم أجد غير ماء بارد وقتها ثم قرأت القرآن وكنت أخشى أن أجد فيه اختلافات ( بعد ما ضاعت ثقتي في التوراة والإنجيل ) وقرأت القرآن في يومين ولكنى لم أجد ما كانوا يعلمونا إياه في الكنيسة عن القرآن .
الأعجب من هذا أن من يكلم محمد صلى الله عليه وسلم يخبره أنه سوف يموت ؟!! من يجرؤ أن يتكلم هكذا إلا الله ؟؟!! ودعوت الله أن يهديني ويرشدني .
الرؤيا :
وذات يوم غلبني النوم فوضعت المصحف بجواري وقرب الفجر رأيت نورا في جدار الحجرة وظهر رجلاً وجهه مضيء اقترب منى وأشار إلى المصحف فمددت يدي لأسلم عليه لكنه اختفى ووقع في قلبي أن هذا الرجل هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم يشير إلى أن القرآن هو طريق النور والهداية .
أخيرا – أسلمت وجهي لله:
وسألت أحد المحامين فدلني علي أن أتوجه لمديرية الأمن – قسم الشئون الدينية – ولم أنم تلك الليلة وراودني الشيطان كثيرا ( كيف تترك دين أبائك بهذه السهولة ) ؟(1/72)
وخرجت في السادسة صباحا ودخلت كنيسة ( جرجس وأنطونيوس) وكانت الصلاة قائمة وكانت الصالة مليئة بالصور والتماثيل للمسيح و مريم و الحواريين و آخرين إلي البطرك السابق ( كيرلس ) فكلمتهم : ( لو أنكم علي حق وتفعلون المعجزات كما كانوا يعلمونا فافعلوا أي شيء أي علامة أو إشارة لأعلم أنني أسير في الطريق الخطأ ) و بالطبع لا إجابة.
وبكيت كثيرا علي عمر كبير ضاع في عبادة هذه الصور والتماثيل . وبعد البكاء شعرت أنني تطهرت من الوثنية وأنني أسير في الطريق الصحيح طريق عبادة الله حقا .
وذهبت إلي المديرية و بدأت رحلة طويلة شاقة مع الروتين ومع معاناة مع البيروقراطية و ظنون الناس وبعد عشرة شهور تم إشهار إسلامي من الشهر العقاري في أغسطس 1992
اللهم أحيني علي الإسلام وتوفني علي الإيمان .
اللهم أحفظ ذريتي من بعدي خاشعين ،عابدين ، يخافون معصيتك ويتقربون بطاعتك .
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
***
11- الراهب السابق الفلبيني ماركو كوربس
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلاة الله تعالى وسلامه على خاتم الأنبياء والمرسلين سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
هذه هي قصتي، ولماذا أعلنت إسلامي:
خلال طفولتي، رُبِّيت جزئيًّا على الكاثوليكيَّة. أما جدي وعمتي فقد كانا مُعالِجَيْن روحانيَّيْن يعبدان الأصنام والأرواح . وقد شهدت الكثير من المرضى الَّذين جاءوا إليهما من أجل العلاج، وكيف كانوا يبرأون. ولذلك فقد تسبَّبا في إتباعي ما يؤمنان به.
عندما وصلت السابعة عشرة من عمري ، لاحظت بأنَّ هناك الكثير من الأديان ، والَّتي تحوي أنواعاً مختلفةً من التعاليم، على الرغم من أنَّ لها نفس المصدر، وهو الإنجيل . وكلٌّ منها يدَّعي بأنَّه الدِّين الحقّ. عندها تساءلت: "هل يتوجَّب عليَّ أن أبقى على دين عائلتي، أم أنِّي يجب أن أُجرِّب الاستماع إلى الأديان الأخرى؟"(1/73)
وفي أحد الأيام دعاني ابن عمي لحضور عيد الخميس في الكنيسة . كان دافعي هو مشاهدة ما يفعلونه داخل كنيستهم. فشاهدت كيف كانوا يغنُّون، ويصفِّقون، ويرقصون، و يبكون رافعين أيديهم في دعائهم ليسوع (عليه الصَّلاة والسَّلام). وقام الراهب بالوعظ بخصوص الإنجيل. ثم ذكر الفقرات الأكثر شيوعاً، والَّتي يقتبسها كلُّ المبشِّرين، وهي تلك الَّتي تتعلَّق بإلوهية المسيح (عليه الصَّلاة والسَّلام)، مثل: يوحنا 1:12 ، ويوحنا 3:16، ويوحنا 8:31-32. وفي ذلك الوقت، ولدت من جديد كمسيحيّ، وقَبِلْتُ يسوع المسيح (عليه الصَّلاة والسَّلام) كإلهي ومُخلِّصي.
كان أصدقائي يزوروني كلَّ يومٍ للذهاب إلى الكنيسة. وبعد شهرين تمَّ تعميدي، فأصبحت عضواً منتظماً في صلاتهم . وبعد مرور خمسة أعوام ، أقنعني راهبنا بالعمل في الكهنوت كعاملٍ متطوِّع . وبعد ذلك أصبحت المنشد الرئيسي، ثم القائد في الصَّلاة، ثم معلِّماً في مدرسة الأحد، ثم أصبحت أخيراً راهباً رسميّاً في الكنيسة . وكان عملي خاضعاً لبعثة التبشير الإنجيليَّة القرويَّة الحرَّة (F.R.E.E.). وهي بعثةٌ تبشيريَّة مثل بعثة "يسوع هو الله" (سبحانه وتعالى عمَّا يصفون)، و "الناصري"، و "خبز الحياة"، إلخ.(1/74)
بدأت تعليم الناس الإنجيل وتعاليمه. وقرأت الإنجيل مرَّتين من الغلاف إلى الغلاف . وأجبرت نفسي على حفظ أجزاءٍ وآياتٍ منه عن ظهر قلبٍ من أجل الدِّفاع عن الدِّين الَّذي كنت أُومن به. وأصبحت فخوراً بنفسي لهذا المنصب الَّذي حظيت به . وكنت غالباً ما أقول لنفسي بأنِّي لا أحتاج إلى أيِّ تعاليم أو نصوص أخرى عدا الإنجيل . ولكن مع ذلك ، كان هناك فراغٌ روحيٌّ في داخلي . صلَّيت، وصُمْت ، واجتهدت لإرضاء مشيئة الإله الَّذي كنت أعبده ، ولم أكن أجد السعادة إلَّا عندما كنت أتواجد في الكنيسة. لكن هذا الشعور بالسعادة لم يكن مستمرّاً، وحتى عندما كنت أتواجد مع عائلتي. ولاحظت أيضاً أنَّ بعض أصدقائي من الرُّهبان ماديُّون. فهم يغمسون أنفسهم في الشهوة الجسديَّة كالعلاقات المحرَّمة مع النِّساء والفساد وتعطُّشهم للشهرة.
وعلى الرغم من كلِّ ذلك فقد واصلت - وبطريقةٍ عمياء - اعتناقي الدِّين بقوَّة . وذلك لأنِّي كنت أعرف -وحسب ما تقوله التعاليم- "بأنَّ الكثيرين يُدْعَوْن ، ولكنَّ القليل منهم يُخْتارون". كنت دوماً أُصلِّي ليسوع المسيح (عليه الصَّلاة والسَّلام) ليغفر لي ذنوبي وكذلك ذنوبهم. فقد كنت أظنُّ بأنَّه (عليه الصَّلاة والسَّلام) هو الحلُّ لكلِّ مشكلاتي ولذلك فإنَّه يستطيع الاستجابة لكلِّ دعائي.
مع ذلك - وبالنظر إلى حياة زملائي من الرُّهبان- فإنَّك لا تستطيع أن تجد بينهم أمثلةً جيّدةً مُقارنةً بالرعيَّة الَّتي يعظونها. وهكذا بدأ إيماني يخفت، وناضلت بصعوبة بالغة على العمل في خدمة الصَّلاة الجماعيَّة.(1/75)
في أحد الأيام ، فكرت في السفر إلى الخارج، وليس ذلك من أجل العمل فقط ، بل وأيضاً من أجل نشر اسم يسوع كإله ؛ أستغفر الله العظيم . وكان في خطتي الذهاب إمَّا إلى تايوان أو كوريا. إلَّا أنَّ مشيئة الله تعالى كانت في حصولي على تأشيرة عملٍ في المملكة العربيَّة السعوديَّة. ووقَّعت في الحال عقداً لمدَّة ثلاثة أعوام للعمل في جدَّة.
بعد أسبوعٍ من وصولي إلى جدَّة، لاحظت أُسلوب الحياة المختلف،كاللغة، والعادات والتقاليد، حتى الطعام الَّذي يأكلونه. فقد كنت جاهلاً تماماً بثقافات الآخرين.
الحمد لله؛ فقد حدث أن كان لديَّ زميلٌ فلبينيٌّ في المصنع ، وهو مسلمٌ يتكلَّم العربيَّة . لذلك ومع أنِّي كنت متوتِّراً، إلَّا أنِّي حاولت سؤاله عن المسلمين، وعن دينهم ومعتقداتهم. فقد كنت أعتقد بأنَّ المسلمين من عُتاةِ القَتَلة ، وأنَّهم يعبدون الشيطان والفراعنة ومحمَّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كآلهةٍ لهم. وحدَّثته عن إيماني بالمسيح (عليه الصَّلاة والسَّلام). وكردِّ فعلٍ على ذلك أخبرني أنَّ دينه يختلف تماماً عن ديني. واقتبس آيتيْن من القرآن الكريم . الأولى من سورة المائدة وهي الآية الثالثة الَّتي جاء فيها:
"...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا..."
والأخرى من سورة يوسف:
"مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40)"(1/76)
هاتان الآيتان أصبنني بصدمةٍ قويَّة. بعد ذلك بدأت بملاحظة حياته. وكلَّ يومٍ كنَّا نتحدث كلٌّ عن دينه، حتى أصبحنا في النِّهاية صديقيْن حميميْن. وفي إحدى المناسبات ذهبنا إلى البلد (المنطقة التجاريَّة من جدَّة) لإرسال بعض الرسائل. وهناك حدث أن رأيت جمهرةً من أُناسٍ كثيرين يشاهدون فيلماً فيديويّاً لمناظرةٍ لأحد أفضل "المبشِّرين" لديّ. أخبرني صديقي المسلم بأنَّ هذا الَّذي أدعوه "بأفضل مبشِّرٍ لديّ" كان الشيخ أحمد ديدات، وهو داعيةٌ إسلاميٌّ مشهور. فأخبرته بأنَّ رهباننا في الوطن جعلونا نعتقد بأنَّه "مبشِّرٌ عظيمٌ" فقط؛ وأخفوا عنَّا شخصيَّته الحقيقيَّة بأنَّه داعيةٌ مسلم! ومهما كانت نيَّتهم، فإنَّها بالتأكيد كانت لإبعادنا عن معرفة الحقيقة. وعلى الرغم ممَّا عرفته، فقد اشتريت أشرطة الفيديو، وبعض الكتب أيضاً لأقرأ عن الإسلام.
وفي مكان إقامتنا، حدَّثني صديقي عن قصص الأنبياء . وكنت حقيقةً مُقتنعاً، لكنَّ كبريائي أبقاني بعيداً عن الإسلام. وبعد مُضيِّ سبعة أشهر ، حضر إليَّ في غرفتي صديقٌ آخر - وهو مسلمٌ من الهند - وأعطاني نسخةً من ترجمة معاني القرآن الكريم بالإنجليزيَّة. وفيما بعد قادني إلى البلد، ثم اصطحبني إلى المركز الإسلاميّ. قابلت هناك أحد الإخوة الفلبينيِّين؛ ودار بيننا نقاشٌ حول بعض المسائل الدينيَّة، وقام بربط ذلك بمقارنةٍ لحياته قبل الإسلام - حين كان مسيحيّاً – وبعده ؛ ثم شرح لي بعض تعاليم الإسلام.
وفي تلك الليلة المباركة، في الثامن عشر من نيسان لعام 1998 -وبلا إكراه- دخلت الإسلام أخيراً. وأعلنت دخولي الإسلام بترديد الشهادتين.
الله أكبر!كنت سابقاً أتَّبع ديناً أعمى، أمَّا الآن فإنِّي أرى الحقيقة المطلقة بأنَّ الإسلام هو الطريقة الأفضل والكاملة للحياة المصمَّمة لكلِّ البشريَّة. الحمد لله ربِّ العالمين.(1/77)
وأدعو الله تعالى أن يغفر لنا كلَّ جهلنا بخصوص الإسلام، وأن يهدينا سبحانه وتعالى صراطه المستقيم الَّذي يقود إلى الجنَّة. آمين.
***
12- القس المصري السابق فوزي صبحي سمعان
فوزي المهدي .. الداعية الذي كان قساً..
خلف أسوار الكاتدرائية كنيسة (ماري جرجس) في مدينة الزقازيق المصرية ، وفي جو اختلطت فيه رهبة الظلمة بإتقان من أضواء خافتة مع حالة التيه التي تحرص عليها تهويمات الرهبان.
خلف هذه الأسوار جلس الفتى فوزي صبحي سمعان السيسي خادم الكنيسة الذي يحلم بأن يحصل على رتبة (القس) يستمع إلى القس الأكبر.كان الفتى شارداً مع حلمه تتنازعه بعض أفكار ثقيلة لشبح في سماء فكره كلما انتبه لما يسمع وارتفع صوت قسيس الكنيسة مناجياً المسيح: (يا ابن الله يا مخلصنا وإلهنا).وانتفض الفتى طارداً الفكرة ، لكنها تلح عليه مرة أخرى لاذ بحلمه وشرود يطارده هارباً مما يسمع.ويعلو صوت القسيس مرة أخرى كان الفتى هو المقصود ... انتزعه من حلمه فرك عينيه وانتبه .. والتمرد يكبر .. يواجه نفسه بالحقيقة التي طالما نجح في الفرار منها : لقد قالوا لنا إن المسيح صلب وعذب ولم يكن قادراً على تخليص نفسه من الصلب والتعذيب المبرح .. فكيف يتأتى له أن يخلصنا؟!(1/78)
وتتمدد علامة الاستفهام الكبيرة ...... الفتى يشعر بالخطر .. الصراع يملأ رأسه وجعاً .. يقف موليّاً ظهره للقسيس والكنيسة.كم كبير من المخدوعين. الفتى هو فوزي صبحي سمعان السيسي الذي كبر وتحقق حلمه وأصبح قساً ... لكن ظلت الفكرة تطارده وتفقده طعم الحلم الذي طالما انتظره ... وأخيراً تتغلب عليه ليصبح الشيخ فوزي صبحي عبد الرحمن المهدي الداعية ومدرس التربية الإسلامية في مدارس التربية الإسلامية في مدارس منارات جدة .. لكن لماذا وكيف حدث ذلك؟ ..خرج الفتى من الكنيسة غاضباً من تمرده ، هلعاً من أفكاره الأكثر تمرداً ... لكن ماذا بيده؟ كان لابد أن يُسكت هذا التمرد في داخله .. بدأ يبحث في الأديان الأخرى وآخرها الإسلام .. واستمع إلى القرآن فاهتز له قلبه .. ونظر إلى المسلمين فوجد نظافة ووضوءاً وطهارة وصلاة وركوعاً وسجوداً .. واستدار ينظر إلى حاله فلا طهارة ولا اغتسال ولا وضوء.لم يكن ذلك كافياً لإحداث الانقلاب كما أنه لم يرحمه من مطاردة الفكرة. وعاد الفتى إلى الكنيسة .. القس يرفع صوته متحدثاً عن أسرار الكنيسة السبعة .. همت الضحكة أن تفلت من فمه فأسكتها بصعوبة شديدة وهو يتمتم : أية أسرار يتحدثون عنها؟!ومرة أخرى داهمته فكرة التمرد .. أية أسرار سبعة؟ هي :
السر الأول :
هو (التعميد) بئر داخل الكنيسة صلى عليها الصلاة فحلت بها الروح القدس .. الطفل يغمس فيها فيصبح نصرانياً!! هكذا؟!! وصرخت به فكرة التمرد ...... أنه يولد فيجد أبويه نصرانيين فماذا يحتاج بعد ذلك ليكون نصرانياً , بعد أن أسلم الفتى وجد الإجابة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه ينصّرانه أو يمجّسانه أو يهوّدانه) .
السر الثاني :(1/79)
هو (الاعتراف) إذ يجلس النصراني المذنب أمام نصراني أكبر منه رتبة ( قس - مطران – بطريك – بابا ) ليعترف أمامه بكل شيء ويضع الأخير عصاه على رأسه ويتمتم ببعض الكلمات مانحاً إياه صك الغفران .. ويخبر الفتى حواراً دار بينه وبين طبيب نصراني: القس يغفر لي فمن يغفر للقس ؟ .. قال : البابا. ومن يغفر للبابا؟ قال: الله .. فلماذا لا نعترف لله مباشرة ليغفر لنا ؟! لماذا نفضح أنفسنا أمام الناس وقد سترنا الله؟!..
السر الثالث:
هو الشرب من دم المسيح هكذا !! نعم .... يأتي النصراني بالنبيذ ليصلي عليه القس فيتحول إلى دم مبارك هو دم المسيح ليشربه النصراني بِوَلَهٍ وخشوع !! ويتساءل الفتى: إذا كان المسيح مخلصنا فلماذا نشرب من دمه؟ فنحن نشرب من دم عدونا فقط ، الفتى جرب مرة وأحضر النبيذ للقس فصلى عليه وشربه فلم يجده قد تحول ..
السر الرابع:
هو أكل لحم المسيح ، قرابين تصنع من الدقيق ليرتل عليها القس فتتحول إلى جزء من جسد المسيح يأكلونه !! هكذا أيضاً !! وتساءلت النفس المتمردة .... لماذا نأكل لحم المسيح وهو إلهنا وأبونا؟!(1/80)
الأسرار الثلاثة الأخيرة هي الأب والابن والروح القدس ........ ويقولون تثليث في توحيد .. كهنوت وتهاويم وتناقض لا يقبله عقل!!وهرع الفتى مرة أخرى ساخطاً على الكنيسة والقس ، وأشياء كثيرة يناقضها المنطق.ووسط الزحام دس الفتى جسده ونفسه المتمردة .. رويداً رويداً .. تناسى الأفكار التي تطارده .. وخجلاً قادته قدماه إلى الكنيسة..وأحس هذه المرة بانقباض فقد أرهقه الكر والفر مع نفسه .. وعلا صوت القس ومعه جموع المخدوعين بقانون الإيمان كما يقولون: ( بالحقيقة نؤمن) .. بـ (إله واحد) .. الأب .... ضابط الكل .. خالق السماء والأرض ... ما يرى وما لا يرى .. نؤمن برب واحد يسوع المسيح .. ابن الله الوحيد .. المولود من الأب قبل كل الدهور .. نور من نور .. إله حق ..... إله حق .. مولود غير مخلوق ... تساوى الأب في الجوهر ........ هذا الذي كان به كل شيء .. هذا الذي كان من أجلنا – نحن البشر – نزل من السماء فتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء ..... وصلب وقبر عنا ..... وقام من بين الأموات في اليوم الثالث كما في الكتاب .. و .. و ..وانسحب الفتى من بين الجموع وهو ممسك برأسه يمنعه من الانفجار ..يقولون: إله واحد ، ثم يقولون المسيح ابن الله الوحيد؟! .. كيف وكل مولود مخلوق!! يقولون: صلب وقبر من أجلنا فكيف يليق بالرب خالق الكون أن يصلبه ويعذبه أحد خلقه؟! ومضى الفتى إلى الجيش ليؤدي الخدمة العسكرية ..... وفي الإسماعيلية دخل الكنيسة للمرة الأخيرة .. مضى إلى الهيكل مباشرة حيث لا يرى من بداخله .. سجد مثلما يسجد المسلم .. بكى بحرقة وابتهل إلى رب الخلق أجمعين الواحد الأحد . قال: ربي ... أنت تعلم أنني في حيرة شديدة فإن كانت النصرانية هي الحق فاجعل روح القدس تحل عليّ الآن .. وإن كان الإسلام هو الحق فأدخله في قلبي.يقول الفتى: ولم أرفع رأسي من السجود إلا وصدري قد انشرح للإسلام.(1/81)
وقبل أن يخرج من الكنيسة عرج على القس وألقى عليه بعض التساؤلات ...... لم يجبه ولكن سأل: هل تقرأ القرآن؟ قال الفتى: نعم ...... اكفهر وجه القس وصرخ: نحن فقط الذين نقرأ القرآن أما أنت والعامة فلا .... وخرج ولم يعد للكنيسة ، والآن يقول الفتى: كنت رجلاً تائهاً في لهيب الفيافي يقتلني العطش ولا ألقى سوى السراب وإذا بي أجد ماء زمزم .... عشت تسع سنوات بين نفسي المتمردة والهروب منها .. قارنت بين الإسلام والنصرانية ... بين الأناجيل والقرآن وكانت الغلبة للحقيقة والنور ..اجتمع إخوة الفتى وتشاوروا و اتخذوا القرار ووضعوا طريقة التنفيذ .... لا بد أن يقتل لقد عصى الرب وأهان الكنيسة .... وجاء من يخبره ويشير عليه .. وهرب الفتى من قريته .. قلبه على إخوته .. يدعو لهم بالهداية ..ويدق باب شقته دقاً خفيفاً .... يفتح يجد أخته أمامه .... بكت وأخبرته بما أفرحه ... ستشهر إسلامها .. وبكى وأخبرها أنه طالما سهر الليالي يبتهل إلى الله أن يلحقها به ... ولأن الأم قد ماتت منذ أمد بعيد فقد ظلا يتوسلان إلى الله أن يهدي قلب أبيهما إلى اليمان.ولم يمض وقت طويل حتى جاء ذلك اليوم .... عاد من عمله .... وجد أخته خلف الباب ... أسرعت إليه .. قالت له : أبوك في انتظارك ... جاء ساعياً إلى نور الحق .. انكب على رأسه ويديه يقبلهما .. ويشهر الأب إسلامه ليموت على الإسلام بعد عام ونصف. وفارس آخر يلحق بالركب ( عبد الله المهدي) أسلم وجاء ليكمل نصف دينه.ولم يجد أمامه سوى أخت (الفتى) ليقترن بها ويسافرا معاً حيث يعمل إماماً لأحد المساجد في الدوحة.
***
13- الشهيد القس السابق الأثيوبي ملقاه فقادو
القس الأثيوبي الذي أسلم على يديه الكثيرون.(1/82)
نال ثقة الكنيسة فيما يقوم به من نشاط في حركات التبشير و التنصير حتى وصل إلى أعلى المراتب الكنسية ، و لكن داخله الشك عندما وقع تحت يده كتاب يتضمن تفاسير قرآنية و كانت بداية خطواته على طريق الإيمان الذي يحكيه فيقول :
"عشت سنوات من التيه ، و لم أكن أدري ما يخبئه القدر لي .... خدمت المسيحية بكل ما أستطيع ، و من ثم تدرجت في السلم الكنسي حتى وصلت إلى مراتب عليا في الكنيسة و أصبحت أحد القياديين فيها ، ثقةً من كبار القساوسة في شخصي و فيما أقوم به من نشاط بكل إخلاص و همة ، مما دفعهم إلى تحميلي مسئوليات كبرى في التبشير و التنصير .
كنت محباً للقراءة و الاطلاع ، فلم أجد كتاباً عن الإنجيل إلا قرأته حتى فوجئت و أنا أقرأ بعض الكتب الإنجيلية المترجمة أنها تتناول الدين الإسلامي و تطرح سؤالاً مؤداه : أهو دين سماوي أم لا ؟ .. و عندما وصلت إلى هذه النقطة بدأت أعيد طرح السؤال مرة أخرى ... ثم مرت الأيام و عثرت على كتاب للتفاسير القرآنية مكتوب باللغة الأمهرية ، فبدأت أقارن بين ما وجدته في هذا الكتاب و ما قرأته سابقاً في الترجمات ، فبدأت أقارن بين ما وجدته في هذا الكتاب و ما قرأته سابقاً في الترجمات الإنجيلية عن دين محمد ، حتى بدأ يداخلني الشك و أشعر بالفرق الهائل و بالتحريف الذي حدث تجاه دين الإسلام ، حتى أيقنت تماماً أن الإسلام هو الدين الحقيقي .. بعدها أشهرت إسلامي و تسميت باسم "محمد سعيد فقادو" ... بعدها عكفت على إعداد دراسة تبين أسباب إسلامي موضحاً فيها حقيقة المعلومات الخاطئة المنحرفة في الكتب الإنجيلية ، و من ثم أوردت الحقائق الثابتة و رفعتها إلى المجلس الإسلامي الأعلى في أديس أبابا " .
ثم يصمت برهةً يلتقط فيها أنفاسه ليعرض رد فعل الكنيسة فيقول :(1/83)
" لم تقف الكنيسة موقف المتفرج بعد أن فضحها من عاش بداخلها ردحاً من الزمن ، فتحركت بسرعة و حركت أذنابها في السلطة الشيوعية إبَّان عهد "منجستو" و سلطوا عليّ أجهزة الأمن التي قامت باعتقالي ، و دخلت السجن لمدة ثلاثة أشهر بلا ذنب سوى أنني اعتنقت الإسلام و تخليت عن المسيحية " .
و كان لمحمد سعيد دور في الدعوة الإسلامية فيعبر عن ذلك بقوله :
"بعد خروجي من السجن استفدت من علاقاتي الشخصية و نجحت في إدخال أكثر من مائتي شخص جديد لدين الإسلام ، و لكن الأسقف "كارلويوس" رئيس القساوسة لم يهنأ له بال حتى قام برشوة أجهزة القمع في نظام "منجستو " الديكتاتوري ، و مرةً ثانية جرى اعتقالي و تأكد لي أنني لن أخرج هذه المرة من السجن ، و لا سيما أن الكنسيين مستمرون في ملاحقتي ، غير أنه بعد زيارة قام بها الدكتور "عبد الله عمر نصيف" الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي لأثيوبيا و لقائه مع الرئيس السابق "منجستو" طلب منه الإفراج عني ، فاستجاب لطلبه "
و هكذا نجد أنفسنا أمام شخصية صارت تستميت من أجل عقيدتها لا يثنيها عنها المكائد المتلاحقة .
و لد ملقاه فقادو لأب يهودي و أم نصرانية في إحدى قرى أثيوبيا ، و درس في صباه المبكر التوراة و الإنجيل ، و اختار أن يصير نصرانياً كأمه ، و لم يكن اختياره نابعاً عن قناعة بالديانة النصرانية ، و لكن للأفضلية التي يحظى بها أتباع هذه العقيدة في بلاده التي تعد أحد معاقل النصرانية في إفريقيا .(1/84)
و لم يجد "ملقاه" ذاته في التوراة أو الإنجيل ، إذ رأى في الأولى مجموعة من الأقاصيص و الأساطير التي عمد الكهان و الأحبار إلى حشوها بكل ما هو غريب بعد أن حرفوا الكلم عن مواضعه ، فلم يتقبل عقل "ملقاه" ما في التوراة المحرفة من خرافات و أباطيل ، فنبذها إلى دراسة الإنجيل الذي تؤمن به والدته ، فوجد أن التناقض بين نصوص الأناجيل واضح فضلاً عن كونها لا تقدم تفسيراً للحياة و الكون و لا تحاول تنظيم أية علاقة في شئون الدنيا و الآخرة ، فأدرك أنها ليست الكتاب المنزل على عيسى عليه السلام ، أما الإسلام فلم يحاول "ملقاه" أن يدرسه و لم يَسْعَ إليه لحظة ، فالدعاية الكنسية القوية و المؤثرة تصور الإسلام على أنه دين المتخلفين و تنسب العديد من الافتراءات و الأكاذيب عليه و على المسلمين ، و من ثم كبر "ملقاه" على بغض الإسلام ، و بحث عن مهنة تليق بمستوى أسرته الاجتماعي و تتيح له أن يحيا حياته في بحبوحة و رغد من العيش ، فلم يجد أفضل من السلك الكنسي ، حيث سيحظى بالاحترام و بالمرتب الكبير و بالسيارة ، و قد ساعده على الالتحاق بالعمل في الكنيسة حفظه التوراة ، و صار الشاب "ملقاه" قساً يشار إليه بالبنان و تقبل العامة يديه و ينادونه "أبانا" ..
و استمر عمله في الكنيسة ست سنوات ، اجتهد خلالها في الدعوة إلى النصرانية دونما كلل أو ملل ن و لاسيما أنه ينعم بمميزات عدة من راتب سخي و سكن أنيق و سيارة فاخرة في بلد تهدده المجاعة كل يوم و تفتك بالكثيرين من مواطنيه .(1/85)
و ظل هكذا يعمل بجد في خدمة الكنيسة و الدعوة لمعتقداتها حتى كانت ليلة فاصلة إذ رأى فيها ـ فيما يرى النائم ـ رجلاً يقترب منه في المنام و يوقظه هاتفاً به أن يقرأ شهادتي : "لا إله إلا الله ، محمد رسول الله" ، و سورة الإخلاص : { قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد و لم يولد * و لم يكن له كُفُواً أحد } .. فقام من نومه فزعاً و قد روعته تلك الرؤيا التي لم يستوعبها ، و إنما فسرها بفهمه القاصر على أنها من الشيطان .
و تكررت الرؤيا ليلتين أخريين ، و رأى في الليلة الثالثة نوراً يضئ أمامه الطريق و رجلاً يقرئه الشهادتين و سورة الإخلاص ، فأدرك من فوره أن هذه رؤيا حق و ليست من عمل شيطان رجيم كما كان يتوهم ، فالنور الذي أضاء سبيله في الرؤيا قد تسرب في وجدانه و أنار بصيرته فأصبح من يومه و في قرارة نفسه إيمان عميق بأن عقيدة الإسلام هي الحق و ما دونها باطل ... و لم يطُل به التفكير لأنه بحكم دراسته اللاهوتية كان مطلعاً على البشارات العديدة برسالة محمد صلى الله عليه و سلم ، و لذا أشهر إسلامه عن اقتناع تام .
و عندما حدث زوجته في الأمر عارضاً عليها الدخول في الإسلام جاوبته بالإيجاب و دخلت معه في عقيدة التوحيد ، و كذلك فعل أطفاله الثلاثة .
و كان أول ما فعله "ملقاه" بعد إشهار إسلامه أن قام بتغيير اسمه إلى "محمد سعيد" معتبراً ذلك اليوم يوم ميلاده الحقيقي شاكراً الله تعالى ما أنعم به عليه من نعمة الهداية إلى دين الحق .
أما بالنسبة للأوساط الكنسية الأثيوبية فقد استقبلت نبأ إسلام "محمد سعيد" بغضب شديد ، و لم تكتفِ بحرمانه من الامتيازات التي كان ينعم بها من مسكن راقٍ و سيارة فاخرة و راتب ضخم و غير ذلك ، بل سعت حتى أدخلته السجن ليلقى صنوفاً و ألواناً من التعذيب في محاولة لرده عن إيمانه و ليكون عبرة و عظة لكل من يفكر في ترك النصرانية و الالتحاق بركب الإسلام .(1/86)
و تحمل "محمد سعيد" كل ذلك صابراً محتسباً أجره عند الله ، و لم يتزحزح إيمانه قيد أُنمُلة ، و لسانه يلهج بالقول : "سبحان الله ، و الحمد لله ، و لا إله إلا الله" ..
و حين لم تُجدِ معه وسائل التعذيب ـ و ما أكثرها ! ـ اضطر القساوسة إلى تركه لكيلا يتحول إلى رمز و قدوة تنير الطريق لكثير من رعايا الكنيسة إلى درب دين الحق .
و خرج "محمد سعيد" من السجن أقوى إيماناً و اشد تصميماً على إيصال دعوة الحق إلى غيره ، إذ زادته محنة السجن ثباتاً و حرصاً على أن يصبح داعية للإسلام بعدما كان قساً يدعو إلى النصرانية و جعله الله سبباً في هداية نحو 280 شخصاً اعتنقوا الإسلام على يديه. و يذكر "محمد سعيد" أنه قد استفاد من دراسته العميقة للتوراة و الإنجيل في استكشاف الكثير من أوجه الإعجاز القرآني ، و أنه بحكم عمله السابق كقس يدرك الأساليب غير السوية التي يلجأ إليها المنصرون من أجل جذب الفقراء و المحتاجين إلى الديانة النصرانية حيث يستغلون فقر الناس و عَوَزهم بالتظاهر بمواساتهم مادياً و معنوياً و الاهتمام بهم صحياً و تعليمياً في محاولة لاكتساب ودهم و محبتهم ، و من ثم السيطرة على عقولهم و إقناعهم بأن في النصرانية خلاصهم من عذاب الآخرة و فقر الدنيا !!
هذا و يقضي "محمد سعيد" أوقاته في حفظ القرآن الكريم ، مع ما في ذلك من مشقة لكونه من غير الناطقين باللغة العربية ليتمكن من الدعوة الإسلامية . و عن أسلوبه في الدعوة يقول :
" أعتمد على معرفة عقيدة من أدعوه من غير المسلمين ، و من ثم مناقشته في عقيدته و إظهار بطلانها و مخالفتها للفطرة و العقل ، ثم بعد ذلك أقوم بشرح ما في الإسلام من نواحٍ خيِّرة عديدة مبيناً أنه الدين الحق الذي اختاره الله للبشرية منذ بدء الخليقة ، فالإسلام يعني التسليم لله بالربوبية و الطاعة و الانقياد لأوامره ـ عز و جل ـ و اجتناب نواهيه "
و عن أمنية "محمد سعيد" يقول :(1/87)
" أمنيتي الخاصة أن أتمكن من هداية والدي و والدتي إلى دين الحق .. أما أمنيتي العامة فهي أن أستطيع أن أكون أحد فرسان الدعوة الإسلامية و أن يوفقني الله لما فيه خير أمة الإسلام و أن ينصرها و يعلي شأن دينه "
أجل أمنيات تدل على صدق إيمان القس السابق "ملقاه" بدين محمد صلى الله عليه و سلم الذي صار سعيداً باعتناقه له فتسمى باسم نبي الإسلام و يقرنه بكونه سعيداً .
ونظراً لما يمثله هذا الرجل من ثقل في النصرانية فقد أزعج إسلامه الكنيسة واعتبروه مارقاً عن ديانتهم ولا مناص من عودته إلى النصرانية أو تصفيته جسدياً. وفي الجانب الآخر يعتبر إسلام هذا الرجل مكسباً كبيراً للمسلمين نظراً لكثرة أتباعه وتأثيره عليهم وتأثرهم به مما سيؤدي إلى إسلام قرى بأكملها وهذا ما تم بالفعل.
ولما أحس رجال الكنيسة بما يمثله (فقادو) من خطورة وأدركوا تمسكه بالإسلام واستحالة عودته إلى ديانتهم قرروا الانتقام منه وقد فطن إلى ذلك. وقام مكتب الرابطة بأثيوبيا بالتنسيق مع الأمانة العامة للرابطة بمكة المكرمة بمنحه تأشيرة دخول إلى المملكة العربية السعودية لإبعاده عن مضايقات رجال الكنيسة من جهة ولتعليمه مبادئ الإسلام في مهبط الوحي من جهة أخرى . ونظراً لعدم إلمامه باللغة العربية فقد تم إلحاقه بمعهد اللغة العربية التابع لجامعة أم القرى بمنحة من الرابطة وتم تأمين سكن مناسب له و لأسرته بمكة المكرمة وتخصيص راتب شهري يليق بمكانته. ونظراً لحدة ذكائه كما أسلفت فقد تعلم أساسيات اللغة العربية في وقت قياسي وتعمق في دراسة الإسلام وحسن إسلامه وظهرت سمات الصلاح في وجهه وحفظ بعض أجزاء القرآن الكريم وترقق قلبه وأصبح دائم البكاء من شدة فرحه بما أنعم الله عليه من نور الهداية.(1/88)
وفي هذه الأثناء جاءته ابنة راعي الكنيسة قادمة من إثيوبيا وهى شابة حسناء ، أتته باكية مستنجدة مدعية بأن أباها طردها عندما أدرك أنها سوف تعتنق الدين الإسلامي و هى جاءت إلى فقادو لكي ينقذها من أسرتها التي تريد قتلها و طلبت منه أن يتزوجها ويعلمها الإسلام وتم لها ما أرادت فتزوجها وأسكنها في جدة لأن زوجته الأولى أسلمت معه وسكنت في مكة المكرمة.
ولم يكن يعلم بما حيك له من سوء وما دبر له من مكائد فقد يئس رجال الكنيسة من عودته إلى ديانتهم فخططوا لقتله حتى وإن كان خارج أثيوبيا.
وأرسلوا له هذه الحسناء المصابة بمرض الإيدز وبالتالي انتقلت إليه العدوى ونقلها دون أن يعلم إلى زوجته الأولى. ولما أدركت هذه الشابة نجاح مهمتها ولّت هاربة إلى إثيوبيا تاركة هذا المرض يسري في جسد محمد سعيد وزوجته . ولم يمهلهما المرض كثيراً حيث توفيت زوجته بعد عدة أشهر أما هو فقد هزل جسمه وضعفت قوته ثم قضى نحبه ودفن بمكة المكرمة. نسأل الله أن يتغمده برحمته ويسكنه فسيح جناته. وصدق الله العظيم: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملّتهم} رحمك الله يا فقادو وتقبلك شهيداً في جنة الخلد.
***
14- إسلام أكبر داعي للنصرانية في كندا !!
هذا أكبر داعي للنصرانية يعلن إسلامه ويتحول إلى أكبر داعية للإسلام في كندا ، كان من المبشرين النشطين جدا في الدعوة إلى النصرانية وأيضا هو من الذين لديهم علم غزير بالكتاب المقدس Bible ....
هذا الرجل يحب الرياضيات بشكل كبير .....لذلك يحب المنطق أو التسلسل المنطقي للأمور
في أحد الأيام أراد أن يقرأ القرآن بقصد أن يجد فيه بعض الأخطاء التي تعزز موقفه عند دعوته للمسلمين للدين النصراني ....
كان يتوقع أن يجد القرآن كتاب قديم مكتوب منذ 14 قرن يتكلم عن الصحراء وما إلى ذلك ..... لكنه ذهل مما وجده فيه .....بل واكتشف أن هذا الكتاب يحوي على أشياء لا توجد في أي كتاب آخر في هذا العالم .......(1/89)
كان يتوقع أن يجد بعض الأحداث العصيبة التي مرت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم مثل وفاة زوجته خديجة رضي الله عنها أو وفاة بناته وأولاده...... لكنه لم يجد شيئا من ذلك ......
بل الذي جعله في حيرة من أمره انه وجد أن هناك سورة كاملة في القرآن تسمى سورة مريم وفيها تشريف لمريم عليها السلام لا يوجد مثيل له في كتب النصارى ولا في أناجيلهم !!
ولم يجد سورة باسم عائشة أو فاطمة رضي الله عنهم.....
وكذلك وجد أن عيسى عليه السلام ذكر بالاسم 25 مرة في القرآن في حين أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يذكر إلا 5 مرات فقط فزادت حيرة الرجل .....
أخذ يقرا القرآن بتمعن أكثر لعله يجد مأخذا عليه ....ولكنه صعق بآية عظيمة وعجيبة ألا وهي الآية رقم 82 في سورة النساء :
"أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا "
يقول الدكتور ملير عن هذا الآية : " من المبادئ العلمية المعروفة في الوقت الحاضر هو مبدأ إيجاد الأخطاء أو تقصي الأخطاء في النظريات إلى أن تثبت صحتها ويسمىFalsification test... والعجيب أن القرآن الكريم يدعوا المسلمين وغير المسلمين إلى إيجاد الأخطاء فيه ولن يجدوا ...."
يقول أيضا عن هذه الآية : " لا يوجد مؤلف في العالم يمتلك الجرأة ويؤلف كتابا ثم يقول هذا الكتاب خالي من الأخطاء ولكن القرآن على العكس تماما يقول لك لا يوجد أخطاء بل ويعرض عليك أن تجد فيه أخطاء ولن تجد "
أيضا من الآيات التي وقف الدكتور ملير عندها طويلا هي الآية رقم 30 من سورة الأنبياء :
"أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شي حي أفلا يؤمنون"
يقول: "إن هذه الآية هي بالضبط موضوع البحث العلمي الذي حصل على جائزة نوبل في عام 1973 وكان عن نظرية الانفجار الكبير وهي تنص أن الكون الموجود هو نتيجة انفجار ضخم حدث منه الكون بما فيه من سماوات وكواكب "(1/90)
فالرتق هو الشيء المتماسك في حين أن الفتق هو الشيء المتفكك فسبحان الله .
يقول الدكتور ملير : "الآن نأتي إلى الشيء المذهل في أمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم والادعاء بأن الشياطين هي التي تعينه والله تعالى يقول :
"وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ * " الشعراء 210-211-212
" فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ 98 " النحل
أرأيتم ؟؟ هل هذه طريقة الشيطان في كتابة أي كتاب ؟؟ يؤلف كتاب ثم يقول قبل أن تقرأ هذا الكتاب يجب عليك أن تتعوذ مني ؟؟
إن هذه الآيات من الأمور الإعجازية في هذا الكتاب المعجز ! وفيها رد منطقي لكل من قال بهذه الشبهة "
من القصص التي أبهرت الدكتور ملير ويعتبرها من المعجزات هي قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي لهب ................
يقول الدكتور ملير :(1/91)
"هذا الرجل أبو لهب كان يكره الإسلام كرها شديدا لدرجة أنه كان يتبع محمد صلى الله عليه وسلم أينما ذهب ليقلل من قيمة ما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم , إذا رأى الرسول يتكلم لناس غرباء فانه ينتظر حتى ينتهي الرسول من كلامه ليذهب إليهم ثم يسألهم ماذا قال لكم محمد؟ لو قال لكم أبيض فهو أسود ولو قال لكم ليل فهو نهار المقصد أنه يخالف أي شيء يقوله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ويشكك الناس فيه . قبل 10 سنوات من وفاة أبي لهب نزلت سورة في القرآن اسمها سورة المسد , هذه السورة تقرر أن أبو لهب سوف يذهب إلى النار , أي بمعنى آخر أن أبو لهب لن يدخل الإسلام . خلال عشر سنوات كل ما كان على أبو لهب أن يفعله هو أن يأتي أمام الناس ويقول "محمد يقول أني لن أسلم و سوف أدخل النار ولكني أعلن الآن أني أريد أن أدخل في الإسلام وأصبح مسلما !! , الآن ما رأيكم هل محمد صادق فيما يقول أم لا ؟ هل الوحي الذي يأتيه وحي إلهي ؟ . لكن أبو لهب لم يفعل ذلك تماما رغم أن كل أفعاله كانت هي مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه لم يخالفه في هذا الأمر يعني القصة كأنها تقول أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأبي لهب أنت تكرهني وتريد أن تنهيني , حسنا لديك الفرصة أن تنقض كلامي !
لكنه لم يفعل خلا ل عشر سنوات !! لم يسلم ولم يتظاهر حتى بالإسلام !!
عشر سنوات كانت لديه الفرصة أن يهدم الإسلام بدقيقة واحدة ! ولكن لأن الكلام هذا ليس كلام محمد صلى الله عليه وسلم ولكنه وحي ممن يعلم الغيب ويعلم أن أبا لهب لن يسلم كيف لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يعلم أن أبا لهب سوف يثبت ما في السورة إن لم يكن هذا وحيا من الله؟؟
كيف يكون واثقا خلال عشر سنوات أن مالديه حق لو لم يكن يعلم أنه وحيا من الله؟؟
لكي يضع شخص هذا التحدي الخطير ليس له إلا أمر واحد هذا وحي من الله ."
1.تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ
2.مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ(1/92)
3.سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ
4.وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ
5.فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ
يقول الدكتور ملير عن آية أبهرته لإعجازها الغيبي :
"من المعجزات الغيبية القرآنية هو التحدي للمستقبل بأشياء لا يمكن أن يتنبأ بها الإنسان وهي خاضعة لنفس الاختبار السابق إلا وهو falsification tests أو مبدأ إيجاد الأخطاء حتى تتبين صحة الشيء المراد اختباره ,وهنا سوف نرى ماذا قال القران عن علاقة المسلمين مع اليهود والنصارى .القران يقول أن اليهود هم أشد الناس عداوة للمسلمين وهذا مستمر إلى وقتنا الحاضر فاشد الناس عداوة للمسلمين هم اليهود "
ويكمل الدكتور ملير :
"إن هذا يعتبر تحدي عظيم ذلك أن اليهود لديهم الفرصة لهدم الإسلام بأمر بسيط ألا وهو أن يعاملوا المسلمين معاملة طيبة لبضع سنين ويقولون عندها : ها نحن نعاملكم معاملة طيبة والقران يقول إننا اشد الناس عداوة لكم , إذن القران خطأ ! , ولكن هذا لم يحدث خلال 1400 سنة !! ولن يحدث لان هذا الكلام نزل من الذي يعلم الغيب وليس إنسان !!"
يكمل الدكتور ملير :
" هل رأيتم أن الآية التي تتكلم عن عداوة اليهود للمسلمين تعتبر تحدي للعقول !! "
" لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ 82 وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ 83 وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ 84 " المائدة(1/93)
وعموما هذه الآية تنطبق على الدكتور ملير حيث انه من النصارى الذي عندما علم الحق آمن و دخل الإسلام وأصبح داعية له .....وفقه الله
يكمل الدكتور ملير عن أسلوب فريد في القران أذهله لإعجازه :
" بدون أدنى شك يوجد في القران توجه فريد ومذهل لا يوجد في أي مكان آخر , وذلك أن القران يعطيك معلومات معينة ويقول لك : لم تكن تعلمها من قبل !! مثل :
سورة آل عمران - سورة 3 - آية 44 " ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون "
سورة هود - سورة 11 - آية 49 " تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين "
سورة يوسف - سورة 12 - آية 102 " ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ اجمعوا أمرهم وهم يمكرون "
يكمل الدكتور ملير :
" لا يوجد كتاب مما يسمى بالكتب الدينية المقدسة يتكلم بهذا الأسلوب , كل الكتب الأخرى عبارة عن مجموعة من المعلومات التي تخبرك من أين أتت هذه المعلومات , على سبيل المثال الكتاب المقدس (الإنجيل المحرف ) عندما يناقش قصص القدماء فهو يقول لك الملك فلان عاش هنا وهذا القائد قاتل هنا معركة معينة وشخص آخر كان له عدد كذا من الأبناء وأسماءهم فلان وفلان ..الخ . ولكن هذا الكتاب (الإنجيل المحرف) دائما يخبرك إذا كنت تريد المزيد من المعلومات يمكنك أن تقرأ الكتاب الفلاني أو الكتاب الفلاني لان هذه المعلومات أتت منه "
يكمل الدكتور ملير :(1/94)
" بعكس القران الذي يمد القارئ بالمعلومة ثم يقول لك هذه معلومة جديدة !! بل ويطلب منك أن تتأكد منها إن كنت مترددا في صحة القران بطريقة لا يمكن أن تكون من عقل بشر !! . والمذهل في الأمر هو أهل مكة في ذلك الوقت -أي وقت نزول هذه الآيات - ومرة بعد مرة كانوا يسمعونها ويسمعون التحدي بان هذه معلومات جديدة لم يكن يعلمها محمد صلى الله عليه وسلم ولا قومه , بالرغم من ذلك لم يقولوا : هذا ليس جديدا بل نحن نعرفه , أبدا لم يحدث أن قالوا مثل ذلك ولم يقولوا : نحن نعلم من أين جاء محمد بهذه المعلومات , أيضا لم يحدث مثل هذا , ولكن الذي حدث أن أحداً لم يجرؤ على تكذيبه أو الرد عليه لأنها فعلا معلومات جديدة كليا !!! وليست من عقل بشر ولكنها من الله الذي يعلم الغيب في الماضي والحاضر والمستقبل "
***
15- إسلام رئيس جمهورية ( جامبيا )
هذه قصة من قصص الإيمان ، بطلها ليس فرداً عادياً ، إنه يمثل أعلى سلطة في بلاده ، أدرك الحقيقة فخر ساجداً ، ثم نهض قائلاً الله أكبر الله أكبر مني ومن كل شئ في الأرض والسماء .. إنه رئيس جمهورية ( جامبيا ) ولا تكمن غرابة القصة في كونه رئيساً لجمهورية ، وإنما لأن هذا الرئيس ولد مسلماً ثم أبحر للغرب ، وتشرب من فكره وقيمه وعقيدته ، ودخل عالم السياسة ، فدانت له ، واستهوته لعبة وشهوة المناصب التي وصل إلى أقصاها ، ولكن حين اقترب من القصر السياسي أكتشف أنه قد نسي شيئاً مهماً .. نسي فطرته ، فعاد إليها مسرعاً ، يعبر عن ذلك بقوله :
((1/95)
كنت أشعر دائماً أن لي قلبين في جوفي .. قلب لي وقلب علي .. أما القلب الذي لي فكان يدفعني إلى الدراسة والسياسة وخوض معركة الحياة .. وأما القلب الذي علي فكان ما يفتأ يلقي على عقلي وقلبي سؤالاً لم يبرحه قط ، هو : من أنت ؟ ... ... وما بين القلبين مضت بي الرحلة الطويلة استطعت معها ومن خلالها أن أحقق كل ما أصبو إليه ، تحرير وطن أفريقي أسود ، ووضعه على خريطة الدنيا كدولة ذات سيادة ) .
واستطرد قائلاً :
( وكان هذا نصراً منتزعاً من فم الأسد ، يكفي لأن يدير الرؤوس ، ويصيب الشبان الحالمين من أمثالنا في هذا الوقت بدوار السلطة .. كانت تلك معركة كبرى سلخت من أعمارنا نصف قرن من الزمان مع الحرب والنضال ، والمفاوضات وتكوين الأحزاب ، وخسارة المعارك والفوز بها أيضاً ، وما كان أسعدنا حينئذ ونحن ننشل وطننا من وهده الاحتلال والتخلف والضياع الفكري والاقتصادي .. ولم يكن هذا الفوز سوى لإرضاء النفس وغرورها ، أما فطرة النفس فأخذت تحضني على خوض المعركة الكبرى .. لقد كسبت معركتك مع الحياة فاكسب معركتك مع نفسك ، عد إلى ذاتك ، اكتشف المعدن الثمين الذي بداخلك .. أزح ما عليه من هذا الركام من التغريب والعلمانية والدراسة في مدارس اللاهوت .
كان الصوت يخرج من داخلي يقول لي عد إلى الطفل البريء الذي كان يجلس بين أيدي شيوخه ومعلميه يتلو القرآن ويسعى للصلاة . هنا أحسست أن قلبي يصدقني وأن لا شئ في الدنيا يعادل أن يخسر الإنسان نفسه ، أن أعود لإسلامي الذي ضاع مني وأنا في خضم في الحياة ومشاغلها ومباهجها ، أستشعر الآن أني قد كسبت نفسي وتعلمت درساً لا يتعلمه إلا من كان في قلبه حس نابض ، وعقل واع .)
وعاد الرئيس إلى فطرته الصحيحة وأعاد اسمه إلى ( داود جاوارا ) بعد أن كان اسمه ( ديفيد كيربا ) . وهكذا نجد أنفسنا أمام شخصية إسلامية سياسية وداعية إلى الله سبحانه وتعالى بعد أن كان على مذاهب البروستانتينية وغيرها .
***(1/96)
16- إسلام عالم ومؤلف وصحفي ألماني
منذ طفولتي وأنا أشعر بدافع في داخل نفسي لدراسة الإسلام ما وجدت إلى ذلك سبيلا ، وعنيت بقراءة نسخة مترجمة للقرآن في مكتبة المدينة التي نشأت فيها ، وكانت هي الطبعة التي حصل منها " جوته" على معلوماته عن الإسلام
أخذ مني الإعجاب كل مأخذ لما رأيته في هذا القرآن من أسلوب عقلي رائع في نفس الوقت الذي يفرض فيه التعاليم الإسلامية ، كما أدهشني تلك الروح المثابرة الوثابة العظيمة التي أثارتها وأذكتها هذه التعاليم في قلوب المسلمين الأوائل. ثم أتيحت لي في برلين فرصة العمل مع المسلمين والاستمتاع إلى الأحاديث الحماسية المثيرة التي كان يقدمها مؤسس أول جمعية إسلامية في برلين ومنشئ مسجد برلين ، عن القرآن الكريم ، وبعد سنوات من التعاون العملي مع هذه الشخصية الفذة لمست فيها ما يبذله من ذات نفسه وروحه ، آمنت بالإسلام ، إذ رأيت في مبادئه السامية والتي تعتبر القمة في تاريخ الفكر البشري ، مايكمل آرائي شخصيا , والإيمان بالله عقيدة أصيلة في دين الإسلام ، ولكنه لا يدعوا إلى مبادئ أو عقائد تتنافى مع العلم الحديث ، وعلى هذا فليس ثمة تناقض ما بين العقيدة من جانب وبين العلم من الجانب الآخر ، وهذه ولا شك ميزة عظيمة فريدة في نظر رجل أسهم بكل طاقته في البحث العلمي , وميزة أخرى يمتاز بها الدين الإسلامي ، تلك أنه ليس مجرد تعاليم نظرية صماء تسير على غير بصيرة وعلى هامش الحياة ، إنما هو يدعو إلى نظام تطبيقي يصبغ حياة البشر ، وقوانين الإسلام ليست بالتعاليم الجبرية التي تحتجز الحريات الشخصية ، ولكنها توجيهات وإرشادات تؤدي إلى حرية فردية منظمة.
ومع توالي السنين كنت أزداد اقتناعا بما يتبين لي من الأدلة على أن الإسلام يسلك أقوم سبيل في الملائمة بين شخصية الفرد وشخصية الجماعة ويربط بينهما برباط قوي متين.(1/97)
انه دين الاستقامة والتسامح ، انه دائم الدعوة إلى الخير ، يحض عليه ويرفع من شأنه في جميع الأحوال والمناسبات.
***
17- الأسقف الأمريكي الذي اعتنق الإسلام (مصطفى مولاني)
جاء إلى مصر بعد أن استقال من منصبه كأسقف في إحدى الولايات الأمريكية ليدرس الإسلام على يد شيوخ الأزهر و علمائه .
كان يشعر بالشك في عقيدته بعد أن درس الفلسفة و اللاهوت ، و بعد أن كان يقوم بتدريس المواد الدينية في إحدى المدارس الثانوية الكاثوليكية ، فقد كان شغوفاً بالبحث و الدراسة حتى يستطيع أن يقوم بعمله خير قيام ، و لكن دراساته و بحوثه لم تزده إلا شكاً في عقيدته و طبيعة عمله .
و قبل أن يسرد قصة اتجاهه للإسلام و اعتناقه يتناول بالحديث طبيعة نشأته و مراحل دراسته و تطورها التي أوصلته للعمل كأسقف بولاية "نيوجيرسي" ... فيقول :
" أنا شاب أيرلندي الأصل ، نشأت في بيئة كاثوليكية متمسكة بعقيدتها ، و كل الآباء هناك يتمنون أن يكون من أبنائهم قسيس يخدم الدين المسيحي ؛ لأن هذا شرف كبير للعائلة ؛ لذلك درست في مدرسة ثانوية دينية ، ثم التحقت بكلية خاصة بالقسس بجامعة "سانت باتريك" لدراسة الفلسفة و اللاهوت لمدة ست سنوات ، و خلال فترة دراستي لم أسمع كلمة واحدة عن الإسلام .
و بعد تخرجي بشهرين فقط عام 1971 ذهبت إلى أمريكا للتبشير ، حيث تخرج الكلية مائتي قسيس كل عام ، و يأتي الأساقفة الأمريكيون فيأخذون أغلبهم إلى أمريكا للعمل بالتبشير في مناطق مختلفة ، و عملت أسقفاً بولاية "نيوجيرسي" و أصبحت مسئولاً عن إعداد برامج التوجيه الديني لكل المستويات و تدريب القائمين بهذا العمل ، و إلى جانب ذلك عملت مدرساً للمواد الدينية بالمدرسة الثانوية الكاثوليكية ، و كنت مشغوفاً بالبحث و الدراسة حتى أستطيع أن أؤدي واجبي تجاه إرشاد الناس .
....(1/98)
و كنت كلما تعمقت في البحث و الدراسة انتابني شعور غريب بالشك في عقيدتي ، و لم أستطع أن أكتم شكوكي ، فقررت مفاتحة رئيس الأساقفة و قلت له : لديَّ شك في عملي ، بل و في إيماني بالله حسب عقيدتنا ، فنصحني بالتريث و التفكير و أعطاني مهلة لمدة عام ريثما أفكر في الموضوع بهدوء "
و يتنهد و يزفر بزفرات حارة و هو يهز رأسه قائلاً :
" ... و خلال هذا العام عكفت على البحث و الدراسة و توجت بحثي بالحصول على درجتين للماجستير ، إحداهما في التربية الدينية و الأخرى في اللاهوت و الكتاب ، و لكن هذه الدراسات و البحوث لم تزدني إلا شكاً في عقيدتي و عملي .. و عدت إلى رئيس الأساقفة و معي استقالتي من عملي فوافق .. "
ثم يلتقط أنفاسه ليعود مستدركاً ما بدا له أنه قد فاته توضيحه فيقول :
" و لكن حتى هذه اللحظة لم أكن قد عرفت أي شئ عن الإسلام "
و يبدو أن هناك أسباباً وراء شكوكه في عقيدته كانت وراء استقالته من عمله دون أن يكون واقعاً تحت تأثير أي عقيدة أخرى .. فيحدثنا عنها قائلاً :
" هناك أسباب كثيرة ، فقد كان انتقالي من أيرلندا حيث المجتمع الريفي المتماسك إلى أمريكا حيث المجتمع الصناعي المادي و ما يتميز به من أمور غريبة ، من ذلك مثلاً عدد المذاهب المسيحية الذي يربو على ثلاثمائة مذهب .. كل واحد منها يزعم أنه على الحق دون غيره ، مما جعلني أشك في صدق هؤلاء .
كما أن هناك أشياء أخرى لم أكن مقتنعاً بها ، مثل السلطة البابوية المطلقة على الناس و التعسف في معالجة الأمور مثلما حدث من جدال طويل قد ثار حول موقف البابا من تنظيم النسل ، فهم يرفضون التنظيم مع أنه لا يوجد في الأناجيل ما يمنع ذلك .
كما أنني لم أكن مقتنعاً بفكرة الرهبنة ، حيث كثير من رجال الدين في المسيحية ممنوعون من الزواج بأمر البابا ، و هذا شئ ضد طبيعة الإنسان و فطرته .(1/99)
هذه هي بعض الأسباب التي ضاعفت شكوكي و جعلتني أعيش في حيرة .. كيف أعظ الناس و أنا غير مقتنع بما أقول .. لذلك قررت الاستقالة دون أن أعرف شيئاً عن الإسلام "
و بعد أن استقال قرر أن يستأنف دراسته للحصول على الدكتوراه من جامعة هارفارد ، و ذلك بعد أن اشتغل في الكنيسة تسع سنوات . و في فترة دراسته تلك كانت توافيه معلومات و بيانات عن الإسلام ، فأراد أن يستزيد منها .. فماذا يفعل؟ .. يجيب عن ذلك بقوله :
" أردت أن أعرف المزيد عن الإسلام فدرست تاريخ الإسلام و الحضارة الإسلامية ، كما حرصت على حضور بعض المحاضرات لعدد من علماء المسلمين الذين يحاضرون في القرآن و الحديث و أركان الإسلام و كل ما يتصل به ، و ذلك من باب حب الاستطلاع "
و يصمت برهة ليسترجع ذكريات حبيسة في نفسه فيقول :
" أذكر في ذلك الوقت أنني قد سمعت عن مصر و الأزهر و دوره الإسلامي الكبير .. و الغريب الذي أعجب منه كلما أسترجعه أن بداية معرفتي بالأزهر جاءت بعد رؤيتي لعرض تقدمه شيخان من الأزهر بزيهما الديني المميز اعترافاً و تقديراً لدور الأزهر كأقدم جامعة في العالم ، و ذلك في أثناء الاحتفال بمرور ثلاثمائة عام على إنشاء جامعة هارفارد حضره مندوبون عن جامعات العالم العريقة .. و هذه الصورة محفوظة في سجل الجامعة هناك ؛ و لذلك قررت أن يكون موضوع رسالتي للدكتوراه عن علماء الدين الإسلامي : أهميتهم و دورهم في المجتمع المصري من أيام الشيخ عبد المجيد سليم و حتى الآن "
و حتى ذلك الوقت لم يكن قد قرر اعتناق الإسلام ، و إنما كان اهتمامه بالدراسة فقط و التي كانت تستدعي منه مجيئه إلى مصر ليقوم بدراسة الإسلام من كليات الأزهر المتخصصة ، مثل كليه أصول الدين ، و التقائه بأساتذتها و علماء الإسلام ، فضلاً عن قراءاته المستفيضة لعدد كبير من الكتب الإسلامية .(1/100)
و عندما حضر إلى مصر و شاء قدر الله أن يكون ذلك في شهر رمضان راعى انتباهه ظاهرة غريبة بالنسبة له كأجنبي .. عنها يقول :
" حين جئت إلى مصر في شهر رمضان شاهدت المجتمع المصري منتظماً في أسلوب حياته القائم على أساس من الدين ، فالناس يذهبون إلى المسجد عند سماع الأذان و يتطهرون بماء الوضوء ثم يقفون في صفوف منتظمة ، و عند الإفطار تخلو الشوارع من المارة "
عندئذ يضحك ساخراً من نفسه عندما فسر في البداية خلو الشوارع من المارة بوجود تعليمات بحظر التجوال في ذلك الوقت ، فيعبر عن ذلك بقوله :
"ظننت في بداية الأمر أن هناك قانوناً يقضي بحظر التجوال بعد الغروب ،و لكنني عرفت السبب بعد ذلك "
ثم يعود ليكمل روايته عن تلك الظاهرة التي استرعت انتباهه في شهر رمضان فيقول :
" و رأيت أيضاً المسلمين يصلون العشاء و التراويح و يذهب بعضهم إلى أعمالهم و متاجرهم حتى ساعة متأخرة يقال عنها السحور ، ثم يصلون الفجر و ينامون "(1/101)
ثم يندفع في كلامه ليؤكد حكماً استخلصه من مشاهداته في المجتمع المصري كمجتمع مسلم فيقول : " فالمجتمع إذن منظم على أساس من الدين ، يكفي أنه قد شد انتباهي أن الأمن و الأمان سائدان في شوارع القاهرة بشكل لم أرهما من قبل في أي مكان .. فأناس يسيرون في الشوارع ليلاً في أمن و اطمئنان بدون أن يتعرضوا للاعتداء عليهم بالقتل أو غيره ، في حين أن عندنا في نيويورك مثلاً يوجد كل يوم ثمانية قتلى في الشوارع ، مع أن الأمريكيين لا يسيرون في الشوارع و الطرقات ليلاً خوفاً على حياتهم ، ليس ذلك في نيويورك وحدها بل في باقي الولايات الأمريكية ، فبرغم القوانين و العقوبات تنتشر الجرائم و الانحرافات انتشاراً مخيفاً ، و لكن الأمر يختلف في المجتمع المسلم كما هو الحال في مصر ، فإيمان الناس بدينهم يجعلهم يطبقون تعاليمه بدون خوف من عقوبة أو قانون ، بل احتراماً لمبادئهم و عقيدتهم ، و هذا هو الفرق بين المجتمع هنا و المجتمع في الغرب حيث لا أمن و لا أمان "
و برغم اقتناعه بالإسلام كمنهج حياة ينظم للبشر أسلوب معيشتهم و سلوكياتهم كما رأى بعينه من انتظام الناس في العبادة في شهر رمضان ، و برغم قراءاته في الكتب الإسلامية المترجمة و لاسيما ترجمة معاني القرآن الكريم و غيرها من الكتب ككتاب "حياة محمد" للدكتور محمد حسين هيكل الذي استخدم فيه الأسلوب العلمي الدقيق في الرد على شبهات المستشرقين حول الرسول و زوجاته الطاهرات ، و برغم مقابلاته مع شيوخ و علماء الأزهر ، برغم ذلك كله لم يعلن إسلامه على الفور ، ليس عن عناد فكر و غشاوة قلب ، و إنما لسبب آخر .. عن ذلك يقول موضحاً :(1/102)
" إنه برغم اقتناعي الكامل بالإسلام كدين خاتم يجب أن يؤمن به الناس جميعاً ، فإنني ترددت أربعة أشهر قبل أن أعلن إسلامي ، لأدرس القرار في تأنٍ من جميع جوانبه ؛ لأنه من الصعب على الإنسان أن يغير دينه .. بعدها شرح الله صدري للإسلام فدخلت في دين الله الحق ، و سميت نفسي "مصطفى مولاني" تيمناً باسم الرسول محمد صلى الله عليه و سلم "
و في نبرة سعادة خفية كشفتها عيناه و هي تلمع كوميض الضوء و هو يصرخ قائلاً :
" في لحظة اعتناقي للإسلام شعرت أنني أدخل عالماً نورانياً يسمو بالروح و النفس ، و ذلك حينما تسلمت شهادة إشهاري الإسلام .. قد شعرت بأنني حصلت على أعلى شهادة في الدنيا .. و أحسست في الوقت ذاته أنني ألقيت عن كاهلي عبئاً ثقيلاً من الهموم و القلق و الشكوك و الشقاء .. نعم شعرت بسعادة غامرة لم أشعر بها من قبل "
و عن الرسول محمد صلى الله عليه و سلم الذي هاجمه عندما كان قسيساً قال :" لقد اقتنعت تماماً بأن محمداً صلى الله عليه و سلم هو خاتم الأنبياء و المرسلين ، و اقتنعت بسنته و تشريعاته التي اتخذها الغرب مدخلاً للطعن في رسالته مثل تعدد الزوجات التي اقتنعت تماماً بحكمتها "
ثم أضاف قائلاً :
" لقد قمت بعمل عمرة و زرت البيت الحرام و الروضة الشريفة و فاضت عيناي بالدموع أمام قبر المصطفى صلى الله عليه و سلم و قلت لنفسي حينئذ : من أنا حتى أقف أمام قبر أعظم إنسان عرفته البشرية .. و شكرت الله تعالى أن هداني للإسلام "
إن قصة اعتناق الأسقف الأمريكي للإسلام تبين إلى أي مدى ينتشر دين الله في قلعة الكفر التي لا تعترف بالإسلام و لا برسوله و تناصبهما العداء ، و لكن عندما تشاء إرادة الله في هداية أحد من عباده فلا راد لمشيئته .
***
18- الداعية البريطانية سارّة جوزيف
السيدة/ سارة جوزيف
اعتنقت الإسلام منذ سنة 1988
متزوجة ولها ولد وبنت "حسن" و"سمية"
تَدْرُس في الكلية الملكية بإنجلترا قسم "الدراسات الإسلامية"(1/103)
تعد لدراسة الدكتوراه في موضوع (اعتناق البريطانيين الإسلام) وذلك في الجامعة الملكية بلندن
تعمل محررًا بجريدة المجلس الإسلامي ببريطانيا والذي يمثل منظمة كبيرة تضم مائة عضو من المنظمات والجماعات التي تسعى للضغط على الحكومة والإعلام وذلك بهدف تعزيز وجود الإسلام وخدمة المسلمين هناك
محرر سابق في مجلة (الاتجاهات) أكبر مجلة إسلامية في بريطانيا
تكتب في العديد من وسائل الإعلام المختلفة كـ "البي سي للخدمات العالمية" "وقفة للأفكار" و "الحمد لله"، بالإضافة إلى إلقاء محاضرات في الغرب عن الإسلام في مجالات العقيدة، والمرأة والمسئوليات الاجتماعية
ما الذي جعلك تدخلين الإسلام وهل كان اختيارا حرا وكيف حدث ذلك؟
نعم، لقد كان اختياري الشخصي الحر كنت صغيرة جدًا، وكنت مختلفة قليلا عن مثيلاتي من المراهقات، وقد كنت دائًما أؤمن بالله ، وكان الإيمان جزءًا كبيرا في حياتي دائمًا ، وكنت كذلك مؤمنة بخيرية المجتمع ، راغبة في العدالة والمساواة ، والجودة. ويمكن أن تقول أنني كنت مسيحية عن إيمان وكنت أمارسها عن حق ، أو على الأقل حاولت أن أكون، وعندما بلغت الرابعة عشر اعتنق أخي الإسلام لكي يتزوج، وهذا جعلني غير سعيدة ، وكنت مقتنعة أنه فعل شيئا مخالفا لشرع الله، كأنه باع نفسه في غير مرضاة الله ، حتى هذا الوقت كنت لا أعرف شيئًا عن الإٍسلام سوى أن المرأة عبارة عن خيمة سوداء، وأن لها علاقة بالإرهابيين، وأن هناك شيئًا ما يفعلونه مع علبة سوداء (الكعبة). وأخيرًا أخبرتني أمي أن عيسى عليه السلام قد ولد من امرأة عذراء .لم أكن أستطيع أن أفهم كيف حدث هذا بالنسبة لسيدنا عيسى عليه السلام ولكن في يوم ما عندما كنت في المكتبة طلبت نسخة من القرآن، وذهبت إلى فهرس القرآن ووجدت الآية التي تتحدث عن عذرية السيدة مريم وولادتها لسيدنا عيسى عليه السلام، كنت سعيدة بعض الشيء وبعد ذلك تركت الأمر.(1/104)
وعندما بلغت السادسة عشر من عمري تركت مدرستي المسيحية وذهبت إلى الجامعة وهناك بدأت في دراسة تاريخ الكنيسة وهناك وجدت أشياء محددة حالت بيني وبين المسيحية. ثلاثة أشياء كانت وراء ذلك وهي: في اعتقادهم أن البابا معصوم من الخطأ ، والكاثوليكية يرثون خطيئة آدم وحواء التي لم يغفرها الله فلا حاجة للصلب والقيامة إذاً . ووجود أربعين نسخة من الإنجيل مختلفة ووجدت صعوبة في تقبل هذه العقيدة .
لقد قلت ذلك لأوضح كيف أن الإسلام مختلف تمامًا. باختصار، فإن من عجائب الله تنزيل القرآن عن طريق الوحي على الرسول عليه الصلاة والسلام ، وكيف أن القرآن ظل محفوظا، وفهمَ أن عيسى عليه السلام ولد من امرأة عذراء ليس لأنه ابن الله ولكن لأنها قدرة الله فإن الله يقول للشيء كن فيكون .
إن قصة اعتناقي الإسلام هي أكثر تعقيدًا من ذلك ولكن في الأصل هذه هي أهم الأشياء التي جعلتني اعتنق الإسلام والشيء الأخير الذي جعلني اعتقد أن الإسلام دين الحق هو رؤية فتاة في العشرين تصلي وعندما سجدت رأيت أن السجدة هي قمة الاستسلام لله سبحانه وتعالى . وفي هذا اليوم عرفت أن الإسلام هو الحق.
***
19- القائد الروسي الذي أصبح مؤذناً
القائد الروسي الجنرال ( أناتولي أندربوتش ) الذي أصبح مؤذناً في مسجد.
ولدى ( أناتولي ) في ( باكو) بأذربيجان ... كان يكره المسلمين أشد الكره فهو أحد القواد الروس الملاحدة الكبار ، الذين حاربوا المسلمين والمجاهدين في أفغانستان واستشهد على يده كثير منهم .
لم يكن يؤمن بأي دين على الإطلاق كان ملحداً شديد التعصب ضد الإسلام ، لدرجة أنه كان يحقد على كل مسلم رأى بمجرد النظر ، لم يكن يبحث عن اليقين ولم يكن يشك في أفكاره . إلى أن جاء نقله إلى منطقة ( جلال أباد ) ليكون قائداً للقوات الروسية وندعه هو يكمل:(1/105)
كان هدفي تصفية القوات المسلمة المجاهدة كنت أعامل أسراهم بقسوة شديدة وأقتل منهم ما استطعت , قاتلناهم بأحدث الأسلحة والوسائل الحديثة قذفناهم بالجو والبر ، والغريب أنهم لم يكونوا يملكوا سوى البنادق التي لا تصطاد غزالاً ، ولكني كنت أرى جنودي يفرون أمامهم فبدأ الشك يتسرب إلى نفسي فطلبت من جنودي أن يدعون لي بعض الأسرى الذين يتكلمون الروسية ، فأصبحوا يدعونني إلى الإسلام ، تبدلت نظرتي عن الإسلام وبدأت أقرأ عن جميع الديانات إلى أن اتخذت القرار الذي عارضني عليه جميع أصدقائي وهو إعلان إسلامي .
ولكنني صممت عليه وصمدت أمام محاولاتهم لإقناعي بغير الإسلام . ودعوت أسرتي إلى الإسلام حتى أسلمت زوجتي وابني وابنتي وقررت أن أدعو إلى الله وأصبحت مؤذناً لعل الله يغفر لي ويتوب علي .
***
20- القس الإنجليزي "جلال الدين لودربرنتون"
ولد و نشأ بين أبوين مسيحيين ، و ولع بدراسة اللاهوت و هو في سن مبكرة ، و ارتبط بالكنيسة الإنجليزية و أعطى أعمال التبشير كل اهتمامه .
و حدث ذات يوم أن زاره صديق هندي مسلم تحدث معه في موضوع العقائد المسيحية و مقارنتها بالعقيدة الإسلامية ، و انتهت الزيارة إلا أنها لم تنتهِ في نفسه ، فقد أثارت انفعالاً شديداً في ضميره و عقله ، و صار يتدبر كل ما قيل فيها من جدال ، مما دفعه إلى إعادة النظر في العقائد المسيحية ... و يعبر عن ذلك فيقول :(1/106)
" عندئذ قررت أن أبحث بنفسي متجاهلاً عقائد الناس بعد أن أيقنت بضرورة البحث عن الحقيقة مهما طال المدى في هذا السبيل ، و مهما كان الجهد حتى أصل لمزيد من المعرفة بعد أن قيل إن الإنجيل و تعاليم المسيح قد أصابها التحريف ، فعدت ثانياً إلى الإنجيل أوليه دراسة دقيقة فشعرت أن هناك نقصاً لم أستطع تحديده .. عندئذ ملك عليّ نفسي رغبة أن أفرغ كل وقتي لدراسة الإسلام .. و بالفعل كرست كل وقتي و جهدي له ، و من ذلك دراسة سيرة النبي محمد صلى الله عليه و سلم ، و لم أكن أعلم إلا القليل النادر عنه ، برغم أن المسيحيين أجمعوا على إنكار هذا النبي العظيم الذي ظهر في الجزيرة العربية ... و لم يمضِ بي وقت طويل حتى أدركت أنه من المستحيل أن يتطرق الشك إلى جدية و صدق دعوته إلى الحق و إلى الله " .
ثم أخذ يكرر هذا المعنى و هو يقول :
" نعم شعرت أن لا خطيئة أكبر من إنكار هذا الرجل الباني بعد أن درست ما قدمه للإنسانية و جعل من المسلمين أقوى مجتمع رفيع يعاف الدنايا ... إني غير مستطيع أن أحصي ما قدمه هذا الرسول من جليل الأعمال .. " .
بعدها تساءل في ألم و وجوم قائلاً :
" أمام كل هذا الفضل و هذا الصفاء ، أليس من المحزن الأليم حقاً أن يقدح في شأنه المسيحيون و غيرهم؟! " .
***
21- رندا نيقوسيان تبحر في بحر الإسلام
رحلتي لله
رغم أني عشت معظم حياتي في الدانمرك إلا أنني كنت اختلف عن البنات الدانمركيات الذين هم في مثل سني .. فمعظم الشعب الدانمركي من الملاحدة أو البروتستانت و كنت على ديانة الكاثوليك الصارمة بالنسبة للمجتمع الدانمركي المنحل .
والدي أرمني أرثوذكسي ووالدتي بوسنية مسلمة لا تعرف من الإسلام سوى اسمه ولم تكن تعرف أنه لا يجوز زواج المسلمة بمسيحي إلا بعد أن اعتنقت أنا الإسلام وأفهمتها ذلك.(1/107)
كنت أدرس في مدرسة خاصة هي المدرسة الكاثوليكية ونظرا لان بيتنا لا تحكمه عقيدة معينة فقد كان من السهل علي أن أعتنق مذهب المدرسة الكاثوليكي .. تلك المدرسة التي بدأت توجهني ومن وقت مبكر لأن أكون مبشرة نظرا لقدرتي على تعلم اللغات واهتمامي بها من جهة ولاتقاني يعض اللغات القديمة مثل العبرية والعربية والسريانية وإن كان ذلك الإتقان في ذلك الوقت يحتاج إلى مزيد من دروس اللغة الخاصة ومزيد من الجهد إلى حد أستطيع فيه فهم النصوص الدينية الخاصة بالديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام .
كنت أدرس العربية عند رجل مسلم فاضل كان يعطيني من علوم العربية والقرآن ما يفتح آفاق الفضول عندي ولم يحاول الضغط علي في يوم من الأيام لكي أكون مسلمة ولكنه كثيرا ما كان يقول لي ( تتحطم السفن عند الشطآن ولا يشعر الربان بالأمان إلا عندما يبحر في عرض البحر ... فأبحري هداك الله )
من جهة أخرى كان هناك رجل آخر يقوم بغسل كل ما علق من آثار درس المسلم بالإضافة إلى إعطائي دروسا أخرى في الفلسفة و السياسة والاجتماع و ... . وكان ذلك الرجل من القساوسة الكاثوليك الذين طبع الله على قلوبهم فأصبحت غلفا .
كنا نقرأ سويا كتبا عن الإسلام والحركات الإسلامية المعاصرة وعن الملل والنحل وكنا نبحث من خلال ذلك كله عن نقاط التشكيك في الدين العظيم الإسلام .
أثناء دراستي تلك مع ذلك القس تأثرت قليلا بالديانة المورمونية التي تحرم المشروبات الروحية والاختلاط في الكنيسة بين الرجال والنساء .. وكان آخر كتاب أقرءه مع ذلك القس كتاب استعرناه من مكتبة الجامعة اسمه الإسلام بين الشرق والغرب للرئيس البوسني علي عزت بيكوفيتش
كان الكتاب باللغة الانكليزية ولكن يبدو أن أحد العرب استعاره قبلي وكتب بقلم رصاص على أحد حواشيه آية ارتعدت لها فرائصي خوفاً .(1/108)
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ
فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَ مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ. وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ.
خفت كثيرا من تلك الآية وراجعت ترجمات القرآن بالانكليزية والفرنسية والدانمركية والبوسنية فوجدت أن المعنى نفسه.
قلت للقس ألا ندرس القرآن ابتغاء الفتنة ؟ .. قال لا نحن ندرسه لننقذ الناس منه.
صراع نفسي استمر شهورا أقبلت فيها بنهم على قراءة الكتب الإسلامية و المسيحية وحيدة حتى بت أشعر بالتشتت والضياع فقررت أن اذهب إلى الله .
كنت أسكن بعيدة عن أهلي في السكن الجامعي و كان لي غرفة لا يشاركني فيها أحد فراودتني فكرة الانتحار لمعرفة الحقيقة .
الله نلقاه بعد الموت .
إذاً يجب أن أموت لألقى الله.
كنبت رسالة ذكرت غيها أسباب الانتحار وقطعت شرايين يدي وذهبت في غيبوبة كنت اسمع طوال الوقت الآية : ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب
و ما كان الله ليطلعكم على الغيب و لكن الله يجتبي من رسله من يشاء
فآمنوا بالله و رسله ) .
أفقت في غرفة الإنعاش و وجدت فوق رأسي القس و أبي و أمي و الرجل المسلم الفاضل مدرس العربية .
فرحوا جدا لإفاقتي من الإغماء و كان أول ما قلت لهم
أشهد أن لا إله إلا الله
و أن محمدا رسول الله
فسقط الأربعة معشيا عليهم .
إغماؤهم كان واحد.
و لكن الأسباب شتى .
و يومها بدأ الإبحار في عرض المحيط و بدأ الربان يشعر بالأمان.
***
22- المغني العالمي جيرمان جاكسون(1/109)
كان هناك دافع قوي وراء إسلام ( جيرمان جاكسون ) الإسلام الذي تغلل في فكره وعقله ووجدانه .. وهو تعرفه واختلاطه ببعض الشباب المسلم الجاد الذي يعيش في أمريكا ، فقد استرعى انتباهه .. فيقول هو : " لقد التقيت ببعض الشباب من المسلمين العرب ، وتعرفت عليهم عن قرب في ولاية كاليفورنيا .. وتطورت هذه اللقاءات إلى علاقات صداقة حميمة جمعتني بهم بعد ما لمست صفاء أرواحهم وسلوكهم الإنساني الراقي الذي يتسم بالسمو ، والخلق الرفيع في تعاملاتي معهم . وقد أوحت إلى هذه الأخلاقيات السامية أنها لا يمكن أن تصدر من فراغ ، وإنما وراء ذلك دافع يحث على مثل تلك الأخلاق النقية الطاهرة ، لقد عرفت أن وراء تلك الروح المتميزة التي أضفت على هؤلاء الشباب مثل هذه الأخلاق الحميدة هو دين الإسلام الذي يحث على مكارم الأخلاق .
لم يعرض علي أحد الدخول في الإسلام مباشرة ، وإنما بسلوك هؤلاء الشباب المسلم وأخلاقهم الحميدة وانضباطهم الملتزم في جميع تصرفاتهم قد عرضوه علي – بطريق غير مباشر مما زاد إعجابي الشديد بهذا الدين الذي اعتنقته بلا أي تردد . حقيقة لقد كنت مندهشاً لهذه الروح المتميزة الذي التي استطاع أن يغرسها الإسلام في نفوس هؤلاء الشباب .. مما أكد لي بشكل قاطع أن الدين الإسلامي هو الدين الصالح لكافة الأزمنة والأماكن .. فالمجتمع الأمريكي الذي نعيش فيه لا تتوفر فيه الأخلاقيات والسلوك الحميدة هذه ، فنحن نعيش في مجتمع صاخب تغطي عليه الماديات مما جعلنا نعيش حالة من القلق ، لذلك تجد شيع السموم البيضاء والمخدرات ونسبة الجريمة .(1/110)
الحمد لله الذي جمعني مع هؤلاء الفتية الذين حدثوني عن الدين الإسلامي دون العرض علي للدخول فيه وهذا إرادة الله تعالى ورحمة به . وعموما أستطيع القول أن الإسلام بدأ ينتشر في أمريكا ً بصورة ملحوظة وهذا دليل على أنه هو المخرج من كل المتاهات التي نمر بها . وشئ عظيم أن يشارك في نشر الإسلام عدد من الشخصيات البارزة مما يؤكد أن مستقبل الإسلام سيزداد قوة وانتشاراً بإذن الله تعالى .
***
23- المُنَصِّر المتعصب الذي تعصب للإسلام
كان اسمه قبل دخوله الإسلام "الم ولدقرقس" ، ولد في أثيوبيا و لكنه يحمل الجنسية الإرترية . كان قسيساً في الكنيسة الكاثوليكية متعصباً للمسيحية ، يقوم بالتنصير .. و يشاء الله الهادي أن يتحول إلى داعية إسلامي يقوم بالدعوة للإسلام .
يسرد قصة تحوله من قسيس متعصب إلى داعية إسلامي مؤمن برسالته فيقول :
" إن التناقضات الكثيرة في الديانة المسيحية دفعتني إلى الشك في وظيفتي كقسيس يدعو إلى النصرانية الصحيحة ، في حين أن رواية القرآن الكريم عن السيد المسيح و احترام الإسلام له جعلني أتشكك في الروايات المتناقضة للمذاهب المسيحية ، و أميل إلى مواقف الإسلام منه عليه السلام ".
ثم يوضح اللحظة التاريخية في تحوله للإسلام فيقول :
" وجدت نسخة قديمة من الإنجيل في الكنيسة الأثيوبية كتب فيها "و يأتي رسول من بعدي اسمه أحمد فاتبعوه" .. هذه النسخة تتناقض مع ما يقوله القساوسة ، و هذا ما دفعني أكثر إلى استطلاع الأمر و معرفة الإسلام معرفةً حقيقية "
و يذكر أنه أمام عظمة الإسلام و اقتناعه بأنه آخر الرسالات السماوية و أنقاها من الشوائب و أسماها في المعاني و المقاصد الدنيوية و الأخروية ن كل ذلك حفزه على التخلي عن كل المزايا الممنوحة له من الكنيسة ، فقد كان عمله قسيساً يمنحه مزايا كثيرة ، مثل السكن المؤثث ، و السيارة الفاخرة ، و جواز السفر الأممي ، فضلاً عن راتبه الضخم .(1/111)
كما أوضح أنه وجد صعوبات و مضايقات كثيرة بعد تحوله إلى الإسلام و بعد أن فتح صفحة جديدة في حياته عندما تزوج امرأة مسلمة و بدأ ممارسة حياته وفقاً لقواعد الشريعة الإسلامية السمحة .
و تطرق الداعية "عبد الله إبراهيم" – وهو اسمه بعد إسلامه- إلى بعض الفروق بين الإسلام و الأديان الأخرى ، فأوضح أن القرآن الكريم كتاب غير محرف و ينبذ الطبقية حيث يدعو إلى المساواة بين مختلف الأجناس و القوميات و لا يعطي أية ميزة في التفاضل إلا للتقوى و العلم .
ثم أشار إلى أن الحج مناسبة إسلامية فريدة تعطي الدليل على تساوي المسلمين مهما كانت مكانتهم الاجتماعية مثل الصلاة .
و لم يكتفِ بإسلامه ـ كما ذكرنا ـ و إنما أخذ يدعو للإسلام و ينادي بضرورة تكثيف نشاط الدعوة الإسلامية لمواجهة النشاط المنظم للتبشير المسيحي .. و يؤكد على ضرورة توحيد مواقف المسلمين لمواجهة التحديات المختلفة .. كما يقول :
" أتمنى أن يزداد اهتمام المسلمين بإخوانهم الجدد الداخلين في الإسلام حتى يصلوا إلى مرحلة متقدمة تحصنهم من الدعاية المضادة "
و مما هو جدير بالذكر أنه قد أسلم على يديه بعد إسلامه هو أكثر من أربعين نصرانياً ، فقد كان يشعر أن من واجبه أن يقوم بتعريف الإسلام و جوهره العظيم للآخرين ، لأنه دين يبعث الطمأنينة في النفس ، و يرجع ذلك ـ على حد قوله ـ لسابق خبرته بالدين المسيحي لذا فمهمته ربما تكون أيسر من إخوانه الدعاة ، و من ثم يتوقع مزيداً من اعتناق المسيحيين للإسلام .
و يتفاءل القس السابق "عبد الله إبراهيم" فيقول :(1/112)
" إن مستقبل الإسلام في القارة السوداء بخير ، برغم النقص الواضح في الدعاة و عدم دعم بعض الحكومات الإسلامية لهذه الدعوة ، فالإسلام بخير برغم الفرق الواضح في الجهود المبذولة في تنصير المسلمين و ما يبذل من مال من أجل ذلك ، غير أن الداخلين في الإسلام هم الأكثر .. و برغم استغلال جهات التنصير للمجاعة الشائعة في إفريقيا فإن الإسلام يزداد انتشاراً ، و من هنا فنحن نريد و نطمع من جميع المسلمين في أنحاء العالم أن يتكاتفوا متعاونين في دعم دعوة الإسلام و تبليغها لغيرهم ممن لا يدينون بها ، خصوصاً أن انتشار الإسلام أفضل و أسرع إذا وجد الدعاة المخلصون "
هذا ، و يرى أيضاً أن المناظرات و المحاورات بين علماء الدين الإسلامي و القساوسة تخدم الإسلام ، و لا سيما إذا كانت هذه المناظرات تبحث عن الحقيقة ، على أن يكون المُناظِر المسلم ذا إلمام بالدين الإسلامي و عقيدة المسيحيين ، و يكون أيضاً ذا شخصية جذابة مقنعة تستطيع أن توضح و تظهر فساد العقائد الأخرى .
***
24- أمريكية انقلبت علي الكنيسة
وتحولت إلى ''داعية إسلامية بالدوحة''
لم تقتنع بقضية التثليث وبدا عليها التمرد منذ الصغر وتساءل الكاهن عن سر عدم الصلاة مثل باقي المسيحيين وكانت تري المسيحيين وهم يصيحون وتنهيداتهم كانت تملأ المكان، لكن هذا لم يؤثر فيها، وتحولت إلى داعية للإسلام وداعية حصينة استطاعت بأسلوبها وبعقليتها الراجحة أن تحول الكثير من نساء الجاليات بصفة عامة في قطر إلى الإسلام.وحولت مركز قطر للتعريف بالإسلام من مجرد مكان لتعارف المسلمات الجديدات على بعضهن البعض إلى خلية نحل حتى كان يدخل الإسلام عن طريقها في الشهر الواحد أعداد ربما تفوق 20 امرأة.(1/113)
وحول طفولتها: قالت 'جنيفرهواير': كطفلة كانت فكرة التثليث راسخة في رأسي وكانت حكايات قصص الإنجيل التي كنت أتلقاها بمدارس الأحد عن الرجال الذين يصرخون في جهنم بسبب الحريق تقفز إلى ذاكرتي، ذلك أنهم أفهموني أنني إذا لم أومن بالمسيح ربًا عليه السلام وتعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، فإنني سأصلي نارًا أكون خالدة فيها.
وتابعت في حوارها مع صحيفة [الراية]: كانت تحركني أطياف الخوف حيثما كان مدرس الصف يوضح للطلاب هذه الصورة المخيفة، فلم يكن أحد من التلاميذ طفلاً ولا مراهقًا وأنا منهم يحب أن يدخل النار..، لكني من داخلي لم أقتنع أبدًا بقضية التثليث ولا أن سيدنا عيسي عليه السلام إله.
وأوضحت هواير: لكنني كنت مضطربة أن يتلجلج في صدري هذا الأمر، حتى كان يوم سألت فيه الكاهن الذي نتعامل معه لماذا لا أستطيع أن أصلي للمسيح مثل كل الناس؟ أجابني أن كثيرًا من الناس يشعرون بما تشعرين به، لكن مادمت 'مؤمنة' فلا خوف من هذا، خفف عني هذا بعض ما كنت أحس من الذنب لكني كنت أحس دائمًا بشيء غريب حين أرى تمثالاً لعيسى عليه السلام أخذ شكل الصليب وعيناه تتجهان نحوي بالانكسار.
وقالت الداعية الإسلامية: حين بدت سنوات الشباب واستغرقني البحث قررت ترك الكنيسة التي تنتمي إليها عائلتي بحثًا عن المزيد مما كنت أجهل، فلم أكن أبدًا أحس بالراحة مع الصلوات والأناشيد التي كانت تصدح بها الكنيسة.
وتابعت: كانت تماثيل مريم أم المسيح عليهما السلام والقديسين متضائلة أمام صنم كبير كما كانوا يعتقدون أنه عيسى عليه السلام مسمرًا على صليب من خشب، وكم ثارت دهشتي وتساءلت كيف يكون هذا إلهًا وكيف يأذن الله تعالى لهذا الرسول الرقيق أن يسمر حيًا وقد توجوه بإكليل من الشوك ليظل ينزف حتى الموت؟! وكم دارت رأسي من ذلك تحيرًا واضطرابًا.(1/114)
وأشارت إلى أنه في غمار حيرتها واندهاشها وصلتها دعوة من إحدى الكنائس وكان المبنى ضخمًا بحجم إستاد رياضي حتى إن رجال المرور كانوا ينظمون حركة السير عبر هذا المبنى لسلامة الركاب والمشاة السالكين طريقهم لهذا المبني الضخم الذي هو الكنيسة.
وقالت: دخلت هذا المبنى ورأيت فيه ما رأيت، رأيت تمايل الجماهير ورفع أذرعهم وكان البعض منهم يسقط من مكانه ومع صيحات 'المهتدين' الجدد المعبرين عن تأثرهم بدموعهم تجمدت في مكاني في ذهول عاجزة عن رفع يدي لأصيح باسم الرب عيسى كما يفعل الآخرون، إحساس غريب انتابني بأنني لست من هؤلاء وأدركت أن لا مكان لي وسط هؤلاء.
وأضافت: بحبي العميق لله تعالى وهو الشيء الذي أمتلكه، أخذت أفتش عن المزيد.. عمن يوجهني كانت كل كنيسة ألجأ إليها طلبًا للهداية تضيف إليّ المزيد من الاغتراب والعواصف التي ابتكرها الإنسان ظللت دائمًا مغمورة بالشعور بالتخبط كأنما أسير في طريق وعر وعاصف بينما كان كل من حولي يؤكدون لي أنني ضعيفة الإيمان.
واختتمت 'جنيفر هواير' بقولها: إن الصلاة في الإسلام أشبه ما تكون بسلك يصلنا بمصدر القوة الرئيس: الله سبحانه وتعالى وحينما ينقطع ذلك السلك فإن النور يخبو وينطفئ ليحل محله الظلام، وهذا ما كنت أحتاج هذا الإحساس بالطبع بعد اتصال بالجامع الكبير في مدينة سياتل الأمريكية لأنطق بالشهادتين بمحضر عدد من الأخوات الطيبات.... ومنذ ذلك اليوم أثق تمام الثقة بأن الله موجود وأعلم أنه لو لم ينر لي الطريق لظللت تائهة في الطرق الوعرة بلا نهاية فالحمد الله على نعمة الإسلام،.،
***
25- أمريكية تقول : لن أترك الإسلام مهما فعل أهلي و وطني
تقول الأمريكية (أميرة ) :(1/115)
ولدت لأبوين مسيحيين في ولاية أركنساس بالولايات المتحدة الأمريكية . وتربيت هناك ويعرفني أصدقائي العرب بالأمريكية البيضاء لأنني لا اعرف التفرقة العنصرية. تربيت في الريف في مزرعة والدي وكان والدي يلقي المواعظ في الكنيسة المعمدانية المحلية .وكانت أمي تبقى في البيت وكنت طفلتهم الوحيدة. و الطائفة المعمدانية طائفة مسيحية مثل الكاثوليك وغيرها ولكن تعاليمهم مختلفة ولكنهم يؤمنون بالثالوث وان المسيح ابن الله . وكانت القرية التي تربيت فيها يسكنها البيض فقط وجميعهم من المسيحيين ولم تكن هناك أديان أخرى في نطاق 200 ميل . و لعدة سنوات لم أتعرف على شخص من خارج قريتنا و كانت الكنيسة تعلمنا أن الناس سواسية ولكني لا أجد لهذه التعاليم صدى في أرض الواقع.
وكنت أول مرة رأيت فيها مسلما عندما كنت في جامعة أركنساس..ولابد أن أعترف بأنني في البداية كنت مذهولة بالملابس الغريبة التي يرتديها المسلمون رجالا ونساء...ولم اصدق أن المسلمات يغطين شعورهن . وبما أنني محبة للاستطلاع انتهزت أول فرصة للتعرف على امرأة مسلمة. وكانت تلك هي المقابلة التي غيرت مجرى حياتي للأبد ولن أنساها أبدا.(1/116)
كان اسمها (ياسمين ) وهي مولودة في فلسطين وكنت أجلس الساعات استمع لحديثها عن بلدها وثقافتها وعائلتها وأصدقائها الذين تحبهم كثيرا ... ولكن ما كانت تحبه كثيرا كان دينها الإسلام !!! وكانت ياسمين تتمتع مع نفسها بسلام بصورة لم أرى مثلها أبدا في أي إنسان قابلته . و كانت تحدثني عن الأنبياء وعن الرب وأنها لاتعبد إلا الله واحدا لا شريك له وتسميه (الله) وكانت أحاديثها بالنسبة لي مقنعة صادقة وكان يكفي عندي أنها صادقة ومقتنعة فيها. ولكني لم أخبر أهلي عن صديقتي تلك ..وقد فعلت ياسمين كل ما يمكنها القيام به لإقناعي بان الإسلام هو الدين الحقيقي الوحيد وأنه أيضا أسلوب الحياة الطبيعية. ولكن أهم شيء بالنسبة لها لم يكن هذه الدنيا وانمافي الآخرة وكانت تقول لي إننا سنلتقي ببعض في تلك الحياة الثانية في الجنة !!! وعندما غادرت إلى فلسطين كنا نعلم أننا ربما لن نرى بعضنا مرة ثانية في هذه الدنيا. و لذا بكت ورجتني أن أستمر في دراسة الإسلام حتى نتمكن من اللقاء و لكن في الجنة. وحتى هذه اللحظة مازالت كلماتها تتردد في أذني..ومنذ أول يوم التقينا فيها سمتني (أميرة) ولذا سميت نفسي بهذا الاسم عندما دخلت الإسلام. و بعد أسبوعين من رجوع ياسمين إلى بلادها اغتالها رصاص الجنود الإسرائيليين خارج منزلها ...فترك هذا الخبر الذي نقله لي أحد أصدقائنا العرب أسوء الأثر في نفسي.(1/117)
وخلال فترة دراستنا في الكلية قابلت الكثيرين من الأصدقاء من الشرق الأوسط..وأصبحت اللغة العربية محببة إلي ..وكانت جميلة خاصة عندما أسمع أحدهم يتلو القرآن أو استمع له عن طريق الشريط. وكل من يتحدث معي على الانترنت أو يرى كتابتي سيقول لا محالة إنه مازال أمامي طريق طويل. وبعد أن غادرت الكلية وعدت إلي مجتمعي الصغير لم أعد استأنس بوجود مسلمين من حولي ولكن الظمأ للإسلام واللغة العربية لم يفارق قلبي ويجب أن أعترف أن ذلك اقلق أسرتي وأصدقائي كثيرا . و بعد سنوات من ذلك أتى في طريقي واحد اعتبره مثالا للمسلم الصحيح وبدأت مرة ثانية في طرح الأسئلة عليه وفي قراءة كل ما أستطيع قراءته حول الدين...ولشهور وشهور كنت اقرأ وأدعو الله . و أخيرا في 15 أبريل 1996 اعتنقت الإسلام وكان هناك شيء واحد بالتحديد هو الذي أقنعني بالإسلام وكان هو كل شيء عن الإسلام والذي من أجله لن أترك الإسلام أبدا.
ذلك هو (لا اله إلا الله محمد رسول الله)!!!!!!(1/118)
وعندما لاحظت أسرتي إنني أدرس الإسلام كثيرا غضبوا وأصبحوا لا يكلمونني إلا فيما ندر ! ولكن عندما اعتنقت الإسلام قاطعوني تماما بل حاولوا أن يضعوني في مصحة الأمراض العقلية لأنهم اقتنعوا أنني مجنونة...وكانت جفوة أهلي علي هي أكبر ضاغط علي . وكانوا أحيانا يدعون على بالجحيم . وتكلمت بعد يومين من انفجار الخبر بالسعودية فقد اتصلوا علي ليقولوا أن خالي قد قتل في السعودية في ذلك الانفجار وأن أصدقائي الإرهابيين كانوا هم المسؤولين عن قتل خالك وأن يدك ملطخة بدماء خالك !!!! بكيت لأيام طويلة ولكن بقي لدي إيمان أن هذه الأزمة سوف تمر بسلام . وحاولت أن أتصل بأسرتي ولكنهم استمروا في رفضي وذهبوا وغيروا أرقام هواتفهم !!! وتعدى الأمر إلى أن أحد أقاربي أقام علي حظرا قانونيا يمنعني من الاقتراب من منزله....وكانت أمي من ضمنهم. ووجدت وأنا راجعة من السوق مكتوب على سيارتي بالصبغة الرشاشة: ( محبة الإرهابيين ...مفجرة الخبر). و في أحد الليالي هجم علي رجل في موقف السيارات وضربني وطعنني وتم القبض عليه ويقضي الآن فترة العقوبة في (خدمة المجتمع)!!!! وقد تم عدة مرات تخريب فرامل سيارتي ..وأسمع دائما وفي الليل عند منزلي الطلاقات النارية والصراخ . وعندما أدخلت ملابسي الإسلامية وبعض بناطيل الجينز في المغسلة المجاورة لبيتي ..يقوم الغسال بإضاعة جميع ملابسي الإسلامية ويرد لي البناطيل ويهددني إن شكوته !!!!(1/119)
وفي وقت كتابة هذا الموضوع أخوض حربا أمام المحاكم لا أستطيع مناقشتها الآن في العلن ..ورغم أني لم ارتكب جريمة إلا أن المحكمة منعتني من مغادرة هذه المدينة. و لكن لن يكسبوا هذه المعركة بإذن الله. و أقول لياسمين صديقتي وحبيبتي وأختي في الإسلام وأول شخص عرفت الإسلام عن طريقه :... أعرف أنك الآن فرحت وتبسمت عندما اعتنقت الإسلام . وسأراك قريبا في الجنة. ولا اكتب هذه السطور بهدف كسب شفقة وعطف المسلمين...ولكني أسألكم أن تدعون لي في صلواتكم.
***
26- باحثة عن الحقيقة
إن هذا الكتاب ليس مجرد سيرة ذاتية، ولا هو هجوم على دين، ولكنه رصد أمين لتجربة شخصية وليست خاصة فقد يمر بها أي إنسان يحب الله، ويريد أن يقترب منه دون خوف أو مكابرة في الحق أو عناد ليس له معنى ..
و أنا بهذا الكتاب أريد أن أنقل للجميع تجربتي الشخصية في دراسة الأديان ، والتي انتهت بي إلى إعتناق الإسلام.
فقد درست الأديان السماوية بحياد تام، وليس الحياد الذي توخيته في بحثي يعنى البعد عن تعاليم الدين الذي تربيت عليه، ولكنه حياد مؤقت لمعرفة بقية الأديان ، والحكم لها أو عليها- بعد تصفية الذهن والعقل – بعيدا عن التشويهات والمفتريات، وفى نفس الوقت معرفة حقيقة التعاليم السماوية، ومدى مصداقيتها..أي ما عرف منها وما لم يعرف..
و كما هو معلوم فإن الحياد في البحث العلمي – لا سيما في الأديان- لا يتم إلا بعد أن يتجرد الباحث الأمين من التعصب الأعمى لمعتقده الأصلي، ويُنحَّى جانبا أية مفاهيم أو تعاليم تلقاها إلى أن ينتهي من بحثه..
فأمانة البحث تقتضى من الباحث أن يجرد عقله من أية أحكام مسبقة حتى لا يميل بأفكاره في اتجاه معين ، بل يترك العنان للدراسة المنهجية الحرة- دون قيود أو حدود- والتي تحتكم للمنطق الواعي، وتسترشد بهداية الله للبحث عن الحقيقة.. حقيقة الله ، ومعرفته حق المعرفة، والتقرب إليه بكل وسيلة ممكنة..(1/120)
ذلك الإله الحق الذي لم يره أحد قط، ولكن المؤمنين به يعرفونه بعقولهم ويسمعونه بقلوبهم، ويتمنون لقائه بعد موتهم في الفردوس الأعلى..
مدخل البحث:
و أرجو قبل أن يبدأ الباحث المسيحي في القراءة أن يطرح على نفسه سؤالين محددين، الأول: لماذا يكره الإسلام والمسلمين؟
هل يظن أنهم إرهابيون، وأنهم أخذوا مكانه، واحتلوا بلاده؟
هل يعتقد أنهم ظالمون كفار لا يعرفون الله؟
هل يعتقد أن الإسلام دين أرضى متشدد لا يعرف الروحانيات؟
هل يعتقد أن الإسلام يخلو من المحبة والعلاقة الخاصة بالله؟
هل يعتقد أن بالمسلمين أرواح نجسة تحركهم؟
هل يعتقد أن رسول الإسلام قام بتأليف القرآن بمساعدة راهب مسيحي أو نتيجة عهد بينه وبين الشيطان؟
و السؤال الثاني هو : ما هو موقف المسيحي من اليهودي؟
هل يحبه و يشفق عليه على الرغم من أن أي مسيحي يعلم تماما أن اليهود يعتقدون أن بقية الجنسيات هي مجرد أمم نجسة؟
و أن اليهود وحدهم هم شعب الله المختار!
و أنهم لا يعترفون بيسوع أنه المسيح حتى وقتنا هذا بل أنهم اضطهدوه و قتلوه و قالوا عنه و عن أمه ما لا يليق !
و أنهم طردوا و عذبوا الرسل قبل و بعد المسيح!
و أنهم شتتوا المسيحيين و قتلوهم و شاركوا الوثنيين في قتلهم و تعذيبهم!
أم إن المسيحي يكره اليهودي لأنه يعرف كل ما سبق؟
و أخيرا وليس اَخرا فليسأل الباحث المسيحي نفسه هل توجد أديان أخرى تعرف الله، ولها أنبياء، وكتب لا يعرف أحد عنها شيء؟ أم أن اليهود ومن بعدهم المسيحيين هو شعب الله المختار!!
ليست كل المعارف حقائق:(1/121)
حاول أخي القارئ أن تفكر بعقلك وتستشعر بقلبك ، لا أن تستفز، وتلقى بهذه الوريقات حتى لا يضعف إيمانك، ويدخل الشك في قلبك، لأن الإيمان المدعم بالفهم والمنطق هو أقوى الإيمان، لا تستطيع أية أفكار غريبة أن تهزه مهما كانت قوية أو مؤثره، والتفكير بالعقل لا يتنافى أبدا مع الإيمان بالقلب ،فسيدنا إبراهيم عليه السلام قد فكر بعقله في خالق الكون ثم اَمن به بكل كيانه وصدقه ووثق به حتى أنه قدم إليه ابنه ذبيحة.
أما تكذيب أية معلومات مخالفة للتعاليم التي تربى عليها الإنسان دون أن يفكر أو يحاول أن يتأكد هل هي حقيقة أم لا فهذا ليس من الإيمان، ولكنه الخوف واللامبالاة..
و لتبحث كما بحثت عن معرفة الحقيقة المجردة دون زيف أو رياء، إذ ليس كل ما تعلمناه ونعرفه حقيقي وليس كل ما لم نتعلمه ولم نعرفه غير حقيقي .
اتهام ظالم:
وقبل أن أبدأ القصة .. قصة بحثي عن الحقيقة، أقول لكل من إتهمنى بأنني اتجهت إلى التفكير في الإسلام لأي أغراض دنيوية، كأن أكون غير سعيدة فى حياتي !! أو لأنني أحببت شخص أخر غير زوجي!! أو أنني مريضة نفسيا !! أو ضعيفة الشخصية، سهلة الانقياد!! أو أنها مجرد نزوة إيمانية أوحى لي بها الشيطان عن طريق أشخاص أو كتب مضللة!! أو إنها حرية تمتعت بها وأسأت استغلالها ..
هذه الاتهامات التي طالما كنت أسمعها في الماضي عن أي شخص يسمى مرتدا عن دينه حتى لا تقع الكنيسة في سلسلة مناظرات تظهر بسهوله شديدة ضعف العقيدة المسيحية، ومدى السيطرة التي تمارسها على عقول المسيحيين لمنعهم من التفكير في الله الحق بإدعاءات العقل المحدود والله الغير محدود، وأن الدين هو الإيمان فقط ولا يجب أن نبحث بالعقل ونفلسف الأمور، بل يجب أن يكون في بساطة إيمان الأطفال أي التصديق بكل ما يقال لنا حتى لو كان مخالفا للعقل.
لأننا كما نؤمن بوجود الله ونحن لم نره نؤمن أيضا بكل ما يقال لنا حتى لو كان غير مقنع لعقولنا.(1/122)
و أنه من المستحيل ألا يكون قد فكر من سبقونا من العلماء الدينيين والآباء الأولين فيما نفكر فيه الآن، بل أنهم بحثوا ومحصوا جيدا حتى توصلوا إلى وضع العقيدة الحالية،بل أنهم تعذبوا وقتلوا في سبيل الحفاظ على ما تسلموه من الرسل كما هو معروف، وبالتالي فإنها بلا شك سليمة مائة بالمائة.
و بداهة كنت أتوقع أن تطاردني الإشاعات ولكن ليس لدرجة تلويث الشرف والسمعة بالباطل ممن يدعون برجال الدين!!
أقول ولأخر مرة أنني بريئة -أمام الله وكفى – من هذه الاتهامات وأنني مجرد إنسانة محبة لله خائفة من حسابه، باحثة عن الحقيقة، وهذا ما سوف أتحدث عنه مع أي شخص يريد أن يتناقش في الدين .. وأنني لم أتجه إلى إعتناق الدين الإسلامي إلا بعد أن تأكدت أنه دين الله المقبول لديه.
و أنا أتحدى بعلمي ودراستي ، وإيماني بالله كل من يشكك في هذا الإيمان.. وهذا العلم .. وهذه المعلومات التاريخية والعقلية والإيمانية ، وهذا التحدي ليس لإثبات إيماني الشخصي فقط ولكن لكي يهدى الله من يشاء.
عقيدة الأمس:
لقد كنت في الماضي القريب مسيحية أكاد أكون متعصبة ، لا أسمح لأحد أن يتكلم أمامي بكلام جارح للدين أو لشخص المسيح، حتى أنني كنت أرفض قراءة أي كتاب فيه نقد للمسيحية أو للمسيحيين ،حتى التناقضات الموجودة بين الأناجيل وكيفية تجميعها لم أكن أحب أن أخوض في تفاصيلها حتى لا أُستفز أو أُثار عصبيا، وكنت أشعر من خلال تعليمي الديني ومعتقدي الشخصي أن الإيمان الموجود في داخلي أقوى من أي قوة في الوجود !! حتى من الأناجيل نفسها!!
فمهما وجدت اختلافات في الأناجيل أو صراعات في الكنائس بين القساوسة والطوائف أو حتى تغيير في المعاني والترجمات والتعاليم.(1/123)
فهذا كله لا يساوى شيء بالنسبة لي لأنني واثقة من أن الله قد حفظ العقيدة الصحيحة على مر العصور. وكنت على يقين بأن لكل شيء إجابة مقنعة تماما ومهما حاول الآخرون تشويه الإنجيل الذي أثق في عصمته أكثر من ثقتي بأنني على قيد الحياة، فهذا لن يجدي معي فأنا واثقة مؤمنه ، أعيش حياه روحية أرضاها تماما مع الله، ومهما كان التشويه والتحريف الذي يحاول هدم الدين المسيحي فأنا محصنة تماما من الروح القدس الموجود في داخلي والذي يجعلني أثق وأؤمن بالمسيح يسوع الذي افتداني وخلصني من الموت و(الخطية) وانتشلني من ظلمات الجحيم وفتح لي أبواب السماء فأهم شيء هو الإيمان كما كتب بولس في رسالته "وأما الإيمان فهو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى."(عبرانيين 1:11)
فكيف أشك في المسيح ؟ كيف لا أثق بمن سفك دمه من أجلى؟ والله في كل عصر يظهر معجزاته على أيدي قديسيه ومن أمثلتهم في عصرنا الحديث البابا كيرلس (هو بطريرك الأقباط الأورثوذوكس وهو السابق مباشرة للبطريرك الحالي وكان مشهورا بقداسته وقدراته في عمل المعجزات) وقد رآه كل الناس وجرت على يديه معجزات لا حصر لها وكانت لديه شفافية عاليه في معرفة ما الذي يريد أي أحد أن يقوله دون أن ينطق.
و العذراء تظهر بين الحين والأخر وتجرى معجزات من هذه الظهورات حتى لبعض المسلمين وباعترافهم.
حياتي الروحية :
كانت حياتي الروحية التي أعيشها مع المسيح تجعلني أثق أكثر وأكثر.. أثق في ديني.. أثق في عقيدتي.. أثق في عصمة الإنجيل..
فقد عشت حياتي أذهب إلى مدارس الأحد وأستمع إلى كل ما يقال وأثق به ، وكنت أذهب إلى المؤتمرات والاجتماعات الروحية لكي أتلقى منها تعليمي الصحيح الذي يجعلني أنمو في النعمة أكثر وأكثر وأقترب من المسيح أكثر وأرتبط بالكنيسة وبمحبة الله ومعرفته المعرفة الصحيحة.(1/124)
و لشدة محبتي لله كنت أقضى وقت خلوتي يوميا في مناجاة مع الله ما بين صلاه وقراءة في الكتاب المقدس وقراءة في الكتب الروحية ، فكان يقيني يزداد كل يوم بالمسيح، ومحبته تكبر في داخلي ، وحصن الإيمان المسيحي يعلو ويزداد ويترسخ.
تحذيرات الكنيسة :
ولشدة خوف الكنيسة على أبنائها من الشباب فدائما ما كانت تحذرنا من التحدث عن العقيدة المسيحية مع غير المسيحيين لأنها عقيدة تستعصي على الفهم، فلا يستطيع أي شخص فهمها إلا إذا كان الروح القدس في داخله كما أكد ذلك الرسول بولس في رسالته .
" لذلك أعرفكم أن ليس أحد وهو يتكلم بروح الله يقول يسوع اناثيما. وليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس".(1كورونثوس3:12)
و عندما كنت أسأل ماذا أفعل إذا سألني أي أحد في أي شيء عن المسيحية ؟ الم يقل المسيح من لم يجمع معي فهو يفرق ؟ ألا يريد الله لجميع الناس أن يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون؟ أليس من الواجب علىّ كمسيحية أن أرشدهم إلى المسيح حتى ينعموا مثلى بنعمة الإيمان ويشاركونني فرحتي عندما أدخل الملكوت؟
فكانت الإجابة التي أتلقاها دائما هي إنني غير مؤهلة لهذه المهمة.. مهمة التحدث عن ديني مع غير المسيحيين، فالله – في زعم الكنيسة- يختار من بين المؤمنين من هو أهل للتبشير، فمواهب الروح القدس توزع على المؤمنين كل حسب مقدرته فنجد من يعظ ومن يبشر ومن يتكلم بألسنة ومن يخرج شياطين كما قال القديس بولس الرسول في رسالته:
"ولكنه لكل واحد يعطى إظهار الروح للمنفعة. فانه لواحد يعطى بالروح كلام حكمة.ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد. ولآخر عمل قوات ولآخر نبوة ولآخر تمييز الأرواح.ولآخر أنواع ألسنة.ولآخر ترجمة ألسنة."(1كورونثوس 12 : 7-10)
و هذه السلسلة المتكاملة تبنى في النهاية جسد المسيح.(1/125)
فإذا لم أكن مبشرة بالمسيحية فيمكنني أن أبنى نفسي حتى أنشئ أجيال من بعدى تعتنق العقيدة الصحيحة التي طالما حورِبَت، ولكنها ظلت صامدة على مر العصور.
و ليست موهبة الوعظ والإرشاد هي فقط مؤهلات الواعظ والمبشر، ولكن يجب أن يكون دارسا لعلم مقارنة الأديان واللاهوت المسيحي، والفقه والشريعة الإسلامية ،حتى يستطيع الدخول في مثل تلك المناقشات، أما من هم مثلى فلا ينبغي لهم التعرض لها من قريب أو بعيد فتلك الأحاديث تسمى مناقشات غبية يجب أن أبتعد عنها تماما كما قال بولس الرسول: "والمباحثات الغبية والسخيفة اجتنبها عالما إنها تولّد خصومات".(2تيموثاوس:23:2)
و كنت دائما أسمع أنني لن أستطيع إقناع أحد من خلال مناقشتي معه، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فمن الممكن أن أتذبذب في إيماني نتيجة للنقاش. كما كان يأتيني التحذير بعدم مصادقة غير المسيحيين حتى لا أتعلم منهم تعاليم غريبة عن الدين المسيحي فهم يعيشون بالثواب والعقاب وليس لديهم حياه روحية حقيقية مع الله (هذا ما كنت أسمعه عن المسلمين) وهم لا يعرفون شيئا عن المسيح ولا محبة الله للبشر وتضحيته من أجلنا، لا يعرفون سوى الله المنتقم الجبار، حتى صلاتهم تكون إجبارية ديناميكية ليست بها روح ولا حياه يرددون فيها كلمات مكررة حتى لا يعاقبهم الله ، ونحن كمسيحيين لا نعترف بالفرض ولا الثواب والعقاب ولا الحلال والحرام ولكننا بسبب محبتنا الشديدة لله نبتعد عن (الخطية) كما قال بولس الرسول في رسالته: " كل الأشياء تحل لي لكن ليس كل الأشياء توافق.كل الأشياء تحل لي لكن لا يتسلط علي شيء."(1كورنثوس 12:6)
"كل الأشياء تحل لي لكن ليس كل الأشياء توافق.كل الأشياء تحل لي ولكن ليس كل الأشياء تبني."(1كورنثوس 23:10)(1/126)
و بالتالي فإننا نرتفع فوق مستوى الثواب والعقاب فلا تحسب الحسنات والسيئات بالميزان ولكن الله الرحيم المحب يغفر لنا كل الذنوب بدم المسيح عندما نرجع إليه نادمين تائبين ونثق بأننا بعد الموت سوف نكون في السماء مع المسيح (فادينا).
و هذا ما يعتقده كل مسيحي متدين، فالله قد وضع الشريعة للإنسان في العهد القديم لأن في هذه المرحلة كان الإنسان كالطفل يجب أن يعرف ما يفعله وما لا يفعله.و لكن بعد مجيء المسيح ارتفع الإنسان روحيا فأصبح يستطيع بنفسه معرفة ما يليق وما لا يليق تماما مثلما يكبر
الطفل ويصبح مسئولا عن تصرفاته.
الإسلام والإنسان :
و لكن الإسلام قد أنزل درجة الإنسان بأن أعطى شريعة مرة ثانية.
فنحن المسيحيين مسئولين تماما- بقامتنا الروحية العالية التي أعطاها لنا الله- عن تصرفاتنا بدون ناموس وبدون شريعة، لأن ناموس الله في داخلنا ، وهذا هو العهد الجديد الذي قطعه معنا الله كما كتب أرمياء في نبوته:
"بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب.اجعل شريعتي في داخلهم واكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلها وهم يكونون لي شعبا." (أرميا 33:31).
و هذا ما يسمو بالإنسان عاليا، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يدخل الشك إلى قلوبنا مهما حدث ومهما قيل، فنحن نعرف الله حق المعرفة وخلاصة المسيحية: "الله محبة" فالإنجيل يحصننا تماما من ألاعيب الشيطان وقد أوضح بولس الرسول هذا في رسالته:
"ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن اناثيما." (غلاطية 8:1)
حتى امتحان الأرواح قد وضع له شرط أساسي حتى يفهم ضعاف النفوس ونجد ذلك واضحا في رسالة يوحنا الرسول:(1/127)
" أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله لان أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم. بهذا تعرفون روح الله.كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله. وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فليس من الله.وهذا هو روح ضد المسيح الذي سمعتم انه يأتي والآن هو في العالم.(1يوحنا 1:4-3)
و المسيح بعد أن خلصنا من الشيطان والموت لا يمكن أن ننكره لأنه قال في إنجيل متى :
" ولكن من ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضا قدام أبي الذي في السموات"(متى 33:10)
و أنا كمسيحية أريد الخلاص وأريد الحياة الأبدية لأعيش كملائكة السماء، وأنا موقنة بأنني على حق، وأن المسلمين لا يعرفون شيئا عن الله ..فأنا أشفق عليهم ولكنني لن استطيع أن أفعل شيئا من اجلهم لأنني غير مؤهلة، فلا يجب أن أخسر آخرتي بأي حال من الأحوال، وكل ما أستطيع فعله الآن هو الصلاة من أجلهم فقط ليس أكثر عملا بما جاء في الإنجيل:
" إن كانوا لا يسمعون من موسى والأنبياء ولا أن قام واحد من الأموات يصدقون"(لوقا1:16)
فلا أمل لهم في معرفة الحقيقة ما داموا لا يسعون بأنفسهم للبحث والتفكير..فالإنجيل في متناول الأيدي يباع في كثير من المكتبات يمكنهم شراءه وقراءته، كما يمكنهم أن يذهبوا إلى الكنائس ليسمعوا (الوعظات) والصلوات، ولن يمنعهم أحد، علاوة على ما يرونه بأنفسهم من المعجزات العظيمة التي تجرى على أيدي القديسين المسيحيين ، ويرون الظهورات الكثيرة للعذراء، ويسمعون عن النور الذي يظهر كل عام عند القبر المقدس، ويسمعون عن معجزة الكفن المقدس.. كذلك يمكنهم أن يفكروا بعقلهم في كيفية دخول الملكوت، ونحن أمامهم مثالا حيا، فهم يرون المسيحيين ودعاء متواضعين، أفلا يجب أن يسألوا أنفسهم من أين جاءت روح الوداعة والهدوء؟(1/128)
و كنت واثقة من أنه لو حاول أيا منهم قراءة الإنجيل مجرد قراءة سيجد محبة الله ورحمته وعدله .. بدلا من أن يعيش حياته فقط لتلقى الأوامر دون أن يشعر بحرية مجد أولاد الله..
و مهما كنت أحب الله فأنا كبشر ضعيفة جدا ولذلك فعدم كلامي معهم يجعلني أنجو بنفسي من مصير غير مأمون لأن (الخطية) كل قتلاها أقوياء:
" لأنها طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء." (أمثال 26:7)
لذلك فالابتعاد أفضل، وعدم الخوض في مناقشات أكثر أمانا، خاصة وأنني مطمئنة جدا لمن أتبعهم من القديسين والرسل والشهداء والمعترفين والصديقين ..فكل هؤلاء لا يمكن أن يكونوا على طريق خطأ ، هذا غير أجدادي وآبائي ، الُمثُل العليا بالنسبة لي ، فأنا واثقة في ديني، لا يتزعزع إيماني، فالصرح العالي لا يمكن إلا أن يكون راسخ القواعد مهما حاول أي إنسان النيل منه أو تشويه حقيقته أمامي، ومهما رأيت من يتحولون عن الدين المسيحي من حولي وإن كانوا أقوياء حتى لو كان البطريرك نفسه (البطريرك هو أعلى درجة في رئاسات الكنيسة) و لا أمتلك سوى الإشفاق عليهم من سوء مصيرهم، وكما تعلمت فانه لا يمكن أن يكون سبب تحولهم عن الدين المسيحي إلى الإسلام خطأ الأول وصحة الثاني .. ولكنها حتما أسباب شخصية أوعاطفية أو مادية أو هروب من شيء ما، حتى لو كان من ترك المسيح شخصية بارزة في الدين المسيحي ، فان هذا يرجع إلى أن الشيطان يضل الأقوياء، وقد أضل هؤلاء الأشخاص بحيله الكثيرة، وهذا ما يجعلني أبعد أكثر وأكثر، فإذا كان الشيطان ينتصر على الأقوياء فماذا أفعل حياله أنا الضعيفة مع يقينى بأنه سوف يضل كثيرين في آخر الأيام كما جاء في إنجيل متى:
"لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضا." (متى 24:24)
فلن أصدق أية معجزات أو آيات تحدث أمامي من غير المسيحيين، وأغلقت عقلي وقلبي على ما تعلمته حتى أكسب أبديتي عملا بما جاء في الإنجيل:(1/129)
" الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص." (متى 22:10)
ما كنت أعتقده..
و كنت على استعداد دائما أن أتحمل أية اضطهادات وأية مشاكل تقابلني بسبب مسيحيتي-غير عابئة بها- لأنني أحب الله كثيرا وأقدر له تماما ما فعله من أجلى، ولكي أكون مستحقة لحمل هذا الاسم الكريم وحمل الصليب الذي يُحيى ويُخرج من الجحيم. وأنا مؤمنة بالمسيح وبالفداء حتى لو لم أرى أية معجزة فالإيقان يزداد يوما بعد يوما ويترسخ أكثر وأكثر.
فمهما حاول الآخرون الهجوم على المسيحية أو تشويهها من قريب أو بعيد فهذا يجعلني أحب المسيحية أكثر وأكره من يهاجم أكثر وأكثر و مهما اشتدت قوة الهجوم فلن تضر العقيدة شيء لأن " أبواب الجحيم لن تقوى عليها" ، فالمسيحيون في العالم أجمع يؤمنون بالتثليث وإلوهية المسيح (هذا ما كنت أعتقده لأنه توجد طائفة للموحدين لها أناجيل مختلفة بها حياة المسيح وتعاليمه مثل الأبيونيين لهم إنجيل متى مختلف عما بين أيدينا الآن )
كذلك كنت أعتقد أن تناقضات الأناجيل ما هي إلا فروق في الترجمة ..و كنت أعتقد أن الاختلافات بين الطوائف المسيحية دليلا على صحة الإنجيل باعتبارها اختلافات على تفسيره لا على صحته.. وكنت مؤمنة بالمسيح والفداء حتى لو لم أرى أية معجزة فإن كنت أؤمن بالله الذي لم أره فلماذا لا أؤمن بابن الله والفداء إذا كان هذا الإيمان سيدخلني الملكوت؟ والقصة بالنسبة لي منطقية جدا ومعقولة يقبلها عقلي، فالشيطان بعد أن سقط، حسد الإنسان لاختصاصه بحب الله فقرر أن يوقعه في الخطيئة فأغواه بالعصيان وبالتالي أصبح من حق الشيطان أن يقبض على أرواح كل البشر بسبب الخطيئة التي ورثوها من أبيهم الأول آدم والدليل على هذا الميراث هو الجسد المادي الذي نعيش به الآن ووجودنا على أرض الأوجاع فلو كان آدم لم يخطئ كنا الآن في الجنة!!
و كان لابد أن يدفع آدم ثمن خطيئته وهى الموت لأن هذا هو حكم الله العادل كما جاء في التوراة:(1/130)
"وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها.لأنك يوم تأكل منها موتا تموت"(تكوين 17:2)
فكان العدل الإلهي يحتم موت آدم ،و لكن الله رحم الإنسان من هذا المصير فارتضى أن يسفك دم ابنه على الصليب ليفتدى به الإنسان!!
ألا يستحق هذا الحدث التبجيل والتعظيم، فإذا لم يفتدى الله الإنسان فكيف كنا سنعود إلى طبيعتنا الأولى التي خلقنا الله عليها؟
و مما لا شك فيه فإن الله يستطيع أن يغفر بكلمه ولكن أين يذهب العدل؟ ألا يجب أن يأخذ العدل مجراه أولا ثم تأتى الرحمة بعد ذلك؟
و كان الله يهيئ الإنسان لتلك الخطوة-الصلب والفداء- برموز كثيرة في العهد القديم (التوراة) مثل فداء ابن إبراهيم، وخروف الفصح ،و الذبائح التي شرعها لشعب إسرائيل فداء عن الخطايا التي يرتكبوها، كل هذا يقبله عقل من يريد أن يفهم.
و هذا يعرفه المسلمون ، فلماذا لا يؤمنون ؟ فإذا كانوا يريدون أن يتكلموا بلغة العقل.. فها هي كل الأحداث تصل بنا إلى المسيح.. فهم مصرون للأسف أن يتبعوا رسولا لا يعترف بلاهوت المسيح علاوة على أنه يريد هدم الدين المسيحي بنقله القرآن عن الراهب بحيرى (في رحلة النبي الأولى مع عمه أبى طالب التقى بالراهب بحيرى في جنوب الشام و كل ما كان بينهما أن تعرف الراهب على علامات النبوة و بشر عمه بذلك) لترسيخ فكرة معينه ،و يقال انه قتله قبل الهجرة حتى لا ينكشف أمره.
هذا غير القصص التي تحكى أنه حرم الخمر والخنزير لأنه شرب في يوم خمرا حتى سكر فجاء خنزير وضربه فبعد أن أفاق من خمره حرم الخمر والخنزير، هذا غير زيجاته المتعددة ومن ضمنها زواجه من زوجة ابنه التي أعجبه جمالها فطلقها منه وتزوجها هو!!
و زواجه من فتاه في التاسعة من عمرها وغير ذلك من الاتهامات التي لا تليق بنبي الله.(1/131)
و كنت لا استطيع فهم المسلمين كيف يتركون النور ويمشون في الظلام ؟ وكنت كل يوم ألهج بالشكر إلى الله لكوني مسيحية. و كنت أتقلب في إحساسي بالمسلمين ما بين الكره والشفقة..و كان يشتد فرحى عندما يطلب منى أحدهم أن أهدى له الكتاب المقدس ليطّلِع عليه، وكنت أتصور أنه بمجرد قراءته سيعرف الحقيقة.. وسينفى الافتراءات التي تقال عن كفر المسيحيين وتحريف الإنجيل، ولكنني تعجبت أشد العجب من تمسكهم بالمعلومات التي تربوا عليها، فكنت أشعر بالغيظ منهم لأن طريقتهم في تفسير الإنجيل تتسم بالغرابة، فهم لا يعترفون أن المسيح قال عن نفسه أنه الله.. كيف هذا والإنجيل كله -كما تعلمت في الكنيسة- يتحدث عن إلوهية المسيح وعن التثليث؟ ألم يقل من رآني فقد رأى الآب. وقال أيضا أنا في الآب والآب في؟ كيف يقولون الآن أنه لا توجد آيات صريحة تتحدث عن الإلوهية والتثليث خاصة أنها أساس العقيدة المسيحية؟
ألم يقرؤوا في الإنجيل "فان الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد." ( 1يو 7:5)
ألا يكفى هذا للاعتراف بالثالوث. كذلك عندما أوصى المسيح تلاميذه بأن يعمدوا باسم الآب والابن والروح القدس " فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس."(متى 19:28)
هذا غير ظهور الثالوث جهرا عند عماد السيد المسيح من يوحنا المعمدان في نهر الأردن واعتراف الآب بأن هذا هو الابن الحبيب " وصوت من السموات قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت"(متى 17:3) وظهور الروح القدس على شكل حمامة مستقرا على المسيح.
ألم يقرؤوا في العهد القديم أن الله يتكلم بصيغة الجمع وهى ليست صيغة احترام كما في اللغة العربية لأن اللغة التي كتب بها الإنجيل ليس لها هذه الخاصية وأن الله لم يكن يتحدث عن الملائكة بل عن نفسه وعن الابن وعن الروح القدس.(1/132)
إن عقول هؤلاء المسلمين لا تستطيع استيعاب أن الله يحبنا لدرجة أنه يشرح لنا كينونته لأننا أولاده ولم نعد بعد عبيد وأكثر من ذلك أنهم يتهمون العقيدة المسيحية بأنها قد تغيرت منذ وجود المسيح على الأرض وصعوده إلى السماء مرورا بظهور بولس الرسول ثم في مجمع نيقية ثم بقية المجامع ،حتى وصلت إلى شكلها الحالي الذي نعرفه الآن!
لم يمثل هذا عندي سوى مزيد من الافتراءات لأناس يكرهون المسيح والمسيحيين.فقررت التوقف عن محاولة استمالتي لمثل هذه المناقشات.
و لكنني بيني وبين نفسي كنت أشعر بأنني مدفوعة للرد عليهم بعد أن أدرس بتعمق وأظهر لهم كيف هم مخدوعون.
بداية رحلة البحث :
فبدأت في قراءة كتب الداعية الإسلامي المعروف "أحمد ديدات" (هو داعية إسلامي ذو نشاط
ضخم في مجال الدعوة إلى الإسلام في جميع أنحاء العالم اشتهر بمناظراته مع علماء الدين المسيحي. موطنه الأصلي جمهورية جنوب أفريقيا) للرد على افتراءاته ، ولكنني للأسف لم أستطع –وحدي- الرد على جميع الأسئلة التي طرحها في كتبه العديدة التي هاجم فيها المسيحية. فكان من البديهي أن أذهب لأهل التخصص، فاستعنت أولا بكتب مسيحية متخصصة في هذا المجال، وكنت أتوقع أن أجد الإجابات التي تنفى هذه الإدعاءات وان تكون الاختلافات مجرد اختلافات شكلية في الترجمات أو حتى اختلافات منهجية في التفاسير، ولكن حدث ما لم أكن أتوقعه أو أن يخطر لي على بال، وجدت في مضمون هذه الإجابات اعتراف صريح وواضح من الكتاب المسيحيين بهذه التناقضات وقد أطلقوا عليها "صعوبات الكتاب المقدس" ، فوقعت في حيرة من أمري ورحت أسأل نفسي أين الحقيقة؟!
و كرد فعل طبيعي بدأت أقرأ الكتب التي تتحدث عن استحالة تحريف الكتاب المقدس، وهذه الكتب كانت تثبت أن جميع النسخ الموجودة حاليا متماثلة وصحيحة وأنه من المستحيل أن تكون جميع النسخ من القرن الأول محرفة حتى وان كانت النسخة الأصلية مفقودة!!(1/133)
فهدأ قلبي قليلا وتماسكت في مواجهة ما قيل وما يقال عن تناقضات وتحريفات الأناجيل.
ثم عاودت قراءة الإنجيل بمزيد من التركيز في محاولة للبحث عن الكلام الذي كان الرسل يلقونه لإقناع اليهود بالمسيحية، فلم أجد سوى (وعظة) بطرس الموجودة في أعمال الرسل و(وعظة) أخرى لبولس ، ثم الرسائل ، وحاولت قراءتها عدة مرات للاستفادة من طريقة الرسل في التبشير ، ولكن للأسف لم يكن كلامهم قوى لدرجة الإقناع بإلوهية المسيح كما لم يتحدثوا عن التثليث.
و قرأت عن علماء المسيحية مثل أوريجانوس ولكن وجدت ما أدهشني حقا وهو أن له آراء فلسفية تضاهى أفكار الفلاسفة الوثنيين في عصره مثل أفلاطون و أرسطو.
ثم بدأت في قراءة تاريخ الكنيسة وتوقفت كثيرا أمام كيفية تجميع الأناجيل أي الطريقة التي أتبعت لاختيار ما يصلح منها وما لا يصلح!! فذهلت حين عرفت أنه كان هناك عدد كبير من الأناجيل أختير منهم أربعة فقط هي التي بين يدينا الآن واستبعدت باقي الأناجيل الأخرى!!
و قد تم هذا الاختيار باعتبار أنها (أي الأناجيل الأربعة المشهورة متى،مرقص،لوقا،يوحنا) مكتوبة بوحي من الروح القدس والأحداث بينها متقاربة مع خلوها من الأخطاء التاريخية والجغرافية وليس بينها اختلافات كثيرة!!
و قد خضع هذا الاختيار والتحديد طبقا لما رآه الآباء الأوائل (من الذين عاصروا الجيل الذي شهد المسيح و من تلاهم في العصور الأولى للمسيحية)، و في هذه الفترة حدث انقسام بين الآباء فبعضهم أقر الحذف والتحديد وبعضهم اعترض على الحذف وتحديد هذه الأناجيل الأربعة فقط واشتد الخلاف واستمر قائما فترات طويلة جدا حتى بدأوا في عقد المجامع المسكونية وبدأوا في محاولة الاتفاق على قوانين وتشريعات تسرى على جميع المسيحيين مرة بالقوة ومرة بالسياسة.(1/134)
و من الثابت تاريخيا أن العقائد المسيحية الحالية قد أقرت رسميا في العالم بأسره بمساندة الرومان أيام القيصر الروماني قسطنطين سنة 325م عندما أمر بعقد مجمع نيقية لفض الخلاف الذي قام بين الكنائس نتيجة لآراء أريوس (هو قس سكندري أنكر لاهوت المسيح و ذلك في مجمع نيقية مما أدى إلى نفيه بعد صدور قرارات هذا المجمع المسكوني الأول عام 325م و قد مات بصورة مفاجئة و غامضة عام 336م).
و قد أعترف علماء الدين المسيحي قديما وحديثا بأن الكنيسة العامة كانت منذ عهد الرسل وحتى عام 325م بغير كتاب معتمد (أي إنجيل محدد) وكان لكل فرقة من الناس كتابها الخاص بها!! اى لكل فرقة إنجيل تتعلق به ولا تعتمد على غيره.
و هذا ما يؤكد الدعوى القائلة بأن الأناجيل الأربعة التي يضمها حاليا العهد الجديد ليست الأناجيل الوحيدة التي دونت في القرون الأولى بعد الميلاد، بل كان هناك عشرات الأناجيل رفضتها الكنيسة جميعا وقالت عنها إنها غير قانونية (الأبوكريفا) ومن أمثلة هذه الأناجيل: إنجيل توما، إنجيل بطرس، إنجيل مريم، إنجيل المصريين، إنجيل يعقوب، إنجيل يهوذا، إنجيل التذكرة، إنجيل طفولة المسيح....الخ
و بعد أن عرفت هذا الجانب الذي أحزنني من تاريخ المسيحية قررت عدم الاستمرار في مثل هذه القراءات التي أذهلتني للوهلة الأولى كي لا تؤثر على عقيدتي فيهتز إيماني .
بذور الشك:
في هذه الفترة تعرفت من خلال عملي على سيدة أمريكية تتبوأ مركزا مرموقا في إحدى الشركات الأجنبية العالمية ، وقد انتقلت منذ زمن قريب إلى فرع الشركة بالقاهرة ،بعد أن عاشت طوال حياتها في أمريكا وكثير من الدول الأوربية.و كانت هذه هي المرة الأولى بالنسبة لها التي تتعامل فيها مع مسلمين في دولة إسلامية، وكان لديها نفس المفهوم الأوربي عن إرهاب
المسلمين ووحشية العرب وتخلفهم وجهلهم!!
وكانت هذه السيدة متدينة جدا كما كانت تخدم في الكنيسة الإنجيلية الأمريكية.(1/135)
و بعد مضى فترة قصيرة على إقامتها وسط المجتمع الإسلامي المصري –و على حد قولها- لم تجد ما يشوب هذا المجتمع من مظاهر الوحشية والإرهاب التي سمعت عنها من قبل، بل وجدت أناسا ودعاء طبيعيين يقيمون الصلاة في أوقاتها ويقفون بخشوع أمام الله، يخافون الله ويحبونه ويتمنون رضاه ، فتعجبت أشد العجب منهم وفى نفس الوقت تملكها الإعجاب بهم.. ولذلك كانت تحاول بشكل دائم ومستمر أن تقترب من هؤلاء المسلمين لتتعرف على ما يدور في رؤوسهم من أفكار.
و كنت أنا بالنسبة لها أمثل الجانب المسيحي المصري الذي سمعت عنه أيضا أنه مجتمع جاهل، مغلق، مهرطق ومتعصب ، لا يفتح باب المناقشة مع أحد ، يتمسك برأيه وهو لا يعلم إن كان خطأ أو صواب!!
و لكنني رغم كل هذا استطعت أن أكسب ثقتها بفضل أسلوب تعاملي المستنير معها حتى أمحي لديها هذه الأفكار وأحولها إلى احترام وثقة.
و كنا نتناقش سويا بشكل دائم في الأمور السياسية والدينية في محاولة لتقريب وجهات النظر وكشف الجوانب الخفية بين طرفينا..
و كان طبيعيا أن يتطرق الحديث بيننا إلى المفهوم المسيحي عن الدين الإسلامي، لأنها لم تكن تعرف اى شيء عن الثقافة أو التاريخ الإسلامي وبما أنني أعيش كمسيحية في مجتمع إسلامي فقد تحدثت معها عما أعرفه عنهم وكنت أحاول أن أكون عادلة ومحايدة ولكنني لم أستطع إخفاء الكره المسيحي الشرقي الكامن فئ داخلي ناحية دين الإسلام ورسوله معا..
مناظرة بين قس وأزهري :
و نظرا لما كانت تتمتع به هذه السيدة الأمريكية من ولع بالبحث وتقصى الحقائق، استطاعت بمحاولاتها العديدة أن تستفز زملائها المسلمين بكلمات قليلة كانت تلقيها إليهم من حين لآخر
حتى تعرف ما بداخلهم ناحية المسيحيين الغربيين والشرقيين على السواء ..و شاءت الأقدار أن تلتقي ذات مرة بأحد الدعاة المسلمين وكان يعمل معها في الشركة..(1/136)
و قد ألجمتها الدهشة حين تناقشت معه ووجدته على قدر عال من الثقافة والوعي وكان يتحدث إليها بأسلوب مهذب يعكس وداعته ورحابة صدره في تواضع صادق وأدب جم..
و نتيجة لما دار بينهما من نقاش وقفت صديقتي على الاتهامات الموجهة من المسلمين ضد الدين المسيحي، قررت مواجهتها والرد عليها..
فبدأت في دراسة الكتب التي تهاجم الدين المسيحي وكذلك الكتب التي ترد عليها والتي تم وضعها من قبل الكنائس المختلفة .. وكانت تتناقش معي فيما تقرأه، وعندما فشلت معها في إيجاد الإجابات المقنعة بالنسبة لها قررت أن تذهب إلى قسيس الكنيسة التي تحضر فيها لتسأله، وطلبت منى أن أحضر معها .. وكان القسيس يرد على كل شيء نسأله عنه ويهاجم الإسلام بشدة ويطعن في كلام أحمد ديدات...
فكانت صديقتي تأخذ كلامه بثقة تامة وتذهب لتناقشه مع زميلها الأزهري، وكنت أنصحها دائما بألا تخوض كثيرا في المناقشات مع المسلمين لأنها لن تفيد شيئا، فكانت ترفض وتقول لي: إن واجبها كمسيحية تحب المسيح يحتم عليها التصدي لما يقال عن دينها وألا تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الاتهامات وكأن شيئا لم يكن..
و حدث ما لم تكن تتوقعه ففي أحد هذه المناقشات التي دارت بينها وبين زميلها الأزهري طلب منها بشكل مباشر أن يلتقي مع هذا القسيس ويناقشه وجها لوجه في كل ما سبق ودار بيننا من أحاديث..
و بالفعل تم هذا اللقاء في منزل القسيس وقد حضرت معهم عدة مرات وللأسف الممزوج بالعجب تفوق الأزهري على القس بل كان أقوى منه بكثير حتى انه سأله في أول لقاء: ماذا تفعل لو وجدت اختلاف في الإنجيل؟ فكان القس يؤكد أنه من المستحيل أن يكون هناك أي شيء خطأ ، وإذا حدث ووجد خطأ فإنه سوف يلقى بالإنجيل من النافذة!!
و مع استمرار المناقشات تم إثبات وجود اختلافات في الأناجيل واعترف القس بأنه لن يستطيع أن يرد عليه وانه يعترف أن الإيمان المسيحي ليس له منطق عقلي!!(1/137)
و كانت هذه المناقشات تدور حول: هل المسيح هو الله أم انه مجرد رسول؟ ولم توجد في الإنجيل على الإطلاق آية واحدة يقول فيها المسيح " أنا هو الله"!!
كما كانت المناقشات تدور حول إيجاد مفهوم لمعنى "ابن الله" فوجدوا أن هذا المصطلح كان يطلق على الكثيرين مثل آدم وسليمان وداود بل وسائر اليهود من غير الأنبياء ...
ثم استمرت المناقشات في محاولة لإيجاد تفسيرات مناسبة لسبب الاختلافات في الأحداث والمعلومات بين الأناجيل الأربعة فكان يوجد ما هو مقنع وما هو مستحيل..
و كنت رغم كل هذا واثقة ومؤمنة لا يهتز إيماني شعرة واحدة ولكنني لم أثق في كلام هذا القسيس الذي (من وجهة نظري) قد شوه الدين المسيحي!!
فاتجهت إلى الكنيسة الأرثوذوكسية لعلى أجد فيها الإجابات التي تشفى غليلي، وحاولت البحث عن أي شخص له هذه الخبرة في المناظرات ولكن للأسف لم أجد، فاتجهت إلى كلية اللاهوت ومعي الأسئلة التي كانت تدور بين صديقتي الأمريكية وزميلها الأزهري – ولكن لم يعطيني أحد إجابات وافية.
فكرهت موقفي الضعيف، وكنت حزينة أنني كمسيحية ليس لدى حجة قوية أستطيع أن أتكلم بها وأبشر بالمسيحية.. ولذلك حاولت بذل جهد أكثر في القراءات سواء في الكتاب المقدس أو في الكتب الروحية حتى أجد إجابات ولكن هيهات فكلما كنت أجد إجابة أحاول إقناع نفسي بها أذهب إلى صديقتي فتسخر منى قائلة لي أنها إجابات ليس لها أي معنى وتفتقر إلى الحق والصدق!!
صديقتي تشهر إسلامها:
و كانت الصدمة التي زلزلت كياني كله عندما اكتشفت أن صديقتي الأمريكية قد ذهبت إلى الأزهر وأعلنت إسلامها..
ليس هذا فحسب بل أنني علمت أنها ذهبت إلى الكنيسة ووقفت أمام القسيس في وسط القاعة لتواجهه أمام الناس بأنه يخدعهم فلا هو يدخل الملكوت ولا يدع الداخلين يدخلون!!(1/138)
و قد حاولوا تشويه سمعتها باتهامها بأنها على علاقة بزميلها المسلم كما يحدث دائما في مثل هذه الحالات، ولكنها بالطبع لم تسكت وحذرتهم من هذه الأقوال فصمتوا عنها ولكنهم كانوا يبعثون إليها بمبشرين في محاولة لإثنائها عن قرارها ، وكانت في مناقشات دائمة معهم ، وكانت تبعث إلى أهلها وأصدقائها في الولايات المتحدة بكل ما تصل إليه أولا بأول.
و قد شعرت ببغض شديد تجاهها ولكنني لم أجرؤ على التصدي لتحولها عن الدين المسيحي إلى الدين الإسلامي لصلابة موقفها بيد أنني طرحت عليها سؤالا لم يكن لدى ما أقوله لها سواه ذلك السؤال هو: إذا كنت قد رفضت المسيحية – لماذا تتجهي إلى الإسلام وأنتي لا تعرفي عنه شيئا؟ كنت أريد من وراء هذا السؤال معرفة الحقيقة .. هل نحن على خطأ أم على صواب؟ ولكنني وجدتها متمسكة برأيها ومقتنعة به!!
و اهتزت الدنيا أمامي ولكنني كنت مازلت مؤمنة بالمسيح فما حدث لم يؤثر على عقيدتي
ومعرفتي بلاهوت المسيح والتثليث..و كنت أقول لنفسي أن الشيطان لا يزال يغوى أولاد الله ولكنني رغم هذا لن أسقط كما سقطت هي.
و قررت مواصلة القراءة والبحث لمعرفة حقيقة هذا التشويه الذي حدث للمسيحية..
و كنت أشعر بيد الله تدفعني أن أستمر في هذا الطريق.. طريق البحث عن الحقيقة..
و كنت قد اشتريت أسطوانة ليزر للإنجيل حتى يسهل علىّ دراسته وبسبب معرفتي السابقة للغة الفرنسية كنت أحيانا أحب أن أقرأ الترجمات فاكتشفت وجود آية ناقصة في النسخة الفرنسية وهى:
"فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد."(1يوحنا 7:5)(1/139)
فظننت للوهلة الأولى أن الآية قد سقطت سهوا أثناء الكتابة، فذهبت إلى المكتبة التي اشتريت منها الاسطوانة لتنبيه أصحابها إلى هذا الخطأ الجسيم ، ولكنني للأسف الشديد وجدت نسخة الإنجيل الفرنسية تنقصها هذه الآية أيضا ، فبحثت في كتاب (الرد على صعوبات الكتاب المقدس) فوجدت أن هذه الآية مضافة بيد الناسخ وليست في الرسالة الأصلية !!
و كان هذا بالنسبة لي صدمة كبيرة لأنني كنت أؤمن بعصمة الإنجيل وأنه مستحيل أن يكون فيه زيادة أو نقصان كما جاء في رؤيا يوحنا:
" لأني أشهد لكل من يسمع أقوال نبوة هذا الكتاب إن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب. وإن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوّة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب في هذا الكتاب"(رؤيا22: 18-19) فكيف بهذه السهولة يعترف الكُتَّاب المسيحيون بإمكانية التغيير في الكتب التي أوحى بها الروح القدس؟!
و سقطت بذلك كل دفاعاتي السابقة عن عصمة الإنجيل ولم أحصد من وراء قراءاتي سوى المزيد من خيبة الأمل.
ميلاد جديد :
و لما فشلت في الدفاع عن الإنجيل اتجهت إلى قراءة القرآن لعلى أجد فيه ما يشفى غليلي ويثبت إلوهية المسيح أو التثليث ولكنني فشلت فشلا ذريعاً.. فلم أيأس وعاودت قراءته مرة أخرى حتى أتصيد الأخطاء. فوجدت كلامه –و لدهشتي- يتغلغل في نفسي ويدخل إلى قلبي
وشعرت أن الله يكلمني مباشرة بلا وسائط ولا حواجز!!
فأنكرت على نفسي هذه الشعور حتى لا أنزلق في هذا التيار الذي سبقتني فيه صديقتي..
و التي كثيرا ما كانت تقول لي فكرى في صفات الله – هل الله العظيم القدوس يقبل أن يُهان من بشر لعنهم من قبل وهو الذي خلق الكون بكلمة واحدة.. كيف يمكن أن نتخيل انه صلب وبصق عليه ولطم، ومن أجل ماذا ؟ ، هل لم يستطع الله أن يغفر لآدم بكلمة واحدة ؟ وأين هو العدل إذا كنا سنتحمل نحن خطأ آدم بلا ذنب؟!(1/140)
و شرحت لي مغزى خطأ آدم الذي يكمن فئ أن الله وضع له الاختبار فى الجنة حتى يستطيع أن يتعايش مع الشيطان في الأرض وهذه هي قصة الخلق في بساطة، وكما هو مكتوب في الإنجيل في العهد القديم.
" أثمروا وأكثروا وأملاؤا الأرض" فقد بارك الله الإنسان قبل أن يسقط في (الخطية) بالإثمار وتكملة حياته على الأرض وليس في الجنة .
و قد مضى الوقت على ثقيلا وشاقا فتساءلت إلى متى سأظل أغالب شعوري .. ألم يحن الوقت لأقف مع نفسي وقفة قوية ، حتى أفهم الحقيقة التي أبحث عنها؟ وتساءلت أيهما أقوى في داخلي حبي للعقيدة أم حبي لله ؟ فإذا كان هناك خطأ ما في العقيدة فهذا لا يمنع أنني أحب الله وأعبده هو وحده.
و بدأت أعيد التفكير مرة ثانية ، بل إنني بدأت أهاجم كل ما لم أجد له إجابات شافية ومقنعه مثل خطية آدم والفداء والخلاص وإلوهية المسيح من أقواله في الإنجيل ومعنى كلمة ابن الله، وبدأت أنظر للإنجيل نظرة جديدة حاولت فيها تصفية ذهني من كل ما كنت أعتنقه من قبل حتى أستطيع أن أعرف الحقيقة.
و انهار الصرح أمامي :
في هذه المرحلة بدأ الشك يدخل في قلبي وبدأت أنظر إلى كل شيء حولي بنظرة جديدة وبدأت أبحث في الإنجيل عما قاله المسيح وعما كان يدعو إليه ، فلم أجد اى شيء من تعاليمه السابقة!! فالمسيح كان يدعو إلى عبادة الله ومحبته وحفظ وصاياه كما جاء في إنجيل متى:
" فقال له لماذا تدعوني صالحا.ليس أحد صالحا إلا واحد وهو الله.ولكن إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا."(متى 17:19)ودعا إلى المحبة حتى الأعداء ، ولم ينقض شريعة موسى ولكن قد جاء ليكملها ، لم يتحدث عن (خطية) آدم ولا عن خلاص الإنسان من تلك الخطية(1/141)
ليدخل الملكوت ، ولم يقل أنه الله ، ولم يعطى تعريفا لمصطلح ابن الله ، بل كان دائما يؤكد أن الله أرسله إلى شعب إسرائيل فمن أين كان تعليمي السابق؟! هل هي مجرد إيحاءات؟ لم أصدق نفسي واستمريت في القراءة والبحث وبدأ الصرح ينهار أمامي. وشعرت بالاختناق فأنا لا أستطيع أن أصدق ما اكتشفته لا يمكن أن يكون ما عشته طوال 30 عاما أوهاما . فبدأت بإظهار غضبى لمن حولي فوجدت الإجابات المستفزة تحيط بي ، لم أكن أدرى أن تأثير التعاليم الكنسية قوى لدرجة أنه يعمى الأبصار عن الحقيقة وهى واضحة تماما. واكتشفت أن الدين المسيحي دين شعارات فقط يتحدث عن العدل الإلهي ولكنه يورث خطيئة الآباء للأبناء ويحملهم إياها، يتحدث عن الرحمة في حين انه لا توجد مغفرة بدون سفك دم.(1/142)
ووقفت فجاءة أنظر حولي أتأمل ما وصلت إليه، ولكنى لم أستسلم كنت أتحدث مع أهلي ولكنهم لم يستطيعوا التصدي لي، لم تكن لديهم المعلومات الكافية للرد، فأخذوا يحضرون القساوسة إلى المنزل حتى يتناقشوا معي، وكنت أسمعهم وأنا أتمنى بيني وبين نفسي أن أكون مخطئة فيما اكتشفته ولذلك لم أكن أتناقش معهم ولكنني فقط كنت أسمعهم، كنت أحاول أن أعطى نفسي فرصة أخيرة لاكتشاف الحقيقة، وكنت في تلك الفترة أصلي بحرارة وأصوم وأطلب من الله أن يرشدني إلى الطريق الصحيح، وكانوا قد أحضروا لي كتبا كثيرة تهاجم الإسلام، وكانت المرة الأولى التي أجد فيها مثل هذه الكتب، ولكن للأسف وجدتها مجرد إدعاءات وليست حقائق، كلها هجوم بلا أساس لمجرد الهجوم والتشويه، حتى أنني طلبت مقابلة أحد المتنصرين حديثا، وكان آخر أمل أمامي، فجلست معه لأعرف منه لماذا دخل المسيحية، وكان رجلا وديعا وقورا ورزينا وعرفت أنه كان يعمل موظفا حكوميا في التلفزيون وكان كما قال مقتدرا ماليا قبل أن يتنصر وهو الآن يعمل سائقا في مدارس الراهبات. وكنت أأمل أن يحدثني بالمنطق والعقل ويزيل الشك من داخلي ولكنى وجدته يتحدث عن ظهورات وأحاسيس، لا يتحدث عن عقل ومنطق، فهو لا يشعر بالصلاة في الإسلام، لا يشعر بوجود روح مع الله في الإسلام، وتعجبت منه في نفسي إذ أن هذا الشعور أشعر به أحيانا في المسيحية ويشعر به دائما كثير من المسيحيين، فهل معنى ذلك أن يتركوا الدين؟ وهذه الظهورات هل يجب أن أصدقه؟ فالمعجزات والظهورات تحدث للجميع ليس فقط للمسيحي بل أن الشيطان يمكنه أن يظهر في صورة ملاك من نور كما جاء في رسالة بولس الرسول:
" ولا عجب.لأن الشيطان نفسه يغيّر شكله إلى شبه ملاك نور".( 2 كورونثوس 14:11)
لماذا لم أعتنق اليهودية؟ :(1/143)
و كنت في مرحلة الشك الأولى للدين المسيحي أحاول أن أبحث عن الدين الحق، ولم تكن أمامي اختيارات كثيرة فإما لا أعترف بوجود الله مثل الوجوديين الذين يؤمنون بأن الطبيعة هي الأم ولا يوجد لها منشئ ، أو أن أعبد أي مخلوق مثل الشمس ، القمر ، البقر ..... مثل الوثنيين الذين يعتبرون هذه الأشياء هي الإله أو عبدة الأصنام الذين يعتبرون تماثيلهم وسيله تقربهم من الإله الذي لا يستطيعون رؤيته ،و لكنني أؤمن بالله وأعترف بوجوده وأحبه، فكان أمامي من الأديان التي تعترف بوجود الله وتؤمن به اليهودية والإسلام. واليهودية بما أنها أصل المسيحية وأساسها كنت أعرفها جيدا، وكنت أعرف شريعة موسى وأحفظها، ولكنني أيضا كنت أعرف أن الله قد لعن اليهود في العهد القديم والجديد ورفضهم، وأن اليهود يعتقدون أنهم شعب الله المختار وأن بقية البشر هم عبيد لهم يرفضهم الله ويكرههم، ومع ذلك لم أرفض اليهودية ودرست تاريخ إسرائيل ودرست شريعة موسى فوجدتها شريعة صارمة جدا تخلو من الحديث عن الحياة الأخرى وما بعد الموت ولكنها تتحدث عن القوانين الأرضية التي تساعد على الحياة بمثالية في العالم ولم أجد فيها الروحانيات العالية والمثالية التي تعلمتها من قبل ولكنني كنت مؤمنه أنها شريعة الله وكلامه ، فجنبتها مؤقتا حتى أكمل رحلة البحث عن الحقيقة.
و اكتشفت الإسلام :(1/144)
وتبقى لدى الإسلام الذي كنت قد قرأت وعرفت عنه من قبل ما لم يشجعني للمضي في دراسته ولكنني في وقفتي مع نفسي واتجاهي للحياد التام في الدراسة شرعت في دراسته مرة أخرى برؤية مختلفة تماما.. متجردة من الكره السابق، وبدأت الصورة تتضح أمامي فالإسلام ليس دين العنف والإرهاب كما كان يشاع عنه، ولا هو يدعو لإهدار دم من يخالفه وسفك دم المعترضين،و لا هو الدين الذي يكفر ويحرم ويلعن بقية البشر ويحض على قتلهم ومعاداتهم ، ولكنه يتحدث عن رحمة الله بلا شعارات وهميه، يتحدث عن المغفرة بلا مقابل وبدون سفك دم، به الحب الإلهي والروحانية السامية، العلاقة الروحية المباشرة بين الله والبشر بدون وسطاء ولا شفعاء، وجدت العظمة والقداسة الإلهية في آيات قرآنية من أمثلتها قول الله:
"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" (البقرة آية 186) وقول الله تعالى "يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي"(الفجر آية 27-30).وقول الله تعالى
"وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (الأنعام آية 54)وقوله تعالى :
"فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا" (النساء آية 175)
وقوله تعالى :"قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ "(الحجر 56)(1/145)
وقوله تعالى :"فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "(الروم آية 50)
وقوله تعالى "مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "(فاطر آية 2)
وقوله تعالى "قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (الزمر 53)
وقوله تعالى "الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيم"ِ (غافر آية 7)
وقوله تعالى "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" ( ق آية 16)
الخوف من الإسلام :(1/146)
هذه أمثلة قليلة جدا من آيات الرحمة والمغفرة التي يمتلئ بها القرآن في معظم سورة وهذا ما وجدت المسلمين يعيشون عليه، فالمسيحي يعرف ما يعرفه عن الإسلام والمسلمين ولا يصرح به، لأنه لا يستطيع أن يقول لزملائه المسلمين أنهم مملوءون أرواحا نجسة بسبب عدم تعميدهم (العماد هو طقس مسيحي أساسي للدخول في المسيحية و يتم بتغطيس المتعمد في الماء ثلاث مرات) ولأنهم مخطئين وأنهم سوف يُلقون في الجحيم لأنهم لا يؤمنون بالمسيح ،لأنه بذلك سوف يفتح باب المناقشات الغبية ولذلك فإنه يفضل ألا يتناقش ويكتفي بالصلاة من أجلهم فقط أو حتى البعد عنهم ، أما إذا حاول حتى لو لمجرد حب الاستطلاع فإنه يكتشف أن كل المعلومات التي كانت لديه مضلله وخاطئة ، وهذا الاكتشاف سهل جدا بمجرد قراءة القرآن وفهمه والتعامل مع المسلمين على أنهم أصدقاء وليسوا أعداء ومناقشتهم في أفكارهم واعتقادهم وهذا ما يخشاه الآباء في الكنيسة حتى لا يتجه أبنائها إلى الإسلام.
أكذوبة الدين المحمدي :
والإسلام ليس دينا يتبع محمد ولكن الإسلام هو تسليم الوجه لله والإيمان به. فإبراهيم دعي مسلما في القرآن رغم أن محمد لم يكن قد وُلِدَ بعد :
مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (آل عمران 67)
و الدين الحنيف هو الذي يؤمن بكل الرسل والأنبياء الذين أرسلهم الله :
آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (البقرة 285)(1/147)
و القرآن يوضح أن مهمة محمد عليه الصلاة والسلام هي التذكرة والبيان ، فهو يذكر الناس بعبادة الله الواحد وينقل إليهم رسالته دون أن يضيف أو يحذف أي شيء وهو أيضا يقوم ببيان هذه الرسالة و إلى ذلك الإشارة بقول الله:
فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ،لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (الغاشية آية 20-21)
بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(النحل آية 44)
فهذا يوضح بجلاء شديد أن الله هو الذي يحلل ويحرم ما يريد لا يوجد بشر مهما كان شأنه له أن يتدخل في التحليل والتحريم وكان النبي عندما ينطق بالأحكام ويُشَرِع في الدين ليس من نفسه ولكن عن طريق الوحي الإلهي وإلى ذلك الإشارة بقول الله:
مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى(2)وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4)عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (النجم 3-5)
وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (الحشر آية 7)
وهذا من أجمل المعاني الموجودة في القرآن عدم سيطرة البشر على بعضهم البعض وعلاقة الله المباشرة بالعباد وهذا هو أسمى معنى للعدل الإلهي، فرسول الإسلام كغيره من الرسل ليس لديه من الأمر شيء لقول الله:
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (آل عمران 144)(1/148)
و هذا يرد على الإدعاء بأن الإسلام هو دين محمدي فهو في الحقيقة دين الله وتسليم الوجه لله وليس محمد إلا رسول مات ودفن بعد أن أتم رسالته ، وبذلك يؤمن المسلمون أن الله واحد هو المشرع وهو الحاكم وهو الإله الذي يجب إتباعه وعبادته فلا أحد منهم يتبع رسولا ولا شيخا مهما علت درجة قداسته أو معجزاته أو علمه لأن كل هذا يكون بفضل الله وإرادته لتأييد رسله لمنفعة البشر وليس لتضليلهم.
و الدين الإسلامي ليس دينا ثالثا كما يعتقد الناس ولكنه دين توحيد، يريد الله به أن يوحد العالم أجمع في عبادته فالله منذ بدء الخليقة لا يريد تفريق الناس ولكن يريدهم فريقا واحدا غير مقسم في عبادته وأدلة ذلك كثيرة من أمثلتها قول الله:
"إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ "(الأنعام آية 159)
"مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ "(الروم 32)
و قد اختلف اليهود والمسيحيون فيمن سيرضى عنه الله ويدخله الجنة:
"وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ،بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ،وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" (البقرة 111-113)(1/149)
من هذه الآيات نتبين أن الله عز وجل قد أراد من البشر جميعا منذ بدء الخليقة أن يتبعوا دين الفطرة أو التوحيد أو الإسلام (كلهم بمعنى واحد) ذلك أن الأنبياء جميعا قد جاءوا بنفس الدعوة ألا وهى الدعوة إلى الوحدانية.. دعوة لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. ويخاطب القرآن اليهود والنصارى في هذا الصدد بقول الله لرسوله:
" قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ "(آل عمران آية 64)
المسيح في القرآن :
و بحثت في القرآن عما يقال عن المسيح والمسيحيين لعلى أجد إثباتا للاهوت المسيح والتثليث فيهدأ بالي بأن الدين المسيحي هو الحق وأستريح من هذه الدوامة التي دخلتها فوجدت انه يقول عن المسيح انه كلمة الله وروح منه وانه رسول الله ويُكَفِرْ إلوهيته :
"إِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ" (سورة آل عمران آية 45)
"وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا" (النساء 157)(1/150)
"يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا "(النساء 171)
"لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا "(النساء 172)
"لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "(المائدة 17)
"لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ"(المائدة 72)
"مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمْ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ" (المائدة 75)(1/151)
"وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ "(التوبة 30)
من هذه الآيات يتبين لنا أن القرآن يعظم المسيح أيما تعظيم ولكن كرسول مثل بقية الرسل بل أنه يكرمه أكثر مما تكرمه المسيحية، ففي الوقت الذي تدعى فيه المسيحية أنه ابن الله الذي صلب وبصق عليه وأهين، يقول عنه القرآن أن السلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ، وفيما يلي استعراض لقصة المسيح كما وردت في القرآن الكريم منذ أن كان كلمة إلى أن رفعه الله إليه:(1/152)
"إِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ(45)وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنْ الصَّالِحِينَ(46)قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(47)وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ(48) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ(49)وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ(51)فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ(52)رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ(53)وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ(54)إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ(1/153)
الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(55)فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ(56)وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ(57)ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ(58)إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَم َخَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(59)الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِينَ(60)فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ(61)إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(62)فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ(63)" (سورة آل عمران)
و يوجد في القرآن دفاع المسيح عن نفسه أمام الله بأنه لم يدعى الإلوهية أثناء حياته:(1/154)
"وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ(116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(118)قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(119)لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير(120)ٌ" (سورة المائدة)
مع أحاديث رسول الإسلام :
و في الأحاديث الصحيحة وجدت معنى الإيمان والإسلام:(1/155)
قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ مَا الْإِيمَانُ قَالَ الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ قَالَ مَا الْإِسْلَامُ قَالَ الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ قَالَ مَا الْإِحْسَانُ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ مَتَى السَّاعَةُ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ ... * (رواه البخاري عن أبى هريرة )
ووجدت المغفرة بلا حدود :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ * (رواه مسلم)
و حديث آخر يهز وجدان وشعور أي إنسان يقرأه لأنه يظهر رحمة وحب غير مشروطين بأي شيء من الله للبشر الذين خلقهم وكتب على نفسه الرحمة لهم:(1/156)
حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً * (رواه الترمذي)
وحديث أخر يتحدث عن الذين أمنوا ولم يروا، كيف أن الله يريد الرحمة ويبحث عنها للبشر حتى لو كان مجرد مرورا على قوم يتحدثون عن الله ويحمدونه بدون مشاركة فهل هناك رحمة أكثر من ذلك:(1/157)
"قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِي قَالُ يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ قَالَ فَيَقُولُ هَلْ رَأَوْنِي قَالَ فَيَقُولُونَ لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ قَالَ فَيَقُولُ وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا قَالَ يَقُولُ فَمَا يَسْأَلُونِي قَالَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً قَالَ فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ قَالَ يَقُولُونَ مِنَ النَّارِ قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً قَالَ فَيَقُولُ فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ قَالَ يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ قَالَ هُمُ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ * (رواه البخاري عن أبى هريرة)(1/158)
و في الإسلام معاني أسمى وأعلى كثيرا من مجرد نوال الجنة واتقاء النار فإذا كان هناك من البشر من يردعه تحذير الله له من عذاب النار فإن هناك أناس أرقى منهم في الإيمان يبغون الجنة وهى الجائزة الأعلى وهناك فئة ثالثة أرقى تبتغى ما هو أعلى من ذلك بكثير وهو ابتغاء مرضاة الله و إلى هؤلاء الإشارة بقوله تعالى:
(فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى ،لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى ،الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ،وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ،وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى ،إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى ،وَلَسَوْفَ يَرْضَى)
(الليل آية 14الى 20)
و النبي نفسه كان يتعبد لله ليس إلا للعبادة والشكر فقط:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا * (رواه البخاري)
و يشفع القرآن في البشر يوم القيامة بهذا القول : عن أَبَى هُرَيْرَةَ يَقُولُ اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ نِعْمَ الشَّفِيعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّهُ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا رَبِّ حَلِّهِ حِلْيَةَ الْكَرَامَةِ فَيُحَلَّى حِلْيَةَ الْكَرَامَةِ يَا رَبِّ اكْسُهُ كِسْوَةَ الْكَرَامَةِ فَيُكْسَى كِسْوَةَ الْكَرَامَةِ يَا رَبِّ أَلْبِسْهُ تَاجَ الْكَرَامَةِ يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ فَلَيْسَ بَعْدَ رِضَاكَ شَيْءٌ * (رواه الدرامي)
و الإسلام لا يفرق بين إنسان وأخر بل يساوى بين جميع البشر لا يفرق بينهم إلا أعمالهم :(1/159)
يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات آية 13)
أما عظمة الله وعطائه الذي بلا حدود لمن يسأله فنجد هذه المعاني كثيرة في الإسلام و منها ما جاء في الحديث القدسي:(1/160)
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَسَلُونِي الْهُدَى أَهْدِكُمْ وَكُلُّكُمْ فَقِيرٌ إِلَّا مَنْ أَغْنَيْتُ فَسَلُونِي أَرْزُقْكُمْ وَكُلُّكُمْ مُذْنِبٌ إِلَّا مَنْ عَافَيْتُ فَمَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى الْمَغْفِرَةِ فَاسْتَغْفَرَنِي غَفَرْتُ لَهُ وَلَا أُبَالِي وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمُ اجْتَمَعُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي مَا زَادَ ذَلِك فِي مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمُ اجْتَمَعُوا عَلَى أَشْقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمُ اجْتَمَعُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ مَا بَلَغَتْ أُمْنِيَّتُهُ فَأَعْطَيْتُ كُلَّ سَائِلٍ مِنْكُمْ مَا سَأَلَ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي إِلَّا كَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ مَرَّ بِالْبَحْرِ فَغَمَسَ فِيهِ إِبْرَةً ثُمَّ رَفَعَهَا إِلَيْهِ ذَلِكَ بِأَنِّي جَوَادٌ مَاجِدٌ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُ عَطَائِي كَلَامٌ وَعَذَابِي كَلَامٌ إِنَّمَا أَمْرِي لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْتُهُ أَنْ أَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * (رواه الترمذي)
و هذا هو الإله الحق الذي كنت أبحث عنه الإله العظيم الرحمن الرحيم القوى الغفور السلام.
و عن الرحمة هناك أحاديث كثيرة جدا منها "فِي سِعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهَا سَبَقَتْ غَضَبَهُ "(1/161)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ *( رواه مسلم)
و عن تقرب الله من البشر بأضعاف ما يتقربون منه قال: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شبراً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً * (رواه البخاري)
تلك أيضا أمثلة قليلة من أحاديث الرحمة والمغفرة والعطاء الموجودة في الإسلام. كل ذلك يوضح علاقة الله الخالق بالبشر في الإسلام فهو أقرب لهم من حبل الوريد ومن أنفسهم.و إن من أسمى وأعظم الأدلة التي ترشدنا أن الأصل في فكر المسلم عن الله هو الرحمة قبل الانتقام والجبروت أن المسلم لا يبدأ في عمل ما إلا "بسم الله الرحمن الرحيم" ولم يكن ذلك إلا دالا على معنى الحديث السابق إن رحمة الله سبقت غضبه وإلا لكان كل عمل يبدأ "باسم الله المنتقم الجبار.(1/162)
هذا ما وجدته في القرآن والأحاديث هذا غير الأحاديث والآيات التي كنت أسمع نصفها فقط قبل بداية دراستي مثل القول بأن العدل في الإسلام هو قول النبي " أنصر أخاك ظالما أو مظلوما" ولم يكمل القائل بقية الحديث عن كيفية نصر الأخ وهو ظالم " عَنْ أَنَسٍ رَضِي الله عَنْه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ قَالَ تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ *(رواه البخاري) و" ويل للمصلين" دون أن يكمل " الذين هم عن صلاتهم ساهون" ،أيضا " لا تقربوا الصلاة" ولا يكمل " وانتم سكارى" وبذلك يضل من يريد الاقتراب في معرفة الإسلام الحق.
دفاع عن رسول الإسلام :
ثم قرأت السيرة النبوية من كتاب محمد حسين هيكل وهو ليس كاتبا إسلاميا على الرغم من أنه مسلم ولكنه ذو ثقافة واسعة و قد تناول السيرة من منظور تاريخي محايد وهذا ما كنت احتاجه لمعرفة الحقيقة، وعرفت مما قرأت كيف ظلم الرسول وكيف حاول الجميع تشويه صورته حقدا وكرها ، فالرسول لم يكسب من دعوته بالدين الإسلامي مالا ولا جاها ولا نساءاً ، فقد كان جده عبد المطلب من أسياد قريش ، وقبل الدعوة كان متزوجا من السيدة خديجة التي كانت تجارتها في ذلك الوقت تزيد عن تجارة قريش جميعها، أما بالنسبة للنساء ففي ذلك العصر كان هذا المجتمع يتباهى فيه الرجل بكثرة زوجاته وجواريه في حين أنه ظل متزوجا من السيدة خديجة دون أن يجمع بينها وبين زوجة أخرى حتى توفيت ، أما الرسول فقد أهين وطرد وحورب من أهله جميعا بسبب دعوته وقد عرضوا المركز والمال ولكنه رفض وقال مقولته الشهيرة "لو وضعوا الشمس عن يميني والقمر عن يساري على أن اترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله أو أُهلِك دونه".(1/163)
وظل يجاهد في دعوته حتى آخر يوم في حياته متحملا في سبيلها أشد الصعوبات والمخاطر.
أما الاتهامات التي وجهت إلى الرسول بأنه شهواني ، يحب النساء، ويتبع الشيطان الذي سيطر على عقله وقلبه فجعله يكتب القرآن وينشره بين الناس حتى يفقد جميع البشر خلاصهم لأنه لا يعترف بإلوهية المسيح!! هذه الاتهامات ترد إلى أصحابها بأنها مجرد خيالات مريضة وإدعاءات مغرضة لأننا في منتهى البساطة إذا نظرنا بنظرة حيادية إلى زيجاته نجد انه كان يتزوج إما لتوطيد العلاقات بينه وبين الصحابة مثل زواجه بالسيدة عائشة ابنة أبى بكر الصديق والسيدة حفصة ابنة عمر بن الخطاب وإما للحماية مثل السيدة سودة أو للعتق مثل ماريا القبطية التي اهديت له كجارية أو لإلغاء التبني مثل السيدة زينب بنت جحش التي كانت زوجة لابنه بالتبني زيد.(1/164)
وكان تعدد الزوجات من النساء قبل الدعوة الإسلامية مباح في القبائل العربية ليس فقط لأربعة بل كان بلا عدد وكان للرسول تسع زوجات نهاه الله عن أن يتزوج غيرهن حتى إذا ماتت إحداهن و إلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: "لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا"(سورة الأحزاب آية52) هذا ولم يتزوج الرسول بعد ذلك ولا حتى ما ملكت يمينه، وزواجه من السيدة عائشة وهى صغيرة في السن أمر طبيعي جدا فحتى وقتنا هذا نجد الفتيات الصغيرات يتزوجن رجالا في سن آبائهن ولم ينتقد هذا التصرف إلا في السنين القليلة الأخيرة وتوجد فتيات كثيرات تكن كاملة الأنوثة في هذه السن حتى العذراء مريم كان من المفترض أن تتزوج قبل أن يأتيها الملاك بالبشارة من يوسف النجار وكانت في الرابعة عشرا من عمرها صحيح أن الزواج لم يتم ولكن زواج فتاة صغيرة فكرة كانت موجودة منذ القديم فلماذا نعلق عليها الآن ألا لو كان هناك غرض هو تشويه شخصية الرسول؟ ولم يفكر أحد من المسيحيين أن الرسول كان رجلا وانه من الطبيعي أن يتزوج لأن الله قد خلق الغريزة الإنسانية الطبيعية بين الرجال والنساء وقبل الرسول كان الأنبياء يتزوجون العديد من النساء مثل داود وسليمان ليس فقط تسعة نساء بل أكثر بكثير ولم يتحرك قلم الناقد لينتقدهم أو يرفض دعوتهم أو رسالتهم لهذا السبب ، أما مقارنة محمد بالمسيح فلا أساس لها أولا إذا كانوا يعتقدون أن المسيح هو الله فلا يجب أن يقارنوه بإنسان مهما علا شأنه وأما إذا كانوا يريدون مقارنته كرسول فهذا شيء أخر فلا يُعلى من مرتبه رسول أنه لم يتزوج ولا يخفض من مرتبته زواجه ولا تعدد زوجاته وإلا كان سليمان وداود من أقل الدرجات والمراتب لكثرة زيجاتهم.(1/165)
وكذلك النقد الموجه للرسول لزواجه من زوجة ابنه بالتبني (ابنه بالتبني تعنى انه ليس من صلبه بل قد رباه في بيته) وأن الله سمح له بالزواج منها بآية منزلة في القرآن "وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا" (الأحزاب آية 37)
فهذا لا يعيب القرآن ولا الرسول في شيء فهو لم يفعل شيئا في الخفاء ولا شيئا محرما بل قد سمح له الله بالزواج منها بغرض إنهاء عمليات التبني التي كانت تجرى في الجاهلية وتُخلِط الأنساب. وكل من يشجب هذا الموضوع عليه أن يتذكر قصة داوود النبي مع زوجة اوريا الحثي التي وردت في العهد القديم ومع ذلك يُقبل داوود كواحد من أعظم الأنبياء الذين ظهروا في العالم، أين الناقد وأين الكلام الذي يقال رغم أن النبي محمد لم يخطئ وداود أخطاً ( هذا في الاعتقاد المسيحي واليهودي فقط). ورغم أن الإسلام يبيح تعدد الزوجات إلا أن هذا التعدد مشروط بالعدل في كل شيء:
"وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا "(سورة النساء آية 3 )(1/166)
"وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا" (سورة النساء آية 129)
و بالنظر في آخر إحصائية نجد أن النسبة بين الذكور إلى الإناث 7:1 وبالتالي فإنه يصعب تطبيق نظرية الزوجة الواحدة ، حتى في العهد القديم في أرميا الإصحاح الرابع آية 1 " فتمسك سبع نساء برجل واحد في ذلك اليوم قائلات. نأكل خبزنا.و نلبس ثيابنا ليدع فقط اسمك علينا انزع عارنا" . اعلم تماما ما سيقال عند قراءة هذه الآية بأنها كانت في ظروف معينة ولكن هذا يعطينا مجال أوسع لمعرفة أن الله لم يكن يمنع تعدد الزوجات لأي سبب، كذلك فإن شريعة الزوجة الواحدة لم تكن موجودة منذ بداية نزول الإنسان على الأرض، ولم يتحدث عنها المسيح صراحة ولم توجد عنها آيات في الإنجيل سوى لأشخاص معينين في الكهنوت.
لم ينتشر الإسلام بالسيف :
أما بالنسبة لموضوع انتشار الإسلام بالسيف فهذه خدعة وكذبة كبيرة صدقها من ابتدعها فالحروب الإسلامية كانت لتوصيل الرسالة إلى الشعوب إذا رفض الحكام نشر هذه الدعوة في شعوبهم وهذا واجب أمانة توصيل الرسالة والدليل على ذلك أن الرسول في حياته بعث برسائل الدعوة الإسلامية للفرس والروم والحبشة وغيرهم وهناك من تقبل الدعوة وهناك من لم يتقبلها ولم يحاربهم الرسول في حياته.هذا غير البلاد التي دخلها الإسلام بلا حروب.
و حتى هذه الحروب قننها الله وشرطها بالا يبدأ المسلمون بالاعتداء:
"وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" (سورة البقرة آية 190)(1/167)
"وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ" (سورة البقرة آية 191)
حتى في العهد القديم حث الله على القتال بسبب الغيرة على بيته وهيكله:
أرميا 51 :11
سنوا السهام.اعدوا الأتراس.قد أيقظ الرب روح ملوك مادي لان قصده على بابل أن يهلكها.لأنه نقمة الرب نقمة هيكله.
أما بالنسبة لموضوع الجزية التي كان يدفعها أهل الكتاب فإنها تعادل الزكاة التي يدفعها المسلم لبيت المال و هي مبلغ يسير زهيد، لا يزيد على ثمانية و أربعين درهما في العام مقابل الدفاع عنه و حمايته و نصرته، و مقابل استمتاعه بالمرافق العامة للدولة التي يعيش في كنفها أهل الكتاب و تحت ظل حكمها و كان يعفى منها الشيوخ و الأطفال و النساء، فليس الهدف من الجزية سلب الأموال و إنما الهدف هو الاطمئنان إلى رضى أهل الكتاب بالعيش في ظلال حكم الإسلام و الانقياد و الطاعة لأحكامه تطبيقا لشرع الله المنصوص عليه في القرآن.
أما من يدعى أن الرسول كان على عهد مع الشيطان فإني أسأله سؤالا واحد ما هي محصلة دعوة محمد؟ هل نرى المسلمين الآن يتبعون خطوات الشيطان فيحلون ما حرمه الله كالخمر والزنا والقتل وغير ذلك؟ أم أنك تراهم واقفون صفوفا منظمة في المساجد يدعون الله الواحد خمس مرات في اليوم على الأقل؟ وترى نسائهم يتحشمن في ملابسهن فيرتدين الحجاب؟ وأن القرآن نفسه يشهد أن كل خطوات الإنسان تكون لله عز وجل
"قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (الأنعام 186)(1/168)
و أسأله أيضا هل يظن أي إنسان أن الشيطان سوف يدعو البشر إلى عبادة الله بهذه الكيفية ؟ والمسيح نفسه قال عن الشيطان: فعلم يسوع أفكارهم وقال لهم كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب.وكل مدينة أو بيت منقسم على ذاته لا يثبت.(متى 25:12)
صدق الرسول والرسالة :
و أخيرا نجد أن الدين الإسلامي يدعو إلى عبادة الله وألا يشرك به أحدا وان الرسول وهو رجل أرسله الله إلى العالمين ليدعوهم إلى عبادة الله الواحد ولم يطلب لنفسه أي تعظيم أو تبجيل بل إنه ناشد الناس عند سماع ذكره بطلب الرحمة له من الله بقولهم "صلى الله عليه وسلم " التي كثيرا ما يفهمها غير المسلمين أن الله يصلى كما يصلى العباد ولكن الحقيقة أن صلاة الله معناها الرحمة. وأن القرآن وهو بحق معجزة الإسلام ليس لمجرد أن من تلاه هو نبي أمي ولا لمجرد أنه استمر عبر الأجيال بلا تبديل أو تحريف محفوظ من الله ولا للمعلومات العلمية الدقيقة المكتشفة حديثا والواردة فيه بمنتهى البراعة والدقة في التصوير بل أيضا لأنه باق وقائم دليل وشهادة على صدق النبوة والرسالة التي أراد الله أن يقدمها للبشر، فكل معجزات الأنبياء والرسل السابقين حدثت وانتهت وكل علاقتنا الحالية بها هي مجرد قصص نسمعها عن القدماء، أما القرآن فهو باق عبر العصور دليل لمن يريد أن يرى ويعرف الحقيقة على صدق الدعوة الإسلامية وصدق النبي الذي تسمى بالصادق الأمين حتى قبل نزول الوحي عليه فقد نقل رسالة الله بأمانه وصدق.(1/169)
و هنا وقفت أقارن بين الإسلام واليهودية فالدينين أمامي يؤمنا بالله ويبغيان مرضاته وبهما آيات الرحمة والحب فأيهما أتبع وأيهما يرضاه الله. وتذكرت أنه في أثناء قراءتي للقرآن وجدت الآيات التالية: قال الله تعالى : " وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ"(الصف 6) . وقال الله تعالى : الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (البقرة 146)
بشارات بنبي الإسلام :
و تنبهت لنقطة هامة جدا كانت دائما تراودني إذا كان محمد قد قام بتأليف القرآن فلماذا أطلق اسم أحمد لماذا لم يقول محمد وهو أسمه المعروف به بين عشيرته وأهله ، ثم كيف يتحدى أهل الكتاب بأنهم يعرفونه كما يعرفون أبنائهم وأنهم يكتمون الحق.
فبحثت في هذه النقطة جيدا حتى أصل إلى الحقيقة فوجدت أدلة عديدة على صدق آيات القرآن فوجدت في العهد القديم آيات تتحدث عن الأنبياء وكيف يمكن أن نتحقق من صدق النبي :
تثنية 18:18 -22
" أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك واجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به ويكون إن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي إنا أطالبه.وأما النبي الذي يطغي فيتكلم باسمي كلاما لم أوصه أن يتكلم به أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى فيموت ذلك النبي.وان قلت في قلبك كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب.فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصر فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب بل بطغيان تكلم به النبي فلا تخف منه"
تثنية 13 : 1-3(1/170)
"إذا قام في وسطك نبي أو حالم حلما وأعطاك آية أو أعجوبة ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التي كلمك عنها قائلا لنذهب وراء آلهة أخرى لم تعرفها ونعبدها فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم لان الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم."
و لن أتحدث هنا عن تفسير النبوة ولكن سوف أتحدث في مسألة ابسط من ذلك فقد أوضح الله وضوحا جليا أن أي نبي سوف يرسله الله سوف يؤيده بمعجزة أو بنبوة أو بأحداث يتحدث عنها مسبقا لكي يصدقه الناس ليس هذا فقط فان هذا النبي يجب أن يدعو إلى الله والى الله فقط ليس إلى أي آلهة غريبة أخرى ولا إلى نفسه.
و هذا بالضبط ما حدث فقد دعى الرسول بالا نشرك بالله أحدا ولن أتحدث هنا عن آية معجزة أخرى سوى القرآن ولا عن أية نبؤه قالها بل سأتحدث عنها في جزء مستقل.
و وجدت نبؤه أخرى ملفتة للنظر لموسى أيضا وهى :
تثنية 33: 2
2 فقال.جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبال فاران وأتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم.
حبقوق 3:3
3. الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران.سلاه.جلاله غطى السموات والأرض امتلأت من تسبيحه.
و جبال فاران هي التي كان يعيش فيها إسماعيل ابن إبراهيم وأولاده من بعده ومن المعروف أن الرسول كان من بني إسماعيل. (المراد بجبال فاران التي جاء ذكرها في التوراة في سفر التثنية و سفر حبقوق هي جبال مكة و هي إشارة إلى بعثة رسول الإسلام من هذه الأرض).
هذه أوضح النبوات المكتوبة في العهد القديم عن النبي القادم الذي كان اليهود ينتظرونه. وفى العهد الجديد نجد أنهم سألوا يوحنا المعمدان عن نفسه:
فاعترف ولم ينكر واقرّ أني لست أنا المسيح. فسألوه إذا ماذا.إيليا أنت.فقال لست أنا.النبي أنت.فأجاب لا.(يو 1 :20-21)(1/171)
و المسيح معروف من هو ، وأيضا معروف أن إيليا سوف يأتي ، أما النبي فلا أحد يعلم من هو ؟ وواضح أنه نبي بعينه ربما كانوا يقصدون من تحدث عنه موسى وهو شخصية مختلفة عن شخصية المسيح .
هذا غير قول المسيح عن المعزى "الباركليط" الذي سيرسله من الآب باسمه وقد ورد في الإنجيل عنه ثلاث آيات :
وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلّمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم (يو 14 : 26)
ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي.(يو 15 : 26)
لكني أقول لكم الحق انه خير لكم أن انطلق.لأنه إن لم انطلق لا يأتيكم المعزي.ولكن إن ذهبت أرسله إليكم.(يو 16 : 7)
و لنفكر سويا قليلا ، لو كان هذا المعزى هو الروح القدس الأقنوم الثالث لماذا وضع المسيح شرطا انه يجب أن ينطلق هو أولا حتى يبعثه إليهم، وهل لم يكن داخل التلاميذ الروح القدس عندما شهد بطرس بأن المسيح هو ابن الله الحي؟ وهل لم يكن في داخلهم الروح القدس عندما كانوا يبشرون ويعملون معجزات في حياة المسيح؟ هذه الأسئلة يجب أن نفكر فيها جيدا وسوف أتحدث عن ذلك بالتفصيل في فصل مستقل.
أشهرت إسلامي :
كل هذا عرفته ووقعت في حيرة هل أصرخ عاليا وأقول ما عرفته أم أكتمه في داخلي حتى لا أهدم أسرتي الصغيرة ولكنني لم استطع أن أتحمل أكثر من ذلك فقررت أن أخوض الحرب وأن أقول "لا" لكل من خدعني وأوضح لكل البشر ما اكتشفته على مر سنين دراستي.
و بالفعل ذهبت إلى الأزهر الشريف لكي أبدأ خطوات إعلان الحقيقة التي عرفتها، وأعلن أنني لن أرتضى سوى الله ربا، والإسلام دينا ، ومحمد نبي الله أرسله للعالمين.
و بعد هذه الخطوة كنت خائفة جدا من مواجهة أهلي لأنني كنت أشفق عليهم من آثار ما فعلته، وخاصة زوجي الذي شعر أن الدنيا تهتز تحت قدميه ، فقد خسر زوجته وابنته وحياته كلها (من وجهة نظره).(1/172)
و رغم حبي له واشفاقى عليه كنت أتساءل أيهما أهم الدنيا أم الآخرة؟ الله أم أي إنسان؟ وكنت بحسب تعليمي المسيحي القديم وتعليمي الإسلامي الجديد أعرف تماما أنه لا يجب أن أقارن بين محبتي لله ومحبتي لأي إنسان مهما علا شأنه في داخلي حتى نفسي.
و تمنيت أن يفكر أهلي إذا كانوا يحبونني ويحترمون عقليتي أن يفكروا ، لماذا فعلت هذا وهم يعلمون تماما أنني أحب الله حبا جما.
و بعد عدة مشاحنات بيني و بين أهلي استطعت أن أخذ ابنتي و ارحل من بيت أهلي .
و أصبح شغلي الشاغل بعد ذلك هو محاولة توضيح الحقائق التي عرفتها للجميع وخاصة أهلي.
و كلما قرأت في مقارنة الأديان وتعمقت في الدين الإسلامي ازداد اقتناعي أكثر وأكثر بالخطوة التي قمت بها وتحديت بها الجميع وازداد إصراري و ثباتي على طريق نشر الدعوة الإسلامية مهما واجهت من صعوبات وتحديات.
و أول تحدى بالنسبة لي هو ابنتي لأنني أريدها أن تنشأ على الحقيقة و لا تقضى عمرها في أوهام و شعارات و ضلال، أريدها أن تنشأ على الدين الحق ، دين الإسلام.
و الله الموفق لما يحب و يرضى.
معجم المصطلحات المسيحية المستخدمة :
التثليث المسيحي : هو الاعتقاد بأن الله واحد له ثلاثة خصائص أو أقانيم. و هم بحسب قانون الإيمان المسيحي كالآتي:
الآب : هو ضابط الكل ، خالق السموات و الأرض ما يرى و ما لا يرى.
(و بمفهوم أخر هو العقل و المنشئ)
الابن و هو الكلمة الناطقة للآب و هو وسيلة اتصال الله بالبشر عن طريق الجسد .
الروح القدس : هو الأقنوم الثالث لله في المسيحية و هو يحل على المؤمنين بالمسيح أثناء المعمودية ( التغطيس في الماء و الاعتراف بالمسيح أنه الله و أنه الأقنوم الثاني في الثالوث المقدس و أنه به وحده الخلاص) و هو الذي يُثَبِّتْ الإيمان في قلب الإنسان بحسب المعتقد المسيحي و هو لا يُرى و لكن يشعر به المؤمنون في داخلهم، يوجههم و يرشدهم و يحصنهم من إبليس.(1/173)
و كان يحل قديما على القديسين فيتنبئوا و يتكلموا بكلام الله مثل داود النبي و صاموئيل الرائي و غيرهم، أما بعد مجيء المسيح على الأرض و صعوده فقد أرسله للمؤمنين جميعا ليمكث معهم (في داخلهم) إلى الأبد.
و الثلاثة أقانيم السابقة هم اله واحد و هو الله.
لاهوت المسيح:هو الاعتراف بأن المسيح هو الله متجسد في صورة إنسان.
الفداء و الصلب : بعد أن أكل آدم من الشجرة المحرمة كان عقابه هو الموت و كان عدل الله أن يميته لأنه كان قد نهاه عن الأكل من هذه الشجرة لأنه يوم يأكل منها فإنه موتا يموت .
و لكن الله برحمته و محبته للإنسان دبر أمرا عظيما لخلاص الإنسان من الموت الذي ألقى نفسه فيه و هذا التدبير كان بأن يضحى الابن( الأقنوم الثاني ) بنفسه ليخلص آدم و ذريته من الموت و لذلك نزل على الأرض متمثلا في شخص المسيح حتى يصلب و يقدم نفسه ذبيحة حيه أمام الله كفارة عن خطايا العالم.
***
27- توبة أشهر عارضة أزياء فرنسية
" فابيان " عارضة الأزياء الفرنسية ، فتاة في الثامنة والعشرين من عمرها ، جاءتها لحظة الهادية وهي غارقة في عالم الشهرة والإغراء والضوضاء . . انسحبت في صمت . . تركت هذا العالم بما فيه ، وذهبت إلى أفغانستان ! لتعمل في تمريض جرحى المجاهدين الأفغان ! وسط ظروف قاسية وحياة صعبة !
تقول فابيان :
" لولا فضل الله عليَّ ورحمته بي لضاعت حياتي في عالم ينحدر فيه الإنسان ليصبح مجرد حيوان كل همه إشباع رغباته وغرائزه بلا قيم ولا مبادئ " .
ثم تروي قصتها فتقول :
" منذ طفولتي كنت أحلم دائماً بأن أكون ممرضة متطوعة ، أعمل على تخفيف الآلام للأطفال المرضى ، ومع الأيام كبرت ، ولَفَتُّ الأنظار بجمالي ورشاقتي ، وحرَّضني الجميع - بما فيهم أهلي - على التخلي عن حلم طفولتي ، واستغلال جمالي في عمل يدرُّ عليَّ الربح المادي الكثير والشهرة والأضواء ، وكل ما يمكن أن تحلم به أية مراهقة ، وتفعل المستحيل من أجل الوصول إليه .(1/174)
وكان الطريق أمامي سهلاً - أو هكذا بدا لي - ، فسرعان ما عرفت طعم الشهرة ، وغمرتني الهدايا الثمينة التي لم أكن أحلم باقتنائها
ولكن كان الثمن غالياً . . فكان يجب عليَّ أولاً أن أتجرد من إنسانيتي ، وكان شرط النجاح والتألّق أن أفقد حساسيتي ، وشعوري ، وأتخلى عن حيائي الذي تربيت عليه ، وأفقد ذكائي ولا أحاول فهم أي شيء غير حركات جسدي ، وإيقاعات الموسيقى ، كما كان عليَّ أن أُحرم من جميع المأكولات اللذيذة ، وأعيش على الفيتامينات الكيميائية والمقويات والمنشطات ، وقبل كل ذلك أن أفقد مشاعري تجاه البشر . . لا أكره . . لا أحب . . لا أرفض أي شيء . إن بيوت الأزياء جعلت مني صنم متحرك مهمته العبث بالقلوب والعقول . . فقد تعلمت كيف أكون باردة قاسية مغرورة فارغة من الداخل ، لا أكون سوى إطار يرتدي الملابس فكنت جماداً يتحرك ويبتسم ولكنه لا يشعر ، ولم أكن وحدي المطالبة بذلك ، بل كلما تألقت العارضة في تجردها من بشريتها وآدميتها زاد قدرها في هذا العالم البارد . . أما إذا خالفت أياً من تعاليم الأزياء فتُعرَّض نفسها لألوان العقوبات التي يدخل فيها الأذى النفسي ، والجسماني أيضاً !
وعشت أتجول في العالم عارضة لأحدث خطوط الموضة بكل ما فيها من تبرج وغرور ومجاراة لرغبات الشيطان في إبراز مفاتن المرأة دون خجل أو حياء " .
وتواصل " فابيان " حديثها فتقول :
" لم أكن أشعر بجمال الأزياء فوق جسدي المفرغ - إلا من الهواء والقسوة - بينما كنت اشعر بمهانة النظرات واحتقارهم لي شخصياً واحترامهم لما أرتديه .
كما كنت أسير وأتحرك . . وفي كل إيقاعاتي كانت تصاحبني كلمة (لو) . . وقد علمت بعد إسلامي أن لو تفتح عمل الشيطان . . وقد كان ذلك صحيحاً ، فكنا نحيا في عالم الرذيلة بكل أبعادها ، والويل لمن تعرض عليها وتحاول الاكتفاء بعملها فقط " .
وعن تحولها المفاجئ من حياة لاهية عابثة إلى أخرى تقول :(1/175)
" كان ذلك أثناء رحلة لنا في بيروت المحطمة ، حيث رأيت كيف يبني الناس هناك الفنادق والمنازل تحت قسوة المدافع ، وشاهدت بعيني مستشفى للأطفال في بيروت ، ولم أكن وحدي بل كان معي زميلاتي من أصنام البشر ، وقد اكتفين بالنظر بلا مبالاة كعادتهن .
ولم أتكمن من مجاراتهن في ذلك . . فقد انقشعت عن عيني في تلك اللحظة غُلالة الشهرة والمجد والحياة الزائفة التي كنت أعيشها ، واندفعت نحو أشلاء الأطفال في محاولة لإنقاذ من بقي منهم على قيد الحياة . ولم أعد إلى رفاقي في الفندق حيث تنتظرني الأضواء ، وبدأت رحلتي نحو الإنسانية حتى وصلت إلى طريق النور وهو الإسلام .
وتركت بيروت وذهبت إلى باكستان ، وعند الحدود الأفغانية عشت الحياة الحقيقية ، وتعلمت كيف أكون إنسانية . وقد مضى على وجودي هنا ثمانية أشهر قمت بالمعاونة في رعاية الأسر التي تعاني من دمار الحروب ، وأحببت الحياة معهم ، فأحسنوا معاملتي . وزاد قناعتي في الإسلام ديناً ودستوراً للحياة من خلال معايشتي له ، وحياتي مع الأسر الأفغانية والباكستانية وأسلوبهم الملتزم في حياتهم اليومية ، ثم بدأت في تعلم اللغة العربية ، فهي لغة القرآن ، وقد أحرزت في ذلك تقدماً ملموساً . وبعد أن كنت أستمد نظام حياتي من صانعي الموضة في العلم أصبحت حياتي تسير تبعاً لمبادئ الإسلام وروحانياته .
وتصل " فابيان " إلى موقف بيوت الأزياء العالمية منها بعد هدايتها ، وتؤكد أنها تتعرض لضغوط دنيوية مكثفة ، فقد أرسلوا عروضاً بمضاعفة دخلها الشهري إلى ثلاثة أضعافه فرفضت بإصرار . . فما كان منهم إلا أن أرسلوا إليها هدايا ثمينة لعلها تعود عن موقفها وترتد عن الإسلام .
وتمضي قائلة :(1/176)
" ثم توقفوا عن إغرائي بالرجوع . .ولجأوا إلى محاولة تشويه صورتي أمام الأسر الأفغانية فقاموا بنشر أغلفة المجلات التي كانت تتصدرها صوري السابقة عملي كعارضة أزياء وعلقوها في الطرقات وكأنهم ينتقمون من توبتي ، وحالوا بذلك الوقيعة بيني وبين أهلي الجدد ، ولكن خاب ظنهم والحمد لله " .
وتنظر فابيان إلى يدها وتقول :
" لم أكن أتوقع أن يدي المرفهة التي كنت أقضي وقتاً طويلاً في المحافظة على نعومتها سأقوم بتعريضها لهذه الأعمال الشاقة وسط الجبال ، ولكن هذه المشقة زادت من نصاعة وطهارة يدي ، وسيكون لها حسن الجزاء عند الله سبحانه وتعالى إن شاء الله " .
***
28- معلمة اللاهوت "ميري واتسون" بعد إسلامها
درست اللاهوت في ثماني سنوات.. واهتديت إلى الإسلام في أسبوع
يوم إسلامي يوم ميلادي.. والمسلمون بحاجة إلى قوة الإيمان .
بين الشك واليقين مسافات، وبين الشر والخير خطوات، اجتازتها "ميري واتسون" معلمة اللاهوت سابقاً بإحدى جامعات الفلبين، والمنصِّرة والقسيسة التي تحولت بفضل الله إلى داعية إسلامية تنطلق بدعوتها من بريدة بالمملكة العربية السعودية بمركز توعية الجاليات بالقصيم لتروي لنا كيف وصلت إلى شاطئ الإسلام وتسمت باسم خديجة.
بياناتك الشخصية قبل وبعد الإسلام؟(1/177)
أحمد الله على نعمة الإسلام، كان اسمي قبل الإسلام "ميري" ولديَّ سبعة أبناء بين البنين والبنات من زوج فلبيني، فأنا أمريكية المولد في ولاية أوهايو، وعشت معظم شبابي بين لوس أنجلوس والفلبين، والآن بعد الإسلام ولله الحمد اسمي خديجة، وقد اخترته لأن السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ كانت أرملة وكذلك أنا كنت أرملة، وكان لديها أولاد، وأنا كذلك وكانت تبلغ من العمر 40 عاماً عندما تزوجت من النبي ص، وآمنت بما أنزل عليه، وكذلك أنا كنت في الأربعينيات، عندما اعتنقت الإسلام، كما أنني معجبة جداً بشخصيتها، لأنها عندما نزل الوحي على محمد ص آزرته وشجعته دون تردد، لذلك فأنا أحب شخصيتها.
حدثينا عن رحلتك مع النصرانية :
كان لديَّ ثلاث درجات علمية: درجة من كلية ثلاث سنوات في أمريكا، وبكالوريوس في علم اللاهوت بالفلبين، ومعلمة اللاهوت في كليتين فقد كنت لاهوتية وأستاذاً محاضراً وقسيسة ومنصِّرة، كذلك عملت في الإذاعة بمحطة الدين النصراني لإذاعة الوعظ المسيحي، وكذلك ضيفة على برامج أخرى في التلفاز، وكتبت مقالات ضد الإسلام قبل توبتي، فأسأل الله أن يغفر لي، فلقد كنت متعصبة جداً للنصرانية.
ما نقطة تحولك إذن من منصِّرة إلى داعية إسلامية؟
كنت في إحدى الحملات التنصيرية إلى الفلبين لإلقاء بعض المحاضرات، فإذا بأستاذ محاضر فلبيني جاء من إحدى الدول العربية، لاحظت عليه أموراً غريبة، فأخذت أسأله وألحّ عليه حتى عرفت أنه أسلم هناك، ولا أحد يعرف بإسلامه وقتئذ.
وكيف تخطيت هذه الحواجز وصولاً إلى الإسلام؟(1/178)
بعدما سمعت عن الإسلام من هذا الدكتور الفلبيني راودتني أسئلة كثيرة: لماذا أسلم؟ ولماذا بدل دينه؟ لابد من أن هناك شيئاً في هذا الدين وفيما تقوله النصرانية عنه!؟ ففكرت في صديقة قديمة فلبينية أسلمت وكانت تعمل بالمملكة العربية السعودية، فذهبت إليها، وبدأت أسألها عن الإسلام، وأول شيء سألتها عنه معاملة النساء، لأن النصرانية تعتقد أن النساء المسلمات وحقوقهن في المستوى الأدنى في دينهن، وهذا غير صحيح طبعاً، كما كنت أعتقد أن الإسلام يسمح للأزواج بضرب زوجاتهم، لذلك هن مختبئات وكائنات في منازلهن دائماً!!.
ارتحت كثيراً لكلامها فاستطردت أسألها عن الله عز وجل، وعن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعندما عرضت عليَّ أن أذهب إلى المركز الإسلامي ترددت فشجعتني فدعوت "الرب" وابتهلت إليه حتى يهديني، وذهبت فاندهشوا جداً من معلوماتي الغزيرة عن النصرانية ومعتقداتي الخاطئة عن الإسلام،. وصححوا ذلك لي، وأعطوني كتيبات أخذت أقرأ فيها كل يوم وأتحدث إليهم ثلاث ساعات يومياً لمدة أسبوع، كنت قد قرأت بنهايته 12 كتاباً، وكانت تلك المرة الأولى التي أقرأ فيها كتباً لمؤلفين مسلمين والنتيجة أنني اكتشفت أن الكتب التي قد كنت قرأتها من قبل لمؤلفين نصارى ممتلئة بسوء الفهم والمغالطات عن الإسلام والمسلمين لذلك عاودت السؤال مرة أخرى عن حقيقة القرآن الكريم، وهذه الكلمات التي تُقال في الصلاة.(1/179)
وفي نهاية الأسبوع عرفت أنه دين الحق، وأن الله وحده لا شريك له، وأنه هو الذي يغفر الذنوب والخطايا، وينقذنا من عذاب الآخرة، لكن لم يكن الإسلام قد استقر في قلبي بعد، لأن الشيطان دائماً يشعل فتيل الخوف والقلق في النفس، فكثف لي مركز التوعية الإسلامي المحاضرات، وابتهلت إلى الله أن يهديني، وفي خلال الشهر الثاني شعرت في ليلة ـ وأنا مستلقية على فراشي وكاد النوم يقارب جفوني ـ بشيء غريب استقر في قلبي فاعتدلت من فوري وقلت يا رب أنا مؤمنة لك وحدك، ونطقت بالشهادة وشعرت بعدها باطمئنان وراحة تعم كل بدني والحمد لله على الإسلام، ولم أندم أبداً على هذا اليوم الذي يعتبر يوم ميلادي.
وكيف تسير رحلتك مع الإسلام الآن؟
بعد إسلامي تركت عملي كأستاذة في كليتي وبعد شهور عدة طلب مني أن أنظم جلسات أو ندوات نسوية للدراسات الإسلامية في مركز إسلامي بالفلبين حيث موطن إقامتي، وظللت أعمل به تقريباً لمدة سنة ونصف، ثم عملت بمركز توعية الجاليات بالقصيم ـ القسم النسائي كداعية إسلامية خاصة متحدثة باللغة الفلبينية بجانب لغتي الأصلية.
وماذا عن أولادك؟
عندما كنت أعمل بالمركز الإسلامي بالفلبين كنت أحضر للبيت بعض الكتيبات والمجلات وأتركها بالمنزل على الطاولة "متعمدة" عسى أن يهدي الله ابني "كريستوفر" إلى الإسلام، إذ إنه الوحيد الذي يعيش معي، وبالفعل بدأ هو وصديقه يقرآنها ويتركانها كما هي تماماً، كذلك كان لديَّ "منبه أذان" فأخذ يستمع إليه مراراً وتكراراً وأنا بالخارج ثم أخبرني بعد ذلك برغبته في الإسلام، ففرحت جداً وشجعته ثم جاء إخوة عدة من المركز الإسلامي لمناقشته في الإسلام وعلى أثرها أعلن الشهادة وهو ابني الوحيد الذي اعتنق الإسلام في الوقت الحالي، وسمى نفسه عمر، وأدعو الله أن يمنَّ على باقي أولادي بنعمة الإسلام.
ما الذي أعجبك في دين الإسلام؟(1/180)
الإسلام هو الطريق الأكمل والأمثل للحياة، بمعنى آخر هو البوصلة التي توجه كل مظاهر الحياة في الاقتصاد والاجتماع وغيرها حتى الأسرة وكيفية التعامل بين أفرادها.
ما أكثر الآيات التي أثارت قلبك؟
قوله تعالى: هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون. فهي تعني لي الكثير وقد ساعدتني وقت الشدة.
ما نوعية الكتب التي قرأتها؟
أحب القراءة جداً. فقد قرأت في البخاري ومسلم والسيرة النبوية، وعن بعض الصحابة والصحابيات بجانب تفسير القرآن طبعاً وكتب غيرها كثيرة.
الخوض في أجواء جديدة له متاعب، فما الصعوبات التي واجهتها؟
كنت أعيش بين أمريكا والفلبين كما أن بناتي جميعهن متزوجات هناك وعندما أسلمت كان رد ثلاث من بناتي عنيفاً إزاء اعتناقي الإسلام والباقيات اعتبرنه حرية شخصية، كما أن بيتي وتليفوني روقبا، فقررت الاستقرار في الفلبين، لكن تنكر لي أهل زوجي لأني من قبل كنت مرتبطة بهم لكون أبي وأمي ميتين، لذلك بكيت ثلاثة أيام، وعندما كنت أظهر في الشارع بهذا الزي كان الأطفال ينادون عليَّ بالشيخة أو الخيمة، فكنت أعتبر هذا بمثابة دعوة إلى الإسلام كما تجنبني كل من يعرفني تماماً.
هل حضرت ندوات أو مؤتمرات بعد اعتناق الإسلام؟
لم أحضر، ولكن ألقيت العديد من المحاضرات عنه في الجامعات والكليات بالفلبين، وقد دعيت من قبل رؤساء بعض الدول لإجراء محاورات بين مسلمة ونصرانية لكن لا أحب هذه المحاورات لأن أسلوبها عنيف في النقاش، وأنا لا أحب هذه الطريقة في الدعوة بل أفضل الأسلوب الهادئ لا سيما اهتمامنا بالشخص نفسه أولاً ثم دعوته ثانياً.
ما رأيك فيما يُقال عن خطة عمرها ربع القرن المقبل لتنصير المسلمين؟(1/181)
بعد قراءتي عن الإسلام وفي الإسلام علمت لماذا الإسلام مضطهد من جميع الديانات لأنه أكثر الديانات انتشاراً على مستوى العالم، وأن المسلمين أقوى ناس لأنهم لا يبدلون دينهم ولا يرضون غيره بديلاً، ذلك أن دين الإسلام هو دين الحق وأي دين آخر لن يعطيهم ما يعطيه لهم الإسلام.
ماذا تأملين لنفسك وللإسلام؟
نفسي ـ إن شاء الله ـ سأذهب إلى إفريقيا، لأدرس بها وأعمل بالدعوة، كما آمل أن أزور مصر لأرى فرعونها الذي ذُكر في القرآن، وجعله الله آية للناس، أما بالنسبة للإسلام، فنحن نحتاج إلى إظهار صحته وقوته وحسنه، وسط البيئات التي يحدث فيها تعتيم أو تشويش إعلامي. كما نحتاج إلى مسلمين أقوياء الإيمان، إيمانهم لا يفتر، يقومون بالدعوة إلى الله.
***
29- حجاب أميركية سبب في إسلام أستاذ جامعي أميركي
قرأت اليوم قصة إسلام أستاذ جامعي أميركي ؛هل تعرفون ما السبب المباشر لإسلامه ؟ لقد كان السبب الأول لإسلامه حجاب طالبة أميركية مسلمة, معتزة بدينها, و معتزة بحجابها, بل لقد اسلم معه ثلاثة دكاترة من أستذة الجامعة و أربعة من الطلبة. لقد كان السبب المباشر لإسلام هؤلاء السبعة, الذين صاروا دعاة إلى الإسلام. هو هذا الحجاب. لن أطيل عليكم في التقديم. و في التشويق لهذه القصة الرائعة التي سأنقلها لكم على لسان الدكتور الأميركي الذي تسمى باسم النبي محمد صلى الله عليه و سلم و صار اسمه (محمد أكويا).
يحكي الدكتور محمد أكويا قصته فيقول:
قبل أربع سنوات, ثارت عندنا بالجامعة زوبعة كبيرة, حيث التحقت للدراسة طالبة أميركية مسلمة, و كانت محجبة, و قد كان من بين مدرسيها رجل متعصب يبغض الإسلام و يتصدى لكل من لا يهاجمه. فكيف بمن يعتنقه و يظهر شعائره للعيان؟ كان يحاول استثارتها كلما وجد فرصة سانحة للنيل من الإسلام.(1/182)
وشن حربا شعواء عليها, و لما قابلت هي الموضوع بهدوء ازداد غيظه منها,فبدأ يحاربها عبر طريق آخر,حيث الترصد لها بالدرجات, و إلقاء المهام الصعبة في الأبحاث, و التشديد عليها بالنتائج, و لما عجزت المسكينة أن تجد لها مخرجا تقدمت بشكوى لمدير الجامعة مطالبة فيها النظر إلى موضوعها. و كان قرار الإدارة أن يتم عقد بين الطرفين المذكورين الدكتور و الطالبة لسماع وجهتي نظرهما و البت في الشكوى.
و لما جاء الموعد المحدد. حضر أغلب أعضاء هيئة التدريس, و كنا متحمسين جدا لحضور هذه الجولة التي تعتبر الأولى من نوعها عندنا بالجامعة. بدأت الجلسة التي ذكرت فيها الطالبة أن المدرس يبغض ديانتها. و لأجل هذا يهضم حقوقها العلمية, و ذكرت أمثلة عديدة لهذا, و طلبت الاستماع لرأي بعض الطلبة الذين يدرسون معها, وكان من بينهم من تعاطف معها و شهد لها, و لم يمنعهم اختلاف الديانة أن يدلوا بشهادة طيبة بحقها. حاول الدكتور على أثر هذا أن يدافع عن نفسه, و استمر بالحديث فخاض بسب دينها. فقامت تدافع عن الإسلام. أدلت بمعلومات كثيرة عنه, و كان لحديثها قدرة على جذبنا,حتى أننا كنا نقاطعها فنسألها عما يعترضنا من استفسارات. فتجيب فلما رآنا الدكتور المعني مشغولين بالاستماع و النقاش خرج من القاعة . فقد تضايق من اهتمامنا و تفاعلنا. فذهب هو و من لا يرون أهمية للموضوع. بقينا نحن مجموعة من المهتمين نتجاذب أطراف الحديث, في نهايته قامت الطالبة بتوزيع ورقتين علينا كتب فيها تحت عنوان " ماذا يعني لي الإسلام؟" الدوافع التي دعتها لاعتناق هذا الدين العظيم, ثم بينت ما للحجاب من أهمية و أثر.و شرحت مشاعرها الفياضة صوب هذا الجلباب و غطاء الرأس الذي ترتديه. الذي تسبب يكل هذه الزوبعة.(1/183)
لقد كان موقفها عظيما, و لأن الجلسة لم تنته بقرار لأي طرف, فقد قالت أنها تدافع عن حقها, و تناضل من أجله, ووعدت أن لم تظفر بنتيجة لصالحها أن تبذل المزيد حتى لو اضطرت لمتابعة القضية و تأخير الدراسة نوعا ما, لقد كان موقفا قويا, و لم نكن أعضاء هيئة التدريس نتوقع أن تكون الطالبة بهذا المستوى من الثبات و من أجل المحافظة على مبدئها. و كم أذهلنا صمودها أمام هذا العدد من المدرسين و الطلبة, و بقيت هذه القضية يدور حولها النقاش داخل أروقة الجامعة.
أما أنا فقد بدأ الصراع يدور في نفسي من أحل تغيير الديانة ,فما عرفته عن الإسلام حببني فيه كثيرا, و رغبني في اعتناقه, و بعد عدة أشهر أعلنت إسلامي, و تبعني دكتور ثان و ثالث في نفس العام, كما أن هناك أربعة طلاب أسلموا. و هكذا في غضون فترة بسيطة أصبحنا مجموعة لنا جهود دعوية في التعريف بالإسلام والدعوة إليه, و هناك الآن عدد من الأشخاص في طور التفكير الجاد, و عما فريب إن شاء الله ينشر خبر إسلامهم داخل أروقة الجامعة. و الحمد لله وحده.
***
29- رئيس بعثة التنصير "جي ميشيل"
هي بعثة تنصيرية قد اتخذت في خطتها مشروع تنصير القرن الأفريقي ، على أن تكون الصومال هي نقطة الانطلاق لعمليات التنصير .. و قد اتخذت هذه البعثة مشروعاً خيرياً كستار تخفي من ورائه نشاطها المشبوه .. و كان هذا المشروع هو علاج أمراض العيون كي تنفذ من خلاله إلى المواطنين و التأثير عليهم بترغيبهم في الديانة المسيحية .
تعرضت هذه البعثة رفيعة المستوى للفشل الذريع بسبب اعتناق رئيسها للدين الإسلامي ، و الذي تعرض لمحاولات مستميتة من قِبَل البعثة التنصيرية بهدف إبعاده عن اعتناق الإسلام ، و التي وصلت إلى حد التهديد بالقتل ... و ترجع قصة هذا الخبر عندما اختارت منظمة التنصير بألمانيا الغربية "جي ميشيل" لكي يكون رئيساً للبعثة التنصيرية في الصومال ، بجانب عمله كطبيب لأمراض العيون .(1/184)
و بعد خمسة أشهر تلقت المنظمة تقارير تفيد بتفانيه في عمله كطبيب ، و إهماله للشق الآخر من مهمته ، و هو التنصير ... فتلقى "جي ميشيل" برقية من رئاسة المنظمة تطلب منه ضرورة ذهابه إلى إنجلترا لقضاء فترة تدريبية لمدة شهر ثم السفر منها إلى تنزانيا .
و في إنجلترا تعرف "جي ميشيل" على صديق مسلم من الصومال يدعى "محمد باهور" الذي وطد علاقة صداقته معه ، و حدث أن دعاه ذات يوم لزيارة منزله ، و يتحدث عن تلك الزيارة قائلاً :
" بعد أن تعرفت على صديق مسلم من الصومال اسمه "محمد باهور" دعاني إلى زيارة منزله فلبيت دعوته ، و كان الترحيب من أسرته ... و أثناء الزيارة فوجئت برجل يتكلم الإنجليزية بطلاقة مدهشة ، و علمت أنه والد صديقي محمد ، و فرحت به و تمنيت أن أجذبه إلى الدين المسيحي حتى تتحقق عملية التنصير .. و بدأت مع هذا الرجل عملية جذبه للمسيحية بالحديث عنها معه و هو ينصت إليّ بإصغاء تام ، توقعت اقتناعه بما أقول ، و بالتالي سيكون مفتاح التنصير في المنطقة كلها " .
و يسترسل رئيس البعثة التنصيرية حديثه بقوله :
" بعد أن أسهبت في الكلام عن المسيحية كدين لا يرقى في مكانته أية ديانة أخرى و أنا أتعرض لعظمة الإنجيل و المسيح عيسى ابن الله ... فوجئت بوالد صديقي ممسكاً بنسخة من القرآن في يديه و سألني : أتعرف هذا الكتاب؟ .. فابتسمت و لم أجب خشية إثارته أو التلميح له بمهنتي و لكن أحسست أن هذا الرجل يدرك ما يدور بعقلي ، فمنحني فرصة الخروج من المأزق و بدأ هو يتحدث عن الإنجيل و عن المسيح .. و من خلال حديثه أدركت تماماً أن المسلمين جميعاً يحبون المسيح و يعترفون به ، و خصوصاً أن الإسلام ذاته يدعو إلى الإيمان به و بغيره من الرسل و الأنبياء ، بل جعل ذلك من دعائم الإيمان بالإسلام .
ثم طلب مني والد صديقي أن أوجه له أي سؤال في الإنجيل أو في القرآن ، فقلت له : كيف؟ قال : في القرآن كل شئ " .(1/185)
و يصمت "جي ميشيل" برهة و هو يستعيد حكايته مع الإسلام التي نسجت خيوطها الأولى من خلال زيارة لصديقه و التقائه بوالده الذي أصغى إليه و هو يحاول أن يجذبه للمسيحية ، ثم تعقيب والد صديقه على ما سمعه منه و إفاضته في الحديث عن الإسلام في سلاسة و يسر يستسيغه العقل و التفكير المنطقي .. ثم يستطرد قائلاً :
" و تعددت زياراتي لوالد صديقي ، و كنت مُراقَباً من أفراد البعثة الذين طلبوا مني عدم الذهاب إلى هذا المنزل ، و فوجئت بعد ذلك بقرار نقل صديقي ثم اعتقاله بدون سبب ... أما بالنسبة لي فقد طلبوا مني الانتقال إلى كينيا لقضاء أجازة ممتعة على حد تعبير منظمة التنصير .. و وصلتني رسالة من والدي يطالبني فيها بالعودة إلى ألمانيا بأسرع ما يمكن " .
و لكن "جي ميشيل" رئيس بعثة التنصير رفض الاستجابة لتعليمات رئاسته في ألمانيا ، كما رفض الاستجابة لطلب والده ، فكتب هذه البرقية إلى كلٍ منهما : " اطمئنوا تماماً .. كل شئ على ما يرام ، و سأعتنق الإسلام " .
و عكف "جي ميشيل" على دراسة الإسلام و تفهم تعاليمه و أركانه التي حث عليها ، بعدها أعلن اعتناقه للإسلام و قام بتغيير اسمه إلى "عبد الجبار" .
و استمر "عبد الجبار" في الصومال يؤدي رسالته كطبيب مسلم يعرف حق الله عليه و حق المرضى ، و يعامل الناس بآداب الإسلام التي تحلى بها في سلوكياته و أخلاقياته .
***
30- لماذا تعتنق الأوروبيات الإسلام ؟
تظهر على ماري فالوت أية علامة تنبئ عن احتمال كونها إرهابية. فهي امرأة فرنسية بيضاء البشرة دقيقة الملامح تجلس إلى طاولة مقهى باريسي مزدحم وهي تثرثر عبر الهاتف النقال مع شابات فرنسيات أخريات.
لهذا السبب بالذات تضع سلطات مكافحة الإرهاب في أوروبا عيونها على ماري فالوت والآلاف من مثيلاتها عبر القارة.
والآنسة فالوت متحولة جديدة إلى الإسلام, الأمر الذي يجعلها, في عيون تلك السلطات, مصدرا لخطر محتمل.(1/186)
لقد جذبت وفاة مورييل ديغوك البلجيكية التي فجرت نفسها في عملية انتحارية ضد القوات الأمريكية في العراق الشهر الماضي الانتباه إلى تزايد عدد الأشخاص الذين يعتنقون الإسلام في أوروبا ومعظهم من النساء.
يقول مدير وكالة الاستخبارات الداخلية الفرنسية باسكال ميلهوس إن هذه الظاهرة في ازدهار وإنها تثير قلقنا .
وتنشأ الصعوبة التي تواجهها السلطات الأمنية من أن النساء الأوروبيات البيضاوات لا يثرن شبهات الشرطة التي قد تكون أسرع إلى الانتباه إلى احتمالات التهديد الصادرة عن شبان من أصول شرق أوسطية . ويقول ماغنوس رانستوب , الخبير بشؤون الإرهاب في كلية الدفاع الوطني السويدية, أن بإمكان الإرهابيين استخدام هؤلاء النساء المتحولات إلى الإسلام واللواتي يمتلكن مزايا عملياتية في المواقف التي تتطلب إجراءات أمنية مشددة.
الآنسة فالوت التي اعتنقت الإسلام قبل ثلاث سنوات بعد أن عجزت عن أيجاد الأجوبة على أسئلتها الروحانية في تعاليم طفولتها الكاثوليكية , تقول أنها تجد الشكوك التي تلاحقها بسبب ديانتها الجديدة جارحة. وتضيف قائلة: الإسلام, بالنسبة لي, رسالة حب وتسامح وسلام.
أنها رسالة تستهوي المزيد من الاوروبيين وخصوصا بعد الفضول الذي نشأ حول الديانة الإسلامية في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول . وعلى الرغم من عدم توفر الأرقام الدقيقة, فان المراقبين المعنيين بمراقبة السكان المسلمين في أوروبا يقدرون عدد الذين يعتنقون الإسلام من النساء والرجال في أوروبا ببضعة آلاف كل عام.
نسبة قليلة من الذين يعتنقون الإسلام ينجذبون إلى الاتجاهات الراديكالية. ونسبة اقل هي تلك التي تتورط في أعمال العنف. وهناك أشخاص يعدون على الأصابع أدينوا بجنح ذات طابع إرهابي مثل ريتشارد ريد الذي قبض عليه وهو يضع مواد متفجرة في كعب حذائه, والأمريكي جون ووكر لنده الذي قبض عليه في أفغانستان.(1/187)
ويقول الخبراء , إن البحوث غير المكتملة التي تجرى هنا وهناك تشير إلى أن النساء أكثر عددا من الرجال بين المتحولين الجدد إلى الإسلام . وتؤكد تلك البحوث انه بخلاف الاعتقاد الشائع فان أقلية فقط من بين هؤلاء النساء يعتنقن الإسلام بسبب زواجهن من رجال مسلمين.
تقول الدكتورة هيفاء حداد, المدرسة في جامعة برمنغهام البريطانية, أن اعتناق الإسلام بسبب الزواج من مسلمين كان السبب الأكثر شيوعا بين النساء , لكن الأمر قد تغير الآن , حيث تقبل النساء الأوروبيات على اعتناق الإسلام بسبب قناعتهن الشخصية . وتوضح الدكتورة حداد أن غير المسلم من الرجال يحتاج إلى الدخول في الإسلام قبل أن يتمكن من الزواج من مسلمة . لكن هذه القاعدة لا تنطبق على النساء غير المسلمات اللاتي يستطعن الاحتفاظ بديانتهن عند الاقتران برجال مسلمين.
تنفي ماري فالوت أن يكون للحب أي دور في دفعها إلى اعتناق الإسلام , وتقول إن أول سؤال يواجهها به معارفها عندما تخبرهم باعتناقها للإسلام هو (هل لديك صديق مسلم?)وتعلق قائلة أنهم غير قادرين على أن يصدقوا أنها أقدمت على ذلك انطلاقا من إرادتها الشخصيةالحرة
تقول الآنسة فالوت إنها تحب الطريقة التي يضعها الاسلام للتقرب من الله . فالإسلام أسهل وأكثر استقامة , وبساطته تأتي من وضوح تعاليمه . وتمضي فالوت إلى القول كنت ابحث لنفسي عن إطار , فالإنسان يحتاج إلى قواعد وسلوكيات يتبعها.
تعكس هذه الكلمات الطريقة التي تفكر بها الكثيرات من المتحولات إلى الإسلام . وترى الدكتورة حداد أن هذه الظاهرة تمثل ردة فعل الكثيرات من النساء على الكثير من الالتباس الأخلاقي في المجتمعات الغربية . فهن يرتحن إلى الإحساس بالانتماء والرعاية والمشاركة الذي يمنحه الإسلام.(1/188)
من جانب آخر, تقول كارين فان نيوكيرك, المتخصصة بدراسة حالة النساء الهولنديات اللاتي يعتنقن الإسلام, إن هؤلاء النسوة ينجذبن إلى الفكرة الخاصة عن النساء والرجال التي يقدمها الإسلام. حيث يوجد هناك في الإسلام متسع أكبر للأسرة والأمومة, والنساء في الإسلام لا يعتبرن مجرد أوعية للجنس .
في الوقت نفسه, تقول سارة جوزيف الانجليزية التي اعتنقت الاسلام وأصدرت مجلة (أمل) وهي مجلة نسوية إسلامية باللغة الانجليزية , أن الفكرة القائلة بان جميع النساء الأوروبيات اللائي يعتنقن الإسلام ينزعن إلى نمط انعزالي في الحياة بعيدا عن افراطات النسوية الغربية هي فكرة ليست صحيحة .
ويرى ستيفانو الييفي , الأستاذ في جامعة بادوفا الايطالية , أن بعض النساء اللائي يعتنقن الإسلام يخلعن على قرارهن هذا بعدا سياسيا. فالإسلام, حسب ما يرى الييفي, يمنح السياسة روحانية ويضيف إليها فكرة النظام المقدس.لكن الييفي يستدرك قائلا أن هذه الطريقة في النظر إلى العالم هي طريقة ذكورية وقلما تستجيب لها النساء.
بعد اتخاذ القرار باعتناق الاسلام , تفضل بعض المتحولات التحرك ببطء وتبني التقاليد الإسلامية بالتدريج: فالآنسة فالوت, على سبيل المثال, لا تشعر بأنها قد أصبحت مهيأة لارتداء الحجاب رغم أنها أخذت بلبس ملابس أطول وأكثر اتساعا من تلك التي كانت ترتديها من قبل.هناك أخريات يندفعن بحماسة الانتشاء بالدخول في ديانة جديدة, ويظهرن من التقوى ما يفوق تلك التي تظهرها النساء اللاتي ولدن مسلمات واعتدن ارتياد المساجد . ومن هذه الشريحة من المتحولات تأتي النساء الأسهل انصياعا للتطرف.(1/189)
ترى بتول الطعمة التي تدير برنامج (المسلمون الجدد) من المؤسسة الإسلامية في بريطانيا أن المراحل الأولى من دخول المرء في الإسلام »قد تكون حساسة. لأنك لا تملك الثقة الراسخة بما تتعلمه كمعتنق جديد للإسلام . وبالإمكان أن يقع المرء ضحية لأنواع مختلفة من الأشخاص الذين يعملون بشكل منفرد أو في جماعات ( وتقول الطعمة ) أن بعض معتنقي الإسلام الجدد يشعرون برغبة شديدة في الاندماج بوسطهم الجديد إلى الحد الذي يجعلهم على استعداد لفعل أي شيء من اجل أن يتقبلهم الآخرون.
وتستخلص الطعمة درسا حزينا من حالة موريل ديغوك التي أوردت الأنباء أنها كانت قد عانت من الفشل والإدمان في حياتها قبل اعتناقها الإسلام واندفاعها إلى الاقتناع بان تنفيذ (عمل خارق) مثل التفجير الانتحاري قد يمنحها فرصة الخلاص والتوبة . وتقول الطعمة إن الجانب المؤثر في حكاية ديغوك هو في كونها امرأة سعت إلى الحصول على الإسلام الداخلي فوقعت ضحية لأشخاص سعوا إلى استغلالها«.
***
31- معلم النصرانية "ألدو دمريس" الذي صار داعية للإسلام
كان "ألدو دمريس" أحد القساوسة الذين بلغ حماسهم للنصرانية منتهاه و من الدعاة المخلصين لها في بلاده سيريلانكا ، فقد كانت مهمته تلقين النشء الصغير عقيدة التثليث و أن يزرعها في نفوسهم و يعمقها في وجدانهم و عقلهم ليشبوا نصارى لا يعرفون غير النصرانية ديناً ، و ساعده على إتقان عمله كونه أحد المتخصصين في علم مقارنة الأديان إلى جانب مؤهله الجامعي في الاقتصاد و التجارة الذي هيأ له فرصة العمل بالمملكة العربية السعودية التي منها بدأت قصة إيمانه بالإسلام .(1/190)
لقد كان "ألدو دمريس" يظن أن المسلمين قوم وثنيون يعبدون القمر ، و هذا الظن كان نتيجة فهم خاطئ بسبب تحري المسلمين ظهور القمر كل أول شهر قمري ، إذ لم يكن يدري أن هذا يعود إلى ضرورة معرفة بدايات الشهور كي يتسنى لهم أداء فريضة الصوم و الحج في موعدهما ... و كان بفهمه القاصر ـ آن ذاك ـ يعتقد أن قيام المسلمين بمثل هذا هو ضرب من ضروب عبادة القمر كما يفعل الوثنيون ، و قد أسهم في ترسيخ هذه الفكرة الخاطئة لديه نشأته في أسرة نصرانية متعصبة ، و لذلك كان أمر إسلامه بعيداً عن مخيلة من يعرفونه ، فضلاً عن مخيلته هو نفسه .
و عندما جاء "ألدو" إلى المملكة العربية السعودية استوقفه و أثار انتباهه إغلاق المحال التجارية و انصراف جموع المسلمين إلى المسجد حين يؤذن المنادي للصلاة ، لقد شده هذا المشهد بما يجسده من معانٍ عميقة في نفوس المسلمين و اعتزازهم بدينهم .. كما أثار انتباهه المعاملة الطيبة التي قوبل بها ، فضلاً عن معرفته ـ أخيراً ـ أن الإسلام يدعو إلى قيم و مبادئ لو طبقت لساد العالم الحب و العدل ، و من ثم بدأت نفسه تميل إلى معرفة سر هذا الدين .
و حين قوي هذا الإحساس في داخله بدأ لا يكتفي بالسؤال ، و إنما أخذ يبحث عن نسخة مترجمة لمعاني القرآن الكريم كي يكتشف بنفسه نواحي بلاغته و إعجازه .. و لم يلبث أن تحقق له ما أراد حين وجدها لدى أحد أصدقائه المسلمين فاستعارها منه فرحاً ، و ظل عاكفاً عليها يدرسها حتى حان أذان الفجر و سمع المؤذن ينادي للصلاة ، فدمعت عيناه ، و لم يملك إلا أن يهرع ليغتسل و يصلي كما رأى المسلمين يفعلون .كان لابد أن يتوج "ألدو" إيمانه بإثباته رسمياً كي يتمكن من زيارة الكعبة الشريفة و المسجد النبوي الشريف ، و من ثم توجه إلى أحد أصدقائه المسلمين ليرشده إلى طريق إشهار إسلامه الذي تحقق بحضور القاضي الشرعي معلناً
مولده من جديد باسم "محمد شريف" .(1/191)
و لم يكتفِ "محمد شريف" بإسلامه ، فقد شعر بأن عليه واجباً مطلوب منه أن يؤديه و هو الإسهام في هداية غيره ، و لا سيما هؤلاء الذين كان هو أحد أسباب تعمق النصرانية في نفوسهم من أهله و تلاميذه .
و استطاع بمثابرته و أسلوب حواره الهادئ المبني على الحقائق أن يقنع أهله و الكثير من أقاربه بأن الإسلام دين الحق ، فآمنوا به بما فيهم صديق قس صار ـ بعد إسلامه ـ من أخلص المؤمنين لدين الله ، كما نجح في هداية تلاميذه السابقين ، فأسلم معظمهم .
و من الجدير بالإشارة أن دراسة "محمد شريف" للنصرانية ـ كما يقول هو ـ كانت خير معين له في إقناع أولئك الذين هداهم الله ، إذ أوضح لهم بعد أن منَّ الله عليه بالهداية مدى التضارب الحاصل في الأناجيل حول طبيعة عيسى عليه السلام في الوقت الذي يتخذ القرآن الكريم موقفاً محدداً واضحاً حول طبيعة ذلك النبي محمد صلى الله عليه و سلم ، موقف يقبله العقل و يتفق مع المنطق .
هذا ، و يعد "محمد شريف" نموذجاً للداعية المسلم ، حيث استفاد من معرفته لثماني لغات في الدعوة لله بين الناطقين بتلك اللغات ، و له ـ كداعية ـ آراء و أساليب للدعوة إلى دين الله ينبغي الالتفات إليها لأنها تصدر عن تجربة عملية ، من ذلك :
يرى أن الدعوة الإسلامية لا تزال تفتقر إلى أمور كثيرة ، منها على سبيل المثال قلة الرسائل و المطبوعات التي تدعو الناس إلى دين الله ، في حين كانت تتوفر لديه أثناء عمله في التنصير .
كما يرى أن الدعاة المسلمين مطالبون بالتغلغل في الأوساط الشعبية في مختلف البلدان ليشرحوا للناس حقيقة الإسلام و مزاياه الفريدة ، و لا سيما أن التصورات لدى العام في البلدان غير الإسلامية بفعل تأثير دعاة النصرانية في غير صالح الإسلام ، و من ثم فمن غير المنطقي أن ندعو الناس إلى الدخول في دين معلوماتهم عنه مشوهة .(1/192)
لذا يطالب "محمد شريف" بضرورة إتباع طرق تكتيكية في الدعوة الإسلامية تبدأ بشرح جوهر الإسلام و كيف أن الدين عند الله الإسلام ، و تبيان حقيقة كون عيسى عليه السلام نبياً مرسلاً بالحق ، و توضيح مقدار إجلال المسلمين له باعتباره نبياً ، و لأمه العذراء التي يضعها الإسلام في مقدمة نساء الجنة .و يشير كذلك إلى جزئية هامة ، و هي تقع على عاتق أثرياء المسلمين ، فيرى أن الواجب يحتم عليهم أن يبادروا إلى طبع ترجمات لمعاني القرآن الكريم و الكتب التي تتناول جوهر العقيدة الإسلامية و غيرها من الكتب التي تصلح للدعوة إلى مختلف اللغات ، ذلك أن كثيرين من أبناء الملل الأخرى يتوقون إلى التعرف على حقيقة الإسلام و تعاليمه ، غير أن حاجز اللغة يقف حجر عثرة أمام تحقيق مطلبهم .
و يبرز "محمد شريف" حقيقة ليعلمها أثرياء المسلمين ، فيقول :
"إن نشاطات التنصير تجد دعماً من أغنياء النصرانية ، في حين يلقي المسلمون تبعة نشاطات الدعوة على عاتق الحكومات و المنظمات و الهيئات التي تكون ـ عادة ـ مشغولة بألوان متعددة من النشاطات " .
و هكذا نجد أنفسنا أمام شخصية قد أخلصت في اعتناقها للإسلام ، إلى حد غيرتها على الدعوة إليه بتبصرة الدعاة المسلمين إلى أساليبها و متطلباتها ليكون لها أثر فعال .
***
32- القسيس الأمريكي الشهير الذي أسلم على يد الإمام بن باز
هذا الموضوع هو في الحقيقة كتيب أصدره القسيس السابق Kenneth L. Jenkins أو عبدالله الفاروق حاليا .. وهو يصف قصة اعتناقه لهذا الدين العظيم ...
يقول فيه :
" كقسيس سابق وكرجل دين في الكنيسة كانت مهمتي هي إنارة الطريق للناس للخروج بهم من الظلمة التي هم بها ... وبعد اعتناقي الإسلام تولدت لدي رغبة عارمة بنشر تجربتي مع هذا الدين لعل نوره وبركته تحل على الذين لم يعرفوه بعد...(1/193)
أنا احمد الله لرحمته بي بإدخالي للإسلام ولمعرفة جمال هذا الدين وعظمته كما شرحها الرسول الكريم وصحابته المهتدين ...
انه فقط برحمة الله نصل إلى الهداية الحقة والقدرة لإتباع الصراط المستقيم الذي يؤدي للنجاح في هذه الدنيا وفي الآخرة...
ولقد رأيت هذه الرحمة تتجلى عندما ذهبت للشيخ عبدالعزيز بن باز واعتنقت الإسلام ولقد كانت محبته تزداد لدي وأيضا المعرفة في كل لقاء لي به ....
هناك أيضا الكثير الذين ساعدوني بالتشجيع والتعليم ولكن لخوفي لعدم ذكر البعض لن اذكر أسمائهم...
انه يكفي أن أقول الحمد لله العظيم الذي يسير لي كل أخ وكل أخت ممن لعبوا دورا هاما لنمو الإسلام في داخلي وأيضا لتنشئتي كمسلم....
أنا ادعوا الله أن ينفع بهذا الجهد القصير أناسا كثيرين ...
وأتمنى من النصارى أن يجدوا الطريق المؤدي للنجاة..
إن الأجوبة لمشاكل النصارى لا تستطيع أن تجدها في حوزة النصارى أنفسهم لأنهم في اغلب الأحيان هم سبب مشاكلهم...
لكن في الإسلام الحل لجميع مشاكل النصارى والنصرانية ولجميع الديانات المزعومة في العالم...نسال الله أن يجزينا على أعمالنا ونياتنا ....
البداية :
كطفل صغير .... نشئت على الخوف من الرب ...وتربيت بشكل كبير على يد جدتي وهي أصولية مما جعل الكنيسة جزء مكمل لحياتي.......وأنا لازلت طفلا صغيرا .......بمرور الوقت وببلوغي سن السادسة ........ كنت قد عرفت ما ينتظرني من النعيم في الجنة وما ينتظرني من العقاب في النار......... وكانت جدتي تعلمني أن الكذابين سوف يذهبون إلى النار إلى الأبد...
والدتي كانت تعمل بوظيفتين ولكنها كانت تذكرني بما تقوله لي جدتي دائما...
أختي الكبرى وشقيقي الأصغر لم يكونوا مهتمين بما تقوله جدتي من إنذارات وتحذيرات عن الجنة والنار مثلما كنت أنا مهتما !!(1/194)
لا زلت أتذكر عندما كنت صغيرا عندما كنت انظر إلى القمر في الأحيان التي يكون مقتربا من اللون الأحمر .... وعندها أبدا بالبكاء لان جدتي كانت تقول لي إن من علامات نهاية الدنيا أن يصبح لون القمر احمر ....مثل الدم...
عند بلوغي الثامنة كنت قد اكتسبت معرفة كبيرة وخوف كبير بما سوف ينتظرني في نهاية العالم ...وأيضا كانت تأتيني كوابيس كثيرة عن يوم الحساب وكيف سيكون؟؟
بيتنا كان قريبا جدا من محطة السكة الحديد وكانت القطارات تمر بشكل دائم....
أتذكر عندما كنت استيقظ فزعا من صوت القطار ومن صوت صفارته معتقدا إني قد مت واني قد بعثت !!
هذه الأفكار كانت قد تبلورت في عقلي من خلال التعليم الشفوي من قبل جدتي وكذلك المقروء مثل قصص الكتاب المقدس ....
في يوم الأحد كنا نتوجه إلى الكنيسة وكنت ارتدي أحسن الثياب وكان جدي هو المسؤول عن توصيلنا إلى هناك .....وأتذكر أن الوقت كان يمر هناك كما لو كان عشرات الساعات !!
كنا نصل هناك في الحادية عشر صباحا ولا نغادر إلا في الثالثة....
أتذكر أني كنت أنام في ذلك الوقت في حضن جدتي ...
وفي بعض الأحيان كانت جدتي تسمح لي بالخروج للجلوس مع جدي الذي لم يكن متدينا ... وكنا مع بعض نجلس لمراقبة القطارات....... وفي أحد الأيام أصيب جدي بالجلطة مما اثر على ذهابنا إلى المعتاد إلى الكنيسة ........ وفي الحقيقة كانت هذه الفترة حساسة جدا في حياتي ...
بدأت اشعر في تلك الفترة بالرغبة الجامحة للذهاب إلى الكنيسة وفعلا بدأت بالذهاب لوحدي.(1/195)
وعندما بلغت السادسة عشرة بدأت بالذهاب إلى كنيسة أخرى كانت عبارة عن مبنى صغير وكان يشرف عليها والد صديقي .........وكان الحضور عبارة عني أنا وصديقي ووالده ومجموعة من زملائي في الدراسة .... واستمر هذا الوضع فقط بضعة شهور قبل أن يتم إغلاق تلك الكنيسة .. وبعد تخرجي من الثانوية والتحاقي بالجامعة تذكرت التزامي الديني وأصبحت نشطا في المجال الديني.... وبعدها تم تعميدي ..... وكطالب جامعي ... أصبحت بوقت قصير أفضل عضو في الكنيسة مما جعل كثير من الناس يعجبون بي ...... وأنا أيضا كنت سعيدا لأني كنت اعتقد أني في طريقي " للخلاص"...
كنت اذهب إلى الكنيسة في كل وقت كانت تفتح فيه أبوابها .......... وأيضا ادرس الكتاب المقدس لأيام ولأسابيع في بعض الأحيان ...
كنت احضر محاضرات كثيرة كان يقيمها رجال الدين ....... وفي سن العشرين أصبحت أحد أعضاء الكنيسة ...وبعدها بدأت بالوعظ .... وأصبحت معروفا بسرعة كبيرة..
في الحقيقة أنا كنت من المتعصبين وكنت لدي يقين انه لا يستطيع احد الحصول على الخلاص مالم يكن عضوا في كنيستنا !!
وأيضا كنت استنكر على كل شخص لم يعرف الرب بالطريق التي عرفته أنا بها ...........
أنا كنت أؤمن أن يسوع المسيح والرب عبارة عن شخص واحد ...... في الحقيقة في الكنيسة تعلمت أن التثليث غير صحيح ولكني بالوقت نفسه كنت اعتقد أن يسوع والآب وروح القدس شخص واحد !!
حاولت أن افهم كيف تكون هذه العلاقة صحيحة ولكن في الحقيقة أبدا لم استطع الوصول إلى نتيجة متكاملة بخوص هذه العقيدة !!
أنا أعجب باللبس المحتشم للنساء وكذلك والتصرفات الطيبة من الرجال ..
أنا كنت ممن يؤمنون بالعقيدة التي تقول أن على المرأة تغطية جسدها ! وليست المرأة التي تملا وجهها بالميكياج وتقول أنا سفيرة المسيح !....(1/196)
كنت في هذا الوقت قد وصلت إلى يقين بان ما أنا فيه الآن هو سبيلي إلى الخلاص..... وأيضا كنت عندما أدخل في جدال مع أحد الأشخاص من كنائس أخرى كان النقاش ينتهي بسكوته تماما .... وذلك بسب معرفتي الواسعة بالكتاب المقدس
كنت أحفظ مئات النصوص من الإنجيل .... وهذا ما كان يميزني عن غيري ...
وبرغم كل تلك الثقة التي كانت لدي كان جزء مني يبحث ....... ولكن عن ماذا ..؟؟ عن شيء أكبر من الذي وصلت إليه!
كنت أصلي باستمرار للرب أن يهديني إلى الدين الصحيح ... وان يغفر لي إذا كنت مخطئا...
إلى هذه اللحظة لم يكن لي أي احتكاك مباشر مع المسلمين ولم أكن اعرف أي شيء عن الإسلام .... وكل ما عرفته هو ما يسمى بـ " أمة الإسلام " وهي مجموعة من السود أسسوا لهم دينا خاصا بهم وهو عنصري ولا يقبل غير السود .... ولكن أسموه "امة الإسلام" وهذا مما جعلني أعتقد أن هذا هو الإسلام ...
مؤسس هذا الدين اسمه " اليجا محمد" وهو الذي بدا هذا الدين والذي أسمى مجموعته أيضا "المسلمين السود" ......في الحقيقة قد لفت نظري خطيب مفوه لهذه الجماعة اسمه لويس فرقان وقد شدني بطريقة كلامه وكان هذا في السبعينات من هذا القرن ...
وبعد تخرجي من الجامعة كنت قد وصلت إلى مرحلة متقدمة من العمل في المجال الديني....... وفي ذلك الوقت بدا أتباع "اليجا محمد "بالظهور بشكل واضح ..... وعندها بدأت بدعمهم خصوصا أنهم يحاولون الرقي بالسود مما هم عليه من سوء المعاملة والأوضاع بشكل عام........
بدأت بحضور محاضراتهم لمعرفة طبيعة دينهم بالتحديد...
ولكني لم اقبل فكرة أن الرب عبارة عن رجل أسود(كما يعتقد أصحاب امة الاسلام)
ولم أكن أحب طريقتهم في استخدام الكتاب المقدس لدعم أفكارهم... فانا اعرف هذا الكتاب جيدا ..... ولذلك لم أتحمس لهذا الدين(وكنت في هذا الوقت اعتقد انه هو الإسلام).(1/197)
وبعد ست سنوات انتقلت للعيش في مدينة تكساس .... وبسرعة التحقت لأصبح عضوا في كنيستين هناك و كان يعمل في احد تلك الكنيستين شاب صغير بدون خبرة في حين أن
خبرتي في النصرانية كانت قد بلغت مبلغا كبيرا وفوق المعتاد أيضا ...
وفي الكنيسة الأخرى التي كنت عضوا فيها كان هناك قسيس كبير في السن ورغم ذلك لم يكن يمتلك المعرفة التي كنت أنا امتلكها عن الكتاب المقدس ولذلك فضلت الخروج منها حتى لا تحصل مشاكل بيني وبينه ...
عندها انتقلت للعمل في كنيسة أخرى ........ في مدينة أخرى وكان القائم على تلك الكنيسة رجل محنك وخبير وعنده علم غزير ... وعنده طريقة مدهشة في التعليم ...... ورغم انه كان يمتلك أفكارا لا أوافقه عليها إلا انه كان في النهاية شخص يمتلك القدرة على كسب الأشخاص.في هذا الوقت بدأت اكتشف أشياء لم أكن اعلمها بالكنيسة وجعلتني أفكر فيما أنا فيه من دين...!!!
مرحبا بكم في عالم الكنيسة الحقيقي :
بسرعة اكتشفت أن في الكنيسة الكثير من الغيرة وهي شائعة جدا في السلم الكنسي... وأيضا أشياء كثيرة غيرت الأفكار التي كنت قد تعودت عليها ...... على سبيل المثال النساء يرتدين ملابس أنا كنت اعتبرها مخجلة ........ والكل يهتم بشكله من اجل لفت الانتباه ... لا أكثر ...للجنس الآخر !!
الآن اكتشفت كيف أن المال يلعب لعبة كبرى في الكنائس
لقد اخبروني انه الكنيسة إذا لم تكن تملك العدد المحدد من الأعضاء فلا داعي أن تضيع وقتك بها لأنك لن تجد المردود المالي المناسب لذلك .......... عندها أخبرتهم أني هنا لست من اجل المال... وانأ مستعد لعمل ذلك بدون أي مقابل ... وحتى لو وجد عضو واحد فقط...!!
هنا بدأت أفكر بهؤلاء الذي كنت أتوسم فيهم الحكمة كيف أنهم كانوا يعملون فقط من اجل المال!!
لقد اكتشفت أن المال والسلطة والمنفعة كانت أهم لديهم من تعريف الناس بالحقيقة ...(1/198)
هنا بدأت أسأل هؤلاء الأساتذة بعض الأسئلة ولكن هذه المرة بشكل علني في وقت المحاضرات .... كنت أسألهم كيف ليسوع أن يكون هو الرب؟؟.... وأيضا في نفس الوقت روح القدس والآب والابن ووو... الخ... ولكن لا جواب!!
كثير من هؤلاء القساوسة والوعاظ كانوا يقولون لي أنهم هم أيضا لا يعرفون كيف يفسرونها لكنهم في نفس الوقت يعتقدون أنهم مطالبون بالإيمان بها !!
وكان اكتشاف الحجم الكبير من حالات الزنا والبغاء في الوسط الكنسي وأيضا انتشار المخدرات وتجارتها فيما بينهم وأيضا اكتشاف كثير من القساوسة الشواذ جنسيا أدى بي إلى تغيير طريقة تفكيري والبحث عن شيء آخر ولكن ماهو ؟
وفي تلك الأيام استطعت أن احصل على عمل جديد في المملكة العربية السعودية ...
بداية جديدة :
لم يمر وقت طويل حتى لاحظت الأسلوب المختلف للحياة لدى المسلمين.....كانوا مختلفين عن أتباع "اليجه محمد" العنصريين الذين لا يقبلون إلا السود ...
الإسلام الموجود في السعودية يضم كافة الطبقات ...وكل الأعراق ...عندها تولدت لدي رغبة قوية في التعرف على هذا الدين المميز...
كنت مندهشا لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم وكنت أريد أن اعرف المزيد ........طلبت مجموعة من الكتب من أحد الإخوان الذي كان نشطا في الدعوة إلى الإسلام .......... كنت أحصل على جميع الكتب التي كنت اطلبها ....قرأتها كلها بعدها أعطوني القران الكريم وقمت بقراءته عدة مرات .....خلال عدة أشهر ...سالت أسئلة كثيرة جدا وكنت دائما أجد جوابا مقنعا .....الذي زاد في إعجابي هو عدم إصرار الشخص على الإجابة ...... بل انه إن لم يكن يعرفها كان ببساطة يخبرني انه لا يعرف وانه سوف يسال لي عنها ويخبرني في وقت لاحق !!
وكان دائما في اليوم التالي يحضر لي الإجابة .... وأيضا مما كان يشدني في هؤلاء الناس المحيرين هو اعتزازهم بأنفسهم !!(1/199)
كنت أصاب بالدهشة عندما أرى النساء وهن محتشمات من الوجه إلى القدمين !لم أجد سلم ديني أو تنافس بين الناس المنتسبين للعمل من اجل الدين كما كان يحدث في أمريكا في الوسط الكنسي هناك ....... كل هذا كان رائعا ولكن كان هناك شيء ينغص علي وهو كيف لي أن اترك الدين الذي نشئت عليه ؟؟ كيف اترك الكتاب المقدس؟؟ كان عندي اعتقاد انه به شيء من الصحة بالرغم من العدد الكبير من التحريفات والمراجعات التي حصلت له .... عندها تم إعطائي شريط فيديو فيه مناظرة اسمها "هل الإنجيل كلمة الله" وهي بين الشيخ احمد ديدات وبين جيمي سواغرت...وبعدها على الفور أعلنت إسلامي!!!!!! لمشاهدة تلك المناظرة المثيرة أو سماعها يمكنك تحميلها من الوصلة التالية :
http://www.islam.org/audio/ra622_4.ram
بعدها تم اخذي إلى مكتب الشيخ عبدالعزيز بن باز لكي أعلن الشهادة وقبولي بالإسلام ... وتم إعطائي نصيحة عما سوف أواجهه بالمستقبل ....أنها في الحقيقة ولادة جديدة لي بعد ظلام طويل. كنت أفكر بماذا سوف يقول زملائي في الكنيسة عندما يعلمون بخبر اعتناقي للإسلام؟؟
لم يكن وقت طويل لأعلم . بعد أن عدت للولايات المتحدة الأمريكية من اجل الإجازة أخذت الانتقادات تضربني من كل جهة على ما أنا عليه من "قلة الإيمان " على حد قولهم !!
واخذوا يصفوني بكل الأوصاف الممكنة..... مثل الخائن والمنحل أخلاقيا ...... وكذلك كان يفعل رؤساء الكنيسة .... ولكني لم أكن اعبأ بما كانوا بقولون لأني أنا الآن فرح ومسرور بما انعم الله علي به من نعمة وهي الإسلام ...
أنا الآن أريد أن أكرس حياتي لخدمة الإسلام كما كنت في المسيحية. ولكن الفرق أن الإسلام لايوجد فيه احتكار للتعليم الديني بل الكل مطالب أن يتعلم ......(1/200)
تم إهدائي صحيح مسلم من قبل مدرس القران .. عندها اكتشفت حاجتي لتعلم سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ... وأحاديثة وما عمله في حياته ...... فقمت بقراءة الأحاديث المتوفرة باللغة الانجليزية بقدر المستطاع ...
أيضا أدركت أن خبرتي بالمسيحية نافعة جدا لي في التعامل مع النصارى ومحاججتهم...
حياتي تغيرت بشكل كامل . واهم شيء تعلمته أن هذه الحياة إنما هي تحضيرية للحياة الأخروية
وأيضا مما تعلمته أننا نجازى حتى بالنيات ... أي انك إذا نويت أن تعمل عملا صالحا ولم تقدر أن تعمله لظرف ما ... فان جزاء هذا العمل يكون لك ....وهذا مختلف تماما عن النصرانية....
الآن من أهم أهدافي هو تعلم اللغة العربية وتعلم المزيد عن الإسلام . وأنا الآن أعمل في حقل الدعوة لغير المسلمين ولغير الناطقين بالعربية..... وأريد أن اكشف للعالم التناقضات والأخطاء والتلفيقات التي يحتويها الكتاب الذي يؤمن به الملايين حول العالم (الكتاب المقدس للنصارى)
وأيضا هناك جانب إيجابي مما تعلمته من النصرانية انه لا يستطيع احد أن يحاججني لأني اعرف معظم الخدع التي يحاول المنضرون استخدامها لخداع النصارى وغيرهم من عديمي الخبرة ....
أسال الله أن يهدينا جميعا إلى سواء الصراط "
جزاه الله خيرا وهذا الكلام لا يصدر في الحقيقة إلا من رجل صادق عرف الله فامن به ... ومن ثم كبر الإيمان في قلبه ... حتى أصبح هدفه هو هداية الناس جميعا !!!
وهذا الرجل تنطبق عليه الآية الكريمة التالية : " لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ *(1/201)
وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ *
وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ " سورة المائدة اية82-84
***
33- حكاية فوزية النيجيرية
البرق يجلد هضبة (بوتشي) النيجيرية بقسوة، فتهمي دموع السماء، الكون قد التحف عباءته السوداء، ونجوم تحاول أن تومض من وراء السحب الداكنة وفي الدرب الموحل تمشي فتاة تشارك السماء البكاء، قد تورمت عيناها، واخضر وجهها من الركلات، وذئاب بشرية تدعوها للمبيت مصحوبة بابتسامات لزجة شيطانية.
ما قصة الفتاة؟
أجابني الشاب النحيل (أبو بكر) المولع بطرح العلامة "ديدات": "سأخبرك كل شيء، لكن أولا لنحتمي من المطر تحت شجرة البابايا".
وفعلا جلسنا تحتها، وأبحرت مع حديثه الشيق باللغة العربية المختلطة بالإنجليزية: "يا صديقي لا أنسى ذلك اليوم الذي كنت أصلي بعمال البناء في مشروع دار المهتدين الجدد، شيء بارد التصق بصدغي، وصوت أجش مرعب يخاطبني، وهو يلكزني بفوهة بندقيته القديمة: (سأقتلك لو أسلمت ابنتي.. أتسمع)، تعرفت على الصوت بسهولة فمن لا يعرف قس المدينة، حقيقة يا أستاذ أنا لم أتعرض لها بالدعوة مطلقا، لكنها رحمات الله يسوقها للحائرين، كنت أشرف على المشروع، وإذا بفتاة تسألني من خلفي:
أنت أفريقي، لماذا صلاتك مختلفة عنا؟
فأخبرتها: إنني مسلم.
ضحكت وقالت: مسلم الذي يتزوج أربع نسوة!! وتغطون المرأة بأقمشة كأنها مصابة بداء الفيل، فتخجلون أن ينظر البشر لنسائكم !! ثم ضحكت.
قطعت حديثه: وماذا فعلت حيال هذه الإهانات المتوالية؟(1/202)
ابتسم أبو بكر -فلمعت أسنانه البيضاء-: "لم أنفجر كما انفجرت بالطبع، بل رددت بكل هدوء، أقل شيء نحن نحترم نساءنا، فلا يخرجن للجري وراء لقمة العيش، هن ملكات عندنا تلعثمت الفتاة ورجعت لبيتها المواجه لمشروع دار المهتدين الجدد، وتتابعت الأيام وتحولت النقاشات المستفزة إلى حوارات هادئة، وتحولت الكلمات إلى تيار يسري بالنفوس فيهزها هزا، وتحولت العبارات إلى قناعات، ومن ثم تحولت القناعات إلى فعل وإرادة وإسلام".
هتفت فرحا: أسلمتْ؟!
فرد بكل هدوئه المعتاد: "بالطبع، لقد مكثتْ تناقشني طويلا، ربما أشهر، لا تنس أنها معتادة أن تأتي يوميا لمكان المشروع لبيع (الويكة) والرز المطبوخ باللبن لعمالنا، وكانت تستثمر فترة الظهيرة في المناقشات والأسئلة، كنت أظن أن أسئلتها لن تنتهي مطلقا، وكنت بين الحين والحين أترقب ظهور والدها ليفي بوعده وينهي حياتي، كما أخبرني سابقا، نعم أسلمت الفتاة وتلقت -وما زالت تتلقى- من الإهانات والذل من أبيها ما لا يحتمله بشر. لا تنس أن أباها قس المدينة وراهبها.
سألته: ولكن ما الذي يجبرها على الخروج تلك الساعة تحت هذه الأمطار بهذه الهيئة؟
هنا تنبهنا أنه كان من واجبنا أن نستوقفها ونسألها، حاولنا اللحاق بها لكننا لم نستطع تتبع آثارها تحت هذا المطر الاستوائي العنيف.
في اليوم التالي عرفنا أنها خرجت من بيتها مطرودة من أبيها القس، واحتارت الفتاة أين تذهب، وأين تبيت الليلة المؤلمة تلك، فإذا بها ترى أذرعا دافئة مشرعة نحوها، لقد أبصرت من بعيد مئذنة جامع البيان، ففرحت وعدت ذلك بمثابة الحفظ الإلهي لها -على حد قولها-باتت بالمسجد، وحين أصبح الصباح وجدها الشيخ سليمان، فأرسلها لبيته، أخبرها أنها من الآن هي أخت لنا جميعا، وأسر لأهل بيته بالعناية بها وتحملها مهما فعلت.(1/203)
ومكثت الفتاة مع زوجة الشيخ سليمان أياما طوالا، وأبصرت عن قُرب كيف هي حياة المسلمين، فازدادت قناعتها بالإسلام، لكن الأيام ليست متشابهة، فقد جُن جنونُ والدها وأخذ يبحث عنها، واستغل شياطين الإنس، فأضرموا الشر في قلبه حتى غدا كنيران النمرود التي أشعلها ليحرق سيدنا إبراهيم عليه السلام، جاء بعدده وعتاده وببندقيته القديمة، وحاصر منزل الشيخ سليمان، وهدد بحرق المنزل بمن فيه إن لم تخرج ابنته، أما أنا فقد طالبني المسلمون بالمدينة بالاختباء، فلو وجدني لجعل دمي يسيل في قُداس الأحد بكنيستهم.
خرج الشيخ سليمان النحيل كالغزال، وأخبره أن ابنته لم يمسسها سوء، فطلب رؤيتها فخرجت له، فارتاح حين رآها بخير، وطلب منها أن تصحبه للمنزل، فرفضت لأنها تعلم ما ستجد هناك، فاستشاط غضبا، وبدأ من حوله بإضرام النيران، وفي الوقت الحرج جاءت الشرطة وفرقت الجموع.
طلب الأب من السلطات أن ترجع ابنته لمنزلها، فرفضت، وعين المسلمون لها محاميا ليدافع عنها، وحكم القانون: أن الفتاة راشدة ويحق لها أن تختار الديانة التي تقتنع بها، ولها حرية تقرير حياتها كيف ستكون.
سارت الجموع المسلمة بالمدينة بعد نهاية القضية تهتف:
(فوزية منا، فوزية أختنا، فوزية مسلمة).
ربما تضحك، لكن أرجو ألا يغيب عن ذهنك الحماسة الدينية لدينا نحن الأفارقة.
غطت الحدث وسائل الإعلام بالمدينة، لكن حكمة الشيخ سليمان جاءت كالبلسم على قلب والدي الفتاة، حيث استضافهما في بيته، وأكرمهما، وجاء لهما بابنتهما ليرياها، وخير الفتاة حينها أن ترجع مع والديها أو أن تبقى لديه مع أبنائه.
قد لا تشعر بمدى تأثير هذا الموقف على والدها القس وأمها، فقد قفز والدها ليعانق الشيخ سليمان، وبكت الأم كثيرا، وعلموا أن الإسلام سلام ورحمة، ليس كما يظنون أنه إرهاب وزواج من أربع نساء!!!.(1/204)
عادت فوزية لمنزل والدها مكرمة مصونة، بحجابها عادت، بعزتها عادت، بإيمانها الذي يملأ قلبها عادت، فائزة بهداية الله، وبحب المسلمين لها.
لذا أسماها المسلمون هنا: فوزية.
***
34- حوار مع مهتدية جديدة إلى الإسلام
هذا حوار أجراه بعض منتديات الحوار النسائية مع مهتدية جديدة إلى الإسلام تبين فيه كيف أنها لبست الحجاب قبل إسلامها ؟ وكيف أسلمت ؟ وما الذي جذبها إلى الإسلام ؟
أجرى المحاور ركن الأخوات في منتديات طريق الإسلام النسائية :
لقد قمنا بإجراء لقاء مع "دَيْم ستجيرنيلز" وهي أم لطفل واحد وتبلغ من العمر 25 سنة تعيش في الدنمرك، وهي في الأصل من بولندا. ولقد تنقلت عبر ستة ديانات محاوِلة البحث والعيش بروح هنيئة آمنة .
ركن الأخوات: دَيْم: هل والداك هم من رباك؟ وما هي الديانة التي رُبيت عليها، والبيئة التي نشأت فيها ؟
دَيْم: كان والدي اثنيهما كاثوليكيين. ولقد انفصلا حينما كنت أبلغ 3 سنوات. ربتني أمي على الكاثوليكية إلى أن تزوجَت من رجل بروتستنتي حينما كنت في سن 12 سنة.
لقد أجبراني على الذهاب إلى الكنائس النصرانية المحافظة إلى أن بلغ سني 19 وتركت المنزل.
لم أعتقد أبدًا بصحة الكاثوليكية ، وبالحقيقة تم طردي من الدروس التعليمية بسبب طرحي لأسئلة "خاطئة"! واستمر هذا الحال معي معظم أيام شبابي. وحينما كنت في الكنائس النصرانية المحافظة حدث الأمر نفسه. والأمر المحزن هو أنني كنت أصلا ملحدة . بل إن معظم هؤلاء النصارى (بعضهم كان يدعي أنه يملك نبوة ورؤية مقدسة) لم يستطيعوا فهم الأمر ! اكتشفت أن كل ما على المرء ليصبح نصرانيًا هو أن يقول الكلمات الصحيحة و يستطيع أن يقتبس من الإنجيل في كل وقت، أما الإيمان فبالحقيقة ليس بالأمر الهام.
كانت حياتي العائلية رائعة بحق طيلة الاثني عشر سنة الأولى من حياتي. كنت قريبة من جميع أفراد عائلتي (باستثناء أبي الذي كان وما زال سكّيرا ).(1/205)
الرجل الذي تزوجته أمي حينما بلغت 12 سنة كان يستغلها ماديًا، ومعنويا، وكلاميًا طيلة علاقتهما.
لقد استغلني ماديًا ( لكنني كنت أنتقم فتوقف ذلك ) . استغلني كلاميًا ومعنويًا إلى أن تركت المنزل . استغلني جنسيًا مرة واحدة حينما كان سني 14 سنة حينما كان يتناول المخدرات بشكل كبير . أما بخصوص أبي ، فقد انقطع التواصل بيننا منذ أن كنت بعمر 12 سنة حتى بلغت 18 سنة ، وكان هذا باختياري الشخصي ؛ حيث أنني لم أرغب في أن أقضي وقتي مع شخص يفضّل الخمر على ابنته . بعد ذلك حاولت أن أنشأ علاقة بيننا خلال سنيّ عمري بين 18 و 22 سنة . لكن هذا لم ينفع لأنه كذب علي بخصوص توقفه عن شرب الخمر ، وكان ينظر إلي كصديق شارب للخمر. حدثت كثير من الأحيان أنني حينما كنت أزوره كان يتظاهر بسقايتي الكحول بالرغم أنها حقيقة كانت ماءًا.
ركن الأخوات: نسأل الله أن ينعم عليك بحياة سعيدة وآمنة إلى الأبد.
دَيْم: ما هي الديانات التي مررت بها قبل إيمانكِ بالإسلام ؟
دَيْم: ابتدأت ككاثوليكية ، لكنني لم أؤمن بها . قضيت عمري ما بين 12-14 معتنقة الـ "الويكا" [الويكا: ديانة ذات طبيعة شركية وثنية مستمدة من عدة معتقدات ما قبل النصرانية في الغرب الأوروبي. والإله الأساسي عندهم هي آلهة الأم، وهذه الديانة تستخدم السحر العشبي وبعض العرافة.]
لكنني لم أشعر بالراحة، فاتجهت إلى الوثنية الشركية حينما كنت ما بين 14-17. نعم مارست السحر. ولن أقول إن كان "أبيضًا" أو "أسودًا" بما أنني كنت أعتقد بأن السحر بذاته كان حياديًا وكان يعتمد إيجابًا أو سلبًا على نية الشخص نفسه.(1/206)
لم يكن يعجبني ذلك، لذا دخلت في الـ "ثيلما" لبضعة أشهر [الثيلما: ديانة فلسفية، تؤمن بأن معرفة وتحقيق رغبة الشخص الحقيقية هي الهدف الأسمى وواجب كل مخلوق]. أيضا لم يعجبني ذلك، لذا جربت "عبادة الشيطان" الشركية لعام . لم يعجبني ذلك فتحولت إلى ديانة إغريقية إلى أن أصبحت مسلمة حينما بلغت 24 سنة.
ركن الأخوات: لقد انضممت إلى منتديات ركن الأخوات الإنجليزي بتاريخ 19 يوليو 2003م ، وأصدقكِ القول بأن فريق المشرفات أصابتهم الصدمة حينما قمت بتاريخ 13 نوفمبر بإرسال موضوع في "ساحة الحجاب" جاء فيه التالي:
"أنا لست مسلمة، لست أرثوذكسية، لست يهودية، ولست نصرانية. لكني أرتدي الحجاب.
هل ألاقي نظرات غريبة أحيانا ؟
نعم..
هل أسمح لذلك بأن يزعجني؟
لا.."
كانت صدمتنا لأنك -كما جاء في موضوعكِ- لست أرثوذكسية ، لست يهودية، ولست نصرانية . لكنكِ كنت ترتدين الحجاب ! إذا كنت نصرانية وترتدين الحجاب فكنا سنتفهم ونقبل الأمر بما أن الراهبات يغطين شعورهن. لماذا اتخذت قرارًا كهذا ؟
دَيْم: لقد قررت ارتداء الحجاب لأني كنت شغوفة بمعرفة كيف سيكون الأمر. وبالأخذ بعين الاعتبار بأني من أصل بولندي، فلقد تعودت على لبس غطاء الرأس في اللبس البابوشكي (بما أن معظم النساء في عائلتي يفعلن ذلك). ومع ذلك كنت أعلم بأن الحجاب كان مختلفًا لأنه كان أكثر من مجرد غطاء، كان رمزًا كاملا للباس. لذا؛ فكرت بأن أرتديه . لكن قبل ذلك تحدثت مع مسلمات على شبكة الإيمان Belief Net وبشكل شخصي كي أتأكد بأن ذلك لن يؤذي أو يجرح مشاعر أحد.
ذهبت إلى متجر إسلامي واشتريت عباءة وغطاء رأس وخرجت أمام الملأ.
شعرت بسبب الحجاب بالحرية بكل ما تعني الكلمة ! أعجبني أن جسمي كان للمرة الأولى خاصًا بي فقط؛ لم يستطع أي أحد أن ينظر إلى أجزاء جسدي ويقيّمني اعتمادًا عليها.(1/207)
أعجبني كم كنت أشعر بالراحة. وأيضا أعجبني أنني حينما كنت أرتدي الحجاب، كان عقلي صافي البال غير مشغول بالاهتمام بجسدي المادين وكان بإمكاني التركيز على ما يوجد بالداخل.
أيضا أعجبني أنني للمرة الأولى في حياتي أشعر بأني مميزة. شعرت وكأن جسدي كان شيئًا مميزا، فقط لي ولزوجي ليعرف وليطلع ؛ وكان ذلك كنزًا.
ومن تلك الفترة حتى الآن، لم أخرج من المنزل من غير حجابي . وبما أن الأخوات أخبرنني بأنه من المفيد لي أن أحاول التصرف وفق المنهج الإسلامي أثناء ارتدائي للحجاب ( كي لا ينظر الآخرون إلى أفعالي الكافرة على أنها أفعال شخص مسلم ) وكان ذلك بداية لاهتمام بتعلم الإسلام والتصرفات المقبولة فيه.
وقد وجدت نفسي أتفق كثيرًا مع تعاليم الإسلام ومع ما يعتبره الإسلام مقبولا.
ركن الأخوات: أصدقكِ القول بأننا حينما علمنا بأنكِ تدينين بالدين الإغريقي، دار بين فريق الإشراف نقاش حول ما إذا كان سليمًا أن نتركك تكملين مشاركاتك أم لا. ولكن الحمد لله الذي هدانا لأن نتركك تشاركين على الساحة، لكن بعد أن زدنا من الرقابة على مشاركاتك.
سؤالنا هو: هل شعرت بأي معاملة مختلفة من قِبل أي عضوة أو مشرفة حينما كنت غير مسلمة؟
دَيْم: لم أرَ ولم أشعر بأي معاملة مختلفة. لاحظت بأنني إن ساهمت بمشاركة تخالف الإسلام (بشكل غير متعمد)، أجد إحدى الأخوات تسارع بتصحيحي، أو تسارع إحدى المشرفات بتعديل موضوعي.
وأنا ممتنة من أجل ذلك، وقد ذكرت ذلك عدة مرات على الساحات.
لم أرد أبدًا أن أقول أو أقترح أو أفعل أي شيء في الساحات يكون ضد الإسلام أو مما يتسبب بمشاكل للأخوات في الساحات. لقد ربتني أمي على احترام معتقدات الناس؛ حتى وإن اختلفوا عن معتقدي، وأن أعمل جاهدة على عدم القيام بأي شيء ضدهم مع تواجد أشخاص من أتباع ذلك المعتقد، وأن أعمل جاهدة على التوفيق بين أصحاب المعتقدات المختلفة، وأن أتعلم منهم، وأن أتجنب تماما عمل شيء يتسبب في انحرافهم.(1/208)
لم أشعر أبدًا بأن أحدًا حاسبني، أو عاملني بسوء، أو نظر إلي باحتقار.
ركن الأخوات:
لقد لاحظنا مؤخرًا بأنك حينما التحقت بالساحات لم تظهر من مشاركاتك الرغبة في التعرف على الإسلام، ولقد شعرنا بأنك تريدين أن تكوني محاطة بمسلمات. هل كان شعورنا هذا صحيحًا؟ ولماذا كنت تُعرضين عن أي نقاش حول الأديان خلال الأسابيع الأولى – أو لنقل الأشهر الأولى- وركزت على مواضيع مثل وصفات للطهي والطبخ؟
دَيْم: نعم.. لقد أردت أن أكون مع مسلمات لأني أشعر تجاههن بأقصى درجات الاحترام. أعلم أنني إن كنت في ساحة مع نساء مسلمات، أنه لن تُثار نقاشات تقودني كامرأة متزوجة إلى أمور لا تنبغي.
بالإضافة إلى أنني علمت بأنني إن كنت مع نساء مسلمات لن يتم محاسبتي أو التحدث عني بشكل سيء، أو أن يحاول شخص "بيعي" الإسلام.
وبالرغم من أنني كنت مختلفة بشكل كبير عن الأخوات في الساحة، إلا أنني شعرت بأنني كنت مقبولة بشكل لم أشعر به من قبل.
وشعرت بأن الأخوات هن الأشخاص المناسبين لتعليمي الإسلام والرد على أسئلتي. رغبت بأن أكون مع أناس لا يشربون الخمر، ولا يجوبون الملاهي، ولا يثيرون الحديث حول العلاقات مع الرجال.
وقد وجدت ذلك في ساحات ركن الأخوات.
وقد وجدت بأنه في الوقت الذي اختلفت فيه عقائدنا؛ إلا أننا كنا نشترك بكثير من الأمور وقد شعرت بأنه في سبيل الوصول إلى الحق فإن المسلمين وغير المسلمين بإمكانهم أن يمضوا سويًا.(1/209)
السبب في عدم مناقشتي للدين هو أنني لم أكن أعلم الكثير عن الإسلام ولم أرغب في الحديث عن ديني . كنت قلقلة من أنني إن تحدثت عن دين الإغريقية على الساحات فيمكن أن أتسبب بطريق العمد إلى تشكك أحد المسلمين الجدد ، أو أن تظن الأخوات الملتزمات بدينهن بأنني أريد تسويق وبيع دين الإغريقية لهن. شعرت بأنه من الأفضل أن أتجنب أمور الدين، باستثناء إن كانت معلوماتي من دين الإغريقية (أو من أي الديانات الأخرى التي اعتنقتها سابقًا) مناسبة للطرح.
السبب الرئيسي لطرح مواضيع تتعلق بوصفات الطبخ هو أنني أحب أن أطهو الطعام بجميع طرق بلاد العالم، وقد لاحظت بأن كثيرًا من الأخوات كن يشاركنني في حب الطبخ.
استنتجت بأنه لا يمكنني عمل الكثير لمساعدة الأخوات في طريقهن إلى الإسلام ، لكن يمكنني على الأقل أن أسمّن متاجر كتبهن المطبخية!
ركن الأخوات: بتاريخ 23 أكتوبر قمت بكتابة التالي:
"أنا لم أعد إغريقية الديانة.. استيقظت في ذلك اليوم وذهبت لأتم ابتهالاتي الصباحية.. لكنني لم أستطع فعلها. جلست هناك أفكر مع نفسي حول الهدف من القيام بذلك؛ حيث أن تلك الآلهة لم تكن حاضرة ولم أشعر باتصال معها بعد ذلك."
أعتقد بأن هناك أسباب أخرى جعلتكِ تشعرين بذلك الشعور ، ولم يتم الأمر في ليلة واحدة فقط. ما الذي جعلكِ تشعرين بذلك؟ وما الذي جعلكِ تفكرين بالإسلام في تلك المرحلة؟
دَيْم : شعرت في بعض الأحيان بعدم وجود علاقة أو اتصال بيني وبين الآلهة الإغريقية . كنت أقوم بابتهالاتي، أقدم القرابين، لكن مع ذلك أشعر بالخواء. شعرت بأني لا أملك أي هداية، أي أجوبة أي حب أو دعم شعرت بأن كل شيء قدمته سقط على آذان صمٍّ وأنني بقيت وحيدة.(1/210)
ظننت في البداية بأن السبب هو أنني لم أحاول جاهدة أن أكون متبعة الدين الإغريقي بشكل جيد. لذا؛ ضاعفت جهودي في الصلاة وتقديم القرابين. لكن ذلك لم يحسن شعوري. بعد ذلك جلست وفكرت مليًا بالأمور ، ووصلت إلى إدراك بأن السبب هو أن اعتقادي بهم لم يعد له وجود داخلي ، وأن السبب الوحيد في شعوري السابق هو أنني كنت أعتقد بهم ؛ لكنهم لم يكونوا حاضرين في الحقيقة.
فكرت بالإسلام لأني كنت أتفق معه في كثير من الأمور . لكن كان طبعي العنيد والنظرات البالية تجاه التوحيد يمنعانني من الاعتراف بحقيقة إيماني بالإسلام.
ركن الأخوات:
سبحان الله.. لقد ذكرتيني بكلمات الله تبارك وتعالى:
"يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تُحشرون" [الأنفال 24]
نسأل الله أن يزيد من إيماننا.
ما الشيء الأخير الذي دفعكِ للرجوع إلى الإسلام؟
دَيْم: عندما كنت أرعى ابني نظر إلى الأعلى وقال – بصوت مسموع قليلا- "الله". خرجت وقتها الدموع من عيني، وعلمت يقينًا في ذلك الوقت وذلك المكان بأنه إن كان ابني القاصر، الذي لم يسمع أبدًا اسم "الله" –سبحانه وتعالى- من أي شخص، يمكنه أن ينظر إلى الأعلى ويقول اسم "الله" –سبحانه وتعالى- علمت إذن أن الله حقًا كان هنالك، وأنه سبحانه رحيم، وكأنه سبحانه يرسل لي رسالة بأن علي أن أتخلى عن طبيعتي المعاندة، وأن أقر فورًا بأني أؤمن به سبحانه.
ركن الأخوات: دَيْم: من ضمن النقاط التي أعددناها لطرحها عليكِ في لقائنا هذا هو قضية عدم إسلام زوجك، وحكم الإسلام في علاقة كهذه. لكنني فوجئت بأنه في اليوم الذي كان ينبغي إرسال أسئلة اللقاء إليكِ، كنت قد قرأت موضوعًا لكِ على الساحات تعلنين فيه خبر نطق زوجكِ الشهادة! الله أكبر! كيف حصل هذا؟!(1/211)
دَيْم: جعلته يتصفح المواقع الإسلامية، وأخبرته بأنني أعلم عن الإسلام. أيضا حصل على ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية وقد قرأها. وكلما قرأ ودرس، كلما راق له الأمر أكثر.
وقد ألححت في دعاء الله سبحانه وتعالى بأنه إن كان في قضائه لي بأنني سأبقى مع هذا الرجل الذي عاملني بمنتهى المحبة والاحترام، ألححت في دعائه سبحانه بأن يهديه إلى الإسلام.
وبعدها أخبرني زوجي بأنه يريد أن ينطق الشهادة لأنه اقتنع بصدقٍ بأن الله سبحانه وتعالى حقٌ وأن الإسلام هو الطريق الصحيح للسير فيه.
ركن الأخوات: ما هي مخططاتكِ على المدى القصير والطويل في السنوات القادمة؟
دَيْم: تعلم أمور ديني بشكل أكثر، والاستزادة منه.
ركن الأخوات: باعتقادكِ ماذا يمكنكِ أنتِ وزوجك فعله للإسلام؟
دَيْم: أعتقد بأن ما يمكننا فعله للإسلام قليل نوعًا ما إلى أن يزداد علمنا بالدين.
وحتى نصل تلك المرحلة، الأمر بيد الله من قبل ومن بعد.
ركن الأخوات : باعتقادنا أنكِ حتى الآن قمت بعمل الكثير للإسلام:مشاركتنا قصتك ومساعدة زوجك للرجوع للإسلام، وارتداؤكِ الحجاب، وكونكِ امرأة مهذبة في تصرفاتك وطريقة تفكيرك ! بالحقيقة أنكِ خدمتِ الإسلام.
إنكِ تملكين الكثير من الخبرة وما زلت شابة. وندعو الله أن تتعلمي أكثر فأكثر وتسخّري علمكِ وخبرتكِ في خدمة هذا الدين.
بالتأكيد أن ما يهم هو ليس عدد المسلمين في هذا العالم بقدر ما يهم كم هو عدد المسلمين الفاعلين الملتزمين الذي يخدمون الإسلام.
***
35- صبي نصراني يسلم بنبوءة إنجيلية(1/212)
الطائرة التي أقلتني من جدة متجهة إلى باريس قابلته بعد أن عرفته ، كان قد أرخى رأسه على وسادة المقعد وأراد أن يغفو ، فقلت له : السلام عليكم أبا محمد ، أين أنت يا رجل ، إنها لصدفة جميلة أن ألتقي بك هنا في الطائرة ، ولن أدعك تنام فليس هناك وقت للنوم ، ألا ترى هؤلاء المضيفين والمضيفات يحتاجون إلى دعوة ونصح وإرشاد ، قم وشمر عن ساعد الجد لعل اللّه أن يهدي أحدهم على يدك فيكون ذلك خيراً لك من حمر النعم ، ألسنا أمة داعية ؟! لم النوم ؟!! قم لا راحة بعد اليوم !! فرفع الرجل بصره وحدق بي ، وما أن عرفني حتى هب واقفاً وهو يقول : دكتور سرحان غير معقول !! لا أراك على الأرض لأجدك في السماء ، أهلاً أهلاً ، لم أكن أتوقع أن أراك على الطائرة ، ولكنك حقيقة كنت في بالي ، فقد توقعت أن أراك في فرنسا أو جنوب إفريقيا .. ألا زلت تعمل هناك مديراً لمكتب الرابطة ! ولكن أخبرني ما هذه اللحظات الجميلة التي أراك واقفاً فيها أمامي في الطائرة !! إنني لا أصدق عيني ..
- صدق يا أخي صدق ألا تراني أقف أمامك بشحمي ولحمي ، بم كنت تفكر أراك شارد الذهن .
- نعم كنت أفكر في ذلك الطفل ذي العشر سنوات الذي قابلته في جوهانسبرج ، والذي أسلم ولم يسلم والده القسيس .
- ماذا طفل أسلم ووالده قسيس .. قم .. قم حالاً وأخبرني عن هذه القصة ، فإنني أشم رائحة قصة جميلة ، قصة عطرة ، هيا بربك أخبرني .
- إنها قصة أغرب من الخيال ولكن اللّه سبحانه وتعالى إذا أراد شيئاً فإنه يمضيه ، بيده ملكوت كل شيء سبحانه يهدي من يشاء ويضل من يشاء .(1/213)
وإليك القصة : كنت في مدينة جوهانسبرج وكنت أصلي مرة في مسجد ، فإذا بطفل عمره عشر سنوات يلبس ثياباً عربية ، أي ثوباً أبيض وعباءة عربية خليجية تحملها كتفاه ، وعلى رأسه الكوفية والعقال ، فشدني منظره فليس من عادة أهل جنوب أفريقيا أن يلبسوا كذلك فهم يلبسون البنطال والقميص ويضعون كوفية على رؤوسهم أو أنهم يلبسون الزي الإسلامي الذي يمتاز به مسلمو الهند والباكستان ، فمر من جانبي وألقى علي تحية الإسلام فرددت عليه التحية وقلت له : هل أنت سعودي ؟!!
فقال لي : لا ، أنا مسلم أنتمي لكل أقطار الإسلام .. فتعجبت وسألته : لماذا تلبس هذا الزي الخليجي ؟!؟ فرد علي : لأني أعتز به فهو زي المسلمين .. فمر رجل يعرف الصبي وقال : اسأله كيف أسلم ؟! فتعجبت من سؤال الرجل بأن أسأل الغلام كيف أسلم .. فقلت للرجل : أو ليس مسلماً ؟!!(1/214)
ثم توجهت بسؤال للصبي : ألم تكن مسلماً من قبل ؟! ألست من عائلة مسلمة ؟! ثم تدافعت الأسئلة في رأسي ، ولكن الصبي قال لي : سأقول لك الحكاية من بدايتها حتى نهايتها ، ولكن أولاً قل لي من أين أنت ؟ فقلت : أنا من مكة المكرمة !! وما أن سمع الطفل جوابي بأني من مكة المكرمة حتى اندفع نحوي يريد معانقتي وتقبيلي وأخذ يقول : من مكة!! من مكة!! وما أسعدني أن أرى رجلاً من مكة المكرمة بلد اللّه الحرام ، إني أتشوق لرؤيتها .. فتعجبت من كلام الطفل وقلت له : بربك أخبرني عن قصتك .. فقال الطفل : ولدت لأب كاثوليكي قسيس يعيش في مدينة شيكاغو بأمريكا ، وهناك ترعرعت وتعلمت القراءة والكتابة في روضة أمريكية تابعة للكنيسة ، ولكن والدي كان يعتني بي عناية كبيرة من الناحية التعليمية فكان دائماً ما يصحبني للكنيسة ويخصص لي رجلاً يعلمني ويربيني ، ثم يتركني والدي في مكتبة الكنيسة لأطالع المجلات الخاصة بالأطفال والمصبوغة بقصص المسيحية ..(1/215)
وفي يوم من الأيام بينما كنت في مكتبة الكنيسة امتدت يدي إلى كتاب موضوع على أحد أرفف المكتبة ، فقرأت عنوان الكتاب فإذا به كتاب الإنجيل وكان كتاباً مهترئاً ، ولفضولي أردت أن أتصفح الكتاب وسبحان اللّه ما أن فتحت الكتاب حتى سقطت عيناي (ومن أول نظرة) على سطر عجيب فقرأت آية تقول : وهذه ترجمتها بتصرف : (وقال المسيح : سيأتي نبي عربي من بعدي اسمه أحمد) ، فتعجبت من تلك العبارة وهرعت إلى والدي وأنا أسأله بكل بساطة ولكن بتعجب : والدي والدي أقرأت هذا الكلام في هذا الإنجيل ؟!! فرد والدي : وما هو ؟ فقلت : هنا في هذه الصفحة كلام عجيب يقول المسيح فيه إن نبياً عربياً سيأتي من بعده ، من هو يا أبي النبي العربي الذي يذكره المسيح بأنه سيأتي من بعده ؟ ويذكر أن اسمه أحمد ؟ وهل أتى أم ليس بعد يا والدي ؟ فإذا بالقسيس يصرخ في الطفل البريء ويصيح فيه : من أين أتيت بهذا الكتاب ؟! - من المكتبة يا والدي ، مكتبة الكنيسة ، مكتبتك الخاصة التي تقرأ فيها .
- أرني هذا الكتاب ، إن ما فيه كذب وافتراء على السيد المسيح . - ولكنه في الكتاب ، في الإنجيل يا والدي ، ألا ترى ذلك مكتوباً في الإنجيل .(1/216)
- مالك ولهذا فأنت لا تفهم هذه الأمور أنت لا زلت صغيراً ، هيا بنا إلى المنزل ، فسحبني والدي من يدي وأخذني إلى المنزل وأخذ يصيح بي ويتوعدني وبأنه سيفعل بي كذا وكذا إذا أنا لم أترك ذلك الأمر ، ولكنني عرفت أن هناك سراً يريد والدي أن يخفيه علي ، ولكن اللّه هداني بأن أبدأ البحث عن كل ما هو عربي لأصل إلى النتيجة ، فأخذت أبحث عن العرب لأسألهم فوجدت مطعماً عربياً في بلدتنا ، فدخلت وسألت عن النبي العربي ، فقال لي صاحب المطعم : اذهب إلى مسجد المسلمين ، وهناك سيحدثونك عن ذلك أفضل مني ، فذهب الطفل للمسجد وصاح في المسجد : هل هناك عرب في المسجد ؟! فقال له أحدهم : ماذا تريد من العرب ؟! فقال لهم : أريد أن أسأل عن النبي العربي أحمد ؟ فقال له أحدهم : تفضل اجلس وماذا تريد أن تعرف عن النبي العربي ؟! قال : لقد قرأت أن المسيح يقول في الإنجيل الذي قرأته في مكتبة الكنيسة أن نبياً عربياً اسمه أحمد سيأتي من بعده ، فهل هذا صحيح ؟! قال الرجل : هل قرأت ذلك حقاً ؟! إن ما تقوله صحيح يا بني ونحن المسلمون أتباع النبي العربي محمد صلى اللّه عليه وسلم ولقد ذكر قرآننا مثل ما ذكرته لنا الآن . فصاح الطفل وكأنه وجد ضالته : أصحيح ذلك ؟!! - نعم صحيح ، انتظر قليلاً ، وذهب الرجل واحضر معه نسخة مترجمة لمعاني القرآن الكريم وأخرج الآية من سورة الصف التي تقول : { ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} . فصاح الطفل : أرني إياها ، فأراه الرجل الآية المترجمة فصاح الطفل : يا إلهي كما هي في الإنجيل ، لم يكذب المسيح ، ولكن والدي كذب علي كيف أفعل أيها الرجل لأكون من أتباع هذا النبي (محمد صلى اللّه عليه وسلم). فقال : أن تشهد أن لا اله إلا اللّه وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن المسيح عيسى بن مريم عبده ورسوله .(1/217)
فقال الطفل : أشهد أنه لا إله إلا اللّه وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبده ورسوله بشر بهذا النبي محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ما أسعدني اليوم سأذهب لوالدي وأبشره ، وانطلق الطفل فرحاً لوالده القسيس.
- والدي والدي لقد عرفت الحقيقة ، إن العرب موجودون في أمريكا والمسلمين موجودون في أمريكا ، وهم أتباع محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ولقد شاهدت القرآن عندهم يذكر نفس الآية التي أريتك إياها في الإنجيل ، لقد أسلمت ، أنا مسلم الآن يا والدي ، هيا أسلم معي لابد أن تتبع هذا النبي محمد صلى اللّه عليه وسلم ، هكذا أخبرنا عيسى في الإنجيل .
فإذا بالقسيس وكأن صاعقة نزلت على رأسه ، فسحب ابنه الصغير وأدخله في غرفة صغيرة وأغلق عليه الباب ساجناً إياه ، وطلب بعدم الرأفة معه ، وظل في السجن أسابيع يؤتى إليه بالطعام والشراب ثم يغلق عليه مرة أخرى ، وعندما خاف أن يفتضح أمره لدى السلطات الحكومية - بعد أن أخذت المدرسة التي يدرس فيها الابن تبعث تسأل عن غياب الابن - وخاف أن يتطور الأمر وقد يؤدي به إلى السجن ، ففكر في نفي ابنه إلى تنزانيا في أفريقيا حيث يعيش والدا القسيس ، وبالفعل نفاه إلى هناك وأخبر والديه بأن لا يرحموه إذا ما هو عاد لكلامه وهذيانه كما يزعمون ، وأن كلفهم الأمر بأن يقتلوه فليقتلوه هناك ، ففي إفريقيا لن يبحث عنه أحد !!(1/218)
سافر الطفل إلى تنزانيا ولكنه لم ينس إسلامه وأخذ يبحث عن العرب والمسلمين حتى وجد مسجداً فدخله وجلس إلى المسلمين وأخبرهم بخبره فعطفوا عليه وأخذوا يعلمونه الإسلام ولكن الجد اكتشف أمره فأخذه وسجنه كما فعل والده من قبل ، ثم أخذ في تعذيب الغلام ولكنه لم ينجح في إعادة الطفل عن عزمه ولم يستطع أن يثنيه عما يريد أن يقوم به ، وزاده السجن والتعذيب تثبيتاً وقوة للمضي فيما أراد له اللّه وفي نهاية المطاف أراد جده أن يتخلص منه ، فوضع له السم في الطعام ولكن اللّه لطف به ولم يقتل في تلك الجريمة البشعة ، فبعد أن أكل قليلاً من الطعام أحس أن أحشاءه تؤلمه فتقيأ ثم قذف بنفسه من الغرفة التي كان بها إلى شرفة ومنها إلى الحديقة التي غادرها سريعاً إلى جماعة المسجد الذين أسرعوا بتقديم العلاج اللازم له حتى شفاه اللّه سبحانه وتعالى ، بعدها أخبرهم أن يخفوه لديهم ثم هربوه إلى أثيوبيا مع أحدهم فأسلم على يده في أثيوبيا عشرات من الناس دعاهم إلى الإسلام !! فقال أبو محمد.(1/219)
قال لي الغلام : ثم خاف المسلمون علي فأرسلوني إلى جنوب إفريقيا ، وها أنذا هنا في جنوب أفريقيا ، أجالس العلماء وأحضر اجتماعات الدعاة أين ما وجدت ، وأدعو الناس للإسلام هذا الدين الحق دين الفطرة ، الدين الذي أمرنا اللّه أن نتبعه ، الدين الخاتم ، الدين الذي بشر به المسيح عليه السلام بأن النبي محمد سيأتي من بعده وعلى العالم أن يتبعه ، إن المسيحيين لو اتبعوا ما جاء في المسيحية الحقيقية ، لسعدوا في الدنيا والآخرة ، فها هو الإنجيل غير المحرف الذي وجدته في مكتبة الكنيسة بشيكاغو يقول ذلك ، لقد دلني اللّه على ذلك الكتاب ومن أول صفحة أفتحها وأول سطر أقرأه تقول لي الآيات : (قال المسيح إن نبياً عربياً سيأتي من بعدي اسمه أحمد) يا إلهي ما أرحمك ما أعظمك هديتني من حيث لا أحتسب وأنا ابن القسيس الذي ينكر ويجحد ذلك !! لقد دمعت عيناي يا دكتور وأنا أستمع إلى ذلك الطفل الصغير المعجزة ، في تلك السن الصغيرة يهديه اللّه بمعجزة لم أكن أتصورها ، يقطع كل هذه المسافات هارباً بدينه ، لقد استمعت إليه وصافحته وقبلته وقلت له بأن اللّه سيكتب الخير على يديه إن شاء اللّه ، ثم ودعني الصغير وتوارى في المسجد ، ولن أنسى ذلك الوجه المشع بالنور والإيمان وجه ذلك الطفل الصغير ، الذي سمى نفسه محمداً . فقلت لأبي محمد: لقد أثرت فيّ يا رجل إنها قصة عجيبة ، لقد شوقتني لرؤية هذا الطفل الصغير ولم أكمل كلامي حتى سمعت صوت المضيف يخبرنا أن نلزم أماكننا فلقد قرب وصولنا إلى مطار شارل ديجول الدولي في باريس . فجلست في مكاني وأنا أردد : {إنك لا تهدي من أحببت ولكن اللّه يهدي من يشاء} . وسافرت مرة إلى جنوب أفريقيا وصورة الطفل محمد في مخيلتي لم تتركني ، وأخذت أسأل عنه فكانوا يقولون لي إنه كان هنا وسافر إلى مدينة أخرى يدعو الناس إلى اللّه ، وكنت متشوقاً أن ألقاه وسألقاه يوماً إن شاء اللّه ، وإذا طال بنا العمر ، فهل أنتم متشوقون أيضاً ؟!(1/220)
***
26- علي محمد موري ( اليابان )
باحث اجتماعي وواعظ
منذ حوالي ثمانية عشر عاما كنت في منشوريا وكان اليابانيون مسيطرين عليها وكان لقائي الأول مع جماعة مسلمة في صحراء قريبا من بيكنج . كانت التقوى بادية في حياتهم وقد تأثرت بنمط عيشهم وسلوكهم في الحياة وكان هذا الأثر يزداد في نفسي عمقا كلما تعمقت في سفري داخل منشوريا .
وعدت إلى اليابان في صيف سنة 1946م بعد هزيمتها فوجدت الأوضاع قد تبدلت كلية فيها ورأيت تغيرا رهيبا في تفكير الجماهير فالبوذية التي كانت يؤمن بها غالبية اليابانيين قد استشرى فيها الفساد وبعد أن كانت تلهم الناس سبل الخلاص إذا بها تصبح ذات تأثير مضلل في صفوف المجتمع .
وبعد الحرب أخذت المسيحية في الانتشار السريع بين اليابانيين بعد أن ظلت خلال التسعين سنة الأخيرة لا تعدو كونها دينا شكليا فقد بدأ الشباب النقي البسيط يعتنق المسيحية بعد أن فقدوا عواطفهم نحو البوذية ، ولكن سرعان ما خابت ظنونهم ورأوا خلف أستار المسيحية أصابع رأس المال البريطاني والأمريكي وأطماعه , لقد بدأت الشعوب المسيحية تتخلى عن مسيحيتها في بلادهم وها هم الآن يصدرونها إلى خارج بلادهم لخدمة مصالحهم الرأسمالية .
والموقع الجغرافي لليابان بين روسيا من جانب وأمريكا من الجانب الآخر ، يجعل كلا الطرفين يطمع في بسط نفوذه على الشعب الياباني وليس هناك من يستطيع أن يجد دائما حلا دائما موفقا لمشكلة الروحانية المضطربة لدى شعب اليابان .
وفي يقيني أن تعاليم الإسلام وحدها ولا شيء سواها هي التي تقدم ولا ريب الحل الذي طال البحث عنه لا سيما في مبدأ الأخوة في الإسلام الذي ينال مني كل إعجاب فالمسلمون كلهم أخوة , ويأمرهم الله أن يعيشوا في سلام ، وأن تسودهم روح الألفة ، وإنني مؤمن بأن هذا الطراز من الأخوة الحية هو أشد ما يفتقر إليه العالم في يومنا هذا .(1/221)
وفي الصيف الماضي قدم من الباكستان ثلاثة من المسلمين إلى توكوشيما وقد تعلمت منهم الشيء الكثير عن الإسلام ودعوته . ثم حظيت بمعاونة كل من السيدين موتيوالا من كوبا وميتا من طوكيو فاعتنقت الإسلام .
وأخيرا فإنني أتطلع ويحدوني الأمل الواسع إلى أن يأتي يوم تضفي فيه روابط الإسلام روحا جديدة على المسلمين في العالم من كل حدب وصوب وأن تعود هذه الرسالة الربانية لتملأ مسامع الدنيا من جديد وأن تسود كل بقاعها فيصبح كوكبنا الأرضي جنة نعيم تغمر فيها السعادة الحقة خلق الله جميعا ، بالغين في ظلها ما يريد الله لهم من كمال الحياة بشطريها المادي والروحي .
***
37- قصة إسلام غريبة جداً
قد تكون هذه القصة غريبة على من لم يلتقي بصاحبها شخصيًّا ويسمع ماقاله بأذنيه ويراه بأم عينيه فهي قصة خيالية النسج ، واقعية الأحداث ، تجسدت أمام ناظري بكلمات صاحبها وهو يقبع أمامي قاصًّا عليّ ماحدث له شخصيا ولمعرفة المزيد بل ولمعرفة كل الأحداث المشوقة . دعوني اصطحبكم لنتجه سويا إلى جوهانسبرغ مدينة مناجم الذهب الغنية بدولة جنوب أفريقيا حيث كنت أعمل مديرًا لمكتب رابطة العالم الإسلامي هناك.
كان ذلك في عام 1996 وكنا في فصل الشتاء الذي حل علينا قارسا في تلك البلاد ، وذات يوم كانت السماء فيه ملبدة بالغيوم وتنذر بهبوب عاصفة شتوية عارمة ، وبينما كنت أنتظر شخصًا قد حددت له موعدا لمقابلته كانت زوجتي في المنزل تعد طعام الغداء ، حيث سيحل ذلك الشخص ضيفا كريما عليّ بالمنزل .(1/222)
كان الموعد مع شخصية لها صلة قرابة بالرئيس الجنوب أفريقي السابق الرئيس نلسون مانديلا شخصية كانت تهتم بالنصرانية وتروج وتدعو لها .. إنها شخصية القسيس ( سيلي ) . لقد تم اللقاء مع سيلي بواسطة سكرتير مكتب الرابطة عبدالخالق متير حيث أخبرني أن قسيسا يريد الحضور إلى مقر الرابطة لأمر هام.وفي الموعد المحدد حضر سيلي بصحبته شخص يدعى سليمان كان ملاكما وأصبح عضوا في رابطة الملاكمة بعد أن من الله عليه بالإسلام بعد جولة قام بها الملاكم المسلم محمد علي كلاي. وقابلت الجميع بمكتبي وسعدت للقائهم أيما سعادة. كان سيلي قصير القامة ، شديد سواد البشرة ، دائم الابتسام . جلس أمامي وبدأ يتحدث معي بكل لطف . فقلت له : أخي سيلي ، هل من الممكن أن نستمع لقصة اعتناقك للإسلام ؟ ابتسم سيلي وقال : نعم بكل تأكيد . وأنصتوا إليه أيها الإخوة الكرام وركزوا لما قاله لي ، ثم احكموا بأنفسكم .
قال سيلي : كنت قسيسا نشطًا للغاية ، أخدم الكنيسة بكل جد واجتهاد ولا أكتفي بذلك بل كنت من كبار المنصرين في جنوب أفريقيا ، ولنشاطي الكبير اختارني الفاتيكان لكي أقوم بالتنصير بدعم منه فأخذت الأموال تصلني من الفاتيكان لهذا الغرض ، وكنت أستخدم كل الوسائل لكي أصل إلى هدفي. فكنت أقوم بزيارات متوالية ومتعددة ، للمعاهد والمدارس والمستشفيات والقرى والغابات ، وكنت أدفع من تلك الأموال للناس في صور مساعدات أو هبات أو صدقات وهدايا ، لكي أصل إلى مبتغاي وأدخل الناس في دين النصرانية .. فكانت الكنيسة تغدق علي فأصبحت غنيا فلي منزل وسيارة وراتب جيد ، ومكانة مرموقة بين القساوسة . وفي يوم من الأيام ذهبت لأشتري بعض الهدايا من المركز التجاري ببلدتي وهناك كانت المفاجأة !!(1/223)
ففي السوق قابلت رجلاً يلبس كوفية ( قلنسوة ) وكان تاجرًا يبيع الهدايا ، وكنت ألبس ملابس القسيس الطويلة ذات الياقة البيضاء التي نتميز بها على غيرنا ، وبدأت في التفاوض مع الرجل على قيمة الهدايا . وعرفت أن الرجل مسلم ـ ونحن نطلق على دين الإسلام في جنوب أفريقيا : دين الهنود ، ولانقول دين الإسلام ـ وبعد أن اشتريت ماأريد من هدايا بل قل من فخاخ نوقع بها السذج من الناس ، وكذلك أصحاب الخواء الديني والروحي كما كنا نستغل حالات الفقر عند كثير من المسلمين ، والجنوب أفريقيين لنخدعهم بالدين المسيحي وننصرهم ..
- فإذا بالتاجر المسلم يسألني: أنت قسيس .. أليس كذلك ؟
فقلت له : - نعم
فسألني من هو إلهك ؟
فقلت له : - المسيح هو الإله
فقال لي : - إنني أتحداك أن تأتيني بآية واحدة في ( الإنجيل ) تقول على لسان المسيح ـ عليه السلام ـ شخصيا أنه قال : ( أنا الله ، أو أنا ابن الله ) فاعبدوني .
فإذا بكلمات الرجل المسلم تسقط على رأسي كالصاعقة ، ولم أستطع أن أجيبه وحاولت أن أعود بذاكرتي الجيدة وأغوص بها في كتب الأناجيل وكتب النصرانية لأجد جوابًا شافيًا للرجل فلم أجد !! فلم تكن هناك آية واحدة تتحدث على لسان المسيح وتقول بأنَّه هو الله أو أنه ابن الله. وأسقط في يدي وأحرجني الرجل ، وأصابني الغم وضاق صدري. كيف غاب عني مثل هذه التساؤلات ؟ وتركت الرجل وهمت على وجهي ، فما علمت بنفسي إلا وأنا أسير طويلا بدون اتجاه معين .. ثم صممت على البحث عن مثل هذه الآيات مهما كلفني الأمر ، ولكنني عجزت وهزمت.! فذهبت للمجلس الكنسي وطلبت أن أجتمع بأعضائه ، فوافقوا . وفي الاجتماع أخبرتهم بما سمعت فإذا بالجميع يهاجمونني ويقولون لي : خدعك الهندي .. إنه يريد أن يضلك بدين الهنود. فقلت لهم : إذًا أجيبوني !!.. وردوا على تساؤله. فلم يجب أحد.!(1/224)
وجاء يوم الأحد الذي ألقي فيه خطبتي ودرسي في الكنيسة ، ووقفت أمام الناس لأتحدث فلم أستطع وتعجب الناس لوقوفي أمامهم دون أن أتكلم. فانسحبت لداخل الكنيسة وطلبت من صديق لي أن يحل محلي ، وأخبرته بأنني منهك .. وفي الحقيقة كنت منهارًا ، ومحطمًا نفسيًّا .
وذهبت لمنزلي وأنا في حالة ذهول وهم كبير ، ثم توجهت لمكان صغير في منزلي وجلست أنتحب فيه ، ثم رفعت بصري إلى السماء ، وأخذت أدعو ، ولكن أدعو من ؟ .. لقد توجهت إلى من اعتقدت بأنه هو الله الخالق .. وقلت في دعائي : ( ربي .. خالقي. لقد أُقفلتْ الأبواب في وجهي غير بابك ، فلا تحرمني من معرفة الحق ، أين الحق وأين الحقيقة ؟ يارب ! يارب لا تتركني في حيرتي ، وألهمني الصواب ودلني على الحقيقة ) . ثم غفوت ونمت. وأثناء نومي ، إذا بي أرى في المنام في قاعة كبيرة جدا ، ليس فيها أحد غيري .. وفي صدر القاعة ظهر رجل ، لم أتبين ملامحه من النور الذي كان يشع منه وحوله ، فظننت أن ذلك الله الذي خاطبته بأن يدلني على الحق .. ولكني أيقنت بأنه رجل منير .. فأخذ الرجل يشير إلي وينادي : يا إبراهيم ! فنظرت حولي ، فنظرت لأشاهد من هو إبراهيم ؟ فلم أجد أحدًا معي في القاعة .. فقال لي الرجل : أنت إبراهيم .. اسمك إبراهيم .. ألم تطلب من الله معرفة الحقيقة .. قلت : نعم .. قال : انظر إلى يمينك .. فنظرت إلى يميني ، فإذا مجموعة من الرجال تسير حاملة على أكتافها أمتعتها ، وتلبس ثيابا بيضاء ، وعمائم بيضاء . وتابع الرجل قوله : اتبع هؤلاء . لتعرف الحقيقة !! واستيقظت من النوم ، وشعرت بسعادة كبيرة تنتابني ، ولكني كنت لست مرتاحا عندما أخذت أتساءل .. أين سأجد هذه الجماعة التي رأيت في منامي ؟(1/225)
وصممت على مواصلة المشوار ، مشوار البحث عن الحقيقة ، كما وصفها لي من جاء ليدلني عليها في منامي. وأيقنت أن هذا كله بتدبير من الله سبحانه وتعالى .. فأخذت أجازة من عملي ثم بدأت رحلة بحث طويلة ، أجبرتني على الطواف في عدة مدن أبحث وأسأل عن رجال يلبسون ثيابا بيضاء ، ويتعممون عمائم بيضاء أيضًا .. وطال بحثي وتجوالي ، وكل من كنت أشاهدهم مسلمين يلبسون البنطال ويضعون على رؤوسهم الكوفيات فقط. ووصل بي تجوالي إلى مدينة جوهانسبرغ ، حتى أنني أتيت إلى مكتب استقبال لجنة مسلمي أفريقيا ، في هذا المبنى وسألت موظف الاستقبال عن هذه الجماعة ، فظن أنني شحاذًا ، ومد يده ببعض النقود فقلت له : ليس هذا أسألك. أليس لكم مكان للعبادة قريب من هنا ؟ فدلني على مسجد قريب .. فتوجهت نحوه .. فإذا بمفاجأة كانت في انتظاري فقد كان على باب المسجد رجل يلبس ثيابا بيضاء ويضع على رأسه عمامة. ففرحت ، فهو من نفس النوعية التي رأيتها في منامي .. فتوجهت إليه رأسًا وأنا سعيد بما أرى ! فإذا بالرجل يبادرني قائلاً ، وقبل أن أتكلم بكلمة واحدة : مرحبًا إبراهيم !!! فتعجبت وصعقت بما سمعت !! فالرجل يعرف اسمي قبل أن أعرفه بنفسي. فتابع الرجل قائلاً : - لقد رأيتك في منامي بأنك تبحث عنا ، وتريد أن تعرف الحقيقة. والحقيقة هي في الدين الذي ارتضاه الله لعباده الإسلام. فقلت له : - نعم ، أنا أبحث عن الحقيقة ولقد أرشدني الرجل المنير الذي رأيته في منامي لأن أتبع جماعة تلبس مثل ماتلبس .. فهل يمكنك أن تقول لي ، من ذلك الذي رأيت في منامي؟ فقال الرجل : - ذاك نبينا محمد نبي الإسلام الدين الحق ، رسول الله صلى الله عليه وسلم !! ولم أصدق ماحدث لي ، ولكنني انطلقت نحو الرجل أعانقه ، وأقول له : - أحقًّا كان ذلك رسولكم ونبيكم ، أتاني ليدلني على دين الحق ؟ قال الرجل : - أجل. ثم أخذ الرجل يرحب بي ، ويهنئني بأن هداني الله لمعرفة الحقيقة ..(1/226)
ثم جاء وقت صلاة الظهر. فأجلسني الرجل في آخر المسجد ، وذهب ليصلي مع بقية الناس ، وشاهدت المسلمين ـ وكثير منهم كان يلبس مثل الرجل ـ شاهدتهم وهم يركعون ويسجدون لله ، فقلت في نفسي : ( والله إنه الدين الحق ، فقد قرأت في الكتب أن الأنبياء والرسل كانوا يضعون جباههم على الأرض سجّدا لله ) . وبعد الصلاة ارتاحت نفسي واطمأنت لما رأيت وسمعت ، وقلت في نفسي : ( والله لقد دلني الله سبحانه وتعالى على الدين الحق ) وناداني الرجل المسلم لأعلن إسلامي ، ونطقت بالشهادتين ، وأخذت أبكي بكاءً عظيمًا فرحًا بما منَّ الله عليَّ من هداية .(1/227)
ثم بقيت معهم أتعلم الإسلام ، ثم خرجت معهم في رحلة دعوية استمرت طويلا ، فقد كانوا يجوبون البلاد طولاً وعرضًا ، يدعون الناس للإسلام ، وفرحت بصحبتي لهم ، وتعلمت منهم الصلاة والصيام وقيام الليل والدعاء والصدق والأمانة ، وتعلمت منهم بأن المسلمين أمة وضع الله عليها مسئولية تبليغ دين الله ، وتعلمت كيف أكون مسلمًا داعية إلى الله ، وتعلمت منهم الحكمة في الدعوة إلى الله ، وتعلمت منهم الصبر والحلم والتضحية والبساطة. وبعد عدة شهور عدت لمدينتي ، فإذا بأهلي وأصدقائي يبحثون عني ، وعندما شاهدوني أعود إليهم باللباس الإسلامي ، أنكروا عليَّ ذلك ، وطلب مني المجلس الكنسي أن أعقد معهم لقاء عاجلا. وفي ذلك اللقاء أخذوا يؤنبونني لتركي دين آبائي وعشيرتي، وقالوا لي : - لقد خدعك الهنود بدينهم وأضلوك !! فقلت لهم : - لم يخدعني ولم يضلني أحد .. فقد جاءني رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في منامي ليدلني على الحقيقة ، وعلى الدين الحق. إنَّه الإسلام .. وليس دين الهنود كما تدعونه .. وإنني أدعوكم للحق وللإسلام. فبهتوا !! ثم جاءوني من باب آخر ، مستخدمين أساليب الإغراء بالمال والسلطة والمنصب ، فقالوا لي : - إن الفاتيكان طلب لتقيم عندهم ستة أشهر ، في انتداب مدفوع القيمة مقدمًا ، مع شراء منزل جديد وسيارة جديدة لك ، ومبلغ من المال لتحسين معيشتك ، وترقيتك لمنصب أعلى في الكنيسة ! فرفضت كل ذلك ، وقلت لهم : - أبعد أن هداني الله تريدون أن تضلوني .. والله لن أفعل ذلك ، ولو قطعت إربًا !! ثم قمت بنصحهم ودعوتهم مرة ثانية للإسلام ، فأسلم اثنان من القسس ، والحمد لله... فلما رأوا إصراري ، سحبوا كل رتبي ومناصبي ، ففرحت بذلك بل كنت أريد أن أبتدرهم بذلك ، ثم قمت وأرجعت لهم مالدي من أموال وعهدة وتركتهم..(1/228)
قصة إسلام إبراهيم سيلي ، والذي قصها عليَّ بمكتبي بحضور عبدالخالق ميتر سكرتير مكتب الرابطة بجنوب أفريقيا ، وكذلك بحضور شخصين آخرين .. وأصبح القس سيلي الداعية إبراهيم سيلي .. المنحدر من قبائل الكوزا بجنوب أفريقيا. ودعوت القس إبراهيم. آسف !! الداعية إبراهيم سيلي لتناول طعام الغداء بمنزلي وقمت بماألزمني به ديني فأكرمته غاية الإكرام ثمّ َودعني إبراهيم سيلي ، فقد غادرت بعد تلك المقابلة إلى مكة المكرمة ، في رحلة عمل حيث كنا على وشك الإعداد لدورة العلوم الشرعية الأولى بمدينة كيب تاون .
ثم عدت لجنوب أفريقيا لأتجه إلى مدينة كيب تاون. وبينما كنت في المكتب المعد لنا في معهد الأرقم ، إذا بالداعية إبراهيم سيلي يدخل عليَّ ، فعرفته ، وسلمت عليه .. وسألته : - ماذا تفعل هنا يا إبراهيم !؟ قال لي : - إنني أجوب مناطق جنوب أفريقيا ، أدعو إلى الله ، وأنقذ أبناء جلدتي من النار وأخرجهم من الظلمات إلى النور بإدخالهم في الإسلام. وبعد أن قص علينا إبراهيم كيف أصبح همه الدعوة إلى الله ترَكَنا مغادرا نحو آفاق رحبة .. إلى ميادين الدعوة والتضحية في سبيل الله .. ولقد شاهدته وقد تغير وجهه ، واخلولقت ملابسه ، تعجبت منه فهو حتى لم يطلب مساعدة ! ولم يمد يده يريد دعما!... وأحسست بأن دمعة سقطت على خدي .. لتوقظ فيَّ إحساسًا غريبًا .. هذا الإحساس وذلك الشعور كأنهما يخاطباني قائلين : أنتم أناس تلعبون بالدعوة .. ألا تشاهدون هؤلاء المجاهدين في سبيل الله !؟
نعم إخواني لقد تقاعسنا ، وتثاقلنا إلى الأرض ، وغرتنا الحياة الدنيا .. وأمثال الداعية إبراهيم سيلي ، والداعية الأسباني أحمد سعيد يضحون ويجاهدون ويكافحون من أجل تبليغ هذا الدين !!!! فيارب رحماك !!!
***
38- في عرفة أعلنت إسلامها
الإسلام فطرة، مقولة لطالما سمعتها تتردد على ألسنة المسلمين من حولي ولم أدرك حقيقة معناها إلا عندما بدأت خطواتي في التعرف على الدين الإسلامي.(1/229)
قصتي باختصار :
أنا فتاة، كنت أدين بالدين المسيحي حتى تاريخ 15/1/2006، حيث والحمد لله اعتنقت الإسلام ديناً واتخذت نبيه ورسوله عليه الصلاة والسلام ولياً وشفيعاً وأدركت أن لا اله إلا الله.
نشأتي كانت في عائلة مسيحية ليست على قدرٍ عالٍ من التدين حيث كان والدي ملحداً ووالدتي تتبع الدين كأي إنسان ولد خلال دين معين يتبعه لأنه تلقنه، ونحن تربينا على ذلك، والدي لم يكن ليتدخل في قراراتنا ولا في مناحي حياتنا، علمنا استقلالية التفكير والقرار.
كان تعليمنا في مدارس الراهبات فبالتالي التركيز على تعاليم الدين المسيحي كان مهماً جداً وكان واجباً علينا حضور القداس يوم الأحد مع بقية الرعية، ويوم الأربعاء قداس خاص بالطالبات. لم أذكر في حياتي أنني أحببت شعائر القداس ولكن كنت أؤديها باهتمام كونه كانت لدي قناعة بأن الصلاة كانت الطريق إلى التقرب من الله سبحانه وتعالى، لكن داخلياً لم أكن أشعر بالخشوع، مظاهر البهرجة والزينة سواء كان في الكنيسة أو مرتاديها فائقة ولا تمنح شعوراً عاماً بالورع، طريقة الصلاة تكون من خلال الكاهن الذي هو صلتنا بالله خلال الصلاة، لماذا احتاج إلى وساطة عند الصلاة؟ كنت منذ صغري أراقب سيدة مسلمة كانت تأتي لتعين أمي في أعمال المنزل، أراقبها وهي تصلي فأراها تذوب ورعاً بالرغم من أنها تصلي لوحدها منعزلة، فسألتها ذات مرة هل تشعرين بأن الله قريب منك وأنت تصلين فأنا أشعر كأنني أرى نوراً يشع من وجهك وأنت تسجدين، فأجابتني عندما تصلين تشعرين بروح الله قريبة منكِ، على الرغم من بساطة الرد إلا أنه كان له في نفسي أثراً كبيراً وكنت أغبط المسلمين عند سماع كل آذان حيث أنهم في تلك اللحظات" سوف يشعرون بأن روح الله قريبة منهم "(1/230)
كبرت من خلال ذلك الدين وبقيت عليه إلى أن قاربت حدود الثلاثين من العمر حيث التحقت بالحزب الشيوعي وبالتالي ابتعدت عن الدين نهائياً وأصبح تفكيري بالله سبحانه وتعالى أقرب إلى تفكير الملحدين، لكن لم أستطع أبداً أن أجزم بعدم وجود الله، وبقيت على هذه الحال بضع سنوات إلى أن تركت الحزب، واستمرت علاقتي بالله مبتورة، أقتصر ذهابي للكنيسة على العيدين ولمشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم.
مع مرور الزمن لم أعد أشعر أن إيماني بالله كافياً، ولا أريد تلك العلاقة المبتورة مع الخالق شيئاً ما في داخلي كان يقول لي يجب أن تقوي علاقتك مع الخالق والطريقة الأوحد هي التقرب من الدين، وكان الدين المسيحي هو المتاح لي اجتماعياً وعائلياً بالطبع. ولكن طول هذه الفترة ومنذ صغري كانت أسئلة محيرة ومريبة تدور دائماً في ذهني، أسئلة تتعلق بأساس العقيدة وماهية الله ، من هو الله ؟
هل هو الآب ؟
هل هو الابن ؟
هل هو الروح القدس؟
الله واحد في أولئك الثلاثة، دائماً كان هذا الرد، ولكن لم يجد أبداً لدي أي قبول أو قناعة، كيف يكون لله ولد ؟ وكيف يقول يكون الله هو ذلك الولد؟ لماذا يحتاج الله إلى ولد ليثبت إلوهيته ؟
لماذا أحتاج كمسيحية ألا أعرف الله إلا من خلال المسيح، إن كان نبياً فبالنهاية هو بشر مثلنا وإن كان على درجة أعلى من القدسية، لكن لا احتاجه ليكون واسطتي إلى الله فهو بالنهاية رسوله الذي أبلغ رسالته، كما هي الحال مع باقي الأنبياء، وإن كان إلها، فكيف لي أن اعبد إلهين وأشرك بالله ؟
بدأت التبحر والقراءة والاطلاع، تولد لدي شعور بالقلق، كثيراً من المفاهيم لم ترق لتفكيري، لم أتقبلها كما هي، ساورتني شكوك في كون الكتاب المقدس هي الكلمة الإلهية، وجدت في الكتاب المقدس كثيراً من الإشارات إلى أن المسيح ما هو إلا نبي أرسله الله برسالة لتكمل ما جاء من قبله، بل وإن أغلب الإشارات من الإنجيل أوحت لي بذلك.(1/231)
متى 11:18 فاَبنُ الإنسانِ جاءَ ليُخلَّصَ الهالِكينَ
يوحنا 19:12 لأنِّي ما تكَلَّمْتُ بشيءٍ مِنْ عِندي، بَلِ الآب الذي أرسَلني أَوصاني بِما أقولُ وأتكَلَّمُ .
متى 5: 17 لا تَظُنّوا أنّي جِئتُ لأُبطِلَ الشَّريعَةَ وتَعاليمَ الأنبياءِ: ما جِئتُ لأُبطِلَ، بل لأُكمَّلَ .
مرقس 18:10 فقالَ لَه يَسوعُ: « لماذا تَدعوني صالِحًا ؟ لا صالِحَ إلاَّ الله وحدَه "
مرقس 37:9 مَنْ قَبِلَ واحدًا مِنْ هؤُلاءِ الأطفالِ باَسمي يكونُ قَبِلَني، ومَنْ قَبِلَني لا يكونُ قَبِلَني أنا، بَلِ الذي أرسَلَني "
يوحنا 3:17 الحياةُ الأبديَّةُ هيَ أنْ يَعرِفوكَ أنتَ الإلهَ الحَقَ وحدَكَ ويَعرِفوا يَسوعَ المَسيحَ الذي أرْسَلْتَهُ .
ومن أمثال ذلك الكثير، فلم يدع المسيح بأنه إلها وقد أشار إلى نفسه بأنه ابن الإنسان، بل جاء في الكتاب إنه استغاث بالله من على الصليب قائلاً: الهي الهي لماذا تركتني؟
فمن أين جاءت فكرة الثالوث، ومن أن المسيح هو الله !؟! هو ابن الله!؟!
معضلة حيرتني لسنين طويلة .
وترافق مع هذه المعضلة في تفكيري أمر آخر، لماذا يحتاج الله أن يتجسد في صفة الإنسان لينزل على الأرض بصور ابنه؟ ولماذا يحتاج ليقتل ابنه ليمحو عن البشر خطاياهم ؟؟ لماذا يحتاج الله أن يغرينا لنحبه ونؤمن به ؟ ألا يكفينا إخلاصاً لله أنه خالقنا ؟ ما الهدف من حياتنا ولماذا نحتاج لعبادة الله وطاعته لمجرد انه أرسل ابنه ليخلصنا لنحيا بلا خطيئة؟؟ وأين العدالة الإلهية في تحميل أي كان أخطاء الآخرين؟
وإن كان المسيح قد مات مصلوباً، إذن فإن الله قد مات؟؟؟ كيف يكون ذلك؟؟؟
كانت دائماً تكون الإجابات ممن سألتهم لإثبات إلوهية المسيح بأنه صنع المعجزات،
لقد صنع قبله غيره المعجزات أيضاً !!
المسيح بعد أن مات قام من بين الأموات وهذا لا يقدر عليه إلا الآلهة.
من قبله النبي إيليا لم يمت بل حمل إلى السماء على عربة من نور حسب العهد القديم !!(1/232)
لم أحصل على إجابة تقنعني .
الجواب الوحيد الذي أقنعني كان من داخلي، وهو أن فكرة الفداء والثالوث قد أدخلت على الديانة عند بداية الدعوة في عهد القسطنطينية ، حيث طبعت الأناجيل بصورتها الحالية، من أجل إغراء الناس للدخول في الدين الجديد لتسهيل عملية نشره في بلاد لم تكن فيه الأديان الموحدة معروفة، وكانت فكرة الثالوث أقرب إلى الناس الذين كانوا مشركين في ذلك الوقت وكذلك كانت فكرة الغفران من الخطايا والخلاص منها أيضا فيها إغراء للناس الذين كانوا يحيون بدون أي قيد من أجل إدخالهم في الدين الجديد .
النقطة الأخرى، هل الإنجيل كلام الله ؟؟؟؟ نظراً لوجود نسخ مختلقة وغير متطابقة من الإنجيل فقناعتي راسخة بأنه كتاب موضوع ممن عاصروا المسيح من رسله، فبدأت القراءة بأسلوب الباحث وليس بأسلوب المتلقن إلى أن سمعت مناظرة للمرحوم الداعية الشيخ أحمد ديدات رحمه الله وغفر له مع قس أمريكي، عنوانها هل الكتاب المقدس كلمة الله، فبدأت قناعاتي تترسخ بعدم دقة العهد الجديد من الكتاب المقدس، و لاحظت أيضاً بتجاهل الكثير من الإشارات في الكتاب المقدس إلى مجيء محمد فقرأت للشيخ أحمد ديدات أكثر فأكثر وترسخت قناعاتي وباتت غير قابلة للتغيير.(1/233)
في نفس الفترة ازدادت الهجمة على الإسلام كدين يهدد الاستقرار في العالم، وظهر في العالم الإسلامي تأويلات وتفسيرات تخص الدين الإسلامي كانت من على درجة من الغلو في التطرف دفعتني للبحث في أصولها وأسبابها في الدين، حيث أن معرفتي بالدين الإسلامي كوني عشت حياتي في بلد ذا أغلبية مسلمة، معرفتي به كانت أنه دين سمح يدعو إلى المحبة والتواد بين الناس ورأفة بهم، فقادتني هذه الرحلة إلى معرفة الدين عن قرب، فوجدته لا يمت بصلة لما يحاول الغرب والبعض من غلاة التطرف وسمه به، وجدته ديناً يتسع للجميع، ينادي بوحدانية الله بدون أي ريب أو شرك، يدعو المسلمين إلى الاتجاه للخالق والتفيؤ في ظل رحمته الواسعة، لا ينتظرون من إشارات أو تضحيات من أجل الطاعة والخضوع له.
{ فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ } القصص – 67 .
وتلقائياً شعرت باستقراره في قلبي وعقلي في آن واحد بسهولة ويسر، كما وجدته مناسباً لي كشخص أكثر، ملائماً لشخصيتي، طريقة الصلاة ترضي رغبتي في تقربي من الله، إلى أن يسر لي الله صيام رمضان في العام الفائت، وظن كل من حولي أن صيامي اجتماعياً أكثر منه دينياً لكنني داخلياً شعرت بصفاء لم أشعر به من قبل، وتيسر لي خلال شهر رمضان ختم القرآن الكريم فوقع كلامه في قلبي وعلى عقلي وقعاً جميلاً مرضياً وبدأت انظر إلى الحياة بطريقة مختلفة، رضى دائم وسكينة وطمأنينة، تابعت رحلتي في البحث إلى أن مر عيد الميلاد وأتى بعده عيد الأضحى، وجاءت الأعياد الثلاث (الفطر والميلاد والأضحى) في فترة متقاربة، وكانت امتحاناً لقناعتي واستقراري، عند حلول عيد الميلاد لم أشعر بأي شعور داخلي بأنني أنتمي لهذا الدين، وبحلول عيد الأضحى وجدت نفسي أنوي صيام يوم عرفة، وصمته والحمد لله، وفي ذلك اليوم تحديداً اتخذت قراري بإشهار إسلامي وكان لي ذلك بفضل الله سبحانه وتعالى يوم 15/1/2006(1/234)
وأشهد أن لا اله إلا الله وان محمداً عبده ورسوله
***
39- قصة إسلام يهودي متطرف
حُسن خلق الشاب المسلم في حواره معي، كان سبب عودتي إلى الله'، بهذه الكلمات لخص 'ميخائيل شروبيسكي' أو 'محمد المهدي' قصة عودته إلى الله، واعتناقه الإسلام.
محمد المهدي كان شابًا يهوديًا من غلاة الشباب المتطرف، وأحد المستوطنين المشهورين بكراهيتهم للإسلام والمسلمين، كان مثله الأعلى الإرهابي اليهودي 'باروخ جولدشتاين' مُنفذ مذبحة الحرم الإبراهيمي الشهيرة في 1994، والتي راح ضحيتها عشرات الفلسطينيين الذين استشهدوا خلال تأديتهم الصلاة، لكن قصة فريدة من نوعها بحسب صحيفة معاريف العبرية كانت السبب في اعتناقه الإسلام.
محمد المهدي، من أصل أذربي، يبلغ من العمر 33 عامًا, ينتمي إلى عائلة يهودية كبيرة في أذربيجان، جاء ضمن حملات التهجير اليهودية للكيان الصهيوني في عام 1993، ورغب في أن يقيم بمستوطنة 'كريات أربع' لرغبته في أن يعيش في نفس المكان الذي عاش فيه مثله الأعلى سابقًا 'باروخ جولدشتاين' وهي أشهر المستوطنات التي تضم كبار المتطرفين اليهود.
بدأ 'ميخائيل شروبيسكي' يتأقلم على وضعه الجديد بعد نزوحه للكيان الصهيوني، فقام باستئجار منزل، ومارس مهنته الخاصة باللياقة البدنية، وأصبح من أهم الناشطين في المستوطنة وذاع صيته سريعًا، فانضم لحركة 'كهانا حي' المتطرفة.
يقول المهدي عن هذه الأيام: 'كنت أريد أن أنفذ مخططاتي في كراهية العرب والمسلمين، التي تربيت عليها في بيتي في أذربيجان، ونمَت في كريات أربع'.
ويلتقط المهدي أطراف الذكريات القديمة، حامدًا الله على عودته إليه، فيقول: 'كنت أنوي تنفيذ عملية انتحارية داخل أحد مساجد مدينة الخليل لقتل المسلمين وهم يؤدون الصلاة، كما فعل جولدشتاين'.(1/235)
يقول محمد المهدي: 'قبل إسلامي وعقب تنفيذ المقاومة الفلسطينية لعمليات داخل إسرائيل جلست مع عدد كبير من كبار المستوطنين وقلت لهم: تكتبون الموت للعرب على جدران منازلكم أو متاجركم، وهذا لا يعنى شيئًا! إذا كنتم تريدون فعل شيء فعلينا أن نذهب وننتقم منهم, إذا كنتم رجالاً هلموا نذهب لمدينة الخليل وندخلها ونقتل من فيها'.
طريق الله بواسطة شاب:
يقول المهدي: 'رغم كل ذلك، كنت في داخلي متمردًا عليها، ويساورني الشك في أشياء كثيرة، خاصة حقيقة هذا الكون، فلم تكن إجابات الحاخامات على أسئلتي تقنعني في غالبيتها خاصة إذا ما تطرق الحديث عن الديانات الأخرى وعلى رأسها الإسلام'.
ويكشف المهدي تفاصيل بعض ما يدور في مجتمع الحاخامات وعلاقته بالإسلام، بالقول: 'لقد اعتاد الحاخامات دائمًا على سب النبي محمد – صلى الله عليه وسلم - في كل حديث حوله أو حول الإسلام'.
ويمضي المهدي يحكي قصة عودته إلى الله: 'في هذه الأثناء، قبل ثلاث سنوات تعرفت بالصدفة على شاب من مدينة الخليل، يسمى 'وليد زلوم' جاءني لإصلاح سيارتي، وعندما تأكدت من أنه مسلم رفعت السلاح في وجهه، وهددته بالقتل والفتك، لكنه بدا متماسكًا هادئًا، فدعاني إلى الحوار، الحقيقة لقد كان أسلوبه عاقلاً وأخلاقه حسنة'.
ويؤكد المهدي أن الحوار امتدّ مع الشاب الفلسطيني، مؤكدًا أن هذا الشاب كان هو سبب الانقلاب في حياته الذي حدث بعد عامين من هذه المقابلة، ظل خلالهما يبحث في أمور الدين الإسلامي بنفسه، فيقول: 'بدأت أدخل في أعماق الإسلام بعد أن اشتريت معاجم لغة عربية لتعلمها، وطلبت من وليد أن يعلمني الصلاة، وتعلمت أكثر وأكثر حتى أنني شعرت بأني أسبح في محيط الحقيقة التي تمكنت من العثور عليها, وشعرت بأنني ولدت وهذا الشيء بداخلي, وفي النهاية نطق لساني: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله'.(1/236)
ويحكي المهدي أنه قوبل بمضايقات لا يمكن وصفها من قبل المستوطنين، فخشي على حياته، تاركًا المستوطنة وعائدًا لبلده الأصلي أذربيجان.لكن لم يكن الوضع في بيت أسرته مختلفًا عن وضعه في المستوطنة اليهودية، فقد رفض والداه استقباله وهو مسلم، فقرر العودة مرة أخرى لكن هذه المرة قرر العودة إلى فلسطين، تحديدًا في قرية أبو جوش داخل الخط الأخضر القريبة
من القدس المحتلة.
المهدي يُنهي حواره لمعاريف بحمد الله على نعمة الإسلام، والرجوع إلى الله، وتكوين أسرة مسلمة تضمه وزوجته 'سبينا' وأربعة من الأطفال هم: يعقوب عبد العزيز، عيسى عبد الرحمن، هيا بنت محمد، مريم بنت محمد.
أمنيات المهدي:
يوجز محمد المهدي، أمانيه في رغبته في تغيير اسمه الأول في بطاقة هويته الإسرائيلية، لا لشيء إلا لرغبته في حج بيت الله الحرام العام القادم، خوفًا من أن تمتنع السلطات السعودية عن السماح له بالدخول بسبب اسمه الأول في الأوراق الرسمية 'ميخائيل', ويرغب في تعليم أبنائه في مدرسة إسلامية تهتم بتحفيظ القرآن الكريم وتربية الأطفال على المنهج الإسلامي القويم.
ولم يفُت المهدي أن يعرب عن أمنيته الدفينة بالصلاة في المسجد الأقصى، بعد أن يسترده المسلمون، وأكد أن 'النصر سيكون للمسلمين في نهاية المطاف، بالرغم من كل مشاكل الأمة الإسلامية في العصر الحالي'.
***
40- محمد جون وبستر (رئيس البعثة الإسلامية الإنجليزية)
ولدت في لندن ونشأت مسيحيا بروتستانيا وفي سنة 1930م في العقد الثاني من عمري واجهتني المشاكل التي كثيرا ما يلقاها شاب ذكي يستعمل عقله وهي ترتبط أساسا بالملائمة بين شئون الحياة اليومية ومقتضيات الدين وهنا صادفتني أول نقطة ضعف في المسيحية .(1/237)
فالمسيحية عقيدة مزدوجة تعتبر الدنيا أثيمة وتدير ظهرها إلى حقائق الحياة وتعقد الآمال على الحياة الآخرة وعلى ذلك وضعت نظاما دينيا للناس خاصا بيوم الأحد لا نظير له في باقي الأيام الأخرى في الأسبوع ، وفي الوقت الذي كانت فيه انجلترا تعاني كثيرا من حالات الفقر والحرمان والاستقرار الاجتماعي فإن المسيحية لم تحاول أن تعمل شيئا في هذا السبيل لهذا وفي حماس الشباب وتحت تأثير العاطفة أكثر من تأثري بحقائق المعرفة تزعزع إيماني بالمسيحية وأصبحت شيوعيا .
وللشيوعية إقناعها المحدود لشاب عاطفي مراهق فلم يمض طويل وقت حتى تبينت طبيعتها الكريهة القائمة على الصراع الطبقي الذي لا يتوقف ولما لفظت الشيوعية بمبادئها المادية اتجهت إلى دراسة الفلسفة والأديان وبدأت من خلال مراقبة كل ما حولي أشعر بوحدة هذا الوجود وأدى بي هذا إلى اعتناقي البانثية وهي دين تقديس الطبيعة وقوانينها .
من العسير علينا نخن الغربيين أن نتعرف على الإسلام فمنذ الحروب الصليبية ونحن نرى إما إغفالا متعمدا لذكر الإسلام وإما تحريفا متعمدا وتشويها لحقائقه .
ثم حدث عند إقامتي في استراليا أن طلبت نسخة من القرآن الكريم من مكتبة سدني العامة فما أن قرأت مقدمة المترجم حتى لمست التعصب ضد الإسلام مكشوفا ومفضوحا ، فلم أتمالك إلا أن أقفل الكتاب وأتركه ، ولم أجد عندهم ترجمة للقرآن قام بها مسلم . وبعد أسابيع كنت في بيرث في غربي استراليا فعاودت البحث في مكتبتها العامة عن نسخة للقرآن شريطة أن يكون مترجمها مسلما .
ولا أستطيع أن أعبر في كلمات عن مدى تأثيري بمجرد تلاوتي لأول سورة فيه سورة الفاتحة بآياتها السبع .
ثم قرأت عن حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم – وقضيت بضع ساعات في المكتبة في ذلك اليوم و وحصلت على طلبتي وبغيتي وشاء الله بفضله أن أكون مسلما مع أنني لم أكن من قبل قد التقيت بمسلم ، فبارحت المكتبة يومئذ متعبا من أثر ما عانيت من جهد فكري وعاطفي .(1/238)
وفي زيارة ثانية للمكتبة كنت أسائل نفسي أكان حلما ذلك الذي حدث بعد ذلك أو هو حقيقة واقعة وكان من المستحيل علي أن أصدق ما حدث وخرجت من المكتبة لأتناول فنجانا من القهوة وبينما أنا أشير في الطريق إذا ببصري يقع على بناء خلف سور مرتفع من الطوب الأحمر مكتوب عليه ( مسجد المسلمين ) فقلت لنفسي على الفور أما وقد عرفت الحق فعليك إتباعه على الفور " فأعلنت قولي : " لا إله إلا الله محمد رسول الله " وبذلك أصبحت بفضل الله من المسلمين .
***
41- الأمريكية هدى دورج(1/239)
في بعض الأحيان أشعر بالحزن لأني لم أولد مسلمة منذ البداية فأكون مسلمة طوال حياتي . أغبط هؤلاء الذين ولدوا مسلمين ، وأشعر بالأسى على من لا يقدرون هذه النعمة . ولدت من أب بروتستانتي وأم كاثوليكية ، لم يكن أبي من نشطاء الكنيسة ، بينما حاولت أمي أن تنشئني على الكاثوليكية . أصبحت عضوة نشطة في هذه الكنيسة ، وعندما أصبحت في الصف السادس الابتدائي بدأت أقوم برعاية الأطفال الصغار في أثناء الصلاة ، وفي الصف التاسع أصبحت معاونة لزوجة القس في مدرسة الأحد . في المرحلة الثانوية أسست مجموعة شبيبة كنسية وذلك بتجنيدي أربعة من أصدقائي . كنت أجلس مع صديقاتي نحاول الإجابة عن بعض الأسئلة : لماذا أراد إلهنا الرحيم المحب التضحية بدم المسيح عليه السلام ليغفر للناس ذنوبهم ؟ لماذا نحن جميعنا مذنبون بسبب خطيئة ارتكبها أبونا آدم عليه السلام ؟ لماذا كلام الإنجيل لا يتفق مع الحقائق العلمية ؟ كيف يمكن للمسيح أن يكون إلها ؟ كيف يمكن لثلاثة آلهة أن يكونوا ثلاثة أشخاص مختلفين في شخص واحد ؟ بحثنا في هذه المسائل كثيراً لكننا لم نصل إلى أي إجابات شافية ، ولم تستطع الكنيسة أيضا أن تعطينا إجابات مقنعة ، كانوا فقط يقولون : كن مؤمنا .(1/240)
عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري حصلت على أول عمل لي ، وكان في محل لبيع المثلجات ، وكنت أرسل خمسة وعشرين دولارا من راتبي لبرنامج يدعى " مشروع الأبوين بالتنشئة " وكان هذا البرنامج يربط بين الأطفال المحتاجين في ما وراء البحار ، مع مانحيهم الأمريكيين ، وخلال الأربعة الأخيرة من أعوامي المدرسية كانت منحتي تذهب إلى غلام مصري يتيم اسمه شريف ، وكنا نتبادل الرسائل ، كانت لديه أخت في سني وإخوان ، وأمه كانت مريضة لم تستطع العمل ، وأذكر حين جاءتني منه رسالة – وكنت في السادسة عشرة من عمري – يصف فيها بفرح خطبة أخته ، فقلت في نفسي : إنها في سني وقد خطبت ، بدا لي هذا غريباً جداً ، وهكذا كانت هذه أول علاقة لي بالمسلمين . علاقتي الثانية بالمسلمين نشأت حينما تطوعت في سان فرانسيسكو لتعليم اللغة الإنجليزية لبعض النساء اللاجئات ، وفي صفي كانت فاطمة وميسون : أرملتان مسلمتان صينيتان من فيتنام . بعد ذلك كنت ألتقي مجموعة من الطلاب الأجانب في " مجموعة المحادثة " كان هناك خمسة أعضاء في مجموعتي ، ومن بينهم كان " فارس " وهو شاب فلسطيني ، كنا نلتقي مرتين أسبوعيا في فترة الغداء ليتمرنوا على المحادثة الإنجليزية ، وكنا نتحدث عن عائلاتنا ودراستنا وطفولتنا ، وعن الفروق الاجتماعية .. وحين كنت أستمع لفارس يتحدث عن حياته وعائلته وعن دينه ، كان وكأنه يعزف على وتر من أوتار قلبي ، فتذكرت شريف وفاطمة وميسون ، كان دينهم غريبا عني ، ومناقضا لثقافتي ، ولذلك لم أحاول مطلقا أن أدرسه ، ولكني كلما تعلمت شيئا عن الإسلام كنت أصبح أكثر اهتماما بأنه يمكن أن يكون طريقتي في الحياة .(1/241)
خلال الفصل الدراسي الثاني سجلت في حصة في قسم دراسة الأديان كانت " مقدمة عن الإسلام " هذه الأسئلة أعادت إلى ذهني كل الأسئلة التي كنت أطرحها حول المسيحية ، ومن خلال دراستي للإسلام وجدت إجابات عن جميع أسئلتي ، فلسنا جميعا معاقبين بخطيئة آدم عليه السلام ، فقد سأل آدم ربه الغفران فغفر له الغفور الرحيم ، والله سبحانه لم يضح بدم المسيح عليه السلام مقابل الخطيئة وأن المسيح عليه السلام لم يكن إلهاً ، بل كان رسولا لله مثل غيره من الرسل حملوا دوماً رسالة التوحيد .
لقد وجدت أن هذا يضع كل شئ في مكانه الصحيح ، وأنه يروق لقلبي وعقلي ، ولم يكن مربكاً ، لقد وجدت مكاناً أريح فيه إيماني ، لقد وجدت ما كنت أبحث عنه .
عدت إلى منزلي واستمرت دراستي للإسلام ، فقرأت بعض الكتب في المكتبة ، وتحدثت مع أصدقائي عن ذلك ، لقد كانوا مثلي يبحثون هم أيضا ، لقد تفهموا بحثي ، وكانوا سعداء بأنني وجدت أخيراً ما أومن به ، لكنهم مع ذك أثاروا أسئلة حول كيفية تأثير الإسلام في حياتي باعتباري امرأة متحررة من كاليفورنيا ، وماذا عن عائلتي وموقفها ؟ .. الخ .
استمرت دراستي للإسلام ، وكنت أدعو الله وأنا أبحث في روحي لأرى كم أنا مرتاحة بالإسلام . بحثت عن مراكز إسلامية في منطقتي ، لكن أقرب مركز إسلامي كان في سان فرانسيسكو ، ولم أستطع الذهاب إلى هناك ، فلم أكن أملك سيارة ، وكانت مواعيد حافلات النقل لا تتفق مع مواعيد عملي ، لذلك أكملت البحث وحدي .(1/242)
أذكر مرة ، حين كنت مع أسرتي نشاهد أحد البرامج الثقافية على التلفاز ، وكان عن الإسكيمو ، قالوا إن الإسكيمو لديهم مئتا كلمة أو اسم للثلج ، لأن الثلج يشكل جزءا كبيرا من حياتهم ، وفي وقت لاحق من تلك الليلة تحدثنا كيف أن اللغات المختلفة تعبر عن الأشياء المهمة للشعوب بكلمات كثيرة ، وذكر أبي كيف أن الأمريكيين يستخدمون كلمات كثيرة للتعبير عن النقود ، فعلقت قائلة : هل تعلمون أن لدى المسلمين تسعة وتسعين اسما لله تعالى ، لذلك أعتقد أنه سبحانه هو الأهم في حياتهم .
عدت في نهاية الصيف إلى جامعتي ، وأول شئ فعلته أنني اتصلت بالمسجد في بورتلاند وطلبت اسم امرأة أستطيع التحدث معها ، فأعطوني اسم أخت مسلمة أمريكية ، وفي الأسبوع نفسه زرتها في بيتها ، وبعد برهة من حديثنا أدركت أنني كنت مؤمنة حقاً .
أخبرتها " أختي هذه " أني فقط كنت أبحث عمن يساعدني في الخطوات العملية لتطبيق الإسلام ، فمثلا : كيف أصلي ؟ لقد قرأت ذلك في الكتب لكني لم أكن استطيع أن أتدبر أمري من الكتب وحدها.
دعتني الأخت الأمريكية المسلمة في تلك الليلة لتناول طعام العقيقة لولادة مولود جديد ، لقد شعرت براحة تامة مع الأخوات المسلمات هناك ، فقد كن لي صديقات حميمات .
نطقت بالشهادتين أمامهن ، وعلمتني كيف أصلي ، وحدثتني عن إيمانهن فكثيرات منهن كن أمريكيات مثلي ، لقد غادرت ذلك البيت تلك الليلة ولدي شعور بأنني بدأت لتوي حياة جديدة .
كنت ما أزال أعيش في السكن الداخلي ، وكنت معزولة عن المجتمع المسلم ، وكان علي أن أستقل حافلتين للذهاب إلى المسجد ، وإلى المكان الذي تعيش فيه أخواتي المسلمات ، ولهذا فقد فقدت اتصالي بهن ، وبقيت وحدي أتابع إيماني بنفسي .(1/243)
صرت أفكر في ارتداء الحجاب ، لكنني كنت خائفة جدا من اتخاذ هذه الخطوة ، إلا أنني بدأت ألبس باحتشام ، وعادة ما كنت أضع وشاحا على كتفي ، وعندما زرت إحدى الأخوات قالت لي : كل ما عليك أن تفعليه هو أن تنقلي الوشاح من كتفيك إلى رأسك .
لم أكن أملك من القوة ما يكفي لارتداء الحجاب ، لقد فهمت معنى الحجاب ، واتفقت مع لبسه ، وأعجبت بالنساء اللواتي كن يرتدينه ، فقد كن يتسمن بالتقوى والنبل ، لكنني كنت أعرف أني إذا ارتديته فإن الناس سيبدأون بطرح الأسئلة ، ولم أكن عندها أملك القدرة على الإجابة عنها .
هذا كله تغير حين حل شهر رمضان المبارك ، ففي أول يوم من أيام رمضان ذهبت إلى الكلية بالحجاب ، والحمد لله ، ولم أخلعه منذ ذلك اليوم ، شئ ما في رمضان جعلني أشعر بالقوة والفخر بأني مسلمة ، وشعرت أنني أستطيع الإجابة عن أي سؤال يطرح علي .
عندما أسلمت أخبرت أسرتي فلم يستغربوا ، لأنهم كانوا يشعرون من خلال أحاديثي عن الإسلام ، بأن هذه اللحظة ستأتي ، تقبلوا قراري وعرفوا أني مخلصة في إيماني ، لكنهم لم يشاركوني في هذا الإيمان ، وحين بدأت ألبس الحجاب أبدوا قلقهم بأن الحجاب يمكن أن يعزلني عنصرياً ، وأنه سيحول دون تحقيق أهدافي في الحياة ، وأنهم سيشعرون بالحرج إذا ما شوهدوا معي في مكان عام ، لقد اعتقدوا أن هذا تصرف متطرف جدا ، لم يمانعوا أن يكون ديني مختلفا ولكنهم لم يرغبوا في أن يغير من مظهري الخارجي .(1/244)
أصيب أهلي بالإحباط حين علموا أني قررت الزواج من مسلم ، وهو " فارس " الذي كان معي في " مجموعة المحادثة " والشخص الأول الذي أثار في نفسي الاهتمام بالإسلام ،ولقد تزوجنا في السنة الثانية من إسلامي ، صدمت أسرتي بذلك لأنهم ما كادوا يصمتون عن موضوع حجابي حتى شعروا بأني ألقيت عليهم عبئا آخر ، فادعوا بأني ما زلت صغيرة ، وأنني سأهجر أهدافي في الحياة ، وسأترك الكلية . لقد خشي أهلي بزواجي أن أصبح أماً صغيرة السن ، وأنني بهذا سأحطم حياتي . لقد أعجبهم زوجي ، مع أنهم لم يثقوا به في البداية ، فقد حسبوا أنه تزوجني من أجل " البطاقة الخضراء " ( Green Cart ) . خاصمت مع أهلي عدة شهور حتى ظننت أن صلتي بهم لن تتحسن أبدا . كان هذا قبل ثلاثة أعوام ، ومن ذلك الحين تغيرت أشياء كثيرة ، فزوجي فارس انتقل إلى كروفاليس – أوريجون – جامعة ولاية أوريجون ، ونحن نعيش وسط مجتمع مسلم قوي الترابط ، وأنا أنهيت دراستي في قسم " تطور الطفل " بامتياز مع مرتبة الشرف . عملت في عدة وظائف ، ولم تكن لدي مشكلة على الإطلاق بخصوص حجابي ، وما زلت ناشطة في المجتمع ، وأقوم بأعمال تطوعية . سينهي زوجي دراسته في الهندسة الإلكترونية هذا العام . قمنا بزيارة أهلي مرتين هذا العام . قابل والداي فارس هذا الصيف للمرة الأولى ، وحصلنا منهما على هدية ثمينة . أتعلم اللغة العربية لأضيفها إلى اللغات التي أتقن الحديث بها . رأت أسرتي ذلك كله وأدركت أني لم أحطم حياتي ، لقد رأوا كيف أن الإسلام منحني السعادة .. وليس الألم والندم ، إنهم الآن فخورون بإنجازاتي ، ويستطيعون أن يروا كم أنا سعيدة حقاً ، وأعيش في طمأنينة ، علاقتنا عادت طبيعية ، وهم الآن ينتظرون زيارتنا دائما .
أشكر الله تعالى شكرا عظيما على ما هداني ووفقني إليه ، وأنا أشعر ببركة عظيمة في كل شئ . يبدوا لي أن ما سبق من حياتي يتناسق بعضه مع بعض ليشكل صورة متكاملة تمثل طريقي إلى الإسلام .
((1/245)
قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين ) ( الأنعام : 71 ) .
***
42- عشرون قسيساً يعتنقون الإسلام
شهدت القاهرة في شهر مارس عام 1981 مشهداً يهز الوجدان بعنف من جلاله و عظمته .. عشرون قسيساً قد أتوا من السودان يتزعمهم القس "جيمس" ليعلنوا إسلامهم بعد فترة قضوها في التبشير و الدعوة إلى الصليبية ، و قد أقيم لهم احتفال حضره ما لا يقل عن ثلاثة آلاف شخص كما ذكرت بعض الصحف و المجلات الإسلامية ... يقول زعيمهم "جيمس" :
" كنت أقود أكبر حركة تبشيرية في الشرق الأوسط ، إذ كنت أشرف على اثنين و عشرين مركزاً للتبشير ، و كان يشرف علينا ثلاثة قساوسة من أمريكا و الفاتيكان .. و بعد دراستي و تعمقي في علم اللاهوت توثقت علاقتي بالمستشار الثقافي السعودي بالسودان ، فكان يفتح لي المكتبة بالسفارة ، و كنت أطلع على الكتب الدينية الإسلامية .. بعدها طلبت حواراً أنا و زملائي مع رجال الدين الإسلامي ، و كان ما طلبنا و تم الاتفاق على عقد الحوار مع الدكتور "محمد جميل غازي" و اللواء / أحمد عبد الوهاب و كبير قساوسة مصر بالصعيد الذي دخل الإسلام منذ فترة ، و الأستاذ خليل إبراهيم خليل ... و بعد ست ليالٍ متوالية من النقاش الحاد اقتنعنا بالدين الإسلامي و دخلنا في الإسلام " ... ثم أردف بعدها يقول :
" و الآن و بعد دخولي في الإسلام سأقوم بالدعوة إلى الإسلام ، و إذا كان قد دخل في الدين المسيحي أعداد هائلة على يدي و على يد زملائي في السودان فإن اثني عشر ألفاً ينتظرونني ليدخلوا في الإسلام " .
ثم صمت برهةً و هو يهز رأسه مستطرداً في قوله :(1/246)
" ... و لكن نريد مد يد العون و المساعدة لكي يتعلم هؤلاء أمور دينهم .. إنني أقول لكم إن الخواجات يأتون من أمريكا و الفاتيكان و كل بلاد أوروبا لكي يقوموا بعمليات التبشير لأديان باطلة ، فلماذا نحن لا نقوم بالدعوة إلى الدين الحق .. الدين الإسلامي .. { إن الدين عند الله الإسلام } ؟ "
ثم أضاف قائلاً :
" إنني أحمِّل هذا العبء لكل شاب مسلم ، لأن هذا هو دور الشباب و لأنهم أكثر تأثيراً من غيرهم في المجتمعات " .
***
43- فتاة أميركية تدخل الإسلام(1/247)
كنت في السادسة عشرة من عمري أعيش في ولاية كبيرة معظم سكانها مسحيين متعصبون أسرتي من نوع (البروتستانت) المتشددين أسرة لها أسمها الكبير في الولاية وعالميا أذهب معهم إلى الكنيسة كل أسبوع للصلاة .أستمع إليهم كل يوم أحد وما يرددونه حول الإسلام والمسلمين . يقولون أن المسلمين يحبون القتل وسفك الدماء والإسلام دين عنف وإرهاب . يقولون أنا المسلمين ناس في منتهى الغباء والإجرام . ليس عندهم حرية ولا ديمقراطية . يفتخرون بتعدد الزوجات ( أربعة). بعد أن سمعت كل ذلك تكونت عندي فكرة تسود عليها الحقد والكراهية تجاه هذا الدين دون أن أرى مسلم في حياتي بدأت أفكر هل هذا الكلام صحيح.كل ذلك وضعته في جانب والجانب الأخر وضعت فيه شيء أخر وهو ( أربع زوجات ) كيف . كيف . كيف . وانتهت الصلاة وذهبت إلى بيتي و بدأ فكرى و عقلي يدور، لم أستطيع التحكم كلما أردت أن أتجاهل هذا الموضوع لم أستطيع . هل هذا الكلام واقعي . و رغم أنني أذهب إلى الكنيسة معهم و لكن عندي شي من الشك يراودني بأن هذا الدين وهذه الصلاة ليست الحقيقة . ذهبت إلى عملي وكل من عاش في أمريكا أو ما يشبها يعرف أنك مهما كان عندك من المال لابد أن تعمل خصوصا وقت الأجازة الصيفية أردت أن أضيف هذا لأنني ذكرت أنني من عائلة مشهورة عالميا .وأثناء وقتي عملي وفى عام 1984 دخل شاب طويل أسمر اللون على وجه الابتسامة . وعندما رأيته قلت لزميلتي دعيه سوف أتولى الأمر وقلت له تفضل إلى هنا أجلس وأعطيت له قائمة الأسعار. وطلب كوب من الشاي و فطور ثم قال أرجوك أخبري الطباخ ألا يطبخ البيض على نفس المكان الذي يطبخ علية الخنزير. سألته هل لي أن أسأل لماذا أجاب لأنني مسلم . تغير لونى وصارت النار في جسمي وبدأ حالي يتغير وخشيت أن يلاحظ ذلك الزبائن و لكن تملكت أعصابي و لكن أردت أن ألقى علية شي . ألقيت علية أول قنبلة إحراج . أنتم الذين تتزوجون أربعة أزواج و بكل بساطة و هدوء أجاب لا.(1/248)
الدين الإسلامى هو الدين الوحيد الذي يقول أن لم تعدل فواحدة تكفى . قلت له لا.لا.لا أريدك أن تثبت لي هذا الكلام بكل هدوء. قال إن شاء الله . بدأت النار تعود إلى من جديد و أقول له ومن هو الله عندكم . أجاب الله الذي لا اله إلا هو لا شريك له . لم يلد ولم يلد . اشتدت النار وكاد أن ينفذ صبري ولكنني في مكان عمل . قلت له أنت عندك رب غير عيسى . أجاب نعم ولكن الإجابة تحتاج إلى وقت ومكان غير هذا للشرح . أنا مازلت أغلي في نفسي لماذا لم أرى الأشياء التي سمعتها عنهم في الكنيسة . ماذا يحدث . هل هذا صحيح أم أنه يمثل . انتهى وقال سأعود غدا إن شاء الله بالدليل .ذهبت إلى بيتي وأنا لاأدري ماذا حدث لي أفكر وأفكر وأفكر . متى يأتي الغد وبعد عذاب شديد جاء الغد وذهبت إلى العمل أنتظره وأقول متى يأتي بالدليل لن يأتي بالدليل هم جبناء ومجرمين كما تعلمنا . وأخبرت زميلاتي بالموضوع . والكل صار يحول أنظاره إلى خارج المطعم واحدة تقول سوف يأتي والأخرى تقول لن يأتي . وللعلم زميلاتي ديانات مختلفة . وأثناء الكلام نظرت من زجاج الشباك الكبير ورأيته يأتي متجها إلى المطعم وفى يده كتاب وأوراق . صار الكل يقول لقد أتى، لقد أتى ومعه الدليل . الدليل في يده . وفي هذه اللحظة لا أدرى ماذا حدث لي . تحولت النار إلى شيء آخر. بدأت أهدأ لا أريد الهجوم . لا أدرى ماذا حدث لي . دخل و ألقى التحية والكل ينظر إليه من زميلاتي وجلس وبسرعة أحضرت له كوب الشاي . ثم أخذت الإذن من المديرة بأن أجلس كي أناقش معه الموضوع قالت نعم و لكن عليك بأن تضعيه في خانة إليك . جلست سألته كيف حالك وكيف حال عملك لم أسألك بالأمس من أنت ومن اى بلد وكيف حال أسرتك. وبدأ يتعجب ثم قال ألم تسأليني عن الدليل . قلت له لا لن أسألك على الدليل . تعجب وقال لن تثقي بي قلت بلا أثق بك ودار الحوار وأنا أفكر هل هذا صحيح . كيف هم يقتلون الناس و يحبون الدماء وغدارين كما علموني .(1/249)
هل هذا صحيح لم أرى حتى الآن إلا الصدق وحسن الكلام . و بدأ الكلام من هو الله الذي تكلمت عنه بالأمس وشرح لي. سألت إذا من هو عيسى . أجاب وشرح لي القصة . ثم ألقى علي سؤال كان كالصاعقة . سألني إذا كان لديك طفلة واردتي أن تشرحي لها قصة عيسى فأي قصة تشرحي . القصة التي تعلمتيها في الكنيسة أم القصة التي شرحتها لك الآن؟
وكان الجواب دون تردد أشرح لها القصة التي شرحتها لي الآن ( في القرآن ) ثم انتهى اللقاء على أساس أنه سوف يأتي لي بكتب إسلامية توضح أن الإسلام دين تسامح دين حب دين مودة دين الحق دين العدالة . ذهبت إلى أسرتي ودار النقاش بيني وبينهم وشرحت لهم ماحدث قالوا أبعدي عن هذا المسلم الشرير. ابتعدي عن هذا المسلم القاتل. أعود إلى أسرتي في اليوم التالي وأقول لهم ليس شرير ليس قاتل انه صادق . سألوني ماذا قال لك . وكانت المعركة الكبرى . قلت لهم قصة عيسى الذي شرحها لي . ولم أرى إلا الأصوات ترتفع والاستنكار والتهديدات وصار الحال هذا لمدة أيام هددوني بالطرد من البيت ذهبت وشرحت له القصة وبعد شهور ازداد الأمر سوء لأنهم فعلا اتفقوا على أن يطردوني من البيت ولا يعطوني شيء. وأخبرته وفجأة قال لي إذاً أريد أن أتزوجك . دق قلبي . وفي الحال قلت نعم أوافق . وذهبت إلى والدتي وعرضت عليها الأمر ولم أرى إلا أمي تصيح وتقول كيف أنا لاأصدق ذلك ياللعار بنتي الوحيدة سوف تتزوج مسلم ماذا أفعل ماذا أقول . قلت لها اهدئي يا أمي لقد وافقت ولا تراجع وأنا أعلم أنة لابد من موافقة أسرتي لأني لم أبلغ السن القانوني كي أتزوج بدون أذنهم وبعد أيام لم يكن أمامها اى اختيار وتم الزواج وانتقلت إلى بيت الزواج ورأيت الزوج المخلص الذي يعرف كيف يتعامل مع زوجته . يحضر لي الكتب والشرائط الإسلامية. لم يغصب علي أبدا بأن أكون مسلمة ولكن كل شيء فيه يتمنى أن يراني مسلمة .(1/250)
و بعد تفكير و اقتناع و بعد عدة سنوات اتخذت أهم قرار في حياتي . سوف أقولها . سوف أنطقها . سوف أعترف . لا اله إلا الله محمد رسول الله ... أخيرا قلتها من أعماق قلبي . أخيرا نطقتها بكل اقتناع . أخيرا أخرجتها . وظللت أبكي وأبكي . هل أبكي من الفرحة أم أبكي على ما قد ضاع من عمري في الكفر . أبكي وأبكي . تذكرت قول الله سبحانه وتعالى . إن الله يغفر الذنوب جميعا . أريد أن أصعد إلى أعلى مكان في العالم و أصرخ بأعلى صوتي و أقول : لا اله إلا الله محمد رسول الله . أريد أن يعرف العالم كله لقد أصبحت مسلمة . أريد أن أذهب إلى كل أصدقائي وأخبرهم بروعة الإسلام . أريد أن أخبرهم عما أحس به . أنا مولودة جديدة . أخرجت كل ما كان في قلبي من شرك . وسوف أملأه حب لله و للرسول. أريد أن أتجه إلى الدعوة في سبيل الله وأخبرهم لأنهم في غفلة . اتجهت إلى الدعوة في سبيل الله و وفقني الله سبحانه وتعالى وهدى الله كثيرا من زميلاتي إلى دين الإسلام . حاولت مع أسرتي و لكن دون جدوى . تذكرت قول الله أنك لا تهدي من أحببت . مرت السنين و رزقني الله سبحانه و تعالى بأربعة أطفال . قررنا أن نغادر هذه الدولة إلى ديار الإسلام و نهتم بتعليم أولادنا للغة العربية واقرأن . أريد أن أقضي حياتي بين أهلي المسلمين أريد أن أعيش بينهم . أريد أن أتعلم اللغة العربية وأعلمها لأولادي . لقد قرأت كثيرا عنهم وأريد أن أرى الحقيقة . تركت أهلي وبلدي تركت كل شيء ابتغاء رضوان الله . و غادرت ... وكانت المفاجأة الكبرى. أتريد أن تعرف؟ ... ليس هذا هو الإسلام الذي اعتنقته. وجدت مسلمين بلا إسلام!
***
44- أحد القساوسة يعود إلى الإسلام بعد أن ارتد عنه في صباه
( لن نشير إلى اسمه لدواعي أمنية قد طلبها من الجهة التي أرسل إليها رسالته و هي رئاسة المحاكم الشرعية و الشئون الدينية بقطر "مجلة الأمة" )
يقول هذا القس الذي هداه الله بالرجوع إلى عقيدة التوحيد :(1/251)
" نشأت في البداية نشأة إسلامية إلى أن التقى بي نفر من المنصرين فزينوا لي النصرانية بأعذب الأوصاف التي توافق ذوق فتى في مقتبل صباه ، و كنت حينذاك في السابعة عشرة من عمري و فارقت وطني إلى بلد آخر للدراسة ، فكان أن حللت بالقرب من حارة النصارى ، و وجدت نفسي منساقاً في تيارهم و عابداً كما يعبدون ، و أُجريَت لي مراسم القبول الكنسية و أعطوني اسماً جديداً ثم حببوا لي دراسة اللاهوت ، فدخلت معهداً لهم حيث نلت شهادة في علوم النصرانية ، و من ثمَّ عُيِّنت راعياً لإحدى الكنائس ، و قضيت أربعة عشر عاماً في منصب قسيس الكنيسة ، و بعد ذلك استدعيت لرعاية كنيسة عربية في بلاد المهجر ، و هو العمل الذي أقوم به الآن منذ سبع سنوات .
و قد حدث أن أتيحت لي فرصة دراسة الإسلام بصورة أعمق و في مناخ من الحرية عندما رأوا أن يؤهلوني ـ عن طريق دراسة خاصة ـ للتعرف على الإسلام لكسر شوكته و جذب النفوس إلى حظيرة النصرانية ، و كانت الزلزلة التي أعادت إليّ صوابي و عقلي ، و شاء ربك أن يتحول هذا الشر في داخلي إلى خير جزيل ، و أفقت من غيبوبة استمرت نحو واحد و عشرين عاماً .. "
ثم يقول في موضع آخر من رسالته :
"إن دراستي للإسلام جعلتني أقف على جملة من الحقائق قد خلت منها النصرانية و جعلتني أدرك ـ عن علم ـ مقدار التفاوت الشاسع بين النصرانية الحالية و الإسلام "
و يختتم رسالته بالقول :(1/252)
" إن صحوتي هذه تلح عليّ أن أنفصل عن النصرانية برغم ما أعانيه من عذاب لا يعلم مداه إلا الله لما أواجهه من مشاكل مادية كبيرة و غضب القسس الكبار في الهيئة التي أعمل بها ، و زوجتي ، و ضياع استقرار أسرتي .. غير أنني أود أن أساهم بخبرتي في خدمة الإسلام " هذه مقاطع من رسالة ذكرناها هنا لما لها من أهمية و دلالة خاصة من نصرة الله لدينه الحق و لو كره الكافرون الذين يحاولون أن يبدلوا نعمة الله(الإسلام)كفراً و لو حرصوا واستماتوا في حرصهم فأما الزَّبَد فيذهب جفاءً و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض .
***
45- قصة إسلام الدكتور الفرنسي علي سلمان بنوا
أنا دكتور في الطب وأنتمي إلى أسرة فرنسية كاثوليكية. وقد كان لاختياري لهذه المهنة أثره في انطباعي بطباع الثقافة العلمية البحتة وهي لا تؤهلني كثيرا للناحية الروحية.
لا يعني هذا أنني لم أكن أعتقد في وجود إله، إلا أنني أقصد أن الطقوس الدينية المسيحية عموما والكاثوليكية بصفة خاصة، لم تكن لتبعث في نفسي الإحساس بوجوده، وعلى ذلك فقد كان شعوري الفطري بوحدانية الله يحول بيني وبين الإيمان بعقيدة التثليث، وبالتالي بعقيدة تأليه عيسى المسيح.
كنت قبل أن أعرف الإسلام مؤمنا بالقسم الأول من الشهادتين (لا اله إلا الله) وبهذه الآيات من القرآن ( قل هو الله أحد . الله الصمد. لم يلد. ولم يولد. ولم يكن له كفوا أحد).(1/253)
لهذا فإنني أعتبر أن الإيمان بعالم الغيب وما وراء المادة هو الذي جعلني أدين بالإسلام. على أن هناك أسبابا أخرى حفزتني لذلك أيضا، منها مثلا، أنني لا أستسيغ دعوى الكاثوليك أن من سلطانهم مغفرة ذنوب البشر نيابة عن الله، ومنها أنني لا أصدق مطلقا ذلك الطقس الكاثوليكي عن العشاء الرباني والخبز المقدس، الذي يمثل جسد المسيح عيسى، ذلك الطقس الطوطمي الذي يماثل ما كانت تؤمن به العصور الأولى البدائية، حيث كانوا يتخذون لهم شعارا مقدسا، يحرم عليهم الاقتراب منه، ثم يلتهمون جسد هذا المقدس بعد موته حتى تسري فيهم روحه !!!.
ومما كان يباعد بيني وبين المسيحية، أنها لا تحوي في تعاليمها شيئا يتعلق بنظافة وطهارة البدن لا سيما قبل الصلاة، فكان يخيل لي أن في ذلك انتهاكا لحرمة الرب، لأنه كما خلق لنا الروح فقد خلق لنا الجسد كذلك، وكان حقا علينا ألا نهمل أجسادنا.
ونلاحظ كذلك أن المسيحية التزمت الصمت فيما يتعلق بغرائز الإنسان الفسيولوجية، بينما نرى أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي ينفرد بمراعاة الطبيعة البشرية.
أما مركز الثقل والعامل الرئيسي في اعتناقي للإسلام، فهو القرآن. بدأت قبل أن أسلم، في دراسته بالعقلية الغربية المفكرة النافذة، وأني مدين بالشيء الكثير للكتاب العظيم الذي ألفه مستر مالك بن نبي وأسمه "الظاهرة القرآنية" فاقتنعت بأن القرآن كتاب وحي منزل من عند الله. إن من بين آيات هذا القرآن الذي أوحى الله به منذ أكثر من أربعة عشر قرنا ما يحمل نفس النظريات التي كشفت عنها أحدث الأبحاث العلمية. كان هذا كافيا لإقناعي وإيماني بالقسم الثاني من الشهادتين" محمد رسول الله".
وهكذا تقدمت يوم 20 فبراير سنة 1953 م إلى المسجد في باريس وأعلنت إيماني بالإسلام وسجلني مفتي مسجد باريس في سجلات المسلمين وحملت الاسم الجديد" علي سلمان".(1/254)
إنني أشعر بالغبطة الكاملة في ظل عقيدتي الجديدة وأعلنها مرة أخرى " أشهد أن لا اله إلا الله، و أن محمدا عبده و رسوله".
***
46- قصة إسلام ثاني أكبر قسيس في غانا
أخذوه طفلا فقيرا معدما يلبس الرث من الثياب ، وبالكاد يجد لقمة يومه ، ربوه في ملاجئهم ، درسوه في مدارسهم ، ما إن لحظوا منه نباهة حتى جعلوه من أولويات اهتماماتهم ، كان يتميز بذكاء حاد ونظرة ثاقبة في سن مبكرة من حياته ، سرعان ما شق طريقه في التعليم ، حتى نال أكبر الشهادات بالطبع كان ذلك مقابل دينه الذي يعرف انتماءه له ، لكنه تلفت يمنة ً ويسرة ً في وقت العوز والحاجة ، فما وجد أحدا إلا المنفرين - أعني المنصرين أو من يسمون أنفسهم بالمبشرين – أصبح قسيسا لامعا في بلده ، له لسان ساحر وأسلوب جذاب ومظهر لامع وبريق عينيه يقود من رآه إلى مرآب ساحته، ومع الأسف كانت ساحته هي التنصير ، وكم تنصر على يديه من مسلم .
وذات يوم إذ أراد الله هدايته ، تأمل ... وأخذ يتساءل .. أنا لم أترك ديني لقناعة في الديانة النصرانية ، وإنما الجوع هو الذي قادني ، والحاجة هي التي دفعتني ، والعوز هو الذي ساقني وعلى الرغم من رغد العيش الذي أنا فيه ، والرفاهية التي أتمتع بها إلا أنني لم أجد الانشراح ولم أشعر وأنعم بالراحة والسعادة والطمأنينة إذ ما فتئت أقلق من المصير بعد الموت ، ولم أرس على بر أمان أو قاعدة صلبة تريح الضمير حول ما في الآخرة من مصير .
لماذا لا أتعرف على الإسلام أكثر؟ لماذا لا أقرأ القرآن مباشرة ، بدلا من الاكتفاء بمعلوماتي عن الإسلام من المصادر النصرانية التي ربما لم تعرض الإسلام بصورته الحقيقة .(1/255)
وهنا شرع يقرأ القرآن ويتأمل ويقارن ، فوجد فيه الانشراح والاطمئنان ، وانفرجت أساريره وعرف طريق الحق وسبيل النور " قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم " . هنا اتخذ قراره الحاسم وعزم على التصدي لكل عقبة تحول دون إسلامه ، تُرى ماذا فعل؟ لقد عمل بالمثل القائل الباب الذي يأتيك منه الريح . افتحه وقف في وجهه. فذهب إلى الكنيسة وقابل الرجل الأول فيها القسيس الأوروبي الكبير عندهم ، وأخبره بقراره ، فظن أنه يمزح أو أنه هكذا أراد أن يقنع نفسه لكنه أكّد له أنه جاد في رغبته هذه ، فجن جنون الرجل وأخذ يزبد ويرعد ويهدد . . . ثم لما هدأ ، أخذ يذكره بما كان عليه وما صار إليه ، وما فيه الآن من نعمة ويسر ، وحاول إغراءه بالمال وأنه سيزيد راتبه ويعطيه منحة حالا ويزيد من المنحة السنوية ، ويزيد من صلاحياته ، و. . . و ... و.. لكن دون جدوى فجذوة الإيمان قد تغلغلت في شغاف القلب واستقرت في سويداء الضمير ، كذلك بشاشة الإيمان إذا خالطت القلب استقرت كما قال قيصر الروم لأبي سفيان فيما رواه البخاري رحمه الله.
هنا قال له : إذن تُرجع لنا كل ما أعطيناك وتتجرد من كل ما تملك ، قال أما ما فات فليس لي سبيل إرجاعه ، وأما ما لدي الآن فخذوه كله ، وكان تحت يديه أربع سيارات لخدمته وفيلا كبيرة وغيرها ، فوقع تنازلا عن كل ما يملك ، وهو في هذا يعيد لنا أمجاد أبا يحيى صهيب الرومي رضي الله عنه الذي قال له الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه : ربح البيع أبا يحيى ، وذلك عندما استوقفه مشركو قريش في طريق هجرته وقالوا له جئتنا معدما فقيرا ثم استغنيت فوالله لا ندعك حتى تخرج من مالك فاشترى نفسه منهم بأن دلهم على ماله على أن يدعوه " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " .(1/256)
اغتاظ القسيس الكبير وجرده حتى من ملابسه وطرده من الكنيسة شر طردة ، وظن أنه سيكابد الفقر يومين ثم يعود مستسمحا ، كيف لا يظن ذلك وهم المادّيّون حتى الثمالة. خرج أخونا من الكنيسة قال : وأنا لا ألبس سوى ما يستر عورتي ولا أملك سوى هذا الدين العظيم الإسلام ، وشعرت حينئذٍ أنني أسعد مخلوق على هذه البسيطة . سار ماشيا باتجاه المسجد الكبير وسط البلد وفي الطريق أخذ الناس يمشون بجانبه مستغربين ، ويقول بعضهم : لقد جن القسيس ، وهو لا يرد على أحد حتى وصل المسجد فلما هم بالدخول حاولوا منعه متسائلين إلى أين؟ وإذا بالجواب الصاعقة : جئت أُعلن إسلامي . عجباً ، القسيس الأشهر في البلاد الذي تنصر على يديه المئات ، الذي يظهر في شاشة التلفاز مرتين أسبوعيا ، الذي يمثل النصرانية في البلد ، الذي ...... يأتي اليوم ليُعلن إسلامه إنها سعادةٌ لا توصف ، وفرحة لا تعبر عنها الكلمات ، ولا تقدر على تصويرها الجمل والعبارات ، إنه أنسٌ غامر وإشراقة منيرة ، وكأنّ بالتاريخ يدوّي بصيحة اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين ، ومع فارق التشبيه إلا أنه رب إسلام شخص ٍ واحدٍ يجر خلفه إسلام المئات وإنقاذ العشرات من براثن التيه والضلال وحمأة الكفر والانحلال .المسلمون فرحون ، هذا أعطاه بنطالا وذاك أعطاه قميصا وآخر وهبه الشال ، حتى دخل المسجد وألقى بالمسلمين المتواجدين خطبة عصماء أعلن فيها إسلامه انطلقت على إثرها صيحات التكبير وارتفعت خلالها أصوات التهليل والتسبيح ، استبشارا وفرحا بإسلام مَن طالما دعاهم إلى الضلال ، إذا به اليوم يدعوهم إلى الهداية والإسلام ، وخلال يومين رجع الكثير الكثير ممن تنصروا إلى واحة دينهم الإسلام الوارفة الظلال ، حيث ينعمون في ظله وكنفه بآثار الهداية وطمأنينة سلوك السبيل القويم وراحة البال والضمير والخير العميم . " الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب "(1/257)
بعد يومين من إعلانه إسلامه بدأ النصارى الحاقدون يبحثون عنه ليقتلوه وتهددوا وتوعّدوا فقام المسلمون بتهريبه إلى سيراليون سرا ، حيث أ ُعلِن عبر الإذاعة التي تملكها لجنة مسلمي أفريقيا الكويتية أنه سيُلقي خطابا للأمة بمناسبة إسلامه ، وأخذ الجميع يترقّب هذا الخطاب والكنيسة كانت ضمن المترقبين وقد توقعت أن يقوم بمهاجمتها أشد المهاجمة وإخراج كثير من أسرارها أمام الملأ والتجني عليها ، هذا ما كانت تتوقعه ، وقد أعدّت قبل خطابه مسودة لبيان سوف تنشره وكان يرتكز على أنها وجدته معدما فقيرا وقامت بمساعدته وتبنيه وتربيته وتكفلت بتعليمه حتى بلغ أعلى المستويات العلمية ثم هو يقوم بنكران الجميل وخيانة الأمانة ورد المعروف بالإساءة ، والتنكر لمن آواه ورعاه .
لكن الله خيّب فألهم وأغلق عليهم الطرق ، حيث قام صاحبنا بإلقاء خطاب خلاف توقعهم بدأ فيه بشكرهم على كل ما قدّموا له وذكر ما قدّموا له من رعاية ومأوى وتعليم وغيره بالتفصيل ودان لهم بعد الله بالفضل ، إلا أنه نوّه وأشار بطريقة لبقة تتسم بالذكاء إلى أن العقيدة وحرية الدين ليست تسير وفق العواطف بطريقة عمياوية وفضل الله تعالى فوق كل فضل ، ونعمة الله تعالى فوق كل نعمة ، ذلك بصياغة تجعل كل مَن خَدَمَتهُ الكنيسة يُعِيدُ النظرَ في هذه الخدمة والرعاية وأنها ليست مقياسا لصحة العقيدة ، وليست العامل المرجّح لاختيار الدين ، فأصاب الكنيسة في مقتل وأغلق الطريق أمامها لانتقاده والتشنيع عليه ، وأظهر دين الإسلام بأنه لا يرضى لأتباعه بنكران الجميل ، بل قال أن الدين الإسلامي يعلم أتباعه الوفاء ، لكنه لا يرضى لهم أبدا بإلغاء عقولهم " إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون " .(1/258)
بعد الخطاب بيومين كان هناك حفل افتتاح مسجد الجامعة حيث حضر هذا الحفل في باحة الجامعة رئيس جمهورية سيراليون وجمع من المسئولين وبعض رجال الكنيسة الذين دعتهم الجامعة لتكريس التسامح الديني ولتلطيف الجو بعد الخطاب الذي ألقاه القس الذي أسلم وفي الحفل بعد تلاوة القرآن الكريم قام الشيخ طايس الجميلي حفظه الله ممثل لجنة مسلمي أفريقيا التي تكفلت ببناء المسجد بإلقاء كلمة أشار فيها إلى إسلام ذلك القس وضمنها قوله تعالى " ولتجدن أقربهم مودة للذين امنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لايستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا ءامنا فاكتبنا مع الشاهدين " وأن هذا هو حاله وما حدث معه وعندما شرع في شرح هذه الآية ووصل بشرحه عند الآية ترى أعينهم تفيض من الدمع والمترجم يترجم على الفور ، قال رأيت القساوسة الذين حضروا أخرجوا مناديلهم يمسحون دموعهم ، تأثرا أو مجاملة والله أعلم . قال أحد القساوسة لزميله الذي بجانبه أقسم أن هذا هو من أرشد ذلك القسيس ليجعل خطابه بالصورة التي ظهر عليها وأحرجنا . وسمعهم أحد المسلمين بجانبهم. والحمد لله على نصرة دينه ، والله أكبر ولله الحمد .
***
47- قصة عادل وماريان
قصة تتمتع بسهولة الفكرة و انسيابية الأسلوب ، تلخص ببساطة و تلقائية قصة حياة الكثيرين ممن يبتلع التسويف حياتهم دون أن يدركوا معنىً لها .. وصلتنا هذه القصة عبر البريد الإلكتروني منقولة عن إحدى المجموعات البريدية غير منسوبة إلى مؤلفها .. و هي رسالة موجهة لعموم المسيحيين ..
عادل طفل مسيحي ذكي في التاسعة من عمره ، كان ذات يوم في طريق العودة مع أبيه من الكنيسة و في ذهنه تدور تساؤلات كثيرة فسأل والده في براءة :
عادل: أبي ، لماذا يلبس القسيس ملابس سوداء؟
الأب: لكي يعرفه الناس !(1/259)
هز عادل رأسه بطريقة توحي بعدم اقتناعه وبعد مسافة قصيرة سأل عادل أباه : أبي ، لماذا أراك تُقَبِّل الصليب كثيراً؟
أجاب الأب: لأن يسوع المسيح صُلِبَ عليه يا عادل
رد عادل في براءة الأطفال قائلا : لكنني أكره هذا الصليب
قال الأب وقد بدا عليه الضجر من أسئلة عادل: ولماذا تكرهه؟
أجاب عادل: لأن يسوع المسيح تعذب ومات عليه
الأب: لكنه مات من أجلك يا عادل!
عادل: من أجلي!! وكيف ذلك
الأب: لكي يُكَفِّر عنك خطيئة أبيك آدم حين أكل من الشجرة
عادل: وما دخلي بخطيئة أبي آدم؟ هل أنا مسؤول عن خطايا جميع الناس الذين خلقهم الله؟
الأب: هذا أمر ستفهمه عندما تكبر يا عادل
استمر عادل في طريقه للمنزل صامتاً وهو يتمنى من داخله أن يأتي ذلك اليوم الذي يكبر فيه ويجد الإجابة عن جميع أسئلته ..
عادل كبر وكبرت الأسئلة في ذهنه وأصبح عمره خمس عشرة سنة .. فكر عادل مرة في أن يناقش أمه لعله يجد إجابة شافية عندها :
عادل: أمي إذا كان المسيح هو الذي خلقنا فمن الذي خلق المسيح؟
الأم: ولماذا تسأل هذا السؤال يا حبيبي ألا تعلم أن المسيح هو الخالق الذي خلق الكون كله؟
عادل : لكن المسيح يا أمي قد ولد من بطن أمه فمن الذي خلق السيدة العذراء؟
الأم : المسيح أيضا يا حبيبي
عادل: ولماذا دخل بطنها بعد أن خلقها ليولد كما يولد الأطفال؟ وكيف يمكن أن يكون لله الذي خلق الكون أمّا ؟
الأم : أنت تسأل عن أمور كثيرة يا عادل وسوف تعرف الإجابة عنها بمفردك عندما تكبر, من الأفضل لك الآن أن تراجع دروسك لأن موعد الامتحانات قد اقترب
ترك عادل أمه ودخل غرفته لكي يراجع مادة الرياضيات وفي ذهنه سؤال كبير: هل سيأتي ذلك اليوم الذي يجد فيه إجابة شافية لجميع أسئلته؟؟(1/260)
نجح عادل بتفوق في الثانوية العامة ودخل كلية الهندسة ولم يَنْسَ حلمه القديم ، فقد كانت الأسئلة تثور في ذهنه بين الحين والآخر و كان يقول في نفسه : الآن لم أعد صغيراً ولابد أن أجد إجابة عن كل الأسئلة التي تدور في ذهني ، ولكن .. وآهٍ من لكن.. كانت مذاكرته لا تتيح له الوقت الكافي لكي يبحث عن إجابة شافية لكل هذه الأسئلة ... لكن سؤالاً واحداً كان يؤرقه بشدة وهو : ماذا لو مت الآن؟ هل سيحاسبني الله لأني لم أجتهد في الوصول للحقيقة كما أجتهد في المذاكرة؟ .. فكر عادل قليلا ووجد أن الإجابة المنطقية هي : نعم لأن الدين هو أهم شيء في حياة الإنسان وأن المذاكرة ما هي إلا وسيلة وليست هدفاً .. كان عادل يشعر في داخله أن المسيحية بها الكثير من التناقضات والأمور المبهمة .. لقد تحير عقله كثيراً كلما قرأ عن شخصية المسيح في الكتاب المقدس .. أهذا حقاً هو الرب الذي خلق السماوات والأرض.. إن حديث الكتاب المقدس عن المسيح لا يختلف عن حديثه عن نبي من الأنبياء .. حتى كلام المسيح نفسه إنه يتحدث عن نفسه كما يتحدث أي بشر عادي ! لماذا لم يعترف لليهود صراحةً أنه هو الله الذي يجب أن يعبدوه؟ هل كان خائفا منهم؟ لا .. إن الرب لا يخاف .. فماذا إذن؟ كان عادل يشعر في قرارة نفسه أن دين المسلمين ليس به كل هذه المتناقضات .. كل الأمور واضحة عندهم ..
كم يحسد زملاءه المسلمين في الدفعة لأنهم لا يعانون مثل هذه الحيرة .. كان عادل يعرف الكثير منهم معرفة شخصية وبعضهم من المتدينين ، لكنه بدلاً من أن يحاور أيَّاً منهم ويستفهم منه عن الإسلام لعله يجد إجابة شافية عن أسئلته - وليته فعل - اتصل عادل بزميله جورج ودار بينهم هذا الحوار :
عادل: كيف حالك يا جورج؟ إني أريد أن أكلمك في موضوع مهم
جورج: وما هو يا عادل؟ .. كلي آذان صاغية
عادل: جورج ، أخبرني بصراحة لماذا تؤمن أن المسيح هو الله؟(1/261)
جورج ( متعجباً ) : وهل هذا سؤال يا عادل؟ هل عندك شك في هذا؟
عادل : أريد أن أسمع منك إجابة واضحة يا جورج وأرجو ألا تفهمني خطأ
جورج: لأن أبانا أخبرنا ذلك في الكنيسة منذ أن كنا صغاراً و هذا ما تعلمناه في المدرسة و أبي و أمي وإخوتي كلهم...
قاطعه عادل قائلا: ولكننا الآن أصبحنا كباراً ولابد أن تصير لدينا قناعة ذاتية بأهم أمور الدين ولا يكفي أن نعتمد على ما قاله لنا الأب أو المدرس في المدرسة و...
جورج: ماذا دهاك يا عادل؟ هل تتصل بي في هذه الساعة لكي نتحدث في هذه الأمور؟ ألا تعلم أن عندنا امتحان ميكانيكا غداً؟
عادل : لكن هذا الكلام أهم من الامتحان صدقني
جورج: ماذا تقول يا عادل؟ إنني أريد أن أحصل على تقدير هذا العام لا ككل مرة .. هيا هيا أمامك العمر طويل بعد أن تتخرج من الكلية فكر واقتنع فيه كما تشاء .. هيا إنني أريد أن أراجع مسائل العام الماضي .
أشفق عادل على جورج وأدرك أنه لن يشعر بما يشعر به مهما حدثه وأنهى معه المكالمة ثم انكب على مذاكرة الميكانيكا ..
مرَّت أعوام الدراسة على عادل سريعة و تخرج بتقدير جيد جداً ثم بدأ رحلة البحث عن عمل ولم يتعب كثيراً فقد وجد عملاً بسهولة .. أحب عادل عمله الجديد و كان يظل فيه أكثر ساعات النهار وعندما يعود ليلاً كان ينشغل في أمور متعددة حتى يحين ميعاد النوم فينام مبكراً لكي يذهب إلى عمله في الصباح وهكذا دواليك ...(1/262)
وفي يوم بينما كان عادل مستلقياً على سريره يداعب النوم عينيه فكر في نفسه هل حقق أهدافه التي كان يخطط لها في صغره؟ لقد تخرج من كلية مرموقة بتقدير مرتفع ووجد عملاً جيداً وها هو على مشارف الزواج... فكر عادل قليلاً ووجد أن هدفاً واحداً لم يتحقق ، إنه الاقتناع الكامل .. سأل عادل نفسه : ماذا تنتظر؟ ألم تتخرج من الكلية؟ ألم تستقر في وظيفتك؟ ألم تتحرر من أغلب القيود التي كانت عليك وأصبحت قادراً على اتخاذ قرارك بنفسك؟ ماذا تنتظر إذن؟ لماذا لا تحاول البحث عن الحقيقة التي تروي ظمأك الروحي وتشبع رغبتك في اليقين الكامل؟ كان عادل في قرارة نفسه يوقن أن الدين الحق إن لم يكن هو المسيحية فلا بد أن يكون هو الإسلام ولا ثالث لهما لما يعرفه عن الإسلام من خلال تعامله مع مسلمين ورؤيته لمناسك دينهم وتأثره بأخلاقهم .. كم كانت نفسه تمتلئ بالإعجاب والانبهار كلما تذكر تلك الآيات من القرآن التي قرأها صدفة في أحد مواقع الانترنت .. إنه يشعر أن هذا الأسلوب ليس بأسلوب بشر ولكنه صادر عن قوة عليا محيطة بكل شيء وتملك كل شيء!
فكر عادل أن يقوم من السرير لكي يبحث في الإنترنت عن المواقع الإسلامية الموجهة لغير المسلمين وتشرح أساسيات العقيدة الإسلامية وتخاطب المسيحيين أساسا - وليته فعل كما فعل الكثيرون !! - لكنه نظر إلى ساعته فوجدها اقتربت من الثانية عشرة وتذكر أنه على موعد هام في عمله في السابعة صباحاً فقرر أن يؤجل هذا الأمر للغد حتى يتمكن من الاستيقاظ باكراً ..
جاء الغد وانشغل عادل بعمله كالمعتاد ثم رجع إلى البيت منهكاً ، مرَّ طيف الفكرة التي عزم عليها أمس على ذهنه لكنه وجد نفسه متعَباً وقرر تأجيلها إلى اليوم التالي ..(1/263)
مرَّ يوم من بعد يوم وانشغل عادل في العمل أكثر وأكثر ، وكان عادل قد حاز رضى رؤسائه ووضعوا ثقتهم فيه حتى تم ترقيته إلى منصب أعلى في الشركة التي يعمل فيها وأصبحت مشاغله أكثر وصار يقضي في العمل أوقاتاً أطول ..
لم تنقطع صلة عادل بالكنيسة طول هذه المدة فقد كان يذهب إليها يوم الأحد بطريقة روتينية و يؤدي الصلاة بلا روح دون أن يشعر أن لها أي تأثير على حياته ..
مرَّت السنون على عادل وقد تزوج وأنجب وصار وضعه في العمل أفضل حتى صار في مركز إداري هام في الشركة ولما يتجاوز الخامسة والثلاثين بعد ..
كان حلمه القديم يراوده بين الحين والآخر لكنه لم يكن يتجاوز دائرة تفكيره .. كان يشعر بتأنيب في ضميره أنه قد بلغ ما بلغ ولمَّا يبذل أي محاولة جادة في البحث عن الحقيقة لكنه كان يعلل نفسه كل مرة بأن العمر أمامه طويل و ما لا يدركه اليوم قد يدركه غداً...(1/264)
مر عام يتلوه عام وانشغل عادل في دوامة الحياة .. وبينما كان في المصيف يوماً وقد وقف على شاطئ البحر يفكر في عظمة خلق البحر لا يرى له نهاية سأل نفسه أيمكن لهذا البحر الهائل ذي الأمواج المتلاطمة أن يكون خالقه عاجزاً أن يدفع عنه أذى البشر حين وضعوه على الصليب وناله من الأذى ما ناله؟ هل يكون خالق هذا الكيان العظيم هو من يقرأ عنه في الإنجيل أنه كان يأكل ويشرب وينام؟! لماذا كان يشرب إذا كان بإمكانه خلق كل هذه الكمية من المياه؟ ابتسم عادل في نفسه حين شعر بطرافة السؤال ، لكن لم يلبث أن صاح بأعماقه صوت طالما أخمده طول التسويف : أما آن لك يا عادل أن تبحث عن الحقيقة؟ أترى أن هذا الضمير الذي يؤنبك يكذب عليك ويخدعك؟ هل خدعك ضميرك الذي تصغي له في عملك دائما مرة واحدة لكي يخدعك هذه المرة؟ لماذا تلتفت إليه في عملك بالشركة ولا تلتفت إليه في عقيدتك؟ راودته سريعاً فكرة أن يلبس ملابسه ويدخل أي إنترنت كافيه ليبدأ رحلته إلى اليقين ويتعرف أكثر على الإسلام - وليته فعل ! - لكنه سرعان ما استثقل الفكرة ورأى أن ذلك قد يمنعه من الاستمتاع بالمصيف ، و كالعادة قرر أن يؤجل هذا الأمر حتى يعود إلى بلده لكي يكون بحثه أكثر جدية !!
رجع عادل إلى منزله و شغلته دوامة الحياة مرة أخرى و نسي ما عزم عليه من قبل .. و في يوم من الأيام بينما كان يقرأ الجريدة أخذت طفلته الصغيرة ماريان تلعب بين يديه ثم سألته فجأة في براءة قائلة: أبي ، من هو الإله الذي يعبده المسلمون؟!
فوجئ عادل بسؤالٍ كهذا أن يخرج من طفلة في مثل سنها وقد نسي أنه كان يسأل أسئلة مثلها حينما كان صغيراً مثلها واستطاع بصعوبة أن يخفي تعجبه من السؤال الذي أثار في نفسه كثيراً من الأشجان ووخزات الضمير ..
فسألها : ولماذا تسألين هذا السؤال؟
الابنة في براءة: لأن لي صديقات مسلمات في المدرسة وهنَّ طيبات جداً وأراهنَّ يصلين صلاة جميلة وأريد أن أعرف هل سيدخلن النار؟(1/265)
أُُسْقِطَ في يد عادل حينما سمع رد ابنته ولم يستطع أن يرد عليها لأنه نفسه لم يكن يعرف إجابة يقينية وتمنى كثيراً لو أنه عرف الإجابة لكنه للأسف لم يبذل أي محاولة جادة حتى الآن ..
لم تلبث ماريان أن أردفت بسؤال آخر : أبي لقد رأيت يوما قسيساً يصلي لتمثال يسوع المسيح داخل الكنيسة ورأيت أمي تدعو أمام صورة المسيح ، فهل توجد تماثيل وصور مثل ذلك داخل مساجد المسلمين؟ وهل المسلمون يعبدون الله أم المسيح؟ لم يستطع عادل أن يخفي دهشته هذه المرة من أسئلة ابنته المتتابعة و خاصة سؤالها الأخير ، إلا أنه تمالك نفسه أخيراً فلم يكن يحب أن تفقد ابنته ثقتها فيه فأجابها بطريقة آلية: عندما تكبرين سوف تعرفين الإجابة عن جميع أسئلتك يا حبيبتي !
في هذه اللحظة كان عادل يعاني سيلاً جارفاً من وخزات الضمير وهو يشعر أنه خدع ابنته وتمنى في هذه اللحظة أن يعترف أمامها أنه لا يدري الإجابة وأنه يجب أن يبحثا سوياً عن إجابة هذه الأسئلة من الآن - وليته فعل فالحقيقة هي أسمى ما يسعى إليه الإنسان - إلا أنه خاف أن تهتز صورته أمام ابنته فاستمر في قراءة الجريدة !!
مرت ستة أشهر على هذه الحادثة وأصيب عادل بمرض خطير - وهو ما زال في الأربعين من عمره - وتدهورت حالته سريعاً حتى لزم الفراش وأيقن الأطباء أن وفاته أصبحت وشيكة ..
أصبحت زوجة عادل وابنته لا تفارقان فراشه .. وذات يوم وهنَّ ينظرن إليه وهو يتألم ولا تملكان له شيئا لمحت ماريان كآبة عجيبة علت وجه أبيها وظلمة وعُبوس لم تر مثلهم على وجه إنسان قط ، فامتلأ قلبها رعباً ثم سكنت أعضاء عادل إلى الأبد .. لقد مات عادل .. مات ولم تَكْفِهِ أربعون سنة كاملة أن يتجرد فيها لمرة واحدة كي يبحث عن الحق ..(1/266)
بكت ماريان كثيراً على أبيها ، ثم مرت عليها أعوام تلو أعوام و بينما كانت تذاكر دروسها الجامعية ذات مرة ثار في خاطرها طيف أبيها و تذكرت منظره قبل موته ثم فكرت هل يمكن أن يكون هذا حالها عندما تموت؟ وهل لهذا علاقة بأسئلتها الحائرة؟
توقفت ماريان عن المذاكرة وسرحت أفكارها في هذه الأسئلة الحائرة التي لم تعرف بعد إجابة شافية عنها ومر بفكرها أمور كثيرة تمثل مناطق مظلمة في ذهنها كالتثليث والأقانيم الثلاثة والخطيئة الموروثة والاعتراف والأسرار السبعة و... فكرت ماريان أن تبدأ فوراً ببحث متجرد يشفي أنين روحها ، إلا أنها قررت تأجيل الفكرة حينما نظرت إلى ساعتها وتذكرت أن موعد المسلسل العربي قد حان - وليتها لم تفعل!!
والآن هل تكونون كعادل وماريان؟
***
48- قصتي مع المنصرة "دورين"
اسمه "وليد العويّس" كان في العشرين من عمره عندما امتدت إليه أيد ناعمة تسحبه إلى حظيرة النصرانية مستغلة ظرفاً إنسانياً قاسياً مر به ... لندع وليد يكمل القصة :
توفيت والدتي محروقة بالنار في العراق فاتصلت بي اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالكويت وقالوا : تفضل عندنا في الجابرية وسلموني خطاباً من العراق فتحته فوجدت بداخله شهادة وفاة والدتي وإفادة بأنها دفنت في العراق بعد أن ماتت لأسباب مجهولة .
بكيت كثيراً واسترجعت ذكرياتي مع أمي التي ربتني منذ كان عمري أربع سنوات بعد وفاة والدي . ورحت أصرخ : لماذا ماتت أمي ؟ هدأوا من روعي واتصلت بأحد إخواني وقلت له : تعالى خذني .
ولما جاء قالت له امرأة من العاملين باللجنة : يبدو أن زميلك حساس جداً .
فأجابها : نعم لأنه تربى في كنف أمه وهو حزين عليها .
فقالت : أرجو أن تبلغني عن حالته أولاً بأول .
بعد أربعة أيام اتصلت بي تلك المرأة وقالت : أنا دورين – وهي أرمينية لبنانية الأصل سويسرية الجنسية – " ممكن أشوفك "
قلت : لماذا ؟
قالت : أنت الآن تحتاج إلى رعاية وتأهيل ونريد الاطمئنان عليك .(1/267)
فأتيت إليها وكانت الساعة الثانية ظهراً فقالت لي : ما رأيك لو نأخذ الغذاء في الخارج . وبعد الغداء قالت : أنا عندي بيت لوحدي فما رأيك لو أتيت معي .
فذهبت معها . وجلسنا نتحدث أحاديث متنوعة وليست ذات أهمية ، وقد امتد بنا الوقت إلى الساعة 10 ليلاً . لم أصل العصر والمغرب والعشاء فسألتني : لماذا لم تصل وأنت مسلم ؟
فقلت : أصلي لمن ؟ فوالدتي توفيت ووالدي توفي ولم يعد هناك من أدعو له !
فقالت : هل أنت صادق ؟
أجبت : نعم .
بعد ذلك رجعت للبيت . بعدها بثلاثة أيام اتصلت مرة أخرى وقالت : أود رؤيتك ، وطلبت مني شهاداتي المدرسية وقالت : أنا أعرف أنك إنسان متفوق ، فأعطيتها شهاداتي المدرسية ، ثم قامت هي وأعطتني كتاباً وقالت : أود منك قراءته ثم تخبرني عن مدى فهمك له .
أخذت الكتاب وقرأته وبعد أربعة أيام أعطيتها الكتاب وقلت : هل تودين سؤالي عن شيء . قالت : لا .
كان الكتاب عن النصرانية وتلك كانت بداية جذبي إلى النصرانية ...
سعت إلى تجاوز العلاقة الرسمية ، واتصلت بي يوماً وقالت : أنا تعبانة وأريد الذهاب إلى الكنيسة حتى أصلي .
فقلت : لماذا لا نذهب سوياً ثم تصلين وبعدها نذهب لنتغدى سوياً .
قالت : أخاف أن أطيل عليك .
فقلت : لا ، ليس عندي أي مشكلة ، فأنا جاهز .
في الطريق إلى الكنيسة كانت حزينة ومهمومة ، و بعد ساعة جاءتني بعدما صلّت فإذا بها إنسانة ثانية مرحة وتضحك وتتحدث معي . فقلت لها : ما الذي غيرك ؟
قالت : كأني دخلت عالماً آخر تتوحد فيه المشاعر وتحس بروحانية عجيبة .
قلت : معقولة لهذه الدرجة .
قالت : أنت إذا دخلت سوف تشعر بمثل ذلك الشعور.
فقلت لها : الحقيقة لم أشعر بمثل ذلك الشعور من قبل .
فقالت : إذا أردت ذلك فادخل الكنيسة بعد أن تنزع ثوبك وتلبس البنطال والقميص .(1/268)
بعد أسبوعين من هذه الواقعة لبست البنطال والقميص ودخلت الكنيسة معها . وجاءتني بسلسال عليه الصليب وعليه خرز كريستال . وقالت : كل واحدة من هذه الخرز عليها آية من آيات الإنجيل المقدس . وعلمتني كيف أردد آيات الإنجيل داخل الكنيسة .
كم كانت الفترة ما بين تسلمك للمظروف ودخولك للكنيسة ؟
أربعة شهور ، و قد كنت مشدوداً إلى تلك المرأة فهي جميلة جداً وخارقة وشعلة نشاط إذ تخرج من الساعة الثامنة صباحاً وتعود العاشرة مساء . المهم أنني دخلت الكنيسة ورأيت نساء جميلات ولا أعرف هل كانت هذه الحركة منها مقصودة أم لا .
هل كان هناك استقبال خاص بك في الكنيسة ؟
نعم فقد كان ذلك مريباً ، إذ قابلت القسيس وسلمت عليه وانحنيت له ووضع يده على رأسي ثم قام يتمتم بفمه . ثم رفعت رأسي وابتسم ، بعدها جلسنا على كراسي في الكنيسة وكانوا يرددون كلاماً في عيد الفصح . بعد ذلك قالت لي : قف وادخل غرفة فإذا كانت لك خطيئة تحدث مع القسيس وأخبره ، حتى يسأل لك الرب. فقمت ودخلت وكنت أشعر أنني مذنب فشكوت ذلك للقسيس . وقلت له : اسأل الرب هل هو راض ٍ عني . فقام القسيس ولم يلبث دقيقتين ثم قال : لقد سألت الرب وهو غافر لك فعش حياتك .
بعدما خرجت من الكنيسة طلبت مني أن نعيش مع بعض . حيث كنت أعيش في شقة مستقلة وهي تعيش لوحدها . وقالت : اختر هل تعيش معي أم أعيش معك . فقلت لها : أنا أعيش معك أفضل . وقد مكنها ذلك من دراسة حياتي كلها : الأشياء التي أحبها وأكرهها والكتب التي أقرأها وغير ذلك . واكتشفت بعد ذلك أنها كتبت تقريراً عني يصل حجمه إلى ألف وسبعمائة وأربع وثلاثين صفحة . هذه الخطوة مكنتها مني تماماً وسيطرت عليّ فكرياً ووجدانياً وعقلياً وأحكمت خيوطها حولي بدقة .
خلال هذه الفترة أين كان أصدقاؤك وأقرباؤك ؟
أنا لست اجتماعياً ولا أرتبط بأحد ولا أميل إلى العلاقات.لقد عشت حياتي في طفولتي وحيداً وانطوائياً جداً وهذا ما مكن هذه الفتاة مني .(1/269)
كيف كانت حياتك في عملك ؟
كنت موفقاً في عملي ( مدير علاقات عامة ) ورؤسائي يثنون على أدائي وجديتي ، وكانت نقطة ضعفي الوحيدة وفاة والدتي التي زلزلت كياني .
كيف كانت علاقتك في منزل تلك الفتاة ؟
كانت بالنسبة لي الأم والأخت وكل شيء ، وكان يقيم معها خادمتين متزوجتين ، ورغم أنني عشت معها في بيت واحد إلا أنني لم أتزوجها . سافرت معها سفرات خارجية إلى كوبنهاجن والدنمرك وجنيف . وأثناء سفري كنّا نزور كنائس في باريس وأمستردام وبرلين وغيرها من المدن الغربية . أعطتني في برلين نسخة الإنجيل الذي لم يحرف في معتقدهم .
في هذه الفترة هل اطلع أحد من أهلك على هذه التغيرات في حياتك ؟
أبداً ، فقد كنت أعيش في محيط اجتماعي شعاره : أنا عليّ همي وأنت عليك همك . وقد عشت معها حوالي تسعة شهور ، وفي إحدى السفرات إلى جنيف أقنعتني بوشم الصليب على كتفي وقلب مريم العذراء على ذراعي ، فقد كانت تريد أن تترك أثراً لا يمحى في جسدي واستمرت العلاقة حتى فاتحتني في الزواج . بعد أن تأكدت أنها سيطرت عليّ تماماً وأني أراها أمامي في كل لحظة . قلت لها : لم لا ؟ أنا موافق .
فقالت : أنا لا أستطيع أن أدخل في دينك ولابد أن تتنصر تنصراً كاملاً وتقرُّ ببطلان هذا الدين الإسلامي والقرآن حتى يمكن أن نتزوج .
فقلت : وبعد هذا ؟
قالت : نتزوج .
كانت متعصبة جداً جداً لدينها ، وكانت تقول لي : انظر إلى هؤلاء المسلمين وأحوالهم لقد ولى زمن صلاح الدين ولا يغرك هؤلاء الكلاب الذين على المنابر يعوون بلا فعل !
فقلت لها : حسناً ، سوف نذهب سوياً إلى جنيف ونهاجر ونتزوج هناك ، ولكن قبل ذلك أريد أن أذهب إلى أخي في السعودية حتى أقابله وأسلم عليه لأنني سوف أهاجر من غير رجعة .
فقالت : لماذا لا يأتي أخوك إلى هنا ؟
قلت : لا عليك ، مجرد يومين ثم أعود .
طلبت مني أن أحمل معي دائماً مسجل وأستمع إلى شريط حتى لا أتأثر بما أسمعه عن الإسلام .(1/270)
جئت إلى الرياض وقابلني أحد الأئمة واسمه "عبد العزيز الهديان" ، وكان يعلم أني قدمت من الكويت ، فسألني : بودنا أن ندعوك على الغداء بعد صلاة الظهر .
فقلت . بعد صلاة الظهر ! أنا لا أصلي .
فقال : لماذا ؟ ألست مسلماً ؟ .
قلت : لا .
قال : أتمزح ؟
فقلت له : هل أعرفك حتى أمزح معك ؟
فقال : هل لك ديانة ثانية .
فقلت : الرسول قال لكم دينكم ولي دين! ( هذه آية وليست حديثاً )
فقال : إن شاء الله تكون تمزح .
فقلت له : أنظر إليّ ـ وعرضت عليه صليباً كنت أعلقه على صدري ـ ، لقد هربت من هناك لأبتعد عنك وأشكالك ، فابتعد عني .
عاملني الشيخ بهدوء وحكمة بالغين وعرض عليّ هو والشيخ "محمد العنزي" القيام برحلة ستعجبني وقال لي : إذا عجبك عجبك وإذا ما عجبك أرجعناك إلى المكان الذي تريده .خرجنا من الرياض ووجدت نفسي في الميقات لأول مرة في حياتي فأنا لم أحج ولم أعتمر من قبل .
قالوا لي : هذا الميقات ، والمسلم إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ، والآن والداك توفيا ولم يبق لهما إلا أنت تدعو لهما ، فاختر مصيرك وحدد وجهتك إلى الجنة أم إلى النار .
كان هناك رجل في الميقات ومعه طفلان سأله أحدهما : هل نحن ذاهبون لنصلي كي نرى الله ؟ تأثرت بهذه الكلام واستصغرت نفسي أمام ذلك الطفل .
قال لي أحد المشايخ : لابد أن تكسر الصليب الذي معك وتذهب معنا إلى الحرم .
قمت ولبست الإحرام وصليت في الميقات ثم دخلنا مكة ، وبمجرد ما وضعت رجلي في صحن الكعبة التي رأيتها لأول مرة رحت أبكي كأنني طفل خرج من بطن أمه ، وفي هذه الأثناء أغلقت عينيّ فإذا بأمي أمامي لابسة لباساً أخضراً ومعها كتاب وتقول لي : هذا يا ولدي هذا كتابك الذي أريدك أن تحمله معك في هذه الدنيا . .. الآن أرحت قلبي وأنا تحت التراب .(1/271)
كانت هذه نقطة الإفاقة وعودة الوعي بالنسبة لي ..... عدت إلى الرياض وأنا في غاية السعادة بعد أن رجعت إلى طريق الهداية . واتصلت بي دورين ذات مرة وقالت بالإنجليزية : ها لو .
فقلت : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
فقالت : ماذا تقول ؟!
قلت : وما الذي تريدين أن أقوله أنا أحييك بتحية الإسلام لأنني مسلم ، وقد كنت أعمى فأبصرت . وعرفت الطريق .
ومنذ ذلك الحين ( 1993 ) لم أرجع إلى الكويت وعرفت أن هذه المنصرة ظلت تعمل في الكويت تحت غطاء منظمة الصليب الأحمر الدولية حتى عام ( 1998 ) .
***
49- قصة إسلام نيرس داني
رحلتي إلى الإسلام بدأت منذ عدة سنوات مضت , كنت دائما أهتم بالأديان ولقد اطلعت على كثير منها قبل أن أعود إلى الإسلام، لماذا قلت ( أعود ) إلى الإسلام ؟
أنا أؤمن بأن كل الناس يولدون مسلمين قد يتربى بعضهم وينشأ على الإسلام بفضل والديه وقد لا يحصل ذلك لآخرين ، أنا أصلا لم أكن من الروم الكاثوليك لكن أبي وأمي أرسلاني إلى مدرسة كاثوليكية بالرغم من أنهما وثنيين ، لا يعبدون الله بأي عقيدة ، لا يهودية ولا نصرانية ولا إسلامية . أبي كان يقرأ بطاقات الـ tarot ( بطاقات الحظ) وكان يؤمن أنه ليس هناك إله بالكلية . أمي كانت متمرسة على أنماط متعددة من السحر , كانت تقرأ أوراق الشاي والنخيل ( هكذا قالت ) وتحدق في كرة من الكريستال ، وتتحدث مع الأموات , وبالطبع عرفت الآن أن كل ذلك كان بفعل وأعمال الجان والشياطين .
أرسلني أبواي إلى المدرسة الكاثوليكية ( ليس لتعلم النصرانية ولكن ) لأتلقى تعليما خاصا وسرعان ما أصبحت حائرة حول مسألة وجود الله وحول جميع المسائل المتعلقة بالدين , وذلك بسبب تأثير والدي علي. اتجهت بعد ذلك إلى دراسة مختلفة وبدأت عهد جديد من الاعتقاد وكان أبواي يلحون علي بكثرة ويجادلونني كثيرا ( في أمور عقائدية ) بحجج كانت دائما عارية عن الصحة .(1/272)
اخترت أن أكون بوذية واعتنقت الديانة البوذية وكنت سعيدة بها , لكن أبواي أصبحا عند ذلك متعسفين معي , كان أبي يسخر مني كلما وجدني أصلي ويقول : ليس هناك إله ، أو ربما قال : لا يمكن لإلهك مساعدتك , وكان ذلك الكلام يحبطني كثيرا. أخيرا تزوجت وانتقلت إلى ما وراء البحار , ذهبت إلى اليابان ثلاث سنوات , كنت متحمسة , ظننت أني سأتعلم كل شئ عن البوذية وأصبح مثقفة ، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث , ذهبت إلى اليابان ووجدت أن اليابانيين ليسوا مثقفين في البوذية أكثر من أي شخص آخر . في الواقع شيء ما سار على أسوأ مما كنت أتوقع .
في فينو بارك رأيت بعض المسلمين ينتظرون صلاة الجمعة التي يؤدونها مرة واحدة كل أسبوع تذكرت .. كنت أحدق في امرأة تلبس حجاب , ربما تضايقت مني لشدة تحديقي لها وظنت أنني فظة وقليلة الأدب , لكنني كنت منجذبة لها إلى حد كبير , وعلى ذلك لم أقترب منها . عدت إلى الولايات المتحدة وكنت لا أزال أجد في نفسي ميلا إلى الإسلام , لكنني لم أكن قادرة على الحصول على كتب موثوقة ومأمونة في المواضيع التي تتحدث عن الإسلام في مكتباتنا المحلية , ولم أكن في ذلك الحين أملك جهاز حاسب آلي , ولذلك تركت الموضوع على ما هو عليه . ولكن سبحان الله بدأت ألتقي بالمسلمين في كل مكان أذهب إليه , وقد أيقظت شجاعتي يوما وذهبت إلى المسجد وبدأت بعد ذلك في دراسة الإسلام . أخيرا قمت بنطق الشهادتين وأسلمت , وبعدها بأسبوعين أسم زوجي ونطق بالشهادتين فالحمد لله .(1/273)
سنوات قليلة منذ أن أسلمت ولا بد أن أقول لكم أنني بعد أن تحولت إلى الإسلام فإنني أشعر بسعادة "ما شاء الله" . أريد أن أقول أن الأمر كان يسيرا للغاية , لقد تركت أهلي لأنهم ليسوا سعداء لرجوعي إلى الإسلام خصوصا عندما بدأت في ممارسة شعائر الإسلام بتعمق وبشكل سليم , وعوضني الله بأهل زوجي الذين تقبلوا ذلك بشكل أفضل من أهلي " سبحان الله ". ولكل من يفكر في العودة إلى الإسلام فإني أشجعه بقوة وأن لا ينتظروا حتى يتقبل الوالدان ذلك , لا تنتظروا إلى أن تعرفوا كل شئ عن الإسلام , قد لا يأتي ذلك اليوم انطق بالشهادتين وثق بالله سبحانه وتعالى .والسلام عليكم .خديجة (نيرس داني سابقاً).
***
50- رحلتي إلى النور (الآيسلندية آنا ليندا)
سأحاول بقدر استطاعتي أن أكون واضحة، وآمل ألاّ يملّ أولئك الَّذين يجدون قصَّتي طويلة. سأبدأ منذ البداية...
ولدت كـ "آنا ليندا تراوستادوتير" لعائلةٍ آيسلنديَّةٍ-دانمركيَّة في ريكجافيك في آيسلندة عام 1966، وعُمِّدتُ في كنيسةٍ لوثريَّة. هاجرت عائلتي إلى فانكوفر في كندا، ومن ثمَّ إلى نيويورك عندما كنت صغيرة. أنهيت دراستي الثانويَّة في السَّادسة عشرة من عمري، وفي عام 1988 حصلت على شهادة البكالوريوس من جامعة مكجيل في مونتريال في كندا. ومنذ ذلك الحين وأنا في سفرٍ حول العالم دارسةً وعاملة. وكانت الدانمرك مقرَّ إقامتي منذ عام 1990.(1/274)
في عام 1997 -وحين كنت أدرس اللغة العربيَّة في القاهرة- اشترت لي إحدى صديقاتي الإنجليزيَّات -وهي مسيحيَّةٌ من المولودين الجدد- إنجيلاً بعهديْه القديم والجديد. كنت مسرورةً غاية السُّرور لأنِّي قرَّرت بأنِّي بحاجةٍ لمعرفة ماهيَّة الإنجيل وما يحويه. فلقد شعرت بأنِّي أكاد بصعوبةٍ أن أدعو نفسي مسيحيَّة دون دراسة الإنجيل بتمحيص. وفي عام 1998 -وحين كنت أدرس في جامعة دمشق- قرأت الإنجيل كلَّه، من الغلاف إلى الغلاف، آخذةً بعض الملحوظات خلال قراءتي. وحين انتهيت من ذلك، أدركت بأنَّ هناك الكثير الكثير من المتناقضات، والكثير من الأشياء الَّتي لم أتَّفق معها. كوصف الإله والنِّساء، هذا دون ذكر كلِّ الأشياء الَّتي كتبها بولس في العهد الجديد. وحين قرأت عن أولئك الرِّجال المقدَّسين -الرُّسل (عليهم الصَّلاة والسَّلام)- كنوحٍ ولوطٍ وداود.. إلخ، وجدت بأنِّي لا أحترمهم. لقد أحببت وأُعجبت بموسى (من العهد القديم)، وبعيسى (من العهد الجديد) (عليهما صلوات الله وسلامه). وحين انتهيت من قراءة التَّوراة، حاولت الحصول على التلمود الكامل لليهود، ولكن من دون فائدة. لقد سمعت دوماً بأنَّ اليهود -عدا الإصلاحيِّين منهم- لا يعترفون بأيٍّ كان يدخل اليهوديَّة. وأيضاً هناك الكثير -ولكن ليس الكل- من اليهود الصَّهاينة (أولئك الَّذين يدعمون إسرائيل). وأنا من أشدِّ النَّاس عداوةً للصُّهيونيَّة وإسرائيل. وهكذا فأنا بالصُّدفة فلسطينيَّة التوجُّه. وكنت أيضاً أريد ديناً يقبل بالدَّاخلين فيه. ثمَّ انشغلت قليلاً بالبوذيَّة، ولكنِّي قرَّرت بأنَّها لا تناسبني، فالبوذيُّون لا يؤمنون بالله تعالى؛ وأنا أومن بالله تعالى بقوَّة، وكنت دوماً كذلك. لكن البوذيَّة بالنِّسبة لي كانت ما تزال تشكِّل طريقةً بديلةً ما للحياة.(1/275)
أُمِّي وأنا اعتدنا نقاش الهندوسيَّة، ولذا فقد كنت مهتمّةً بها جدّاً، ولكن هناك الكثير من الآلهة الهندوسيَّة بالنِّسبة لي؛ لذا فقد كانت الهندوسيَّة خارج النِّقاش. والواقع أيضاً بأنَّك لا تستطيع الدُّخول في الهندوسيَّة.
حين ولد ابني آندري عمر في أكتوبر 2001، سُئِلتُ إن كنت سأُعمِّده أم لا، وحتى حينئذٍ رفضت ذلك. فقد شعرت بأنَّ الأطفال البريئين سيدخلون الجنة حتماً، معمَّدين كانوا أو غير معمَّدين. وعلى أيَّة حال، كيف كان بإمكاني تقديمه للدِّيانة المسيحيَّة في حين كنت أنا نفسي لا أدعو نفسي بالمسيحيَّة المؤمنة،وهذا على الرُّغم من أنِّي ولدت وترعرعت كبروتستانتيَّة؟! فلم أكن أومن بالثالوث؛ ولا بمريم (عليها السَّلام) كـ "أُمٍّ" للإله؛ ولا بعيسى (عليه الصَّلاة والسَّلام) كـ "ابن" للإله؛ ولا بعيسى الَّذي يموت (على الصَّليب) ليطهِّرنا من خطايانا؛ ولا بعيسى الَّذي يصرخ على الصَّليب باللغة الآراميَّة: "إيلي، إيلي، لِمَ شبقتني؟" أعني لماذا كان سيصرخ عيسى (عليه الصَّلاة والسَّلام): "إلهي، إلهي، لِمَ تخلَّيت عني؟" في حين أنَّه كان (يُفترض) بأنَّه كان يعلم أنَّ الله تعالى أرسله كرسول له لهذه المهمَّة؟!
لقد نُشِّئْتُ على أن أكون من أشدِّ النَّاس عداوةً للمسلمين والإسلام. هذه حقيقة؛ لقد كنت كذلك. وكنت أيضاً ضدَّ العرب قبل انتقالي للقاهرة لدراسة اللغة العربيَّة (لقد كان يعجبني الخطُّ العربيُّ الجميل). فقد ترعرعت في الولايات المتحدَّة الأمريكيَّة، وعلى الأفلام الأمريكيَّة الَّتي كانت دوماً تُصوِّر العرب على أنَّهم أُصوليُّون، ومتطرِّفون، ومضطهدون للنِّساء، ومتديِّنون متعصِّبون، وإرهابيُّون، وبأنَّهم ليسوا طبيعيِّين، وأنَّهم أُناسٌ محدودو الذَّكاء. والغالبيَّة العظمى من الَّذين يكرهون العرب لم يكونوا في أيِّ بلدٍ عربيٍّ أبداً؛ فالواقع هناك مختلفٌ تماماً.(1/276)
في عام 1999 عُدْتُ إلى دمشق للعمل في إحدى السَّفارات. وهناك -في عام 2000- قابلت مهندساً يُدْعى مُهنَّداً. ثم تزوَّجنا بعد فترةٍ وجيزةٍ من لقائنا. ولأكون صادقةً، فإنِّي حين تزوَّجت مهنَّداً كان ذلك لأنِّي أحببته، وعلى الرُّغم من كونه مسلمًا! لكنِّي أدركت مع الوقت بأنِّي أحببته لأنَّه كان مسلمًا، ومسلماً جيِّداً. فقد قابلت الكثير من المسلمين هنا في الدانمرك وفي الشَّرق الأوسط، وكما هو الحال في حياتي كلِّها، فقد قابلت بعضاً من الطيِّبين وغير الطيِّبين من المسيحيِّين واليهود والهندوس والبوذيِّين.. إلخ. ولكنِّي اعتقدت بأنَّ كلَّ أولئك المسلمين الَّذين قابلتهم يمثِّلون الإسلام. وفي أيِّ وقتٍ كنت أسأل المسلمين أسئلةً عن الإسلام كان شيء يصدمني: فتقريباً كان كلُّ واحدٍ منهم يدَّعي بأنَّه خبيرٌ بالإسلام، حتَّى أولئك الَّذين أعطوني معلوماتٍ خاطئةً كما عرفت لاحقاً. وكان من الأجدى بهم أن يقولوا فقط: "لا أعرف"، أو "لست متأكِّداً". وفي حين أنِّي لم أكن أحكم أبداً على المسيحيَّة أو أيِّ دينٍ آخر من خلال أتباعه، إلا أنَّه من الغريب أنِّي حكمت على الإسلام من خلال كلِّ عربيٍّ التقيته، وذلك على الرُّغم من أنَّه: أوَّلاً، ليس كلُّ العرب مسلمين. فمنهم البروتستانتيُّون، والكاثوليك، واليهود، والدروز، والأقباط، والعلويُّون.. إلخ؛ وثانياً: أكثر المسلمين ليسوا عربًا. فالمسلمون في إندونيسيا، والهند، والصِّين، ومقدونيا، وماليزيا، وروسيا، وتايلند، وإفريقيا، والبوسنة، وأمريكا، والسُّويد.. إلخ؛ وإلى جانب هؤلاء هناك العرب أيضًا. لقد نُشِّئْتُ على ألا أكون متحيِّزةً، ولكنِّي كنت كذلك. لقد استغرقني وقتاً طويلاً لأُدرك ذلك.
فقط، وبعد ساعاتٍ لا تُحصى من الحوار -وفي بعض الأوقات من الجدل- مع زوجي، إلى أن أصبحت منفتحة العقل بما فيه الكفاية لأُدرك بأنَّه لم تكن لديَّ الصُّورة الشَّاملة.(1/277)
خلال شهر رمضان –شهر تشرين الثاني من عام 2002- سألت مهنَّداً إن كان بإمكانه مساعدتي في قراءة القرآن الكريم بالعربيَّة. كان لديه القليل من الوقت، ولكنِّي كنت مصمِّمةً على قراءة القرآن بالعربيَّة، وبمساعدة ترجمةٍ جيِّدة. حين قرأت القرآن -الكتاب الأقدس في الإسلام- فكَّرت كم هو جميلٌ، وعلميٌّ، ورحيمٌ، ومكرم للمرأة! كلُّ الكتب الَّتي قرأتها تقريباً عن الإسلام كانت مؤلَّفةً من قِبَلِ غير المسلمين، وكانت تُظهر الإسلام بصورةٍ سلبيَّة. وأولئك الَّذين كانوا يكتبون ضدَّ الإسلام كانوا في بعض الأحيان يقتطعون مقتطفاتٍ من القرآن تاركين ما يتبقَّى من الآيات؛ أو أنَّهم كانوا يترجمون الآيات بطريقةٍ خاطئةٍ، إما لهدفٍ ما أو عن طريق الخطأ. كنت أعرف ما يكفي من اللغة العربيَّة لأعرف بأنَّ ما كنت أقرأه كان لا يشبه أيَّ شيءٍ قرأته في حياتي. فهناك الكثير من العلم، والكثير من المعرفة، والَّتي لم تُكتشف إلا في العصر الحديث. أعني أنَّ النبيَّ مُحمَّداً (صلَّى الله عليه وسلَّم) ذكر: الثقوب السَّوداء، والسَّفر في الفضاء، والـ DNA وعلم الوراثة، والتطوُّر، والجيولوجيا، وعلم البحار والمحيطات، وتطوُّر الجنين، وأصل الحياة.... يا إلهي! لقد كنت دوماً أسمع بأنَّ القرآن ما هو إلَّا نسخةً كربونيَّةً عن الإنجيل، ولكن لم يكن أيٌّ من هذا في الإنجيل! وتساءلت مندهشةً كيف كان بإمكان أيِّ إنسانٍ قبل 1400 عام مضت أن يكتب شيئاً كهذا! وبعض هذه الأشياء لم تُكتشف إلا في هذا القرن فقط! عندئذٍ فكَّرت: "حسناً، فالعلماء العرب من الفلكيِّين، وعلماء الرياضيَّات والجغرافيا كانوا متقدِّمين جدًّا في ذلك الوقت، فربَّما اشترك بعضهم في كتابة هذا الكتاب من هنا وهناك معتمدين في ذلك على الإنجيل. ولكنِّي بعدئذٍ حين درست ذلك بشكلٍ أعمق أدركت بأنَّ الثَّورة العلميَّة العربيَّة (الإسلاميَّة) حدثت بعد ظهور الإسلام.(1/278)
وبعدئذٍ قرأت بأنَّ المسلمين يؤمنون بأنَّ القرآن أُوحي به لمُحمَّدٍ (صلَّى الله عليه وسلَّم) من خلال الملك جبريل (عليه السَّلام)، وأنَّه استمراريَّةٌ لكلمة الله تعالى. فالمسلمون يؤمنون بأنَّ أجزاءً من التَّوراة والإنجيل الَّتي تتحدَّث عن حياة عيسى أوحى بها الإله، أو "الله" كما يُدعى الإله باللغة العربيَّة، وليس هذا (اسم الإله "الله") فقط عند المسلمين، بل وعند النَّصارى واليهود الَّذين يتحدَّثون العربيَّة أيضاً. والمسلمون يوقِّرون إبراهيم، وسليمان، وموسى، وعيسى، ونوح (عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين)، وفي الحقيقة يوقرون كلَّ الأنبياء المذكورين في الإنجيل. ومذكورٌ أيضاً بأنَّ هناك أنبياء آخرين جاءوا لأقوامٍ آخرين ليجعلوهم أُناساً طيِّبين. وقد قيل أيضاً بأنَّ بوذا كان أحد هؤلاء الرُّسل، ولكنَّه كعيسى (عليه الصَّلاة والسَّلام) لم يقل للنَّاس بأن يؤمنوا بأنَّه مُساوٍ لله تعالى، وبأنَّه فقط رسولٌ من عنده تعالى. والمسلمون أيضاً يؤمنون بأنَّ مُحمَّداً هو خاتم الرُّسل، إلى أن يعود المسيح (عليه الصَّلاة والسَّلام) إلى الأرض.
إنَّ القرآن يقول بأن الله تعالى يمكن أن يختم على قلوبنا وسمعنا، وأن يضع على أعيننا غشاوة، فلا نستطيع أن نرى ولا أن نشعر برسالة القرآن؛ ففقط وبمشيئة الله تعالى نستطيع ذلك. في الثَّاني عشر من شهر كانون الأوَّل لعام 2002 رأيت رؤيا فظيعةً جعلتني أُفكِّر وأُمحِّص في الدِّين بعمقٍ أكبر. فالرُؤى مهمَّة جدّاً في آيسلندة، وتفسير الأحلام هو عمليّاً علم! لم أعتقد أبداً بأنِّي بحاجةٍ إلى الدِّين. ومع أنَّ الدِّين سحرني دوماً إلا أنِّي كنت أُومن بأنِّي على ما يرام بإيماني بالله تعالى فقط، وأني آخذةٌ جزءًا صغيراً من كلِّ الأديان المختلفة حتَّى حصلت على كوكتيلي الخاص: "خليط آنا".(1/279)
في شهر كانون الثاني 2003 بدأت البحث على الإنترنت، كنت فقط أبحث عن أشياء مثل: "الإسلام"، "القرآن"، "المسلم".. إلخ. وفي شهر آذار -حين كنت في ريكجافيك- واتتني الفرصة للحديث مع واحدةٍ من أعزِّ صديقاتي الآيسلنديَّات، وهي مسلمة، وقد نصحتني بترجمةٍ جيِّدةٍ للقرآن الكريم بالإنجليزيَّة، وهي ترجمة عبد الله يوسف علي، لأقرأها مع النُّسخة العربيَّة الأصليَّة. فحصلت عليها في شهر نيسان وبدأت باستخدامها للمساعدة.
وفي شهر أيار لعام 2003 ردَّت صديقتي الآيسلنديَّة الزِّيارة، وبَقِيَتْ معنا لمدَّة أسبوعين. تحدَّثنا عن القرآن، وأخبرتها بأنِّي أريد ترجمة القرآن للآيسلنديَّة، فأخبرتني بأنَّ هذا هو حلمها أيضاً. فاتَّفقنا على أن نقوم بذلك معاً. استخدمنا وقتنا بشكلٍ جيِّد، وكنَّا نناقش المسيحيَّة واليهوديَّة والإسلام طيلة اليوم، وكلَّ يوم. فقد تفحَّصتْ دينها اللوثريِّ (السَّابق)، وتأمَّلتْ في اليهوديَّة، وزارتْ إسرائيل (فلسطين المحتلَّة) مرَّتين، وفقط في زيارتها الثَّانية بدأت بتأمُّل الإسلام. لقد مرَّت بنفس الطِّريق كما حصل معي، ووصلت إلى نفس النتائج. وبالعودة إلى عام 1995 أذكر حين أخبرتني بأنَّها أصبحت مسلمة بأنِّي سلكت معها سلوكاً سيِّئاً، فقد كنت سلبيَّةً جدّاً؛ وعارٌ عليَّ أنِّي لم أشدَّ من أزرها!(1/280)
الآن وجدت بأنِّي أرى نفسي كمسلمة. وأخبرت زوجي عن ذلك، فامتحنني بطريقةٍ مطوَّلة. ثمَّ سألني الانتظار بخصوص تغيير ديني. وأخبرني بأنِّي بدخولي الإسلام يمكن أن أجعل حياتي صعبةً جدّاً، وبأنَّ النَّاس الَّذين لا يعرفون الإسلام سيعاملونني بطريقةٍ مختلفة، وبأنَّه في ذلك الوقت -في عام 2003- وفي هذا العالم الَّذي نعيش فيه سيسخر النَّاس منِّي. وقال بأنِّي ربَّما سأخسر علاقاتي مع عائلتي وأصدقائي إن اعتنقت الإسلام. لقد خشي من أنَّ النَّاس الَّذين لا يعرفوني بشكلٍ جيِّدٍ، أو الَّذين لم أقابلهم منذ وقتٍ طويل، أو الَّذين لم يلتقوه من قبل، سيظنُّون بأنَّه أكرهني على الدُّخول في الإسلام. فأخبرته بأنَّه إن كانت تلك حقيقة، فإنَّنا لم نكن لنتزوَّج أصلاً، لأنَّنا حين تزوَّجنا كنت ما أزال على المسيحيَّة، وكنت ما أزال مسيحيَّة حتى ذلك الوقت. وحاججته أيضاً بأنَّ النَّاس الَّذين يعرفونني جيِّداً يعرفون أيضاً بأنِّي قويَّةٌ في رأيي، ومدافعةٌ حقيقيَّةٌ عن المرأة والإنسانيَّة، وبأنَّني عنيدة، ولكنِّي لست منغلقة الفكر، وبأنَّه لا يمكن لأحدٍ أن يُسيطر عليّ...فقد حاول والداي ذلك لسنواتٍ دون فائدة!(1/281)
فقررت عندئذٍ بأنَّه إن كان أصدقائي أو عائلتي لا يريدون أيَّ اتِّصالٍ معي - لأنِّي قرَّرت أن أُصبح مسلمة - فليكن الأمر كذلك! فديني هو شأني الخاص، وأنا فخورةٌ ببحثي في المسيحيَّة، وفي اليهوديَّة، والهندوسيَّة، والبوذيَّة والإسلام. فقد استغرقني الأمر أعواماً عديدةً وساعاتٍ لا تُحصى من القراءة والبحث الرُّوحيِّ لأَصِلَ إلى هذه النُّقطة. فإيماني بالله تعالى هو شيءٌ كنت دوماً آخذه على مَحْمَلِ الجدِّ ولم أكن أبداً خجولةً من إعلان إيماني، وحتَّى عندما كان الآخرون يسخرون منِّي لإيماني بشيءٍ كانوا يقولون بأنَّنا لا نستطيع رؤيته. فكنت أُحاججهم: "انظروا حولكم، كيف لا يمكنكم الإيمان بكائنٍ أعلى خَلَقَ كلَّ شيءٍ من حولنا!". ولأولئك الَّذين ينظرون إلى الإسلام على أنَّه نوع من الموضة أقول: "إنَّه ليس كذلك. بل هو واحدٌ من أكبر الأديان في العالم، إن لم يكن الأكبر، فالآن واحدٌ من كلِّ أربعةٍ من النَّاس في هذا الكوكب هو مسلم. وهو الدِّين الأسرع انتشاراً".(1/282)
هكذا وفي النِّهاية -في شهر حزيران من عام 2003- قرَّرت أن أصبح مسلمةً بشكلٍ رسميٍّ لكي أستطيع الذِّهاب إلى مكة للحج. لقد كنت أبحث عن الإجابات لوقتٍ طويل -منذ طفولتي- وفي منتصف التسعينات كنت أشتري الكتب عن مختلف الأديان. وفي أعماقي كنت أتخيَّل بأني سأجد الإجابات من أجل نفسي. وأذكر المرَّة الأولى حين سمعت الأذان، وحين نادى المؤذِّن: "الله أكبر" من مأذنة المسجد. كان يوماً جميلاً مشمساً -الأحد من شهر شباط لعام 1997- في القاهرة، وكانت أجراس الكنيسة تقرع أيضاً، ولكنِّي حين سمعت النِّداء للصَّلاة بدأت الدُّموع تنهمر على وجنتيّ، ودون إدراكٍ منِّي لذلك. لم أكن مسلمةً حينئذٍ، ولكنَّ ذلك حرَّك مشاعري. وواحدةٌ من أقدم وأعزِّ صديقاتي، وهي كاثوليكيَّة، كانت في بيروت قبل فترة، وكانت تُقِيمُ في فندقٍ حين صَحَتْ على صوت الأذان في السَّاعة الرَّابعة والنِّصف فجراً في ليلتها الأُولى في لبنان، فتأمَّلتْ في ذلك كم هو مؤثِّرٌ لدرجة أنَّها بكت أيضاً.
حين أقرأ القرآن أشعر به في داخلي، عميقاً في أحشائي، وبأنَّه المناسب بالنِّسبة لي. جمال الوحي القرآنيِّ يجعلني أبكي أحياناً. فهو الطَّريقة الشَّاملة للحياة. ولم يحرِّك مشاعري أيُّ كتابٍ دينيٍّ آخر لدرجة البكاء أبداً.
القرآن ببساطة هو أعقد كتابٍ قرأته في حياتي. فكلَّما قرأته أكثر، فهمته أكثر، وتساءلت أكثر. فالقرآن يلهمك أن تتعلَّم أكثر. ففي كلِّ مرَّةٍ تقرأه، تتكشَّف لك طبقاتٌ أخرى من الفهم. أنا لست خبيرة، ولن أكون أبدًا، حتَّى ولو قرأت منه كلَّ يومٍ لبقيَّة حياتي، فسوف أظلُّ أتعلَّم منه شيئاً جديداً، فهو مليءٌ بالعجائب. وما زلت أُلحق بدراستي القرآنيَّة دراسة الإنجيل، كإنجيل برنابا، والتوراة... إلخ.(1/283)
وقد حصلت على صديقاتٍ جديداتٍ عبر الإنترنت. فأثناء بحثي على الشبكة وصلت إلى موقعٍ إسلاميٍّ آيسلنديّ: www.islam.is، فاتَّصلت بالكاتبة وبدأنا المراسلة. وفي بداية عام 2004 تقريباً أرسلت لها تقريراً كتبته بعنوان: "الإسلام في آيسلندة 2003"، والَّذي أرسلته إلى حكومة المملكة العربيَّة السعوديَّة، فاقترحت بأن نقوم ثلاثتنا بالعمل على ترجمة معاني القرآن الكريم من العربيَّة إلى الآيسلندية، فهي أيضاً تتكلَّم اللغة العربيَّة. لذا يبدو بأنَّنا سنكون ثلاث آيسلنديَّاتٍ مسلماتٍ يعملن على ترجمة معاني القرآن الكريم. ولأولئك الَّذين يبحثون عن ترجمةٍ إنجليزيَّةٍ جيِّدة، فقد سمعت بأنَّ ترجمة (محمَّد أسد) أيضاً جيَّدة، وسأحصل عليها لنفسي أيضاً.
وقد اشتريت أيضاً كمّاً هائلاً من الكتب للقراءة في كوالالامبور الصَّيف الماضي. فهي مكَّةٌ جديدةٌ للمسلمين من حيث الكتب، وقد تموَّنت حقّاً! فلقد قضينا -زوجي وابني وأنا- شهراً في ماليزيا. ما أروع تلك البلاد! فمن البلاد الإسلاميَّة لم أكن إلا في الشرق الأوسط العربيّ، أما هنا فقد كان عالماً إسلاميّاً جديداً في جنوب شرق آسيا! كانت التجربة رائعة، وهذا أقلُّ ما يمكن أن يُقال. فقد كنت دوماً مغرمةً بالفنِّ والعمارة الإسلاميّيْن، وماليزيا تُعدُّ متحفاً إسلاميّاً في داخل بيوتها وخارجها! فَتَحْتَ حُكْمِ رئيس الوزراء السَّابق محاضر محمَّد، كان للإسلام انبعاثًا. وقد أراد توحيد كلِّ البلاد الإسلاميَّة، ليس فقط فيما يُدعى المؤتمر الإسلاميّ، بل وأراد أيضاً عملةً موحَّدةً، وهي الدِّينار الذهبيّ. يا لها من رؤيا! الإسلام في حاجةٍ لرجالٍ ونساءٍ مثله!(1/284)
أحاول دوماً أن أكون إيجابيَّة، لذا أظنُّ بأنَّ هذا الزَّمن رائع -القرن الواحد والعشرون! فإن كان بإمكان واحدةٍ مثلي أن تصبح مسلمة، فهناك أملٌ لأيِّ أحد! أصدقائي الَّذين ناقشت معهم الدِّين في الوقت القريب يعرفون بأنِّي أصبحت مسلمة، وكانوا كلُّهم داعمين لي دون تردد. كنت مندهشة شيئاً ما بأنَّهم لم يُصدموا. وقالوا بأنَّهم كانوا يعتقدون بأنِّي لابد يوماً ما أن أجد محرابي الَّذي كنت أبحث عنه لوقتٍ طويل، فكانوا سعداء لأجلي. حتَّى أنَّ بعضهم دعوني باسمي الإسلاميِّ الجديد: نور. مع أنِّي ما زلت أستخدم اسمي "آنا ليندا"، لأنَّه الاسم الَّذي اختاره لي والداي، والذي يمثِّل الشَّخص الَّذي كنته لستةٍ وثلاثين عاماً مضت. "نور" هو فقط استمراريَّةٌ لكينونتي!
هذه هي نهاية قصَّتي: "الرِّحلة إلى النُّور". الرِّحلة التي لا تشكِّل في الحقيقة إلا بدايةٌ فقط!
***
51- الدكتور روبرت كرين مستشار الرئيس الأمريكي نيكسون
د. فاروق عبد الحق
الدكتور روبرت كرين مستشار الرئيس الأمريكي نيكسون, في عام 1959م حصل على دكتوراه في القانون العام ثم دكتورا في القانون الدولي والمقارن ، رئيس جمعية هارفارد للقانون الدولي ، ومستشار الرئيس الأمريكي نيكسون للشؤون الخارجية ، ونائب مدير مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض سابقاً, ويعتبر أحد كبار الخبراء السياسيين في أمريكا, ومؤسس مركز الحضارة والتجديد في أمريكا.يتقن ست لغات حية, متزوج وأب لخمسة أولاد.نشر عشرة كتب وخمسين مقالة اختصاصية حول الأنظمة القانونية المقارنة والاستراتيجية العالمية وإدارة المعلومات.
بعد حصوله على شهادة الماجستير في الأنظمة القانونية المقارنة من جامعة هارفارد. أسس صحيفة "هارفارد" للقانون الدولي وتسلم منصب الرئيس الأول لجمعية هارفارد للقانون الدولي, عمل لمدة عقد من الزمن في المراكز الاستشارية لصناع السياسة في واشنطن.(1/285)
وفي عام 1962م شارك في تأسيس مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية. وفي عام 1963م وحتى عام 1968م كان أكبر مستشاري الرئيس السابق ريتشارد نيكسون في السياسة الخارجية, وفي عام 1969م عينه نيكسون نائباً لمدير مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض, وفي عام 1981م عينه رونالد ريغان سفيراً للولايات المتحدة في الإمارات العربية.
كلفه نيكسون بتلخيص مجموعة من تقارير المخابرات الأمريكية كان قد طلبها منهم لموضوع كان يكتب عنه فوافاه بملف كامل عن الأصولية الإسلامية وعدد كبيرة من التقارير والبحوث لا يسمح له وقته بقراءتها,ومع أن التقرير مكتوب بأيدي المخابرات الأمريكية وليس بأيد إسلامية إلا أنه ترك عند روبرت أثر حسن وقرعت معلوماته شغاف قلبه.
في عام 1980م تابع بأمر من حكومته ندوات ومؤتمرات عن الإسلام شارك فيها عدد من قادة الفكر الإسلامي, وقد سمع خطبة لأحد الدعاة وهو يشرح الإسلام, ثم رآه يصلي ويسجد فأعتقد في هذا إهانة له ولإنسانيته أول الأمر ولكنه أدرك بعد ذلك أن هذا الداعية ينحني لله ويسجد له وبما له من ثقافة وعلم تيقن له بأن هذا العمل هو الصحيح. إضافة إلى لقائه مع البروفسور روجيه غارودي في دمشق وأفكاره لذلك وجد أن الإسلام هو الحل الوحيد، فهو الذي يحمل العدالة في مقاصد الشريعة وفي الكليات والجزئيات والضروريات، وهو كمحام كان يسعى إلى مبادئ ليست من وضع البشر, وكل هذه المثل العليا وجدها في الإسلام, وهكذا أنشرح قلبه للإسلام ومن يومها في عام 1980م أعلن إسلامه وأطلق على نفسه أسم فاروق عبد الحق.(1/286)
وهكذا أصبح د. فاروق عبد الحق ( د. روبرت كرين سابقا ), منذ ذلك الوقت أخذ يهتم في مستقبل الإسلام في أمريكا وله أطروحات مهمة في المؤتمر الرابع والعشرين للاتحاد الإسلامي في أمريكا الشمالية المعروف اختصاراً بـ ISANوالذي عقد في الفترة ما بين 29/8 إلى 1/9/1986م بمدينة أنديانا بوليس، والذي خصص لمناقشة مستقبل الإسلام في أمريكا الشمالية, وهو حين يوجه النقد إلى الغرب لنظرته المنحازة والقاصرة تجاه الإسلام، فانه لا ينسى توجيه اللوم إلى بعض المسلمين في الشرق أو الغرب ممن لا يفهمون ويطبقون التعاليم الإسلامية, فمن الصعب كما يقول : (أن تفهم الغربيين حقيقة الإسلام لأن الكثير من المسلمين الذين يعيشون في الغرب لا يمارسون ولا يعيشون حسب تعاليم الإسلام)."
***
52- قصة كيث مور عالم الأجنة الشهير
نبذة عنه:
البروفيسور كيث مور من أكبر علماء التشريح والأجنة في العالم , في عام 1984 استلم الجائزة الأكثر بروزا في حقل علم التشريح في كندا (جي. سي. بي) جائزة جرانت من الجمعية الكندية لاختصاصيي التشريح ترأس العديد من الجمعيات الدولية، مثل الجمعية الكندية والأمريكية لاختصاصيي التشريح ومجلس إتحاد العلوم الحيوية.
وهذه قصة إسلامه من كتاب( الذين هدى الله ) للدكتور زغلول النجار:
دعيت مرة لحضور مؤتمر عقد للإعجاز في موسكو فكرهت في بادئ الأمر أن أحضره لأنه يعقد في بلد كانت هي عاصمة الكفر والإلحاد لأكثر من سبعين سنة وقلت في نفسي: ماذا يعلم هؤلاء الناس عن الله حتى ندعوهم إلي ما نادي به القرآن الكريم ؟!.فقيل لي: لابد من الذهاب فإن الدعوة قد وجهت إلينا من قبل الأكاديمية الطبية الروسية.
فذهبنا إلى موسكو وفي أثناء استعراض بعض الآيات الكونية وبالتحديد عند قول الله تعالي:(يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) (السجدة:5)(1/287)
وقف أحد العلماء المسلمين وقال: إذا كانت ألف سنة تساوي قدران من الزمان غير متكافئين دل ذلك علي اختلاف السرعة.
ثم بدأ يحسب هذه السرعة فقال: ألف سنة..لابد وأن تكون ألف سنة قمرية لأن العرب لم يكونوا يعرفون السنة الشمسية والسنة القمرية اثنا عشر شهراً قمرياً ومدة الشهر القمري هي مدار القمر حول الأرض, وهذا المدار محسوب بدقة بالغة, وهو 2.4 بليون كم.فقال: 2.4 بليون مضروب في 12 -وهو عدد شهور السنة-ثم في ألف سنة, ثم يقسم هذا الناتج علي أربع وعشرين-وهو عدد ساعات اليوم-ثم على ستين-الدقائق-ثم علي ستين-الثواني-فتوصل هذا الرجل إلي سرعة أعلي من سرعة الضوء.فوقف أستاذ في الفيزياء- وهو عضو في الأكاديمية الروسية-وهو يقول :لقد كنت كنت أظنني-قبل هذا المؤتمر-من المبرزين في علم الفيزياء , وفي علم الضوء بالذات , فإذا بعلم أكبر من علمي بكثير.
ولا أستطيع أن أعتذر عن تقصيري في معرفة هذا العلم إلا أن أعلن أمامكم جميعاً أني( أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله).
ثم تبعه في ذلك أربعة من المترجمين, الذين ما تحدثنا معهم على الإطلاق وإنما كانوا قابعين في غرفهم الزجاجية يترجمون الحديث من العربية إلي الروسية والعكس, فجاءونا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
ليس هذا فحسب وإنما علمنا بعد ذلك أن التلفاز الروسي قد سجل هذه الحلقات وأذاعها كاملة فبلغنا أن أكثر من 37 عالماً من أشهر العلماء الروس قد أسلموا بمجرد مشاهدتهم لهذه الحلقات.
ليس هذا فحسب..وإنما كان معنا أيضاًً (كيث مور)وهو من أشهر العلماء في علم الأجنة ويعرفه تقريباً كل أطباء العالم,فهو له كتاب يدرس في معظم كليات الطب في العالم وقد ترجم هذا الكتاب لأكثر من 25 لغة فهو صاحب الكتاب الشهير (The Developing Human).فوقف هذا الرجل في وسط ذلك الجمع قائلاً:(1/288)
"إن التعبيرات القرآنية عن مراحل تكون الجنين في الإنسان لتبلغ من الدقة والشمول ما لم يبلغه العلم الحديث, وهذا إن دل علي شيء فإنما يدل علي أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون إلا كلام الله, وأن محمداً رسول الله"
فقيل له: هل أنت مسلم؟!؟.قال: لا ولكني أشهد أن القرآن كلام الله وأن محمداً مرسل من عند الله.فقيل له :إذاً فأنت مسلم ,قال: أنا تحت ضغوط اجتماعية تحول دون إعلان إسلامي الآن ولكن لا تتعجبوا إذا سمعتم يوماً أن كيث مور قد دخل الإسلام. ولقد وصلنا في العام الماضي أنه قد أعلن إسلامه فعلاً فلله الحمد والمنة.
وفي مؤتمر الإعجاز العلمي الأول للقرآن الكريم والسنة المطهرة والذي عقد في القاهرة عام 1986 وقف الأستاذ الدكتور، كيث مور (Keith Moore) في محاضرته قائلاً : (إنني أشهد بإعجاز الله في خلق كل طور من أطوار القرآن الكريم، ولست أعتقد أن محمداً صلى الله عليه وسلم أو أي شخص آخر يستطيع معرفة ما يحدث في تطور الجنين لأن هذه التطورات لم تكتشف إلا في الجزء الأخير من القرن العشرين، وأريد أن أؤكد على أن كل شيء قرأته في القرآن الكريم عن نشأة الجنين وتطوره في داخل الرحم ينطبق على كل ما أعرفه كعالم من علماء الأجنة البارزين).
علماً أن مراحل خلق الإنسان (بني آدم ) التي ذكرها القرآن هي سبع مراحل. قال تعالى: ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ،ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ )) [المؤمنون 12ـ14](1/289)
وقد أثبت علم الأجنة هذه المراحل وصحتها وتطابقها مع المراحل المذكورة في القرآن. وهذه المراحل هي:1- أصل الإنسان (سلالة من طين) 2- النطفة 3- العلقة 4- المضغة 5-العظام 6- الإكساء باللحم 7- النشأة.
وقد اعتبر المؤتمر الخامس للإعجاز العلمي في القرآن والسنة والذي عقد في موسكو (أيلول 1995) هذا التقسيم القرآني لمراحل خلق الجنين وتطوره صحيحاً ودقيقاً وأوصى في مقرراته على اعتماده كتصنيف علمي للتدريس علماً أن الأستاذ الدكتور كيث مور Keith Mooreوهو من أشهر علماء التشريح وعلم الأجنة في العالم ورئيس هذا القسم في جامعة تورنتو بكندا (والذي كان أحد الباحثين المشاركين في المؤتمر المذكور ) ، ألف كتاباً يعد من أهم المراجع الطبية في هذا الاختصاص ( مراحل خلق الإنسان _ علم الأجنة السريري ) وضمنه ذكر هذه المراحل المذكورة في القرآن، وربط في كل فصل من فصول الكتاب التي تتكلم عن تطور خلق الجنين وبين الحقائق العلمية والآيات والأحاديث المتعلقة بها وشرحها وعلق عليها بالتعاون مع الشيخ الزنداني وزملائه.
***
53- الطريق الروحي إلى مكة
كان الصبي (ليوبولدفايس) تحت إصرار والده يواظب على دراسة النصوص الدينية ساعات طويلة كل يوم، وهكذا وجد نفسه وهو في سن الثالثة عشرة يقرأ العبرية ويتحدثها بإتقان درس التوراة في نصوصها الأصلية وأصبح عالماً بالتلمود وتفسيره، ثم انغمس في دراسة التفسير المعقد للتوراة المسمى (ترجوم) فدرسه وكأنما يهيئ نفسه لمنصب ديني.(1/290)
كان إنجازه المدهش يعد بتحقيق حلم جده الحاخام الأرثوذكسي النمساوي بأن تتصل بحفيده سلسلة من أجداده الحاخامات، ولكن هذا الحلم لم يتحقق، فبالرغم من نبوغه في دراسة الدين أو ربما بسببه نمت لديه مشاعر سلبية تجاه جوانب كثيرة من العقيدة اليهودية، لقد رفض عقله ما بدا من أن الرب في النصوص التوراتية والتلمودية مشغول فوق العادة بمصير أمة معينة وهم اليهود بالطبع. لقد أبرزت النصوص الرب لا كخالق وحافظ لكل خلقه من البشر؛ بل كرب قبلي يسخر كل المخلوقات لخدمة الشعب المختار.لم يؤد إحباطه من الديانة اليهودية في ذلك الوقت إلى البحث عن معتقدات روحية أخرى، فتحت تأثير البيئة اللا أدرية التي يعيش فيها وجد نفسه يندفع ككثير من أقرانه إلى رفض الواقع الديني وكل مؤسساته، وما كان يتطلع إليه لم يكن يختلف كثيراً عما يتطلع إليه باقي أبناء جيله، وهو خوض المغامرات المثيرة.في تلك المرحلة من عمر (ليوبولدفايس) اشتعلت الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) وبعد انتهاء الحرب -وعلى مدى عامين- درس بلا نظام تاريخ الفن والفلسفة في (جامعة فينا) ولكن ما كان مشغوفاً بالتوصل إليه هو جوانب محببة إلى نفسه من الحياة، كان مشغوفاً أن يصل بنفسه إلى مثل روحية حقيقية كان يوقن أنها موجودة؛ لكنه لم يصل إليها بعد!.(1/291)
كانت العقود الأولى للقرن العشرين تتسم بالخواء الروحي للأجيال الأوروبية، أصبحت كل القيم الأخلاقية متداعية تحت وطأة التداعيات المرعبة للسنوات التي استغرقتها الحرب العالمية الأولى في الوقت الذي لم تبد فيه أي روحية جديدة في أي أفق، كانت مشاعر عدم الإحساس بالأمن متفشية بين الجميع، إحساس داخلي بالكارثة الاجتماعية والفكرية أصاب الجميع بالشك في استمرارية أفكار البشر وفي كل مساعيهم وأهدافهم، كان القلق الروحي لدى الشباب لا يجد مستقراً لإقدامه الوجلة، ومع غياب أي مقاييس يقينية أخلاقية لم يكن ممكناً لأي فرد إعطاء إجابات مقنعة عن أسئلة كثيرة كانت تؤرق وتحير كل جيل الشباب.كانت علوم التحليل النفسي (وهي جانب من دراسات الشاب ليوبولدفايس) تشكل في ذلك الوقت ثورة فكرية عظمى، وقد أحس فعلاً أن تلك العلوم فتحت مزاليج أبواب معرفة الإنسان بذاته، كان اكتشاف الدوافع الكامنة في اللاوعي قد فتح أبواباً واسعة تتيح فهماً أوسع للذات، وما أكثر الليالي التي قضاها في مقاهي (فينا) يستمع إلى مناقشات ساخنة ومثيرة بين رواد التحليل النفسي المبكرين من أمثال (الفريد ادلر) و (هرمان سيتكل).إلا أن الحيرة والقلق والتشويش حلت عليه من جديد، بسبب عجرفة العلم الجديد وتعاليه ومحاولته أن يحل ألغاز الذات البشرية عن طريق تحويلها إلى سلاسل من ردود الأفعال العصبية. لقد نما قلقه وتزايد وجعل إتمام دراسته الجامعية يبدو مستحيلاً؛ فقرر أن يترك الدراسة، ويجرب نفسه في الصحافة.(1/292)
كان أول طريق النجاح في هذه التجربة تعيينه في وظيفة محرر في وكالة الأنباء (يونايتد تلجرام)، وبفضل تمكنه من عدة لغات لم يكن صعباً عليه أن يصبح بعد وقت قصير نائباً لرئيس تحرير قطاع أخبار الصحافة الاسكندنافية بالرغم من أن سنه كانت دون الثانية والعشرين، فانفتح له الطريق في برلين إلى عالم أرحب (مقهى دين فيستن) و(رومانشية) ملتقى الكتاب والمفكرين البارزين ومشاهير الصحفيين والفنانين، فكانوا يمثلون له (البيت الفكري) وربطته بهم علاقات صداقة توافرت فيها الندية.كان في ذلك الوقت سعيداً بما هو أكثر من النجاح في حياته العملية، ولكنه لم يكن يشعر بالرضا والإشباع ولم يكن يدري بالتحديد ما الذي يسعى إليه وما الذي يتوق إلى تحقيقه.كان مثله مثل كثير من شباب جيله، فمع أن أياً منهم لم يكن تعساً إلا أن قليلاً منهم كان سعيداً بوعي وإدراك.(1/293)
لو قال له أحد في ذلك الوقت: إن أول معرفة له مباشرة الإسلام ستصبح نقطة تحول عظمى في حياته؛ لعد ذلك القول مزحة، ليس بالطبع لأنه محصن ضد إغراءات الشرق التي تربط ذهن الأوربي برومانتيكية ألف ليلة وليلة، ولكنه كان أبعد ما يكون عن أن يتوقع أن تؤدي تلك الرحلة إلى أي مغامرات روحية.كل ما كان يدور في ذهنه عن تلك الرحلة كان يتعامل معه برؤية غربية، فقد كان رهانه محصوراً في تحقيق أعمق في المشاعر والإدراك من خلال البيئة الثقافية الوحيدة التي نشأ فيها، وهي البيئة الأوروبية، لم يكن إلا شاباً أوربياً نشأ على الاعتقاد بأن الإسلام وكل رموزه ليس إلا محاولة التفافية حول التاريخ الإنساني، محاولة لا تحظى حتى بالاحترام من الناحية الروحية والأخلاقية، ومن ثم لا يستحق الذكر، فضلاً عن أن يوازن بالدينين الوحيدين اللذين يرى الغرب أنهما يستحقان الاهتمام والبحث (اليهودية والمسيحية)، كان يلف تفكيره الفكر الضبابي القاتم والانحياز الغربي ضد كل ما هو إسلامي، أو كما يعبر عن نفسه:"لو تعاملت بعدل مع ذاتي لأقررت أني أيضاً كنت غارقاً حتى أذني في تلك الرؤية الذاتية الأوروبية والعقلية المتعالية التي اتسم بها الغرب على مدى تاريخه". [ 104].ولكن بعد أربع سنوات كان ينطق بشهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ويتسمى باسم (محمد أسد). بالرغم من أن حياته تفيض بالمغامرات والمفاجآت والمصادفات فلم يكن إسلامه نتيجة لأي من ذلك بل كان نتيجة لسنوات عدة من التجول في العالم الإسلامي، والاختلاط بشعوبه، والتعمق في ثقافته، وإطلاعه الواسع على تراثه بعد إجادته للغة العربية والفارسية.(1/294)
كان في الأعوام المبكرة من شبابه بعد ما أصابه الإحباط وخيبة الأمل في العقيدة اليهودية التي ينتمي إليها قد اتجه تفكيره إلى المسيحية بعد أن وجد أن المفهوم المسيحي للإله يتميز عن المفهوم التوراتي؛ لأنه لم يقصر اهتمام الإله على مجموعة معينة من البشر ترى أنها وحدها شعب الله المختار، وعلى الرغم من ذلك كان هناك جانب من الفكر المسيحي قلل في رأيه إمكانية تعميمه وصلاحيته لكل البشر، ألا وهو التمييز بين الروح والبدن. أي بين عالم الروح وعالم الشؤون الدنيوية، وبسبب تنائي المسيحية المبكر عن كل المحاولات التي تهدف إلى تأكيد أهمية المقاصد الدنيوية، كفت من قرون طويلة في أن تكون دافعاً أخلاقياً للحضارة الغربية، إن رسوخ الموقف التاريخي العتيق للكنيسة في التفريق بين ما للرب وما لقيصر؛ نتج عنه ترك الجانب الاجتماعي والاقتصادي يعاني فراغاً دينياً، وترتب على ذلك غياب الأخلاق في الممارسات الغربية السياسية والاقتصادية مع باقي دول العالم، ومثل ذلك إخفاقاً لتحقيق ما هدفت إليه رسالة المسيح أو أي دين آخر. فالهدف الجوهري لأي دين هو تعليم البشر كيف يدركون ويشعرون، بل كيف يعيشون معيشة صحيحة وينظمون العلاقات المتبادلة بطريقة سوية عادلة، وإن إحساس الرجل الغربي أن الدين قد خذله جعله يفقد إيمانه الحقيقي بالمسيحية خلال قرون، وبفقدانه لإيمانه فَقَدَ اقتناعه بأن الكون والوجود تعبير عن قوة خلق واحدة، وبفقدان تلك القناعة عاش في خواء روحي وأخلاقي.(1/295)
كان اقتناعه في شبابه المبكر أن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده قد تبلور إلى اقتناع فكري بأن عبادة التقدم المادي ليست إلا بديلاً وهمياً للإيمان السابق بالقيم المجردة، وأن الإيمان الزائف بالمادة جعل الغربيين يعتقدون بأنهم سيقهرون المصاعب التي تواجههم حالياً، كانت جميع النظم الاقتصادية التي خرجت من معطف المادة علاجاً مزيفاً وخادعاً ولا تصلح لعلاج البؤس الروحي للغرب، كان التقدم المادي بإمكانه في أفضل الحالات شفاء بعض أعراض المرض إلا أن من المستحيل أن يعالج سبب المرض.كانت أول علاقة له بفكرة الإسلام وهو يقضي أيام رحلته الأولى في القدس عندما رأى مجموعة من الناس يصلون صلاة الجماعة يقول: "أصابتني الحيرة حين شاهدت صلاة تتضمن حركات آلية، فسألت الإمام هل تعتقد حقاً أن الله ينتظر منك أن تظهر له إيمانك بتكرار الركوع والسجود؟ ألا يكون من الأفضل أن تنظر إلى داخلك وتصلي إلى ربك بقلبك وأنت ساكن؟ أجاب: بأي وسيلة أخرى تعتقد أننا يمكن أن نعبد الله؟ ألم يخلق الروح والجسد معاً؟ وبما أنه خلقنا جسداً وروحاً ألا يجب أن نصلي بالجسد والروح؟ ثم مضى يشرح المعنى من حركات الصلاة، أيقنت بعد ذلك بسنوات أن ذلك الشرح البسيط قد فتح لي أول باب للإسلام" .(1/296)
بعد هذه الحادثة بشهور كان يدخل الجامع الأموي في دمشق ويرى الناس يصلون، ويصف هذا المشهد "اصطف مئات المصلين في صفوف طويلة منتظمة خلف الإمام، ركعوا وسجدوا كلهم في توحد مثل الجنود، كان المكان يسوده الصمت يسمع المرء صوت الإمام من أعماق المسجد الجامع يتلو آيات القرآن الكريم، وحين يركع أو يسجد يتبعه كل المصلين كرجل واحد، أدركت في تلك اللحظة مدى قرب الله منهم وقربهم منه بدا لي أن صلاتهم لا تنفصل عن حياتهم اليومية بل كانت جزءاً منها، لا تعينهم صلاتهم على نسيان الحياة بل تعمقها أكثر بذكرهم لله، قلت لصديقي ومضيفي ونحن ننصرف من الجامع: ما أغرب ذلك وأعظمه! إنكم تشعرون أن الله قريب منكم، أتمنى أن يملأني أنا أيضاً ذلك الشعور، رد صاحبي: ما الذي يمكن أن نحسه غير ذلك والله يقول في كتابه العزيز: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) .ويقول بعد ذلك: تركت تلك الشهور الأولى التي عشتها في بلد عربي قطاراً طويلاً من الانعكاسات والانطباعات، لقد واجهت مغزى الحياة وجهاً لوجه وكان ذلك جديداً تماماً على حياتي، الأنفاس البشرية الدافئة تتدفق من مجرى دم أولئك الناس إلى أفكارهم بلا تمزقات روحية مؤلمة من عدم الاطمئنان والخوف والطمع والإحباط الذي جعل من الحياة الأوروبية حياة قبيحة وسيئة لا تعد بأي شيء .أحسست بضرورة فهم روح تلك الشعوب المسلمة لأني وجدت لديهم تلاحماً عضوياً بين الفكر والحواس، ذلك التلاحم الذي فقدناه نحن الأوربيين، واعتقدت أنه من خلال فهم أقرب وأفضل لحياتهم يمكن أن أكتشف الحلقة المفقودة التي تسبب معاناة الغربيين وهي تأكل التكامل الداخلي للشخصية الأوروبية، لقد اكتشفت كنه ذلك الشيء الذي جعلنا نحن أهل الغرب ننأى عن الحرية الحقة بشروطها الموضوعية التي يتمتع بها المسلمون حتى في عصور انهيارهم الاجتماعي والسياسي.(1/297)
ما كنت أشعر به في البداية لا يعدو أكثر من تعاطف مع شكل الحياة العربية والأمان المعنوي الذي أحسبه فيما بينهم تحوّل بطريقة لا أدركها إلى ما يشبه المسألة الذاتية، زاد وعيي برغبة طاغية في معرفة كنه ذلك الشيء الذي يكمن في أسس الأمن المعنوي، والنفسي وجعل حياة العرب تختلف كلياً عن حياة الأوربيين، ارتبطت تلك الرغبة بشكل غامض بمشكلاتي الشخصية الدفينة، بدأت أبحث عن مداخل تتيح لي فهماً أفضل للشخصية العربية والأفكار التي شكلتهم وصاغتهم وجعلتهم يختلفون روحياً عن الأوروبيين، بدأت أقرأ كثيراً بتركيز في تاريخهم وثقافتهم ودينهم، وفي غمرة اهتمامي أحسست بأني قد توصلت إلى اكتشاف ما يحرك قلوبهم ويشغل فكرهم ويحدد لهم اتجاههم، أحسست أيضاً بضرورة اكتشاف القوى الخفية التي تحركني أنا ذاتي وتشكل دوافعي وتشغل فكري وتعدني أن تهديني السبيل. قضيت كل وقتي في دمشق أقرأ من الكتب كل ما له علاقة بالإسلام، كانت لغتي العربية تسعفني في تبادل الحديث؛ إلا أنها كانت أضعف من أن تمكنني من قراءة القرآن الكريم، لذا لجأت إلى ترجمة لمعاني القرآن الكريم، أما ما عدا القرآن الكريم فقد اعتمدت فيه على أعمال المستشرقين الأوروبيين.(1/298)
ومهما كانت ضآلة ما عرفت إلا أنه كان أشبه برفع ستار، بدأت في معرفة عالم من الأفكار كنت غافلاً عنه وجاهلاً به حتى ذلك الوقت، لم يبدُ لي الإسلام ديناً بالمعنى المتعارف عليه بين الناس لكلمة دين؛ بل بدا لي أسلوباً للحياة، ليس نظاماً لاهوتياً بقدر ما هو سلوك فرد، ومجتمع يرتكز على الوعي بوجود إله واحد، لم أجد في أي آية من آيات القرآن الكريم أي إشارة إلى احتياج البشر إلى الخلاص الروحي ولا يوجد ذكر لخطيئة أولى موروثة تقف حائلاً بين المرء وقدره الذي قدره الله له، ولا يبقى لابن آدم إلا عمله الذي سعى إليه، ولا يوجد حاجة إلى الترهب والزهد لفتح أبواب خفية لتحقيق الخلاص، الخلاص حق مكفول للبشر بالولادة، والخطيئة لا تعني إلا ابتعاد الناس عن الفطرة التي خلقهم الله عليها، لم أجد أي أثر على الثنائية في الطبيعة البشرية فالبدن والروح يعملان في المنظور الإسلامي كوحدة واحدة لا ينفصل أحدهما عن الآخر.أدهشني في البداية اهتمام القرآن الكريم ليس بالجوانب الروحية فقط بل بجوانب أخرى غير مهمة من الأمور الدنيوية، ولكن مع مرور الوقت بدأت أدرك أن البشر وحدة متكاملة من بدن وروح، وقد أكد الإسلام ذلك، لا يوجد وجه من وجوه الحياة يمكن أن نعده مهمشاً؛ بل إن كل جوانب حياة البشر تأتي في صلب اهتمامات الدين، لم يدع القرآن الكريم المسلمين ينسون أن الحياة الدنيا ليست إلا مرحلة في طريق البشر نحو تحقيق وجود أسمى وأبقى وأن الهدف النهائي ذو سمة روحية، ويرى أن الرخاء المادي لا ضرر منه إلا أنه ليس غاية في حد ذاته، لذلك لا بد أن تُقنن شهية الإنسان وشهواته وتتم السيطرة عليها بوعي أخلاقي من الفرد، هذا الوعي لا يوجه إلى الله فقط؛ بل يوجه أيضاً إلى البشر فيما بينهم، لا من أجل الكمال الديني وحده بل من أجل خلق حالة اجتماعية تؤدي إلى تطور وعي للمجتمع بأكمله حتى يتمكن من أن يحيا حياة كاملة.(1/299)
نظرت إلى كل تلك الجوانب الفكرية والأخلاقية بتقدير وإجلال، كان منهجه في تناول مشكلات الروح أعمق كثيراً من تلك التي وجدتها في التوراة، هذا عدا أنه لم يأت لبشر دون بشر ولا لأمة بذاتها دون غيرها، كما أن منهجه في مسألة البدن بعكس منهج الإنجيل منهج إيجابي لا يتجاهل البدن، البدن والروح معاً يكونان البشر كتوأمين متلازمين، سألت: ألا يمكن أن يكون ذلك المنهج هو السبب الكامن وراء الإحساس بالأمن والتوازن الفكري والنفسي الذي يميز العرب والمسلمين. بعد أن غادر سوريا بقي شهوراً في تركيا في طريق عودته إلى أوربا لتنتهي رحلته الأولى إلى العالم الإسلامي. بدأت انطباعاتي عن تركيا تفقد حيويتها وأنا في القطار المتوجه إلى فينا وما ظل راسخاً هو الثمانية عشر شهراً التي قضيتها في البلاد العربية، صدمني إدراكي أني أتطلع إلى المشاهد الأوروبية التي اعتدتها بعيني من هو غريب عنها، بدا الناس في نظري في غاية القبح وحركاتهم خالية من الرقة، ولا علاقة مباشرة بين حركاتهم وما يدرونه ويشعرون به، أدركت فجأة أنه على الرغم من المظاهر التي تنبئ بأنهم يعرفون ما يريدون إلا أنهم لا يعرفون أنهم يحيون في عالم الإدعاء والتظاهر، اتضح لي أن حياتي بين العرب غيرت منهجي ورؤيتي لما كنت أعده مهماً وضرورياً للحياة، تذكرت بشيء من الدهشة أن أوربيين آخرين قد مروا بتجارب حياتية مع العرب وعايشوهم أزماناً طويلة فكيف لم تعترهم دهشة الاكتشاف كما اعترتني، أم أن ذلك قد وقع لهم أيضاً؟ هل اهتز أحدهم من أعماقه كما حدث لي . توقفت بضعة أسابيع في فينا واحتفلت بتصالحي مع أبي الذي سامحني على ترك دراستي الجامعية ومغادرتي منزل الأسرة بتلك الطريقة الفجة، على أي حال كنت مراسلاً لجريدة (فرانكفوتر ذيتونج) وهو اسم يلقى التقدير والتبجيل في وسط أوربا في ذلك الوقت، وهكذا حققت في نظره مصداقية ما زعمت له قبل ذلك من أني سأحقق ما أصبو إليه وأصل إلى القمة.(1/300)
رحلت بعد ذلك من فينا مباشرة إلى فرانكفورت لأقدم نفسي شخصياً إلى الصحفية التي كنت أمثلها في الخارج على مدى عام، كنت في طريقي إليها وأنا أشد ثقة بنفسي فالرسائل التي كنت أتلقاها من فرانكفورت أظهرت لي أن مقالاتي كانت تلقى كل التقدير والترحيب. أن أكون عضواً عاملاً في مثل تلك الصحيفة كان مصدر فخر واعتزاز لشاب في مثل سني، وعلى الرغم من أن مقالاتي عن الشرق الأوسط قوبلت باهتمام شديد من قبل جميع المحررين إلا أن نصري الكامل تحقق في اليوم الذي كلفت فيه أن أكتب مقالاً افتتاحياً بالصحيفة عن مشكلة الشرق الأوسط .
كان من نتائج عملي في جريدة (فرانكفوتر ذيتونج) النضج المبكر لتفكيري الواعي، كما نتجت عنه رؤية ذهنية أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، فبدأت في مزج خبرتي بالشرق بعالم الغرب الذي أصبحت جزءاً منه من جديد، منذ عدة شهور مضت اكتشفت العلاقة بين الاطمئنان النفسي والعاطفي السائد في نفوس العرب وعقيدة الإسلام التي يؤمنون بها، كما بدأ يتبلور في ذهني أن نقص التكامل النفسي الداخلي للأوروبيين وحالة الفوضى اللاأخلاقية التي تسيطر عليهم قد تكون ناتجة من عدم وجود إيمان ديني قد تكونت الحضارة الغربية في غيابه، لم ينكر المجتمع الغربي الإله إلا أنه لم يترك له مكاناً في أنساقه الفكرية.(1/301)
بعد عودته إلى أوروبا من رحلته كان يحس بالملل إحساس من أجبر على التوقف قبل التوصل إلى كشف عظيم سيميط عن نفسه الحجب لو أتيح له مزيد من الوقت. كان يتوق إلى العودة إلى الشرق مرة أخرى، وقد تحقق له ما أراد إذ إن رئيس تحرير الجريدة الدكتور هنري سيمون –الذي كان في ذلك الوقت مشهوراً في أرجاء العالم- قد رأى فيه مراسلاً صحفياً واعداً فوافق بحماس على عودته إلى الشرق الأوسط بسرعة.(1/302)
عاد إلى الشرق ليقضي عامين آخرين بين مصر وبلاد الشام والعراق وإيران وأفغانستان، عاد من أوروبا وفي ذهنه صورة عن عالم الغرب ظلت تزداد في ذهنه مع الأيام رسوخاً وثباتاً، عبّر عن هذه الصورة فيما يأتي: "لاحقاً إن الإنسان الغربي قد أسلم نفسه لعبادة الدجال، لقد فقد منذ وقت طويل براءته، وفقد كل تماسك داخلي مع الطبيعة، لقد أصبحت الحياة في نظره لغزاً، إنه مرتاب شكوك ولذا فهو منفصل عن أخيه، ينفرد بنفسه، ولكي لا يهلك في وحدته هذه فإن عليه أن يسيطر على الحياة بالوسائل الخارجية، وحقيقة كونه على قيد الحياة لم تعد وحدها قادرة على أن تشعره بالأمن الداخلي، ولذا فإن عليه أن يكافح دائماً وبألم في سبيل هذا الأمن من لحظة إلى أخرى، وبسبب من أنه فقد كل توجيه ديني وقرر الاستغناء عنه فإن عليه أن يخترع لنفسه باستمرار حلفاء ميكانيكيين، من هنا نما عنده الميل المحموم إلى التقنية والتمكن من قوانينها ووسائلها، إنه يخترع كل يوم آلات جديدة ويعطي كلاً منها بعض روحه كيما تنافح في سبيل وجوده، وهي تفعل ذلك حقاً، ولكنها في الوقت نفسه تخلق له حاجات جديدة، ومخاوف جديدة وظمأ لا يُروى إلى حلفاء جدد آخرين أكثر اصطناعية، وتضيع روحه في ضوضاء الآلة الخانقة التي تزداد مع الأيام قوة وغرابة، وتفقد الآلة غرضها الأصلي – أي أن تصون وتغني الحياة الإنسانية- وتتطور إلى صنم بذاته، صنم فولاذ، ويبدو أن كهنة هذا المعبود والمبشرين به غير مدركين أن سرعة التقدم التقني الحديث ليست نتيجة لنمو المعرفة الإيجابي فحسب؛ بل لليأس الروحي أيضاً.(1/303)
وأن الانتصارات المادية العظمى التي يعلن الإنسان الغربي أنه بها يستحق السيادة على الطبيعة هي في صميمها ذات صفة دفاعية؛ فخلف واجهتها البراقة يكمن الخوف من الغيب، إن الحضارة الغربية لم تستطع حتى الآن أن تقيم توازناً بين حاجات الإنسان الجسيمة والاجتماعية وبين أشواقه الروحية، لقد تخلت عن آداب دياناتها السابقة دون أن تتمكن أن تخرج من نفسها أي نظام أخلاقي آخر – مهما كان نظرياً- يخضع نفسه للعقل، بالرغم من كل ما حققته من تقدم ثقافي؛ فإنها لم تستطع حتى الآن التغلب على استعداد الإنسان الأحمق للسقوط فريسة لأي هتاف عدائي أو نداء للحرب مهما كان سخيفاً باطلاً يخترعه الحاذقون من الزعماء.. الأمم الغربية وصلت إلى درجة أصبحت معها الإمكانات العلمية غير المحدودة تصاحب الفوضى العملية، وإذا كان الغربي يفتقر إلى توجيه ديني حاذق فإنه لا يستطيع أن يفيد أخلاقياً من ضياء المعرفة الذي تسكبه علومه وهي لا شك عظيمة، إن الغربيين – في عمى وعجرفة- يعتقدون عن اقتناع أن حضارتهم هي التي ستنير العالم وتحقق السعادة، وأن كل المشاكل البشرية يمكن حلها في المصانع والمعامل وعلى مكاتب المحللين الاقتصاديين والإحصائيين، إنهم بحق يعبدون الدجال" .في هذه الرحلة الثانية أمكنة أن يتقن اللغة العربية ولذلك فبدل أن ينظر إلى الإسلام بعين غيره من المستشرقين ومترجمي القرآن غير المسلمين صار في إمكانه أن ينظر إلى الإسلام في تراثه الثقافي كما هو، لم يعد على اعتقاده السابق استحالة أن يتفهم الأوروبي بوعي العقلية الإسلامية، أيقن أنه لو تحرر المرء تماماً من عاداته التي نشأ عليها ومناهجها الفكرية وتقبل مفهوم أنها ليست بالضرورة الأساليب الصحيحة في الحياة لأمكن أن يفهم ما يبدو غريباً في نظرة عن الإسلام، كانت فكرته عن الإسلام تتطور وتنمو طوال هذه الرحلة الثانية التي أمكنه فيها أن يختلط بالشعوب ويناقش العلماء، يتصل بالزعماء.(1/304)
كان التفكير في الإسلام يشغل ذهني إن الأمر بدا لي في ذلك الوقت رحلة لاستكشاف ما أجهله من تلك المناطق، كان كل يوم يمر يضيف إلى معارف جديدة، ويطرح أسئلة جديدة لأجد إجاباتها تأتي من الخارج جميعها أيقظت شيئاً ما كان نائماً في أعماقي، وكلما نمت معارفي عن الإسلام كنت أشعر مرة بعد أخرى أن الحقائق الجوهرية التي كانت كامنة في أعماقي من دون أن أعي وجودها بدأت تنكشف تدريجياً ويتأكد تطابقها مع الإسلام. كان اليقين ينمو في داخلة بأنه يقترب من إجابة نهائية عن أسئلته، بتفهمه لحياة المسلمين كان يقترب يومياً من فهم أفضل للإسلام؛ وكان الإسلام دائماً مسيطراً على ذهنه " لا يوجد في العالم بأجمعه ما يبعث في نفسي مثل تلك الراحة التي شعرت بها والتي أصبحت غير موجودة في الغرب ومهددة الآن بالضياع والاختفاء من الشرق، تلك الراحة وذلك الرضا اللذان يعبران عن التوافق الساحر بين الذات الإنسانية والعالم الذي يحيط بها". بهذه الروح من التسامح تجاه الآخر استطاع بسهولة أن يتخلص من انخداع الرجل الغربي وإساءته فهم الإسلام بسبب ما يراه من تخلف وانحطاط في العالم الإسلامي. "الآراء الشائعة في الغرب عن الإسلام [تتلخص] فيما يأتي: (انحطاط المسلمين ناتج عن الإسلام، وأنه بمجرد تحررهم من العقيدة الإسلامية وتبني مفاهيم الغرب وأساليب حياتهم وفكرهم؛ فإن ذلك سيكون أفضل لهم وللعالم)، إلا أن ما وجدته من مفاهيم وما توصلت إلى فهمه من مبادئ الإسلام وقيمه أقنعني أن ما يردده الغرب ليس إلا مفهوماً مشوهاً للإسلام... اتضح لي أن تخلف المسلمين لم يكن ناتجاً عن الإسلام، ولكن لإخفاقهم في أن يحيوا كما أمرهم الإسلام.. لقد كان الإسلام هو ما حمل المسلمين الأوائل إلى ذراً فكرية وثقافية سامية".(1/305)
وفر الإسلام باختصار حافزاً قوياً إلى التقدم المعرفي والثقافي والحضاري الذي أبدع واحدة من أروع صفحات التاريخ الإنساني، وقد وفر ذلك الحافز مواقف إيجابية عندما حدد في وضوح: "نعم للعقل ولا لظلام الجهل، نعم للعمل والسعي ولا للتقاعد والنكوص. نعم للحياة ولا للزهد والرهبنة". ولذلك لم يكن عجباً أن يكتسب الإسلام أتباعاً في طفرات هائلة بمجرد أن جاوز حدود بلاد العرب، فقد وجدت الشعوب التي نشأت في أحضان مسيحية القديس بولس والقديس أوجستين... ديناً لا يقر عقيدة ومفهوم الخطيئة الأولى .. ويؤكد كرامة الحياة البشرية، ولذلك دخلوا في دين الله أفواجاً، جميع ذلك يفسر كيفية انتصار الإسلام وانتشاره الواسع والسريع في بداياته التاريخية ويفند مزاعم من روجوا أنه انتشر بحد السيف. وكان ذكاؤه الحاد ونفاذ بصيرته، ونهمه إلى الاطلاع على التراث الفكري للمسلمين، يعمق معرفته بالإسلام فيبصره على حقيقته " كانت صرة نهائية متكاملة عن الإسلام تتبلور في ذهني ، كان يدهشني في أوقات كثيرة أنها تتكون داخلي بما يشبه الارتشاح العقلي والفكري، أي أنها تتم من دون وعي وإرادة مني، كانت الأفكار تتجمع ويضمها ذهني بعضها إلى بعض في عملية تنظيم ومنهجه لكل الشذرات من المعلومات التي عرفتها عن الإسلام . رأيت في ذهني عملاً عمرانياً متكاملاً تتضح معالمه رويداً رويداً بكل ما تحتويه من عناصر الاكتمال، وتناغم الأجزاء والمكونات مع الكل المتكامل في توازن لا يخل جزء من بآخر، توازن مقتصد بلا خلل، ويشعر المرء أن منظور الإسلام ومسلماته كلها في موضعها الملائم الصحيح من الوجود".(1/306)
"كانت أهم صفة بارزة لحضارة الإسلام وهي الصفة التي انفردت بها عن الحضارات البشرية السابقة أو اللاحقة أنها منبثقة من إرادة حرة لشعوبها، لم تكن مثل حضارات سابقة وليدة قهر وضغط وإكراه وتصارع إرادات وصراع مصالح، ولكنها كانت جزءاً وكلاً من رغبة حقيقية أصيلة لدى جميع المسلمين مستمدة من إيمانهم بالله وما حثهم عليه من إعمال فكر وعمل، لقد كانت تعاقداً اجتماعياً أصيلاً لا مجرد كلام أجوف يدافع به جيل تالٍ عن امتيازات خاصة بهم... لقد تحققت أن ذلك العقد الاجتماعي الوحيد المسجل تاريخياً تحقق فقط على مدى زمني قصير جداً، أو على الأصح أنه على مدى زمني قصير تحقق العقد على نطاق واسع، ولكن بعد أقل من مائة سنة من وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم- بدأ الشكل النقي الأصيل للإسلام يدب فيه الفساد، وفي القرون التالية بدأ المنهج القويم يزاح إلى الخلفية .. لقد حاول المفكرون الإسلاميون أن يحفظوا نقاء العقيدة؛ إلا أن من أتوا بعدهم كانوا أقل قدرة من سابقيهم، وتقاعسوا عن الاجتهاد... وتوقفوا عن التفكير المبدع والاجتهاد الخلاق... كانت القوة الدافعة الأولى للإسلام كافية لوضعه في قمة سامية من الرقي الحضاري والفكري.. وهذا ما دفع المؤرخين إلى وصف تلك المرحلة بالعصر الذهبي للإسلام، إلا أن القوة الدافعة قد ماتت لنقص الغذاء الروحي الدافع لها وركدت الحضارة الإسلامية عصراً بعد عصر لافتقاد القوة الخلاقة المبدعة، لم يكن لدي أوهام عن الحالة المعاصرة للعالم الإسلامي، بينتْ الأعوام الأربعة التي قضيتها في مجتمعات إسلامية أن الإسلام مازال حياً وأن الأمة الإسلامية متمسكة به بقبول صامت لمنهجه وتعاليمه؛ إلا أن المسلمين كانوا مشلولين غير قادرين على تحويل إيمانهم إلى أفعال مثمرة، إلا أن ما شغلني أكثر من إخفاق المسلمين المعاصرين في تحقيق منهج الإسلام الإمكانيات المتضمنة في المنهج ذاته، كان يكفيني أن أعرف أنه خلال مدى زمني قصير ..(1/307)
كانت هناك محاولة ناجحة لتطبيق هذا المنهج، وما أمكن تحقيقه في وقت ما؛ يمكن تحقيقه لاحقاً، ما كان يهمني- كما فكرت في داخلي- أن المسلمين شردوا عن التعليمات الأصلية للدين... ما الذي حدث وجعلهم يبتعدون عن المثاليات التي علمهم إياها الرسول – صلى الله عليه وسلم- منذ ثلاثة عشر قرناً مضت ما دامت تلك التعليمات لا تزال متاحة لهم إن أرادوا الاستماع إلى ما تحمله من رسالة سامية؟ بدا لي كلما فكرت أننا نحن في عصرنا الحالي نحتاج إلى تعاليم تلك الرسالة أكثر من هؤلاء الذين عاشوا في عصر محمد – صلى الله عليه وسلم-، لقد عاشوا في بيئات وظروف أبسط كثيراً مما نعيش فيه الآن، ولذلك كانت مشكلاتهم أقل بكثير من مشكلاتنا... العالم الذي كنت أحيا فيه – كله- كان يتخبط لغياب أي رؤية عامة لما هو خير وما هو شر... لقد أحسست بيقين تام.. أن مجتمعنا المعاصر يحتاج إلى أسس فكرية عقائدية توفر شكلاً من أشكال التعاقد بين أفراده، وأنه يحتاج إلى إيمان يجعله يدرك خواء التقدم المادي من أجل التقدم ذاته، وفي الوقت نفسه يعطي للحياة نصيبها. إن ذلك سيدلنا ويرشدنا إلى كيفية تحقيق التوازن بين احتياجاتنا الروحية والبدنية، وإن ذلك سينقذنا من كارثة محققة نتجه إليها بأقصى سرعة... في تلك الفترة من حياتي شغلت فكري مشكلة الإسلام كما لم يشغل ذهني شيء آخر من قبل، قد تجاوزت مرحلة الاستغراق الفكري والاهتمام العقلي بدين وثقافة غربيين، لقد تحول اهتمامي إلى بحث محموم عن الحقيقة" . لقد صار في إمكانه أن يميز بين ما هو الإسلام وما هو غريب عنه في تصورات المسلمين وسلوكهم في رحلته الأولى رأى حلقة ذكر يقيمها الصوفية في أحد مساجد " سكوتاري" في تركيا ويصفها بهذه العبارات " كانوا يقفون في محيط واحد فاستداروا في نصف دورة ليقابل كل واحد منهم الآخر أزواجاً، كانوا يعقدون أذرعهم على صدورهم وينحنون انحناءة شديدة وهم يستديرون بجذوعهم في نصف دائرة ..(1/308)
في اللحظة التالية[كانوا] يقذفون أذرعهم في الاتجاه المعاكس الكف اليمنى ترتفع والكف اليسرى تنزل إلى الجانب، وتخرج من حلوقهم مع كل نصف انحناءه واستدارة أصوات مثل غناء هامس "هو" ثم يطرحون رؤوسهم للخلف مغمضين أعينهم ويجتاح ملامحهم تقلص ناعم، ثم تتصاعد وتتسارع إيقاعات الحركة وترتفع الجلاليب لتكون دائرة متسعة حول كل درويش مثل دوامات البحار... تحولت الدائرة إلى دوامات، اجتاحهم الانهماك، وشفاههم تكرز بلا نهاية(هو، هو)" . وفي الرحلة الثانية يتذكر حلقة الذكر هذه ويعلق عليها "اتضحت في ذهني معاني لم تبد لي عندما شاهدت حلقة الذكر [في سكوتاري]، كان ذلك الطقس الديني لتلك الجماعة- وهي واحدة من جماعات كثيرة شاهدتها في مختلف البلاد الإسلامية – لا يتفق مع صورة الإسلام التي كانت تتبلور في ذهني.. تبين لي أن تلك الممارسات والطقوس دخيلة على الإسلام من جهات ومصادر غير إسلامية، لقد شابت تأملات المتصوفة وأفكارهم أفكار روحية هندية ومسيحية، مما أضفى على بعض ذلك التصوف مفاهيم غربية عن الرسالة التي جاء بها النبي –صلى الله عليه وسلم-، أكدت رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم- أن السببية العقلية هي السبيل للإيمان الصحيح بينما تبتعد التأملات الصوفية وما يترتب عليها [من سلوك] عن ذلك المضمون، والإسلام قبل أي شيء مفهوم عقلاني لا عاطفي ولا انفعالي، الانفعالات مهما تكن جياشة معرضة للاختلاف والتباين باختلاف رغبات الأفراد وتباين مخاوفهم بعكس السببية العقلية، كما أن الانفعالية غير معصومة بأي حال".(1/309)
كتب بعد ذلك بسنوات " (لقد بدا لي الإسلام مثل تكوين هندسي محكم البناء) كل أجزائه قد صيغت ليكمل بعضها البعض وليدعم بعضها بعضاً، ليس فيها شيء زائد عن الحاجة وليس فيها ما ينقص عنها، وناتج ذلك كله توازن مطلق وبناء محكم، ربما كان شعوري بأن كل ما في الإسلام من تعاليم وضع موضعه الصحيح هو ما كان له أعظم الأثر علي، لقد سعيت بجد إلى أن أتعلم عن الإسلام كل ما أستطيع أن أتعلمه، درست القرآن وأحاديث النبي، درست لغة الإسلام وتاريخه وقدراً كبيراً مما كتب عن الإسلام، وما كتب ضده، أقمت ست سنوات تقريباً في نجد والحجاز ومعظمها في مكة والمدينة بغرض أن اتصل مباشرة بيئة الإسلام الأصلية، وبما أن المدينتين كانتا مكان اجتماع المسلمين من مختلف الأقطار فقد تمكنت من الاطلاع على مختلف الآراء الدينية والاجتماعية السائدة حالياً في العالم الإسلامي، وكل هذه الدراسات خلقت لدي اعتقاداً راسخاً أن الإسلام كظاهرة روحية واجتماعية لا يزال أقوى قوة دافعة عرفها البشر رغم كل مظاهر التخلف التي خلفها ابتعاد المسلمين عن الإسلام.طوال العامين اللذين قضاهما في رحلته الثانية في العالم الإسلامي كان بعقله ومعلوماته يتقدم بسرعة في الطريق إلى الإسلام، لقد وعى ذلك وهو يعدو بجواده فوق جبال إيرانية مغطاة بالثلج الأبيض"بدا العالم كله مبسوطاً أمامي في رحابية لا تنتهي، بدا شفافاً في عيني كما لم يبد من قبل، رأيت نمطه الداخلي الخفي، وأحسست بنبضه الدفين في تلك الأصقاع البيضاء الخالية، واندهشت من خفاء ذلك عليّ منذ دقيقة مضت، وأيقنت أن كل الأسئلة التي تبدو بلا إجابة ماثلة أمامنا في انتظار أن ندركها، بينما نحن – الحمقى المساكين- نطرح الأسئلة وننتظر أن تفتح الأسرار الإلهية نفسها لنا بينما تنتظر تلك الأسرار أن نفتح نحن أنفسنا لها.(1/310)
مر أكثر من عام بين انطلاقي المجنون على جوادي فوق الجليد والبرد قبل أن اعتنق الإسلام، ولكن حتى في ذلك الوقت قبل إسلامي كنت أنطلق- دون أن أعي ذلك- في خط مستقيم كمسار السهم المنطلق باتجاه مكة المكرمة"."كنت في طريقي من مدينة هراة إلى مدينة كابل... توجهنا إلى قرية ده زانجي، جلسنا في اليوم التالي حول غداء وافر كالمعتاد [ في بيت الحاكم] بعد الغداء قام رجل من القرية بالترفيه عنا... غنى على ما أذكر عن معركة داود وجالوت، عن الإيمان عندما يواجه قوة غاشمة ... علق الحاكم في نهاية الأغنية قائلاً: " كان داود صغيراً إلا أن كان إيمانه كان كبيراً" فلم أتمالك نفسي وقلت باندفاع : " وأنتم كثيرون وإيمانكم قليل"، نظر إليّ مضيفي متعجبًا؛ فخجلت مما قلت من دون أن أتمالك نفسي، وبدأت بسرعة في توضيح ما قلت واتخذ تفسيري شكل أسئلة متعاقبة كسيل جارف، قلت:" كيف حدث أنكم معشر المسلمين فقدتم الثقة بأنفسكم تلك الثقة التي مكنتكم من نشر عقيدتكم في أقل من مئة عام حتى المحيط الأطلسي.. وحتى أعماق الصين، والآن تستسلمون بسهولة وضعف إلى أفكار الغرب وعاداته؟ لماذا لا تستجمعون قوتكم وشجاعتكم لاستعادة إيمانكم الفعلي، كيف يصبح أتاتورك ذلك المتنكر التافه الذي ينكر كل قيمة للإسلام، رمزاً لكم في الإحياء والنهوض والإصلاح؟". ظل مضيفي صامتاً.. كان الثلج قد بدأ في التساقط خارجاً، وشعرت مرة أخرى بموجة من الأسى مختلطة مع تلك السعادة الداخلية التي شعرت بها ونحن نقترب من ده زانجي أحسست بالعظمة التي كانت عليها تلك الأمة، وبالخزي الذي يغلف ورثتها المعاصرين. أردفت مكملاً أسئلتي " قل لي كيف دفن علماؤكم الإيمان الذي أتي به نبيكم بصفائه ونقائه؟ كيف حدث أن نبلاءكم وكبار ملاك أراضيكم يغرقون في ملذات بينما يغرق أغلب المسلمين في الفقر.. مع أن نبيكم علمكم أنه لا يؤمن أحدكم أن يشبع وجاره جائع؟.(1/311)
هل يمكن أن تفسر لي كيف دفعتم النساء إلى هامش الحياة مع أن النساء في حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم- والصحابة ساهمن في شؤون حياة أزواجهن؟ كان مضيفي مازال يحملق فيّ دون كلمة، وبدأت أعتقد أن انفجاري ربما سبب له ضيقاً، في النهاية جذب الحاكم ثوبه الأصفر الواسع وأحكمه حول جسمه.. ثم همس " ولكن أنت مسلم" ضحكت وأجبته" كلا لست مسلماً ولكني رأيت الجوانب العظيمة في رسالة الإسلام مما يجعلني أشعر بالغضب وأنا أراكم تضيعونه، سامحني إن تحدثت بحدة، أنا لست عدواً على أي حال " إلا أن مضيفي هز رأسه قائلاً : " كلا أنت كما قلت لك مسلم إلا أنك لا تعلم ذلك، لماذا لا تعلن الآن هنا: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وتصبح مسلماً بالفعل بدلاً من أن تكون مسلماً بقلبك فقط " قلت له: " لو قلتها في أي وقت فسأقولها عندما يستقر فكري عليها ويستريح لها " استمر إصرار الحاكم: ولكنك تعرف عن الإسلام أكثر مما يعرفه أي واحد منا، ما الذي لم تعرفه أو تفهمه بعد؟ " قلت له: " الأمر ليس مسألة فهم بل أن أكون مقتنعاً، أن أقتنع أن القرآن الكريم هو كلمة الله، وليس ابتداعاً ذكياً لعقلية بشرية عظيمة" ولم تمح كلمات صديقي الأفغاني من ذهني على مدى شهور طويلة" .
بعد شهور من هذه الحادثة كان ينطق بالشهادة أمام رئيس رابطة المسلمين في برلين كان قد رجع إلى أوروبا من رحلته الثانية التي استغرقت عامين من التجوال في العالم الإسلامي فعرف أن اسمه أصبح من الأسماء المعروفة.. وأنه أصبح واحداً من أشهر مراسلي الصحف وسط أوروبا، بعض مقالاته لقيت ما يفوق الاعتراف بأهميتها، وتلقى دعوة لإلقاء سلسلة من المحاضرات في أكاديمية الجغرافيا السياسية في برلين، ولم يحدث كما قيل أن رجلاً في مثل سنه (السادسة والعشرين) قد حقق ذلك التميز، وأعيد نشر مقالاته الأخرى في صحف كثيرة حتى إن واحدة من تلك المقالات نشرت في ثلاثين مطبوعة مختلفة.(1/312)
ولكن بعد عودته واتصاله من جديد بأصدقاء الفكر والثقافة في برلين، ومناقشته معهم قضية الإسلام، أحس أنه وإياهم لم يعودوا يتحدثون من المنطلقات الفكرية نفسها، شعر بأن من يرون منهم أن الأديان القديمة أصبحت شيئاً من الماضي وهم الأغلبية ومن كانوا لا يرفضون الأديان رفضاً كلياً، كانوا كلهم يميلون بلا سبب إلى تبني المفهوم الغربي الشائع الذي يرى أن الإسلام يهتم بالشؤون الدينية وتنقصه الروحانيات التي يتوقع المرء أن يجدها في أي دين "ما أدهشني بالفعل أن اكتشف أن ذلك الجانب من الإسلام هو ما جذبني إليه من أول لحظة وهو عدم الفصل بين الوجود المادي والوجود الروحي للبشر، وتأكيد السببية العقلية سبيلاً للإيمان، وهو الجانب ذاته الذي يعترض عليه مفكروا أوروبا الذين يتبنون السببية العقلية منهجاً للحياة، ولا يتخلون عن ذلك المنهج العقلاني إلا عندما يرد ذكر الإسلام، لم أجد أي فرق بين الأقلية المهتمة بالأديان والأغلبية التي ترى أن الدين أصبح من المفاهيم البالية التي عفا عليها الزمن، أدركت مع الوقت مكمن الخطأ في منهج كل منهما ، أدركت أن مفاهيم من تربوا في أحضان الأفكار المسيحية في أوروبا ... تبنوا مفهوماً يسود بينهم جميعاً، فمع طول تعود أوروبا نسق التفكير المسيحي تعلّم حتى اللادينيين أن ينظروا إلى أي دين آخر من خلال عدسات مسيحية فيرون أي فكر ديني صالحاً لأن يكون ديناً إذا غلفته مسحة غامضة خارقة للطبيعة تبدو خافية وفوق قدرة العقل البشري على استيعابها، ومن منظورهم لم يف الإسلام بتلك المتطلبات..(1/313)
كنت أوقن بأني في طريقي إلى الإسلام وجعلني تردد اللحظة الأخيرة أؤجل الخطوة النهائية التي لا مفر منها، كانت فكرة اعتناق الإسلام تمثل لي عبور قنطرة فوق هاوية تفصل بين عالمين مختلفين تماماً قنطرة طويلة حتى إن المرء عليه أن يصل إلى نقطة اللاعودة أولاً قبل أن يتبين الطرف الآخر للقنطرة، كنت أعي أني لو اعتنقت الإسلام لاضطررت إلى خلع نفسي نهائياً من العالم الذي ولدت ونشأت فيه، لم تكن هناك حلول أخرى، فلم يكن ممكناً لامرئ مثلي أن يتبع دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم- ويظل بعدها محتفظاً بروابطه مع مجتمع يتصف بثنائية المفاهيم المتعارضة والمتناقضة، كان سؤالي الأخير الذي كنت متردداً أمامه هو : هل الإسلام رسالة من عند الله أم أنه حصيلة حكمة رجل عظيم؟". ولم يمكث غير بعيد حتى جاءت الإجابة، لقد اتصل من جديد بحياة الغرب مباشرة، ورأى مبلغ التعاسة والشقاء الذي يعانيه الغربيون ولكنهم لا يعونه أو لا يعون سببه، كان في القطار مع زوجته، وشغل نفسه بالتطلع إلى وجوه الناس "بدأت أتطلع حولي إلى الوجوه.. كانت جميعاً وجوهاً تنتمي إلى طبقة تنعم بلبس ومأكل جيدين ولكنها كانت تشي بتعاسة داخلية عميقة ومعاناة واضحة على الملامح تعاسة عميقة حتى إن أصحابها لم يدركوا ذلك.. كنت أوقن بأنهم غير واعين وإلا لما استمروا في إهدار حياتهم على هذا المنوال من دون أي تماسك داخلي ومن دون هدف أسمى من مجرد تحسين معيشتهم ومن دون أمل يزيد على الاستحواذ المادي الذي من الممكن أن يحقق لهم مزيداً من السيطرة" .جاءت الإجابة حين قرأ القرآن فور عودته إلى بيته – وكانت تلك التجربة التي مر بها في القطار لا تزال حية في تفكيره. "وقفت لحظات مشدوها وأنا أحبس أنفاسي، وأحسست أن يدي ترتجفان، فقد كان القرآن يتضمن الإجابة.. إجابة حاسمة قضت على شكوكي كلها وأطاحت بها بلا رجعة، أيقنت يقيناً تاماً أن القرآن .. من عند الله" .(1/314)
بعد إسلامه بست سنوات كان يقطع الصحراء الكبرى قادماً من " قصر عثيمين" على الحدود السعودية العراقية وقاصداً مكة، كانت رحلة مليئة بالمفاجأة والمغامرة لقد أشرف فيها على الموت.وكتب كتابه " الطريق إلى مكة " يقص فيه التفاصيل المثيرة لهذه الرحلة، ويقص معها تفاصيل رحلة أخرى رحلة روحه إلى مكة، رحلتها إلى الإسلام.
***
54- ثلاثون صينياً يشهرون إسلامهم في السعودية بعد وجبة جريش
قال الله تعالى:( وإنك لعلى خلق عظيم ) سورة القلم. وقال تعالى:( فبما رحمة من اللَّه لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك (آل عمران.
أشهر 30 صينيا إسلامهم في جامع عبد الله المطلق في حي المصيف شمال مدينة الرياض يوم الجمعة الماضي، بعد أن أكلوا وجبة شعبية في المملكة تدعى "جريش".
فقد فوجئ مواطن سعودي لم تذكر الصحيفة اسمه عقب أداء المصلين إحدى الفرائض بوجود سبعة من العمال الصينيين يقفون في محراب المسجد، وينظرون باستغراب شديد إلى حركات من تبقى من المصلين أثناء أداء "النوافل"، ليبادروا بسؤاله عن نوع واسم الرياضة الغريبة التي يؤديها الناس في هذا المكان.
واكتفى المواطن بإجابات مقتضبة عن الصلاة بقدر ما يتقن من مفردات إنكليزية، لكنه أردف إجابته بدعوة الصينيين بإلحاح إلى تناول طعام العشاء في منزله المجاور للمسجد. واختار المضيف عشاءً للضيوف من الجريش ( قمح ولحم )مع الدجاج المحمر والرز الصيني. طعم الجريش لم يكن الشيء الوحيد الذي أعجب به الصينيون في العشاء، ولكن المعاملة الحسنة التي وجدوها من شخص يلقونه للمرة الأولى سلبت قلوبهم.
وأثني الصينيون على أكلة "الجريش" وطلبوا من المواطن السعودي وصفة إعدادها، لكن لم يعطيها لهم، إلا بعد أن حصل على وعد منهم بتكرار الزيارة مع بقية زملائهم في السكن خصوصاً أنه لا تزال لديهم أسئلة حول الدين الإسلامي يحتاجون من يجيب عليها.(1/315)
ونقل الضيوف الحديث عن دماثة صاحبهم ولذة الجريش إلى بقية زملائهم الذين يعملون في شركة للمقاولات. وفي هذه الأثناء، بادر المواطن بالاتصال بالمسؤولين في جمعية ندوة الشباب الإسلامي، يطلب المساعدة في هداية هؤلاء الصينيين الذين سيحلون ضيوفاً عليه في إجازة نهاية الأسبوع. وبدورهم، تجاوب المسؤولون في الجمعية مع طلبه، ووعدوه بإرسال داعية مسلم من الجنسية الصينية إلى مكان الدعوة. الصورة الحسنة التي رسمها الضيوف السبعة عن مضيفهم، دفعت بنحو 50 عاملاً من أصدقائهم للتوجه إلى مكان الدعوة في إحدى الاستراحات. واستعد المستضيف جيداً هذه المرة للإجابة على تساؤلات الصينيين، بمشاركة مدير مكتب الدعوة والإرشاد في شمال الرياض عبدالعزيز الشثري، والداعية الصيني الذي قام بدور الترجمة.
وقد بدا واضحاً أن الصينيين الذين لا يدين معظمهم بأي ديانة، لا يعرفون عن الدين الإسلامي سوى أنه دين يفرض الختان، ولديه مشكلة حالية مع الدنمارك، الأمر الذي تبدل بعدما استمعوا لموجز مفصل عن مبادئ الدين العظيمة، وشخصية الرسول الكريم الذي يستمد منه المسلمون جميع معاملاتهم الحسنة.
وتناول الـ50 صينياً "الجريش" الذي سمعوا عنه من زملائهم في تلك الليلة، ولكن بعد أن أعلن 30 منهم دخولهم في الإسلام.
***
55- إلى أين يا مسلمين
إلى كل مسلم أكتب قصه غيرت حياتي كان البطل الأساسي فيها هو الأب زكريا بطرس الذي لاأعرف أن كنت أشكره أم ألعنه .
أنا فتاه مسيحية مصرية أسكن في إحدى مدن الوجه البحري في أسره فوق المتوسطة قليلا أدرس في إحدى الكليات و أعتذر عن عدم كتابة اسمي حتى لايفتضح أمري ورأيت أن هذا أفضل من ذكر اسم مستعار.(1/316)
بدأت قصتي عندما بدأت أتابع برامج الأب زكريا بطرس مع بداية هذا الصيف 2007 ولن تتخيلوا حجم المتعة التي كان يشعر بها أبى وأمي عند متابعه هذه البرامج وبدأوا يعدون هذا الرجل من الأبطال ولكنني كان ينتابني قلق من نوع أخر فكل أصدقائي في الجامعة من المسلمين (3 بنات وولدين) نحب بعضنا منذ العام الأول للجامعة ونأخذ دروسنا سويا بالإضافة إلى أنى كثيرا ما اقضي أوقاتا في النادي معهم باختصار هم أقرب أصدقائي فكان رعبي من أن يتجنوبننى ويكرهوني بعد مشاهدة تلك البرامج وفى كل مرة أقابلهم فيها في النادي كنت أشكر ربى أنى أجدهم يتعاملون معي بطريقة عاديه وأقول في نفسي لم يروا شيئا الحمد لله -وظلت الحال هكذا حتى بدأت أيام الدراسة وزادت مقابلاتي بزملائي بالذات الأولاد منهم الذين كانت علاقتي بهم في الصيف محدودة واجتمعت الشلة مرة أخرى إلى أن جاء يوم وفتح هشام صديقنا الموضوع وهو شخص متدين لدرجة بسيطة وكنا في شقة إحدى زميلاتنا عندئذ لأخذ درس وكان الرعب يتملكني من تغير حب أصحابي لي ولكنهم لم يوجهوا لي كلام مباشر فوجدت نفسي أقول لهم إننا نكره هذا الرجل وننتقد كلامه وكان من الأشياء التي ضايقتني هو أنى كذبت عليهم ولكنى شعرت بارتياح من ناحيتهم لردى هذا ولكن الغريب كان صديقنا عمر الذي لم يكن يعلم أي شيء عن الموضوع كله وكان عمر شابا مهذبا جدا وشهم ووسيم ولكنه لم يكن له أي اهتمام بالدين حتى الصلاة لم يكن يعرف لها طريقا أبدا لذا تعجبت جدا من اهتمامه بمعرفة الأمر وسؤال أصحابنا عنه باهتمام حتى وصفوا له كيفية مشاهدة تلك الفيديوهات على اليوتيوب -عندئذ نبت بداخلي أمل غريب فهذا هو عمر الذي طالما كنت أشعر باهتمامه الخاص بي وبنظراته الخاطفة التي يحاول إخفائها فهو شخص راقي جدا لم يحاول أبدا لفت التقرب منى أكثر من علاقة صداقتنا القوية لذا احترمته جدا فهو يشعر بشيء ما ناحيتي ولكنه قد علم الحاجز الديني بيننا لذا فانه يحاول(1/317)
قتل هذا الإحساس داخله -إذن قد بدأ الأمل يدب في فهذا هو عمر قد أخذ قرارا بمشاهدة فيديوهات أبونا زكريا التي كلما رأيتها قال أهلي "أي مسلم عاقل هيشوف الفيديوهات دي لازم يسيب الإسلام" -إذن هناك أمل في أن يغير عمر دينه ويصبح على نفس ديني وخاصة أنه لا يعرف شيئا عن دينه حتى الصلاة لا يؤديها عندها لن يكون هناك حواجز بيننا ، عدت إلى بيتي في هذا اليوم وكان الأربعاء وعندنا الخميس والجمعة أجازة من الجامعة وكنت في قمة الأحلام ظللت أحلم بان عمر أصبح مسيحي وترك أهله وجاء إلى أبى وأن أبى ساعده وزوجنا لبعض وكنت في قمة السعادة حتى توجهت إلى يسوع وصليت لهذا الأمر طوال الليل.(1/318)
هنا وقد بدأت قصتي عدت إلى البيت وكلى غضب وعصبية ثم قررت أن أفتح الانترنت نعم أريد أن أشاهد تلك الردود الملعونة التي غيرت حياه هذا الإنسان هكذا ماهذه المواقع الإسلامية التي يمكن أن تغير حياه شاب يعيش حياه بدون دين إلا بالاسم فقط إلى شاب متدين الدين هو أعظم مافي حياته -دخلت عملت سيرش على اسم زكريا بطرس ووجدت عشرات الفيديوهات التي ترد على الأب زكريا فحاولت قراءه بعضها ولم تثيرني فقد كنت مقتنعة تماما بما يقوله ولكن في معظم تلك الردود كانت هناك آيات قرآنية كنت أحاول التركيز فيها لمعرفة مافيها من رد على انتقاد الأب زكريا -وكان بداية الإحساس الغريب أن هذه الكلمات غريبة فعلا -كيف لرجل مثل محمد يصفه كل المسيحيين بالجهل والتخلف وأن كل همه الزواج فقط كيف له أن يؤلف هذه الكلمات إلى أن وجدت أمامي في الركن الأيمن من يوتيوب وهو خاص بالفيديوهات ذات الصلة بالفيديو الذي أشاهده ، أقول وجدت فيديو مكتوبا عليه معجزه في القرآن فدخلت إليه بفضول وكانت الصدمة كان لدكتور مسلم يتكلم عن معجزات علمية اكتشفها العلم حديثا وذكرها القرآن منذ ألاف السنين ولم أهتم كثيرا ولكن لا أنكر وجود بعض الشك بداخلي لكن أيضا بجانب هذا الفيديو وجدت فيديوهات مشابهة كثيرة كلها تتحدث عن معجزات القرآن وأصبح هذه هي هوايتي الجديدة لمده أسبوعين أتعرض خلالهما لأقصى درجات الحيرة والقلق من كل ماتتخيل من فيديوهات شاهدتها من مناظرات عربية وأجنبية وللأسف فان أبسط مناظرة لأحمد ديدات كفيلة بنسف ديني لكن الحقيقة أننا لانثق في كلام المسلمين ويتم تحذيرنا من مشاهدة تلك الأشياء -إلى أن جاء يوم ووقفت عند فيديو استفزني جدا كان يسخر من الهي يسوع ويقال فيه كلام قذر عنه لم أتمالك نفسي فوضعت ردا فيه عتاب لواضع الفيديو وتحذير له من غضب وعقاب المسيح إلى هنا كنت مسيحية عادية ليس عندي أي احتمال لتغيير ديني إلى أن رسالة واردة لي على اسمي في اليوتيوب(1/319)
وكانت من أحد المشتركين وكان يرد على ردى الذي سبق وذكرته وكان كالتالي :عزيزي "اسمي على يوتيوب لايوضح كوني بنت أو ولد"لك حق أن تغضب وأنا معك ومثلك غاضب من السخرية على السيد المسيح ولكن أرجوك ألا تقول مرة أخرى المسيح سينتقم منكم لأن الذي ينتقم ويسامح هو ربى وربك ورب المسيح ولعلمك نحن نحب المسيح أكثر منكم لأننا نحن الذين نطيعه ليس أنتم . انتهت الرسالة وابتدأت معي رحلة جديدة فقد تهت في هذه الكلمات الغريبة على أذني ماهذا الذي قاله هل هو مسلم؟ مستحيل فانه يقول ربى وربك ورب المسيحي هل هو مسيحي من طائفة أخرى ؟ لا إن اسمه إسلامي -كل ما‘عرفه أن رب المسلمين هو رب محمد الذي يسخر منهما أهلي دائما كيف يقول هذا الشخص أن ربنا وربه واحد ؟ ولكن هناك الأغرب انه يقول أنهم يحبون يسوع أكثر منا - ماهذا الجنون -لم أتمالك نفسي من الرد عليه فكان سؤالي له ماهذا الهراء الذي قلته وأكملت باقي استفسراتي .(1/320)
لم يرد على يوما كاملا وجاءني الرد ثاني يوم مغيرا حياتي كلها : أولا بخصوص الله فان المسيح عليه السلام كان يدعو ربه ويصلى له ويصوم له وذكر لي آيات من الإنجيل تشهد بهذا وكانت كأني أول مرة أسمعها أو قل أفهمها وأكمل كلامه قائلا ثم جاء سيدنا محمد بدين الإسلام ليكمل به المسيحية مؤكدا على نبوة المسيح ومؤكدا أنه أي محمد يعبد رب المسيح ورب موسى ورب كل الأنبياء إذن ياعزيزي ربنا وربكم واحد وهو رب عيسى ورب محمد -ثانيا بخصوص سؤالك الثاني فنعم نحن نحب عيسى أكثر منكم لأننا لم نصفه بالخروف بل عظمه القرآن ولكن الأهم أننا نطيعه بعكس ماتفعلون فقد دعا عيسى ربه ودعا إلى وحدانيته بدليل (الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي ويسوع المسيح الذي أرسلته ) إذن ياصديقي الحياة الأبدية في إنجيلك أن تقول لا إله إلا الله المسيح رسول الله وهذا ما فعلناه نحن المسلمون إذن من منا يطيع يسوع أكثر ويحبه أكثر الذين التزموا بتعاليمه وبتعاليم من جاء بعده أم الذين اختلقوا عليه إلوهية لم ينسبها لنفسه في أي موضع أو قول -ياصديقي لقد قرأت كتابكم المقدس وزادني إيمانا بنبوه عيسى ووحدانيته الله عز وجل فكل كلمة نطقت من فمه في الإنجيل تشهد بنبوته وتكفر بإلوهيته -ياصديقي لقد تبرأ يسوع من ذنبكم حينما قال لأحد الرجال يوما ما (لاتدعوني صالحا فليس هناك صالحا إلا الله ) ومن هنا فقد أنكر عليه السلام أي علاقة له بالإلوهية بل لقد شهد بوحدانية الخالق الذي ليس فيه أي شيء منه فقد نفى عن نفسه صفة الصلاح وألصقها بالله الواحد إذن أنا لست هو وهو ليس أنا .وفى النهاية دعا لي الله بالهداية(1/321)
قال كلماته وتركني أغرق في بحور من الخيال والحيرة ظللت لمدة ساعة لا أفعل شيئا سوى التأمل في رسالته وتقليبها يمينا وشمالا ثم بدأت أعود للإنجيل كي أتأكد -نعم كل كلامه صح إذن كيف ؟انه نسف عقيدتي كلها في دقائق -قلب حياتي رأسا على عقب في عدة سطور والمصيبة أن مصدره هو كتابي نفسه لم يخترع ولم يكذب وكانت نهايتي كمسيحية مستقرة مع ديني وبدأت حياتي كتائهة.(1/322)
كان خوفي من أهلي وأصدقائي المسيحيين وأقربائي عظيما من أن يشكون في فخلقت إيميل جديد باسم وهمي ولجأت إلى مواقع مسيحية مهمتها الرد على الأسئلة وأرسلت لهم كل ماقاله لي هذا الولد للسؤال عنه وكان الرد مخذلا لايمكنه الوصول إلى عقلي (ياابنتي إن المسيح هو الرب الذي تحمل الصلب والآلام كيف يغفر لك ذنبك لاتشكي في الوهيته ابدا ومثل هذه النصائح التي بدأت أسئم من سماعها وجاء الرد على السؤال من كل المواقع تقريبا متشابها :إن المسيح كان له كيانين اللاهوت والناسوت فهو عندما قال كذا كان ناسوت وعندما قال أو فعل كذا كان لاهوت بالإضافة إلى أن هناك موقعان كان ردهما ببعض الصلوات لي ونفس النصائح الخاصة بالمسيح وفى النهاية نصيحة بتجنب الحديث مع غير المسيحيين لرغبتهم في تضليلنا - كان رد فعلى حاسما ضربت بعرض الحائط كل تلك الهراءات وكل هؤلاء الأشخاص الذين بدأت أراهم برؤيا مختلفة تماما -ومر الوقت بي بطيئا حتى بداية 11/2007عندما تغيرت حياتي وقبل هذا اليوم كنت أمارس حياتي مع أصدقائي بطريقة عادية بل قل أفضل من عادية فقد رفعت عن عيني إطار التخلف الذي كنت أضعه عليهم فأصبح الأمر بيني وبينهم متساوي الآن فأنا لا أعلم من منا الصح ومن الخطأ -وحتى هذا اليوم فقد كان كل ماهو يتعلق بالإسلام يشدني أنظر للمسجد في شارعنا وأقول في نفسي آه لو أستطيع الدخول إلى أعماقك وأعرف بماذا يشعرون عند الدخول إليك -لن أطيل عليك حتى جاء اليوم المشهود في بداية هذا الشهر حيث كنت عائدة من الجامعة وحدي وركبت تاكسي وكان يدير شريط قرأن لرجل صوته رائع وكم كنت مستمعة بسماعة ومحاولة التركيز في كلامه بعكس ماكان يحدث قبلا حيث كنت ألعن الحظ الذي أوقعني في تاكسي يشغل القرآن -وجاءت اللحظة الحاسمة حيث ركب احد الشباب معنا في الكرسي الأمامي ودار الحوار بينه وبين السائق عن اسم الشيخ فقل له فلان فرد عليه الشاب إن صوته رائع يهز القلب بالخشوع وقد وقعت على(1/323)
هذه الكلمات وقع من وجد ضالته فقد كان هذا التعبير هو بالضبط ما أشعر به شيء يهز قلبي من الداخل ثم جاءت الآية التي لن أنساها طيلة حياتي والتي بكى فيها المقرئ وهو يقرا (وإذا سيق الذين أمنوا إلى الجنة زمرا) إلى أخر الآية حتى وجدتني أبكى معه أبكى أملا في أن أكون من هؤلاء الذين يساقوا إلى الجنة وتستقبلهم الملائكة بالترحاب وأبكى خوفا من أن أكون من هؤلاء الذين يساقون إلى النار ونزلت والله ماكنت أريد النزول حتى أظل أسمع القرآن وكلن كل شيء داخلي مضطرب وكنت قد أصبحت إنسانة أخرى ولاحظ أخى ووالدي على التغير قبل هذا اليوم بيومين فقررت أن اصرف شكهم عنى فقلت لهم إنى ذاهبة إلى درس الوعظ اليوم في الكنيسة وفعلا ذهبت وأدركت يومها إنى لم يعد لي حياه في هذا الدين فقد كنت ساخطة على كل ماسمعت في الكنيسة ولولا أدبي وخوفي من افتضاح أمري لقمت ورديت على أبونا بالردود التي سمعتها واللي ممكن تخليه واقف في نص هدومه قدام الناس -المهم خرجت من الكنيسة قرفانة ومش قادرة اسمع صوت حد منهم .(1/324)
كنت من متابعتي للفيديوهات على اليوتيوب قد بدأت أتابع أسماء بعض الأشخاص الذين يضعون فيديوهات في نفس المجال وكان منهم واحد كنت أحترمه جدا لأن أسلوبه راقي ويضع تعبيرات محترمة جدا على فيديوهاته فدخلت على قناته لأجد أنه واضع بروفيل لذيذ جدا يهدى فيه للإسلام بأسلوب راقي وكان قراري السريع جدا بأن أرسل له رسالة وشرحت له حالتي بدون تفاصيل طالبه منه أن يهديني للإسلام وأن يذكر لي المواقع التي قد تساعدني وكان الرد أسرع مما أتخيل بعد حوالي 45 دقيقة وكان مالم أتخيله فقد كان كلامه ساحرا وهذا نص كلامه ( أختي العزيزة انك لاتحتاجين هدايتي فمن أكون أنا وقد هداك الواحد القادر إن رسالتك تقودني لأن أؤمن بأن الله عز وجل قد قادك إلى طريق الإيمان وان كنت أنا شخصا مؤمنا قوى الإيمان بحمد الله فانك أفضل منى لأنك تمشين في طريق الإسلام والإيمان برجليك وبإرادتك وبتفكيرك وبحثك لكن أنا مسلم بميلادي فأكيد أنك أفضل -أما نصيحتي لك ياأختي كي تتغلبي على حيرتك فهي:حاولي التطهر بكامل جسدك وذلك بالاستحمام واعذريني فان أيام الدورة الشهرية عند البنت ليس من الطهارة في الإسلام فيجب ألا تفعلي هذا الأمر إلا بعد تمام الطهارة وبعد الاستحمام فعليك مهمة صعبة وصعوبتها في التركيز حيث سأطلب منك أن تنسى أنك مسيحية وتنسى أنك تفكري في الإسلام وتنسى كل شيء وتتجهي إلى الله الذي خلقك داعية إياه -يربى يامن خلقتني أدعوك ياخالق هذا الكون وياخالق البشر وياخالقي أيا كنت أرجوك ياربي أن ترشدني إلى طريقك الذي ترضاه لي أرجوك ياربي أن تأخذ بيدي إلى طريق الجنة ياربي انك رحيم , عشمي فيك انك لن ترضى لي الضلال يارب إن كان ديني الذي أنا عليه هو دينك الذي يرضيك فثبتني عليه وان كان رضاك في دين أخر وطريق أخر فأرشدني وخذ بيدي يارب إلى الدين الذي ترضاه واجعله قدري يارب وأدخلني الجنة يارب فقد توكلت عليك وسلمتك أمري أن ترشدني إليها وعشمي فيك ياربي أنك(1/325)
لن تخذلني .انتهى الدعاءولاتتخيلوا كم أعجبني هذا الدعاء لأنه حيادي تماما ونفذت ماقاله تماما حتى إنني أمسكت بالموبايل بعد أن كتبت الدعاء عليه في الملف السري حتى لايفضحني أحد ومرت أول ليلة عادية ولكنى صممت على المعاودة فكررت نفس مافعلته بالأمس وعند الدعاء تذكرت كلام الرجل يجب على التركيز فعلا يجب أن أنسى أنى أخاطب يسوع أو حتى رب المسلمين أنا أخاطب الله الذي خلق الكون أيا كان فهو كيان لا صوره له في خيالي ففعلت فعلا هذا الأمر ولن تتخيل حجم البكاء الذي بكيته عند دعائي وبالذات عند الكلمة التي قعدت أكررها عشرات المرات وأنا أبكى "مهما كنت يارب" والحمد لله أن لم يسمعني أو يكشفني أحد فقد كان الجميع نائما ولى غرفتي الخاصة كما أنى كنت أدعو وأنا في السرير وغطاء السرير على وبقيت في سريري أفكر وأتخيل ماذا سيحدث وهل سيستجيب لي الله أم لا وهل أن هذا هو غضب يسوع على أن جعلني محتارة هكذا حتى رحت في نوم عميق وكانت الساعة بعد 2 صباحا تقريبا . وقد كانت أعظم معجزة في حياتي بل أعظم معجزة حدثت لإنسانة عادية مثلى على الإطلاق .(1/326)
وفى هذه الليلة حدثت المعجزة -تلك السيدة جارتنا التي توفت منذ حوالي 3 سنين وكانت امرأة في قمة الأخلاق والتدين ووجهها عليه ابتسامه من نور هذه السيدة التي لم يستطع أحد أن يمنع محبتها من أن تتملك قلبه حتى أبى وأمي عند موتها قالا أنها أكثر سيده مسلمة أحببناها في حياتنا وأذكر عند ترحيبنا بها بعد عودتها من الحج وكانت قد تذكرت كل فرد من أسرتنا بهدية بسيطة في ثمنها ولكنها غالية في شعورنا بتذكرها لنا وفى هذا اليوم كان أبى وأمي يتناقشان فقالا بالذمة مش حرام واحدة زى دي تدخل النار عشان مسلمة ياريتها تفهم وعندها رفض عقلي أو قلبي أن يتخيل أن هذه السيدة قد تكون في النار يوما ما مستحيل فهي طيبة جدا ولا أستطيع أن أصف لك كم بكيت عند وفاتها وافتقدتها كثيرا- ماعلاقة كل هذا بهذه الليلة -آسفة على التطويل ولكن كان على أن اشرح لك مكانة هذه السيدة في قلبي فقد كانت جزءا من المعجزة إذ أنى وأقسم لك بأن هذا حدث وبعد أن نمت بعد الثانية صباحا رأيت حلما بان هذه السيدة أمامي على السرير وهى تبتسم نفس الابتسامة المنيرة وتقول لي باللفظ"يلا بينا يا ...(1/327)
عشان ماتتاخريش " وأقسم بالله وكأن يدها تربت على كتفي فصحوت من نومي فورا وجلست استعيد مارأيت فإذا أنه بعد حوالي دقيقة إذا بأذان الفجر يهز كياني وكأنه يأذن لي أنا وكان القرار لقد استجبت لي يارب إذن هو أنت فعلا ربى ورب يسوع ورب محمد ورب البشرية كلها منذ بداية الخلق -إذن أنت فعلا الله الرحيم الذي لم يقبل أن يخذلني واستجاب لي في أول دعاء أدعوك به -إذن هو الطريق الذي تهديني إليه بان جعلتني أرى هذا الحلم الذي يدعوني لطريقك بعد أن تأخرت عليه كثيرا --وهنا أردت أن أصلى ولكنى لا أستطيع الصلاة أولا لأني لاأعرف كيفية الصلاة وثانيا أخاف من اكتشاف أمري -فكل مافعلته أن ذهبت وغسلت وجهي ويدي وقدمي كما اسمع من المسلمين ثم وقفت لا أعرف ماذا أفعل ولاأين القبلة فوجهت وجهي إلى ناحية الجامع و سجدت على الأرض كما يسجد المسلمون وظللت ساجدة فوق الربع ساعة أبكى بحرقة واشكر ربى وأقولها عشرات المرات أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمد رسول الله -كثيرا سمعتها وكنت اسخر منها واليوم أقولها وأشعر أنى أكثر من يؤمن بها -إلى هنا ابتدأت قصه عذاب جديدة فمن هذا اليوم أصبحت إنسانة أخرى في قمة التوازن النفسي وفى قمة الاستقرار والثبات الإيماني حتى أن هذا الشخص الذي كنت أحبه أصبحت لا أذكره ملأ حب الله والإيمان به كل قلبي ولم يعد مكان لسواه إلا أنه تبقى المصيبة في حياتي وهى عدم قدرتي الصلاة أو الصيام كباقي المسلمين ومصيبتي الكبرى أنى لو أظهرت إسلامي فسيكون مصيري كمصير ماريان وتريز بنات الفيوم وهما محبوسين لحد النهاردة في دير مسيحي ويلقون العذاب النفسي حتى يتم إجبارهم على الرجوع للمسيحية وفوق هذا كله قصه السيدة المشهورة وفاء قسطنطين وهذه هي مصيبتي فانا أصبحت أحسد كل مسلمه خلقت مسلمة وتلقى الدعم من أهلها ومن مجتمعها للصلاة والصيام تخيلوا بنت مسلمة مثلى كل أمنيتها في الحياة أن تصلى كباقي المسلمين وللأسف لاتستطيع بل وتجبر(1/328)
على الذهاب إلى الكنيسة والصلاة التي لا تقتنع بها ولاتطيقها . رسالتي إلى كل مسلم : سامحني ياأخي فالحقيقة مرة دائما لاتظن ياأخي أنك ستدخل الجنة بصلاتك وصيامك و... طالما في بلدك أناس مثلى ومثل ماريان وتريز ووفاء الذين قالوا إنا مسلمون واستنجدوا بكم وخذلتموهم وتركتموهم للكنيسة تذيقهم العذاب ألوان حتى يعودوا مسيحيين -احترسوا فقد توحشت الكنيسة واليوم يخطفون بناتهم من أصول مسيحية لإعادتهم إلى ملتهم ولكن غدا سيأتي الدور على بناتكم يا مسلمين وربما رجالكم فقد يجبرون على الدخول في المسيحية رغما عنهم -كيف ستواجهون ربكم يامسلمين وأنتم 60 مليون وانتصر عليكم 10 ملايين وانتصروا عليكم في ماذا في دينكم -أي سنه رسول الله يا من نزلت بنفسك للحرب دفاعا عن دين الله ولم تخش على حياتك واليوم أتباعك يخافون من مجرد الاعتقال أو الدخول في المشاكل -فهذه رسالتي لكم يامسلمين اعلموا أنى لست وحدي فمثلى كثيرين ولاأعلم هذا صراحة ولكنى على يقين بإحساسي لأن هذا الدين قد فاض بنا الكيل منه ويابخت الأمريكيين الذين يدخلون الإسلام براحتهم ولا يستطيع حتى أهلهم معارضتهم -فعجبا للإسلام في بلد المسيحيين يكرم ويصان وفى بلد الإسلام يهان ويذل . اللهم خلصني ومن مثلى من كربنا يارب وازقني اليوم الذي انشر فيه إسلامي دون خوف على الملأ وأمارس تعاليمه علانية دون خوف أو أذى وقرب لي هذا اليوم يارب.
***
56- قصة إسلام الأخت شريفة كارلو
إن قصة دخولي الإسلام تأخذ معناها من معنى قول الله تعالى: (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين). فقد وضعت خطتي، والمجموعة التي كنت أنتمي إليها حاكت خططها، ولكن الله تعالى مَكَرَ لي فكان كلُّ الخير في مكره جلَّ شأنه.(1/329)
فعندما كنت في فترة المراهقة وقعت في دائرة اهتمام مجموعة من الأفراد ممن لهم جدول أعمال غاية في الشرِّ والفساد. كانوا -وربما ما زالوا- يشكّلون جمعية متمتعة بحرية الحركة، مكوَّنة من أفراد يعملون في مناصب حكومية، وكان لهم مهمة خاصة وهي "تدمير الإسلام". لم تكن هذه جمعية حكومية رسمية –حسب علمي على الأقل- ولكنهم ببساطة كانوا يستغلّون مناصبهم في الحكومة الأمريكية للمُضيِّ قُدُماً باتجاه هدفهم.
عرض عليَّ أحد أعضاء هذه الجمعية الانضمام إليهم، لأنه لاحظ أني قوية البيان والحجة، ومتحمسة في دفاعي عن حقوق المرأة. أخبرني بأني إذا درست العلاقات الدولية مع التخصص في منطقة الشرق الأوسط، فإنه يضمن لي وظيفة في السفارة الأمريكية في جمهورية مصر العربية. وكان الهدف -في نهاية المطاف- أن أستغلَّ منصبي هناك في الحديث إلى النساء المسلمات، وأن أعمل على دعم "حركة حقوق المرأة" التي ما تزال في طور النمو. فظننت بأنها فكرة عظيمة، لأني رأيت النساء المسلمات على شاشة التلفاز، وظننت بأنهن فقيرات ومضطهدات، فأردت أن أقودهنّ إلى نور الحرية في القرن العشرين.
وبهذه النية بدأت دراستي الجامعية. فدرست القرآن الكريم والحديث الشريف والتاريخ الإسلامي. ودرست بشكلٍ موازٍ أيضاً كل الطرق التي أستطيع بها استخدام هذه المعلومات من أجل تحقيق هدفي وهو تشويه الإسلام. فتعلّمت كيف ألوي أعناق الكلمات لتعني ما أردتها أنا أن تعنيه. وهذه وسيلة فعَّالة.(1/330)
لكن رسالة الإسلام بدأت تأسرني أثناء دراستي؛ فقد كانت ذات معنى، وكان هذا مما أخافني جدّاً. لذلك – ولكي أقوم بردِّ فعل مضاد- بدأت بتلقّي دروس في المسيحية، واخترت أن آخذ هذه الدروس عند أحد أساتذة الجامعة، كان يتمتع بسمعة مرموقة حيث كان حائزاً على درجة الدكتوراه في علم اللاهوت من جامعة هارفارد. فشعرت بأني سأكون عنده في أيد أمينة. نعم ... كنت في أيد أمينة ولكن ليس لنفس الأسباب التي ذهبت لأجلها. فقد قُدِّرَ أن كان هذا الأستاذ مسيحيّاً موحِّداً؛ فلم يكن يؤمن بالثالوث، أو إلوهية السيد المسيح -عليه الصلاة والسلام-، بل كان يؤمن بأن السيد المسيح -عليه الصلاة والسلام- كان فقط رسولاً من رسل الله تعالى.
وقد أثبت لنا ذلك بأخذه النصوص الإنجيلية من مصادرها اليونانية والعبرية والآرامية، وبرهن على قوله بأن أشار إلى كل الأماكن التي تم فيها التحريف. وأشار خلال الشرح إلى الأحداث التاريخية التي تناسبت مع هذه التحريفات أو أعقبتها. وما أن أنهيت هذه المادة حتى كانت مسيحيتي قد تحطّمت، ولكني لم أكن مستعدة بعد لقبول الإسلام.
وواصلت دراستي لنفسي ومن أجل وظيفتي المستقبلية، فاستغرقني ذلك قرابة ثلاث سنين. وفي أثناء ذلك الوقت كنت أسأل المسلمين عن دينهم. أحد هؤلاء الذين سألتهم كان أخاً مسلماً من المؤسسة الإسلامية، وعندما لاحظ اهتمامي –والحمد لله- بالدين الإسلامي جعل من تعليمي شغله الشاغل، فكان يحدثني في كل فرصة سانحة. لقد علّمني الكثير عن الإسلام ولذلك أدعو له الله تعالى دائماً أن يجزيه عني خير الجزاء.(1/331)
وفي أحد الأيام اتصل بي وأخبرني بأنّ مجموعة مسلمة تزور المدينة وأرادني أن أقابلهم. وافقت على ذلك وذهبت للقائهم بعد صلاة العشاء. كان هناك الكثير من الناس، فأفسحوا لي مكاناً وقعدت بمواجهة سيّد باكستاني كبير في السن. ما شاء الله، لقد كان هذا الأخ واسع الاطلاع في المسائل المسيحية. ودار بيننا النقاش حول كثير من مسائل القرآن الكريم والإنجيل، واستمر لساعات طويلة.
وبعد استماعي لهذا الرجل الحكيم وهو يحدثني ما كنت أعرفه من قبل - من تلك الدروس في المسيحية عند أستاذي الجامعيّ- عرض عليّ هذا الأخ ما لم يعرضه أحدٌ من قبل، فقد دعاني لدخول الإسلام. إنه - وخلال ثلاث سنوات من البحث الطويل- لم يقم أحدٌ بدعوتي لدخول الإسلام. نعم، لقد جادلوني وعلّموني ووعظوني ولكن لم يدعُني أحدٌ لدخول الإسلام. أدعو الله تعالى أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم. وما أن دعاني ذلك الشيخ لدخول الإسلام حتى عرفت بأن الوقت قد حان، لأني عرفت بأنّ هذا هو دين الحق، وكان لزاماً عليَّ أن أتخذ القرار.
والحمد لله الذي شرح صدري للإسلام، فقلت وعلى الفور: "نعم، أريد أن أصبح مسلمة". فرددت بعده الشهادتين بالعربية ومعناهما بالإنجليزية. وأقسم بالله أنِّي شعرت حين نطقت بهما وكأنَّ حملاً ثقيلاً قد رُفِعَ عن صدري، فتنفّست عميقاً وكأني كنت أتنفّس لأول مرة في حياتي.
فأحمد الله تعالى أن أنعم عليَّ بحياة جديدة، وصحيفة أعمال نظيفة، وفرصة لدخول الجنة، وأدعوه تعالى أن أعيش ما تَبَقَّى من عمري وأن أموت على الإسلام. آمين.
أختكم في الله , شريفة كارلو .
***
57- قصة إسلام الحاخام يوسف خطاب
حاخام مستوطن يهودي في إحدى مستوطنات غزة حلم بإقامة إسرائيل الكبرى يعتنق الإسلام ويتحول إلى داعية إسلامي في أوساط اليهود في إسرائيل .(1/332)
كان الحاخام يوسف كوهين البالغ من العمر 34 عاماً من سكان مستوطنة في قطاع غزة سابقاًَ من أتباع "ساطمار" (تيار صوفي يهودي)، وقدم إلى إسرائيل قبل 4 سنوات من الولايات المتحدة الأمريكية، وأسر سريعاً بسحر حركة "شاس" المتدينة، لكن الأمر لم يدم طويلاً. فقد قرر يوسف كوهين الذي يدعى اليوم يوسف خطاب، أن يشهر إسلامه وجميع أفراد عائلته. وانتقل الخطاب للعيش في القدس الشرقية. وبدأت طريق يوسف كوهين الملتوية في حي بروكلين، حيث انضم هناك إلى أتباع "ساطمر". وتعرف على زوجته لونا كوهين عن طريق وسيطة، وتزوجا قبل 12 عاماً ولهم من الأبناء أربعة. وقرر كوهين القدوم إلى إسرائيل عام 1998، حيث وصل وعائلته مباشرة إلى قطاع غزة، إلى مستوطنة "غادير" في المجمع الاستيطاني "غوش قطيف" وهو يحمل أفكارا صهيونية لإقامة إسرائيل الكبرى، إلا أن الحياة في قطاع غزة لم تلائم ظروف العائلة حديثة العهد. وقررت العائلة في وقت لاحق الانتقال للسكن في "نتيفوت" الواقعة في جنوب إسرائيل. وتردد كوهين في تلك الفترة على عمله في الحي اليهودي في القدس القديمة، وبدأ هناك بإجراء أول اتصالاته مع مسلمين. وفي مرحلة معينة قام كوهين بمراسلة رجال دين مسلمين عبر الإنترنت، وبدأ في قراءة القرآن باللغة الإنجليزية. وقرر كوهين اجتياز جميع الحدود فأعلن إسلامه وغير اسمه ليصبح يوسف خطاب، وغيرت زوجته اسمها إلى قمر، وغيرت أسماء أولاده الذين يتعلمون اليوم في مدرسة إسلامية ويتحدثون اللغة العربية بطلاقة، وهو في مراحل متقدمة من تعلم اللغة العربية.
وانتقلت العائلة للسكن في حي جبل الطور في القدس الشرقية، وبدأ خطاب يعمل في جمعية إسلامية خيرية في المدينة.(1/333)
هذا ولم يكتف خطاب بالانتقال إلى الإسلام بل ذهب مباشرة إلى أحضان التيار الإسلامي "السلفيون" وتحول إلى داعية إسلامي وأسس في القدس مركزاً للدعوة الإسلامية يقوم بنشاط واسع في أوساط اليهود حتى يعتنقوا الدين الإسلامي وفعلاً اعتنق العشرات من اليهود الدين الإسلامي بفضل نشاطاته في الدعوة الإسلامية . وبالنسبة لخطاب، فإن حركة حماس تمثل نهج الدين الإسلامي بالصورة الصحيحة، "ويؤكد أن التيار الذي ينتمي إليه يعارض العمليات التفجيرية. وتقوم السلطات الإسرائيلية منذ أن أعلن الخطاب عن إسلامه بتضييق الخناق عليه ورفضت الاعتراف به كمسلم حتى حصل مؤخراً بعد أن تعرض لمتاعب كبيرة على اعتراف وزارة الداخلية الإسرائيلية بتدخل حقوقي من مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية. وينتقد خطاب بشدة رجال حركة "شاس" التي كان من مؤيديها حتى الفترة الأخيرة. ويقول خطاب في هذا الصدد: "قدمت إلى البلاد بسبب الحاخام عوفاديا يوسيف (زعيم حزب شاس الروحي) وأسلمت بسببه. لقد كنت أكن التقدير للحاخام عوفاديا يوسيف، وقررت أن أسمي ابني على اسمه، إلا أنني غيرت اسمه لعبد الله بعدما أسلمت". ولا يحمل خطاب في جعبته أي كلمات إيجابية عن الإسرائيليين، أو عن رئيس الحكومة، أريئيل شارون. "المسلمون يعانون من الظلم في كل مكان، وشارون يضيف ظلماً على الظلم". وهو الحال بالنسبة للسلطة الفلسطينية التي لم تلق الإعجاب بنظر خطاب. وحول رؤيته للشرق الأوسط فيكتفي بإقامة دولة فلسطينية،"الهدف الأول هو إقامة دولة فلسطينية على أكبر مساحة ممكنة". وقبل وصوله قرر أن حزب (شاس) المتدين هو الأقرب إليه والى مفاهيمه. وحال وصوله انضم إلى الحزب وتعمق في العمل اليومي وحصل على شهادات تقدير لنشاطه. ولكنه شيئاً فشيئاً وصل إلى وضع قرر فيه: (لا أستطيع أن أتحمل أكثر. لا أريد أن أبقى يهودياً) وأضاف: (لم يأت هذه القرار بسرعة أو بشكل عفوي.(1/334)
فأنا كنت أقضي معظم وقتي في المراسلة وقراءة المواقع المختلفة في الإنترنت, وخلال ذلك تعرفت على شخص اسمه (زهادة) وتعمقت علاقتنا وبتنا نتناقش يومياً في مختلف القضايا عبر الإنترنت وكان للدين قسط كبير في محادثاتنا). منذ تلك اللحظة بدأ يوسيف كوهين التعرف على الدين الإسلامي, ويوماً بعد يوم رغب في التعمق أكثر حتى سيطر حب الاستطلاع عليه. (تركز حديثنا في البداية على فلسفة الحياة وأهميتها وجمالها والى أي مدى يؤثر الدين الإسلامي على الإنسان. بعد ذلك تعمقت العلاقة أكثر إلى أن أدركت أن زهادة شيخ من دولة الإمارات العربية في الخليج, وهو رجل متعمق بالدين). وقال له الشيخ زهادة انه سيتصل بشيوخ في القدس وبأنه يستطيع الوصول إليهم وهم بدورهم يشرحون له أكثر عن الدين الإسلامي ويكون التعامل أسهل من الإنترنت.وافق يوسف كوهين على هذا الاقتراح, وكان قد انجذب إلى الدين الإسلامي وبدأ يقتنع به, فتوجه إلى شيوخ القدس الذين نجحوا في إقناعه بترك اليهودية واعتناق الإسلام. لم يتردد يوسف, وأبلغ زوجته لونا قراره هذا, وكما قال لنا لم تعارضه بتاتاً بل انه وجد لديها الحماس نفسه لاعتناق الإسلام. وهكذا بدأ الاثنان في تعلم الدين الإسلامي والتعمق به إلى أن وصلا إلى قرار بالتوجه إلى المحكمة الشرعية في القدس وتسجيل العائلة كمسلمة.
الآن يعمل على إقامة مركز للدعوة الإسلامية في أوساط اليهود في القدس في السوق القديمة بالقرب من حائط البراق للاستعلام عن الإسلام وحتى الآن عدد الذين أسلموا عن طريقه بلغ العشرات .
ويقول أنه يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم مذهب السنة والجماعة وهو يتبع مذهب الإمام احمد ابن حنبل وأنه تعلم الدين الإسلامي من فتاوى وكتب كل من الشيخ عثمان بن عبد العزيز بن الباز والشيخ ناصر الدين الألباني والشيخ منذر والشيخ قاسم الحكيم .(1/335)
ولما سؤل عن أنه كان حاخام يهودي يعيش في مستوطنة بغزة وفجأة تحول إلى داعية للإسلام ما هو السبب وراء ذلك؟
أجاب أنا عشت في مستوطنة غوش قطيف بغزة وأنا الآن من المغضوب عليهم عند إسرائيل لأنني أسلمت والذي جعلني ادخل في الدين الإسلامي هو التوحيد بالله سبحانه وتعالى.
ولما سؤل أنت الآن كشخص مسلم ترتدي الزي الإسلامي أنت وعائلتك هل هذا الشيء يسبب لك مشاكل عندما تكون على حواجز أو عندما تتردد على أي مصلحة إسرائيلية إلا يعتقدون بأنك عربي؟
-هم حينما يشاهدونني يتفاجئوا وحينما يعرفون أن اسمي يوسف كوهين يعتقدون بأنني عربي وقد سرقت هوية إسرائيلية وأتعرض للتوقيف ساعة أو ساعتين على الحاجز حتى لو كان هناك شخص من الضفة على الحاجز نفسه يتركونه وينتبهون لي لأنني ارتدي زي السنة ويعني سرقة هوية بالنسبة للحواجز العسكرية الإسرائيلية أنني في طريقي لتنفيذ عملية انتحارية. وفي إحدى المرات تعرضت للاعتقال أنا وابني عبد الرحمن حيث اعتقلوني في مركز شرطة القدس وقاموا باعتقالي عند المسجد الأقصى وتم توقيفي لمدة 5 ساعات وكانوا خلال هذه الساعات يسألونني أسئلة في الإسلام حتى يتأكدوا بأنني مسلم وذلك حينما كنت أعيش في مستوطنة "نيتفوت" وتأكدوا بأنني مسلم حينما جعلوا ابني عبد الرحمن يصلي أمامهم وذلك لأنهم كانوا يشكون في إسلامي كما أنني تعرضت للاعتقال أكثر من مرة للاشتباه بأنني سرقت الهوية الإسرائيلية واعتقدوا بأنني انتحل شخصية يهودي لتنفيذ عملية عسكرية في إسرائيل.(1/336)
يوسف كوهين وزوجته لونا وأطفالهما الأربعة : رحاميم شالوم (11سنة) حسيبة (9سنوات) عزرا (7سنوات) وعوفاديا (5سنوات) من الديانة اليهودية إلى الديانة الإسلامية. وأصبح يوسف كوهين وأفراد عائلته مواطنون يدينون بالإسلام وبالتالي باتوا يحملون أسماء عربية هي: يوسف محمد خطاب (الأب) قمر محمد خطاب (الأم) عبد الرحمن (الابن الأكبر) حسيبة (احتفظت بنفس الاسم) عبد العزيز (بدل عزرا) وعبد الله (بدل عوفاديا). وكان قرار يوسف خطاب اعتناق الديانة الإسلامية وإشهار إسلامه هو وزوجته وأطفاله الأربعة آثار ضجة وزوبعة في المحافل الدينية الإسرائيلية خاصة في أوساط حركة (شاس) التي كان ينتمي إليها ومورست عليه ضغوط كبيرة لثنيه عن قراره إلا انه واجه هذه الضغوط بقوة ورفض الانصياع لها ثم اضطر للانتقال إلى السكن في القدس الشرقية المحتلة.
***
58- قصة إسلام عماد المهدي الشماس السابق(1/337)
في البداية سألت ( الشاب عماد ): أن يلخص لنا قصة إسلامه فقام بتلخيصها كالتالي: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . أما بعد : فنعمة الإسلام كفى بها نعمة، ولو سجدنا لله شكراً حتى نموت ما وفّينا هذه النعمة حقها من الشكر لله تعالى. فالمسلم الذي يعيش في ظل الإسلام يتمتع بنعمة عظيمة – ألا وهي نعمة الإسلام، ولا يشعر بطعم هذه النعمة إلا من كان محروماً منها ثم أكرمه الله بها. أخي القارئ: كان لا بد أن أحدثكم عن نفسي قبل أن أحدثكم عن نعمة الإسلام التي هداني الله إليها لعلك تسألني وتقول: ما هي أسرتك قبل الإسلام وبعده ؟ قبل الإسلام: كانت تتكون أسرتي من أربعة أشخاص وهم أنا وأختي وأمي ووالدي، كانت أسرة نصرانية كأي أسرة متدينة تذهب إلى الكنيسة وتحضر قداسها في مواعيدها ( الأحد والجمعة )، تؤدي جميع الطقوس داخلها من اعتراف، أو تناول، أو صلاة. فالاعتراف: هو اعتراف العبد للقسيس بذنبه الذي اقترفه خلال الأسبوع، وكل فرد في الكنيسة يجب عليه هذا الاعتراف أمام القسيس، ويختار لنفسه قسيساً معيناً، ويسمى بعدها هذا القسيس ( الأب الروحي ) وبعضهم يسمي هذا القسيس ( الضمير الروحي ) !!! ويعد الاعتراف سراً من بين أسرار الكنيسة السبعة وهي :
1- سر المعمودية أو التغطيس أو التنصير.
2- سر العشاء الرباني أو التناول.
3- سر التناول .
4- سر التثليث .
5- سر الزواج .
6- سر الاعتراف.
7- سر الكهنوت.(1/338)
واكتفي بشرح الاعتراف والتناول حتى لا يتشعب الموضوع ويتفرق من بين أيدينا .. التناول: يلي الاعتراف، وهو عبارة عن نبيذ العنب (أي الخمر ) ويقرأ عليه القسيس بعض الطقوس ما يقرب من ساعة ونصف تقريباً، وحسب اعتقادهم يقولون: قد يتحول هذا الخمر إلى دم المسيح ويشرب كل من اعترف للقسيس ملعقة من هذا الخمر . ويجذبني الحديث إلى تعريف ( أخي القارئ ) بالقداس في الكنيسة: فالقداس هو ما يفعل صباح يوم الجمعة والأحد، وهذا القداس في نظرهم قمة العبادة، ويؤدون فيه بعض الطقوس باللغة القبطية القديمة، وأكثر الذين يصلون خلف القسيس لا يعلمون عن هذه الكلمات شيئاً ... ( لا تضحك !! فليس بعد الكفر ذنب ) !!! وهذه الأسرار السبعة ما هي إلا شرك بالله، كما يظهر ذلك في – تثليث الأب والابن والروح القدس حيث اتخذوا المسيح عليه السلام إلهاً من دون الله، ويتم تمجيده على هذا الأساس. وكنت أذهب مع عائلتي إلى الكنيسة يوم الجمعة في الصباح وكذلك الأحد، ذلك المكان الموحش ، الممتلئ بدخان المباخر في كل جوانب الكنيسة، حتى إنك تكاد لا ترى يدك من شدة هذا الضباب من الدخان، - كذلك لم يكن هناك من يشبع رغبتي داخلها لأن كلام القس في القداس باللغة القبطية – إلا أنهم كانوا في مدارس الأحد ، يتم عمل مسابقات وهدايا مِمَّا يُرغّب الأطفال في الذهاب إلى الكنيسة.
عمل الوالد والوالدة :(1/339)
والدي كان تاجر حبوب، وأمي كانت تعمل في مجال التمريض، وكنت دائماً أحب أن أكون مع والدي في الدكان حتى كنت أسارع في البيع والشراء ، كذلك كان هناك متجر حبوب آخر ملكاً للعائلة الكبيرة ، الجد والجدة والأعمام والعمات، وكان لي مكانة مميزة عند جدي برغم وجود أبناء العم من حولي . كذلك لي عم آخر وكان ذلك العم يحبني حباً كثيراً ويقول : ( إنني أعتبرك ابني وأنا على يقين أن والدك لا يعرف قيمتك مثلي )، – الحمد لله – كنت ماهراً في التجارة ، ماهراً مع الناس ، اشتهرت بحسن الخلق وحسن التعامل مع الناس وكذلك الصدق في المنزل ، كان – والحمد لله – أسلوبي طيباً مع الناس جميعاً ، وهذا مما فُطرتُ ونشأت عليه .
بداية النور :(1/340)
وفي بداية دخول النور إلى بيتنا الذي أنار بنور الإسلام شعرت بتوجه أمي الحنون نحو الإسلام – لا تعجب فـ ( القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يصرفها كيف يشاء ) وجدت أمي تنفر من النصرانية ، حتى أنها بدأت تمتنع عن الذهاب إلى الكنيسة وتميل إلى الإسلام . وفي ذلك الوقت وافق صيام شهر رمضان ، الصيام عند النصارى ، حيث يفطر المسلمون عند المغرب ، ويفطر النصارى عند ظهور النجوم في السماء ، عند اقتراب المغرب . وعندما كانت تظهر النجوم في السماء كان ذلك يسبق الأذان ، إلا أن الأم كانت تنتظر حتى تسمع الأذان تعجبتُ ! وفي مرة من المرات قلت لها (ماما) ما هذا ؟ إني أراك لا تفطرين عند ظهور النجم في السماء مثلنا وتأكلين عند أذان المغرب كالمسلمين . ما هذا ؟!!!! أخبريني بصراحة الأمر . فتقول يا عماد – يا عماد لا تشغل بالك . وعلمت بعد ذلك أنها بسلوكها هذا تتجهُ إلى الإسلام وتميل إليه وأنها كانت تصوم رمضان ، ولم تكن صائمة صيام العذراء ، لأن صيام العذراء كان خمسة عشر يوماً ولكنها صامت ثلاثين يوماً حتى انتهى شهر رمضان المبارك . بدأت تظهر كثيرٌ من المواقف مثل هذا وعلى سبيل المثال : كان وما زال يأتي درس الشيخ الشعراوي يوم الجمعة بعد الصلاة ، والمعروف لدى النصارى أنه وقتما يكون الشعراوي في التلفاز تكون لديهم ساعة نحس ، وكان ذلك مختلف تماماً عند أمي ، فكانت تجلس أمام التلفاز صامتة كما لو أن طفلاً أمام والده ، أو تلميذاً أمام أستاذه ، حتى لو أنك حدثتها لم تجبك من شدة انتباهها لدرس الشيخ الشعراوي. وفي تلك الفترة كان هناك برنامج اسمه ( ندوة للرأي ) لمجموعة من العلماء ، فكانت تجلس وتركز انتباهها على سماع الإجابة.(1/341)
كل هذه التغيرات كانت واضحة في أمي أثناء هذه الفترة . لما فكرت أمي في إظهار إسلامها جلست معي وقالت لي يا عماد وأنت ابني الوحيد ولن أجد أحداً يسترني غيرك ! كانت لهجة أمي متغيرة وكأنها خائفة من شيء فقلت لها خيراً ( يا ست الكل ) كانت مترددة في حديثها معي . ثم قالت في حديثها معي ( لا – لا أنت أبني الكبير وأول فرحتي في هذه الدنيا لا يمكن أن تفكر في يوم أنك تؤذي أمك ) . من هذه الكلمات بدأت أشعر بالرعب يدب في قلبي خائفة ، لا يمكن أن تفكر في يوم أنك تؤذي أمك - لا – لا أنت ابني الوحيد . هذه الكلمات لها معان كثيرة جداً وتحمل أكثر من علامة استفهام ؟؟؟ . وسط هذا التفكير السريع سألت أمي لماذا هذا التردد – ماذا حدث وماذا سيحدث ... ؟ يا أمي ، أريحي قلبك وأريحيني ولكن ( الأم هي الأم ) قالت : ماذا تفعل لو حاولوا قتلي .... ؟! قتلك !!! من سيقتلك ؟!! قالت : إخوتي ، وأبوك، وأفراد العائلة كاملة. قلت لها: ولماذا وأنت أفضل أخت لهم وهم يحبونك جميعاً ؟ وبنظرة إلى عين أمي المملوءة بالدموع قالت : ماذا تفعل لو صرت مسلمة !! هل ستحاربني مثلهم ؟ قلت لها: الأم هي الأم ، وأنت في كل الأحوال أمي ... ثم غلب عليّ البكاء وتعانقنا ، وقالت : إن هذا الموضوع اجعله سرّاً بيني وبينك . هذا الموقف هزني كثيراً لقد كان بداخلي، أسئلة كثيرة تحيرني وأفكار عديدة تقلقني ، وهواجس رهيبة تكاد تمزق قلبي وحيرة لا أجد لها حلاً !!!
الصدمة الأولى:(1/342)
بعد هذا الموقف بعدة أيام رجعت من المدرسة فلم أجد أمي، ولم أجد ملابسها، ولم أجد أحداً في المنزل. شعرت ساعتها بوحشة الفراق، وغربة البعاد، بعاد الأم الغالية، وقد خيّمت عليّ الكآبة، واستولى عليّ الخوف من المستقبل، وتمنيت لو كان ذلك حلماً ولم يكن حقيقة، ذهبت على الفور لدكان أبي وقلت له: يا أبي – عدت فلم أجد أمي في المنزل: قال: لعلها عند إحدى صديقاتها.. قلت: يا أبي – حتى ملابسها لم أجدها بالدولاب. قال الأب: ماذا تقول يا عماد ؟ فكررتُ، وهنا ازداد تعجب أبي وقام مندهشاً . وذهب معي على الفور إلى المنزل – إنها الصدمة أين أمك ؟ أين ؟ ... أين ؟ واقسم أنه لم يغضبها ولم يقع بينهما ما يوجب الخلاف أو الغضب ، وشملت الصدمة كل أفراد العائلة ، إنها أسلمت وأعلنت إسلامها أمام الجهات المسؤولة ولن تعود إلى البيت أبداً ... !! جُنّ جنون العائلة كلها وفقدت توازنها، وصارت تقول في حق الإسلام والمسلمين كل ما يقال من ألفاظ السب والشتم واللعن وصار الجميع ( الوالد والأعمام والأخوال ) في حالة عصبية شديدة جداً، انفعالية في الكلام حتى فيما بينهم واعتبروها كارثة وعاراً ألحق بالعائلة كلها نزل بهم وحل عليهم جميعاً . وكان من بين البلاء الذي حل عليّ وقتها أن أمي كانت تُشتم وتُسب بأفظع الشتائم من أقرب الأقارب والأخوال والأعمام ، وكانوا دائماً يقولون إنها كانت تشبه المسلمين في كذا وكذا . ومنهم من كان يقول بنت كذا وكذا تركَتْ أولادها وذهبت إلى الإسلام. كنت أسمع ذلك وأشاهده ولم أستطع الرد ولا الدفاع عنها ، ولكن العم كان يذهب إليها في الجهات المختصة ليوقع الإقرار تلو الإقرار بعدم التعرض لها. ولما كان يلقاها كان يستعطفها كي تعود إلى ولديها لشدة حاجتهما إليه .
حلاوة الإيمان :(1/343)
لكن أمي رفضت هذا الإلحاح بشدة بعدما ذاقت حلاوة الإيمان، وأسلمت – والحمد لله رب العالمين – وتركتنا وديعة عند من لا تضيع ودائعه – سبحانه وتعالى – خير حافظ وأفضل معين وهو أرحم الراحمين .
موقف الكنيسة :
كنت أتردد على الكنيسة وأحضر جميع دروسها ولا سيما درس الثلاثاء ، كان درساً معروفاً لدى الجميع في الكنيسة ، ويحاضر فيه القس بنفسه محاضرة عامة تتعلق بموضوعات شتى خاصة المحاضرات السياسية . ويتحدث فيه بحرية ويبدي آراءه دون حسيب أو رقيب عليه في حديثه وخلال درس من دروس الثلاثاء هذا تعرض في حديثه إلى موضوع أمي لأنه كان موضوع الساعة وقتها ، والكل يتحدث عنه في الكنيسة . فقال هذا القس : ( تذكرون فلانة الفلانية وذكر اسمها ) التي استسْلَمت للشيطان وأعلنت إسلامها وخانت المسيح والمسيحية - وباعت أولادها - وباعت نفسها للمسلمين ، وتركت الطهارة وذهبت إلى { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا } [الكهف: 5].
وصمة عار :(1/344)
المرأة التي تركت المسيح الإله المخلص لهذا الكون أراد المسيح نفسه أن يفضحها بعد أن خانت الكنيسة وهي الآن ملقاة في السجن في قضية من قضايا الآداب .. ؟؟ هنا أصابني الذهول وكادت نظرة الحاضرين أن تقتلني ، وكأنني ارتكبت أشنع الجرائم الخلقية، كأني ارتكبت جريمة الزنا والعياذ بالله. قلت : هذا غير معقول ؟ أمي تجازف بترك دينها وترك عبادة المسيح وتتركنا أنا وأختي هنا نواجه كل هذا البلاء ولا ذنب لنا، كرهت نفسي وتمنيت أن الموت يأتيني في كل لحظة، وخرجتُ من الكنيسة ويعلم الله أني لا أدري كيف أسير في الشارع تكاد عيني لا ترى أحداً من الناس، وبينما أنا على هذه الحال من الكآبة والحزن الشديد سمعت صوتاً ينادي عليّ عماد ( عمدة ) فرأيت أمي كانت تسير دائماً قرب منزلنا لترانا أنا وأختي على حذر، وأرْسَلت امرأة من الجيران في منزلنا لهذا الغرض وعَلِمتْ أني في الكنيسة واقترب موعد رجوعي فانتظرتني عند عودتي تسعد بلقائي ، وقتها شَعُرت بصراع شديد في داخلي ومجموعة من المشاعر المتضاربة، إنها أمي الحبيبة الحنونة ! ... إنها السيدة التي باعت المسيح ولا بد من الانتقام منها ... وسط هذا التفكير لم اسمع منها أي كلمة من شدة ذهولي .. والتفتُّ لها وقلت متى خرجت من السجن! كانت معها مجموعة من زميلاتها في مجال التمريض ولفيفٌ من الجيران المسلمين وقالت : بل قالوا جميعاً ( سجن إيه ) ! أمك فضّلت الآخرة على الدنيا . قالت أمي : ( عمدة ابني حبيبي ) ألم أقل لك إنهم سوف يرمونني بالتهم ، خذ هذه الورقة فيها عنواني على أن تتعهد لي بأن لا تعطي هذا العنوان لأحد.(1/345)
وسلّمتُ عليها وقبلتها ، وكان من بين الحاضرين رجل ملتح ، وزوجته منقبة ، قال هداك الله ووضع يده على كتفي لكنني نزعتها بعنف وشدة، وتركت أمي ورجعت إلى منزلنا المظلم , رأيت أختي (هبة) لكنها كانت صغيرة لم تع أو تفهم ما يدور من حولنا ، نظرتُ إليها وقلت : ما ذنب الأبناء بما يفعله الآباء . كلمة سمعتها من مدرس نصراني تعليقاً على موضوعنا.(1/346)
أصبح أمامي موضوع هام جداً وهو زيارة أمي في منزلها ، وكان قد مر على لقائي بها وإعطائي العنوان المذكور ستة أيام تقريباً وكان ذلك قبيل المغرب . من هنا اخترق نور الإيمان قلبي المظلم ؟ عندئذ ذهبت إلى أمي لزيارتها في منزلها فاستقبلتني استقبالاً رائعاً وجلستُ أنظر إلى منزلها المتواضع ذي الفرش البسيط ، ووسط هذه النظرات السريعة إذ بالمنادي ينادي : ( الله أكبر ... الله أكبر ... ) الأذان . والله الذي لا إله غيره كأني أسمع هذا الأذان لأول مرة في حياتي رغم سماعي لهذا الأذان مئات المرات، ولكن كان لهذا الأذان في هذه اللحظة بالذات وقع عظيم في قلبي لم أشعر به من قبل. قامت أمي من جواري على الفور وذَهَبَتْ فتطهرَّتْ وتوضّأت ثم دخلت في صلاة المغرب وجعلت تتلو القرآن في الصلاة بصوت مسموع ، وكنت لأول مرة أسمع القرآن من أمي ، إنها سورة (الإخلاص) وكان ذلك الموقف لا يوصف كان له أثر طيب على مشاعري ، تمنيت أن أجلس على الأرض وأقبل قدمَي أمي وهي تصلي ، شعرت بشيء ما يغسل قلبي ، دخل عليّ صفاء وحب امتلكني . شعور غريب ، إنها روح جديدة تسري في جسدي ، واجتمعت في نفسي إشعاعات النور وشعرت بإشراق شمسِ يومٍ جديد بعد الغيوم القاتمة وظلام الليل الدامس . غلب علي البكاء بمدى الظلم الذي وقع عليها من ذاك القس في درس الثلاثاء الماضي ، تمنيت أن أرى هذا القس ليأخذ جزاءه مني فقد اعتدى على أمي .. !! دون أي وجه حق لماذا يشوه سيرتها ؟! أهذا عدل ؟ أبذلك أمر المسيح ؟ هل هذا هو القس الذي يعترف له المُذنب ؟ هل هذا هو قدوة المجتمع النصراني من الداخل .. ؟! كل هذه تساؤلات كانت في حاجة إلى إجابة ..
تغير واضح:
جلست مع أمي ما يقرب من ساعة ونصف وأحضرت لي طعاماً وأكلتُ معها كان هذا اليوم وهذه الزيارة كأنها حلم جميل ، لا أكاد أصدق أن هذا قد حدث وأن له واقع ملموس.
مناظرة مع القس:(1/347)
خرجت من عند أمي وأنا مرتاح القلب مثلج الصدر وذهبتُ إلى منزلنا، وفي الثوم الثاني ذهبت إلى الكنيسة لحضور المحاضرة المعروفة كل ثلاثاء . كان يتحدث نفس القس وأثناء المحاضرة أراد أن يكمل حديثه القذر عن هذه الجوهرة المصونة، ويكمل حديثه عن أمي الطاهرة البريئة . فقال هذا القسُّ: أما عن فلانة فكنت عندها أمس وقلت لها يا بنتي إن أولادك أحوج ما يكونون إليك ، لكن للأسف ما زالت في السجن وكانت هناك صعوبة بالغة حتى أتمكن من الحديث معها بتوسع ، لأنكم تعرفون السجن ، وما أدراكم ما السجن على العموم هذا جزاء كل بائع للمسيح وهذا جزاء كل خائن . في هذه اللحظة شاهدت كل فرد في الكنيسة ينظر إليّ نظرات عجيبة فلم أمتلك نفسي ووقفت أمام هذا الطاغوت أحدثه بأعلى صوت ... بدأت حديثي بما يلي: كفاية يا أبونا . ثم وجهت كلامي للجميع قائلاً يا حضرات أنا كنت عند أمي أمس ولم تدخل السجن كما سمعتم وهذا الرجل كذاب بل إنه على العكس تماماً مما قاله هذا القس . انتبه إلي الجميع لي يحاولون تهدئتي بكافة الطرق ويذكروني بمكانة القس . قال هذا القس يخاطبني: ما لك يا عماد عيب عليك ، اسكت يا بني ، ماذا حصل لك ؟ ماذا في الأمر ؟ قلت: أنت كذاب . وأثناء حديثي المباشر له سكت الجميع والتفتُّ لجمهور الحاضرين وقلت لهم: يا جماعة أنا كنت عند أمي في أمس فقط في المنزل وليست في السجن . عندما سمعَت أمي الأذان قامت وتطهرت وتوضأت وصلت ( منتهى النقاء ) والله رأيت في وجهها نضارة ما بعدها نضارة. يا جماعة أمي ليست في السجن كما يزعم (أبونا) وهاكم العنوان لمن يرغب في زيارتها . وأقسِم لكم أنني عندما سمعت آيات القرآن من أمي كانت هذه الآيات تغسلني وتطهرني من داخلي . فقاطعني القس قائلاً : اسكت يا ولد وإلا سأطردك خارج الكنيسة والدك لم يستطع تربيتك يا قليل الأدب .(1/348)
قلت له : دعني أسألك يا أبونا : هل أنت تتطهر قبل الصلاة كما يتطهر المسلمون ؟ حينئذ جن جنون الجميع كبيراً وصغيراً اسودّت وجوههم وكشروا عن أنيابهم . فمن قائل: اسكت لقد جاوزت حدود الأدب .. ومن قائل أنت قليل الأدب والبعض قد انهال عليّ بالضرب . أما القس فقد تغير لونه واسود وجهه وارتعشت يداه وظهر على وجهه الاضطراب والهزيمة والفضيحة. وقال كلمته الأخيرة الدالة على ألم الهزيمة ومرارتها : اتركوا هذا الولد .. فقد أجرَت له أمه غسيل مخ . خرجتُ من الكنيسة وأنا مرتاح البال ، ورغم أنني كنت خائفاً مما سيحدث بعد ذلك، وظللت أبكي حتى توجهت إلى بيت أحد أصدقائي الأعزاء ، من الذين قويت صلتي بهم وتأكدت صداقتي معهم على مر الأيام، فلم أجده في البيت، ورأتني أمه على حالي التي كنت عليها فرقّت لحالي وحزنت من أجلي وقالت : ( منها لله أمك هي السبب فلينتقم الله منها). لم أكد أسمع كلام هذه المرأة حتى رغِبت في الهجوم عليها وكدت أن أخنقها هي وذلك القس الكاذب، وغالبت نفسي وقلت: لعل هذا الغضب من مواجهة القس والتجرؤ عليه. ( وسوسة من الشيطان)، فلأرجعن إلى الإنجيل لعلي أجد فيه السكينة والهداية والهدوء. أمسكت الإنجيل لعلي أجد فيه شيئاً يرفع عني هذا الكرب وهذا الغمّ الذي ألمّ بي، ولكن سرعان ما عدت إلى صوابي، وقلت في نفسي هل هذا كتاب الله حتى أرجع إليه ؟ ثم عدت ثانية إلى الإنجيل أمسكه ولم أزل ممسكاً به فازدادت كآبتي ، واشتد حزني ، وكثرت علامات الاستفهام من حولي واستشعرت بل وتأكدت أنه كتاب كأي كتاب يحكي قصة شخص أكل وشرب ونام وفعل كذا الغرائب وخوارق العادات ثم قلت من المتحدث في كل هذا ؟ أو من الذي كتب هذه الأخبار بعد رفع المسيخ ، ولماذا تتعدد الروايات وتختلف وتتناقض أحياناً ، ويوجد فيها كثير من الخرافات. شعرت بملل غير عادي من القراءة في الإنجيل ، وظهرت علامات استفهام أخرى.(1/349)
لكن حرصي على الوصول إلى الحقيقة دفعني لمزيد من المراجعة ومعاودة قراءة الإنجيل مرة أخرى. وبعد أيام في يوم الجمعة ذهبت إلى الكنيسة في قداس الصباح وجاء دوري في الاعتراف ووقفت أمامه وقلت له : هناك أسئلة كثيرة أنا في حاجة إلى الإجابة عليها ، هناك أسئلة من داخل الإنجيل لم أجد من يُجيب عليها ، قال : وعدٌ مني يا (عماد أفندي) نجلس سوياً وأجيب على جميع أسئلتك، ثم قرأ على رأسي بكلمات كنا نعرفها جيداً في النصرانية . وبعد عدة أيام أرسل لي القس هدية ( صليباً من الذهب الخالص ) مع ( سلسلة عنق ) ولاحظت أن معاملته تغيرت معي تماماً ، وأصبح يعاملني بأحسن ما يكون. وذات مرة فاجأني بقوله في ( لهجة حانية) أنا آسف يا ابن المسيح إذ ذكرت أمك بما ذكرتها على تلك الصورة التي ضايقتك فأنت ابن المسيح ونحن نحبك جميعاً كذلك المسيح يحبك . ولم أعرف أن ذلك القس الخبيث يدبر مكيدة لينتقم مني . فقال لي يا (عماد) أرسل لي أباك وعمك أريدهما في أمر ضروري أمر سيسعدك جداً جداً وستكون مستريحاً للغاية . لم أعلم أن هذا الخبيث يدبر لي مكيدة وأنه يريد والدي وعمي من أجل هذا.(1/350)
وفي نفس اليوم قلت لأبي : إن القس فلان يريدك في أمر ضروري جداً . فقال : لماذا ؟ قلت له لا أدري كذلك يُريد عمي . فقال والدي سنذهب له يوم الجمعة القادم . وفي يوم الجمعة ذهبت أنا ووالدي وعمي إلى الكنيسة حيث قداس الجمعة وبعد القداس التقى والدي وعمي مع القس ، ولما هممت بالدخول في صحبتهما استوقفني القس وطلب مني أن أنتظر خارج الغرفة لأن الحديث مع الوالد والعم في شأن هام جداً وخاص . ومكثوا في اجتماعهم ما يقرب من ساعة خرج والدي وعمي في حالة حزن شديد ولما سالت والدي ماذا حدث قال لي: لا شيء ، وفي المنزل قال لي : إنه يُريدك أنت وأختك لتمكثا معه في دير لمدة ثلاثة أيام استبشرت بتلك الرسالة الفريدة لما يتمتع به ذلك الدير وذاك ( الأنبا) من مكانة عالية في نفوس النصارى وما في هذا الدير من كرامات . قلت لوالدي : ثلاثة أيام في هذا المكان؟ قال : نعم ، فأجبته بالموافقة وطلب مني أن أستعد للسفر خلال يومين أنا وأختي هبة وكان والدي حزيناً جداً على غير الغادة وبعد يومين جاء الموعد .
خداع :(1/351)
وقام والدي يساعدني في إعداد حقيبة السفر وتعجبتُ لما وجدت والدي يضع كل ملابسي أنا وأختي ... سألته يا أبي لماذا تضع كل ملابسي ؟ ... إنها ثلاثة أيام فقط . قال لي أبي : ( عماد يا بني ) ستعرف كل شيء وذهبنا إلى المطرانية في القاهرة ، وإذا بي أرى أبي منهمكاً في إنهاء بعض الإجراءات ثم انتقلنا إلى بني سويف وفي الطريق سألته إلى أين نحن ذاهبون أنا وأختي ؟ وعِنْدَ مَن ؟ ليس لنا أقارب في بني سويف !! قال: ( هناك ستكونون في أحسن حال وأروق بال ، وسأكون عندكم بعد أسبوع علشان تكونوا في غاية الانبساط ) وإذ بوالدي يبكي وحضن أختي هبة الصغيرة ويزيد في البكاء ويقول : ( منها لله أمك منها لله هي السبب ) . وصلنا بني سويف (المطرانية )وتحدث أبي مع المطران ثم ذهب بنا إلى بيت اسمه(بيت الشمامسة) وكان هذا المنزل قديماً مقابلاً لقصر الثقافة ، وكان رئيس هذا المنزل قسيساً ومشرفاً عاماً ورجلاً صعيدي الأصل ، شديد اللحية ، فسلم والدي عليّ وأوصاني بأختي وودعني ثم انصرف وذهبتْ أختي إلى مكان مجاور للمطرانية هو ( بيت الفتيات)، تعرفتُ على أفراد المنزل من الشباب ، وذهب بي المشرف إلى غرفة كان المكان غير مرح لأن كل الغرف كانت شبه عنبر السجن، حيث الأسرة ذات الطابقين والملابس المرقعة من الخلف ، والزي الموحد وكثرة عدد المقيمين وطريقة أسلوب قذرة ، من ألفاظ وأحاديث فيما بينهم وشتائم كل منهم للآخر والتنابذ بالألقاب. كان الموقف صعباً عليّ لأن المكان غير مريح ، والصحبة لا تعاشر وبعد عدة أيام سألت المشرف إلى متى الجلوس ها ومتى سأعود إلى محافظتي ؟ كان الرد أفظع رد وكان هذا اليوم عصيباً ، وكنتُ محل سخرية من الجميع .(1/352)
حفظت أشياء خلف القسيس وتهيأت بكل التعاليم من القساوسة والمشرفين، والكل كان يقول : إن هذا الشاب له مستقبل باهر في الحديث والمناقشة ، وقد تم رشمي شماساً في بني سويف ، وتم قص شعري على شكل صليب، وتمتم ببعض الكلمات وقال مطران بني سويف أثناء رشمي ( عقبال ما تبقى قسيس ) وصرت منذ تلك اللحظة حائزاً على درجة (شماس) داخل الهيكل، بدأت تدور الأيام وبدأتُ أتأقلم مع شباب البيت ، وأصبحت محبوباً لديهم جميعاً لحسن القول معهم وحسن التعامل . مللت الحياة داخل البيت بسبب تعاليم النصرانية التي كانت تصب فوق رؤوسنا على غير شرح أو تعليل . بدأت في كتابة الخطابات لوالدي وأخذت أشرح له الوضع الذي أنا فيه من ألم وحزن شديد وغربة ما بعدها غربة . لكن كل الخطابات التي ذهبت له من بني سويف كانت دون جدوى !!
قرار إداري :(1/353)
خرج قرار إداري من المطرانية في بني سويف بنقلي أنا وأختي فوراً إلى ( بني مزار) المنيا ولا أدري لماذا ؟... ! جاء أحد القساوسة مخصوصاً من المنيا وقال : أين عماد وأخته ؟ وكان ذلك أول لقاء مع أختي ( هبة ) منذ ستة شهور، وتعانقنا معاً وبكيت من شدة فرحتي بلقاء أختي هبة ، وسألتها عن حالها أخبرتني بأنها كانت أصعب حياة عاشتها في حياتها إذ كانت المشرف تتعامل معهم بالعصا. أخبرنا القس المرسل بأنهم علموا في بني مزار من الأنبا ( مطران بني سويف ) بأنني وأختي غير مستريحين في بني سويف . وتم على الفور نقلنا إلى ( بيت النعمة ) وفي الطريق سألني القس عن أمي كانت إجابتي لا تسمن ولا تغني من جوع ، وفي نهاية حديثي قلت له : أتصدق أنني نسيت شكل أمي . ضحك ذاك القس وقال: ( أحسن أنت عاوز منهم إيه ، أنت هنا معنا وستكون في يوم ما قسيساً للكنيسة له مكانته في المجتمع والأوساط المرموقة وستكون في حياة أفضل من هنا بإذن المسيح ) . سألته متى سنرجع إلى والدي ؟ قال : ( أظن أنه عيب قوي إنك تنظر إلى الدنيا بهذه النظرة، وأنت وُضِعت ضمن مجموعة تعد لتكون من القساوسة )، قلت له : وأختي هبة ؟ قال : وأختك هبة ( كم سنة كمان وتتزوج بقس طيب مثلي ) . أحسست بأنه قد تم الحكم عليّ بالسجن مدى الحياة أنا وأختي. ذهبنا إلى المنزل ( بيت النعمة ) وهو معروف لدى الناس بمدرسة الأقباط المشتركة الابتدائية ، وداخل هذه المدرسة من الركن الشمالي فيلا ثلاثة أدوار هي ( بيت النعمة ) سلّمت علينا امرأة وذهبت بنا إلى القس مشرف البيت . فسلم علينا وقال للمشرفة الملعونة : ( أحضري طعاماً للأولاد وأفضل الملابس وخذي هبة لحجرتها مع زميلاتها ، وأما الواد عماد يجلس في الطابق الأسفل مع أمير وسامح ورؤوف ) . المنزل حقيقة كان أفضل بكثير من ( بني سويف ) وكان لكل فرد سرير ودولاب منفرد به .(1/354)
أحضرَتْ المشرفة بعض الملابس الجديدة ، تعرفتُ على هذا الثلاثي كانوا في منتهى الأدب والأخلاق والاحترام ، كان أمير وسامح أخوين ، وكان رؤوف غريباً عنهم ، أحببت هؤلاء جداً . وكان الكل خائفاً جداً جداً من المشرفة العجوز التي ( حرمها الله من كل مسحة جمال أو خلق ) ونعتها بكل ما هو قاس وقبيح ، إنها مخيفة حقاً ، شربت المرّ ألواناً ، وعشت الصبر بكل معانيه على يد هذه العجوز ، حتى سميتُ هذا البيت ( بيت النقمة لا بيت النعمة ) وصرت أذكر الأيام التي عشتها في بني سويف بكل خير ، فقد كانت أيامي فيها نعيماً قياساً على أيامي في بيت النعمة. كانت هذه المرأة تتعامل معنا بالسياط الحامية وكأنها في حديقة حيوان . كما عبرَّت ذات يوم بقولها : ( هؤلاء الحيوانات لا بد لهم أن يتربوا بهذه الطريقة). حتى إن هذه المرأة كانت تراقبنا وقت تناول الطعام وتلاحقنا بأوامرها ، ولم يكن غريباً أن تأمر الفرد أن ينهض ويترك الطعام دون أن يشبع إذلالاً له وإهانة لكرامته أمام زملائه.
قصوا لها شعرها !!!
وأما عن أختي هبة فقد قصوا لها شعرها وأخبروها عندما تبلغ من العمر خمسة عشر سنة تتزوج على الفور .. !! وذات يوم جاء القس الكبير يتفقد أحوالنا فكانت تتعامل في منتهى الأدب والأخلاق مع الشباب والفتيات أمام القس . سألني القس يوماً .. كيف حالك ؟ هنا أحسن من بني سويف ، قلت لك : إن ( بني سويف ) كانت أرحم بكثير من هنا .. قال متعجباً : ولماذا .. !! قلت له : هذه المرأة هي السبب لأنها تتعامل معنا كما لو أنها تتعامل مع حيوانات لا تتعامل معنا إلا بالعصا . نظر إليها القس نظرة كلها لوم ، وقال لها : أهذا الكلام صحيح ؟ قالت : أنت عارف إن الأولاد تكذب . قال : ....... لا .... !! مكثَتْ هذه المشرفة حوالي أسبوعاً أفضل ما يكون في تعاملها مع الشباب . وبعد سفر القس إلى المنيا رجعت أسوء ما يكون ومعي أنا بالذات.
إعادة المحاولة :(1/355)
لم أجد سبيلاً للهروب من البيت لأن الحراسة على البيت كانت مشددة ، ولم يكن أمامي إلا كتابة خطابات لوالدي ، أشرحُ له المواقف وأستعطفه لينقذني أنا وأختي من هذا الكرب الشديد . وفي تلك الفترة أصابني المرض والهزال ، ومرت الشهور كأنها سنين ، حتى مضى حوالي خمسة شهور أخرى في بني مزار ، وفي يوم من الأيام بعد هذه الشهور الخمس تحدّثت المشرفة معنا بشدة إلا أنني لم أتمالك نفسي وقلت لها : ( ربنا ينتقم منك ) لأن ذلك الموضوع كان فيه ظلم واقع على أحد الزملاء في الغرفة ، فما كان منها بعد أن سمعت هذه الكلمة إلا أن قامت على الفور وأحضرت العصا وأخذتُ يومها ( علقة موت ) ...
جاء الفرج من الله :(1/356)
بعد ما قامت هذه العجوز الشمطاء بضربي أنا وأمير كان ذلك في الصباح ، وبعد المغرب جاء عم فهمي حارس المنزل مُهرولاً ينادي يا عماد ... يا عماد ... قلت له : ماذا حدث ( يا عم فهمي ) قال : أبوك خارج المنزل جاء ليراك أنت وأختك هبة ، رفعت صوتي بكلمة الله ... الله هل أنت صادق ؟ فرح الرجل وقال : أبوك والله يا بني . خرجتُ مسرعاً نحو الباب وإذا بوالدي واقفٌ لم أتمالك نفسي إلا وأنا بين أحضانه أبكي بكاء شديداً ، وقال : ( كده يا بابا إحنا عملنا إيه فيك .. ) !! بكى الوالد بكاء شديداً جداً ثم نظر إليّ وقال : فين أختك ؟ قلت له : لا أدري ، قال ( إزاي وليه الضعف ده مالك أنت مريض) ، نظرت له نظرة لوم وعتاب ولم أتكلم، وكان يومها أثر السياط على جسدي من ضرب بالمشرفة في الصباح . لما رأى هذا قال متعجباً : ( لا يمكن يكون إنسان هو اللي فعل كده فيك ) . توجه نحو المشرفة وقال : فين (أبونا فلان )، قالت : في المنيا ، قال لها الوالد : لو سمحت أحضري هذا الرجل ضروري قالت : هو مشغول ، يمكنك تشوف ولدك وترحل مع ألف سلامة . قال الوالد : أنا لا أريد أن أسمع صوتك لأنك امرأة عديمة القلب . قالت المرأة مقاطعة كلام الوالد : ( إزاي تتحدث معي كده ) ؟ قال الوالد : مقاطعاً كلامها ( أحضري القس (فلان ) فوراً ، ومش عاوز أسمع لك صوت، وأنا جالس هنا ومش ماشي إلا ما أشوف أبونا فلان ... !! ) . قامت المرأة على الفور وتحدثت مع القس في التليفون وقال لها : ( ليجلس الرجل في غرفة عماد وسأكون عندكم في الصباح الباكر ) . وقد جاء الرجل في الصباح الباكر ، وأحضر الإفطار له ولوالدي ولي ، وبعد الإفطار قال الوالد ( أريد أن أخذ أولادي معي ) ....... قال القس : ( أسف ومش عاوز كلام كتير في الموضوع ده ) . ( أقسم الوالد إن لم تحضر عماد وهبة وملابسهم سأكون مكسّر كل شيء في البيت ده على رأسكم يا أولاد ... !! ) .(1/357)
وقام بالتهديد للقس وقال : ( علماً بأنني سوف أذهب الآن إلى محافظ المنيا علشان أفضح أموركم عند المسلمين ، ومش كده وبس إن خرجت أنت يا سي (القس) من البيت سليم يكون ده فرج من الله ) .
الرحيل من سجن بني مزار:
انتهى الكلام فما كان من القس إلا أن قال منادياً على المشرفة أن تحضر ملابس عماد وهبة فوراً . ولما رأى والدي المشرفة قال متهكماً بهم : ( سأسألكم سؤالاً يا ملائكة الرحمة : هل أمر المسيح بضرب الأولاد ؟! بهذه الصورة القذرة من هذه المرأة .. ؟!!) . تعجب القس وقال لها ألم أقل لك لا تضربي الأولاد بهذه الصورة ؟ خرجنا أنا ووالدي وأختي من هذا السجن بعد وداع أبكاني على أمير وسامح ورؤوف الذين خلفتهم في هذا السجن الرهيب ، ولا أنس آخر كلمة قالوها لي : ( حاتمشي وتسيبنا هنا في العذاب مع صاحبة القلب الحجر).
صدمة عنيفة :
وفي الطريق إلى مدينتنا سألت والدي عن حال أمي ، فقال لي ( عماد أنسى الموضوع ده ) . يا حبيبي أمك ماتت من حوالي ست شهور في حادث سيارة صدمها خالك فلان ... كانت صدمة نفسية عنيفة ، أصابني الذهول وقلت لوالدي : إذن لماذا نذهب إلى مدينتنا ؟! نعود من حيث أتينا ، وظلتُ أردّد ماتت أمي ، ماتت أمي وبكيت ، فقال الوالد : ( أظن عيب قوي تبكي ) أنت راجع إلى أهلك عيب تبكي والحياة أمامك طويلة .
وعاد الأمل من جديد :
يشاء الله عز وجل بعد مُضي أربعين يوماً بينما كنت في الدكان وحدي ، سمعت صوت أمي: يا عماد يا عماد ، ارتميت في حضنها ما يُقارب نصف ساعة وأنا أردد كلمة : ماما على قيد الحياة ؟ الله أكبر ... !! وأيقنت أن والدي أخفى عليّ الحقيقة حتى لا أفكر فيها، سألتها على عنوانها، وأخذتُ العنوان وعاد الأمل من جديد . وبعد أيام قليلة قمت بزيارتها فرحبت بي وأخذتُ أختي بعد ذلك لها لتمكث معها أوقات ، وعلمت بعد ذلك أن موضوع سفرنا إلى بني سويف كان مؤامرة خطط لها القس .
مرسال من الكنيسة :(1/358)
أرسل القس نفسه رسالة لي يقول : تعال مارس مهامك كشماس داخل الكنيسة . ووجدت أن هذا طلب الجميع لي ، كلما رآني أحد من عائلتي يقول:لماذا لا تمارس مهامك في الكنيسة ؟ مكثت حوالي تسع قداسات ولم أطق هذا العمل أبداً ، طلب مني أن أكون مدرساً للأطفال في مدارس الأحد فرفضت ، وبعد كثرة الاطلاع داخل الكتاب المقدس لديهم كان لي هذا الحوار مع مجموعة من الشباب .جلست مع أكثر من عشرين شاباً داخل الكنيسة، وكان ذلك قبل إسلامي بحوالي سنة وأربعة أشهر .
كلمات مؤثرة :
قلت للشباب ماذا تقولون في رجل زنا ببناته ؟ قال واحد : كافر .. ! وقال الآخر : ابن الـ ... ! قلت : وإذا كان الذي فعل هذه الفعلة نبي من أنبياء الله . وذكرت هذه الواقعة في الكتاب المقدس !!! صرخ في وجهي شاب وقال : هذا افتراء وكذب وبهتان عظيم على الكتاب المقدس . لاحقه آخر وقال : هات هذه الآية إذا كنت صادقاً حقاً . قلت: هذا دليلي افتح معي الإنجيل في سفر التكوين (19: 33-35). (فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة ودخلت البكر وأضجعت مع أبيها ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها ، وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة : ( إني اضطجعتُ البارحة مع أبي) . نسقيه خمراً الليلة ، فادخل واضطجعي معه فتنجبي من أبينا نسلاً ، فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة أيضاً ، وقامت الصغيرة واضطجعت معه ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها . فحملت ابنتا لوط من أبيهما ؟! قلت لهؤلاء الشباب : أيها المتعلمون والمثقفون ، ماذا تقولون في نوح ؟ قالوا : إنه نبي من أنبياء الله والمحببين إلى الله . قلت : أتدرون ماذا يقول الكتاب المقدس عنه ؟ سكت الجميع ولم يرد أحد. قلت : ( وابتدأ نوح يكون فلاحاً وغرس كرماً ، وشرب من الخمر ، فسكر وتعرى داخل خبائه ) ( سفر التكوين : (9/20، 21) سكت الجميع ولم أجد أحداً يعلق على هذا .
بطّل فلسفة :(1/359)
وبعد عدة أيام سألت القس أمام الشباب وقلت له وأنا أضحك : يا أبونا . .. هل الله يراه أحد ؟! أجاب على الفور : ( الله لا يراه أحد قط ) يوحنا (1/18) . قلت له : وإذا كان الكتاب المقدس الذي قال في إنجيل يوحنا ( الله لم يره أحد قط ) نفسه الكتاب المقدس الذي جاء فيه ، سفر خروج (33/ 11) ( ويكلم الرب موسى وجهاً لوجه كما يكلم الرجل صاحبه ) . قال القس : يا عماد بطل فلسفة !!! وعند خروجي من الكنيسة سمعت المدرسة التي تدرس للأطفال رافعة صوتها جداً. قلت لها : يا أستاذة فلانة اخفضي صوتك. قالت : (لماذا هو ممنوع تتحدث المرأة في الكنيسة ) ورفعت صوتها عالية وضحكت. قلت لها : نعم ممنوع أن ترفع المرأة صوتها أو تتحدث في الكنيسة ، ضحكت وقالت أفتي يا مفتي ! ( لتصمتْ نساؤكم في الكنائس ، لأنه ليس مأذوناً لهن أن يتكلمن بل يخضعن ، كما يقول الناموس أيضاً ولكن إن كُن يردن أن يتعلمن شيئاً فليسألن رجالهن في البيت لأنه قبيحٌ بالنساء أن يتكلمن في كنيسة ) (كورنثوس 14/34 – 35) . قالت صدق من قال : (تنفع قسيس ) وضحكت وقالت : شكراً يا بونا ، بسخرية!!!
خداع بخداع :(1/360)
علم والدي أنني أزور أمي من حين لآخر فاستدعاني ذات مرة وقال لي هل عاودت زيارة أمك ؟ قلت له : نعم ، تعجب الوالد فسألني مندهشاً : لماذا ؟ قلت : ألم تكن هي سبب ما حدث لنا في بني سويف والمنيا ، وما حدث لك أنت أيضاً؟ قال : نعم ربنا ينتقم منها كانت السبب. قلت له : لذلك أنا عاودت زيارتها لأنتقم منها ولأنها خانت المسيح . قال لي : كيف ذلك ؟ قلت له : اصبر وسترى بنفسك. قال: ربنا يصلح حالك، لكن خد بالك منها . ولما تحدث معي في هذا الأمر قلت له ما قلته لأبي ، أعجب بي جداً ، وقال : أحسنت ، ثم قال : القس فلان يقول إنه يتوقع لك مستقبلاً رائعاً في الكنيسة الأرثوذكسية . سُررت كثيراً لاقتناعهم بهذا الأمر وظللت أقوم بزيارة أمي على مرأى منهم . مكثت فترة طويلة عند أمي أتعلم الإسلام وما فيه، وأتدارس القرآن، وكان بجوار المنزل مسجد تعرفت على خطيب المسجد الشيخ حسين أحمد عامر ( أبو أحمد ) رجل فاضل رأيت فيه أخلاق الإسلام في تعامله مع الجميع، رأيت هذا الرجل الأخ الكبير الحنون، تعلمت على يديه الكثير والكثير ، وكان له الفضل الأول في صعودي المنبر بعد ذلك، بارك الله في هذا الرجل وبارك في أولاده ، وأسأل الله أن يرزقه الإخلاص في العمل، وأن يجازيه على ما فعل . بعد ما ألممتُ بتعاليم الإسلام الأولية ، وأخذت قسطاً من الثقافة الإسلامية بشكل عام ، حتى أستطيع الرد على أي إنسان فيما يتعلق بأمور الإسلام. بعدما تمكنت من هذا قلت لأمي ... ( لقد آن الأوان أن أعلن إسلامي) . كانت حكيمة في ردها بارك الله فيها : قالت : ( أختك هبة قبلك، لأنك لو أسلمت قبل هبة ستضيع ... ستلقى عندهم ما تلقاه من شقاء وبلا هوادة ) . هذا الكلام أشعرني بالخوف على أختي ودفعني لمساعدتها .
إسلام أختي :(1/361)
وبعد هذا الحديث بفترة بسيطة .. كنت جالساً في المنزل وإذا بهبة راجعة من الكنيسة وفي يديها صورة أخذتها من الكنيسة ، ( كان عمرها لا يتجاوز الاثني عشر عاماً ) . قلت لها يا هبة ما هذه الصورة ؟ ... قالت صورة للمسيح في مذود البقر وهو طفل رضيع ، .... قلت لها : وما هذا الذي حول المسيح ؟ قالت : بهائم ، فقلت وهل يليق بالسيد المسيح أن يولد وسط الحيوانات ؟ أم يولد في بيت متواضع مثلاً إذا كان هذا من باب التواضع ؟ سُررت حين سمعت في نهاية حديثي مع هبة وهي تقول وأنا أيضاً غير مقتنعة بهذا المنطق بالمسيحية وراغبة في الإسلام معك . ما لبثت إلا أن أعلنت إسلامها ونطقت بالشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ) فاكتملت بذلك فرحتي – والحمد لله –.
نهاية المطاف :(1/362)
ذهبنا بعد هذه الرحلة الشاقة الطويلة لنعلن إسلامنا أمام الجهات المسؤولة ، وجدت معاناة شديدة جداً من المسؤولين من مناقشات طويلة وضغوط من النصارى عنيفة . انقلبت كنائس النصارى في بلدنا ، ولم يصدق الكثير منهم أن (عماد) الذي تنبأ له القس أنه سيكون قسيساً في يوم ما قد أسلم ، لكن الله قادرٌ على كل شيء إذا أراد الهداية لعبد من عباده نفذت مشيئته وتحققت إرادته ، يجعل – سبحانه – من يشاء سعيداً ويجعل من يشاء شقياً ، فهو القائل : {{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } [الأنعام: 125]. أعلنا إسلامنا وسط حفاوة رائعة من الإخوة المسلمين ، وبقي الوالد مع زوجته التي تزوجها بعد رجوعنا من بني مزار . بدأت أزوره فكان ينهرني المرة تلو المرة حتى أصبحت الآن أحب شيء إلى قلبه. امتنع عن الذهاب إلى الكنيسة ، ولم يعد يصوم صومهم ، ولم يعد يتحدث مع أي نصراني إلا قليلاً . زهد الدنيا ، لم يعد ينظر حتى إلى دكانه ، وأنا الآن ما زلت أحاول معه لإقناعه بدخول الإسلام . وإن شاء الله تعالى سوف أجد قريباً بصيصاً من نور الإسلام في قلبه وإني أحوج ما أكون لدعاء أخي القارئ الكريم بأن يفتح الله قلبه وينور بصيرته ، وأسأل الله له الهداية إنه ولي ذلك والقادر عليه . سألت الأخ عماد قائلاً : أخ عماد : وجدتك وقفت عن الحديث أكثر من مرة أثناء سرد قصتك ، وبعض المرات بكيت ، يا تُرى لماذا ؟!! فقال : إن هذه الأحداث تتمثل أمامي ، جرح عميق ، وذكريات مؤلمة قاسية . ثم قال : بسهولة تغير نمط حياتك في ملابس ومأكل ومشرب ، لكن ليست بسهولة تغير دينك ، إلا إذا كنت مقتنع .(1/363)
وسألت الأخ عماد المهدي وقلت له : هل هناك محاورات مع النصارى بعد دخولك في الإسلام ؟ فأجاب : المحاورات كثيرة بفضل الله فمنها محاورات كثيرة حول : التثليث ، ومسألة الصلب ، ونفي إلوهية المسيح . وغير ذلك كثير ، ولا يسعنا المقام لسرد هذه المحاورات كلها وهناك حوارات سريعة ونادرة ولها هدفها الطيب وعلى ما أذكر منها . بعد إسلامي بينما كنت مع مجموعة من الشباب المسلم وإذا بالقس الذي تحدث عن أمي بعد إسلامها ، وهو نفسه الذي دبر لي مؤامرة سفري إلى بني سويف ، كان يسير في الشارع ومعه مجموعة من الشباب النصراني بعضهم أعرفهم . اقتربت من القس وسلمت عليه ، فقال لي بلهجة كلها انفعال : أهلا يا ابن المسيح الضال . قلت له : دعك من هذه الخرافات ، وفكر فيما يدور حولك ، هل تعلم أنك على ضلال ؟ قال القس : ( بعت دمك يا عماد عند المسلمين علشان تعرف تأكل ) . فقلت له : هل تعرف أن البابا .... تزوج؟! فقال على الفور : البابا لا يتزوج فقلت : سبحان الله البابا لا يتزوج، والإله يتزوج وينجب ابناً !! عجباً لكم تحرّمون هذا الأمر على البابا وترضونه للإله !! ضحك الجميع ( مسلم ونصراني ) واسودّ وجه ذاك القس ... !! وهناك مواقف أخرى : هناك مدرس ثانوي أعرفه جيداً ، هذا الرجل وظيفته في الكنيسة عمل غسيل مخ للأطفال حتى يشبوا كارهين سنة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وسيرة الصحابة الأطهار – رضوان الله عليهم أجمعين – . سألته يا أستاذ فلان ... قال : نعم يا يهوذا الأسخريوطي.(1/364)
قلت له : لماذا قدم السيد المسيح نفسه قربانا ًلمغفرة خطيئة آدم ولم يقدم آدم نفسه هو بدلاً عنها ؟!! ولماذا كان عيسى عليه السلام هو المسؤول وحده دون غيره عن خطيئة آدم ومطالبا ًبالتكفير عنها ؟ وأين المسؤولية الفردية؟! أليس ضياعها في المجتمع دليلاً على أنه يُحكم بشريعة الغاب؟ ثم أهذا من العدل أن يجيء الله بآدم فيأمره بتقديم نفسه قرباناً ؟! ولماذا يقدم عيسى نفسه قرباناً بلا سبب وجيه ؟! ثم من الذي أحيا المسيح بعد موته ؟ هل أحيا نفسه ؟ أما أحياه غيره ؟ وإن كان هذا عن طيب خاطر فمن ذا الذي كان يصيح ويستغيث على الصليب ويقول : ( إيلى إيلى لم شبقتني ؟ ) أي إلهي إلهي لماذا تركتني ، سمع هذا الكلام ، وبعده فرّ هارباً ولم يعقب .
emadelmahdy_info@yahoo.com
***
59- قصة إسلام المطرب البريطاني كات ستيفن
ولد كات ستيفنز جورجيو في 21 يوليو 1947 بلندن في بيت مسيحي متعدد المذاهب، فقد كان أبوه يونانيًا أرثوذكسيًا، بينما والدته سويدية كاثوليكية، في الوقت الذي يعيش فيه المجتمع البريطاني طبقًا لتعاليم الكنيسة الإنجيليكانية، أدخلته أمه مدرسة دينية تعلم فيها أن الإنسان يمكن أن يصير إلهًا إذا أتقن عمله، فشجعه هذا على إجادة الغناء؛ إذ إنه سجل 8 شرائط قبل أن يبلغ العشرين من عمره، ووصلت إحدى أغنياته ضمن أفضل 10 أغنيات في بريطانيا آنذاك، فغيّر اسمه إلى كات ستيفنز، وهو الاسم الذي ذاعت به شهرته وأصبح يحلق في آفاق أوروبا كلها أثناء موجة "الهيبز" في ستينيات القرن الماضي ولم يكن قد تعدى الثانية والعشرين من عمره بعد!(1/365)
وعندما أتم عامه الثاني والعشرين أصيب كات ستيفنز بمرض السل الذي أقعده في الفراش معزولاً عن الناس في أحد المستشفيات لمدة عام تقريبًا عكف فيه على القراءة في كتب الفلسفة والتصوف الشرقي وتمنى لو أنه يعرف الطريق إلى اليقين الروحي؛ إذ كان يشعر بأن حياته بها شيء غير مكتمل على الرغم من النجاح الذي حققه، وفي النهاية قرر أن يعود إلى الغناء ولكن بمفاهيم جديدة تتسق مع ما قرأه في أثناء المرض.
وبالفعل حققت أغنيتاه "الطريق لمعرفة الله"، و"ربما أموت الليلة" نجاحًا كبيرًا زاده حيرة فطرق باب البوذية ظنًا منه أن السعادة هي أن تتنبأ بالغد لتتجنب شروره، فصار قدريًا وآمن بالنجوم وقراءة الطالع، ثم انتقل للشيوعية ظنًا منه أن السعادة هي تقسيم ثروات العالم على الجميع ولكنه شعر أنها لا تتفق مع الفطرة، فاتجه كات ستيفنز إلى تعاطي الخمور والمخدرات ليقطع هذه السلسلة الصعبة من التفكير بعد أن أدرك أنه ليست هناك عقيدة توصل إلى اليقين، وعاد إلى تعاليم الكنيسة التي أخبرته أن الله موجود ولكن يجب أن تصل له عبر وسيط، فأدى هذا به إلى أن يختار الموسيقى دينًا له يفرغ فيها أفكاره ومعتقداته ثم في نهاية المطاف هداه الله تعالى إلى الإسلام وحسن إسلامه فأسس المدرسة الابتدائية الإسلامية تحت اسم "إسلامية"، ثم المدرسة الثانوية الإسلامية للبنين والبنات في شمال لندن -وهما أول مدرستين إسلاميتين بريطانيتين.
أما عن قصة إسلامه فيحدثنا هو عنها :
كل ما أريد أن أقوله هو كل ما قد عرفتموه ، لنؤكد ما قد عرفتموه : رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم التي أنزلها الله تعالى ـ دين حق . نحن كبشر قد أعطينا الأدلة على الخالق الذي وضعنا في قمة المخلوقات.
لقد خُلق الإنسان ليكون خليفة لله في الأرض ومن المهم أن ندرك التزامنا بأن نخلص أنفسنا من كل الأوهام ونجعل حياتنا إعداد للحياة الآخرة وأي شخص يفقد هذه الفرصة لن يعطى فرصة لأن يعود مرة أخرى .(1/366)
تربيتي الدينية المبكرة :
لقد نشأت في العالم المتقدم بكل الرفاهية والحياة المترفة، لقد ولدت في بيت مسيحي ونحن نعرف بأن كل طفل يولد على الفطرة ووالديه يجعلانه في هذا الدين أو ذاك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)..
لقد أعطيت هذا الدين (النصرانية ) وفكرت بهذه الطريقة لقد تعلمت وهي أن الله موجود ولكن لا يوجد اتصال مباشرة مع الله لذلك يتوجب علينا أن نتصل بالله بواسطة المسيح هو في الواقع الباب المؤدي إلى الله وهذا ما عُّلمته ولكن لم أتقبله على الإطلاق.
لقد نظرت إلى بعض تماثيل المسيح إنما مجرد حجارة بدون حياة وعندما قالوا بأن الله ثلاثة أنا تحيرت كثيراً، ولكن لم أستطع المجادلة، أنا أعتقد بذلك نوعاً ما لأنني يجب علي أن أحترم معتقدات والديّ.
نجم البوب :
أصبحت بشكل تدريجي معزولاً عن هذه التربية الدينية ، بدأت بعزف الموسيقى وأنا أريد أن أصبح نجماً كبيراً، لقد أخذت اهتمامي كل تلك الأشياء التي شاهدتها في الأفلام ووسائل الإعلامية وربما اعتقدت بأن هذا هو ربي وهو جمع النقود، لدي عم يملك سيارة جميلة . قلت : حسناً هو يمتلكها، هو يملك الكثير من النقود لقد أثر بي الناس الذين حولي لأن أفكر بأنه هو هذا العالم هو ربهم بعد ذلك قررت بأن هذه هي الحياة بالنسبة لي لجني الكثير من النقود يكون لدي حياة عظيمة .
الآن نجوم البوب هم مثّلي . لقد بدأت بالأغاني ولكن لدي شعور عميق بالإنسانية ، الشعور بأن إذا أصبحت غنياً سأساعد المحتاجين كما يقول الله تعالى : {إنَّ الإنسان خُلق هلوعاً. إذا مسَّه الشر جزوعاً. وإذا مسَّه الخير منوعاً} "المعارج: 19 – 21".(1/367)
وهكذا ما حدث أنني أصبحت مشهوراً جداً وأنا لا أزال مراهقاً ، لقد أصبح اسمي وصوري في كل وسائل الإعلام لقد جعلاني أكبر من الحياة، ولذلك أردت أن أعيش أكثر من الحياة والطريقة الوحيدة لفعل ذلك يجب أن أكون منتشي بالكحول والمخدرات .
في المستشفى:
بعد سنة من النجاح المالي والحياة المترفة، أصبحت مريضاً جداً وكان لزاماً عليّ أن أدخل المستشفى، بعد ذلك أصبحت أفكر ماذا سيحدث لي ، هل أنا جسد فقط !!
وكان هدفي في الحياة فقط أن أرضي هذه الجسد، لقد أدركت الآن بأن هذه المحنة هي نعمة من الله، فرصة لأن أفتح عينيّ لماذا أنا هنا ؟ لماذا أنا في السرير ؟
وبدأت أبحث عن الأجوبة في ذلك الوقت كان هناك اهتمام بالصوفية الشرفية أنا بدأت أقرأ عنها. وأول شيء بدأت أدركه هو الموت وأن الروح تتحرك، إنها لا تتوقف شعرت بأنني أشعر أشق الطريق إلى النعمة والإنجاز العظيم بدأت أتأمل وأكثر من ذلك أصبحت نباتي ،أنا الآن أعتقد بالسلام والزهور .. وهذه كانت النزعة العامة لي، ولكن ما أعتقد به بشكل خاص بأنني لست جسداً فقط هذا الشعور أتى لي بي إلى المستشفى.
في يوم من الأيام عندما كنت أمشي وقد هطل المطر، بدأت أركض إلى مأوى وثم أدركت بأن جسدي قد تبلل أخبرني جسدي بأنني أتبلل هذا جعلني أفكر بالقول بأن الجسد مثل الحمار ويجب أن يدرب إلى أين أذهب، وإلا سيقودك الحمار إلى الذي يريده. ثم أدركت بأن لديّ إرادة من الله لهدايتي، أنا كنت مندهشاً بالمصطلحات الجديدة، أنا كنت أتعلم الديانة الشرقية.(1/368)
بدأت بعزف الموسيقى مرة أخرى وهذه المرة بدأت أعكس أفكاري. أنا أتذكر القصيدة الغنائية التي تقول " أنا أتمنى أن أعرف ما أتمنى أن أعرف من صنع الجنة، من صنع النار .. هل سأعرفك في السرير أو في القبر الترابي بينما الآخرين يصلون إلى الفندق الكبير وأنا عرفت بأنني كنت على الأرض" أنا كتبت أغنية أيضاً طرق معرفة الله حتى أنني أصبحت أكثر شهرة في عالم الموسيقى، أنا حقاً كان لدي وقت صعب أن أصبح غني ومشهور وبنفس الوقت أنا أبحث عن الحقيقة بشكل حاد، ثم وصلت إلى مرحلة حيث قررت بأن البوذية هي صحيحة تماماً ونبيلة ولكن لم أكن مستعداً لأن أصبح راهباً وأعزل نفسي عن المجتمع .
أنا حاولت دراسة الدلالة السحرية للأعداد (زين )، (تشنج) وبطاقات التنجيم حاولت أن أنظر مرة أخرى على الإنجيل ولم أستطع أن أجد أي شيء في هذا الوقت لم أكن أعرف أي شيء عن الدين الإسلامي. لقد زار أخي المسجد الأقصى في القدس وكان متأثراً بشدة لأنه كان ينبض بالحياة يسود فيه من ناحية أخرى السلام على خلاف (الكنائس والكنيس التي كانت فارغة ).
القرآن :
عندما عاد إلى لندن أحضر معه ترجمة لمعاني القرآن الكريم أعطاني إياها هو لم يصبح مسلم ولكن شعر بشيء ما في هذا الدين وفكر بأنه ربما أجد شيء ما فيه أيضاً.
وعندما تلقيت الكتاب الهادي الذي سيُشرح فيه كل شيء، من أنا ؟ ما هي الغاية من الحياة ما هي الحقيقة، وكيف تكون الحقيقة .؟ من أين أتيت ؟ أنا أدركت بأن هذا هو الدين الحق . ليس الدين الذي يفهمه الغرب، ليس فقط لشيخوختهم .
بالنسبة للغرب عندما تعتقد بدين وتجعله هو الشيء الوحيد طريقاً لك في الحياة تعتبر متعصباً أنا لست متعصباً. أنا كنت تائهاً بين الجسد والروح في البداية، ثم أدركت بأن الجسد والروح ليسا منفصلين ، لا يتوجب عليك أن تذهب إلى الجبل لأن تصبح متدين يجب أن تتبع إرداة الله ثم تستطيع أن تسموا أعلى من الملائكة.(1/369)
أول شيء أريد أن أفعله الآن هو أن أكون مسلم.
لقد أدركت بأن كل شيء يعود إلى الله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو خالق كل شيء من هذه النقطة بدأت أفقد التكبر في نفسي . وأدركت بأنني هنا بسبب عظمتي الخاصة ولكنني أدركت بأنني لم أخلق نفسي . وكل الغرض من وجودي هنا هو لأخضع للتعاليم التي وضعت من قبل الدين الذي يعرفه الإسلام . من هذه النقطة بدأت اكتشفت إيماني شعرت بأنني مسلم وأدركت الآن بفضل قراءة القرآن بأن كل الأنبياء قد أرسلهم الله يحملون نفس الرسالة فلماذا يكون المسيحيين واليهود مختلفين ؟ . أنا عرفت الآن كيف لم يقبل اليهود عيسى المسيح وغيروا كلام الله ، حتى أن النصارى أخطئوا في فهم كلام الله ودعوا عيسى ابن الله، هذا هو جمال القرآن ، يطلب منك أن تعكس وتفكر وأن لا تعبد الشمس والقمر وبخلق الله بشكل عام هل تدرك ما هو الاختلاف بين الشمس والقمر ؟ هما على أبعاد مختلفة عن الأرض ولكن يبدوان بنفس الحجم بالنسبة لنا، وفي بعض الأوقات الواحد يتداخل بالآخر حتى أن العديد من رجال الفضاء، عندما صعدوا في الفضاء رأوا الحجم الصغير للأرض ومساحة الفضاء لقد أصبحوا مؤمنين لأنهم رأوا دلائل قدرة الله .
عندما قرأت المزيد من القرآن، إنه يتكلم عن الصلاة والبر والإحسان، أنا لست مسلماً إلى الآن، ولكن شعرت بأن القرآن هو الوحيد الذي يحبني وأن الله قد أرسله لي واحتفظت به سراً إن القرآن يتكلم بعدة مستويات أنا بدأت أفهمه على المستوى الأخير عندما يقول:
(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ)(سورة آل عمران ).
وهكذا من هذه النقطة رغبت أن أقابل أخوتي المسلمين .
التحول :(1/370)
لقد قررت إذن أن أسافر إلى القدس (كما فعل أخي ) وفي القدس ذهبت إلى الجامع وجلست لقد سألني رجل ماذا أريد ؟ أخبرته بأنني مسلم ، وسألني عن أسمي أخبرته بأن اسمي (ستيفين ) لقد كان مندهشاً ثم التحقت بالصلاة على الرغم من أنها ليست بالشكل الصحيح.وعند العودة إلى لندن قابلت أخت تدعى نفيسة، أخبرتها بأنني أريد أن أعتنق الإسلام، أرشدتني إلى الجامع الجديد. كان ذلك في عام 1977 بعد عام ونصف تقريباً من تلقي القرآن، أدركت الآن بأنه يجب علي أن أتخلص من كبريائي أتخلص من إبليس وأوجه وجهي باتجاه واحد وهكذا في يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة ذهبت إلى الإمام وأعلنت إسلامي.
لقد كان شخصاً قبلك حقق الشهرة والثروة ولكن الهداية هي التي شدتني ليس مهماً كم حاولت جاداً حتى عرفت القرآن .
أدركت الآن أنني أستطيع الاتصال المباشر مع الله على خلاف المسيحية أو أي دين آخر كما أخبرتني سيدة هندية ، " أنت لا تفهم الهندوسية " نحن نؤمن بإله واحد ونستخدم هذه الأصنام لمجرد التركيز " كانت تقوم بأنها لكي تتواجد مع الله الواحد يجب أن يكون هناك شركاء وهذه الأصنام هي الغرض. ولكن الإسلام أزاح كل هذه الحواجز والشيء الوحيد الذي يميز بين المؤمن والكافر هو الصلاة.
هذه هي عملية الطهارة :
أخيراً أتمنى أن أقول بأن كل شيء أفعله هو محبة لله وأطلب من الله وأصلي له بأن تستفيدوا من بعض تجاربي، علاوة على ذلك أحب أن أؤكد بأنني لم أتواصل مع أي مسلم قبل أن أعتنق الإسلام لقد قرأت القرآن أولاً ثم أدركت بأنه لا يوجد شخص تام الإسلام , وإذا أردنا أن نتبع نهج النبي صلى الله عليه وسلم فسوف ننجح وعسى الله يهدينا لأن نتبع إمام الأمة محمد صلى الله عليه وسلم آمين .
***
60- قصة إسلام أمينة أسيلمي
البداية والقرار:(1/371)
كنت في بداية السنة النهائيّة للحصول على درجتي العلميَّة في دراسة (وسائل الترفيه) عندما قابلت أوَّل مجموعةٍ من المسلمين في حياتي. وقد كانت السَّنة الأولى التي كُنَّا فيها نستطيع أن نُسجِّل للفصل من خلال الحاسوب، فسجَّلت ثمّ ذهبت لأهتمّ ببعض الأعمال العائليَّة في (أوكلاهوما). فأخذ العمل مني فترةً أطول مما كنت أظنُّ بحيث عدت متأخِّرةً أسبوعين على بداية الفصل. ولكنِّي لم أكن قلقةً حول تعويض ما فاتني، لأنِّي كنت الأولى في صفّي. ومع كوني طالبة في ذلك الوقت كنت أفوز بالجوائز أثناء منافستي مع المتخصِّصين في هذا المجال.
ويجب أن أقول أيضاً بأنِّي كنت خجولةً جدّاً، على الرغم من أنِّي كنت أذهب إلى الكليِّة وأحصل على العلامات العالية، وأُدير عملي الخاص، وعلى الرغم من وجود العديد من الأصدقاء المقرَّبين الّذين كانوا من حولي. فكنت كثيرة الصَّمت، وبطيئةً جدّاً في التعرُّف إلى الناس، فمن النادر أن أتحدَّث لأيِّ أحدٍ إلا إذا اضطررت لذلك أو إن كنت أعرفه من قبل. كانت الدروس التي آخذها تتطلب مني أن أقوم ببعض الأمور الإداريَّة والتّخطيط المدني، بالإضافة إلى وضع البرامج الّتي تناسب الأطفال، فكانوا هم الوحيدين الذين أشعر معهم بالراحة.(1/372)
حسناً... فلنعد إلى قصتنا. كان التوزيع الذي قام به الحاسوب قد خبَّأ لي مفاجأةً عظيمةً فقد كنت مُسجَّلةً في مادةٍ مسرحيَّةٍ حيث كنت مُلزمةً بالتمثيل الحيِّ أمام الجمهور. أصابني الخوف الشديد بسبب ذلك، فأنا لا أكاد أتجرَّأ على طرح بعض الأسئلة في قاعدة الدرس فكيف يمكنني أن أقف على المسرح أمام كلِّ الناس؟! حدَّثت زوجي عن ذلك ولكنَّه كان هادئاً كعادته دائماً، فاقترح عليَّ أن أتحدَّث مع الأستاذ وأشرح له المشكلة، وأن أتَّفق معه على قيامي بكتابة النصِّ أو تجهيز الملابس. ووافق الأستاذ على أن يحاول مساعدتي للخروج من هذا المأزق. وهكذا ذهبت إلى الدرس يوم الثلاثاء التالي. عندما فتحت باب القاعة لأدخل تلقّيت الصّدمة الثانية. فقد كانت القاعة مليئةً بـ(العرب) أو (لاعبي الجوكي على الجمال) كما يحلو للبعض تسميتهم. حسناً... لم أكن أبداً قد شاهدت أحداً من العرب من قبل ولكنِّي كنت قد سمعت بهم. فما كان مني إلا أن قرَّرت أني -ولا بأيِّ طريقةٍ- لا يمكنني الجلوس في غرفةٍ مليئةٍ بالكفرة القذرين! بل خطر لي أيضاً بأنَّه من الممكن أن ينتقل إليِّ أحد الأمراض المخيفة من أحدهم. فكلُّ الناس كانوا يقولون بأنَّهم قذرون، وأنّهم ليسوا أهلاً للثقة أيضاً. فما كان مني إلا أن أغلقت الباب وعدت أدراجي إلى البيت. ولكني يجب أن أذكر شيئاً صغيراً الآن. فحين كنت أفكّر بهذه الطريقة كنت ألبس سروالاً جلديّاً مثيراً، وحِذاءً ذا كعبٍ عالٍ، وكأس الخمر في يدي... لكنّهم هم الذين كانون (السَّيئين) في نظري!(1/373)
عندما أخبرت زوجي عن أولئك الطلاب العرب، وأنَّه ولا بأيِّ حال يمكن أن أعود إلى هناك، هدَّأ من روعي بطريقته الهادئة، وذكّرني بأنِّي كنت دوماً أدَّعي بأنّ لله تعالى دائماً سبباً لكلّ شيء، ولربما يتوجَّب عليَّ التفكير جيداً بهذا الأمر قبل أن أتَّخذ قراراً نهائيّاً. وذكّرني أيضاً بأنّ لديَّ منحةً دراسيةً، فإذا كنت أريد المحافظة عليها فإنه يجب عليَّ المحافظة على مُعدّل علاماتي وإلا فإنّ أمراً كهذا يمكن أن يحطّم كلّ شيء. فصلَّيت لله تعالى في اليومين التاليين داعيةً إيَّاه الرَّشاد. وفي يوم الخميس عُدت إلى الصفّ وكان لديَّ اعتقادٌ بأنّ الله تعالى دبَّر هذا لكي أُخلّص أولئك المساكين الكفرة من عذاب جهنم.(1/374)
بدأت تدريجيّاً أشرح لهم كيف أنهم سيحترقون في جهنم خالدين فيها، إذا لم يقبلوا المسيح (عليه الصلاة والسلام) كمُخَلّصٍ لهم، فتعاملوا معي بلطفٍ جمّ ولكنَّهم لم يهتدوا! عندئذٍ شرحت لهم كيف أنّ المسيح (عليه الصلاة والسلام) يحبهم وكيف مات على الصليب ليُخلّصهم من آثامهم. وكلّ ما عليهم فعله لينقذوا أنفسهم هو أن يقبلوه في قلوبهم. فظلّوا على نفس المستوى من اللّطف معي، ولكنّهم ما زالوا لا يهتدون!!! ولهذا قرّرت أن أقرأ كتابهم المقدس لأريهم بأنَّ الإسلام دينٌ مُزيَّفٌ وأنَّ محمداً (صلى الله عليه وسلم) إلهٌ مزيَّف. فأعطاني أحدهم نسخةً من ترجمة القرآن الكريم وكتاباً آخر عن الإسلام، وبدأت دراستي. كنت على يقينٍ بأنّي سأجد الدليل الذي أحتاجه وبسرعةٍ كبيرة. لكنّي قرأت القرآن الكريم والكتاب الآخر، ومن ثمّ قرأت خمسة عشر كتاباً أخرى، كان من بينها صحيح مسلم، ثم عدت إلى القرآن الكريم. فقد كنت مُصمِّمةً على هدايتهم! وهكذا استمرت دراستي للإسلام سنةً ونصف. خلال ذلك الوقت، بدأت تظهر بعض المشكلات بيني وبين زوجي. فقد كنت أتغيَّر، ومع أنّ هذا التغيُّر كان في بعض الأمور فقط إلا أنها كانت كافيةً لإزعاجه. فلم أعد أريد الذهاب إلى الخمَّارات والحفلات التي اعتدنا الذهاب إليها كلّ جمعةٍ وسبت. وأصبحت أكثر هدوءاً وأكثر بُعداً عنه. فوصل إلى يقينٍ بأنّ لي علاقةً غير شرعيّة، ولذلك قام بطردي من البيت. فانتقلت إلى شقّةٍ أخرى مع أطفالي ومع كلّ هذا فقد واصلت جهودي مُصمِّمة على هداية أولئك المسلمين إلى المسيحيَّة!(1/375)
وفي أحد الأيام طُرق بابي، وحين فتحت الباب رأيت رجلاً يلبس ثوباً أبيضَ طويلاً للنوم وعلى رأسه قطعة قماشٍ كاروهات حمراء اللون، وكان يرافقه ثلاثةٌ من الرجال في ملابس نومهم أيضاً! (لقد كانت هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها عرباً في لباسهم التقليديّ). فشعرت بأنهم أهانوني إهانةً عظيمة. فكيف يسمحون لأنفسهم بأن يطرقوا بابي وهم يرتدون ملابس النوم؟! وأيّ نوعٍ من النساء يظنني هؤلاء؟! وتخيَّلوا صدمتي عندما قال لي الرجل الذي يلبس الخرقة الحمراء على رأسه بأنه يفهم رغبتي في أن أُصبح مسلمة! فأعلمته -وبسرعةٍ- بأنّي لا أريد أن أُصبح مسلمة. ثم تداركت قائلة بأنِّي -وعلى الرغم من ذلك- لديَّ بعض الاستفسارات، إذا كان لديه الوقت.
فمنحني الأخ عبدالعزيز الوقت الكافي، وكان صبوراً جدَّاً في نقاشه معي حول كلّ المسائل. ولم يُشعرني على الإطلاق بأني سخيفةٌ أو أن سؤالي سؤالٌ غبيٌّ. وسألني إن كنت أُومن بأنّ هناك إلهاً واحداً، فقلت: نعم. فسألني إن كنت أُومن بأنّ محمداً صلى الله عليه وسلم كان رسولاً لله تعالى، ومرةً أخرى قلت: نعم. فقال لي: أنت بهذا مسلمة! فجادلته بأني مسيحيّة وأنّي فقط أُحاول أن أفهم الإسلام. أما في داخل نفسي فإنّي كنت أُفكّر: "أنا لا أستطيع أن أُصبح مسلمة، فأنا أمريكيّةٌ بيضاء! وماذا سيقول زوجي؟! وإذا أصبحت مسلمةً فإنّي يجب أن أُطَلّق من زوجي، وعائلتي ستنتهي".(1/376)
ثم أوضح لي لاحقاً بأنّ تحصيل المعرفة والفهم الروحيّ ما هو إلا كصعود السلّم: "فإذا كنتِ صاعدةً على السلّم وحاولت أن تقفزي عدة درجات مرة واحدة فإن هناك خطورة السقوط. فالشهادتان ما هما إلا الدرجة الأولى على السلم، وهناك أمورٌ كثيرةٌ يجب أن نتحدث عنها". وفي وقتٍ لاحقٍ من مساء ذلك اليوم -الحادي والعشرين من آذار لسنة 1977م وعند صلاة العصر- أعلنت إسلامي. ولكن بما أنّه كانت هناك أمورٌ لم أكن قد تقبَّلتها بعد، وحيث إنّ الصِّدق كان من طبعي دائماً، فقد قمت بإضافة بعض الكلمات إلى الشهادتين فكانت كالتالي: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله" وأضفت: "ولكنِّي لن أُغطّي شعري أبداً، وإذا أخذ زوجي زوجةً أُخرى غيري فإني سوف أقوم بـ...". فسمعت همهماتٍ من بعض الرجال، ولكنَّ عبد العزيز أسكتهم. وعلمت فيما بعد أنّه أخبرهم ألا يناقشوا هذين الأمرين معي مُطلقاً. لقد كان على قناعةٍ بأنِّي سأصل وحدي إلى الفهم الصحيح لهما.(1/377)
كانت الشهادتان حقّاً هما الخطوة الأولى على سلّم المعرفة الروحيَّة والقُرب من الله تعالى التي حصَّلتها مع مرور الوقت. وواصل عبد العزيز زيارتي والإجابة على أسئلتي. أدعو الله تعالى أن يجزيه خير الجزاء على صبره وتسامحه. فهو لم يُقَلّل من قدْري، ولم يتفاعل تجاه أيِّ تساؤلٍ كنت أطرحه على أنَّه سؤالٌ سخيفٌ أو غبيّ، بل كان يتعامل مع كلّ سؤالٍ بحصافة، وكان يخبرني دائماً بأنَّ أغبى سؤالٍ هو ذاك الذي لم يُسأل أبداً. آه... هذا ما اعتادت جدتي قوله أيضاً! لقد شرح لي كيف أنّ الله تعالى حثَّنا على طلب العلم والطُّرق التي يمكن أن تزيدنا قُرباً منه. وعندما كان يشرح لي أمراً ما، كان هذا وكأنَّك تراقب زهرةً أمامك كيف تتفتَّح ورقةً ورقةً حتى تصل إلى ذروة الروعة في جمالها. وعندما كنت أخبره بأنَّني لا أُوافق على أمرٍ ما ولماذا، كان دائماً يقول: "أنت مُحقَّةٌ إلى حدٍّ ما"، ومن ثمّ كان يُريني كيف أنظر في عمق المسألة ومن جوانبها المتعدِّدة لكي أصل إلى الفهم التام والحمد لله!(1/378)
تعلّمت بمرور الأعوام على يد كثيرٍٍ من الشيوخ. كان كلٌّ منهم مُتميّزاً بشكل ٍ خاص، مع اختلافهم عن بعضهم البعض. وأنا شاكرةٌ لكلٍّ منهم على ما قدَّموه لي من العلم والمعرفة. فقد علَّمني كلٌّ منهم كيف أُنمِّي إيماني وحبِّي للإسلام. وبازدياد معرفتي كانت التغييرات في حياتي تظهر بوضوحٍ أكبر. ففي السنة الأولى بدأت بوضع الحجاب. لا أدري متى بدأت فقد جاء هذا الأمر تلقائيّاً مع ازدياد معرفتي وفهمي للإسلام. وحتى إنَّني أيضاً بدأت أُناصر تعدُّد الزوجات. فقد أدركت بأنَّ الله تعالى ما كان ليشرع هذا الأمر إلا إذا كان نافعاً، وتدَّبروا قول الله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى . الذي خَلَقَ فَسَوَّى . وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى . وَالّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى . فَجَعَلَهُ غُثَاءً أحْوَى . سَنُقرِئُكَ فَلا تَنْسَى . إلا ما شَاءَ الله إنَِّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى . وَنُيَسِّرُكَ لليُسْرَى) (الأعلى: 1-8).
عندما كنت في بداية دراستي للإسلام، لم أتوقّع أن أجد شيئاً أريده أو أحتاجه في حياتي الخاصَّة، ولم أكن أظنُّ بأنّ الإسلام يمكن أن يُغيِّر أسلوب حياتي. وفي ذلك الوقت لم يكن لأحدٍ أن يُقنعني بأنِّي سأكون في سكينةٍ وحبٍّ غامرٍ وسعادةٍ بسبب الإسلام.
إنّ هذا الكتاب يتحدَّث عن الإله الواحد خالق الكون. إنّه يصف الطريقة الجميلة التي يُنظّم بها العالم. هذا القرآن العظيم يحوي بين دفّتيه كلَّ الإجابات، فالله تعالى هو الودود وهو السَّلام، وهو الحافظ، وهو الغفور، وهو الرزَّاق، وهو المدبِّر، وهو الكريم، وهو المجيب، وهو الولي، وهو المُغني.(1/379)
والقرآن الكريم يعالج كلّ مسائل الوجود ويُرينا الطريق الواضح للفلاح، إنه الخارطة التي تُبيّن لنا طُرُقَ الفوز بمغفرة الله تعالى، وهو (الدَّليل المرشد للحياة) من صانع الحياة سبحانه وتعالى. وإذا سألتموني كم غيَّر الإسلام حياتي، فإنِّي أقول: "كم كنَّا سنحبُّ النُّور لو أنَّنا عشنا فترةً في الظلام". فالإسلام لم يؤثّر في حياتي فقط، بل غيَّرها تماماً.
حياتي العائليّة :
كنت وزوجي يُحبُّ أحدنا الآخر حبّاً عظيماً ما زالت آثاره باقيةً إلى الآن في قلبينا. ولكنَّ بعض المشكلات بدأت تظهر بيننا عندما بدأتُ دراستي للإسلام. فقد رآني أتغيَّر ولم يُدرك ما الذي كان يحدث لي. وحتى أنا نفسي لم أكن أُدرك هذا أيضاً، لأنِّي عندئذٍ لم أكن أُلاحظ كم كان سلوكي يتغير. فما كان منه إلا أن وصل إلى اعتقادٍ بأن لا شيء يُمكن أن يُغَيِّرني بهذه الطريقة إلا وجود رجلٍ آخر في حياتي. ولم تكن لديَّ طريقةٌ لكي أشرح له ما الذي كان يُغيِّرني لأنِّي لم أكن أعلم.
وحتى بعد أن أدركت بأنِّي أصبحت مسلمةًَ لم أستطع أن أثنيه عن شكّه، فكان يقول: "ما الذي يمكن أن يجعل المرأة تُغيِّر شيئاً أساسيّاً في حياتها –كدينها- إلا وجود رجلٍ آخر في حياتها!" على كلِّ حال، لقد كان يرى أنّ هذا هو السبب المنطقيَّ الوحيد لما كان يحدث. ومع أنَّه لم يستطع أبداً تقديم الدليل على وجود هذا الرجل الآخر، إلا أنَّه كان يُؤمن بوجوده. فانتهى بنا الأمر إلى طلاقٍ بشع. وقرَّرت المحكمة أن تكون المحكمة الشرعيَّة الأرثوذكسية هي التي تُقرِّر بخصوص حضانة أطفالي.(1/380)
أعطتني المحكمة الشرعيَّة مُهلةً من الزمن لكي أختار بين أمرين أحلاهما مُرّ, فإما أن أتخلّى عن الإسلام، وبذلك يتركوني مع أطفالي، وإمَّا أن أتنازل عن حضانة أطفالي وأبقى على إسلامي. كنت في حالة ذهولٍ شديدةٍ، فقد كان الاختيار صعباً، وبدا لي وكأنَّ كلا الخيارين مستحيل. وكنت على يقينٍ بأنِّي إذا تخلَّيت عن إسلامي فإنِّي سأُربِّي أطفالي على الضَّلال. ولم تكن هناك طريقة لأُنكر ما كان في قلبي، فكيف لي أن أُنكر الله تعالى؟! فلم أستطع عندئذٍ فعل ذلك. فالتجأت إلى الصلاة لله تعالى، ودعوته كما لم أدْعُهُ من قبل. وبعد مرور نصف ساعةٍ أصبحت على يقينٍ بأنَّه لا يوجد مكانٌ آمن فيه على أطفالي أكثر من أن يكونوا بين يدي الله تعالى. ولو أنكرته الآن فلن تكون هناك طريقة في المستقبل أُعلّم بها أطفالي روعة أن تكون مع الله تعالى. فأخبرت المحكمة بأنِّي أستودع الله تعالى أطفالي، ولا أعدُّ ذلك تخلّياً عنهم!
وغادرت المحكمة مُدركةً بأنّ حياتي بدون أطفالي ستكون في غاية الصعوبة. ومع أنّ قلبي كان مُنفطراً إلا أنَّه كان مطمئنّاً، فعرفت يقيناً بأنِّي فعلت الصَّواب. ووجدت عزائي في آية الكرسي: (اللهُ لا إلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ لَهُ مَا في السَّمَاوَاتِ ومَا في الأرْضِ مَنْ ذا الذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بإذنهِ يَعْلَم مَا بَيْنَ أيْديهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلا يَؤودُهُ حفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَليُّ الْعظِيمُ) (البقرة:255). ودفعتني هذه الآية أيضاً لأبدأ بالبحث في معاني أسماء الله تعالى الحسنى لأكتشف الجمال في كلٍّ منها.(1/381)
ولم تكن حضانة أطفالي والطلاق هما الابتلاءين الوحيدين حينئذٍ، فبقيّة أفراد عائلتي لم يتقبَّلوا اعتناقي الإسلام، ورفض معظمهم أن يكون لهمُّ أيّ علاقةٍ بي. فكانت أمي تؤمن بأنّ الأمر لا يعدو كونه مرحلةً فقط أمرُّ بها وسوف تذهب في طريقها. أمَّا أختي -المتخصصة في علم النفس- فكانت على يقينٍ بأنِّي -وببساطةٍ شديدةٍ- فقدت عقلي ويجب أن أدخل المشفى للعلاج. وكان أبي يعتقد بأنِّي يجب أن أُقتل قبل أن أنغمس إلى أعماقٍ سحيقةٍ في جهنم. ففي وقتٍ قصيرٍ وجدت نفسي بلا زوج وبلا عائلة... فماذا سيكون بعد؟!
الأصدقاء :
معظم أصدقائي تخلّوا عنِّي في السنة الأولى من إسلامي. فلم أَعُدْ في نظرهم مُسلِّيةً على الإطلاق. فأنا لا أرافقهم إلى الخمَّارات والحفلات، ولم أكن مهتمّةً بإيجاد صاحب لي؛ بل كان كلُّ ما أفعله هو قراءة ذلك الكتاب (القرآن) والحديث عن الإسلام... فما هذا الملل؟! ولم يكن لديَّ المعرفة الكافية لكي أساعدهم على فهم الإسلام ولأُبيّن لهم كم هو جميل.
الوظيفة :
ثم كانت وظيفتي هي التالية في الذهاب. ففي حين كنت أفوز بكلّ جائزةٍ في مجال عملي وكانوا يعترفون بخبرتي كمُبتكرةٍ لأساليب كسب المال، إلا أنَّ هذا لم يمنع من أن يكون أول يومٍ وضعت فيه حجابي هو آخر يومٍ في وظيفتي. فأصبحت حينئذٍ بلا عائلةٍ، أو أصدقاء، أو عمل.
المكافأة من الله تعالى على النجاح في الابتلاء :(1/382)
كانت جدَّتي هي شعاع النُّور الأوَّل بعد إسلامي، فلم تُثنِ على قراري فقط بل وانضمَّت إليّ مُعْتنقةً الإسلام مثلي... فيا للمفاجأة! أنا كنت أعرف دائماً أنّها تمتلك الكثير من الحكمة... ولكن إلى هذا الحد؟! وتُوفِّيت بعد اعتناقها الإسلام بساعاتٍ قليلة، رحمها الله تعالى. وعندما أتوقّف لأتأمَّل في ذلك أشعر بأنِّي أغبطها كثيراً. ففي اليوم الذي أعلنت فيه إسلامها، ومُحيَتْ فيه كلُّ آثامها وبُدِّلتْ حسنات، يتوفاها الله تعالى لتكون كفّة حسناتها في الميزان ثقيلةً جدّاً، مما يملأني بسعادةٍ غامرة.
ومع مرور الوقت وازدياد معرفتي بالإسلام كنت أكثر استعداداً للإجابة على أيّ تساؤلات، فتغيَّرت أمورٌ كثيرةٌ في حياتي، ولكنَّ الأثر الأعظم كان للتغييرات التي حصلت في شخصيِّتي.
وبعد بضع سنوات من إعلاني الإسلام، هاتَفَتْني أمي وقالت بأنّها لا تعرف ما هو هذا (الشيء) الذي يُسمَّى (الإسلام)، ولكنّها تأمل في أن أبقى مؤمنةً به، فقد كان يُعجبها ما كان يصنعه الإسلام في حياتي. ثم اتَّصلت بي بعد ذلك بعامين وسألتني: "ماذا يجب على الإنسان أن يفعل ليصبح مسلماً؟" فقلت لها بأنّ كلّ ما عليها أن تفعله هو "شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله". فقالت: "إنّ كلّ أحمقٍ يعرف هذا! ولكن ما هي الإجراءات التي يجب عليَّ القيام بها؟!" فأعدت عليها ما قلت، فقالت: "حسناً، ولكن لا تُخبري أباك الآن". ولكنها لم تكن تعلم بأنّ أبي كان قد سبقها بالحديث مع عن هذا الموضوع. فوالدي -الذي كان يظنُّ بأنَّه من الواجب قتلي قبل أن أتعمَّق في جهنم- كان قد دخل الإسلام قبل ذلك بشهرين. ومن ثم أخبرتني أختي -الخبيرة في الصِّحة النفسيّة- بأنِّي الشخصيَّة الأكثر تحرُّراً من بين من تعرفهم... وإنه لإطراء عظيمٌ حين يصدر ممن هم مثلها!(1/383)
وبدل أن أُحدثكم بتفاصيل دخول كلٍّ منهم الإسلام، دعوني أخبركم ببساطة بأنِّ معظم أفراد عائلتي يواصلون دخول الإسلام كل سنة. وقد كنت في غاية السعادة حين أخبرني أخٌ عزيزٌ من المركز الإسلاميِّ بأنَّ زوجي السابق دخل الإسلام. وقال لي بأنَّه سأله لماذا يريد اعتناق الإسلام؟ فأجاب: "ذلك لأنّي -ولستَّة عشر عاماً- كنت أُراقب حياة زوجتي كمسلمة، وأنا الآن أريد أن تكون ابنتي مثلها". ثم زارني بعد ذلك وطلب مني أن أُسامحه على كلِّ ما فعله لي. ولكنِّي كنت قد سامحته منذ وقتٍ طويل.
وفي الوقت الذي كنت أكتب فيه هذه السطور، هاتفني ابني البكر –ويتني- ليقول لي بأنَّه سيدخل في الإسلام، وقد خطّط لإعلان إسلامه في المركز الإسلاميّ بعد أسبوعين، وهو الآن يقرأ عن الإسلام قدر ما يستطيع من أجل ذلك... إنّ الله هو الرحمن الرحيم.
بمرور السنين، اشتهرت بحديثي عن الإسلام. والكثير من الذين حضروا للاستماع إليّ دخلوا الإسلام والحمد لله. وازدادت سكينتي الداخليَّة مع ازدياد معرفتي وثقتي بحكمة الله سبحانه وتعالى. فقد عرفت بأنّ الله تعالى ليس فقط خالقي، بل هو أيضاً أعزّ (أصدقائي) ولذلك فأنا على يقينٍ بأنَّه تعالى سيكون دائماً إلى جانبي، وأنَّه لن يتخلّى عني أبداً. فكلّ خطوةٍ أخطوها تجاهه سبحانه وتعالى يخطو مقابلها تجاهي عشراً؛ وكم هو جميلٌ أن ندرك هذا.(1/384)
حقيقة أنّ الله تعالى اختبرني -كما وعد بأن يختبر المؤمنين- ولكنّه أنعم عليّ أكثر مما كان بإمكاني أن آمل. فقبل بضع سنوات أخبرني الأطباء بأنّ لديَّ سرطاناً مُنتشراً. وأوضحوا لي بأنَّه لا يمكن علاجه حيث كان قد تطوَّر لدرجةٍ كبيرة، وعملوا على تهيئتي للموت بإيضاحهم لي مراحل تطوُّر المرض، وأخبروني أنَّه ربما بقي لي سنةً من العمر. كنت قلقةً من أجل أطفالي -وخاصة الأصغر عمراً – فمن ذا الذي سيعتني بهم؟ ومع هذا فلم أقنط من رحمة الله تعالى، وفي النهاية فكلُّنا صائرٌ إلى الموت. وكنت مُتيقِّنةً في قلبي بأنّ الألم الذي كنت أُعانيه يحوي الكثير من البركة.
وأذكر وفاة أحد الأصدقاء -وهو كريم الميساوي الذي مات بالسرطان حين كان في العشرينات من عمره- وفي سكرات الموت الأخيرة كان يبدو عليه الحزن والألم بطريقةٍ لا تُصدَّق، ولكنَّه كان يُشعُّ بحبِّ الله تعالى، وقال لي: "إنّ الله تعالى حقّاً رحيم؛ فهو سبحانه وتعالى يريد لي أن أدخل الجنَّة بكتابٍ نظيف". فعلّمني بموته حبّ الله تعالى لعباده ورأفته بهم، وأعطاني بذلك شيئاً للتأمُّل، فهذا يُعتبر من الأمور التي يَندُر أن يناقشها الناس!(1/385)
ولم أنتظر طويلاً لأرى النِّعم التي كانت تحلُّ عليَّ من الله تعالى. فالأصدقاء الذين يحبونني كانوا يظهرون من حيث لا أدري. ثمّ أنعم الله تعالى عليَّ بتأدية فريضة الحج. وتعلّمت مدى أهميّة أن نشارك الآخرين حقيقة الإسلام. ولم أكن أهتمُّ إذا كان الناس الذين أتحدَّث إليهم من المسلمين أو من غيرهم، أو إذا كانوا يتفقون معي أم يختلفون، أو إذا كانوا يحبونني أم يكرهونني؛ فقد كانت الموافقة التي أنشُدُها هي موافقة الله تعالى، وكان الحبُّ الوحيد الذي أحتاجه هو حبُّ الله تعالى. ولكنِّي مع هذا اكتشفت بأنّ الناس كانوا يحبونني أكثر وأكثر دون سببٍ واضح. فتذكرت ما قرأته بأنّ الله تعالى إذا أحبَّ عبداً فإنَّه يُلقي له القَبول في الأرض. فأنا لا أستحق كلّ هذا الحب، ولكن لا بدَّ وأنّ هذه نعمةٌ أخرى من نِعَمِ الله تعالى... الله أكبر!
لا توجد الكلمات التي تستطيع أن تُعبِّر عن مدى تغيُّر حياتي بالإسلام، فأنا سعيدةٌ جدّاً بكوني مسلمة. فالإسلام هو حياتي. والإسلام هو نبض قلبي. والإسلام هو الدَّم الذي يجري في عروقي. والإسلام هو قوّتي. والإسلام هو الذي جعل حياتي في غاية الرَّوعة والجمال. فأنا بدون الإسلام لا أساوي شيئاً، فلو حصل -لا قدَّر الله- وتخلّى الله عني لما استطعت البقاء. "اللهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبِي نُوراً وَفيِ بَصَرِي نُوراً وَفي سَمْعي نُوراً وَعَنْ يَميِنِي نُوراً وَعَنْ يَسَارِي نُوراً وَفَوْقِي نوراً وَتَحْتِي نُوراً وَأمَامي نُوراً وَخَلْفي نُوراً وَاجْعَلْ لي نُوراً". (صحيح البخاري).(1/386)
"رَبِّ اغْفِر لي خَطيئتَي وَجَهْلي وَإسْرَافي في أمْري كُلّه، وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي. اللهُمَّ اغفر لي خَطَايَايَ وَعَمْدي وَجَهْلي وَهَزْلِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي. اللهُمَّ اغْفْر لي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ. أنتَ المُقَدِّمُ وَأنْتَ المُؤَخِّرُ وَأَنْتَ علَى كُلّ شَيءٍ قديِر". (صحيح البخاري).
أختكم في الله . أمينة أسيلمي
***
61- أنطوان الأشقر. من مسيحي ماركسي إلى داعية إسلامي بالبرازيل
من مسيحي ماركسي يحب اللينينية ويخلص لها من خلال انتمائه إلى الحزب الشيوعي البرازيلي إلى داعية إسلامي يعمل على نشر الدعوة .. تلك الكلمات تلخص قصة الداعية انطوان علي الأشقر في البرازيل الذي ينحدر من مدينة السانتوس بولاية ساو باولو. وهو من مواليد 1971، ويعمل مشرفا على جهاز الذبح الحلال التابع لمركز الدعوة الإسلامية.
تسلل الصراع الي داخله- كما يقول الأشقر - جاء مع كثرة التساؤلات حول الكون ومن خلقه وهو صغير يدرس بالمدارس الكاثوليكية البرازيلية، حيث كان أبيه يرغب في أن يصبح ابنه قسيسا. غير أنه مع دخوله الجامعة بدا يميل نحو الماركسية التي كانت آنذاك تكتسح الجامعات البرازيلية. وتحول في هذه الفترة إلى ناشط حركي في الحزب الشيوعي البرازيلي مؤمن بحقوق الفقراء ورفض سطوة الرأسمالية.
ويقول الأشقر "كنت أقوم بتوزيع منشورات ماركس وأنجلز ولينين واستالين داخل المدارس والثانويات العامة، وبهذه الحركة والنشاط عينت رئيسا للقسم الثقافي والناطق الرسمي للحزب الشيوعي البرازيلي في مدرستي ثانويتي، وكنت أردد هذه المقولة دائما: قلبنا أحمر ،بمعني أن الإنسان خلق شيوعيا بالفطرة".
ويتابع "في أواخر الثمانينيات رشح الحزب الشيوعي البرازيلي السيد باولوفريري إلى رئاسة الجمهورية ، وكنت له الذراع الأيمن في الحملة الانتخابية نظرا لإيماني المطلق حينها بالتيار الماركسي".(1/387)
من أم كلثوم إلى الإسلام :
ويحكي الأشقر أسباب تحوله إلى الإسلام مشيرا إلى أن البداية كانت بسماع الأغاني العربية لأم كلثوم وغيرها وهو ما دفعه هو لمحاولة تعلم اللغة العربية، وهو ما قاده للتعرف على الإسلام في نهاية المطاف. ويقول "كنت أتسامر أنا وصديق لي في أحد الجلسات الماجنة ونستمع لنغمات عبد الحليم حافظ وسيدة الطرب العربي أم كلثوم، وعبر هذه الأغاني العربية أحببت أن أتعلم هذه اللغة حتى نعي ما بهذه الأشرطة، والذي يطرب لها صديقي".
و "طلبت من صديقي مساعدتي لتعلم اللغة العربية، فأخذني على مسجد بمدينة "تاوبته" فاستقبلنا شيخ المسجد بلباسه العربي الأنيق ،فانشرح صدري لشخصيته المتميزة وقدرته على الإقناع حتى ظننته ماركسيا مثلي وكان اسمه إذا لم تخني الذاكرة الشيخ محمد حسان عارف عجاج وهو سوري، فبدأت قصتي معه في تعلم العربية".
نطق الشهادتين بالسعودية :
ومن خلال هذه الأجواء بدأ الأشقر يتعرف على الإسلام ويستفسر عن معناه وماذا يحمل وهنا يقول "بدأت من تلقاء نفسي نقارن بين المسيحية والنظرية الماركسية والإسلام وفي الأخير رضيت بالإسلام ديني عن وعي وحب واختيار لأسباب منها سهولة الوصول إلى الرب في الإسلام، بحيث ليس هناك واسطة بينك وبينه "َإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ".
وأعلن الأشقر الشهادتين والتزم بفرائض الإسلام أثناء مشاركته في دورة شرعية نظمتها المملكة العربية السعودية في برازيليا، العاصمة السياسية للبرازيل ، ثم التحق بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ليتعمق أكثر في الإسلام.(1/388)
وبعد العودة من المملكة، يقول الداعية "الأشقر": "قضيت في المملكة 8 سنوات وعدت إلى البرازيل داعية إلى الله تعالى لأقوم بواجبي تجاه هذا الدين، حيث ألقي المحاضرات في الجامعات والمساجد والمدارس، حتى في النوادي الماسونية والمعابد اليهودية.. نظرا للحرية الدينية المطلقة التي يحميها القانون البرازيلي".
لكن الأشقر -كما يقول- يواجه معوقات عديدة خاصة ممن يرفضون قيامه بالدعوة للإسلام لاسيما في ظل أجواء تربط بين العنف والإسلام،كما أن بعض البرازيليين أحيانا ما يعودون إلى دينهم القديم بعد أن كانوا قد دخلوا في الإسلام .غير أن الأشقر لازال يواصل نشاطه الدعوي في المساجد والمدارس والجامعات، فضلا عن نشاطاته الدعوية المكثفة عبرالشبكة العنكبوتية (الأنترنت).
***
62- قصة إسلام أيرين
أكتب قصتي هذه بنيّة أن تكون خالصة لوجه الله تعالى، فلعلّها تساعد أحد الذين يبحثون عن الحقيقة، فيعرفون أنهم سيجدونها في الإسلام.(1/389)
لقد أعلنت إسلامي قبل سبع سنوات، والحمد لله. في البداية عرفت شيئاً من الإسلام عن طريق صديقة لي في الجامعة، فقد أنهيت المدرسة الثانوية معتقدة بأن القرآن الكريم كتاب اليهود، وأن المسلمين وثنيون يعبدون الأصنام. ولم تكن لديّ رغبة في تعلُّم دين جديد. وكنت أومن بفكرة أساسية تقول: "بما أن الولايات المتحدة هي الدولة رقم واحد، فإن ذلك يعني أنّ لدينا الأفضل من كل شيء وحتى الدين". ومع أنني كنت أعلم بأن المسيحية ليست ديناً مثاليّاً، لكني كنت أعتقد بأنها أفضل ما هو موجود، وكان لديّ دائماً رأي بأن الإنجيل على الرغم من أنه يحوي كلام الله تعالى فإنه أيضاً يحوي كلام البشر ممن دوَّنوه. وكنت في كل مرة أقرأ فيها الإنجيل أمُرُّ -وبمشيئة الله تعالى- على فقرات هي حقّاً غريبة وقذرة. ولم يكن بإمكاني أن أفهم كيف يمكن أن يقوم أنبياء الله تعالى -عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، وحاشاهم- بفعل تلك الأفعال الكريهة في حين أنّ هناك الكثير من الناس العاديين الذين يعيشون حياتهم كلها حتى دون أن يخطر ببالهم فعل مثل تلك الأفعال غير الأخلاقية المقرفة. كتلك الأفعال المنسوبة للنبي داوود، وسليمان، ولوط وغيرهم -عليهم جميعاً صلوات الله تعالى وسلامه-. وأذكر حين كنت أسمع في الكنيسة أنه إذا كان الأنبياء يفعلون مثل تلك الذنوب والفواحش، فكيف باستطاعتنا نحن الناس العاديين أن نكون أفضل منهم ؟! ونتيجة لذلك -كما يدَّعون- كان يجب على المسيح -عليه الصلاة والسلام- أن يموت على الصليب للتكفير عن ذنوبنا، لأننا ضعفاء ولم نستطع أن نصون أنفسنا بأنفسنا.(1/390)
ثم بدأتُ الصراع مع مفهوم الثالوث، مُحاوِلةً أن أفهم كيف أنّ إلهي ليس واحداً، ولكن ثلاثة في آن معاً. فأحدهم خلق الكون، والثاني أريق دمه لتكفير ذنوبنا، وحول الثالث وهو الروح القدس-عليه السلام-كان السؤال ما يزال قائماً... ومع ذلك فكلهم متساوون ؟! عندما كنت أصلّي للإله، كان في مخيلتي صورة محددة لشيخ كهل حكيم بثوب فضفاض يسكن فوق السحاب. وعندما كنت أريد أن أصلّي للمسيح -عليه الصلاة والسلام- كنت أتصوره شابّاً ملتحياً ذا شعر أشقر ذهبي وعينين زرقاوين. أما بالنسبة للروح القدس -عليه السلام- فقد كان باستطاعتي فقط أن أناشد إلهاً تحيطه الألغاز، لأني لم أكن متأكدة من طبيعة مهامه. ولذلك لم أكن أشعر مطلقاً بأني أصلي لإله واحد. ولكني مع ذلك كنت أتوجه مباشرة إلى الله تعالى حين كنت أجد نفسي في ضيق، لأني كنت متأكدة بأن هذا هو الرهان الأفضل.(1/391)
عندما بدأت بحثي في الإسلام لم يكن لديّ مشكلة في التوجه في الصلاة مباشرة إلى الله تعالى، فقد كان هذا شيئاً طبيعيّاً. إلا أنني كنت خائفة من التخلي عن إيماني بالسيد المسيح -عليه الصلاة والسلام - ولذلك أمضيت الكثير من الوقت في التأمل حول هذا الموضوع. وبدأت قراءة التاريخ المسيحي بحثاً عن الحقيقة. وعندما تعمّقت أكثر في دراستي بدأت أرى بوضوح أكبر التشابه بين تقديس وتضحية المسيح -عليه الصلاة والسلام- وبين الأساطير اليونانية القديمة التي تعلّمتها في المدرسة الثانوية، حيث يتفق الإله مع امرأة من البشر لإنتاج مولود يمكن أن يكون نصف إله ويملك بعض صفات الإلوهية، وأدركت أن هذه المقاربة كانت مهمة جدّاً لـ (بولس) لكي يجعل اليونان الذين كان يدعوهم يقبلون الديانة المسيحية، وعرفت أن بعض أتباعه كانوا لا يوافقونه على هذه الأساليب. فقد بدا لـ (بولس) أن من الممكن أن يكون هذا شكلاً أفضل للعبادة بالنسبة لليونانيين من شكل التوحيد الصارم الذي يفرضه العهد القديم. ولا يعلم ما الذي كان يحصل حينها بالضبط إلا الله تعالى وحده.
وحتى عندما كنت في المدرسة الثانوية، كانت لديّ صعوبات في فهم بعض المسائل المسيحية. وهناك أمران اثنان على وجه الخصوص سبَّبا لي إزعاجاً كبيراً:
الأمر الأول:
كان التناقض المباشر بين النصوص في العهد القديم والجديد. فقد كنت دائماً آخذ الوصايا العشر على أنها من المسلَّمات، فهي قوانين واضحة يريدنا الله تعالى أن نلتزم بها ونتبعها. مع أن توجُّهنا في العبادة للسيد المسيح -عليه الصلاة والسلام- كان يخرق الوصية الأولى تماماً، باتخاذنا شريكاً لله تعالى. ولم يكن بإمكاني أن أفهم أبداً لماذا غيَّر الله العليم-سبحانه وتعالى- رأيه بخصوص الوصية الأولى !
أما الأمر الثاني:(1/392)
فكان بخصوص التوبة. ففي العهد القديم طُلب من الناس أن يتوبوا من ذنوبهم؛ أما في العهد الجديد فلم يعد ذلك مهمّاً، حيث إن السيد المسيح -عليه الصلاة والسلام- قد ضحَّى بنفسه ليكفِّر عن ذنوب الناس. ولذلك لم يقم (بولس) بدعوة مستمعيه للتوبة من ذنوبهم، بل أعلن انتصار الإله على الآثام بصلبه السيد المسيح عليه السلام. فقد برزت في رسالة بولس إلى مؤمني روما الطبيعة المتطرفة للقوة الإلهية بوضوح وذلك بتأكيده على أن الله تعالى -بموت المسيح على الصليب- قام بالقضاء على كل الشرور -سبحانه وتعالى عما يصفون- فالناس ليسوا مدعوين لعمل الخير لكي يرضى الله تعالى عنهم! إذن فما هو الدافع الذي يمكن أن يكون لدينا لكي نكون أناساً طيبين؟! بالإضافة إلى أن كون الإنسان سيّئاً يمكن أن يكون فيه الكثير من المتعة ! فما كان من المجتمع إلا أن أعاد تعريف قيم الخير والشر.(1/393)
فلو سألنا أي خبير في رعاية الأطفال فإنه سيقول لنا بأن الأطفال يجب أن يتعلموا بأنّ لأفعالهم نتائج، وهم يشجعون الآباء على أن يسمحوا لأطفالهم بتجربة نتائج أفعالهم واقعيّاً. وبما أن الأفعال في المسيحية ليس لها نتائج، بدأ الناس يتصرفون مثل الأطفال فاسدي التربية؛ مطالبين بالحق في عمل ما يسرّهم، ومطالبين في الوقت ذاته بحب الله تعالى وحب الناس وقبولهم غير المشروط لكل سلوكياتهم حتى الحقير منها! إذن ليس غريباً أن سجوننا قد امتلأت حتى فاضت؛ وأن الآباء لا يستطيعون أن يسيطروا على سلوكيات أبنائهم. مع أن هذا لا يدعونا للقول بأننا في الإسلام نؤمن بدخول الجنة نتيجة لأعمالنا فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم بيّن لنا بأننا سوف ندخل الجنة برحمة الله تعالى والدليل هو ما جاء في الحديث الذي رواه أبوهريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لن يُنجيَ أحداً منكم عملُه. قال رجل: ولا إياك يا رسول الله! قال: ولا إياي، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة ولكن سدِّدوا" (صحيح مسلم، رقم 5036).
ولهذه الأسباب لم أكن أعرف حقّاً من هو الله تعالى. فإذا لم يكن السيد المسيح -عليه الصلاة والسلام- إلهاً مستقلاًّ، ولكن جزءاً من الله تعالى فقط، إذن لمن كان يضحِّي؟! ولمن كان يصلّي في ذلك البستان؟! وإذا كان ذا طبيعة مستقلة عن الله تعالى، فإن هذا يتضمن تركنا لحقيقة التوحيد، وهو ما يناقض تعاليم العهد القديم. كان كلُّ ذلك مربكاً ففضلت أن لا أفكر به، وأدركت حقيقة أني لم أستطع فهم ديني.(1/394)
عند هذا المنعطف بدأتْ نقاشاتي الدينية في الجامعة مع زوج المستقبل ... سألني أن أوضح له مفهوم الثالوث. وبعد عدة محاولات فاشلة لكي أفعل ذلك، لوَّحت بيدي في الهواء -كدليل على الإخفاق- مدعية بأني لست عالمة في اللاهوت! وعلى هذا أجابني: "وهل يجب أن تكوني عالمة في اللاهوت لتفهمي الأساس الذي يقوم عليه دينك؟! آآآه" كان هذا مؤلماً حقّاً؛ ولكن الحقيقة تؤلم أحياناً. فحاولت عندئذ -وبطريقة عقلانية بهلوانية- أن أتفكَّر: "من هو الإله الذي أعبده حقيقة؟" واستمعت له بتذمر عندما حدثني عن وحدانية الله تعالى. وأنه سبحانه وتعالى لم يغيّر رأيه بخصوص الوصية الأولى، بل أكمل رسالته للإنسانية من خلال النبي محمد صلى الله عليه وسلم . فكان عليّ الاعتراف بأن ما قاله كان له وقع معقول . فإن الله تعالى أرسل رسله على التعاقب ولقرون عديدة، لأن الناس كانوا ينحرفون عن الطريق ويحتاجون إلى الهداية . ولكني حتى عند هذه النقطة أخبرته بأنه يمكنه أن يحدثني عن دينه من أجل المعلومات العامة فقط، وقلت له: "لا تحاول أن تدخلني الإسلام، لأنك لن تنجح بذلك أبداً" ، فأجابني: "لن أفعل، ولكني أريد فقط أن تتفهمي المجتمع الذي أتيتُ منه، ومن واجبي كمسلم أن أفعل ذلك". وفعلاً لم يقم هو بإدخالي الإسلام، بل شرح الله تعالى صدري للدين الحق والحمد لله.(1/395)
في هذه الفترة أعطتني صديقة لي ترجمة للقرآن الكريم وَجَدَتهْا في إحدى المكتبات. ولم تكن تعلم بأن الذي عمل على هذه الترجمة كان يهوديّاً عراقيّاً غرضه إبعاد الناس عن الإسلام وليس لمساعدتهم في فهم القرآن الكريم. وعندما قرأت الكتاب بدا لي مربكاً، فوضعت دوائر وخطوطاً حول وتحت الفقرات التي أردت أن أسأل صديقي المسلم عنها. وعندما عاد من إجازته في الخارج وضعت الكتاب في يدي ووجهت له أسئلة كثيرة، ولكنه أوضح لي وبهدوء أن تلك الأمور لم تكن من القرآن الكريم. وأعلمني بالمعنى الحقيقي لكلّ الآيات التي سألت عنها وعن أسباب نزولها. ثم وجد لي ترجمة جيدة للقرآن الكريم.وما زلت أذكر حين كنت أجلس وحيدة أقرأ القرآن الكريم باحثة عن أخطاء أو استفسارات. فكنت كلما أقرأ أكثر تصبح قناعتي أكبر بأن هذا الكتاب لا يمكن أن يكون له إلا مصدر واحد إنه الله تعالى. قرأت عن رحمة الله تعالى وعن قدرته على مغفرة كل الذنوب -إلا أن يُشرك به- فبدأت أبكي، بل كان نحيباً من أعماق قلبي. بكيت لجهلي ولفرحتي بأني أخيراً وجدت الحقيقة. وعندها أدركت أني تغيّرت وإلى الأبد. وكنت مندهشة من الحقائق العلمية في القرآن الكريم، والتي لم تؤخذ من التوراة والإنجيل -كما يدّعي البعض- فأنا في ذلك الوقت كنت قد حصلت على درجتي العلمية في علم الأحياء الدقيقة (الميكروبيولوجي)، فأعجبت بشكل خاص بوصف القرآن الكريم لعملية نمو الجنين وأشياء أخرى. وحالما أصبحت متأكدة بأن القرآن الكريم حقّاً من عند الله تعالى، قررت أن أعتنق الإسلام ليكون ديني. كنت أعلم أن ذلك لن يكون سهلاً، ولكن لا شيء يمكن أن يكون نافعاً أكثر من هذا الدين.(1/396)
تعلّمت أن الخطوة الأولى والأكثر أهمية لدخول الإسلام هي أن أشهد "بأن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ". وبعد أن فهمت أن السيد المسيح -عليه الصلاة والسلام- كان رسولاً من عند الله تعالى لبني إسرائيل ليعيدهم إلى صراط الله تعالى المستقيم بعد أن ضلّوا السبيل، لم يكن لديّ صعوبة مع المفهوم الذي يقوم على عبادة الله تعالى وحده. ولكني حينها لم أكن أعرف من هو محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم أكن أفهم لماذا يتوجّب علينا إتباعه. وأدعو الله تعالى أن يبارك في كل أولئك الذين ساعدوني لأفهم وأقدّر حياة نبينا صلى الله عليه وسلم خلال السنوات السبع الماضية؛ فقد تعلمت أن الله تعالى أرسله ليكون قدوة ومثالاً للبشرية جمعاء، فجعله مثالاً لنا جميعاً لكي نتّبعه ونقلّده في كل شؤون حياتنا. فقد كان خُلُقُهُ القرآن صلى الله عليه وسلم. وأدعو الله تعالى أن يهدينا جميعاً لنعيش كما علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
***
63- قصة إسلام سوزان كارلاند
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين.
دعونا نتدبر و نتأمل هذه القصة الحقيقية.
الصحفي مارتين فلانجان يتحدث إلى سوزان كارلاند ، الحاصلة على جائزة المسلمة الأسترالية لهذه السنة. نشأت سوزان كارلاند في منطقة فيرمونت حيث لا تزال في ذاكرتها ذكريات لطيفة متعلقة بهذا المكان وتقول كم هو الأمر لطيفا عندما أحاول أن أكرر نفس التجربة مع ابنتي حيث أخذها إلى البحيرات التي كانت تأخذني أمي إليها حيث كنت أقضي وقتا لطيفا في إطعام البط.(1/397)
يتحدث مارتن فلانجان قائلا " نحن الآن في منزل سوزان كارلاند حيث ترتدي تنورة من القطن وقميص طويل الأكمام وحجاب لونه أزرق على النقيض مما كانت علية منذ فترة قصيرة وتتمتع سوزان بطاقة كبيرة وروح المرح حيث تضع صوراً لمشاهير الفكاهة من بين الذين لهم الأثر الكبير في تكوين شخصيتها ومع ذلك فهي تبدوا متعبة حيث كثيرا ما توقظها ليلا ابنتها ذات العشر شهور .
انفصلا والدي سوزان عندما كانت في السابعة من عمرها و ذهبت سوزان لتعيش مع أمها التي تصفها بالقوة والمودة وأنها كانت لها الأثر الكبير في حياتها .
وتوصف هذه الأم بأنها مسيحية متزمتة تحمل أفكار قساوسة متزمتين من أمثال جون شلبي سبونج. عندما كانت سوزان طفلة كانا والديها ينتميان إلى الكنيسة المتحدة. :كانت سوزان تذهب إلى مدارس الأحد ولكنها ابتعدت عن دروس الأحد لتهتم بأغاني الفيديو وذلك عندما كان عمرها أثنى عشر عاما وتستطرد سوزان " أنا أمنت بالله . أنا دائما أشعر بالرغبة في معرفة الله " . وعندما كانت في الرابعة عشر من عمرها انضمت إلى كنيسة تنفرد بطابع خاص يتمثل في ادعاء أفرادها بأن الله يتحدث إليهم ليلاً وكان أمراً غريبا بل مستنكراً لديها وامتلأت حيرة من تلك الطريقة لمعرفة الله المحيط بكل شيء وعلى خلاف المعهود إذ بها تتحول إلى نهج المراهقين الذي يتمثل في حضور الحفلات البالية والحفلات الكبرى والخروج في رحلات طويلة كما توقفت عن حضور دروس علم البيولوجي والانجليزي.
وعندما كانت في السابعة عشرة من عمرها كان من بين قراراتها في عامها الجديد هو البحث في الأديان ولم يكن الإسلام في المقام الأول في حيز تفكيرها فهو يبدو لها ( أو صُور لها ) على أنه دين عنيف وغريب وشهواني وكل ما كانت تعرفه عن الإسلام هو جملة كانت قد قرأتها في موسوعة الأطفال والسينما وكانت أمها دائماً تقول لها فيما بعد " أنها تفضل لها أن تتزوج من بائع مخدرات عن أن تتزوج من مسلم".(1/398)
وتستطرد سوزان قائلة أنها لاتعرف إن كانت هي التي وجدت الإسلام أم الإسلام الذي وجدها . حيث تصور حكايتها من لحظة بدأ تشغيل التلفاز لمشاهدة برنامج ويجذب انتباهها مقالات في المجلات والصحف وعلى نحو خاص تبدأ في دراسة الدين الإسلامي حتى تقف على رحمة ومودة تقول عنها أنها أبدا ما توقعت أن تجدها.
وبدرجة كبيرة من الأهمية راق لها الإسلام حيث لا يوجد فيه الفصل بين العقل والجسد والروح كما في المسيحية .وعندما قررت أن تسلم أخذت تشحذ همتها لتخبر الأصدقاء والعائلة خصوصا أمها , مؤجلة تلك اللحظة حتى تدخل القدر ذات ليلة عندما أعلنت أمها أنهم سيتناولون شرائح من لحم الخنزير في ذلك العشاء وهنا بكت أمها وعانقتها وبعد ذلك بعدة أيام لبست سوزان الحجاب.
وعن الحجاب تقول سوزان أنه مبالغ فيه إذا ما قورن بالإسلام حيث أن الإسلام يمس كل شكل في حياتك وبالنسبة لي فالإسلام علامة تذكرني بأنني قريبة من الله ويجعل المرأة رمزا للإسلام أو سفيرا له. وتقول أنها كثيرا ما كانت تلقى المضايقات في الشارع بسبب إسلامها وأبتعد عنها بعض من أصدقائها المقربين ولكن الآن بعد خمسة سنوات بلغت الرابعة والعشرون فإن لديها أصدقاء مسلمون وغير مسلمون ولديها زوجها المسلم الاسترالي المولد الذي يعمل في معسكرات قريبة من ريشموند وقد حصلت على درجة جامعية علمية في الآداب والعلوم وتود أن تصبح عالمة اجتماع. أنها تعتقد أن قدرها في الحياة ألا تستسلم أو تخضع. فحجابها يعنى التعليقات الوقحة وكثيراً من النظرات في الشارع. وتفكر في ارتداء قميص مكتوب عليه " إذا ظللت تنظر إلى فستلقى ردا مناسباً. وفى نفس الوقت لا تزال تجد نفسها في جدال داخل المجتمع المسلم بشأن دور المرأة.
تعتقد أن هدفها الأسمى هو العمل بالمساجد حيث كانت المرأة باستمرار بمنأى عن هذا مع أن هناك الكثيرات اللواتي يمكن أن يقمن بذلك ولكن هذا كان محظور حيث ظل هذا الأمر مقصورا فقط على الرجال .(1/399)
وكثيرا ما كانت تصاب بالإحباط بسبب بعض الاتجاهات داخل المجتمع الإسلامي بسبب مسائل تتعلق بالجنس أو العرق. وهى تعتقد أن الإسلام الحقيقي هو ما تطالب به هي ومجموعة نسائية تزداد أعدادها باستمرار. إنها عضو فعال داخل المجتمع الإسلامي تتحدث باسم الإسلام في الكنائس والمدارس غير الإسلامية كما تعمل في مساعدة اللاجئين .
وعند ما أخبرناها بأنها فازت بلقب " مسلم هذا العام "وهى جائزة تقدر بـ2000دولار توزعها في المؤسسات الخيرية, قبلت ذلك بشرط أن تنفق هذا المال في أستراليا على منظمات إسلامية وغير إسلامية .
إن حياتها لم تكن دوما مستقرة ولكنها كما تقول إنها اعتادت على عدم الاستسلام, إنها لم تندم أبدا على التحول إلى الإسلام .
***
64- قصة إسلام محمد الصغير(1/400)
قال: كنت يومئذ صغيراً، لا أفقه شيئاً مما كان يجري في الخفاء، ولكني كنت أجد أبي ـ رحمه الله ـ يضطرب، ويصفر لونه ، كلما عدت من المدرسة، فتلوت عليه ما حفظت من " الكتاب المقدس "، وأخبرته بما تعلمت من اللغة الإسبانية، ثم يتركني ويمضي إلى غرفته التي كانت في أقصى الدار، والتي لم يكن يأذن لأحد بالدنو من بابها، فلبث فيها ساعات طويلة، لا أدري ما يصنع فيها، ثم يخرج منها محمر العينين، كأنه كان بكى بكاءً طويلاً، ويبقى أياماً ينظر إلىَّ بلهفة وحزن، ويحرك شفتيه، فعل من يهم بالكلام، فإذا وقفت مصغياً إليه ولاّني ظهره وانصرف عني من غير أن يقول شيئاً، وكنت أجد أمي تشيعني كلما ذهبت إلى المدرسة، حزينة دامعة العين وتقبلني بشوق وحرقة، ثم لا تشبع مني، فتدعوني فتقبلني مرة ثانية، ولا تفارقني إلا باكية فأحس نهاري كله بحرارة دموعها على خدي، فأعجب من بكائها ولا أعرف له سبباً، ثم إذا عدت من المدرسة استقبلتني بلهفة واشتياق، كأني كنت غائباً عنها عشرة أعوام، وكنت أرى والديّ يبتعدان عني، ويتكلمان همساً بلغة غير اللغة الإسبانية، لا أعرفها ولا أفهمها، فإذا دنوت منهما قطعا الحديث، وحوّلاه، وأخذا يتكلمان بالإسبانية، فأعجب وأتألم، وأذهب أظن في نفسي الظنون، حتى أني لأحسب أني لست ابنهما، وأني لقيط جاءا به من الطريق، فيبرح بي الألم، فآوي إلى ركن في الدار منعزل، فأبكي بكاءً مراً. وتوالت علي الآلام فأورثتني مزاجاً خاصاً، يختلف عن أمزجة الأطفال، الذين كانوا في مثل سني، فلم أكن أشاركهم في شيء من لعبهم ولهوهم، بل أعتزلهم وأذهب، فأجلس وحيداً، أضع رأسي بين كفي، واستغرق في تفكيري، أحاول أن أجد حلاً لهذه المشكلات.. حتى يجذبني الخوري من كم قميصي، لأذهب إلى الصلاة في الكنسية.(1/401)
وولدت أمي مرة، فلما بشرت أبي بأنها قد جاءت بصبي جميل، لم يبتهج، ولم تلح على شفتيه ابتسامة، ولكنه قام بجر رجله حزيناً ملتاعاً، فذهب إلى الخوري، فدعاه ليعمد الطفل، وأقبل يمشي وراءه، وهو مطرق برأسه إلى الأرض، وعلى وجهه علائم الحزن المبرح، واليأس القاتل حتى جاء به إلى الدار ودخل به على أمي.. فرأيت وجهها يشحب شحوباً هائلاً، وعينيها تشخصان، ورأيتها تدفع إليه الطفل خائفة حذرة.. ثم تغمض عينيها، فحرت في تعليل هذه المظاهر، وازددت ألماً على ألمي.
حتى إذا كان ليلة عيد الفصح، وكانت غرناطة غارقة في العصر والنور، والحمراء تتلألأ بالمشاعل والأضواء، والصلبان تومض على شرفاتها ومآذنها، دعاني أبي في جوف الليل، وأهل الدار كلهم نيام، فقادني صامتاً إلى غرفته، إلى حرمه المقدّس، فخفق قلبي خفوقاً شديداً واضطربت، لكني تماسكت وتجلدت، فلما توسط بي الغرفة أحكم إغلاق الباب، وراح يبحث عن السراج، وبقيت واقفاً في الظلام لحظات كانت أطول عليّ من أعوام، ثم أشغل سراجاً صغيراً كان هناك، فتلفتّ حولي فرأت الغرفة خالية، ليس فيها شيء مما كنت أتوقع رؤيته من العجائب، وما فيها إلا بساط وكتاب موضوع على رف، وسيف معلق بالجدار، فأجلسني على هذا البساط، ولبث صامتاً ينظر إليّ نظرات غريبة اجتمعت علي، هي، ورهبة المكان، وسكون الليل، فشعرت كأني انفصلت عن الدنيا التي تركتها وراء هذا الباب، وانتقلت إلى دنيا أخرى لا أستطيع وصف ما أحسست به منها.. ثم أخذ أبي يدي بيديه بحنو وعطف، وقال لي بصوت خافت:
يا بني، إنك الآن في العاشرة من عمرك، وقد صرت رجلاً، وإني سأطلعك على السر الذي طالما كتمته عنك، فهل تستطيع أن تحتفظ به في صدرك، وتحبسه عن أمك وأهلك وأصحابك والناس أجمعين؟ إن إشارة منك واحدة إلى هذا السر تعرض جسم أبيك إلى عذاب الجلادين من رجال " ديوان التفتيش" .(1/402)
فلما سمعت اسم ديوان التفتيش ارتجفت من مفرق رأسي إلى أخمص قدمي، وقد كنت صغيراً حقاً، ولكني أعرف ما هو ديوان التفتيش، وأرى ضحاياه كل يوم، وأنا غاد إلى المدرسة ورائح منها ـ فمن رجال يصلبون أو يحرقون، ومن نساء يعلقن من شعورهن حتى يمتن، أو تبقر بطونهن، فسكتُ ولم أجب.
فقال لي أبي : مالك لا تجيب! أتستطيع أن تكتم ما سأقوله لك؟
قلت: نعم
قال: تكتمه حتى عن أمك وأقرب الناس إليك؟
قلت: نعم
قال: أقترب مني. أرهف سمعك جيداً، فإني لا أقدر أن أرفع صوتي. أخشى أن تكون للحيطان آذان، فتشي بي إلى ديوان التفتيش، فيحرقني حياً.
فاقتربت منه وقلت له : إني مصغ يا أبت.
فأشار إلى الكتاب الذي كان على الرف، وقال : أتعرف هذا الكتاب يا بني؟
قلت: لا
قال : هذا كتاب الله.
قلت : الكتاب المقدس الذي جاء به يسوع بن الله.
فأضطرب وقال:
كلا، هذا هو القرآن الذي أنزله الله، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، على أفضل مخلوقاته، وسيد أنبيائه، سيدنا محمد بن عبد الله النبي العربي صلى الله عليه وسلم.
ففتحت عيني من الدهشة، ولم أكد افهم شيئاً.
قال: هذا كتاب الإسلام، الإسلام الذي بعث الله به محمداً إلى الناس كافة.. فظهر هناك.. وراء البحار والبوادي.. في الصحراء البعيدة القاحلة.. في مكة في قوم بداة، مختلفين، مشركين جاهلين، فهداهم به إلى التوحيد، وأعطاهم به الاتحاد، والقوة، والعلم والحضارة، فخرجوا يفتحون به المشرق والمغرب، حتى وصلوا إلى هذه الجزيرة، إلى إسبانيا، فعدلوا بين الناس وأحسنوا إليهم، وأمنوهم على أرواحهم وأموالهم، ولبثوا فيها ثمانمائة سنة.. ثمانمائة سنة، جعلوها فيها أرقى وأجمل بلاد الدنيا.
نعم يا بني نحن العرب المسلمين..
فلم أملك لساني من الدهشة والعجب والخوف، وصحت به:
ماذا.؟ نحن؟ .. العرب المسلمين!
قال: نعم يا بني. هذا هو السر الذي سأفضي به إليك.(1/403)
نعم نحن. نحن أصحاب هذه البلاد، نحن بنينا هذه القصور، التي كانت لنا فصارت لعدونا، نحن رفعنا هذه المآذن التي كان يرن فيها صوت المؤذن، فصار يقرع فيها الناقوس، نحن أنشأنا هذه المساجد، التي كان يقوم فيها المسلمون صفاً بين يدي الله، وأمامهم الأئمة، يتلون في المحاريب كلام الله، فصارت كنائس يقوم فيها القسس والرهبان، يرتلون فيها الإنجيل.
نعم يا بني .. نحن العرب المسلمين، لنا في كل بقعة من بقاع إسبانيا أثر، وتحت كل شبر منها رفات جد من أجدادنا، أو شهيد من شهدائنا. نعم .. نحن بنينا هذه المدن، نحن أنشأنا هذه الجسور، نحن مهدنا هذه الطرق، نحن شققنا هذه الترع، نحن زرعنا هذه الأشجار.
ولكن منذ أربعين سنة.. أسامع أنت؟ منذ أربعين سنة خدع الملك البائس أبو عبد الله الصغير آخر ملوكنا في هذه الديار، بوعود الأسبان وعهودهم، فسلمهم مفاتيح غرناطة، وأباحهم حمى أمته، ومدافن أجداده، وأخذ طريقه إلى بر المغرب، ليموت هناك وحيداً فريداً، شريداً طريداً وكانوا قد تعهدوا لنا بالحرية والعدل والاستقلال. فلما ملكوا خانوا عهودهم كلها، فأنشئوا ديوان التفتيش، فأدخلنا في النصرانية قسراً، وأجبرنا على ترك لغتنا إجباراً، وأخذ منا أولادنا لينشئهم، على النصرانية، فذلك سر ما ترى من استخفائنا بالعبادة، وحزننا على ما نرى من امتهان ديننا، وتكفير أولادنا.
أربعون سنة يا بني، ونحن صابرون على هذا العذاب، الذي لا تحمله جلاميد الصخر، ننتظر فرج الله، لا نيأس لأن اليأس محرم في ديننا، دين القوة والصبر والجهاد.(1/404)
هذا هو السر يا بني فاكتمه، واعلم أن حياة أبيك معلقة بشفتيك، ولست والله أخشى الموت أو أكره لقاء الله، ولكني أحب أن أبقى حياً، حتى أعلمك لغتك ودينك أنقذك من ظلام الكفر إلى نور الإيمان، فقم الآن إلى فراشك يا بني. صرت من بعد كلما رأيت شرف الحمراء أو مآذن غرناطة، تعروني هزة عنيفة، وأحس بالشوق والحزن، والبغض والحب، يغمر فؤادي، وكثيراً ما ذهلت عن نفسي ساعات طويلة فإذا تنبهت أطوف بالحمراء وأخاطبها وأعاتبها
وأقول لها:
أيتها الحمراء .. أيتها الحبيبة الهاجرة، أنسيت بُناتك، وأصحابك الذي غذوك بأرواحهم ومهجهم، وسقوك دماءهم ودموعهم، فتجاهلت عهدهم، وأنكرت ودهم؟
أنسيت الملوك الصيد، الذين كانوا يجولون في أبهائك، ويتكئون على أساطينك، ويفيضون عليك، ما شئت من المجد والجلال، والأبهة والجمال، أولئك الأعزة الكرام، الذين إن قالوا أصغت الدنيا، وإن أمروا لبى الدهر. أألفت النواقيس بعد الأذان؟ أرضيت بعد الأئمة بالرهبان؟؟
ثم أخاف أن يسمعني بعض جواسيس الديوان، فأسرع الكرة إلى الدرة لأحفظ درس العربية الذي كان يلقيه عليّ أبي، وكأني أراه الآن يأمرني أن أكتب له الحرف الأعجمي، فيكتب لي حذاءه الحرف العربي، ويقول لي: هذه حروفنا. ويعلمني النطق بها ورسمها، ثم يلقي عليّ درس الدين، ويعلمني الوضوء والصلاة لأقوم وراءه نصلي خفية في هذه الغرفة الرهيبة.
وكان الخوف من أن أزل فأفشي السر، لا يفارقه أبداً، وكان يمنحنني فيدس أمي إليّ فتسألني:
ماذا يعلمك أبوك؟
فأقول : لا شيء
فتقول: إن عندك نبأ مما يعلمك، فلا تكتمه عني.
فأقول: إنه لا يعلمني شيئاً.
حتى أتقنت العربية، وفهمت القرآن، وعرفت قواعد الدين، فعرفني بأخ له في الله، نجتمع نحن الثلاثة على عبادتنا وقرآننا.(1/405)
واشتدت بعد ذلك قسوة ديوان التفتيش، وزاد في تنكيله بالبقية الباقية من العرب، فلم يكن يمضي يوم لا نرى فيه عشرين أو ثلاثين مصلوباً، أو محرقاً بالنار حياً، ولا يمضي يوم لا نسمع فيه بالمئات، يعذبون أشد العذاب وأفظعه، فتقلع أظافرهم ، وهم يرون ذلك بأعينهم، ويسقون الماء حتى تنقطع أنفاسهم، وتكوى أرجلهم وجنوبهم بالنار، وتقطع أصابعهم وتشوى وتوضع في أفواههم، ويجلدون حتى يتناثر لحمهم.
واستمر ذلك مدة طويلة، فقال لي أبي ذات يوم: إني أحس يا بني كأن أجلي قد دنا وأني لأهوى الشهادة على أيدي هؤلاء، لعل الله يرزقني الجنة، فأفوز بها فوزاً عظيماً، ولم يبق لي مأرب في الدنيا بعد أن أخرجتك من ظلمة الكفر، وحملتك الأمانة الكبرى، التي كدت أهوي تحت أثقالها، فإذا أصابني أمر فأطع عمك هذا ولا تخالفه في شيء.
ومرّت على ذلك أيام، وكانت ليلة سوداء من ليالي السِّرار، وإذا بعمي هذا يدعوني ويأمرني أن أذهب معه، فقد يسر الله لنا سبيل الفرار إلى عدوة المغرب بلد المسلمين فأقول له : أبي وأمي.؟
فيعنف عليّ ويشدُّني من يدي ويقول لي: ألم يأمرك أبوك بطاعتي؟
فأمضي معه صاغراً كارهاً، حتى إذا ابتعدنا عن المدينة وشملنا الظلام، قال لي:
اصبر يا بني.. فقد كتب الله لوالديك المؤمنين السعادة على يد ديوان التفتيش.
ويخلص الغلام إلى بر المغرب ويكون منه العالم المصنف سيدي محمد بن عبد الرفيع الأندلسي وينفع الله به وبتصانيفه.
***
65- قصة إسلام ممرضة بالمملكة (مريم العصر)(1/406)
لما سمعت قصتها وكلامها، وهي تتحدث عن مسيرتها الجهادية، ورحلتها الإيمانية، جذبتني مواقفها، وشدتني نبرات صوتها، ورق قلبي وهي تتحشرج الكلمات في فمها، وتتساقط الدمعات من عينها، ونغص بالكلام فما تكاد تظهر لولا ثباتها ورباطة جأشها، ومعاودة الحديث عن رحلتها ومسيرتها.لقد تذكرت بحديثها موقف امرأة عمران وابنتها " مريم " (إذ قالت امرأة عمران رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) وقصتها معروفة في القرآن الكريم . لقد كنت أقرأ ذلك، ولم يكن يخطر لي على بال أن الصورة ستتكرر في القرن الخامس عشر الهجري. آجل.. لقد أعاد التاريخ ذكرياته هاهي الأخت الفلبينية " ماريا " تلدها أمها بعد حرمان، وينذرها أبوها للكنيسة، فأبوها كاثوليكي متدين، وتعيش فتاتنا صاحبة الأربعة عشر ربيعاً في أحضان الكنيسة، وتتلقى تعاليمها وطقوسها على أيدي القسس، لتصبح بعد فترة من الزمن مثقفة والعة بالدين الذي عليه أبواها وأهل بلدتها قاطبة، تقول عن نفسها: "لقد تعلمت النصرانية وبدأت التفقه في الدين" حتى أصبحت مدافعة عن الكنيسة، ومبينة لأفكارها وعقائدها، وأثمرت غرسه الأبوين، وفرحا بفتاتهم البالغة . وسارت الأمور على هذه الوتيرة، ولكن مع نمو الفتاة واتساع دائرة معرفتها وانشغالها في دراسة التمريض، واطلاعها على الحياة، أخذت تشعر بخواء روحي، فلم تعد الكنيسة تقنعها، وتلبي تطلعاتها.(1/407)
وأمام ضيق ذات اليد عند أبيها، شعر بحاجة أبنته وعملها، ولم يعد الدخل في الفلبين يكفي لسد حاجة الأسرة رغم قلة عدد أفرادها ، مما جعل الوالد يفكر في خروج أبنته إلى بلد ذي دخل طيب، وكان القدر يسوق البنت الممرضة إلى المملكة العربية السعودية، وأصبحت الأسرة أمام خيارين أحلاهما مر، كما يقال إما الفقر والحاجة، وإما السفر إلى مهد الإسلام، وبلد الحرمين الشريفين، ومعه الخوف على دين الفتاة الراهبة، واختارت الأسرة الخيار الثاني، وقامت بإعطاء الفتاة جرعات وقائية ضد الإسلام وتوصيات منفرة حتى لاتترك دينها، وتدخل في الإسلام الكريم، تقول ماريا: "وأخذت من الكنيسة تعاليم مضادة للإسلام حتى كرهت هذا الدين وتقول: "وأخذ أبوي علي عهداً أن لا اتصل بمسلم" وحفظت الفتاة الدرس، وعزمت على تنفيذ الوصية، وجاءت إلى المملكة على مضض، يراودها الأمل في الراتب والدخل ، فتسترسل في أحلام وآمال ، ويقطع أحلامها هاجس الإسلام والرعب من المسلمين، وقدمت إلى أبها في مستوصف" القابل" وتسير في عملها حذرة، تأخذ مع الزائرين والزائرات وتعطي بمقدار ماتحتاج المصلحة، ولكن طبيعة العمل فرضت عليها الانفتاح بعض الشيء، وكان نصيبها مع أخت سعودية حريصة على الدعوة تقول الأخت ماريا. "وأخذت هذه الأخت تمدني بالأشرطة والكتب" ثم شاءت إرادة الله تعالى أن تتعرف على طبيب في المستوصف فأعطاها معلومات وافية عن الإسلام.ومن حينها بدأت مسيرة الحياة.. مسيرة الإنقاذ.. مسيرة الخروج من الظلمات إلى النور، من لوثة التثليث إلى صفاء التوحيد، ومن طقوس الضلال والدجل إلى ظلال الإسلام ورحمته.أخذت القناعات تتسلل إلى قلبها وعقلها، وأخذت المقارنات بين ماكان في الكنيسة وظلماتها، وبين وضوح الإسلام وصراحته، وقررت أن تقرأ القرآن، وهي المسيحية الكاثوليكية المثقفة، وقرأته بالفعل فما الذي حدث ؟؟ تقول الأخت ماريا: "وجدت أن القرآن يخاطبني شخصياً" ثم جاء شهر رمضان.(1/408)
فأحبت في نفسها أن تجرب الصيام، بعد أن رأت جماعة المسلمين تقوم بهذه الفريضة وفعلاً صامت، فلاحظت شعوراً روحياً وزيادة ملحوظة في هذا الجانب ومن ثم تناست مهمتها" كمنصرة" واتجهت إلى الله تعالى، عرفت الطريق إلى الدين الصحيح , وجاءت إلى مركز دعوة وتوعية الجاليات بأبها لتعلن إسلامها على العالمين، وتريد تغيير اسمها إلى "مريم" تيمناً بأم عيسى – عليه السلام – وبدأت محنة اعتناق الدين الإسلامي مع الأهل والوالدين خصوصاً، ولم ترد أن تكتم إسلامها، فأخبرت والديها بذلك، فكان النبأ كالصاعقة تنزل عليهما، لقد تعبا وربيا وعلماها وغذياها بكل ما يضاد الدخول في الإسلام، أو مجرد التأثر به ولكن الله غالب على أمره، ولابد للإيمان أن يأخذ طريقه إلى النفوس الصافية الصادقة، قال لها أبوها وأمها وإخوتها بلسان واحد: "نحن بريئون منك حتى تعودي إلى دينك، ونريد منكم البقاء على دينك – بصراحة تامة – إنك تريدين أن تسببي لنا مشاكل ببقائك مسلمة " وكان موقف الأخت ثابتاً ثبوت الجبال الراسيات" ما دام الله راض عني فلا أبالي" وعندما سئلت عن تعاليم الإسلام انطلقت قائلة: "لقد مارست العبادة وشعرت بحلاوتها وخاصة الصيام" ياالله ..(1/409)
ما أجمل الإيمان حينما يخالط شغاف القلب، وما أعذب الطاعة عندما تنطلق من إيمان يملا جوانب النفس ويشرق على قسمات الوجه، وتصبغ به الحياة، وأمام هذا الإيمان واستمراريته بدأ موقف الأسرة يتراجع القهقرى ، وبدأ موقف الإيمان يعلو وتعلن الأسرة "لامانع عندنا من موقفك ودخولك في الإسلام ولكن لا نريد تغيير اسمك" ويقول الأخوة في مكتب دعوة الجاليات بأبها لها: ولا مانع من بقاء اسمك "ماريا" فهو اسم زوجة الرسول – صلى الله عليه وسلم – القبطية، قبل الإسلام وبعد الإسلام، وحين تشرفت بأن تكون زوجاً لرسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم ويستمر علو الإيمان، وتعلن الأخت "ماريا" أتمنى أن يبارك الله في قدرتي لأنقذ أبي من الكاثوليكية، وهكذا كان موقفاً مشهوداً يوم الجمعة: 24/10/1421هـ على منصة مكتب دعوة وتوعية الجاليات للفتاة المسلمة، البالغة من العمر (23) عاماً، وبعد سنة ونصف من دخولها المملكة واستجابتها لنداء الفطرة، وداعي الإسلام، ودخولها في رحابه الطاهرة.
***
http://serve.jeeran.com/a.aspx?ZoneID=217&Task=Click&Mode=HTML&SiteID=1&PageID=91657
66- كنت نصرانيا ـ قصة واقعية لشاب جزائري
الحمد لله رب السموات والأرض، الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النّور، الذي يهدي الضال ويعفو عن السيئات.
اللهمّ لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، تعرف سرّ قلبي، عليك توكلت أشهد أن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا ( صلى الله عليه وسلم) عبده ورسوله، هو أسوتي في العبادة الحقّة لله.
يظل التنصير خطرا داهما، كل مسلم مدعو لمجابهته ، ليس بالعدوان، لكن بتحصين كامل ضد هذه الآفة التي تأتي لتضاف إلى مختلف الظواهر التي تهدد مجتمعنا الإسلامي عامة، ومجتمعنا خاصة.
بعيدا أن يكون هذا الكتاب شبه اضطهاد، ما هو إلا إيقاظ لضمائر من يجهلون هذا الخطر.(1/410)
وهي نجدة للنصارى الذين – ربما – هم مرهقون بالشكوك، وهي كذلك ذكرى لأولئك الذين يصرون ويتشبثون في ضلالهم، في هذه العقيدة الخاطئة المحرّفة، والتي هي بعيدة عن أن تعتبر كرسالة حقّة من الله إلى الناس.
إذن بدافع الحبّ للحقيقة والاحترام الذي أكنّه تجاه جميع المسيحيين، خاصّة أولئك الذين كانوا في الماضي إخوة لي في الإيمان، أتوجّه إليهم بالنية الصادقة، والباعث على ذلك واجب تنبيههم تجاه الشذوذ الموجود في الإنجيل.
يا أيها النّصارى إنّي لا أشك في صدقكم، ولا في حبّكم لله، ولا في النّور الذي ترونه في كلام عيسى ( عليه الصلاة والسلام )، ولا في نشوة الإخاء التي تعيشونها معا. إنّي أطرق باب قلوبكم، ودعوني أبوح لكم بقصتي التي سأحكيها لكم بكل وفاء، لا تتسرعوا في الحكم عليّ لكن ابدؤوا أولا بفهمي. دعوا إذن جانبا أحكامكم المسبقة، ولنبحث معا عن الحقيقة بكل موضوعية، ولندعوا الله ليهدنا سواء السبيل لأنّ :" كل من يدعو يستجاب له، وكل من يبحث يجد، ويفتح لكلّ من يدق الباب " كما جاء في العهد الجديد.
...أحكي لكم شهادتي عسى أن تكون نافعة لكم، إن شاء الله، وأعلم علم اليقين، أنّي لست الوحيد الذي مرّ بهذه التجربة، والكثير من النّصارى سيعرفون أنفسهم من خلال هذه الشهادة.
(فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ) [سورة: الأعراف - الآية: 176].
سفر التكوين أو بداية المأساة :
في سنة 1995، سنة اعتناقي للنصرانية، كانت الجزائر في أوج الغليان، الركود في كل مكان وعلى جميع المستويات، منطقتنا القبائل، لم تلمسها حقا ظاهرة الإرهاب، ولكن كنّا نعيش المقاطعة الدراسية، ولست بصدد تقديم درس في التاريخ، ولكن لأصف لكم كيف كانت تلك الحالة مرتعا خصبا لأكون فريسة للتنصير.(1/411)
كان عمري آنذاك 20 سنة، وكنت طالبا ثانويا، إيماني بالله كان دائما في قلبي، ولم أشك أبدا في وجود الله، أليس كل هذا الخلق وهذا التنظيم الرائع والمنسجم للكون والحياة، يشهد على وجوده ؟! (إِنّ فِي ذَلِكَ لآيات لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ) [سورة: الرعد - الآية: 3]
لكن : " قال الجاهل في قلبه : لا يوجد إله !" ( مزامير : 14 نص 1).
عبادة الله كانت دائما بالنسبة لي أمرا محوريا وجوهريا، كنت أقول في قرارة نفسي : يوما ما حتما سألتزم في سبيل الله... أعترف أنّني كنت في تلك المرحلة لا أعرف شيئا عن الإنجيل، وأنّ معرفتي بالإسلام كانت سطحية.
لم أقرأ قط القرآن الكريم، سوى بعض السور والآيات، شيء غريب، أغلب النّاس يقرؤون مختلف الكتب التي هي أقوال البشر، ولكن لا يقرؤون القرآن، كلمة الله إلى البشر... لا نعرف أيّ " سحر " يصدّ الناس عن قراءة هذا الكتاب، هل هو مخصّص فقط للأئمة ؟!
في تلك المرحلة لم أكنّ متديّنا، ولا ممارسا لواجباتي الدينية.
كانت المطالعة تسليتي المفضّلة، فكانت بالتالي ملاذي الوحيد للهروب من الغمّ اليومي : الروتين والقلق.
لقد كانت قراءاتي عامة، تقوم أساسا على الفكرة الغربية، الفكرة التي لا تنفصل بتاتا عن أسلوب الإنجيل، فكان من الصعب جدّا الهروب من التطلّع على زيادة المعرفة بهذه العقيدة، إذ كنت ألتقي دوما بكلمات من الإنجيل، مثل : " تحابوا فيما بينكم "، " أحب الربّ من كل قلبك، بكل روحك، وبكل أفكارك ".
هذه الكلمات أثرت فيّ بعمق، لأن ميلي إلى الجانب الروحي كان مفرطا جدّا، إلى درجة أنّي كنت أصاب بالذهول أثناء قراءتها، وهذا ولّد لديّ رغبة ملحة وعارمة لقراءة الكتاب المقدّس فقط قراءته، وليس لكي أتنصّر !!.
كانت في قريتنا عائلة نصرانية جزائرية كنت لا أعرفها جيدا خاصة ربّ العائلة الذي كان يعيش في عزلة تقريبا.(1/412)
لا أدري كيف أصفهم ؟ كانوا مسالمين محترمين محبوبين...وبكلّ إيجاز واختصار : كانوا نصارى صادقين يُنَفّذون وصايا يسوع بقدر المستطاع.
فبدأ اهتمامي بهؤلاء النّصارى، يزداد أكثر حتى وضعت نصب عيني هدف تزويدي بالإنجيل فاتّصلت بابن هذا النّصراني الذي كان شابا في مثل سنّي، أخذ كل واحد منا يقترب من الآخر، وكنّا كثيرا ما نتحدث عن مواضيع روحية حتّى أصبحنا متجاوبين معا، إلى غاية اليوم الذي وعدني فيه بإحضار العهد الجديد وكتاب حكم سليمان.
وهو ذاهب إلى السفر أوصى والديه بإعطائي الكتب، اليوم الذي بعده – إن كانت ذاكرتي قوية وجيدة – ذهبت إلى أبيه لآخذ التصانيف الموعودة، وأثناء تلاقينا، قررنا السير لتبادل أطراف الحديث... أحضَر الكتابَين...وضعهما في جيبه... وذهبنا في نزهة... لن أنسى أبدا ذلك الوقت الذي أمضيناه معا، حقا لقد بهرني الرجل في ذلك اليوم، لا جرم أنّه كان يعيش في عزلة، لكنه يخفي حتما أمورا ما!.
ونحن نسير معا، قبل غروب الشمس، كان يحدثني عن حياته، وعن التغيير الذي أحدثه فيه يسوع، وفسّر لي كيف كان يعيش فيما مضى في الظلمات والذنوب، وكيف أنّ يسوع أنقذه، وأخذه إلى النّور، والطمأنينة والسعادة.ومنذ تلك اللحظة وآلة الاقتناع بدأت تفعل فعلها فيّ طبعا، كان الرجل يظن أنّ الروح القدس هو الذي يساعده في الوعظ، أما أنا فلم أكن أعلم أنّه كلما توغلنا في ظلام الليل، كلما توغلت في ظلام التنصير.
إنّ خطة الوعظ عند المنصّر يتمثل في إقناع الشخص الذي يعظ، والإثبات له بأنّه نجس، دنس، غارق في الظلام، وذلك طبعا لفطرتنا، لأن أبوينا – آدم وحواء ( عليهما الصلاة والسلام ) – هما أول من أذنب، وبعد أن يقتنع الشخص بهذا، يعرفه بالوجه المخالف، قداسة الربّ، مجده، طهره، مما يجعل الشخص في حيرة من أمره :
فكيف يمكن له أن يتوب إلى الله المقدس الطاهر، وهو ملوث بالذنوب والدنس؟(1/413)
ثم ينتقل المنصّر إلى الطور الأخير، ضاربا الضربة القاضية، تلك التي تطمئنه، بأنّ الله يحبه ويريد أن ينقذه من هذا، ثم يتلو عليه النص المشهور، والذي حسب النصارى يختصر الكتاب المقدس " لكن هكذا أحبّ الله العالم حتى وهب ابنه الأوحد، فلا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية " ( إنجيل يوحنا : 3 نص 16).
إذن " بوسيلة الإيمان " يكون الخلاص، وذلك بأن تعتقد أنّ يسوع هو " ابن الله " ومات على الصليب من أجل ذنوب البشر، وأنّ الخطايا دفنت معه في القبر، ثم في اليوم الثالث يبعث نقيا منيرا، تاركا الذنوب تحت التراب.
فيكون الشخص إذن أمام اختيارين :
- إما أن يؤمن بهذا وذنوبه كلها مغفورة، وهذا يؤهله إلى حياة منيرة أبدية، وهو مبرأ أمام الربّ بهذه العقيدة.
- أو يجهل كلّ هذا، ويموت بذنوبه، وسيكون مستوجب العقاب الأبدي ( إنجيل مرقس : 16نص 15).
أعزائي القرّاء ؛ هلاّ فهمتم عملية التلاعب هذه ؟
إنّ الاعتقاد في النصرانية يتمثل في اعتقاد أعمى !
ألم يأت في الإنجيل : " إن آمنت تشاهدين مجد الله " ؟ ( إنجيل يوحنا :11 نصّ 40).
فالواعظ إذن يجمّد عقلك، ويركز على العواطف فقط.
إنّه يثير فيك شعور الإحساس بالذنب، والخوف من الموت بذنوبك من جهة، ومن جهة أخرى يثير فيك شعورا بالأمل.
وبهذه الكيفية وقعت في هذه الحيلة، ونحن نسير في منتصف الليل، وأنا لا أميّز تماما وجه المنصّر، ولا أسمع سوى كلمات سحرية وعذبة مثل العسل.
لم أفهم ماذا يحدث لي ؟ لم أعرف أينبغي لي أن أخاف أم أكون مطمئنا؟
كنت أتساءل في مكنون نفسي: من هذا الرجل ؟ مع من لي الشرف ؟ هل مع الشيطان أم مع ملاك ؟ وقبل أن نفترق قدّم لي الكتابين.
شيء عجيب، منذ ذلك الحين وصورة هذا الرجل لم تعد تفارق مخيلتي...(1/414)
وصلت إلى الدار وفي ساعة متأخرة من الليل، تناولت العشاء بسرعة، ودخلت غرفتي وبدأت في قراءة العهد الجديد بلهفة شديدة، قرأت إذن الأناجيل، والتي كانت أمنيتي، لقد انبهرت انبهارا شديدا بنورانية كلمات يسوع، كانت لا تتحدث إلاّ عن الحب والمغفرة. وانبهرت من المعجزات والبركات التي يتركها أينما حلّ( عليه السلام).
كان أفقا جديدا فتح أمامي، لقد كان المثل الأعلى !ثم نمّت متأخرا تلك الليلة.
بعد استيقاظي في صبيحة الغد، الأحاسيس التي أحسست بها داخليا كانت نفسها، شعرت أنّي في نور وسعادة، ومنذ ذلك الحين وزياراتي لهذا الشخص النصراني تتكرّر، حتى شعرت أنّي جد متعلق به...
لم أعتنق النصرانية مباشرة... لكن كنت أشعر دوما بشيء ما يدعو قلبي لاعتناق هذه العقيدة، كان هناك حاجزان اثنان: التثليث والإسلام..
غير أنّي – مع فرط ما تحدثت مع النصراني – اتضح لي كل شيء، إذ كان يحدثني عن الإسلام معتبرا إياه عقيدة الشيطان، أمّا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فهو عنده مدّعي النبوة، كان يردد عليّ مرارا كلمة المسيح( عليه الصلاة السلام) في الإنجيل التي يقول فيها : " كل شجرة طيبة تحمل ثمارا طيبة، لكن الشجرة الخبيثة تؤتي ثمارا خبيثة " ( إنجيل متى 7نص 17).
فالإسلام مثل ما يزعمون : شجرة خبيثة : تؤتي ثمارا خبيثة، وثمار الإسلام هي الإرهاب الجريمة، العنف.
أمّا فيما يخص التثليث فكان يقول لي بأنّ النّصارى لا يعبدون إلاّ إلها واحدا، والذي يتجلّى في ثلاثة أشخاص !! الأب، الابن، الروح القدس !!
والذي يكونوا واحدا وهم متساوون !!ولكي يفسر هذه " الجمبازية الروحية " قدّم لي النّصراني مثاله الشهير : (فالإنسان خلق على صورة الله، مثل ما يقول الإنجيل، فهو يملك جسدا، وروحا ونفسا ولكنّهم شيء واحد).
وبجهل منّي، بدا لي أنّ الأمور واضحة، فلم يبق لي إلا أن أتبنى الجهر بالعقيدة الجديدة، وأن ألتزم في طريق المسيح، والذي صار منذ ذلك الوقت سبيلي وحقيقتي.(1/415)
وفي صبيحة أحد الأيام، ذهبت إلى النّصراني لأجهر بإيماني، وكم كانت سعادته كبيرة... وأصبحت منذ ذلك الحين " ابن الله ".
ولم أكن أعلم أنّي أمضيت عقدا مع الشيطان.
سفر الخروج :
لا يمكن أن تتصوروا ما أحسست به عند بداية اعتناقي للنصرانية، فلقد كانت السعادة التي تغمر قلبي بالغة وفريدة من نوعها، إذ لم أتوقف من ترديد هذه الكلمة الموجهة من طرف " الأب ليسوع" : " أنت أبني الحبيب، وفيك وضعت كامل سعادتي "، وكأنّها كانت موجهة إليّ، أحسست بسكينة عميقة، وبنور استولى على قلبي ؛ لقد كنت مسرورا.
والنّصارى يسمّون هذا "بالحب الأول "، فهم يعتقدون بأنّ هذا التأثير نتيجة استقبال الروح القدس، روح يتلقّاه كل من يعتقد العقيدة النصرانية.
لقد أحدث معي تغييرا كبيرا، فكان :" سفر الخروج ".
تركت إذن الحياة القديمة لأجل حياة جديدة، مزّقت الكذب الذنوب والظلمات، لأسلك سبيل الحق والنّور، كنت أعتقد حقيقة أنّي بعثت من الأموات مع المسيح من أجل الحياة الأبدية، فكنت أرى الأمور على وجه مخالف، وكنت أجهد نفسي لأزرع الحب والصداقة حولي،أقابل الشر بالخير، الكره بالحب، وكنت أجتنب كذلك الغضب مثلما يوصي الإنجيل.
وهدفي يتمثل في الوصول إلى الطهر والقداسة.
ولأجل هذا، كنت مع إخواني النّصارى، نلتقي مرة في الأسبوع لنقوم بما يسمى "بالتقارب الأخوي"التي كانت بمثابة غذائنا الروحي. فكنّا نتقاسم كلمة الربّ نشكر المسيح يسوع من أجل الذنوب التي غفرها لنا مسبقا، لأنّه مات من أجل خلاصنا.
كنّا نصلي، نغنّي، وفي بعض الأحيان نرقص، نظرا لغلبة النّشوة التي تساورنا.
وكنّا نظن أنّ حضور يسوع هو الذي استقرّ بنا.
ولقد كنّا كذلك- في بعض المناسبات – نقضي الليالي من أجل الاحتفال بميلاد " يسوع"، فنحيي الليل كله ونحن نصلّي ونترنم بـ :" محامد ليسوع ".(1/416)
ومرة في السنة، تقام مؤتمرات، فيها نتشرّف بتلك المناسبة بزيارة أخ لنا من الخارج (غالبا من فرنسا، أمريكا...)، الذين كانوا يقدّمون لنا توجيهات ونصائح تتعلق بعقيدتنا، وبكلمة موجزة، كل هذا كان يعيننا على تجديد وتقوية إيماننا وتوطيد علاقاتنا الأخوية.
إن النظرة المسيحية للأشياء وتفسيرها للظواهر تسير جميع الأصعدة : النّفسية، الاجتماعية، السياسية...الخ،وكلها مرتبطة بالجانب الروحي، وعلى حسب هذا التصور، فإنّ العالم ملك للشيطان، ففيه الصراع بين الظلام والنّور، بين الربّ والشيطان، والذين لا يؤمنون بيسوع ينتسبون إلى الشيطان، وهم في الظلمات، وهم روحيا أموات.
إنّ النّصراني لا يصارع ضد" الجلد والدم "، أي ضد النّاس لكن ضد الأرواح.
فمثلا عندما، يتحدث نصراني مع مسلم، ابتداء يعتقد أنّه يواجه روح الإسلام التي تتعلق بالمسلم وتمنعه من رؤية الحقيقة والإيمان بيسوع مخلّصه.
إنّ النّصراني الذي أهين أو اضطهد من أجل اسم المسيح، ينبغي أن يكون سعيدا، لأنّ يسوع يقول له بأنّ أجره سيكون كبيرا ( إنجيل متى :5 نص 11-12).
ولمّا اكتشف النّاس اعتناقي للنصرانية كان ذهلهم شديدا، وانتشر الخبر ووصل عائلتي، والتي كان ردّ فعلها عنيفا خاصة من طرف إخوتي الكبار.
والله أسأل أن يغفر لي الاضطراب الذي أحدثته لهم خاصة لأمّي، لكن هذه المضايقات لم تثن عزمي، بل بالعكس، لقد زادت قوة إيماني، لأن التزامي كان بصدق، والقضية قضية مبادئ وعقيدة.إذ لا شيء بإمكانه أن يرد قناعتي، في الصلاة كنت أدعو " يسوع" لكي يغفر لهم ويهديهم نحو النّور من أجل أن ينجوا ويفوزوا بالخلاص الأبدي.
إنّ أخصّ ما يميز العقيدة النصرانية هو الأثر الجاسم على الشخص النّصراني، هذا الأخير يكون جد منغلق على إيمانه، فلقد كنت أعيش غيابا كليا عن الحياة العائلية والاجتماعية، في حين أنّي كنت جد مرتبط بإخواني النصارى أكثر من أفراد عائلتي.(1/417)
لقد كان الإنجيل بالنسبة لي بمثابة ثدي الأم للرضيع، وأنا الذي كنت أحب القراءة وأظهر اهتماما بالغا بالبحث والعلم، كل هذا أصبح بالنسبة لي دون أيّ أهمية، لأن الكتاب المقدس يقول بأنّ :" حكمة العالم جنون بالنسبة للربّ " إذ كل ما ينتسب إلى هذا العالم زائل، محكوم عليه بالفناء.
" تفاهة التفاهات، كلّ شيء تافه " هكذا مذكور في (سفر الجامعة 2 نص 2).
هناك عنصر آخر يجذب ويغري الناس بالنصرانية، ويكون في بعض الأحيان السبب الرئيسي في اعتناقهم لها، وهذا من طرف الكثير منهم، أنّها مسألة " المعجزات " كما في إنجيل مرقس ( أضف إلى معلوماتك أنّه الإنجيل الوحيد الذي يتناول هذا المقطع )( مرقس 16نصّ 17-20)-: فيسوع مدّ بالقدرة الحواريين : طرد الأرواح الشريرة، ومسك الثعابين، وإشفاء المرضى، والحديث بلغات جديدة، بل حتى حسب مقاطع من العهد الجديد : بإمكانهم إحياء الموتى!!
النّصارى يستعملون كثيرا هذه الوسائل في وعظهم لفتنة الناس، ولأنّه طعم فعال يؤكل في الصنّارة !
فأصبحت أحيا دائما بهمّة وحماس، حلمي الكبير أن أصبح من كبار المبشّرين بالإنجيل، واعظا تماما مثل يسوع ( عليه السلام )...تمنّيت أن أسيح في الأرض وأبشّر النّاس بالحقيقة. وحيثما كنت، كنت أبشّر بالمسيحية طبعا، وذلك في الثانوية وفي قريتي، ونتيجة لذلك كنت سببا في ارتداد كثير من النّاس. أتذكر أنّي كنت أستعمل جميع الوسائل التي تبدو لي أنّها لائقة من أجل تبليغ المسيحية للآخَرين.
خذ على سبيل المثال، وفي وسط المدينة كنت أجمع أوراق الأشجار، وأكتب عليها هذه الكلمة " يسوع يحبُّك " فكنت أرميها هنا وهناك، حتى في داخل السيارات عندما أجد النوافذ مفتوحة.
بالتالي سطرت حياتي، فكنت أحيا حياة نصراني طيلة 3 سنوات معتقدا أنّني كنت على الصراط المستقيم، وعلى سبيل الحق دون أن ينتابني أدنى شكّ بأنّ مصيري سيأخذ يوما ما مجرى آخر...
السقوط :(1/418)
مثلما ذكرت سابقا، لقد كان الكتاب المقدّس لي بمثابة " ثدي الأم بالنسبة للرضيع " إذ كنت أقرؤه وأتفحّصه بدقّة، لأنّ تدبر كلمة الربّ هي أكثر من واجب.
ونظرا لقراءاتي المتكررة، صرّت وكأنّي أحفظ العهد الجديد عن ظهر قلب، وخلال قراءاتي أصادف في بعض الأحيان نصوص ومقاطع أجد صعوبة في استيعابها، أو بعبارة أدقّ : في تنسيقها. لقد أحدثت لي بلبلة، وسأذكر بعض الأمثلة :
- يسوع مات من أجل جميع الذنوب، إذن فهي كلها مغفورة، فكيف يعقل إذن بأنّ من يجدف على الروح القدس أو يسبّه فهو مذنب بخطيئة أبدية ؟!( مرقس 3 نص 29)،وأنّه ليس بمغفور له البتّة ؟!( متى : 12 نص 31 -32). وفي المقطع نفسه،يؤكد يسوع ( عليه السلام )على أنّ كل خطيئة ضده فهي مغفورة، ولكن ليس ضد روح القدس، فلماذا إذن هذا الخلاف بين شخصيات التثليث بما أنّها كلها متماثلة ؟!
- لم أتمكن من قبول، كيف أن يسوع " الذي هو إله " لا يعلم متى ستكون الساعة، لكن الأب وحده الذي يعلم ! أليس الله بكل شيء عليم ؟!( متّى : 24 نصّ 36).
- طلب رجل من يسوع : " أيها المعلم الصالح ؛ ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية ؟" وقبل أن يجيب يسوع السائل بماذا يعمل، نبهه بهذه الملاحظة : لماذا تدعوني صالحا ؟ لا صالح إلاّ الله وحده " ( مرقس 10 نصّ 17). يسوع يصرح بأنّ الربّ وحده هو الصالح، وبالتالي فهو يشهد بأنّه ليس جزءا من الإلوهية البتّة!.
- يسوع يصيح على الصليب قبل موته :" إلهي، إلهي، لماذا تركتني ؟!" (مرقس :15 نصّ 34). على حسب عقيدتي يسوع هو الإله، لماذا نادى إذن يا إلهي ؟!(1/419)
- لقد حيّرني أن أجد في الكتاب المقدس، كلمة الربّ،مقاطع أو كلمات بين معقوفتين ( ) مثل ما وجد في إنجيل مرقس 16 نص 9-20، والأسوأ من هذا : هو كلمات الشارح في أسفل الصفحة ( مثلما هو الأمر في الكتاب المقدس :" الطبعة الجديدة الثانية المنقحة )" نقرأ مثلا :" 10 النصوص 9-20 موجودة في كثير من المخطوطات، لكنّها غير موجودة في مخطوطات أخرى، وبعض المخطوطات الثانوية تحوي عوض هذه النصوص المفقودة، أو زيادة عليها، خاتمة مختلفة ". فهل هذه هي كلمة الربّ ؟!
- معرفتنا للتثليث واضحة : الربّ، الابن، والروح القدس متساوون، ولكن كيف لنا أن نفهم هذه المساواة عندما نسمع يسوع يقول : " ولأنّ الأب أكبر منّي " ( يوحنا : 14 نصّ 28).
- في الصلاة الكهنوتية ( كما في يوحنا : 17نصّ 3) : يسوع (عليه الصلاة السلام) وحده مع "الأب "، إنّها الفرصة الأفضل أين تعرف عقيدة التثليث وتفسّر نفسها. فكانت المفاجأة الكبرى وأنا أقرأ : "والحياة الأبدية هي أن يعرفوك أنت الإله الحق وحدك، ويعرفوا يسوع المسيح الذي أرسلته ". أليست الحياة الأبدية هي في أن توقن بموت وبعث يسوع ؟!فكيف يحدث أن يصرح يسوع بأن الحياة الأبدية تكمن في معرفة الإله وحده.
- لقد حيّرني، أن يضع يسوع نفسه على قدم المساواة مع الناس، وينكر خاصية الإلوهية عندما قال :"... لكن اذهبَ نحو إخواني، وقل بأنّي أصعد إلى أبي وأبيكم، إلى ربّي وربّكم " (يوحنا 20-27).
- لقد صدمت عند موت " أنانيس وصافيرة " ( الأعمال 5 نصّ 111) لا جرم أنّهم أذنبوا، لكن عوض تنبيههم ودعوتهم إلى أن يتوبوا، وإذ بالقدّيس بيير يُدينهم، فيموتوا في الحين، ألم يمت يسوع من أجل جميع الذنوب ؟!.
- أليس هو القائل : " ابن الإنسان لم يأت من أجل تضييع أرواح الناس، لكن من أجل إنقاذهم " ( لوقا :9 نص 56).
- بقراءة الأناجيل الأربعة حول موضوع بعث يسوع، وجدتّ أن الروايات مختلفة من كتاب لآخر، فلم أعرف من أصدق.(1/420)
في بداية الأمر لم أتنبّه لمثل هذه التناقضات، كنت أقول في قرارة نفسي أنّ المشكلة تكمن في سوء فهمي للمعاني، وقلت كما تقول النّصارى إنّ الروح القدس حتما سيفهمني إيّاها !!.
ولكوني صادق في التزامي، لم أكن أسمح لنفسي في أن أشكّ في عقيدتي، وفي كتابي المقدّس حتى وإن كانت مثل هذه النصوص تبعث في نفسي الشكّ، كنت أعتقد أنّ الشيطان هو الذي يحاول أن يثنيني عن عزمي، إذ أنّ حتى يسوع وسوس له من طرف الشيطان عبر الكتابات ( كما في متّى : 4 نص 1-11) فكنت أدعو باسم يسوع لكي يطرد الشكّ بعيدا عنّي، إذ الشكّ عدو الإيمان.
في غالب الأحيان كنت أجد الطمأنينة في قلبي، لكن، وفي بعض الأحيان، يراودني الشكّ، فلقد كان بمثابة ضباب يغطّي ويخفي كلّ شيء، وبمجرد انقشاع هذا الضباب تبرز الحقيقة وتظهر، فكذلك كنت أطرد الشكّ.
... ومع مرور الوقت إذ بالتناقضات تطفو وتظهر، فالطّبع أغلب، كما يقول المثل :" أطرد السّجية تعود جريا".وهذا جلب لي الكثير من التعاسة، والحالة أصبحت لا تطاق...
أعترف أنني عانيت كثيرا...فالحيرة استولت عليّ شيئا فشيئا، وأصبح الأمر بالنسبة لي حقيقة ينبغي أن أوجهها... إيماني بدأ يتزعزع، وناقوس الخطر يقرع قلبي !.
الربّ الذي أعبد والكتاب الذي أقرأ، أصبحا جميعا موضع شكّ.
لم أستطيع البوح بحالي إلى إخواني، كنت بالأمس القريب أنا الذي أثبت قلب من يشك منهم !على أنّي في أحد الأيام، حاولت أن أفعل ذلك... أتذكر أنّي اتصلت هاتفيا بأحد الإخوة النّصارى، قلت له بأنّ الأمور ليست على ما يرام، فنصحني بأن أتوب وأعود إلى وصايا الربّ ( يسوع عليه السلام ) فأجبته بأنّي ليس لديّ مشكل مع الوصايا، لكن مشكلتي بالأحرى مع "الربّ" نفسه !!(1/421)
وكم من المرّات كنت أركع، مصليا، باكيا، متوسلا يسوع لكي يساعدني للخروج من الأزمة ولكي يجلّي لي الأمر، لم أكن أبدا مستعدا لأتخلّى عن عقيدتي، إذ كنت شخصا متصلّب الرأي فمهما يكن الأمر فأنا أحب يسوع... لم يكن سهلا عليّ أن أتخلّى عنه بعد كل الذي عشته والنّصراني الصادق حتّما سيفهم هذا جيدا !!
ومما زاد من قلقي هو وجود عدة أناجيل مختلفة فيما بينها، مما استلزم وجود عدة طوائف. فكنت أتساءل : هل أمتلك الإنجيل الصحيح والرسالة الإلهية الحقّة ؟
وهل حقيقة أنا على الملّة الحقّة؟.توالت الأيام، وإذ بي أجدني جد منعزل، وأجدني – في قرارة نفسي – أعيش في وحشة شديدة، الاضطراب والغمّ كانا يلازمانني، كنت أتعذب كثيرا وفي صمت.لقد كانت من أصعب أيام حياتي.وبكلمة واحدة: إنّه السقوط.
لم أستطع التحمل أكثر، نفذ صبري، قلت في نفسي : إذن حان الوقت لأن أواجه الحقيقة وأتقبلها كيفما كانت !ينبغي أن أفعل شيئا ما، لم يكن لي اختيار : - إما أنّي على طريق الحق
أو على طريق الضلال، فعليّ إذن أن أتوب، وكفاني كذبا على نفسي وعلى الآخرين...
على كل حال، يبقى التحقق من كلا الحالتين.
فجمعت كلّ ما يتحدّث ويُفسّر الكتاب المقدّس، خاصة قضية التثليث، لكن هذا لم يضف لمعلوماتي أي جديد يذكر، ولم يخفف من قلقي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أخذت كل ما يحمل في طيّته نقدا للإنجيل، فقرأت مرتين الكتاب الشهير ( كتاب موريس بوكاي ) : " الإنجيل، القرآن، والعلم "، قرأت – أيضا – كتب أحمد ديدات، مثل " هل الكتاب المقدس كلام الله ؟"،" هل المسيح هو الله ؟"...كذلك كتاب لابن قيم الجوزية :" هداية الحيارى من اليهود والنصارى "، وكتاب لا أذكر مؤلفه معنون بـ :" سبحان الله العظيم ".(1/422)
أعترف أنّني بعد إطّلاعي على هذه الكتب، صدمتي كانت أكبر، وقلقي كان أعمق، إذ لا زلت متشبثا بإيماني والذي أصبح ضعيفا، وبفضل هذه الكتب، زاد علمي بكثير من الأخطاء والتناقضات الموجودة في الكتاب المقدس، التي لا مراء فيها ولا جدل.
أذكر هنا سلسلة من النصوص – والتي لن أعلّق عليها -، وأترك الأمر للقارئ ليتأكد :
- وهكذا اكتملت السموات والأرض بكل ما فيها، وفي اليوم السابع أتمّ الله عمله الذي قام به، فاستراح فيه من جميع ما عمله.وبارك الله اليوم السابع وقدّسه، لأنّه استراح فيه من جميع أعمال الخلق " ( التكوين 1:2-3).
- فقال الربّ " لن يمكث روحي مجاهدا في الإنسان إلى الأبد. هو بشريٌ زائغ، لذلك لن تطول أيّامه أكثر من مئة وعشرين سنة فقط " ( التكوين 3:6).. وذلك يناقض سفر التكوين 11 من النص 10 إلى 26... أين ذكر أنّ الإنسان يعيش أكثر من 120 سنة !
- ورأى الربّ أنّ شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأنّ كل تصور فكر قلبه يتسم دائما بالإثم فملأ قلبه الأسف والحزن لأنّه خلق الإنسان " ( التكوين 5:6-6).
- فقال له الربّ، تيقن أنّ نَسلك سيتغرّب في أرض ليست لهم، فيستعبدهم أهلها، ويذلونّهم 400 سنة " ( التكوين 15 : 13).. وذلك يناقض الخروج 12 النصّ 40 : " وكانت مدة غرّبة بني إسرائيل التي أقاموها في مصر 430 سنة " .
- ( التكوين 19 : 30-38) وملخص الفقرة أنّ لوطا ( عليه السلام ) عندما غادر "صوغر " مع أبنتيه... لجئوا إلى كهف في جبل... فسقتا في إحدى الليالي أبيهما خمرا... وضاجعت الابنة الكبرى أباها... فولدت إبنا دعته " موآب "، وهو أبو الموآبيين !!...وكذلك فعلت الابنة الصغرى، فولدت إبنا ودعته " بن عمي "، وهو أبو بني عمّون !!
أهكذا يفعل حقا الأنبياء ( عليهم السلام ) وهم قدوة البشر ؟!!(1/423)
- ( التكوين 32 :25-33) الفقرة تتحدث عن مصارعة يعقوب ( عليه السلام ) للربّ !!...إذ رآه وجها لوجه، وصارعه حتى مطلع الفجر : " وعندما رأى أنّه لم يتغلّب على يعقوب !!طلب من يعقوب أن يطلق سراحه...بعد أن يباركه!!.. " فسأله : ما اسمك ؟ فأجاب: يعقوب.فقال : لا يدعى اسمك في ما بعد" يعقوب "، بل " إسرائيل " (ومعناه : يجاهد مع الله ) لأنّك جاهدت مع الله والنّاس وقدرت " !!وكأنّ هذا إنتاج من " هوليوود " !!أليس هذا استهزاء ومسخرة بالله ؟!!
- ( التكوين 38 :15-19) " فعندما رآها يهوذا ظنّها زانية لأنّها كانت محجبة، فمال نحوها إلى جانب الطريق، وقال "دعيني أعاشرك "، ولم يكن يدري أنّها كنّته.فقالت :" ماذا تعطيني لكي تعاشرني ؟" فقال " أبعث إليك جديٌ معزي من القطيع " (...) فأعطاها ما طلبت وعاشرها فحملت منه..."
- ( الخروج :5:20-6) :"...لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ، لأنّي أنا الربّ إلهك إله غيور أفتقد آثام الآباء في البنين حتى الجيل الثالث والرابع من مبغضي، وأبدي إحسانا نحو ألوف من محبي الذين يطيعون وصاياي ". وذلك ما يناقض ( حزقيال 18:20) :" أمّا النّفس التي تخطئ فهي تموت، لا يعاقب الابن بإثم أبيه، ولا الأب بإثم ابنه.يكافأ البارّ ببرّه، ويجازى الشرّير بشرّه ".
- ( صموئيل الثاني 4:8) :"...وأُسر من جيشه ألفا وسبع مائة فارس، وعشرين ألف راجل، وعرقب داود كل خيول المركبات باستثناء مئة مركبة " وذلك ما يناقض ( أخبار الأيام الأول 18-4)...وأُسر سبعة آلاف فارس وعشرين ألف راجل، وعرقب داود كلّ خيل المركبات، ولم يُبق لنفسه سوى مئة مركبة ".(1/424)
- ( صموئيل الثاني 10: 18) :" وما لبث الآراميون أن انّدحروا أمام الاسرائليين، فقتلت قوات داود رجال سبع مائة مركبة، وأربعين ألف فارس، وأصيب شوبك رئيس الجيش ومات هناك ". وذلك ما يناقض ( أخبار الأيام الأول 19: 18) :"...تقهقر على إثرها الآراميون أمام هجمات الاسرائليين، وقتل داود سبعة ألاف من قادة المركبات، وأربعين ألفا من المشاة، كما قتل شوبك رئيس الجيش".
- ( صموئيل الثاني 1:24) : " ثم عاد فاحتدم غضب الربّ على إسرائيل، فأثار داود عليهم قائلا :" هيّا قم بإحصاء إسرائيل ويهوذا ". وذلك ما يناقض ( أخبار الأيام الأول 1:21) وتآمر الشيطان ضدّ إسرائيل، فأغرى داود بإحصاء الشعب ".
-( صموئيل الثاني 24: 13) : " فمثل جاد أمام داود وقال : اختر إمّا أن تجتاح البلاد سبع سنين جوع، أو تهرب ثلاثة أشهر أمام أعدائك وهم يتعقّبونك، أو يتفشى وباء أرضك طوال ثلاث أيام...". وذلك ما يناقض ( أخبار الأيام الأول 12:21) : "...هيا إختر... إمّا ثلاث سنين مجاعة...".
- ( ملوك الأول 26:7) :" وبلغ سمك جدار البركة شبرا، وصنعت حافتها على شكل كأس زهر السوسن، وهي تسع ألفي بثّ، نحو أحد عشر ألفا وخمس مئة جالون من الماء". وذلك ما يناقض ( أخبار الأيام الثاني 5:4) :"...وكانت تتسع لثلاثة آلاف بثّ ( نحو أثنين وسبعين ألفا وخمس مئة لتر ) ".
- ( ملوك الثاني : 26:8) : '' وكان أخزيا في الثانية والعشرين من عمره حين ملك، ودام حكمه في أورشليم سنة واحدة''. وذلك ما يناقض ( أخبار الأيام الثاني 2:22) : " وكان أخزيا في الثانية والأربعين من عمره حين تولّى الملك...". ( وقد صحح هذا الخطأ في ترجمة الكتاب المقدس للغة العربية للطبعة السادسة...وهذا ليس من الأمانة العلمية للمترجمين!!). - - ( ملوك الثاني 1:19-7) نفس الفقرة بكلماتها أعيدت في (إشعياء 1:37-7)!!.(1/425)
- ( المزمور 23:44-26) انظر أخي القارئ كيف يخاطب الربّ الجليل في هذا الدعاء :" قم يارب ؛ لماذا نتغافى ؟ انتبه، ولا تنبذنا إلى الأبد.لماذا تحجب وجهك وتنسى مذلّتنا وضيقنا ؟ إنّ نفوسنا قد انحنت إلى التراب، وبطوننا لصقت بالأرض. هب لنجّدتنا وأفدنا من أجل رحمتك".
- (حزقيال 23) :" وأوحى إلي الربّ بكلمته قائلا : يا ابن آدم كانت هناك امرأتان ابنتا أمّ واحدة، زنتا في صباهما في مصر، حيث دوعبت ثدييهما، وعبث بترائب عذرتهما.اسم الكبرى أهولة، واسم أختها أهوليبة،وكانتا لي وأنجبتا أبناء وبنات، أمّا السامرة فهي أهولة، وأرشليم هي أهوليبة. وزنت أهولة مع أنّها كانت لي..." والى آخر الفقرة... فهل هذا هو كلام الربّ المقدس ؟!...وهل تستطيع –أخي القارئ – أن تقدم على قراءة مثل هذا الكلام على أهلك مثلا؟!.
- ( إنجيل متّى 5:27) : " فألقى قطع الفضّة في الهيكل وانصرف، ثمّ ذهب وشنق نفسه"... وذلك ما يناقض ( أعمال الرسل 18:1) : " ثمّ إنّه اشترى حقلا بالمال الذي تقاضى ثمنا للخيانة، وفيه وقع على وجهه،فانشقّ من وسطه، واندلقت أمعاؤه كلّها، وعلم أهل أورشليم جميعا بهذه الحادثة، فأطلقوا على حقله اسم " حقل دَمَخ" بلغتهم، أي : حقل الدم..." وهذا ما يناقض –أيضا(متّى 7:27) :"...وبعد التشاور اشتروا بالمبلغ حقل الفخّاريّ ليكون مقبرة للغرباء...".
-( مرقس 8:6):"وأوصاهم ألا يحملوا للطريق شيئا إلاّ عصا، لا خبزا ولا زادا ولا مالا ضمن أحزمتهم...". يناقض (لوقا3:9):" لا تحملوا للطريق شيئا : لا عصا، ولا زادا، ولا خبزا، ولا مالا، ولا يحمل الواحد ثوبين...".
- (مرقس 46:10): "ثمّ وصلوا إلى أريحا، وبينما كان خارجا من أريحا، ومعه تلاميذه وجمع كبير، وكان ابن تيماوس الأعمى، جالسا على جانب الطريق يستعطي...". وذلك يناقض (لوقا 35:18): "ولمّا وصل إلى جوار أريحا، كان أحد العميان جالسا إلى جانب الطريق يستعطي ".(1/426)
-(يوحنا 31:5) : "لو كنت أشهد لنفسي، لكانت شهادتي غير صادقة". وهذا يناقض (يوحنا 14:8) :" فأجاب : مع أنّي أشهد لنفسي، فإنّ شهادتي صحيحة".
-(يوحنا 17:20):" فقال لها : لا تمسكي بي !فإنّي لم أصعد بعدُ إلى الأب، بل اذهبي إلى إخوتي، وقولي لهم : إني سأصعد إلى أبي وأبيكم، والهي وإلهكم!".وذلك يناقض (يوحنا 27:20):"ثمّ قال لتوما :"هات إصبعك إلى هنا، وانظر يديّ، وهات يدك وضعها في جنبي...".
-(متّى 34:27): "أعطوا يسوع خمرا ممزوجة بمرارة ليشرب فلمّا ذاقها، رفض أن يشربها". وهذا يناقض (مرقس23:15):" وقدّموا له خمرا ممزوجة بمرّ، فرفض أن يشرب ".
- (متّى 46:27):"ونحو الساعة الثالثة صرخ يسوع بصوت عظيم :"ايلي، ايلي،لماذا شبقتني ؟"أي : إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟". ذلك ما يناقض (يوحنا29:8):"إن الذي أرسلني هو معي ولم يتركن وحدي، لأنّي دوما أعمل ما يرضيه؟".
- (الأعمال 7:9) : "...وأمّا مرافقوا شاول فوافقوا مذهولين لا ينطقون، فقد سمعوا الصوت ولكنّهم لم يروا أحدا". وهذا يناقض ( الأعمال9:22):"وقد رأى مرافقي النّور، ولكنّهم لم يسمعوا صوت مخاطبي".
- (الأعمال 10:22) :"فسألت : ماذا أفعل ياربّ؟ فأجابني الربّ:قم وأدخل دمشق، لأنّي لم أكن أبصر بسبب شدة ذلك النّور الباهر". وذلك مايناقض (الأعمال 16:26):"انهض وقف على قدميك،فقد ظهرت لك لأعيّنك خادما لي، وشاهد بهذه الرؤيا التي تراني الآن، وبالرؤى التي ستراني فيها بعد اليوم".(1/427)
لا يمكنكم تصور العذاب الشديد الذي عانيته بعد اكتشافي لهذه التناقضات في الكتاب المقدّس، كان جدّ صعب عليّ أن أسلّم بذلك، إحباطي كان كبيرا، عقيدتي أصبحت في موضع نظر. وأخيرا، وخلال 3 سنوات كنت أسلك السبيل الخطأ، ضللت الطريق إذن، ورجائي ذهب سدًى، أنا الذي ظننت أنّي وصلت قمة المجد، أدركت أنّي كنت في الهاوية، أنا الذي ظننت أنّي أمتلك الحقيقة، وإذ هي بهتان مبين، ورسالة محرّفة أصلا، من طرف عقول وأيد مفسدة، والتي هدفها الوحيد هو خداع النّاس وصرفهم عن الحقيقة ليس إلاّ.
...أحسست أنّي غرقت كما تغرق السفينة في البحر، وانهرت انهيارا شاقوليا كما انهارت عمارتي مركز التجارة العالمي بعد اعتداءات 11 سبتمبر.
إنّي لا أبالغ إن قلت لكم، بل أؤكد لكم –غفر الله لي –مثلما قال جوب :"ملعون اليوم الذي ولدتُّ فيه "...فلولا فضل الله،لانحرفت. وكنت غالبا، أسير وحيدا في الطريق، كنت أطرح سؤالا على نفسي مثل المجنون : "من هو الربّ ، ومن هو الشيطان ؟ "فكان ثمّة الالتباس
على كل حال كنت على يقين بأنّ الكتاب المقدّس قد حرّف، والحقيقة موجودة في موضع آخر.
العهد الأخير :
خلال فترة الحيرة هذه، والصراع النّفسي، هناك شيء واحد ثبّتني وأمدّني بالأمل ؛إنّه الاعتقاد بوجود إله. فكنت أدعو الله دوما وأرجوه أن ينقذني، ولم أيأس في طلبي...(1/428)
هناك بدأت أبحاثي حول الإسلام، ومثلما ذكرت سابقا، كانت لي معرفة سطحية حول هذا الدّين خاصة بعد اعتناقي للنّصرانية، إذ كنت أشعر ببغض شديد للإسلام ولرسوله ( عليه الصلاة والسلام ). أتذكر أنّي بمجرد سماع هذه الكلمة " إسلام " يخيّل إليّ وكأنّّه ستار أسود فوق قلب أسود ! لقد كانت لي أحكام مسبقة كثيرة حول هذا الدّين، وخاصة أنّ الواقع الذي تعيشه بلادنا يأتي ليؤكد هذه الأحكام. وبكلمة واحدة، كنت أراه مثلما يقول النّصارى :" هو دين له ثمار خبيثة، لأنّه شجرة خبيثة ". متوخيا التأكد من هذه القاعدة، شرعت في قراء ة القرآن الكريم.إذ عندما يكون لديك ألم في الأسنان تستشير طبعا طبيب أسنان، وليس طبيب العيون أو غيره !!إذن لمعرفة الإسلام، ذهبت مباشرة إلى النّبع : القرآن، وتركت أحكامي المسبقة جانبا.
أولا مجرّد وجوب طهارة الشخص الذي يريد قراءة القرآن يجعل من هذا الكتاب مميزا، عكس الكتب الأخرى، وذلك في العالم أجمع...قرأت وأعدّت قراءة القرآن الكريم، وفي الوقت نفسه أتردّد مرارا على مكتبة ثانويتنا- وكانت مفتوحة للرّاغبين في المطالعة من أهل القرية - التي كانت نوعا ما غنية بتصانيف تشرح الإسلام، لقد كان اكتشافا عظيما بالنسبة لي. إنّ ما اكتشفته في بداية الأمر هو المعنى الحقيقي لعبارة "الله أكبر " ؛ الله أكبر من كل شيء، أكبر ممّا يقوله اليهود والنّصارى، وأكبر ممّا يتصوره أحد، إن في القرآن التعريف الكامل للّه، إله أهلٌ بهذا الاسم، أحد لا يتجزأ، ليس له مثيل، وليس له كفؤًا أحد، مثل ما ورد في سورة الإيمان الخالص (الإخلاص).
(( قل هو الله أحد (1) الله الصمد (2)لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفوا أحد )) (سورة الإخلاص).
الله ليس شيئا مركبا، لا يأكل ولا يشرب ولأيبكي، إذ أنّه ليس بمخلوق، لكنه الخالق.
الحيّ الذي لا يموت أبدا.(1/429)
لنسمع لله يعرّف نفسه بنفسه، ويعرف نفسه للنّاس :(هُوَ اللّهُ الّذِي لاَ إِلََهَ إِلاّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ هُوَ الرّحْمََنُ الرّحِيمُ [22] هُوَ اللّهُ الّذِي لاَ إِلََهَ إِلاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدّوسُ السّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبّرُ سُبْحَانَ اللّهِ عَمّا يُشْرِكُونَ [23] هُوَ اللّهُ الْخَالِقُ البارئ الْمُصَوّرُ لَهُ الأسماء الْحُسْنَىَ يُسَبّحُ لَهُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [24] [الحشر 22-24].
الشيء الجديد الذي اكتشفته كذلك هو : "التوحيد "، الذي يعتبر مسألة محورية وأساسية في الإسلام، وأن تجعل مع الله إلها آخر (الشرك) من أكبر الذنوب التي لا تغفر إذا لم يتب منها العبد قبل موته : (إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَىَ إِثْماً عَظِيماً) [سورة: النساء - الآية: 48].
إنّ التوحيد هي الرسالة الرئيسية من الله إلى البشر، وبالتالي فهو الذي يُوحّد جميع الرسالات والرسل، ومن أجل هذا بعثوا، ليذّكروا النّاس بأنّ لهم خالقا واحدا لا يُعبد إلاّ هو، اله واحد أحد (وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُولٍ إِلاّ نُوحِيَ إِلَيْهِ أَنّهُ لآ إِلََهَ إِلاّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ) [سورة: الأنبياء - الآية: 25].
إنّها الرسالة نفسها التي تجدها في العهد القديم :" إسمع إسرائيل ! الأبديّ ربُّنا، الأبديّ واحد، أحبّ الأبديّ ربّك بكلّ مقلبك، بكل روحك، وبكل قوتك :وهذه الكلمات التي أعطيها لك هذا اليوم ستصبح في قلبك، تحفّظها لأولادك، وستتكلم بها عندما تكون في دارك، وعندما تسافر وعندما تنام، وعندما تستيقظ، تقرؤها وكأنّها علامة في يدك، وستكون كعصابة بين عينيك، تكتبها على أعمدة دارك وأبوابها "(التثنية 6:نص4-9).(1/430)
بالفعل ؛إنّ هذا هو عين ما وعظ به يسوع ( عليه السلام) للفوز بالخلاص الأبدي والحياة الخالدة، فيقول وهو يناجي الرّبّ :" والحياة الأبدية هي أن يعرفوك أنت الإله الحقّ وحدك "(يوحنا:17 نصّ3).
الرسول الخاتم محمد (صلى الله عليه وسلم ) كذلك وعظ بالكلام نفسه، حيث نقرأ في القرآن : (قُلْ إِنّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَىَ إِلَيّ أَنّمَآ إِلََهُكُمْ إِلََهٌ وَاحِدٌ) [سورة: الكهف - الآية: 110]
إنّ الشهادة بأن "لا اله إلاّ الله " توجب علينا أن ننفي كل إلوهية باطلة، وأنّ نقيم عبادتنا لله وحده، لأنّ الله خلقنا من أجل هذا الهدف الوحيد: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ) [سورة: الذاريات - الآية: 56].
عكس النّصرانية، الإسلام يدعوك –قبل أن تؤمن –للنّقد وللتفكير، لكن على أساس من البراهين والحجج.وهذا فقط من أجل أن يثبّت قلبك ويشتد عزمه، حتى يؤمن عقلك بهذه العقيدة التي هي في غاية البساطة والوضوح.
(قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [سورة: البقرة - الآية: 111].
في حين أنّ العقيدة النّصرانية (عقيدة التثليث ) معقدة لدرجة أنّ النّصراني بنفسه يجد مضضا لتكوين فكرة واضحة المعالم في ذهنه.
إنّ القرآن يمدّ المسلم بتربية شاملة، كاملة منسجمة، والتي تبني شخصية سوية، فهو يعتني ويأخذ بعين الاعتبار كل خصائص الإنسان : الروحية، الثقافية، النفسية، الجسدية، الاجتماعية...الخ. إنّ المسلم لا يقيّد نفسه ولا يحصرها في مجال واحد، إنّه يجد في القرآن ما يحثه على التفكير والتأمل، وعلى البحث لمعرفة العلم وفهم شتّى الظواهر.
الله لا يطلب من الإنسان أن يستأصل غريزته، وأن يُعذب جسده، فهي معركة بلا جدوى،إذ هي ضد الفطرة، بل إنّه يأمر بمجاهدة النّفس لتملك زمامها، دون أن ننسى الاعتناء بالجسد، فلا ينبغي حرمانه من حقوقه.(1/431)
إنّ الإسلام يحثّ المسلم أن يكون فعالا، وأن يشارك في الحياة الاجتماعية، وذلك بفعل الخير، وزرع الحب والسلّم، وأن يشعر بأنّه نافع وخادم لغيره من الناس، ومطلوب من المسلم كذلك مكافحة الأمراض والآفات الاجتماعية وذلك بالحكمة.
أما التربية التي تريدها النّصرانية، فهي أُحادية الجانب !لا تعتمد إلاّ على الجانب الروحي، فالنّصراني المقطوع عن الواقع تبدو عليه غيبوبة جد ظاهرة، والتي يمكن لها أن تتفاقم مع مرور الوقت لتصبح في الأخير عبارة عن فصام.
ومما لفت انتباهي كذلك هو : "الآيات " ذات الصبغة العلمية في القرآن، فالله يتحدث عن الظواهر الكونية حديثا موافقا للاكتشافات العلمية الحديثة، فالقرآن وأحاديث الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) تتحدث واقعيا عن جميع المجالات العلمية : علم الفلك، علم النفس، علم البيولوجيا، علم الأجنّة...إلى غير ذلك.
اكتشفت أيضا أنّ الإسلام حقيقة عبارة عن تواصل للوحي الإلهي، وأنّ محمدا (صلى الله عليه وسلم ) هو آخر الرسل، لكن أعداء الحقيقة يريدون –وبأي ثمن –أن يقطعوا الطريق أمام الوحي الأخير.
(يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَىَ اللّهُ إِلاّ أَن يُتِمّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [32] هُوَ الّذِيَ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىَ وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [33]) [سورة: التوبة - الآية:32- 33]
فاليهود والنّصارى لا يعترفون بأنّ محمدا (صلى الله عليه وسلم ) خاتم الرسل...
وبعد فترة من الزمن، وأنا أتابع أبحاثي في كتب العلماء، مثل الشيخ أحمد ديدات، اكتشفت أنّ رسول الإسلام ذكر بوضوح في الكتاب المقدس، وسأذكر هنا بعض الأمثلة :(1/432)
- أليس الربّ هو الذي وعد هاجر من أنّه سيجعل من ابنها إسماعيل (عليه السلام ) أمّة كبيرة (التكوين 21:18)؟فماذا قيل عن هذه الأمة الكبيرة في الكتاب المقدّس ؟ لا شيء !رغم أنّ (محمدا صلى الله عليه وسلم ) من سلالة إسماعيل، وهذه الأمة الكبيرة هي الأمة الإسلامية.
- الرّبّ وعد موسى (عليه السلام) بأن يُوجد رسولا مثله (العهد القديم:18نص18) والوحيد الذي يشبه موسى (عليه السلام ) هو محمد (صلى الله عليه وسلم)أما النصارى فيقولون بأنّه يسوع( عيسى عليه السلام)، في حين أنّه لا يشابهه قطّ. ولنكتفي بذكر سبب واحد فقط، فإنّ موسى (عليه السلام )رسول، ويسوع (عليه السلام )ربّ –حسب العقيدة النصرانية-.
-في عهد يسوع،اختلف النّاس اختلافا شديدا في قضية بعثة يسوع المسيح ( عليه السلام ) : البعض قالوا إنّه الرسول الموعود لموسى (عليه السلام) من طرف الربّ، أمّا الآخرون قالوا إنّه المسيح (إنجيل يوحنا:7 نصّ 40-41) ؟، ما يفهم أنّهم كانوا ينتظرون رسولا آخر غير يسوع، والذي ما هو إلاّ محمّد (صلى الله عليه وسلم ).
- يوحنا المعمدان (يحي –عليه السلام- ) في (إنجيل يوحنا:1نص19-25) سئل عن شخصية عيسى (عليه السلام)، فأجاب بأنّه المسيح، لا النبيّ، ولا إيليا.من يكون إذن ذلك النبيّ (الذي ذكره يوحنا) إن لم يكن محمدا (صلى الله عليه وسلم) ؟!.(1/433)
-يسوع بشّر بمجيء "بار قليط آخر"، المشتق من الكلمة اليونانية (بار قليطوس)، مترجمو الكتاب المقدّس يترجمون هذه الكلمة بالمعزّى /الروح القدس(يوحنا 14نصّ :15-26)لكن الحقيقة "بار قليط " تعني شفيعا آخر"، أي :إنسان آخر. لاحظوا ما ورد في (يوحنا16نصّ13-14)عن يسوع (عليه السلام) :"لأنّه لا يتكلم من عنده، بل يتكلم بما يسمع، ويخبركم بما سيحدث ".إنّ هذه النبوءة لا تنطبق على "الروح القُدس" التي هي الشخصية الثالثة في عقيدة التثليث، إنّه لمن المستحيل بأن تكون الكلمات التي ينطقها الروح القدس الله، لكن لاحظوا كيف أنّ هذا المقطع ينطبق تماما على وصف محمد (صلى الله عليه وسلم) لأنّه ورد في القرآن وصفه:
((( وما ينطق عن الهوى 3 إن هو إلاّ وحيٌ يوحى))))النجم (3-4)
إنّ الكلام الذي سيقوله محمد (صلى الله عليه وسلم )لن يأتي من عنده، لكن من عند الله بواسطة الملك جبريل (عليه السلام)، ليكون بعد ذلك مسموعا من طرف الرسول (عليه السلام)، مثلما يختمه (يوحنا:16نص13-14). والرسول محمّد (صلى الله عليه وسلم ) أخبر عن أمور مستقبلية، نبوءات وعلامات القيامة الصغرى والكبرى، كما صوّر التصوير التام ليوم القيامة. أغلب هذه النبوءات والعلامات الصغرى التي تحدث عنها تحققت تقريبا، مما يثبت رسالته.
أليس من علامة مدّعي النبوءة الذي يتكلم باسم الربّ أنّ قوله لن يتحقق (التثنية :18النص21-22)؟
- ثم انظر كيف أنّ الربّ، بوحيه لموسى (عليه السلام)، بشّر بالرسالات الثلاثة الكبرى، تلك التي بعث بها موسى وعيسى ومحمد (عليهم الصلاة والسلام).
"الأبدي جاء من سيناء، أشرق عليهم من سير، سطع من جبل باران" (التثنية:33نص2).
"باران" هو ما نطلق عليه اليوم اسم"مكة"، أين وجد إسماعيل (عليه السلام) قديما، (التكوين:21نص21)، وأين بعث الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) برسالة الإسلام.
وقارن الآن النصوص السابقة من الكتاب المقدس مع هذه الآيات من القرآن :
((1/434)
وَالتّينِ وَالزّيْتُونِ [1] وَطُورِ سِينِينَ [2] وَهََذَا الْبَلَدِ الأمِينِ) [سورة: التين - الآية: 1-3].
إنّ هذه الآيات تشير إلى أماكن وحي رسالات التوحيد الثلاثة. إذن بهذه الأدلة نستنتج أنّ الإسلام ما هو إلاّ تواصل للرسالات السابقة، وأنّ محمدا (صلى الله عليه وسلم ) حقا هو خليفة عيسى (عليه السلام).
أما من الناحية الأدبية فالقرآن تحفة لا نظير لها.
العارفون باللغة ظلّوا منبهرين ومعترفين بعظمة هذا الكتاب المقدّس، قالوا : إنّه من المستحيل أنّ رجلا أمّيا مثل محمد (صلى الله عليه وسلم ) يمكن له أن يكتب القرآن، لكن بعض النّصارى يقولون بكل اعتباط أنّ محمدا نقل من الكتاب المقدّس !فتحققت من الأمر، فإذ بي أجد أنّ القرآن بالعكس ما هو إلا مواصلة للرسالات السابقة، بل حتى أنّه يصحّح الكتاب المقدس في كثير من تناقضاته المهندسة من طرف المحترفين. حتى لا يخطئ النّصارى أو غيرهم إذا ما وجد نوعٌ من التشابه بين الكتاب المقدّس والقرآن حول بعض الأمور، فما هو إلا برهان أنّ الله الذي أوحى بأحدهما هو الذي أوحى بالآخر.
-القرآن حجة واقعية، بأنّ الله الحكيم العليم، أوفى بعهده، إذ هو الحافظ الأمين لرسالته المبعوثة للنّاس، لأنّنا نجد في القرآن قوانين الأخلاق التي أوحيت لموسى وعيسى (عليهما الصلاة والسلام)، وكذلك القوانين الأخلاقية الجديدة (الشريعة ) التي أوحيت لنبيّنا محمّد (صلى الله عليه وسلم ). إذن ؛رسالة الله إلى النّاس كاملة شاملة وتامة ومحفوظة من الله بنفسه :
(إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [سورة: الحجر - الآية: 9]
في أحد الأيام، وبينما كنت أتحدث مع أحد النّصارى حول موضوع القرآن، عبّرت له عن انبهاري وتفاجئي الكبيرين حول هذا الكتاب، فطلبت منه بكلّ سذاجة، وأنا لا زلت نصّرانيا آنذاك أن يخبرني من أين جاء القرآن، فأجابني بأنّ القرآن كلمة الشيطان !(1/435)
وحدث لي فيما بعد –وأنا أقرأ القرآن-أن أصادف هذه الآيات من سورة التكوير : قال تعالى: (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رّجِيمٍ 25 فَأيْنَ تَذْهَبُونَ 26 إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لّلْعَالَمِينَ 27لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ) [سورة: التكوير - الآية:25- 28].
بقراءتي هذه الآيات اهتزت فرائصي من منبت شعري إلى أخمص قدمي !
هكذا ؛كانت أبحاثي هذه، اكتشفت حقيقة الإسلام، فعرفت جيدا الفرق بين حقيقة واقع المسلمين وما ينبغي أن يكونوا عليه كما هو في القرآن الكريم.فلقد كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) صادقا ومحقّا إذ قال قبل أربعة عشر قرنا من الزمان : (وَقَالَ الرّسُولُ يَرَبّ إِنّ قَوْمِي اتّخَذُواْ هََذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) [سورة: الفرقان - الآية: 30].
إنّها الحقيقة، فالمسلمون هجروا القرآن، هدايتهم ونورهم ومنبعهم الحقيقي للوحدة والحياة.
أصارحكم القول، بالرغم من أنّ قلبي وعقلي انتعشا برسالة الإسلام، وبالرغم من أنّي كنت مقتنعا بصحّة القرآن، لكن لم يكن من السهل عليّ أن أبدّل مرة أخرى ديني.كنت خائفا، التجربة النّصرانية علمتني أن لا أتعجل في قراراتي،قلت في نفسي :لربما سيحدث لي مع الإسلام الشيء نفسه الذي حدث لي مع النّصرانية،فلعل غضون أعوام، أكتشف مرة أخرى عدم صحة الإسلام، فقررت التريث والانتظار.
في خلال هذه المدة، القلق استولى على قلبي، كلما تقدمت في أبحاثي، كلما اكتشفت بأنّ اعتناقي للنّصرانية كان أكبر خطأ وقعت فيه في حياتي، كنت أقول لنفسي بأنّي ضيّعت ثلاث سنين في بهتان مبين.ثم هناك تلك المسؤولية الثقيلة ثقل الجبل، والتي كنت أحسّ بها إزاء أناس كنت سبب اعتناقهم للنّصرانية.فكيف أفعل لأقنعهم بخطئي وخطئهم ؟وكيف ستكون مسؤوليتي أمام الله إذا ما مات أحد منهم على هذه العقيدة بدون أن أنذره؟.(1/436)
وقبل كلّ هذا، هذا الحياء وهذا الجرم الذي أشعر به تجاه الله، العليّ القدير، إذ أنّي كفرت به بأن جعلت له شريكا، ونسبت له ولدا!.
في أحد الأيام، وأنا أفكّر في كل هذا، نظرت إلى السماء وأنا أبكي وأردّد من أعماق قلبي دعاء يونس (عليه السلام)، هذا الدعاء الذي أحبّه كثيرا: (لاّ إِلََهَ إِلاّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنّي كُنتُ مِنَ الظّالِمِينَ) [سورة: الأنبياء - الآية: 87].
رؤيا :
تمر الأيام، والألم ينتاب قلبي، أحسست بنوع من " التآكل الروحي "،كانت من أصعب اللحظات في حياتي. حدث أنّه في إحدى الليالي، بعدما عدّت إلى بيتي، وفي ساعة متأخرة من الليل، كنت جدّ متعب إلى درجة أنّه كانت لديّ الرغبة الجامحة لأخفف عن نفسي.
استلقيت على السرير، ورفعت يداي نحو السماء، وبدأت أدعو الله أن ينقذني ممّا أنا فيه، بدأت دعائي بحمد الله والثناء عليه لأنّه أهل لهذا، أو بكل بساطة لأنّه "الإله".حمدتّه على خلق السماوات والأرض، وعلى أن اختارني وأخرجني إلى الوجود، وبعد هذا كلّه، دعوت الله أن يغفر لي جميع ذنوبي، وأن يقبل توبتي.أؤكد لكم بأنّي لم أحسّ بعظمة الله مثلما أحسست بها تلك الليلة، إلى درجة أنّي لم أتوقف عن البكاء، أحسست وكأنّ السماء كانت مفتوحة لي وكل كلمة أنطق بها كانت عند الله مسموعة، ألححت عليه، وطلبت شيئا واحدا فقط:
الهداية إلى صراطه المستقيم.
الحقّ يقال، كنت حينها حياديا في دعائي، كنت أدعو الله،ليس على أنّي نصّراني أو مسلم ولا غيرهما، لكن أدعوه كمخلوق ضالّ يريد أن يعبد خالقه...أمضيت وقتا طويلا، ألحّ في الدعاء وبعد ذلك نمت، فرأيت هذه الرؤيا :
"رأيتني واقفا ممعنًا النّظر إلى مسجد قريب منّي حوالي 15 مترا، كان ثمّة صمت القبور، كنت وحيدا، عيناي لا تدعان قطّ المسجد، وفجأة وإذ بقوة غيبية تحملني وتأخذني بسرعة الضوء وأجدني داخل المسجد !".(1/437)
استيقظت مذعورا تحت وقع الصدمة، مفزوعا، فأدركت أنّه، بلا شكّ، الله هو الذي استجاب لدعواتي من خلال هذه الرؤيا، لم أستطع أن أنطق ولو بكلمة، كان بداخلي إحساس لا يمكن التعبير عنه، عدّت إلى النّوم وعيناي مغرورقة بالدموع.
سبحان الله ! ها هو تأكيد روحي جاء من عند الله يضاف إلى تأكيداتي العلمية على صدق الرسالة القرآنية.
فبدأت أولا باعتناق الإسلام فنطقت بالشهادتين :"أشهد أن لا اله إلا الله، وأنّ محمدا رسول الله".
وقررت أن ألتزم بتعاليم الإسلام، الدّين الحق، هو دين الله، دين جميع الأنبياء والمرسلين.
الحمد لله، وبعد مضي أربع سنوات لا زلت دوما مسلما.
وهناك أمر جدير بالملاحظة !وهو كلما تعمّقت في معرفتي بالإسلام، كلما إزددتّ يقينا ووضوحا، عكس النّصرانية، إذ كلما تعمقتّ في معرفتها كلما راودني الشكّ، واكتنفني الغموض.
وبعد هدايتي، اتجهت نحو أولئك الذين كنت سببا في اعتناقهم للنّصرانية، وشرحت لهم كل شيء، وبعون الله، تقريبا كلهم تركوا النّصرانية، بل ومنهم من اعتنق الإسلام بفضل الله.
رأيت جميع النّصارى الذين عرفتهم، قمت بواجبي أمام الله، المتمثل في إنذارهم بالخطر الذي يترصدهم، وتحذيرهم من الغرور باعتمادهم على يسوع، مثلما هو وارد في النّصرانية.
والله أدعو أن يهديهم إلى حقيقة الإسلام مثلما هداني.آمين
من هو يسوع (عيسى)؟ معرفة الله هي أجلّ معرفة.
من الواضح أن يقال : أنّ الله سبحانه وتعالى بعث رسله وأنبياءه للإنسانية من أجل أن يُعرف، إذ أنّ معرفة الله في الإسلام هي أولى الأولويات، وهي شرط في قبول الأعمال والأفعال: (فَاعْلَمْ أَنّهُ لاَ إِلََهَ إِلا اللّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [سورة: محمد - الآية: 19].
الله إذن يأمر رسوله أولا بتوحيده، ثمّ بالتّوبة.(1/438)
فواضح إذن أنّه قبل أن تؤمن بأي عقيدة كانت، من المهم جدّا أن تستدلّ على هذا الإيمان بمعنى أن تكون مدركا لما سوف تَعبُد، خلافا للكتاب المقدّس فبعد ألفي سنة قضية العقيدة النّصرانية لم تحلّ بعد، "التثليث"و"شخصية يسوع " هما موضع خلاف وجدل من مختلف الطوائف المسيحية : (فَاخْتَلَفَ الأحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ )[سورة: مريم - الآية: 37].
بل هذه القضية تشكّل مشكلا حتّى بين أعضاء الطائفة الواحدة.والأدهى من ذلك هو غموضها للنّصراني ذاته !!.
في حين أنّ القرآن هو الكتاب الوحيد الذي يوضح لنا الأمر حول حقيقة العقيدة المسيحية كذلك حقيقة شخصية عيسى (عليه السلام).هذا الكتاب المقدّس، الموحى إلى محمّد (صلى الله عليه وسلم )، آخر الأنبياء والرسل، هو الكتاب الوحيد الذي يطمئن القلوب،ويثبّتها بالحقائق التي يحويها.
ولكي نعيد النور واليقين إلى الرسالة الإنجيلية والى شخصية عيسى (عليه السلام )مزيلين الغموض عنهما، سنعرض وبإيجاز هذه النقاط بآيات قرآنية، وحتى بنصوص من الكتاب المقدّس.
1-الميلاد المعجز لعيسى (عليه السلام) :
القرآن الكريم : (إِنّ مَثَلَ عِيسَىَ عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [سورة: آل عمران - الآية: 59].
فعندما قدّر الله ميلاد عيسى (عليه السلام)، بغير أن يمسّ مريم بشر، كانت المعجزة "فما من شيء غير ممكن عند الله "(لوقا : 1نص 37).
لماذا نطلق عليه –إذن –اسم ابن الله "؟!.
هل لكونه ولد من امرأة فقط فنجعل لله عائلة!!.
إذ الكاثوليك يدعون مريم :"أم الربّ" (سُبْحَانَ اللّهِ عَمّا يَصِفُونَ) [سورة: المؤمنون - الآية: 91].
((1/439)
وَقَالُواْ اتّخَذَ الرّحْمََنُ وَلَداً [88] لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً [89] تَكَادُ السّمَاوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقّ الأرْضُ وَتَخِرّ الْجِبَالُ هَدّاً[ 90] أَن دَعَوْا لِلرّحْمََنِ وَلَداً ً[91]وَمَا يَنبَغِي لِلرّحْمََنِ أَن يَتّخِذَ وَلَداً) [92]) [سورة: مريم - الآية:88- 92].
2- إنّ عيسى (عليه السلام ) ما هو إلا رسول، رسول إلى بني إسرائيل :
ورد في القرآن في شأنه: (وَرَسُولاً إِلَىَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ) [سورة: آل عمران - الآية: 49]، (مّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ وَأُمّهُ صِدّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيّنُ لَهُمُ الآيات ثُمّ انْظُرْ أَنّىَ يُؤْفَكُونَ) [سورة: المائدة - الآية: 75]، (يَأَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاّ الْحَقّ إِنّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىَ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ) [سورة: النساء - الآية: 171].
نقرأ كذلك في الكتاب المقدّس :
- فقال لهم يسوع : "لا نبي بلا كرامة إلاّ في وطنه ودينه "(متّى :13نص57)
- "ولمَّا دخل يسوع أورشليم ضجّت المدينة كلّها وسألت : من هذا ؟فأجابت الجموع : هذا هو النبي يسوع من ناصرة الجليل "(متّى 21نص 10-11).
- أنا لا أقدر أن أعمل شيئا من عندي :"فكما أسمع من الأب أحكم، وحكمي عادل لأنّني لا أطلب مشيئتي، الذي أرسلني" (يوحنا:5نصّ30).
- "فوقع الخلاف بينهم، وقالوا أيضا للأعمى: أنت تقول إنّه فتح عينيك،فما رأيك فيه؟ فأجاب :ّإنّه نبيّ!"(يوحنا:9نصّ17).
- "أنا الذي كلمكم بالحقّ كما سمعته من الله "(يوحنا :8نصّ40).(1/440)
- "لا تقصدوا أرضا وثنية، ولا تدخلوا مدينة سامرية، بل اذهبوا إلى الخراف الضالة بني إسرائيل "(متّى :10نصّ6). فأجابهم يسوع :"ما أرسلني الله إلا إلى الخراف الضالّة من بني إسرائيل "(متّى : 15نصّ24).
3- رسالة عيسى (عليه السلام ):
القرآن الكريم: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُم مّصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ وَمُبَشّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [سورة: الصف - الآية: 6].
إذن رسالة عيسى (عليه السلام) واضحة :
-بعث مصدّقا للتوراة، ومبشرا بالنّبأ السّار، نبأ مجيء الرسول (عليه الصلاة والسلام)(أحمد أو محمد يطلق في القرآن على رسول الإسلام ).
والكتاب المقدّس أو الأناجيل تؤكّد ذلك :
فيوحنّا المعمدان (عليه السلام) يقول "توبوا، لأنّ ملكوت السماوات قد اقترب "(ملكوت السماوات أو النّبأ السّار)(متّى :3نصّ2).
وقد يظنّ ظانّ أنّ ملكوت السماوات أو النبأ السّار هو الإخبار بمجيء عيسى عليه السلام لكن بعد حين متّى يقول لنا : "وبدأ يسوع من ذلك الوقت يبشّر فيقول : توبوا، لأنّ ملكوت السماوات اقترب "(متىّ4نصّ17).
ممّا يثبت الرسالة الحقيقية لعيسى (عليه السلام) التي هي التبشير بالنّبأ السّار، نبأ مجيء خاتم الرسل، رسول الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم )لقد جاء في الإنجيل على لسان عيسى (عليه السلام)أنّه قال بكل وضوح لليهود بأنّ الحجر الذي رفضه البنّاؤون صار رأس الزاوية ؟ هذا ما صنعه الربّ، فيا للعجب ! لذلك أقول لكم :سيأخذ الله ملكوته منكم ويسلمه إلى شعب يجعله يثمر "(متّى :21نصّ42-43).(1/441)
"الحجر المرفوض "هو أَبُ محمّد (صلى الله عليه وسلم )، أي :إسماعيل (عليه الصلاة السلام) الذي ألقي في صحراء باران (مكّة)، أما ملكوت الله الذي ينزع من اليهود هو وحي الله إلى البشر. وبعد اليهود سيعطى لأمة أخرى، هي أمّة محمد (صلى الله عليه وسلم) التي ستصبح بعد ذلك أمة كبرى، مما يثبت صدق وحي الله لهاجر أمّ إسماعيل (عليه السلام) :"لأنّي سأجعل منه أمّة عظيمة "(التكوين :21نصّ18).
فماذا قيل عن هذه" الأمّة العظيمة"؟لم يذكر الكتاب المقدّس عنها ولا كلمة !.
4- معجزات عيسى (عليه السلام):
القرآن جدّ واضح حول هذه المسألة، فعيسى (عليه السلام) يقوم بالمعجزات، لكن بإرادة وبإذن الله، مثله مثل الرسل الآخرين الذين جاؤوا من قبله، جاء في القرآن :
(وَرَسُولاً إِلَىَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ أَنّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رّبّكُمْ أَنِيَ أَخْلُقُ لَكُمْ مّنَ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىَ بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لآية لّكُمْ إِن كُنتُم مّؤْمِنِينَ) [سورة: آل عمران - الآية: 49]
والكتاب المقدّس يثبت لنا ذلك، بالفعل، ففي (لوقا :11نصّ20)عيسى (عليه السلام)يقول :
"وأمّا إذا كنت بإصبع الله أطرد الشياطين".
قبل أن يحيي عيسى (عليه السلام) لعازر دعا الله أوّلا، طلب منه أن يستجيب له (يوحنا :11نصّ41-42).
إذن فعيسى (عليه السلام) لا يستطيع أن يفعل أيّ شيء بدون إذن الله، أليس هو القائل –كما في (يوحنا 7نصّ42)-:"أنا لا أستطيع أن أفعل شيئا بنفسي ".(1/442)
إلى غاية يومنا، كثير من النّصارى من مختلف الطوائف يشهدون بأنّهم عايشوا أو سمعوا حول حالات شفاء أو رقية تمّت باسم يسوع !لكن نحن المسلمون لا يدهشنا هذا قطّ ! لأنّ الله ورسوله حذرانا من قبل من "الدّّجّالين "، وحتى عيسى عليه السلام حذر من هؤلاء النّاس الذين يفعلون المعجزات باسمه، كما نقرأ في( متّى:24نصّ24)"فسيظهر مسحاء دجّالون وأنبياء كذّابون، يصنعون الآيات والعجائب العظيمة ليضلّوا".
إنّ النّصارى يحتكرون لأنفسهم هذه القدرة بالتركيز أساسا على النصوص الوحيدة المروية من طرف إنجيلي واحد، ألا وهو مرقس (16:نصّ9-20).
زد على ذلك، أنّها نصوص موضوعة بين معقوفتين ( )، ممّا يعني أنّها آيات لا توجد في بعض مخطوطات العهد الجديد (وهذا حسب الكتاب المقدّس : الطبعة الجديدة المنقّحة).
وأمر آخر، هو أنّ عيسى (عليه السلام) في يوم القيامة سيشهد ضد هؤلاء النّصارى الذين يزعمون أنّهم يصنعون" المعجزات"باسمه، فلقد حذرهم من قبل ففي متّى(7نصّ22-23)نقرأ:
"سيقول لي كثير من الناس يوم الحساب : ياربّ،ياربّ، أليس باسمك نطقنا بالنبوءات ؟وباسمك طردنا الشياطين ؟وباسمك عملنا العجائب الكثيرة ؟فأقول لهم : ما عرفتكم قطّ!ابتعدوا عنّي يا من يقترفون ظلما عظيما !.
الظلم العظيم عرّف في القرآن في الآية 13 من سورة لقمان: (لاَ تُشْرِكْ بِاللّهِ إِنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [سورة: لقمان - الآية: 13].
الظلم العظيم الذي يعاب عليه النّصارى،هو أنّهم جعلوا من عيسى(عليه السلام)الرسول إلها !
أكدّتُّ على هذه النقطة لأنّ النّصارى ضلّوا وأضلّوا كثيرا من النّاس بما يسمونه "المعجزات باسم يسوع"، في حين المستفيد الوحيد من عملهم هو الشيطان!.
هذه الخوارق توجد حتى في الديانات الأخرى، لكن ينبغي على النّاس أن يأخذوا حذرهم منها.فإنّ الدّجّال مثلا سيقوم بأعمال عظيمة ليفتن ويضل كثيرا من الناس، إذن هذا الأمر ليس بمعيار لمعرفة الحقيقة.(1/443)
5-قضية الذنب :
القرآن واضح كذلك بالنسبة لهذه المسألة (فالإنسان ضعيف، يقع دائما في الذنب)فالإنسان خلق ضعيفا، وخطّاء، فلسنا ملائكة معصومين !لكن المسلم مطالب بأن يحيا حياة توبة، وأن يطمع في رحمة الله : قال تعالى: (قُلْ يَعِبَادِيَ الّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رّحْمَةِ اللّهِ إِنّ اللّهَ يَغْفِرُ الذّنُوبَ جَمِيعاً إِنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ) [سورة: الزمر - الآية: 53].
في حين أنّ النّصارى، على عكس ذلك، فهم يعتقدون أنّ عيسى (عليه السلام)مات على الصليب من أجل خطايا البشرية، ومن آمن بيسوع غفر له ونجا، لكن الذي لا يؤمن به يموت ومعه ذنوبه، وسيكون مستوجبا للعقاب الأبدي.
"سبحان الله " !ألا تكفي رحمة الله لمغفرة الذنوب ؟!!.
بالرغم من ذلك،فإنّه قبل مجيء عيسى عليه السلام نقرأ في العهد القديم بأنّ مغفرة الذنوب كانت ممنوحة بالتوبة الصادقة.فموت عيسى (عليه السلام) من أجل خطايانا مجرد اختلاق !.
النّصارى في صلواتهم يغنّون ويشكرون عيسى لأنّه غفر لهم ذنوبهم مسبقا كل ذنوبهم بمجرد موته، ولقد ورد في الإنجيل أنّ عيسى (عليه السلام) تحدّث بإسهاب عن هؤلاء الصنف من النّاس، نقرأ مثلا في مثل الفريسي وجابي الضرائب في (لوقا 18 نصّ9-14).
الفريسي أليس مثل هؤلاء النّصارى عندما قال :"شكرا لك يا الله، فما أنا مثل سائر النّاس المحتكرين الظالمين الزّناة، ولا مثل هذا الجابي"؟.إنّ هذا الجابي مثله مثل كل النّصارى، ويظنّ أنّه مبرأ طاهر وناج، ولنقارنه مع هذا الجابي الذي : "لا يجرأ أن يرفع عينيه نحو السماء، بل كان يدقّ على صدره ويقول : ارحمني يا الله، أنا الخاطئ".(1/444)
أليس مثله كمثل المسلم الذي يعترف بأخطائه وذنوبه، ويستحي من الله، ملتمسا مغفرته ؟!ثمّ إنّه من غير المقبول والمعقول بأنّ ذنب شخص يحمل وزره شخص آخر، بل الأصحّ بداهة أن نجزم أنّ كل شخص مسؤول عن نتائج أعماله. من جهة أخرى، إنّه مكتوب في الكتاب المقدّس بأنّ :"النّفس التي تذنب هي التي ستموت، والابن لا يتحمل خطأ أبيه والأب لا يتحمل خطأ إبنه، عدالة المنصف ستكون له، وخبث الشرير سيكون عليه "(حزقيال :18نصّ20).
أبونا آدم (عليه الصلاة والسلام )عصى الله فتاب، فمنح الله له مغفرته (وَعَصَىَ ءَادَمُ رَبّهُ فَغَوَىَ [121] ثُمّ اجْتَبَاهُ رَبّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىَ) [سورة: طه – الأية121- 122].
6-الخلاص :
إنّ النجاة في الإسلام كائنة –قبل كل شيء –برحمة الله، لأنّه من ذا الذي يستحق أن ينال الجنّة وما فيها لو لا رحمة الله ؟لكن رغم ذلك، الأمر الذي يأتي في المرتبة الثانية، هو الإيمان الصحيح بوحدانية الله ثم الأعمال الصالحة.
يقول الله تعالى في القرآن الكريم (وَالْعَصْرِ [1] (إِنّ الإِنسَانَ لفي خُسْرٍ [2]إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصّبْرِ[3]) [سورة: العصر].
وفي كثير من الآيات، يؤكد الله سبحانه على الإيمان والعمل الصالح.
الشيء نفسه بالنسبة للكتاب المقدّس، مثل الرجل الذي سأل عيسى (عليه السلام) كيف ينبغي له أن يعمل ليرث الحياة الأبدية (لوقا:18نصّ18-20)؟ إنّ هذا لشيء غريب، مادام أنّه تقرر أنّ الخلاص في أن تؤمن بموت وبعث عيسى (عليه السلام)، لكن ها هو ذا عيسى (عليه السلام) يجيب السائل بأنّ ليس له إلاّ أن يحفظ وأن يعمل بالوصايا.(1/445)
حتّى أنّ في متّى :(25نصّ34-45) عيسى (عليه السلام) يؤكدّ بأنّ الخلاص سيكون بالإيمان والأعمال، وأنّ إرث الملكوت سيكون للذين قاموا بأعمال صالحة.نفس الأمر في رسالة يعقوب (1نصّ27)و(2نصّ19-26) التي تشير إلى هذا المعنى :"الخلاص يكمن في أن تعتقد بإله واحد وأن تُطبّّق أوامره ".
وهو ما يتفق مع هذه الآية الكريمة: (قُلْ إِنّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَىَ إِلَيّ أَنّمَآ إِلََهُكُمْ إِلََهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا) [سورة: الكهف - الآية: 110].
7-القيامة :
حسب إنجيل برنابا –المكتشف في آواخر القرن التاسع عشر –الذي صُلبَ لم يكن عيسى (عليه السلام)، لكنّه على الأصحّ:"يهوذا الخائن".
بطرس كان جدّ محقّ إذ نفى أن يكون الذي صلب هو عيسى (عليه السلام) (متّى :26نصّ69-75)، بل ابتهل وأقسم بأنّه لا يعرف الذي صُلب.
لقد كان يهوذا هو الذي اعتقل وَوُضع للموت، فالله صنع المعجزة بأن جعل يهوذا يشبه عيسى (عليه السلام)، وكل النّاس أخطؤوا.
القرآن يقول في هذا الموضوع : (وَقَوْلِهِمْ إِنّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلََكِن شُبّهَ لَهُمْ وَإِنّ الّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكّ مّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاّ اتّبَاعَ الظّنّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً [157] بَل رّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً[158]) [سورة: النساء - الآية: 157-158].
8-التثليث (إلوهية عيسى):
إنّ عقيدة التثليث هي أكبر بهتان عرفته البشرية، إنّي مقتنع بأنّ لا أحد من النّصارى يملك اليقين على التثليث، لذا فالشكّ في قلوبهم أكيدا مؤكدا، من أجل ذلك، فالشكّ يعتبر عند النّصراني العدو الأكبر لعقيدتهم بعد الشيطان.(1/446)
"الشكّ يؤدي إلى الحقيقة "، كما يقول ديكارت،"أن تشكّ "معناه : أن تُفكر وأن تطرح أسئلة لتفهم، وكل هذا يعتبر خطرا بالنسبة للنّصراني.
هذا الأخير، وبدون أن يُدرك أنّ العقل هو الذي يحثه لكي يفكر في عقيدة تقبّلها بلا تَبصُّر، يعتقد حينذاك أنّ الشيطان هو الذي يهاجمه، ويجب عليه باستمرار أن يطرده من عقله!
إن الإنسان الذي يملك عقلا لا يقبل أبدا هذه العقيدة !لا داعي أن نعود إلى التناقضات الموجودة في عقيدة التثليث، لقد برهنّا على ذلك بنصوص من الكتاب المقدّس، ثمّ لماذا "مراوغة التثليث "هذه ؟أليس الإيمان بالله الواحد الأحد أكثر اطمئنانا للقلب، وتثبيتا للعقل؟
(أَأَرْبَابٌ مّتّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ) [سورة: يوسف - الآية: 39]
أحمد ديدات كان جدّ محقّ عندما تحدّى النّصارى أن يقدّموا نصّ واحد أين يقول فيها عيسى (عليه السلام) :"أنا الله "أو "أعبدوني". طبعا لا توجد!
جاء في القرآن في هذا الموضوع : (لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِيَ إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ إِنّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنّةَ وَمَأْوَاهُ النّارُ وَمَا لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) [72] لّقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلََهٍ إِلاّ إِلََهٌ وَاحِدٌ وَإِن لّمْ يَنتَهُواْ عَمّا يَقُولُونَ لَيَمَسّنّ الّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [73] أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىَ اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ [74]) [سورة: المائدة - الآية:72- 74].
عيسى (عليه الصلاة والسلام ) ما هو إلاّ بشر، ورسول من الله، أليس هو القائل : "أنا الذي كلمكم بالحقّ كما سمعته من الله "(يوحنا :8 نصّ 40).
((1/447)
اتّخَذُوَاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوَاْ إِلاّ لِيَعْبُدُوَاْ إِلََهاً وَاحِداً لاّ إِلََهَ إِلاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ) [سورة: التوبة - الآية: 31].
أخي القارئ ؛إنّه لجدّ واضح، مثلما تأكّد من أنّه يوجد فرق بين ما لقّنه عيسى (عليه الصلاة والسلام ) وما يلقّنه النّصارى حول حقيقة عيسى (عليه الصلاة والسلام).
خاتمة
التَّفكُّر في الله أمر جدّي ومهم، إنّّها قضية حياة أو موت، جنّة أو نار !فالشخص الذي يريد أن يلتزم بأي عقيدة أو دين ينبغي عليه أولا أن يتأمل ويبحث ويطلب النّصح قبل أن يستعجل.
تخيّلوا معي صدمة وخيبة أمل ذلك النّصراني الذي بعد الموت يكتشف إلها ما عرفه قط ّ في حياته !!.
هذا هو –إذن –ما تعلمته من تجربتي النصرانية.
الحمد لله،الآن بعد أن فتح الله عيناي أدركت جيّدا خطة الشيطان.
اكتشفت أنّ السعادة والطمأنينة التي كنت أحسّ بها وأنا نصّراني لم تكن الاّ تزيينا وكيدا من الشيطان ليضلني ويضلّ كثيرا من النّاس.
(إِنّهُمُ اتّخَذُوا الشّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنّهُم مّهْتَدُونَ) [سورة: الأعراف - الآية: 30]
للأسف الكبير، النّصارى يظنّون ويعتقدون أنّ الله هداهم لنوره، في حين أنّ الشيطان –عليه اللعنة- وليّهم، يضلهم ويحثهم على أن يخدعوا ويضلّوا الآخرين، لأنّ الذي لا يعبد الله، الإله الحقّ الأحد، حتما سيعبد الشيطان.
((1/448)
إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً بَعِيداً[116] إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاّ شَيْطَاناً مّرِيداً [117] لّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لأتّخِذَنّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مّفْرُوضاً [118] وَلاُضِلّنّهُمْ وَلاُمَنّيَنّهُمْ وَلأمُرَنّهُمْ فَلَيُبَتّكُنّ آذَانَ الأنْعَامِ وَلأَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتّخِذِ الشّيْطَانَ وَلِيّاً مّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مّبِيناً [119] يَعِدُهُمْ وَيُمَنّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشّيْطَانُ إِلاّ غُرُوراً [120] أُوْلََئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصا [121] )[سورة: النساء - الآية:116- 121].
أرأيتم إلى مكر الشيطان ؟!"يَعدهم ويمنّيهم "أي يُوهم النّصارى أنّهم ناجون ومغفور لهم مسبقا !وأمّا المسلمون فيؤمنون بالمسيح الحقّ أنّه رسول من عند الله.
أمّا الشيطان ؛ فلقد نجح في إيهام النّاس بأنّ عيسى (عليه السلام) إله، رغم أن يوحنّا حذّر من هذا، ونصح باختبار الأرواح لمعرفة هل هي من الله (1يوحنا : 4 نصّ1-3).
إنّ النّصارى يؤمنون بإله لم يوجد قطّ !مثلما أشار إليه أحمد ديدات – رحمه الله -.
إنّي أعتقد بدون أي مبالغة بأنّ حكمة السامري (متّى:13(1-23) تنطبق تماما على تجربتي النّصرانية،كنت الأرض الطيّبة، ولكمة الكتاب المقدّس أتت ثمارها على قلبي : النّاس حرّفوه، وأنا حصدّت الشكّ حول صدق الرسالة الإنجيلية. يوجد في النّصارى من عمّيت بصائرهم، رغم البراهين القاطعة على بطلان معتقدهم، يكابرون ويصّرون على سلوك سبيل العقيدة المحرّفة، ويستمرون في الكذب على أنفسهم، ويكذبون على النّاس.(1/449)
هؤلاء النّاس على خطر !ولا نستطيع أن نعمل شيئا لهم إلاّ إذا تداركوا الأمر بأنفسهم في ماذا ينفعهم الكبر والإصرار اللذان يقودانهم إلى نار جهنم، والى خسارة أنفسهم إلى الأبد!!.
حتى أنّ عيسى (عليه السلام) يقول عنهم كما في (لوقا:7نصّ32).
"زمّرنا لكم فما رقصتم، وندبنا لكم فما بكيتم ".
وجاء في القرآن (صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ) [سورة: البقرة - الآية: 18]
(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنّمَ كَثِيراً مّنَ الْجِنّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاّ يَسْمَعُونَ بِهَآ) [سورة: الأعراف - الآية: 179].
يوم القيامة عيسى (عليه السلام ) يشهد ضدّهم وسيبرئ نفسه أمام الله من جرائمهم وظلمهم.
(وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنّاسِ اتّخِذُونِي وَأُمّيَ إِلََهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيَ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنّكَ أَنتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ [116] مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [117] إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [سورة: المائدة - الآية: 118] [سورة: المائدة - الآية:116- 118].(1/450)
كانت لي حادثة مع أمثال هؤلاء النّاس، ففي أحد الأيام، وأنا أتحدث مع نصّراني، وبعد عرض طويل، أثبتُّ فيه تحريف الكتاب المقدّس وصدق الرسالة القرآنية، فلم يجد أيّة حجة ليدافع بها، وعوض أن يتوب إلى الله، استحوذ الكبر على قلبه، فختم قائلا :"مهما يكن من الأمر، وحتى إن كان إله القرآن هو الحقّ، أُفضّل أن يلقيني في النّار، عوض أن أعبده "فسبحان الله!!.
أدعو الله أن يهديه للإسلام،إذ لا نملك له ولأمثاله الاّ الدعاء لهم بالهداية.
يوجد –بالمقابل- صنف من النّصارى، متواضعي القلوب، يحبون ويبحثون بصدق عن الله، عندما يكتشفون الإسلام –إن شاء الله –سيهتدون، لأنّ القرآن سيخبرهم بكلّ الحقيقة، يقول الله تعالى في حقّهم : (لَتَجِدَنّ أَشَدّ النّاسِ عَدَاوَةً لّلّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنّ أَقْرَبَهُمْ مّوَدّةً لّلّذِينَ آمَنُواْ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّا نَصَارَىَ ذَلِكَ بِأَنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ [82] وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرّسُولِ تَرَىَ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدّمْعِ مِمّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقّ يَقُولُونَ رَبّنَآ آمَنّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّاهِدِينَ [83] وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ الْحَقّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصّالِحِينَ [84] فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ الْمُحْسِنِينَ) [85] [سورة: المائدة - الآية:82- 85].
أيها النصارى واليهود ؛ بل أيّها النّاس بمختلف اعتقاداتكم ؛استجيبوا لنداء الله خالقكم الواحد :
((1/451)
قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ) [سورة: آل عمران - الآية: 64].
هذا هو إذن ما سيوحّد، ليس النّصارى والمسلمون فقط، بل كلّ البشرية على وجه الأرض، إنّها العودة إلى الله الواحد، واتّباع سبيل الإسلام :
(إِنّ الدّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) [سورة: آل عمران - الآية: 19]
(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الاَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [سورة: آل عمران - الآية: 85]
دينٌ خالصٌ وقيّم : (أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ إِيّاهُ ذَلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ وَلََكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [سورة: يوسف - الآية: 40].
دين مؤيّد بكتاب محفوظ من الله وحده :
(إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [سورة: الحجر - الآية: 9]
(أَفَلاَ يَتَدَبّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً) [سورة: النساء - الآية: 82].
(مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىَ وَلََكِن تَصْدِيقَ الّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [سورة: يوسف - الآية: 111].
هذا هو إذن القرآن، إنّه نور لمن أراد أن يبصر، هداية ورحمة لمن أراد أن يستقيم، وليس بشيء لمن يقرَؤه بأعين الموتى.
كلمة "إسلام" تعني "الاستسلام والخضوع "،أن تتعلق كليّا بالله راضيا به ربّا، وأن تعيش طوع أمره.
أبونا في العقيدة، إبراهيم (عليه السلام) كرّم كثيرا من الله، لأنّه كان القدوة الكاملة في خضوعه التّام لله.(1/452)
إذ أنّ الله أمره أن يذبح إبنه الذي يحبه كثيرا، فما كان من إبراهيم الاّ أن يطيع ويخضع.ولقد اختصر سليمان (عليه السلام) حكمته بهذه العبارة –كما في( الجامعة :12نصّ 13)-:"اتّق الله،واعمل بوصاياه، تكن إنسانا كاملا ".
الأمر نفسه بالنسبة لعيسى (عليه السلام)، كان خاضعا لله، وعاش حياة مُنفّذا وصايا الله، إذ يقول:كما في (يوحنا :6نصّ38)-:"بعثت لا لأعمل ما أريده أنا، بل ما يريده الذي أرسلني "
لقد كان رسولنا محمّد (صلى الله عليه وسلم ) النموذج الأمثل في خضوعه لله، في حركاته ونظراته وكلماته وأعماله، بل حتى في أبسط أمر من حياته، ما هذا ؟إلاّ تعبير عن هذا الخضوع والعبودية التّامة لله سبحانه وتعالى :
(لّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللّهَ وَالْيَوْمَ الآخر وَذَكَرَ اللّهَ كَثِيراً) [سورة: الأحزاب - الآية: 21].
إنّ المسلم وهو يضع جبهته على الأرض أثناء صلاته، في هذه الوضعية الكريمة (السجود) ما هي إلاّ إشارة إلى الخضوع والاعتراف للخالق من طرف المخلوق، فالمسلم إذن يعبر بهذه الطريقة عن خضوعه لله الواحد الذي هو أهل للحمد والعبادة. المسلم في صلاته يضع جبهته على الأرض، هذه الوضعية الشريفة (السجود) ما هي إلاّ تعبير عن الخضوع والاعتراف للخالق من طرف المخلوق، فالمسلم إذن يعبر بهذه الطريقة عن خضوعه لله الواحد الذي هو أهل للحمد والعبادة.
الإسلام هو الدّين الحق من الله إلى الناس، وإنّه دين جميع الأنبياء والمرسلين (عليهم الصلاة والسلام).(1/453)
فالخلاص الحقيقي ليس في أن تستسلم للشهوات الجسدية أو الاجتماعية، ولا أن تعبد الشيطان أو النّاس أو الأصنام،لكنّه في الحقيقة إذعان واستسلام لله الأحد ثمّ القيام بالعمل الصالح : (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنّةَ إِلاّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىَ تِلْكَ أَمَانِيّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ[111] بَلَىَ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [112] ) [سورة: البقرة - الآية:111- 112].
الآن فقط تحقّقت لماذا يقول النّصارى أنّ روح الإسلام هي أصعب روح للإخراج ؛فالإسلام بالنسبة لهم هو الوحيد في هذا العالم بأسره من بين جميع العقائد والديانات والإيديولوجيات الذي يمثّل تحدّيا وخطرا داهما للنّصرانية، لأنّ أكذوبة التثليث –وبكل بساطة-لا يمكن أن تصمد أمام نور التوحيد.
أعزّائي المسلمين وعزيزاتي المسلمات ؛اسمعوا –يرحمكم الله-صرخة الحق هذه من قلب يريد لكم الخير في الحياة الدنيا، والسعادة في الآخرة.
-إن حدث وقال لك نصراني :"يسوع هو الله "، أجبه بأن :"لا إله إلاّ الله".
-وإن قال لك :"الله يتكون من ثلاث "،قل له :
(قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ) [سورة: الإخلاص - الآية: 1].
-وإن أصرّ على أن يشرح لك بأنّ :"الأب إله، والابن إله، والروح القدس إله، والثلاثة يكوّنون إلها واحدا،فأجبه بأنّ:
(أَأَرْبَابٌ مّتّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ) [سورة: يوسف - الآية: 39]
(وَقَالُواْ اتّخَذَ الرّحْمََنُ وَلَداً [88] لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً [: 89] تَكَادُ السّمَاوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقّ الأرْضُ وَتَخِرّ الْجِبَالُ هَدّاً [90] أَن دَعَوْا لِلرّحْمََنِ وَلَداً [91] وَمَا يَنبَغِي لِلرّحْمََنِ أَن يَتّخِذَ وَلَداً [92] ) [سورة: مريم - الآية:88- 92]..(1/454)
-وإن قال لك : "عيسى مات من أجل خلاصك "،قل له :إن كان حقيقة عيسى هو الله، فإنّ الله حيّ لا يموت أبدا!.
-وإن أصرّ وبشّرك بأنّ :"عيسى يدعوك ليغفر لك خطاياك، وأن يحمل خطاياك على الصليب "،قل له :
( وَمَن يَغْفِرُ الذّنُوبَ إِلاّ اللّهُ) [سورة: آل عمران - الآية: 135]
(وَلاَ تَكْسِبُ كُلّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ) [سورة: الأنعام - الآية: 164].
(كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [سورة: المدثر - الآية: 38]
- وإن عاند بقوله :"النّصرانية هي دين الحقّ"، أجبه بأنّ :
(إِنّ الدّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ) [سورة: آل عمران - الآية: 19].
(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الاَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [سورة: آل عمران - الآية: 85].
- وإن عاند، وأحسست أنّ قلبه يتحجّر، (فَلَمّآ أَحَسّ عِيسَىَ مِنْهُمُ الْكُفْرَ) [سورة: آل عمران - الآية: 52].
فاعلم أنّه أصبح أو سيصبح وليّا وخادما للشيطان، الذي يدعو ضحاياه ليكونوا من عداد الخاسرين، ومن أصحاب الجحيم، خذ حذرك إذن، لأنّ سلوكهم الفاتن طعم، وكلماتهم المعسولة تحوي على سمّ قاتل، ألا وهو "الشرك".(1/455)
افرح واحمد الله على هذه النعمة،كن معتزّا من كونك مسلما خاضعا لله، أعلنه حيثما كنت،احكه لأبنائك، أكتبه على طاولة قلبك، وقل لكلّ شخص يعيب عليك انتمائك للإسلام: (قُلْ إِنّنِي هَدَانِي رَبّيَ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مّلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [161] قُلْ إِنّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ [162] لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوّلُ الْمُسْلِمِينَ [163] قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبّ كُلّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ ثُمّ إِلَىَ رَبّكُمْ مّرْجِعُكُمْ فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [164] ) [سورة: الأنعام - الآية161 -164].
اعلموا، أعزّائي القرّاء،بأنّ الإسلام سيظل دوما شامخا،حتى وإن كثر أعداؤه، وحتّى وإن كيد له بكل المكائد الممكنة، وسيواصلون الكيد من أجل أن يوهنوه.
لكن الإسلام سيكون دوما منتصرا،لأنّه بكل بساطة دين الله رب العالمين !لذلك فإنّ الكذب وشتّى الأباطيل ستسقط وتضمحل بالرغم من كون أصحابها هم الأقوياء في نظر العالم أجمع :
(وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَىَ أَمْرِهِ وَلََكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [سورة: يوسف - الآية: 21].
(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ) [سورة: الأنبياء - الآية: 18].
فسبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
اللهمّ فاشهد أنّي بلّغت وأنذرت.
يمكن مراسلة المؤلف على الإيميل التالي: Bouyassim@hotmail.com
***
67- كيف أصبحت رُبى قعوار مسلمة؟
من أنا ؟(1/456)
رحل جدي مجيد وأخاه نجيب قعوار إلى الضفة الغربية ليعشون مع عائلاتهم قرب بحيرة طبريا. ولكن للأسف فقد جاء الاسرائيليون وطردوهم من أرضهم مما اضطروا ليرجعوا إلى الأردن عام 1948. سكن مجيد في الزرقاء وأما نجيب فقد سكن في مدينة العاصمة عمان.
اشترى نجيب أرضاً في الزرقاء وقطعها إلى نصفين متساويين وقال: "هذه القطعة على اليمين لي وهذه القطعة على اليسار لله وبنى كنيسة محلية صغيرة سميت "الكنيسة الإنجيلية الحرة" تسع 50 شخصاً فقط.
لدى مجيد 4 أبناء و3 بنات. واسم ابنه الأصغر داهود وهو الذي قرر ترك بيته من صغره والتغرب في الدنمرك لبناء حياته مما جعله رجلاً غنياً جداً بعد أن امتلك مطعماً ثم بعد فترة صغيرة من الزمن حجز التذكرة إلى الأردن لينتقي شريكة حياته، وبالفعل انتقت أمه ابنة عمه. نجيب الذي كان رساماً بارعاً في الألوان الزيتية وكانت الفتاة جميلة وذكية وعندها أيمان. أما هو فلم يكن متزمتاً في الدين المسيحي.
وبعد التزام داهود في دينه المسيحي، توفي جدي مجيد في عام 1986 وأغلقت أبواب الكنيسة. ولكن الله دعا داهود في عام 1985 ليرجع للأردن ويبدأ خدمته وفتحت الأبواب مرة أخرى في عام 1990
في عام 1995 تم ترميم الكنيسة وأسس داهود ثلاثة كنائس أخر في مدن مختلفة في الأردن وتوسعت خدمته في البلد الإسلامي خلال المسيحية
إن أمي الآن من الخادمات القويات في الكنيسة الأردنية، وقد أسست مؤتمراً سنوياً لكل النساء في الشرق الأوسط، حيث أن هناك 500 فتاة على الأقل يحضرن هذا المؤتمر، ويطرحن مواضيع حقوق المرأة والمشاكل التي تخوضها في حياتها. بالإضافة إلى تدريب قادة الشبيبة وتأسيس البرامج المختلفة للمخيمات. إن كلثوم قعوار من أقوى وأهم الشخصيات في المجتمع المسيحي والأردني.(1/457)
أما أنا فقد ولدت في عام 1981 في الدنمرك ورحلت إلى الأردن مع العائلة وأنا في سن الرابعة، لدي أخت واحدة وأربعة إخوان رائعين، وكنا قائمين في مدينة الزرقاء بالقرب من الكنيسة فبالطبع كانت تربيتنا في الكنيسة أيضاً. لقد درست اللاهوت المسيحي وبدأت خدمتي في الكنيسة مع الأطفال وكنت أعلمهم وأنا ما زلت 12 سنة من العمر. في ذلك الوقت عام 1993 حصلت على معمودية الماء والروح القدس. واستمررت في خدمتي حتى أني أصبحت قائدة ومدربة لمعلمات الأطفال في الكنيسة، فقد عملت برنامجاً متكاملاً لهم وطورت المنهج التعليمي لهم وتبنيت أساليب خلاقة جديدة في تدريس الكتاب المقدس "الإنجيل والتوراة" .
وها أنا هجرت إلى ولاية تكساس في أمريكا عام 2002 مع العائلة، كان يجب علي أن أبدأ حياتي من الصفر، وبدأت أذهب للكلية للدراسة وقد أنهيت درجة الدبلوم في التصميم الفني والرسوم المتحركة .لقد حصلت على الكثير من جوائز الشرف للرسم وعزف الموسيقى على البيانو والفلوت وعزف الموسيقى الشرقية على مستوى المملكة الأردنية الهاشمية عام 1999 .
توفي أبي داهود قعوار عام 2003 مصاباً بمرض السرطان، وقد استلم شيوخ الكنيسة قيادة الخدمة كان أبي داهود أحد أفضل المحسنين الذي يمكن أن تلقاه في حياتك. حيث كان يساعد الناس التي في حاجة، ويشجعهم ويبني ثقتهم بنفسهم. لقد عاش حياة بسيطة جداً مع كل أنواع الناس، وكان هدفه في الحياة إعطاء المحبة لكل الناس كما كان كتابه – الإنجيل يعلمه. كان وما زال مثالاً لنا في المعاملة الصالحة، والمسامحة، حتى في الابتسامة في كل الأوقات وأنا أدعو لله من كل قلبي أن يرحمه ويجعله في مكان السلام.(1/458)
وما زلت أكمل دراستي في الجامعة كمصممة فن ورسوم متحركة، حيث حصلت على التفوق الأكاديمي لعام 2004 و2005 و2006 وحصلت على جوائز الشرف للرسم وعمل الرسومات المتحركة على مستوى الكلية عام 2005. ومهاراتي هي: الرسوم المتحركة، كتابة قصص للمسرح والتلفاز، إخراج دراما مع الخبرة في التصوير وأداء الأفلام.
وقد اعتنقت الإسلام في أكتوبر 2005 وواجهت الكثير من المشاكل مع عائلتي مما أجبرت على ترك البيت لفترة من الزمن ثم تزوجت إلى رجلي العزيز المصطفى بالحور من المغرب.
إن عملي الجاهد لتحقيق أهدافي في الحياة وفي مجال الأعمال الفنية، ملهم من الإبداع والتواصل مع الإنسانية. والآن أنا أعيش في مدينة دالاس في ولاية تكساس في أمريكا.
كيف أصبحت مسلمة؟
لقد ولدت في الدنمرك، وتربيت في عائلة أردنية مسيحية في الأردن كان أبي قسيساً (رجل دين مسيحي) لأربعة كنائس وتعتبر أمي من أكبر القادة النساء المسيحيات في مجتمع الشرق الأوسط. وقد كنت قائدة شبيبة وأطفال في الكنيسة، ومرشدة مسيحية في المجتمع المسيحي فأنا لدي المعرفة الكافية عن التوراة والإنجيل. لقد اتخذت المسيح مخلص شخصي لحياتي عندما كنت الثامنة من العمر، وتعمدت بالماء في الثانية عشرة، ثم تعمدت بالروح في الرابعة عشر من العمر. ولكني لما أغلق عقلي في يوم من الأيام للتعرف على الحقيقة، والبحث عن المعرفة حيث أنني لم أجد السلام في داخلي إلى أن أصبحت مسلمة، وقد اتخذ الكثير من الوقت حتى اقتنعت بالإسلام ديناً.(1/459)
ابتدأت القصة عندما كنت صغيرة، لقد كرهت الإسلام كرهاً شديداً، وعندما كنت في الصف العاشر، رأيت فتاة مسلمة تصلي فركلتها بقدمي ودفعتها وهي ما زالت ساجدة على الأرض. ولقد تشاجرت مع الكثير من البنات في المدرسة الإعدادية الحكومية، وأردت أن أريهم كم أنا مثقفة، لذلك كنت أحضر الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) معي كل يوم، وأقرأ بصوت مرتفع، أو أكتب نصاً منه على اللوح كحكمة اليوم. وأذكر عندما كان شهر رمضان، اعتدت أن آكل أمام البنات المسلمات الصائمات (وأسأل الله أن يرحمني ويغفر لي)، لقد كنت صاحبة مشاكل خطيرة.
في الصف الحادي عشرة (قبل التخرج)، أذكر أنني قررت أن أحضر درس الثقافة الإسلامية وأستمع لما يقوله البنات عن الدين المسيحي. وقالوا أن الإنجيل محرف ومغير، فغضبت كثيراً وشرحت لهم أن الإنجيل إعجازي وقد كتب في أربعة كتب مختلفة من أربعة أشخاص مختلفين في نفس الوقت ولكن في أماكن مختلفة (متى، مرقس، لوقا ويوحنا). فاستطردت إحدى البنات وقالت: "إذاُ فإنك تقولين أن الجن كتب هذه الكتب" انزعجت كثيراً وخرجت من الصف ولم أكن أريد أن أناقش مع البنات أكثر من ذلك.
تساءلت البنات عني وأردن معرفتي أكثر، لذلك أتين وبدأن يطرحن علي الأسئلة عن ديني حياتي وكنت أنا أجيبهن وأريهن الكتاب المقدس ودلائله لمحاولة إقناعهن بدين المسيحية. حتى أنه في يوم من الأيام نادتني معلمة اللغة العربية وقالت لي أنه يجب علي التوقف من التحدث مع البنات عن الدين المسيحي لأن القانون لا يسمح بذلك، فقلت لها أن هذا لا دخل لي في الموضوع، فقالت: "إن لدي شريط مسجل بصوتك وأنت تتحدثين مع البنات عن دينك" حقاً جعلني هذا غاضبة جداً، وأصبح لدي الحقد والكره للمسلمين والإسلام. فزادت خدمتي التبشيرية وأردت من الإسلام أن تتحول إلى مسيحية، حتى أنني عزمت بعض صديقاتي المسلمات أن يأتين إلى الكنيسة لإقناعهن بالدين المسيحي.(1/460)
وها أنا قد تخرجت من المدرسة الثانوية لأنتقل إلى الجامعة وأدرس الكيمياء في جامعة مؤتة في الأردن، وقد علمت أن هذه الجامعة تحتوي على أقوى الحركات الإسلامية على الإطلاق .. وقد أنهيت السنة الأولى من الجامعة وكان يجب علي أن أسجل لصف الثقافة الإسلامية كمادة إجبارية وفي الحق كنت جاهزة له.. أتذكر أن هذا الصف عبارة عن مدرج يحتوي على 150 طالباً، وكنت أنا الوحيدة المسيحية هناك مفتخرة بنفسي أنني مختلفة عن الجميع. وكل مرة يأتي الدكتور (محمد الرواشدة) بموضوع ما كان يجب علي التعليق والمناقشة. أذكر أننا ناقشنا عن الجنة والنار، وعن حقوق المرأة في الدينين الإسلام والمسيحية، حتى أننا تحدثنا عن الإنجيل والتوراة، وكعادتي كنت أحضر معي الكتاب المقدس لأثبت له صحة كلامي وأنكر كلام الدكتور. حتى أنه في يوم من الأيام سألني الدكتور كيما ألاقيه في مكتبه وقال لي أن لدي معلومات زخمة عن الدينين وأخذ يدعوني للإسلام، فأجبته مستبدة: "اسمع دكتور، أنا ولدت مسيحية، وأبي قسيساً لأربع كنائس، وأمي شخصية مهمة في المجتمع المسيحي، لذلك لا مجال لي أبداً أن أغير ديني، ولا أريد تغييره لأي سبب من الأسباب" فتنهد الدكتور أسفاً وقال: "الله يهديك" .(1/461)
بعد فترة من الزمن، بدأت أهاجم الدكتور بنقاشاتي بحكمي على الإسلام، وصرحت له أنه خاطئ وأن كل الإسلام خاطئ. بدأ الطلاب يشعرون بالفضولية، وكانوا حقاً مستغربين من جراءتي، حتى أن بعضاً منهم كانوا يأتون إلي في مكان معتزل بعد موعد الحصص ويسألوني عن ديني، ولكني كنت أجلس في مكان عام غير مهتمة وأبدأ المناقشة معهم. إلى أن الدكتور محمد رواشدة (دكتور الثقافة الإسلامية) ناداني إلى مكتبه وصرح لي أنني أفعل فتنة في الكلية لأنني أتحدث مع الناس عن المسيحية ومحاولة ارتدادهم عن الدين الإسلامي. فسألته عن معنى قوله. قال لي بكل بساطة: "أن الفصل القادم، لن أكون في الكلية أبداً" لم أهتم لكلامه حتى جاء الفصل القادم لأسجل صفوفي, فقال لي المسجل أنني مفصولة من الكلية ولم يعد حتى اسمي في برنامج الجامعة. غضبت كثيراً وتركت الجامعة لأنني علمت في تلك الفترة أنني قريبة جداُ لأذهب للولايات المتحدة الأمريكية ولدي فرصة أحسن.
وها أنا قد هاجرت إلى ولاية تكساس في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2002، محاولة بداية حياتي من الصفر، وكنت أذهب إلى كنيسة دالاس المعمدانية العربية، وكان عمي هو قسيس هذه الكنيسة. في الحقيقة لم أحب العيش هناك فاتصل أهلي مع عائلة مسيحية في ولاية أريزونا لأذهب وأعيش عندهم وأبدأ حياتي مرة أخرى، ولكن عندما لم أجد من يدعمني مالياً سألتني عائلتي أن أرجع إلى تكساس وأبقى مع أخي وأختي وكنت أنا أكبرهم، أما باقي العائلة فرجعوا إلى الأردن كي ما يكمل والدي خدمتهما التبشيرية في الشرق الأوسط. وهكذا وجدت عملاً وبدأت دراستي في الكلية وأنا ما زلت أذهب إلى الكنيسة أعمل نشاطاتي المسيحية المعتادة، حتى أني كنت أبعث بعض البرامج والمناهج الجديدة للكنيسة في الأردن وأساعد في تدريس الإنجيل مع الأطفال.(1/462)
في ديسمبر عام 2003 انتقل أبي إلى رحمته تعالى مصاباً بمرض السرطان (نسأل الله أن يرحمه) ولكن هذا لم يوقفني من متابعتي في الحياة.
أقول لك في التحقيق أني أتيت إلى الولايات المتحدة لأبشر عن المسيحية وأكمل خدمتي التبشيرية، وكان هدفي وصول العرب المسلمين ومحاولة ارتدادهم للمسيحية، لأنني أعتقد أن أمريكا هي دولة حرة فيها حرية الفكر والتعبير والكلام.
وهكذا تقابلت مع مجموعة من الأصدقاء المسلمين، وبدأنا التحدث عن الديانات المسيحية والإسلامية، فأنا أعلم التوراة والإنجيل حق المعرفة، كنت أناقشهم بحدة وأحاول إقناعهم للارتداد. وهكذا أحضر أصدقائي شاباً اسمه المصطفى بالحور – الذي هو زوجي الآن – ليكمل في النقاش معي. وكانت بالنسبة لي كالسباق، فعلاً كان لديه المعرفة الواسعة في القرآن والسنة، لذا لم أحببه أبداً. وكنت معظم الوقت أحاول إضافة الكاز على الدخان لتضخيم المسائل الدينية، وأحياناُ نصل إلى نهاية عقيمة مغلقة، فأنا كنت عنيدة جداُ حتى أنني بدأت أحس بالإرهاق.
على كل حال، كانت أمي قادمة في أيلول 2005 واعتقدت أن هذه حجة مناسبة لتجنب النقاش والذهاب بسبيلي، لأنني كنت أشعر بالضيق.
كنت أعتقد أنها ستكون إهانة لي لو خسرت النقاش، لذلك قلت لأصدقائي أن علي الذهاب ولكن مصطفى ناداني باسمي وقال: "أريد دليلاً" فسألته عما يتحدث، قال: "اذهبي فتشي الإنجيل بكامله، لن تجدي آية واحدة تفصل أن المسيح قال عن نفسه هو الله، لم يقل أبداً: أنا الله" لقد وجدت هذه الفرصة المناسبة لدعوته للمسيح (الذي كنت أعتقد أنه المخلص الشفيع وأنه ابن الله) .
فقلتها بسخرية: "ما الذي تقوله، إنه من المؤكد أن هناك آيات كثيرة تقول أن المسيح هو الله!" قال مصطفى: "أرني الدليل" ذهبت للبيت وهذا السؤال عالق في عقلي يؤنبني"
فتحت الإنجيل وبدأت البحث، وبعدها ذهبت إلى الانترنت للبحث، ومن ثم إلى الكتب ولم أجد شيئاً.(1/463)
وبعدها سألت أمي وبدأ نقاشي معها. قالت لي: "في الحقيقة لا يوجد هناك آية حقيقية تصرح أن المسيح قال عن نفسه أنه هو الله، ولكنه قال؛ من رآني فقد رأي الآب" فأجبت: "ولكن الآب والابن ليسوا متشابهين؟" قالت: "ولكنك تعلمين أن لهم نفس المستوى في القوى، وهم واحد في الثالوث الأقدس (الآب والابن والروح القدس)"
لذا فإن القضية الأولى فاشلة ولا يوجد لديها أي دليل، والآن لنذهب للقضية الثانية ألا وهي: المسيح هو الابن (ابن الله)
بدأت بالبحث أكثر، ووجدت أن هناك معادلة مكتوبة في الإنجيل، إنجيل يوحنا 1:1 " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله" حسناً؟ اذاً فان الكلمة هي المسيح الذي خلق من بدء الخليقة وهو كان عند الله .
ولكن في نفس الآية أو العدد يقول: " وكان الكلمة الله" فتعجبت أن الله=المسيح وأن الله مع المسيح في نفس الوقت! كيف يكون هذا؟
هذه معادلة رياضية باطلة، كيف يمكن أن يكون المسيح الله وهو معه في نفس الوقت، هل هو مفصوم الشخصية؟ هذا شيء غير واقعي ولا يمكن أن يتخيله العقل
لذا فقد تركت هذا النص وتوجهت إلى نص آخر، إلى رسالة يوحنا الأولى الإصحاح الخامس وعدد 7 يقول: " فان الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد" فرحت جداً لأنني اعتقدت إنني وجدت الحل؛ الآب=الابن=الروح القدس (هم واحد)
ولكن العدد الذي بعده مباشرة 8 يقول: " والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة الروح والماء والدم والثلاثة هم في الواحد" الروح=الروح القدس، الماء=الآب، والدم=الابن. فكيف يمكن أن يكون الثلاثة=(هم) واحد والثلاثة (في) واحد في نفس الوقت، هناك فرق بين المعنيين.(1/464)
ثلاثة (هم) واحد معناها أنهم الثلاثة في نفس المستوى في كل شيء حتى في القوى والمكونات (مثال: الماء تتشكل إلى ثلاثة أشكال السائل، الصلب والغاز، ولكنها لا تتأثر كيميائياُ فهي تحتوي على الهيدروجين والأوكسجين). أما الثلاثة في (واحد) فإنها تشبه ثلاثة إخوان لهم نفس اسم العائلة، ولكنهم ثلاثة شخصيات مختلفة.
بالإضافة أنه إذا فعلاً اعتقدت أن الله ثلاثة، فلِمَ لدينا خليقة واحدة وليست ثلاثة؟ فعلى سبيل المثال لو أحضرنا ثلاثة رسامين ليرسموا لنا شجرة معينة، كل واحد منهم سوف يرسمها بأسلوبه الخاص تبعاً لطريقة تفكيره، وحتى إذا كانوا الثلاثة في الواحد يخلقون الخليقة، فإن كل واحد منهم سوف يخلقها بطريقة مختلفة عن الأخرى، حتى لو كانت بنفس الهدف ولن ستكون بأسلوب كل واحد منهم الخاص.
وهنا بدأت أرى التناقض في الكتاب المقدس، فمن أين حصلت بهذا الكتاب؟ أنا أعلم أن المسيح قال عن نفسه ابن الله ولكني أعلم أن جميع اليهود يطلقون على أنفسهم أولاد الله وهم ناس بشر مثلنا، فهذا التعبير كان دارجاً في ذلك الوقت.(1/465)
المسيح كان نفسه يجلس لوحده ويصلي، فلمن كان يصلي؟ كان يصلي لنفسه؟ كان يدعو الله حتى أن الكتاب المقدس يثبت ذلك: " في ذلك الوقت أجاب يسوع وقال أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء" متى 11:25 " ثم تقدم قليلا وخرّ على وجهه وكان يصلّي قائلا يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس .ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت" متى 26:39 " فمضى أيضا ثانية وصلّى قائلا يا أبتاه إن لم يمكن أن تعبر عني هذه الكأس إلا أن اشربها فلتكن مشيئتك" متى 26:42 " وبعدما صرف الجموع صعد إلى الجبل منفردا ليصلّي ولما صار المساء كان هناك وحده" متى 14:26 " وفي الصبح باكرا جدا قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء وكان يصلّي هناك" لوقا 1:35 " وبعدما ودعهم مضى إلى الجبل ليصلّي" لوقا 6:46 " ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضا .وإذ كان يصلّي انفتحت السماء" لوقا 3:21 " وأما هو فكان يعتزل في البراري ويصلّي" لوقا 5:16 " وفي تلك الأيام خرج إلى الجبل ليصلّي .وقضى الليل كله في الصلاة لله" لوقا 6:12 وغيرها من الأمثلة الأخرى.
بالإضافة إلى أن هناك ذاكرة أخرى لمعت لي أنه عندما كنت أدرس اللاهوت (العقيدة) المسيحية، جاء أحد الدكاترة البريطانية الكبار، وكان يعلمنا عن تاريخ الكتاب المقدس، وأذكر أنه قال حرفياً: "حسناً .. لقد ذهبت إلى المعرض في بريطانيا لأرى نصوص الإنجيل الأصلية المكتشفة، ولم أجد غير أوراق محروقة، وممزقة وضائعة" فنظرت إلى الكتاب بين يدي وسألت في نفسي ما هذا الكتاب؟؟
من أين جاءت كل هذه الكلمات في الكتاب؟
إذا كنت أعبد إله كاملاً ليس فيه عيباً واحداً، فكيف يمكنني بالإيمان بكتاب غير كامل أو غير محفوظ؟ هذا ليس صحيحاً(1/466)
وبدأت التفكير والتأمل، لو أننا أخذنا كل الكتب السماوية التي على الأرض ورميناها بعيداً، ثم سألنا الناس ليحضروا كتاب آخر مطابقاً للكتب الأولى، فلن أجد مسيحياً واحداً يحضر لي إنجيلاً مطابقاً له، بينما سأجد على الأقل مليون مسلماً حافظين القرآن ظهراً عن قلب لأن المسيحيين لديهم نسخ كثيرة مختلفة عن بعضها البعض ، وما زالوا يكتشفون نصوصاً إنجيلية
جديدة إلى حد الآن، أليس هذا عجيباً؟
وبعد ذلك بدأت أدرس لاهوت صلب المسيح، فهل مات المسيح حقاً؟
وبدأت بالتفكير بهذا الإنجيل الذي بين أيدينا، هل هو حقيقياً؟ الأشخاص الذين كتبوا الأناجيل هم يهود تبعوا المسيح وراقبوه وكتبوا سيرة حياته .. لقد رأوه يموت على الصليب .. ولكن هل من الضرورة أنهم رأو نفس الشخص المسيح الذي يصلب؟؟
في القرآن الكريم يقول الله عز وجل: " وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)" فإذاً الناس الذين رأوا المسيح يقتل، رأوا شخصاً مشابهاً له.
فإذاً ما هذا الذي بين أيدينا؟؟ سيرة المسيح وأكثر من 75% ملقحة.
والآن ها قد حصلت على النتيجة بين يدي: المسيح هو ليس الله، ولا حتى ابن الله .. خفت كثيراً وقلقت لدرجة لا تصدق. كل هذه السنوات؟ 24 سنة من حياتي وأنا أدرس نظريات غير معتمدة من الإنجيل والتوراة. 24 سنة من حياتي أعبد الإله الخاطئ . 24 سنة من حياتي ذهبت سدى، كذبة محققة.(1/467)
أردت الانتحار، شعرت أن الأرض تهتز من تحت قدمي، وأصابني الرعب. أردت أن أرجع إلى بداية المطاف وأبحث من جديد لأثبت العكس، ولكني صمت قليلاً، لا أعرف ما الذي سيحدث بعدها .. شعرت أنني أدمر حياتي. وصرت أفكر .. أنا أؤمن أن المسيح الآن هو إنسان نبي مرسل من الله سبحانه وتعالى، وأنا أؤمن بجميع الأنبياء الذين قبله .. ولكن كانت لدي هناك مشكلة بسيطة مع النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)
في الحقيقة لم أتعلم شيئاً عن حياته، وكل ما أعلمه هي معرفة بسيطة عن طريق المسيحية الذين زرعوا في داخلي هذه الأفكار عنه (صلى الله عليه وسلم)، ولكن كيف يعظموه الناس المسلمين طوال الوقت؟؟
قلت، كيف يمكن أن تكون هذه مشكلة والقرآن الكريم أتى من الله من خلال النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ إنه حقاً لرجل متميز .. أعظم الخلق (صلى الله عليه وسلم) إذاً فهي ليست مشكلة أبداً أن أؤمن بنبي آخر وهو خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم.
بالإضافة أنني أعلم أن هناك إنجيل خامس غير قانوني أو شرعي لدى المسيحية اسمه (برنابا) لأن هناك الآية التي يقول فيها المسيح (سيأتي بعدي نبي اسمه أحمد) ويحدثنا أيضاً أن المسيح عليه السلام شبّه به ولم يمت على الصليب بل ارتفع قبل إمساكه.
تركت غرفتي بعد تأمل طويل وتفكير عميق في البحث، واتصلت مع أصدقائي المسلمين الذين لم أرهم منذ شهرين على الأقل. وذهبت لرؤيتهم. فعلاً كنت أصلي إلى الله وأبكي: "إذا كان هو الطريق الصحيح، فغير حياتي، وإذا لم تكن فاجعلني أموت في حادث سيارة قبل أن أصل أصدقائي واجعلني أدخل الجنة .. فكل ما أريده هو الحقيقة ومرضاتك يارب، وكل ما أبغيه هو الجنة"
وهكذا وصلت إلى أصدقائي ودموعي تذرف من عيني، فاعتقدوا أن شيئاً مكروهاً قد حدث لي، وكان هناك زوجي الحالي مصطفى، وكان الجميع ينتظر مني أن أتكلم ليعلمون حقيقة أمري، ثم استطردت:
أشهد أن لا إله الاّ الله .. وأشهد أن محمد رسول الله(1/468)
عم الصمت لعدة دقائق والجميع يرمقني باندهاش، ثم قال مصطفى ساخراً: "أسكتي .. ولا تكذبي" أذكر أنه كان الثالث من أكتوبر.
قلت له: "أنا لا أكذب، وبدأت بالبكاء والشهيق"
قال: "لي مستغرباً، لقد قلت المرة الأخيرة في نقاشنا أنه لو قلت الشهادتين وأنت لا تؤمني بها فهذا لا يعني أنك أصبحت مسلمة! فكفى كذباً"
قلت له: "أنا لا أكذب، غداً سيكون أول يوم في رمضان، والآن ستعلمني كيف أفعل الوضوء وكيف أصلي وكل شيء"
عندما سمعني أقول ذلك ورأى الإصرار في عيني، وقع علي باكياً من الفرحة والانفعال الشديدين وعانقني مرحباً بي في الإسلام
وفعلاً تعلمت الصلاة وكل التقاليد والسنة في ليلة واحدة، واشتريت حجاباً وبدأت أمارس عقيدتي الجديدة. ولكني أخفيت إسلامي عن العائلة لمدة أسبوعين.
في ذلك الوقت، ذهبت إلى الإمام وأعلنت إسلامي، وبدأت أتعلم القرآن، وأفعل المقارنات ما بين الإنجيل والكتاب المجيد القرآن الكريم، وكان من الصعوبة علي في البداية من التخلص من الرجوع إلى الإنجيل، ولكن الحمدلله فقد تغلبت على هذه العادة، وبدأت أتعلم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن.
وكما قلت سابقاً فقد أخفيت إسلامي عن العائلة في البداية، وكنت أصلي الساعة الثانية أو الثالثة بعد منتصف الليل حتى لا يراني أحداً أو يشك بي.
وفي يوم من الأيام كنت ذاهبة من البيت إلى الكلية وكان معي حقيبتي التي تحتوي على القرآن والحجاب، ولكن فجأة، وقع الحجاب على الأرض ورأته أختي ولكنها لم تعلم ما الأمر إلى أن جاء الليل واستيقظت لتراني أصلي، فعلم أعضاء العائلة عن إسلامي، وبدأ الابتلاء.(1/469)
رفعوا صوتهم علي وصاحوا، واعتدوا علي نفسياً وعاطفياً، نعتوني بجميع الكلمات القذرة وغير الملائمة. ضربوني إلى أن وصلت للموت وهددوني بالقتل، ومع ذلك فقد كنت هادئة ولم أحاول مناقشتهم في شيء، ولكني تركت البيت داعية من الله أن يهديهم. بقيت مع صديقتي المسلمة لمدة شهرين قبل أن أتزوج بمصطفى .. الحمدلله .. لقد فقدت عائلتي، ولكني كسبت عائلة مسلمة أخرى في المسجد فقد رعوني رعاية رائعة لا مثيل لها وجازاهم الله كل خير.
وبعد ذلك انتابتني الكثير من الضغوط النفسية بسبب الاعتداءات التي حصلت معي، وما زلت لحد الآن أستلم على الأقل 25 مكالمة وايميلات يومية من كل أنحاء العالم، يسبون علي ويهددوني وما إلى غير ذلك
وغير المكالمات الهاتفية، فقد اتصل معي أكبر العلماء والدكاترة المسيحيين من الأردن والولايات المتحدة، يناقشون معي الدين المسيحي ومحاولتهم لإعادتي لدينهم.
سبحان الله .. لقد اعتدت أن يكون معي الإنجيل دائماً في الحوارات الدينية وكان الاتجاه المعاكس هو القرآن، والآن فقد انقلبت الطاولة وأصبح القرآن معي دائماً وأبداً , ومع كل هذا، فقد تعلمت الدروس المهمة في ذلك الوقت القصير، تعلمت أن أكون صبورة ومتواضعة وأتأمل الآن في قصة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكيف أهين من أهله وضرب، وهذه قصتي لا تساوي شيئاً بالنسبة له صلى الله عليه وسلم، حقاً لقد تعلمت الكثير.
ولربما فقدت شرف اسم عائلتي في أعين الناس، ولكني فخورة أني اكتسبت أعظم شرف من الله سبحانه وتعالى ألا وهو الإسلام. وفعلاً إنك لا تستطيع أن تتخيل السعادة والسلام اللذان غمراني منذ أن أسلمت بالرغم من كل هذه الإهانات .(1/470)
وفي الحقيقة أني تغيرت كثيراُ كما كنت عليه في الأول، حتى أن زوجي لاحظ هذا التغيير الشاسع، فقد تعلمت كيف أكون هادئة مع الناس الذين يعتدون علي، وتعلمت كيف أبتسم لهم رغم وجودي في أصعب الأوقات، ورغم فقداني وظيفتي لكوني مسلمة محجبة، ولكن الله عز وجل يعوضني بما خسرت بأضعاف وبغير احتساب .. الحمد لله .
فكل الإسلام هو وجود السلام الداخلي الحقيقي، فإنك بالتحقيق لا تستطيع أن تجد هذا السلام من اللذين هم حولك، ولا حتى في البيئة التي أنت تعيش فيها، يجب أن تكون اقتناع داخلي منك عن طريق محبتك لله وإرضائه وتسليمه قلبك له. وإذا كانت عبادتك حقيقية لله واتبعت طريقه فبالطبع ستكون سعيداً في حياتك لأن الخطيئة تحرمك من هذا السلام وتعكر مزاجك وهي ألم أكثر من سعادة دنيوية. وها أنا أنظر إلى وجوه الناس وأرى الكثير من الحزن والدموع لأنهم بعيدين عن الله الحي الخالق عز وجل ، وأحياناً أرى قلوبهم المظلمة ولا يريدون إضاءة شمعة الرجاء فيهم ويلتهون بمشاكلهم ومشغولياتهم ويتمسكون بالدنيا بدل الآخرة. كل ما أعرفه الآن، هو أن هدفي في الحياة عبادة الله وإرضاءه وصلاتي له وإتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم والعمل من أجل الجنة .. الحمدلله أنا أرجو أن تكون هذه القصة حافزاً لك وتشجيعاً لروحك وإيمانك بالله.
يمكن التواصل مع السيدة ربا قعوار على الإيميل التالي:
Ruba_Qewar@yahoo.com
***
68-من مغني في كورال كنسي إلى داعي إلى الله(1/471)
في بداية حديثه عن قصته مع الهداية تكلم عن قدرة الخالق جل شأنه في الكون فقال: إن لكل صنعة صانع، ولكل أمرٍ مدبر حكيم وهذا الكون يتفرد مع صنعه بحكمة الله تعالى الذي أوجده بقدرته جل شأنه، وكل فعل في الحياة له سبب حتى تسير الأمور طبيعية، فوجب على كل إنسان مخلوق في هذه الحياة، أن يؤمن بالله وحده سبحانه وتعالى، ويعلم أنه الخالق الواحد الذي خلق الكون بما فيه من الأحياء والجمادات دون مساعدة من أي مخلوق آخر، كما يعتقد المؤمن الصادق أن هذه المخلوقات في حاجة إلى الرعاية والحماية من الزلزال والانهيار والزوال والله هو صاحب الفضل ومالك الملك الرحمن الرحيم دون أن يتخذ صاحبة ولا ولداً هو الحي القيوم المهيمن على هذا الملك "وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً"
المهتدي كان شماساً في كنيسة :
محمد سوماوي من الفلبين ،كان يعتنق النصرانية، ومتمسكاً بها إلى درجة الالتزام بمواعيد الصلاة والترانيم التي تقام بداخل الكنيسة، كما أنه كان منشداً ضمن الكورال الديني مثله مثل والديه اللذان يتمسكان بدينهما.
رحلتي مع الهداية(1/472)
تبدأ رحلتي مع الهداية في عام 1990 أثناء الغزو العراقي للكويت وكيف أن هذه الأحداث كانت سبباً في هدايتي لقد كان أساس عقيدتي هو الإيمان بالله، فعندما كنت نصرانياً كانت تراودني الأسئلة الكثيرة في كل وقت، وكنت دائم الحضور للمناسبات الدينية النصرانية، كما كنت عضواً في الكورال الديني كناشد لله وهو المسيح بن الله كما يعتقد النصارى – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً وهذا هو مبدأ الدين والعبادة السابقة لي "أن المسيح عيسى هو إله بن الله!!! مثلما درست وتعلمت منذ ولادتي.ولكن الأسئلة التي كانت تراودني كثيرة، فلم أكن مقتنعاً بما نفعله، ولم أطمح من وراء هذه العبادة إلا أن أعيش معهم كفرد نصراني كاثوليكي. عملي السابق بالفلبين كنت أعمل لحاماً في تركيب الشبابيك الحديدية والأبواب، بالإضافة إلى سائق وفي وقت آخر أقوم بتوصيل المسافرين مقابل القليل من الأجر.ولم يكن في خاطري في يوم من الأيام أن أسافر خارج الفلبين، أو للكويت، كي أعمل هناك كنت أظن بأن عملي لا يؤهلني إلى العمل بالخارج.
سفر أختي :(1/473)
لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى، سافرت أختي الكبرى إلى الكويت للعمل بها قبل الغزو العراقي وفي أثناء وجودها حدث الغزو واستمر لمدة سبعة أشهر، لم نعرف أي شيء عنها، ولم يأتنا خبر يطمئننا عما هي فيه، وازدادت حيرتنا عليها، وهي الأنثى الوحيدة بيننا كأخت، وتظفر بقدر كبير من الحب لدى والدينا، وفي هذه الفترة كان الحزن يخيم على الأسرة، وزاد انشغال أبي وأمي عليها أشد الانشغال، ومن كثرة الأحداث فقدنا الأمل في بقاءها على قيد الحياة، وأنا أكبر إخواني الذكور، فكان عليَّ مسئولية التحقق من فقدانها، هل هي حية أم ماتت؟ الأمر ليس سهلاً ويحتاج إلى البحث الكثير والسؤال عنها لدى كل من أقبل وأدبر – والأكثر من ذلك – كيف نتصرف إن كانت ميتة؟ وأين هي إذا كانت حية؟ الأمر كله يرجع إلى الله سبحانه وتعالى... وعليِّ أن أمهد إلى ما لو حصل سوء لأختي كيف أتصرف وهذا ما كنت أقوم به وأهدئ من روعهما وأمسح دموع آلامهما ، لقد كانا يحزناني جداً.
المهم أننا فقدنا الأمل، ولم يعد يراودنا أدنى شك في رجوعها إلينا.
المفاجأة :
بعد 9 أشهر من سفرها وهذه المدة تساوي مدة حمل الوليد، وبعد انتهاء الغزو العراقي للكويت، استلمت رسالة من البريد، وهي تعد بمثابة الولادة الجديدة لأختي بالنسبة لنا وبمثابة ولادتها في الإسلام، وإذا باسم أختي مكتوباً على الرسالة باسمها قبل الإسلام، واسمها بعد أن منَّ الله عليها بالهداية، فقد أسلمت في هذه الفترة، المهم أننا فرحنا جداً وعم السرور على وجوه الأسرة، لقد كانت مفاجأة بالنسبة لنا، وما أجملها من مفاجأة... أختي ما زالت حية!! الأم تبكي من شدة الفرح وتحمد الرب الذي حفظ أختي – أخبرتنا في الرسالة بأنها حية وفي أمان الله وأسلمت وتزوجت من كويتي، وهذا الأمر لا يعنينا بقدر ما كنا نرجو أن نجدها على
قيد الحياة.
سفري إلى الكويت :(1/474)
بعد شهرين من الرسالة الأولى، جاءتنا رسالة أخرى من أختي تذكر فيها بأنها في حاجة ماسة إلى سفري للكويت ووجودي بجانبها، يضحك سوماوي ويقول يبدوا أنها كانت ترغب في هدايتي بسفري إليها!!! المهم أننا لم نفهم من مضمون الرسالة سوى أنها محتاجة لوجودي فقط... وأبديت استعدادي لأن أكون إلى جانبها... وقد كنت مشتاقاً إليها، فهي كما ذكرت أختي الوحيدة ولابد لي من الاطمئنان عليها طالما أن الظروف ستسمح بذلك. ويمضى قدر الله سبحانه وتعالى وتمضي الأسباب تسير كما أرادها جهزت أوراقي وجواز السفر وأرسلته إلى أختي وبعدها وصلتني الموافقة على الدخول إلى الكويت سافرت في 28 نوفمبر 1992.
حياة جديدة ودعوة إلى الإسلام:
مع وصولي إلى الكويت بدأت تدور في ذهني أسئلة عديدة حول هذه الحياة الجديدة، لأنني أول مرة أرى فيها العرب، بهذا الشكل المميز الدشداشة والغترة والعقال، والأمر يختلف تماماً عن الفلبين. انتظرتني أختي في شوق وولع، وكان حلماً لكل منا أن يرى بعضنا البعض لقد جاشت بالبكاء، وكانت تكرر هل أنا في حلم لم تصدق أنني معها حمدت الله حمداً كثيراً وأخذت تسأل عن أبي وأمي وأخواتي كيف حالهما، وأخذتني إلى منزلها هي وزوجها الكائن في منطقة القصور، لبثت معهما مدة ليست طويلة، وأخذا يدعواني إلى الإسلام، بعد أن عرفت كيف أنها أسلمت؟ وبدأ يحبباني في هذا الدين، وكأنها أتت بي من الفلبين لهذا الأمر! سألتهما إن كان في الأمر إجبار على أن أعتنق الإسلام ؟! ردا بكل وضوح ليس الإسلام هكذا.
لا إكراه في الدين:(1/475)
"لا إكراه في الدين" بل الأمر لك!! قلت: إذا فاتركاني لأمري حتى يحكم الله فيه!! لا أخفى عليكم... فقد بدأت أفكر في الإسلام لماذا اعتنقت أختي هذا الدين وأخذ هذا السؤال يطرح نفسه: وهي الآن تدعو إليه؟ بعد ذلك طلبت منهما أن أدرس الإسلام ولابد من إعطائي فرصة لفهم هذا الدين فهماً جيداً فقبلا ذلك وفرحا فرحاً شديداً، واحترما رغبتي، وبدأت أتعلم أسس ومبادئي الإسلام. وبدأ كل منهما يحضر لي الكتب والأشرطة، وأذكر أن أختي أعطتني كتابا بعنوان "الحلال والحرام في الإسلام " كي أقرأه ولم يكن اهتمامي بالحلال والحرام بقدر اهتمامي بمعرفة العقيدة الإسلامية أولاً فهي الأساس في العبادة... وعليها سيكون الإيمان لم أستفد من هذا الكتاب إلا قوانين وصور من حياة المسلم. لم أكن متعجلاً في البحث عن الدين الجديد، وخلال وجودي معهما كنت دائماً أسمع الأذان "الله أكبر – الله أكبر" وبدأت تلين جوارحي من أثر ما يدور من حولي من إيمانيات .
الأذان وسيلة إعلامية :
وكان أول ما عرفته هو معنى هذا الأذان... إنه يدعو المسلمين إلى الصلاة.. ويكون في أوقات محددة من الليل والنهار. بدأ تفكيري يزداد في أمر الإسلام فهنا أذان " الله أكبر – الله أكبر" فوق كل مآذن المساجد.. وهناك أجراس ودقات لا يعنى منها إلا التنبيه فقط.. الفرق جداً شاسع !! بين نداء النصارى والذي يرن كل سبت وأحد من أيام الأسبوع، وبين نداء المسلمين الذي يناديهم في اليوم خمس مرات – طاعة لله...تمضى الأيام مع ملاحظتي لأختي وزوجها وهما يصليان سوياً كنت أشعر أنهما في أشد الطمأنينة والسكينة وبدأ حب الإسلام يتسلل إلى قلبي.
التلفزيون داعية :(1/476)
في يوم من الأيام ذهبت أختي وزوجها لزيارة بعض الأقارب، وتركاني في المنزل وحيداً أشاهد التلفاز في الديوانية لأطالع الأخبار، وما يحدث في العالم... ولكن المدهش أنني فتحت التلفاز وعلى القناة الثانية التي تبث برامجها باللغة الإنجليزية، وكان موعدي مع برنامج للشيخ صلاح الراشد أمرا قدره الله تعالى " الذي إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون".
ووجدت الشيخ/صلاح الراشد أمين عام لجنة التعريف بالإسلام آنذاك وقد كان هذا في شهر رمضان المبارك شهر الهدى والفرقان عام 1993 وفي هذا البرنامج كان يتحدث عن علاقة الإسلام بالأديان الأخرى، ويتحدث عن الإسلام والنصرانية، وعن عيسى ومحمد (صلى الله عليه وسلم) في الإنجيل. وبدأت أنتظر هذا البرنامج الشيق من كل مساء من يوم الأربعاء وأستمع إلى ما يقوله بحرص شديد.
محمد (صلى الله عليه وسلم) في التوراة والإنجيل:(1/477)
وعندما سمعت في هذا البرنامج أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد أخبر عن نبوته في الإنجيل والتوراة، وأنه سيبعث بعد موسى وعيسى عليهما السلام. وكنت أبحث عما يؤكد لي أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ذكر في الإنجيل، لأنني لم أجد اسمه في العهد القديم ولا في العهد الجديد من الكتاب المقدس. أخذت أهتم اهتماماً شديداً بالإسلام كونه يدعو إلى الوحدانية، كما بين لي الشيخ صلاح الراشد وهذا الذي كنت أؤمن به عندما كنت نصرانياً... بيد أن الذي أدهشني، ولم أستطع مقاومته أو معارضته هو شرحه لنبوة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) من خلال الكتاب المقدس عند النصارى قبل أن يحرف ومن مصادر إنجيلية موثوق بها، وقد استشهد بذلك الشيخ/ الراشد، ببعض الإثباتات من الإنجيل.وبالفعل وجدت ما شرحه وبينه حقيقة لبعث الرسول الخاتم (صلى الله عليه وسلم) الذي ورد في الإنجيل الأصلي قبل أن يحرف، ولم أستطع إنكار هذا الأمر وأخذت أقرأ ما جاء في سفر التثنية عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في الإنجيل والذي جاء فيه:" لهذا أقيم لهم نبياً من بين إخوانهم وهو مثلك، وأضع كلامي في فمه، فيخاطبهم بكل ما أمرهُ به، فيكون أن كل من يعصى كلامي الذي يتكلم به باسمي، فأنا أحاسبه .".
بداية اعتناق الإسلام :
وهنا بدأ قبولي للإسلام كدين جديد لي، وبدأ يأخذ ويمتلك شغاف القلب، وبدأ حبي له، يتزايد ومن يستطيع أن يتحمل هذه المحاسبة من الله تعالى فكل إنسان عليه أن يخاف الله، رب الأرباب ومسبب الأسباب ملك الأرض والسماء." اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً"
وتفتح طريقي إلى الإسلام بإرادة الله، وقررت الحضور إلى لجنة التعريف بالإسلام مع زوج أختي لإشهار إسلامي وإعلان شهادتي بوحدانية الله تعالى الخالق، شاهداً بأن عيسى بن مريم هو عبدالله ورسوله ومحمد رسول الله خاتم الأنبياء والمرسلين نبي الرحمة.
المسيح عبداً رسولاً :(1/478)
أشهرت إسلامي في الخامس عشر من شهر رمضان المبارك وأصبح اعتناقي للإسلام من منطلق خوفي من عقاب الله وحسابه لي واقتناعي بوجدانية الله تعالى، وقد زاد ارتباطي بالإسلام وبإخواني المهتدين الجدد، ولا يعني إسلامي أنني تركت المسيح عليه السلام بل إيماني بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسول الله نبياً ورسولاً والإسلام يضع سيدنا عيسى في المكانة المناسبة له وهو عبدالله ورسوله مثل النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، والفرق بينهما أن رسول الله محمد هو خاتم الأنبياء المرسلين، وهذا جاء بالقرآن وذاك جاء بالإنجيل وكلاهما يدعو إلى توحيد الله عز وجل.
تعلمت الإسلام :
والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أرسله الله للناس كافة إلى يوم القيامة والحمد لله، الآن وقد مضى على إسلامي حوالي عشر سنوات قد تعرفت على الإسلام وفهمت هذا الدين فهماً صحيحاً، وزاد إيماني بعد دراستي "للتوحيد في الإسلام" وهو كيفية الإيمان المطلق بوحدانية الله تعالى.أيضاً تعلمت كيف يؤدي المسلم ما عليه من عبادات وما عليه من واجبات، فقد أحل الإسلام حلالاً وحرم حراماً وعلى المسلم أن يراقب ربه في كل حين وهدايتي هي بأمر الله الذي يهدي من يشاء، وهو الذي هداني لأن أكون مسلماً وجاء بي من الفلبين إلى الكويت ليقضى أمراً كان مفعولاً.لا أنسى أصحاب الفضل علي أختي وزوجها بعد الله سبحانه وتعالى، وهذا البرنامج الداعي إلى تنوير عقول العباد الذي أخرجني من دين إلى دين جديد يهدي إلى الرشد ويتبع رضوان الله.
لجنة التعريف بالإسلام والدعوة إلى الله:
ولجنة التعريف بالإسلام التي كان لها الباع الطويل في تدريسي الإسلام وكان انطلاق الهداية والنور في قلبي، بها رجالٌ سخروا من أنفسهم خدمة لدين الله، نسأل الله أن يأجرهم هم والذين أسسوا هذا الصرح العظيم في الدعوة إلى الله.
مساعد داعية :(1/479)
لقد تعلمت ودرست الإسلام بعد إشهار إسلامي بهذه اللجنة واجتزت كل الدورات والمحاضرات وحصلت على عدة شهادات منها وتخرجت في البداية مساعد داعية للجالية الفلبينية والآن أعمل كداعية بفرع لجنة التعريف بالإسلام بالأحمدي والحمد لله فقد أسلم الكثير على يدي فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
الحج إلى بيت الله الحرام :
وشاركت في العديد من الحوارات بين النصارى والمسلمين وحججت إلى بيت الله الحرام عدة مرات واعتمرت عدة مرات وحباني الله برعاية وهداية لم تكن في الحسبان ولم أكن أتخيلها.
هداية الله تعالى :
واقتضت حكمة الله تعالى أن أتحول من منشد في الكورال الديني بالكنيسة إلى داعية إسلامي ... نعم إنها هداية الله صاحب الفضل ومالك الملك الرحمن الرحيم والحمد الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
***
69- نساء يعتنقن الإسلام(1/480)
كانت حياتهن بلا هدف ... فأحببن أن يكون لها معنى .. كانت أرواحهن مسكونة بالظلام ، فابتغين لها رزق النور ..كانت قلوبهن تتمرغ في أوحال المادة ، فغمرنها بسبحات الطهر ، وغمسنها في عطور الإيمان .. حكاياتهن متشابهة!!رحلة طويلة وشاقة في طريق محفوفةٍ بالشك والشوك ، ثم اللحظة العليا التي اجتزن بها المنعطف الأسمى في حياتهن، بعد أن انتصرن في أكبر معركة تخوضها الروح ..وتحولن بنقلة واحدة إلى القمة السامقة ! حيث الإسلام ، فرمين على عتبته آصار الجهل والحيرة والضياع ... هذا المنعطف الذي أعلن فيه شهادة التوحيد ، لا تقاس لحظاته بعقارب الزمن ، بل بدقات القلوب الخافقة الساكنة !.أي مزيج هذا !؟ سكون كله اضطراب !! واضطراب كله سكون !! إنها لحظة مقدسة من زمن الجنة ، هبطت إلى زمنهن وحدهن من دون الناس جميعاً ..إنها لحظة ملهمة أمدّت عقولهن بحيوية هائلة ، وقوة روحية فيّاضة ، فإذا الدنيا وعُبّادها خاضعون لفيض هذه القوة ..أنا لست أشك أنَّ ملائكة تهبط في ذلك المكان ، وملائكة تصعد لترفع ذلك الإيمان الغض النديّ إلى الله .أسأل الله الذي أسعدهن في الدنيا بالإسلام ، أن يسعدهن في الآخرة برضاه ...
الشهيدة المفكرة صَبورة أُوريبة:
(ماريا ألاسترا) ولدت في الأندلس عام 1949م ، حصلت على إجازة في الفلسفة وعلم النفس من جامعة مدريد ، واعتنقت الإسلام عام 1978م ، وكانت تدير مركز التوثيق والنشر في المجلس الإسلامي ، استشهدت في غرناطة عام 1998م على يد حاقد إسباني بعد لحظات من إنجاز مقالها (مسلمة في القرية العالمية) .ومما كتبت في هذا المقال الأخير :
"إنني أؤمن بالله الواحد ، وأؤمن بمحمد نبياً ورسولاً ، وبنهجه نهج السلام والخير ... وفي الإسلام يولد الإنسان نقياً وحراً دون خطيئة موروثة ليقبل موقعه وقَدره ودوره في العالم" .(1/481)
"إن الأمة العربية ينتمي بعض الناس إليها ، أما اللغة العربية فننتمي إليها جميعاً ، وتحتل لدينا مكاناً خاصاً ، فالقرآن قد نزل بحروفها ، وهي أداة التبليغ التي استخدمها الرسول محمد *" .
"تُعد التربية اليوم أكثر من أي وقت آخر ، شرطاً ضرورياً ضد الغرق في المحيط الإعلامي ، فصحافتنا موبوءة بأخبار رهيبة ، لأن المواطن المذعور سيكون أسلس قياداً ، وسيعتقد خاشعاً بما يُمليه العَقَديّون !(1).
رحمها الله وأدخلها في عباده الصالحين .
***
الكاتبة مريم جميلة:
(مارغريت ماركوس) أمريكية من أصل يهودي ، وضعت كتباً منها (الإسلام في مواجهة الغرب) ، و(رحلتي من الكفر إلى الإيمان) و(الإسلام والتجدد) و(الإسلام في النظرية والتطبيق) تقول :"لقد وضع الإسلام حلولاً لكل مشكلاتي وتساؤلاتي الحائرة حول الموت والحياة وأعتقد أن الإسلام هو السبيل الوحيد للصدق ، وهو أنجع علاج للنفس الإنسانية". "منذ بدأت أقرأ القرآن عرفت أن الدين ليس ضرورياً للحياة فحسب ، بل هو الحياة بعينها ، وكنت كلما تعمقت في دراسته ازددت يقيناً أن الإسلام وحده هو الذي جعل من العرب أمة عظيمة متحضرة قد سادت العالم"."كيف يمكن الدخول إلى القرآن الكريم إلا من خلال السنة النبوية ؟! فمن يكفر بالسنة لا بد أنه سيكفر بالقرآن" ."على النساء المسلمات أن يعرفن نعمة الله عليهن بهذا الدين الذي جاءت أحكامه صائنة لحرماتهن ، راعية لكرامتهن ، محافظة على عفافهن وحياتهن من الانتهاك ومن ضياع الأسرة"(2).
***
السيدة سلمى بوافير (صوفي بوافير) :(1/482)
ماجستير في تعليم الفرنسية والرياضيات .تمثل قصة إسلام السيدة (سلمى بوافير) نموذجاً للرحلة الفكرية الشاقة التي مر بها سائر الذين اعتنقوا الإسلام ، وتمثل نموذجاً للإرادة القوية ، والشجاعة الفكرية وشجاعة الفكر أعظم شجاعة .تروي السيدة سلمى قصة اهتدائها إلى الإسلام فتقول باعتزاز : "ولدت في مونتريال بكندا عام 1971 في عائلة كاثوليكية متدينة ، فاعتدت الذهاب إلى الكنيسة ، إلى أن بلغت الرابعة عشرة من عمري ، حيث بدأت تراودني تساؤلات كثيرة حول الخالق وحول الأديان ، كانت هذه التساؤلات منطقية ولكنها سهلة ، ومن عجبٍ أن تصعب على الذين كنت أسألهم ! من هذه الأسئلة : إذا كان الله هو الذي يضر وينفع ، وهو الذي يعطي ويمنع ، فلماذا لا نسأله مباشرة ؟! ولماذا يتحتم علينا الذهاب إلى الكاهن كي يتوسط بيننا وبين من خلقنا ؟! أليس القادر على كل شيء هو الأولى بالسؤال ؟ أسئلة كثيرة كهذه كانت تُلحُّ علي ، فلمّا لم أتلق الأجوبة المقنعة عنها توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة ، ولم أعد للاستماع لقصص الرهبان غير المقنعة ، والتي لا طائل منها .لقد كنت أؤمن بالله وبعظمته وبقدرته ، لذلك رحت أدرس أدياناً أخرى ، دون أن أجد فيها أجوبة تشفي تساؤلاتي في الحياة ، وبقيت أعيش الحيرة الفكرية حتى بدأت دراستي الجامعية، فتعرفت على شاب مسلم تعرفت من خلاله على الإسلام، فأدهشني ما وجدت فيه من أجوبة مقنعة عن تساؤلاتي الكبرى ! وبقيت سنة كاملة وأنا غارقة في دراسة هذا الدين الفذ ، حتى استولى حبه على قلبي ، والمنظر الأجمل الذي جذبني إلى الإسلام هو منظر خشوع المسلم بين يدي الله في الصلاة ، كانت تبهرني تلك الحركات المعبرة عن السكينة والأدب وكمال العبودية لله تعالى .(1/483)
فبدأت أرتاد المسجد ، فوجدت بعض الأخوات الكنديات اللواتي سبقنني إلى الإسلام الأمر الذي شجعني على المضي في الطريق إلى الإسلام ، فارتديت الحجاب أولاً لأختبر إرادتي ، وبقيت أسبوعين حتى كانت لحظة الانعطاف الكبير في حياتي ، حين شهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .إن الإسلام الذي جمعني مع هذا الصديق المسلم ، هو نفسه الذي جمعنا من بعد لنكون زوجين مسلمين ، لقد شاء الله أن يكون رفيقي في رحلة الإيمان هو رفيقي في رحلة الحياة" .
***
الكاتبة البريطانية إيفلين كوبلد:
شاعرة وكاتبة ، من كتبها (البحث عن الله) و(الأخلاق) . تقول :"يصعب عليَّ تحديد الوقت الذي سطعت فيه حقيقة الإسلام أمامي فارتضيته ديناً ، ويغلب على ظني أني مسلمة منذ نشأتي الأولى ، فالإسلام دين الطبيعة الذي يتقبله المرء فيما لو تُرك لنفسه"."لما دخلت المسجد النبوي تولّتني رعدة عظيمة ، وخلعت نعلي ، ثم أخذت لنفسي مكاناً قصّياً صليت فيه صلاة الفجر ، وأنا غارقة في عالم هو أقرب إلى الأحلام ... رحمتك اللهم ، أي إنسان بعثت به أمة كاملة ، وأرسلت على يديه ألوان الخير إلى الإنسانية !"(4).
وقلت أسارعُ ألقى النبيّ *** تعطّرت ، لكن بعطرِ المدينهْ
وغامت رؤايَ وعدتُ سوايَ *** وأطلقتُ روحاً بجسمي سجينهْ
سجدتُ ، سموتُ ، عبرتُ السماء *** وغادرتُ جسمي الكثيف وطينهْ
مدينةُ حِبّي مراحٌ لقلبي *** سناءٌ ، صفاءٌ ، نقاءٌ ، سكينهْ(5)
"لم نُخلق خاطئين ، ولسنا في حاجة إلى أي خلاص من المسيح عليه السلام ، ولسنا بحاجة إلى أحد ليتوسط بيننا وبين الله الذي نستطيع أن نُقبل عليه بأي وقت وحال.
وأختم هذه الرحلة المباركة بهذه الكلمات العذبة للشاعرة "أكسانتا ترافنيكوفا"
التي أتقنت اللغة العربية ، وتذوقَتها إلى حد الإبداع الشعري الجميل ، وها هي تقول :
خذ قصوري والمراعي .. وبحوري ويراعي .. وكتابي والمدادْ
واهدني قولةُ حقٍ تنجني يوم التنادْ(1/484)
دع جدالاً يا صديقي وتعالْ .. كي نقول الحق حقاً لا نُبالْ
ونرى النور جلياً رغم آلات الضلالْ
نحن ما جئنا لنطغى .. بل بعثنا لحياةٍ وثراءْ
وصلاةٍ ودعاءْ .. عند أبواب الرجاءْ .. يومها عرسُ السماءْ .
***
أيها الأخوة هذا الدين العظيم الإسلام إذا و جد من يعرضه عرضا صحيحا سليما فإن النفوس بفطرتها تقبل عليه أيا كان دينها .
تقول صاحبتها كاتبة القصة التي لم أهتدِ إلى اسمها :(1/485)
رأيتها بوجهها المضيء في مسجد يقع على ربوة في مدينة أمريكية صغيرة تقرأ القرآن الذي كان مترجماً إلى اللغة الإنجليزية ، سلمت عليها فردت ببشاشة ، تجاذبنا أطراف الحديث وسرعان ما صرنا صديقتين حميمتين . و في ليلة جمعتنا على شاطئ بحيرة جميلة حكت لي قصة إسلامها ، فأحببت أن أحدثكم بها لعلها تكون لنا عظة وعِبرة . قالت الأخت نشأت في بيت أمريكي يهودي في أسرة مفككة و بعد انفصال أبي عن أمي تزوج بأخرى أذاقتني أصناف العذاب ، فهربت و أنا في السابعة عشرة من ولاية إلى أخرى حيث التقيت بشباب عرب و هم - كما حكت رفيقاتي المشردات كرماء - و ما على إحداهن إلا الابتسام في وجههم حتى تنال عشاء ، وتأوي ليلتها تحت سقف دافئ وعلى فراش مريح ! و فعلت مثلهن .. في نهاية كل سهرة كنت أهرب ، فلم أكن أحب مثل هذه العلاقات ، ثم إنني أكره العرب ، و لكني لم أكن سعيدة بحياتي و لم أشعر بالأمان ، بل كنت دائما أشعر بالضيق و الضياع .....لجأت إلى الدين لكي أشعر بالروحانية و لأستمد منه قوة دافعة في الحياة ، و لكن ديني اليهودي لم يكن مقنعاً ، وجدته دينا لا يحترم المرأة ، و لا يحترم الإنسانية ، ديناً أنانياً كرهته و وجدت فيه التخلف ، و لم أجد فيه بغيتي فأنا لاأقتنع بالخرافات ولا الأساطير ....فتنصرت ... وكانت النصرانية أكثر تناقضا في أشياء لا يصدقها عقل ، و يطلبون منا التسليم بها ، سألت كثيرا كيف يقتل الرب ابنه ؟ كيف ينجب ؟ كيف يكون لديننا ثلاثة آلهة و لا نرى أحداً منهم ، احترت ، تركت كل شيء و لكنني كنت أعلم أن للعالم خالقا . و كنت في كل ليلة أفكر ، و أفكر حتى الصباح .(1/486)
في ليلة كئيبة – وكل لياليّ كانت كئيبة - و في وقت السحر كنت على وشك الانتحار من سوء حالتي النفسية ، كنت في الحضيض لا شيء له معنى ، المطر يهطل بغزارة، السحب تتراكم و كأنها سجن يحيط بي ، و الكون حولي يقتلني ، ضيق الشجر ينظر إلى ببغض ، قطرة مطر تعزف لحنا كريها رتيبا ، وأنا أطل من نافذة في بيت مهجور ... و جدت نفسي أتضرع لله ، يارب أعرف أنك هنا أعرف أنك تحبني ، أنا سجينة ،،، أنا مخلوقتك الضعيفة أرشدني إلى الطريق ، رباه إما أن ترشدني أو تقتلني .. كنت أبكي بحرقة حتى غفوت . و في الصباح صحوت بقلب منشرح لا أدري كنهه... خرجت كعادتي أسعى للرزق لعل أحدهم يدفع تكاليف فطوري ، أو أغسل له الصحون فأتقاضى أجرها ... هناك التقيت بشاب عربي تحدثت إليه طويلا ، و طلب مني بعد الإفطار أن أذهب معه إلى بيته ، و عرض علي أن أعيش معه ، فوافقت على عرضه ورافقته إلى بيته .. بينما نحن نتغدى و نشرب و نضحك دخل علينا شاب ملتح اسمه سعد كما عرفت من جليسي الذي هتف باسمه متفاجئا ، أخذ هذا الشاب بيد صديقي وطرده ، و بقيت أرتعد - فها أنا أمام إرهابي وجها لوجه !!- لم يفعل شيئا مخيفا ، بل طلب مني و بكل أدب أن أذهب إلى بيتي . فقلت له : لا بيت لي ، نظر نحوي بحزن ، استشعرته في قسمات وجهه ، و قال حسنا ابقي هنا هذه الليلة - فقد كان البرد قارساً - و في الغد ارحلي ، و خذي هذا المبلغ ينفعك ريثما تجدين عملا ، و هم بالخروج فاستوقفته و قلت له شكرا ، فلتبقَ أنت هنا و سأخرج أنا ، و لكن لي رجاء ...أريد أن تحدثني عن أسباب تصرفك مع صديقك و معي ، فجلس و أخذ يحدثني ، و عيناه في الأرض فقال : إنه الإسلام يحرم المحرمات ويُحل الحلال ، و يحرم الخلوة بالنساء و شرب الخمر و يحثنا على الإحسان إلى الناس و على حسن الخلق .... تعجبت، أهؤلاء الذين يقال " إنهم إرهابيون " ؟! لقد كنت أظنهم يحملون مسدسات ، و يقتلون كل من يقابلون ...(1/487)
هكذا علمني الإعلام الأمريكي قلت له أريد أن أعرف أكثر عن الإسلام ، هل لك أن تخبرني ، قال لي : سأذهب بك إلى عائلة مسلمة متدينة تعيش هنا ، أعلم أنهم سيعلمونك خير تعليم . فانطلق بي في اليوم التالي إليهم ، وفي الساعة العاشرة كنت في بيتهم حيث رحبوا بي ..و أخذت أسأل وأسأل ، و الدكتور سليمان رب الأسرة يجيب ، حتى اقتنعت تماما بكل ما قال ، و علمت أني وجدت ما كنت أبحث عنه ، دين صريح واضح متوافق مع الفطرة لم أجد أية صعوبة في تصديق أي شيء مما سمعت ...كله حق ...أحسست بنشوة لا تضاهى حينما أعلنت إسلامي و ارتديت الحجاب من فوري في نفس اليوم الذي صحوت فيه منشرحة..... في الساعة الواحدة مساء أخذتني السيدة إلى أجمل غرف البيت و قالت هي لك ، ابقي فيها ما شئت. رأتني أنظر إلى النافذة و أبتسم ، و دموعي تنهمر على خدي .. سألتني عن السبب ، قلت لها إنني كنت بالأمس في مثل هذا الوقت تماما أقف إلى نافذة و أتضرع إلى الله ربي: إما أن تدلني على الطريق الحق و إما أن تميتني .. لقد دلني و أكرمني و أنا الآن مسلمة مكرمة أعرف ربي وأعرف طريقي إليه .. الإسلام هو الطريق ، الإسلام هو الطريق ...و أخذت السيدة تبكي معي و تحتضنني...
***
70- هكذا أسلم الدكتور جفري لانغ
بروفسور أمريكي في الرياضيات ، أسلم ووضع كتابه (الصراع من أجل الإيمان) الذي ضمّنه قصة إسلامه ، وأصدر مؤخراً كتاب (حتى الملائكة تسأل – رحلة الإسلام إلى أمريكا) .
يحدثنا د. جيفري لانغ عن إسلامه :(1/488)
"لقد كانت غرفة صغيرة ، ليس فيها أثاث ما عدا سجادة حمراء ، ولم يكن ثمة زينة على جدرانها الرمادية ، وكانت هناك نافذة صغيرة يتسلّل منها النور ... كنا جميعاً في صفوف ، وأنا في الصف الثالث ، لم أكن أعرف أحداً منهم ، كنا ننحني على نحو منتظم فتلامس جباهنا الأرض ، وكان الجو هادئاً ، وخيم السكون على المكان ، نظرت إلى الأمام فإذا شخص يؤمّنا واقفاً تحت النافذة ، كان يرتدي عباءة بيضاء ... استيقظت من نومي ! رأيت هذا الحلم عدة مرات خلال الأعوام العشرة الماضية ، وكنت أصحو على أثره مرتاحاً .في جامعة (سان فرانسيسكو) تعرفت على طالب عربي كنت أُدرِّسُهُ ، فتوثقت علاقتي به ، وأهداني نسخة من القرآن ، فلما قرأته لأول مرة شعرت كأن القرآن هو الذي "يقرأني" !. وفي يوم عزمت على زيارة هذا الطالب في مسجد الجامعة ، هبطت الدرج ووقفت أمام الباب متهيباً الدخول ، فصعدت وأخذت نفساً طويلاً ، وهبطت ثانية لم تكن رجلاي قادرتين على حملي ! مددت يدي إلى قبضة الباب فبدأت ترتجف، ثم هرعت إلى أعلى الدرج ثانية ... شعرت بالهزيمة ، وفكرت بالعودة إلى مكتبي .. مرت عدة ثوانٍ كانت هائلة ومليئة بالأسرار اضطرتني أن أنظر خلالها إلى السماء ، لقد مرت عليّ عشر سنوات وأنا أقاوم الدعاء والنظر إلى السماء ! أما الآن فقد انهارت المقاومة وارتفع الدعاء : "اللهم إن كنت تريد لي دخول المسجد فامنحني القوة" ..(1/489)
نزلت الدرج ، دفعت الباب ، كان في الداخل شابان يتحادثان . ردا التحية ، وسألني أحدهما : هل تريد أن تعرف شيئاً عن الإسلام ؟ أجبت : نعم ، نعم .. وبعد حوار طويل أبديت رغبتي باعتناق الإسلام فقال لي الإمام : قل أشهد ، قلت : أشهد ، قال : أن لا إله ، قلت : أن لا إله - لقد كنت أؤمن بهذه العبارة طوال حياتي قبل اللحظة – قال : إلا الله ، رددتها ، قال : وأشهد أن محمداً رسول الله ، نطقتها خلفه .لقد كانت هذه الكلمات كقطرات الماء الصافي تنحدر في الحلق المحترق لرجل قارب الموت من الظمأ ... لن أنسى أبداً اللحظة التي نطقت بها بالشهادة لأول مرة ، لقد كانت بالنسبة إليّ اللحظة الأصعب في حياتي ، ولكنها الأكثر قوة وتحرراً . بعد يومين تعلمت أول صلاة جمعة ، كنا في الركعة الثانية ، والإمام يتلو القرآن ، ونحن خلفه مصطفون ، الكتف على الكتف ، كنا نتحرك وكأننا جسد واحد ، كنت أنا في الصف الثالث ، وجباهنا ملامسة للسجادة الحمراء ، وكان الجو هادئاً والسكون مخيماً على المكان !! والإمام تحت النافذة التي يتسلل منها النور يرتدي عباءة بيضاء ! صرخت في نفسي : إنه الحلم ! إنه الحلم ذاته ... تساءلت : هل أنا الآن في حلم حقاً ؟! فاضت عيناي بالدموع ، السلام عليكم ورحمة الله ، انفتلتُ من الصلاة ، ورحت أتأمل الجدران الرمادية ! تملكني الخوف والرهبة عندما شعرت لأول مرة بالحب ، الذي لا يُنال إلا بأن نعود إلى الله".
برقّةِ روحي ، وخفقةِ قلبي *** بحبّ سرى في كياني يلبّي
سألتكَ ربّي لترضى ، وإني *** لأرجو رضاك -إلهي -بحبي
وأعذبُ نجوى سرَت في جَناني *** وهزّتْ كياني "أحبك ربي"
وطبيعي أن تنهال الأسئلة على الدكتور جيفري لانغ باحثة عن سر إسلامه فكان يجيب :(1/490)
"في لحظة من اللحظات الخاصة في حياتي ، منّ الله بواسع علمه ورحمته عليّ ، بعد أن وجد فيّ ما أكابد من العذاب والألم ، وبعد أن وجد لدي الاستعداد الكبير إلى مَلء الخواء الروحي في نفسي ، فأصبحت مسلماً ... قبل الإسلام لم أكن أعرف في حياتي معنى للحب ، ولكنني عندما قرأت القرآن شعرت بفيض واسع من الرحمة والعطف يغمرني ، وبدأت أشعر بديمومة الحب في قلبي ، فالذي قادني إلى الإسلام هو محبة الله التي لا تقاوَم" .
"الإسلام هو الخضوع لإرادة الله ، وطريق يقود إلى ارتقاء لا حدود له ، وإلى درجات لا حدود لها من السلام والطمأنينة .. إنه المحرك للقدرات الإنسانية جميعها ، إنه التزام طوعي للجسد والعقل والقلب والروح" .
"القرآن هذا الكتاب الكريم قد أسرني بقوة ، وتملّك قلبي ، وجعلني أستسلم لله ، والقرآن يدفع قارئه إلى اللحظة القصوى ، حيث يتبدّى للقارئ أنه يقف بمفرده أمام خالقه ، وإذا ما اتخذت القرآن بجدية فإنه لا يمكنك قراءته ببساطة ، فهو يحمل عليك ، وكأن له حقوقاً عليك ! وهو يجادلك ، وينتقدك ويُخجلك ويتحداك ... لقد كنت على الطرف الآخر ، وبدا واضحاً أن مُنزل القرآن كان يعرفني أكثر مما أعرف نفسي ... لقد كان القرآن يسبقني دوماً في تفكيري ، وكان يخاطب تساؤلاتي ... وفي كل ليلة كنت أضع أسئلتي واعتراضاتي ،ولكنني كنت أكتشف الإجابة في اليوم التالي ... لقد قابلت نفسي وجهاً لوجه في صفحات القرآن.." .
"بعد أن أسلمت كنت أُجهد نفسي في حضور الصلوات كي أسمع صوت القراءة ، على الرغم من أني كنت أجهل العربية ، ولما سُئلت عن ذلك أجبت : لماذا يسكن الطفل الرضيع ويرتاح لصوت أمه ؟ أتمنى أن أعيش تحت حماية ذلك الصوت إلى الأبد" .(1/491)
"الصلاة هي المقياس الرئيس اليومي لدرجة خضوع المؤمن لربه ، ويا لها من مشاعر رائعة الجمال ، فعندما تسجد بثبات على الأرض تشعر فجأة كأنك رُفعت إلى الجنة، تتنفس من هوائها ، وتشتمُّ تربتها ، وتتنشق شذا عبيرها ، وتشعر وكأنك توشك أن ترفع عن الأرض ، وتوضع بين ذراعي الحب الأسمى والأعظم" .
"وإن صلاة الفجر هي من أكثر العبادات إثارة ، فثمة دافع ما في النهوض فجراً – بينما الجميع نائمون – لتسمع موسيقا القرآن تملأ سكون الليل ، فتشعر وكأنك تغادر هذا العالم وتسافر مع الملائكة لتمجّد الله عند الفجر" .
ونختم الحديث عن د. جيفري لانغ بإحدى نجاواه لله :
"يا ربي إذا ما جنحتُ مرة ثانية نحو الكفر بك في حياتي ، اللهم أهلكني قبل ذلك وخلصني من هذه الحياة . اللهم إني لا أطيق العيش ولو ليوم واحد من غير الإيمان بك" .
* * *
انتهى
تم الانتهاء من هذا الكتاب بإذن الله تعالى ومشيئته
يوم الأربعاء 9/5/1429هـ الموافق 14/5/2008م
---------------------------
ahmedaly240@hotmail.com
ahmedaly2407@gmail.com(1/492)